مجمل أصول أهل السنة

ناصر العقل

أهمية علم العقيدة

مجمل أصول أهل السنة - أهمية علم العقيدة العقيدة هي الالتزام بالأصول والمسلمات والقطعيات في أبواب الدين كله، وللعقيدة أهمية بالغة؛ إذ إنها هي الأسس والركائز التي يقوم عليها الدين، وللعقيدة الإسلامية خصائص وسمات منها: الوضوح والكمال والشمول، ونقاء المصادر، والبقاء والديمومة، بخلاف بقية العقائد الملفقة التي نهايتها الزوال والاضمحلال.

مفهوم العقيدة

مفهوم العقيدة الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وإن أعظم الفقه في الدين هو الفقه الأكبر كما سماه السلف الصالح، أعني: فقه العقيدة والأصول والمسلمات والثوابت التي يقوم عليها الدين، لاسيما وأن المتأمل لحال المسلمين اليوم يجد أن حاجتهم إلى تثبيت العقيدة وأصول الدين ملحة، بل ضرورية؛ لأنها اختلت عند الكثيرين وجهلوها، ثم لأن العقيدة هي التي تحكم علاقة المسلم بربه عز وجل، وعلاقته بالخلق على منهج سليم يرضي الله سبحانه وتعالى، ويحقق له السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة والنجاة. ثم أصول الدين والمسلمات هي الرابط الأبقى والأقوى بين المسلمين في كل زمان إلى قيام الساعة، كما أنها أيضاً الرابط فيما بينهم وبين الأمم الأخرى والبشرية جمعاء، وهي الرابط السليم بين عالم الشهادة وعالم الغيب، لأنها جاءت من لدن حكيم خبير. ومن هنا تأكدت ضرورة تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين، وغرسها بين أجيال الأمة، ومن هذا المنطلق أيضاً كان لابد على علماء الأمة خاصة وطلاب العلم عامة، أن تتظافر جهودهم عبر وسائل الإعلام للقيام بهذا الواجب. ونظراً لأنه في بداية كل علم لابد من الوقوف على مصطلحاته، فلابد هنا أن نستهل هذا الدرس بالتعريف بأهم مصطلحات الموضوع أو مصطلحات العقيدة وما يرادفها.

تعريف العقيدة لغة

تعريف العقيدة لغة أولاً: العقيدة لغة: مأخوذة من العقد وهو الشد والربط والإحكام بقوة، ولذلك فمما هو جارٍ على ألسنة الناس تسمية كل أمر ذي بال بأنه عقد؛ فإجراء النكاح عقد، وإجراء البيع عقد، وهكذا سائر العقود والعهود تسمى عقداً، مما يدل على أهميتها. فالعقيدة تنبني على اليقين والعقد الذي يستقر في القلب، ويسلم به العقل ويحكم المشاعر والعواطف.

تعريف العقيدة اصطلاحا

تعريف العقيدة اصطلاحاً أما العقيدة في الاصطلاح فلها معنيان: معنى عام يشمل كل عقيدة، العقيدة الحق أو العقيدة الباطلة عند أهل الباطل، وهي تعني الإيمان واليقين الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده. أما العقيدة الإسلامية، فهي تعني: اليقين والتسليم والإيمان الجازم بالله عز وجل، وما يجب له من التوحيد والعبادة والطاعة، ثم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وسائر أصول الإيمان، ثم أركان الإسلام، والقطعيات الأخرى، وهي كثيرة، كالشفاعة والرؤية، والأمور العملية التي هي من قطعيات الدين؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والحب في الله والبغض في الله، ونحو ذلك مما يندرج في الواجبات، وفي العلاقات بين المسلمين كحب الصحابة رضي الله عنهم، وحب السلف الصالح، وحب العلماء وحب الصالحين، ونحو ذلك مما هو مندرج في أصول الاعتقاد وثوابته. وعلى هذا فإن أمور العقيدة هي: كل ما ثبت بالشرع، فسائر ما ثبت من أمور الغيب هو من أصول العقيدة، والأخبار التي جاءت في كتاب الله وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من العقيدة، والثوابت والمسلمات العلمية أو العملية داخلة في أصول الاعتقاد، ومن ذلك التزام شرع الله عز وجل في الجملة، والتزام أصول الفضائل والأخلاق الحميدة ونفي ما يضاد ذلك، كل هذا داخل في مسمى الأصول والقطعيات، التي هي في مجموعها تسمى العقيدة. فالعقيدة: هي الأسس التي يقوم عليها الدين، اعتقادية وعلمية وعملية، وهي بمثابة الأسس للبناء، ولذلك جاء وصفها في الشرع بالأركان، وهي من أسس الدين والعقيدة، فأسس الإسلام تسمى أركاناً، وكذلك بقية الأصول. وهذه الأسس ليست محصورة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، بل حتى أن أصول الإيمان وأركان الإسلام لها قواعد هي من قطعيات الدين، فمثلاً: الإيمان بالملائكة مبدأ قد يقر به الكثيرون، لكن قد يوجد عند بعض الجاهلين أو بعض أصحاب الشبهات والأهواء من ينكر ملكاً من الملائكة، كما كان من بعض الأمم التي تنكرت لجبريل عليه السلام، فلهذا ينتقض الإيمان، مع أن الفرد قد يقول: إني مؤمن بالملائكة. فالعقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين، وهي الركائز الكبرى، وتسمى ثوابت، وتسمى مسلمات، وتسمى قطعيات، وتسمى أصولاً وغير ذلك من المعاني المرادفة التي يفهم منها أن العقيدة هي أصول الدين العظمى التي ينبني عليها الدين للفرد والجماعة.

مفهوم السلف

مفهوم السلف ومن العبارات التي يلزم استعمالها وارتباطها في ذهن المسلم، وهي من المصطلحات المهمة في تعريف العقيدة، كلمة السلف. السلف المقصود بهم: القدوة في هذه الأمة، وهم الرواد الذين رسموا لنا منهج العقيدة على ضوء الكتاب والسنة؛ لأن منهج العقيدة: علمي وعملي، وهذا لا يمكن أن يكون واضحاً وبيناً إلا بقدوة؛ لأن الإسلام ليس مجرد نظريات أو علوم بل الإسلام منهج حياة يتمثل بأمة بأفرادها وعلى رأسها العلماء ومن دونهم؛ فنظراً لأن القدوة أصل في رسم معالم العقيدة وبيان مسلماتها، فلابد أن نتعرف على أول قدوة منهم، وهم السلف الصالح. السلف الصالح: هم صدر هذه الأمة، والسلف هم الذين سلفوا وقضوا من القدوات، فالسلف هم صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة، وعلى هذا يطلق هذا الوصف أيضاً من باب التوسع في الوصف كما هو معروف عند تقرير الاصطلاحات، فيطلق هذا الوصف على كل من التزم هذا المنهج وإن كان معاصراً، فهو سلفي بمعنى أنه على نهج السلف. إذاً: فالسلف لها معنيان: معنى خاص: وهم خيار هذه الأمة ابتداء من عصر الصحابة إلى يومنا هذا، والمعنى الآخر: هم من كان على هذا النهج وإن كان من المعاصرين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من أنكر أصلا من أصول الدين

حكم من أنكر أصلاً من أصول الدين Q حكم من أنكر أصلاً من أصول الدين؟ وحكم من أنكر الرؤية؟ A القاعدة في إنكار أي أصل من أصول الدين أنه ينقض الإيمان وينقض الإسلام ويخرج به المسلم من مقتضى الإسلام، مع مراعاة عند الحكم فيها على المعين تطبيق شروط التكفير، بمعنى: أن الذي ينكر أصلاً من أصول الدين قد يكون جاهلاً فيعذر بجهله، وقد يكون متأولاً فيكون التبس عليه الأمر، وقد يكون مكرهاً، وقد يكون عنده اشتباه، وهكذا هناك صوارف كثيرة، فالمعنى أننا نحكم على المعين إذا صدر منه ما يقتضي إنكار أصل من الأصول، أما الحكم المجرد، فلا شك أن من أنكر أصلاً من الأصول فإن هذا كفر، لكن يبقى حكماً مجرداً، فتطبيقه على الأعيان لابد فيه من تحقيق شروط وانتفاء الموانع. أما إنكار الرؤية، فالرؤية المقصود بها: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وهذا أصل ثابت في قطعيات النصوص؛ في القرآن والسنة وبتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما فسر آيات الرؤية، قال: (إنكم سترون ربكم عياناً). فعلى هذا تعتبر الرؤية بهذا المفهوم أصلاً قطعياً من أصول الدين. ومن أنكر الرؤية يحكم عليه بالحكم السابق؛ ونظراً لأن مسألة الرؤية من المسائل التي لا تستبين لكثير من عامة المسلمين، ولا يعرفون معانيها على وجه التفصيل، فإن من ينكر الرؤية لابد أن تقام عليه الحجة ويبين له وجه الدليل، ولا يحكم بكفره من أول وهلة، لكن إذا تبين له وجه الدليل والحق واستبان له، ولكنه عاند وكابر، فإنه يكون أنكر أصلاً من أصول الدين فحكمه ما سبق.

الحكم على الفعل ليس كالحكم على الفاعل

الحكم على الفعل ليس كالحكم على الفاعل Q هل الحكم على الفعل ليس هو كالحكم على الفاعل؟ A من ثوابت الاجتهاد عند السلف، بل هي أصل من أصول الأحكام على الناس، أن نفرق بين الاعتقاد والقول والفعل وبين من صدر عنه ذلك، فكما قد يقول المسلم قولاً كفرياً أو يفعل فعلاً كفرياً، أو يعتقد اعتقاداً كفرياً فيما يظهر لنا، فإنه لا يعني ذلك أن نحكم عليه بالكفر، حتى تنطبق عليه شروط التكفير، وتنتفي عنه الموانع، ويطبق ذلك أهل الرسوخ في العلم؛ لأن هذه من المصالح العظمى ومن القضايا الكبرى التي لا يتاح الحكم فيها لأفراد الأمة، ولا حتى سائر طلاب العلم، فالغالب أن هذه لا يحكم بها إلا الراسخون في العلم؛ لأنها حكم على العباد بحكم الله عز وجل، وهو أمر خطير قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه في البخاري وغيره: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، فالأمر خطير جداً. وكذلك المنافق إذا ظهر منه ما يقتضي الردة فإننا لا نستطيع أن نحكم عليه؛ لأن النفاق الخالص قلبي لا يعلمه إلا الله عز وجل.

مفهوم السنة والجماعة

مفهوم السنة والجماعة ومن المصطلحات المهمة في هذا الباب: السنة والجماعة أو أهل السنة والجماعة، وهذه المسألة من المسائل المستفيضة عند كثير من الناس، ويسمع بها أغلب المسلمين، لكن قد لا يفهم حقيقتها الكثيرون، ونحتاج إلى أن نقف على معناها. أهل السنة والجماعة: هم كل من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون وأئمة الهدى، أي: من كان على السنة فهو من أهل السنة. وسموا أهل السنة لاستمساكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنهم أخذوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الأهواء والافتراق، قال: (فعليكم بسنتي)؛ فسموا أهل السنة لأنهم أخذوا بهذه الوصية، وكذلك لاتباعهم نهج السنة على جهة العموم. وكذلك وصف الجماعة؛ وهي غالباً ما تقرن بالسنة، فيقال: السنة والجماعة. فالسنة منهج، والجماعة كيان، والكيان: هم جماعة المسلمين الذين استمسكوا بالسنة وأخذوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا السنة، وعلى هذا فإنهم وصفوا بالجماعة؛ لأنهم أخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة) ولأنهم اجتمعوا على الحق وأجمعوا عليه، واجتمعوا على الأصول الكبرى والمعاني العظمى ومسلمات الدين وثوابتها، وعلى مصالح الأمة العظمى، كبيعة إمام السمع والطاعة للوالي بالمعروف، وغير ذلك من المصالح العظمى فهم يجتمعون عليها، كما اجتمعوا على المصالح واجتمعوا على ما عليه سلف الأمة، والتزموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة. وعلى هذا فإن وصف السنة والجماعة ليس شعاراً، ولا حزباً ولا مذهباً، بل هو وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين يدعون العلم والتعالم ثم يطعنون في مفهوم السنة والجماعة ويزعمون أن هذا تحزب، أو يظنون أن هذا من صنع العلماء أو من صنع السلف، وأنهم اخترعوه ليميزوا أنفسهم عن غيرهم، فهذا خطأ فادح، والحق أن وصف السنة والجماعة وأهل السنة والجماعة وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين ذكر الافتراق وحذر منه وذكر الفتن والاختلاف، قال: (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي)، وهذا إذا وجد الاختلاف. فمع الاختلاف هؤلاء تمسكوا بالسنة هم أهل السنة الذين أخذوا بالوصية، فهذا وصف شرعي. كذلك الجماعة، لما ذكر السلف والفرقة قال: (وعليكم بالجماعة)، وقال: (فعليكم بالجماعة)، وقال: (إن يد الله مع الجماعة)، فالجماعة وصف شرعي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهكذا الوصف بمجمله أهل السنة والجماعة أو السنة والجماعة: منهج شرعي يمثل الإسلام بمصادره ومنهجه، وليس فرقة ولا طائفة.

مفهوم أهل الحديث وأهل الأثر

مفهوم أهل الحديث وأهل الأثر كذلك لأهل السنة والجماعة أوصاف: إما أن تكون أوصافاً حقيقية انطبقت عليهم لغة أو أوصافاً شرعية جاءت في السنة، أو أوصافاً أثرت عن السلف الصالح، ولا بأس من استعمال هذه الأوصاف إذا لم تقتض تعصباً، مثل: أهل الحديث، فأهل السنة هم أهل الحديث، وبعض الناس قد يفهم من أهل الحديث أنهم رواة الحديث فقط، مع أن من أعظم خصائص أهل السنة أنهم رواة الحديث، لكن لا يقف وصفهم على هذا، فهم أهل الحديث العاملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، والحديث يرادف السنة؛ لأن الحديث هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم سواء من قوله أو فعله أو تقريره، فهو مرادف لكلمة السنة. ومن أوصافهم: أنهم أهل الأثر؛ لأنهم على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أثر السلف الصالح، ومن أوصافهم أنهم السلف، ومن أوصافهم أنهم أهل الاتباع، ومن أوصافهم أنهم الطائفة المنصورة، أي: أن الله عز وجل تكفل بنصرها إذا أخذت بأسباب النصر، وكذلك الفرقة الناجية. ومن عداها من أهل الافتراق الذين ما خرجوا عن الملة، وما خرجوا عن مسمى الإسلام وهم الذين اتبعوا السبل ولم يخرجوا من الملة وهم أكثر فرق الأمة، ومن فرق الثنتين والسبعين التي خرجت عن السنة هم من المسلمين، لكنهم خرجوا عن السبيل، واتبعوا السبل، وخرجوا عن السنة فيسمون أهل الأهواء، ويسمون أهل الافتراق، ويسمون أهل البدع، ويسمون الفرق المفارقة؛ لأنهم اتبعوا السبل التي نهى الله عنها ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يخرجون من مسمى الإسلام، لكنهم لا يسمون أهل السنة والجماعة ولا يستحقون هذا الوصف؛ لأنهم خالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك بالسنة.

سمات وخصائص عقيدة أهل السنة

سمات وخصائص عقيدة أهل السنة ومن الأمور التي يجب أن نقف عندها في هذا التأصيل، هي: خصائص عقيدة السلف، لأن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة السلف هي العقيدة الحقة، ولكن كيف نتعرف عليها؟ وكيف نعرف سماتها؟ وكيف نعرف الركائز التي تنبني عليها أو تعرف بها؟ ولاسيما في هذا العصر الذي كثر فيه تشقيق العلوم وعنصرتها أو ما يمكن أن يسمى بتعليب العلوم، فالناس كما علبت لهم المعلومات، فهم الآن يحتاجون أيضاً إلى ما يشبه تعليب العلوم أي: تيسيرها وتسهيلها، وبيان صفات المناهج والأصول والمفردات في هذه المناهج. فلا بد من معرفة المنهج الحق الذي هو الإسلام بمصادره ومناهجه، الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، الذي يتميز بخصائص كثيرة وركائز وسمات، وأهمها:

الكمال والشمول

الكمال والشمول أولاً: أبرز سمة وأهم سمة هي: الكمال والشمول؛ لأنها دين الله، ودين الله كامل وشامل لكل زمان ولكل مكان ولكل فئة ولكل مجتمع ولكل دولة، وإن تخلفت في بعض الأزمان والأمكنة، فهذا بسبب تقصير المسلمين، وإلا فإن أبرز سمة للدين كله والذي تمثله السنة والجماعة هو الكمال والشمول؛ لأنها ربانية: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، وهو سبحانه العليم الخبير بمصالح العباد.

نقاء المصادر

نقاء المصادر ثانياً: نقاء المصادر وسلامة المصادر، وأعني بذلك: أن مصادر السنة هي مصادر الدين النقية، بخلاف ما وقع فيه أهل الأهواء والبدع والافتراق، فإنهم تعكرت مصادرهم، وابتدعوا في الدين، وأخذوا من مصادر غير صافية، إما آراء الرجال، وإما الأهواء، وإما الابتداع، وإما غير ذلك فمصدرها القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية، أي: ما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومصدر الدين. أما الإجماع فهو مبني على الكتاب والسنة، كما سيأتي فيما بعد.

البقاء والحرص

البقاء والحرص ثالثاً: البقاء والحرص؛ لأنه الدين الحق، والدين قد تكفل الله بحفظه، كما قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، والله عز وجل كما تكفل بحفظ القرآن بحروفه وبمعانيه حفظاً كاملاً، كما تكفل بحفظ السنة، فالكفالة بالحفظ ليست للقرآن فقط، لكن القرآن له خصائص أن الله تكفل بحفظه بمعانيه وحروفه بحيث لا يزيد ولا ينقص منه ولا يمكن أن يتعرض له بأي تحريف أو نقص، أما السنة فقد تروى بعضها بمعانٍ، وقد تروى بالسلوك والقدوة، ومع ذلك فهي محفوظة؛ لأنها مصدر الدين. وقد يقول قائل: أليس من عدا أهل السنة والجماعة عندهم مصادر محفوظة؟ نقول: نعم، فيما أخذوا به من القرآن والسنة محفوظ، لكن اعترتهم مصادر أخرى يعتريها جميع أنواع الاعتلال التي تعتري البشر من النسيان والنقص والخلل والفناء التي هي نتاج البشر الذي أدخلوه وجعلوه باسم الدين، وهذا لا شك أنه ناقص، وليس مصدراً، فمن هنا لا تتوفر صفات الثبات والبقاء والحرص والنقاء إلا لأصول أهل السنة والجماعة.

الأسئلة

الأسئلة

الاستدلال بالأكثرية على صحة المنهج أو بطلانه

الاستدلال بالأكثرية على صحة المنهج أو بطلانه Q هل يشترط للجماعة أن تكون هي الأغلبية؛ لأن هذا اللفظ يلتبس على كثير من الناس، ويستدلون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالجماعة، أم أن الأشاعرة مثلاً هم أكثر أعيان المسلمين، فهم إذاً على الصواب؟ A أولاً: ليس من شرط البقاء على الحق الأكثرية، بل نصوص ودلائل قطعيات النصوص تدل على عكس ذلك، خاصة في بعض الأزمان وبعض الأحوال، ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحق أنهم في بعض الأحوال غرباء حينما يكثر الفساد ويبقى الصالحون قلة. ثانياً: تشير النصوص إلى أن أهل السنة والجماعة ضمن فرق المسلمين فرقة من العديد من الفرق، كما جاء في حديث الافتراق، وعدد الفرق ثلاث وسبعين فرقة، واحدة الناجية واثنتان وسبعون وقعت في الافتراق والأهواء، فالواحدة من ثلاثة وسبعين قليلة، وإن كان هذا لا يتعلق بالعدد، لكن فيه إشارة إلى أن أهل الحق يقلون خاصة في بعض الأزمان وبعض الظروف. ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الافتراق واتباع السنن، خاطب المجموع، مما يدل على أن الأكثرية ستقع فيما وقعت فيه الأمم من الافتراق والأهواء والاختلاف في الدين، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لتتبعن سنن من كان قبلكم)، الخطاب لعموم الأمة، ولا يعني ذلك كلها، إنما الأغلب لأن الحديث يدل على الأغلب، وإلا فهذا العموم مستثنى بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلى أن تقوم الساعة)، ولذلك فإن النصوص ينبغي أن يرد بعضها إلى بعض، لنأخذ النص العام ولا نخصصه بالجميع، وإذا خصصناه فسوف نقع في الهلكة أو الاعتقاد والتصور الخاطئ عن الناس. إذاً: هذه الأدلة بمجموعها والواقع أيضاً ظاهر يدل على أن أهل الحق قد يقلون، بل أحياناً قد يتشتتون في بعض البلاد، فقد تجد في بعض الأماكن وبعض البلاد أهل السنة قلة، وقد تجد في بعض الأرياف والقرى البعيدة التي هيمنت عليها البدع واحداً صاحب سنة والبقية يكونون وقعوا في البدع والأهواء. والله أعلم. إذاً: الأكثرية ليست هي القاعدة في كل زمان وفي كل مكان، إنما المعيار هو الحق، كما قال أحد السلف: الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك.

موانع تكفير المعين

موانع تكفير المعين Q مسألة التكفير خطيرة جداً، وذكرتم موانع التكفير للمعين، فما هي لو تفضلتم يا شيخ؟ A موانع التكفير كثيرة، أهمها: أولاً: الجهل، وثانياً: الإكراه، وثالثاً: التأويل، ورابعاً: الاشتباه، هذه أغلب قواعد الإعذار، ومع ذلك فالإعذار لا يتناهى، وأحياناً الإنسان قد يكون له ظرف معين يلتبس بأحوال يعذر بها دون هذه الأعذار الكبرى.

تابع سمات وخصائص أهل السنة والجماعة

تابع سمات وخصائص أهل السنة والجماعة

الوضوح والنقاء

الوضوح والنقاء ومن خصائص السنة والجماعة: الوضوح، منهج أهل السنة والجماعة يتميز بالوضوح والنقاء، ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالبيضاء، يقول في الحديث الصحيح: (تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: (جئتكم بيضاء نقية) أي: لا يعتريها أي غبش، وهذا الذي يصحب أصول السنة إلى قيام الساعة؛ لأنه لا يعقل أن يعتري السنة أي غبش؛ لأن هذا يقتضي النقص في الدين وحاجة الناس إلى الوحي، وقد انقطع الوحي بنبينا صلى الله عليه وسلم، وانقطعت النبوة وتكفل الله بحفظ الدين، وهذا يقتضي البقاء والنقاء والوضوح لكل من أعطاه الله بصيرة، والوضوح أمر نسبي لمن وفقه الله للهدى، وإلا فأهل الأهواء والافتراق هو عليهم عمى، قد تعمى عليهم الواضحات نسأل الله العافية، إنما هو واضح لمن جد في تحصيل الحق، ولمن صدق في البحث عن الحقيقة، ولمن وفقه الله وهداه، ولمن سلك وسائل وأسباب الهداية عن تجرد وإخلاص، فإنه يجدها واضحة نقية كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم.

الاعتدال والوسطية

الاعتدال والوسطية ومن سمات أهل السنة والجماعة الاعتدال والوسطية في كل شيء، ولذلك فإن أهل السنة والجماعة دائماً في أصول الدين وسط بين طرفين: طرف أهل الغلو وطرف أهل التساهل والإعراض في سائر أمور الدين؛ في أركان الإيمان وفي أركان الإسلام وفي مسائل النظر إلى الغيبيات وفي الأحكام على العباد، وفي تطبيق الشرع والعمل به، وفي العبادات. فمثلاً: في الوعد والوعيد: هم وسط بين المرجئة الذين لا يضعون أي اعتبار للوعيد، وبين الخوارج الذين لا يضعون أي اعتبار للوعد، فالخوارج يأخذون بنصوص الوعيد على أشد محاملها، والمرجئة يأخذون بنصوص الوعد على أشد محاملها، فأهل السنة بين هذا وذاك، يؤمنون بالوعيد وأنه صدق وحق، ويؤمنون بالوعد ويردون هذا إلى هذا؛ لأن نصوص الشرع لابد أن تتكامل، لاسيما أن نصوص الوعيد كثير منها ما يقصد به الزجر، وله استثناءات، وله نصوص أخرى تفسره، فعلى هذا فأهل السنة في جميع أمور الدين الاعتقادية والقولية والعملية هم وسط، وهم منهج الاعتدال. حتى في الأحداث المعاصرة نجد مواقف أهل الاعتدال، مثل: مشايخنا الكبار، والعلماء، والدعاة الذين استقاموا على السنة، نجد أن منهجهم هو منهج الاعتدال إزاء طائفتين من الأمة، طائفة الغلو الذين سلكوا مسالك التكفير والفساد في الأرض والتفجيرات، وطائفة الإعراض والتساهل الذين تميعوا في الدين وأضاعوا حقائق الدين والولاء والبراء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم وسط بين هذا وذاك.

الالتزام بالدليل والوقوف على النص

الالتزام بالدليل والوقوف على النص ثم إنها توقيفية، منهج أهل السنة والجماعة توقيفي، لا مجال للاختراع فيه ولا الزيادة ولا النقص، بل موقوف على ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن أصول الاعتقاد الأصول والمسلمات والثوابت ليست مجالاً للاجتهاد، وهذا معنى كونها ثابتة، ولو كانت مجالاً للاجتهاد لما استقرت، ولو كان فيها مجال لإدخال العقل والعواطف والأهواء والرغبات والأمزجة، لما وجد فيها كمال ولا نقاء ولا سلامة ولا بقاء ولا وضوح ولا اعتدال ولا توقيفية، لكن نظراً لأن العقيدة هي الأصول والثوابت فهي محل إجماع عند السلف، وإن خالف فيها المخالفون فهذا لا يعني أنه اعتراها النقص، وإنما النقص فيمن خالفوا وليس فيها. إذاً: هي توقيفية موقوفة على ثوابت القرآن والسنة، وموقوفة على ما أجمع عليه السلف، ومن هنا فلا مجال للاجتهاد فيها، إنما الاجتهاد في مسائل الأحكام في الفقه والأمور الأخرى، بل حتى في الفرعيات التي تتفرع عن مسائل العقيدة التي لم تثبت أدلتها، وفي مسائل تشكل على بعض طلاب العلم تدخل في بحوث العقيدة هي محل خلاف عند أهل العلم، ويظن بعض الناس أنها في العقيدة، ومنها ظنوا أن الخلاف فيها خلاف في العقيدة وهذا خطأ، بل هي مسائل تفرعت عن مسائل العقيدة وليست على أساسيات العقيدة، مثل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المعراج، فهذه ثابتة، لكن هل هي رؤية عينية أو قلبية؟ هذا محل خلاف، فكونه محل خلاف لا يعني أن أصله غير ثابت.

تحقيق الأمن والسعادة في الدارين

تحقيق الأمن والسعادة في الدارين إن عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة نظراً لأنها تمثل الإسلام بمصادره ومنهجه الإسلام الحق، فهي التي تحقق الأمن والسعادة في الدارين لأفراد الأمة ومجموعاتها، والله عز وجل يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [الأنعام:82]، والأمن ليس فقط الأمن الظاهري وإن كان مقصوداً شرعاً، لكن الأمن الباطني هو مرتكز الأمن أمن القلوب وأمن النفوس وأمن العقول، ولذلك جاء الدين بحفظ الضروريات الخمس التي لا يمكن أن تحفظ إلا بالأمن، فقد جاء بحفظ الدين، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وهذه الأمور لا يمكن أن تقوم إلا على أساس الدين، وتحقيق الأمن والسعادة في الدارين. ولذلك فإن مما ينبغي أن يتنبه له المسلمون جميعاً في ظل الظروف القاسية التي تعيشها الأمة، وفي ظل الأحداث المؤلمة، وفي ظل الوهن والضعف والتفلت والفرقة، يجب أن نذكر المسلمين بأنه لا يمكن أن يستقيم لهم أمر ولا يعتزوا وينتصروا ولا يجتمع شملهم، ولا يخذل عدوهم إلا باستقامة العقيدة، بل لا يمكن أن تزدهر لهم مدنية وحضارة على وجه كامل إلا باستقامة العقيدة، والأمم الأخرى قد يعطيهم الله الحياة الدنيا، أي أمة من الأمم غير المسلمة قد تزدهر دنياها، وقد تملك حضارة مدنية، حتى لو لم تلتزم بشرع الله؛ لأن الله عز وجل تكفل للكفار بأن يعطيهم حظهم من الحياة الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب، لكن المسلمين عزهم، واجتماعهم، ونصرهم ووحدتهم لا يمكن أن تكون إلا بالاجتماع على المعتقد الذي جعله الله عز وجل أصل الاجتماع وهو المعتقد السلفي. فالسنة والجماعة تعني الإسلام نفسه في مصادره وأصوله وقواعده وأحكامه، فليست السنة والجماعة فرقة ولا مذهباً ولا حزباً، بل هي الدين الذي ارتضاه الله لعباده، ولذلك يجب التنبيه إلى ما يقع فيه بعض الجهلة من المنتسبين للسنة، من رفع السنة شعاراً أو انتماءات يكون عليها تعصب أو ولاء وبراء على أمور خلافية، وهذا مما تسبب في تشويه صورة السنة والجماعة عند كثير من المسلمن وغير المسلمين، فوجود طائفة ممن لا يعرفون هذا الأصل قد يتحزبون وقد يتكتلون تكتلات غير مشروعة تحت شعار السنة والجماعة، والسنة والجماعة إنما هو منهج أمة ينتمي إليه كل من سلكه دون أن يكون هناك تعصب لأفراد ولا لأصول يصنعها الناس ولا لتنظيمات ولا لتجمعات، فهو الدين الحق، والدين الحق يشمل كل من اعتنقه بدون أي وسيط. فأهل السنة والجماعة هم الذين التزموا نهج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من المسلمين، وبقية الفرق تبقى تحت مسمى الإسلام ومسمى المسلمين، لا لأن الإسلام ينقسم، لكن لأن المسلمين انقسموا على الإسلام، وانقسموا حوله، والإسلام لا ينقسم، ولأن الذين خرجوا عن السنة كان خروجهم ليس خروج ردة، فبقوا تحت مسمى الإسلام، لكنهم بأوصاف أخرى، والفرق معروفة ووصفت قديماً وحديثاً بأوصاف عامة، مثل: أهل الأهواء أهل البدع أهل الافتراق، فيبقون تحت مسمى الإسلام والمسلمين، وعلى هذا ليس كل المسلمين على السنة إلا من التزم هذا المنهج. وأغلب عوام المسلمين الذين لم يتلبسوا بالبدع، ولم يكن عندهم اعتقادات باطلة، بقوا على الفطرة والسلامة، فالأصل فيهم أنهم أهل السنة والجماعة حتى ولو لم يعرفوا ذلك، ولو لم يعلنوا ذلك، أو حتى ولو انتموا لبعض الفرق مجرد انتماء، وإن كان الانتماء بدعة، لكنها زلة لا تخرج الإنسان من السنة، فأغلبية عوام المسلمين نظراً لأنهم ليسوا أهل بدع في اعتقاداتهم ولا عندهم أيضاً تأصيل للبدع، تبعيتهم تبعية غير بصيرة، وأيضاً لا يمارسون البدع العملية الكثيرة، وأغلبيتهم إن شاء الله يدخلون في مسمى السنة والجماعة.

قواعد في أصول التلقي ومنهج الاستدلال

قواعد في أصول التلقي ومنهج الاستدلال ومن الأمور المهمة ما يتعلق بقواعد وأصول التلقي والاستدلال، وهذه من المصطلحات الحديثة، لكنها مصطلحات صحيحة، فمنهج التلقي والاستدلال مصطلح معاصر، لكنه صحيح؛ لأن معناه مصادر الدين، وكيف نستمد الدين منها، فمصادر الدين هي مصادر التلقي، وكيف نستمدها؟ هذا ما يسمى منهج الاستدلال. وعندما نقول: مصادر الدين فقد يتفق معنا أغلبية المسلمين حتى الذين وقعوا في الأهواء والبدع والافتراق على أنها مصادر الكتاب والسنة، وكل يدعي وصلاً بليلى، بل لا تجد فرقة إلا وتدعي أنها تلتزم الكتاب والسنة، لكن كل دعوة لها حقيقة، لابد أن نميز الأمور بأصول شرعية، أيضاً الحقيقة أنا أفرضها على الآخرين ولا يفرضها علي الآخرون، حقيقة تحرير مصادر التلقي مصادر الدين وكيف نستمد منها؟ هذه حقيقة لها أصول شرعية رسمها النبي صلى الله عليه وسلم ورسمها أصحابه، وهذه الحقيقة تسمى منهج التلقي والاستدلال، وتتركز في الأصول التالية:

مصدر العقيدة هو الكتاب والسنة والإجماع

مصدر العقيدة هو الكتاب والسنة والإجماع الأصل الأول: مصدر الدين عموماً والعقيدة على وجه الخصوص، هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وقلنا: الصحيحة؛ لأن ما لم يصح فلا يستمد منه الدين، ولا يعتبر مصدراً للدين؛ لأن الكلام عن الدين بأصوله وثوابته ومسلماته، لا الاجتهاديات، مع أن الاجتهاد أيضاً يرتكز على أدلة أحياناً في الأمور الاجتهادية، فمثلاً: مسألة الأخلاق والفضائل قد يستمد العالم بدليل ليس ثابتاً لكنه أيضاً قد يكون الدليل ضعيفاً، لكن فيه حكمة، فيعتبر على الأقل حكمة، وهذا بالأمور الاجتهادية، أما في قطعيات الدين والعقيدة والثوابت والمسلمات فلا يمكن أن يرد مصدر غير الكتاب والسنة والإجماع وإن كان الإجماع لابد أن يرتكز على الكتاب والسنة، ولذلك بحمد الله لا يوجد إجماع عند السلف لا يعتمد على النصوص؛ لأن الإجماع مبناه على الحق، ومصادر الحق: الوحي المعصوم (القرآن والسنة)، ومصادر الحق لابد أن تتضمن بعض الأصول التي تحتاج إلى استنباط، فهناك أشياء أجمع عليها السلف؛ لأنها إما أن تنبني على قاعدة جاءت بنص أو قاعدة جاءت بمجموعة نصوص، أو منهج علمي وعملي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ورسمه الصحابة في سنة الخلفاء الراشدين، فصار هذا المنهج العملي إجماعاً؛ لأنه راجع إلى تطبيق الدين، وهذا يسمى منهجاً. وأيضاً إذا قلنا: إن مصادر الدين: الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، فقد يرد تساؤل: أليس العقل مصدراً؟ حيث أن العقل نعمة من الله عز وجل كرم الله بها العباد، وجعلها مناط التكليف؟ نقول: العقل وسيلة لا يستقل بتقرير الدين، نعم هو مناط التكليف ووسيلة الاجتهاد، ولولا أن الله أعطانا عقولاً ما عرفنا الهدى الذي يسره الله لنا، وإن كان هذا بتوفيق الله، لكن من توفيق الله أن أعطى البشر عقولاً يهتدون بها، فهو وسيلة وليس مصدراً، وكما أن العقل السليم يدرك المجملات دون تفصيلات الأصول وتفصيلات الشرائع، فيدرك مثلاً ضرورة التزام الصدق، والدين جاء بوجوب الصدق، ويدرك خطورة الكذب، والدين جاء بتحريم الكذب، وبعض العقول المتميزة قد تدرك ضرورة البحث؛ لأنه عندما يرى حياة الناس وما فيها من تفاوت وما فيها من ظلم وما فيها من مشاكل ولأواء يدرك بعقله أنه لابد من حياة أخرى يكون فيها إنصاف وعدل، وهذا الإدراك الإجمالي للعقل، أما أن يدرك به صاحبه البعث والنشور والصراط والميزان والحوض فلا يمكن لأنها أمور غيبية بحتة، والعقل لا يدركها على جهة التفصيل. فلذلك العقل أحالنا على النص، فمادام أحالنا على النص أصبح العقل وسيلة وليس مصدراً، والعقل من مصادر العلوم الإنسانية والعلوم التجريبية، بل الله عز وجل أعطى العقل من التكاليف ما ينوء به ما يستطيع، ولذلك فإن عقول البشر التي كدت وكلت في البحث عن أسرار الكون إلى الآن ما انتهت إلا إلى جزء يسير جداً من أسرار هذا الكون.

الأسئلة

الأسئلة

التمسك بالعقيدة في زمن الفتن

التمسك بالعقيدة في زمن الفتن Q ما هو الطريق السليم للتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن وأصبحت البلاد تعج بها؟ A أهل السنة والجماعة يجب أن يبذلوا كل وسيلة مشروعة لنشر السنة، لا لمجرد تكثير الناس وهذا مطلب شرعي، أنه كما يهتدي الناس على أيدينا هذا مطلب شرعي، لكن لأن الله أوجب ذلك، وأوجب علينا الدعوة إلى الحق والنصح للأمة، فمن مقتضى نصيحة هذه الأمة أن يسعى أهل السنة والجماعة إلى تحصيل كل وسيلة مشروعة لنصر السنة، وهي تنبني على الأسس التالية: أولاً: الدعوة بالقدوة، ولو أن أهل السنة خاصة الشباب والدعاة المتحمسين ركزوا على وجود القدوة في تعاملهم مع الله عز وجل وتعاملهم مع الخلق، وإظهار السنة على سلوكياتهم لكان هذا كافياً عن كثير مما نقوله من محاضرات وندوات ووسائل، ولذلك نجد أكبر مؤثر في نشر السنة، بل وفي نشر الإسلام أيضاً عبر التاريخ هو القدوة، والقدوة بالسنة. ثانياً: لا بد من ضرورة تحقيق الاجتماع الذي أمر الله به، والاجتماع يأخذ مراحل، وكثير من أهل السنة يطمح إلى جمع الأمة، وهذا مطمح كبير، لكن ينبغي أن يتدرج؛ لأن يجمع جهود أهل السنة للقيام بالنصيحة لباقي الأمة، ويكون ذلك بأن تتظافر الجهود لتطبيق السنة بين أهل السنة ثم القدوة ثم وسائل النشر تتكاتف الجهود وتتظافر بالوسائل المتاحة. ثالثاً: أن نشر السنة ينبني على النصيحة، وأعني بذلك أن يبتعد دعاة السنة مما يقع فيه بعضهم مع الأسف من القسوة والتشهير والعنف في الكلمة وفي التعامل، ونأخذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف).

وسائل المحافظة على منهج أهل السنة

وسائل المحافظة على منهج أهل السنة Q كيف يمكن للمسلم أن يحافظ على أن يكون من أهل السنة والجماعة في هذا الزمان الذي اختلف عن زمان أهلنا؟ A المحافظة على السنة يسيرة ولله الحمد؛ لأن الله عز وجل جعلها نقية بينة وظاهرة وسهلة أيضاً؛ لأنها تحتاج إلى بذل أسباب الصدق: أولاً ينبني على التزام السنة الصدق مع الله عز وجل، والصدق في البحث عن الحق. ثانياً: تأسيس السنة والجماعة من حيث المعتقد والمنهج بالتعلم، تعلم منهج السنة والجماعة خاصة عوامهم أو الذين أخذوا السنة والجماعة بالتبعية للآباء والأجداد وما ثبتوا أصول السنة في قلوبهم عن طريق التعليم، ويحتاج من يريد أن يثبت على السنة أن يتعلم الأصول الضرورية، ولا أقصد أن يكون عالماً في العقيدة، بل يتعلم بدهيات ومسلمات الدين التي ينبني عليها عقيدة أهل السنة والجماعة. ثالثاً: النظر إلى القدوة، فالعلماء الذين يمثلون السنة والجماعة يجب أن يكونوا هم مرجعية صاحب السنة، بل يجب أن يكونوا مرجعية الأمة كلها، لكن هذا من أسباب البقاء على السنة، أن يكون العالم هو قدوتك ومرجعيتك. رابعاً: تهيئة جو المخالطة والمجالسة؛ لأن المرء بجليسه، فيحرص المسلم والمسلمة على أن تكون مخالطته ومعايشته لمن حوله مع من يلتزمون السنة؛ ليسلم من غوائل الخلطة بأهل الأهواء.

ضابط البدعة المغلظة

ضابط البدعة المغلظة Q من يرتكب البدعة المغلظة هل يعتبر ذلك تكفيراً يا شيخ؟ A لا، البدعة من حيث التقسيم تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: بدعة مكفرة فهذه كفر، وتخرج صاحبها من الملة، كالشرك بالله عز وجل، ودعاء غير الله، فهذا شرك، وإن كان يدخل في منظومة البدع بالمفهوم العام، لكنها بدع شركية مخرجة من الملة، وهذا في العموم، ومع ذلك فإن إخراج الفرد يحتاج إلى تطبيق الشروط التي سبق ذكرها. القسم الثاني: البدع التي لا تخرج من الملة وهي نوعان: بدع مغلظة وهي من الكبائر، كالبدع المنهجية الكبرى، أو مغلظة بمعنى أنه ورد فيها الوعيد، وبدع صغرى، مثل بعض أنواع التوسل البدعي، وبعض التبرك البدعي التي هي محل نزاع، أو بدع إضافية، فالبدع الكبرى والبدع الصغرى لا تخرج من الملة، ويبقى صاحبها صاحب بدعة، ويقال: إنه من أهل البدع إذا تكاثرت عنده، ومن هنا نحكم على الشخص بأنه مبتدع، أولاً: لا نحكم على المسلم بأنه خرج من الملة ببدعته إلا بتطبيق الشروط. ثانياً: إذا وقع في البدعة، ولا نقل: هذا مبتدع ومن أهل الأهواء والبدع إلا عندما تجتمع هذه الشروط في وصفين: الوصف الأول: إذا كان على نهج فرقة من الفرق المبتدعة، يلتزم نهجها ويدين بها ويعتقد ما تقوله في الجملة ولو لم يكن يعرف التفاصيل؛ إذا انتمى إلى فرقة مبتدعة وتسلم بنهجها فهو مبتدع. الوصف الثاني: إذا كان صاحب البدعة تكاثرت عنده البدع، حتى أصبح هديه وسمته وسلوكه سلوك أهل البدع، فهذا يسمى مبتدعاً، أما إذا عمل بدعة صغيرة جزئية وبقية أموره على السنة فهذه زلة، ولا يقال: صاحبها مبتدع؛ لئلا ينفر من السنة، والزلة تقع من المسلم وهي من باب الخطأ.

التسمي بأهل السنة وأهل الحديث

التسمي بأهل السنة وأهل الحديث Q بعض الجماعات المعاصرة الآن يرون أنه لا ينبغي التسمي بأهل السنة والجماعة، وإنما يتسمون بأهل الحديث، قالوا: لأن الأشاعرة يتسمون بذلك؟ A هذه من الأوصاف المترادفة، فأهل السنة والجماعة أو أهل الحديث أو الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أو أهل الأثر والاتباع، أو سبيل المؤمنين أو الصراط المستقيم ونحو ذلك، هذه أوصاف شرعية معتبرة، ولكن متى يتسمى بها صاحب السنة ومتى لا يتسمى؟ هذا راجع إلى ظروف المسلم أو صاحب السنة في المكان الذي هو فيه، فمثلاً: عندنا في المملكة العربية السعودية وفي عموم جزيرة العرب في اليمن وفي الخليج غالبية الناس على السنة، فلا نحتاج إلى أن نأتي بتمييز آخر، لكن نجد في بلاد أخرى قد تتسمى بعض الفرق بأهل السنة والجماعة وتكون كثيرة، فيقع الخلط واللبس، فلأهل السنة أن يتميزوا بوصف شرعي صحيح دون تعصب، حتى السلفية، يعني: مثلاً قد يكون بعض الفئات يحتاج إلى أن يقول: فلان سلفي ونحن على السلفية، وإن كنت أتحفظ على هذا الإطلاق؛ لأن فيه من التشويش والحرج الشيء الكثير، لكن مع ذلك فقد نعذر بعض الذين يضطرون لاستعمال هذا الوصف إذا كان الوصف الآخر يلتبس، فمتى التبس وصف من الأوصاف الشرعية نلجأ إلى وصف آخر، والله أعلم.

الخلاف بين الصحابة في العقيدة

الخلاف بين الصحابة في العقيدة Q هل وقع خلاف بين الصحابة في العقيدة؟ A لا، الصحابة ما وقع عندهم فرقة ولا ابتداع، لكن قد يقع من بعض أفراد الصحابة بعض الزلات التي تندرج تحت مفردات البدع، لكنها تكون عن تأول واجتهاد خاطئ، وهي بمثابة زلة العالم، لكن القاعدة المجمع عليها أنه لم يكن أحد من الصحابة وقع في الافتراق والأهواء والبدع على الإطلاق، أما الزلة فنعم؛ لأنه لا عصمة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا يوجد صحابي عنده منهج في الابتداع أبداً، إنما زلة قد تصنف أنها من نوع البدع، بالمثال يتضح المقصود، فهذا ابن عمر رضي الله عنه بالغ في تتبع بعض آثار النبي صلى الله عليه وسلم على وجه لم يرد عن كبار الصحابة الآخرين، فهذه زلة عالم.

الحكم على الثلاثة والسبعين فرقة بأنهم في النار

الحكم على الثلاثة والسبعين فرقة بأنهم في النار Q قلتم: إن الثلاثة والسبعين فرقة لا تخرج من دائرة الإسلام، فكيف توفقون جمعاً بين هذا الحديث وبين حديث: (كلها في النار إلا واحدة)، وهل نحكم على أعيان هذه الفرق والمذاهب بأنهم أهل أهواء؟ A الحديث نفسه يحكم بأنهم من أهل الملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين والنصارى على ثنتين وسبعين، وقال: (ستفترق هذه الأمة)، أمة الإجابة أمة الإسلام على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وقوله: (في النار) يعني: من أهل الوعيد، كما أن أهل الكبائر في النار، الزاني إذا مات مصراً على كبيرته، وكذا آكل الربا كلهم إذا ماتوا ولم يتغمدهم الله برحمته فهم من أهل النار حتى يتطهروا فيها، ثم يخرجون منها؟ فأهل الافتراق من أهل النار، يعني: من أهل الوعيد ومن أهل الكبائر؛ لأن بدعهم كبائر، فالأمر بين بحمد الله، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا مما اتفق عليه سلف الأمة، أنهم اتفقوا على أن الثنتين والسبعين فرقة لا تخرج من الملة، وإذا خرجت فرقة من الملة لم تعد من الثنتين والسبعين بل صارت من أهل الردة، نسأل الله العافية.

الفرق بين التوحيد والعقيدة

الفرق بين التوحيد والعقيدة Q ما الفرق بين التوحيد والعقيدة، أو ليس العقيدة متضمنة للتوحيد؟ A التوحيد هو أعظم مباني العقيدة، الذي يقصد به توحيد الله عز وجل وتعظيمه بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتوحيده بالعبادة، وهذا المبنى هو تاج العقيدة ورأسها، وهو الإطار الذي تدور عليه العقيدة، فنظراً لأن التوحيد هو أصل العقيدة فأحياناً تسمى العقيدة كلها بالتوحيد ولا مشاحاة في الاصطلاح، لكن مسمى العقيدة أشمل وأوسع.

حكم من نصب العداء لأهل السنة والجماعة

حكم من نصب العداء لأهل السنة والجماعة Q من عادى أهل السنة والجماعة من الروافض والصوفية وغيرهما هل يخرج من الملة؟ A هذا يتدرج، فالعداوة التي تكون عن هوى وعن جهل وعن هذه كبيرة من كبائر الذنوب، أما إذا كانت العداوة عداوة دين فهذا يكون كفراً في العموم، لكن ينبغي أن نحترز في مثل هذه المسائل؛ لأنه كثر الخلط فيها واللبس. ولو قلنا: إن بغض أهل السنة والجماعة يعتبر بغضاً للحق الذي حملوه فيعتبر كفراً فلا يعني ذلك تكفير المعين، قد يكون جاهلاً وقد يكون متأولاً وقد يكون مكرهاً وقد يكون التبس الأمر عليه، أما إذا كان البغض لأهل الحق ينصرف إلى الحق الذي معهم فهذا كفر.

مفهوم حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)

مفهوم حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) Q أيضاً يا شيخ يسأل عن حديث: (لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة)؟ A النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه بألفاظ عديدة أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وهذا هو الحق، وهذا هو الحاصل؛ لأنه إذا اتفقت الفرق على البدع خالفهم أهل السنة في كل شيء، وبقي أهل السنة هم الذين يتوفر فيهم الإجماع، ومع ذلك فإن كثيراً من أمور الدين يتفق فيها أهل البدع مع أهل السنة، فمثلاً: أركان وشعائر الإسلام، الصلاة الزكاة غالب الفرق يقرون بها، بل أركان الإيمان الستة غالب أهل الأهواء والفرق يقرون بها، فنحن أهل السنة والجماعة نجتمع مع أهل الأهواء والفرق في أصول كثيرة، لكن إذا خالفوا أصول السنة أو خالف بعضهم بقي على الحق طائفة وهم أهل السنة فانعقد الأمر بأنه لا تجتمع الأمة على ضلالة، لأنه لابد أن تبقى الطائفة التي يقول النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على الحق ظاهرين: (لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم)، فبظهورهم يظهر الحق، وعلى هذا لا ينعقد الإجماع على باطل بحمد الله.

مصطلح الفرق والمذاهب والفرق بينهما

مصطلح الفرق والمذاهب والفرق بينهما Q ما هو الفرق بين المذاهب والفرق؟ A في العموم فإن الفرق غالباً ما تطلق على المخالفين في الأصول والمسلمات والعقيدة والثوابت، والمذهب غالباً ما يطلق على الاختلاف في الاجتهاديات التي ليست مذمومة، فلذلك تسمى اجتهادات العلماء في الفقه مذاهب، وتسمى المذاهب الأربعة وتنسب إلى الأئمة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فهذه تسمى المذاهب الأربعة؛ لأنها مذاهب اجتهادية، لكنها متفقة على أصول الدين، فهي في أصول الدين ليست مذاهب، ولذلك فإن المذاهب الأربعة هي مذاهب في الاجتهاديات، ويجمع الأئمة الأربعة على الأصول والمسلمات، فالمذاهب تكون في الاجتهاديات، ومع ذلك فقد اصطلح المتأخرون على تسمية البدع الناشئة والأفكار الحديثة التي تخالف الإسلام اصطلحوا على تسميتها مذاهب معاصرة، وهذا فيه تجوز، لكن لا مشاحة في الاصطلاح، لكن لا يقصدون بها المذاهب الاجتهادية، بل يقصدون بها المذاهب التي انحرفت عن الحق في الأفكار والمناهج.

معنى مجمل أصول أهل السنة والجماعة

معنى مجمل أصول أهل السنة والجماعة Q عندي سؤال في تسمية الكتاب: مجمل أصول أهل السنة والجماعة؟ A الكتاب الذي ندرسه فعلاً هو مجمل أصول أهل السنة والجماعة؛ لأنه قصد به القواعد والمسائل الإجمالية، وقصد به الضوابط والمنهجيات، ولم يقصد به التفاصيل، حتى في الأدلة ليس فيه أدلة كثيرة، فمن هنا سمي مجملاً؛ لأن العقيدة فيها إجمال وتفصيل، فنستطيع أحياناً أن نقول: العقيدة كلها تندرج تحت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونستطيع أن نتوسع ونقول: العقيدة هي أركان الإيمان وأركان الإسلام، ونستطيع أن نتوسع ونقول: العقيدة هي كل ثوابت الدين والأحكام القطعية، ونستطيع أن نقول: العقيدة كل الدين حتى ما يسمى بالأحكام، مثلاً: أحاديث السواك داخلة في العقيدة؛ لأنه ما ثبت به الدليل فإنه داخل في العقيدة، فالعقيدة وصف شامل للدين كله، فعلى هذا نقول: إن الأمر يرجع إلى الاصطلاح وإلى المفاهيم الشرعية التي تقتضيها النصوص أو يتفق عليها المتخصصون.

حكم تقديم العقل على النقل

حكم تقديم العقل على النقل Q ما حكم من قدم العقل على النص؟ A مسألة تقديم العقل على النص هذه نزعة فلسفية أصلها ناشئة من خصوم الأنبياء حتى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فتجدهم يعترضون على النبوة وعلى الوحي وعلى مقررات الدين بالعقول، مع أن العقول لها مدارك محددة، وإذا خرجت عن مداركها المحددة وقعت في الزيغ، والعقول إذا أقحمناها في تفاصيل الغيب، وفي دين الله عز وجل، وفي أمره ونهيه وفي عالم الآخرة، فإنها تقع في الخبط والخلط والتخرصات، فمنشأ تقديس العقول وإقحامها في الدين ناتج عن الخراصين الذين قال الله عز وجل فيهم: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات:10 - 11]، فتقديم العقل على النص ناتج عن الغرور والكبرياء من خصوم الأنبياء. ثم دخلت هذه النزعة على بعض الفرق الإسلامية بشبهة، حيث زعموا أن العقل مادام خوطب، إذاً: من الذي يقرر؟ والعقل مادام أنه هو الذي عول عليه الشرع في أمور كثيرة، وهو الذي يميز بين الحق والباطل في الجملة، ويميز بين الضار والنافع، إذاً: هو الذي يقرر الدين، وهذا فيه قلب للحقائق، مع أن العقل له احترامه ومكانته، لكن الدين دين الله، والذي يقرره هو الرب عز وجل والمعصوم صلى الله عليه وسلم، فالله هو الذي يقرر الدين ويبقى العقل وظيفته أن يصدق بالحق وأن يؤيده وأن يجتهد فيما كلفه به الشرع، فعلى هذا يستحيل عقلاً أن يقدم العقل على الشرع، ولو كان للعقل لسان لقال لأولئك الذين أقحموه في الدين: قد أحرجتموني أمام ربي عز وجل، كيف توقعوني في أمر الله عز وجل هو الذي تكفل به وهو الحكيم الخبير، وهو العالم وأنا العقل ناقص محدود الطاقة محدود القدرات يعتريني الهوى والضعف والخطأ والنسيان بل والفناء، إذاً: كيف يقال: العقل يقدم على الشرع؟!

بين وصف السنة ووصف الإسلام

بين وصف السنة ووصف الإسلام Q جميع الفرق تقول: لا إله إلا الله، فلماذا لا نطلق عليها وصف الإسلام أو وصف أهل السنة والجماعة؟ A أما وصف الإسلام فنعم، وأما وصف أهل السنة والجماعة فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميز بين أتباع السبل وبين أهل السنة والجماعة، والتمييز ليس دراسة تاريخية أو بتحكم علماء وإن كان العلماء مرجعية، لكن تقسيم المسلمين إلى أهل سنة وغير أهل سنة تقسيم شرعي جاءت به النصوص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الافتراق بأنه سيحدث ونهى عن السبل، وأيضاً أمر باتباع السنة والجماعة، فكان أهل السنة والجماعة هم الذين بقوا على السنة بخلاف أهل الأهواء والافتراق. فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نشهد له بالإسلام، وإن ارتكب بدعاً وسلك مسلك أهل البدع والافتراق والأهواء، وخرج من السنة فهو متوعد ولم يخرج من الإسلام.

الحكم على القبوريين

الحكم على القبوريين Q القبوريون بغير علم، هل يعدون من أصحاب البدع المكفرة؟ A القبوريون أصناف، ويقصد بهم الذين يعملون البدع عند القبور، سواء كانت بدعاً كفرية شركية مغلظة أو غير مغلظة، وكثير من القبوريين لا يمارسون الشركيات، فكيف نحكم عليهم، وبعضهم يأتي للتبرك، وبعضهم يأتي ليهدي ثواب الأعمال الصالحة عند القبر للأموات، أو يهدي ثواب قراءة القرآن بزعمه، وهذه أمور بدعية، لكنها لا ليس مخرجة من الملة، فإذاً: الحكم على القبوريين بمجرد أنه يوجد من بعضهم شركيات هذا لا يجوز، فلابد أن نفصل، وكل يحكم عليه بعمله، ومع ذلك يبقى الحكم العام غير الحكم على الأعيان، فمثلاً: الكثير ممن يسافرون إلى بعض البلاد التي تعمل فيها من قبل الجهلة بعض الشركيات. فالزوار الذين يزورون بعض القبور التي يطوف بها الناس، والزائر السائح الجاهل يظن أن هذا الطواف مجرد دوران من أجل التفرج والاستطلاع ولا يدري أنه عبادة فيدور معهم، وذات مرة دخلنا قبراً من باب النصيحة والاستطلاع وكان يطوف حوله الناس، فعكسنا الاتجاه، فقال لنا سادن القبر: اعكس يا حاج اعكس يا حاج، فمن جاء لا يدري أن هؤلاء يطوفون طواف عبادة وهو شرك بالقبر، فلا نستطيع أن نحكم عليه، أو مثلاً: إنسان تذكر نعمة من نعم الله عز وجل عليه فسجد شكراً لله عند القبر ونسي أنه عند القبر فهذا محتمل، وعليه فلا نحكم على العباد حتى نتبين أمرهم.

عدم الرجوع إلى العلماء من أسباب الافتراق

عدم الرجوع إلى العلماء من أسباب الافتراق Q هل يعتبر عدم الرجوع إلى العلماء من أسباب الافتراق؟ A لا شك أن عدم الرجوع إلى العلماء وعدم اعتبارهم مرجعية سبب الافتراق؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، بل في هذه القضية بالذات لا يختلف عليها الناس، خاصة فيما يروج بين الأمة الآن من أمر مريج في أحوالهم وعلاقاتهم والمصائب التي أصابتهم حينما ألغوا المرجعية أو ضعفت المرجعية للعلماء، خاصة عند بعض الأجيال الناشئة، عندما ضعفت المرجعية وقعوا في هذه الكوارث، وهذا خلاف وصية الله عز وجل، فالله عز وجل في مثل الأحداث التي نعيشها اليوم يقول: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، فالذين يستنبطونه هم العلماء الراسخون. فلا شك أن من أعظم أسباب الفرقة والشتات هو عدم الخضوع لمرجعية العلماء التي هي وصية الله وهي صمام الأمان بإذن الله، ولأسباب كثيرة ليس هذا هو السبب الوحيد.

تعريف أهل الوعد

تعريف أهل الوعد Q من هم أهل الوعد؟ A أهل الوعد هم الذين أخذوا بالوعد ولم يعولوا على الوعيد، وهم المرجئة وغلاة الجهمية وطوائف كثيرة من الأمة، وكذلك بعض الذين عندهم نفاق أو فجور ويقولون: الله غفور رحيم، لا يتقون الله ولا يذكرون أن الله عز وجل شديد العقاب، كالذين يأخذون بنصوص الرحمة ونصوص الوعد، ولا يهتمون بالخشية لله ولا الخوف منه ولا اعتبار الوعيد في المعاصي وغيرها، هؤلاء يعتبرون أهل الوعد.

نصيحة لأهل السنة

نصيحة لأهل السنة مداخلة: ما هي نصيحتكم لبعض أهل السنة الذين انشغلوا بإخواننا أهل السنة؟ الشيخ: هذه ظاهرة ليست غريبة، ففي ظل الأخطاء والتجاوزات لا يزال يوجد من أهل السنة الذين هم أهل الحق من يسيء إلى الحق بأسلوبه ومنهجه أو بتعامله مع الآخرين وهذا أمر طبيعي، لكن الأمر غير الطبيعي هو أن يحسب الناس سلوكيات هؤلاء الخاطئة على السنة والجماعة، وهم يعلمون أنه ما من مبدأ في الدنيا ولا منهج ولا ديانة إلا ويوجد من أتباعها من يخطئ، فهل نحسب أخطاء وتجاوزات أتباع الديانات والمذاهب التي تخالف أصولهم ومناهجهم وديانتهم ونحسبها على الديانات أو المبادئ؟ فكذلك في الدين جملة في الإسلام أن تحسب تصرفات بعض المسلمين على الإسلام والمسلمين، هذا خطأ فادح ويخالف بدهيات التعامل بين البشر، وكذلك بوجه أخص، وهو موطن السؤال ما يحدث من بعض المنتسبين للسنة من قسوة وتعجل وهم قلة بحمد الله، وما يحدث من بعضهم من إساءة تعامل مع الآخرين، كل هذه تصرفات يحاسبون عليها ولا تنسب إلى السنة والجماعة، فالسنة والجماعة منهج، ينبغي أن يكون مرتكز التحاكم وهو مرتكز الحكم على أفعالنا وتصرفاتنا. فيجب أن نتقي الله فيما نعمل وما نقول، سواء منا من يسيء إلى السنة والجماعة أو من يحكم عليه من تصرفات بعض أفرادها، فهذه سنة الله في خلقه، فيجب أن نصبر وأن نتناصح وأن نبين للناس وجه الحق، وأيضاً أن نخطئ المخطئ منا وإن كان من أهل السنة والجماعة فهو إنسان منا.

الحكم على المعتزلة والأشاعرة في العقيدة

الحكم على المعتزلة والأشاعرة في العقيدة Q هل الأشاعرة والمعتزلة من أهل السنة، ولماذا أطلق لفظ أهل السنة على الأشاعرة في بداية الأمر؟ A المعتزلة ليسوا من أهل السنة ولا أرادوا أن يكونوا من أهل السنة أصلاً، وهذا واضح من مقالاتهم ومنهجهم، وأما الأشاعرة فالكلام فيهم يحتاج إلى شيء من التفصيل، لعلي أوجزه بقواعد محدودة. أولاً: الأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعري الذي ظهر مذهبه في القرن الرابع الهجري، وكان مذهبه مذهب أهل السنة والجماعة في الجملة وكثير من التفاصيل، ثم دخلتهم النزعة الكلامية، أي: تقرير الدين بالعقول وبمسائل كلامية، فانحرف المسار الأشعري إلى الكلاميات، ثم إلى التصوف بعد القشيري، فدخلهم علم الكلام والتصوف، فأصبح الأشاعرة أصناف، منهم أهل حديث وعلماء وفقهاء في جملتهم على السنة والجماعة كـ النووي وابن حجر إن صح انتسابه للأشاعرة وغيرهم، وكـ البيهقي والخطابي، وهؤلاء من أهل السنة والجماعة، وانتسابهم للأشاعرة خطأ يغفر الله لنا ولهم، ومثلهم كثير من علماء الأشاعرة إلى يومنا هذا، ينتسبون إلى الأشاعرة مجرد انتساب، لكنهم على منهج أهل الحديث من أهل السنة والجماعة فهؤلاء من أهل السنة والجماعة.

القاعدة الثالثة منهج تلقي الدين

مجمل أصول أهل السنة - القاعدة الثالثة منهج تلقي الدين تمتاز عقيدة أهل السنة والجماعة بأن مصادر التلقي والاستدلال عندهم هي الكتاب والسنة والإجماع، والمرجع لهم في فهم الكتاب والسنة هو النصوص المبينة لها وفهم السلف الصالح، والألفاظ المجملة عندهم يستفسر عن معانيها، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رد.

تابع قواعد في أصول التلقي ومنهج الاستدلال

تابع قواعد في أصول التلقي ومنهج الاستدلال الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [تمهيد: العقيدة لغة: مأخوذة من العقد والتوثيق والإحكام والربط بقوة. واصطلاحاً: الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتَقِده. فالعقيدة الإسلامية تعني: الإيمان الجازم بالله تعالى وما يجب له من التوحيد والطاعة وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، والإخبار، والأصول، علمية كانت أو عملية. السلف: هم صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وأئمة الهدى في القرون الثلاثة المفضلة، ويطلق على كل من اقتدى بهؤلاء وسار على نهجهم في سائر العصور سلفي نسبة إليهم. أهل السنة والجماعة: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وسموا أهل السنة: لاستمساكهم واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وسموا الجماعة: لأنهم الذين اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، واجتمعوا على أئمة الحق ولم يخرجوا عليهم، واتبعوا ما أجمع عليه سلف الأمة. ولما كانوا هم المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المقتفين للأثر، سموا أهل الحديث وأهل الأثر وأهل الاتباع، ويسمون أيضاً: الطائفة المنصورة والفرقة الناجية. أولاً: قواعد وأصول في منهج التلقي والاستدلال. 1) مصدر العقيدة: هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة وإجماع السلف الصالح. 2) كل ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله والعمل به، وإن كان آحاداً في العقائد وغيرها].

قاعدة التسليم لأحاديث الرسول والعمل بها

قاعدة التسليم لأحاديث الرسول والعمل بها قوله: (أن كل ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله والعمل به وإن كان آحاداً في العقائد وغيرها). الشرح: أي: أن كل ما ثبت من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وتقريراته وسيرته فهو الدين ويجب قبوله والتسليم به. أما التقييد بقولنا: (وإن كان آحاداً) فلأن بعض أهل الأهواء والبدع خاصة الذين عولوا على مصادر أخرى غير الكتاب والسنة وجدوا أن مبادئهم وأصولهم التي تقوم على التأويل والتعطيل تتصادم أحياناً مع بعض النصوص، فكان من حيلهم: أن زعموا أن كثيراً من النصوص التي تصادم أصولهم أحاديث آحاد، والمقصود بأحاديث الآحاد: التي يكون في سندها رجل واحد، كحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، ومن المعلوم أن هذا التقييد باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الصحابة وكلهم ثقات، وهم بلغوا الدين، وقد رضي الله عنهم وبين أنهم عدول، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعدالة، بل حملهم أمانة نقل الدين، فمن هنا لا بد أن نأخذ رواياتهم وإن كانت روايات آحاد ما دامت صحت عن الثقات؛ ولذلك فإن السنة أكثرها أحاديث الآحاد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحجة على الأمم أكثرها بأفراد، ولعل من أوضح الشواهد على ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لما بلغهم عن طريق أحد الصحابة أن القبلة صرفت من بيت المقدس إلى الكعبة انصرفوا جميعاً، مع أن الذي بلغهم رجل واحد من الصحابة، فانصرفوا إلى الكعبة وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. إذاً: الدين هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان الراوي واحداً أو أكثر من واحد، خاصة إذا كان الراوي في أعلى الإسناد.

قاعدة فهم نصوص الكتاب والسنة

قاعدة فهم نصوص الكتاب والسنة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثالثاً: المرجع في فهم الكتاب والسنة: هو النصوص المبينة لها، وفهم السلف الصالح، ومن سار على منهجهم من الأئمة، ولا يعارض ما ثبت من ذلك بمجرد احتمالات لغوية]. الشرح: هذه القاعدة الثالثة في منهج تلقي مصادر الدين، وكيف نستدل بها؟ وممن نستمد الدين؟ وهذه القاعدة من أهم القواعد في هذا الباب؛ لأنها هي المنهج في تلقي الدين الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم ورسمه خلفاؤه الراشدون، والذي عليه سلف الأمة وسبيلهم هو سبيل المؤمنين، وهو أن المرجع في فهم نصوص القرآن وفهم السنة قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو حالاً، أي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يأتي على الدرجات التالية: أولاً: تفسير القرآن بالقرآن، ونحن نعلم كما هو منهج السلف في الاستدلال أن كثيراً من آيات القرآن فسرتها آيات أخرى، إما بتخصيص، وإما ببيان، وإما بتفسير، وإما بأي نوع من أنواع التفسير والبيان. ثانياً: تفسير القرآن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله أو فعله أو تقريره. ثالثاً: تفسير القرآن والسنة بآثار أو بفهوم الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم هم الذين تلقوا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحملوا أمانة البلاغ، والذين طبقوا كثيراً من أحكام الإسلام حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإن هذا النهج هو نهج المؤمنين، وسار عليه أئمة الإسلام التابعون وتابعوهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعليه علماء الأمة أنهم يأخذون فهم النصوص على هذا التدرج. ولا يعارض ما ثبت من تفسير النصوص بمجرد الاحتمالات، ولا يعارض بمجرد ما يضعه الناس من المقررات، خاصة بعد انتشار الأهواء والقول في الرأي في الدين، وبعد انتشار التحزبات والافتراق ونحو ذلك، فلا نبالي بما يضعه الناس من احتمالات للنصوص، سواء على سبيل التأويل، أو على سبيل التحريف، أو على سبيل التكلف، أو على سبيل الاستدلال المباشر إذا لم يكن على قواعد الاستدلال؛ لأن النصوص لا بد من أخذها بمجموعها على قواعد الاجتهاد الذي عليه سلف الأمة. كذلك لا تؤخذ النصوص بمجرد الاحتمالات اللغوية، واللغة هي اللسان المبين الذي نزل به كلام ربنا عز وجل، وهي لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الخلق أجمعين، ومع ذلك فإن الدلالات اللغوية يرتبط بعضها ببعض وترتبط بالمصطلحات الشرعية التي وضعت للدلالات اللغوية معانٍ مخصصة أو معممة، لأن الشرع خاصة في جانب العقيدة جاء باستعمال اللغة على نواحٍ معينة، فأحياناً الدلالة الشرعية تخصص المعنى اللغوي وأحياناً تعممه، فعلى سبيل المثال: الصلاة في اللغة: هي مجرد صلة القلب بالله عز وجل أو صلة الجوارح بالله، لكنها في الاصطلاح الشرعي خصصت بهذه العبادة التي جاءت على هيئة أركان وواجبات وأفعال حددها النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: الصلاة هنا تخصص بالمعنى الشرعي، وكذلك الزكاة لغة: بمعنى النماء والزيادة، فأي نماء وزيادة فإنه يسمى زكاة، لكن إذا نظرنا إلى المفهوم الشرعي فإن الشرع حدد الزكاة بصرف جزء من المال على سبيل الوجوب أو الفرض كما أمر الله عز وجل، وهذا الجزء يسمى زكاة. فلا بد في فهم نصوص الكتاب والسنة أن نرجع إلى المصطلحات الشرعية، ولا نلتفت بالاحتمالات اللغوية التي قد تخرج المعنى عن المقصود الشرعي.

