مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر

عبد الرحمن شيخي زاده

مقدمة الكتاب

[مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا إلَى الْإِيمَانِ بِهِدَايَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ وَوَفَّقَنَا لِمُدَاوَمَةِ الصَّلَاةِ بِعِنَايَتِهِ الْعَلِيَّةِ وَأَطْلَعَنَا عَلَى الْأُصُولِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَنَفِيَّةِ وَفَرَضَ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ عَنْ الْأَمْوَالِ الْبَهِيَّةِ وَشَرَّفَنَا بِالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُمَا مُكَفِّرَانِ لِلذُّنُوبِ وَكَاشِفَانِ عَنْ ظُلَمِ الْمَعَاصِي وَغَيَاهِبِ الرُّيُوبِ حَمْدًا لَا يَكْتَنُّهُ كُنْهُهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَهُوَ مِرْقَاةُ الْأُصُولِ وَمِعْرَاجُ الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ هُوَ اللَّهُ لَا إلَهَ سِوَاهُ وَلَا مُنَازِعَ لِمَا عَدَلَهُ وَسَوَّاهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى أَشْرَفِ الْخَلَائِقِ الْإِنْسِيَّةِ وَمَجْمَعِ الْخَلَائِقِ الْإِنْسِيَّةِ وَطَوْرِ التَّجَلِّيَاتِ الْإِحْسَانِيَّةِ وَمَهْبِطِ الْأَسْرَارِ الرَّوْحَانِيَّةِ وَتُرْجُمَانِ لِسَانِ الْقِدَمِ وَمَنْبَعِ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْحِكَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي وَسَمَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَرَسَمَ الْإِحْلَالَ وَالْإِحْرَامَ عِلْمًا لِلدِّينِ الْمُبِينِ وَإِمَامًا لِلْحُكَّامِ وَمُوَطِّدًا لِلْمِلَّةِ وَمُمَهِّدًا لِلْإِسْلَامِ صَلَاةً مَمْدُودَةً مَدَاهَا بَاقِيَةَ الْوُصُولِ إلَى مُنْتَهَاهَا وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُمْ قَاطِعُوا دَابِرِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَقَالِعُوا عِرْقِ أَهْلِ الْغَوَايَةِ وَالْجَهَالَةِ مَا تَجَلَّتْ وُجُوهُ الْإِسْلَامِ بِغُرَرِ التَّدْقِيقِ وَتَجَلَّتْ صُدُورُ الْأَحْكَامِ بِدُرَرِ التَّحْقِيقِ. (وَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْمَلِكِ الْمَنَّانِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَدْعُوُّ بِشَيْخِ زَادَهْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَأَحْسَنَ إلَيْهِمَا وَإِلَيْهِ إنَّ الْكِتَابَ الْمُسَمَّى بِمُلْتَقَى الْأَبْحُرِ بَحْرٌ زَاخِرٌ وَغَيْثٌ مَاطِرٌ وَإِنْ كَانَ صَغِيرَ الْحَجْمِ وَوَجِيزَ النَّظْمِ لَكِنَّ جَمِيعَ الْوَاقِعَاتِ مِنْ الْمَسَائِلِ

قَدْ يُوجَدُ فِي قَعْرِهِ أَوْ فِي السَّاحِلِ وَهُوَ أَنْفَعُ مُتُونِ الْمَذْهَبِ وَأَجَلُّ وَأَتَمُّهَا فَائِدَةً وَأَكْمَلُ خَالٍ عَنْ الزَّوَائِدِ الْمُمِلَّةِ وَالِاخْتِصَارَاتِ الْمُخِلَّةِ وَشُهْرَتُهُ فَوْقَ الْأَطْنَابِ فِي مِدْحَتِهِ رَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَتَغَمَّدَهُ بِمَغْفِرَتِهِ وَقَدْ شَرَحَهُ بَعْضٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَشَفَ عَنْ حَقَائِقِهِ الْمُسْتَجِنَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْنَبَ بِلَا فَائِدَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَزَ بِلَا رَبْطٍ وَلَا قَاعِدَةٍ لَا يُرَى فِيمَا قَالُوا شِفَاءً لِعَلِيلٍ وَلَا رِوَاءً لِغَلِيلٍ بَلْ لَا يَخْلُو مِنْ زَيَغَانِ الْأَبْصَارِ عَلَى النَّاظِرِينَ وَالتَّخَالُجِ فِي بَالِ أَكْثَرِ الْمُتَأَمِّلِينَ فَأَرَدْت تَبْيِينَ مَكْنُونِهِ عَنْ كُلِّ مُحْكَمٍ وَغَامِضٍ وَتَحْقِيقَ لُبِّهِ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ وَحَامِضٍ مِنْ غَيْرِ إطْنَابٍ مُمِلٍّ وَإِيجَازٍ مُخِلٍّ وَأَلْحَقْت بِهِ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ مُتَوَغِّلًا فِي تَخْلِيصِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَتَمْيِيزِ الْقِشْرِ عَنْ اللُّبَابِ مَعَ قِلَّةِ الْبِضَاعَةِ وَكَثْرَةِ الْهُمُومِ وَالْآلَامِ وَاشْتِعَالِ نِيرَانِ شَدَائِدِ الطَّرِيقِ فِي اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَاخْتِلَالِ الْحَالِ وَتَرَاكُمِ بَوَاعِثِ الْمَلَالِ. (وَسَمَّيْته بِمَجْمَعِ الْأَنْهُرِ فِي شَرْحِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ) رَاجِيًا مِنْ الْمُنْصِفِ إذَا نَظَرَ فِيهِ بِعَيْنِ الرِّضَا وَوَجَدَ الْخَطَأَ أَنْ يُصَحِّحَ عَلَى مَا اُشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ اللَّئِيمُ يَفْضَحُ وَالْكَرِيمُ يُصْلِحُ؛ لِأَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَمَنْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ يَكُونُ عِنْدَ كِرَامِ النَّاسِ مَعْذُورًا وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ بِلَوْمَةِ لَائِمٍ مَلُومًا مَدْحُورًا بَلْ يَكُونُ السَّعْيُ لَدَيْهِمْ مَشْكُورًا وَالْعَمَلُ الْخَيِّرُ بَيْنَ يَدَيْهِمْ مَقْبُولًا وَمَبْرُورًا وَمُبْتَغِيًا أَنْ يَجْعَلَهُ خَاصًّا لِوَجْهِ اللَّهِ الْغَفَّارِ وَوَسِيلَةً إلَى شَفَاعَةِ نَبِيِّهِ الْمُخْتَارِ وَشَرَعْت مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ الْفَيَّاضِ الْكَرِيمِ وَمُسْتَعِيذًا مِنْ كُلِّ حَاسِدٍ وَلَئِيمٍ وَذَلِكَ فِي يُمْنِ أَيَّامِ دَوْلَةِ السُّلْطَانِ الْأَكْرَمِ عَضُدِ سَلَاطِينِ الْأُمَمِ ظِلِّ اللَّهِ فِي بَسِيطِ الْأَرْضِ عَامِرِ الْمَعْمُورَةِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ قُطْبِ فَلَكِ السَّلْطَنَةِ الْغَرَّاءِ مَرْكَزِ دَائِرَةِ الْخِلَافَةِ الْعُلْيَا مَالِكِ أَزِمَّةِ أُمُورِ الْعَالَمِينَ حَافِظِ ثُغُورِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِنُصْرَةِ الدِّينِ الْمُبِينِ وَالشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ الْمَتِينِ الْمَنْصُورِ بِالتَّأْيِيدَاتِ الْفَائِضَةِ مِنْ السَّمَاءِ الْمُظَفَّرِ بِوُرُودِ الْجُنُودِ الْغَيْبِيَّةِ عَلَى الْأَعْدَاءِ الْمُؤَيَّدِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْوَهَّابِ بِالتَّوْفِيقِ الْمُسَدَّدِ بِنَصْرِ اللَّهِ الْفَتَّاحِ عَلَى التَّحْقِيقِ آمِرِ الْعِبَادِ بِإِقَامَةِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ الْمَخْصُوصِ بِتَشْرِيفِ {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39] أَنْوَرَ مِنْ بَدْرِ الدُّجَى فِي هَالَةِ الْبَرَايَا أَظْهَرَ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى فِي الْعَدَالَةِ بَيْنَ الرَّعَايَا مَلَاذِ أَرْبَابِ الْحَاجَاتِ وَالْعُلَمَاءِ مَعَاذِ كَافَّةِ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ حَامِي حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ مُرَوِّجِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ بِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ ضَابِطِ أَقْطَارِ الْأَمْصَارِ بِالْقُوَّةِ الْقَاهِرَةِ رَابِطِ أَطْرَافِ الْآفَاقِ بِالدَّوْلَةِ الْبَاهِرَةِ نَاصِبِ رَايَاتِ النَّصَفَةِ بَعْدَ انْدِرَاسِهَا مُظْهِرِ آثَارِ الْعَدَالَةِ عَقِيبَ انْطِمَاسِهَا مُؤَسِّسِ مَبَانِي الْإِنْصَافِ

قَالِعِ قَوَاعِدِ الْإِجْحَافِ مَالِكِ مَمَالِكِ الْآفَاقِ وَارِثِ سَرِيرِ السَّلْطَنَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ خَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الْمُعَظَّمَيْنِ مَالِكِ أَمَاجِدِ الْمَشْرِقَيْنِ. هُوَ الْمَلِيكُ الَّذِي مَا زَالَ بَدْرَ هُدًى ... يُطِيعُهُ الْخَلْقُ مِنْ عَرَبٍ وَمِنْ عَجَمِ فَمُذْ أَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ قَدْ حُرِسَتْ ... جَوَانِبُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ الثُّلَمِ سُلْطَانِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَالرُّومِ وَالْخَاقَانِ السُّلْطَانِ الْغَازِي مُحَمَّد خَان بْنِ السُّلْطَانِ إبْرَاهِيم خَان بْنِ السُّلْطَانِ أَحْمَد خَان أَسْبَغَ اللَّهُ ظِلَالَ سَلْطَنَتِهِ عَلَى مُفَارِقِ الْعَالَمِينَ وَوَسَّعَ سِجَالَ نَوَالِ عَاطِفَتِهِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلَا زَالَتْ سَمَاءُ دَوْلَتِهِ بِكَوَاكِبِ الْإِقْبَالِ مُزَيَّنَةً وَآيَاتُ أُبَّهَتِهِ عَلَى صَفَحَاتِ الْكَائِنَاتِ مُبَيَّنَةً وَأَقْمَارُ دَوْلَتِهِ ثَابِتَةً عَلَى بُرُوجِ الْكَمَالِ وَنُجُومُ عَظَمَتِهِ ثَاقِبَةً عَلَى ذَوِي الْإِقْبَالِ نَائِيَةً عَنْ سَمْتِ الزَّوَالِ مَلِيكُ النَّدَى رُكْنُ الْهُدَى كَعْبَةُ الْعُلَى ... قَرِينُ التُّقَى وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ أَجْمَعَا إلَهِي بِدَمْعِ الْوَارِدِينَ لِزَمْزَمَ ... وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَمَنْ سَعَى أَطِلْ عُمْرَهُ وَاشْرَحْ بِفَضْلِك صَدْرَهُ ... وَعَامِلِهِ بِالْإِنْعَامِ يَا سَامِعَ الدُّعَا اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ افْتَتَحَهُ بِاسْمِ اللَّهِ وِفَاقًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَاقْتِفَاءً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَاقْتِدَاءً بِالْمُؤَلِّفِينَ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ مَعَ إشَارَةٍ إلَى أَدَاءِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَحَامِدِ الْكَرِيمِ فَقَالَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ حَرْفُ مَعْنَى وَلَهَا مَعَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا سِيبَوَيْهِ إلَّا مَعْنَى الْإِلْصَاقِ وَالِاخْتِلَاطِ وَذَكَرُوا أَنَّهَا لِلِاسْتِعَانَةِ وَقِيلَ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ ابْتِدَائِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَصْرِيُّونَ وَقَدَّرَ الْكُوفِيُّونَ بَدَأْتُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ مُتَأَخِّرًا عَنْ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْمُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَوْجُودٍ فِي الْأَعْيَانِ إنْ كَانَ مَحْسُوسًا وَفِي الْأَذْهَانِ إنْ كَانَ مَعْقُولًا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ بِهَيْئَتِهِ لِلزَّمَانِ هُوَ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَصْرِيُّونَ أَوْ مِنْ الْوَسْمِ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ وَكُسِرَتْ الْبَاءُ لِتَشَابُهِ حَرَكَتِهَا عَمَلَهَا وَطُوِّلَتْ لِتَدُلَّ عَلَى الْأَلِفِ الْمَحْذُوفَةِ وَلَمْ تُحْذَفْ إلَّا مَعَ اسْمٍ وَاَللَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلذَّاتِ وَالصِّفَةِ مَعًا، وَهُوَ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ عَلَمٌ لِمُوجِدِ الْعَالَمِ وَلَيْسَ بِمُشْتَقٍّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ مِنْ رَحِمَ بَعْدَ نَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ لَا تُشْتَقُّ إلَّا مَعَ فِعْلَ لَازِمٍ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي بَابِ الْمَدْحِ مِثْلُ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ وَبَدِيعُ السَّمَوَاتِ، وَفِي الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبَانِي لِزِيَادَةِ الْمَعَانِي وَهِيَ إمَّا بِحَسَبِ شُمُولِهِ لِلدَّارَيْنِ وَاخْتِصَاصِ الرَّحِيمِ بِالدُّنْيَا كَمَا وَقَعَ فِي الْأَثَرِ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا وَإِمَّا بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْمَرْحُومِينَ وَقِلَّتِهِمْ كَمَا وَرَدَ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ جَلَالَةِ النِّعَمِ وَدِقَّتِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي الرَّحْمَنِ مُبَالَغَةٌ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ

لَيْسَتْ فِي الرَّحِيمِ فَقَصَدَ بِهِ رَحْمَةً زَائِدَةً بِوَجْهٍ مَا فَلَا يُنَافِيهِ مَا يُرْوَى مِنْ قَوْلِهِمْ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا لِجَوَازِ حَمْلِهِمَا عَلَى الْجَلَائِلِ وَالدَّقَائِقِ وَاشْتِقَاقِهِمَا مِنْ الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى الرِّقَّةِ وَالْعَطْفِ وَهُوَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَجْسَامِ فَإِطْلَاقُهَا عَلَيْهِ - تَعَالَى - إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِي الَّتِي هِيَ انْفِعَالَاتٌ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتِهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبَّبٌ عَنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَالِانْعِطَافِ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى (الْحَمْدُ) هُوَ الثَّنَاءُ لِتَعْظِيمِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ بِمَعْنَى الْمَدْحِ لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ يَكُونُ بِمَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْخِصَالِ الْجَمِيلَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَالْمَدْحُ بِمَا فِيهِ وَمِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ تَقُولُ حَمِدْته لِعِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَمَدَحْته لِطُولِ قَامَتِهِ وَصَبَاحَةِ وَجْهِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] وَأَعَمُّ مِنْ الشُّكْرِ؛ لِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يُقَالُ إلَّا فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ وَالْحَمْدُ يُقَالُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ وَغَيْرِهَا نَقُولُ: حَمِدْته لِإِحْسَانِهِ إلَيَّ وَحَمِدْتُهُ لِعِلْمِهِ وَشَكَرْته لِإِحْسَانِهِ إلَيَّ فَكُلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ شُكْرًا وَكُلُّ حَمْدٍ مَدْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَدْحٍ حَمْدًا كَمَا فِي الْكَوَاشِيِّ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ حَمِدَهُ - تَعَالَى - أَوْ حَمِدَ مُحِبِّيهِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْوُصُولِ أَنَّ الْعَهْدَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (لِلَّهِ) وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ الْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ هَا هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ كُلُّ حَامِدِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ - تَعَالَى وَأَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ كُلُّ مَحْمُودِيَّةٍ قَائِمَةٌ بِهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَيْ كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَمْدِ فَحِينَئِذٍ يَشْمَلُ كُلًّا مِنْ مَعْنَيَيْهِ فَيُوَفَّى حَقُّ الْمَقَامِ (الَّذِي وَفَّقَنَا) التَّوْفِيقُ: جَعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِعْلَ عِبَادِهِ مُوَافِقًا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَقِيلَ هُوَ اسْتِعْدَادُ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ هُوَ مُوَافَقَةُ تَدْبِيرِ الْعَبْدِ لِتَقْدِيرِ الْحَقِّ وَقِيلَ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَرِّبُ إلَى السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ السَّرْمَدِيَّةِ وَقِيلَ هُوَ جَعْلُ الْأَسْبَابِ مُوَافِقَةً لِلْمُسَبِّبَاتِ (لِلتَّفَقُّهِ) الْفِقْهُ: هُوَ الْإِصَابَةُ وَالْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ عِلْمٌ مُسْتَنْبَطٌ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَمُحْتَاجٌ إلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ فَقِيهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاخْتَارَ التَّفَقُّهَ لِلْإِشَارَةِ إلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْ فِي الدِّينِ» وَإِلَى مَا فِي صِيغَةِ التَّكْلِيفِ مِنْ أَنَّ حُصُولَ عِلْمِ الْفِقْهِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَلْ شَيْئًا فَشَيْئًا (فِي الدِّينِ) الدِّينُ وَالْمِلَّةُ مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُطَاعُ تُسَمَّى دِينًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَجْمَعُ تُسَمَّى مِلَّةً وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُرْجَعُ إلَيْهَا تُسَمَّى مَذْهَبًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدِّينَ مَنْسُوبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ يَدْعُو أَصْحَابَ الْعُقُولِ إلَى قَبُولِ مَا هُوَ مِنْ عِنْدِ الرَّسُولِ، وَالْمِلَّةُ