قاعدة الإحداث في الدين

قاعدة الإحداث في الدين قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: أصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين]. الشرح: هذه القاعدة تتعلق بكمال الدين الذي بينه الله عز وجل وجعله من سمات هذا الدين الخاتم، وآخر الديانات وخاتمها، وجعل هذا من خصائص ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعتريه النقص ولا الزيادة ولا التحريف ولا النسخ ولا التبديل؛ ولذلك حفظه الله عز وجل وتكفل بحفظه؛ كما ختم الله النبوة فلا يحتاج الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبوة ولا وحياً؛ لأن الدين كامل، والكمال يشمل كمال العقيدة كمال التشريع كمال الأخلاق كمال المعاملات كمال صلاحيته لكل زمان ومكان، وإذا تخلف المسلمون عن إدراك هذا الكمال وتطبيقه فالعيب في المسلمين لا في الإسلام؛ ولذلك نقول معتقدين وجازمين: إنه متى جدَّ المسلمون في تطبيق الإسلام عقيدة وشريعة سيجدون الكمال المطلق في صلاحيته لأحوالهم وعلاج مشكلاتهم وعلاقاتهم مع بعضهم ومع البشرية جمعاء على منهج سليم قويم. إذاً: أمور الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً، ويدخل فيها الأصول والعقائد والمسلمات والثوابت، ويدخل فيها الأحكام بقواعدها وبمفرداتها، وكل ذلك مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شاملاً كاملاً، والبشر قد يقصرون عن إدراك هذا، وإذا كنا قد قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين الدين كله، فإذاً: ليس لأحد أن يحدث شيئاً مهما كان ثم يزعم أنه من الدين، صغيراً أو كبيراً، في العقيدة أو الأحكام، في القواعد أو الفروع، كل ذلك لا يمكن أن يرد، بل لا يجوز إطلاقاً أن نتلقى من أحد شيئاً من أمور الدين وهو لم يرد في الكتاب ولا السنة، أما ما وافق الكتاب والسنة فأصله الوحي.

قاعدة التسليم المطلق للنصوص الشرعية

قاعدة التسليم المطلق للنصوص الشرعية قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس، ولا ذوق، ولا كشف، ولا قول شيخ، ولا إمام ونحو ذلك]. الشرح: هذه القاعدة تتعلق بأساس الاعتقاد في قلب المسلم ومشاعره وجوارحه، فالدين أصلاً الدين كله جملة وتفصيلاً مبدأه يقوم على التسليم تسليم القلب والجوارح إذعان القلب والجوارح تصديق القلب، وظهور ثمار هذا التصديق على سلوكيات الإنسان وأعماله، سواء في علاقته بربه عز وجل، فيجب على المسلم أن يكون في علاقته بربه على كمال التسليم والتصديق والإذعان والرضا والمحبة لله عز وجل والخوف والرجاء؛ لأن التسليم لله تعالى يبدأ من القلب، ثم تتبين آثاره بالضرورة على الجوارح: على اللسان على الأعمال في الفرائض الأعمال في العبادات الأعمال في الأخلاق الأعمال في التعامل، وكل هذه المسائل تنطلق من التسليم؛ ولذلك سمي الإسلام إسلاماً؛ لأن مبناه على التسليم لله عز وجل بالطاعة والمحبة والانقياد له، ونظراً لأن التسليم يبدأ بالقلب فإن قاعدة التسليم الأساسية هي محبة الله عز وجل المحبة الحقيقية، ثم الرجاء والخوف والخشية. إن المقصود من تعلم العقيدة التسليم لله عز وجل أولاً، ثم إذعان القلب وتوجهه إلى الله عز وجل بالتأله، وهذا معنى لا إله إلا الله، أن يتأله القلب بعد التسليم والإذعان والرضا، أن يتأله لله محبة وانجذاباً وحباً لما يرضي الله عز وجل وأن يبتعد عما يغضب الله، فالتسليم هو استسلام القلب، وينبني على استسلام القلب استسلام الجوارح؛ ولذلك من ادعى أنه مسلِّم لله بقلبه ولكن جوارحه لم تستسلم، لم يقم الفرائض لم يعمل بالواجبات لم ينته عن المنهيات، فدعواه كاذبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، ومن هنا يجب أن نستشعر دائماً عندما نقرأ العقيدة وندرسها ونتعلمها أن نقصد بذلك تعظيم الله عز وجل، وأن تظهر المعاني الإيمانية في القلب والسلوك، وإلا فإن الأمر يصبح مجرد دعوى. ثم ينبني بالضرورة على التسليم لله عز وجل التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، والتسليم للرسول صلى الله عليه وسلم له مقتضيات ولوازم ضرورية، من لم يعمل بها فهو كاذب وأول ذلك محبته صلى الله عليه وسلم المحبة الكاملة التي يكون النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحب إلى المسلم من نفسه ومن ولده ومن ماله والناس أجمعين، وهذه الدرجة لا بد منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب هدايتك، ولو وكلك الله إلى نفسك وجهدك لهلكت، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب الهداية؛ ولذلك تقدمه على نفسك، ثم يستلزم من ذلك التسليم والطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد محبته، لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إضافة إلى أنها استجابة لأمر الله؛ لأن الله أمر بطاعته، فهي كذلك من مقتضى المحبة؛ لأنك إذا أحببت شيئاً تعلقت به وسعيت إلى ما يرضيه، فكيف بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي دين؟ فإنك إذا أحببت النبي صلى الله عليه وسلم وادعيت ذلك فلا بد من تحقيق مصداقية الدعوى، بأن تكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في سنته حريصاً على تطبيق ما يقول وما يفعل وما يرشد به قدر الاستطاعة. والأمور القلبية في حق الله تعالى وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم لا يعذر بها أحد، وكل مسلم يجب أن يحب الله وأن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الأعمال هي التي بقدر الاستطاعة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. إذاً: معنى التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم: أن تتبعه قدر ما تستطيع، وأن تعمل بسنته، وأن تسعى إلى ما يرضيه، وأن تحب ما يحبه، وأن تحب من يحبهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب فضائل الأعمال ويكره رذائل الأعمال، ويحب الصحابة والصالحين، فيجب على المسلم تسليماً للرسول صلى الله عليه وسلم أن يعمل بذلك، ظاهراً وباطناً، أن يكون التسليم قلبياً وظاهرياً، فالتسليم والإذعان واليقين والتصديق والمحبة هذا هو الباطن، أما الظاهر فهو أن يظهر دلالات التسليم على الأعمال كلها، في أداء الفرائض والواجبات والسنن والنوافل، وفي السيرة والسلوك، وفي تعاملك مع ربك عز وجل وفي تعاملك مع حق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي تعاملك مع صالح الأمة من الصحابة والتابعين وسلف الأمة، ومع تعاملك مع العلماء، ثم مع تعاملك مع الولاة ومن لهم حق الولاية تعاملك مع والديك ومع الآخرين ومع جميع الناس ومع البشرية جمعاء، لا بد أن يظهر مصداق التسليم في التعامل الظاهري، ولا بد أن يجتمع هذا وذاك، فلو أن إنساناً ظاهره الإسلام والتسليم لكن باطنه ليس كذلك فهو منافق، والعكس كذلك من ادعى أنه في الباطن مسلم لله عز وجل ولم يظهر ذلك على أعماله فهو زنديق خارج من مقتضى الإسلام؛ لأن الإسلام ليس مجرد دعوى، الإسلام حقيقة علمية وعملية، عقدية ومنهجية، فلا بد أن يكون ذلك ظاهراً وباطناً.

قاعدة تعارض العقل مع النقل

قاعدة تعارض العقل مع النقل قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سادساً: العقل الصريح موافق للنقل الصحيح، ولا يتعارض قطعيان منهما أبداً، وعند توهم التعارض يقدم النقل]. الشرح: هذه قاعدة تقتضيها النصوص ويقتضيها العقل السليم، وتقتضيها الفطرة، فكل مسلم ينشأ على الفطرة المستقيمة السليمة بعيداً عن المؤثرات الخارجية مثل الوساوس والأوهام، يدرك أن النقل الذي هو كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم المعصوم أنهما المصدر، وهذه بدهية، فعلى هذا لا يجوز أن يقدم أي مصدر آخر عليه، بل الحق الذي عليه كل صاحب فطرة أن العقل السليم لا بد أن يكون موافقاً للشرع؛ لأن العقل السليم الموافق للفطرة الصحيحة السليمة لا بد أن يخضع لله عز وجل ويستجيب، والعقل السليم لا بد أن يسلم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وكمال دينه، ويخضع ويسلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى بالدين، فإذا سلم فلا يمكن أن يتقدم على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن يضع لنفسه قواعد أو مسلمات، ثم يقول: أقدمها على الشرع، وهذه محاكمة فطرية عقلية لمن يقدمون العقول أو مقتضيات العقول والآراء على الدين، فنقول لهم: كيف عرفتم أن الدين حق؟ قالوا: بعقولنا، نقول: عقولكم هذه التي عرفتكم أن الدين حق هل تعتبر الدين كاملاً ووافياً؟ يقولون: نعم؛ لأنها أدركت هذا من خلال واقع الدين، إذاً: ما دامت اقتنعت العقول بوفاء الدين وكماله إذاً كيف تزيد أو تنقص؟! وهناك أمر يلتبس على بعض الناس وهو أنهم يزعمون أن الله عز وجل جعل العقل هو مناط التكليف، العقل الذي كلف بأن ينظر في النصوص، وكلف بأن يجتهد! وكلف بأن يتعظ وينظر في علل الشرع وأسرار الدين، لكن هل كلف بأن يضع ديناً مع دين الله؟! فالله عز وجل كرم العقل وجعله مناط التكليف، لكنه أشفق عليه من أن يدخل في أمور الدين التي هي من حق الله عز وجل ومن حق رسوله صلى الله عليه وسلم المعصوم. إذاً: العقل السليم يوافق النقل الصحيح، يوافق القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقل خلق الله والدين أمره، فلا يمكن أن يتعارض الخلق والأمر؛ لأن كلاهما من الله عز وجل، وكلاهما على الكمال والحق. ثم إن النقل الصحيح وافٍ وكامل لا يحتاج إلى مزيد أو نقص أو تدخل. وقوله: (ولا على هذا لا يتعارض قطعيان منهما أبداً) فإذا قلنا: إن العقل قطع بأمر من الأمور العلمية، ولنفرض أنه أمر في المسائل الرياضية البدهية كأن نقول: واحد زائد واحد يساوي اثنين، فهذه بدهية علمية وعقلية رياضية، فلا يمكن أن يأتي الشرع بما يخالف هذا، والعكس كذلك، إذا جاء الدين بحقيقة مسلَّمة وهو: أن اليوم الآخر ضرورة من الضرورات وحق لازم، فهل يمكن أن يدعي مدع أن عقله عنده دليل على نفي البعث واليوم الآخر؟! هذا مستحيل، فعلى هذا لا يتعارض قطعيان، إنما التعارض يكون وهماً عند بعض الناس، وهذا الوهم ينبغي ألا يسلط على الدين، وكون بعض الناس يبدو له أن المسألة الشرعية الفلانية غير معقولة، فماذا سيتهم؟ هل سيتهم عقله أو يتهم دين الله؟ الأولى أن يتهم عقله؛ لأن العقل يعتريه الفناء والنقص والضعف والنسيان والخلل، وأحياناً يبني على المعلومات الوافدة ويبني على التجارب ويبني على التخيلات والأوهام، فهل يعقل أن هذه الأمور تكون سابقة للشرع أو مقدمة عليه أو تتعارض حقائقها مع الشرع؟! أما الأوهام والوساوس والخطرات فينبغي من باب أولى ألا نجعلها محكمة في الدين. وقوله: (وعند توهم التعارض)، معنى توهم التعارض أن الإنسان إذا بدا له أو توهم أن المسألة من مسائل الدين لا يستوعبها عقله، فهذا يسمى توهم التعارض، أي: يجد عقله أمام حقائق الدين الثابتة الضرورية لم يستوعبها، فهنا يكون الخلل في العقل؛ لأن الحقيقة الشرعية جاءت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، فيستحيل أن يعتريها خلل أو نقص. إذاً: نتهم العقل؛ لأننا نعلم قصوره، فالعقلاء يعلمون أن عقولهم محدودة وقاصرة وأنه يعتريها جميع عوارض النقص وما في ذلك الفناء، بينما الحقائق الشرعية لا يعتريها نقص بل هي أبدية، فمن هنا إذا تأمل الناظر أو المسلم بعض الأمور وتوهم أو بدا له أو وسوس أو اشتبه عليه أمر فلا ينبغي أن يسلط الاشتباه على النص أو على الحقيقة الشرعية، بل يتهم العقل أولاً، ثم يبحث إن كان يريد أن يستفيد من أدلة اليقين كما طلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يعطيه من أدلة اليقين، مع أنه لا يشك، لكن يريد زيادة في الدليل والمسلم له أن يبحث عن أدلة اليقين بقدر ما يستطيع، لكن لا يكون ذلك على حساب التشكيك في الدين ودعوى عصمة العقل، فالعقل ليس بمعصوم.

قاعدة الألفاظ الشرعية والألفاظ المجملة والبدعية

قاعدة الألفاظ الشرعية والألفاظ المجملة والبدعية قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سابعاً: يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية التي أحدثها الناس، والألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رد]. الشرح: هذه من القواعد الصغيرة لكنها مهمة، وأمثلتها قليلة لكنها مهمة أيضاً، فالمسلم دائماً عندما يعبر عن الأصول والثوابت والأركان وقضايا الدين الكبرى أو عن السنن القطعية ونحوها يجب عليه أن يعبر بالمصطلحات وبالألفاظ الشرعية، فيسمي الصلاة صلاة ولا يسميها بغير اسمها، ويسمي الزكاة زكاة، وبعض الناس تأخذه مجاراة الثقافة العامة عند الناس فيذهب وكأنه يريد أن يبسط للناس المفاهيم، فيسمي الزكاة ضريبة، أو يسمي الحج القصد أو نحو ذلك، فهذا خروج بالأصول الشرعية عن لوازمها، لأن من لوازم المعاني الشرعية أن يلتزم ألفاظها، وكذا بقية الأمور التي تنبني عليها العقيدة أو ثوابت الأحكام، مثل: الحلال القطعي والحرام القطعي، وأصول الأخلاق، ونحوها، فنسمي الصدق باسمه، ونسمي الربا باسمه، وكذلك ألفاظ العقيدة خاصة التي تتعلق بالله عز وجل وهو أعظم ما يجب أن يعناه المسلم، فنحن ندرس ما يتعلق بالله في ذاته وأسمائه وصفاته لنعظم الله، ولنغرس في قلوبنا محبة الله وخوفه ورجاءه، وهذا لا يؤدي دوره على المعنى الكامل إلا بالتزام الألفاظ الشرعية في أسماء الله وصفاته؛ ولذلك قال السلف: أسماء الله توقيفية بألفاظها، بمعنى: أن نقف على ألفاظها الشرعية، فلا نأتِ بألفاظ أدبية أو فلسفية أو معانٍ عامة فضفاضة متميعة فنعبر بها عن حق الله عز وجل، كما يعبر بعض الفلاسفة عن الله بأنه مجرد قوة؟! والله سبحانه وصف نفسه بالقوي أو بالقدير العليم الغني. التي تغني عن مثل لفظة (القوة)، والألفاظ الشرعية تؤدي المعنى على أكمل وجه في القلب والعقل والجوارح والوجدان والمشاعر، فإن هذه الأمور أو ما يختلج في الإنسان من المشاعر لا تنمو نمواً دينياً شرعياً على وجه شرعي صحيح إلا باستعمال المصطلحات الشرعية التي هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وبلسان عربي مبين، وكذلك المعاني الأخرى فيما يتعلق بالله عز وجل مثل بعض أسمائه وصفاته، فربما يعبر عن الله عز وجل بأنه مستوٍ على عرشه دون خروج عن مقتضى النص؛ لأن كلمة الاستواء لفظ شرعي، وهو أفضل وأكمل تعبير عن حقيقة الاستواء كما يليق بجلال الله عز وجل، فلا نذهب نصرفها إلى معانٍ محتملة وتأويلات موهمة؛ لأن هذا يفرغ الكلمة عن محتواها الحقيقي الذي ينمي في القلب الإيمان بالله عز وجل على الوجه الشرعي الصحيح. كذلك العلوم ونحوها مما يتعلق بالله عز وجل، حتى في مجملات الدين ينبغي أن نعبر عنها بالمعاني الشرعية التي تغرس في المسلم حب التدين على وجه صحيح، والتي تغرس في المسلم الولاء للشرع على وجه صحيح، فمثلاً: لا يجوز أن نسمي الدين تقاليد أو موروثات، فإن التقاليد لها معنى يشمل ما يخترعه الناس وما يتبعونه كما يشمل العوائد الباطلة وأموراً أخرى كثيرة فيها حق وباطل. إذاً: يجب على المسلم أن يعود نفسه دائماً ويربي أبناءه، ويجب علينا جميعاً في تربية الأجيال أن نربيهم على هذه المسلَّمات، وأن تتعود ألسنتهم على استعمال الألفاظ الشرعية بمعانيها، فإن هذا هو الذي ينمي حقيقة الإيمان في القلوب، وينمي حقيقة التقوى في القلوب، وينمي في الإنسان خشية الله وخوفه ورجاءه، وينمي في الإنسان رقابة الله وتقواه؛ ولذلك نجد أن من أعظم أسباب ضعف المعاني القلبية في قلوب المسلمين أنهم بدءوا يخرجون عن استعمال المصطلحات الشرعية إلى مصطلحات أخرى فضفاضة لا تؤدي إلى المعاني الشرعية، بل غالباً تحرف المسلم عن التصور الحقيقي والمعنى الشرعي الذي يجب أن يثبت في قلبه ويغرس في قلبه الإيمان وفي عقله ووجدانه ومشاعره وعلاقاته وتعاملاته مع الخلق. وقوله: (والألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رد) فمثلاً: تعبير بعض الناس عن علو الله عز وجل بالجهة، فبعض الناس ينفي العلو والاستواء لأنه يقتضي الجهة، ونحن لا نرد كلمة جهة مطلقاً ولا نقبلها مطلقاً، إنما نستفصل على النحو التالي فنقول: ماذا تريد بالجهة التي تنفيها أو تثبتها؟ إن أردت بالجهة علو الله عز وجل فلا شك أن الله هو العلي، لكن لا نسمي هذا جهة، لأننا فرغنا المعنى الحقيقي وأرجعناه إلى اللفظ الشرعي وهو العلو واسم الله العلي، فالله عز وجل من أسمائه العلي، وله العلو المطلق، ومن صفاته: العلو والاستواء، فنقول: إذاً المعنى الصحيح من الجهة وهو العلو نأخذ به، لكن كلمة جهة فيها نظر لأنها ملتبسة فلسنا بحاجة إلى استعمالها. أما إن أردت بالجهة المكان الذي يحوي، فالله عز وجل منزه عن أن يحويه مكان، بل هو سبحانه خالق الأزمنة والأمكنة، وخالق العالم كله، فلا ينبغي أن يرد هذا في ذهن أحد، بل يجب أن نبين ونعظ وننصح من يقول مثل هذه الكلمات؛ لأنها سوء أدب مع الله، فمثل هذه الأمور لا تقال في حق

الأسئلة

الأسئلة

ضابط الألفاظ الشرعية

ضابط الألفاظ الشرعية Q الالتزام بالألفاظ الشرعية ما هو الضابط له؟ وهل يصح أن يطلق مثلاً إذا كان توضيح أمر من أمور الدين كالخمر الآن يسمى مشروبات روحية، فإذا أردت أن أفهم الناس أن المقصود بالخمر هو المشروب الروحي فهل يجوز أن أطلق عليه المشروب الروحي؟ A الضابط في استعمال المصطلحات على نوعين: إن كانت المصطلحات عقدية فهذه يجب ألا نتساهل فيها، ولا يجوز أن نستبدل المصطلح الشرعي بأي لفظة، حتى الألفاظ المرادفة؛ لأنها تبعد الناس عن المعنى الصحيح وتوهمهم في انصراف التعبير، فيجب ألا نستخدمها. أما المصطلحات التي تتعلق بالأحكام الفقهية وبالاجتهاديات فالأمر فيها أسهل، فإذا كان مصطلح من المصطلحات مرادف لمصطلحه الشرعي ولا يحدث لبساً عند الناس فلا مانع من استعماله مع احترام اللفظ الشرعي ومقارنته باللفظ المحدث لا الاستغناء عن لفظه الشرعي، أما إذا كان المصطلح يؤدي إلى دلالات أخرى أو لا يفهمه كثير من الناس أو ليس هو عند عامة المسلمين فيجب الاستغناء عنه. ومثل هذا المثال ما جاء في السؤال من استعمال كلمة مشروبات روحية بدلاً من الخمر، فهذا خطأ فادح ويجب تفاديه؛ لأن كلمة مشروبات روحية لها معنى يستشعر السامع أنها ليست محرمة، ومعنى الروحي الذي يرجع إلى تغذية الروح، وهذا لفظ غير صحيح، وأيضاً مصطلح جاء من ديانات تعتبر الخمرة ديناً، وتعتبر شرب الخمرة طقوساً دينية؛ ولهذا يسمى مشروبات روحية عندها، فما دام وجد هذا الخلط والمفهوم الخاطئ فيجب أن نتجنب مثل هذه التسميات، لكن مثلاً نسمي التجارة اقتصاداً، هذه لا مشاحاة فيها؛ لأنه أصبح مصطلحاً عالمياً وليس فيه لبس.

حلاوة العمل ولذته

حلاوة العمل ولذته Q من ناحية الذوق هل الإنسان يشعر بحلاوة العمل ولذته وهو على غير الصواب، وهل يكون هذا من تجميل وتحسين الشيطان له؟ A أما اللذة الإيمانية فلا، لأن اللذة أنواع، فالإنسان الذي يتذوق العمل ببدعة أو بالمحرم ويزعم أنه يجد نشوة في ذلك وشعوراً يحبب إليه هذا الأمر المحرم، فهذا غالباً يكون ابتلاءً، والله عز وجل يقول: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، فالإنسان إذا لجأ إلى البدعة أو المحرم قد يبتليه الله عز وجل فيتذوق هذا المحرم والبدعة ويجد لها نشوة عاطفية لا نشوة دينية، أما التذوق الإيماني الذي يرسخ في القلب محبة الله وخشيته ورجاءه واليقين والإيمان به والتوكل على الله والتقوى الحقيقية، فإن هذا لا يكون تذوقاً من هذا الجانب إلا على ما هو مشروع؛ لكن من الناحية العاطفية نعم؛ لأن العاطفة أمر آخر غير اليقين الذي يكون في القلب، لأن يقين القلب أعظم من مجرد العواطف، يقين ثابت راسخ يحدث في القلب الأمن تجاه رضا الله عز وجل والأمن تجاه العمل بالدين والأمن تجاه نظرة الإنسان لمستقبله في أقدار الله والأمن تجاه الإنسان في نظرته للآخرة، وهذا لا يمكن أن يكون إلا عن طريق السنن والشرعيات لا عن طريق البدع والمحدثات. فالتذوق الإيماني لا يكون إلا على الوجه الشرعي، أما التذوق العاطفي والتذوق المادي فقد يبتلى به كثير من الناس من باب الاستدراج.

حكم الاستدلال بالقرآن على الاكتشافات العلمية

حكم الاستدلال بالقرآن على الاكتشافات العلمية Q هل الاستدلال ببعض الآيات القرآنية على الاكتشافات العلمية هل يعد خروجاً عن منهج أهل السنة والجماعة؟ A لا يكون خروجاً عن منهج أهل السنة والجماعة إلا إذا وصل إلى حد المبالغة والتكلف، أو إلى حد اليقين في أمر لم يثبت علمياً، أو كان مبنى تفسير النص ظنياً، فلا يجوز أن نجزم بأن هذه الكشوف تؤيد هذا المعنى؛ لأن الحق قد يكون من مصادر الحق اليقينية (الوحي) وقد يكون الحق من مصادر الحق العلمية كالتجارب والعلوم، وقد تكون مصادر اليقين في الأمور غير الدينية الشرعية، فما يسمى بالإعجاز العلمي أو الكشوفات العلمية يجب أن نأخذها دون المبالغة فيها والتمادي، وتفسير الإسلام بها مطلقاً فيه نوع من المخاطرة، وأيضاً عدم الاعتبار بها فيه تقصير؛ لأنها من ضمن ما أمر الله به، من العلم والكشف والاتعاظ والاعتبار وأخذ الأسباب فيما يزيد اليقين في القلوب، وهذه الكشوفات لا شك أنها تزيد اليقين في القلوب، وتؤيد الإسلام عند من يحتاج إلى التأييد من هذا النوع، إذاً: ينبغي التوسط والاعتدال في هذا الجانب.

مفهوم التعارض بين العقل والنقل

مفهوم التعارض بين العقل والنقل Q هل هناك فرق بين القول: لا يجوز أن يتعارض العقل مع النقل، وبين قولنا: لا يمكن أن يتعارض عقل صريح بنقل صحيح؟ A ليس في العبارتين فرق، لكن لا يجوز هذا في الأحكام، ولا يمكن هذا في القطعيات الغيبية والثوابت الفطرية والعقلية، فهذا من جانب التطبيق والعمل، وذاك من جانب الإيمان والاعتقاد، فالعبارة الأولى في الأعمال والعبارة الثانية في الاعتقادات.

الفرق بين قول: الدين مصلح وقول: الدين صالح

الفرق بين قول: الدين مصلح وقول: الدين صالح Q سمعت من بعض الناس: الدين مصلح لكل زمان ومكان، بدل عبارة: الدين صالح لكل زمان ومكان، فهل بينهما فرق؟ A ليس بينهما فرق، لكن صالح أبلغ وأعمق؛ لأنه إذا كان صالحاً لكل زمان فإنه يصلح الأحوال، لكن كلمة صالح أجمل وأبلغ وأوفى، أما كلمة مصلح فقد توهم؛ لأن بعض الناس قد يحمل تصرفات المسلمين على الإسلام، فيقول: لماذا الإسلام ما أصلح أحوال المسلمين وهم يدعون الإسلام؟ وهو لا يدري أن كثيراً من المسلمين قصروا في الأخذ بالإسلام على الوجه الصحيح، ما فيهم من بدع وأهواء وغير ذلك مما يعتري البشر من نقص.

إيمان من لم يؤمن بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم

إيمان من لم يؤمن بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم Q إذا كان شخص فاسد العقيدة بحيث يؤمن بشهادة أن لا إله إلا الله ولا يؤمن بشهادة أن محمداً رسول الله، فهل عقيدته صحيحة؟ وهل يصلى عليه؟ وهل يصح الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة)؟ A هذا السؤال يذكرنا بأصل من الأصول الضرورية وهو أنه لا بد أن نأخذ بمنهج الاستدلال السليم في الاستدلال بالنصوص خاصة في القطعيات، وهذه القضية على درجتين: درجة التفصيل ودرجة الإجمال، فإذا جاء الأمر مجملاً فلا بد أن نفسره بما يفصله، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من أركان الإيمان: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، أليس أفضل الرسل وأقربهم رسول هذه الأمة هو محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذاً: الذي ادعى أنه يشهد أن لا إله إلا الله ولا يشهد أن محمداً رسول الله إذا ادعى أنه مؤمن لا نقل: إنه مؤمن، لأنه خرج بهذه القاعدة القطعية في حديث جبريل عليه السلام وهو محل إجماع، وأيضاً أركان الإسلام الركن الأول ركن واحد وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صار كله ركن، فلا يستقم هذا بدون ذاك. أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قبله دخل الجنة)، فهذا معلوم بالضرورة؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم لا إله إلا الله على الوجه الشرعي المقبول الصحيح إلا إذا شهد العبد أن محمداً رسول الله، وأن من مقتضيات ولوازم وضرورات لا إله إلا الله: طاعة الله في الاستجابة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه متضمنة لهذه، بل حتى أن شهادة محمد رسول الله تستلزم أيضاً أركان الإسلام الأخرى. فعلى هذا نقول: إن هذا مفسر بذاك، فلا يتوقع، بل لا يمكن أن يقول الإنسان: لا إله إلا الله، أو يقول: أنا مؤمن بالله ويدعي الإسلام إذا لم يشهد أن محمداً رسول الله، وإذا لم يفعل ذلك فإنه لم يدخل في الإسلام ولا يعد مسلماً، وتطبق عليه أحكام غير المسلمين.

بطلان دعوى عصمة الأولياء

بطلان دعوى عصمة الأولياء Q كيف الرد على من يدعون عصمة الأولياء ويتخذونهم إلى الله زلفى وقد يقدمون محبتهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A هذه المسألة ديدنة بعض المسلمين، وهو أنه إذا قلنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع بموته الوحي وهو خاتم الأنبياء، وأن الله أكمل الدين، فمعنى هذا: ليس هناك حاجة إلى من يقول: إنه معصوم، وهذا أمر. الأمر الآخر: أن العصمة تحتاج إلى دليل، والدليل ثبت أنه ليس معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وقال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنتي)، وفي بعض الروايات: (وعترتي)، يعني: حقوق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الأمر يقتضي أن الدين كمل وحفظ، وداعي العصمة لا بد أن ينتج عنها أن المعصوم يؤخذ قوله وعمله بلا تردد، ويؤخذ على أنه دين، وهذا لا يمكن. إذاً: دعوى العصمة باطلة وتتنافى مع قطعيات الدين، بل تتنافى مع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

حكم الإشارة عند قراءة آيات وأحاديث الصفات

حكم الإشارة عند قراءة آيات وأحاديث الصفات Q إذا كانت طالبة تستمع إلى طالبة وهي تقرأ القرآن الكريم، ولكن عندما تشكل عليها آية أو تستصعب آية في حفظها تشير إلى بعض أجزاء الجسم، وإذا كان اسم من أسماء الله مثلاً أشارت إلى الأذن أو إلى البصر أنه سميع بصير من باب التطبيق، فهل هذا يقدح في العقيدة أو فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى؟ وهل الجارية التي يسألها الرسول صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، هل هذا فيه معنى التوجه أو الاتجاه؟ A ما يتعلق بالإشارة إلى مواطن وأماكن الصفات في الإنسان عندما تورد أسماء الله وصفاته في القرآن حين التلاوة أو حين تذكر في القرآن أو في السنة أو كتب أهل العلم، فيه عدة محاذير: أولاً: يشعر بالتشبيه وبالتمثيل، والله عز وجل ليس كمثله شيء. ثانياً: يوهم المبتدئ وطالب العلم غير المتمكن في العقيدة بل عامة المسلمين بأمور تدخل في أوهامهم وليست لائقة. ثالثاً: أنه سوء أدب مع الله عز وجل. رابعاً: أن هذا الأمر لو اتخذ لأدى إلى فتنة عظيمة، فتنة الناس في التعلق بالمخلوقات من خلال صفات الخالق عز وجل، وهذا باب بدعة وفتنة يجب سده، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار أحياناً عندما ذكر بعض الصفات إما إلى أصبعه أو إلى كفه، أو أقر من فعل ذلك، لكن هذا ليس شرطاً في رواية الحديث، والمسألة على خلاف عند أئمة الحديث، فهل نروي الحديث كما رواه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيصبح هذا موقوفاً على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لا نزيد عليه، وعليه فإن أئمة الحديث المعتبرين يرون أن هذا لا يجوز، خاصة بعد أن خاض الناس في أسماء الله وصفاته، وبعدما وجد من يسمون بالمجسمة والممثلة الذين قالوا الكفر العظيم في تجسيم الله وتمثيله، فإنه لما وجد هذا فإنه يجب أن يحذر منه. وإثبات الصفات لله عز وجل كما هو مذهب السلف ليس تجسيماً ولا تمثيلاً، وربما يقفز إلى أذهان بعض الناس أن إثبات الصفات لله عز وجل كما يفعل السلف أنه تجسيم وهذا خطأ، لأن التجسيم: هو اعتقاد أن لله عز وجل صفات مثل صفات المخلوقين، ويسمى التمثيل على الاصطلاح الشرعي. فهذا الأمر يجب تجنبه؛ ولذلك أثر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه بعدما صارت فتنة الجهمية وصاروا يخوضون في هذه الأمور، أنه لما روى أحد طلاب العلم عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أقر فيه رفع الأصبع في ذكر بعض أفعال الله عز وجل، قال الإمام أحمد: قطعها الله من أصبع؛ لأنه رأى أن هذا يشوش على الناس، والحاضرون ليسوا كلهم من أهل العلم الذين يفقهون. أما إشارة الجارية إلى السماء، فلا شك أن هذا دليل قطعي فطري على علو الله عز وجل؛ لأن الجارية سئلت سؤالاً مفاجئاً من النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشرع، وأجابت جواباً بيناً واضحاً، وهذا كان في مقام التشريع، والنبي صلى الله عليه وسلم مشرع في أمر يتعلق بالله عز وجل، فحينما سألها: أين الله؟ أشارت إلى السماء، فهذا تقرير دين يجب أن ندين الله به، وأن الله موصوف بالعلو بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، لكن لا يعني ذلك أن نستعمل هذه الكلمة دائماً في امتحان الناس كما يفعل بعض الجاهلين إذا أراد أن يختبر أحداً من المسلمين في صلاح أو استقامة عقيدته ذهب يسأله هذا السؤال، فهذا مصدر فتنة؛ لأنه ليس كل أحد يعرف هذه السنة، وليس كل أحد يعرف كيف يجيب، فلا ينبغي السؤال إلا في مثل المقام الذي حدث أو السبب الذي حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مقيداً بتلك الشروط إن جاز فعله.

حكم القول بأن الله موجود في كل مكان

حكم القول بأن الله موجود في كل مكان Q هل يصح الإجابة على سؤال: أين الله؟ بأن الله موجود في كل مكان؟ A هذا خطير، بل يجب أن يقال: الله عز وجل مستوٍ على عرشه فوق سماواته، كما ورد في النصوص الشرعية؛ لأنه أنى لنا أن نجيب بأكثر مما ورد؟! لأن ما يتعلق بكيفيات أسماء الله عز وجل وصفاته فهو غائب؛ ولذلك امتدح الله المؤمنين بالغيب، ولا يجوز أن نأتي بمعانٍ زائدة وبألفاظ زائدة عما ورد في الكتاب والسنة، فنقول: الله عز وجل عليٌ فوق سماواته، مستو على عرشه، نجيب بهذا الجواب، أو بنحوه مما لا يعطي معنى آخر مبتدأ.

الاستدلال بالأدلة العقلية على الأحكام الشرعية

الاستدلال بالأدلة العقلية على الأحكام الشرعية Q ما حكم من لا يقتنع بالأحكام الشرعية والعقدية إلا بأدلة عقلية؟ وما الأسلوب الأفضل في دعوته؟ A هذا فيه نزعة وسواس، ونزعة عقلانية مذمومة، وليس كل نزعة عقلانية مذمومة، ولكن العقل إذا كان يريد أن يتثبت في الإيمان ويستزيد من الخير فهذا ممدوح، لكن إذا صارت النزعة العقلية تقصر الدلالات الشرعية على العقل فمن هنا تقع الهلكة، فمثل هذا يجب أن يوعظ؛ لأن الغالب أن أصحاب النزعات العقلية لا يسلمون من الغرور، ولذلك فإن أكثر خصوم الأنبياء من العقلانيين، وليس هذا ذماً لكل عقلاني، إنما العقلاني إذا لم يستجب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللدين كانت عقلانيته تتعدى الحدود الفطرية للعقل. فالنزعة العقلانية إذا وصلت إلى حد أن صاحبها لا يؤمن بشرع إلا بما يقنع عقله فهذا يخشى عليه من الهلكة؛ لأن أغلب أمور الدين غيبية، والقدر غيبي، وأصول الاعتقاد غيبي، والغيبي نعلم منه ظواهر الحقائق ولا كيفيات الحقائق، والعقل لا يكتفي بظواهر الحقائق، فهو يريد أن يتطلع إلى الكيفيات، وهذا مستحيل. فإذاً: صاحب هذه النزعة أن يخشى ألا يصل إلى الحق؛ فلذلك يوعظ ويخوف بالله عز وجل، وتبين له ثوابت الدين وهو: أن الدين ينبني على التسليم، وأن العقل قاصر، وأنه لا يمكن مقارنة الوحي المعصوم -كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- بأفكار وآراء الناس مهما بلغت من القوة والذكاء والعبقرية، فإذا سلم بذلك وأدرك أنه إنسان محدود يعتريه السهو والنقصان والخلل والضعف والفناء وعرف قدر نفسه، فمن هنا ستستجيب عواطفه ويستجيب عقله للحق. فالسبيل الأول هو موعظته، ثم حواره بالمسلمات البدهية لا بالمقدمات المعقدة، لأن العقليات المعقدة لا توصل إلى يقين، لكن يوعظون بمثل ما جاء في القرآن، قال سبحانه: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم:10]، وقال في الرد على الذي أنكر البعث حينما فتت عظماً وقال: أنى يحيي هذا الله عز وجل، فقال الله راد عليه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78 - 79]، مقدمات بسيطة قد يقتنع بها العقلاني الذي عنده هذا الوسواس، أما التعمق في المحارات فهو يزيد الأمور تعقيداً.

حكم دس الشبه على العوام عند تفسير القرآن

حكم دس الشبه على العوام عند تفسير القرآن Q بعض الفئات تفسر القرآن بغير معانيها بحيث أنه يلقي شبهة، فإذا أراد إلقاء شبهة معينة لدى الناس فسرها بتفسير قد يستوعبها الشخص العامي كما يقول هو؟ A كأنك تقول: يكون عنده أحياناً رأي مسبق أو بدعة يعتقدها ثم يسوق النص بما يؤيد هذه البدعة، ويجعل بدعته هي الأصل أو وهمه أو رأيه هو الأصل، ثم يذهب يلوي أعناق الأدلة من أجل أن تؤيد شبهته، وهذا هو الذي قال الله فيه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7] على قراءة، وفي قراءة أخرى: (وما يعلم تأويله إلا الله)، فالوقوف عند: (إلا الله) يعني: أن الكيفيات والغيبيات البحتة لا يعلمها إلا الله، والوقوف على: (والراسخون في العلم) يعني: أن بعض المعاني العميقة في تفسير النصوص لا يدركها إلا العلماء. إذاً: هذا المسلك خطير، ويجب أن يتنبه له كل مسلم؛ لأنه لا يضع في ذهنه رأياً مسبقاً أو عقيدة مسبقة أو يكون متعلقاً ببدعة أو يكون متعلقاً برغبة في أمر من الأمور ثم يذهب ليستدل لذلك، فإن هذا المنحى خطير على عقيدة المسلم، وغالباً أن الله عز وجل يكله إلى نفسه فيهلك، ويظن الدليل معه مع أن الدليل ضده.

قاعدة عصمة الأمة وعصمة الأفراد

قاعدة عصمة الأمة وعصمة الأفراد قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثامناً: العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأمة بمجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، فما قام عليه الدليل قبل مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة]. هذه قاعدة تتعلق بحماية الدين، وسبق أن قلنا: إن الدين قد أكمله الله عز وجل، وأنه ليس لأحد أن يأتي بشيء زاعماً أنه من الدين، والعصمة هي اعتقاد أن الإنسان يقول الحق جزماً، ولا يمكن أن يرد في كلامه أي احتمال للخطأ العصمة بأن يكون القول والفعل ديناً، وهذا لا يمكن أن يكون إلا الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم من أن يقول على الله أو أن يتطرق إلى قوله نقص أو زيادة تخرجه عما أراده الله، أو أن يقع في محذور شرعي، كأن يقع في كبيرة أو أمر يتنافى مع كرامة النبي صلى الله عليه وسلم أو الأخلاق الفاضلة. إذاً: العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم في الدين وفي الأخلاق وفي جميع الأصول التي تقتضي كمال الدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحده المعصوم، أما بقية الناس فلا عصمة لهم حتى العلماء وكبار الصحابة، فقد يرد إليهم الخطأ؛ لأنهم ليسوا مصدر دين ومصدر تشريع، إنما النبي صلى الله عليه وسلم هو المعصوم؛ لأنه المشرع، فلا يتطرق إلى أقواله وأفعاله الباطل إطلاقاً. فإذاً: العصمة للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وأيضاً الأمة في مجموعها معصومة، فلا تخرج الأمة كلها عن الخطأ، بل يبقى منها ولو عدد قليل على الصواب، فهي لا تجتمع على خطأ، لكن لا يمكن أن تتفق كلها على الصواب؛ لأنهم بشر يخطئون ويسهون وينسون ويبتدع بعضهم وينحرف بعضهم وتقع فيهم السبل، لكن لا بد أن تبقى طائفة ولو قليلة على الحق، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فلو أن البدع والأهواء كثرت فلا يعني ذلك أن الأمة تجتمع على البدع والأهواء، ولو طائفة قليلة حتى في زمن الغربة، فالنبي صلى الله عليه وسلم سمى أهل السنة أثناء الغربة بالغرباء، لكنه مع ذلك وصفهم بأنهم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم)، فهؤلاء الظاهرون هم الذين تحققت بهم عصمة الأمة، ألا تجمع على ضلالة. فإذاً: الأمة معصومة في مجموعها أن تقع في ضلالة، لا أما آحادها جماعاتها فرقها مذاهبها فقد يقع الخطأ من أحدهم أو من بعض فئاتهم، فلا عصمة لأحد منهم.

الأسئلة

الأسئلة

حقيقة السلفية

حقيقة السلفية Q نرجو توضيح مفهوم السلفية الحقيقية لأنه يوجد من يدعيها وهو على خلافها؟ A السلف والسلفية وصف لأهل السنة والجماعة الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهذا هو أجمع وصف وأوضح وصف. فعلى هذا كل من كان على هذا السمت وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وأئمة الهدى وعلماء المسلمين المقتدى بهم في الدين فهو سلفي، لكن قد تظهر بعض التصرفات القولية أو الفعلية أو المواقف خاصة تجاه الآخرين من بعض من ينتسبون للسلفية تخالف منهج السلف، فهذه التصرفات ليست من السلفية، وينبغي أن نحرر هذه الأمور على أصول ومناهج. إذاً: السلفية منهج في العقيدة والتطبيق والتعامل مع الخلق، متى ما وجد هذا المنهج عند شخص فقد التزم السلفية، ولو أخطأ بعض الأخطاء فإن خطأه يحسب عليه ولا يخرجه من السلفية، لكن لا نحسب أخطاء أفراد ممن ينتسبون للسلف أو جماعاتهم، وأحياناً لا ننسب أخطاءهم إلى السلفية؛ لأن هذا أمر لا يخلو منه مبدأ ولا دين، وحتى الإسلام بمجموعه هناك من المسلمين من يسيئون إلى الإسلام بالبدع والأهواء والفسق والفجور، فهل هؤلاء يحسبون على الإسلام؟! فكذلك السلفية ليس كل من ادعى السلفية يصح انتسابه إليها، وقد يخطئ فلا ينسب خطؤه إلى السلفية. والسلفية هي من كان على نهج الصحابة، ومن كان في مثل الحياة المعاصرة التي نعيشها وفي كل عصر، على هدي العلماء الكبار المهديين الراسخين أصحاب المنهج المعتدل المتزن، أصحاب المرجعية في الأمة، هؤلاء منهجهم في الجملة -ليس في أفرادهم- هو منهج السلفية.

مفهوم حديث: (فآواه الله)

مفهوم حديث: (فآواه الله) Q بالنسبة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يذكر فيه الثلاثة الذين دخلوا إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم: فالأول اقترب منه فآوى إلى الله، فيقول العلماء: فآواه الله إلى رحمته، هل هذا يعتبر من تأويل الصفة؟ A مثل هذا الكلام مجمل ويرجع إلى المقاصد، وبعض الناس قد يفسر الكلمة ببعض معانيها ولا يتعمد التأويل، لكن إن كان مؤولاً فربما يحسب هذا من التأويل، أي: أن الله عز وجل آواه، ولكن ينبغي أن نعرف أن مثل هذا النص المقصود به الخبر، وأنه جاء بمعرض الترغيب، فهذه من النصوص التي يقول السلف: تمر كما جاءت؛ لأن لوازمها كثيرة ولكن لا نفسرها بلازم واحد من لوازمها، أو بمعنى واحد من معانيها ونجعله هو تفسيرها كما فسر هذا بعض أهل العلم: الإيواء بالمعنى السابق، فهذا تفسير باللوازم وهو معنى من المعاني، ولا نقصر عليه ولا نحصر المعنى فيه؛ لأن حصر المعنى فيه قد يؤدي إلى التأويل. إذاً: المعنى المقصود به الترغيب، وهو خبر عن الله عز وجل وعن مجازاته لعباده على وجه حقيقي لا لبس فيه، ومن هنا يقال: هذا من النصوص التي تمر كما جاءت، لا تؤول تأويلاً صريحاً، ولا تحمل على أنها صفة.

دخول الأعمال في مسمى الإيمان

دخول الأعمال في مسمى الإيمان Q هل عمل الجوارح شرط كمال في الإيمان أم شرط صحة؟ A هذه من المسائل التي كثر الكلام فيها، بل أكثر الذين خاضوا في هذه المسألة، سواء الذين قالوا: إن الأعمال شرط كمال أو شرط صحة، بينهم تفاوت في المفهوم، وبينهم تفاوت في معاني الكلمة وفي ترتيباتها وآثارها. والصحيح أن الأعمال في مجموعها وفي جنسها شرط صحة، لكن في مفرداتها شرط كمال، ومن الأعمال ما لا بد أن يكون شرط صحة مثل الصلاة وليس شرط كمال، فعلى هذا فإن: مجموع أعمال المسلم بجملتها أو مجموع الأعمال كلها لا بد أن تكون شرط صحة؛ لأن من أعرض عنها كلها لم يصح إيمانه، لكن بمفرداتها تعتبر شرط كمال وليس شرط صحة، فالصحيح أننا نحتاج إلى أن نجمع بين القاعدتين، فنقول: الأعمال من وجه شرط كمال، ومن وجه آخر شرط صحة، فهي بمجملها في جنس فيسمى الجنس، يعني: يجب ألا يخلو إيمان المسلم من عمل، وإذا خلا من كل عمل اختلَّ اختلالاً كاملاً وفقد، لا بد أن يكون في جنس عمل خاصة الضروريات والأركان والواجبات، فعلى هذا هو من وجه شرط كمال ومن وجه شرط صحة.

حكم أخذ أحكام الشرع من المنامات

حكم أخذ أحكام الشرع من المنامات Q يأخذ كثير من الناس في الوقت الحالي من الرؤى أحكاماً وحقائق غيبية لم ترد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فما هو توجيهكم لهم يا شيخ؟ A هذا خطأ، والرؤيا الصالحة من الله عز وجل، وهي جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا الصالحة لها شروط: أولاً: أن تكون على مقتضى الكتاب والسنة، وألا يغتر بها المسلم بحيث يجزم بأنها دليل إيمانه أو دليل صلاحه لا تكن سبباً للرياء والسمعة، أو استدراجاً إلى البدع والمحدثات. فإذا وافقت الكتاب والسنة فهي مبشرة للمؤمن، ويجب أن تعرض على النصوص وعلى الدين، فإن جاء في الرؤيا أو الحلم ما يعارض الكتاب والسنة، وما يعارض مقتضيات الدين فهو من عبث الشيطان وهو من الأحلام. وعلى هذا: فإن تقرير أمور الدين أو مصائر العباد أو الجزم بمقتضيات الرؤى كله لا يجوز، لكنها مبشرة ومؤنسة، يستأنس بها ويستبشر بها، فقد تدل على عافية، وقد تدل على إيمان وصلاح، وقد تدلنا على مواطن أو أسباب العلاج المؤدي لبعض الناس، فهي من توفيق الله وتكون كرامة، لكن بشرط: ألا نجزم بها، وأن نعتبرها نصيحة لا دليلاً، مبشرة لا يقينية، إلا إن وافقت الكتاب والسنة، يعني: إن وافقت الشمس لا لبس فيها فهي جزء من الحق، لا علاقة لها بالرائي ولا المرئي له.

الفرق بين البدعة والسنة الحسنة

الفرق بين البدعة والسنة الحسنة Q نرجو من فضيلتكم توضيح الفرق بين البدعة التي هي ضد الابتداع وبين السنة الحسنة الواردة في الحديث ويستدل بها كثير من الناس في البدع؟ A البدعة كل محدثة في الدين، وعلى هذا فليس في السنن بدع، فهما كلمتان متضادتان لا يمكن أن تلتقيان: البدعة والسنة، لا يلتقيان عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً بأي اعتبار من الاعتبارات، بل الشرع اعتبر البدعة محادة للدين من كل وجه، ولا يستثنى من البدع شيء، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعليم: (كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). فالبدعة تقابل السنة مقابلة الأضداد، وهما كما يقال في تعبير بعض المختصين، أي: الجمع بين البدعة والسنة: معادلة صعبة، فلا يمكن أن يلتقيان. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وجوب الاتباع وذم الابتداع

مجمل أصول أهل السنة - وجوب الاتباع وذم الابتداع من الأصول والقواعد المقررة في العقيدة: أن المرجع في مسائل الاختلاف هو الكتاب والسنة، فما قام الدليل عليه قبل، وما خالفه رد، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة، وهناك قواعد عقدية أخرى تتعلق بالإلهام والرؤى والمراء والمجادلة بالحسنى، ووجوب الالتزام بمنهج الوحي وعدم الابتداع في الدين وغير ذلك، فينبغي للمسلم معرفة دينه وفق منهج الله عز وجل.

قاعدة ثبوت العصمة للرسول ولمجموع الأمة والاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة

قاعدة ثبوت العصمة للرسول ولمجموع الأمة والاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فيقول المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة الثامنة: العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، فما قام عليه الدليل قبل، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة]. هذه القاعدة تشمل عدة خطوات: الأولى: أن العصمة في الدين ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يتطرق إليه الخطأ في الدين، ولو أنه حدث منه شيء على سبيل البيان والتشريع فإن الله عز وجل يسدده، فكلما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وصح سنده فإنه على الكمال، وهو وحي الله، ولا يمكن أن يتطرق إليه الباطل إطلاقاً؛ لأن العصمة تعني عدم مرور شيء مما ينافي الحق. الثانية: الأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على الضلالة، فالحق لا يخرج عن مجموعة الأمة، وهي قد لا تجتمع كلها على أصول الحق، لكن تبقى منها طائفة على الحق، وقد يكون الحق أحياناً مع طائفة في جانب ومع طائفة أخرى في جانب آخر، ولا يرسو الحق لطائفة كاملة إلا لأهل السنة والجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم)، فعلى هذا فإن الأمة لا تقع جميعها في الباطل، لكن تقع طوائف منها في الأهواء والبدع والافتراق، وهذا لا يتنافى مع عصمتها، حتى لو أن أكثرية الأمة وقعت في الأهواء والبدع والفرق فلابد أن تبقى طائفة منها على الحق. فالأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة). أما آحادها أو أفرادها أو مجموعاتها بفرقها ومذاهبها فقد يقع منها الخطأ، فلا عصمة لأحد، بل أبى الله عز وجل إلا أن ترد أخطاء حتى على ألسنة وأقوال وأفعال كثير من العلماء الجهابذة الراسخين في العلم؛ ليتبين أن العصمة لا تكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو عالم من خطأ أو زلة على الإطلاق، ولا يقدح ذلك في قدر العالم. فآحاد الأمة وأفرادها وجماعاتها ومذاهبها يتطرق إليها الخطأ، فلا عصمة لأحد منهم. وقوله: (وما اختلف فيه الأئمة) هذه قاعدة مهمة، فما اختلف فيه علماء المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وغيرهم، فنتحاكم فيه إلى الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة على منهج الاستدلال الذي ذكرناه، وعلى المرجعية في فهم الكتاب والسنة فهو المقبول وغيره مردود، ورده لا يعني الاعتداء على المخطئ، خاصة العالم، بل يبقى له حقه وقدره واحترامه، ووقوعه في الخطأ لا يعني ذلك اختلال المنهج عند العالم الراسخ المستقيم على السنة، بل يبقى على المنهج، لكن مفردات أقواله وجزئياته واجتهاداته قد يقع فيها خطأ، فإذا أخطأ فلابد أن نعتذر له، ولا نجعل الخطأ ذريعة إلى الطعن فيه أو شحن قلوب الناس عليه، كما يفعل كثير من الجهلة اليوم والحمقى حينما يزل العالم في قضية يشهرون به ويسقطون اعتباره عند عامة الأمة، وهذا خلاف المنهج الصحيح، بل هذه كارثة على الأمة، ولم تكن الأمة تسلك هذه المسالك في الأزمان القديمة، إلا عندما وفدت على الأمة اليوم كثير من الأفكار التي زعزعت المسلمات والثوابت في قلوب عامة المسلمين، ومع ذلك فهذه الظاهرة الخطيرة قليلة بحمد الله في الأمة، ولكن معظم النار من مستصغر الشرر، فيجب أن نستدرك الأمر، ولا ندع الفرصة للمشككين في علمائنا ومشايخنا بالتقاط زلاتهم وتهويلها والتهوين من شأنهم. إذاً: الاعتذار للمخطئ المجتهد في هذه الأمة أصل شرعي، لابد أن نعتذر له كما ينبغي أن نحذر زلة العالم، لأن العالم قد يزل، وليس المقصود من الزلة الخطأ في بعض الفتاوى الجزئية، إنما الزلة الخطيرة هي التي توقع الأمة في فتنة وشبهة ومفسدة عظمى، وأحياناً تكون الزلة منهجية أو زلة في فتوى تخرق قواعد الشرع القطعية وتخرق النصوص الثابتة، والعالم عندما يحصل منه ذلك لا يعني أن نخرجه من زمرة العلماء إذا توافرت فيه صفات العالم الرباني، لكن نحذر أن نتابعه على زلته، وبعض الناس قد يفهم من احترامنا للعالم أننا نأخذ أقواله دون عرضها على الكتاب والسنة وعلى العلماء الآخرين، وهذا مسلك غير سليم. إذاً: زلة العالم إذا كانت في أمر خطير يجب أن نعالجها بالأصول الشرعية، وليس عامة المسلمين يعرفون الحكم على فتوى العالم أنها زلة، إنما يرجع فيها إلى العلماء الكبار الراسخين في العلم، فإذا حكم عليها العلماء بأنها زلة عالم فعلينا أن نرد هذه الزلة ولا نعمل بها ونعتذر للعالم؛ لأنه اجتهد فأخطأ. إذاً: الزلة نعرفها بعرضها على الكتاب والسنة من قبل العلماء ونعرفها بأثرها على الأمة إذا كان الأ

قاعدة الإلهام والرؤى والفراسة والكرامات في الأمة

قاعدة الإلهام والرؤى والفراسة والكرامات في الأمة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة التاسعة: في الأمة محدثون ملهمون كـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والرؤيا الصالحة حق، وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة حق، وفيها كرامات ومبشرات، بشرط موافقتها للشرع، وليست مصدراً للعقيدة ولا للتشريع]. هذه القاعدة تشمل ثلاثة أمور: الأمر الأول: الإلهام: وهو نوع من الفراسة. والأمر الثاني: الرؤيا. والأمر الثالث: الفراسة. كل هذه الأحوال تدخل في باب واحد وهو باب ما ينكشف لبعض العباد من أمور قد لا تنكشف لغيرهم، فما ينكشف لهم عبر الإلهام أو الفراسة أو الرؤيا الصادقة إذا توافرت الشروط وطابقت الكتاب والسنة فهو حق، لكن لكل نوع حال وتفصيل، فالإلهام هو ما يلقيه الله عز وجل في قلوب بعض عباده، بإدراك الحق في قضية قد تشكل على الأمة، سواء كانت قضية فردية أو جماعية قد تشتبه، فيحتاج الناس فيها إلى أن يعرفوا وجه الحق لالتباس النظر فيها أو تعدد وجوه النظر فيها، فالله عز وجل قد يلقي في قلوب بعض العباد إدراك الحق في هذه المسألة، فيسمى هذا إلهاماً، لكن ليس عن طريق الوحي إنما هو أمر ينكشف للإنسان مما يتوافق مع الكتاب والسنة، إذا توافرت صفات الإيمان والتقوى والفقه في الدين. فالإلهام فتح من الله عز وجل للعبد ليس عن طريق الوحي، إنما عن طريق التوفيق في الخروج من مقتضى الالتباس إلى البيان والوضوح، فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتهرت عنه مواقف ألهمه الله فيها للحق، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من آرائه في تلك المواقف التي ترددت فيها الأمة في ذلك الوقت، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم والله يوحي إليه، لكن في مثل هذه الحالات التي يلقي الله الحق على قلب رجل أو لسانه هذا من باب التشريع للأمة. وكذلك الرؤيا الصالحة في الحقيقة قد تشتبه بالأحلام، وعلى هذا فإن الرؤيا الصالحة هي التي تتوافر فيها شروط الرؤيا، وأهم الشروط: أن توافق الكتاب والسنة، وألا تتعارض مع الحق ولا تخالف الشرع، ولا توقع في بدعة ولا ظلم ولا عدوان، فهي من المبشرات والأحلام، وقد تختلط بالرؤى، فإذا أخذنا ما يحلم به الناس على هذه الضوابط فهي رؤيا صالحة، وإلا فقد تكون حلماً، ومن هنا فإنه قد يختلط على كثير من المسلمين الرؤى بالأحلام، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح أن ما يراه الناس في المنامات على ثلاثة أصناف: الصنف الأول: الرؤيا التي هي رؤيا حق. والصنف الثاني: رؤيا عبارة عن انطباعات أو أحلام من مثل ما يحدث به الإنسان نفسه في اليقظة أو ما يسمعه ويتلقاه من الأحداث والمشاكل، فينعكس هذا على شكل أحلام، وهذا لا اعتبار له، كما هو نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم. والصنف الثالث: رؤيا هي من تحزين الشيطان، أي: من عبث الشيطان بالإنسان، خاصة إذا كان المسلم لم يعمل بالأسباب المشروعة لحمايته من عبث الشيطان، كأن ينام بلا ورد أو ينام على معاصٍ أو سماع أمور محرمة شرعاً أو غيبة أو نميمة، أو أمور تحجب القلب عن حقيقة الإيمان، فإنه يتسلط عليه الشيطان، فيأتيه بأحلام ويوهمه بأنها رؤى صالحة، وهذا يقع لكثير من الناس. أما الصنف الأول: الرؤيا الحق التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق قال: (الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق) وهي على نوعين: النوع الأول: الرؤيا الصادقة الصريحة التي تأتي كفلق الصبح، ولا تحتاج إلى تأويل، فمثلاً: إنسان رأى في منامه أنه يحفظ القرآن، فهذه توافرت فيها شروط الرؤيا الصالحة، فبإذن الله سييسر له حفظ القرآن ونحو ذلك من الرؤى التي لا تحتاج إلى تأويل وليس فيها التباس ولا أمثال تضرب إنما هي رؤيا بينة واضحة، وهذا يقع لقلة من الناس الذين تتوافر فيهم صفات العبادة والزهد والورع والمال الحلال وسلامة القلوب، فهؤلاء غالباً رؤاهم صادقة لا تحتاج إلى تأويل ولا تفسير، بل إذا تيقظ من منامه بعد الرؤيا فلا يحتاج أن يفسرها؛ لأنها تفسر نفسها. النوع الثاني: رؤيا عبارة عن أمثال تضرب للناس برموز بأسماء بأحوال بأشكال بإشارات يعرفها أصحاب الرؤى الصادقة. أما الكرامات فهي تختلط بالخوارق التي تكون من باب الفتنة والابتلاء، وهذا مما اختلط على كثير من الناس. والكرامات الصالحة هي من جنس الإلهام والرؤى، ولكن ليس كل ما يحدث للإنسان من خوارق الأمور يعد كرامة، لأن الكرامة قد تحدث لإنسان، فإذا لم يتعامل معها معاملة شرعية على وفق أصول الشرع فإنها قد تنقلب إلى فتنة؛ وذلك لأن الكرامة لا تكون إلا بحق، وبمقتضى الكتاب والسنة، ولا تكون في تأييد بدعة ولا ظلم ولا عدوان، ولا تكون من الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى الوقوع في معصية أو بدعة، أما إذا كانت كذلك فليست كرامة، بل من الخوارق ومن عبث الشيطان بالإنسان. ومن سمات الكرامة الحقيقية: أنها تؤدي بصاحبها إلى قوة الإيمان والتواضع، ويكره صاحبها ذكرها ونشرها خوفاً من الرياء، وبعض المسلمين قد يفتن بالكرامات لعدة أسباب: أولاً: أنها قد تؤيد بدعة، فيظن أنه بذلك

قاعدة المراء في الدين مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة

قاعدة المراء في الدين مذموم والمجادلة بالحسنى مشروعة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة العاشرة: المراء في الدين مذموم: والمجادلة بالحسنى مشروعة، وما صح النهي عن الخوض فيه وجب امتثال ذلك، ويجب الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به، وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه]. هذه من القواعد السلوكية؛ لأنه كما أن العقيدة والدين في الأمور القلبية كذلك هي في أمور الحلال والحرام، وفي التعامل مع الخلق، ومسألة التعامل مع الخلق هي المحك والاختبار لكثير من المسلمين اليوم؛ لأنه قد يدعي المسلم أنه يعرف الاعتقاد ويعلم أشياء كثيرة في الدين، ويباشر أعمال الإسلام الظاهرة، لكن هذا كله لا يعطينا مصداقية تمسك المسلم بدينه بقدر ما يعطينا تعامله مع الناس، هل هو على مقتضى العقيدة والشرع؟ ومن أعظم أبواب التعامل مع الخلق ما يتعلق بالحوار والمواقف تجاه الآخرين، والتعامل مع المخالف أو التعامل مع المخطئ في نصحه وبيان الحق له وإقامة الحجة عليه، وأن يكون بالنصيحة والمجادلة بالحسنى. وهنا ينبغي أن يعرف المسلم أن المراء في الدين مذموم بمقتضى الكتاب والسنة، والمراء صنوف كثيرة أهمها وأخطرها: الجدال بغير حق وبغير قصد الحق، والانتصار للرأي وللمذهب وللقول، والتشفي من المخالف، والتمادي وهو عدم الوقوف على الدليل، فالمسلم قد يجادل ويقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل يسأل فيجاب، لكن إذا تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك بأن يعيد السؤال لغير حاجة، أو يلف بالقضية والشبهة مرة أخرى، كأن يصر على قوله ولا يكتفي بمجرد أخذ الدليل أو الاستفهام من الدليل، بل يزيد مرة أخرى ويماري ويكرر الكلام لغير حاجة فهذا يسمى المراء. إذاً: الكلام للحاجة بالضوابط الشرعية هذه مجادلة بالحسنى، أما ما زاد عن الحاجة وما وقع فيما نهى الله عنه من الانتصار للباطل والانتصار للهوى وعدم التوقف عند الحجة والدليل؛ فإن هذا يعد من الأمور المذمومة وهو المراء في الدين، أما المجادلة بالحسنى فهي مشروعة بشروطها. والمجادلة: هي النصيحة في الدين، فتبين للآخر وجه الدليل وتفهمه ما لم يفهمه إذا كنت تقدر، ويكون ذلك على مقتضى الكتاب والسنة، ويكون أيضاً بقصد حسن، أن تقصد الحق وتتجرد من الهوى والرأي المسبق، وتتمثل قاعدة الإمام الشافعي رحمه الله الذهبية العظيمة وهي قوله: والله ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يجري الله الحق على لسانه. فأقسم أنه يتمنى أن يجري الله الحق على لسان خصمه؛ لأنه طالب حق يتمنى من الله أن ينقذه من رأي أو اجتهاد خاطئ، وهكذا يجب أن تكون المجادلة بالكتاب والسنة، وبقصد الحق والتجرد من الهوى، والتسليم والإذعان للدليل، فإذا قال خصمك: قال الله عز وجل وفهمت قول الله وعرفت أنه حجة في هذا الباب فتتوقف وتقول: آمنا بالله، وإذا قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءك الدليل وفهمته وأنه حجة في هذا الأمر فتقول: على العين والرأس، مكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلبي وبصري وسمعي لا أحيد عنه. ومن شروط المجادلة بالحسنى: ألا تتعصب ولا تنتصر لنفسك، أو تحرص على هزيمة خصمك وتتشفى كما يفعل بعض المجادلين، وإذا رأيت من خصمك استعداداً لقبول الحق فشجعه على ذلك، ولا تشعره بأنك انتصرت فتنتفخ وتنتفش، فربما يؤدي ذلك إلى رده للحق وحجبه عن قبول الحق، فليتق الله المجادل، وليلتزم أدب الحوار ويتكلم برفق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، والرفق يشمل الرفق في العبارة، والرفق في التعامل، والرفق مع الخصم، والرفق خلال عرض الحجة، والرفق بالصيغة والأسلوب، وبلا رفع الصوت أو اللجاجة أو التكرار من غير حاجة، وعليك بالحلم والتأدب، والنصيحة سواء للمسلم أو لغير المسلم، يكون رائدك النصيحة والحرص على الهداية، ثم تاج ذلك كله أن تكون المجادلة بعلم وفقه، فلا تجادل وأنت لا تعلم، وبعض الناس تأخذهم الغيرة في الدفاع عن الدين فيجادلوا بغير علم، ويخاصموا المخالفين بغير حجة ولا فقه ولا عمق، فأحياناً يقولون على الله بغير علم ويوقعون الحق في حرج، ويقولون أشياء ليست حقاً ويظنون أنها حق؛ لأنهم ليس عندهم فقه في الدين، فيستفزهم الخصم فيقعون في المهاترات، وهذا كله يقع لأنهم ما جادلوا بعلم، ظناً منهم أنه لابد أن يدافعوا عن الدين غيرة، فمن شرط الدفاع عن الدين: أن تكون على علم وبصيرة، والله عز وجل نهاك أن تجادل بلا علم، قال سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]، أما أن يهلك بعض الناس ويقعوا في شبهات وبدع فالله يتولاهم وليس عليك هداهم، وثق أن الله عز وجل سيسخر من أهل العلم والفقه من يقوم بالحجة، لكنك يجب أن تصبر وتهيئ نفسك. وأخيراً: يجب أن يكون المسلم متجرداً لا عن الحق كما يفهم كثير من الكتاب والباحثين الذين ظنوا أن التجرد يكون عن الحق، فهذا لا يجوز. وبعض الناس يظن التجرد ألا تكون له عقيدة ولا رأي وهذا خطير،

قاعدة وجوب الالتزام بمنهج الوحي في الرد

قاعدة وجوب الالتزام بمنهج الوحي في الرد قال المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة الحادية عشرة: يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد كما يجب في الاعتقاد والتقرير، فلا ترد البدعة ببدعة ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس]. يجب الالتزام بمنهج الوحي في التأصيل، وهو التزام الدليل ومصادر الكتاب والسنة في التزام المنهج الذي ذكرته في الجدال والمراء والمجادلة بالحسنى، وكذلك كما يجب هذا في التأصيل والعلم والفقه في الدين كذلك يجب في الرد؛ لأن بعض الناس عند التقرير والبيان يأخذ بأدب الشرع، لكن عندما يرد يخرج من سمته وتصدر منه ردود الأفعال، وقد يعالج الغلو بتفريط، فإذا رأى الناس تشددوا أو غلوا تساهل في الدين وميع الدين كما يفعل كثير من المفتونين الآن عبر كثير من الوسائل، لما رأوا بعض طوائف الأمة نزعت إلى الغلو والعنف ذهبوا إلى الطرف الآخر المعاكس فميعوا الدين، وأضاعوا معالمه بدعوى الرد على الغلو، فهذا خطأ في الرد، إذا أردت أن ترد على الغلاة فرد عليهم بمنهج الاعتدال، وكذلك العكس هناك من يعالج مظاهر التميع في الدين ومظاهر التساهل بالغلو الذي نتج عنه التكفير والتفجير، زعماً منهم أن هذا هو الرد الحقيقي الذي نرد به الباطل، وهذا كله خروج عن منهج الإسلام الذي هو منهج الاعتدال. وكلا الفريقين الذين شطحوا في الرد أساء إلى الإسلام، فتشوهت مفاهيم الأمم تجاه الإسلام اليوم، وتشوهت مفاهيم كثير من المسلمين وعامة المسلمين وناشئتهم تجاه اعتدال الدين وأفقيته؛ لأنهم يرون المنهج الخاطئ في الرد، فلا ترد البدعة ببدعة، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا يرد الإفراط بالجفاء، فالذين يردون البدع التي أحدثها الناس في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يكون عند بعضهم شيء من الجفاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء وقعوا في خطأ شنيع، والأنموذج في مثل هذا أن يكون المسلم معتدلاً في محبته لله عز وجل ومحبته للرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته للخير، وألا يرد بدع الناس التي ابتدعوها في الدين ببدع مقابلة أو بنحوها، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس.

قاعدة كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة

قاعدة كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [القاعدة الثانية عشرة: كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار]. هذه من القواعد الكبرى العظيمة التي يحتاجها المسلمون دائماً في كل زمان، وفي هذا الوقت بشكل أكبر؛ لأن الجهل بهذه القاعدة وعدم تحكيمها -وهي قاعدة متقنة محكمة- أدى بكثير من المسلمين إلى الوقوع في أنواع البدع: البدع الاعتقادية، البدع في العبادات، البدع في المناهج، البدع في التعامل، البدع في السلوكيات إلى آخره. مع أن الأصل في البدع أنها في العقائد والعبادات، أما أمور السلوكيات والأخلاق والتعامل فإنها تحكمها المصالح العامة، والتي يكون الأصل فيها الحل والإباحة، وكذلك تناول ما يسره الله عز وجل للعباد من خيرات الأرض وما فيها من كنوز، كل ذلك الأصل فيه الإباحة، وقلّ أن يدخل فيه الابتداع، إنما الابتداع يكون في العقائد والعبادات والأعياد والاحتفالات، وهذا هو أغلب الابتداع الذي وقعت فيه الأمة، ولا تزال واقعة فيه، ثم مع أن المتأمل لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت لحماية الأمة من البدع يجدها من أقوى الأحكام والقواعد في وضوحها، وفي سد منافذ الفهم الخاطئ فيها، فقد جاء التحذير عن النبي صلى الله عليه وسلم من البدعة على وجوه متعددة وبألفاظ محكمة وموجزة ومتقنة، ولا يمكن أن تتأول ولا تخترق. وهذا فيه إشارة إلى أن الأمة سيكون منها من يقع في البدع، فجاء التحذير من البدع مجملاً ومفصلاً، محكماً وبيناً لا لبس فيه، يتصف عند المتخصصين بالحدية الذي لا يمكن تجاوزه، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن كل بدعة ضلالة، ثم أضاف عبارة في لفظ آخر، وألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم إذا تعددت فهي تدل على تعدد المعاني وإحكام الأمور، فالنبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه في هذه القاعدة عدة ألفاظ وكلها صحيحة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة في الدين بدعة)، والأحكام محدودة بينة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، جامعة مانعة، ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم التي تشمل ملايين المعاني والمفردات بثلاث عبارات: (كل محدثة في الدين بدعة). فكلمة (كل) تعني المحدثات عموماً. وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم للبدعة هنا تعريفاً جامعاً كاملاً شاملاً لا مزيد عليه، ولذلك أرى أن نقتصر على هذا التعريف إذا قيل: ما البدعة؟ نقول: كل محدثة في الدين بدعة، ونستريح من الخلافات في تعريف البدعة. والنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بين أن البدع كلها مذمومة، فقال: (وكل بدعة ضلالة)، حتى لا يأتي المتحذلق ويقول: هناك بدعة حسنة أو بدعة فيها هداية أو فيها خير، أنت كيف تقول: بدعة حسنة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وكل بدعة ضلالة)، مطلقاً يشمل ملايين المفردات. أيضاً: نجد أن هذه المسألة أحكمت بنصوص أخرى متواترة مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فقوله: (من أحدث في أمرنا) أمرنا هو أمر الدين، وقوله: (ما ليس منه)، أي: ما ليس من الدين ولم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم (فهو رد) أي: مردود على صاحبه، والرد كلمة حازمة، ولا يمكن أن يكون ذلك اعتقاداً ولا قولاً ولا عملاً. وأيضاً لما قد يرد على أذهان بعض الناس احتمال تأويل الكلمة، جاءت بلفظ آخر، قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فهذا يعني جميع العمل: عمل القلب وعمل الجوارح، ومن أصول السنة القطعية أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا)، يشمل الأعمال القلبية الاعتقادية وأحوال القلب، وكما يشمل القول، ويشمل الأفعال التي هي العبادات ونحوها مما هو من البدعة. وإذا رددنا هذه القاعدة إلى قواعد أخرى صارت القواعد الأخرى أكثر إحكاماً. ثم حينما قلنا: إن الله قد أكمل الدين ولا يحتاج إلى زيادة ولا نقص، وأيضاً كمال الدين يتنافى تنافياً قطعياً عقلاً وشرعاً وعرفاً -وعلى مقتضى الفطرة والواقع- مع البدعة في الدين أو الإحداث في الدين أو النقص أو الزيادة. إذاً: ما دام أن الله عز وجل قد أكمل الدين فقد تكفل بحفظ الدين وجعله ظاهراً؛ لأنه قد يقول جاهل أو متحذلق أو منافق: إذا كان الله قد أكمل الدين فلماذا الناس أضاعوا الدين؟ نقول: إذا كان بعض المسلمين أضاع بعض العمل بالدين فلا يعني أن الدين بذاته ضاعت معالمه؛ لأن مصادره محفوظة، والله عز وجل كما أكمل الدين فقد تكفل بحفظه وجعل نبيه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، لئلا يحتاج الناس إلى نبوة، ولو احتاجوا إلى شيء جديد بالدين يبتدعونه فإنهم يحتاجون إلى نبوة؛ لأنه لو فتح باب الإحداث في الدين، فإن كل إنسان سيذكر من الدين ما يميل إليه قلبه وعاطفته ورغباته، حتى وإن سماه ديناً فإن الشيطان يدخل على الناس، وكل يدعي أن ما يعتقده ويقوله مما لم يرد في الكتاب والسنة ويفعله ويهواه أنه دين، لاسيما أن الشيطان قد

الأسئلة

الأسئلة

معنى قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه

معنى قول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه Q ذكرت في قاعدة الإلهام والفراسة والرؤى، وأن الإلهام قد يقع لبعض الناس مثل ما وقع لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وذكرتم فيما بعد أن عموم لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في كل بدعة ضلالة وعمر بن الخطاب لما سئل عن التراويح فقال: (نعمت البدعة هذه)، فما هو رد فضيلتكم في هذه المسألة، أحسن الله إليك؟ A هذه مسألة مهمة، أما صلاة التراويح فالنبي صلى الله عليه وسلم صلاها، وحينما تركها النبي صلى الله عليه وسلم تركها لعلة ظاهرة منصوصة: وهي خوفه أن تفرض، لكن بعد ممات النبي صلى الله عليه وسلم لا يعقل أن تفرض أما كلام عمر (نعمت البدعة هذه) إن صح فهو من باب المشاكلة في الألفاظ، وهذا من باب التنزل وهو موجود في الخطاب عند العلماء والأئمة وغيرهم، ولا يعني أنه يمدحها على أنها بدعة، ولكن كأنه يقول للسائل: ما دمت تدعي أنها بدعة فنعمت البدعة؛ لأن أصلها موجود في الشرع، فالبدع بمعنى إحياء السنن قد يسمى ابتداعاً لغة، لكن ليس هو البدعة المصطلح عليها التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجد أهل البدع إلا مثل هذا الدليل المشتبه، فهل نستدل بالمشتبهات؟!

حكم إنزال البدعة على المخترعات والصناعات

حكم إنزال البدعة على المخترعات والصناعات Q يا شيخ! البدعة ذكرت في تعريفها أنها الشيء الذي لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهل الأشياء المخترعات تعتبر بدعة؟ ومن أي أنواع البدع؟ A وسائل الحياة ليس فيها بدع، بل ينبغي للمسلم دائماً أن يأخذ بأحدث وسيلة تخدم حياته ودينه إذا لم تتعارض هذه الوسيلة مع غايات الشرع، وانطبقت عليها شروط الشرع، فالبدع لا تكون إلا في العقائد والعبادات والاحتفالات البدعية ونحوها ما يتدين به الناس، أما المخترعات والمصنوعات ووسائل الحياة ومناهج التعامل مع الآخرين إذا التزمت أصول الشرع، فهذه الأصل فيها الإباحة مطلقاً، وكل مستجد فيها يفيد يجب الأخذ به بضوابطه الشرعية ولا تسمى بدعاً؛ لأن البدع لا تكون إلا في الدين والعقيدة والعبادة وما يلحق بذلك من الأعياد والاحتفالات ونحوها، والمناهج القطعية في الدين هي التي يكون فيها الابتداع، أما الحياة ووسائلها ومناهج الحياة البحتة الاقتصادية وغيرها فهذه كلها الأصل فيها الإباحة بشروط الشرع، وما يستجد منها لا يعتبر بدعاً في المصطلح الشرعي.

وجه كرامات وخوارق أهل البدع

وجه كرامات وخوارق أهل البدع Q ما الدليل على أن الكرامات قد تقع من أهل البدع؟ وما الدليل على أن الكرامة لا ينبغي أن ينشرها الإنسان بين أحبابه وزملائه؟ A الكرامات تختلط أحياناً بالخوارق التي فيها فتنة، فمثلاً: إنسان دعا عند قبر اعتقاداً منه أن الدعاء عند القبر يكون مجاباً بناء على تعلق قلبه بصاحب القبر هذا، فتكون هذه ظاهرها الكرامة وهي استدراج، قد ينتفع بمثل هذا العمل انتفاعاً أحياناً يكون خارقاً للعادة، كأن يشفى من مرض معضل، أو يحدث له شيء لم يكن يحدث عادة من جانب نفع أو دفع ضر، ويكون هذا من باب الابتلاء، أن الله عز وجل وكله إلى ما فعل ويخسر بذلك دينه ويكسب ما يريد من متاع الدنيا. أما كون الكرامة لا تنشر فلأن هذا نهج السلف، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يكرهون نشرها، وهو من سبيل المؤمنين، ولأن هذا يجده أي إنسان عنده نوع من التورع وأحواله القلبية على مقتضى الشرع، يجد أنه إذا تحدث عن كرامته فإن نفسه تميل إلى الغرور والرياء، وما دام أكرمه الله بكرامة فينبغي أن يحفظ ما بينه وبين ربه عز وجل حتى يكون أعظم لأجره. أما الحديث عن الكرامة أحياناً من باب الاتعاظ أو من باب تبشير الناس بالخير أو من باب الفائدة للآخرين المتحققة، فهذا يكون بقدر وبضوابطه الشرعية.

مفهوم البدعة

مفهوم البدعة Q البدعة عموماً ما معناها؟ A هي كل محدثة في الدين، في العقيدة والعبادات والأمور التي تعبد بها الخلق، مثل: الاحتفالات البدعية وغيرها، كل ما تدين به الناس مما لم يرد به الشرع فهو بدعة، وعلى هذا فإن وسائل الحياة من المباحات الأصل فيها الإباحة ولا تدخل في البدعة.

معنى حديث: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)

معنى حديث: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) Q ما معنى حديث: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)؟ A معناها: ألا يأتيني أذى من تحتي، من أذى الجن أو الشياطين، وغالباً يكون أذى الجن والشياطين من تحت الإنسان، هذا هو الغالب، وكأنه يستعيذ بالله عز وجل من أن يأتيه هذا الأذى الأغلب على هذا النحو.

موقف العامي من البدعة وأهلها

موقف العامي من البدعة وأهلها Q ما هو موقف العامي من البدعة وأهلها؟ A العامي عليه أن يبتعد عن البدعة وعن أجواء البدعة، وعن مخالطة أهل البدع أثناء بدعهم، وأن يناصح بإجمال ولا يدخل في التفاصيل، ويرجع إلى العلماء في هذه الأمور، وأهم مسألة في موقف العامي مما يخالفه الناس اليوم وكثير من المسلمين، أن العامي لا يعني مجرد الذي لا يقرأ ولا يكتب، بل العامي هو كل من لا فقه له في الدين وإن سمى نفسه أحياناً متعلماً، وقد يكون متعلماً ولكنه عامي في أمور الدين، فهذا عليه ألا يوقع نفسه فيما يحرجه شرعاً، فإذا رأى بدعة إن كان ينكرها إنكاراً مجملاً ولا يتشابك مع أصحاب البدع بالحوار وهو لا يفقه أو لا يعلم، مع تجنب استعمال الأساليب التي فيها قسوة وعنف، فإنه لا ترد البدعة بالعنف، فالعامي عليه ألا يقع في اشتباك يوقعه في حرج ويخرجه من الأدب، لكن أيضاً عليه أن يبتعد عن مواطن البدعة؛ لئلا يتأثر وتصله العدوى.

دعوى وجود بدعة حسنة

دعوى وجود بدعة حسنة Q هل ليس هناك بدعة حسنة إطلاقاً؟ مع وجود بعض العلماء يطلق ذلك مثل: وجود المبرات الخيرية، والخط الأسود المحاذي للحجر الأسود، ومثل: مشاريع إفطار الصائم وغيرها؟ A أما البدعة الحسنة فالوسائل التي ذكرها السائل ليس من باب البدع شرعاً ولا اصطلاحاً، مثل: المبرات والأعمال الخيرية والعمل المؤسسي المرتب الذي يحمل وسائل متعددة ويستخدم التقنية الحديثة ونحو ذلك، فهذا كله يدخل في باب الوسائل العامة، في باب المباحات العامة، وليست هذه من باب التدين، بل من باب الوسائل، وباب الوسائل إذا توافرت فيها الشروط الشرعية كله مفتوح، فما ذكره السائل لا ينطبق على مفهوم البدعة؛ لأنه داخل في الأمور الدنيوية البحتة.

حكم تتبع زلات العلماء

حكم تتبع زلات العلماء Q ما مدى صحة قول: إذا تتبعت زلة العلماء اجتمع فيك الشر كله؟ A هذه مقولة لا بأس بها، والإنسان الذي يتتبع الزلات سواء من باب الفتنة بها والنقد أو من باب التعلق بها وأخذها لاشك أنه يهلك؛ لأن الزلات هي أخطاء، فالإنسان الذي سيأخذ بالأخطاء منهجاً له أو للشماتة بالعلماء لاشك أنه سيهلك.

علاقة الإلهام بالتشريع

علاقة الإلهام بالتشريع Q هل الإلهام يعتبر من التشريع؟ A إلهام النبي صلى الله عليه وسلم من التشريع، أما ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فالإلهام لا يدخل في التشريع؛ لأن الإلهام حده غامض، إذا كان ما يحدث للإنسان من إلهامات يوافق الكتاب والسنة فهو من توفيق الله ويدخل في باب الإلهام، أما إذا خالف الكتاب والسنة فليس إلهاماً إنما هو من عبث الشيطان.

ضوابط الحكم على المبتدع

ضوابط الحكم على المبتدع Q هل كل من وقع في بدعة يحكم عليه بأنه مبتدع، أم أن هناك ضوابط شرعية تطبق على من وقع في البدعة؟ A مما يحتاجه طلاب العلم بخاصة وعموم المسلمين بعامة، وهو أنه إذا رأينا إنساناً مسلماً وقع في بدعة قولية أو اعتقادية أو فعلية، أو مارس بدعة من البدع في منهجه في الحياة، هل يحكم عليه بأنه مبتدع لأول وهلة؟ هذا يرجع إلى أن البدعة أو البدع إذا كانت منهجاً للشخص، ينهج نهج المبتدعة في الاستدلال وفي الممارسات وفي العبادات، أو يعتقد صحة مناهجهم فهو مبتدع، حتى وإن قلّت عنده البدع العملية الظاهرة؛ لأن كثيراً من الناس تطبيقاته لأمور الدين قليلة، لكنه ينحى منحى أهل البدع وينتسب إلى الفرقة ويأخذ بمنهجها، فهذا يعتبر مبتدعاً بناءً على المنهج الذي يسلكه ويلتزمه. الصورة الثانية: فيما إذا رأينا إنساناً يعمل ببدعة، وهذه البدعة ليست من البدع المكفرة المخرجة من الملة، وهي أكثر ما عليه المبتدعة من المسلمين؛ لأن البدع غالباً غير مكفرة، فإذا رأينا إنساناً يعتقد أو يقول أو يفعل بدعة ولا نعرف حاله فلا نصفه بالابتداع ابتداء؛ لأنها قد تكون زلة أو جاءت عن تأول أو جهل أو تقليد من غير تبصر أو عن اشتباه، فلا نحكم على من يقع في بدعة أو بدع قليلة حتى نرى منهجه، فإذا كان ينهج نهج أهل البدع في الاعتقاد والمنهج العام ويخالف السنة في المنهج فهذا مبتدع، وإذا لم يخالف السنة فليس مبتدعاً. الصورة الثالثة: إذا كان الإنسان يدعي أنه ليس على منهج أهل البدع، ولم نعرف عنه عقيدة أو قولاً يدل على أنه ينهج نهج المبتدعة، لكنه يمارس بدعاً كثيرة وهي ظاهرة على سلوكياته، سواء كان في تعبده أو في معاملاته أو في سمته أو في شكله الظاهر، فهذا الإنسان الذي يظهر على مسلكه العام البدع المتكاثرة فهو مبتدع. فإذا تكاثرت البدعة أو صار الإنسان على منهج أهل البدع فهو مبتدع، أما إذا كانت البدعة قليلة عنده ولا نعرف حاله فلا يوصف بالابتداع، بل يقال: هذا وافق المبتدعة ويقال: هذه زلة، ويقال: خطأ ويبين له وجه الخطأ.

وجه إجماع العلماء على العقيدة وبيانها للناس

وجه إجماع العلماء على العقيدة وبيانها للناس Q لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة مع عظم شأنها وخطورتها ووضوح الأدلة فيها، خاصة أن العلماء قد يسمح لهم، وأيضاً قد وفق الله جل وعلا بلاد الحرمين لتهيئة مجمع الفقه وبناء صرحه، فلماذا يسكتون على من لهم انحرافات عقدية كالخوارج وغيرهم، وبخاصة أن القرآن نص على طاعة ولاة الأمر وهم العلماء والأمراء، ولقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ} [النساء:83] إلى آخر الآية، وكذلك آية التنازع وفيها الرد إلى الله ورسوله وإلى أولي العلم؟ A هذا سؤال يتضمن عدة نقاط: النقطة الأولى: لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة؟ وهذه تحتاج إلى تعديل، فالمعروف سلفاً ومن ثوابت الأمور ومسلماتها أن علماء السنة كلهم منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا متفقون على أصول الدين وثوابته ومسلماته، وهي ليست مجرد دعوة، بل هي حقيقة وهي الواقع وهي مقتضى حفظ الدين وبقاء طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، وهي مقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، ومن مقتضيات تطبيق هذه النصوص والقطعيات أن أصول السنة: العقيدة وثوابتها ومسلماتها وأصول الاعتقاد ومناهج الدين العامة متفق عليها عند أئمة السلف، ومن خالف من أفراد العلماء في أصل من هذه الأصول فمخالفته ليست محسوبة على الجميع، بل هي زلة عالم، مع أنه يندر هذا من باب الاحتياط، وإلا فحسب استقرائي لا أجد عالماً من علماء السنة المعتبرين الراسخين في العلم خالف في أصل من أصول الاعتقاد، أو في مسلمة من مسلمات الدين، ولا في ثابتة من ثوابته، ولا في منهج من مناهجه بحمد الله، وهذا أمر من ضرورات الدين. إذاً: الثوابت محفوظة ولا خلاف فيها، أما ما يندرج أحياناً تحت العقيدة وليس هو من العقيدة فيكون عليه الخلاف، أو قد يظن الناس أنه عقيدة وليس بعقيدة، هذا الخلاف قد يرد؛ لأنه ليس من قطعيات الدين، لكنه يلحق من الناحية الموضوعية والعلمية فقط، فمثلاً: علماء السلف اتفقوا على رؤية المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة، ولكن اختلفوا في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المعراج هل هي عينية أو بصرية؟ والاختلاف في هذه الجزئية من الرؤية لا يعني الاختلاف في الأصل القطعي، وكذلك في الشفاعة وفي أركان الإيمان وأركان الإسلام وفي أمور كثيرة أن الأصول القطعية متفق عليها، وما يتفرع عنها أحياناً يلحق بالعقيدة من الناحية العلمية، ولكن لا يلحق من الناحية التأصيلية، بل يكون عليه خلاف؛ لأنه من الاجتهاديات التي اختلفت فيها النصوص. أما لماذا لا يتفق العلماء على بعض النوزال؟ فهذا من رحمة الله بالأمة؛ إذ كيف نتصور لو أن المجامع الفقهية أو مجالس العلماء أو هيئة كبار العلماء عندنا في هذا البلد وفي غيره من المجامع لو أنهم اتفقوا كلهم على أمر واحد لوقعت الأمة في حرج شديد في الاجتهاديات، فمن الخير أن يختلف العلماء في الاجتهاديات؛ لأن هذا فيه توسعة على الأمة، أما كيف يتعامل العامة مع اختلافات العلماء، فهذا يكون وفق الضوابط الشرعية، ونتبع من نرى في تقديرنا أنه الأعلم والأحوط في علمه والأقرب إلى الدليل بدون تشه ولا هوى، وقد نختلف، فقد يرى البعض أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان، وهذا حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أنه تشريع، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وهم قبل العصر، فمنهم من أسرع باذلاً جهده في أن يصل قبل غروب الشمس من أجل أن يصلي، ومنهم من فقه فقهاً آخر، وقال: قصد النبي صلى الله عليه وسلم الحسم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فلما حضر وقت الصلاة صلى وهو في الطريق؛ لأنه تأول تأويلاً صحيحاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم جميعاً، وكان هذا فيه توسعة، فلو أنهم أخذوا برأي واحد لوقعوا في حرج شديد، فهكذا بقية ما يقع من العلماء من اختلافات، ولو أننا أحياناً في قضايا نرى أنها حساسة وخطيرة ما دامت اجتهادية، فهذا فيه خير كثير وتوسعة للأمة، والمصالح العظمى والقضايا الكبرى للأمة سيسدد الله فيها العلماء، حتى شاء الله أن يقفوا موقفاً يرشد الأمة إليه.

ضرورة الاعتماد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة والنوازل المستجدة

ضرورة الاعتماد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة والنوازل المستجدة Q أحياناً في منتجات الإنترنت عبر الرسائل الإلكترونية يتداول الناس بعض الكلام الذي يكون فيه إما أحاديث ضعيفة أو بدع، فهل يجوز أن ينقل فتاوى العلماء الثقات مثل ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم رحم الله الجميع؟ A هذا هو الأصل؛ أن الإنسان إذا رأى مخالفات من الناس عبر هذه الوسائل فالأولى له المجادلة بالحسنى، وتذكير الناس ونصحهم، والرد على المخالف ينبغي أن يكون بالاستناد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة، وبعض الناس يقول: لماذا نستمد على الدليل؟ نقول: الدليل على العين والرأس لكن يجب أن نفهم أن الدليل يحتاج إلى استنباط، وعلى هذا فإن كلام العلماء المعاصرين في القضايا المعاصرة في مسائل الدين النوازل وغيرها مثل الرد على المخالفين، فإن منهجهم قائم على الدليل أصلاً، وقد يتضمن الدليل حتى ولو لم يصرح العالم بالدليل. فإذا أردت أن ترد على الآخرين أو تنصحهم وتبين لهم وجه الحق فلا بد أن تستند على فتاوى العلماء وعلى مواقفهم؛ لأنه أدعى لقبول الناس الحق، لأنه فرق أن يأخذ مني ومنك ومن الثالث ممن ليس عندهم عالم راسخ، وبين أن تأتي برأي أو موقف عالم راسخ مقبول عند الأمة، وفرق بين أن تأتي بخلاصة فكر عالم بذل جهده ونصحه للأمة، وبين أن تذهب وتبحث عن الاستدلال، وربما تخطئ كثيراً فتقع في مجازفات وأخطاء. فهذا هو المنهج السليم الذي ينبغي أن يسلكه الشباب والدعاة الذين يتصدون للردود، أو يبينون أو يناصحون أن يستندوا على أقوال علمائهم.

البدع المكفرة وغير المكفرة وضابطها

البدع المكفرة وغير المكفرة وضابطها Q هل هناك بدع مكفرة وبدع غير مكفرة؟ A لاشك أن البدع فيها ما هو كفر وفيها ما ليس كفراً. فما دام أن البدعة هي كل محدثة في الدين، فهناك من أحدث في الدين شركيات تنافي الاعتقاد، وهناك من أحدث في الدين أمور ردة، وهناك من أحدث في الدين بأن قصر الصلوات على ثلاث، وهذا وجد من المفتونين حتى في التاريخ المعاصر، أذكر أن أحد مدعي النبوة ابتدع أموراً مع أن دعوى النبوة نفسها بدعة مكفرة في الدين، ودعوى اختصار الصلوات التي تغني عن أركان الإسلام، ودعوى استباحة بعض الشركيات الصريحة كل هذا من البدع المخرجة من الملة، لكن ما ينبغي ملاحظته هو أنه ليس كل من فعل بدعة مكفرة مخرجة من الملة نحكم على عينه حتى نتثبت، فربما يكون متأولاً وربما يكون جاهلاً وربما يكون اشتبه عليه الأمر، وربما يكون مكرهاً، وربما فعل شيئاً نظنه شركياً وهو على وجه آخر ليس بشركي، كما لو رأينا إنساناً عند القبر وفجأة سجد هذا الشخص، فهذا فيه احتمال أن يكون سجد لغير الله فيكون شركاً، ويحتمل أنه تذكر نعمة من نعم الله ونسي أنه عند القبر، فسجد شكراً لله، وهذا خطأ، لكن هل وقع في الشرك على هذه الصورة؟ لذلك يجب أن نحتاط لديننا. إذاً: البدع تنقسم إلى مكفرة وغير مكفرة، وليس كل من فعل البدعة المكفرة وليس من عادته أن يفعل أن نكفره لأول وهله، حتى تطبق عليه الشروط وتنتفي عنه الموانع.

حكم وضع اليد على المصحف عند الحلف

حكم وضع اليد على المصحف عند الحلف Q هل وضع اليد على المصحف عند الحلف يعتبر بدعة؟ A وضع اليد من باب تكريم المصحف الذي يظهر أنه لا حرج فيه؛ لأن هذا من باب التوثيق، كما توضع اليد مع اليد الأخرى عند البيعة، فهذا من الصور الصحيحة لتوثيق الأمر.

علاقة البدع بأمور الدنيا وشئون الحياة

علاقة البدع بأمور الدنيا وشئون الحياة Q قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دينكم)، هل هذا الحديث يؤخذ به في هذا الموقف؟ A أولاً: الحديث فيه مقال، ولفظه: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، وليس بأمور دينكم، بل العكس أنتم لستم أعلم بأمور دينكم، بل الله عز وجل هو الأعلم والأحكم في أمور الدين، لكن جاء في قصة تأبير النخل عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووجدهم يؤبرون النخل، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا راجع إلى اعتقاد منهم لا عن تجربة، فكان من باب الرأي أن قال: لا تفعلوا ذلك، فلما لم يفعلوا لم يتلقح النخل، وصار شيصاً لم ينضج النضج الوافي، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا مبني على تجارب، ومن هنا فإن أمور الدنيا تنبني على التجارب أياً كان نوعها وتنبني على الإباحة.

وسائل معالجة المراء

وسائل معالجة المراء Q ما هي الوسائل لمعالجة المراء؟ A أهم شيء هو ترويض النفس بأن يستحضر الإنسان رقابة الله عز وجل، ويعمل بمبدأ الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فإذا أردت أن تجادل أحداً فاستحضر رقابة الله عز وجل عليك فيما تقول وما تفعل، ثم استحضر أنك تقول في الدين وأنك تجادل في أمر تقول فيه على الله، كذلك استحضر المعاني الأخرى مثل الورع والحذر من القول على الله بغير علم، وأن تتحرى الحق وتتجرد له، وأن تبتعد عن الهوى والتشهير، وأن تكون بذلك مستعداً علماً وخلقاً، وإذا رأيت من نفسك أحياناً الإخلال بهذه الأمور فابتعد.

توحيد الأسماء والصفات

مجمل أصول أهل السنة - توحيد الأسماء والصفات الأصل في أسماء الله وصفاته إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عن رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، كما أن الإيمان له أركان وحقائق، وقد لا ينازع في الإقرار بها في الجملة أحد من أهل القبلة، أما في الأدلة التفصيلية فقد ضلت طوائف وفرق، وهدى الله أهل السنة والجماعة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.

قواعد مهمة في الأسماء والصفات

قواعد مهمة في الأسماء والصفات الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فموضوع الإيمان يعتبر هو تاج العقيدة، وقمة مباحث العقيدة وموضوعاتها؛ لأنه يتعلق بالله عز وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا شك أن غاية التوحيد هو معرفة الله عز وجل وعبادته والتوجه إليه، وهذا يسمى التوحيد العلمي الاعتقادي، توحيد الله عز وجل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وما يجب له سبحانه، ويسمى التوحيد العلمي؛ لأنه علم يتلقى عن الوحي المعصوم، ويسمى الاعتقادي؛ لأنه يجب أن يعتقد، ولا يجوز لمسلم أن يخل بما يجب لله عز وجل على جهة الإجمال، وما يبلغه أيضاً على جهة التفصيل. وهذا التوحيد العلمي الاعتقادي أوله ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم ما يترتب على ذلك من ثمرات في قلب المؤمن وسلوكه. وهناك بعض القواعد المهمة المفيدة التي ينبغي أن يستصحبها كل مسلم في قلبه وعقله وفي نظراته تجاه حقوق الله عز وجل وما يجب له، وتجاه أمور الدين ومسلمات الدين وأهم هذه القواعد في باب أسماء الله وصفاته وأفعاله الآتي: أولاً: أن أسماء الله وصفاته وأفعاله حسنى بالغة الحسن، بالغة الكمال والجمال، فالله عز وجل موصوف بصفات الكمال وبصفات الجمال جملة وتفصيلاً، فجميع أسمائه وصفاته وأفعاله حسنى، كما قال عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] فكلها حسنى بإطلاق، وتشتمل على كل معاني الحسن والكمال والجمال. ثانياً: أنها غاية الكمال في كل شيء في معانيها، وفي ألفاظها، وفي حقائقها، وفي ثمارها، وفي غاياتها. ثالثاً: أنه لا يرد إليها النقص بوجه، أي: أن أسماء الله وصفاته وأفعاله لا يمكن أن يرد فيها ولا إليها ولا حولها لا في الذهن الصافي ولا في قلب المؤمن، لا يمكن أن يرد فيها شيء من تصور النقص في أسماء الله وصفاته وأفعاله. رابعاً: أنها حقائق وأعلام وأوصاف، حقائق بمعنى أنه يوصف الله بها على الحقيقة، فالأسماء يسمى بها الله عز وجل على الحقيقة، والصفات يوصف الله بها على الحقيقة، والأفعال أيضاً منسوبة إلى الله عز وجل على الحقيقة على ما يليق بجلال الله سبحانه؛ لأن مفهوم الحقيقة قد يتبادر في أذهان بعض الناس أن المقصود بالحقيقة الكيفية، وهذا لا شك أنه منفي؛ لأن الله عز وجل ليس كمثله شيء، لكنه موصوف بالحق، فهو الحق، وأسماؤه حق، وصفاته حق، وأفعاله حق، وعلى هذا فإنها أعلام أي: أنها تطلق على الله، وهو سبحانه علم معروف بآياته وبنعمه وبجميع أنواع المعارف، فإنه عز وجل لا يخفى أمره على أحد، ولذلك قرر الله عز وجل هذه القاعدة لجميع العقلاء يقول: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم:10] فإذا كان كذلك فهو مسمى بأسماء هي أعلام على ذاته، وإن كانت هذه الأسماء تدل على صفات وأفعال، وتدل على معاني الكمال، فهي كذلك أوصاف من حيث مضامينها ومعانيها وحقائقها، فأسماء الله وصفاته حقائق لا مجازات، وهي حقائق لا رموز. خامساً: أنها توقيفية: فأسماء الله وصفاته وأفعاله على جهة التفصيل موقوفة على ما جاء به النص، فالعقول السليمة والفطر المستقيمة تدرك كثيراً من الكمالات لله على جهة الإجمال، فوجود الله وعظمته وكماله سبحانه، واتصافه بصفات الكمال، وأيضاً إدراك علمه وحكمته وسائر الصفات والمعاني الإجمالية تدرك أكثرها لله عز وجل على جهة التفصيل ولا يمكن إدراك ما يليق بجلال الله عز وجل إلا بما جاء به النص، وعلى هذا فهي توقيفية. سادساً: أن أسماء الله وصفاته وأفعاله غير محصورة، لأن له الكمال المطلق، ولكن جاءنا بخبر القرآن والسنة عن أسماء الله وصفاته بما يناسب أحوالنا ومداركنا، ولا يعني ذلك أن أسماء الله محصورة بما ورد، وحتى ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (أن لله تسعة وتسعين اسماً) لا يعني ذلك الحصر، إنما يعني ذلك ما يمكن أن يرد إلى مدارك عقول الناس وبتعبيرات وباللسان الذي خاطب الله به البشر، ولذلك فإن أسماء الله لا حصر لها، وكذلك صفاته وأفعاله، لأنه موصوف بالكمال، والكمال لا ينتهي. وأيضاً فإن ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه حينما يدعو ربه يقول: (أدعوه بمحامد يلهمني الله إياها) يلهمه من جديد، كذلك الدعاء الآخر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فعلى هذا فإن الله استأثر في علم الغيب عنده، أي: حجبه عنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ومحامده وكماله ما لا يحصى. هذه بعض القواعد وأهمها والتي ينبغي استحضارها في هذا المقام. وا

الأصل في إثبات الأسماء والصفات

الأصل في إثبات الأسماء والصفات أن الأصل في إثبات الأسماء والصفات لله عز وجل هو إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك من غير تمثيل، والتمثيل يأتي بمعنى التشبيه والتجسيم وغيرها من المعاني التي تقتضي المماثلة، فالله عز وجل تثبت له الأسماء والصفات والأفعال الواردة في الكتاب والسنة من غير أن يمثل ذلك بالخلق، أو يمثل الخلق بالله، فلا يجوز تمثيل الله بخلقه لا جزئياً ولا كلياً، ولا يجوز تمثيل أحد من الخلق بالله، فالتمثيل والتشبيه ممنوع من الطرفين، فلا يشبه الله شيئاً من خلقه ولا شيء من الخلق يشبه الله في الإجمال والتفصيل. ثم الإثبات يكون من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير أن ننفي عن الله عز وجل الحقائق اللائقة به، بل يجب الإثبات على ما جاء في الكتاب والسنة، وأن ما نثبته لله عز وجل من ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله حق على حقيقته على ما يليق بجلال الله، ولا يجوز أن يقال: هذا مجاز، ولا يؤول ولا يصرف عن معانيه، ولا يقال: إنه يقتضي التشبيه، أو لا بد فيه من قياس كل هذا لا يجوز إطلاقاً لأنه غيب، ولأن ما ورد من أسماء الله وصفاته هو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ولذلك جاءت هذه القاعدة في كتاب الله عز وجل بكلمات معدودات، يجب على كل مسلم أن يستحضرها ويجعلها ميزاناً في قلبه، وهي قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) فلا يماثله شيء من مخلوقاته، ولا هو يماثل شيئاً من مخلوقاته، لا في الجملة ولا التفصيل، لا في العموم ولا في المفردات، ومع ذلك فهو السميع البصير، ولعل من حكمة الله عز وجل حين بدأ بنفي التمثيل قبل الإثبات ليستقر في عقل المسلم وقلبه نفي المشابهة أصلاً قبل أن يثبت، فالمؤمن إذا استحضر أن الله ليس كمثله شيء ثم وردت إليه أسماء الله وصفاته، فإنه قد ثبت في قلبه وعقله القاعدة في أن الله لا يماثله شيء مطلقاً فمن هنا تسلم عقيدته وتسلم ذمته ولا يتكلم عن الله بغير علم، كل ذلك مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة وهي حقائق لها معانٍ، وهذه المعاني حق فيما يجب لله عز وجل وما يمكن أن تفسر بمعانٍ تخرج عن مقتضى الحقيقة اللائقة بالله عز وجل، وكل من حاول الخروج عن إثبات الحقيقة وقع في الهلكة والزيغ، وهذا ما حذر الله منه في قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7]، ولذلك ادعى كثير من المبطلين بأن أسماء الله وصفاته وأفعاله من المتشابه نعوذ بالله، كيف تكون من المتشابه! وهي حق بيّن وواضح كالشمس، لكنه اشتبه على أهل الفتنة وعلى أهل الزيغ، فظنوا أنه من المتشابه. إذاً: أسماء الله وصفاته وأفعاله ليست من المتشابه بل هي من المحكم البيّن ولها معانٍ وحقائق، لكنها تثبت على ما يليق بجلال الله، وما ينبغي لله من الكمال مع نفي المشابهة والتمثيل. الأصل الثاني: أن التمثيل والتعطيل في أسماء الله وصفاته زيغ وضلال، بل هو كفر، فمن اعتقد أن الله مثل خلقه، أو اعتقد أن أحداً من الخلق مثل الله فهذا كفر وزيغ وضلال، كما يكون من تأويلات الباطنية، وقد يكون بعض التأويلات التي وقع فيها بعض أهل الكلام الذين أولوا بعض أسماء الله وصفاته وأفعاله، إذا ما قصدوا بالتأويل إنكار حقائق أسماء الله وصفاته فهذا يكون من البدع والضلالات، كتأويلات نفاة الصفات من أهل الكلام، ومن ذلك ما يقع خطأ، وقد وقع من بعض أفراد السلف وأئمة السنة تأويلات غير مقصودة وليست منهجاً لهم، إنما هي زلات، فهذه صاحبها لا يكفّر ولا يضلل لكنه يرد إليه خطأه وهو من باب زلات العلماء. فإذا قلنا: إن التمثيل الخالص والتعطيل الخالص في أسماء الله وصفاته وأفعاله يعتبر كفراً وزيغاً وإلحاداً فما هو التمثيل الممنوع؟ التمثيل: هو تشبيه الله بالخلق أو تشبيه الخلق بالله، تشبيهاً يؤدي إلى أن يعتقد المشبّه أن الله مثل خلقه، أو أن الخلق أو بعض الخلق مثل الله. أما مسألة وجود التشابه اللفظي فهذه أشكلت على كثير من قليلي الفقه في الدين، الذين يجهلون عقائد السلف وفقههم حيث ظنوا أن مجرد المشابهة اللفظية الموجودة في أسماء الله وصفاته وموجودة أيضاً في بعض صفات الخلق تعني التمثيل، فهرب بعضهم إلى الإنكار زعماً منهم أن الإثبات يقتضي المماثلة وهذا خطأ، لأن التشابه اللفظي لا يعني التشابه في الحقيقة، فمثلاً: الله عز وجل هو الحي، والمخلوق الذي فيه روح يسمى الحي، وهذا تشابه لفظي، فالله عز وجل موصوف بالحياة والإنسان والحيوان الحي موصوف بالحياة، وليست الحياة مثل الحياة، فحياة الله كاملة لا يعتريها فناء ولا محدودية ولا نهاية، وحياة المخلوق لها بداية ونهاية. إذاً التشابه اللفظ

الإيمان بالملائكة

الإيمان بالملائكة الإيمان بالملائكة إجمالاً وتفصيلاً بحسب ما جاء في النصوص، فيجب على كل مسلم أن يؤمن إيماناً جازماً بأن هناك خلقاً من مخلوقات الله، اسمها الملائكة على جهة الإجمال، ثم ما ورد من اسم ملك أو وصفه أو عمله أو جنسه أو نوعه يجب أن نؤمن به، فما ورد في القرآن أو السنة فلا بد من الإيمان به في حق الملائكة جملة وتفصيلاً وفي أخبارهم وأحوالهم كله يجب الإيمان به. فالملائكة خلق من خلق الله، لهم وجود حقيقي وهم عقلاء، عباد لله عز وجل مسخرون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لكنهم غير مبتلين بالابتلاء الذي يبتلى به الجن والإنس، فهم خُلقوا للطاعة، ولذلك كانوا كراماً. وما صح به الدليل لا بد من الإيمان به من أسمائهم، فممن وردت لنا أسماؤهم مثلاً: جبريل وهو ملك الوحي، وميكائيل وإسرافيل ومالك ورضوان وهاروت وماروت، وأيضاً ورد أن لهم أعمالاً مجملة وأعمالاً خاصة، فمنهم: حملة العرش، وهم من أعظم الملائكة خلقاً وعملاً، ومنهم ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وملائكة الوحي والمطر ومنهم الكرام الكاتبين الذين يصاحبون كل إنسان ويتعاقبونه، فكل إنسان موكل به أربعة ملائكة إلى أن يموت، اثنان في المساء واثنان في الصباح، وكذلك لهم أوصاف تعمهم وأوصاف تخصهم فهم ذوا أجنحة مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك، ولهم مشاركات للمؤمنين يشاركونهم في الجهاد، ويشاركونهم بحضور مجالس الذكر، وهم يحبون المؤمنين ويسددونهم بإذن الله، ويحفظونهم بأمر الله، وهؤلاء الملائكة لهم حقوق يجب أن يراعيها المسلم، ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل ما يؤذي الملائكة خاصة في المساجد كالثوم والبصل والكراث، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم، فهذه الحقوق والرعاية، يجب دائماً أن يستحضرها المسلم، كما يستحضر أيضاً رقابة الله له، وليعلم أن الله رقيب عليه، وهذا معنى الإحسان الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، وهو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ومن حكمة الله عز وجل أن جعل معنا من المخلوقات رقباء من أهل الفضل والكرم لهم حق وهم في منتهى العبادة والخضوع والذل والعبودية لله تعالى، فيجب أن يستحي منهم الإنسان، ولذلك ورد في وصف عثمان رضي الله عنه أنه تستحيي منه الملائكة؛ لأنه حيي، فتبادلت معه الملائكة هذا الشعور، وكذلك يجب على كل مسلم أن يراعي حضور هؤلاء الكرام.

الإيمان بالكتب المنزلة

الإيمان بالكتب المنزلة الأصل الثالث: الإيمان بالكتب المنزلة، وهي الكتب التي أنزلها الله على الأمم بواسطة الرسل والأنبياء، والتي شرع الله فيها الدين والعقيدة والشرائع لكل أمة، وجعل هذه الكتب مرجعاً لتحكيم شرع الله عز وجل وتحقيق رضاه والسعادة للبشرية في الدنيا والآخرة. وهذه الكتب المنزلة منها ما سمي وذكر لنا، فيجب أن نؤمن أنه حق قبل التحريف، مثل: التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم ونحوها مما ورد في النصوص، وهذه الكتب حق وتضمنت عقيدة صافية وشرائع لكل أمة بحسب ما شرع الله لها من مصالحها، وهذه الكتب كانت سليمة ثم دخلها التحريف والتبديل، ولذلك نسخها الله عز وجل بالقرآن، والكتب الباقية منها كالتوراة والإنجيل لا تزال تشتمل على شيء من الحق، ولذلك لا ترد رداً كلياً إنما تُعرض على ما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما وافق الحق فهو حق، وما لم يوافق الحق فهو باطل مما أدخله المحرّفون، وعلى هذا فهذه الكتب نحترمها بأصلها، لكن حينما حُرّفت وبُدّلت، نسخها الله عز وجل وجعل القرآن هو المهيمن والناسخ لها، والقرآن هو أفضلها وأشملها وما قبله طرأ عليه التحريف، ولذلك يجب اتباعه دون ما سبقه من الكتب. وإن اشتملت هذه الكتب على الحق إلا أن الحق الذي فيها جاء وافياً في كتاب ربنا وفي سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ونظراً لأنه اختلط الحق فيها بالباطل فإن الرجوع إليها يلتبس على المسلم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم نهياً جازماً قاطعاً حازماً عن أن نجعل هذه الكتب مرجعاً نرجع إليه في ديننا أو في مصالحنا.

الإيمان بالأنبياء والرسل

الإيمان بالأنبياء والرسل ويعني ذلك ما قيل في الملائكة والكتب، وهو أن نؤمن بأن الله عز وجل بعث رسلاً وأنبياءً أقام بهم الحجة على الخلق، وأنهم معصومون وهم أفضل البشر على الإطلاق، وأنهم صلوات الله وسلامه عليهم بلغوا الأمانة وأدوا الرسالة ونصحوا الأمة، وأن منهم عدداً كبيراً ورد في بعض الآثار التي تصل إلى درجة الحسن أن عددهم (124ألفاً)، وأن عدد المرسلين ثلاثمائة وبضعة عشر، وهذا يدل على أن الرسل هم خاصة الأنبياء، وهم أفضل من الأنبياء، وأن الأنبياء في الغالب تبع للرسل وهذا في الجملة، وأفضل الرسل والنبيين هم أولو العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الرسل يجب في حقهم الاحترام والتقدير ويجب حماية جنابهم من أن يقدح بهم أو أن يلمزوا أو يتنقص من قدر أحد منهم، فنؤمن بهم جميعاً ولا نفاضل بينهم المفاضلة التي تؤدي إلى العصبية لكنا نعلم قطعاً أنهم يتفاضلون، فأفضلهم جملة أولو العزم من الرسل، وأفضلهم على سبيل الإفراد هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو أفضل الخلق على الإطلاق، ولذلك آتاه الله ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، وهو صاحب المقام المحمود في القيامة، والشفاعة العظمى التي لا يمكن أن يحظى بها غيره. ثم نأخذ جهة الإجمال والتفصيل، فكل ما صح عن أخبار هؤلاء الأنبياء وأوصافهم وأحوالهم فإنه يجب الإيمان به، وكذلك من جاء اسمه أو وصفه بمفرده يجب الإيمان به إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يبقى الإيمان بسائرهم إجمالاً ولا يجوز أن نشك في نبوة أحد منهم. وهنا أحب أن أنبّه إلى بدعة وضلالة وقع فيها الكثير خاصة أصحاب النزعة العقلانية الفلسفية الذين يستكبرون ويتعالون عن النبوة والأنبياء، ولديهم شيء من الاغترار بعقولهم في مجال تقرير الدين والغيبيات، ويزعمون أن عيسى عليه السلام ليس نبياً إنما هو داعية مصلح ومجدد لدين موسى، وهو كذلك ولكن لا يعني ذلك أنه ليس بنبي، بل هو من أولي العزم من الرسل، وله من الخصائص ما ليس لغيره أيضاً، وقد خص الله عيسى عليه السلام بخصائص ليست في غيره، لكن هذه الخصائص لا تجعله أفضل النبيين، فإنها خصائص في خصال محدودة معلومة. وهناك قاعدة أخرى وهي تبع للإيمان بالأنبياء والكتب وهي: الإيمان بأن الوحي قد انقطع بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى أنه ينزل إليه وحي أو يأتيه شيء بمقام الوحي فيحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله، أو يشرّع عقيدة أو عبادة أو نحو ذلك من أمور الدين بدعوى أنه بمنزلة الوحي كل ذلك من الضلال، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، واعتقاد خلاف ذلك ضلال مبين وخروج من الإسلام.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما صح عن اليوم الآخر جملة وتفصيلاً، ومن ذلك أشراط الساعة التي تسبق اليوم الآخر، كـ الدجال، والمهدي المنتظر، وخروج الشمس من مغربها، والخسوفات الثلاثة، ونزول عيسى عليه السلام، والملاحم التي تحدث مما ورد في الأخبار كل ذلك يجب الإيمان به؛ لأنه بداية اليوم الآخر وهو إيذان بنهاية الدنيا، وكذلك ما ورد في اليوم الآخر ابتداءً من الموت، والقبر وأحواله، عذابه ونعيمه، والحياة تسمى الحياة البرزخية، الحياة وتفاصيلها التي وردت في الكتاب والسنة قبل البعث كلها جزء من اليوم الآخر فيجب الإيمان بها كما ثبتت، ثم البعث والنشور والحشر، والصحف، والصراط، والميزان، والحوض وغير ذلك مما ثبت به الشرع يجب الإيمان به حقيقة، وأنه حق كما ورد، ولا يجوز تأويله ولا تحريفه عن معانيه. كذلك يدخل في هذا: الإيمان بالجنة وبنعيمها وما ورد فيها بالتفصيل، وأعظم النعيم فيها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأعيانهم، نسأل الله أن يمتعنا جميعاً بذلك في الجنة. كذلك اليقين بعذاب النار وما ورد فيه من تفاصيل.

الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر ما أكثر الذين زلّوا في القدر، إما من باب الوساوس والأوهام أو العقائد الباطلة أو تقليد الأمم فيما قالوه وما زعموه في القدر، كل ذلك مما حدث في كثير من طوائف الأمة التي خرجت عن سبيل المؤمنين، والإيمان بالقدر يعني: أن تؤمن بأن الله قدّر كل شيء من الخير والشر ابتلاء وفتنة، كما قال عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]. وعلى هذا فإن الإيمان بالقدر لا بد له من قواعد؛ لأن من تصور هذه القواعد حتى ولو لم يمكن طالب علم ولا عالماً؛ لأن مسائل القدر قد تكون صعبة، لكن مع ذلك فإن أصولها ومبادئها الأساسية التي تعبدنا الله بها سهلة، ولذلك سأركّز على هذه الجوانب السهلة.

مراتب القدر

مراتب القدر إن مبنى الإيمان بالقدر يكون على أربع مراتب، وهذه المراتب إذا تصورها المسلم سهل عليه الكثير مما يرد من أمور القدر: المرتبة الأولى: العلم، بأن تؤمن وتوقن بأن الله عز وجل بكل شيء عليم، ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون، فكل ما يحدث في الخلق من صغير وكبير فالله به عليم، ولذلك فقد أشار الله عز وجل لمثل هذا على سبيل تعميق علم الله عز وجل في قلب المسلم فقد ذكر سبحانه بأنه عليم بذات الصدور، بل إن الله عز وجل أنكر على الذين شكوا في بعض علم الله، فقال سبحانه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] هل يعقل أن يخلق وهو لا يعلم؟ هل يعقل أن من يخلق وهو الله عز وجل يخفى عليه شيء مما خلق؟ بل لابد أن يسبق الخلق علم كامل، ويصاحب الخلق ويلحق بالخلق، فلا يعزب عنه عز وجل مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض المرتبة الثانية: الكتابة، وهي أن يعتقد المسلم كما ثبت في النصوص أن الله كتب مقادير كل شيء على الإطلاق من صغير وكبير، ماضٍ ومستقبل. المرتبة الثالثة: أن كل شيء بمشيئة الله وبتقديره فكل شيء يحدث في الكون فهو بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون شيء إلا بتقديره ومشيئته. المرتبة الرابعة: الإيمان والجزم بأن الله خالق كل شيء، فقد قدر وخلق الخير والشر، كما قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:25] وهذا نقرره لنفي شبهة قد ترد في أذهان بعض الناس وقد يوسوس بها الشيطان عليهم، وهي: هل يمكن أن الله عز وجل يخلق الشر؟ هذا ناتج عن جهل، والله عز وجل قدّر الشر ابتلاء وفتنة، فهو في حقه حكمة؛ لأنه لا يتميز الخير من الشر، والهدى من الضلال، ولا يتميز الصالح من الطالح إلا بوجود الابتلاء بالشر والخير، وأن الله عز وجل قدّر الخير والشر وخلقهما، بإرادته سبحانه من باب الابتلاء والفتنة.

الهداية والإضلال بيد الله تعالى

الهداية والإضلال بيد الله تعالى ثم يتفرع عن هذا مسألة أخرى تسهّل موضوع القدر، خاصة في جانب يشكل على كثير من الناس، وهو جانب الهداية والإضلال، ونحن نعلم أن الله عز وجل يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، وأنه سبحانه لا راد لفضله ولا معقّب لحكمه، ولكن قد يأتي الشيطان ويخنس ويوسوس لبعض الناس، ويقول له: إذا كان الله عز وجل قدّر الضلالة على بعض الخلق فكيف يحاسبون؟ هذا يحتاج إلى شيء من التوازن بين قضيتين إذا وازنا بينهما زالت هذه الشبه، وهذا التوازن هو مقتضى النصوص، وهو أن الله عز وجل حينما قدر الهداية لبعض العباد وقدر لهم الخير، ووعدهم بالفضل والجنة فإن ذلك مبني على علمه سبحانه بماذا سيصنعون، فالله عز وجل علم أن هؤلاء من البشر ومن الجن سيعملون خيراً، وسيختارون طريق الهدى والخير، فقدر لهم ذلك، وبنيت أحكامهم على ذلك. إذاً: فالله عز وجل قدر الخير والهدى، فأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبيّن طريق الخير والهدى، وجعل عند الإنسان التمييز فيه، وأقدره على فعل الخير، وأمره به، وحثه عليه، ووعده عليه. ثم إنه عز وجل قدر الضلالة ونهى عنها وبين خطرها، وحذر منها، وأقدر العباد عليها ابتلاء وفتنة، ثم توعدهم بعد ذلك وتحقق عليهم الوعد. فالله عز وجل جبل المكلفين على الحق والهدى، وجبلهم على قبول الضلالة، وهذا أمر قدري، ولذلك قال الله عز وجل: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3] {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] بعدما قرر الله عز وجل أمور الهداية. هذه المشيئة مبنية على بيان طريق الحق بوضوح، وطريق الباطل بوضوح، وإعطاء الإنسان الفسحة والاختيار، فإن اختار طريق الضلالة باختياره فليتحمل مسئولية ذلك، وإن اختار طريق الهداية فهو موعود بالخير وهذا كله في سابق علم الله؛ لأن بعض الناس قد يقول: ورد في الحديث أن الله عز وجل يرسل ملكاً عند بلوغ الإنسان مائة وعشرين يوماً يكتب مقاديره، ومنها: شقي أو سعيد، ولذلك حينما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث للصحابة، قال الصحابة: ففيم العمل ما دام قد كُتب قبل أن ننشأ في الدنيا؟ قال عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر لما خُلق له) فهذا ناتج عن علم الله السابق بماذا سيصنع هذا الإنسان، فالله علم في سابق علمه ماذا سيفعل هذا الإنسان فقدّر ذلك على ضوء ذلك، أما أن يكون تحكماً فلا؛ لأن الله عز وجل لا يمكن أن يظلم العباد {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]، فيجب أن نوقن بعدل الله وحكمته وهنا يستريح المسلم.

الأسئلة

الأسئلة

صفات الله تعالى كمال من جميع الوجوه

صفات الله تعالى كمال من جميع الوجوه Q قد تكون هناك بعض الصفات مثل صفة المكر، هي نقص للمخلوقين وكمال لله، فكيف تكون مثل هذه الصفات؟ A ورد وثبت أن الله عز وجل يمكر بالماكرين وبالمنافقين وبالمستهزئين ومن يستحقون المكر، فهذا سياقه كما ورد عن السلف، أما الألفاظ التي لو أُفردت صارت نقصاً فإنها إذا جاءت في سياق لا يقتضي النقص فإنها تُثبت كما جاءت، فمثلاً: ذكر المكر بالكافرين وذكر المكر بالمنافقين والمستهزئين كما ورد في النصوص جاء على سبيل المجازاة لهم على مكرهم، فهذا إذا جاء بسياقه فإنه يدل على كمال، لكن لا تفرد كلمة (مكر) في حق الله عز وجل، لكنها تساق كما جاءت في سياقها العام، فهي جاءت على سبيل مجازاة المنافقين على مكرهم، وهذا أمر يعتبر كمالاً في حق الله عز وجل، وكذلك بقية الصفات والأفعال التي تأتي على سبيل المجازاة والمقابلة في أفعال البشر، فإنها تثبت بسياقه على ما يليق بجلال الله سبحانه ولا تثبت مفردة بشكل يقتضي النقص.

إحصاء الأسماء الحسنى

إحصاء الأسماء الحسنى Q ما يتعلق بالأسماء والصفات علمنا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) فهل التسعة والتسعون اسماً هذا ليس للحصر، لكن قوله: (من أحصاها) كيف يكون هذا الإحصاء؟ A قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحصاها دخل الجنة) هذا كلام مجمل، فلو أخذناه بعموم معانيه وربطناه بما ورد من الوعد وما ورد من النصوص في حق المؤمن فيدخل في إحصائه الإحصاء الذي يتضمن الإيمان بها، والتأثر بمعانيها، أما الذي يتضمن أثرها على قلب المؤمن من حيث تعظيمه لله عز وجل ومحبته ورجائه وخوفه، ومن حيث التعلق بالله عز وجل من خلالها، فإن من أحصاها على هذا النحو فإنه يكون من الناجين وأهل الهدى، فتضمن له الجنة من باب أنه سلك طريق الجنة. أما من أحصاها سرداً دون أن يعي معانيها، فإن المنافق قد يعدها سرداً، فإذاً لا بد في مثل هذه النصوص أن ترد للنصوص الأخرى وهو أن المقصود إحصاء التدبر، وإحصاء الإيمان، وإحصاء التعظيم لله عز وجل والتعلق به، {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] فمن هنا يكون الإحصاء على هذا النحو وهو الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم الجنة.

معنى قوله في الحديث: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)

معنى قوله في الحديث: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك) Q ما معنى قولنا في الدعاء: أو استأثرت به في علم الغيب عندك؟ A معناها ما لم تبلّغنا به. فقوله: (استأثرت) أي: حجبته عندك، وما حجبته عندك من أسمائك أو صفاتك وكمالاتك مما لم تبلغه الخلق، ولذلك فإن الخلق كلهم بما فيهم النبيين وبما فيهم أفضل الخلق النبي صلى الله عليه وسلم لم يتبلغ بجميع كمالات الله عز وجل، والدليل على ذلك أنه في مقام الشفاعة في يوم القيامة يقول: (فيلهمني الله بمحامد) أي: لم يكن يعرفها في الدنيا فيدعوه بها.

الاهتمام بالتوحيد العلمي الاعتقادي

الاهتمام بالتوحيد العلمي الاعتقادي Q هل نحفظ التوحيد العلمي الاعتقادي مع الشرح؟ A ينبغي أن يحرص المسلم على حفظ أساسيات ما يتعلق بالتوحيد العلمي الاعتقادي، وهو المتمثّل في أسماء الله وصفاته على جهة الإجمال، وقواعدها الأساسية، أما التفاصيل فقد لا يكون للفرد المسلم فيها حاجة، وكذلك ما يتعلق بأركان الإيمان وبعض تفاصيلها، وهناك كتب مخصصة في هذه الأمور وحفظها يكون سهلاً، وهي موجزة مثل: متن الطحاوية، ومثل: لمعة الاعتقاد وغيرها من المتون.

نفخ الله في آدم وعلاقته بالأسماء والصفات

نفخ الله في آدم وعلاقته بالأسماء والصفات Q هل نفخ الله في آدم من روحه وأسجد له ملائكته؟ وما علاقة ذلك بالأسماء والصفات؟ A نعم، الله عز وجل نفخ في آدم من روحه، وكذلك في عيسى عليه السلام، والروح هنا هي الروح المخلوقة، ونسبة الروح إلى الله عز وجل كنسبة الخلق إلى الله، ولا يعني (من روحه) أنه أخذ صفة القداسة، فالروح لا تعني النفس والذات، فكلمة (روح) مجملة، وهنا أضيفت إلى الله عز وجل إضافة تكريم، فالله كرم آدم بأن نفخ فيه من روحه التي هي من خلق الله، وكذلك عيسى عليه السلام.

علاج الوساوس في العقيدة

علاج الوساوس في العقيدة Q بالنسبة للوساوس التي تحدث للإنسان حينما يأتي للخلق مثلاً من الذي خلق كذا؟ ثم تتدرج في المسألة إلى أن يقول: من الذي خلق الله سبحانه وتعالى؟ A إذا جاءت مثل هذه الأوهام فينبغي أن تعرض على طالب علم أو عالم ولا تعرض على عامة الناس؛ لأن هذه مداخل للشيطان على كثير ممن قد يكونون في عافية من هذه الأمور، فأحياناً مجرد إنشاء السؤال على ملايين الناس أو على آلاف الناس بهذه الصورة قد يحدث في قلوبهم شكوك، أما بقية الأسئلة والإشكالات في العقيدة فأرى أن عرضها مناسب، لكن هذا السؤال بالذات وما يشابهه، والتي لا تليق بالله عز وجل أو توهم النقص في حق الله فالأولى أن الإنسان يسأل عنها أقرب عالم أو أقرب طالب علم. وهذه الأوهام والوساوس ما دامت مجرد عوارض فهي لا تضر، والصحابة رضي الله عنهم شكوا مثل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد يجدون مثل هذه الأمور لكنهم أنكروها، فقال عليه السلام: (ذاك صريح الإيمان) بمعنى أنهم وجدوا الإنكار والاشمئزاز من هذه الأفكار، ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد يأتي الشيطان ويقول للإنسان مثل ما قال السائل تماماً، وهذا مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً في نصح الأمة إلا وذكره، كما يجب على الإنسان أن يعود إلى أصل الإيمان بالله عز وجل ويقول: آمنت بالله ثم يستقيم، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويبتعد عن أسباب الأوهام والوساوس، ويخلص قلبه إلى ربه بالتمجيد والتسبيح والذكر والتهليل، ويصرف قلبه إلى التفكر في آلاء الله ونعمه عليه، وليكثر من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك لا يضره إن شاء الله، فإذا عمل بهذه الوسائل والأسباب فإنه لا يضره، ولو قدّر الله وبقيت هذه الأوهام فقد تكون من الوساوس التي تحتاج إلى علاج بالرقية أحياناً فالذين يبتلون بمثل هذه الأمور وتستقر في نفوسهم عليهم أن يراجعوا الأطباء المختصين، فإن كثيراً من الأدوية بإذن الله حاسمة لمثل هذه الأمور، وبعض المسلمين قد يهمل نفسه ظناً منه أن مراجعة الطبيب لا تليق، وهذا خطأ بل هو من عبث الشيطان نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا عباد الله) وخير التداوي ما تداوي به قلبك وإيمانك، فإذا شعر المسلم بشيء من هذه الأوهام والوساوس في أي أمر من أمور العقيدة سواء في الله عز وجل أو في غير ذلك واستخدم الأسباب الشرعية والأوراد والذكر والرقية ولم تنفع فيجب عليه أن يراجع الطبيب، وبإذن الله ينتهي بمدة قصيرة، وبعض الناس يظن أنه يحتاج إلى علاج مزمن وأنه يحتاج إلى مراجعة العيادات، وهذا كله أوهام إلا النادر، والنادر لا حكم له، فيجب أن يراجع طبيباً مختصاً، وسوف يجد في ذلك العافية، ويرجع إلى طبيعة إيمانه وإلى حقيقة العقيدة إن شاء الله.

حكم إنكار الرؤى

حكم إنكار الرؤى Q ما حكم إنكار الرؤيا؟ A الناس فيما يتعاطون من الأفكار والقناعات الشخصية لا حد لغرابة أقوالهم، فلو نظرنا إلى ما يقوله الناس أو ما يخطر على بال كثير من الخلق في إنكار البدهيات نجد شيئاً عجيباً، فينبغي ألا نلتفت إلى مثل هذه الأمور إلا إذا صارت اعتقاداً ينكر به الحق، أو صار صاحبه داعية إلى مثل هذه الأفكار الخطيرة. وأنا أعتقد أن إنكار الرؤى مكابرة للعقل، قبل أن يكون مصادمة للشرع، فمن الذي يستطيع أن يدّعي أن الناس لا يرون رؤى، أو يحجر على الناس أن يروا رؤى؟ وما من أحد من الخلق غالباً إلا ويكون رأى رؤيا أو أكثر، ومن لم ير فإنه يسمع ويدرك تواتر هذا الأمر عند الناس، فإنكار الرؤيا نوع من المكابرة أو الجهل، وربما يكون ناتجاً عند بعض الناشئين لعدم الخبرة بذلك من ناحية الحكم الشرعي، فإذا كان أنكر أن يوجد رؤى أخبر الله بها أو أخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، أو يُنكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هناك شيئاً اسمه الرؤيا فهذا لا شك أنه مصادم للنص، وضلال مبين ربما يُخرج صاحبه من الإسلام، أما إذا كان ناتجاً عن تقصير وقصور، وعدم معرفة للنص، أو عدم معرفة للدليل فهذه أمراض تعالج بالنصيحة وإقامة الحجة وبيان الحق للناس، ولا نستعجل تجاه مثل هذه الأفكار الغريبة؛ لأنها قد تكون ناشئة عن جهل وعدم تجربة، فالمهم أنه لا يمكن أن يقول عاقل بإنكار الرؤيا.

دعوى أن آدم خلق من أب وأم

دعوى أن آدم خلق من أب وأم Q هناك من دعاة هذا الزمان من يدّعي أن آدم عليه السلام خُلق من أم وأب؟ A هذا من غرائب الأقوال، والله عز وجل ذكر في كتابه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صريح السنة أن آدم خُلق من تراب، خلقه الله عز وجل من غير أبوين، وهذا مما ميّز الله به آدم على خلقه. وحتى لو لم يرد النص في مسألة خلق آدم فلا بد أن يكون ابتداء الخلق من غير أبوين؛ لأن هذا يؤدي إلى التسلسل الممنوع وهو وجود اللانهاية، فالأبوان يحتاجان إلى أبوين إلى ما لا نهاية وهذا يؤدي إلى التسلسل الممنوع، والأولية المطلقة لا تكون إلا لله عز وجل، فما دام أن آدم مخلوق فلا بد أن يكون هو أول مخلوق من بني آدم فلا بد أن يكون خُلق من غير أبوين، وهذه حتمية عقلية، ثم إنها حقيقة شرعية ذكرها الله عز وجل ونص عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

حقيقة اسم الستار

حقيقة اسم الستَّار Q هل من أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب أو السنة اسم الستار أو الساتر، خاصة أن كثيراً من الناس يقولون: يا ساتر؟ A لم يثبت أن من أسماء الله الساتر أو الستار، وإنما ورد وصف الله عز وجل بأنه ستير، وعلى هذا فقد اختلف أهل العلم هل الستير اسم أو أنه من باب الخبر والصفة لله عز وجل، وكذلك الستار والساتر، فبعضهم قال: إنه يجوز أن تشتق من الستير اسماً فتكون من أسماء الله، لكن مع ذلك لا يلزم ما دام أنها لم تثبت كأسماء، لكنها تثبت أوصافاً لله عز وجل وخبراً عن الله، وعلى هذا فلا يمنع ذلك التسمية بها عبد الستار وعبد الساتر؛ لأنه التعبيد لله عز وجل لا يلزم أن يكون تعبيداً للأسماء حتى الأوصاف لله عز وجل اللائقة بالله، هذا هو الأرجح وإن كان فيه خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح ليس هناك يمنع ما دام المقصود هو وصف الله سواء كان اسماً أو صفة أو فعلاً، فلا حرج في ذلك وليس هناك حرج، حتى لو لم نقل: إنه من أسماء الله، فيجوز أن ندعو الله به يا ساتر يا ستير يا ستار؛ لأنها معانٍ حقيقية يوصف الله بها.

حكم التعبيد لغير الله تعالى

حكم التعبيد لغير الله تعالى Q في بعض البلدان يكثر التعبيد لغير الله سبحانه وتعالى بالأسماء، كعبد النبي، أو عبد الرضا أو غير ذلك؟ A التعبيد لغير الله لا يجوز؛ لأن العباد عباد لله، فلا يجوز إطلاقاً بل هذا من كبائر الأمور، فإذا كان المقصود به التعبيد الحقيقي الذي هو تعبيد العبودية فهو كفر مخرج من الملة، وإن كان المقصود به مجرد التبرّك فهو كبيرة من كبائر الذنوب وبدعة، وفيه إساءة أدب مع الله عز وجل، وفيه إساءة للمخلوق الذي يسمى به ذلك الإنسان، هذا الإنسان الذي سمينا باسمه عبد الرضا أو عبد النبي، لو كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج بعد موته لاحتج على هؤلاء لأنهم أساءوا إليه، وكذلك الرضا والحسين وغيرهم، لو كان لهم لسان في الدنيا الآن بعد وفاتهم لقاضوا هؤلاء وحاكموهم؛ لأنهم أحرجوهم أمام ربهم عز وجل، فلا يستحق العبودية إلا الله، فكأنهم أوقعوهم في حرج مع ربهم سبحانه، فلا يجوز هذا إطلاقاً، بل هو من إساءة الأدب مع الله، ومن الإساءة إلى من عبد لهم هؤلاء الناس.

تقرير العقيدة للأطفال

تقرير العقيدة للأطفال Q كيف نفسّر للطفل حينما يسأل عن أسماء الله وصفاته، حين نقول له: إن الله فوق العرش أو أن الله سميع أو بصير؟ A الأطفال كثيراً ما يسألون أسئلة في أسماء الله وصفاته أو في غيرها من الأمور الغيبية الكبرى، والطفل غالباً يسرح مع الخيال، ولا يدرك التفاصيل، فلذلك ينبغي أن تكون الإجابة مجملة، بأن يصرف عن المعاني الدقيقة التي تؤدي إلى الوساوس والأوهام ويجاب بإجابات مجملة، ويُصرف إلى تعظيم حق الله عز وجل، فإذا سأل عن الاستواء على العرش؟ يقال له: إن الله عز وجل عظيم، وأنه فوق سماواته، وأنه لا يحيط به أحد إلى آخره كلام مجمل ويكفي، لأن الدخول في التفاصيل يولد أسئلة أخرى، حتى لو تفسّر له الاستواء على ما فسّر به بعض السلف فهذا يوقع في شبهة أكبر، لأن مدارك الطفل قليلة، بل حتى العامي فضلاً عن طفل لا يجوز أن تفصّل له هذه الأمور، فينبغي أن يُجاب بإجابة مجملة يعظّم في قلبه الله عز وجل، ويجاب بأمور عامة بعيدة عن الدخول في القضايا الحسّاسة، والطفل تستطيع أن تصرفه بالجواب المناسب، فإذا أدخلته في قضايا دقيقة قد ينشئ لك الأسئلة، فتقع في إثم وأمور لا طاقة لك بها. والطفل في سن معينة إذا أشعرته بالتحدي أو أنشأت عنده الأسئلة، فإنه ينشأ عنده أوهام كبيرة، وأيضاً لا تصدم سؤاله بأن تصرفه ولا تجبه إطلاقاً، بل ثبت المعاني الإيمانية في قلبه، حتى يعظّم ربه عز وجل، ويعلم أن الله أعظم وأجل من أن يقاس على خلقه، من أجل ألا تصدمه أو تجيبه بأمر لا يطيقه.

الراجح في الاسم الأعظم

الراجح في الاسم الأعظم Q ما الراجح من أقوال العلماء في اسم الله الأعظم؟ A لعل الله عز وجل أراد لحكمة منه أن يخفى اسمه الأعظم؛ ليبقى العباد يتحرون اسمه الأعظم في دعائهم له ولجوئهم إليه، وخاصة في حالة الضرورة، فلذلك فالراجح أن اسم الله الأعظم قد يتمثل في معنى واحد عظيم يجمعه اسم الجلالة الله، والحي القيوم، والعلي العظيم، والعزيز الحكيم إلى آخره فمعنى اسم الله الأعظم أنه معنى عظيم قد يندرج تحته عدة ألفاظ من أسماء الله وصفاته، وهذا اللفظ الذي يجمعها جميعاً هو اسم الجلالة الله والله أعلم.

هل الأشاعرة من أهل السنة

هل الأشاعرة من أهل السنة Q هل يعتبر من أوّل الصفات كالأشاعرة مثلاً من أهل السنة ونقول: إنهم مخطئون؟ A الذين عندهم التأويل منهجاً يتخذونه تجاه كثير من صفات الله عز وجل، ويصرفون حقائق صفات الله إلى معانٍ مؤولة، فهذا بدعة ويخرجون به عن نهج السلف ولا يعتبرون من أهل السنة والجماعة، أما ما يقع به بعض المنتسبين للأشاعرة وبعض العلماء الأفاضل، وبعض طلاب العلم أو غيرهم ممن ليسوا على هذا المنهج، أي: أنهم لا يعتمدون التأويل منهجاً أساسياً يردون به الكثير من الصفات، فإن من أوّلوا بهذه المسألة تأويلاً مفرداً مع خضوعهم لمنهج السلف في عدم التأويل فهذا من باب الزلات والأخطاء، والجميع وقعوا في خطأ لكن هؤلاء وقعوا في خطأ عن منهجية، فهذا أخرجهم عن أصل السنة والجماعة فلا يكونون من أهل السنة والجماعة في الجملة، وإن وافقوا أهل السنة في أمور كثيرة، أما من أخطأ في التأويل باجتهاد وليس عنده منهج يخالف به أهل السنة فهذا يعتبر من الأخطاء والزلات التي لا يخرج صاحبها من أهل السنة إنما يرد عليه قوله ويغلط.

التوزان في تعبير الرؤى

التوزان في تعبير الرؤى Q عندما نجد كثرة توسع الناس في الرؤى حتى أن هناك من يتساهل في السؤال عنها، ونجد من يأولها ويتساهل في التأويل أو ربما يتوسع توسعاً غير مرغوب من تحديد الموعد في حصول الرؤيا أو بالزمن أو وصفها والتأكد أو الجزم بتحققها، ونجد على نقيضهم من يرد أو يقفل باب السؤال عن الرؤى بحجة سد الذرائع؟ A ما يتعلق بالرؤيا سواء إفراط الناس أو تفريطهم منها وسواء الذين يرون الرؤى ويسألون عنها، أو الذين يتصدون للرؤى ويفسرونها فمن الظواهر غير المرغوب فيها والتي هي من جملة ظواهر ظهرت في مجتمعنا في العصر الحاضر وكثر التعلق بالأحلام والرؤى والسؤال عنها، وكذلك كثرة تصدي عدد من طلاب العلم للرؤى بشكل يخرج عن الاعتدال وهذا من الظواهر التي استجدت في مجتمعات المسلمين في العصر الحاضر في عموم الأمة الإسلامية وفي جميع أقطار الدنيا، وذلك ناتج عن عدة عوامل، منها: ما طرأ على المسلمين من المؤثرات في أفكارهم وفي عقولهم وفي عقائدهم ومعلوماتهم، وهذه الثورة والطفرة المعلوماتية غير المرشدة والتي نتج عنها قسوة القلوب وقلة الورع، ونتج عنها تشويش الناس وكثرة الشبهات، أو اضطراب في العقيدة لاضطراب في الدين وهذه ظواهر معلومة، ومسألة الرؤى ضمن هذه المنظومة التي أثرت في المسلمين اليوم، فهناك إسراف أو تقصير أو إفراط أو تفريط في مسألة الرؤى. وبالنسبة للرائين لا مانع أن الإنسان إذا رأى حلماً يرى له وقعاً في نفسه أن يسأل عنه، لكن يجب أن يتذكر أدب النبي صلى الله عليه وسلم الذي رسمه لنا في هذا الباب، فقد ذكر أن الإنسان إذا رأى ما يكره أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينفث على يساره، وفي لفظ آخر: (فليستعذ بالله منها ثلاثاً وينفث على يساره فإنها لا تضره) ولو عمل أكثر المسلمين بهذا المبدأ لاستراحت قلوبهم وما تعلقوا بالأحلام، وإذا رأيت شيئاً يزعجك فاعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم وكن على يقين بأنها لا تضرك، وإن رأى ما يحب فليبشر خيراً بدون أن يسأل، إذا كانت مبشرة فليتفاءل منها بدون أن يسأل ولا يخبر إلا صديقاً. والنبي صلى الله عليه وسلم قسّم الرؤى وجعل منها ما هو من عبث الشيطان، وهذا بالنسبة للرائين، أرى أن يتثبتوا ولا يكثروا من السؤال ولا تتعلق قلوبهم؛ لأن الله عز وجل يتولاهم وليحسنوا الظن بالله، وكذلك بالنسبة لمفسّري الأحلام عليهم أن يتقوا الله في الناس، أرى أنهم زادوا في الحد. أولاً: لا يُعرف في تاريخ السلف أن أحداً من الناس جعل عمله ومهنته في تفسير الأحلام، فهذا خطأ. ثانياً: ينبغي أن يأخذوا الأمور بقدر ولا يبالغوا مع الناس.

أول من قسم التوحيد

أول من قسم التوحيد Q من أول من قسّم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، هل هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؟ A تقسيم التوحيد أو غيره من التقسيمات العلمية التي احتاجها المسلمون على مدى التاريخ هذه أمور راجعة إلى تطور العلم الشرعي عبر التاريخ، وتطور تقسيمات العلم وأنماطه وموضوعاته، فمثلاً: جاء في عهد التابعين تسمية النصوص إلى أحاديث وآثار وقرآن وسنة وعلوم قرآن كما في القرون الثلاثة الفاضلة، كما قُسّم العلم الشرعي إلى فقه وأصول فقه وهذه التقسيمات فنية علمية موضوعية ترجع إلى تقريب العلم للناس، ومن ذلك تقسيم التوحيد، وليس تقسيم التوحيد توقيفياً ولا ضرورياً، ولا مشاحة فيه؛ لأنه يجوز أن نقسّم التوحيد إلى ثلاثة أو إلى خمسة، يمكن أن أقسّم وأقول: توحيد الذات، وتوحيد الأسماء، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، وتوحيد الأخبار ليس هناك مانع. وهناك من لمّح إلى تقسيم التوحيد قبل شيخ الإسلام ابن تيمية تلميحات واضحة لكنهم ما جعلوا له التقسيم الموضوعي الفني كما فعل هو؛ لأنه احتاج إلى تقسيم التوحيد نظراً لكثرة الخلل في هذا الجانب عند المخالفين فوضّح ما كان عليه السلف. فالقضية لا تحتاج إلى مثل هذه الحساسية من بعض الذين أنكروا على شيخ الإسلام ابن تيمية ولا أيضاً إلى التعصب عليها عند الذين جعلوها وكأنها توقيفية، فالأمر لا هذا ولا ذاك، فالتقسيم علمي والاستقراء علمي واضح ودقيق ولا مشاحة عليه ولا مشاحة في الاصطلاح.

إطلاق اسم الطيب على الله تعالى

إطلاق اسم الطيب على الله تعالى Q بالنسبة للطيب هل هو من أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى، ومأخوذ من الحديث: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)؟ A هذا وصف لله عز وجل، ولا يلزم أن يكون اسماً، فلم يثبت أنه من أسماء الله عز وجل بهذه الصيغة فيما أعلم لكنه من أوصاف الله.

الفرق بين النبي والرسول

الفرق بين النبي والرسول Q ما هو الفرق بين النبي والرسول؟ A الراجح أن هناك اختلافاً جزئياً، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول؛ لأن الرسل طائفة اصطفوا من الأنبياء، فالرسل هم أعلى درجات النبوة، فيهم نبوة وزيادة، وعلى هذا فإن الرسل فيما يظهر والله أعلم هم الذين نزلت عليهم شرائع وكتب مستقلة، وأيضاً كانت لهم أمم كبيرة في الغالب وأتباع الأنبياء غالباً يتبعون شرائع الرسل ولا تأتيهم كتب جديدة إلا أن تكون تصحيحات وتعديلات في كتب منزّلة، فعلى هذا فالأنبياء دائرة أوسع والرسل أخص، وأرفع درجة، والله أعلم.

حقوق الملائكة

حقوق الملائكة Q ذكرت أنه يوجد للملائكة حقوق علينا، فهل منها أن نقول: عليهم السلام كالأنبياء؟ A لا مانع أن يقال: عليهم السلام؛ لكن هذا لم نتعبد به، لكن من باب أنهم أطهار وأخيار إلا جبريل عليه السلام فإنه ورد السلام عليه، ومع ذلك فالأمر جائز أن تسلّم على الملائكة إذا ذكروا، ثم إن من حقوقهم ما هو أوسع من ذلك وهو أن نؤمن بحقائق صفاتهم الكمالية؛ لأن الله عز وجل أعطاهم من الصفات والأحوال والكمالات ما يجعلنا نغار منهم ونتطلع إلى أن نكون بمنزلتهم وهي الغيرة المحمودة، فلذلك يجب أن يراعي المؤمن حق الأنبياء؛ لأنهم حوله دائماً، فيراعي حقوقهم من حيث أنهم لا يعصون الله عز وجل، وأنه لا يليق أن يعمل عندهم ما لا يحسن، ومع ذلك كله فيجب أن يراقب الله، لئلا يعلق قلب المؤمن بغير الله، لكن من حقوق الله عز وجل علينا ومما يجب في مراقبة الله أن نراعي حقوقهم تأدباً مع الله الذي أوجب علينا هذه الحقوق.

الإيمان بالغيب

مجمل أصول أهل السنة - الإيمان بالغيب يجب الإيمان بكل ما صح الدليل عليه من أمور الغيب، كالعرش والكرسي والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، ومن تأول ذلك وخرج عن مفهوم أهل السنة ففي إيمانه نقص بحسب ما وقع فيه من خطأ.

الإيمان بالغيبيات وقواعده

الإيمان بالغيبيات وقواعده الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد. يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [عاشراً: الإيمان بما صح الدليل عليه من الغيبيات، كالعرش والكرسي، والجنة والنار، ونعيم القبر وعذابه، والصراط والميزان وغيرها دون تأويل شيء من ذلك]. هذه قاعدة الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب يدخل فيه: الإيمان بالله وملائكته؛ لأن الملائكة غيب، وكذلك اليوم الآخر وسائر المغيبات، أي: أن أركان الإيمان الستة تضمنت أصولاً عظيمة من أصول الغيب، لكن الإيمان بالغيب لا ينحصر في أركان الإيمان أو في بعض أركان الإيمان، بل الغيب يشمل كل ما أخبر الله به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من الأمور المغيبة، والأمور المغيبة على نوعين: النوع الأول: أمور مغيبة تحدث في الدنيا من أمور مستقبلية أو حتى ماضية، لكن انقطعت أخبارها عن الخلق مثل ما جاء في قصص كثير من النبيين على الوجه السليم الصادق، لا على ما روي في التاريخ مما دخله من حكايات وكذب. إذاً: النوع الأول: هو الغيبيات التي غابت عنا في الدنيا من أخبار السالفين وأيضاً من الأخبار المستقبلية ومنها أشراط الساعة. النوع الثاني: الغيب الذي هو غائب عن الدنيا، أو لا يتعلق بحياة البشر، وهو على صنفين: الصنف الأول: ما يتعلق بالغيبيات الكونية الكبرى التي لا علاقة لها مباشرة بحياة الإنسان، مثل ما يتعلق بأخبار السماوات وأخبار العرش والكرسي، والأمور التي هي موجودة حالياً في الدنيا لكنها فوق مدارك البشر ولا تتعلق بحياة البشر المباشرة. الصنف الثاني: الغيبيات التي تتعلق باليوم الآخر، وهذه الأمور كلها تسمى الإيمان بالغيب؛ لأنها غائبة عن المدارك، بل حتى تفصيلاتها غائبة عن العقول، وعن جميع المدارك فالحواس الخمس وغير الحواس لا تدركها حتى الوسائل العلمية الحديثة، ولذلك وسأستعجل هذه المسألة لأهميتها، لذلك ظن بعض الناس أن ما أدركته العلوم والكشوف العلمية الحديثة مما هو غائب عن البشر أنه نوع من الاطلاع على الغيب، وهذا خلاف القاعدة الشرعية، فكل ما أدركه البشر وما سيدركونه في مداركهم العلمية التجريبية الحسية أو غير الحسية التي تنبني على قطعيات هذه أمور كلها مما لم يكن غيب في علم الله عز وجل، لكنه غائب عن بعض البشر، ولم يكن غائباً عن آخرين، غائب عمن سبقونا واكتشفه المعاصرون وربما تحدث كشوف أخرى كثيرة جداً لا تخرق الإيمان بالغيب، بل هي نوع مما أطلع الله عليه عباده، لكن الغيب الخالص لا يمكن الاطلاع عليه، ولذلك جاءت هذه القاعدة، وهي أنه يجب على المسلم أن يسلم ابتداء بأنه مؤمن ومصدق بكل ما صح به الدليل. والدليل نوعان: أولاً: القرآن. ثانياً: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم منه ما يصح ومنه ما لا يصح، فما صح بأسانيد صحيحة صار من الدليل الذي يجب الإيمان بمدلوله. إذاً: ما صح به الدليل هو القرآن، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح من جميع الغيبيات المذكورة في السابق واللاحق في الدنيا والآخرة، في الأرض وفي ملكوت السماوات، وما أخبر الله به مما هو فوق ذلك؛ لأن الله عز وجل أخبر عن الغيبيات بما هو فوق السماوات كالكرسي والعرش وهي مخلوقة، ولذلك جاء ضرب المثل بالعرش، فالعرش أعظم المخلوقات التي جاء خبرها عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو أعظم المخلوقات، وهو محيط بالمخلوقات، وهو عرش المخلوقات، والله عز وجل أشار إلى العرش بإشارات كثيرة، منها ما يتعلق بصفات الله عز وجل وهو قوله سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] واستواء الله يكون على ما يليق بجلاله، وينبغي ألا يفسر بلوازم المحدثات والمخلوقات، وقد خاض الناس في مسألة الاستواء بغير علم، واستواء الله عز وجل على عرشه على ما يليق بجلاله، فالعرش مخلوق، والله عز وجل ليس بحاجة إلى المخلوق، فاستواء الله على ما يليق بجلاله، والكرسي دون ذلك، وهو أيضاً محيط بالسماوات. وهذا بالنسبة للغيبيات التي هي عوالم من عوالم الكون ومخلوقات من مخلوقات الكون موجودة، وليست تتعلق بالمستقبليات، وهناك نوع آخر من الغيبيات المستقبلية ومنها الجنة والنار، ولها حالان: الحالة الأولى: وجودهما الآن، فلا شك أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن، لكن ليس على الهيئة الكاملة التي تكون عليها يوم القيامة، وبعد أن ينقسم الخلق إلى سعيد في الجنة نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم، وإلى شقي في النار، وقبل أن ينقسم الخلق فالنار والجنة موجودتان الآن وبعد الآن. وكذلك مما يمثل به على الغيبيات ما يتعلق بالحياة التي بين حياتين: حياة الإنسان إذا مات، وتسمى الحياة البرزخية وقبل أن يبعث، هذه تسمى الحياة البرزخية؛ لأن البرزخ هو الموقع الذ

الإيمان بالشفاعة

الإيمان بالشفاعة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [الحادي عشر: الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم يوم القيامة، كما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة]. هذا تفصيل بعد الإجمال، لأن الشفاعة من الغيبيات، ويغلط بعض الناس جين يظن أن الشفاعة من الحقائق الاجتهادية العلمية القابلة للبحث والنظر؛ بل الشفاعة قضية غيبية جاء بها الخبر ولها شروط جاءت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، والمقصود بالشفاعة أن هناك أناساً ينتفعون يوم القيامة بوساطة الغير.

شروط الشفاعة

شروط الشفاعة والشفاعة لها شروط الأول: أن يأذن الله عز وجل للشافع أياً كان، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الخلق وأزكاهم وأفضلهم لا يمكن أن يشفع إلا بعد أن يستأذن ربه عز وجل، ثم يؤذن له وكذلك البقية. الثاني: أن يكون المشفوع له ممن تقررت له الشفاعة، فلا شفاعة لغير مسلم؛ لأن الله عز وجل ذكر عن غير المسلمين أنه لا تنفعهم شفاعة الشافعين، وهذه قاعدة قطعية مجمع عليها. وقد ترد صورة واحدة جاء بها النص وليست شفاعة كاملة وإنما شفاعة جزئية، وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب وهو مشرك بأن يخفف عنه من عذاب جهنم نعوذ بالله من جهنم.

أنواع الشفاعة

أنواع الشفاعة أولها: شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم، وتدخل فيها صور، أولها: شفاعته للخلائق يوم القيامة بأن يفصل الله بينهم للقضاء، وهذا ورد فيه حديث طويل في الصحيح تضمن من مشاهد القيامة ما يوقظ القلوب الحية، كما امتلأت الأحاديث في ذلك بالعبر والعظات والتي تجعل العبد قريباً من الله عز وجل وأن يحبه ويتقيه ويخشاه، فهذه الشفاعة العظمى والكبرى هي أعظم الشفاعات، لأن البشر يوم القيامة يُحشرون طويلاً في يوم عصيب تدنو منهم الشمس، ويرون جهنم تزفر أمامهم، ويشاهدون من المشاهد المروعة ما لولا أن الله كتب عليهم ألا يموتوا لماتوا، ويكون الحشر طويلاً جداً، ثم بعد ذلك يموج بعضهم في بعض ويبحثون عمن يشفع لهم أمام الله عز وجل؛ لأن الباري سبحانه يغضب ذلك اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فالبشر أمام الله عز وجل حينما استبانت لهم الحقيقة ورأوا أنهم فرطوا في دنياهم بأعمالهم لم يكن لهم على الله عز وجل حجة أن يقولوا أو أن يطلبوا، فذهبوا يطلبون ممن هم أقرب إلى الله، فظنوا أن آدم لأنه أبو البشر فهو الذي يشفع لهم إلى الله، فذهبوا إليه فاعتذر، ثم ذهبوا إلى نوح فاعتذر، ثم ذهبوا إلى إبراهيم وموسى فاعتذرا ثم إلى عيسى عليه السلام، فقال لهم: اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهنا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية، لأن العبودية لله عز وجل ليست ذلة، لكن العبودية للخلق إذلال، أما العبودية لله فهي تمام العز، ولذلك فأعظم مقام شرّف الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو عبوديته لله العبودية الكاملة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله لم ينس حق ربه عز وجل، بل استشعر هيبة الله وعظمة الله فذهب يدعو طويلاً يستأذن ربه عز وجل في أن يأذن له بالشفاعة، فيسجد تحت العرش ويدعو طويلاً طويلاً، ويدعو الله بمحامد يلهمه الله إياها، حتى يقول له الله عز وجل: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع، وهذا والله هو المقام العظيم والوسيلة التي وعد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا المقام المحمود مع أنه قد يدخل فيه غيره أيضاً، فالشاهد أن هذه أعظم شفاعة، وهي أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للخلائق في أن يفصل الله بينهم للقضاء، ثم بعد ذلك تتوالى شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم مثل شفاعته لأهل الكبائر، وشفاعاته لبعض أهل الجنة أن تعظّم درجاتهم فيها، وشفاعاته لناس استوت حسناتهم وسيئاتهم إلى آخره، فالنبي صلى الله عليه وسلم له شفاعات حسب ما ثبت في النصوص، ثم بعد ذلك يشفع النبيون، ويشفع الملائكة، ويشفع الصالحون والمؤمنون، وورد لبعض أفراد الناس شفاعات، فالقرآن له شفاعة لأصحابه ولقرّائه، والصيام له شفاعة، وكذلك الشهداء -إن ثبت النص- لهم شفاعة، وأطفال المؤمنين لهم نوع شفاعة. إذاً: الشفاعات تكون لمن أذن الله لهم ولا تكون إلا لمؤمنين صالحين وكما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة، ولا يجوز أن ندعي شفاعة لم يرد بها الشرع؛ لأن الشفاعة هي إذن من الله عز وجل، ولا يمكن أن نفترض شفاعة من أنفسنا أو نقول على الله بغير علم، أو ندّعي أن هناك لأحد من الخلق شفاعات لم تثبت، نعم! الشفاعات المطلقة ثابتة، أما كيف تكون فالله أعلم، فمثلاً: شفاعات المؤمنين كيف تكون؟ الله أعلم، وشفاعات الصالحين كيف تكون؟ الله أعلم، فلا نفترض لها صوراً؛ لأنها غيبية وتحدث يوم القيامة. ثم إن هذه الشفاعات يجب ألا تفتح باباً للمخلوقين في الحياة الدنيا أحياءً أو أمواتاً؛ لأن الشفاعات إنما تكون يوم القيامة.

الإيمان بالرؤية في الآخرة

الإيمان بالرؤية في الآخرة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [الثاني عشر: رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة في الجنة وفي المحشر حق، ومن أنكرها أو أولها فهو زائغ ضال، وهي لن تقع لأحد في الدنيا]. هذه من المقامات العظيمة التي يتطلع إليها المؤمن ويتشوق إليها، وهي من الأمور الغيبية التي يجب ألا نزيد فيها عما ورد في الشرع، وهي أعظم النعيم الذي وعد الله به عباده، رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم كما يليق بجلال الله عز وجل نسأل الله أن يمتعنا جميعاً بذلك.

الرؤية في الجنة

الرؤية في الجنة رؤية المؤمنين لربهم أعظم النعيم، ولا يدانيها شيء؛ لأن الله عز وجل وصفها بذلك وهي معلوم أمرها بالضرورة، فلا يعقل أن يتصور أحد أن هناك أعظم نعيم من التمتع برؤية الله عز وجل، ولذلك وصفها الله عز وجل بمثل هذه الأوصاف، قال سبحانه عن المؤمنين الذين يدخلون الجنة: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] فلا تحد بحد، بل كل ما يمكن أن يتمناه المؤمن في الجنة من النعيم يدركه ويحدث له. ثم بعد ذلك قال الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وقال سبحانه ممتناً على المؤمنين: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] أي: يعني بهية مستبشرة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] بعد أن نضرت بأعمالها الصالحة ونجت وزكت متعها الله بالنظر إلى وجهه الكريم، نسأل الله أن يجعلنا ممن يتمتعون بذلك. فرؤية المؤمنين لربهم في الجنة من الحقائق التي تواترت بها النصوص، وهي غيبية، ولذلك فإن الذين استعملوا عقولهم في الخوض في هذه الأمور وقعوا في هلكة؛ لأنهم خاضوا في أمور هم في عافية منها، وقاسوا رؤية الخالق عز وجل برؤية المخلوقين، وقالوا: لأنه يترتب على الرؤية كذا ويلزم منها إثبات الجهة لله عز وجل، مع أن الجهة لا نجعلها وصفاً لله ولا نقول بها حتى نفصّل، فإن قصدتم بالجهة العلو فالمؤمنون يرون ربهم من فوقهم كما هو نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا تنزعجون من الحق، وإلا لماذا تقولون: هذا يلزم منه جهة العلو والعلو كمال؟ وكل عاقل يدرك بعقله، وفكره وفطرته وبالحس والمشاهدة أن العلو كمال، إذاً: لماذا يتهيبون من إثبات العلو لله عز وجل، ولذلك نفوا الرؤية زعماً منهم أنه يلزم منها الجهة، وهربوا من إثبات العلو لله عز وجل. إذاً: الرؤية حق، لكن ولا نتكلم فيها بأكثر مما ورد به النص، كيف تكون؟ وهل كذا؟ هذه أمور لا يجوز أن نخوض فيها؛ لأنها تطلع إلى الغيب المحجوب، ومما لا يعلمه إلا الله عز وجل خاصة فيما يتعلق بالله، فما يتعلق بالله عز وجل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله والرؤية هذه أمور متعلقة بالله يجب على المسلم أن يتهيب ويتورع عن أن يخوض فيها أو يفتح لنفسه باب الأسئلة والإشكالات، فإن جاءته وساوس أو خواطر عارضة سيدفعها الإيمان بإذن الله، وإلا فإنه يسأل أهل العلم عل الله عز وجل يفتح عليه جواباً ينقذه من الوساوس، أما أن يبتدئ بالتوهمات فهذا من الغلط.

الرؤية في أرض المحشر

الرؤية في أرض المحشر وقوله: (وفي المحشر) الرؤية يوم القيامة نوعان: الأولى: الرؤية في الجنة. الثانية: رؤية جاءت مجملة ولم تفصلها النصوص، فهذه تبقى هكذا ونؤمن بها إجمالاً، وهي أن الناس يرون ربهم في المحشر كما ثبت ذلك في النصوص، أما التفصيل في الرؤية في المحشر فلم يرد كما ورد من التفصيل في الرؤية في الجنة، ولذلك نقف على النصوص. ومما يجب معرفته أن الرؤية لا تكون إلا يوم القيامة، سواء في المحشر أو في الجنة، وعلى هذا لا يجوز ولا يعقل ولا يمكن أن أحداً يرى ربه بعينه في الدنيا، ولذلك حينما طلب موسى من الله عز وجل الرؤية، قال له الله عز وجل: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] تأبيد الحياة، ولا يعني ذلك تأبيد إلى ما بعد الحياة الدنيا، فلن للتأبيد في الحياة الدنيا؛ لأن الله عز وجل لا يحكم سننه الكونية ما بعد الدنيا، إنما هذه العبارات تحكم حياة الناس والزمان الذي نعيش فيه إلى قيام الساعة {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، وكذلك كل الخلق، لا يمكن أن أحداً يرى ربه بعين رأسه، قد يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما عُرج به هل رأى ربه بعين رأسه، إن كان رأى فهذه خصوصية، فالنبي صلى الله عليه وسلم خصه الله عز وجل بأمور كثيرة لا تكون لغيره، لكن الراجح أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه إنما رآه رؤية قلبية فؤادية الله أعلم بها.

رؤية الله في المنام

رؤية الله في المنام وهنا مسألة وهي: هل يمكن لأحد أن يرى ربه في المنام؟ أولاً: الرؤية الحقيقية لا يمكن أن تكون لا في المنام ولا في اليقظة في الدنيا، لكن رؤية أحلام، بمعنى أن الإنسان يرى شيئاً يأتيه في الحلم أنه رأى ربه، فهذا حلم وليس بحقيقة. ثانياً: أن هذه أمثال تضرب، ولذلك فإن الناس إذا بالغوا في أمر غير حقيقي قالوا: هذا حلم، ويقصدون أنه وغير واقع وغير حقيقي، فلذلك إذا ادعى أحد أنه رأى في المنام شيئاً ظن أنه الله، فنقول: لن ترى الله على الحقيقة إنما هي أمثال ضُربت لك وأحلام، وليست رؤيا؛ لأن الرؤيا الصادقة لا تكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي البارحة) وهذه خاصة به، أما ما يراه البقية من الناس فهي أحلام وأمثال تُضرب والأحلام ليست حقيقة، ولذلك لا نستطيع أن نحجر على أحد أنه إذا توهم في حلم من الليل أنه رأى شيئاً ظن أنه ربه.

قاعدة في كرامات الأولياء

قاعدة في كرامات الأولياء قال المؤلف حفظه الله تعالى: [الثالث عشر: كرامات الأولياء والصالحين حق، وليس كل أمر خارق للعادة كرامة، بل قد يكون استدراجاً، وقد يكون من تأثير الشياطين والمبطلين، والمعيار في ذلك موافقة الكتاب والسنة، أو عدمها]. كرامات الأولياء قد تكون من باب الرؤى وقد تكون من باب الفراسة، وقد تكون خوارق أخرى، ومعنى ذلك أن الله عز وجل قد يُكرم بعض عباده بكرامات يتهيأ لهم أمور غير معتادة عند الناس، وهذه الأمور قد تكون معنوية وهو الغالب، وقد تكون حسية أيضاً، فقد يفتح للإنسان من الأشياء التي لا يُعتاد أن تنفتح له، فتحدث له، وهذا راجع إلى قدرة الله عز وجل، لكن هذه الخوارق لا تكون كرامات إلا إذا كانت لمؤمن صادق صالح توافرت فيه شروط الكرامة، بمعنى أنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة ولا تؤدي إلى بدعة ولا إلى محرّم ولا إلى فواحش الأمور ورذائل الأخلاق، ولا تؤدي إلى الكذب، ولا إلى الظلم، ولا إلى الخيانة إلى آخره فالخارق للعادة إذا كان يحقق الخير الذي جاء به الإسلام فهو كرامة، وأيضاً قد يكون سبباً للاستدراج، فلا يغتر المؤمن بذلك، بل ينبغي إذا رأى شيئاً فيه قرائن الكرامة فليحمد الله وليستبشر خيراً لكن لا يغتر؛ لأن هذه الأمور قد تلتبس فيها عبث الشياطين والجن بالكرامات، فتكون بعض الخوارق من باب الفتن ويظن صاحبها أنها كرامة.

الولاية للمؤمنين

الولاية للمؤمنين قال المؤلف حفظه الله تعالى: [الرابع عشر: المؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه]. هذه قاعدة عظيمة وهي أن المؤمنين كلهم لهم حقوق، والمؤمن أخص من المسلم؛ لأن الإسلام قد يكون مجرد الخضوع الظاهر للدين فيدخل فيه المنافق، ونظراً لأن هذه أمور لا يعلمها إلا الله عز وجل فالوصف الذي يجمع الصالحين من المسلمين هو الإيمان، والمؤمنون هم المسلمون الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتحقق فيهم ولو أدنى الإيمان، ومن هنا يخرج المنافق الخالص الذي ليس فيه خصلة من النفاق، وتبقى القاعدة للمؤمنين، فمن عنده أدنى ذرة من الإيمان يبقى له هذا الحق، وهو الولاية لله عز وجل، فكل مؤمن فيه من الولاية لله بقدر ما فيه من الإيمان والاستقامة، فمن زاد إيمانه واستقامته والتزامه لدين الله وشرعه زادت ولايته لله، ومن نقصت نقصت، ومن اختلت اختلت، ولكن لا يُعدم المؤمن من وجود ولاية بقدر إيمانه. وقد يقول قائل: هل الفسّاق والفُجّار وأهل البدع فيهم ولاية لله؟ نقول: نعم، إذا كان عندهم شيء من الإيمان الصادق لله عز وجل، وشيء من محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والتزام واجبات الإسلام وفرائضه، ففيهم من الولاية بقدر ما فيهم من هذا الخير، وإن كان عندهم فسق وفجور، وبالعكس فإن كل مؤمن تنقص ولايته بقدر ما يرتكب من المخالفات، فإن نقص إيمانه نقصت ولايته، بأن عمل الفسق أو الفجور أو المعاصي نقصت ولايته، لكن لا تنعدم، وعلى هذا فكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه. ومسألة الولاية غير مسألة الولاء والبراء، فالولاء والبراء نتيجة، والولاية أصل؛ لأن الولاية تلزم كل مؤمن، والولاء والبراء عبارة عن استثمار اعتقادي وعلمي وسلوكي بهذا الإيمان عند المؤمن. إذاً: كل مؤمن ممن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو على أصل الإسلام فإن له من الولاية لله بقدر إيمانه، فمتى ما نقص الإيمان سواء كان الإيمان علمياً أو عملياً أو اعتقادياً نقصت الولاية، ومتى ما زاد زادت، ولذلك قد يكون المؤمن من خلّص أولياء الله إذا كان قائماً بالفرائض وبالواجبات، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، ملازماً للاستقامة قدر استطاعته، لأن الاستقامة مشروطة بالاستطاعة فهذا بإذن الله يكون من أولياء الله، فالولاية الخالصة تحدث في مثل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء بقوله عن الله عز وجل في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) هذه هي الولاية، المحبة الكاملة: (فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) ولا يحصل هذا إلا لأصحاب الدرجة العالية، وكل مسلم يستطيع أن يتطلع إلى هذا ويصل إليه بإذن الله إذا بذل الأسباب، ولذلك يجب على المسلم دائماً أن يسعى إلى مثل هذا المقام، وهو ليس بصعب بل يسير، وهو طريق أمن وسعادة، وطريق هناء وطريق سهل جداً، ولكن يحتاج إلى عزيمة وترويض للنفس، فمن عزم وروض نفسه واستقام على دين الله وعلى ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم فبإذن الله يصل إلى هذه الولاية بسهولة. أسأل الله للجميع التوفيق والسداد.

الأسئلة

الأسئلة

تحديد الجنس في بطن أمه

تحديد الجنس في بطن أمه Q يلتبس عند بعض الناس خاصة في تقدم الطب في العصر الحاضر أنهم يستطيعون تحديد نوعية جنس الجنين في بطن الأم في مراحل الأشهر الأولى، وأن علم الأجنة من العلم الغيبي، كيف يوفق بين هذا؟ A ظهرت كشوف حديثة في الطب وغيره تقدمت في كشف بعض الأمور المغيبة عن أجدادنا، وعن البشرية في السابق فيما نعلم، وإلا فالبشرية مرت ببعض الحضارات القديمة ربما تكون وصلت إلى مثل هذه الكشوف أو قريب منها، لكن حسب ما نعلم الآن اكتشاف أشياء من الأمور التي كانت مغيبة عن السابقين لم تكن معروفة. فكل ما يُكشف بالوسائل العلمية الثابتة ليس من الغيب، ولم يكن من الغيب من قبل، بل كان غائباً عن أناس ولم يكن من الغيب الخالص؛ لأن الغيب غيبان: غيب غائب عن مخلوقات ولم يغب عن البعض الآخر، فهذا ليس هو الغيب المقصود في القرآن والسنة، والدليل على هذا أن هناك أموراً مغيبة عن البشر لكن تدخل في مدركات الجن، وهناك أمور غائبة عن البشر وعن الجن ولكن تدخل في مدركات الملائكة، فهي ليست غائبة عن صنف من المخلوقات، ولكنها غائبة عن صنف آخر، فهذه قد لا تكون من الغيب الخالص. أيضاً ما يتعلق بأن الله عز وجل يعلم ما في الأرحام وهذا رد، لكن هل جاء النفي القاطع بأن البشر لا يعلمون كل ما في الأرحام؟ لا. فيجب أن تفسّر النصوص على ضوء الحقائق العلمية، ولا يمكن أن تتناقض الحقائق العلمية مع نصوص الشرع أبداً، إنما مفاهيمنا هي التي قد تقصر أحياناً. فعلى هذا فما أشار إليه الله عز وجل من أنه يعلم ما في الأرحام، لا يعني أن الله لا يطلع عباده إذا توفرت وسائل العلم على بعض ذلك، ومع ذلك تبقى نسبة من علم مما في الأرحام لا يعلمها إلا الله كما قال: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان:34] وهذا مطلق لا يتعلق بأفراد النساء أو المسألة الفردية عند المرأة، لأن ما في الأرحام قد يدخل فيه الأمور التي تتعلق بالأرحام في المستقبل. إذاً: لا بد أن تبقى نسبة من الغيب محجوبة، والعلماء المختصون يعترفون بذلك، فعلى هذا فإن الكشوف العلمية التي كشفت شيئاً مما يظن الناس أنه الغيب هو لم يكن من الغيب المحجوب الخالص، إنما الغيب الخالص الذي يتعلق بملكوت السماء والأرض ما لم يجعل الله للبشر عليه سبيلاً: ما يتعلق بالعرش، وبالكرسي، وباليوم الآخر هذه أمور من الغيب الخالص، وهذا لا يمكن أن يُكشف إلا بما ورد به الدليل. إذاً: ما ينكشف للناس بالعلوم التجريبية وبالعلوم الحديثة من الأمور التي يظن أنها غيب ليس هو من الغيب الآن، وأصبح جانب الغيب جانباً آخر غير ما وصلوا إليه ولا شك، والله أعلم.

شفاعة المؤمن في الجنة للمعذب في النار

شفاعة المؤمن في الجنة للمعذب في النار Q هل صحيح أن المسلم إذا كان في الجنة ورأى أخاه في النار فإن هذا المسلم يطلب من الله أن يشفعه في هذا الذي في النار فيشفع فيه ويخرج من النار، وأن هذا من زيادة النعيم له؟ A هذا داخل في عموم ما ورد به النص من أن المؤمنين يشفعون شفاعة عامة وخاصة، أي: أن المؤمن الرجل الصالح يشفع لمن شاء من أهل الكبائر الذين دخلوا النار، وهذا هو معنى ثبوت الشفاعة للمؤمنين، لكن هل ثبت لأعيان أو كذا؟ هذا ما ورد به النص، وورد النص إجمالياً أنه كما يشفع الأنبياء والملائكة كذلك يشفع المؤمنون، لمن في النار ممن استحقوا النار لذنوب تقتضي تطهيرهم ثم خروجهم منها.

الرؤية في المحشر

الرؤية في المحشر Q بالنسبة لرؤية الناس لله سبحانه وتعالى في المحشر، هل هي عامة أم أنها للمؤمنين؟ A رؤية الناس في المحشر وردت بنصوص مجملة، والمتأمل للنصوص يجد أن الرؤية وردت على سياقات، السياق الأول: أن أهل المحشر كلهم، مؤمنهم وكافرهم يرون ربهم رؤية لم تفسّر، هل هي رؤية حقيقية أم قلبية؟ الله أعلم، ثم بعد ذلك يراه المؤمنون ويراه معهم المنافقون، وهذا نكاية بالمنافقين؛ لأنهم إذا رأوا أن الله عز وجل أطمعهم في الرؤية ظنوا أنهم لا يزالون يخادعون الله، فيكون هذا أشد للنكاية بهم في المحشر نفسه والرؤية الأخيرة تكون للمؤمنين فقط، ويحتجب الله عن الكافرين والمنافقين؛ لأنهم كما قال عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، وهذا هو الظاهر من سياقات النصوص.

هل يلزم من الكلام الرؤية؟

هل يلزم من الكلام الرؤية؟ Q قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) هل يلزم رؤية الله سبحانه وتعالى؟ A الذي ورد أن الكلام بينه وبين الله بأن يكلمه كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، لكن هل يتضمن هذا الرؤية أو لا يتضمن؟ ليس هناك دليل يقيني، لكن ورد أن الله عز وجل يكلم كل واحد من عباده، ويكلمه كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، ولكن هل يلزم من هذا الرؤية أو لا يلزم؟ هناك دلائل على أن الكلام يكون معه رؤية لكن ليست قطعية، فتبقى المسألة محتملة وليست من الأمور اليقينية.

رؤية الذين يخرجون من النار لربهم

رؤية الذين يخرجون من النار لربهم Q المسلم الموحّد إذا عمل بعض الذنوب ووضعه الله عز وجل في نار جهنم بقدر ذنوبه، فهل عند خروجه من النار ودخوله الجنة يرى الله عز وجل مثل المؤمنين الذين دخلوا الجنة من أول وهلة؟ A الموحّد إذا ارتكب بعض الذنوب وقدّر الله له أن يُعذّب في النار، فهو يخرج بإذن الله عز وجل وبشفاعة الشافعين، شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر، ثم شفاعات المؤمنين وغيرهم. وأما عند خروجه من النار ودخوله الجنة فإنهم سيتمتعون برؤية الله عز وجل، والنصوص تدل على أن هذا لجميع أهل الجنة المتقدم منهم والمتأخر، حتى من طهّر في النار ثم دخل الجنة فيما بعد فهو بإذن الله يشمله نعيم الجنة.

ضمة القبر للمؤمنين

ضمة القبر للمؤمنين Q ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن للقبر ضمة، فهل الضمة هذه عامة يضمها جميع المسلمين؟ A الظاهر أنها عامة، لكنها للمؤمن خفيفة، وتكون لمن يستحق أشد من ذلك.

صفة الصراط

صفة الصراط Q هل ورد أن الصراط واسع أو ورد فقط أنه أدق من الشعرة؟ A الذي ثبت أن الصراط رفيع دقيق، أما السعة فليس عندي فيها علم، وأظنه يتنافى مع كونه كالشعرة، إذا كان الطول على متن جهنم فهذا بمعنى أنه طويل، لكنه من حيث السمك فهو رفيع كحد السيف وكالشعرة.

مفهوم قوله تعالى: (ولا ينظر إليهم يوم القيامة)

مفهوم قوله تعالى: (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) Q هل تفسير قوله تعالى: {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:77] بأن معناها: لا يرحمهم ولا يحسن إليهم، وهل هو تعطيل وتأويل لصفة النظر التي أثبتها الله جل وعلا لنفسه، علماً بأن هذا التفسير منتشر على هوامش مصاحف التجويد؟ A هذا هو المفهوم من السياق، لكنه لا ينبغي حصر المعنى عليه، ((وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)) تشمل أن الله لا يبالي بهم، وأنه عز وجل يعاقبهم، كما يشمل ما هو أوسع من ذلك، بأنهم قد لا يتمتعون برؤية ربهم عز وجل، وبمعنى أن الله عز وجل لا يرعاهم الرعاية التي يستحقها غيرهم من جميع وجوه الرعاية، فليست محصورة بنوع من الرعاية فقط وإلا فهذا هو السياق، ويفهم منه أن الله عز وجل لا يعطيهم الرعاية التي تكون لغيرهم.

شفاعة الشهيد وحامل القرآن

شفاعة الشهيد وحامل القرآن Q هل صحيح أن الشهيد يشفع لسبعين من أهله وجبت عليهم النار، وحامل القرآن يشفع لعشرة، وما هو الدليل؟ A أما الشهيد فالراجح أن الدليل صحيح فيه وثابت بأنه يشفع لسبعين، أما ما يتعلق بالشق الثاني فلا أعلم له أصلاً.

شفاعة الطفل المتوفى لأبيه

شفاعة الطفل المتوفى لأبيه Q كيف يشفع الطفل المتوفى لأبيه؟ A الشفاعة جاءت مجملة، وشفاعة الأطفال لأبيهم هو أنهم يمسكون بآبائهم ويتشبثون بهم يوم القيامة، فيرحم الله عز وجل الآباء والأمهات بهم، لكن بشرط أن يكونوا من المؤمنين، أما الكافر فلا تنفعه شفاعة طفله، وقد وردت الشفاعة مجملة ولا أعرف أنها فصلت في النصوص.

الأمور الغيبية عند أهل الكتاب

الأمور الغيبية عند أهل الكتاب Q في عقيدة أهل الكتاب بعض الأمور الغيبية توافق الأمور الغيبية عندنا، فكيف يوفّق طالب العلم بين ذلك؟ A إذا اعتقدوا بعض الحق الذي عندنا فلا يمنع هذا أن يكون حقاً عندهم؛ لأن نصوص وكتب أهل الكتاب حُرّفت لكنها لا تخلو من شيء من الحق، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن روايات أهل الكتاب وروايات بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب، فإن ثبت أنها كاذبة فهذا أمر مفروغ، وإن ثبت أنها صادقة لكن لم يثبت هذا ولا ذاك فإنها تبقى خاضعة للنظر المنهجي، فما وافق الحق عندنا فهو حق وإن قالوا به، وما لم يوافق الحق فيرد، فقد تكون بعض الأخبار وبعض الأمور والأصول التي يؤمن بها أهل الكتاب مما يوافق الحق عندنا، فلا يعني ذلك أننا نكذّب كل ما يقولونه.

رؤية الله في المحشر

رؤية الله في المحشر Q ما هو الدليل على رؤية الله في المحشر؟ A ورد في صحيح مسلم وغيره أن الله عز وجل يتجلى للخلق ويتبدى، ويقول: أنا ربكم، فيقولون: لست ربنا، ثم بعد ذلك يتجلى مرة أخرى، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعم، بالصورة التي يعرفونه فيها، أي: أنه ورد في السياق أحاديث صحيحة في صحيح مسلم وغيره، وسياق الحديث طويل، وورد على عدة وجوه وعدة ألفاظ، فهو ليس حديثاً محتملاً، إنما لم يرد في هذه الأحاديث دليل قطعي على الرؤية البصرية التامة بالعين الباصرة كما يكون في الجنة.

الشك في العقيدة

الشك في العقيدة Q ماذا يفعل من يأتيه شك في العقيدة، وأحياناً يأتيه أثناء الصلاة والقراءة، وهل هذا ينقص من إيمانه، مع العلم أنه عندما تأتي هذه الشكوك لا ينقص من أفعاله الصالحة، ولكن تؤثر عليه في نفسه بالحزن وظنه أنه منافق؟ A ما دام أن الإنسان باقٍ على عمل الصالحات، فمعنى أن هذه الخواطر والهواجس لم تبلغ الحد الذي يطلبه الشيطان، وأن هذا لا يزال عنده أصل الإيمان ويدافع هذه الوساوس ويؤجر عليها، لكن أحب أن أوصي من يشعر بهذا الشعور بأمور: أولاً: أن يتفقه في دين الله عز وجل، خاصة في الأمور التي يجد فيها الوسواس، إما على عالم أو طالب علم أو من خلال الأشرطة أو الدروس المهيئة الآن عبر الوسائل، ويتعمق فيها من أجل أن يكون عنده يقين فيها بالدليل، فتزول أسباب هذه الأوهام والوساوس. ثانياً: أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ويكثر تعلق قلبه بالله عز وجل بكثرة التسبيح والتهليل وعمل الصالحات، فلا يبقى للشيطان منفذ ليورد في الخاطر هذه الأمور. ثالثاً: إذا كان الأمر وصل إلى أن الإنسان ينزعج ويؤثر هذا على حياته، ويكدر صفو الحياة عليه، وهذا قد يوجد عند بعض الناس، فأخشى أن تكون هذه بوادر وسواس مرضي، فينبغي أن يعالج نفسه بالرقية وبالعلاج الطبيعي عند أطباء النفس، لأن الأطباء النفسيين عندهم من الوسائل والتشخيص ووصف العلاج ما يخفف هذه الأمور أو يلغيها، فأرجو ألا يتساهل من يشعر بذلك ولا يظن أن التداوي يتنافى مع الأخذ بالأسباب الشرعية، هذا وهم يشعر به كثير ممن عندهم مثل هذه الأوهام والوساوس والخواطر، ويظن أن هذا عيب أيضاً وهذا كله خطأ، فهذا امتحان من الله عز وجل وابتلاء، ويؤجر الإنسان بمدافعته لهذه الأمور، فينبغي أن يحتسب الأجر عند الله ثم يتداوى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تداووا عباد الله) فيبذل مع الأسباب الشرعية من الرقية والأوراد والأذكار والتسبيح ومجالسة الصالحين والعلم الشرعي ما يصرف القلب عن هذه الأمور، وأيضاً يتداوى الدواء الطبيعي، والعلاج المادي مطلوب؛ لأن الإنسان عليه أن يبحث عما يريحه في عبادة الله، ويصفّي ذهنه؛ لئلا يشغله الشيطان بهذه الشواغل، فيجب أن تؤخذ الأمور بهذا التدرج، وإذا أمكن علاجها بالأسباب الذاتية والشرعية فهو أولى وإذا ما أمكن فلا بد من مراجعة الطبيب.

مسألة حرمان العاصي من دخول الجنة

مسألة حرمان العاصي من دخول الجنة Q هل مرتكب المعاصي من الذين يشربون الخمر ويسمعون الغناء يحرمون من دخول الجنة عملاً بقوله سبحانه وتعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف:20]؟ A مرتكب المعاصي مصيره الجنة، مهما ارتكب من الذنوب ما لم تكن ردة أو شركاً، وما لم يخرج من الملة ومهما ارتكب من الذنوب فإن مصيره الجنة، فإذا تاب قبل موته فالأصل فيه أن الله يتوب عليه فيما نعلم ظاهراً والله أعلم بالسرائر، فمن تاب تاب الله عليه، لكن إذا مات وهو على كبيرة أو كبائر إما فسق أو فجور أو بدع أو غيرها فإذا مات على هذا فهو يوم القيامة تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وقد يكون ذلك بأسباب وقد يكون بمحض مشيئة الله ورحمته وعطفه سبحانه، وإن شاء عذبه، أي: أنه يدخل النار لتطهيره من المعاصي، ثم إذا دخل النار فإنه يخرج منها حتماً؛ لأن مصيره إما بالشفاعة أو بغيرها، أن يُطهّر في النار ثم يخرج منها إلى الجنة، وإذا دخل الجنة تمتع بما يتمتع به أهل الجنة من النعيم، وأهل الجنة قد يتفاوتون في النعيم، لكن نوع النعيم في الجملة لا يخص أحداً دون أحد، فإذاً: مصير مرتكب الكبائر من المؤمنين هو الجنة في النهاية حتى وإن عذب بعضهم.

معنى حجب علم ما في الأرحام

معنى حجب علم ما في الأرحام Q ألا يحمل قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان:34] على أن حجب علم ما في الأرحام يكون قبل إرسال الملك، وأمره بنفخ الروح فيه؟ A لا يلزم؛ لأن الطب الحديث صار ممكناً أن يحكم ببعض الأمور في الأرحام حتى قبل نفخ الروح؛ لأن نفخ الروح على مراحل، منها: أن نفخ الروح بمعنى الحياة الكاملة، وهذه تكون بعد أربعة أشهر، وأما مبادئ الروح فقد ورد فيها نصوص وأقرها الأطباء قبل ذلك في الأربعين أو في الثمانين بأن هناك نوع من الحياة والروح غير الكاملة، فعلى هذا فالروح على مراحل، ثم بعد ذلك ثبت أنهم الآن يكتشفون أشياء كانت مغيّبة عن السابقين حتى في بداية النشأ، والإنسان نطفة لكن لا يعني ذلك أنه كل ما في الأرحام، أن ما تبيّن للعلماء لم يصبح غيباً، ما دامت توفرت أسباب البيان والكشف، فعلى هذا يبقى الغيب مرحلة تسبق ذلك، والله أعلم.

شفاعة الغريق لسبعين من أهله

شفاعة الغريق لسبعين من أهله Q هل صحيح أن الغريق يشفع لسبعين من أهله؟ A الغريق يدخل في عموم الشهيد، فالشهيد بالغرق والحرق والهدم، وكذا المبطون الذي يصاب في بطنه فجأة، كما يدخل فيما يظهر حالات كثيرة مما يسميها الناس بغير أسمائها، وربما بعض أنواع الموت الفجأة وليس كله، هؤلاء ثبت أنهم شهداء، فإذا ثبت أنهم شهداء فالراجح والله أعلم أنه يشملهم شهادة الشهيد، مع أن بعض أهل العلم قال: إن المقصود بالشهيد هو شهيد المعركة، ولكن ليس فيما أعلم على هذا دليل يخصصه، فيبقى النص على عمومه، والله أعلم.

رؤية المؤمنين لربهم بالعين المجردة

رؤية المؤمنين لربهم بالعين المجردة Q قلتم يا شيخ: إن الرؤية لا تكون بالعين المجردة، فهل هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، وما هو الدليل وما المانع من ذلك؟ A أما في الدنيا فلا تكون؛ لأن الله عز وجل قال لنبيه موسى عليه السلام وهو من النبيين الذين أكرمهم الله عز وجل وأعطاهم من المعجزات ما لم يعط غيرهم، قال: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)، والنصوص توافرت على أنه في الدنيا لا أحد يرى ربه بعينه، ويستثنى من هذا إن ثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه بعينه، فهذا أمر خارق مثل ما أن الإسراء خارق، والمعراج خارق، وكون النبي صلى الله عليه وسلم وصل سدرة المنتهى وهي منزلة لم يصلها أحد، بل وصل إلى مقام لم يصله جبريل عليه السلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم له خصوصيات دون غيره فالراجح أنه رأى ربه بفؤاده، أما غيره فلا يمكن أن يراه في الدنيا؛ لأن هذا يتنافى مع قطعيات النصوص.

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة المعراج

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة المعراج Q ما تفسير قول السيدة عائشة رضي الله عنها: منّ أخبركم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية؟ A مقصودها واضح، فقد ورد عنها وعن غيرها أنها تقصد نفي الرؤية العينية، وهذا استدل به كثير من أئمة العلماء والسلف بأثر عائشة على أنه لم ير ربه بعينه، ولذلك أنكرت حينما سألها مسروق؟ قالت: لقد قش شعر رأسي مما تقول، تعظيماً لله ولشأن الله سبحانه، وهذا مما يدل على أن تعظيم السلف لله سبحانه، إذا جاء أمر فيه احتمال إساءة ظن بالله أو إساءة أدب مع الله فإنها تقشعر جلودهم من خشية الله وخوفه، فهي اقشعر جلدها من خشية الله وتعظيمه، ظناً منها أنه يسأل عن رؤية العين الباصرة، وهذا معنى كلام عائشة وهي لا تنفي الرؤية القلبية.

حقيقة ما يذاع من اكتشاف أصوات في القبر

حقيقة ما يذاع من اكتشاف أصوات في القبر Q هناك شريط خرج في السوق بخصوص عذاب أهل البرزخ بأنهم اكتشفوا في سيبيريا مكاناً بأجهزة علمية أن هناك أصوات نساء ورجال يصرخون، فما مدى صحة هذا؟ وهل تكون من الغيب المعترف به بالأجهزة العلمية؟ A هذا من الخوض والتخبيط الذي لا نبالغ فيه، لأن عالم الغيب لا علاقة له بعالم الشهادة، ولا يجوز أن نلتمس وسائل علاقة، لا علمية ولا عقلية ولا معرفية ولا حسية، بل إن هذا من أمور الدجل، لأنه لا يمكن أن تكون الوسائل العلمية والكشوفات وسيلة إلى كشف الغيب، ولا إلى الاستدلال على الغيب، وبعض الناس يفرح بمثل هذا ظناً منه أن هذا يثبت عذاب القبر للخلق. عذاب القبر للخلق ونعيمه إذا ما سلّم به الإنسان لخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم فلن يستجيب للوسائل والكشوفات إلا أنه قد يكون لأفراد قلائل قد يفيد أناساً لكن ليس هو الحق، فلا نقر به كوسيلة مشروعة؛ لأن نعيم القبر وعذابه من النوع الذي لا يكون من مثل ما في الدنيا، وما جاء النص يدل على أن القياس يستحيل، وقياس أحوال الموتى على أحوال الأحياء من وجوه كثيرة تدل عليها النصوص، مثل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم نوع العذاب الذي في القبر، فهذا لا يمكن أن يتأتى بالمقاييس المادية إطلاقاً؛ لأن القبر يحدث فيه للمؤمن بأن يُفسح له مد بصره والمقبرة فيها آلاف الأموات! فإذاً: لا يجوز أن نقيس لأنه يحدث تشويش وخلل، فما أشيع بأن الأجهزة كشفت بأنهم يصرخون ويبكون في القبور فهذا أحد أمور: أولاً: إما أن يكون من عبث الجن والشياطين بالخلق وهو الغالب. ثانياً: أن يكون هذا دجلاً وليس حقيقة، ولذلك ينبغي للمسلمين أن يكون عندهم نوع من التحري والتثبت في مثل هذه الأحوال. ثالثاً: لو تصورنا أنه قد يكون هذا من أمور الغيب، فليس هذا هو وسيلة لكشف الغيب، ولا نستطيع قطعاً أن نقول: هذه حقيقة، فيبقى على أقل الأحوال أمراً مشكوكاً فيه، فمن هنا ليس هو وسيلة لكشف الغيب ولا يجوز أن نثبت عذاب القبر ونعيمه بهذه الوسائل، بل هذا مصدر فتنة ونوع من الدجل والقول على الله بغير علم، بل يجب أن نبتعد عن هذه الوسائل وأشباهها، ونؤمن بالغيب دون أن نلجأ لمثل هذه الأمور التي فيها مداخل للشياطين والدجالين، وفيها مدخل لضعفاء النفوس الذين يرتزقون بمثل هذا الأمور، والله أعلم. السؤال: ما ورد أن في الجنة حدائق، وأن النار أضعاف نار الدنيا، فهل هذا مخالف لقاعدة الغيبيات؟ الجواب: لا، فما ورد نؤمن به، بمعنى أنه ورد أن الجنة فيها أشجار وأنهار وأنواع الملذات التي وصفت، لكنها مع اختلاف في النوع واختلاف في درجة النعيم، بمعنى أن ما في الدنيا أمثال يسيرة صغيرة مما في الآخرة. وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبر بنعيم الجنة قال: (وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) مجرد خاطر، فيدل أن هناك تشابهاً لفظياً وتشابهاً في بعض المعاني لبعض نعيم الجنة مع ما في الدنيا، أو بعض عذاب النار مع ما في الدنيا، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للنار بأنها جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وهذه التجزئة لا ندري ماذا تعني، فهذا كلام مجمل، والمجملات لا نفسرها بتحكم. إذاً هناك أشياء في الجنة وفي النار تشبه ما عند الناس، وهناك ما لا يمكن أن يخطر ببال.

رؤية الله في الآخرة بصرية تامة

رؤية الله في الآخرة بصرية تامة Q هل الرؤية لله عز وجل في الجنة رؤية بصرية تامة؟ A نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم سترون ربكم عياناً)، والصحابة رضي الله عنهم حينما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤية سألوه عن الرؤية العينية هل تكون؟ فقال: (إنكم سترون ربكم عياناً) ثم ضرب مثلاً لوضوح الرؤية ومصداقيتها فقال: (كما ترون القمر ليلة البدر، كما ترون الشمس ليس دونها سحاب). إذاً قد ثبت بالنصوص القطعية أن الرؤية عينية لكن تستجد أمور للخلق يوم القيامة، وبعض الناس يقول: كيف تكون هناك حاسة تدرك رؤية الله عز وجل؟ نقول: الله عز وجل هو الذي يخلقها لعباده، وهو الذي يقدرهم عليها لكن لا يحيطون به سبحانه؛ لأن بعض الذين أنكروا الرؤية توهموا أنها رؤية إحاطة، والله عز وجل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، بمعنى لا تحيط به، فحينما يرون ربهم هم يرونه بالقدر الذي يهيئه الله عز وجل لهم، ولا يعني أنهم يحيطون بالله رؤية ولا أننا نشبه الرؤية بالرؤية إلا من حيث الوضوح، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ضرب رؤية المؤمنين مثلاً برؤية الشمس والقمر، فهذا من حيث الوضوح والجزم لا من حيث تشبيه المرئي بالمرئي، فالله ليس كمثله شيء سبحانه.

صحة رؤية سفيان الثوري لربه تعالى في المنام

صحة رؤية سفيان الثوري لربه تعالى في المنام Q ذكر في بعض تراجم سفيان الثوري رحمه الله أنه قال: رأيت ربي في النوم، فقال: يا سفيان! أنا ربك وأنت عبدي فاطلب ما تريد، فقلت: أمتني على الإسلام، فقال: بل وعلى السنة، هل هذه الرواية صحيحة، وإن كان ذلك صحيحاً فما هو تفسير ذلك؟ A ليس عندي علم بهذه الرواية.

ولاية العبد لربه

ولاية العبد لربه Q ما الفرق بين أن يكون الإنسان ولياً لله، كما قال تعالى: {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ} [الجمعة:6]، أو أن يكون الله ولي الإنسان: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257]، وأيها المقصود في الأصل: الله ولي الإنسان، أم أن الإنسان ولي لله؟ A هذه متلازمة، إن كان ولياً لله عز وجل فالله وليه، والله يتولى المؤمنين، وكذلك المؤمنون أولياء الله، فالولاية من الله عز وجل هي الحفظ والرعاية والإعانة والتوفيق والتسديد ومحبة الله لهؤلاء الخلق، والولاية للخلق هي عبوديتهم لله وخضوعهم له، فهي من الطرفين لكن لله على الوجه الكمال وللمخلوق على قدر حقه ونقصه.

علاقة معرفة الغيب بالتوقعات والظنون

علاقة معرفة الغيب بالتوقعات والظنون Q يتداول في بعض المنتديات موضوع ارتطام نيزك عظيم على كوكب الأرض سنة 2016م سيهلك ثلث الأرض، هل هذا من ادعاء علم الغيب، علماً بأن الخبر منذ سنوات، وكان قد أشيع أنه سنة 2013م والآن تأخر ثلاث سنوات، ويقول البعض: لعله يوم القيامة، أرجو نصيحة لهؤلاء جزاكم الله خيراً؟ A هذه أمور هي توقعات، فلا يجب أن نتعلق بها، ولو حدثت فلا يمكن أن يحدث منها ما يلغي النصوص الشرعية من أنه في آخر الزمان ستحدث أحداث جسام وصفها كذا وكذا، لكن يبقى هذا الأمر محتملاً، أما التوقعات التي تؤدي إلى الزعم بأنه يحدث حدثاً يخالف ما ورد في النصوص، فهذا لا يمكن، فإذاً: هذه الأمور من التي لا تصدّق ولا تكذّب، وما عارض منها النصوص يرد، وما لم يعارض يقال: الله أعلم.

المقصود بالهين اللين السهل القريب

المقصود بالهين اللين السهل القريب Q في قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم على من تحرم النار غداً؟ على كل هين لين سهل قريب) ما المقصود به؟ A المقصود به المؤمن الليّن الخلوق المؤدب، حسن السيرة، طيب القلب، سليم الصدر فهذا لا شك أنه مطلوب وهو الذي يكون بإذن الله من أهل الجنة.

الفرق بين الرؤيا والحلم

الفرق بين الرؤيا والحلم Q كيف أعرف أن الذي رأيته هو رؤيا أم حلم، وكيف أعرف أنه كرامة أم استدراج، فإني قد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم ورأيت أنني أسلّم عليه وأقبّل رأسه، فهل هذه رؤيا حق؟ A أما رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فهي حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل به كما ورد في الصحيح، ولكن يشترط أن يكون الرائي رأى الرسول صلى الله عليه وسلم على حقيقته، لا أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم لا قدّر الله على صورة يتمثل له الخيال بصورة فاسق! أو في صورة مبتدع أو في صورة من يعمل عملاً مشيناً؛ لأن هذا لا يمكن أن يكون، فإذا رأى الرائي الرسول صلى الله عليه وسلم على الحقيقة بوصفه، أو رؤية مجملة يشعر فيها أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث لو سألناه عن الصفة الدقيقة ربما يدركها، لكن يشعر أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الرؤية حق، وليستبشر خيراً، وربما تكون منذرة أحياناً، فهذا أمر يحدث وليس فيه ما يمنع منه، لأنه لا يمكن أن يتمثل الشيطان بالرسول صلى الله عليه وسلم في الحلم، فمن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه الحقيقي فقد رآه وليستبشر بذلك خيراً.

تخصيص فضل الشهادة بشهيد المعركة

تخصيص فضل الشهادة بشهيد المعركة Q الغريق هل يشفع في أهله؟ حيث أنك أجبت أنه قد يدخل وأنه ليس هناك تخصيص لشهيد المعركة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كفى ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة) أليس هذا فيه دلالة على أن المقصود شهيد المعركة؟ A التخصيص في الحديث لا يدل على عدم عموم فضل الشهداء أو شمول شهادة الشهداء، والراجح فيما يبدو لي والله أعلم أن هذا خاص بشهيد المعركة، لكن ليس عندنا دليل قطعي عليه، حتى وإن ورد؛ لأن هذا أمثل أنواع الشهادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب بأمثل الأنواع ولا يعني ذلك عدم دخول الأصناف الأخرى، فكأنه وصف الشهيد الذي هو شهيد المعركة على أنه هو قمة الشهداء، وما دام ألحق بالشهداء أصنافاً أخرى فربما يدخلون في ذلك الفضل، وفضل الله واسع.

حكم مبايعة الدول التي لا تطبق الشريعة

حكم مبايعة الدول التي لا تطبق الشريعة Q ما صحة الحديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)؟ وإذا كان الحديث صحيحاً فهل نبايع الدول التي لا تطبق الشريعة؟ A الإنسان المسلم إذا تحققت في بلده بيعة لإمام ولو كان فاسقاً أو فاجراً وبايع أهل الحل والعقد، سواء كانوا مختارين أو من باب الولاية بالوراثة أو بالعهد، أو من باب الولاية بالقوة كل هذا ذكره أهل العلم، بل النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه بأن هناك خلافة راشدة وهناك ملكاً عضوضاً، ومع ذلك لا بد من البيعة، فالإنسان المسلم إذا وجدت في بلده بيعة شرعية معتبرة ولو على أدنى الشروط؛ لأن بعض الناس يظن أن البيعة لا تكون إلا لحاكم صالح تقي نقي، وهذا لاشك هو ما نرجو أن يكون وما نتمناه، ولكن لا يلزم، لأن الولاية تكون أحياناً لمن ولاه الله عز وجل، والله يؤتي ملكه من يشاء، وكما تكونوا يولى عليكم، وأحياناً تكون الولاية في ملك جبري، أي: أنه يأتي بقوة الحاكم، ولكن إذا بايعه أهل الحل والعقد فالبيعة لازمة لكل أفراد المسلمين في هذا البلد، ومن لم يلتزمها وقع في الوعيد، أما المسلم الذي في بلد ليس فيه ولاية إسلامية فأمره إلى الله عز وجل ولا يكلفه الله ما لا يطيق، فيسعى أن يحقق له الله هذه الأمنية بالحكمة والأسلوب المناسب. ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

توحيد العبادة

مجمل أصول أهل السنة - توحيد العبادة الله تعالى واحد أحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وهو المستحق وحده لجميع أنواع العبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله تعالى شرك، سواء كان ملكاً مقرباً أو نبيناً أو ولياً صالحاً.

قواعد في باب التوحيد الإرادي الطلبي

قواعد في باب التوحيد الإرادي الطلبي بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: قال المؤلف حفظه الله تعالى: (ثالثاً: التوحيد الإرادي الطلبي (توحيد الألوهية): أولاً: الله تعالى واحد أحد، لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وهو رب العالمين المستحق وحده لجميع أنواع العبادة). أولاً: التوحيد الطلبي هو توحيد العبادة، ويسمى التوحيد الإرادي؛ لأنه يكون بإرادة العباد، وكذلك الله أراده من العباد وطلبه منهم. وكذلك يسمى التوحيد الطلبي؛ لأن توحيد العبادة هو التوجه والطلب إلى الله عز وجل بالعبادات من قبل العباد، ولأن الله عز وجل أيضاً طالب العباد به. ويسمى توحيد الألوهية؛ لأنه مبني على التعبد والتأله، وهو المحبة والانجذاب إلى الله عز وجل، والانطراح إليه سبحانه، والخضوع له، والتوجه إليه بأنواع العبادة القلبية واللسانية وعبادة الجوارح، فمن هنا سمي: توحيد الإلهية أو الألوهية، وليس بينهما فرق. إذاً: هذا النوع من التوحيد هو أفعال العباد التي يتوجهون بها إلى الله، وتبدأ بتوجه القلوب إلى الله عز وجل بمحبة الله ورجائه وخوفه، وما ينتج عن ذلك من التقوى ومن سائر أنواع العبادات التي تبدأ بالدعاء، وتنتهي بجميع أعمال وحركات الإنسان التعبدية.

قاعدة تفرد الرب بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات

قاعدة تفرد الرب بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات القاعدة الأولى: هو أن الله عز وجل كما هو مقرر في العقول المستقيمة والفطر السليمة واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، متفرد سبحانه بالكمال والعظمة والجلال والجمال، متفرد بجميع الأسماء والصفات التي لا يمكن أن يشركه فيها أحد، فهو واحد بذاته، وواحد بأسمائه، وواحد بأفعاله، وواحد بصفاته، لا يشركه أحد. وعلى هذا فهو سبحانه وحده الرب الذي له الربوبية المطلقة، فهو الفعال لما يريد، وكل شيء بيده سبحانه {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [المؤمنون:88] وبيده مقادير كل شيء سبحانه. فهو الرب وحده، وهو المستحق لكل معاني الربوبية، ولا يستحق أحد معه أي معنى من هذه المعاني. وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يستحق أحد العبادة سوى الله عز وجل؛ لأنه الكامل وحده، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء، ليس بأيدي العباد أي شيء مما يستقلون به. فهو كما أنه سبحانه لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته، كذلك لا شريك له في ربوبيته، فهو الرب المتصرف المالك، وهو أيضاً المستحق وحده لجميع أنواع العبادة؛ فهو رب العالمين، وهو معبودهم كذلك، فلا يستحق العبادة إلا الله وحده.

صرف شيء من العبادات لغير الله

صرف شيء من العبادات لغير الله قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثانياً: صرف شيء من أنواع العبادة: كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحب، ونحوها لغير الله تعالى شرك، أياً كان المقصود بذلك: ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو عبداً صالحاً، أو غيرهم]. الشرح: إذا قلنا: إن الله عز وجل هو واحد أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله، وهو المستحق وحده للعبادة؛ فإذاً لا يعبد إلا الله، ثم لا يجوز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وأنواع العبادة كثيرة، لكن أبرزها: الدعاء، ثم الصلاة والسجود وغير ذلك من الأنواع الظاهرة البينة؛ لأن العبادة أول ما تنشأ من القلب، والعبادة القلبية خفية، ولا نعلم ما بين العبد وبين ربه عز وجل، فتبقى العبادة الظاهرة التي تبدو على الأركان. وعلى أفعال الإنسان في سجوده وركوعه وتوجهه وقبلته وغير ذلك من الحركات التعبدية أو على أقواله، مثل: الدعاء والاستعانة والاستغاثة، أو على أفعال أخرى قد تدخل في هذا وذاك، فالذبح أمر مزدوج، فقد يذبح زاعماً أنه يذبح لله لكنه ينطق بالتسمية لغير الله، وقد يصرف العبادة اللسانية لغير الله، ولا شك أن هذا ناتج عن العبادة القلبية. إذاً: التوجه إلى غير الله عز وجل بأي نوع من أنواع العبادة شرك، ولا يمكن أن يخفى على عاقل أنها من الأمور البينة التي يمارسها العباد بأفرادهم، فليست من الأمور الخفية، وأنواع العبادة قد يكون منها ما هو خفي يختلط فيه الأمر الغريزي بالتعبدي، فمثلاً: الصلاة لا تجوز لغير الله وهذا أمر بيِّن، والركوع والسجود -وهو جزء من الصلاة- أحياناً قد يفرد بعض الناس سجوداً لغير الله، ولو لم يكن صلاة كاملة، أو يفرد ركوعاً لغير الله، أو يتجه لغير القبلة، أو يطوف بغير الكعبة؛ وكل هذه عبادات محضة، وكلما صرفت لغير الله فهي شرك محض، وهذا بالنسبة للفعل، أما الفاعل فإنه يحتاج إلى أن نجري عليه شروط وموانع التكفير، سواء حكمنا بشركه أو ببدعته أو بنحو ذلك. فأبرز أنواع العبادة: الدعاء والصلاة والسجود، ثم يدخل في ذلك الاستغاثة والاستعانة والذبح والتوكل والخوف والرجاء والحب، وهذه المعاني يوجد منها ما هو طبيعي غريزي فيما بين الخلق في تعاملاتهم، فهذا ليس هو الممنوع، وأمور تنبني على التقديس؛ وهذه هي العبادة، بمعنى أن نقول: الاستعانة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه أمر مشروع، كأن تقول لأخيك: ناولني القلم، فهذا نوع من الاستعانة، ولكنها استعانة جائزة ومشروعة ولا يماري فيها إلا جاهل، لكن إذا استعنت بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن تأتي إلى ميت وتقول: أعني على كذا، أو تأتي إلى إنسان حي تريد منه أن يأتي لك بالخوارق التي لا يقدر عليها إلا الله، أو تريد منه أن ينزل لك المطر؛ فتكون بهذا استعنت به فيما لا يقدر عليه إلا الله، فمن هنا وقع الشرك. كذلك الاستغاثة والنذر، لكن النذر غالباً لا يكون إلا تعبدياً، ومع ذلك فإن بعض الناس قد يخلط بين النذر والقسم، وبين النذر والحقوق التي يلتزم بها للعباد، فالنذر بمعناه في الاصطلاح العام عند الناس غالباً يكون تعبدياًَ، فعلى هذا لا يجوز النذر لغير الله. أما الذبح فله صور أبرزها صورتان: الصورة الأولى: مجرد الذبح مع التسمية لله عز وجل لأكل اللحم أو لإكرام الضيف، لغير قصد التعبد، فهذا من الأمور المباحة. الصورة الثانية: أن تذبح تعبداً لغير الله وتقديساً لغير الله، فإذا ذبح الإنسان تعبداً لغير الله؛ فمن هنا يقع الشرك، وسواء سمى الله أو لم يسم. والكثير من المسلمين بحمد الله في عافية من هذه الأمور، ولا يتصورونها؛ وقد يسأل سائل: هل إذا ذهبت لأذبح عند الجزار أو في البيت، وذبحت دون أن أسمي الله ناسياً، وأحياناً أسمي الله لكن قصدي إكرام هذا الضيف؛ فهل يكون هذا من باب الشرك؟ و A أن هذا مشروع، لأن الذبح لإكرام الضيف سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وهو سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسنة السلف الصالح، ومن العوائد الكريمة عند الأمم. لكن المقصود بالذبح الشركي: هو التقرب والتقديس ذبح العبادة، القربة التعبدية لغير الله بالذبح. كذلك التوكل هو مثل الاستعانة والاستغاثة، إذا كان يعتمد الإنسان على العباد فيما يقدرون عليه، فهذا أمر جائز، لكن الأولى ألا يسمى توكلاً؛ لأن التوكل هو كمال الاعتماد، ولذلك فإن الصحيح شرعاً أن التوكل لا يكون إلا على الله عز وجل، وأن الاستعانة والاستغاثة من صور التوكل، لكنها تختلف في أنها تتعلق بالطلب من العباد، أما التوكل فهو الاعتماد الكلي، والاعتماد الكلي لا يكون إلا على الله عز وجل، وهو الاعتماد المطلق. إذاً: التوكل إن قصد به معناه اللغوي فلا يجوز إلا على الله عز وجل، وإن قصد به الاستعانة والاستغاثة؛ فمنه ما هو ممنوع، ومنه ما هو مشروع. وكذلك الخوف والرجاء والحب هذه معان قلبية وعاطفية توجد عند الناس، فمنها ما هو مشروع لا علاقة له بالتعبد، وهو ما بين العباد في علاقاتهم كأن ترجو من إنسان أن ينفعك رجاءً فيما يقدر عليه هو، أو تخا

قاعدة في أصول العبادة

قاعدة في أصول العبادة قال المؤلف حفظه الله تعالى: (ثالثاً: من أصول العبادة: أن الله تعالى يعبد بالحب والخوف والرجاء جميعاً، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال، قال بعض العلماء: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ). عبادة الله عز وجل عند كل عابد لله عز وجل لا بد أن تقوم في قلبه على ثلاثة أسس وأركان موجودة جميعاً وفي آثار أعماله القلبية على جوارحه، وعلى لسانه وأعماله، وهذه الأركان الثلاثة هي:

من أصول العبادة المحبة

من أصول العبادة المحبة المحبة، ومعناها أن محبة التعظيم والتقديس لا تكون إلا لله عز وجل، فالواجب على العباد أن يحبوا الله سبحانه، وتمتلئ قلوبهم بمحبة الله تعظيماً وإجلالاً وتقديساً وتأليهاً وانجذاباً إلى الله عز وجل، وأن يكون الله عز وجل أحب إلى العبد من كل شيء، محبة التقديس والتعظيم والكمال. ثم لا بد بعد ذلك من الركنين الأساسيين، وهما: الرجاء من جانب والخوف من جانب آخر، وهما لا يفترقان، بل لا بد أن تعلق كل منهما بالمحبة؛ ولذلك شبه بعض أهل العلم العبادة بالطير، فالمحبة رأسه، والرجاء جناحه الأيمن، والخوف جناحه الأيسر، ولا يمكن أن يطير الطير إلا بهذه الكيانات الثلاث، فعلى هذا لا بد أن يتعلق قلب المسلم برجاء الله، وأن يكون راجياً لله عز وجل، لا يتطرق إليه اليأس، والرجاء لا بد أن تقترن به الأسباب. وكذلك الخوف لا بد أن يكون الإنسان خائفاً من الله، فيجمع بين المحبة والرجاء والخوف، ويوازن بينها، فلا يطغى جانب على جانب، وعلى هذا فإن من لوازم المحبة والرجاء والخوف العمل بشرع الله عز وجل؛ لأن مسألة المحبة إذا لم ينبثق عنها رجاء وخوف ثم عمل؛ تصبح مجرد دعوى، والله عز وجل قال على لسان نبيه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} [آل عمران:31]، فلا بد من الاتباع، والاتباع يجمع بين الوعد والوعيد والخوف والرجاء والعمل بالأحكام. فالمسلم لا بد أن يجمع بين هذه الأصول الثلاثة: أن يكون محباً لله، ثم راجياً لثواب الله، ويعمل بالأسباب، وخائفاً من عقاب الله ويدرأ هذا العقاب باجتناب النواهي، فيعمل بالأوامر رجاء فضل الله، وينتهي عن النواهي خوفاً من الله، ومع ذلك كله لا بد أن يحب الله، وأن يعظم الله في المحبة، وأن يحب ما يحبه الله، ويحب من يحبهم الله. وهذه الأمور إذا ضعف فيها جانب اختل الإيمان، وإذا فقد جانب فقد يفقد الإيمان كله، فالنقص في هذه الأصول الثلاثة أو في أحدها نقص في الإيمان، مع أنه يلزم من وجود بعضها وجود البعض الآخر، بمعنى أن من اكتملت محبته لله؛ اكتمل رجاؤه وخوفه، والعكس كذلك؛ ولذلك فإن من نقص أو اختل عنده أصل من هذه الأصول نقص إيمانه واختل إيمانه، وقد يفقد الإيمان بالكلية. وقوله: (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق)، معنى ذلك: أنه يوجد من المتفلسفة وبعض المتعبدة الجهال الذين ينتسبون للإسلام، من يزعم أنه يكفيهم التعلق القلبي بالله، وأن الإنسان إذا وصل إلى هذه الدرجة فإنه يستغني عن العمل بالشرع، ولا يعول على الرجاء ولا على الخوف، ويزعم أنه بالمحبة حقق كمال العبادة وكمال المطلوب، وهذا خلاف قطعيات النصوص، والله عز وجل طلب من عباده أن يرجوه ويخافوه، وجعل ذلك هو أصل الدين والعبادة. وأيضاً قد يترتب على هذه النزعة الاستهانة بشرع الله، فالذين زعموا أنهم يعبدون الله بالمحبة وتعلق القلوب بالله بالتقديس فحسب، سواء كان هذا عن طريق التفكر، أو عن طريق الرياضة القلبية أو الرياضة العقلية، أو تحت أي شعار من الشعارات التي عليها عباد الأمم وكثير من الفلاسفة؛ كل ذلك ضلال، مهما كانت المسالك المؤدية إليه؛ لأنه لا يمكن أن تكتمل المحبة إلا بتعلق القلب برجاء الله والعمل بأسباب الرجاء، وتعلق القلب بالخوف من الله والعمل بأسباب ذلك. فعلى هذا فإن من عبد الله بالحب وحده تزندق، لأنه وقع في الاستهتار في الدين، وأقرب عبارة في عصرنا لمفهوم التزندق: الاستهتار، وهو اللامبالاة، لا يعمل بالأوامر ولا ينتهي عن النواهي، ويزعم أنه وصل إلى درجة فوق مستوى أن يلتزم الشرع. وهناك مقولة خطيرة قال بها بعض العباد، ومن خلالها انغرست هذه المناهج الباطلة عند بعض الطرق الصوفية، وهي قول القائل: اللهم إني لا أعبدك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، ونحن نعبد الله رجاءً وخوفاً، نعبد الله محبة له سبحانه، لكن نجمع مع ذلك رجاء الثواب والنعيم، وعلى رأس الثواب الجنة كما يلزم من محبتنا لله عز وجل الخوف من ناره ومن عقابه، نسأل الله أن يعيذنا من النار؛ فعلى هذا لا بد للمسلم أن يجمع بين هذه الأصول.

من أصول العبادة الخوف

من أصول العبادة الخوف وقوله: (ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري)، يعني: من عبده بمجرد الخوف، لا يبالي بالحب ولا بالرجاء؛ ووصل عنده الأمر إلى اليأس من رحمة الله، وهذا منهج غلاة العباد الذين منهم الحرورية، والحروري نسبة إلى حروراء التي لجأ إليها الخوارج بعدما فاصلوا علي بن أبي طالب وجماعة المسلمين، ومما تميز به الخوارج: التشديد على النفس بالعبادة؛ لأنهم غلبوا جانب اليأس وجانب الوعيد ولم يبالوا بالوعد؛ ولذلك غلب عليهم التنطع والغلو، وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم)، وذلك لأنهم يبالغون في الصلاة والصيام إلى أن زادوا عن الحد المشروع، فمن هنا انغرست في قلوبهم نزعة اليأس، ولم يعولوا على الوعد؛ فمن هنا وصف من يعمل ذلك بأنه حروري، وإلا فالذين يسلكون هذا المسلك أوسع من مجرد الحرورية، وهم طوائف عدة من الفلاسفة ومن العباد الأوائل الجهلة، ومن النساك، ومن بعض شيوخ الطرق وأتباعها، فهم ينضوون تحت إطار أكثر فرق المسلمين أحياناً، ويوجد من جهلة المسلمين حتى ممن ينتسب للسنة من قد يغلو ويشتدّ على نفسه وعلى الآخرين فيغلب جانب الخوف على جانب الرجاء.

من أصول العبادة الرجاء

من أصول العبادة الرجاء وقوله: (ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ) بمعنى: من قال: الله عز وجل غفور رحيم، وسيغفر لنا جميع الذنوب، يترك الفرائض ويعمل المحرمات، ويقول: الله غفور رحيم، هذا مرجئ، المعنى أنه مال إلى مذهب غلاة المرجئة؛ لأن المرجئة صنفان: الصنف الأول: الغلاة الجهمية الذين لا يبالون بالشرائع، ولا يبالون بالدين، بل يقولون: يكفي معرفة الله، فإذا عرفت الله فقد فزت الفوز الكامل، وكان إيمانك كاملاً، ومن هنا عولوا على هذا المبدأ وقالوا: لا قيمة للأعمال، ولهم فلسفات كثيرة في الأعمال وقد يقول قائل: هل يعقل للمسلم أن ينتسب للإسلام ويقول هذا؟ نقول: نعم، فقد يزل في هذا ويتزندق، لأن لهم فلسفة في هذا أغواهم الشيطان بها، وزعموا أن الشرائع إنما وضعت للناس الذين لا يتقيدون بمعنى الإيمان المعرفي، ويزعمون أنهم لا يحتاجون إلى ذلك كله، ويكفيهم معرفة الله؛ فلا يعولون على الخوف ولا المحبة، بل يكتفون بالرجاء. الصنف الثاني: مرجئة الفقهاء وهم كذلك عندهم نوع انحراف عن السبيل، خاصة المتأخرة منهم، أما المرجئة الأوائل فقد يكون عندهم تعظيم للأعمال، وعندهم التزام بسنن الإسلام، لكن متأخرة المرجئة يغلبون جانب الإرجاء، ويستهينون بالكبائر والمعاصي، بل أحياناً يستهينون بالشركيات والكفريات زعماً منهم أن الناس تحت رجاء الله، فلا يعولون كثيراً على نصوص الوعيد، وإن عملوا بها يرجحون جانب الرجاء فيقعون في الخلل الذي يجعل المعاصي والفجور والبدع تكثر عندهم.

قاعدة التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله

قاعدة التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالله تعالى حكماً من الإيمان به رباً وإلهاً، فلا شريك له في حكمه وأمره، وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وتبديل شيء منها كفر، ومن زعم أن أحداً يسعه الخروج عنها فقد كفر]. هذه قاعدة عظيمة تنبني على الأعمال القلبية أولاً، ثم ثمار الأعمال القلبية التي هي جزء من الإيمان، فمن العبودية لله عز وجل توحيد الألوهية، فإن الأساس الأول للعبودية يبدأ من القلب من الضمير من المضغة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في الجسد: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فالقلب لا بد أن يسلم لله عز وجل ويرضى، والتسليم هو الإذعان والاستعداد لما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يمتلئ قلب العبد بالتعلق بمراد الله، وما يريد الله منه. وأن يكون قصده بذلك الاستجابة لأمر الله، فإن كان أمراً أخذ به، وإن كان نهياً انتهى عنه، وهذا التسليم يبدأ بالقلب، فالعبودية تنبني على التسليم أولاً، ثم الرضا. وما بعد التسليم لا بد أن يلتزم الإنسان بالشرع، والالتزام قد يثقل أحياناً على النفس خاصة إذا سيطر عليها الهوى أو الشبهات أو الشهوات أو الجواذب والموانع والقواطع التي تصرف الإنسان عن العمل الحق والقول به وفعله، فهذه الصوارف تجعل عنده نوعاً من الاستثقال للدين، أو لبعض مفردات الدين، وهذا ينافي العبودية أو يخل بها. فمن مقتضى العبودية بعد التسليم: الرضا والاستعداد والإذعان والطمأنينة، بحيث أن لا يتذمر الإنسان أو يستثقل أوامر الشرع، بل يرضى ويسلم للشرع والقدر. ثم يلزم من ذلك الطاعة المطلقة لله عز وجل، والطاعة المطلقة هي الاستعداد للعمل، أما التنفيذ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها بحسب المستطاع، وبعض الناس يظن أن معنى الطاعة المطلقة أن تطبق كل ما تؤمر به، وفي فرائض الدين وواجباته ما يستطيع تطبيقه عامة الناس، وفيها ما هو مبني على الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. فالطاعة المطلقة: طاعة انقياد وطاعة استعداد، ثم بعد ذلك العمل بالمستطاع، والطاعة المطلقة تكون لله عز وجل، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، فأمر الله بأن نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم يلزم من ذلك كله: الاعتقاد والجزم بأن الله عز وجل هو الحكم، والحكم أن ترضى بحكمه وقضائه وشرعه، كما رضيت به رباً وكما استسلمت له بأنه إله، لأن من مقتضى إيمانك بأن الله رب ومعبود أن ترضى بحكم الله في كل شيء، في الشرع والقدر، وحكم الله أحياناً يخصك، وأحياناً فيما بينك وبين العباد، والأحكام التي تكون بينك وبين العباد كثير منها لا يقضى إلا بالأسس الشرعية وأسس التعامل مع الخلق، فإذاً: يجب أن تستعد للرضا بحكم الله عليك، أي: حكم شرع الله وقدره. ثم يتبع ذلك أنه عز وجل لا شريك له في حكمه، والحكم حكمان: حكم قدري وحكم شرعي، وأمره أمرنا: أمر قدري وأمر شرعي. وقوله: (وتشريع ما لم يأذن به الله) أي: إذا قلنا: إنه لا بد أن يكون الله عز وجل هو وحده الحكم، وهو الحاكم، وهو سبحانه الذي إليه التحاكم، وهو سبحانه المشرِّع؛ إذاً: تشريع أي شرع لم يأذن به الله، ولم يكن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو التحاكم إلى غير دين الله، أو اتباع أي شرع غير شرع محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك كفر. وتشريع ما لم يشرعه الله، والتحاكم إلى غير دين الله تحاكم إلى الطاغوت، أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حتى في أمر جزئي كما يقول بعض المفتونين: لماذا لا نأخذ بعض أحكامنا من الديانات الأخرى؟ كيف نأخذ والله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ونسخ الديانات السابقة، وقد يكون عند كثير من الديانات شيء من الحق، لكنه موجود عندنا وزيادة، ولا يمكن أن ينفرد اليوم دين من الديانات بشيء من الحق وهو لا يوجد في الإسلام، وهذه قاعدة حتمية قطعية، ولا يمكن أن ينفرد دين ولا مبدأ في العالم سواء من الأديان المنزلة التي حرفت، أو أديان من التي وضعها البشر أو النظم، لا يمكن أن ينفرد دين أو مبدأ بحق أو بشرع صالح للناس يستقل به عن الإسلام. فلا بد أن يتضمن الإسلام كل ما يمكن أن يخطر على بال بشر من معالم الحق جملة وتفصيلاً، فلا يمكن أن ينفرد مبدأ بالحق من دون الإسلام، وإن وجد عند كثير من المبادئ بعض الأمور الجميلة في تشريعاتها. وفي نظمها، فهذا أمر قد يعترف لهم فيه، لكن يوجد في الإسلام ما هو أكمل منه، وإنما التقصير يكون من المسلمين أنفسهم في كثير من الأحوال. وكذلك التبديل بأن يوضع نظام وضعي بدل نظام شرعي، وسواء كان هذا التبديل في الأحكام الجزئية أو الكلية، فالأصل فيه أ

قاعدة في الحكم بغير ما أنزل الله

قاعدة في الحكم بغير ما أنزل الله قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وقد يكون كفراً دون كفر. فالأول: التزام شرع غير شرع الله، أو تجويز الحكم به. والثاني: العدول عن شرع الله في واقعة معينة لهوى مع الالتزام بشرع الله]. هذه من القضايا التي تحتاج إلى مزيد من التقعيد؛ لأن الكثير من صورها من النوازل والمستجدات، ففي عهد السلف في القرون الثلاثة الفاضلة وإلى قبل قرنين والمسلمون لا يعرفون النظم الشاملة التي يحكم فيها بغير الإسلام، ما عدا ما حدث من التتار وهو أمر جزئي في ظروف لم يستقر فيها نظام غير نظام الإسلام، إنما جاء في وقت هيمنة التتار. وما عدا ذلك فلا يعرف المسلمون التبديل الشامل للنظم التي توضع بدلاً عن شرع الله، بل هذا لم يعرف إلا في العصر الحديث؛ ولذلك فهذه الأمور تحتاج إلى مزيد من التقعيد، وتكون في الصور الآتية: أولاً: الحكم بغير ما أنزل الله الأصل فيه أنه كفر، لكن مع ذلك قد يكون كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وقد يكون كفراً أصغر غير مخرج من الملة، ويدخل فيه الفسق والظلم كما ورد في سياق الآيات. ثانياً: أن الحكم على المعين يختلف عن الحكم العام، فالحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله فلا بد أن ننظر في الحكم عليه باعتبارات كثيرة: أولها: أن الذين يحكمون هم العلماء الراسخون. وثانيها: أنه لا بد من التثبت من ذلك. وثالثها: لا بد من تطبيق شروط التكفير وانتفاء الموانع، وإن كان الحال كفراً، وهذا ينطبق على كثير مما يحدث من صور في العالم الإسلامي؛ فلذلك لا يجوز الاستعجال في تكفير دولة أو مؤسسة أو نظام أو حزب أو جماعة أو هيئة أو شخص ما لم تطبق هذه الشروط. كما يجب أن نفرق بين الحكم على المعينين والحكم العام الشرعي، فالحكم الشرعي العام واضح، لكن تطبيقاته هي التي وقع فيها كثير من الخلل والخطأ والزلل والافتيات على العلماء، والتسرع، فترتب على هذا أحكام حادة في التعامل مع الآخرين. ثالثاً: الكفر الأكبر هو التزام شرع غير شرع الله، بمعنى أن الإنسان أو المسلم أو حتى غير المسلم يأخذ بشرع قصداً، أو بنظام قصداً، بأن يبعد شرع الله ويبدله، أو يجوز الحكم بغير شرع الله؛ فهذا كفر. رابعاً: أن يعدل عن الشرع بسبب هوى أو جهل أو إفراط، أو بسبب التباس، وكثير ما يقع الالتباس على كثير من الناس خاصة في هذا العصر، فالعدول عن شرع الله عز وجل بهذه الأسباب، أو في واقعة معينة جزئية كأن يرد الإنسان حكماً قضائياًَ، أو مسألة حكم بها عالم وردها لهوى، فهذه الجزئيات وإن كانت قد تصل إلى أن تسمى حكماً بغير ما أنزل الله، إلا أنه لا يلزم منها تكفير صاحبها؛ لأنه قد يكون ذلك من الظلم أو الفسق أو الفجور أو الضلال.

قاعدة عامة في تقسيم الدين

قاعدة عامة في تقسيم الدين قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سادساً: تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة، وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة أو غيرها عن الدين باطل]. هذه من الأمور التي قد لا تتعلق بكثير من المسلمين اليوم ولله الحمد، لكنها موجودة عند طائفة من الفلاسفة والمفكرين وغلاة العباد الذين انبنت عقائدهم إما على عبادة الله بالمحبة فقط، أو بالرجاء فقط، أو نحو ذلك، وهؤلاء زعموا أن الدين ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: حقيقة: وهي التعامل الفردي مع الله عز وجل، والذي يسع كل إنسان عنده مواهب بزعمهم أن يعبد الله بها كما يشاء، وهذه الحقيقة هي الصلة بالله على ما يتذوقه هذا الفرد، ولا يدركها إلا النادر من الناس، وعليها بعض العباد وبعض الفلاسفة، وهي تختلف عن الشريعة التي جاء بها الأنبياء عموماً وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن الشريعة إنما جاءت لعوام الناس، أما الخواص فهم طائفة من الزنادقة. وفلاسفة العباد الذين ضلوا عن الطريق وعبدوا الله على طرائقهم الخاصة، وظنوا أن هذه هي حقيقة الدين، وأن المراد بالدين هو الوصول إلى هذه الحقيقة، فيزعمون أنهم وصلوا إليها؛ فليسوا بحاجة إلى الشرع، وهذا من عبث الشيطان بهم، وإلا فإن الدين جاء يحكم الخلق جميعاً، والدين أنزله الله عز وجل على من اصطفاهم: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ} [الحج:75]، فالذين اصطفاهم الله عز وجل هم الذين نزل عليهم الدين وهم أول من عمل بالدين، لكن هؤلاء الذين نزعوا إلى هذه النزعة، ويزعمون أنهم وصلوا إلى الحقيقة بالاستغناء عن الشرع ما دخلوا الديانات السماوية، بل هم من خصوم الأنبياء، ومن المستكبرين عن النبوات والأنبياء والشرائع. وقد استمر هذا المنهج والمسلك عند كثير من الفلاسفة والعباد والمفكرين إلى اليوم، فيزعمون أن الشرع جاء للبسطاء والعوام؛ ولذلك يسمون الدين: دين العوام، ويسمون الأنبياء: رعاة العوام؛ وهذا ضلال مبين، يمقته العقل السليم والفطرة، فضلاً عن أنه يضاد ويحاد قطعيات النصوص. إذاً: تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها ناس يسمونهم الخاصة، وشريعة تلزم العوام دون الخواص ضلال وفسق. وكذلك فصل السياسة أو الحياة أو الاقتصاد أو فصل أي جانب من جوانب الحياة عن الدين يعتبر من أبطل الباطل، بل هو جور وعدول عن أمر الله، ومن زعم أن الدين لا يواكب الحياة؛ فهذا مبطل، إنما قد يعجز المسلمون عن العمل بتطبيق شرع الله، ولو عملوا لوجدوا أن الدين لا يمكن أن يفصل هذه الأمور بعضها عن بعض، بل كل ما خالف الشريعة من حقيقة أو سياسة أو غيرها فهو إما كفر وإما ضلال بحسب درجته.

قاعدة في معرفة علم الغيب

قاعدة في معرفة علم الغيب قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سابعاً: لا يعلم الغيب إلا الله وحده، واعتقاد أن أحداً غير الله يعلم الغيب كفر، مع الإيمان بأن الله يُطْلِع بعض رسله على شيء من الغيب]. الغيب المقصود به: هو المغيب عن المخاطبين، والمخاطبون أصناف: منهم: الملائكة، فهؤلاء أطلعهم الله سبحانه على غيب غيبه عن الجن والإنس، وهناك شيء من الغيب لم يطلع عليه حتى الملائكة، فهذا لا يمكن أن يدعي أحد أن الملائكة تطلع عليه، ومن ادعى ذلك فقد وقع في الإخلال بهذه القاعدة. ومنهم: الجن والشياطين، نظراً لأنهم خلق آخر قد يطلعون على أمور مغيبة لا يعلمها الإنس، فهذا ليس غيباً في حقهم لكنه غيب عن الإنس، ولذلك قد يرد إلى الإنس من خلال منافذ: إما كرامات وإما خوارق وإما سحر وإما كهانة؛ وهذا لم يعد من الغيب البحت. أيضاً: المغيب عن الإنس قد يغيب عن بعضهم شيء ولا يغيب عن آخر؛ فهذا لا يدخل في الغيب، فمثلاً: العالم الذي اكتشف بالعلم الحديث أو غيره من الأمور الغائبة عن الآخرين، فما علمه صار من عالم الشهادة، ولو كان غائباً عني، ولا يدخل في عالم الغيب الذي اختصه الله لنفسه؛ لأن الغيب الذي اختصه الله لنفسه هو ما غاب عن الخلق أو عن بعض الخلق، فما غيبه الله عن الخلق أو عن بعضهم فهو بالنسبة لهم غيب، ولا يجوز أن ندعيه لأحد، وعلى هذا فمن ادعى أن أحداً يعلم الغيب غير الله؛ فقد ضل ضلالاً مبيناً. مع الاعتقاد أن الله عز وجل قد يطلع بعض عباده على شيء من الغيب، وهذا لم يعُدْ غيباً بالنسبة لهم، فما أطلع الله عليه الملائكة فهو لم يعد غيباً بالنسبة لهم، وما أطلع الله عليه بعض الرسل لم يعد غيباً بالنسبة لهم؛ ولذلك أطلع الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على أمور كثيرة من الغيب هي لا تزال غيباً في حقنا، لكنها ليست غيباً في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا ادعيناها للنبي صلى الله عليه وسلم بنص فهذا ليس من الأمور المنكرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على المنافقين الخلَّص، وهذا غيب بالنسبة لنا، لكن الله أطلعه عليه؛ فلم يعد من الغيب المغيب عنه. فالغيب هو ما ثبت أنه مغيب عن الخلق أو بعض الخلق؛ فهذا لا يجوز أن ندعيه لأحد، ومن ادعى أنه يعلمه كما يكون من بعض الكهان والمنجمين؛ فقد كفر.

إتيان الكهان والمنجمين وتصديقهم

إتيان الكهان والمنجمين وتصديقهم قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثامناً: اعتقاد صدق المنجمين والكهان ضلال قد يصل إلى الكفر، وإتيانهم والذهاب إليهم كبيرة]. هذه متفرعة عن التي قبلها، فمن اعتقد أن الكهان والمنجمين يعلمون شيئاً من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وصدقهم في ذلك، أو اعتقد حتى لو لم يصدقهم؛ فقد كفر؛ لأنه بذلك زعم لهم ما هو من خصائص الرب عز وجل، فهذا كفر. أما إتيانهم من باب حب الاستطلاع، أو من باب الجهل فهذا كبيرة من كبائر الذنوب. كذلك تصديق الكهان والدجالين والمشعوذين في أمر مغيب عن الناس، لكن ليس مغيباً عن الجن والشياطين؛ فهذا من كبائر الذنوب، وقد لا يكون كفراً، لأن كثيراً مما يأتي به المشعوذون والكهان والدجاجلة يكون عن طريق استعانتهم بالجن، وهناك أشياء محجوبة عنا وليست محجوبة عن الجن ولا عن الغيب المحض؛ فهذا في أغلب صوره يكون من باب كبائر الذنوب، فمن صدقهم في مثل هذه الأمور فهذا كفر دون كفر، وهو الغالب؛ لأن الكفر هنا أطلق، فإذا كان يتعلق بالغيب الخالص فهو كفر مخرج من الملة، وإذا كان يتعلق بالغيب غير الخالص فهو كفر دون كفر، وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم على المحملين. وإتيانهم يعني زيارتهم من أجل الاستطلاع أو جهلاً إلى آخره، وهذا من كبائر الذنوب، ويجب أن يتواصى بالتحذير منه، والمسلمون الآن وقعوا في أشياء كثيرة من هذا النوع، لا سيما مع كثرة الدجل والشعوذة وما يرتبط بها من صور كثيرة تعددت على الناس وتشكلت. ومن الظواهر المزعجة: كثرة زوار هذه البيئات الوبيئة، بيئات المشعوذين والدجالين، وأغلب الناس يتساهلون، فقد يأتون إما من باب الاستطلاع أو الجهل إلخ، وهذا كله لا يجوز. وبعض الناس لمجرد التصوير وتوثيق أمور ليس بحاجة إلى توثيقها؛ فالأولى الابتعاد؛ لأن هذا عرضة للوقوع في كبائر الذنوب.

الأسئلة

الأسئلة

الجمع بين نصوص الوعد والوعيد

الجمع بين نصوص الوعد والوعيد Q قلتم: إن المؤمن العاصي يدخل النار ثم يخرجه الله منها ويدخله الله الجنة، فكيف نوفق بين هذا وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، و (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، و (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)، وغيرها من الأحاديث؟ A هذا يرجع إلى قاعدة أن النصوص الشرعية لا بد أن يرد بعضها إلى بعض، وأن يفسر بعضها بعضاً، وهذا هو ظاهر النص، وتدل عليه نصوص أخرى من أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا على سبيل الوعيد أولاً. والأمر الثاني: أنه يقصد أن لا يدخل الجنة ابتداءً، فبعد الحساب يدخل النار لتطهيره. والأمر الثالث: أن قواعد الشرع دائماً لها استثناءات، ويكون المعنى هنا: ما لم يغفر الله له أثناء الحساب فإنه لا يدخل الجنة حتى يطهره الله عز وجل بالنار؛ لأن مثل هذا النص لا بد أن يرد إلى نصوص الشفاعة، ونصوص أهل الكبائر، ونصوص الشفاعة أثبتت وهي قطعية أنه لا يبقى من أهل التوحيد أحد في النار.

التفصيل في الخوف الذي يوقع العبد في الشرك

التفصيل في الخوف الذي يوقع العبد في الشرك Q الخادم لو ترك الصلاة من أجل من يعمل عنده خوفاً منه، لن يقتله ولن يضربه، لكنه يغضب عليه إذا لم يجده في مكانه المطلوب منه خوفاً من سيده أو حباً فيه هل هو من شرك الطاعة أو المحبة؟ A هذه صورة تحدث مع ضعف الإيمان وضعف التدين، سواء عند الخادم، أو عند بعض الناس في بعض المواقف، وبعض الناس حتى لو لم يكن عليه ضغط أو خوف من معين، أحياناً يرهب الناس أو يجاملهم مجاملة إلى حد ترك الفرائض، كما يحدث من بعض الناس في المواقف الحرجة في المطارات والطائرات فيؤخرون الصلوات عن وقتها، بل يحدث حتى من بعض المرضى في المستشفيات، فهذه أمور قد تكون عن جهل، والجهل يرفع التكفير عن الشخص حتى يعلم، وقد تكون عن تأول، فيتأول لنفسه ظناً منه أنه يسوغ له ذلك، فالتأول يرفع الكفر عن المعين وإن كان فعله كفراً. وقد تكون تسويفاً، فبعض الشباب تفوته الصلاة وهو ينظر إلى لعبة وعنده نوع من التسويف والاستهانة بالوقت، فيمضي عليه الوقت وهو لا يشعر؛ فهذا تفريط منه وتساهل. فصور ترك الفرائض -خاصة الصلاة- كثيرة جداً، لكن إذا كان ذلك نتيجة الخوف فالأمر يرجع إلى درجة إيمان الشخص، أو درجة ما في قلبه، فإذا كان الخوف يصل إلى حد أن يعتقد أنه يضره من دون الله، أو أنه يجلب له مصيبة فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ فهذا يكون شركاً، وهذا قليل وقوعه. أما إذا بلغ الخوف إلى حد ترك الصلاة؛ فهذا يعتبر ضعفاً في الإيمان، فإذا أدى إلى ترك الصلاة بالكلية أزمنة طويلة؛ فقد يكون كفراً، أما إذا كان في حالة معينة؛ فهذا ضعف وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا نستطيع أن نكفر به الشخص، أو نقول: إنه أشرك مطلقاً، لأن الشرك ليس في كل خوف، إنما هذا قد يكون عن ضعف إيمانه فأدى به هذا إلى أن يجامل الآخر أو يداهنه، أو يخشاه خشية لا تصل إلى التقديس وخوف التقديس.

الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه

الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه Q في قول الله سبحانه وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26 - 27]، هل الرسول يعلم الغيب؟ A هذا لا بد من ربطه بالنصوص الأخرى، الذي ثبت أن الله عز وجل يطلع رسله على بعض الغيب، هذا معناه، {إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:27]، فإن الله يطلعه على ما يشاء من الغيب، أما مطلق الغيب فلا، والله عز وجل ذكر عن رسوله أنه قال: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ} [الأعراف:188]، أي: أنه لا يعلم كل الغيب، ومع ذلك فإن الله عز وجل يكرمه أحياناً بأمور تدفع عنه السوء من أمور الغيب. إذاً: هذا أمر لا بد أن يقيد بالنصوص الأخرى، وهو أن الله يطلع بعض رسله على شيء من الغيب.

ضوابط تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله

ضوابط تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله Q الحكم على المعين بالكفر إذا حكم بغير ما أنزل الله، نريد ذكر شروط تكفيره، أو ضوابط الحكم بغير ما أنزل الله؟ A هذا من القضايا الشائكة اليوم، فإن مشايخنا وعلماءنا يكادون يتفقون على بعض المجملات في تأصيل الحكم بغير ما أنزل الله والحكم على الآخرين، والحكم بغير ما أنزل الله في أصله ضلال، وقد يكون كفراً مخرجاً، وقد يكون كفراً غير مخرج، وقد يكون معصية وقد يكون فسقاً فنفرق أولاً بين الحكم الجزئي والحكم الكلي: فالذي يحكم بغير ما أنزل الله إن وضع نظاماً أو دستوراً يحكم به بغير ما أنزل الله فهذا كفر. لكن ينبغي أن ننظر في حاله، وسواء كان شخصاً أو دولة أو نظاماً أو هيئة أو مؤسسة أو فرقة أو جماعة، فإن كان فعل ذلك جهلاً فيدفع عنه الكفر حتى يعمل تجاهه الراسخون في العلم ما يجب، وإذا ما عملوا تجاهه فلا يجب علينا نحن أفراد الأمة أن نفتات وأن نطلق الأحكام، بل يجب على العلماء أن يقيموا الحجة على هؤلاء الذين يعملون هذه الأمور ويستبينوا من حالهم. وفي الحقيقة يبدو لي أن الكثيرين ممن يقعون في الحكم بغير ما أنزل الله أحياناً ليس هذا بإرادتهم، لأنهم أحياناً يأتون إلى حادثة نظام معين وضع لها دستور أيام الاحتلال الغربي لبلاد المسلمين، لأنه في تلك الأيام وضعت أنظمة تحكم بغير ما أنزل الله، فجاء حكام يرثون هذه النظم وقد يكون بعضهم يكره الحكم بغير ما أنزل الله، ورأينا من بعضهم محاولات جادة كما كان من ضياء الحق وغيره في العودة إلى حكم الله، لكن ترده قوى كثيرة، وربما يؤدي عمله إلى مفاسد عظمى تفسد أمن البلاد وتوقعه في كوارث. ولست بهذا الكلام أعتذر لمن يخطئون، لكن يجب أن نحتاط في ديننا عند الحكم على العباد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما). فالإكراه والتأول والجهل والتباس الأمر، كل هذه موانع من تكفير المعين، ومع ذلك يبقى الواجب على الأمة أن تصل إلى نتائج في هذه الأمور ليقضى على النزاع.

مراتب معرفة الله

مراتب معرفة الله Q ما هي مراتب المؤمنين في معرفة الله عز وجل؟ A المراتب الشرعية هي التي ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل وهي التقوى والإنابة واليقين والمحبة والرجاء والخوف، وما يندرج تحت هذه المسميات الشرعية؛ ولذلك أحذر طلاب العلم خاصة وعموم المسلمين عامة فيما يتعلق بوصف الإيمان وأعمال الإيمان بالمصطلحات غير الشرعية، فالمصطلحات الشرعية والمسميات الشرعية للإيمان ودرجات الإيمان وأنواع الإيمان كافية للوفاء بوصف أعمال المؤمنين إلى قيام الساعة. فهذه المعالم الرئيسة للإيمان ودرجاته، ومع ذلك يختلف في أيها أولى، هل التقوى تكون مرحلة بعد المحبة والرجاء والخوف أو الإنابة هي الأولى إلى هذه الأمور يختلف عليها في أن الناس يختلفون في مؤديات ومفاهيم هذه المصطلحات، فالأمر سهل، وكلها معانٍ شرعية يجب أن يتعلق بها المسلم، ويحرص على أن يفي بها قلبه، وأن يظهر أثر ذلك على جوارحه وأعماله.

دلالة اقتران الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر

دلالة اقتران الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر Q لقد ورد في القرآن الكريم في ما موضع وكذلك في بعض الأحاديث النبوية اقتران الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر، ما تفسير ذلك؟ A لأن أكبر أمور الغيب: أولاً: الإيمان بالله، ثم الإيمان باليوم الآخر، ولأن أعظم الغيب وأكمله وأجله ما يتعلق بالله عز وجل: بذاته وأسمائه وصفاته، ثم باليوم الآخر لأنه هو اليوم الأبدي الذي لا ينقطع، وكل الغيوب في الدنيا لا تساوي شيئاً؛ لأن الدنيا محدودة بزمن ينتهي، فهي متاع كما وصفها الله عز وجل، متاع ينتهي كاللقمة التي تأكلها في مجلس؛ فلذلك حتى أمور الغيب فيها محدودة بزمن وحال، ولا يستهان بها، لكن اليوم الآخر هو الغيب الكامل فيما يتعلق بالمخلوقات التي يتعلق به مصائر الخلق جميعاً المصائر الأبدية التي لا تنتهي.

صفات الله بين المحكم والمتشابه

صفات الله بين المحكم والمتشابه Q مر معنا أن صفات الله من المحكم، وقد قرأنا في علوم القرآن أنها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، فكيف نوفق بين الأمرين؟ وهل أن المحكم هو معنى الصفة والمتشابه في حقيقتها؟ A نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله المحكمة تدل على حقائق بلا شك، ولو كانت مشتبهة ما اعتقد الناس شيئاً، وهل يمكن أن يخاطب الله عز وجل عباده فيما يتعلق بتعظيمه وإجلاله بمشتبهات؟ لو كان الأمر هكذا لضاع الدين. إذاً: لا بد حتماً -وهذا كلام بدهي عقلاً وفطرة فضلاً عن أن يكون قطعياً شرعياً أن يكون كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة عن أسماء الله وصفاته وأفعاله من المحكم البين الذي لا لبس فيه؛ ولذلك فإن الله عز وجل لما ذكر الخائضين في أسمائه وصفاته في أمور الغيب قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7]، وهو النوع الثاني الذي نتحدث عنه، وهو التشابه في الكيفيات الغيبية، فإذا جاء قوله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، وجاء قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، فنعلم أن هذه حقائق لله تثبت على ما يليق بجلاله من غير تشبيه جزماً. أما كيفياتها فهذا أمر غيبي ومشتبه، بل لا يجوز السؤال عنه؛ ولذلك لما سئل مالك بن أنس رحمه الله عن الكيفية أصابته الرحضاء من خشية الله عز وجل؛ لأنه يرى أن هذا السؤال وقع في المتشابه.

الخوف الذي يصل بالإنسان إلى الموت

الخوف الذي يصل بالإنسان إلى الموت Q أنا امرأة مستقيمة إن شاء الله، لكن أحياناً يحصل لي من الخوف ما يكاد يتفطر له قلبي، بل إنه يرتفع عندي الضغط لدرجة أكاد أن أموت، فعندما أتذكر القبر والبعث والنشور يحصل لي خوف شديد، وتعالجت وقالوا لي: يمكن هذا رهب، ثم قال لي الدكتور في آخر مرة دخلت المستشفى: ما عندك مشكلة نفسية، بل هذه صفة شخصية، وحاولي أن تتغلبي عليها بطرق سلوكية، والآن أريد كتباًَ أقرأ فيها، وأنا الآن أقرأ في كتاب أسماء الله الحسنى من القرآن الكريم والحديث الصحيح بمعانيها للدكتور زين محمد شحاتة، وعلق عليه الدكتور محمود جزاه الله خيراً، وأقرأ في كتاب فتح المجيد لكني أريد كتباً تدخل الطمأنينة على قلبي، وأقرأ في القرآن ولله الحمد، وأقرأ في تفسير ابن سعدي، وأنا معلمة قرآن، ولكن إذا جاءني هذا الخوف يخرب علي نفسيتي؟ A هذه حالة قد ينفرد بها بعض الناس دون غيره، والحالة الطبيعية للإنسان السوي والذي امتلأ قلبه بالإيمان بالله عز وجل وتقواه والإنابة إليه لا شك أنه يخشى الله عز وجل ويخافه ويقشعر جلده، لكن لا بد أن يلين جلده كما ذكر الله تعالى في وصف المؤمنين، يلين إلى الطمأنينة والرضا بالله عز وجل، أما إذا استمر الخوف فهو وضع يخرج عن الطبيعي، ولذلك كان متأخرو الصحابة رضي الله عنهم لما ظهرت في آخر عهدهم بعض مظاهر العباد الجهلة الذين يغشون عند سماع القرآن والمواعظ، ويحصل لهم حالات غير طبيعية أشبه بالحالات الهستيرية، ويكون منهم صراخ، وبعضهم يموت أنكر عليهم الصحابة لأن كون المؤمن يخشع قلبه ويقشعر جلده من خشية الله هذا أمر طبيعي، لكن أن يستمر معه إلى خوف يؤدي إلى الفزع؛ فالمؤمن لا يفزع من ربه. فمثل ما قال لك الأطباء: هذا وضع يحتاج إلى علاج بالرقى وبالأسباب الشرعية ولا مانع، بل يجب عليك -إذا استمر هذا- أن تراجعي عيادة نفسية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا عباد الله)، وبعض الناس تأخذه بعض المفاهيم الخاطئة في أن مراجعة العيادات النفسية ضعف في الإيمان، وهذا ليس صحيحاً، بل كثير من المؤمنين يقع عنده شيء من الرهب والوسواس القهري وغيره مما يمنعه من أداء العبادة؛ فيجب عليه شرعاً أن يراجع طبيباً من أجل أن يبقى سوياً يعبد الله عز وجل على منهج سوي؛ لأن كثيراً من الذين عندهم هذه الحالات سواء كانت شديدة أو خفيفة تمنعهم من أداء كثير من العبادات والواجبات الشرعية والواجبات تجاه الخلق. فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فالواجب مراجعة عيادة؛ لأن هذه أمور تعالج بالأدوية مع العلاج الشرعي بالرقى والأسباب الشرعية.

حكم الاستعانة بالجن الصالحين

حكم الاستعانة بالجن الصالحين Q ما حكم من يستعين بالجن ويسميهم بغير اسمهم كأن يقول أحياناً: أستعين بالله ثم بكم وتقضى بعض الحاجات له وهم جن صالحون؟ A هذا لا يجوز؛ لأنه داخل في الاستمتاع الذي حرمه الله عز وجل، كما في قوله عز وجل: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام:128]، جاء على سبيل الذم على ما فعلوه، فاستمتاع الإنس بالجن على أي نحو كان لا يجوز إلا إذا جاء من غير قصد، كأن يكون الراقي سمع من الجن خبراً فاستخبره، ومع ذلك يجب أن نأخذ خبر الجن الذي ينطق من خلال التلبس على أنه خبر فاسق لا بد من التثبت منه؛ لأن الجني إذا تلبس بالإنسي فقد وقع في الظلم؛ فهو فاسق. كذلك الاستمتاع الآخر: وهو تسميتهم قوى أخرى أو غير ذلك هذا مجرد عبث بالألفاظ، كما قال الله عز وجل عن أهل الجاهلية: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6]؛ ولذلك أرى حتى الرقاة الذين يستعينون بالجن حتى في باب الصالحات، أراهم زادوهم رهقاً، وربطوهم بأمور لا طاقة للبشر بها، وأعنتوهم وأوقعوا الناس في مشاكل وعداوات ومصائب لا يعلم مداها إلا الله عز وجل، فليتق الله الرقاة، ولا يفتحوا باب الاستعانة بالجن على مصراعيه، ولا يكون بين الراقي أو غيره وبين الجن عهود وعقود ومواعيد، كما يقول بعضهم: أنا أواعدهم! أقول لهم إذا احتجتهم: تعالوا، فهذا هو المحرم بعينه، وإلا فما الفرق بين هذا وبين فعل الدجالين والمشعوذين وأهل الجاهلية؟ إذاً: هذا أمر يجب تجنبه، أنا أحترز أن أقول: إلا إذا تطوع الجني بفائدة أتت من غير طلب منا، أو من غير قصد، أو عندما يتكلم ويتلبس نطلب منه مزيداً من المعلومات لأنه حاضر أمامنا مثل الشاهد الحاضر؛ فهذا إذا ما زاد عن هذا القدر فربما يكون من الأمور المباحة، ومع ذلك فيه نظر. أما تجاوز ذلك إلى ما هو أكثر من هذا فأخشى أن يكون داخلاً في الدجل والكهانة ومما حرمه الله.

معنى عدم قبول صلاة من أتى كاهنا أو عرافا

معنى عدم قبول صلاة من أتى كاهناً أو عرافاً Q ما المقصود أنه لا تقبل صلاة أربعين يوماً لمن زار كاهناً أو ساحراً؟ A هذا وعيد، ومعنى لا تقبل أي: لا يؤجر عليها، ولا تكون مقبولة من حيث أن يكون له عليها الأجر الذي وعد الله به المصلين، ولا يعني أنها لا تجزئ، لأنه فرق بين القبول والإجزاء؛ وهذا في كثير من الأمور التي تتعلق بالصلاة، فالصلاة قد يؤديها الإنسان كأن يصلي وهو غير خاشع، فصلاته لا تقبل، وليس معنى ذلك أنه لم يؤد الفرض، هو أدَّاه وسقط عنه، لكن ليس له فيه أجر.

حكم قراءة الكتب الأسطورية التي تتحدث عن نشأة الكون

حكم قراءة الكتب الأسطورية التي تتحدث عن نشأة الكون Q هل قراءة الكتب الأسطورية التي تتكلم عن نشأة الكون، وأنه نشأ عن تقاتل الآلهة تنافي كمال التوحيد؟ A هذا من الإثم، حتى لو كان من باب حب الاستطلاع، بل جميع العلوم التي لا فائدة فيها للبشرية وهي أشبه بالأوهام والأساطير أو أشبه بالأفكار والخيالات والتخرصات يجب على المسلم تجنبها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من قراءة كتب أهل الكتاب التي أصلها منزل من السماء لكنها حرفت، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم قراءتها من التهوك: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب!)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أنب عمر لما قرأ صحيفة من التوراة؛ لأنها تشتمل على الحق والباطل، وقد يلتبس الحق بالباطل على القارئ، ولا يوجد قارئ معصوم، فلذلك أرى أنه ما عدا العلوم التي يحتاجها المسلمون وتحتاجها الأمة وتحتاجها البشرية، فالذين تتعلق هذه العلوم بتخصصاتهم يقرءونها على قدر الحاجة، والذين لا تتعلق بتخصصاتهم لا يقرءوها. وأيضاً ما ليس مفيداً للبشر إطلاقاً مثل هذه الأوهام حول أصل الإنسان وأصل الخليقة هذا من الإثم، وهو داخل في عمل الخراصين الذين قال الله فيهم: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات:10 - 12]، فمنهجهم التخرص، فالأولى اجتناب هذه الكتب؛ فهي تمرض القلوب.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

حكم الاحتفال بالمولد النبوي Q ما حكم من يحتفل بالمولد النبوي متتبعاً لعلماء البلد الذي يعيش فيه؟ A قضية المولد من القضايا الكبرى بين السنة وخصومها، وأيضاً بين السنة وكثير من جهلة المسلمين. وهذه المسألة تخضع لقاعدة شرعية ومن سلم بها استراح من هذه البدعة ونحوها؛ وهي أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون باتباعه، وبالتزام سنته صلى الله عليه وسلم، وتكون أيضاًً بمحبته في ذاته صلى الله عليه وسلم بأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى المسلم من نفسه وولده وماله والناس أجمعين، ثم يتبع ذلك باتباع السنة، فليس من السنة الموالد، لا سيما أن المولد متعلق بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وحق النبي صلى الله عليه وسلم دين، إذاً: فالمولد بدعة في الدين؛ لأن بعضهم يقول: هذه بدعة عادية واحتفال عادٍ، فهي لا تعدو -بدعة المولد- أحد أمرين: إما أن تكون من باب الاعتياد؛ فهي عيد والعيد لا يجوز منه إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، والنبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك في حديث الأنصار لما طلبوا منه أن يعيدوا بأعياد كانت لهم في الجاهلية، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها وحصرهم بعيدين: عيد الأضحى وعيد الفطر، فإن سمي عيداً فهو بدعة. وإن تعلق بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وحقه؛ فهو أيضاً عبادة، ولا يجوز إنشاء عبادة لم يشرعها الله ولم يشرعها رسوله صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء الذين يفعلون المولد إن كان منطلق الكثير منهم -وهو الحاصل- محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهم يؤجرون على المحبة، لكن يأثمون على البدعة، وربما يمحق الله أعمالهم بسبب أنهم علقوا الرسول صلى الله عليه وسلم ببدعة هو يكرهها، وربما لو بعث لقاتلهم عليها؛ لأنهم أساءوا إليه صلى الله عليه وسلم، فهم يؤجرون على محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذه محبة الغشيم، فهم تعدوا حدود المعقول وحدود المشروع؛ فهي بدعة، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما يحسم هذا إلا التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، وقول ابن عباس: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر) فقد خشي ابن عباس على الأمة أن تعاقب، من أخذ بعضهم بأقوال الصحابة وترك قول النبي صلى الله عليه وسلم. فكذلك المسلمون الذين يعملون بهذه البدع نقول لهم: اتقوا الله! ما عندكم على هذا دليل، بل هذا بدعة محضة من جميع المقاييس. ثم هل أنتم تحتفلون بولادته أو بموته؟ هما في يوم واحد، كلها في الثاني عشر من ربيع أو التاسع من نفس الشهر، فهذا تناقض. وعلى أي الأحوال أرى -على ضوء قواعد الشرع- أن هذه بدعة، ويجب على المسلم تجنبها، وإن فعلها الناس برفق أيضاً؛ لأن الناس يظنون أن من ينصحهم فإنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا باطل.

أنواع التوسل

مجمل أصول أهل السنة - أنواع التوسل التوسل المشروع هو التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات والقربات والطاعات، كما يتوسل بدعاء الحي الصالح، وبالأسماء والصفات، أو بعملٍ صالح من المتوسل، أما التوسل البدعي فهو التوسل بشيء لم يرد في الشرع، والشركي هو اتخاذ الأموات وسائط بين الله وبين عباده، أو طلب الحوائج منهم ونحو ذلك.

أنواع التوسل وأحكامه

أنواع التوسل وأحكامه الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: قال المؤلف حفظه الله تعالى: [تاسعاً: الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة، والتوسل ثلاثة أنواع: الأول: مشروع: وهو التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح. الثاني: بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم ونحو ذلك. الثالث: شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك].

مفهوم التوسل

مفهوم التوسل الشرح: هذا الموضوع من أخطر الموضوعات على عقائد الأمة، وهو مما يكثر فيه الاشتباه واللبس والتلبيس من قبل كثير من أهل الأهواء وهو موضوع التوسل، فالتوسل هو التقرب، والتوسل إلى الله هو التقرب إليه، والتقرب محض عبادة أو عبادة خالصة، وعلى هذا فالتوسل المأمور به في كتاب الله وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو كل ما يقرب إلى الله عز وجل مما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من أنواع الطاعات، والله عز وجل شرع من التوسلات والتقربات والعبادات ما يشبع غريزة الإنسان وروحه وعقله ووجدانه وعواطفه، ويملأ قلبه ويعمره بعبادة الله وطاعته ومحبته ورجائه، فلا يحتاج البشر إلى أن يلجئوا إلى وسائل ووسيلة غير مشروعة؛ فإن في المشروع كفاية، وعلى هذا فإن التوسل أو التقرب المأمور به في القرآن والسنة هو ما يقرب إلى الله عز وجل من الطاعات المشروعة وهو ثلاثة أنواع:

التوسل المشروع

التوسل المشروع النوع الأول: هو التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، وهو أن تدعو الله سبحانه بأسمائه وتتوسل إليه وتتعبد له بذلك من قلب موقن بأن الله مجيب وأن الله على كل شيء قدير بحيث لا يتطلع قلبك إلى اللجوء إلى غير الله، فتعمر قلبك باليقين والإنابة وبمحبة الله ورجائه وخوفه فحين تملأ قلبك بالإنابة واليقين وبأن الله مجيب قادر على كل شيء، فمن هنا تتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته. النوع الثاني: التوسل بأعمالك التي تتقرب بها إلى الله بعباداتك وأعمال القربات، فتدعو الله أن يأجرك أو تدعو الله عز وجل أن يجلب لك نفعاً أو يدفع عنك ضراً، تدعوه بأعمالك التي عملتها فتقول: اللهم إني أسألك بصلاتي أن تدفع عني هذا الضرر، أو اللهم إني أسألك بمحبتي لرسولك صلى الله عليه وسلم؛ لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات، بل هي أعظم محبة بعد محبة الله سبحانه، فيشرع أن تقول: اللهم بمحبتي لرسولك ادفع عني هذا الضر أو يسر لي أمري أو نحو ذلك، أي: تتوسل إلى الله عز وجل بعمل عملته قلبياً أو لسانياً أو من عمل الجوارح، وهذا ما ورد تفصيله ومثاله في قصة الثلاثة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم صخرة فكل منهم دعا الله عز وجل بما كان يتقرب به إلى الله بأعظم عمل يرجو به الفرج من الله، فواحد دعا بقربته ببر والديه، وآخر ببعده عن الفاحشة إلى آخره، فتقربوا إلى الله بأعمالهم سواء كانت فعل القربات أو ترك المنهيات، كل هذه قربات إلى الله. فهذا العمل هو من الأمور المشروعة وبابه واسع لا ينتهي؛ لأن المسلم فيما بينه وبين ربه أعمال قلبية ولسانية وأعمال جوارح لا تتناهى. النوع الثالث: دعاء التقرب أو طلب الدعاء من الصالحين وهذا مشروع بشروطه وضوابطه، وأهم شروطه: ألا تكثر من طلب دعاء الصالحين بحيث يكون الطلب في دعاء الصالحين عند الضرورة أو مناسبة أو في ظرف مهيأ كأن يكون هذا الرجل الصالح في مكان فاضل أو سيعمل عملاً فاضلاً أو في عبادة خالصة أو يكون على وشك سفر؛ لأن دعاء المسافر مجاب إلى آخره، فهذا النوع مشروع لكن الإكثار منه ليس بمشروع؛ لأسباب من أهمها أن ذلك يؤدي إلى الاتكال وعدم لجوء الإنسان بنفسه إلى ربه عز وجل. الأمر الثاني: أن هذا يخلط بالأنواع البدعية التي سيأتي ذكر نماذج منها. ثم إن التوسل أنواعه: النوع الأول: هو التوسل المشروع الذي ذكرت أقسامه سابقاً، وهذا مشروع بل مأمور به، بل هو من محض العبادة لله عز وجل، والأنواع الثلاثة التي ذكرتها قبل قليل هي أنواع التوسل المشروع وهي كثيرة جداً يستغني بها المسلم عن اللجوء إلى الأنواع المشتبهة أو البدعية أو الشركية لا قدر الله، لأن التوسل إلى الله أن تدعوه بأسمائه وصفاته وأفعاله وكذلك الدعاء بالتقرب إلى الله بعملك أنت لا بعمل غيرك، والنوع الثالث أن تطلب من الصالحين الدعاء لك، أما طلب الدعاء فإنه لا يلزم أن يكون دائماً ممن هم على الكمال في الصلاح؛ لأن الكمال صعب، لكن ممن قد يكون في دعائهم لك خصوصية أو أحرى بأن يكون دعاؤهم لك مجاباً مثل الوالدين والأقارب والرحم الذين تصلهم، ومثل الناس الذين تبرهم وتحسن إليهم هؤلاء لا مانع أن تطلب منهم الدعاء ولو لم يكونوا على درجة كاملة في الصلاح، بل لو طلبت من أي مسلم أن يدعو لك في مثل هذه الظروف لجاز، لكن الرجل الصالح أحرى بأن يقبل دعاؤه.

التوسل البدعي

التوسل البدعي أما النوع الثاني من التوسل: فهو البدعي وهو غير مشروع لكن لا يصل إلى حد الكفر أو الشرك الذي يخرج صاحبه من الملة، والتوسل البدعي هو التقرب إلى الله عز وجل بما لم يرد به الشرع ما لم يكن شركاً، كالتقرب بذوات الأنبياء عدا النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لأن الصحابة كانوا يتبركون به، وهذا التبرك من حيث دخوله في معنى التوسل فيه تفصيل؛ لأن التوسل أحياناً يقصد به التبرك، فمن هنا فإن التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم مشروع في حياته وما بقي منه بعد وفاته، ولاشك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة قرون لم يعد هناك أشياء بقيت، فمن هنا ينقطع هذا النوع من التبرك، وقد يسميه بعض الناس توسلاً؛ لكن التوسل بالذوات سواء ذوات الأنبياء والصالحين أو بجاههم أو حقهم أو حرمتهم ونحو ذلك كله من البدعة، فأنت حين تقول: اللهم إني أسألك بحرمة فلان، أو اللهم إني أسألك بعمل فلان الرجل الصالح أو النبي أو غيره، أو تقول: اللهم إني أسألك بجاه الولي فلان أو النبي فلان؛ كل هذا لا يجوز لأنه بدعة لم يرد به الشرع، ولأن هؤلاء وغيرهم جاههم لهم وحقهم حق لهم وحرمتهم لا يتعدى نفعها للآخرين إلا بإذن من الشرع ولو جاء به الشرع كان على العين والرأس. فلذلك لما جاء الشرع بالتبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم وأشيائه أخذناها دون أن نماري في ذلك أو نجادل؛ لأنه جاء به الشرع، فهذه خصوصية له صلى الله عليه وسلم، لكن بالنسبة للتوسل والتقرب فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقرب إلى الله أو يطلب إلا بما جاء في التوسل المشروع. إذاً: طلب الانتفاع أو دفع الضر بجاه الآخرين أياً كانوا أو بحقوقهم أو بحرمتهم أو بذواتهم أو بالأشياء أيضاً حتى ولو لم يكن من العقلاء أو المكلفين أو الصالحين، كالتقرب إلى الأحجار أو الأشجار أو نحو ذلك ما لم يكن شركاً فهو بدعة.

التوسل الشركي

التوسل الشركي النوع الثالث: التوسل الشركي: وهو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل وأكثر ما يقع فيه المشركون وهو الذي عليه أكثر أهل الجاهلية الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم من المشركين هو اتخاذ الوسائط في العبادة من دون الله، كما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، زعماً منهم أن هذه الوسائط أقرب إلى الله من ملائكة أو نبيين أو صالحين أو حتى أشجار أو أحجار أو مزارات أو مشاهد أو غيرها، ويزعمون أن لها مكانة عند الله عز وجل فيوجهون العبادة لها لتقربهم إلى الله ولتتوسط لهم عند الله، فهذه الوسائط هي معبودات، وفعلهم شرك، لأنهم حينما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، حكم الله بشركهم بنص كتاب الله عز وجل وبأنهم أشركوا بهذه الوسيلة. فالتوسل الشركي أو أكثر ما يقع هو في اتخاذ الوسائط من دون الله، وكثير من المشركين يزعمون أنهم لا يعبدون هؤلاء عبادة خالصة لكن يعبدونهم من أجل أن يقربوهم إلى الله أو يدعونهم دعاء فيما لا يجوز إلا لله من أجل أن يقربوهم إلى الله، ومنهم من يقصر العبادة على هؤلاء، ومنهم من يشرك في العبادة بأن يعبد الله من وجه، ويعبد هذه المعبودات من وجه آخر، وهذا كله شرك، سواء وجه العبادة لهذه المخلوقات من دون الله أو أنه يعبد الله أحياناً ويعبد هذه المخلوقات أحياناً كما هو حال المشركين، إذا مسهم الضر دعوا الله وحده وإذا أمنوا أشركوا به، فهذا صنف من أصناف الشرك. كما يكون الشرك بدعائهم من دون الله وطلب الحوائج من جلب نفع أو دفع ضر مما لا يقدر عليه إلا الله من الاستعانة بهم ونحو ذلك، ومن أنواع الشرك التي يقع فيها كثير من الأمم ويقع فيها أفراد من أصحاب الفلسفات والعباد الذين يسلكون مسالك العبادة يكون عبر التفكر لا عبر الممارسات، كأن يوجهوا عقولهم وقلوبهم إلى غير الله ولو لم يعملوا بطقوس أو عبادات مباشرة وذلك كله من شرك أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وشرك كثير من مشركي الفلاسفة وكثير من أصحاب الاستكبار عن التوجه إلى الممارسات التي تمثل الطقوس، والطقوس هي ممارسة العبادة العملية. ولا يلزم من الشرك أن يكون بممارسة عملية فقط، إما دعاء لساني أو عمل سجود أو ركوع لغير الله ونحو ذلك بل قد يكون الشرك بأن تتوجه القلوب والعواطف إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله. وقد يقع في الشرك بعض الفرق وبعض الأفراد الذين ينتسبون للإسلام، ولذلك يجب على المسلمين أن يناصحوا هذا الصنف ويبينوا لهم خطورة هذا المسلك حينما يدعون الموتى من دون الله أو يدعون الأحياء أو الأموات أو المزارات والآثار والمشاهد ويدعونها من دون الله أو يصرفون لها نوعاً من العبادة كالسجود أو الركوع أو الصلاة أو الطواف، وهذا من الشركيات الظاهرة في بعض بلاد المسلمين التي قد يغفل عنها من يشاهدون هذه الشركيات، إما لأنهم اعتادوها واستمرءوها فلم يعتقدوا أنها شركيات، أو أنه لم يقع في خلدهم أن هذا من أنواع الشرك، فمن جهل المسلمين اليوم من يظن أن هذه الأمور ليست شركاً فيقع فيها أو يقرها جهلاً منه، فينبغي التنبه لمثل هذه الأعمال أو عندما يوجه أي إنسان العبادة لغير الله سواء بلسانه مثل الدعاء أو بجوارحه من سجود أو ركوع أو طواف أو غيره، فإنه ينبغي أن ينكر هذا الشرك ويبين خطورته، وقد يكون بعض الجهلة لو نبه لانتهى عن ذلك، بل ما أظن مسلماً يعرف أن هذه الأعمال خطيرة على دينه وعقيدته وأنها قد توقعه في الشرك إلا وسينتهي إذا أنكر عليه بالرفق. وهناك أمر يقع فيه كثير ممن ينكرون هذه المنكرات وهو أنهم قد يستعملون أساليب فيها نوع من الاستفزاز والتنفير بدعوى أن هذا الشرك شنيع، وهذا لا يبرر أن ينكر عليه بالعنف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، فأهيب بكل مسلم يرى من بعض المسلمين بعض هذه المظاهر وإن كانت شديدة وشنيعة أن يرفق بهم ويبين لهم وجه الحق بأسلوب لين ناصح مشفق، وأن يغير من الأساليب إذا وجد أن أسلوبه لا يناسب أو لا يطاع فينبغي أن يغير ويوجه الناس بشيء من الرفق والرزانة والهدوء، فليس عليه أن يهدي الخلق لأن الهداية بيد الله عز وجل وإنما عليه النصح والبيان.

قاعدة في البركة والتبرك

قاعدة في البركة والتبرك قال المؤلف حفظه الله تعالى: [عاشراً: البركة من الله تعالى، يختص بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل. وهي تعني كثرة الخير وزيادته أو ثبوته ولزومه. وهي في الزمان: كليلة القدر، وفي المكان: كالمساجد الثلاثة. وفي الأشياء: كماء زمزم. وفي الأعمال: فكل عمل صالح مبارك. وفي الأشخاص: كذوات الأنبياء، ولا يجوز التبرك بالأشخاص لا بذواتهم ولا آثارهم إلا بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وما انفصل من بدنه من ريق وعرق وشعر، إذ لم يرد الدليل إلا بها، وقد انقطع ذلك بموته صلى الله عليه وسلم وذهاب ما ذكر. الحادي عشر: التبرك من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التبرك إلا بما ورد به الدليل]. البركة هي النمو والزيادة وتعدي النفع، والنفع المتعدي إلى الغير من الأمور التوقيفية، فلا يجوز التماس البركة أو النفع إلا بما ورد به الدليل، والمقصود بذلك أن تعدي أو خروج المنفعة من ذات إلى أخرى أو من شخص إلى آخر المنفعة الغيبية وليس المنفعة المادية التي يعطيها الإنسان إنما المنفعة التي هي البركة التي يهبها الله لمن يشاء، هذه المنفعة غير متعدية إلا ما ورد الشرع أن فيه منفعة أو بركة متعدية، فعلى هذا فالتبرك هو التماس البركة والتماس الانتفاع من شيء على وجه غيبي، وجميع الأمور الغيبية توقيفية لا يجوز أن نقول بها إلا بدليل، فلا يجوز التبرك يعني: التماس البركة والنفع الغيبي إلا بما ورد به الدليل من القرآن والسنة. والبركة أي: النفع المتعدي من ذات إلى ذات أو من شيء إلى شيء غير المنظور وغير النفع المادي، لأن المادي يحتاج إلى تقرير لكن النفع غير المنظور والانتفاع من شيء إلى شيء ومن شخص إلى شخص، الانتفاع المتعدي هو البركة فهذه من الله عز وجل يهبها لمن يشاء وفيما يشاء من الأشخاص والأشياء، وعلى هذا لابد من دليل، فالله عز وجل يختص بعض خلقه بالبركة المتعدية للآخرين، فيختص بعض خلقه سواء من أشخاص أو من أشياء فيما يشاء من البركة، والبركة أنواع فلا تثبت في شيء إلا بدليل، وعلى هذا فإذا كانت البركة تعني كثرة الخير وتعديه للآخرين أو حتى ثبوت البركة ولزومها إلى شيء غير متعدٍ، فإذا عرفنا أن هذا لا يكون إلا بدليل، فلنلتمس الأدلة والأشياء التي ورد فيها بركة بالأدلة، وهذا يعرفه أهل العلم، والله عز وجل قد بين لنا من خلال ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم الأشياء المباركة جملة وتفصيلاً. ففي الأزمنة نجد ليلة القدر ليلة مباركة بالنص ويوم عرفة يوماً مباركاً، وليالي عشر رمضان وأيام عشر ذي الحجة مواسم مباركة، وكذلك شهر رمضان موسم مبارك، كل هذه وردت فيها النصوص، فالأزمان التي وردت فيها النصوص وأنها مباركة فنقف عند النوع أيضاً من البركة ما هذا النوع من البركة أحياناً تكون البركة في الزمان وفي الأعمال الصالحة التي تجري فيه، وأغلب ما يجري من البركة في الزمان في ما يكون عظيماً في الأعمال الصالحة التي تجري فيه، وأحياناً تكون البركة من وجه مضاعفة الأعمال ومن وجه أن الله عز وجل يقدر فيه أقداراً خيراً للأمة. فليلة كليلة القدر هذا في الزمان، وفي الأمكنة في المساجد الثلاثة مباركة من حيث أنها تضاعف فيها الحسنات، ومن حيث أن لها حرمة تخصها وتضاعف فيها الحسنات، إما مضاعفة مطلقة أو مضاعفة الصلاة كما ورد في النصوص على خلاف بين أهل العلم، وكذلك هناك أشياء ليست زماناً مطلقاً ولا مكاناً مطلقاً، لكن هناك أشياء مباركة وبركته متعدية، مثل: ماء زمزم مبارك وهو لما شرب له، وقد وردت النصوص الصحيحة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك وردت البركة في أشياء مثل السحور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وهذه البركة مطلقة صحية وغير صحية، معنوية وحسية، وكذلك القرآن كلام الله مبارك، ففيه هدى للقلوب، وفيه نور وصلاح، وفيه شفاء للنفوس والقلوب والأرواح وفيه شفاء للأجسام، فهذه بركة متعدية في كلام الله عز وجل وهو القرآن، وكذلك في الأعمال، فكل عمل صالح مخلص لله كلما يعمله المسلم من عمل صالح بإخلاص فهو مبارك وبركته له لا تتعدى إلى غيره؛ لأن البركة فيها ما هو متعدٍ وفيها ما هو غير متعدٍ فبركة ماء زمزم متعدية، لكن العمل الصالح مبارك وينفع صاحبه ولا ينفع غيره. وفي الأشخاص كذوات الأنبياء مباركة، وذات النبي صلى الله عليه وسلم خصت بالبركة. ولذلك فإن ذوات الأنبياء مباركة ولكن لا يجوز التبرك بها، وورد أن ذات النبي صلى الله عليه وسلم وأشياءه مباركة ولا يجوز التبرك بها، لورود النص، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بذات رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسمه ولباسه وشعره وكلما يخرج منه، بل حتى في أشيائه بخاتمه وبسيفه وبكل ما يتناوله النبي صلى الله عليه وسلم من الأشياء والأثاث وغيره، فهذه البركة متعدية وقد وردت بها النصوص، والصحابة عملوها وأقرهم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يتزاحمون على أشياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاته تبركاً فعلياً مباشراً، فهي بركة متع

أحكام زيارة القبور

أحكام زيارة القبور قال المؤلف حفظه الله تعالى: [الثاني عشر: أفعال الناس عند القبور وزيارتها ثلاث أنواع: الأول: مشروع: وهو زيارة القبور؛ لتذكر الآخرة، وللسلام على أهلها، والدعاء لهم. الثاني: بدعي ينافي كمال التوحيد: وهو وسيلة من وسائل الشرك، وهو قصد عبادة الله تعالى والتقرب إليه عند القبور، أو قصد التبرك بها، أو إهداء الثواب عندها، والبناء عليها، وتجصيصها وإسراجها، واتخاذها مساجد، وشد الرحال إليها، ونحو ذلك مما ثبت النهي عنه، أو مما لا أصل له في الشرع. الثالث: شركي ينافي التوحيد: وهو صرف شيء من أنواع العبادة لصاحب القبر: كدعائه من دون الله، والاستعانة والاستغاثة به، والطواف والذبح والنذر له ونحو ذلك]. موضوع التوسل والتبرك يتفرع عنه أعمال يقع فيها الكثيرون، وأكثر ما يكون من هذه الأعمال ما يجري حول القبور؛ لأن الناس قد تستعطف عواطفهم تجاه أمواتهم ويستغل كثير من الجهلة أو المرتزقة أو أهل البدع عاطفة الولاء بين الأحياء وبين موتاهم، فيدخلون كثيراً من وجوه الأعمال غير المشروعة عند القبور وبعضها قد يكون من البدع المغلظة، وبعضها قد يكون من التبرك البدعي غير المشروع وكل هذا يقع؛ لأن الناس عند زيارتهم للقبور يجدون من أصناف المغريات ومن الوقوع في هذه المنهيات الشيء الكثير بعدما أسرجت القبور واتخذت فوقها القباب والمساجد ووضعت عندها الأوقاف والمنافع، فالإغراءات بالوقوع في البدع والمنهيات كثيرة جداً، ومن أعظم الإغراءات أن هناك من ينتفعون ببدع القبور، وقد رأينا الذين ينتفعون ببدع القبور من استدرار الأموال من العامة بل من الفقراء، فالفقير قد يعيش زمناً طويلاً ليحصل دريهمات فيذهب بها عند سادن القبر فيضعها في القبر من أجل أن يمكنه سادن القبر أن يدخل على ذلك الميت فيتوسل إليه أو يدعوه من دون الله أو يتبرك به ليجلب له نفعاً أو يدفع عنه ضراً، وهذه مهلكة في الدين والدنيا، فهذا الفقير المسكين ربما يكون خسر عقيدته وخسر ماله، وذاك المنتفع الدجال الذي ربما تمسح باسم الدين ولبس لباس الأولياء، وفي الغالب أنه يكون من الكاذبين. فهذه مأساة من مآسي المسلمين الكثيرة، وهي من أعظم أسباب ذلهم وهوانهم وفرقتهم وتنازعهم الذي هو سبب الفشل؛ لأن الله عز وجل قال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، والتنازع أعظمه التنازع في الدين والعقيدة والتنازع في عبادة الله عز وجل. إذاً: أفعال الناس عند القبور وزيارتها على ثلاثة أنواع:

زيارة القبور الشرعية

زيارة القبور الشرعية النوع الأول: مشروع وهو الذي عليه عامة المسلمين وغالبهم، وهو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون وسلف الأمة وغالب المسلمين الذين هم على الفطرة ولم تجتذبهم البدع والأهواء، غالبهم على هذا الأصل وهو الزيارة المشروعة التي هي من القربات، تزور أصحاب المقابر وتخص وتعم من أجل السلام عليهم السلام المشروع، كأن تقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، يغفر الله لنا ولهم) ونحو ذلك من الأدعية المشروعة أو ما يناسب ذلك من الدعاء الذي لا يكون فيه عدوان ولا ابتداع، فالسلام حق للأموات وينبغي أن يكون عاماً وخاصاً، فإذا جئت إلى المقبرة فسلم سلاماً عاماً، وإذا مررت بالمقبرة حتى ولو لم تدخل ولم تلج فينبغي لك أن تسلم على الأموات عموماً، والله عز وجل يبلغهم أو يعطيهم المقدرة على إبلاغ السلام ورده. الأمر الثاني: أن زيارة القبور شرعت من أجل الاتعاظ وتذكر الآخرة، وفي هذين الغرضين ما يشبع رغبة المسلم تجاه إخوانه الأموات؛ لأن تعلق المسلم بالأموات من هاتين الناحيتين، من حيث أن ينفعهم فينفعهم بالدعاء، ومن ناحية أن ينتفع بحالهم فينتفع بالاتعاظ؛ لأن المسلم إذا مر بأهل المقابر وتصور ما هم عليه وأن منهم من هو على خير، ومنهم من قد يكون على أمر خطير، فيتذكر أنه قد يكون من ضمن هذا الصنف الذين فارقوا الدنيا وأنه رهين هذه الحفرة وهي القبر، وأنه سيجري له ما جرى لهم، فمن هنا يتذكر ويلين قلبه ويخشى الله عز وجل ويخاف الله ثم يتقرب إلى الله؛ ولذلك كان كثير من الصالحين لا يكتفي بمجرد زيارة المقابر مع أن في هذا كفاية من حيث الاتعاظ، لكن ربما يلقي بنفسه في القبر ثم يبدأ يحاسب نفسه وكأنه هو الميت أو كأنه سيدفن قريباً، وبعضهم يريد أن يروض قلبه على الاتعاظ والتقرب إلى الله عز وجل وتذكر الموت والآخرة، فيحفر قبره بيده ليكون أكثر تهيأ، وهذه كلها من الأمور المشروعة. إذاً: زيارة القبور المشروع فيها الكفاية من السلام والدعاء على الأموات وتذكر الآخرة.

زيارة القبور البدعية

زيارة القبور البدعية النوع الثاني: زيارة بدعية تنافي كمال التوحيد، بحيث لا تخرج صاحبها من الإسلام ولا يقال: إنه أخل أو أنه عمل ما يناقض التوحيد لكن ينقص التوحيد ويقع في البدع وربما يكون هذا النوع وسيلة من وسائل الوصول إلى الشرك، بل من أسباب وقوع طوائف من جهلة المسلمين في الشرك. ومن النوع البدعي: ارتكاب بدع في زيارة الأموات وفي المقابر وزيارة القبور، وهو أن يقصد عبادة الله عز وجل أو التقرب بأي قربة لله عز وجل عند المقابر أو عند الأموات أو عند القبور، وربما تكون الوسائل لهذا هي الظاهرة عند كثير من الناس، والوسائل التي توقع في بدع القبور هي التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم أشد النهي وهي رفع القبور بحيث يشرئب إلى نفس الرائي فيعظم في قلبه هذا القبر، وكذلك البناء عليها سواء كان البناء على شكل جدر أو على شكل قباب، أو بناء المساجد عليها، كل ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم نهياً صريحاً؛ بل هو من الأمور التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته فقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فاتخاذ القبور مساجد بأن يدفن الميت في القبر أو يبنى عليه مسجداً أو تعمل القربات والعبادات عند القبور حتى لو لم يكن عليه مسجد ولا بناية. فالوسائل التي تعمل عند القبور هي التي أغرت بعض الجهلة بالوقوع في التوسل البدعي والشركي من اتخاذ القبور مزارات على غير الوجه المشروع، من بناء القباب والأبنية والمشاهد عليها أو دفن الموتى في المساجد أو نحو ذلك من الوسائل التي تغري الناس بالوقوع في البدع. فهذه الأمور المغريات أوقعت الناس في التقرب إلى الله عند القبور حتى أن المتقرب لا يقصد عبادة الأموات ولا يدعوهم من دون الله، لكن يظن أن في العبادات عند المقام مزية، فتجده يقرأ القرآن عند المقبرة زعماً منه أن هذا أعظم لأجره أو يهدي ثواب القرآن إلى الأموات وهذا أقرب إلى البدعة، وبعضهم يقول: أنا أصلي لله لكني أصلي في المقبرة؛ لأن الذين في المقبرة من موتى المسلمين نرجو أن يشفعوا لنا إلخ، فيصلي لله لكنه يقصد البقعة زعماً منه أن هذا فيه زيادة بركة أو يعمل قربات أخرى عند القبر زعماً منه أن هذا يضاعف الحسنات، فقد يتصدق عند القبور ويضع المياه والأوقاف للناس الذين يعملون البدع. فهذا كله مما هو من التوسل أو التقرب البدعي الذي أدى إلى الوقوع في الشركيات، لأن التقرب إلى الله عز وجل عند القبور فيما لم يشرعه الله بدعة، وكذلك قصد التبرك بها وإهداء الثواب عندها والبناء عليها وتجصيصها وإسراجها واتخاذها مساجد وشد الرحال إليها، بأن يتقصد الإنسان أن يسافر من أجل زيارة قبر أو زيارة مقابر، فهذا كله غير مشروع، إنما المشروع أنه إذا مر بالمقبرة يسلم على أهلها، أما أن يشد الرحال لذلك فالراجح أن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شد الرحال إلا للمساجد الثلاثة، وكلما ثبت النهي عنه وجب اجتنابه، فإن كان دون الشرك فهو من هذا النوع الذي ينافي كمال التوحيد. فما لم يكن له أصل في الشرع من الأقوال أو الأفعال أو التوجهات القلبية أو القولية أو غيرها عند المقابر وسواء كان قبراً فردياً أو مقابر جماعية فإنه يدخل في هذا النوع.

زيارة القبور الشركية

زيارة القبور الشركية النوع الثالث: وهو شركي ينافي التوحيد ويوقع في الخروج من الملة، وهو صرف العبادة لأصحاب القبور وللموتى، لفرد أو لجماعة، إما بدعائهم من دون الله أو الاستعانة بهم بعد موتهم؛ لأنهم لا يقدرون على جلب نفع ولا دفع ضر، أو الاستغاثة بهم أو عمل عبادة محضة مثل الطواف أو النذر أو الذبح تقرباً إليهم، كل ذلك يدخل فيما ينافي التوحيد بل يوقع في الشرك، وهذه الصورة وإن كانت قليلة إلا أنها موجودة، وهي من أخطر ما يقع في المسلمين، ويجب على كل مسلم يرى مثل هذه المظاهر أن يحذر من يقعون فيها، فالدين النصيحة، ولا يجوز لأحد يرى من بعض المسلمين الجهلة يعمل هذه الأشياء إلا ويجب عليه أن ينقذه من النار وينصح له، فيبين له خطورة هذا الأمر؛ لأن الكثيرين ممن يقعون من الجهلة لو بين لهم وجه الحق وأوردت لهم الأدلة بأسلوب لين وناصح فإنهم إن شاء الله سيخضعون للحق. فهذا النوع الشركي وإن كان قليلاً إلا أنه ربما يكون من أعظم أسباب ما وقعت فيه الأمة من هذه العقوبات والأدواء والأمراض والفرقة؛ لأنه لما وجه فريق من المسلمين عبادتهم لغير الله وإن كان على جهل؛ أدى ذلك إلى ضعفهم وهوانهم وذلهم، كما أدى عدم الإنكار على مثل هؤلاء الذين يقعون في مثل هذه المصائب إلى مثل هذه العواقب الوخيمة. فلذلك ينبغي أن يتواصى المسلمون على التحذير من هذه الأنواع البدعية أو الشركية.

أحكام الوسائل التي لها حكم المقاصد

أحكام الوسائل التي لها حكم المقاصد قال المؤلف حفظه الله تعالى: [الثالث عشر: الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدها، فإن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة]. الأصل في الدين أنه شرع من الله عز وجل سواء مما ورد في كتاب الله أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدين كله عقيدة وأحكام وسلوك وتعامل فكل من شرع منه ما لم يأذن به الله فقد ابتدع، وكل محدثة أحدثها الناس وتدينوا بها وتقربوا بها إلى الله وهي ليست من القربات فهي مما يجب رده، وبعض الناس قد يقع في أمور تؤدي إلى البدعة أو الشرك وهو لا يشعر، فعلى هذا فجميع الأمور التي تكون وسيلة إلى الوقوع في البدعة أو وسيلة إلى الوقوع في الشرك فلابد من صدها، وعلى سبيل المثال: الاحتفالات السنوية إما بميلاد الابن أو بمناسبة دنيوية عامة، فيجعل الاحتفال بها التزاماً، فإذا التزم ذلك صار ذريعة إلى البدعة ويتقرر عنده أن هذا المعتاد يجب ألا يترك، ثم يأتي أجيال من الناس يعتبرون أن تركه خطأ، فمن هنا يتعبدون به من حيث لا يشعرون، وأعظم البدع سواء كانت بدعاً قولية أو غيرها بدأت من التساهل وقد لا يقصد الناس بداية الالتزام بها والتعبد، ولكن حين يلتزمونها ويلزمون أنفسهم يكون ذلك على سبيل التعبد، فمثلاً بعض المسلمين بدءوا يحتفلون برأس السنة الهجرية، وصار يهنئ بعضهم بعضاً وكأنه في عيد حتى أن بعضهم أصبح يطلق عليها لقب العيد. فبعض الناس اتخذوا هذه ذريعة للبدعة، وبعضهم وقع في البدعة، أما الذي اتخذ الذريعة للبدعة فذلك الذي أصبح يهنئ ويحتفي بها مع أن أمر الهجرة مهم لكن أصبح يحتفي ويلتزم أنه في ذلك التاريخ ويهنئ من حوله بهذه المناسبة بل ويدعو إلى ذلك ويعتبر هذا من الأمور اللازمة، ثم بعد ذلك تأتي أجيال لا تتخلص من هذا الأمر فتتعبد به، والدليل على هذا أن كثيراً من الناس إذا أنكرت عليه اعتبر هذا موقفاً غريباً؛ لأنهم استمرءوا هذا الأصل فصار ذريعة للبدعة، بل وصل بعضهم إلى الابتداع. وأحياناً قد يتعبد بمناسبات لم تشرع كما شاع عند الناس أنه ما دام آخر السنة أو أول سنة التي تلي يوم الإثنين، فقالوا: نشجع ونحرض على صيامه، والبعض يقول: اختم عامك بصوم، فهذا أراد خيراً لكنه وقع في بدعة، لأنه ما عرف قاعدة الشرع حينما دعا إلى صوم يوم يقصد به التعبد على أساس ذكرى لنهاية سنة أو بداية أخرى، فهذه بدعة لو التزمها الناس لكانت بدعة، وهكذا تساهل الناس في الأمور يجعلها تصل إلى البدع وهم لا يشعرون، ثم تأتي أجيال تجهل الغرض الطيب أو المقصد الحسن عند من بدءوا هذه الأمور، وأغلب البدع وغيرها جاءت من هذا التساهل، فلا يجوز للمسلمين أن يعيدوا ويتعبدوا بتعييد غير العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بذلك، بل إن الأنصار لما استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يأذن لهم بأيام يحتفلون بها ويفرحون فيها مع أبطالهم لم يأذن لهم وقصرهم على العيدين، وهذا توجيه للأمة كلها، فلا يجوز أن يعيد المسلمون بغير العيدين، ولذلك فإن الذين التزموا أعياداً أو مناسبات على سبيل الدوام وصارت عندهم أشبه بالعقيدة بحيث لو تركها أو أنكرها يكون هو المخطئ فهذا قلب للمفاهيم ولو عكسوا لكان هو الصحيح. نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التسمية بسبيل الله

حكم التسمية بسبيل الله Q هل يجوز تسمية شخص لنفسه سبيل الله وهو قد يكون عرضة لأن يقال له: أخطأت يا سبيل الله، وأختلف معك يا سبيل الله، فهل هذا يليق؟ A الذي يظهر أن هذا الاسم غير لائق؛ لأنه من الشهرة ولفت النظر وقد يكون محل تندر، والمسلم ينبغي أن يبتعد عما يؤدي إلى شهرة تكون محل نقد من الناس أو سخرية، وأيضاً: أن سبيل الله أحياناً نقصد به أموراً لا ينبغي التسمي بها؛ لأن سبيل الله صراطه ودينه، فلا يسوغ أن يسمي أحد نفسه دين الله، فهذا غير لائق في الحقيقة وربما يكون فيه سوء أدب مع ما يجب لله عز وجل.

قبول الله تعالى للدعاء بعمل من الأعمال لا ينافي أجر العمل

قبول الله تعالى للدعاء بعمل من الأعمال لا ينافي أجر العمل Q هل إذا دعا الإنسان الله تعالى بعمل من الأعمال الصالحة التي عملها واستجاب الله دعوته هل هذا يذهب أجر هذا العمل؟ A الظاهر والله أعلم أنه لا يذهب؛ لأن فضل الله واسع، بل ربما يزيد أجره، خاصة إذا دعا عند ضرورة، فإذا دعا المسلم ربه عز وجل في عمل بأن ينفعه بعمل صالح فأرجو أن يكون حسناً، وإذا كان لا يزال مرتبطاً بالله عز وجل فيحتسب أجره أولاً وآخراً على الله، فالراجح وما تقتضيه عموم النصوص أن سعة رحمة الله عز وجل وفضله على خلقه أنه إن شاء الله يبقى له الفضل إذا سأل الله بنفع عاجل.

الفرق بين التوسل والاستغاثة

الفرق بين التوسل والاستغاثة Q فضيلة الشيخ! في مجتمعاتنا نرى كثيراً من أفراده يخلطون بين لفظ التوسل ولفظ الاستغاثة فأرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا الفرق وجزاكم الله خيراً؟ A التوسل والاستغاثة بينهما عموم وخصوص، فالتوسل قد يشمل الاستغاثة لكن الاستغاثة فيها خصوصية، فالتوسل هو التقرب بمعناه العام فكل تقرب يسمى توسلاً، فعلى هذا فإن عبادة الله عز وجل توسل، فدعاؤه بالعمل الصالح توسل دعاء، والتوسل هو التقرب بمعناه الواسع، بينما الاستغاثة هي نوع من الطلب وهي نوع من التوسل، وعلى هذا فإن الاستغاثة بالله توسل مشروع والاستغاثة بغير الله توسل بما لا يقدر عليه إلا الله.

حكم الطواف حول القبور

حكم الطواف حول القبور Q سائل يسأل عن الطواف على القبور؟ A الطواف بحد ذاته عبادة محضة وهذا هو الأصل فيه، أما طواف الناس عند القبور فهو لا يخلو من إحدى حالين: إما أن يقصدوا به التعبد فهذا شرك، فمن طاف بغير الكعبة تعبداً فهذا شرك، وإما أن يكون من باب مسايرة الناس والطائف لا يدري يحدث من بعض الزوار مثلاً أو بعض الذين وفدوا على هذه الأماكن والمشاهد وهم لا يدرون خاصة السواح الذين لا يعرفون أسباب الطواف بهذه القبور فيدورون مع الناس وهم لا يدرون لماذا يدورون، فهذا ارتكب بدعة وذنباً عظيم، لكن لا يقال بأنه أشرك؛ لأنه لا يدري أن هذه عبادة، ولم يتقصد العبادة.

حكم جلوس الصالحين داخل القبور

حكم جلوس الصالحين داخل القبور Q يسأل يقول: إن بعض الصالحين يحفرون القبر ويجلسون فيه؟ A هذه ليس هناك دليل قاطع فيها إلا فعل السلف؛ لأنها من الأمور التي لا تحدث على سبيل التعبد، وهذا مسلك شخصي لا نأمر به ولا نستطيع أيضاً أن ننكر على فاعله؛ لأنه لا يفعله على سبيل التعبد، وهو نوع من أنواع ترويض النفس، لكن لو فعله على سبيل التعبد فهو بدعة.

ضابط شد الرحال إلى القبور

ضابط شد الرحال إلى القبور Q شد الرحال لزيارة القبور ممنوعة، ولكن زيارة المسجد النبوي مشروعة فربما يقول قائل: إنه لو زرت المسجد النبوي سأزور النبي صلى الله عليه وسلم هل يعتبر هذا من شد الرحال؟ A لاشك أن كل مسلم يتمنى أنه لو زار المدينة أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بل يعزم على ذلك وهذا مشروع؛ لأنه إذا زار المدينة فإنه يجب عليه من الوفاء لحق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره من الصحابة وأصحاب المقابر من الأموات في البقيع وغيرهم أن يسلم، فكون الإنسان ينوي هذا الأمر ابتداء لا حرج، لكن لا ينشئ السفر، لأن إنشاء السفر لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم مشروع، فعلى هذا تداخل المشروع مع المشروع، والنبي صلى الله عليه وسلم له حق الزيارة، فإذا وصلت إلى المدينة فيجب عليك بل يشرع لك أن تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وتسلم على جميع أصحاب القبور في المدينة وهكذا.

بركة ماء زمزم

بركة ماء زمزم Q هل البركة في ماء زمزم تكون في نفس المكان أم حتى إذا نقل من مكة؟ A الظاهر والله أعلم أن البركة في ماء زمزم باقية حتى لو نقل؛ لأنه لا يوجد دليل يخصص، وهذه الأمور موقوفة على الدليل، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر ذلك وهو المشرع والله عز وجل يعلم أنه ستأتي عند الخلق وسائل لنقل ماء زمزم متوفرة كما هي الآن في الطائرات وغيرها، بل حتى في القديم كان الناس وإن كان في حدودٍ ضيقة ينقلون زمزم إلى غير مكانه، فالظاهر والله أعلم أن البركة باقية في ماء زمزم حتى في غير مكة، لكن ربما اجتماع فضل الزمان وفضل المكان والذي هو مكة مع فضل الماء ربما يزيد البركة تأثيراً.

بركة الوالدين في البيت

بركة الوالدين في البيت Q عن صحة بركة الوالدين في البيت؟ A هذا وارد؛ لأن المقصود بصحة بركة الوالدين هو الانتفاع ببرهما وأيضاً ما عندهما من تجارب ومن حنو ومن عند الوالدين من جمع شمل الأسرة هذا كله أمور فيها بركة؛ لأن البركة أحياناً يقصد بها مجرد وجود النفع فالبركة من هذا الوجه موجودة أن يكون في وجود الوالدين في البيت نفع للجميع، هذا لاشك فيه حتى أيضاً نفع ديني بمعنى احتساب من حولهما ببرهما وخدمتهما هذا فيه زيادة عمل صالح وهذا من البركة، نعم.

حكم البرمجة اللغوية العصبية

حكم البرمجة اللغوية العصبية Q تسأل عن البرمجة اللغوية؟ A البرمجة العصبية لا تزال طارئة علينا، وقراءتي فيها قليلة لكن مما قرأته أن البرمجة العصبية تختلط فيها الحقيقة بالدجل، وتختلط التجارب بالأمور الوهمية والغيبيات، وتختلط فيها التجربة والانتفاع بالوسواس والأوهام، وهي لا تزال فيها غموض ونظر ولذلك نجد كثيراً من الذين عندهم توهمات ووساوس أو تساهل في الدجل والتخرصات، يدخلون من خلال البرمجة العصبية ولا يعني ذلك أن نتهم كل من عمل هذا العمل، لأنني أعرف من الصالحين من استفادوا وأفادوا من هذه البرمجة، لكن مع ذلك على حد علمي الآن الذين يلجونها ليسوا كلهم على نهج سليم، وليس كل ممارساتها سليمة ولا حتى كل قواعدها التي قعدها أصحابها وأغلبهم من الذين مقاييسهم تختلف عن مقاييس المسلمين، فليست كلها سليمة، وفي الجملة أرى أنها تحتاج إلى تعريف، والله أعلم. السؤال: لو أن المسلم له معصية ثم تاب منها لكنه لم يتلف آثارها سماع الأغاني، ثم أتلفت الأشرطة تقرباً إلى الله عز وجل أو توسلاً إليه في الدعاء، فهل يصح منه هذا؟ الجواب: التوبة من المعصية والإقلاع عن المعاصي ينبغي أن يصحبه التخلص من هذه الأشرطة وتبديلها بأشرطة أخرى، لكن لما لم يكن هذا ذنباً تستغفر الله وتتوب إليه وفي إتلافه احتساباً لله إن شاء الله مما يتقرب به ويعتبر من التوسل المشروع أن تتقرب إلى الله بإتلافها لمادة المعاصي ووسائلها.

زيارة النساء للمقابر

زيارة النساء للمقابر Q ورد في الحديث أن النساء هن أكثر أهل النار، فلماذا لا يجوز لهن زيارة القبور؟ الشرح: مثل هذه الأمور توقيفية، فهي ليست بالعواطف ولا بمقاييس الناس، بل هذا من لدن الحكيم الخبير سبحانه والرسول صلى الله عليه وسلم مشرع له، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة النساء للقبور، وفي هذا مصالح لهن في الدين والدنيا؛ لأن المرأة عاطفية وغالباً أنها تجهش بالبكاء وتتجاوز الحد فتأثم وتضر غيرها وتضر الميت؛ لأن الميت إذا كان له شعور -إن صح- فإن هذا يضره ويؤذيه، والأمر الآخر أن المرأة أحياناً قد تخرج عن طورها بالبكاء إلى أمور غير محمودة تضرها في عقيدتها وفي دينها، فلذلك حجب الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة عن زيارة القبور إشفاقاً عليها وعلى دينها وعلى ذمتها. ولذلك أدلة فالمرأة التي كانت تصيح على ميتها عند القبر فلما نهاها النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالصبر قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إليك عني، بمعنى أنك لم تشعر بما أنا فيه من مصاب وما علمت أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يليق، ولو تعمدت لكان هذا كفراً، لكنها ما كانت تدري أنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما علمت أنه النبي صلى الله عليه وسلم وهدأت من غضبها جاءت تعتذر، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لها أن هذا خطأ، وشرع للأمة، وإذا كانت هذه امرأة من الصحابيات قد وقعت في حرج مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي اسم عظيم، فهذا دليل على أن المرأة لعاطفيتها وحنوها -وهذا جانب تمدح فيه من وجه- وإشفاقاً عليها وإنصافاً لها وعدلاً في حقها أن تحجب عن زيارة القبور. أما ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن أكثر أهل النار من النساء فهذا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يناقش فيه غيره، بل يجب التسليم به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك ببعض العلل ومن ذلك أنه ذكر أن النساء يكفرن العشير، وأيضاً النساء أكثر انجرافاً أمام الشهوات والشبهات وأكثر وقوعاً في بعض المنهيات، مثل: الغيبة والنميمة واللجوء إلى السحرة والدجالين، فهذا حكم الله ليس لنا فيه خيار، ولا يجوز لنا أن نسأل سؤال المعترض، لكن سؤال المستكشف الذي يريد أن يزداد من الخير والإيمان فلا حرج في ذلك.

توسل الصحابة بدعاء العباس

توسل الصحابة بدعاء العباس Q بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم توسل الناس إلى الله عز وجل بدعاء العباس رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك عند الدعاء لنزول المطر فهل مثل هذا يجوز الآن؟ A هذا من الأدلة الواضحة التي تقلب على المبتدعة، فكثير من أدلة أهل البدع تكون دلالتها ضد ما يقولون، واستدلالهم بالحديث لا يخلو من جهل وتلبيس وتكلف، وأحياناً قد لا يوجد عند من يستدل بهذا الحديث شيء من ذلك وقد يكون غير جاهل ولكنه التبس عليه الأمر أو يكون قلد غيره، فحديث العباس مجمل ومفصل، واستدل به كثير من الذين يتذرعون به للبدع على وجه لا يستقيم، بل يختلف عن القصة الحقيقية التي حدثت فيها هذه الواقعة ويختلف عن فهم السلف لها بل عن سياقها، ونبدأ باستشفاع عمر رضي الله عنه بـ العباس؛ لأن كثيراً من أهل البدع يظنون أن هذا دليل على جواز التبرك والتوسل البدعي بذوات الأشخاص، والصورة التي وقعت فيها قصة الاستشفاع بـ العباس واضحة بينة تدل على أن المقصود به قطعاً هو التوسل بدعاء العباس، وهذا مشروع إلى اليوم وإلى قيام الساعة، والواقعة أن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أصابهم جدب أو شيء أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون به ويقولون: يا رسول الله! ادع الله لنا فيدعو لهم، كما في قصة الرجل الذي دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فطلب منه وتوسل به أن يدعو، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا الله عز وجل أن يغيث المسلمين فأغاثهم ثم بعدها بأسبوع استمر المطر حتى خشوا الغرق، فجاء ذلك الرجل ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فتوسل به أن يدعو الله، فكان أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بأن يرفع المطر عن المسلمين، كذلك هذه الصورة الشرعية التي حدثت للعباس، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم لما أصابهم الجدب في عهد عمر قال عمر: اللهم إنا كنا نستشفع بنبيك. يعني: يدعون الله عز وجل بذلك أو يخاطبون ربهم ثم قال: وإنا نستشفع بعم نبيك وكان الاستشفاع بعم النبي صلى الله عليه وسلم بأن وضعوه أمامهم فصار يدعو ويؤمنون بعده ولم يتمسحوا بثيابه ولا بجسده، وإنما التوسل بـ العباس أن جعلوه أمامهم يدعو وهم يؤمنون بعده، فأغاثهم الله عز وجل وحدث هذا من معاوية رضي الله عنه عندما استشفع بـ الأسود، وحدث من كثير من الصحابة، ويحدث في تاريخ الأمة قديماً وحديثاً أن الناس يقدمون الصالحين منهم يدعون والناس يؤمنون، وهذا من أسباب الإجابة بإذن الله فهذه الصورة ليس فيها بدعة بل فيها المشروع، ويجب أن نبقى على هذا المشروع ولكن أنى لهم أن يستدلوا بذلك على البدع التي يعملونها وهو التمسح والتبرك بالذوات ونحو ذلك، فهذا لم يحدث من الصحابة. وكذلك الأعمى جاء يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له عند الله ويتوسل به عند الله أن يعيد له بصره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نصحه بأن يصبر لكنه آثر بأن يرد له بصره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتوضأ ويصلي ثم يدعو الله عز وجل أن يستجيب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا له مع أنه كان يتبرك حتى بذات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نظراً لأن هذا تشريع للأمة؛ ولأن هذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم فكان وجه الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأعمى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وأنه دعا الله بأن يستجيب دعاء نبيه فيه، فهذا الوجه مشروع. فأي دليل على ما يعمله أهل البدع من التمسح بالذوات والتبرك بالأشخاص ودعاء غير الله إما بمعنى الاستشفاع أو من باب الشرك، فإذاً الأدلة التي في هذا السياق عليهم وليست لهم؛ لأن سياقها ينبغي أن يكون بكمال القصة وبفعل الصحابة وتفسيرهم؛ لأن الصحابة هم الذين طبقوا تلكم الأحكام، وهم الذين حدثت على أيديهم تلك الأحداث، فينبغي أن نفهمها بعمل الصحابة وبفهمهم رضي الله عنهم ثم بعمل السلف وبفهمهم، فلم يكن أحد من السلف الصالح في القرون الفاضلة يستخدم التوسل إلا بهذه الطريقة وكذلك التوسل بالأشخاص وبالاستشفاع بهم بأن يطلبوا من الصالحين الدعاء وهم يؤمنون على دعائهم أو يطلبون منهم الدعاء حتى لو ما أمنوا. فصور الاستشفاع كثيرة لكن أبرزها الاستشفاع من أجل استنزال الغيث أو دفع الضرورات والمصائب العظمى عن الأمة، عندما تكون الضرورات والمصائب لا أن يتقدم رجل صالح ثم يدعو الله عز وجل ويؤمن المسلمون من ورائه على دعائه، فهذه الصورة مشروعة بل من أعظم القربات إلى الله عز وجل.

تفسير قول الله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة)

تفسير قول الله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) Q ما هو تفسير قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35]؟ A قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35] أي: تقربوا إليه عز وجل بما تتوسلون به، والوسيلة هي عبادته ودعاؤه والتقرب إليه بكل عمل صالح، فالوسيلة التي يتقرب بها إلى الله هي الوسيلة في عبادته والتقرب إليه بأنواع القربات، وهذا هو عين المشروع بل هو العبادة التي يجب أن نتقرب بها إلى الله عز وجل.

حكم صيام يوم معين توسلا به إلى الله

حكم صيام يوم معين توسلاً به إلى الله Q هل يجوز لأحد أن يصوم يوماً توسلاً أو يتقرب به لدعاء الله عز وجل؟ A نعم، إذا كان الصيام يوافق الأيام المشروعة، فلا تفرد الجمعة ولا العيد بصوم، إنما في الأيام التي يشرع فيها الصوم فلا مانع من هذا لقصد التقرب والدعاء إلى الله عز وجل، لأن الإنسان إذا شعر بضعف قلبه أو ضعف إيمانه وأراد أن يقوي قلبه بالصيام فإنه يكون أثناء الصيام يدعو الله عز وجل بما يشاء فإذا تقصد هذا لا حرج؛ لأن الصيام عبادة، ومن مواطن إجابة الدعاء الصيام، خاصة الصائم عند فطره، فإن له دعوة مستجابة، فهذا القصد بهذا الحد مشروع بل هو مما يتقرب به إلى الله.

حكم ظن بعض الصالحين أنه بمجرد لمسه لعضو مريض يشفى بإذن الله

حكم ظن بعض الصالحين أنه بمجرد لمسه لعضو مريض يشفى بإذن الله Q يزعم أنه بمجرد لمسه لعضو مريض أو نفثه عليه يشفى بإذن الله، وقد يكون هذا الشخص من الصالحين أو من عامة المسلمين، فما حكم الشرع في ذلك؟ A هذه من الأمور الخطيرة التي قد يبتلى بها بعض الرقاة وإن كانوا من الصالحين والمتدينين أو قد يعرفون بالحرص على التزام السنة، إلا أن أحياناً قد تأتيهم غفلات، والشيطان يضع للإنسان مصائد، ومن أعظم المصائد التي يصطاد بها الرقاة أو بعض الصالحين هي مثل هذه الأساليب، بأن يتوهم أنه إذا لمس شخصاً استفاد وأنه شفي، لكن إذا كان اللمس مبنياً على بركة القرآن بأن ينفث الراقي في يديه ثم يمسح جسده أو جسد غيره تبركاً بالقرآن الذي نفث، فالنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه كان يقرأ شيئاً من القرآن والأدعية ثم يمسح جسمه بيديه، فهذا مشروع مع النفس ومع الغير بهذه الصورة، لكن إذا كان يعتقد أنه بمجرد اللمس تحصل فائدة فنقول: نعم قد تحصل فائدة لكنها ابتلاء، فالإنسان قد يستفيد الشفاء وهذا قد يستفيد بأنه يشفى على يده ناس لكن قد يخسر عقيدته وشيئاً من دينه. فليتق الله فإن مجرد هذه الأساليب اللمس أو النظرة أو الإشارة التي يجد فيها تغييراً لحال المريض دون سبب شرعي وهو القرآن أو الدعاء المشروع فهذا نوع من عبث الجن والشياطين بالإنسان. ويتبع ذلك استعمال حركات تزيد عن العرف المشروع، فيجب التنبه عندما يعمل الإنسان مع قراءة القرآن عملاً مشروعاً كالنفث في اليدين ومسح المريض أو لمس المريض برفق من أجل إدخال الطمأنينة على نفسه لا اعتقاد أن اللمسة تنفعه، لأن بعض الناس قد يكون عنده من رقة الطبع والتلطف مع المريض بحيث يربت على كتفه أو يلمس شيئاً من جسمه إذا كان لمس جسمه مشروعاً من باب طمأنته وإدخال السرور عليه لا من باب أن هذه اللمسة هي بحد ذاتها تنفعه، فينبغي أن نتنبه لما يعمله كثير من الرقاة وأنصح الرقاة أن يتنبهوا للتفريق بين الحركات المشروعة وبين الحركات غير المشروعة، وليعلموا أنه يكثر الابتلاء بالحركات غير المشروعة بحيث يستفيد منها المريض للحاجة، لكن أن يكون ذلك على سبيل دينه وعقيدته ويكون بالابتلاء والفتنة؛ لأن الله عز وجل وكله إلى ما اعتقد ومجرد وجود الاستفادة لا تعني مشروعية العمل، بل الابتلاء والفتنة أقرب، فيجب التنبه لهذا والحذر من الأساليب التي تزيد عن المشروع. ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد، كما نسأله تعالى الإخلاص في القول والعمل، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وأن يهدي ضالهم ويرشدهم إلى طريق الصواب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإيمان

مجمل أصول أهل السنة - الإيمان الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والأعمال داخلة في مسمى الإيمان، والاستثناء في الإيمان من المسائل الحادثة التي يسوغ فيها الخلاف، وللإيمان نواقض إذا ارتكبها المسلم أو ارتكب واحداً منها بطل إيمانه، ولابد في تكفيره من توافر شروط وانتفاء موانع؛ فإنه لا يكفر كل من ارتكب ناقضاً من نواقض الإيمان إلا بذلك.

قواعد في الإيمان والكفر

قواعد في الإيمان والكفر بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: الإيمان: أولاً: الإيمان لغة: التصديق، وفي الشرع: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فهو قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، فقول القلب اعتقاده وتصديقه، وقول اللسان إقراره، وعمل القلب تسليمه وإخلاصه وإذعانه وحبه وإرادته للأعمال الصالحة، وعمل الجوارح: فعل المأمورات وترك المنهيات]. موضوع الإيمان من أهم المواضيع التي يجب أن يعنى بها كل مسلم؛ لأنه ينبني عليها دينه، والإيمان له مفهوم لغوي عام، وله مفهوم شرعي اصطلاحي، وهو المقصود بإطلاق الإيمان في الكتاب والسنة.

مفهوم الإيمان

مفهوم الإيمان لفظ الإيمان من الألفاظ المجملة التي إذا جاء الشرع بتحديدها أو بوصفها على هيئة معينة فإنه يجب التزام هذا الوصف كسائر المصطلحات الشرعية، لأن الأمر لا يخص الإيمان فقط، بل أكثر المصطلحات الشرعية جاء الشرع في التوسع بدلالتها أو بتحديدها، وذلك بوضع مصطلح شرعي إما أن يكون أوسع من المصطلح اللغوي أو يحدده. مثال ذلك: الصلاة، فالصلاة لغة هي عموم الصلة، ويدخل فيها الدعاء، والتقرب إلى الله بأي عمل، ويدخل فيها كثير من الأعمال اللسانية والقلبية، وعمل الجوارح، وتسمى صلاة لغة، لكن حدد الشرع مفهوم الصلاة بركن الإسلام المعروف، فبين لنا في النصوص الشرعية لأنه يقصد بالصلاة هذه العبادة التي جاءت على هيئة معينة، بركوعها وسجودها ووقتها وشروطها وواجباتها. إذاً: الشرع حدد معنى الصلاة، فمن هنا إذا أطلق معنى الصلاة في الدين فإنه يعني ركن الإسلام المعروف، الذي جاء الشرع بتحديد هيئته وشروطه. وكذلك الإيمان له معنى لغوي عام، وهو: التصديق، لكن الشرع وضع للإيمان مفهوماً اصطلاحياً عظيماً يشمل الدين كله، فالإيمان في الشرع هو الدين بمجمله، كما قلنا: إن الإسلام هو الدين بمجمله، والسنة هي الدين بمجمله. ولكن نظراً لأن مفهوم الدين وردت فيه مصطلحات شرعية، تترادف أحياناً وتختلف أحياناً في بعض معانيها، وتجتمع في أمور، وتختلف في أمور، فالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم سميا الدين الإسلام والإيمان إلى آخره. فالإيمان بالمصطلح الشرعي هو اعتقادات وأقوال وأعمال حددها الشرع، وهذا يشمل عامة الدين. والإيمان له تعريف موجز كما عبر عنه السلف وهو: قول وعمل. وتعريف مفصل وهو: اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الأركان والجوارح، والجوارح هي الأعضاء. وليس بين التعريفين تعارض، بل الأول المجمل يعتبر تعريفاً حدياً أقرب أو أدق في المعنى اللغوي، لكن نظراً لأن اللغة ضعفت في أذهان الناس، اضطر السلف للتفصيل، وإلا فإن الإيمان في أصل تعريفه هو قول وعمل، والقول يشمل قول اللسان، وقول القلب؛ لأن القلب يعبر عن قوله باللسان. كما أنه يشمل عمل القلوب الذي هو الأمور الإيمانية من التقوى والصلاح والاستقامة والإنابة والخوف والرجاء والمحبة، وكل هذا يسمى عمل القلب، وعمل القلب وعمل الجوارح هي الأعضاء التي تتمثل بأركان الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنها قول اللسان وهي عمل اللسان، ثم الصلاة والزكاة والحج وسائر أعمال الإسلام هي إيمان، ومن هنا تدخل في جزء من حقيقة الإيمان، وهي أنها عمل. وعلى هذا فحقيقة الإيمان الشرعية تشمل الأمرين: الأمور القلبية، والأمور العملية التي هي أعمال الجوارح كما جاء به الشرع، وعلى هذا فيمكن أن نحدد هذا المفهوم بلغة أبسط، وهي: أن الإيمان التزام شرع الله اعتقاداً وعملاً. إذاً: الإيمان أدخل فيه الاعتقاد والأعمال وهما لا ينفكان، ولا يجوز حصر الإيمان في نوع واحد كالأمور الاعتقادية فقط؛ لأن هذا يخرج الأعمال التي هي جزء من الإيمان، ولا تحصر أيضاً في الأمور العملية؛ لأن هذا يخرج الأمور القلبية من الإيمان، فعلى هذا فالإيمان لا يكتمل تعريفه وحقيقته شرعاً إلا بأن نجمع بين الاعتقاد والقول والعمل. ولذا فإن الإيمان يزيد وينقص، وهذه تسمى مسائل الإيمان؛ لأن الإيمان يتمثل بأركان هي أركان الإيمان الستة المعروفة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل، ويتمثل الإيمان كذلك بالأعمال التي هي أمور الإسلام. وينقسم الإيمان من حيث حقيقته إلى: أركان الإيمان وإلى مسائل الإيمان، فأركان الإيمان هي الستة المعروفة، وأما مسائل الإيمان فهي: أولاً: أن الإيمان قول وعمل، أو أن الإيمان اعتقاد القلب، ونطق اللسان بالحق، وكذلك عمل الجوارح على مقتضى شرع الله. ثانياً: أن الإيمان يزيد وينقص. ثالثاً: أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان. رابعاً: جواز الاستثناء في الإيمان؛ لأنه راجع إلى أعمال المكلفين، وأعمال المكلفين ليست معصومة، فالمسلم عندما يُسأل: هل أنت مؤمن؟ يجوز أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، مع أنه لا يشرع السؤال أصلاً، ولا ينبغي الجواب أيضاً، لكن إذا ابتلي المؤمن بمثل هذا السؤال فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لا لأنه متشكك في تصديقه؛ لكن لأنه لا يدري عن مصيره، لأن المصير عند الله عز وجل، فهو يرجو ويعلق الأمر بمشيئة الله تفاؤلاً وتبركاً، ويعلق الأمر بمشيئة الله؛ لأن الأمر بيد الله من قبل ومن بعد، فلا يجوز التألي على الله.

دخول الأعمال في مسمى الإيمان

دخول الأعمال في مسمى الإيمان المسألة الثانية: أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وهذا في الحقيقة أمر بدهي، على مقتضى قطعيات النصوص، من الآيات وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأعمال الإسلام، وأعمال المسلمين كلها تدل دلالة قطعية على أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان لا يمكن أن يتم ويكتمل إلا بالأعمال. وعلى هذا فإن هذه الحقيقة لم تكن محل خلاف في عهد الصحابة والتابعين إلى وقت تابعي التابعين نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني حين ظهرت فرقة يقال لها: المرجئة، وزعموا أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وإن كانت الأعمال مطلوبة منهم شرعاً، فالأوائل منهم كانوا أهل ورع، ولا يستهينون بالأعمال، لكنهم لا يرون أنها تدخل في مسمى الإيمان. وهذه المقالة ناتجة عن عقدة فلسفية، وراجعة إلى خطأ في الاستدلال، وخطأ في الفهم أيضاً، وتجاوز منهج السلف، وحينما زعمت المرجئة بأن الإيمان هو التصديق، وأن التصديق لا يدخل فيه العمل، بمعنى أنهم أعادوا المصطلح الشرعي إلى المعنى اللغوي فقط، وما من أحد يحصر المصطلح الشرعي في المعنى اللغوي في أي أمر من أمور الشرع إلا ويقع في خطأ فادح، لأن الشرع جاء بإطلاق الألفاظ الشرعية على معانٍ شرعية محددة، ومنها الإيمان، ولو أخذنا الإيمان بمجرد معناه الذي هو التصديق، لأدى هذا إلى كارثة في الدين لأننا حصرنا الدين في مجرد التصديق وأخرجنا المعاني الأخرى من الإيمان، فاستهان الناس بالأعمال. وعلى هذا فالسلف اضطروا إلى أن يقرروا هذه القاعدة مع أنها بدهية، لأن هناك من شكك فيها. وأما الأدلة على ذلك فأنا أحصر هذا في دليلين: الدليل الأول من القرآن: فإن الصحابة رضي الله عنهم لما صرفت القبلة إلى الكعبة بعد بيت المقدس، خاف الذين صلوا من المسلمين في التاريخ الأول وماتوا قبل أن يدركوا صرف القبلة ألا تقبل أعمالهم، ولا إيمانهم، ولا دينهم، فقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] يعني: صلاتكم، والصلاة عمل، وسماها الله عز وجل إيماناً. أما الدليل الثاني: فهو دليلٌ قاطعٌ وواضحٌ جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم وصريح لا يستطيع أحد أن يرده وهو يدل على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون -وفي رواية: بضع وسبعون- شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله) وشهادة أن لا إله إلا الله هي قول وعمل يعني: عمل اللسان، وعمل القلب، ثم قال: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وإماطة الأذى عن الطريق عمل، وسماها إيماناً، وعدها من شعب الإيمان. فالأحاديث في هذا الباب متواترة، وهي تقرر صراحةً بأن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان بل لا تكاد تحصر، وتصل إلى حد التواتر، والمتواتر لابد من قبوله. إذاً: الأعمال تدخل في مسمى الإيمان؛ لأنها جزء من الدين، فالإيمان هو التزام شرع الله، عقيدة وقولاً وعملاً.

زيادة الإيمان ونقصانه

زيادة الإيمان ونقصانه المسألة الثانية: أن الإيمان يزيد وينقص، فإذا قلنا: إن الأعمال من الإيمان، فمن الطبيعي أن الإيمان يزيد وينقص، فهو يزيد الإيمان بزيادة فعل الخيرات، وبزيادة التقرب إلى الله عز وجل، سواء بالأحوال القلبية، أو بالذكر اللساني، أو بأعمال الجوارح والأعضاء، كما يزيد بالصلوات، وبالنوافل، وبالإحسان إلى الناس وبالبر، ويزيد بزيادة الصيام، إلى آخر الأعمال المشروعة. وينقص بنقص ذلك، كما ينقص نقصاً في الأعمال القلبية، فكلما ضعف إيمان الإنسان، وضعف يقينه ضعف إيمانه، وكلما ضعفت أحواله القلبية من المحبة والرجاء والخشية والتوكل والإنابة واليقين ضعف الإيمان، وكلما زاد ذلك زاد الإيمان. وكذلك الأعمال الظاهرة كلما كثر فعل الطاعات من المسلم زاد إيمانه إذا توفر عنده الإخلاص والاتباع؛ لأن زيادة الإيمان مشروطة بشرطين: الإخلاص لله عز وجل والنية الصالحة، واتباع السنة، وإلا فإن بعض الناس قد يتعب في عمل خيرات لا يريد بها وجه الله فيحبط إيمانه، بعكس ما يتصور، فعلى ذلك فإن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالأعمال القلبية وينقص بها، ويزيد بأعمال الأعضاء وينقص بها، فالإنسان إذا توفر عنده الإخلاص واتباع النبي صلى الله عليه وسلم واتباع السنة زاد إيمانه.

الاستثناء في الإيمان

الاستثناء في الإيمان المسألة الثالثة: يجوز الاستثناء في الإيمان، وهل يعني ذلك أن الإنسان يلزمه دائماً أن يقول: إن شاء الله في كل قربة يعملها؟ لا يلزمه، والأصل في الاستثناء في الإيمان وسؤال الناس عن الإيمان أنه من الأمور الحادثة، ولذلك فإن السلف لما بدأت ظاهرة سؤال الناس عن الإيمان اعتبروه بدعة؛ لأن هذه من الأمور المحدثة في الدين، والناس يتركون على ظواهرهم، ويحمل المؤمنون والمسلمون على مجملات الدين وعلى ما هم عليه، ولا يجوز امتحانهم، ولكن إذا وقع السؤال بأن سُئلت أو سئل غيرك: هل أنت مؤمن؟ فالأولى أن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو تقول: آمنت بالله وعليه توكلت، ونحو ذلك. فيجوز أن تقول: إن شاء الله، لكنها غير ملزمة، لكن يجب أن تعتقد أن حقيقة الإيمان مرتبطة بمشيئة الله عز وجل، وبتوفيق الله، فتحقق الإيمان في المؤمن راجع إلى توفيق الله له، فعلى هذا لابد أن يستثني، لا لأنه يشك، إنما يستثني لأنه لا يدري عن المصير؛ ولأنه يقول: إن شاء الله تفاؤلاً، واستعانة بالله، وتوكلاً على الله. وقوله: (فقول القلب اعتقاده وتصديقه) ويضاف إلى ذلك جميع الأحوال القلبية التي يكون بها الإيمان، مثل: محبة الله ورجائه وخوفه واليقين والإنابة والتوكل، إلى غير ذلك من الأعمال القلبية. والاعتقاد بأن يجزم المسلم بكل ما ثبت في الكتاب والسنة من أصول الدين وثوابته وأحكامه، ويدخل في هذا القلب. لكن لا بد أن يتعدى ذلك إلى قول اللسان، بأن يعترف الإنسان بلسانه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبمعاني الإيمان والإسلام، وأيضاً يلتزم شرع الله فيما يجب من الذكر اللساني، والذكر اللساني في الصلوات وغيرها، وفي التلبية بل لا يكاد يحصر الذكر اللساني، وكله تعبير عن الإيمان باللسان. ثم قول اللسان يدخل فيه الإقرار، ويدخل فيه أيضاً الذكر، وعمل القلب كذلك تسليمه وإخلاصه، فمن عمل القلب: التسليم والرضا بشرع الله وحكمه، فهو داخل، بل هذا ثمرة الإيمان، التسليم والرضا والاستعداد للعمل أمر قلبي، لا بد أن تنتج عنه أعمال، ولذلك فإن الله عز وجل جعل العمل امتحاناً لحقيقة الدعوى قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. فالاتباع هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به من الدين، ومحبة الله هي حقيقة الإيمان، وهي أول أركان العبادة، فمن ادعى أن حب الله هو مجرد دعوى في القلب، فلابد أن يظهر ذلك على أثر أعماله، ومن هنا يتبين لنا حقيقة الإيمان، وأنه قول وعمل، وأنه يدخل في أعمال القلب وأعمال الجوارح. قوله: (وإخلاصه) أي: صدق النية مع الله، والإخلاص هو صدق التوجه إلى الله، وأن لا يشرك مع الله أحداً في التوجه، والإخلاص هو إخلاص العبادة، وإخلاص الإذعان، وإخلاص اليقين، وإخلاص النية؛ لأن النية تدخل في الأمور القلبية وأمور الأعمال، وكذلك حبه وإرادته للأعمال الصالحة. وعمل الجوارح هي: أعضاء الإنسان ومنها القلب فهو يدخل مع الجوارح، لكن القلب قد يكون عمله باطنياً، بمعنى أعمال قلبية غير ظاهرة، لكن من البدهي أن الأعمال القلبية لا تصدق ولا تصح إلا إذا أثمرت أعمالاً، والتي هي مجموع الاستقامة على الدين. فعمل الجوارح هو فعل المأمورات وترك المنهيات، فعل ما أمر الله به من الصلاة وما دونها من جميع الأعمال إلى أقل الأعمال، ثم ترك المنهيات، وهي كل المحرمات والمكروهات وما دون ذلك من المشتبهات.

إخراج العمل عن الإيمان وإدخال ما ليس منه فيه

إخراج العمل عن الإيمان وإدخال ما ليس منه فيه قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثانياً: من أخرج العمل عن الإيمان فهو مرجئ، ومن أدخل فيه ما ليس منه فهو مبتدع]. هذه قاعدة فرعية تابعة للقاعدة الأولى، فإذا عرفنا أن الإيمان قول وعمل، وأن الإيمان يشمل الأمور القلبية والاعتقادية والمعرفية وغيرها، كما يشمل الأعمال الظاهرة، فإن من ادعى أن العمل لا يدخل في الإيمان كما قالت المرجئة وهم أصناف، منهم: المرجئة الغلاة الذين أعرضوا عن شرع الله عز وجل واستهانوا به، وزعموا أن مجرد المعرفة تكفي، وهذه فلسفة قد تصل بالإنسان إلى الخروج من الدين، إذا أعرض عن الدين بالكلية بدعوى أنه يكفيه المعرفة. والصنف الثاني قد لا يخرج من مقتضى الدين لكنه خرج عن السنة، وهم الذين ادعوا أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، فكل من ادعى أن الأعمال ليست من الإيمان فهو مرجئ. والمرجئ هو: من يعتقد أن الأعمال لا تدخل في الإيمان، وسمي مرجئاً؛ لأنه أخر الأعمال عن الإيمان، وهذا تسميه العرب في لغتها إرجاء؛ لأنهم جعلوا الأعمال متأخرة، وهذا هو الأصل في التسمية، أنهم أرجئوا الأعمال وأخروها وأبعدوها عن الإيمان وفصلوها عن حقيقته. إذاً: كل من أخرج الأعمال المطلوبة شرعاً من الإيمان وقال: إنها ليست من الإيمان فهو مرجئ، وكذلك العكس: من أدخل في الإيمان ما ليس منه فهو مبتدع. وهذا ينطبق على البدع التي أحدثها الناس وزعموا أنها من الدين، وزعموا أنها من الإيمان، فهذه لا تدخل في الإيمان، فكل ما أحدث باسم الدين من المحدثات فهو لا يدخل في مسمى الإيمان، وإن قصد به فاعله زيادة الإيمان. مثال ذلك: الاحتفالات البدعية التي يتدين بها الناس، ويقصدون بها أموراً إيمانية: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو محبة الصالحين، أو محبة الأولياء، ولا شك أن هذا من أعظم الإيمان؛ لكن نظراً لأن هذا غير مشروع فإدخالهم هذا العمل في مسمى الدين والإيمان خطأ بل هو بدعة. فمن أدخل في الدين أو في الإيمان ما ليس منه فهو مبتدع؛ لأنه شرع ما لم يشرعه الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) و (أمره) أي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو هذا الدين الذي يشمله مسمى الإيمان، (ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو هذا الدين الذي تمثل فيه الإيمان، كل من عمل عملاً ليس مشروعاً فلا يدخل عمله في مسمى الإيمان، فهو مردود، ثم تاج ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة).

الأحكام المترتبة على من لم يقر بالشهادتين

الأحكام المترتبة على من لم يقر بالشهادتين قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثالثاً: من لم يقر بالشهادتين لا يثبت له اسم الإيمان ولا حكمه لا في الدنيا ولا في الآخرة]. الشرح: المقصود بهذا أن من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، سواء من لم يكن مسلماً أصلاً، أو نشأ بين المسلمين، ثم لما بلغ وقامت عليه الحجة، لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عمداً، لا غفلة؛ لأنه قد يغفل، لكن إذا لم يقر بالشهادتين، أو كان غير مسلم، ثم لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلا يثبت له اسم الإيمان -أي: لا يقال: إنه مؤمن- ولا حكم الإيمان من حيث ما يترتب عليه الإيمان من الثواب في الدنيا والآخرة، فعلى هذا يبقى تحت مسمى غير المسلم أو مسمى الكافر. وقوله: (لا في الدنيا) بمعنى أنه لا يستحق أحكام المؤمنين؛ لأن أحكام المؤمنين معروفة في التعامل في جميع شئون الحياة، وفي الممات من حيث الصلاة عليه وميراثه وغير ذلك مما هو معلوم. وفي الآخرة ما بعد الموت: أي حسابه عند الله عز وجل كما ثبت في قطعيات النصوص، أن من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو من أهل النار، وليس له حكم الإسلام. والنبي صلى الله عليه وسلم أكد ذلك كما في صحيح مسلم وغيره بقوله: (والله لا يسمع بي رجلٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)، وإذا كان هذا في أهل الكتاب، فغيره من باب أولى، وهذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: هذا يدخل فيه؛ لأن هؤلاء لم يقروا بالشهادتين، فلا يثبت لهم اسم الإيمان ولا حكمه، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

بين الإسلام والإيمان عموم وخصوص

بين الإسلام والإيمان عموم وخصوص قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: الإسلام والإيمان اسمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، ويسمى أهل القبلة مسلمين]. الشرح: المقصود بهذا أن الإسلام والإيمان من الألفاظ الشرعية التي تطلق على الدين، وتطلق على أفراد المسلمين، يقال: مسلم ومؤمن، لكن هذه الكلمات تشترك من وجه وتختلف من وجه، وهذا في عموم المصطلحات الشرعية، مثل الإسلام والإيمان، عبارات تتناوب، بأن تشترك في معانٍ وتختلف في معانٍ، فمثلاً: الإسلام في الأصل يطلق على أعمال الدين الظاهرة، وعلى ما يبدو من المسلم من تسليمه للدين، حينما يعترف بالإسلام، ويقيم شعائر الإسلام، فهذا يوصف بأنه مسلم، وحكمه أنه على الإسلام. والإيمان المقصود به: القطع واليقين في القضايا العقدية العلمية التي هي في القلب، ولذلك عد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإيمان بأركانه الستة، والأركان الستة كلها عقائد وليس فيها أعمال، بل كلها تصديق ويقين، لكن لا بد أن يثمر عنها العمل، ثم لما ذكر الإسلام في الحديث ذكره بأركان الإسلام الظاهرة، فهل يعني هذا -كما يظهر لبعض الناس الذين لا يأخذون بعموم الأدلة- أن الإيمان هو الأمور الاعتقادية فحسب ولا تدخل الأعمال؟ A لا، لكن إذا اجتمع الوصفان، الإسلام والإيمان في عبارة واحدة وفي مقطع واحد وحديث واحد، فإن الإسلام غالباً يطلق على الأعمال الظاهرة، والإيمان يطلق على الأعمال العلمية اليقينية الاعتقادية الباطنة، وإذا انفرد كل واحد منهما شمل المعنى الآخر، فإذا قلنا: الإيمان من غير أن نذكر الإسلام فلابد أن يشمل الإسلام، وإذا قلنا: المؤمن فالأصل أن يكون مسلماً، وإذا قلنا: الإسلام فلابد أن يشمل الإيمان، والمسلم الأصل أن يكون مؤمناً، ولكنه غير لازم. فالإسلام والإيمان وصفان شرعيان بينهما عموم؛ لأنهما يشملان الدين، وبينهما خصوص إذا اجتمعا في سياق واحد، فكل واحد منهما يختص بمعنى، ويقترن مع معنى اللفظ الآخر بمعانٍ، والدليل على هذا: هل تصح أركان الإيمان من المسلم بلا أركان الإسلام؟ وهل تصح أركان الإسلام من المسلم بلا أركان الإيمان؟ فهما يلتقيان من وجوه ويختلفان من بعض الوجوه، فإذا انفردت كل لفظة لوحدها شملت اللفظة الأخرى، وإذا اجتمعت مع أختها فكل واحدة لها معنى يختص بها. أما مسمى الأشخاص: المسلم والمؤمن، فهذه تسمى الأسماء والأحكام، وهي تابعة للإيمان، فما نطلقه على الناس: مؤمن، مسلم، كافر، فاسق، فاجر، ظالم، منافق، هذه تسمى الأسماء والأحكام، وهي داخلة في مسميات الإسلام والإيمان، وكل مصطلح له معنى، والذي يهمنا هنا هو ما بين المسلم والمؤمن من وجوه الافتراق والاختلاف. فمثلاً: كل مؤمن لابد أن يكون مسلماً؛ لأنه لا يتصور أن أحداً يدعي الإيمان ثم لا يعمل بمقتضى الإسلام، بل لا يصح شرعاً أن نصف أحداً بأنه مؤمن ما لم يلتزم شرائع الإسلام، وليس كل مسلم مؤمن؛ لأن الإسلام هو الأمر الظاهر الذي نراه، والإيمان هو أمر قلبي، فقد يكون الإنسان يدعي الإسلام وفيما بينه وبين ربه لا يؤمن بحقائق الدين، كالمنافق الخالص. والمنافق الخالص يظهر الإسلام خوفاً على نفسه، لكن يكون في قلبه غير معترف بالله عز وجل، ولا بأركان الإيمان أو ببعضها، فهذا نسميه مسلماً، لكن لا نستطيع أن نجزم له بالإيمان. فمن توفر عنده وصف الإيمان فلابد أن يكون مسلماً، ولكن من توفر عنده وصف الإسلام فقد لا يكون مؤمناً عند الله عز وجل، وهذا فيما يتعلق بحقيقة الأمر وليس لنا إلا الظاهر. وأهل القبلة الذين يدعون الإسلام كلهم مسلمون، حتى من ارتكب معاص وفجوراً وفواحش وبدعاً، ما دامت أعماله لا تخرجه من الملة، فلا يزال له مسمى الإسلام، فهو من أهل القبلة، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن المسلم هو (من صلى إلى قبلتنا، وأكل ذبيحتن) فهذا له حقوق المسلم، وإن احتاج إلى شيء من التأديب، أو التعزير، أو الهجر، أو الردع، فهذه أمور أخرى هي من مقتضيات التناصح بين المسلمين، وإقامة حدود الله وشرعه، ولا تعني إخراج الأفراد من الملة، أو من مسمى الإسلام. فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو مسلم، لكن لا نستطيع أن نجزم أنه مؤمن؛ لأن أمر الإيمان بينه وبين ربه، لكن إن تحققت له حقيقة الإيمان عند الله فلابد أن يكون مسلماً، ويسمى أهل القبلة جميعهم مسلمين. وليس كل مسلم في الظاهر يكون مؤمناً في الباطن؛ لأن الباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل، وقد يدعي الإسلام وهو منافق.

حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة

حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا والآخرة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: مرتكب الكبيرة التي دون الكفر والشرك لا يخرج من الإيمان، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان، وفي الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة وإن عذب منهم بالنار من عذب، ولا يخلد أحد منهم فيها قط]. الشرح: هذه القاعدة الحقيقة تضمنت مسائل عملية عظيمة في الدين يحتاجها المسلمون في حياتهم وفي تعاملهم مع الآخرين، ولاسيما في هذا الوقت الذي كثر فيه الخلط والالتباس، وكثرت فيه الشبهات والتشكيك في المسلمات، مما أدى إلى كثير من الفتن بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين المخالفين لهم. مسألة مرتكب الكبيرة متفرعة عن مسائل الإيمان، وتتعلق بما يسمى بالأسماء والأحكام، وأعني بذلك أن من يرتكب كبيرة، والكبائر هي أعظم المعاصي، وما دونها من باب أولى أن يكون حكم صاحبه حكم الإسلام والإيمان، فمن ارتكب كبيرة ولم يصل إلى الردة والشرك كأكل الربا أو الغيبة أو النميمة أو الكذب أو غيرها من كبائر الذنوب، فهذا المسلم يسمى مرتكب الكبيرة، يعني استهان بالدين وركب المعصية، وعمل الكبيرة التي دون الكفر والشرك، والكفر هنا هو الكفر المخرج من الملة، كل كبيرة لا تخرج من الملة ولا توقع في الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر؛ فإن صاحبها يبقى مسلماً، ويبقى مؤمناً، ولا يخرج من مسمى الإيمان. والنبي صلى الله عليه وسلم أثبت ذلك حين ذكر أن المسلم يبقى على مسمى الإيمان، وإن زنى وإن سرق، وكان أبو ذر رضي الله عنه عنده فكأنه استغرب مثل هذا الحكم، فقال: (يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق) فكررها مما يدل على أنه يبقى له مسمى الإيمان والإسلام وإن ارتكب كبيرة. ويشكل على هذا أحاديث أخرى مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) وهذا نفي للإيمان، وذاك السابق إثبات للإيمان، فيجب هنا أن نجمع بين النصوص؛ لأنها صحيحة كلها، والجمع بين النصوص أن يقال: هذا الذي ارتكب الكبيرة بقي على أصل إيمانه؛ لأنه ارتكبها ولم ينقض نواقض الدين الأخرى، وفي الحديث الآخر نفى عنه الإيمان، أي: نفي عنه كمال الإيمان لا أصل الإيمان، وهذا مثل الصلاة، فيها جزء مجزء وفيها جزء يؤجر عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم نفى أن تقبل الصلاة من الإنسان الذي يسهو في صلاته وليس له منها شيء، ولا يعني ذلك أنه لم يؤد الفرض لكن لا يعني ذلك أنه لا يقبل عمله قبولاً يكون له فيه أجر. ومثله الإيمان، فإنه ينفى عن بعض من يفعل الكبائر مقتضى الإيمان، وأقصد بمقتضى الإيمان؛ أن الإيمان لابد له من ثمرة، وهذا لم تتحقق عنده ثمرة الإيمان في هذه الجزئية. وربما يكون نفي الإيمان في أمر محدد تلك اللحظة ولا يعني نفي الإيمان مطلقاً، وأيضاً فإن من توجيه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عن فاعل هذه الكبيرة حين يفعلها واختل إيمانه في هذه الجزئية لا في الدين كله، ولم يخرج عن مقتضى التصديق، وإنما أخل بالعمل. فعلى هذا فإن مرتكب الكبيرة التي هي دون الكفر والشرك لا يخرج صاحبها من الإيمان ولا الإسلام، فهو في الدنيا مؤمن ناقص الإيمان بقدر أفعاله التي اقتضته أو ذنوبه التي اقتضت النقص. وقوله: (وفي الآخرة) لأن المؤمن صاحب الكبيرة في الدنيا نقول: إنه مؤمن ناقص الإيمان، فإن تاب قبل موته تاب الله عليه إذا توفرت فيه شروط التوبة، لكن إذا مات وهو مصر على المعصية والكبيرة، فإن مصيره في الآخرة فيه تفصيل: أولاً: قبل أن يحكم على العباد بجنة أو نار هو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له فيدخل الجنة والله غفور رحيم، ورحمته سبقت عذابه، ونرجو للمؤمنين الذين وقعوا في الكبائر أن يغفر الله لهم، وأيضاً قد لا يغفر الله له، ويستحق النار، بأن يعذب فيها بقدر كبيرته، ولابد أن يخرج من كان أصله مسلماً إذا مات على كبيرته، وقدر الله عز وجل عليه أن يعذب في النار لابد أن يخرج منها. وخروجه يكون بعدة أسباب شرعية، منها: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وشفاعات الأنبياء لأهل الكبائر من أممهم، وشفاعة الملائكة، وشفاعة المؤمنين والصالحين، وشفاعة القرآن، وشفاعات كثيرة. ومنها: رحمة الله عز وجل، حينما تنتهي الشفاعات فإن الله عز وجل يتولى -رحمة بعباده- إخراج من يشاء من النار. ففي الآخرة العاصي تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، والموحدون كلهم مصيرهم إلى الجنة، وإن عذب منهم في النار من عذب، ولا يخلد أحد منهم فيها قط ومن كان عنده أدنى ذرة من إيمان فلن يخلد في النار.

القطع للمعين بالجنة أو النار

القطع للمعين بالجنة أو النار قال المؤلف حفظه الله: [سادساً: لا يجوز القطع لمعين من أهل القبلة بالجنة أو النار إلا من ثبت النص في حقه]. هذه قاعدة متفرعة عن مسألة الإيمان، ويغلط فيها كثير من الناس قديماً وحديثاً، لأنها تحتاج إلى تفصيل: أولاً: نرجو لكل مسلم مؤمن أن يكون من أهل الجنة، وغير المسلم الأصل أنه من أهل النار، هذا هو الأصل. ثانياً: عموم المؤمنين هم من أجل الجنة، وعموم الكافرين هم من أهل النار، ومع ذلك فإن الإنسان المعين لا نستطيع أن نجزم له بأنه من أهل الجنة، وإن كان ظاهره الصلاح، ولا نجزم بأنه من أهل النار، وإن كان ظاهره الفساد؛ لأننا لا ندري ما يختم له، ولذلك فإن من قواعد السلف وتقريراتهم أننا لا ندري عن مصير الإنسان، ولا نجزم لأحد بعينه إلا ما جاء النص بأنه من أهل الجنة، أو جاء النص بأنه من أهل النار. أما بقية الخلق الذين يموتون فلا نستطيع أن نجزم لأحد منهم بأنه من أهل الجنة، وإن كان صالحاً مسلماً تقياً ورعاً ولا أنه من أهل النار؛ لأننا لا ندري على أي حال سبق عليه الكتاب، وهناك دليل واضح يبين هذه القاعدة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يظهر للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيدخل الجنة). والذراع ربما يكون في حساب الزمن لحظات والله أعلم، وهذا النص مجمل ومبهم، لكنه يدل على قصر المدة الزمنية التي يكون فيها تحول الشخص لحظة الموت عند الوفاة من حال إلى حال. فهذا أمر قلبي، والإنسان قد يكون فيما يظهر لنا على حال أهل النار، ولكن ربما يجدد الله له توبة لم يستطع أن يفصح عنها أو يبينها، أو لم يتمكن، ويموت على هذه التوبة، فما يدرينا وأحوال العباد عند الله عز وجل، والعكس كذلك قد يكون الإنسان فيما يظهر لنا من أخلص العباد، لكن ربما يحول الله حاله، والله عز وجل هو مقلب القلوب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وهكذا ينبغي للمؤمن دائماً أن يلجأ إلى الله عز وجل، وأن يثبته على الإيمان والإسلام حتى آخر لحظة. فينبغي أن نعتقد ونجزم أن مصائر العباد غيبية، فهذا الشخص الذي ظهر صلاحه، ربما يكون في آخر لحظة سبق عليه الكتاب فوقع في أمر يقتضي أن يكون من أهل النار، ومات على هذه الحال ونحن لا ندري، أليس هذا محتملاً؟ فالأمر لله من قبل ومن بعد، ومصائر العباد بيد الله، فلا نتألى على الله، ولكن نحسن الظن بالله، ونحسن الظن بالمسلمين، ونرجو للمحسنين ونخاف على المسيئين. ولذلك فإن من الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس أنهم يجزمون على بعض المعينين بأنهم من أهل الجنة، أو يجزمون لهم بالشهادة، حتى وإن قتل في معركة مشروعة، ونحن لا نستطيع أن نجزم له بالشهادة، ولكن نرجو له الشهادة، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم شهد الصحابة لأحد المقاتلين بأنه من أهل الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، هو من أهل النار)، فانقلبت الأمور عما يتصورون؛ لأنه أبلى بلاءً حسناً، وجاهد جهاداً عظيماً، وفتك في العدو فتكاً يدل ظاهره على أنه مأجور أعظم الأجر، وأنه من أعظم الشهداء، ومع ذلك فوجئوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه من أهل النار)؛ لأنه غل، وتعلق قلبه بدنيا. فالمصائر بيد الله، فلا يجوز القطع لمعين لأن مصائر العباد بيد الله، لكن مع ذلك نثق بوعد الله ونحسن الظن، ونرجو للمحسنين، ونخاف على المسيئين.

قواعد في التكفير

قواعد في التكفير قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سابعاً: الكفر الوارد ذكره في الألفاظ الشرعية قسمان: أكبر مخرج من الملة، وأصغر غير مخرج من الملة، ويسمى أحياناً بالكفر العملي. ثامناً: التكفير من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فلا يجوز تكفير مسلم بقول أو فعل، ما لم يدل دليل شرعي على ذلك، ولا يلزم من إطلاق حكم الكفر على قول أو فعل ثبوت موجبه في حق المعين إلا إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع، والتكفير من أخطر الأحكام فيجب التثبت والحذر من تكفير المسلم]. أولاً: الكفر حكم إلهي من الله عز وجل وليس إلى العباد. ثانياً: الكفر نوعان: النوع الأول: الكفر الخالص، وهذا ليس لنا فيه خيار، ولا يجوز لنا أن نخوض فيه، فمن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهذا كفره متقرر بالكتاب والسنة، ولا يجوز أن يخوض الناس في مفردات هذه الأمور، بل الخوض فيها بدعة وإثم عظيم في الدين؛ لأن هذا حكم الله الذي لا يتبدل ولا يتغير وليس لنا فيه اجتهاد. النوع الثاني: وهو الذي يكون فيه الخطورة، ويخوض فيه الناس بشكل أدى إلى كثير من الأهواء والبدع قديماً وحديثاً، وهو الكفر دون كفر، أو الكفر الأصغر، أو تكفير المسلم، مع أننا نعلم أن في الشك في تكفير من كفرهم الله عز وجل من الكفار الخلّص إثمٌ عظيم، وربما يكون ردة أو كفراً، لكن ومع ذلك قل من المسلمين من يقع في ذلك، إلا في الآونة الأخيرة عندما كثرت الشبهات، ومع ذلك نعتبر هذا لا يزال من البدهيات عند عامة المسلمين. فالأمر الذي يحتاج إلى تقعيد هو ما يقع فيه المسلم من الكفريات، وهو نوعان: كفر مخرج، وكفر لا يخرج من الملة، وهو الأكثر، وهذا يحتاج إلى قواعد مهمة: أولاً: الكفر هو حكم الله عز وجل في العباد، وعلى هذا فإن أي قول فيه بلا دليل بين من الله وبدون برهان من الله عز وجل، فهو قول خطير على صاحبه. ثانياً: أن التكفير ورد فيه الوعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، فولوج واقتحام الناس في التكفير خطر عليهم، وبعض الناس يظن أن هذا واجب عليه، وأنه ينظر في الخلق ماذا عملوا، وفي الناس ماذا ارتكبوا من الأقوال والاعتقادات والمواقف الكفرية فيحكم عليهم، ويظن أن هذا واجبه، مع أن المسألة عكسية، فيجب عليك أن تتورع، والله عز وجل يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذّر وجعل الكفر حكماً إلهياً، إذا لم يقع على من تكفره وقع عليك، وكيف تجزم بأنه يقع على من تكفره، فالأمر خطير. ثالثاً: أن تكفير الناس بأفعالهم من اختصاص الراسخين في العلم؛ لأنه خطير، وهو من قضايا الدين الكبرى؛ ولأنه حكم على العباد أشبه بالحكم القضائي الذي لا يصدر ألا من قاضٍ، تتوافر فيه شروط القضاء، بل التكفير أشد من الحكم القضائي؛ لأنه حكم بحكم الله على العباد، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا لعالم راسخ في العلم مستوعب لشروط التكفير وضوابطه وموانعه، ويكون ممن عنده القدرة على التثبت وإقامة الحجة على الأفراد والجماعات والهيئات التي يكفرها الناس، وأنى يتهيأ هذا إلا لقلة، وبعض الناس يظن أن التكفير في ذمته، فيجازف ويبدأ يحكم على الخلق. رابعاً: أن أغلب ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال المسلمين بالكفر هو الكفر الذي لا يخرج من الملة، بل يندر أن يكون مما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال الكفر التي تقع من المسلمين من الكفر المخرج. فالنبي صلى الله عليه وسلم وصف أشياء كثيرة بأنها كفر، أقوالاً وأفعالاً، وممارسات ومواقف، لكنها كلها -إلا النادر والنادر لا حكم له- من الكفر الذي لا يخرج من الملة. فمثلاً: الطعن في الأنساب سماه النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، والنياحة على الميت سماه كفراً، وقتال المسلم سماه كفراً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، فهل هذا كفر مخرج من الملة؟ وإتيان الكاهن سماه كفراً، وأشياء كثيرة من الأعمال سماها كفراً. بل نفى الإيمان أحياناً (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، (من تشبه بقوم فهو منهم)، (من غشنا فليس منا)، نصوص عظيمة لو أخذنا بظاهرها لأخرجنا كثيراً من المسلمين من الملة، بل هذا الذي يكفر هو يقع في مكفرات لو هو حاسب نفسه. خامساً: أن التكفير له شروط ويقابلها الموانع، وهذه الشروط لو وعاها كثير من الذين وقعوا في غوائر التكفير لأحجموا، ولما اقتحموا هذا الباب الخطير، ولذلك فإن الذين اقتحموا هذا الباب الخطير بغير فقه، ولا علم، وما تورعوا، أوقعوا أنفسهم قبل غيرهم في حرج شديد في الدين، وكثير منهم يستبيح قتل نفسه؛ لأنه حينما كفر الآخر بنى على هذا أحكاماً في تعامله مع الآخر، وأراد أن يتخلص من هذه الأحكام بأن يقتل نفسه، لئلا ي

الأسئلة

الأسئلة

الشكوك في الإيمان والاعتقاد

الشكوك في الإيمان والاعتقاد Q هل من لديه شكوك في الإيمان والاعتقاد هل يدخل في مسألة النفاق أو أنه يكون منافقاً؟ A مسألة الشكوك في الإيمان هذه لا بد أنه يفصل فيها، فالشكوك التي تستقر في القلب مرض يجب علاجه، لكن لا يعني أن الإنسان خرج من الإيمان، لأن الشكوك ابتلاء من الله عز وجل، فالشك العارض دليل قوة الإيمان إذا اندفع بما عند الإنسان من إيمان. فالخواطر التي ترد، والشبهات العارضة التي بمجرد ما ترد الإنسان ينكرها قلبه، ويجد النفور منها، ويجد أن الإيمان قوي يدفعها، فهذه شكوك عارضة لا تضر، لكن الشك الذي يستقر يكون على شكل خواطر مستمرة، أو بوادر وسواس، وهذا أمر يحتاج إلى علاج بالأسباب الشرعية، من كثرة التفقه في الدين، وحضور مجالس الذكر، وكثرة تلاوة القرآن، والأوراد ومجالسة الصالحين، ومع ذلك فإذا استمر الأمر فإنه يمكن أن يأخذ الإنسان علاجاً نفسياً. ولكن مهما بلغت الشكوك إلا أنها لا تعني أن الإنسان يخرج من الإيمان أبداً فليبق إن شاء الله متفائلاً، وربما يؤجر على مثل هذا الدفاع الذي دافع به عن نفسه وعن يقينه وعن إيمانه.

الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

الإيمان المطلق ومطلق الإيمان Q ما حكم استخدام مصطلح الإيمان المطلق ومطلق الإيمان؟ A مثل هذه الألفاظ الإيمان المطلق ومطلق الإيمان من الألفاظ الفلسفية التي لا طائل من ورائها، ولم يرد فيها الشرع، فبينها عموم وخصوص، فبعضها يتعلق في العمل، وبعضها يتعلق بالعمل والتصديق، فالإيمان المطلق أو مطلق الإيمان كله له لوازم، وكله يلزم منه العمل، فعلى هذا فإن العمل لا ينفك من الإيمان. فعلى هذا فإن الارتقاء في درجات الإيمان هو في الحقيقة سهل من جانب وصعب من جانب آخر، فهو سهل من حيث أنه يتناسب مع ما فطر الله عليه الإنسان، ويتناسب مع التركيبة النفسية والعقلية والقلبية لبني آدم، فإذا صدق الإنسان وصدق قلبه للارتقاء بالأعمال وجد ذلك سهلاً، لكن مع ذلك ونظراً إلى أن القلب والنفس والعقل يعتريها الأهواء والشبهات والعوارض والموانع والقواطع وما أكثرها، من وساوس الشيطان وجلساء السوء والبيئة والواقع الذي يدفع الإنسان إلى ما يضعف إيمانه، فهذه أمور تحتاج إلى جهاد، وفعلاً فإن الارتقاء بدرجة الإيمان ليس سهلاً. وهناك حكمة أقرها السلف وتنسب للحسن البصري يقول: (الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل) وهذه ليست مجرد دعوى، فإن ظهر العمل مصدقاً للدعوى، فإن الدعوى تكون صحيحة، وإلا فإنها تبقى مجرد دعوى. ومن هنا فهناك دعوى لبعض الناس وهي: أنه إذا قيل له: لم تفعل ولم لا تفعل، إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر، ضرب صدره بيده، وقال: التقوى هاهنا، وهذه مقولة خطيرة، ودعوى أن التقوى هاهنا تحتاج إلى تطبيق، والله عز وجل يحاسبك على العمل، فماذا عملت تجاه هذه الدعوى، وإلا فتبقى مجرد خدعة، إما أن يخدع بها الإنسان نفسه، أو يخدعه الشيطان ويخدع الآخرين.

اتفاق وافتراق الإسلام والإيمان

اتفاق وافتراق الإسلام والإيمان Q متى يكون الإسلام والإيمان بمعنى واحد ومتى يكونان مختلفان؟ A يكون الإسلام والإيمان بمعنى واحد إذا وجدا في لفظ واحد، فإذا جئنا بإطلاق الإسلام فإنه يعني الإيمان والإسلام في وقت واحد، وكذلك الإيمان إذا جاءت وحدها فإنها تعني الإسلام والإيمان في وقت واحد، أما إذا اقترنت اللفظتان في سياق واحد، فكل واحدة لها معنى مع وجود المعنى المشترك.

أثر الأعمال على الإيمان

أثر الأعمال على الإيمان Q ثبت في الحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) فيقول: هل من الأعمال ما ينقض الإيمان بالكلية؟ A نعم، خاصة ترك الصلاة، وإلا فالإعراض عن الدين بالكلية ينقض الإيمان بالكلية، وأيضاً الأعمال التي فيها شرك، لأن نواقض الإسلام العملية تخرج من الملة، وعلى هذا فإن الإسلام لابد أن يكون له حقيقة كما أن الإيمان لابد أن يكون له حقيقة، والإسلام والإيمان لابد أن تكون لهما حقيقة، وقد تنقض هذه الحقيقة بعض الأعمال. وعلى هذا فإن الذين يزعمون أنه يتحقق الإيمان الكامل بمفصل عن الأعمال، هم الذين قالوا: إنه ليس هناك من الأعمال ما يخرج من الملة، وهذه مناقضة لقطعيات النصوص، فإن الأعمال الشركية إذا توافرت فيها الشروط على الشخص بأن وقعت في شرك خالص؛ فإنها تخرج من الملة وهي عمل، بل حتى الأقوال الشركية تخرج من الملة. وكذلك أحوال القلوب التي هي بين العبد وبين ربه، مثل النفاق الخالص يخرج من الملة، فمن يزعم أنه ليس هناك عمل يخرج من الملة، فهذه المقالة خطيرة، بل إن الكثير بل كل الأعمال الشركية وأعمال الردة وما يناقض الإسلام، بل حتى أفعال الترك التي ليست مجرد فعل الشركيات والكفريات، بل الترك الذي هو الإعراض عن الدين بالكلية مخرج من الملة، وترك الصلاة بالكلية مخرج من الملة وهكذا، وأيضاً الترك على سبيل الجحود لبعض الأعمال التي ربما لا تكون من أركان الإسلام، لكن من باب جحود أن تكون من الحق الذي ثبت بقطعيات النصوص هذا أيضاً يخرج.

حكم قول: الحمد لله الذي بنعمته اهتدى الهادون وبعدله ضل الضالون

حكم قول: الحمد لله الذي بنعمته اهتدى الهادون وبعدله ضل الضالون Q ما حكم قول: (الحمد لله الذي بنعمته اهتدى الهادون، وبعدله ضل الضالون)؛ لأن هناك من قال لنا بأن هذا لا يجوز ولا يليق؛ لأن الله هدى الإنسان النجدين، وإنما يعذبهم على اختيارهم الشر عدلاً، ولهذا شواهد كثيرة لعلها تكون في القدرية؟ A لا حرج، بل هذا حق، والله عز وجل رحيم والنعمة من الرحمة وبينهما ترادف، وأنا أظن أن هذا الدعاء لا عيب فيه فيما يظهر لي.

الإشارة عند تعليم القرآن الكريم

الإشارة عند تعليم القرآن الكريم Q ما حكم ما تقوم به بعض معلمات القرآن من تعليم الصغيرات القرآن وتحفيظهن السور بعمل بعض الحركات، مثلاً: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس:5] تقوم بالإشارة إلى الأعلى، {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس:6] تشير إلى الأسفل، وهكذا، وهل في هذا احترام وتعظيم للقرآن، حيث أصبح يتلى وكأنه نشيد مصاحباً للحركات اليدوية؟ A هذا فيه تفصيل وفيه نظر في الجملة، وفيه نوع تحفظ شرعاً، لكن ومع ذلك فإن كانت هذه الحركات عارضة بدون قصد من المعلمة، كأن تعودت بعض المعلمات وكذلك بعض المعلمين أن يستعمل حركات كوسيلة إضافية دون أن يشعر بأنه يطبق أمراً غيبياً، فهذا الأمر إن شاء الله لا حرج فيه لكن إذا كان هذا منهجاً وأسلوباً يلتزم في تعليم القرآن، فأظن أن فيه خطورة؛ لأن كثيراً من الأمور التي ورد ذكرها في القرآن هي أمور غيبية. فهذا إذا ما تعلق بالأمور الغيبية فأقل أحواله أنه مشتبه، والأولى الابتعاد عنه، أما إذا تعلقت الإشارة بأمر غيبي مثل الإشارة إلى أسماء الله عز وجل وصفاته بالإشارات المادية التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فهذا خطير في الدين، فيجب تجنبه، وكذلك أمور الغيب الأخرى، مثل: أحوال القبر، والبعث والحساب، والجنة والنار، كل هذه لا يجوز تمثيلها بحركات أو بوسائل مادية ولا بصور. ومن هنا أنبه إلى ما يقع فيه بعض الذين يستخدمون بعض وسائل الوعظ، في التخويف من النار، أو الوعيد بالجنة، أو التخويف من بعض المعاصي باستعمال صور، كأن تصور الجنة على هيئة معينة، والنار على هيئة معينة، أو عذاب القبر، أو نعيم القبر، كل هذا لا يجوز، بل يجب سده؛ لأنه باب فتنة يمثل الغيبيات على أمور محسوسة تنطبع في أذهان الأجيال، فيقعون في أخطار فادحة في الاعتقادات، وهذا ما وقعت فيه الأمم السابقة. لأن الأمم السابقة مثلوا الملائكة بنساء جميلات، فتفهمت أجيال منهم أن الملائكة إناثاً، وإن كان هذا جاء على سبيل مجرد وسائل إيضاح في البداية والله أعلم، كذلك مثلوا كثيراً من الغيبيات بأمثلة وصور فربطوا هذا بتقديس الغيبيات. فالأمر خطير وأرى أن نبتعد عن مثل هذه الوسائل خاصة في تعليم القرآن إلا ما يأتي من غير قصد في غير تمثيل الغيبيات.

إطلاق الإيمان الكامل على شخص معين

إطلاق الإيمان الكامل على شخص معين Q هل لنا أن نطلق الإيمان الكامل على شخص معين A الكمال النسبي الذي عليه المخلوق يقال مثلاً: بعض العباد كاملو الإيمان، فالكمال النسبي الذي يتصف به البشر، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، لكن لا يكون على سبيل التزكية المطلقة، إنما من باب التفاؤل وعلى سبيل المدح والثناء والترغيب، فيقال: فلان كامل الإيمان، ولا نقصد به الكمال الذي عند الله عز وجل، إنما فيما يظهر لنا.

الحكم على الكافر المعين بالخلود في النار

الحكم على الكافر المعين بالخلود في النار Q هل يحكم على الكافر الظاهر الكفر أنه خالد في النار بعد موته؟ وكذلك تارك الصلاة ممن يعتقد وجوبها، ولكنه تركها عمداً من غير عذر شرعي، وهل يعتبر هذا الفعل كفراً بحيث يخرج من الإيمان؟ A أما الكافر المعين فلا يجوز أن نجزم بمصيره، أما الحكم العام فلابد منه، فمن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإنه يدخل النار بمقتضى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصريح الصحيح وقطعيات النصوص، وهذا حكم عام يدخل فيه الأفراد، لكن يجب أن نفهم أننا لسنا متعبدين بالأحكام على الأعيان إذا ماتوا حتى الكافر، فلسنا متعبدين أن نتتبع فلان بن فلان الذي مات على الكفر الخالص ونظهر تجاهه اعتقاداً معيناً، إلا الحكم العام، فهذا ليس لنا بل هو إلى الله عز وجل. فالمعين يجب أن يتورع عند الجزم بحاله، حتى وإن كان كافراً خالصاً؛ لأنه يشمله الحديث؛ وقد يكون أسلم في آخر لحظة، ولم يتبين لنا حال إسلامه، وهذا وراد، فلماذا نتألى على الله، ونحكم بمصائر غيبية، وهذا لا يدخل في معارضة حكم الله القاطع في الخلود بالنار لمن لم يكن مسلماً؛ لأننا نحكم عليه حكماً عاماً، أما الحكم المعين فلأننا لا ندري عن مصيره الذي توفاه الله عز وجل عليه.

كفارة من يقع في خطأ الأحكام على الناس

كفارة من يقع في خطأ الأحكام على الناس Q ذكرتم عدم جواز الحكم على الناس بالتعيين بدخول الجنة أو النار؛ لأن ذلك حكم الله وحده، وأيضاً لا يجوز تكفير المسلم أياً كان من دون دليل، فما هي كفارة من يقع في هذا الخطأ، وجزاكم الله كل خير؟ A { إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:70] فالله عز وجل جعل التوبة تجب ما قبلها، بل التائب بصدق يبدل الله سيئاته حسنات، فيتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة، وإذا كان حكم على معينين أحياء يستطيع أن يستحلهم فيجب أن يستحلهم، وإلا فيدعو لهم، ولو أمكن إذا كان ممن ابتلي بالحكم العام على الخلق أن يصدر بياناً في ذلك، فيقول أرجو كل من وقع في حقه مني شيء أن يعفو عني وأن يسامحني، فاليوم وسائل البراءة من هذه المواقف الشنيعة متوفرة، فليبذل جهده ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن لم يستطع أن يصل إليه فإنه يكفيه أن يتوب فيما بينه وبين ربه، والله يتولى ما بينه وبين العباد.

الجزم على المعين الحي بأنه من أهل النار

الجزم على المعين الحي بأنه من أهل النار Q هل المقصود عندما نقول: لا نجزم لأحد أنه من أهل النار، هل هذا وهو حي أو حتى بعد موته، فلو كان هناك نصراني أو يهودي لا نقول: إنه من أهل النار؟ A من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ومات على ذلك فهو من أهل النار جزماً، وهذا حكم عام، أما المعين فلا؛ لأننا نشك في أن الكافر من أهل النار، لكن لا نحكم عليه بعينه وباسمه؛ لأننا لا ندري على أي حال مات، فالاستثناء ليس لأنه كافر، وإنما لأننا لا ندري عن مصيره الذي لا يعلمه إلا الله. فالحي قبل أن يموت لا نجزم له بالنار؛ لأنه قد يتوب توبة يعلنها، وهذا لا تتوجه إليه الأحكام، بل تتوجه على حاله التي هو عليها، فيقال: إن بقي على ما هو عليه فهو من أهل النار استثناءً، لكن ربما يتوب، وكم هم الآن الذين يدخلون في الدين أفواجاً على مستوى العالم كله، يعدون أحياناً باليوم الواحد بالآلاف في بعض الظروف والمناسبات، خاصة عند الحوادث، وعند المناسبات الإسلامية التي يكون فيها لفت نظر للإسلام. فهؤلاء كانوا على الشرك والكفر ثم تابوا، فالأحياء لا يتأتى الحكم إلا على حالهم التي هم عليها، ومصائرهم في الآخرة كذلك، فكيف تستطيع أن تحكم على شخص وهو لم يمت؟

القرآن - القدر

مجمل أصول أهل السنة_القرآن - القدر يجب الإيمان بأن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وهو معجز ودال على صدق من جاء به، كما يجب الإيمان بالقدر ومراتبه التي هي: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وأنه تعالى لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.

قواعد في الإيمان

قواعد في الإيمان الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد. فإن الإيمان كما هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة وفهم الصحابة وسلف الأمة هو الاستقامة على دين الله عز وجل اعتقاداً وقولاً وعملاً، وعلى هذا فالمسائل المتعلقة بالإيمان تعتبر أربع مسائل رئيسة:

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان المسألة الأولى: حقيقة الإيمان أنه قول وعمل، أي: يشمل الاعتقادات القلبية التي تبدأ بمحبة الله عز وجل وخوفه ورجائه، واليقين، والتقوى، وما ينتج عن ذلك من الورع، والأمانة إلى آخره من الأمور التي هي في قلب المسلم فيما بينه وبين ربه، وما ينتج عن ذلك في تعامله مع ربه ومع الآخرين، ثم ينتقل بعد ذلك إلى القول، ويدخل فيه قول اللسان مثل الشهادتين وكل قول مشروع يتضمن الذكر والطاعة وتلاوة القرآن والأذكار والتسبيح والتهليل وغير ذلك، كلها داخلة في الإيمان القولي وكذلك الأعمال، وهذه الأعمال التي هي الحركات التي يتحرك بها الإنسان في طاعات الله عز وجل ائتماراً أي: فعلاً، أو انتهاء أي: تركاً.

الأعمال من الإيمان

الأعمال من الإيمان المسألة الثانية: دخول الأعمال في مسمى الإيمان، والمقصود أن الأعمال تدخل في مفهوم الإيمان شرعاً، فالإيمان يشمل الأمور الاعتقادية العلمية والأمور العملية، ومن هنا فإن من قواعد الدين التزام الشرع، والاستقامة على دين الله ظاهراً وباطناً علماً وعملاً.

زيادة الإيمان ونقصانه

زيادة الإيمان ونقصانه المسألة الثالثة: زيادة الإيمان ونقصانه، فإذا قلنا: إن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان حتى الأعمال القلبية وهي تزيد وتنقص والأعمال القلبية قد تكون مجرد التصديق، وقد يكون مع التصديق اليقين، فهذا زيادة، وكذلك الأعمال تزيد بكثرة الطاعات والذكر والتلاوة وغير ذلك، فكلما ازدادت الأعمال سواء كانت قلبية أو عملية ازداد الإيمان، وكلما نقصت نقص الإيمان. إذاً: الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات وبفعل المأمورات وينقص بالمعاصي وبفعل المنهيات.

الاستثناء في الإيمان

الاستثناء في الإيمان المسألة الرابعة: الاستثناء في الإيمان، وهذه مسألة قل أن يحتاجها المسلم الذي يأخذ دينه بمقتضى الفطرة، إنما هي مسألة نشأت من وجود أناس لما حصروا الإيمان في القلب وزعموا أنه لا يجوز أن يستثني المسلم فيه؛ لأنه ما دام يشعر باليقين، فلا داعٍ لأن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وهذا ليس هو المقصود بالاستثناء، فنحن حين نستثني لا نستثني ما ندركه ونشعر به؛ لأن كل مسلم حين يسأل عن إيمانه يقول: أنا مؤمن؛ لأنه يسأل من يصدّق، وعلى هذا فلا يستثني هذا الأمر، إنما يستثني المآل والمصير الذي ينتهي إليه، ومن باب التفاؤل يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وأرجو أن الله يثبتك على الإيمان، ويستثني لئلا يتألى على الله ولا يزكي نفسه، لا لأنه يستثني ما يشعر به الآن، فما تشعر به الآن من اليقين والتصديق فعبّر عنه بدون ما تقيده بالمشيئة، لكن تعليق الإيمان بمشيئة الله متعلق بمستقبل الأمر، وبمصير الإنسان ومآله بما يموت عليه، فلذلك ينبغي له أن لا يتألى على الله ولا يصيبه الغرور، فيرجع الأمور إلى مشيئة الله، وهذا تفويض لله عز وجل ويدل على قوة الإيمان، ولا يدل على التشكيك كما يزعمون أن الاستثناء في الإيمان يدل على التشكيك.

قواعد في القرآن الكريم

قواعد في القرآن الكريم قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: القرآن الكريم: القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو معجز دال على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم ومحفوظ إلى يوم القيامة].

القرآن كلام الله منزل غير مخلوق

القرآن كلام الله منزل غير مخلوق الشرح: هذه القاعدة الأولى فيما يتعلق بالقرآن الذي هو من كلام الله عز وجل، وكلام الله وكلماته لا يحدها حد، والله عز وجل يتكلم متى شاء بما شاء وكيف شاء، والقرآن من كلام الله، ولذلك قرن القرآن بالكلام؛ لأن صفة الكلام لله عز وجل من الصفات الثابتة له، ومنها ما هو من الصفات الذاتية اللازمة لله، ومنها ما يتعلق بإرادة الله ومشيئته، وأعني بذلك: أن الله عز وجل موصوف بالكلام وهذا كمال، وأن كلامه الذي هو من صفة ذاته، أي: أنه سبحانه متكلم متى شاء وكيف شاء ويكلّم من يشاء. وكلام الله عز وجل يحدث متى شاء فهو متعلق بمشيئته، والله عز وجل إذا أراد الكلام فإنه سيتكلم كما يريد، وعلى هذا فإن القرآن من كلامه سبحانه، والقرآن هو الذي بين أيدينا، وكلام الله عز وجل الذي أنزله الله هدى وشفاء، وأنزله منهاجاً للأمة يحكم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والبشرية جمعاء، لمن اهتدى به، والقرآن إنما أُنزل ليتلى وليتدبر وليُعمل بمقتضاه، فأنزله الله عز وجل هداية للقلوب وإنارة للعقول واسترشاداً للجوارح والأعمال، ولذلك فكما أمرنا بتلاوته وحفظه فقد أُمرنا بتدبره، أي: تأمل معانيه، فما كان منها من أمور العقائد آمنا به جزماً، ومن أمور الأخبار صدّقنا به، وما كان به من أوامر ائتمرنا به بقدر الاستطاعة، وما كان فيه من نواهٍ انتهينا عنه بقدر الاستطاعة، وما كان فيه من قصص وعبر ومواعظ فيجب أن نستفيد منها بما يصلح أحوال قلوبنا وأعمالنا وشئوننا في حياتنا كلها. ولذلك فإن القرآن دستور الأمة، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرعة عن القرآن؛ لأن القرآن أجمل والسنة فصّلت في كثير من الأمور، ولأن القرآن أمرنا بالأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]. فالقرآن كلام الله على الحقيقة، فالله عز وجل تكلم بالقرآن حقيقة كما يليق بجلاله سبحانه من غير تكييف ولا قياس، ومن من غير إقحام للخيالات والأوهام التي قد يتخيلها بعض الناس عن كيفية الكلام، وهذا في جميع أفعال الله وصفاته وأسمائه، فإنها لا تكيف، لكن لها حقائق، وهذا هو الفارق بين فهم السلف وبين فهم أهل الأهواء والبدع الذين خاضوا في كلام الله وقالوا فيه قولاً لا يليق بالله عز وجل، بل فيه سوء الأدب واستنقاص كمال الله عز وجل بما لا يليق؛ لأنهم ما أثبتوا كلام الله على الحقيقة بحروفه ومعانيه من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا منزل من الله عز وجل غير مخلوق. وقوله: (غير مخلوق) لأن القرآن كلام الله، والكلام من صفته، وصفات الله لا شك أنها غير مخلوقة، ولأن السلف حين استقرءوا نصوص القرآن والسنة في حقيقة القرآن، ثبت عندهم بالإجماع وبقطعيات النصوص أن القرآن منزّل غير مخلوق، وكانت هذه القضية بدهية في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ظهرت الأهواء العقلانية والفلسفية التي تقرر الدين بمجرد العقول والخيالات والتخرصات، وهذا منشأه الأخذ بمسالك الفلاسفة الذين منهم الذين وصفهم الله عز وجل بالخرّاصين، وذمهم في قوله سبحانه: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات:10 - 11] فإن التخرّص هو القول في القرآن خصوصاً وفي كلام الله عموماً بغير ما ثبت في النصوص وبمقتضى الآراء والاجتهاديات التي لا يمكن أن تقرر في هذا الأمر شيئاً؛ لأن هذه الأمور توقيفية، فكلام الله غيب وكلامه بالقرآن غيب، وكيفية كلامه لا يمكن أن تدرك ولا تقاس بأفعال البشر؛ لأن الله عز وجل ليس كمثله شيء، ومن ذلك كلامه سبحانه، فإن من تكلم وليس كمثل كلامه شيء، ولا يتكلم كما يزعم الزاعمون بالكيفية التي يتكلم بها الخلق، بل إنه عز وجل أنزل القرآن والقرآن غير مخلوق. وقوله: (منه بدأ) أي: أن الله عز وجل تكلم به كما يليق بجلاله، فمبدأه منه؛ لأنه كلامه، وكلامه صفته، (منه بدأ) ولن يبدأ من مخلوق آخر كما يزعم أهل الأهواء الذين زعموا أن القرآن إنما عبر بموجبه عن مراد الله، أو أن الله خلقه خلقاً في مكان ما وعلى هيئة ما ثم تحول هذا الخلق إلى حروف ومعانٍ، أو أن الله خلق حروفه ومعانيه وتشكل منها القرآن كل هذه من الأقوال الباطلة والمقالات التي تفسد العقيدة وفيها مصادمة لمعاني النصوص. وقوله: (وإليه يعود) فقد ثبت في الآثار الصحيحة أنه حينما تنتهي الدنيا ويقبض الله المؤمنين ولا يبقى في الدنيا إلا شرار الخلق، لا يبقى من يقول: الله الله، ولا يبقى من يعمل بالقرآن، فعند ذلك يرفعه الله إليه. وقوله: (وهو معجز دال على صدق من جاء به إلى يوم القيامة) القرآن معجز، ولا يستطيع لبشر أن يأتوا بمثله، لا بآية ولا بأكثر من آية، ولا يزال التحدي قائماً، ولن يزال إلى قيام الساعة على وجه قطعي، ورغم محاولات مشركي العرب الأوائل الذين يملكون زمام اللغة العربية، ومحاولاتهم الجادة في أن يحاط القرآن، فإنهم ومع ذلك لم يستطيعوا بأف

حقيقة الكلام بحرف وصوت

حقيقة الكلام بحرف وصوت قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثانياً: الله تعالى يتكلم بما شاء، متى شاء، كيف شاء، وكلامه تعالى حقيقة بحرف وصوت، والكيفية لا نعلمها، ولا نخوض فيها]. الشرح: كلام الله عز وجل متعلق بمشيئته، فمتى شاء تكلم سبحانه على ما يليق بجلاله. وأيضاً: كيفية كلامه لا نعلمها، وكلامه تعالى حقيقة ليس مجازاً ولا تمثيلاً ولا غير ذلك مما يتوهمه متوهم أو يتخيله متخيل، فهو حقيقة لا كالحقائق المعلومة عند الناس، وبعض الناس يظن أن معنى حقيقة أنه كالحقائق التي نعلمها وهذا غلط، لأن حقيقته أعظم من الحقائق التي ندركها بمداركنا وبحواسنا، فمن هنا فأفعال الله لا يمكن أن تدرك بالحواس، و (حقيقتها) بمعنى أنها حق على ما يليق بجلال الله سبحانه، ولا يعني بالحقيقة المعدومة التي ترد إلى الناس من خلال تجاربهم المادية أو وسائل العلم الحديث، أو المدارك والحواس التي هي في متناول البشر. فحقائق صفات الله فوق متناول البشر، بل هي حقائق لائقة بالله سبحانه وتعالى. وقوله: (والكيفية لا نعلمها ولا نخوض فيها) أي: أنه من الإثم أن نتكلم عنها بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة، فلا يقال: كيف؟ ولا يقال: لماذا؟ ولا تفترض الأسئلة والإجابة عليها بمجرد افتراضات، ولذلك كان السلف قبل أن تنشأ البدع والأهواء والكلام لا يتصورون أن مسلماً يسأل عن مثل هذه الأمور مجرد سؤال؛ لأن الأمة كانت على الفطرة، وكان الناس يتهيبون الكلام في الله عز وجل بأكثر مما ورد في الكتاب والسنة، ولذلك حينما سئل الإمام مالك عن كيفية بعض صفات الله عز وجل أُصيب بشيء من القشعريرة من تعظيمه لله سبحانه وتعالى، وأصيب بالذهول من هذا السؤال المفاجئ الذي لا يليق بالله، وعلته الرحضاء، وكاد أن يغشى عليه من هول السؤال، كيف يجرؤ المسلم أن يسأل عن كيفية الصفة لله عز وجل. وحينما يسأل أحد عن الله عز وجل كيف استوى؟ هذا أمر عظيم، لأن هذا أمر غيبي، كيف تسأل عن كيفية الاستواء وأنت تدري وتجزم أن الكيفية لا يعقلها أحد؟ إذاً: السؤال هو تطاول على حق الله وسوء أدب وطمع في إدراك ما لا يُدرك من أمر الغيب، ومثله السؤال عن كيفية كلام الله، ولذلك حينما سئل الإمام مالك استعظم الأمر واقشعر جلده من تعظيم الله عز وجل وعلته الرحضاء، فلما أفاق قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً ثم أمر به وأخرج؛ لأنه فتح باب فتنة على المسلمين كسؤال الأمر الغيبي فيما يتعلق بالله عز وجل وبصفات الغيب. ومن هنا فإن مجرد إنشاء Q كيف يتكلم الله؟ هذا بدعة وسوء أدب مع الله، كيف تكلم بالقرآن؟ كذلك بدعة وسوء أدب مع الله عز وجل فيجب على المسلم أن يكف عن السؤال في الغيبيات وعما لا يدخل في ظواهر النصوص وقواعدها المقررة عند السلف.

القول بأن كلام الله معنى نفسي ضلال وزيغ

القول بأن كلام الله معنى نفسي ضلال وزيغ قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثالثاً: القول بأن كلام الله معنى نفسي، أو أن القرآن حكاية أو عبارة، أو مجاز أو فيض وما أشبهها ضلال وزيغ، وقد يكون كفراً، والقول بأن القرآن مخلوق كفر]. الشرح: يعني بذلك ما قالته بعض الفرق التي خرجت عن نهج السنة والقرآن ونهج الصحابة والتابعين وسلف الأمة في تقرير مسلّمات الدين وثوابته، وفي تقرير الحق فيما يتعلق بكلام الله عز وجل أو صفة من صفاته عموماً، وبالقرآن على وجه الخصوص؛ لأنه عندما ظهرت هذه الأهواء والفرق كان منشأها الجرأة على تقرير الدين بمجرد الرأي، والجرأة على إدخال مسالك الفلاسفة التي تنبني على الأوهام والتخرصات في أمور الغيبيات وإدخالها على المسلمين، فنشأت مذاهب تتكلم في أمور فوق مدارك البشر، منها: التعبير عن كلام الله عز وجل، فمنهم من قال: إن كلام الله معنى نفسي، وهذه بدعة، فإن كلام الله حقيقة، وهم أرادوا بقولهم: إنه معنى نفسي أن يهربوا من أن يكون الله عز وجل تكلم حقيقة كما يليق بجلاله، فقالوا: إن كلام الله إنما هو معانٍ نفسية فهمها جبريل أو غيره من الملائكة، أو أن الله عز وجل حوّلها بطريقة أخرى فتمثلت في حروف وأصوات لم يتكلم بها الله، بمعنى أنهم يزعمون أن القرآن والكلام معان، والله عز وجل لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره تعبيراً عن مراد الله وهذا كله خروج عن إثبات الصفة لله سبحانه، وذلك مثل القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله، وهذا هروب أيضاً من إثبات كلام الله، وكأنهم زعموا أن القرآن ترجمة وحكاية عن كلام الله، وهذا فيه استنقاص لله عز وجل، وفيه أيضاً استهانة بالقرآن. وقوله: (حكاية أو عبارة أو مجاز أو فيض) الفيض معنى فلسفي يقصد أصحابه به أنها معانٍ فاضت على عقول معينة، وهذه العقول تحولت منها المعاني إلى أن ترجمها المتكلمون ممن تكلموا سواء كانوا من الملائكة أو البشر، أو أنها خلقت أصواتاً، أو أن أصحاب العقول عبروا بها عن كلام الله بكلام البشر إلى آخره. فكلها فلسفات تبعد المسلم عن اليقين، وعن حلاوة الإيمان وتوقعه في الإثم والبدعة، وكل ذلك ضلال وزيغ. ومن النتائج السلبية لمثل هذه المقالات لو أن مسلماً لا قدّر الله دخلت عليه هذه الشبهة، وتصور أن الله عز وجل لم يتكلم بالقرآن، وأن الذي تكلم به غيره، فهل يبقى للقرآن قداسة؛ لأن هذا الغير الذي تكلم بالقرآن هو مخلوق حتى وإن كان جبريل كما يقول بعضهم، فإذا استشعر المسلم أن الذي تكلم بالقرآن هو جبريل لم يكن للقرآن قداسة وعصمة؛ لأن جبريل مخلوق، ولذلك فإن هذه الفرق التي أخذت هذه البدع والضلالات استهانت بالقرآن، وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي، وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معانٍ غير مقصودة، وأنه إشارات وجرأت أهل التأويل من الباطنية على القرآن؛ لأنهم لا يعتقدون أنه كلام الله، فمن هنا يفقد العصمة والقداسة والإجلال، ولا شك أن المسلم الذي يشعر أن القرآن الذي بين أيدينا المتلو هو كلام الله على ما يليق بجلاله، فإذا استشعر المسلم هذا المعنى عظّم القرآن وهاب أن يتجرأ عليه، لكن إذا استشعر أنه معانٍ عبّر عنه خلق من خلق الله فصارت قرآناً، فإن هذا ينقص من قيمة القرآن بالفطرة ومقتضى العقل السليم.

دعوى الزيادة والنقص أو التحريف في القرآن

دعوى الزيادة والنقص أو التحريف في القرآن قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: من أنكر شيئاً من القرآن أو ادعى فيه النقص أو الزيادة أو التحريف، فهو كافر]. الشرح: من أنكر شيئاً من القرآن سواء من حروفه أو ألفاظه أو آياته أو سوره، أو أنكر شيئاً من قطعيات القرآن، ولو أقر بألفاظه، فمن أنكر شيئاً من قطعيات القرآن فضلاً عن أن يدّعي فيه النقص أو الزيادة، وادعاء النقص قد يكون بنقص حرف أو كلمة أو عبارة أو آية أو سورة، وكذلك ادعاء الزيادة، قد يدعي أحد أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن كله، كما تدّعي بعض الفرق أن هناك مصحفاً عند بعض أئمة أهل البيت أو أن هناك سوراً وآيات، وقد رأينا في كتبهم التي ينشرونها خفية وبعضهم بدأ يعلنها بسور يزعمون أنها من القرآن وليست من القرآن الذي يتلى بين أيدينا، ولذلك فإن بعض عقلائهم استهولوا هذا الأمر وأنكروه. إذاً: القرآن كامل محفوظ بجميع معاني الحفظ، وما من أحد حاول التطاول على القرآن إلا والله عز وجل يحفظه ويمكر بكيد الكائدين فلا يستطيع أحد ولن يستطيع أن يجرؤ على القرآن، وما من محاولة في تاريخنا المعاصر أو قبله من الذين لهم تأويل في القرآن إلا وتبوء بالفشل في نهجها، ولذلك لا يوجد على الإطلاق بحمد الله مصحف بين المسلمين يشتمل على شيء من الزيادة والنقص.

تفسير القرآن وتأويلاته

تفسير القرآن وتأويلاته قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: القرآن يجب أن يفسر بما هو معلوم من منهج السلف، ولا يجوز تفسيره بالرأي المجرد، فإنه من القول على الله بغير علم، وتأويله بتأويلات الباطنية وأمثالها كفر]. الشرح: القرآن هدى وشفاء ومنهاج وشريعة، لأفرادها وأسرها ومجتمعاتها ودولها، بل للبشرية جمعاء، ولذلك فهو منهج اعتقادي عالمي، فيجب أن يحكم حياة الناس، ولا يحكم حياة الناس إلا بتفسير القرآن، لأن القرآن كلام الله عز وجل ويحتاج إلى أن تستنبط منه القواعد والأحكام التي يرجع إليها المسلمون في تطبيقاتهم وأعمالهم، بأفرادهم ومجموعاتهم، فمن هنا لا بد من تفسيره، وتفسيره يكون على النحو الآتي: أولاً: تفسير القرآن يخضع لمنهج الاستدلال، وهو أن القرآن يجب أن يُفسّر بالقواعد المتفق عليها عند أهل الحق بعيداً عما أحدثه أهل الباطل والزيغ، فإنهم قد يفسّرون القرآن على مناهج غير مناهج السلف الصالح ومناهج المؤمنين. ثانياً: تفسير القرآن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية، ثم تفسير القرآن بالتطبيقات في المجتمع المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أكثر القرآن طبّقه النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده وبالجماعة التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلم التي هي جماعة الصحابة، أما بمفرده فكما قالت عائشة: (كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن) يتمثل القرآن في سلوكه وأعماله وفي علاقته بربه وفي علاقته بمن حوله، وفي علاقته بالخلق. فهذا تفسير قطعي للقرآن، ثم تفسير القرآن بفعل وتفسيرات الصحابة وبمفاهيمهم وتفسيراتهم وتطبيقاتهم، فإن هناك كثيراً من أحوال الأمة استجدت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد الخلفاء الراشدين؛ لأن الأمة في عهد الخلفاء الراشدين عاشت ما يشبه الطفرة في نشر الإسلام، بعد أن زادت رقعة الإسلام، فزادت رقعة الأمة الإسلامية أضعافاً وزادت أعداد الأمم التي دخلت في الإسلام كماً وكيفاً وجغرافياً وأممياً بأضعاف ما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا احتاج إلى معرفة تطبيقات للدين لا بد أن تؤخذ من مقتضى النصوص، فقد طبّق الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين أكثر صور مناهج الدين. فمن هنا يكون فعلهم حجة وهو تفسير للقرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما ذكر الاختلاف: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي). ثالثاً: تفسير القرآن بفهوم الصحابة على مقتضى اللغة؛ لأن الصحابة أصحاب لغة سليقة، فهم يفقهون العربية فقهاً فطرياً ذاتياً غير متكلف، ولم يكونوا يحتاجون إلى دراسة القواعد والنحو كما ندرسها الآن، بل كانوا عرباً بالسليقة، فكانوا يفسرون القرآن وتفسيرهم الآن عظيم وموجود، تفسيراً قولياً وفعلياً، وتفسير تطبيقات. رابعاً: تفسير القرآن بفهم السلف الصالح على مناهج الدين ومقتضى القواعد المعتبرة في التفسير. وقوله: (ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي المجرد) بل الرأي السليم هو الذي يستخدم في استنباط المعاني من القرآن في الأمور الاجتهادية؛ لأن بعض الناس يظن أن السلف يحجرون على الرأي، بل السلف هم أفضل من يستخدم الرأي على وجهه، بل إنهم استخدموا أقصى ما يمكنهم من طاقة في الاستفادة من الرأي والعقل السليم على وجه شرعي سليم. فالقول بالرأي المذموم هو أن يقول الإنسان في تفسير القرآن برأي مجرد من غير مراعاة لقواعد التفسير ومن غير أهلية، كأن لا يكون عنده العلم الكافي والرسوخ، أما إذا توفر عند العالم الأهلية والرسوخ والقدرة فإن استخدام الرأي في استنباط الاجتهاديات هذا يسمى اجتهاداً، أما الرأي المذموم فهو الرأي المجرد من استعمال القواعد الصحيحة للاستدلال. الرأي المجرد هو الرأي الذي لا يكون سائغاً، ولا يكون على وجه شرعي صحيح، فهذا من القول على الله بغير علم، والله عز وجل ضم ذلك وجعله من الشرك، ونهى عنه في قوله سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]. ومن الأمور التي وقعت فيها الفرق الضالة المنحرفة تجاه كلام الله عز وجل التكلّف في تأويلاته على غير منهج شرعي، حتى أن الغلاة منهم تجاوزوا المعاني اللغوية، كتأويلات الباطنية لكثير من ألفاظ القرآن وآياته، وتأويلات الباطنية هي قلب للمفاهيم كما جعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً، وجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، فهم نكسوا وقلبوا حتى المعاني العربية، ولنضرب أمثلة من التأويلات الباطنية الضالة: فمثلاً: تأولوا أركان الدين بأئمتهم، فزعموا أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة، والصيام، والحج قالوا: هؤلاء الأئمة، أي: هم نفس الأركان، كأنهم يقولون: هي إشارة إلى أئمتنا، وهم أيضاً يعيشون في سراديب الظلام، ومن منهجهم أن يعيشوا تقية وأن يعيشوا مع الناس بالنفاق، فأولوا أركان الإيمان وأركان الإسلام بأئمتهم، بل فسّروا بعض ص

قواعد في القدر

قواعد في القدر قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سادساً: القدر أولاً: من أركان الإيمان: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، ويشمل: الإيمان بكل نصوص القدر ومراتبه: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، وأنه تعالى لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه].

مراتب القدر

مراتب القدر القدر كثرت النزاعات والشبهات التي ترد على المسلم فيه، سواء كان شبهات ذاتية تنشأ من وساوس الشيطان، أو من التخييل أو من أحلام بعض الأمراض النفسية وغيرها؛ لأن الإنسان أكثر ما يتعرض في مسألة الغيبيات من وساوس القدر، سواء كانت شبهات ترد من الآخرين، أو مما يسمع أو مما يقرأ، أو شبهات تنشأ من نفسه أو من عبث الشيطان به. فلذلك سأركز على الممارسات الخاطئة تجاه القدر؛ خاصة فيما يتعلق بالأوهام والوساوس، فأولاً: ينبغي لكل مسلم أن يعتقد أن الله قدّر كل شيء، فكل شيء هو بتقدير الله الخير أو الشر، وبعض المسلمين يتساءل وهذا السؤال ينشأ عنه ضلالات وقعت فيها أمم كبرى في التاريخ كالمجوسية وطوائف من أهل الكتاب وغيرها من الأمم الضالة الكثيرة التي أخطأت في تصور معين، حيث زعموا أنه لا يُنسب تقدير الشر إلى الله عز وجل زعماً منهم أن هذا لا يليق، وما علموا أن هذا استنقاص لله عز وجل؛ لأنه ما دام الشر موجوداً فلا بد أن يكون له موجد، فإذا ما كان الله عز وجل أوجده ابتلاء وفتنة فيكون هناك خالق آخر مع الله، وهذا لا يقر به عاقل ولا صاحب فطرة سليمة ولا يمكن أن يرد في ذهن الإنسان. فالإيمان بالقدر يعني أن الله عز وجل قدّر كل شيء، وهو خالق كل شيء، لكن لماذا قدر الخير والشر؟ ولماذا لم يقدر الخير كله؟ هذا لحكمة بعضها ظاهر وبعضها غير ظاهر، أما الظاهر فيتبين بمثل قوله عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35] فهذا ابتلاء وامتحان؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، ولذلك فإن الله عز وجل قرر هذا باستنهاض الفطرة واستنهاض العقل السليم في أسئلة ومقدمات عقلية مبسطة سهلة جداً تقرر عند الإنسان التمييز بين الحق والباطل، وتقرر عند الإنسان الحكمة من الله عز وجل في التمييز بين الشر والخير، وأن الله عز وجل أوجد هذا وهذا ليميز الخبيث من الطيب، مثل قوله عز وجل: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35]، وكقوله عز وجل: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، ثم إن الله عز وجل أعطى الإنسان بفطرته الفوارق بين الخير من حيث منشأه ومن حيث الوقوع فيه، ومن حيث نتيجته، وبين الشر من حيث منشأه والوقوع فيه ونتيجته، قد يجدها كل صاحب فطرة، وهذا عند كل إنسان حتى الذين لا يلتزمون الأديان نجد عندهم بقايا من ثوابت عقلية وفطرية يميزون فيها بين الخير والشر بين الرذيلة والفضيلة، ويدركون أن هناك حكمة من وجود هذا وذاك، فلو لم يوجد الشر لم يتميز الخير، ولو لم يوجد الباطل لم يتميز الحق والهدى وهكذا إذاً: يرجع ذلك كله لحكمة القدر خيره وشره من الله عز وجل، وأن الله عز وجل مقدر كل شيء، وأنه ينبني على وجود الإيمان بجميع مراتب القدر الأربع، وبهذا تكتمل عند المسلم القناعة التامة واليقين التام إن شاء الله في أن الله بيده مقاليد كل شيء، وذلك راجع إلى المراتب الأربع التي هي: أن تؤمن وتجزم بأن الله عليم بكل شيء، فهو بكل شيء عليم سبحانه ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون، عليم بالدقيق والجليل لا تخفى عليه خافية سبحانه، عليم ليس بما في الصدور فقط، بل حتى بذات الصدور، وهي أعمق مما في الصدور، فهو لا يخفى عليه شيء {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] وهذا أمر بدهي، ثم بعد ذلك أن الله كتب مقادير كل شيء: الخير والشر، ثم إن الله عز وجل شاء كل شيء وأراده، فكل شيء فهو بمشيئة الله وإرادته، ثم إن الله خالق كل شيء هذه المراتب الأربع إذا استشعرها المسلم وغرسها في قلبه يسلم من كثير من قرائن الشبهات في القدر، ووساوس الشيطان. ثم إن من أساسيات القدر أن تعلم أنه عز وجل لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، أي: لا يتعقبه أحد، ولا أحد يقول: لماذا، وكيف؟

أنواع الإرادة في القرآن والسنة

أنواع الإرادة في القرآن والسنة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثانياً: الإرادة والأمر الواردان في الكتاب والسنة نوعان: أ- إرادة كونية قدرية بمعنى المشيئة، وأمر كوني قدري. ب- إرادة شرعية لازمها المحبة، وأمر شرعي. وللمخلوق إرادة ومشيئة، ولكنها تابعة لإرادة الخالق ومشيئته]. الشرح: الإرادة والأمر قد يكون فيهما لبس عند بعض الناس، فما يريده الله هو ما يأمر به، أما الإرادة فهي في حق الله عز وجل نوعان: الإرادة الكونية الطبيعية أو الكونية القسرية التي لا مجال فيها لتدخل البشر أو قدرتهم، والإرادة العامة التي أراد الله عز وجل للأشياء أن تكون على ما قرر وقدّر له، وفق السنن التي لا تتبدل ولا تتغير، والإرادة الكونية العامة فيما يتعلق بربوبية الله عز وجل في وضعه لأسس الخلق، فالله خلق السماوات والأرض وخلق الناس وكل الخلق، فأنظمة الخلق وسنن الخلق خاضعة للإرادة الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير إلا بما يشاء عز وجل. وهذه تتعلق بالمشيئة، وأن الله عز وجل إذا شاء شيئاً كان، وتنفيذه من قِبل الله يسمى أمراً كونياً، فالله عز وجل إذا أراد شيئاً الإرادة الكونية قال له: كن فيكون، فبعضه يكون بالأسباب، وأن الله عز وجل يقول للأسباب كن فتكون، فالأسباب تكون لها مسببات، ولذلك فإن من القواعد الضرورية أن نعتقد أن الأسباب ليست أزلية، ولا يمكن الدعوة في الأسباب، فالأسباب تنتهي، ومعنى أن الله عز وجل أوجد كثيراً من الأمور بالأسباب، فالله عز وجل جعل حياة الناس سببها الماء، والماء سببه المطر، والبحار، والبخار، والسحاب وهكذا لكن إلى نهاية، وهي إرادة الله الكونية القدرية ومشيئته الكونية العامة، فالإرادة الكونية وهي سنن الله الكونية وخلقه وقدرته ومشيئته التي تتعلق بالخلق تكويناً وبالخلق أبدية وتنظيماً، أي: تدبير الخلق، والسنن الكونية التدبيرية راجعة إلى إرادة الله الكونية بمعنى المشيئة والقدر الكوني. النوع الثاني: إرادة شرعية دينية بمعنى المحبة، فما يريده الله ويحبه ويرضاه لعباده فهذه تتعلق بالأعمال المشروعة، فالله يريد للعباد الخير ويريد لهم اليسر ولا يريد لهم العسر، فهذه تسمى إرادة شرعية متعلقة بأفعال العباد، ولا يلزم أن تكون إرادة الله الكونية؛ لأنه إذا أراد الله شيئاً كوناً لا بد أن يقع، لكن إذا أراد شرعاً فإنه علقها بأفعال البشر، والله أراد من هذا الإنسان أن يصلي لكن هذا الإنسان عورضت إرادة الله عز وجل بإرادته، إن صلى فقد تحقق مراد الله الذي هو محبته ورضاه، وإن لم يصل لم يتحقق ما أراد الله منه ويرضاه إذاً: الإرادة الشرعية هي ما يحبه الله من الأعمال المشروعة، وترك ما يبغضه الله عز وجل من الأعمال غير المشروعة، كما يدخل فيها الأمر الشرعي، والأمر الشرعي مراد لله، فالله حينما أمر بالصلاة أو بالزكاة أو بصلة الرحم أو بحسن الخلق، فيعني ذلك أن الله عز وجل أراده شرعاً ورضيه وأحبه، لكن العباد قد يفعلون وقد لا يفعلون. فمن هنا فإن الإرادة الشرعية مرتبطة بأفعال العباد، أما الإرادة الكونية فلا دخل لأفعال العباد فيها، والله عز وجل جعل للمخلوقين المكلفين إرادة ومشيئة لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته، فلا يمكن أن يريد الناس ما لا يريده الله، ولا يمكن أن يشاءوا إلا وفق مشيئة الله، وهذه المسألة تتعلق بالتكليف، فالله كلّف العباد وأراد منهم شرعاً أن يفعلوا أشياء وأن ينتهوا عن أشياء وهذه الإرادة جعل عندهم فيها قدرة على الفعل والترك، وهذه القدرة هي التي تتعلق بها محاسبة العباد، فإن فعلوا ما أراده الله شرعاً فإن الله عز وجل يؤجرهم بذلك، وإن لم يفعلوا فإن الله عز وجل يعاقبهم على عدم الفعل بشروط وضوابط.

الهداية والضلال بيد الله

الهداية والضلال بيد الله قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثالثاً: هداية العباد وإضلالهم بيد الله، فمنهم من هداه الله فضلاً، ومنهم من حقت عليه الضلالة عدلاً]. الشرح: أي: أن الله عز وجل يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأن من هداه الله عز وجل فذلك بفضل الله ومنه وكرمه ليس لأحد على الله فضل، ولا يمكن أن يقول أحد: الله هداني بسبب أنني فعلت كذا أو أني على الخصال الفلانية، أو أني على المستوى الفلاني من الخلق! إنما الهداية توفيق من الله وفضل، لا يحصلها الإنسان بعمله ولا بمواهبه. وكذلك الإضلال عدل من الله؛ لأنه عز وجل: {لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:182]، فهداية الله لمن هداهم من العباد راجع إلى علم الله أنه سيهتدي، وليست المسألة تحكماً ولا قسراً للعباد، فالله عز وجل لم يجبر العباد جبراً، إنما جبل أهل الخير على الخير فهذه هي الجبلة والفطرة. فالله عز وجل حينما أراد وقرر وشاء امتحان العباد علم بأن هؤلاء المهتدين سيسلكون طريق الهداية، فالله عز وجل حكم لهم بالهداية مسبقاً بعلم سابق أنهم سيفعلون ذلك، وحكم سبحانه على من قدّر له الضلالة في سابق علمه أن هؤلاء سيختارون طريق الضلالة، وذلك راجع لسابق علم الله، ولذلك فإن الله عز وجل ليس بظلّام للعبيد، بل جبلهم على الهدى وعلى الضلال، وكل يسلك الطريق الذي يسر له، بمعنى أنه بحسب ما اختار هو بنفسه، ولذلك فالإنسان الذي يفقد سبب التكليف بأي سبب من الأسباب المشروعة فإن الله عز وجل لا يكلفه ولا يحاسبه. المسألة الأخرى فيما يتعلق بالهداية، وأنها توفيق من الله عز وجل، وأنها لا تكون بسبب من الإنسان مباشر، مع أن الإنسان إذا عمل خيراً فإن الله بمقتضى وعده يعده بالخير، لكن لا يظن ذلك أنه راجع إلى عمله بذاته بل بتوفيق الله وحده. فمثلاً: الإنسان إذا هداه الله عز وجل ووفقه ثم عمل بمقتضى أمر الله عز وجل على أكمل وجه طول عمره، فهل يكافئ عمله هذا نعمة واحدة من نعم الله عليه؟ لا يكافئ، ومن هذه النعم التوفيق نفسه، وكون الله عز وجل وفقك لتعبد الله على أكمل وجه فهذا من النعم التي لا تكافئها أنت، فالتوفيق إلى الخير نعمة لولا الله ما اهتدينا لها، فالأمر من الله وإليه سبحانه، فنحن نتقلب بين فضله ومنته وعدله ورحمته، نسأل الله أن يرحمنا جميعاً.

أفعال العباد من مخلوقات الله وهم فاعلون لها حقيقة

أفعال العباد من مخلوقات الله وهم فاعلون لها حقيقة قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: العباد وأفعالهم من مخلوقات الله تعالى الذي لا خالق سواه، فالله خالق لأفعال العباد، وهم فاعلون لها على الحقيقة]. الشرح: هذه المسائل قد تشكل أحياناً، فالعباد المكلفون الذين أعطاهم الله عز وجل القدرة على الفعل هم مخلوقون لله وأفعالهم من خلق الله، والله عز وجل خالق كل شيء وبما في ذلك أفعال العباد، وهذا أمر بدهي، وكل المسلمين يقولون هذا بداهة، وندرك بالفطرة أن الله خالق كل شيء، ولكن يقال هذا؛ لأنها وجدت في الأمم السابقة مذاهب وديانات باطلة تزعم أن أفعال الإنسان من خلق الإنسان، أو أن أفعال الإنسان ليست من تقدير الله ولا من خلقه، فمن هنا نشأ هذا الأصل بناء على مقتضى الكتاب والسنة؛ لتحصين أجيال الأمة وتحصين قلوب المسلمين من غوائل هذه البدع والأفكار الضالة التي تزعم أن الله لم يقدّر الشر ولم يخلقه، وأن من أفعال العباد ما لم يقدرها الله ولم يخلقها، فنقول: الله خالق كل شيء، لا خالق سواه، فالعباد هم مخلوقون لله وأفعالهم من خلق الله، وأيضاً فما يفعلونه هم فهو بإرادتهم التي خلقها الله لهم وهم فاعلون لها على الحقيقة، لأن الحد الذي بين القدر الاختياري والقسري معلوم، بمعنى أني أعلم أن هناك أفعالاً قسرية لا يد لي فيها، بل هي من ربوبية الله عز وجل، وأن الله يرعاني فيها كحركة الدم، والقلب، والمشاعر، والأحاسيس، فالحركة اللاإرادية أُدرك أنها أمر خارج عن إرادتي، لكن هناك أمور يعرفها العاقل أنها من مقدوراتك، وهذه الأمور التي هي من مقدوراتك هي التي تحاسب عليها، فمثلاً: أنت الآن إذا قدم لك طعام نافع ترى عليه أثر النفع، وآخر ضار ترى عليه أثر الضرر فأنت تدرك أنك تميل إلى هذا النافع، وتنفر من هذا الضار، ثم تتناول النافع لأنك تعرف أن هذا من مصلحتك، وتترك الضار لأنك تعلم أن هذا فساد وضرر عليك، ومن لم يفعل ذلك نعتقد أنه أخطأ في حق نفسه، فكذلك أمور الدين وأمور إرادة الفعل وفعل الخيرات أو إرادة ترك المنهيات مبنية على أن الإنسان يُدرك ويلاحظ أنه يفعل الخير حقيقة بإرادته التي أعطاه الله إياها، ويترك الشر كذلك أو يفعل محذوراً بإرادة يجد فيها أنه غير مرغم فيها فمن هنا فإن أفعال الناس هي أفعالهم على الحقيقة، لكنها محكومة بخلق الله وتدبيره، ولا تخرج عن كونها من خلق الله، فالله عز وجل هو الذي خلق الخلق وخلق لهم القدرة والإرادة، وخلق لهم التمييز بين هذا وذاك، وأعطاهم القدرة التي تتعلق بمقدوراتهم فقط؛ فمن هنا يجب أن نعرف أن هناك حداً بين ما يقدر عليه العباد وبين ما لا يقدرون عليه، وأن ذلك كله من تقدير الله، فما لا يقدرون عليه لا يحاسبون عليه، وما يقدرون عليه فهو محك الحساب والسؤال.

الآجال والأرزاق والأعمار مكتوبة على العباد

الآجال والأرزاق والأعمار مكتوبة على العباد قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سادساً: الآجال مكتوبة، والأرزاق مقسومة، والسعادة والشقاوة مكتوبتان على الناس قبل خلقهم]. الشرح: أي: أن كل إنسان عندما يبلغ مائة وعشرين يوماً كما جاء في الأحاديث الصحيحة يكتب عليه ذلك، مع أن الروح ورد فيها أنها تأتي على مراحل، وبعض الناس إذا قرأ بعض الأحاديث وجد هناك أحاديث تدل على وجود الروح قبل المائة وعشرين يوماً، ووجد العلم الحديث يثبت نوعاً من الحياة قبل المائة والعشرين يوماً، لكن الحياة الحقيقية والروح الكاملة للإنسان عند بلوغ مائة وعشرين يوماً، وأثناء نفخ الروح يرسل الله عز وجل ملكاً ينفخ في كل إنسان روحه ويقدّر آجاله الأربعة الرئيسة التي هي: رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته أو سعادته وهذه المقررات اللازمة الحتمية، لكنها محجبة، فهل تدري أنت ماذا سترزق غداً؟ لا تدري ولا يدري أحد، قد يحتمل، وأحياناً يحول بينك وبين تقديرك للرزق الموت نفسه، فينقطع رزقك بموتك. إذاً: كل هذه الأمور الأربعة غيب خالص، وهي من القدر لله عز وجل، وهي آجال مكتوبة لكل إنسان، ثم إن الله عز وجل قد قدر السعادة والشقاوة وأنهما مكتوبتان على الناس قبل خلقهم بالحق والعدل، وأيضاً فإن الله عز وجل لم يساو بين الخلق؛ لأن المساواة ليست من مقتضى العدل؛ وهناك بعض الناس يظن أن المساواة هي مقتضى العدل، واليوم يرفع بعض الناس شعار المساواة، والمساواة ليست عدلاً، فالله عز وجل لا يساوي بين العامل والتارك، بين من يفعل الخير ومن يفعل الشر {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35] {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18] حتى في الرزق، هل يستوي من يبذل ويكدح بمن هو خامل ونائم؟ هل يستوي من يستحق الأجر ومن لا يستحقه؟ إذاً: المساواة ليست قاعدة في الشرع إلا بين المتساويات، فالمساواة بين المتساويات قدر شرعي وعدل، لكن المساواة بين غير المتساويات سواء بين الذكر والأنثى، أو بين العامل وغير العامل، أو بين النشط والكسلان، بين هذا وذاك هذه المساواة ليست من مطلوب العدل، وقدر الله قام على العدل.

الاحتجاج بالقدر على المصائب والآلام

الاحتجاج بالقدر على المصائب والآلام قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سابعاً: الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب والآلام، ولا يجوز الاحتجاج به على المعايب والآثام، بل تجب التوبة منها، ويلام فاعلها]. الشرح: هذه المسألة قد تخفى على بعض الناس، أي: أنه لا يجوز للمسلم إذا فعل منكراً أن يقول: الله قدّر علي؛ لأنه فعل المنكر وقد نهاه الله عنه، وأقدره الله على تركه، فالإنسان إذا فعل منكراً أو فسقاً أو فجوراً فإنه لا يجوز أن يحتج بالقدر ويقول: قدر الله عليّ، وقد جاء عن أحد الصحابة أنه حينما جاءه السارق وقال: سرقت بقدر الله، قال له عمر: (ونحن نقطع يدك بقدر الله) معناه: أنه لا يجب أن يحتج بالقدر، إنما تحتج بالقدر حينما لا يكون لك طاقة به، فمثلاً: لو حدث حادث لا قدر الله رغم إرادتك ولم تتسبب فيه، فمن هنا تقول: قدر الله وما شاء فعل. إذاً: الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب والآلام لأنها قسرية، فالأمور التي تحدث لك بدون أن تتسبب فيها يجوز عندها أن تقول: قدر الله وما شاء فعل، ولكن المعايب والآثام وسوء الأخلاق والإساءة إلى الخلق، والإساءة في حق الله عز وجل وارتكاب المعاصي والآثام، لا تقل: قدّر الله عليّ؛ لأن الله عز وجل أعطاك القدرة على الترك وشرع لك أن تتجنب الباطل وتعمل بالحق. نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

عقيدة الجبرية في القدر

عقيدة الجبرية في القدر Q ألاحظ أن معتقدنا أهل السنة في القدر يلتقي في النهاية مع العقيدة الجبرية، فأنا لا ألحظ فرقاً كبيراً مع الجبرية، وأرى أن المهم في قضية القدر أن الإنسان لا يستطيع أن يحتج بالقدر على المعاصي؛ لأنه ليس عنده علم مسبق لما قدره الله عليه؟ A هذه من المعادلة الصعبة، وربما يكون الأخ لم يفهم معنى الجبرية، وإلا فالأولى أن يبتعد عن البحوث التي ليس لها اهتمام، ولأن هذه من المعضلات، والأصل أن المسلم لا يتعرض لها إلا للضرورة، فأرجو ألا يكون له ضرورة، فلذلك أقول: لا يمكن أن يلتقي منهج أهل السنة والجماعة مع الجبرية؛ لأن الجبرية يرون أن الإنسان لا إرادة له، وليس مجبولاً على القدرة في الخير ولا على القدرة في الشر، وأنه يسير بقوانين كالقدرية العامة، فالجبرية لا يلتقون مع أهل السنة إلا في جوانب جزئية لا تعتبر مما عليه الخلاف أصلاً، أما ما عليه الخلاف بيننا وبين الجبرية فلا يلتقي منهج الجبرية بمنهج السنة؛ لأن منهج السنة يعتمد على أن كل شيء بإرادة الله، لكن الله عز وجل وهب للإنسان إرادة خاصة جبله عليها، على مقتضى الفطرة، فقد جبل الله الإنسان على أن يميل إلى الخير ويفعله وأقدره عليه، وينفر من الشر ويفعله وأقدره عليه، وهذه الجبلة هي الفارق بيننا وبين الجبرية. كما أن الجبرية يرون أن الإنسان ما دام مجبوراً بزعمهم وأنه لا إرادة له ولا حرية فله أن يفعل ويترك، فبذلك يقولون: هو غير محاسب، فعلى هذا يرون الاستهانة بالشرع ما دام أن الإنسان مجبور. وهناك نوع من الجبر ويسمى الكسب عند بعض الأشاعرة، وهذا أمره أيسر وليس هو المقصود بالجبرية المطلقة.

معنى قول: القرآن عبارة عن كلام الله

معنى قول: القرآن عبارة عن كلام الله Q قول بعض الطوائف حينما يقولون: إن القرآن هو عبارة عن كلام الله عز وجل، ما المقصود بهذه العبارة؟ A القرآن عبارة، يقصدون به أنه تعبير مثل ما نسميه ترجمة عن كلام الله وليس كلام الله حقيقة، كأنهم يقصدون أن هناك من خلق الله من عبّر عن كلام الله، ولهذا فهم يختلفون اختلافاً كثيراً، من هو الذي عبّر عن كلام الله؟ هل هو الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هو جبريل؟ هذا معناه، فهم حادوا أن يثبتوا أن القرآن كلام الله على ما يليق بجلال الله حقيقة، ولجئوا إلى القول بأن القرآن إنما هو تعبير عما يريده الله عز وجل من مراداته الكلامية.

معنى: القرآن كلام الله منه بدأ

معنى: القرآن كلام الله منه بدأ Q هل قولنا: القرآن كلام الله منه بدأ بمعنى ظهر وليس من الابتداء،؟ A بدأ بمعنى تكلم به سبحانه، أما البدء فليس مقصوداً، وقد يكون من الظهور من المستلزمات لا من المعاني المباشرة، فقوله: (منه بدأ) بمعنى أن الله تكلم به ابتداء لا بمعنى الظهور، وهذا ظاهر من النص ومن مفهوم كلام السلف في شروحاتهم.

تعارض القضاء مع الدعاء

تعارض القضاء مع الدعاء Q ذكرت أن الله تعالى لا راد لقضائه، فهل يتعارض هذا مع حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) A لا يتعارضان، ولا أحد من الخلق يستطيع رد القضاء، أما أن يرد الله عز وجل وأن يحكم الله عز وجل بأن يكون الدعاء سبباً لرد القضاء فهذا حكم الله وقضاؤه، والإشكال قد يرد في نصوص كثيرة أيضاً في مثل هذا؛ لأنه ينطبق على كثير من الحالات في مثل هذا الأمر، فالله عز وجل لا راد لقضائه، فحينما يرد الدعاء القضاء؛ فالقضاء هو قضاء الله وقدره، ومن هنا فليس من الخلق من يستطيع رد القضاء، فيبقى النص محكماً.

ضابط من يهجر القرآن

ضابط من يهجر القرآن Q بالنسبة لتلاوة القرآن، كأن يقرأ مثلاً وجهين أو أربعة أوجه في اليوم فهل تكفي لعدم الدخول ضمن من هجر القرآن الكريم؟ A يقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وإن كان هذا حداً قليلاً جداً، لكن في تقديري أنه إذا واظب المسلم على وجه أو وجهين يومياً مع ما تتلوه في الصلوات وما يرد من آيات الله من القرآن في الأوراد، فهو إن شاء الله حد أدنى نرجو ممن يفعله أن لا يكون هاجراً للقرآن.

ضابط الذبح المحرم

ضابط الذبح المحرم Q إذا كان الرجل يستضيف كبار البلد ووجهائهم ويذبح لهم، فهل يجوز الذبح هنا أم يكون هذا من الذبح لغير الله؟ A الذبح للضيوف من سنن الهدى، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو أكرم الخلق، وكان يذبح الذبائح عند أصحابه وعند من يضيفوه، وسلف الأمة يعتبرون الضيافة من الكرم الممدوح شرعاً إذا لم يصل إلى حد الإسراف. فالمقصود بالذبح الممنوع شرعاً هو أن يذبح بغير اسم الله، أو يتقرب به لغير الله من حيث التعبّد لا من حيث الإكرام والتقديم للضيف، فالذبيحة التي تقدم للضيف تُذبح باسم الله تقرباً إلى الله؛ لأن إكرام الضيف مما يحبه الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، فالممنوع في الذبح هو: أولاً: أن يذبح الذابح بغير اسم الله لا قدر الله. ثانياً: أن يعتقد أن هذا الذبح يتقرب به لغير الله، سواء أكلها هو أو غيره. والمشروع هو الذبح للضيف وتكريم للضيف، هذا مشروع بل هو من الأمور المأمور بها.

الإنسان مسير أو مخير

الإنسان مسير أو مخير Q ما معنى كون الإنسان مسيّراً ومخيّراً؟ A هذه فلسفة، فالإنسان لا يقال: إنه مسيّر مطلقاً ولا مخيّر مطلقاً، بل هو مجبول ومحكوم بقضاء الله وقدره، فالقول بأنه مسيّر كأنه مجبور على الأفعال دون إرادته، والقول بأنه مخيّر كأن عنده إرادة مطلقة لا تتعلق بإرادة الله وخلقه، وكأن الله لا شأن له بفعل العبد وهذا كله خطأ، فالإنسان مسيّر في غير الأمور الإرادية فهو مسيّر فيها، كيف يرزق ومتى يموت وحياته اللاإرادية في حركة قلبه أو حركة دمه كل هذه مسيّر فيها، والأقدار الأربعة التي تكتب عند ولادته هذه مسيّر فيها، بمعنى أن الله عز وجل قدّر عليه أموراً أراحه منها، فالتسيير لا يعني الإهانة للإنسان، بل حفظ الله للإنسان بأن سيّر أموره لا إرادية تحت أمور كونية الله عز وجل يحفظه بها، ومخيّر من وجه آخر في أن يفعل أو يترك، لكن هذا التخيير مربوط بخلق الله وإرادته. فالإنسان مسيّر من وجه ومخيّر من وجه آخر، ولا يقال: مسيّر فقط ولا مخيّر فقط، إذاً: هو مجبول ومفطور.

مقولة: اللهم إني لا أسألك رد القضاء

مقولة: اللهم إني لا أسألك رد القضاء Q يقول بعضهم: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، أرجو التعليق على ذلك؟ A هذا الدعاء فيه نظر؛ لأنه لا يجوز الاستثناء في الدعاء، فالإنسان يعزم في الدعاء كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولماذا لا يسأل الله رد القضاء وقد وعد الله عز وجل برد القضاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: (أن الدعاء والقضاء يلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان)، وفي رواية: (فيصطرعان فيغلب الدعاء القضاء) فلا داع أن نقول: لا أسألك رد القضاء، بل ينبغي أن يكون الدعاء متوافقاً مع أصول الشرع.

مقولة: أمر الله بين الكاف والنون

مقولة: أمر الله بين الكاف والنون Q ما الحكم بقول القائل: يا من أمره بين الكاف والنون؟ A لا حرج، فكل شيء من أمر الله هو بين الكاف والنون {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، والذي يظهر لي أنه لا حرج في ذلك.

حقيقة كلام الله في الكتب السماوية

حقيقة كلام الله في الكتب السماوية Q هل الكتب السماوية الأخرى غير القرآن هي كلام الله على الحقيقة؟ A الله عز وجل أنزل التوراة بالألواح على موسى عليه السلام، لكن هل هي كالقرآن تماماً؟ هذا ليس عندنا دليل قاطع على أنه كالقرآن تماماً، بل نعرف أن الله عز وجل كلّم موسى تكليماً، وأن التوراة والإنجيل من كلام الله عز وجل في الجملة، لكن هل يحكمها التفصيل الذي في القرآن؟ المسألة خلافية، ونحن في غنى عن هذا.

حفظ الكتب السماوية السابقة

حفظ الكتب السماوية السابقة Q لماذا لم يتكفل الله بحفظ الكتب السماوية السابقة؟ A هذا من الابتلاء الذي يكون على الأمم، ولأن الديانة الأخيرة التي هي ديانة النبي صلى الله عليه وسلم؛ هي الباقية إلى قيام الساعة، فتكفل الله بحفظ مصادرها؛ لأنها لو حرفت فقد انقطعت حجة الله على الخلق بانتهاء الوحي وانقطاعه وصولاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، فمن هنا تكفّل الله بحفظ القرآن في صدور هذه الأمة، لأنه انتهى الوحي وانقطع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، ولأن الله تكفل بهذا الحفظ. أما الديانات الأخرى فقد حرفت وحرفت كتبها بسبب تفريطهم، ولأن الله عز وجل لم يتكفل لهم بذلك، وهو من الابتلاء الذي كتبه الله على الأمم، وميز الله هذه الأمة بهذه الميزة وهو حفظ كتابها.

حكم تقبيل المصحف وربط الأحداث المعاصرة بالقرآن

حكم تقبيل المصحف وربط الأحداث المعاصرة بالقرآن Q هل تقبيل القرآن يعتبر من الأعمال المشروعة؟ وهل ربط الأحداث المعاصرة والاكتشافات بالتفسير هو من القرآن؟ A تقبيل القرآن إذا كان لمقتضى فإنه من إكرامه، وأن الإنسان كما يقبّل أي شيء غالٍ عليه كتقبيله لابنه أو أخيه أو تقبيله للمسافر فكذلك تقبيل القرآن عند المقتضى، بمعنى أنه لا يتخذ هذا تعبداً وسنة يفعلها دائماً، بحيث يظن أنه إذا لم يقبّل فقد ترك سنة، لكن إذا سقط من يدك أو نحو ذلك فأرى والله أعلم أنه لا حرج من تقبيله، استشعاراً لتعظيم القرآن الذي هو كلام الله. وأما ربط الأحداث وهو ما يسمى بالإعجاز العلمي أو غير ذلك، بحدود ضوابط تفسير القرآن فلا حرج فيه، لكن المبالغة فيه فيما يخرجه عن حدود تفسير القرآن فهذا فيه نوع من العدوان ونوع من إبقاء الأمة في حرج، فلا بد من الضوابط الشرعية، وما يستقيم مع تفسير القرآن وقواعد التفسير من إظهار الإعجاز العلمي في القرآن أو إظهار الآيات والشواهد في القرآن على حوادث الزمان، وهذا يكون بالقدر الشرعي السائر على نهج الاستدلال. لكنَّ كثيراً من المختصين بهذه الأمور بالغوا إلى حد أن حمّلوا القرآن أموراً لا تزال ظنية لم تكن على وجه القطع، فهذا فيه خطأ وربما يحمّل القرآن أشياء ليست منه.

الجماعة والإمامة

مجمل أصول أهل السنة - الجماعة والإمامة الجماعة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم واقتفى آثارهم واقتدى بهديهم إلى يوم القيامة، ولهم خصائص وسمات ومزايا يتصفون بها ويتميزون بها عن بقية فرق المسلمين، والإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة أو بيعة ذوي الحل والعقد منهم، وقد تثبت بأمور أخرى كالغلبة والاستخلاف وغيرها.

قواعد في الجماعة والإمامة

قواعد في الجماعة والإمامة الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: يقول المؤلف حفظه الله تعالى: [سابعاً: الجماعة والإمامة. أولاً: الجماعة في هذا الباب هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان، المتمسكون بآثارهم إلى يوم القيامة، وهم الفرقة الناجية. وكل من التزم بمنهجهم فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات. ثانياً: لا يجوز التفرق في الدين، ولا الفتنة بين المسلمين، ويجب رد ما اختلف فيه المسلمون إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح. ثالثاً: من خرج عن الجماعة وجب نصحه ودعوته ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، فإن تاب وإلا عوقب بما يستحق شرعاً. رابعاً: إنما يجب حمل الناس على الجمل الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، ولا يجوز امتحان عامة المسلمين في الأمور الدقيقة، والمعاني العميقة. خامساً: الأصل في جميع المسلمين سلامة القصد والمعتقد حتى يظهر خلاف ذلك، والأصل حمل كلامهم على المحمل الحسن، ومن ظهر عناده وسوء قصده فلا يجوز تكلف التأويلات له. سادساً: فرق أهل القبلة الخارجة عن السنة متوعدون بالهلاك والنار، وحكمهم حكم عامة أهل الوعيد، إلا من كان منهم كافراً في الباطن، أو كان خلافه في أصول العقيدة التي أجمع عليها السلف، والفرق الخارجة عن الإسلام كفار في الجملة، وحكمهم حكم المرتدين. سابعاً: الجمعة والجماعة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، والصلاة خلف مستور الحال من المسلمين صحيحة، وتركها بدعوى جهالة حالة بدعة. ثامناً: لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور من المسلمين مع إمكانها خلف غيره، وإن وقعت صحت، ويأثم فاعلها إلا إذا قصد دفع مفسدة أعظم، فإن لم يوجد إلا مثله أو شر منه؛ جازت خلفه، ولا يجوز تركها، ومن حكم بكفره فلا تصح الصلاة خلفه. تاسعاً: الإمامة الكبرى تثبت بإجماع الأمة، أو بيعة ذوي الحل والعقد منهم، ومن تغلب حتى اجتمعت عليه الكلمة وجبت طاعته بالمعروف ومناصحته، وحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كفر بواح فيه من الله برهان]. هذه الأصول من ضمن منهج السنة والجماعة الذي رسمه الإسلام من خلال نصوص القرآن ومن خلال سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، ومن خلال سنة الخلفاء الراشدين، ونهج السلف الصالح. وهذه الأحكام تعتبر من أصول الدين ومسلماته، وهي مناهج الدين التطبيقية العملية فيما يتعلق بالأحكام العامة والمصالح العظمي والمصالح الكبرى، وذلك أن أمور العقيدة على أنواع: الأول: أمور علمية اعتقادية كأصول الإيمان الستة. الثاني: أمور عملية تتعلق بالعبادات والشعائر، كأركان الإسلام الخمسة. الثالث: أمور عملية تتعلق بمناهج الدين وتطبيقاته فيما يتعلق بالجماعة وصورها في التعامل بين المسلمين، وفي تعامل المسلمين مع المخالفين منهم، وتعامل المسلمين مع غيرهم من الكفار، وهذا يدخل فيه أمران: الأمر الأول: الجماعة والإمامة وأحكامها. الأمر الثاني: ما يتعلق بخصائص أهل السنة وسماتهم، وهي المحك العملي في تعاملهم مع بعضهم ومع الآخرين.

الجماعة وما يتعلق بها من أحكام

الجماعة وما يتعلق بها من أحكام الجماعة إذا ورد ذكرها في القرآن والسنة وفي منهج السلف فلها عدة إطلاقات، والذي يهمنا هنا هو الإطلاق العام والكبير، الجماعة التي هي من مسلمات الدين ومن ثوابت الدين ومن أصوله ومن قواطعه. فجماعة المسلمين المقصود بها هي التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر خصائصها، وتتميز بسمات رسمها الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح. فجماعة المسلمين هي المستمسكة بالحق والمستمسكة بالسنة، وهي من ناحية تاريخية مرت بصور: الصورة الأولى: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين قبل ظهور الافتراق حيث كان المسلمون كلهم على الجماعة، وكانت تتوافر فيهم صفات الجماعة المسلمة من جميع الخصائص والسمات، وإن وجد عند بعض الأفراد شذوذ، فإن الشذوذ في تصرفات الأفراد أو الفئات القليلة لا تخرق قاعدة أن الجماعة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا على الإسلام والسنة ولم يظهر افتراق. وفي آخر عهد الخلفاء الراشدين ظهر الافتراق، ثم في القرن الأول تنامى الافتراق حتى آخر القرن الأول، فكثرت الفرق وكثر أتباعها، فمن هنا رجع السلف إلى تمييز الجماعة بالوصف التي وصفها به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فلما نظروا إلى ما عليه المسلمون من الفرقة والاختلاف؛ وجدوا أهل السنة والجماعة هم الذين بقوا على هذا المنهج، وسموا أهل السنة والجماعة بناء على وصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة في نصوص كثيرة تصل إلى حد التواتر المعنوي: (عليكم بالجماعة) (إياكم والفرقة) (يد الله مع الجماعة)، إلى غيرها من النصوص الكثيرة التي توصي بالجماعة وتجعلها الموئل للمسلم عندما يكثر الافتراق وتكثر الأهواء. فالجماعة المعنية من حيث تطبيقاتها: هم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، والتابعون لهم بإحسان الذين أحسنوا التبعية من غير تقليد، إنما اتباع باهتداء واقتداء. وهم المستمسكون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح إلى يوم القيامة، ولذلك سموا بالفرقة الناجية، وهذه التسمية لم تكن من صنع الناس، وإنما هي مأخوذة من وصف النبي صلى الله عليه وسلم. فكل من التزم بمنهج السنة ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين؛ فهو من الجماعة في العقيدة والمواقف والمصالح العظمى، فمن التزم هذا النهج فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات. فمن وقع منه خطأ من علماء المسلمين أو من عامتهم فإن كان الخطأ يتعلق بأمر جزئي اجتهادي؛ فلا يضره ذلك ولا يخرجه من الإيمان. وكذلك إذا كان الخطأ عن تأول أو عن جهل، فإن الإنسان لا يخرج من الجماعة حتى تقام عليه الحجة، وعلى هذا فإن المسلم -عالماً كان أو غير عالم- لا يخرج من مفهوم هذه الجماعة الشرعية إلى قيام الساعة إذا التزم نهج المسلمين في العقيدة والمواقف والمصالح، ولا يخرج بذلك من الجماعة إلا بأمرين أو بأحدهما: الأمر الأول: إذا خالف في أصل من الأصول القطعية أو ثابت من ثوابت الدين العلمية أو العملية؛ فإنه يخرج من الجماعة وإن لم يخرج من الإسلام، بولا يلزم أن يكون خرج من الملة، لكن خرج من السنة والجماعة. الأمر الثاني: إذا تكاثرت البدع عند شخص بأن تكون هي سمته وهديه بحيث يكون في شكله الظاهر ومعاملاته وعباداته وشعائر الدين على غير نهج أهل السنة والجماعة، وليس في أمر أو أمرين أو ثلاثة، لكن في سائر سمته. وفي سائر هديه على منهج أهل البدع؛ فإنه بذلك يخرج من مفهوم الجماعة.

تحريم الفرقة في الدين والفتنة بين المسلمين

تحريم الفرقة في الدين والفتنة بين المسلمين ينبني على هذا أنه ما دام أن الله عز وجل أمر بالجماعة، وأوصى بها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فعلى هذا وبموجب النصوص فإنه لا يجوز التفرق في الدين، والتفرق في الدين غير الاختلاف في الاجتهاديات، لأن التفرق في الدين هو التنازع الذي نهى الله عنه، قال عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، فالتفرق في الدين هو التنازع الذي يرجع إلى الافتراق في الأصول القطعية والمسلمات والمناهج العامة والمصالح العظمى وهذا لا يجوز. وقوله: (ولا الفتنة بين المسلمين) حتى ولو لم يكن عن تفرق، فإذا أصر الإنسان على رأي من الآراء وإن كان اجتهادياً، ولكنه أراد أن يفرضه بالقوة، أو غالى فيه حتى يخرج به عن الجماعة والإمامة والسلطان؛ فإنه بذلك يكون وقع في الفرقة ولو كان سليم العقيدة، وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الناس، وقد يكون بعض الناس من الناحية النظرية معتقده سليماً، لكنه يخرج بأمر يقتضي شق عصا الطاعة، وشق الجماعة والخروج عن تبعية العلماء، والخروج عن تبعية أهل الحل والعقد؛ فمن هنا يكون وقع في الفتنة بين المسلمين التي هي نوع من الفرقة، ومن هنا فإنه يجب رده إلى الحق بإقامة الحجة عليه وبنصحه، وما اختلف فيه المسلمون في هذه الأمور سواء كانت اجتهاديات أو غير اجتهاديات فإنه يجب رده إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال الرجوع إلى العلماء الذين يستنبطون، وإلا فكل سيدعي أنه يأخذ من الكتاب والسنة، لكن ضوابط الكتاب والسنة اجتهادية فيرجع فيما اختلف فيه المسلمون إلى الكتاب والسنة من خلال العلماء، وما كان عليه السلف الصالح من المنهج؛ فهذا هو المحتكم.

الواجب تجاه الخارج عن جماعة المسلمين

الواجب تجاه الخارج عن جماعة المسلمين ثم من خرج عن الجماعة إما بالفرقة أو بالفتنة بين المسلمين أو بغيرها لاعتقاد أو فعل أو موقف أو منهج، أو خرج في مصلحة عظمى بأن ارتكب مفاسد كبرى؛ وجب نصحه من ولي الأمر ومن العلماء ومن عامة المسلمين، وكل بما يستطيعه، من له ولاية عليه ومن ليس له ولاية، يجب نصحه ودعوته إلى الحق وإلى الجماعة، ومجادلته بالتي هي أحسن، وإقامة الحجة عليه، فإن عاند تبين له الحجة. ويستنفذ معه الواجب شرعاً من حيث النصح والحجة، فإن تاب ورجع إلى الحق وترك الفرقة والفتنة بين المسلمين وإلا عوقب بما يستحق شرعاً، وهذا له قواعده المعروفة عند الفقهاء والعلماء.

وجوب حمل الناس على الكتاب والسنة وعدم امتحانهم في التفاصيل

وجوب حمل الناس على الكتاب والسنة وعدم امتحانهم في التفاصيل أما ما يتعلق بتوجيه المسلمين في تعليمهم أمور دينهم، سواء في العقيدة أو الأحكام القطعية أو غيرها، أو عباداتهم أو غيرها، فإنه يجب حمل الناس في ذلك على المحامل العامة والجمل الثابتة بالكتاب والسنة، فعموم المسلمين يجب ألا نمتحنهم في دقائق الأمور، بل حتى بعض العلماء الذين ليس من اختصاصهم بعض المسائل العقدية المتعمقة يجب ألا نمتحنهم فيها، ولا نثير عليهم هذه القضايا؛ لأنها قد تؤدي إلى الفرقة والإثم. والمسلمون عموماً بحسب مستوياتهم يجب أن نعلمهم مجملات الدين، ثم تفاصيل الدين بحسب حاجتهم في الأحكام أو العقيدة، وأيضاً بحسب قدراتهم، فبعض الناس يستطيع أن يترسخ في العلم؛ فهذا يطالب به، لكن فيما نطالب به المسلم نطالبه بالمجملات العامة: أركان الإيمان أركان الإسلام فرائض الدين أصول الأخلاق أصول التعامل فيما بينه وبين ربه عز وجل، والتعامل فيما بينه وبين من حوله من المسلمين، والتعامل فيما بينه وبين الكفار، يعلم المسلم كيف يتعامل بالمنهج الشرعي السليم الذي يقوم على الاعتدال والعدل، لكن لا نمتحن الناس في دقائق الأمور التي لا يدركونها. فمثلاً: لا ينبغي أن يفاجئ المسلم بسؤال عن عالم أخطأ، ونقول: ما رأيك في فلان من الناس؟ أو كما يحدث من امتحان الناس ببعض المفكرين؛ لأن هذا من الفتنة، وأغلب الناس خالي الذهن، لا يدري كيف يزن الناس، بل لا يكلف شرعاً في أن يتتبع زلات الخلق ثم يعطي كل واحد حكماً، فهذا ليس من اختصاص عامة المسلمين، ولا طلاب العلم. وكذلك دقائق العقيدة، كرؤية الله عز وجل، فقد ثبت أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وهذه المسألة من المسائل التي قد تخفى على كثير من عامة المسلمين؛ فيجب أن يعلموا، لكن لا يمتحنوا بها؛ لأنه قد تفاجأ به؛ لأنه ما عرف؛ فقد يقع في الكفر بسببك. كذلك سؤال: أين الله؟ والنبي صلى الله عليه وسلم سأل هذا السؤال، ولكن لا يسأل دائماً لكل مسلم غافل إلا عند موجبه كما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ما سأل مثل هذا Q أين الله؟ إلا ليوجب، وسؤال واحد فقط، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمتحن الناس في مجالسهم وفي المساجد والمشاهد العامة بهذا السؤال كما حدث من بعض المفتونين في بعض الفترات. فهذا فيه فتنة، ولأن الناس قد لا يدركون الجواب الصحيح في هذا الأمر.

سلامة القصد والمعتقد لدى المسلمين

سلامة القصد والمعتقد لدى المسلمين ثم الأصل في جميع المسلمين أن نحملهم على حسن الظن، وعلى سلامة القصد والمعتقد؛ لأن الأصل في المسلمين أنهم على الفطرة، وما دام ما بان لنا من أحد منهم إصرار على بدعة، أو إصرار على ضلالة، أو ترك فرائض الدين؛ فالأصل فيه السلامة، ولا تفتش عنه لغير موجب، كأن تجالسه، أو تتلقى عنه العلم، أو تريد أن تزوجه مثلاً، وإلا فلا تفتش بغير موجب، لأن الأصل في جميع المسلمين السلامة والفطرة والمحمل الحسن وحسن الظن، إلا إذا ظهر من أحد منهم أو فئة أو جماعة أو فرقة خلاف ذلك، فمن هنا تزن الأمور بميزان الشرع وذلك بالرجوع إلى أهل الاختصاص؛ لأن هذه زلات توقع في الإثم والغيبة، بل ربما توقع في الحالقة والفرقة في الدين، والكلام في أعراض الخلق، فالأصل حمل جميع كلام المسلمين وما يصدر عنهم من أقوال وأفعال على المحمل الحسن، إلا من ظهر منه بدعة وأصر عليها، أو ظهر عناده وسوء قصده؛ فلا يجوز أن نتكلف له التأويلات، بمعنى أن القاعدة تنعكس فيمن ظهر منه خلاف ما ذكرته، فالأمور بظواهرها.

حكم فرق أهل القبلة الخارجة عن السنة والجماعة

حكم فرق أهل القبلة الخارجة عن السنة والجماعة ثم فرق أهل القبلة جميعاً المقصود بها: الذين افترقوا عن السنة والجماعة، وليس الذين خرجوا عن الدين، وهذه من المسائل التي يخلط فيها الناس، بل بعض المنتسبين للعلم الشرعي يتوهمون أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الافتراق وأحوال المفترقين وأوصافهم ووعيدهم أنهم خرجوا من الإسلام، وقد اتفق السلف على أن المقصود بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الافتراق ووعيد أهل الافتراق، وذكر الفرق في الأمة، وأنها ثلاث وسبعون فرقة كلها هالكة وكلها في النار إلا واحدة، لا يقصد بذلك أنهم خارجون من الملة، ولا أنهم من أهل الخلود في النار، إنما هذا من باب الوعيد، كما توعد الله السارق والزاني وآكل الربا بالنار، فكذلك هؤلاء توعدوا بالنار من باب الوعيد، ومصيرهم الجنة حتماً بموجب قواطع النصوص. إذاً: فرق أهل القبلة الذين خرجوا عن السنة مسلمون، لكنهم وقعوا في البدعة وخالفوا السنة؛ فهم متوعدون بنصوص الوعيد بالهلاك والنار، وحكمهم حكم أهل الوعيد وأهل الكبائر، إلا من كان منهم كافراً في الباطن، وهذا أمر لا يعلمه إلا الله عز وجل ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه يعرف باطن هذا أو ذاك، فالباطن لا يعلمه إلا الله، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلعه الله على بعض المنافقين أسر ذلك؛ لئلا يقع المسلمون في فتنة، فيحاولون الاطلاع على أحوال المنافقين، فبقي سراً ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم إلا لواحد من الصحابة، والمنافقون خلص. إذاً: من كان منهم كافر في الباطن فهذا نستثنيه ولكن لا نستطيع أن نعينه بعينه، أو كان خلافه في الدين في أمر يتعلق بأمر ردة يخرجه من مقتضى الدين، أو في أصل من أصول العقيدة التي اتفق عليها سلف الأمة، كأن وقع في الردة كالباطنية، أو الذين أشركوا من المنتسبين للأمة؛ فهؤلاء لا يدخلون في فرق أهل القبلة، ولذلك لما عد بعض السلف في وقتهم كـ ابن المبارك ويوسف بن أسباط فرق المسلمين الثنتين والسبعين والتي يرون أنها متوعدة بالهلاك؛ قيل لهم: والجهمية، فقالوا: ليست من فرق المسلمين والمقصود غلاة الجهمية الذين أنكروا قواطع الدين. ثم بعد ذلك لما ظهرت الباطنية أجمع سلف الأمة على أنها ليست من فرق المسلمين وإن ادعت الإسلام. أما بقية الفرق سواء كانت فرق القدرية غير الغالية، أو فرق الشيعة غير الغالية، أو فرق المرجئة غير الغالية، أو فرق المتكلمين الجهمية التي لم تغل، أو فرق المعتزلة التي لم تقع في الغلو، أو فرق المتكلمين التي لم تقع في الغلو؛ كلها من فرق المسلمين، ويعامل أهلها معاملة المسلمين في كثير من الأمور، وقد يكون لهم نوع من المعاملة لكف شرهم، وبيان خطرهم على عقائد الأمة، لكن هذه أمور يقررها علماء الأمة في كل وقت بحسب الظروف والمكان والزمان والأحوال، لأن قواعد التعامل مع أهل البدع ليست ثابتة، إنما هي قواعد متغيرة بحسب أحوال الأمة وبحسب المصالح ودرء المفاسد. وقوله: (والفرق الخارجة عن الإسلام حكمهم حكم المرتدين) أي: لا يعاملون معاملة المسلمين.

الجمعة والجماعة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة

الجمعة والجماعة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة الجماعة والجمعة ويدخل فيها شعائر الإسلام الظاهرة: كصلاة العيدين وصلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف والخسوف وصلاة الجنائز، والأذان؛ كلها من أعظم شعائر الإسلام وهي علامات الإسلام الظاهرة. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم على أهل البلاد إذا ما رفعوا شعيرة الأذان بأنهم غير مسلمين؛ لأن الشعيرة الظاهرة التي تعلن بصوت مرتفع في كل بلد مسلم هي الأذان، فإذا لم يرفع الأذان فمعنى هذا أن البلد ليس له حكم دار الإسلام، وإن وجد فيه مسلمون؛ لأنه لا تظهر فيه شعائر الإسلام، فإذا ما أظهر الأذان؛ فمن الطبيعي ألا تظهر الصلاة ولا الجمعة ولا الجماعات. إذاً: الجمعة والجماعات من أعظم شعائر دين الإسلام الظاهرة، ويدخل في ذلك أن الصلاة خلف مستور الحال ومن لا تعلم عنه شيئاً مشروعة، ومعنى ذلك: أن لا توقع نفسك والمسلمين في الوسواس، تقول: أنا لا أصلي خلف هذا الرجل حتى أتثبت من حاله، فهذا لا يجوز؛ لأن الأصل في المسلمين هو السلامة، فيجب على كل مسلم أن يصلي خلف من لا يعرف حاله، ولا يجوز تركها بدعوى أنه مجهول، أو بدعوى وجود قرائن غير ثابتة تدل على أنها لا تجوز الصلاة خلفه، بل إن التوقف في الصلاة خلف أئمة المسلمين من غير بينة يعتبر من البدع والوسواس الذي لا يجوز.

حكم الصلاة خلف من يظهر البدعة والفجور

حكم الصلاة خلف من يظهر البدعة والفجور قوله: (لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة) لكنها تصح، وأكثر الناس لا يفرق بين كلمة: (لا تجوز) وبين كلمة: (لا تصح). فقولنا: (لا تجوز) مثل الراجح في الصلاة في الأرض المغصوبة، يقال: لا تجوز الصلاة في الأرض المغصوبة، لكن لا يعني أنها لا تصح بل تصح على الراجح، فكذلك الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور من المسلمين لا تجوز، إلا إذا لم يمكن الصلاة خلف غيره، فإذا كان أمامك إمام صاحب بدعة وآخر ليس صاحب بدعة، ولا يترتب على ترك المبتدع فتنة ولا مفسدة؛ فيجب أن تصلي خلف الأسلم، لكن لا يعني ذلك أنك لو صليت خلف المبتدع أنها لا تصح صلاتك، بل تصح ما دام مسلماً، وإن كان مبتدعاً أو صاحب هوى أو فرقة كما هو معروف. إذاً: لا تجوز الصلاة خلف من يظهر البدعة أو الفجور من المسلمين مع إمكانها خلف غيره، أما إذا لم تمكن؛ فإنه لا بأس بها، وإن وقعت صحت ويأثم فاعلها، إلا إذا قصد دفع مفسدة أعظم. مثال ذلك: إذا كان الإمام المبتدع سلطان المسلمين، فتصلي خلفه؛ ولذلك كان الإمام أحمد أيام المحنة والمأمون ليس مبتدعاً فقط، بل كان داعية إلى بدعته، وكان يفرض البدعة بقوة السلطان، ومع ذلك كان الإمام أحمد يصلي خلفه؛ لأن ترك الصلاة خلفه يؤدي إلى مفسدة أعظم، لأن حدثاء الأسنان لو ما صلى الإمام أحمد خلف المأمون لكفروا المأمون وخرجوا عليه، فهذا فقه يجب أن يعلمه الناس ويفقهه طلاب العلم خاصة. فإن لم يوجد إلا مثله أو شرٌّ منه جازت خلفه، ولا يجوز ترك الجماعة بمعاذير أن في الأئمة أخطاء أو بدعاً أو فسقاً أو نحو ذلك. وقوله: (من حكم) بكفره كفر ردة (فلا تصح الصلاة خلفه) لكن من الذي يحكم بأن فلاناً من الناس كفر كفراً يوقعه في الردة إلا العلماء، وإلا فإذا فتحنا هذا الباب لكل إنسان حتى وإن كان طالب علم وقعت فتنة، لأن الناس تختلف اجتهاداتهم، إذاً: فالأمر عظيم.

طرق إثبات الإمامة الكبرى

طرق إثبات الإمامة الكبرى الإمامة الكبرى، وهي إمامة المسلمين: السلطان الملك الخلافة الرئاسة التي هي حكم البلاد، سواء كانت بلاد المسلمين بعمومها، أو جزءاً من بلاد المسلمين لما تجزأت بلاد المسلمين، وبعض الناس يجهل ويظن أن تجزؤ بلاد المسلمين أمر حادث! لا، بلاد المسلمين تجزأت حتى في عهد الخلفاء الراشدين، وكانت السلطة هنا وهنا وكلها شرعية، كان هناك أناس يتبعون بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفئة من المسلمين لا يزالون تحت إمامة وبيعة معاوية بن أبي سفيان، وكل له أحكامه. إذاً: الإمامة الكبرى تكون بحسب وضع البلد وتثبت بعدة طرق: الطريقة الأولى: إجماع الأمة بالشورى، فإذا أجمع المسلمون ويمثلهم أهل الحل والعقد؛ فتثبت على إمام أو سلطان أو ملك؛ فيكون بذلك له حق السلطة والإمامة. الطريقة الثانية: بيعة أهل الحل والعقد ممن لهم شأن في الأمة من العلماء ورؤساء العشائر وأهل الرأي وذوي التأثير في الأمة، ولو كانوا قلة، فبايعوا سلطاناً لزمت بيعته على الجميع، وصار إماماً تجب له حقوق الإمامة بغير معصية الله. الطريقة الثالثة: الإمامة بالتغلب، كأن يتنازع سلاطين على الحكم ولكن غلب واحد، فإذا غلب وجبت بيعته واستتب له الحكم وصار له حكم إمام المسلمين وإن لم يكن هو الأفضل، وإن كان فاجراً أو ظالماً كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث. الطريقة الرابعة: الوصية، وقد حدثت حتى في عهد الخلفاء الراشدين، أبو بكر رضي الله عنه أوصى من بعده لـ عمر بن الخطاب، والوصية قد تكون مثل صورة ما حدث من أبي بكر رضي الله عنه، وقد تكون مثل صورة ولاية العهد كما حدث من معاوية رضي الله عنه حينما طلب البيعة لـ يزيد، فيما يسمى بولاية العهد، وهي نوع من الوصية. وهذه الأمور وغيرها يتمكن فيها المسلم من الحكم في بلد من بلاد المسلمين ويستتب له الأمن والأمر؛ وتجب بيعته وطاعته بالمعروف من غير معصية الله. فمن تحققت له السلطة وجبت طاعته بالمعروف ومناصحته، وحرم الخروج عليه إلا إذا ظهر منه كفر بواح فيه من الله برهان يقول به الراسخون في العلم وأهل الحل والعقد.

أداء شعائر الإسلام الظاهرة مع أئمة الجور

أداء شعائر الإسلام الظاهرة مع أئمة الجور وقوله: (الصلاة والحج والجهاد واجبة مع أئمة المسلمين وإن جاروا). الصلاة من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، وكذلك الحج وهو ركن الإسلام، والجهاد وهو ذروة سنام الإسلام؛ كل هذه من أصول الدين الواجبة مع سلاطين المسلمين، ومع أمراء المسلمين، أبراراً كانوا أو فجاراً، وهذه وصية الله، وهي أيضاً نهج رسوله صلى الله عليه وسلم وما أوصى به. وقد يقول قائل: لكن كيف نصلي ونحج ونجاهد مع الولاة غير الصالحين، ومع الفجار والظلمة؟ ونقول: لأنه قد ينصر الله بهم الدين وإن كان فيهم ظلم، وكونهم وقعوا في مثل هذه الأخطاء الكبيرة لا يعني أنه لا يجوز طاعتهم؛ لأن طاعتهم لمقامهم لا لأشخاصهم، المقام الذي تسلموه وهو قيادة الأمة، وحفظ كيانها، وحفظ أمنها الذي لا تقوم مصالح الأمة إلا به، فدين المسلمين ودماؤهم وأعراضهم وأموالهم وحرياتهم لا يمكن أن تستقيم إلا بسلطان، براً كان أو فاجراً. فإذا أقام الإمام الصلاة نصلي خلفه، وإذا حج نحج معه، وإذا جاهد نجاهد معه؛ لأن هذا مما يحفظ كيان الدين والأمة، وذنبه عليه، لكن مع استمرار النصح له. وهذه -مهما كان الأمر ومهما اختلفنا عليه- وصية من الناصح الأمين، وهي أثمن وصية من النبي صلى الله عليه وسلم.

تحريم القتال بين المسلمين

تحريم القتال بين المسلمين ثم بعد ذلك يحرم القتال بين المسلمين، مهما كانت مبرراته ما لم يكن القتال من أهل الحل والعقد، من الجماعة والسلطان ضد البغاة، وضد المفسدين، فهذا لا يسمى قتالاً بين المسلمين، بل هو كف الشرِّ، ولكن القتال الذي منزعه التنازع على الدنيا، أو التنازع على السلطان، أو الحمية الجاهلية، أو العصبية، أو أي غرض لا يقصد به نصر الدين، أو قصد به نصر الدين على وجه غير مشروع؛ فإنه يعتبر من أكبر الكبائر، والمشروع أن يقاتل من يعم فساده، سواء كان فساداً في العقيدة كأهل البدع الذين يفتنون المسلمين، فإذا ما كفوا عن فتنتهم للمسلمين، وما كفوا عن خروجهم عن السلطان إلا بالقتال؛ فإنهم يقاتلون، وأهل البدع والفساد والبغي وأشباههم يقاتلون إذا صار شرهم يتعدى ولم يكفوا بالطرق السلمية، ولم يمكن دفعهم بأقل من القتال فإنه يجوز لإمام المسلمين وأهل الحل والعقد أن يقاتلوهم بحسب الحال والمصلحة ما لم يكن هناك مفاسد كبرى.

الصحابة أفضل هذه الأمة

الصحابة أفضل هذه الأمة ثم عرَّج أهل السنة والجماعة بعد هذه الأصول على أن من الجماعة فئة هي الفئة النموذجية والقدوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ورأس الجماعة هم الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وأولها والنموذج الأول، هم القدوة الأوائل، الذين رسموا سبيل المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، وكلهم عدول في الدين، فالعدالة لا تعني أنه لا يرتكب أحد منهم أخطاء أو فسقاً أو نحو ذلك، إنما العدالة في نقل الدين؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، وكان مما تكفل الله به أن عهد النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الدين على الصحابة، فنقلوه، حتى من كان عنده شيء من الخطأ أو المعصية، والصحابة ليسوا معصومين، لكن مع ذلك فهم عدول في نقل الدين. وقوله: (والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة) لقواطع النصوص والإجماع، ولأن هذا من ضرورات الدين؛ ولأن الطاعن في الصحابة يطعن في الدين، لأنه من الذي نقل لنا الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالطعن فيهم لا بد أن يرجع إلى الطعن في قلب الأمة. وفي ضمير الأمة، وأشد الطعون على الأمة هو فيما يتعلق بمطاعن أهل الأهواء في خيار الأمة، ولا يوجد مسلم عنده عقل يسمح لأحد أن يفتري ويطعن على الخيار. ثم بعد ذلك محبتهم دين وإيمان؛ لأن الله أمر به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به، فهو من الإيمان، ونتقرب إلى الله بذلك، وبالعكس بغضهم كفر ونفاق بحسب درجة البغض، مع وجوب الكف عما شجر بينهم؛ لأنهم حدثت بينهم أحداث وخلافات، فيجب الكف عما شجر بينهم؛ لأن أغلب ما روي فيما حدث بينهم من أحداث وخلافات لا يصح، بل الصحيح المسند نزر يسير جداً، فمن هنا لا يجوز أن نعول على روايات التاريخ فيما شجر بينهم، ونترك الخوض فيما يقدح في قدرهم. ومن ناحية التفضيل هناك أشياء قطعية في تفضيلها، وهناك أشياء اجتهادية، أما تفضيل الخلفاء الأربعة بترتيبهم والعشرة المبشرين بالجنة وأهل بيعة الرضوان وأمهات المؤمنين وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أمر مجمع عليه. ثم يأتي عموم المهاجرين وعموم الأنصار والسابقون الأولون قبل الفتح وبعده إلى آخره، وكلهم مع ذلك صحابة، وكلهم رضي الله عنهم، والخلفاء الراشدون الأربعة ترتيبهم بحسب خلافتهم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين بموجب النصوص أيضاً، ولو استقرأنا نصوص النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الخلافة وفي ذكر الفضل؛ لوجدنا أنه بدأهم بهذا الترتيب، إلا في نزر يسير من الروايات التي قدمت علياً على عثمان، وربما يكون هذا وهماً من الرواة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى هذا في القليل، لكن الحكم على الأغلب، ولا يتسع المجال لسرد النصوص القطعية في ترتيب الصحابة على هذا النحو.

محبة آل رسول الله وتوليهم وتوقيرهم

محبة آل رسول الله وتوليهم وتوقيرهم ومن الدين الذي يجب أن يدين به المسلم: محبة آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وتوليهم وتوقيرهم، سواء السابقين منهم أو من جاء بعدهم، فكل ما ثبت عندنا أنه من آل البيت، ولا يزال على طريق السنة لم يغير ولم يبدل؛ فله حق علينا، ويجب أن نوقره ونظهر له الاحترام. وبعض الناس ربما يعامل آل البيت بشيء من الجفوة وهو لا يدري، ولكن من كان صالحاً من آل البيت من الموجودين فضلاً عن الأموات الذين حقهم معروف ومصون، فيجب أن نوقرهم ونقدرهم، وكذلك نعظم ونقدر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ونعرف لهن فضلهن، ونحب أئمة السلف من التابعين وتابعيهم بإحسان، ولا نسلك ولا نتودد تودداً يؤدي إلى تضييع العقيدة مع أهل الأهواء والبدع والافتراق، إلا من باب النصح لهم والرفق بهم والإشفاق عليهم، وإقامة الحجة، ومعاملتهم بالعدل من غير عدوان.

الجهاد ذروة سنام الإسلام

الجهاد ذروة سنام الإسلام وقوله: (الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام) بمعنى أنه سنة حفظ الدين، الذي يحفظ الدين للأمة ويحفظ كيانها هو الجهاد، وبعض الناس ربما يظن أن الجهاد مرحلي، أو أنه لا تنطبق فيه شروط الجهاد الحقيقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وهذا غير صحيح لأنه متى توافرت شروط الجهاد عند المسلمين على مقتضى اجتهاد الراسخين في العلم وأهل الحل والعقد، ووجدت راية ذات سلطان؛ فلا بد من الجهاد. والجهاد له مبرراته الشرعية والمنهجية، فإذا قامت مبررات الجهاد وجب أن يقوم، والعجيب أن دساتير كل الأمم في الدنيا والعصر الحاضر تتطلب هذا الأمر، فتجد في دساتير بعض الدول حتى العظمى منها ما يصنف الناس إلى عدو قد نحتاج إلى قتاله، وإلى صديق مسالم، وهذا موجود في دساتيرهم، لكن القضية هي اختلاف الصياغات والتعابير، ولذلك رفعت بعض الدول عندما خشيت من العدوان عليها شعاراً: (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، وهذا أمر تقتضيه فطرة البشر، وما من أمة قوية أو ضعيفة إلا ويكون عندها استعداد وقوة وجيوش، ولذلك لا توجد دولة ذات استقلال وسيادة في العالم وما عندها جيوش حماية لها. والجهاد نوعان: جهاد دفاع، وجهاد طلب إذا توافرت شروطه كما هي مقررة عند أهل العلم.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك على ما توجبه الشريعة، وهو من القضايا الموجودة عند كل أمة، لكن بحسب القيم في الأمم، لأن بعض الأمم قيمها ضعيفة فلا تجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندها قوياً، وبعض الأمم قيمها قوية فتجد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مسمى آخر. والآن قلَّ أن توجد دولة في العالم إلا وعندها (بوليس آداب)، ونحن عندنا مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم وأتقن من مجرد (بوليس آداب)، بأنه رقابة في ضمير كل مسلم. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة بقواعد الشرع من أعظم شعائر الإسلام إذا توافرت شروطه وأحكامه، وهو من أسباب حفظ جماعة المسلمين، بل إن وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند بعض بلاد المسلمين هو من أسباب دفع البلاء عنها. ومن ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يكون بفقه، وأن يكون برفق، وأن يكون بحكمة، وأن يكون بالنصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه ما هو واجب على ولي الأمر، وكثير من صور إنكار المنكرات بالقوة لا تكون إلا للدولة، إما بالحبس والتعزير وغيرها لا تكون إلا للدولة وللقضاء الشرعي. وهناك صور من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة على كل مسلم بحسبه، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي يدل على العموم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)، وهذا فيه صيغة عموم، لكن كل إنسان بقدره وبفقهه وباستطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

أهم خصائص أهل السنة والجماعة وسماتهم

أهم خصائص أهل السنة والجماعة وسماتهم قال المؤلف حفظه الله تعالى: [أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وهم على تفاوتهم فيما بينهم لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم، منها: أولاً: الاهتمام بكتاب الله حفظاً وتلاوة وتفسيراً، والاهتمام بالحديث معرفة وفهماً وتمييزاً لصحيحه من سقيمه؛ لأنهما مصدر التلقي مع إتباع العلم بالعمل. ثانياً: الدخول في الدين كله والإيمان بالكتاب كله، فيؤمنون بنصوص الوعد ونصوص الوعيد، وبنصوص الإثبات للصفات، ونصوص التنزيه، ويجمعون بين الإيمان بقدر الله، وإثبات إرادة العبد ومشيئته وفعله، كما يجمعون بين العلم والعبادة، وبين القوة والرحمة، وبين العمل بالأسباب والزهد. ثالثاً: الاتباع وترك الابتداع، والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف في الدين. رابعاً: الاقتداء والاهتداء بأئمة الهدى العدول، المقتدى بهم في العلم والعلم والدعوة -الصحابة ومن سار على نهجهم- ومجانبة من خالف سبيلهم. خامساً: التوسط؛ فهم في الاعتقاد وسط بين فرق الغلو وفرق التفريط، وهم في الأعمال والسلوك وسط بين المفرطين والمفرطين. سادساً: الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق، وتوحيد صفوفهم على التوحيد والاتباع، وإبعاد كل أسباب النزاع والخلاف بينهم. ومن هنا لا يتميزون على الأمة في أصول الدين باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون ولا يعادون على رابطة سوى الإسلام والسنة]. هذه الأمور تحتاج إلى تأكيد في قلوب المسلمين اليوم وقبل أن أبدأ بذكر هذه الخصائص لا بد من الإشارة إلى أمر مهم هو وسيلة إلى فهم الفقرات التالية في تطبيقاتها، وهو: أن المنتسبين للسنة والجماعة قديماً وحديثاً وفي هذا العصر منهم من يتسمى بالسلفية، والسلفية وصف حق، ولكن هناك من المنتسبين إلى السنة والجماعة من تقع منهم تجاوزات وأخطاء وزلات، سواء فيما يتعلق بالأمور العقدية أو العلمية، أو في التعامل وهو محك الاختبار وهؤلاء هم قلة ولكن مع ذلك فإن الناس عندما يرون هذه التصرفات والزلات تصدر منهم يكون عندهم تشويش في فهم هذه الخصائص التي سأذكرها. قد يقع من المنتسبين للسنة أفراداً أو بعض الفئات خاصة في هذا العصر تصدر منهم تجاوزات وزلات مخالفة، خاصة في التعامل مع الآخرين، فبعضهم عنده شيء من الحمق أو العدوانية أو تجاوز الحق. لكن لا نحسب هذا على منهج أهل السنة والجماعة. فإذا قلنا: منهج أهل السنة والجماعة هو منهج الحق المعصوم من الخطأ في جملته وليس في أفراده، فكيف ننسب له هذه الزلات ثم نعتذر عنها؟ فعلى طلاب العلم خاصة والدعاة منهم إلى أن لا يشغلوا أنفسهم عندما يوجد من يحتج على أهل السنة والجماعة بتجاوزات بعض الأفراد فلا يشغلوا أنفسهم بإثبات أن أهل السنة على غير ذلك، بل لا بد أن يبينوا أمراً بيناً واضحاً، وهو أن هذه التصرفات شخصية فردية ترجع إلى فاعليها وأنها ليست المنهج، وأن الأدلة القطعية قائمة على أن المنهج ليس هو ما عليه أصحاب هذه الزلات، إنما أصحاب الأهواء والافتراق والبدع والجاهلين أيضاً ينتقون انتقاءً غير عادل، فيلتقطون زلات علماء سواء في أقوالهم أو أفعالهم أو تصرفاتهم، أو زلات وتجاوزات أناس من شباب الأمة أو دعاتها أخطئوا، فيجعلون هذه الأخطاء وكأنها هي منهج أهل السنة والجماعة، ويقولون: أنتم فعلتم وقلتم، نعم. نحن بشر نخطئ، لكن نحن نحاكمكم إلى منهج قائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهج النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله وتقريره ونهج السلف وهم الصحابة والتابعون لهم إلى قيام الساعة، هذه هي الأصول والثوابت، أما أن تقع أخطاء وتجاوزات منا؛ فنسأل الله أن يعفو عنا، ولا تحسب تجاوزاتنا أو تجاوزات بعضنا على المنهج الذي ندين به. وهذه قاعدة في جميع المبادئ، لا تظنوها في أهل السنة أو في الإسلام أو في غيره فقط، كل مبدأ من المبادئ في الدنيا، وكل دستور ونظام يوجد من أتباعه من يخالفه، فهل يحسب هذا المخالف على النظام أو المبدأ؟ وقوله: (أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وهم على تفاوتهم فيما بينهم لهم خصائص وسمات تميزهم عن غيرهم) وقولنا: هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ليست هذه دعوى ندعيها لأنفسنا؛ بل هي أصل شرعي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الافتراق ذكر أن الناجية فرقة واحدة، ولما ذكر الطوائف التي خرجت عن السنة، ووصف الذين لا يزالون على الحق، وصفهم بأنهم طائفة: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، إذاً: هم الطائفة الظاهرة، ومنصورة أيضاً كما جاء ذكر النصر في نصوص أخرى، فهذه أوصاف شرعية. ويؤسفني أني لا أزال أسمع من بعض المنتسبين إلى السنة، بخلاف غيرهم الذي يكون منهم عدوان أو جهل أو تجاهل، لكن ممن ينتسبون للسنة ممن يسخر أحياناً بهذه المفاهيم الشرعية، ويدعي أن هذا نوع من الحجر وعدم اعتبار الرأي الآخر، والرأي الآخر يجب أن نحترمه إذا كان اجتهادياً، نحن ندين الله باحترام الرأي الآخر ما دام في مجال الاجتهاد وأمور الدنيا والأمور العلمية والنظريات التي تخضع للر

الأسئلة

الأسئلة

حكم السجود لشخص تكريما له

حكم السجود لشخص تكريماً له Q ما الحكم إذا سجد إنسان لشخص سجود تكريم لا سجود عبادة؟ A السجود لغير الله الأصل أنه شرك، لكن إذا كان الذي فعل ذلك قصده التكريم؛ فيعتبر هذا كبيرة من كبائر الذنوب أو بدعة من البدع، ولا يقال: إنه أشرك بذاته، وهذه قاعدة في كل من فعل شركاً أو عملاً شركياً، إذا كنا لا نعرف أنه يمارس الشركيات ويصر عليها؛ فإن عمله الظاهر يختم عليه بأنه شرك، أما العامل فنتثبت من حاله، ففي مثل هذه الصورة إذا ثبت لنا أنه لم يقصد الشرك ولا التعظيم ولا العبادة، إنما قصد التكريم؛ فهذا وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، ووقع في بدعة؛ فيجب تحذيره أن لا يفعل مرة أخرى.

حكم كلام العامة في العلماء

حكم كلام العامة في العلماء Q أرجو توجيه نصيحة لمن يبدي رأيه من العامة في عالم من العلماء، مثلاً: إذا أفتى ذلك العالم بفتوى فيقول: إن هذا العالم -هداه الله- متساهل، أو غير جيد في هذه الأمور، فيحكم عليه حكماً سريعاً إذا لم يوافق رأيه، مع أنه من كبار العلماء الموثوق بهم، ومن قال بذلك هل عليه توبة؟ A هذا من عظائم الذنوب، لا لأنه كلام في العالم فقط، بل لأنه تهوين من شأن القدوة في المسلمين، وحجب لقلوب العامة في العلماء، وهذا تفريق وتشتيت ونزع للثقة، ومن أخطر ما يكون على المسلمين اليوم نزع ثقة العامة والشباب وبعض المتعلمين عن علمائهم، وهذه كارثة أوقعت ما أوقعت من صور الغلو وغيرها. فعلى الإخوان الذين يفعلون ذلك عن جهل أن يتوبوا إلى الله ويستغفرونه، وإذا كان لهم رأي في العالم يناصحونه مباشرة، أو يرسلوا من يناصحه، أما هذا التقويم الظالم فلا يجوز، حتى وإن كان العلماء يتفاوتون بين إنسان يأخذ بالعزم، وآخر يأخذ بالتيسير، فهذا من مصالح الأمة، وهذا من فضل الله على هذه الأمة أن يوجد عالم عنده نوع من النزوع للتيسير، وعالم عنده نوع من النزوع للحزم، فالحزم نافع من وجه كما كان في عهد عمر، والتيسير مفيد من وجه كما كان عند أبي بكر، وكل منهما فيه خير!

وجوب حمل المسلمين على المحمل الحسن

وجوب حمل المسلمين على المحمل الحسن Q ذكرت يا شيخ أن من الأفضل حمل المسلمين على المحمل الحسن إذا كان منطقه حسناً وكلامه لا غبار عليه، لكن إذا جئنا للتطبيق أفعاله تثبت عكس ذلك، كيف نتعامل معه في هذه الحال؟ A إذا كانت أقواله التي تخالف أفعاله قليلة، أو العكس، فهذا من التجاوزات التي لا يسلم منها مسلم. لكن إذا تكاثرت عنده بحيث أنه كان سمته وهديه واعتقاده كاعتقاد المخالفين، ولو ادعى أنه على غير المنهج؛ فيحكم عليه بذلك.

حكم تسمية الله بالداعي

حكم تسمية الله بالداعي Q بعض الناس يقول: إن الله جل وعلا هو أول داعٍ؛ أخذاً من قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:25]؟ A هذا لا يجوز أن يكون صفة لله تعالى، لكن من باب الخبر ما فيه مانع، والأخبار بابها واسع، لكن أن يكون صفة لله لا ينبغي ولا يجوز.

الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة

الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة Q هناك بعض طلبة العلم في الفترة الأخيرة يفرقون بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، ويرون أن الطائفة المنصورة أخص من الفرقة الناجية، فليس كل فرقة ناجية هي منصورة؟ A التفريق بين الفرقة الناجية والمنصورة كالتفريق بين كثير من الألفاظ الشرعية، وهما لفظان من الألفاظ الشرعية وبينهما خصوص وعموم، ولا شك أن المنصورة وصف لمن يقومون بالدفاع عن الإسلام وبالجهاد في سبيل الله، لكنهم ليسوا غير الناجية، ففي الحقيقة أنه إذا اجتمع الوصفان افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فهما وصفان لفرقة واحدة، لكن كل واحد له خصوصيات، وهذا معلوم بمقتضى اللغة والفقه الشرعي؛ ولذلك: ينبغي أن لا نختلف على هذه الأمور، فمن قال: إن هناك تفريقاً، أو لا يوجد تفريق فالمسألة اجتهادية، وأرى أن بعض الناس بنى عليها أحكاماً فيها حدة وعدوان، فأرجو الكف عن مثل هذه الأمور؛ لأنها فلسفة لا طائل تحتها

بيعة الإمام لجميع الأفراد

بيعة الإمام لجميع الأفراد Q ذكرتم الإمامة وهناك أناس يظنون أنه يلزم كل فرد أن يبايع الإمام، فهل يلزم كل شخص ذلك؟ A الإمامة تثبت لمن تولى على وفق الصور التي ذكرتها وغيرها، فإذا ثبت ذلك بايعه أهل الحل والعقد، وبمبايعة أهل الحل والعقد تلزم البيعة للجميع، وهذا من ثوابت الإسلام؛ لأنه لما بايع الناس أبا بكر رضي الله عنه بايعه أهل الحل والعقد، ولزمت البيعة في أعناق المسلمين جميعاً، وكذلك كل أئمة المسلمين وسلاطينهم تكون بيعتهم من قبل أهل الحل والعقد، والبقية تلزمهم، ولذلك من لم يلزم البيعة التي بايع فيها أهل الحل والعقد ولم يبايع بيده؛ فإنه معرض للوعيد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة؛ مات ميتة جاهلية)، إلا المسلم الذي في بلد ليس فيها بيعة شرعية كالذين يعيشون أقليات في غير بلاد المسلمين.

أهمية رسالة (قطف الجنى الداني)

أهمية رسالة (قطف الجنى الداني) Q هل قطف الجنى الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني تغني عن مجمل الأصول؟ A يغني عن كثير منها وليس عن كلها؛ لأن مجمل الأصول جمع من عدة كتب، وربما يكون من عشرات الكتب، ومع ذلك ففي تصوري أن فيها (80%) مما يوافق ما في المجمل أو ما يقارب ذلك، والله أعلم.

الحكم على الشخص بأنه من أهل السنة

الحكم على الشخص بأنه من أهل السنة Q كيف نحكم على الشخص إن كان من أهل السنة أم لا؟ A بنهجه العام وبمجالساته ومرجعيته، فإذا كان ظاهره على السنة وكان كلامه موافقاً لأهل السنة والجماعة، ولم يظهر من كلام يخل بالأصول والعقائد، وكانت مرجعيته إلى السنة والجماعة وانتماؤه لأهل السنة والجماعة؛ فهذا من أهل السنة، ولا يحتاج أن ندقق الاختبار، فهذه أمور تتضح من أول وهلة. والناس الآن وقبل الآن تميزوا، فأهل السنة يعيرون بألقاب كثيرة كالوهابية والسلفية إلى آخر تلك الألقاب، فمن كان على السنة والجماعة -بصرف النظر عن ألقاب الناس- فهو على السنة، وعلى هذه الأصول، والله أعلم.

معنى الحكمة والأسباب

معنى الحكمة والأسباب Q ما معنى إثبات الحكمة والأسباب لله عز وجل؟ A إثبات الحكمة والأسباب لله عز وجل معناه أن الله في كل ما يفعل ويقدر حكيم، وأن الله عز وجل من حكمته أن جعل أفعال العباد تتعلق بالأسباب، وكل ذلك من خلق الله.

الحكم على الخوارج

الحكم على الخوارج Q هل بدعة الخوارج كفرية؟ A الراجح أن بدعة الخوارج الأولين ليست كفرية، وكذلك من سلك سبيلهم.

الترحم على أهل البدع

الترحم على أهل البدع Q ما حكم الترحم على أهل البدع؟ A الترحم على أهل البدع هذا ليس له ضابط، وكونهم من المسلمين لهم حق الترحم، هذا هو الأصل، لكن مع ذلك قد يكون لهذا الأصل استثناءات إذا انبنى عليه فهم خاطئ، والله أعلم.

§1/1