إلَى النَّبِيِّ، وَالْمَذْهَبُ إلَى الْمُجْتَهِدِ (الَّذِي) الْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ صِفَةٌ لِلدِّينِ (هُوَ) أَيْ الدِّينُ (حَبْلُهُ) وَوَصَفَ الْحَبْلَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْمَتَانَةِ بِقَوْلِهِ (الْمَتِينُ) أَيْ الصُّلْبُ الشَّدِيدُ (وَفَضْلُهُ) الْفَضْلُ ابْتِدَاءُ إحْسَانٍ بِلَا عِلَّةٍ (الْمُبِينُ) أَيْ الْمُوَضَّحُ (وَمِيرَاثُ) مَجَازٌ عَنْ الِانْتِقَالِ (الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ) فَالرَّسُولُ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ مَلَكًا كَانَ أَوْ آدَمِيًّا وَكَذَا النَّبِيُّ إلَّا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِنْسِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَهُمَا إمَّا مُتَبَايِنَانِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ فَالرَّسُولُ جَاءَ بِشَرْعٍ مُبْتَدَأٍ، وَالنَّبِيُّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَإِنْ أُمِرَ بِالْإِبْلَاغِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى} [الحج: 52] فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي غَيْرِهِ مَجَازًا، أَوْ مُتَرَادِفَانِ عَلَى مَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْخُطْبَةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَنْ بُعِثَ لِلتَّبْلِيغِ، أَوْ الرَّسُولُ أَخَصُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَحُجَّتُهُ) أَيْ دَلِيلُهُ وَبُرْهَانُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَالْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ الدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ إفَادَتُهُ الْبَيَانَ يُسَمَّى بَيِّنَةً، وَمِنْ حَيْثُ الْغَلَبَةُ عَلَى الْخَصْمِ بِهِ يُسَمَّى حُجَّةً (الدَّامِغَةُ) الْقَاهِرَةُ الْمُذِلَّةُ لِلْخَصْمِ مِنْ الدَّمْعِ، وَهُوَ مِنْ الشِّجَاجِ الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الدِّمَاغِ (عَنْ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ) أَكَّدَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْمِيمِ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ لِرِعَايَةِ السَّجْعِ (وَمَحَجَّتُهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ وَالْجِيمِ جَادَّةُ الطَّرِيقِ وَهِيَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ (السَّالِكَةُ) أَيْ الرَّاقِيَةُ الْمُوَصِّلَةُ (إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ) أَيْ أَعْلَى مَكَان فِي الْجَنَّةِ (وَالصَّلَاةُ) بِالرَّفْعِ بِالِابْتِدَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجُوزُ الْجَرُّ بِالْعَطْفِ عَلَى الِاسْمِ أَيْ بِالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا كُتِبَتْ بِالْوَاوِ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ الْمُفَخَّمِ فَالْمَعْنَى الْعَطْفُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - تَعَالَى الرَّحْمَةُ وَإِلَى الْمَلَكِ الِاسْتِغْفَارُ، وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ الدُّعَاءُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فِي الدُّعَاءِ حَقِيقَةٌ وَفِي غَيْرِهِ مَجَازٌ (وَالسَّلَامُ) أَيْ السَّلَامَةُ عَنْ الْآفَاتِ وَسُمِّيَتْ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ لِهَذَا وَتَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِتَنَزُّهِهِ عَنْ النَّقَائِصِ وَالرَّذَائِلِ وَتَعْرِيفُهُمَا كَتَعْرِيفِ الْحَمْدِ (عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ) أَيْ أَفْضَلِ مَخْلُوقِهِ (مُحَمَّدٍ) أَشْهَرِ أَسْمَائِهِ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ أَلْفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِلْإِلْهَامِ بِذَلِكَ وَالْمَعْنَى ذَاتٌ كَثُرَتْ خِصَالُهَا الْمَحْمُودَةُ أَوْ كَثُرَ الْحَمْدُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ أَوْ كَثُرَ حَمْدُهُ تَعَالَى لَهُ (الْمَبْعُوثُ) إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْخِلَافِ (رَحْمَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ الْمَفْعُولِ لَهُ (لِلْعَالَمِينَ) وَالْعَالَمُ اسْمٌ لِمَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى غَلَبَ مِنْهُ الْعُقَلَاءُ وَقِيلَ اسْمٌ لِذَوِي الْعِلْمِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَتَنَاوُلُهُ لِغَيْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِتْبَاعِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ النَّاسُ وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] (وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ) فِي الْآلِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَالصَّحْبُ جَمْعُ صَاحِبٍ وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ رَأَى النَّبِيَّ أَوْ رَآهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ مُخْتَصًّا بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

تَعْظِيمًا لَمْ يَدْعُ بِهِ لِغَيْرِهِمْ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لَهُمْ (وَالتَّابِعِينَ) هُوَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الصَّحَابَةَ فِي آثَارِهِمْ (وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُؤَلِّفِينَ وَغَيْرِهِمْ (وَبَعْدُ) مِنْ الظُّرُوفِ الْمَبْنِيَّةِ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْإِضَافَةِ أَيْ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ (فَيَقُولُ الْفَقِيرُ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ الْغَنِيِّ) وَالْفَاءُ فِي فَيَقُولُ إمَّا عَلَى تَوَهُّمِ أَمَّا، وَإِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ مَهْمَا مَحْذُوفَةً مِنْ الْكَلَامِ وَالْوَاوُ عِوَضٌ عَنْهَا (إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ) كَانَ إمَامًا وَخَطِيبًا بِجَامِعِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ بِمَدِينَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْمَحْمِيَّةِ وَمُدَرِّسًا بِدَارِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي بَنَاهَا سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي وَمَاتَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ عُمَرُهُ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ وَزَادَ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ فَتَوَجَّهَ (قَدْ سَأَلَنِي) أَيْ طَلَبَ مِنِّي (بَعْضُ طَالِبِي) جَمْعٌ مُضَافٌ إلَى (الِاسْتِفَادَةِ) . وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْمُسْتَفِيدِينَ لَكَانَ أَوْلَى (أَنْ أَجْمَعَ لَهُ كِتَابًا يَشْتَمِلُ) صِفَةُ: كِتَابًا (عَلَى مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ وَالْمُخْتَارِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ بِعِبَارَةٍ سَهْلَةٍ) الْمُرَادُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ بِالسُّهُولَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفِكْرِ وَالدِّقَّةِ (غَيْرِ مُغْلَقَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُشْكِلَةٍ (فَأَجَبْتُهُ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَبَبِيَّةً أَيْ أَعْطَيْته جَوَابًا بِأَنْ أَقُولَ قَبِلْت إيفَاءَ مَسْأَلَتِك (إلَى ذَلِكَ) أَيْ سُؤَالِ الْبَعْضِ. (وَأَضَفْت إلَيْهِ بَعْضَ مَا يَحْتَاجُ) أَيْ يَفْتَقِرُ (إلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَجْمَعِ وَنُبْذَةً) عِبَارَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ زَادَهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً نَظَرًا إلَى أَنْفُسِهَا نُبْذَةً بِالْقِيَاسِ إلَى مَسَائِلِ سَائِرِ الْكُتُبِ الَّتِي جَمَعَهَا فِي كِتَابِهِ (مِنْ الْهِدَايَةِ وَصَرَّحْت بِذِكْرِ الْخِلَافِ) الْوَاقِعِ (بَيْنَ أَئِمَّتِنَا) الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيِّ وَالْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ الرَّبَّانِيِّ وَالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَعْظَمِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ اخْتَرَعَ قَاعِدَةً فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ لِيُعْلَمَ مِنْهَا الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فَقَالَ. (وَقَدَّمْت مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ) الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ وَالْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ مَفْعُولُ قَدَّمْت. (وَأَخَّرْت غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْأَرْجَحِ (إلَّا) الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَهُ (إنْ قَيَّدْته) وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى: غَيْرَهُ (بِمَا يُفِيدُ التَّرْجِيحَ) نَحْوَ قَوْلِهِ الصَّحِيحُ وَالْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَإِنَّ الْأَرْجَحَ حِينَئِذٍ مَا هُوَ الْمُقَيَّدُ بِهِ لَا الْمُقَدَّمُ. (وَأَمَّا الْخِلَافُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْ الْمَشَايِخِ (أَوْ) الْخِلَافُ الْوَاقِعُ (بَيْنَ) أَصْحَابِ (الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ) الَّتِي جَمَعَ هَذَا الْكِتَابُ مِنْهَا (فَكُلُّ مَا) أَيْ مَسْأَلَةٍ (صَدَّرْته بِلَفْظِ قِيلَ أَوْ قَالُوا إنْ) - وَصْلِيَّةٌ - (كَانَ مَقْرُونًا بِالْأَصَحِّ وَنَحْوِهِ) أَيْ الْمُخْتَارِ وَبِهِ يُفْتَى (فَإِنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلَ الْمُصَدَّرَ بِلَفْظِ قِيلَ أَوْ قَالُوا (مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ مَا لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ قِيلَ أَوْ قَالُوا (وَمَتَى) لِلشَّرْطِ هُنَا (ذَكَرْت لَفْظَ التَّثْنِيَةِ) كَقَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا أَوْ قَالُوا أَوْ عِنْدَهُمَا (مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى مَرْجِعِهِمَا فَهُوَ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) أَمَّا لَوْ ذَكَرَ مَثَلًا مُحَمَّدًا ثُمَّ ذَكَرَ التَّثْنِيَةَ فَالْمُرَادُ الشَّيْخَانِ (وَلَمْ آلُ) مِنْ الْأَلْوِ وَهُوَ التَّقْصِيرُ (جُهْدًا) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الِاجْتِهَادُ وَعَنْ الْفَرَّاءِ الْجُهْدُ بِالضَّمِّ الطَّاقَةُ وَبِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْأَلْوُ فِي قَوْلِهِمْ لَا آلُوك جُهْدًا مُتَعَدِّيًا إلَى الْمَفْعُولَيْنِ وَالْمَعْنَى: لَا أَمْنَعُك جُهْدًا أَيْ لَمْ أُقَصِّرْ وَلَمْ أَتْرُكْ اجْتِهَادًا بَلْ اسْتَقْصَيْت (فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَقْوَى وَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى) الصَّحِيحُ مُقَابِلُ الْفَاسِدِ

كتاب الطهارة

الْأَصَحُّ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ فَإِذَا تَعَارَضَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ الْأَصَحُّ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَائِلَ الْأَصَحِّ يُوَافِقُ قَائِلَ الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَقَائِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْآخَرِ فَاسِدٌ. (وَحَيْثُ) ظَرْفُ مَكَان بِمَنْزِلَةِ حِينَ (اجْتَمَعَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَعْلُومِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الْكُتُبُ الْمَذْكُورَةُ (سَمَّيْته بِمُلْتَقَى الْأَبْحُرِ لِيُوَافِقَ الِاسْمَ الْمُسَمَّى) هَذَا تَعْلِيلُ تَسْمِيَتِهِ كِتَابَهُ بِهَذَا الِاسْمِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَبْحُرَ الْحَقِيقَةَ لَمَّا كَانَ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهَا مُلْتَقَى جَمِيعِ مَا فِيهَا فَكَذَلِكَ الْأَبْحُرُ الْمَجَازِيَّةُ يُوجَدُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ (وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ) مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ أَسْأَلُ وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَى الْفِعْلِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ تَعَالَى أَوْ لِلتَّخْصِيصِ أَوْ الْعِنَايَةِ (أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَهُ) أَيْ جَمْعِي (خَالِصًا لِوَجْهِهِ) أَيْ لِذَاتِهِ الْكَرِيمِ. (وَأَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ تَأْلِيفِهِ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء: 88] {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ وَمِنَّا إنَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَمِيمِ وَخَلَّصَنِي وَإِيَّاهُ بِفَضْلِهِ عَنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ آمِينَ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعَيْنِ. [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] افْتَتَحَ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلتَّقْدِيمِ عَلَى بَاقِي الْعِبَادَاتِ لِكَوْنِهَا عِمَادَ الدِّينِ قِيلَ: هِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهَا الْعَبْدُ الْكَتْبُ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ وَمِنْهُ الْكِتَابُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَكْتُوبُ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ عَلَى التَّوَسُّعِ الشَّائِعِ وَاصْطِلَاحًا طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَقِلَّةً فِي نَفْسِهَا كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ أَوْ تَابِعَةً لِمَا بَعْدَهَا كَكِتَابِ الطَّهَارَةِ أَوْ مُسْتَتْبِعَةً لِمَا قَبْلَهَا

كَكِتَابِ الصَّلَاةِ أَوْ نَوْعًا وَاحِدَةً كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ أَوْ أَنْوَاعًا مِنْهَا كَكِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاخْتَارَ لَفْظَ الْكِتَابِ دُونَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ اشْتِقَاقَ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بِخِلَافِ الْبَابِ وَالْغَرَضُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ لَا نَوْعٌ مِنْهَا وَالطَّهَارَةُ لُغَةً مَصْدَرُ طَهُرَ الشَّيْءُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى النَّظَافَةِ مُطْلَقًا، وَاصْطِلَاحًا النَّظَافَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءُ مِنْ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الشَّرْعِ نَظَافَةُ الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ حَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ حُكْمِيَّةً سَوَاءٌ كَانَ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ كَالْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْأَوَانِي وَالْأَطْعِمَةِ وَمَنْ خَصَّهَا بِالْأَوَّلِ فَقَدْ أَخْطَأَ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهَارَةِ هَا هُنَا الطَّهَارَةُ الْمَخْصُوصَةُ بِالصَّلَاةِ لَا الْكُلِّيَّةُ الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، وَإِنَّمَا وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَنْ جَمَعَهَا فَقَدْ قَصَدَ التَّصْرِيحَ بِأَنْوَاعِهَا وَسَبَبُ وُجُوبِهَا وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ بِدُونِهَا كَالصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ قِيلَ سَبَبُ وُجُوبِهَا الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» وَقِيلَ الْحَدَثُ لِدَوَرَانِهِ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى الشَّيْءِ وَالْحَدَثُ رَافِعٌ لَهَا فَكَيْفَ يَكُونُ سَبَبًا لَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 6] افْتَتَحَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى تَيَمُّنًا وَإِلَّا فَذِكْرُ الدَّلِيلِ خُصُوصًا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيمِ لَيْسَ مِنْ دَأْبِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبَ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ كَمَا فِي جَمِيعِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لِمَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ قَطْعًا وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، وَالْجَوَابُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْخِطَابَ خَاصٌّ بِالْمُحْدِثِينَ بِقَرِينَةِ دَلَالَةِ الْحَالِ، وَاشْتِرَاطُ الْحَدَثِ فِي التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْغَسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ أَيْ أَمِرُّوا عَلَيْهَا الْمَاءَ {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] الْجُمْهُورُ عَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْمَغْسُولِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَوَاحِدُهَا مِرْفَقٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] لَا إشْكَالَ عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الرَّأْسِ فَلِلْمُجَاوَرَةِ وَالْإِتْبَاعِ لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَفَائِدَةُ صُورَةِ الْجَرِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ الرِّجْلَ غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ لِمَا أَنَّهَا مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ. (فَفَرْضُ الْوُضُوءِ) الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَالْفَرْضُ لُغَةً الْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ يُقَالُ: فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إذَا قَدَّرَهَا وَاصْطِلَاحًا مَا ثَبَتَ لُزُومُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ تَارِكُهُ وَيُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَالْوُضُوءُ بِالْوُضُوءِ بِالضَّمِّ اسْمُ مَصْدَرٍ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّقَاوَةُ

وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّازِمِ (غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ) مَرَّةً يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ قَيَّدَ الْأَعْضَاءَ بِالثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهَا خَمْسٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ جُعِلَا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوَيْنِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ. (وَمَسْحُ الرَّأْسِ) مَرَّةً الْمَسْحُ الْإِصَابَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِصَابَةُ بِالْيَدِ أَوْ بِغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ أَصَابَ رَأْسَهُ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ قَدْرُ الْمَفْرُوضِ أَجْزَأَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ أَوْ لَمْ يَمْسَحْهُ. (وَالْوَجْهُ مَا بَيْنَ قِصَاصِ الشَّعْرِ) هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْوَجْهِ فِي الطُّولِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى الذَّقَنِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَا قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ. وَفِي الدِّيوَانِ قِصَاصُ الشَّعْرِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا بِمَعْنًى، وَهُوَ مُنْتَهَى مَنْبَتِهِ مِنْ الرَّأْسِ وَغَايَتُهُ انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ قِصَاصَ الشَّعْرِ فِي اللُّغَةِ مُنْتَهَى مَنْبَتِهِ مُطْلَقًا لَا مُنْتَهَى مَنْبَتِهِ فِي الرَّأْسِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ الشَّعْرِ شَعْرُ الرَّأْسِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ لَا عَلَى اللُّغَةِ. (وَأَسْفَلِ الذَّقَنِ) هَذَا حَدُّهُ طُولًا وَالذَّقَنُ بِالتَّحْرِيكِ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ جَمْعُهُ أَذْقَانٌ. (وَشَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ) هَذَا حَدُّهُ عَرْضًا الشَّحْمَةُ مُعَلَّقُ الْقُرْطِ، وَإِنَّمَا زَادَ لَفْظَ الشَّحْمَةِ إدْخَالًا لِمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَشَحْمَةِ الْأُذُنِ فِي حَدِّ الْوَجْهِ مُطْلَقًا وَوَقَعَ فِي عِبَارَة الْهِدَايَةِ وَفِي غَيْرِهَا وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ، وَمَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ. وَفِي إفَاضَةِ الشَّحْمَتَيْنِ إلَى الْأُذُنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أُذُنٍ شَحْمَتَانِ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَصَارَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْأُذُنَيْنِ تَقْدِيرًا إلَّا أَنَّ الْأُذُنَ وَاحِدٌ حَتَّى يَرِدَ السُّؤَالُ (فَيُفْرَضُ غَسْلُ مَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِعَدَمِ السَّاتِرِ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ فِي الْعِذَارِ لِاسْتِتَارِهِ بِالشَّعْرِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَجْهًا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ فِي الْعِذَارِ إذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا فَمَا وَرَاءَهَا أَوْلَى وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ كَوْسَجَ أَوْ أَثَطَّ فَغَسْلُهُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا (وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ) خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْغَايَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ وَلَنَا أَنَّ ضَرْبَ الْغَايَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ، وَهِيَ إمَّا مَدُّ الْحُكْمِ إلَيْهَا أَوْ إسْقَاطُ مَا وَرَاءَهَا، وَالْأَوَّلُ يَحْصُلُ هُنَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِذَلِكَ الْعُضْوِ إلَى الْإِبْطِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَمُوجِبُهُ دُخُولُ الْغَايَةِ تَحْتَ الْمُغَيَّا فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ فِي دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ شَكٌّ، وَاحْتِمَالٌ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْفَرْضُ فِيهِمَا أُجِيبُ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ قَدْ زَالَ بِفِعْلِهِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُنْقَلْ تَفْوِيتُهُ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ جَائِزًا لَفَعَلَهُ مَرَّةً تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَالْمِرْفَقُ هُوَ مُجْتَمَعُ الْعَضُدِ وَالسَّاعِدِ وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ الْمُتَّصِلُ بِعَظْمِ السَّاقِ مِنْ طَرَفَيْ الْقَدَمِ لَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمِفْصَلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ وَاحِدٌ كَالْمِرْفَقِ فِي الْيَدِ وَقَدْ ثَنَّى الْكَعْبَ فِي الْآيَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا، وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلْعُدُولِ فَائِدَةٌ وَهَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ كَمَالٍ الْوَزِيرِ (وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ قَدْرُ الرُّبُعِ) فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْ الْمُقَدَّرِ بِطَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ لَكِنْ لَا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ بَلْ بِالدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ الِاجْتِهَادِيِّ فَلِذَلِكَ لَمْ يُكَفَّرْ جَاحِدُهُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ قَطْعِيٍّ وَاجْتِهَادِيٍّ، الْقَطْعِيُّ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ إذَا لَمْ يَلْحَقْهَا تَخْصِيصٌ أَوْ تَأْوِيلٌ، وَالِاجْتِهَادِيُّ مَا يَفُوتُ بِفَوْتِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِجَابِرٍ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي. (وَقِيلَ: يُجْزِئُ وَضْعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ) ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأَصَابِعِ أَصْلُهَا وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِيهَا يُعْتَبَرُ عَيْنُ مَا قُدِّرَ بِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُقَدَّرٌ بِأَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى شَعْرَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ مَسْحُ الْجَمِيعِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَكْثَرُ الرَّأْسِ. (وَلَوْ مَدَّ بِإِصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ) يَعْنِي لَوْ وَضَعَ إصْبَعًا أَوْ إصْبَعَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ فَمَدَّهَا مِقْدَارُ رُبُعُ الرَّأْسِ (لَا يَجُوزُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لَهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ مَا دَامَ فِي مَحَلِّهِ، وَجَمِيعُ الرَّأْسِ مَحَلُّهُ فَيَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْمَسْحَ حَصَلَ بِوَضْعِ الْإِصْبَعِ وَبِمَدِّهَا انْفَصَلَتْ الْبَلَّةُ عَنْ الْمَحَلِّ الْمَمْسُوحِ حُكْمًا فَصَارَ مُسْتَعْمَلًا فَالْمَسْحُ بَعْدَهُ يَكُونُ بِمَاءٍ غَيْرِ طَاهِرٍ كَذَا فِي ابْنِ مَلَكٍ. وَلَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَمَدَّهَا حَتَّى اسْتَوْعَبَ الرُّبُعَ صَحَّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِمَدِّ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي الْأُولَى مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَمَحَلُّ الْمَسْحِ مَا فَوْقَ الْأُذُنِ عَلَى أَيِّ جَانِبٍ كَانَ. (وَيُفْرَضُ مَسْحُ رُبُعِ اللِّحْيَةِ فِي رِوَايَةٍ وَالْأَصَحُّ مَسْحُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَمَّا اللِّحْيَةُ فَعِنْدَ الْإِمَامِ مَسْحُ رُبُعِهَا فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا مِنْ الْبَشَرَةِ صَارَ

كَالرَّأْسِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كُلُّهَا فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا أُقِيمَ مَسْحُهَا مَقَامَ مَسْحِ مَا تَحْتَهَا فَيُفْرَضُ مَسْحُ الْكُلِّ بِخِلَافِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَارِيًّا عَنْ الشَّعْرِ لَا يَجِبُ غَسْلُ كُلِّهِ، وَلَا مَسْحُ كُلِّهِ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّبُعِ رُبُعُ مَا يُلَاقِي بَشَرَةَ الْوَجْهِ؛ إذْ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا اُسْتُرْسِلَ مِنْ الذَّقَنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ مَسْحُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ فَرْضٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْكَمَالِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مَرْجُوعٌ عَنْهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا لِعَدَمِ الْمُوَاجَهَةِ لِاسْتِتَارِهَا بِالشَّعْرِ وَصَارَ ظَاهِرُ الشَّعْرِ الْمُلَاقِي إيَّاهَا ظَاهِرُ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: وَإِنَّمَا مَوَاضِعُ الْوُضُوءِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَالظَّاهِرُ هُوَ الشَّعْرُ لَا الْبَشَرَةُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ. (وَسُنَنُهُ) أَيْ الْوُضُوءِ السُّنَّةُ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ تَرْكِهَا أَحْيَانَا فَإِنَّ الْمُوَاظَبَةَ إنْ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ فَسُنَنُ الْهَدْيِ وَفِي فِعْلِهَا الثَّوَابُ وَتَرْكِهَا الْعِتَابُ لَا الْعِقَابُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ فَسُنَنُ الزَّوَائِدِ وَتَرْكُهَا لَا يَسْتَوْجِبُ إسَاءَةً، وَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّازِمِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ فِي شَرْحِهِ الظَّاهِرُ: إنَّهَا عَلَى صِيغَةِ الْإِفْرَادِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَفَرْضُ الْوُضُوءِ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ أَيْضًا انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ وَإِنْ كَثُرَتْ فَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يَفْسُدُ بَعْضُهَا عِنْدَ فَوَاتِ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِخِلَافِ السُّنَّةِ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا وَدَلَائِلَهَا مُسْتَقِلَّةٌ؛ إذْ كُلٌّ مِنْهَا بَعْدُ فَضِيلَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْأُخْرَى وَالتَّنْظِيرُ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ (غَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ ابْتِدَاءً) الرُّسْغُ الْمِفْصَلُ الَّذِي بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لِلْمُسْتَيْقِظِ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ تِلْكَ السُّنَّةِ مُخْتَصَّةً بِالْمُسْتَيْقِظِ؛ إذْ هُوَ مَسْنُونٌ لِكُلِّ مَنْ يَشْرَعُ فِي الْوُضُوءِ ابْتِدَاءً هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ الْوَاقِعُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا اتِّفَاقِيٌّ. (وَالتَّسْمِيَةُ) وَهِيَ سُنَّةٌ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا هَذَا اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَالْقُدُورِيِّ وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ فِي الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ

لَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى» هَذَا دَلِيلُ مَالِكٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ وَدَلِيلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ طَهُورًا لِمَا أَصَابَهُ الْمَاءُ» وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظِهَا وَالْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُسَمِّي قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ لَا مَعَ الِانْكِشَافِ أَوْ غَسْلِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ (وَقِيلَ) التَّسْمِيَةُ (مُسْتَحَبَّةٌ) قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ وَالْأَصَحَّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَإِنْ سَمَّاهَا فِي الْكِتَابِ سُنَّةً؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَشْتَهِرْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَكَيَا وُضُوءَهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمَا التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ عَنْهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَا هُنَا يَعْنِي فِي ثُبُوتِ السُّنَّةِ الْمُوَاظَبَةُ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا إعْلَامًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَا الْمُوَاظَبَةُ بِدُونِ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ عَلَى قَوْلٍ عِنْدَ سَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارِضٍ؛ وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (وَالسِّوَاكُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّ السِّوَاكَ اسْمٌ لِلْخَشَبَةِ الْمُرَّةِ الْمُتَعَيِّنَةِ لِلِاسْتِيَاكِ أَوْ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ، وَالْأَصْلُ فِي سُنِّيَّتِهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ فَقْدِهِ يُعَالِجُ بِالْإِصْبَعِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَمَا فِيهِ مِنْ التَّرْغِيبِ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الْمُوَاظَبَةِ مِنْ التَّأْكِيدِ أَفَادَ السُّنِّيَّةَ، وَيُسْتَحَبُّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصِرَ مِنْ يَمِينِك أَسْفَلَ السِّوَاكِ تَحْتَهُ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَالْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ وَلَا نَقْبِضَ الْقَبْضَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَلَا يُسْتَاكُ بِطَرَفِي السِّوَاكِ وَلَا تُمَصُّ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى وَيُكْرَهُ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ كِبَرَ الطِّحَالِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيَشُدُّ الْأَسْنَانَ وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيَكُونُ فِي غِلَظِ الْخِنْصِرِ بِطُولِ الشِّبْرِ وَيُسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ بِثَلَاثٍ مِيَاهٍ وَيَبْتَدِأُ مِنْ جَانِبِ الْأَيْمَنِ. (وَغَسْلُ الْفَمِ بِمِيَاهٍ وَالْأَنْفُ بِمِيَاهٍ) وَإِنَّمَا قَالَ بِمِيَاهٍ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْنُونَ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ قَوْلَهُ بِمِيَاهٍ لِيَدُلَّ عَلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: هُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِمَا وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ لَيْسَتْ دَلِيلَ الْفَرْضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سُنَّتَانِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَعِنْدَنَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَفَرْضَانِ فِي الْغُسْلِ

لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَدَاخِلُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ تَطْهِيرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالْمُبَالَغَةِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ، قِيلَ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكٍ لِوَاجِبٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ لِمَا قَالُوا: أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ، وَدَلِيلُ سُنِّيَّتِهِمَا الْمُوَاظَبَةُ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانَا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ آنِفًا فِي تَفْسِيرِ السُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، فَهِيَ دَلِيلُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَيْسَتْ غَسْلَ الْفَمِ، وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ لَيْسَ غَسْلَ الْأَنْفِ بَلْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْجَنَائِزِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَنْ بَدَّلَهُمَا بِغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَمْ يُصِبْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَسْلَ الْفَمِ وَغَسْلَ الْأَنْفِ غَيْرُ مُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَغَيْرُ مُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَاءِ فِي الْأَنْفِ بَلْ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ الْفَمِ إلَّا بِإِدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُ الْأَنْفِ إلَّا بِجَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى الْأَنْفِ فَيَلْزَمُ لِإِدَارَةِ الْمَاءِ غَسْلُ الْفَمِ وَلِجَذْبِ الْمَاءِ إلَى الْأَنْفِ غَسْلُ الْأَنْفِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ غَسْلِ الْفَمِ لِإِدَارَةِ الْمَاءِ بَلْ يُمْكِنُ غَسْلُ الْفَمِ بِدُونِ الْإِدَارَةِ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَلَفْظُ الْمَضْمَضَةِ حَقِيقَةٌ فِي إدَارَةِ الْمَاءِ وَاسْتِعْمَالُ غَيْرِ الْفَمِ لِإِدَارَةِ الْمَاءِ مَجَازٌ فَبَيَانُهُ بِالْحَقِيقِيِّ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ. (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ هُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَهُوَ عَدَمُ تَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَعْرَابِيَّ. (وَقِيلَ هُوَ فِي اللِّحْيَةِ فَضِيلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ لِإِكْمَالِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ، وَدَاخِلُ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِإِقَامَةِ فَرْضِ الْغُسْلِ فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَى الْفَضِيلَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ وَدَاخِلُ الْفَمِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ فِي الْوُضُوءِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مِنْ الْوَجْهِ مِنْ وَجْهٍ؛ إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ مَحَلُّ الْفَرْضِ. (وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّةً وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْجَوَازُ وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّتَيْنِ وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى، وَظَلَمَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: رَتَّبَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَعِيدًا، وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلٍ، وَهُوَ مَنْ زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا

أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّ كَمَالَ السُّنَّةِ لَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَقَوْلُهُ: تَعَدَّى يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَظَلَمَ يَرْجِعُ إلَى النُّقْصَانِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَالْوَعِيدُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةً إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ التَّأْوِيلِ الثَّالِثِ يَعْنِي إذَا زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ قِيلَ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّ تَكْرَارَ الْوُضُوءِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ بَعِيدٌ تَدَبَّرْ (وَالنِّيَّةُ) وَهِيَ الْقَصْدُ وَالْعَزْمُ بِالْقَلْبِ وَالْمُرَادُ هُنَا قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ عِبَادَةٌ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الطَّهَارَةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ النِّيَّةُ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ كَالتَّيَمُّمِ، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الْجَاهِلَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ النِّيَّةَ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَأَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ شُرُوطِهَا، وَافْتِقَارُ التَّيَمُّمِ إلَى النِّيَّةِ لِيَصِيرَ الصَّعِيدُ مُطَهِّرًا لَا يُوجِبُ افْتِقَارَ الْوُضُوءِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَالتُّرَابُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَكِنْ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْكِفَايَةِ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ أَوْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ كَالتَّيَمُّمِ. (وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ) وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ عَقِيبَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِلَا مُهْمَلَةٍ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ الْأَرْكَانِ فَيَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْبَاقِي أَيْضًا؛ إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ حَرْفُ الْوَاوِ، وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ حَقِيقَةً كَأَنَّهُ قِيلَ: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا الْأَعْضَاءَ الثَّلَاثَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَسَحَهُ بِبَلَلِ كَفِّهِ» وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا لَأَعَادَ الْوُضُوءَ. (وَاسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ) مَرَّةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ مُخْتَلِفَةٍ اعْتِبَارًا بِالْمَغْسُولِ لَنَا «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَوَضَّأَ وَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ ثَلَاثًا وَمَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» وَاَلَّذِي يُرْوَى فِيهِ مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّثْلِيثِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَبُلَّ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَ يَدَيْهِ وَيَضَعَ بِطُولِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ كَفٍّ عَلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيَعْزِلَ السَّبَّابَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ، وَيُجَافِيَ كَفَّيْهِ وَيَجُرَّهُمَا إلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحَ الْفُؤَادَيْنِ بِالْكَفَّيْنِ إلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيَمْسَحَ ظَاهِرَ الْأُذُنَيْنِ بِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ وَبَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ بِبَاطِنِ السَّبَّابَتَيْنِ وَيَمْسَحَ رَقَبَتَهُ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ حَتَّى يَصِيرَ مَسْحُهُمَا بِبَلَلٍ لَمْ يُسْتَعْمَلْ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ

مَا دَامَتْ عَلَى الْعُضْوِ وَإِذَا انْفَصَلَتْ تَصِيرُ مُسْتَعْمَلَةً بِلَا خِلَافٍ كَمَا عَرَفْت آنِفًا وَبِذَلِكَ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ وَكَيْفِيَّةُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ وَيَمْسَحَ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ، وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا تَدَبَّرْ (وَقِيلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) أَيْ النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ وَاسْتِيعَابُ الرَّأْسِ (مُسْتَحَبَّةٌ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ كَوْنَهَا سُنَّةً جَمِيعًا وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ اثْنَيْنِ مِنْهَا سُنَّةً، وَهُمَا النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ وَجَعَلَ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ مُسْتَحَبًّا (وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ بِمَعْنَى التَّتَابُعِ، وَحَدُّهُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ الْمُتَوَضِّئُ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِعَمَلٍ لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ لَيْسَتْ دَلِيلَ الْفَرْضِ. (وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءِ الرَّأْسِ) أَيْ بِمَاءِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ لِلْأُذُنَيْنِ مَاءً جَدِيدًا» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ وَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ» فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَبْقَ فِي كَفِّهِ بَلَّةٌ. (وَمُسْتَحَبُّهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (التَّيَامُنُ) الْمُسْتَحَبُّ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ التَّيَامُنُ أَيْ الشُّرُوعُ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ» التَّرَجُّلُ امْتِشَاطُ الرَّجُلِ شَعْرَهُ فَإِنْ قُلْت قَدْ وَاظَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى التَّيَامُنِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّنَنِ قُلْت إنَّمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي السُّنِّيَّةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ (وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) لَا الْحُلْقُومِ فَإِنَّ مَسْحَهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ حَصْرَ مُسْتَحَبَّاتِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحَبَّاتٍ كَثِيرَةً وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِالْآدَابِ فَقَالُوا: وَمِنْ آدَابِهِ أَيْ بَعْضِ آدَابِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ، وَإِدْخَالُ خِنْصِرِهِ صِمَاخَ أُذُنِهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا يَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ تَحْرِيكُهُ، وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ، وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ مِنْ الْأَدْعِيَةِ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك " وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ " اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ " اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ " وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى " اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا

يَسِيرًا " وَعِنْدَ يَدِهِ الْيُسْرَى " اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي، وَلَا مِنْ وَرَاءَ ظَهْرِي وَلَا تُحَاسِبْنِي حِسَابًا عَسِيرًا " وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ " وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ " اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ " وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى " اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزُولُ فِيهِ الْأَقْدَامُ " وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى " اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا وَعَمَلِي مَقْبُولًا مَبْرُورًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ بِفَضْلِك يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ " وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ الْوُضُوءِ وَأَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ " وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا قَالُوا: لَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْمَاءِ قَائِمًا إلَّا هُنَا وَعِنْدَ شُرْبِ زَمْزَمَ وَيُكْرَهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَالْإِسْرَافُ فِيهِ وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ. (وَالْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لَهُ) أَيْ لِلْوُضُوءِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْوُضُوءِ فَرْضِهِ وَسُنَّتِهِ وَمُسْتَحَبِّهِ بَدَأَ بِمَا يُنَافِيهِ مِنْ الْعَوَارِضِ؛ إذْ رَفْعُ الشَّيْءِ يَكُونُ بَعْدَهُ وَأَرَادَ بِالْمَعَانِي الْعِلَلَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَالنَّقْضُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْأَجْسَامِ يُرَادُ بِهِ إبْطَالُ تَأْلِيفِهَا وَمَتَى أُضِيفَ إلَى غَيْرِهَا يُرَادُ بِهِ إخْرَاجُهُ عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الْوُضُوءِ اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِدُونِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِصَلَاةٍ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِهِمَا (خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) مُعْتَادًا كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَالدُّودَةِ وَإِنْ خَرَجْت مِنْ الْإِحْلِيلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا تَنْقُضُ اتِّفَاقًا إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ (سِوَى رِيحِ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ نَجِسَةٍ لِعَدَمِ الِانْبِعَاثِ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ إلَّا أَنْ يَتَّحِدَ فَرْجُهَا مَعَ دُبُرِهَا فَحِينَئِذٍ الْمُنْتِنَةُ نَاقِصَةٌ دُونَ غَيْرِهَا. (وَخُرُوجِ نَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ (مِنْ الْبَدَنِ إنْ سَالَ بِنَفْسِهِ) أَيْ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَا بِالْعَصْرِ (إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ نُقِضَ الْوُضُوءُ لِتَجَاوُزِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ إذَا نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ لِعَدَمِ تَجَاوُزِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِيهِ وَالْمُرَادُ مِنْ حُكْمِ التَّطْهِيرِ الْوُجُوبُ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ

حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَفَلَ عَنْ هَذَا صَاحِبُ الْفَرَائِدِ حَيْثُ قَالَ أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمٌ هُوَ التَّطْهِيرُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى النَّوْعِ كَقَوْلِهِ عِلْمُ الطِّبِّ فَلْيُتَأَمَّلْ وَحَدُّ الْخُرُوجِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالسَّيَلَانِ عَنْ مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ رَأْسَ السَّبِيلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَسِلْ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ زُفَرُ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُهُ كَمَا خَرَجَ سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْقُضُهُ سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ. (وَالْقَيْءُ مِلْءُ الْفَمَ) وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَقِيلَ لَا يُمْكِنُ الْكَلَامُ بِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ زَفَرٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ. (وَلَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً أَوْ مِرَّةً أَوْ عَلَقًا) الْمِرَّةُ بِالْكَسْرِ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْفُقَهَاءُ يُرِيدُونَ مَا يَعُمُّ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا الصَّفْرَاءُ فَقَطْ بِمُقَابَلَةِ الْعَلَقِ مِنْ الرَّأْسِ بِهِ هُنَا السَّوْدَاءُ؛ وَلِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ (لَا بَلْغَمًا مُطْلَقًا) أَيْ نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَلَأَ الْفَمَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ يَعْنِي أَنَّ اللُّزُوجَةَ الْقَائِمَةَ بِالْبَلْغَمِ تَمْنَعُهُ عَنْ قَبُولِ النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَ السَّيْفَ الصَّقِيلَ بِخِلَافِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَيَخُصُّهُ تَأْثِيرُ الْمُجَاوَرَةِ، وَيَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ، وَالْقَلِيلُ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرُ نَاقِضٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِالْمُجَاوِرَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ: إنَّ الْبَلْغَمَ نَجَسٌ مُطْلَقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ حَتَّى إنَّ مَنْ صَلَّى وَمَعَهُ خِرْقَةُ الْمُخَاطِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ نَجَاسَةِ الْقَيْءِ مُخَفَّفَةً أَوْ مُغَلَّظَةً وَاخْتَارَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنْ تَكُونَ مُغَلَّظَةً، وَقَالُوا: كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مُوجِبًا لِلتَّطْهِيرِ فَنَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَكَذَا الْمَنِيُّ وَأَلْحَقُوا مَاءَ فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا، وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي النَّصْرِ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا وَفِي التَّنْجِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَ مَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّمِ الْمَائِعِ) وَالْقَيْحِ (مُسَاوَاةُ الْبُزَاقِ لَا الْمِلْءُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَيَّدَ بِالْمَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعَلَقَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ اعْلَمْ أَنَّ الدَّمَ الْوَاقِعَ فِي الْفَمِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْصُلَ فِي الْفَمِ أَوْ يَنْزِلَ مِنْ الرَّأْسِ أَيْ يَصْعَدُ مِنْ الْجَوْفِ، وَالْأَوَّلُ نَاقِضٌ عِنْدَ الْغَيْبَةِ وَعِنْدَ الْمُسَاوَاةِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَنْقُضُ وَالثَّانِي نَاقِضٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَلَّ لِوُجُودِ السَّيَلَانِ مِنْ الْجُرْحِ الَّذِي وَقَعَ فِي الرَّأْسِ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالثَّالِثُ نَاقِضٌ عِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَا بِقُوَّةِ الْبُزَاقِ. وَعِنْدَ الْغَلَبَةِ تَحَقُّقُ

السَّيَلَانِ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُنْقَضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ بِدَلَالَةِ تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ الدَّمِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ. (وَهُوَ) أَيْ مُحَمَّدٌ (يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ لِجَمْعِ مَا قَاءَ قَلِيلًا قَلِيلًا) أَرَادَ بِالسَّبَبِ الْغَثَيَانَ، فَإِنْ كَانَ بِغَثَيَانٍ وَاحِدٍ يُجْمَعُ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى سَبَبِهِ، وَمِعْيَارُ الِاتِّحَادِ فِي الْغَثَيَانِ أَنْ يَقِيءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ فَإِنْ سَكَنَتْ ثُمَّ قَاءَ فَهُوَ غَثَيَانٌ آخَرُ (وَأَبُو يُوسُفَ) يَعْتَبِرُ لِجَمْعِ مَا قَاءَ قَلِيلًا قَلِيلًا (اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِغَثَيَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ كَمَا أَنَّ تِلَاوَاتِ آيَةِ سَجْدَةٍ تَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ. وَفِي شَرْحِ الْوَافِي الْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ دُونَ السَّبَبِ، أَوْ السَّبَبُ دُونَ الْمَجْلِسِ أَمَّا إذَا اتَّحَدَا فَيُجْمَعُ اتِّفَاقًا أَوْ تَعَدَّدَا فَلَا يُجْمَعُ اتِّفَاقًا (وَمَا لَيْسَ حَدَثًا لَيْسَ نَجَسًا) فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ كَوْنِهِ حَدَثًا انْتِفَاءُ كَوْنِهِ نَجَسًا فَالدَّمُ إذَا لَمْ يَسِلْ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ طَاهِرٌ وَكَذَا الْقَيْءُ الْقَلِيلُ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ حَدَثٌ لَيْسَ بِنَجَسٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَكُونَ مُنْعَكِسًا، وَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ خُصُوصًا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْقُرُوحِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلسَّيَلَانِ فِي النَّجَاسَةِ فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ نَجَسًا فَغَيْرُ السَّائِلِ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ فِي حِلِّ هَذَا الْمَحَلِّ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ يَعْنِي لِقِلَّتِهِ لَيْسَ بِنَجَسٍ فَلَا نَقْضَ بِالْجُرْحِ الْقَائِمِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، قَالَ الْفَاضِلُ الشَّهِيرُ بِقَاضِي زَادَهْ: بَقِيَ هَا هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَ الْخَمْرِ مَثَلًا لَيْسَ بِحَدَثٍ مَعَ أَنَّهُ نَجَسٌ فِي الشَّرْعِ بِلَا رَيْبٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تُنْقَضَ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ دَفَعَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالُوا: الْكَلَامُ فِيمَا يَبْدُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ؛ إذْ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ حَدَثًا، وَقَدْ يَكُونُ نَجَسًا كَالْخَمْرِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ، وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى مَا يَبْدُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا شَرِبَ إنْسَانٌ خَمْرًا أَوْ بَوْلًا فَقَاءَهُمَا فِي الْحَالِ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يُنْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِهِ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ فِيمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِذَا لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ حَدَثًا مَعَ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْخَمْرَ نَجَسَانِ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ فَلَا فَتَفَكَّرْ فِي جَوَابِهِ انْتَهَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ نَجَسَانِ قَبْلَ شُرْبِهِمَا فَإِنْ قَاءَهُمَا فِي الْحَالِ قَاءَ نَجَسًا بِعَيْنِهِمَا لَا بِالْمُجَاوَرَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ تَدَبَّرْ (وَالْجُنُونُ) هُوَ سَلْبُ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا كَانَ نَاقِضًا لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْحَدَثَ

عَنْ غَيْرِهِ. (وَالسُّكْرُ وَالْإِغْمَاءُ) وَالسُّكْرُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي حَدِّ الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضٍ، وَحَدُّهُ الْمُعْتَبَرُ أَنْ لَا يُفَرِّقَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْإِغْمَاءُ ذَهَابُ الْحَرَكَةِ وَالْحِسُّ وَبُطْلَانُ الْأَفْعَالِ بِسَبَبِ امْتِلَاءِ بُطُونِ الدِّمَاغِ مِنْ الْبَلْغَمِ الْبَارِدِ وَالْغَشْيُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِسَبَبِ انْحِلَالِ الْقُوَى الَّتِي فِي الْقَلْبِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدِّمَاغِ؛ وَلِهَذَا جَازَ الْإِغْمَاءُ وَالْغَشْيُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَجُزْ الْجُنُونُ، وَإِنْ كَانَا نَاقِضَيْنِ لِزَوَالِ الْمَسْكَةِ بِهِمَا. (وَقَهْقَهَةُ بَالِغٍ) عَمْدًا كَانَتْ أَوْ سَهْوًا وَهِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ وَسَوَاءٌ ظَهَرَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَا، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ، وَيُبْطِلُ الصَّلَاةَ دُونَ الْوُضُوءِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ لَهُ أَصْلًا وَلَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ قَهْقَهَةَ الصَّبِيِّ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ (فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الْإِيمَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا تَنْقُضُ الْقَهْقَهَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ أَفْسَدَتْهُمَا وَلَا تَنْقُضُ الْقَهْقَهَةُ الْمُغْتَسِلَ فِي الْأَصَحِّ وَلِلشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا» . (وَمُبَاشَرَةُ فَاحِشَةٍ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُجَرَّدَيْنِ وَانْتَشَرَ آلَتُهُ، وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا وَلَمْ يَرَ بَلَلًا وَكَذَا أَنْ يُبَاشِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا تَخْلُو غَالِبًا عَنْ الْمَذْيِ فَجُعِلَ الْغَالِبُ كَالْمُتَيَقَّنِ احْتِيَاطًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُلَاقَاةَ الْفَرْجِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَفِي صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ إشَارَةٌ إلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ سَوَاءٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ خُرُوجَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوَهُّمِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. (وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ) أَيْ وَاضِعٍ أَحَدَ جَنْبَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ أَيْضًا (أَوْ مُتَّكِئٍ) بِأَحَدِ وَرِكَيْهِ فَهُوَ كَالْمُضْطَجِعِ لِزَوَالِ الْمُسْكَةِ (أَوْ مُسْتَنِدٍ إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ) بِحَيْثُ يَكُونُ مَقْعَدُهُ زَائِلًا عَنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِرْخَاءَ يَبْلُغُ غَايَتَهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَّا أَنَّ السَّنَدَ يَمْنَعُهُ عَنْ السُّقُوطِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ لَا يُنْتَقَضُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْمَقْعَدِ عَلَى الْأَرْضِ يَمْنَعُ عَنْ الْخُرُوجِ وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ لِحُصُولِ غَايَةِ الِاسْتِرْخَاءِ وَالْجَالِسُ إذَا نَامَ ثُمَّ سَقَطَ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ جَنْبُهُ إلَى الْأَرْضِ لَا يُنْتَقَضُ وَقِيلَ يُنْتَقَضُ بِمُجَرَّدِ ارْتِفَاعِ مَقْعَدِهِ عَنْ الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ اسْتَقَرَّ نَائِمًا بَعْدَ السُّقُوطِ اُنْتُقِضَ وَإِلَّا فَلَا (لَا نَوْمُ قَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ

أَوْ رَاكِعٍ أَوْ سَاجِدٍ) فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي خَارِجِهَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مُطْلَقًا. وَفِي الْمُحِيطِ إنَّمَا لَا يَنْقُضُ نَوْمُ السَّاجِدِ إذَا كَانَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ جَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِنْ مُلْتَصِقًا بِفَخِذَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى ذِرَاعَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. (وَلَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) وَكَذَا مِنْ أُذُنٍ أَوْ أَنْفٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ وَمَا عَلَيْهَا قَلِيلٌ، وَالْقَلِيلُ غَيْرُ نَاقِضٍ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ. (وَلَحْمٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى خُرُوجُ (سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجُرْحِ (وَمَسُّ ذَكَرٍ) بِبَاطِنِ الْكَفِّ (وَامْرَأَةٍ) أَيْ مَسُّ بَشَرَتِهَا وَكَذَا مَسُّ الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ. (وَفَرْضُ الْغُسْلِ) وَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَخَّرَ الْغُسْلَ عَنْ الْوُضُوءِ اقْتِدَاءً بِعِبَارَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ الْغُسْلَ مَذْكُورٌ مُؤَخَّرًا عَنْ الْوُضُوءِ فِي النَّظْمِ الدَّالِ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوُضُوءِ أَكْثَرُ فَقَدَّمَهُ اهْتِمَامًا الْغُسْلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ، وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ أَيْضًا وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَسَلَ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبِالضَّمِّ اسْتَعْمَلَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَرُكْنُهُ إسَالَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ إسَالَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَمْ يَتِمَّ الْغُسْلُ فَمَا فِي غُسْلِهِ حَرَجٌ كَدَاخِلِ الْعَيْنِ يَسْقُطُ (غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ) هُمَا فَرْضَانِ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُمَا وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ غَسْلُهُمَا فِي الْغُسْلِ سُنَّةٌ كَمَا حَقَّقَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اغْتَسَلَ وَنَسِيَ الْمَضْمَضَةَ لَكِنْ شَرِبَ الْمَاءَ إنْ شَرِبَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَإِنْ شَرِبَ لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ يَخْرُجُ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِي لَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يَمُجَّهُ وَهَذَا أَحْوَطُ. (وَسَائِرُ الْبَدَنِ) مَرَّةً حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ وَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ اللِّحْيَةِ كُلِّهَا بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى أُصُولِهَا؛ إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا غَسْلُ السُّرَّةِ وَالشَّارِبِ وَالْحَاجِبِ وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ وَلَوْ بَقِيَ الْعَجِينُ فِي الظُّفُرِ فَاغْتَسَلَ لَا يَكْفِي وَفِي الدَّرَنِ وَالطِّينِ يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْفُذُ وَكَذَا الصِّبْغُ وَالْحِنَّاءُ (لَا دَلْكُهُ) بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فِي رِوَايَةٍ، وَمُسْتَحَبٌّ فِي أُخْرَى وَوَاجِبٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِنَفْيِ فَرْضِيَّةِ الدَّلْكِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُبَالَغَةِ مَظِنَّةُ تَوَهُّمِ فَرْضِيَّتِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (قِيلَ: وَلَا إدْخَالُ الْمَاءِ جِلْدَةَ الْأَقْلَفِ) قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ فِي إدْخَالِهِ حَرَجًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ مَعَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِهِ إذَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَيْهَا فَلَهَا حُكْمُ الْبَاطِنِ فِي الْغُسْلِ وَحُكْمُ الظَّاهِرِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ انْتَهَى هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. (وَسُنَّتُهُ) أَيْ الْغُسْلِ آثَرَ صِيغَةَ الْإِفْرَادِ فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَهَا لَتَبَادَرَ إلَى الْأَفْهَامِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ سُنَّةٌ عَلَى حِدَةٍ ثَبَتَتْ مُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ

مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا الْمَعْلُومُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَسَلَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ (غَسْلُ يَدَيْهِ) فِي ابْتِدَائِهِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَالنِّيَّةِ بِقَلْبِهِ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْغُسْلَ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَقَيَّدْنَا بِفِي ابْتِدَائِهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ دَاخِلَانِ فِي غَسْلِ سَائِرِ الْبَدَنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا غَسْلُ يَدَيْهِ قَبْلَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِكَوْنِهِمَا آلَةَ التَّطْهِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ. (وَفَرْجِهِ) أَيْ ثُمَّ فَرْجِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ النَّجَاسَةِ (وَ) غَسْلُ (نَجَاسَتِهِ إنْ كَانَتْ) قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ نَقْلًا عَنْ الْفَاضِلِ الْمَعْرُوفِ بِقَاضِي زَادَهْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، وَاتَّفَقَ شُرَّاحُهَا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ نُسْخَةُ التَّنْكِيرِ؛ لِأَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إمَّا لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ بِمَعْنَى الطَّبِيعَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِمَعْنَى: كُلُّ فَرْدٍ أَوْ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِمَعْنَى فَرْدٍ مَا وَالْكُلُّ بَاطِلٌ انْتَهَى هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فِيهِ أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَةٌ وَاعْتِرَاضَاتٌ لَكِنْ كُلُّهَا غَيْرُ وَارِدَةٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مُطْلَقَ النَّجَاسَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ إلَى قِسْمَيْنِ حَقِيقِيٍّ وَحُكْمِيٍّ فَأَشَارَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ هُنَا إلَى أَحَدِ قِسْمَيْهَا الْحَقِيقِيِّ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ أَوْ نَقُولُ: الْمُرَادُ مِنْ النَّجَاسَةِ النَّجَاسَةُ الْمَعْهُودَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَيَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ بِغَيْرِ سَبْقِ ذِكْرِهَا تَدَبَّرْ (وَالْوُضُوءُ إلَّا رِجْلَيْهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَغَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَّا رِجْلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْسَحُ (وَتَثْلِيثُ الْغُسْلِ الْمُسْتَوْعِبِ) جَمِيعَ الْبَدَنِ بَادِئًا بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا فِي الْأَصَحِّ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُسْتَوْعِبِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالثَّلَاثِ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ الْبَدَنِ يَجِبُ أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى حَصَلَ، وَإِلَّا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ: وَلَفْظُ الْمُسْتَوْعِبِ أَخَذَهُ مِنْ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَلَا يَرَى لَهُ فَائِدَةً مُعْتَدَّةً بِهَا تَدَبَّرْ (ثُمَّ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لَا فِي مَكَانِهِ) أَيْ مَكَانِ الْغُسْلِ (إنْ كَانَ) أَيْ الْغَاسِلُ (فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّمَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَلَا يُفِيدُ الْغَسْلَ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى لَوْحٍ لَا يُؤَخِّرُ. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ نَجَسًا، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ: غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَهَذَا أَوْلَى فَعَدَمُ إفَادَةِ الْغُسْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ رِجْلَيْهِ إنْ كَانَتَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يُمْكِنُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ مَا دَامَتَا ثَابِتَتَيْنِ فِيهِ وَلِذَا يَتَحَتَّمُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ ارْتَفَعَتَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُمَا وَمُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْأَوَّلُ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا) الضَّفِيرَةُ مِثْلُ الْعَقِيصَةِ وَزْنًا وَهِيَ الشَّعْرُ الْمَفْتُولُ بِإِدْخَالِ بَعْضِهِ بَعْضًا وَالْعَقْصُ جَمْعُهُ عَلَى الرَّأْسِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفَسَّرَهَا صَاحِبُ الْغَايَةِ بِالذَّوَائِبِ

وَهَذَا أَنْسَبُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُضَفَّرَ الشَّعْرِ كَالْعَلَوِيَّةِ وَالْأَتْرَاكِ فَالْعَمَلُ بِوُجُوبِ النَّقْضِ (وَلَا بَلُّهَا إنْ بَلَّ أَصْلُهَا) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - يَكْفِيك إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِك» هَذَا إذَا كَانَتْ مَفْتُولَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ الشَّعْرِ كَمَا فِي اللِّحْيَةِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ. (وَفَرْضُ) الْغُسْلِ (لِإِنْزَالِ مَنِيٍّ) مِنْ الْعُضْوِ، وَهُوَ مَا خُلِقَ مِنْهُ الْوَلَدُ رَائِحَتُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَعِنْدَ يُبْسِهِ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ إتْيَانُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (ذِي دَفْقٍ) هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (وَشَهْوَةٍ) شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] لِلْجُنُبِ وَالْجُنُبُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ عَلَى الشَّهْوَةِ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَا رَوَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ. (وَلَوْ فِي نَوْمٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ) مِنْ الظَّهْرِ مُتَعَلِّقٌ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ اتَّصَلَ لَكَانَ أَوْلَى أَيْ بِشَرْطِ الشَّهْوَةِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ (لَا خُرُوجِهِ) مِنْ الْعُضْوِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُتَعَلِّقٌ بِانْفِصَالِ الْمَنِيِّ وَخُرُوجِهِ وَقَدْ شُرِطَتْ الشَّهْوَةُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ فَتُشْتَرَطُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهْوَةَ لَمَّا كَانَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَقَدْ وُجِدَتْ عِنْدَ انْفِصَالِ الْمَنِيِّ فَلَا تُشْتَرَطُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ فَخَرَجَ بِلَا شَهْوَةٍ يَجِبُ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَفِيمَنْ أَمْنَى ثُمَّ اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يَمْشِيَ فَخَرَجَ الْمَنِيُّ يَجِبُ الْغُسْلُ ثَانِيًا عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ أَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَعْدَ النَّوْمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الْمَشْيِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَقِّ الضَّيْفِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ قَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِأَخِي حَلَبِيٍّ نَقْلًا عَنْ الْمِعْرَاجِيَّةِ ذِي دَفْقٍ مِنْ الرَّجُلِ وَشَهْوَةٍ أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ يُفْهَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الدَّفْقِ فِي مَاءِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى أَسْنَدَ الدَّفْقَ إلَى مَائِهَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] الْآيَةَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِيَّةِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى التَّغْلِيبِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَلَاغَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْقَ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَ) فَرْضٌ (لِرُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ بَلَلًا وَلَوْ مَذْيًا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَهُمَا أَنَّ النَّائِمَ غَافِلٌ، وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُسْتَيْقِظِ؛ لِأَنَّ الْمَغْشِيَّ عَلَيْهِ أَوْ السَّكْرَانَ لَوْ أَفَاقَ أَوْ صَحَا ثُمَّ وَجَدَا بَلَلًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ اتِّفَاقًا. وَفِي الْجَوَاهِرِ

إنْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ فِي إحْلِيلِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حُلُمًا إنْ كَانَ ذَكَرَهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ هَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا، وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. (وَلِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ) أَوْ قَدْرِهَا إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ (فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِنْزَالِ وَنَفْسُهُ تَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا الْإِيلَاجُ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ فِي الشَّهْوَةِ حَتَّى إنَّ الْفَسَقَةَ يُرَجِّحُونَهُ عَلَى الْقُبُلِ لِمَا يَدَّعُونَ فِيهِ اللِّينَ وَالْحَرَارَةَ وَالضِّيقَ. وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مُحَاذَاةَ الْأَمْرَدِ فِي الصَّلَاةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَالْمَرْأَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَقَيْدُ آدَمِيٍّ احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ، وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ الِاحْتِلَامُ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الِاحْتِلَامَ مُطْلَقًا يُوجِبُ الْغُسْلَ بِلَا بَلَلٍ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْإِيلَاجَ مُطْلَقًا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَإِيلَاجِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ مَا لَمْ يُنْزِلْ بَلْ مُقَيَّدٌ بِإِيلَاجِ الْآدَمِيِّ الْحَيِّ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الْمَنِيَّ إذَا نَزَلَ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ بِدُونِ الْإِيلَاجِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُوجِبَ الْغُسْلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ) لَوْ كَانَا مُكَلَّفَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَفْعُولُ مُكَلَّفًا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ فَقَطْ وَفِي عَكْسِهِ يَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ فَقَطْ. (وَلِانْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] عَلَى قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْ الْقُرْبَانِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ وَجَعْلُ الْغُسْلِ غَايَةً لِذَلِكَ الْمَنْعِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُنَا هُوَ الْحَدَثُ الْحُكْمِيُّ الثَّابِتُ بِخُرُوجِ الدَّمِ إلَّا أَنَّ إيجَابَ الْغُسْلِ مَشْرُوطٌ بِانْقِطَاعِهِ فَلِذَلِكَ نُسِبَ الْإِيجَابُ إلَيْهِ وَهَذَا الْحَدَثُ الْحُكْمِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْجَنَابَةِ الثَّابِتَةِ بِسَبَبِ الْإِنْزَالِ أَوْ الْإِدْخَالِ وَهَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ كَمَالٍ الْوَزِيرِ (لَا) يُفْرَضُ (لِمَذْيٍ) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ خَارِجٌ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي فَفِيهِ الْوُضُوءُ» (وَوَدْيٍ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَاءٌ غَلِيظٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ (وَاحْتِلَامٍ بِلَا بَلَلٍ) سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (وَإِيلَاجٍ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ بِلَا إنْزَالٍ) وَكَذَا الْإِيلَاجُ فِي صَغِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ لِنُقْصَانِ السَّبَبِيَّةِ. (وَسُنَّ) الْغُسْلُ (لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَفِي عَرَفَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَسَمَّى مُحَمَّدٌ الْغُسْلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَسَنًا فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» وَبِهَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ

عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ ثُمَّ هَذَا الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهَا عَلَى الْوَقْتِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا، وَفِيهِ - خِلَافَ الْحَسَنِ - وَالْعِيدَانِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا الِاجْتِمَاعَ فَيُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ انْتَهَى وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الْغُسْلَ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ لَا لِيَوْمِ الْعِيدِ وَبِهَذَا ظَهَرَ مُخَالَفَةُ صَاحِبِ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ: وَسُنَّ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِعِيدٍ أَعَادَ اللَّامَ لِئَلَّا يُفْهَمَ كَوْنُهُ سُنَّةً لِصَلَاةِ الْعِيدِ تَدَبَّرْ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِلْيَوْمِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالِاغْتِسَالُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُعْتَبَرُ وَإِذَا اغْتَسَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَمْ تَكُنْ صَلَاةً بِغُسْلٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَّى بِذَلِكَ الْغُسْلِ كَانَتْ صَلَاةً بِغُسْلٍ وَإِنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَا يَكُونُ صَلَاةً بِغُسْلٍ انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ تَتَبَّعْ. (وَوَجَبَ) الْغُسْلُ (لِلْمَيِّتِ) (كِفَايَةً) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِلَّا يَأْثَمُ الْكُلُّ وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الْمَسْنُونِ وَحَقُّ الْوُجُوبِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ حَالَيْنِ حَالَ الْحَيَاةِ وَحَالَ الْمَمَاتِ، وَحَالُ الْحَيَاةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَالِ الْمَمَاتِ، وَهَذَا الْغُسْلُ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي وَالْأَنْسَبُ التَّأْخِيرُ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ فِي حِلِّ هَذَا الْمَحَلِّ وَلَوْ قَدَّمَ قِسْمَ الْوَاجِبِ عَلَى السُّنَّةِ لَكَانَ أَوْلَى. (وَ) يَجِبُ (عَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا) وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا فَلِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي وُجُوبِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ جُنُبًا وَوُجُوبُهُ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عِنْدَهُمَا مُكَلَّفٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ صِفَةٌ مُسْتَدَامَةٌ وَدَوَامُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ إذَا حَاضَتْ، وَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ (وَإِلَّا نُدِبَ) أَيْ إنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَكُنْ جُنُبًا فَإِنَّ الْغُسْلَ مَنْدُوبٌ لَهُ وَنُدِبَ الْغُسْلُ أَيْضًا لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَلِمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَلِصَبِيٍّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ وَعِنْدَ حِجَامَةٍ وَفِي لَيْلَةِ بَرَاءَةٍ أَوْ قَدْرٍ إذَا رَآهَا، وَعِنْدَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ دُخُولِ مِنَى يَوْمَ النَّحْرِ وَلِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلِصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَفَزَعٍ وَظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدٍ لِوُرُودِ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ. (وَلَا يَجُوزُ لِمُحْدِثٍ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ (مَسُّ مُصْحَفٍ إلَّا بِغِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ) كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا (لَا الْمُتَّصِلِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ بِالْمُصْحَفِ هُوَ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ وَكَذَا مَسُّ

فصل الطهارة بالماء المطلق

كُتُبِ التَّفَاسِيرِ وَالْأَحَادِيثِ وَالْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ لَكِنْ رَخَّصَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْمَسَّ بِالْيَدِ فِي كُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا التَّفْسِيرَ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْكُتُبَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْكُمِّ أَيْضًا بَلْ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ كُلَّمَا أَحْدَثَ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّمَا نِلْت هَذَا الْعِلْمَ بِالتَّعْظِيمِ فَإِنِّي مَا أَخَذْت الْكَاغَدَ إلَّا بِطَهَارَةٍ، وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ كَانَ مَبْطُونًا فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ يُكَرِّرُ دَرْسَ كِتَابِهِ فَتَوَضَّأَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَ مَرَّةً هَذَا (فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَكُرِهَ) الْمَسُّ (بِالْكُمِّ) وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَامِلِ. وَفِي الدُّرَرِ خِلَافُهُ. (وَلَا) يَجُوزُ (مَسُّ دِرْهَمٍ فِيهِ سُورَةٌ) كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَلَوْ قَالَ فِيهِ آيَةٌ لَكَانَ أَوْلَى لِلشُّمُولِ، وَلَوْ عَمَّمَ بِمَا قُلْنَاهُ سَابِقًا لَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى، وَلَكِنْ أَقُولُ: وَلَوْ قَالَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَكَانَ أَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ آيَةً أَوْ دُونَهَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ يُسَاوِيهَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالسُّورَةِ لِمَا أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى بَعْضِ الدَّرَاهِمِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَنَحْوِهَا (إلَّا بِصُرَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغِلَافِ. (وَلَا) يَجُوزُ (لِجُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ) وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) بِأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ الْمَسْجِدَ قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ إنْ احْتَاجَ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ (وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ دُونَ آيَةٍ إلَّا عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ أَوْ الثَّنَاءِ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَتُكْرَهُ لِجُنُبٍ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَكَذَا دُخُولُ الْخَلَاءِ وَفِي إصْبَعِهِ خَاتَمٌ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ وَقِيلَ لَا تُكْرَهُ إنْ جَعَلَ فَصَّهُ إلَى بَاطِنِ الْكَفِّ، وَلَوْ كَانَ مَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَيْبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مَلْفُوفًا فِي شَيْءٍ لَكِنَّ التَّحَرُّزَ أَوْلَى وَلَا يُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا النَّظَرُ إلَى الْقُرْآنِ، وَلَا مَسُّ صَبِيٍّ لِمُصْحَفٍ وَلَوْحٍ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهَا، وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ. (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ) لِبَقَائِهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. (وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ كَالْجُنُبِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَجُوزُ لَهُمَا التَّهَجِّي بِالْقُرْآنِ، وَالْمُعَلِّمَةُ إذَا حَاضَتْ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ تُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ تُعَلِّمُ نِصْفَ آيَةٍ وَتَقْطَعُ ثُمَّ تُعَلِّمُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ. [فَصْلٌ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ] فَصْلٌ الْفَصْلُ فِي اللُّغَةِ ظَاهِرٌ وَفِي الِاصْطِلَاحِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ تَغَيَّرَتْ أَحْكَامُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا فَإِنْ وَصَلَ إلَى مَا بَعْدَهُ نُوِّنَ، وَإِلَّا فَلَا لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَتَيْنِ

وَمَا يُوجِبُهُمَا وَمَا يُنْقِضُهُمَا شَرَعَ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ فَقَالَ: (وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْمُطْلَقُ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِلذَّاتِ فَحَسْبُ وَالْمُقَيَّدُ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِلذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَا هُنَا مَا يَسْبِقُ إلَى الْأَفْهَامِ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا: الْمَاءُ وَيُقَالُ: الْمُطْلَقُ مَا لَا يَحْتَاجُ فِي تَعَرُّضِ ذَاتِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَالْمُقَيَّدُ مَا لَا يَتَعَرَّضُ ذَاتُهُ إلَّا بِالْمُقَيَّدِ (كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبِئْرِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْبِحَارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدَّعْوَى إنْ كَانَ أَصْلُ كُلِّ الْمِيَاهِ مِنْ السَّمَاءِ كَمَا نَطَقَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] الْآيَةَ وَعَلَى بَعْضِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ أُنْزِلَ مِنْ السَّمَاءِ وَالْمُدَّعَى كَوْنُ مَا أُنْزِلَ مِنْهُ مِنْ الْمَاءِ طَهُورًا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ وَلَوْ سُلِّمَ فَاللَّازِمُ مِنْ الْآيَةِ كَوْنُ الْمَاءِ طَهُورًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا يُصَرِّحُونَ بِأَنْ لَيْسَ مَعْنَى الطَّهُورِ لُغَةً مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ بَلْ إنَّمَا هُوَ الْمُبَالَغُ فِي طَهَارَتِهِ أَيْ: طَهَارَتُهُ قَوِيَّةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] تَدَبَّرْ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَاءَ الْعَيْنِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَسِيمًا لِمَاءِ السَّمَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمِيعُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مَاءُ السَّمَاءِ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (غَيْرَ) شَيْءٍ (طَاهِرٍ بَعْضُ أَوْصَافِهِ) (كَالتُّرَابِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالصَّابُونِ) هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ رَقِيقًا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَخِينًا بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ الْمُخْتَلَطُ فَلَا تَجُوزُ، وَقَيْدُ الْمُصَنِّفُ بِبَعْضِ أَوْصَافِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَوْ كَانَ كُلَّهَا يَعْنِي اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ وَالرَّائِحَةَ لَا تَجُوزُ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَجُوزُ أَلَا يَرَى إلَى مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَسَاتِذَةِ: وَأَمَّا مَاءُ الْحَوْضِ إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرَائِحَتُهُ إمَّا بِمُرُورِ الزَّمَانِ أَوْ بِوُقُوعِ الْأَوْرَاقِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوَجُّهُ بِأَنَّ مَا نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الضَّرُورَةِ فَلَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الزَّعْفَرَانِ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهَا عَادَةً وَلَنَا أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ أَنَّهَا لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، وَعَلَامَةُ إضَافَةِ التَّقْيِيدِ قُصُورُ الْمَاهِيَّةِ فِي الْمُضَافِ كَانَ قُصُورُهَا قَيْدَهُ كَيْ لَا يَدْخُلَ الْمُطْلَقُ مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى الظُّهْرَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُطْلَقَةٌ وَإِضَافَتُهَا إلَى الظُّهْرِ لِلتَّعْرِيفِ وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ

وَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا لِلتَّقْيِيدِ (وَأَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) عَطْفٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَكْثِ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ وَالْمَاضِي مِنْهُ مَكَثَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، وَالِاسْمُ مِنْهُ مُكْثٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا. (لَا) تَجُوزُ الطَّهَارَةُ (بِمَاءٍ خَرَجَ عَنْ طَبْعِهِ) وَهُوَ الرِّقَّةُ وَالسَّيَلَانُ (بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) : أَيْ بِوُقُوعِ الْأَوْرَاقِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ أَوْصَافُهُ جَمِيعًا، وَإِنْ جَوَّزَهُ الْأَسَاتِذَةُ عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ إلَّا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَوْلَى أَخِي حَلَبِيٍّ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا بُيِّنَ آنِفًا تَدَبَّرْ (أَوْ بِغَلَبَةِ غَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ أَجْزَاءُ الْمُخَالِطِ أَزْيَدَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ غَلَبَهُ حَقِيقَةً لِرُجُوعِهَا إلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ الْغَلَبَةِ بِاللَّوْنِ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْوَصْفِ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ بِاللَّوْنِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّوْنَ مُشَاهَدٌ وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَلْيُطْلَبْ مِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهَا (أَوْ بِالطَّبْخِ كَالْأَشْرِبَةِ وَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْمَرَقِ) قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَشْرِبَةَ وَالْخَلَّ مِثَالَيْنِ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْحُلْوَ الْمَخْلُوطَ بِالْمَاءِ كَالدِّبْسِ وَالشَّهْدِ الْمَخْلُوطَيْنِ بِالْمَاءِ، وَمِنْ الْخَلِّ الْخَلُّ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ عَلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْبَاقِي أَمْثِلَةٌ لِمَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ الْخَلُّ مِثَالًا لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاءٌ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْخَلَّ مَثَلًا إذَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ، وَالْمَاءُ مَغْلُوبٌ يُقَالُ: خَلٌّ مَخْلُوطٌ بِالْمَاءِ لَا مَاءٌ مَخْلُوطٌ بِالْخَلِّ تَدَبَّرْ. (وَلَا) تَجُوزُ الطَّهَارَةُ (بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ مَا لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُغَادَرَةُ التَّرْكُ وَالْغَدِيرُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْمَاءِ يُغَادِرُهَا السَّيْلُ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ غَادَرَهُ أَوْ مَفْعُولٍ مِنْ اُغْدُرْهُ وَيُقَالُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ يَغْدِرُ بِأَهْلِهِ أَيْ يَنْقَطِعُ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ غَدَرَ أَيْ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَرَكَهُ مَاءُ السَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ دُونَ الْكَثِيرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَمَالِكٌ اعْتَبَرَ تَغْيِيرَ الْوَصْفِ وَالشَّافِعِيُّ قَدَّرَ بِالْقُلَّتَيْنِ وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ عِنْدَهُمْ وَذُكِرَ فِي وَجِيزِهِمْ وَالْأَشْبَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ مَنْ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا وَأَصْحَابُنَا قَدَّرُوا بِعَدَمِ الْخُلُوصِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْخُلُوصُ فَذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ إلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ بِالتَّحْرِيكِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِهِ (لَا يَتَحَرَّكُ طَرَفُهُ الْمُتَنَجِّسُ بِتَحْرِيكِ طَرَفِهِ الْآخَرِ) فَهُوَ مِمَّا لَا يَخْلُصُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّحْرِيكِ التَّحْرِيكُ بِالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضُ فِي سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمَكْثِ؛ إذْ الْمَاءُ سَيَّالٌ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِالِاضْطِرَابِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ وَلَوْ كَثُرَ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ التَّحْرِيكِ فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالِاغْتِسَالِ وَهُوَ أَنْ يَغْتَسِلَ إنْسَانٌ فِي جَانِبٍ مِنْهُ اغْتِسَالًا

وَسَطًا وَلَا يَتَحَرَّكُ الْجَانِبُ الْآخِرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكَ بِالْيَدِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ أَوْلَى تَوْسِعَةً لِلنَّاسِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ التَّحْرِيكِ بِالِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيكِ بِغَسْلِ الْيَدِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِغَمْسِ الرِّجْلِ. وَفِي الْغَايَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ اعْتِبَارُهُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُتَوَضِّئِ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ. وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ: يُمْتَحَنُ بِأَنْ يُلْقَى فِيهِ صِبْغُ مِقْدَارِ النَّجَاسَةِ إنْ نَفَذَ إلَى جَانِبِ الْآخَرِ فَهُوَ مِمَّا يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضِ وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ فِيهِ، وَتَكَدَّرَ الْمَاءُ فَإِنْ وَصَلَتْ الْكُدْرَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَهُوَ مِمَّا يَخْلُصُ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ اعْتَبَرَ الْخُلُوصَ بِالْمِسَاحَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (أَوْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرِ) وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا آخَرَ لِلْغَدِيرِ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْغَدِيرَ الْعَظِيمَ بِمَا بُيِّنَ آنِفًا بِعَدَمِ التَّحْرِيكِ أَوْ بِالْمِسَاحَةِ، وَالْمُنَاسِبُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنْ يَقُولَ: أَوْ يَكُونَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَطَفَ عَلَى لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا وَالْمَعْنَى لَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ مَا لَمْ يَكُنْ غَدِيرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَكِلْتَا الصُّورَتَيْنِ مُسْتَثْنِيَتَانِ عَنْ الْحُكْمِ السَّابِقِ الْكُلِّيِّ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بَلْخِي وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيُّ وَالْمُعَلَّى قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُمْ امْتَحَنُوا فَوَجَدُوا هَذَا الْقَدْرَ مِمَّا لَا تَخْلُصُ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَقَدَّرُوهُ بِذَلِكَ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا يُعْتَبَرُ فِيهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا فَإِنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ إذَا رُبِّعَ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الدَّائِرَةِ أَوْسَعَ الْأَشْكَالِ مُبَرْهَنٌ عِنْدَ الْحِسَابِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الذِّرَاعِ فَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ: الْمُعْتَبَرُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةٌ لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِسَاحَةِ بِإِصْبَعٍ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ، وَقِيلَ: سِتُّ قَبَضَاتِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ إصْبَعًا. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْأَصَحُّ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْمَمْسُوحَاتِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنْ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمِسَاحَةِ وَالْكِرْبَاسِ. (وَعُمْقُهُ) أَيْ عُمْقُ الْغَدِيرِ (مَا لَا تَنْحَسِرُ) أَيْ لَا تَنْكَشِفُ (الْأَرْضُ بِالْغَرْفِ) هُوَ الصَّحِيحُ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْغَدِيرُ الْعَظِيمُ (كَالْجَارِي) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَاءِ الْجَارِي. (وَهُوَ) أَيْ الْجَارِي (مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) هَذَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا (فَيَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ مَا لَمْ يُرَ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ وَالرُّؤْيَةُ هَاهُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِمَعْنَى الْعِلْمِ فَيَنْتَظِمُ الطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ (أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَهُوَ لَوْنٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ) إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ يَتَوَضَّأُ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ وَإِنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ

الماء المستعمل

بَلْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ التُّحْفَةِ: إذَا وَقَعَ النَّجَسُ فِي الْمَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا فَإِنْ كَانَ جَارِيًا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ وَإِنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً مِثْلَ الْجِيفَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ كَبِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ أَسْفَلِ الْجَانِبِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَلَكِنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ لَا يَجْرِي بِالْجِيفَةِ بَلْ يَجْرِي الْمَاءُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا جَمِيعُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجِيفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُنَجِّسُ جَمِيعَ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ لَا تَطْهُرُ بِالْجَرَيَانِ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْمَاءِ فَهُوَ نَجَسٌ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا أَقَلُّ الْمَاءِ فَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْغَالِبِ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا النِّصْفُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ مِنْهُ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: فِي نَقْلِهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي ابْتِدَاءِ كَلَامِهِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَاءِ الْجَارِي فَقَطْ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَالْمُقْسَمُ يَقْتَضِيهِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي؛ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي بَيَانَ هَذَا الْحُكْمِ فَقَطْ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ بَعْدَ أَسْطُرٍ فَقَالَ: وَلَا بِمَاءٍ رَاكِدٍ وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ إلَى آخِرِهِ وَغَفَلَ الْمُخْطِئُ عَنْ سِبَاقِهِ وَسِيَاقِهِ فَأَخْطَأَ تَدَبَّرْ. [الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ] (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ هُوَ الْمُخْتَارُ) قَدَّمَ الْكَلَامَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى تَعْرِيفِهِ اهْتِمَامًا لِشَأْنِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ التَّعْرِيفَاتِ إنَّمَا تَقَعُ تَبَعًا وَضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ مِنْ وَظِيفَةِ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى. وَقَالَ مَالِكٌ: طَاهِرٌ وَمُطَهِّرٌ إذَا كَانَ الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يُغَيِّرْهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَأَظْهَرُهَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي قَوْلٍ: طَاهِرٌ وَمُطَهِّرٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَفِي آخَرَ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَاهِرٌ وَمُطَهِّرٌ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. (وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهَا. (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مُخَفَّفٌ) لِلِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ (وَهُوَ مَا اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبِهِ) فَالسَّبَبُ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ لَا نِيَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُوجَدُ وَلَا تُقَامُ الْقُرْبَةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِعْمَالُ (أَوْ لِرَفْعِ حَدَثٍ) الْمَاءُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا بِكُلٍّ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ. وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ بِالثَّانِي فَقَطْ لَكِنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ

قَدْ وُجِدَ فِي الِاغْتِسَالِ وَبِدُونِ النِّيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الِاغْتِسَالُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ جُزْءٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ، وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي الْجَنَابَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَحَلُّ بَحْثٍ، وَلَا تَصْرِيحَ بِهِ فِي كِتَابِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْبَدَنِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَاءَ إنَّمَا يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ إذَا زَالَ عَنْ الْبَدَنِ، وَالِاجْتِمَاعُ فِي الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِيَعْقُوبَ بَاشَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا حَرَجًا عَظِيمًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجَسٌ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْتَارُ كَوْنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ طَاهِرًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِطْلَاقُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجَسٌ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ كَوْنِهِ نَجَسًا عَنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا تَدَبَّرْ. (وَقِيلَ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان) وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَبَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخِي وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. وَفِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحْرِيكِ. لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ، وَالِاعْتِمَادُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْعِبَادَاتِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا انْفَصَلَ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَلْ هُوَ فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ عَلَى عُضْوِ إنْسَانٍ وَجَرَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِكَفِّهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ. (وَلَوْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي الْبِئْرِ بِلَا نِيَّةٍ) . وَلَوْ قَالَ لَوْ انْغَمَسَ مُحْدِثٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِانْغِمَاسِ لَا يَكْفِي فِي الطَّهَارَةِ عَنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَرْضَانِ فِيهَا فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ لَا يَتَمَشَّى فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَقِيلَ الْمَاءُ وَالرَّجُلُ نَجِسَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ) فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَمَّا الْمَاءُ فَلِنَجَاسَتِهِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلِبَقَاءِ الْحَدَثِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ نَجِسًا فَيَطْهُرُ الرَّجُلُ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمَا بِحَالِهِمَا) الرَّجُلُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ حَدَثُهُ، وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ إسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالْقُرْبَةِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الرَّجُلُ طَاهِرٌ) لِزَوَالِ حَدَثِهِ (وَالْمَاءُ طَهُورٌ) لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا قَالَ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ لِلِاغْتِسَالِ فَسَدَ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْفَاضِلُ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّبُّ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ الصَّبُّ فِي حَالِ الِانْغِمَاسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ يَتَحَرَّكُ الْمَاءُ بِحَرَكَتِهِ وَيَتَمَوَّجُ بِاضْطِرَابِهِ وَيَقَعُ عَلَيْهِ فَيُقَامُ مَقَامَ الصَّبِّ كَمَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي تَدَبَّرْ. (وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فِيهِ) الظَّرْفُ الثَّانِي لِلْمَوْتِ

وَالْمُرَادُ بِمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مَائِيِّ الْمَعَاشِ دُونَ الْمَوْلِدِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ (لَا يُنَجِّسُهُ كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ. (وَالسَّرَطَانِ) لِعَدَمِ الدَّمِ، وَالضِّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ وَاخْتُلِفَ فِي إفْسَادِ غَيْرِ الْمَاءِ كَالْمَائِعَاتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ، وَكَذَا الْإِلْقَاءُ فِي الْمَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ. (وَكَذَا مَوْتُ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ) وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الدَّمُ أَيْ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ (كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ إلَّا السَّمَكَ (وَكُلُّ إهَابٍ) وَهُوَ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يُدْبَغْ وَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِعُمُومِهِ مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ (دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) أَيْ الدِّبَاغَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً كَالْقَرْظِ وَنَحْوِهِ أَوْ حُكْمِيَّةً كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ وَفِي الرِّيحِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْأُولَى لَا يَعُودُ نَجَسًا أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ بِالثَّانِيَةِ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَعُودُ قِيَاسًا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعُودُ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ إذَا غَارَ مَاؤُهَا بَعْدَمَا تَنَجَّسَتْ ثُمَّ عَادَ الْمَاءُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا يَبِسَ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ تَنْجَسْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ (إلَّا جِلْدَ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ وَالْخِنْزِيرِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ) قَدَّمَ الْآدَمِيَّ عَلَى الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ لَا مَعْطُوفًا عَلَى الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُشْعِرُ بِالْإِهَانَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ كَوْنَ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ فِي النَّجَاسَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَدَمُ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِشَرَفِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْدِيمُ مُشْعِرًا بِالْإِهَانَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَدَبَّرْ، وَكَذَا لَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَاخْتُلِفَ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ (وَالْفِيلُ كَالسَّبُعِ) عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ فَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدَّبْغِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَالْخِنْزِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَطْهُرُ (قَالُوا وَمَا طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ طَهُرَ بِالذَّكَاةِ) هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّبْحِ الشَّرْعِيِّ وَاشْتُرِطَ فِيهِ أَهْلُهُ وَمَحَلُّهُ وَذِكْرُ التَّسْمِيَةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مَانِعَةٌ عَنْ تَشَرُّبِ الْجِلْدِ بِالرُّطُوبَاتِ. (وَكَذَا لَحْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ) ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَاللَّحْمُ مُتَّصِلٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا حَتَّى إذَا صَلَّى وَمَعَهُ لَحْمُ الثَّعْلَبِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الذَّكَاةُ تُطَهِّرُ الْمُذَكَّى بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ إلَّا الدَّمَ الْمَسْفُوحَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْكَافِي: اللَّحْمُ نَجَسٌ فِي الصَّحِيحِ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي طَهُرَ الثَّانِي عَائِدٌ إلَى الْجِلْدِ لَا إلَى كَلِمَةِ مَا بِدَلِيلِ التَّعَرُّضِ لِطَهَارَةِ اللَّحْمِ بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَفْكِيكُ الضَّمِيرِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ التَّفْكِيكَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّفْكِيكُ فَلَئِنْ سُلِّمَ فَقُبْحُ التَّفْكِيكِ عِنْدَ لُزُومِ اللَّبْسِ وَعَدَمِ ظُهُورِ الْمُرَادِ، وَذِكْرُ اللَّحْمِ هَا هُنَا قَرِينَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَلَا نُسَامِحُ فِيهِ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ كَذَا فِي تَعْلِيقَاتِ الْوَانِي. (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ) غَيْرَ الْخِنْزِيرِ؛ إذْ هُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ نَجَسُ الْعَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي شَعْرِهِ (وَعَظْمُهَا

فصل تنزح البئر لوقوع نجس

وَعَصَبُهَا وَقَرْنُهَا وَحَافِرُهَا طَاهِرٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ وَلَنَا أَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهَا بِدَلِيلِ عَدَمِ الْأَلَمِ بِقَطْعِهَا كَقَصِّ الظُّفُرِ وَنَشْرِ الْقَرْنِ وَقَطْعِ طَرَفٍ مِنْ الشَّعْرِ وَمَا لَا تَحِلُّهَا الْحَيَاةُ لَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ، وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ الْعِظَامِ فِي النَّصِّ رَدُّهَا إلَى مَا كَانَتْ غَضَّةً رَطْبَةً فِي بَدَنٍ حَيٍّ وَإِنَّمَا يَتَأَلَّمُ بِكَسْرِ الْعَظْمِ وَقَطْعِ الْعَصَبِ لِاتِّصَالِهِمَا بِاللَّحْمِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: لَا حَيَاةَ فِيهَا وَلِهَذَا لَا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهَا لَا تَجْرِي فِي الْعَصَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِيهِ حَيَاةٌ وَلَا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِ تَدَبَّرْ. (وَكَذَا شَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا لِكَرَامَةِ الْإِنْسَانِ (فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَإِنْ جَاوَزَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ) وَالضَّمِيرُ فِي مَعَهُ رَاجِعٌ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَتَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ أَعَادَ سِنَّهُ إلَى فَمِهِ. وَقَالَ الْمُحَشِّي الْمَعْرُوفُ بِيَعْقُوبَ بَاشَا قَيَّدَ بِسِنِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سِنَّ غَيْرِهِ تَفْسُدُ اتِّفَاقًا وَبِالْإِعَادَةِ إلَى فَمِهِ وَاسْتِحْكَامُهَا فِي مَكَانِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَهَا وَلَمْ يَضَعْهَا فِي مَوْضِعِهَا تَفْسُد اتِّفَاقًا انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ صَلَّى، وَسِنُّهُ فِي كُمِّهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ تَأَمَّلْ. (وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ) لَحْمُهُ (نَجَسٌ) عِنْدَهُمَا حَتَّى إنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَلَا يَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِهِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْمَاءَ فَيُخْرِجَهُ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ (وَلَا يُشْرَبُ) بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَلَوْ لِلتَّدَاوِي خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي، وَلَوْ حَرَامًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مُطْلَقًا. [فَصْلٌ تُنْزَحُ الْبِئْرُ لِوُقُوعِ نَجَسٍ] فَصْلٌ (تُنْزَحُ الْبِئْرُ) أَيْ مَاؤُهَا مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ (لِوُقُوعِ نَجَسٍ) مَا لَمْ تَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَتَنَجَّسُ بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْهُرَ أَصْلًا لِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْأَخْشَابِ وَغَيْرِهِمَا وَيَتَعَذَّرُ الْغُسْلُ أَوْ لَا يَتَنَجَّسُ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهَا كُلَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهَا يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهَا لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ لِلْآثَارِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: مَسَائِلُ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ حَتَّى إذَا خَرَجَ الْوَاجِبُ مِنْهَا حُكِمَ بِطَهَارَةِ جَمِيعِ مَا فِيهَا وَدَلْوِهَا وَيَدِ النَّازِحِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُسْتَخْرَجُ النَّجَسُ، وَيَبْقَى الْمَاءُ طَاهِرًا (لَا بِنَحْوِ بَعْرٍ) مُطْلَقًا. (وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ مَا لَمْ يُسْتَكْثَرْ) أَيْ مَا لَمْ يَسْتَكْثِرْهُ النَّاظِرُ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا يُغَطِّي وَجْهَ رُبُعِ الْمَاءِ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: ثُلُثُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلِمَةَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: الْكَثِيرُ مَا يُغَيِّرُ لَوْنَ الْمَاءِ. وَلَوْ بَعَرَتْ الشَّاةُ فِي الْمَحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ بَعْرَتَيْنِ قَالُوا: تُرْمَى الْبَعْرَةُ فِي سَاعَتِهِ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ

وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي حَقِّ الْبَعْرَةِ وَالْبَعْرَتَيْنِ (وَلَا بِخَرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ فَإِنَّهُ) أَيْ الْخَرْءَ (طَاهِرٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يُفْسِدُهُ كَخَرْءِ الدَّجَاجِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَاسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا طَهَارَتَهُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ حَتَّى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة: 125] وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ نَجَاسَتِهِ، وَخَرْءُ الْعُصْفُورِ كَخَرْءِ الْحَمَامَةِ فَمَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ ذَاكَ وَكَذَا خَرْءُ جَمِيعِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الطُّيُورِ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَإِذَا عُلِمَ وَقْتُ الْوُقُوعِ) أَيْ وَقْتُ حَيَوَانٍ مَاتَ فِي الْبِئْرِ (حُكِمَ بِالتَّنَجُّسِ مِنْ وَقْتِهِ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ (فَمِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ الْوَاقِعُ أَوْ لَمْ يَتَفَسَّخْ) ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَقَادِيرِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَإِنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا لِتَفَاوُتِهَا (وَمِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاخَ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَيُقَدَّرُ وُقُوعُهُ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ. (وَقَالَا مِنْ وَقْتِ الْوِجْدَانِ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي نَجَاسَتِهِ فِيمَا مَضَى وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلَمْ يَدْرِ مَتَى أَصَابَتْهُ لَا يُعِيدُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَ) يُنْزَحُ (عِشْرُونَ دَلْوًا) بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاقِعِ. (وَسَطًا) وَهِيَ الدَّلْوُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي آبَارِ الْبُلْدَانِ، وَالْقَطَرَاتُ الَّتِي تَعُودُ إلَى الْمَاءِ عَفْوٌ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ (إلَى ثَلَاثِينَ) بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ (بِمَوْتِ نَحْوِ فَأْرَةٍ أَوْ عُصْفُورٍ أَوْ سَامٍ أَبْرَصَ) قَيْدُ الْمَوْتِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْخَارِجِ ثُمَّ أُلْقِيَتْ فِيهَا لَا يَخْتَلِفُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْفَأْرَةُ إذَا وَقَعَتْ هَارِبَةً مِنْ الْهِرَّةِ يُنْزَحُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْرُوحَةً أَوْ مُتَنَجِّسَةً وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرٍ فَإِلَى الْأَرْبَعِ كَالْوَاحِدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ خَمْسًا كَالدَّجَاجَةِ إلَى التِّسْعِ وَلَوْ عَشْرًا كَالشَّاةِ وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ فَأَرْبَعُونَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (وَأَرْبَعُونَ) وُجُوبًا (إلَى سِتِّينَ) اسْتِحْبَابًا فِي رِوَايَةٍ، وَأُخْرَى إلَى خَمْسِينَ (بِنَحْوِ حَمَامَةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ أَوْ سِنَّوْرٍ) وَمَا بَيْنَ فَأْرَةٍ وَحَمَامَةٍ كَفَأْرَةٍ كَمَا بَيْنَ دَجَاجَةٍ وَشَاةٍ كَدَجَاجَةٍ. وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ يُنْزَحُ كُلُّهُ (وَكُلُّهُ بِنَحْوِ كَلْبٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ انْتِفَاخِ الْحَيَوَانِ) الدَّمَوِيِّ (أَوْ تَفَسُّخِهِ) . وَلَوْ صَغِيرًا لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ. مَوْتُ الْكَلْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ انْغَمَسَ وَأُخْرِجَ حَيًّا يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ وَكَذَا كُلُّ مَا سُؤْرُهُ نَجَسٌ أَوْ مَشْكُوكٌ، وَإِنْ مَكْرُوهًا فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهُ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّاةُ إذَا أُخْرِجَتْ حَيَّةً إنْ كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ السَّبُعِ نُزِحَ كُلُّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْآدَمِيُّ إذَا أُخْرِجَ حَيًّا إنْ كَانَ مُحْدِثًا نُزِحَ أَرْبَعُونَ وَإِنْ جُنُبًا نُزِحَ كُلُّهُ وَلَوْ وَقَعَ آدَمِيٌّ مَيِّتٌ قَبْلَ الْغُسْلِ يَنْجَسُ وَإِنْ بَعْدَ الْغُسْلِ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ

طهارة سؤر الآدمي

كَافِرًا أَوْ جُنُبًا. (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا) بِأَنْ كَانَتْ مَعِينًا (نُزِحَ قَدْرُ مَا كَانَ فِيهَا) أَيْ فِي الْبِئْرِ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ يُنْزَحُ مِنْهَا مِائَةُ دَلْوٍ. وَفِي رِوَايَةٍ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ لِتَفَاوُتِهَا بَلْ فَوَّضَهَا إلَى رَأْيِهِمْ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُنْزَحُ قَدْرُ مَا فِيهَا بِأَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَيُصَبَّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا إلَى أَنْ تَمْتَلِئَ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ وَتُجْعَلَ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ ثُمَّ يُنْزَحَ مَثَلًا عَشْرُ دِلَاءٍ ثُمَّ تُعَادَ الْقَصَبَةُ فَيَظْهَرَ لَكُمْ النَّقْصُ فَيُنْزَحَ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ (وَيُفْتَى بِنَزْحِ مِائَتَيْ دَلْوٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ كَأَنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَلْدَةِ بَغْدَادَ فَإِنَّ آبَارَهَا لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دَلْوٍ. (وَمَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ اُحْتُسِبَ بِهِ) حَتَّى لَوْ نُزِحَ بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارَ الْوَاجِبِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ نَزْحُ الْمِقْدَارِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِتَوَاتُرِ الدِّلَاءِ يَصِيرُ الْمَاءُ كَالْجَارِي، وَمِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَلَنَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ نَزَحَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ دَلْوَيْنِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ مَا زَادَ غَيْرُ الْوَسَطِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ صُورَةَ النُّقْصَانِ أَيْضًا. (وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ نَزْحُ قَدْرٍ مِنْ الْمَاءِ مُطَهِّرًا فِي بِئْرٍ غَيْرَ مُطَهِّرٍ فِي أُخْرَى مَعَ اتِّحَادِ سَبَبِ النَّجَاسَةِ لِاخْتِلَافِ دَلْوِهِمَا فِي الْمِقْدَارِ وَقِيلَ مَا يَسَعُ صَاعًا، وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. [طَهَارَة سُؤْر الْآدَمِيِّ] (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ) مُطْلَقًا إلَّا حَالَ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ سُؤْرَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ نَجَسٌ قَبْلَ بَلْعِ رِيقِهِ فَإِنْ بَلَعَ رِيقَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ فَمُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَائِعَ مُطْلَقًا مُطَهِّرٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ صَبٍّ عِنْدَهُ (وَالْفَرَسُ وَمَا يُؤْكَلُ) لَحْمُهُ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ مِنْ الطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ إلَّا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ الْجَلَّالَةَ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعُذْرَةَ (طَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُمْ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ، وَكَرَاهَةُ لَحْمِ الْفَرَسِ فِي رِوَايَةٍ لِاحْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ فَلَا يُؤْثَرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ نَجَسٌ) لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَاهِرٌ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ) قَبْلَ أَكْلِ الْفَأْرَةِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَسُؤْرُهَا نَجَسٌ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ مَكَثَتْ سَاعَةً لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيَتَنَجَّسُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فَمَهَا يَتَنَجَّسُ بِالْفَأْرَةِ، وَالنَّجَسُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ عِنْدَهُ (وَالدَّجَاجَةُ الْمُجَلَّاةُ) الْجَائِلَةُ فِي عُذُرَاتِ النَّاسِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى تَحْتِ قَدَمَيْهَا لَا يُكْرَهُ (وَسِبَاعُ الطَّيْرِ) ؛ لِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ عَادَةً إلَّا الْمَحْبُوسَ الَّذِي يَعْلَمُ صَاحِبُهُ أَنْ لَا قَذَرَ عَلَى مِنْقَارِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمَشَايِخُ (وَسَوَاكِنُ الْبَيْتِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ مَكْرُوهٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ

سؤر البغل والحمار

سُؤْرُهُمَا نَجَسًا لِنَجَاسَةِ لَحْمِهَا لَكِنْ سَقَطَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِمَا لِعِلَّةِ الطَّوَافِ فَبَقِيَتْ كَرَاهَتُهُمَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِي الْأَصَحِّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَجْرِي فِي الْهِرَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَحُكْمُ الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَاءٍ آخَرَ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ تَوَضَّأ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ. [سُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ] (وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ) وَهَذِهِ عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَأَنْكَرَهَا أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَقَالَ: حَاشَا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَشْكُوكًا فِيهِ بَلْ سُؤْرُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لَوْ غُمِسَ فِيهِ الثَّوْبُ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ فَأُمِرَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَقِيلَ جَمِيعًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُمَا طَاهِرٌ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ هَا هُنَا التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: سُؤْرُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ نَجَسٌ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ لِثُبُوتِ الضَّرُورَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ فَيَشْرَبُ فِي الْآنِيَةِ لَكِنْ لَيْسَتْ كَضَرُورَةِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْمَضَائِقِ دُونَ الْحِمَارِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ ضَرُورَةٌ أَصْلًا كَانَ كَالسِّبَاعِ فِي الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا إشْكَالٍ، وَلَوْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ كَضَرُورَتِهَا كَانَ مِثْلُهَا فِي سُقُوطِ النَّجَاسَةِ، وَحَيْثُ ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَالطَّهَارَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ شَيْئَانِ الطَّهَارَةُ فِي جَانِبِ الْمَاءِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي جَانِبِ اللُّعَابِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ الْآخَرُ مُشْكِلًا، وَأَمَّا الْبَغْلُ فَمِثْلُ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِهِ وَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. وَفِي الْغَايَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ رَمَكَةً يَكُونُ سُؤْرُهُ طَهُورًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ (يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيَتَيَمَّمُ) أَيْ بِجَمْعٍ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَأَعَادَ تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً نَظِيفًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ، وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَرَاقَ يَلْزَمُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُ الْحِمَارِ طَهُورًا. (وَأَيًّا قَدَّمَ جَازَ) وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا التَّقْدِيمُ وَاخْتُلِفَ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ. (وَعِرْقُ كُلِّ شَيْءٍ كَسُؤْرِهِ) أَيْ حُكْمُ اللُّعَابِ وَالْعِرْقِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَيُعْتَبَرُ عِرْقُ كُلِّ حَيَوَانٍ بِسُؤْرِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وَكَرَاهَةً وَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ بِكَوْنِ سُؤْرِ الْحِمَارِ مَشْكُوكًا مَعَ أَنَّ عِرْقَهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِرْقِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمُخَالِفِ لِلْقِيَاسِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ. (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا نَبِيذُ التَّمْرِ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ

باب التيمم

يُفْتَى) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَيَّدَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ؛ إذْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ لَا يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ مَخْصُوصٌ مِنْ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. (وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَتَوَضَّأُ بِهِ) لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ أَعِنْدَك طَهُورٌ قَالَ: لَا إلَّا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» لَكِنْ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ عَمَلًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ فَيُعْمَلُ بِهَا أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهَا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا، وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ احْتِيَاطًا وَالْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَلْحَقُهُ بِهِ مَا هُوَ مِثْلُهُ وَالْجَنَابَةُ حَدَثٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ. وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ، وَالضَّرُورَةُ دُونَهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُفِيدِ أَنَّ النَّبِيذَ الْحُلْوَ الرَّقِيقَ كَالْمَاءِ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُوَ الْمَطْبُوخُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ انْتَهَى فَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ وَاقِعٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ تَدَبَّرْ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] مَعْنَى الْبَابِ فِي اللُّغَةِ النَّوْعُ، وَقَدْ يُعَرَّفُ بِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كِتَابٌ وَلُقِّبَ بِبَابِ كَذَا ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْغُسْلِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّيَمُّمِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى تَقْدِيمًا لِمَا حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ التَّيَمُّمُ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا طَهَارَةٌ حَاصِلَةٌ بِاسْتِعْمَالِ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ فِي عُضْوَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ عَلَى قَصْدٍ مَخْصُوصٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ الْجُزْءِ فِي الْأَعْضَاءِ حَتَّى يَجُوزَ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ انْتَهَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ الْجُزْءِ الْجُزْءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْحَجَرُ أَيْضًا مِنْ الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِهِ: اسْتِعْمَالُهُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا تَدَبَّرْ وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» (يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] الْآيَةَ السَّفَرُ الْمُعْتَبَرُ هَا هُنَا هُوَ السَّفَرُ الْعُرْفِيُّ وَالشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ. (وَمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمِصْرِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ عَادِمَ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ يَتَيَمَّمُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ (لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَاءِ) الصَّالِحِ لِلْوُضُوءِ، وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ فَلَمْ يَدْخُلْ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِنْ كَانَ التَّنْكِيرُ

فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] يَدُلُّ عَلَى إفَادَةِ الْعُمُومِ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنَافِي قَوْلَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَوْ كَانَ الْمَفْهُومُ حُجَّةً وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ (مِيلًا) سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا وَالْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ. وَفِي الصِّحَاحِ الْمِيلُ مِنْ الْأَرْضِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ مِنْهُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ تَوَضَّأَ لَغَابَتْ الْقَافِلَةُ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ. (أَوْ لِمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ) بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بِسَبَبِ الْحَرَكَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ التَّلَفِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَجَدَ الْمَرِيضُ مَنْ يُوَضِّئُهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ أَوْ أَجِيرٌ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ (أَوْ بُطْءَ بُرْئِهِ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى زِيَادَتِهِ وَيَجُوزُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ إنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ، وَالْحَرَجُ يَتَحَقَّقُ بِالِامْتِدَادِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَمَعْرِفَتُهُ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ تَجْرِبَةً أَوْ أَمَارَةً أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ (أَوْ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ) سَوَاءٌ كَانَ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ أَوْ عَلَى مَالٍ عِنْدَهُ أَمَانَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ مَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ النَّفْسِ أَوْجَبُ مِنْ صِيَانَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ لَهَا بَدَلًا، وَلَا بَدَلَ لِلنَّفْسِ انْتَهَى، وَكَذَا لَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ عِنْدَ فَاسِقٍ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَاءِ. وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ مُتَيَمِّمٌ مَرَّ عَلَى مَاءٍ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ عَلَى نَفْسِهِ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ. وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ بِوَعِيدِ قَتْلٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بَعْد مَا زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْوُضُوءُ عَنْهُ كَالْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ انْتَهَى لَكِنْ يُشْكِلُ هَذَا بِالْعَدُوِّ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يُعْتَبَرُ ثَمَّةَ مَعَ أَنَّ الْعَجْزَ حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَالْقِيَاسُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي الْمَحْبُوسِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِهِمْ غَالِبًا (أَوْ عَطِشَ) سَوَاءٌ كَانَ عَطَشُهُ أَوْ عَطَشُ رَفِيقِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ كَلْبِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَكَذَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَجِينِ وَأَمَّا لِاِتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا (أَوْ لِفَقْدِ آلَةٍ) يَسْتَخْرِجُ بِهَا الْمَاءَ وَلَوْ مِنْدِيلًا طَاهِرًا. (بِمَا كَانَ) أَيْ يَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ (مِنْ) كُلُّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، وَيَصِيرُ رَمَادًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ وَيَذُوبُ (كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَالنَّوْرَةِ وَالْجِصِّ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْحَجَرِ) وَكَذَا الْيَاقُوتُ وَالْفَيْرُوزَجُ وَالزُّمُرُّدُ؛ لِأَنَّهَا أَحْجَارٌ مُضِيئَةٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِاللُّؤْلُؤِ وَلَوْ مَسْحُوقًا وَالزُّجَاجُ الْمُتَّخَذُ مِنْ الرَّمْلِ وَشَيْءٍ آخَرَ وَالْمَاءُ الْمُتَجَمِّدُ وَالْمَعَادِنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهَا أَوْ مُخْتَلِطًا بِالتُّرَابِ وَالتُّرَابُ غَالِبٌ. (وَلَوْ بِلَا نَقْعٍ) أَيْ بِلَا غُبَارٍ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ جَازَ

شرط التيمم

(خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَيْ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِلَا نَقْعٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. (وَخَصَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ) قِيلَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْخَالِصِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَيَجُوزُ بِالنَّقْعِ حَالَ الِاخْتِيَارِ) حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِغُبَارِ ثَوْبِهِ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَارْتَفَعَ الْغُبَارُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ فَمَسَحَهُ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغُبَارَ جُزْءٌ مِنْ التُّرَابِ فَكَمَا جَازَ التَّيَمُّمُ بِالْخَشِنِ مِنْهُ جَازَ بِالرَّقِيقِ مِنْهُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتُرَابٍ خَالِصٍ لَكِنَّهُ تُرَابٌ مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ عِنْدَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ كَالْإِيمَاءِ وَأَمَّا حَالَةَ الْإِضْرَارِ فَيَجُوزُ بِهِ اتِّفَاقًا. [شَرْطُ التَّيَمُّم] (وَشَرْطُهُ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَقِيقَةً) بِأَنْ لَا يَجِدَهُ (أَوْ حُكْمًا) بِأَنْ وَجَدَهُ لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِسَبَبٍ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا. (وَ) شَرْطُهُ (طَهَارَةُ الصَّعِيدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا وَغَيْرَهُ وَالطَّيِّبُ هُنَاكَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] . (وَالِاسْتِيعَابُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ فِي الْعُضْوَيْنِ الْمَخْصُوصَيْنِ حَتَّى قَالُوا لَوْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ الْخَاتَمَ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَسْحَ أَكْثَرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ كَافٍ. (وَالنِّيَّةُ) فَرْضٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ أَضْعَفُ مِنْ الْوُضُوءِ لِانْتِقَاضِهِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَيَتَقَوَّى بِالنِّيَّةِ خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) كَالصَّلَاةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَكَذَا لَمْسُ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَحِلُّ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ كَذَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِمِثْلِ هَذَا التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ أَنَّ التُّرَابَ مَا جُعِلَ طَهُورًا إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ أَلْبَتَّةَ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ التُّرَابَ فِي التَّيَمُّمِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ غَيْرُ طَهُورٍ فَمَا حَلَّ مَسُّ الْمُصْحَفِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ بِاسْتِعْمَالِ تُرَابٍ غَيْرِ طَهُورٍ انْتَهَى لَكِنْ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ إلَيْهَا أَصَالَةً بَلْ ضِمْنًا لِأَنَّ الْمَسَّ وَالدُّخُولَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ أَصَالَةً بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التِّلَاوَةُ وَالصَّلَاةُ غَالِبًا وَهُمَا مَقْصُودَانِ ضِمْنًا وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَكْفِي لَمْسُ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ وَقَدَمَاهُ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يَجُوزُ بِهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا يَتَجَاوَزُ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَكَمَالُهَا أَنْ يَنْوِيَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا لَا فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (فَلَوْ تَيَمَّمَ كَافِرٌ لِلْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِهِ) عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ صَحِيحٌ لِلْإِسْلَامِ لَا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً

صفة التيمم

(وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. [صِفَةُ التَّيَمُّم] (وَصِفَتُهُ أَنْ يَضْرِبَ يَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ فَيَنْفُضَهُمَا) إذَا كَثُرَ الْغُبَارُ لِئَلَّا يَصِيرَ مُثْلَةً. النَّقْضُ تَحْرِيكُ الشَّيْءِ لِيَسْقُطَ مَا عَلَيْهِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمُثْلَةُ مَا يُتَمَثَّلُ بِهِ فِي تَبْدِيلِ خِلْقَتِهِ (ثُمَّ يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَضْرِبَ بِهِمَا كَذَلِكَ وَيَمْسَحَ بِكُلِّ كَفٍّ ظَاهِرَ الذِّرَاعِ الْأُخْرَى وَبَاطِنَهَا مَعَ الْمِرْفَقِ) لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَفِي الْمُحِيطِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضْرِبَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا حَتَّى يَتَنَاثَرَ التُّرَابُ فَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَضْرِبَ أُخْرَى فَيَنْفُضَهُمَا وَيَمْسَحَ بِبَاطِنِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ يَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يَمْسَحَ بِبَاطِنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ وَيَمُرَّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلَ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، وَهَذَا أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَالتُّرَابُ الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَسْحِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ مَرَّةً ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجِبُ مَسْحُ بَاطِنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ يُغْنِي عَنْهُ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْغُبَارُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ فَيَحْتَاجَ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ لِتَخْلِيلِهَا انْتَهَى كَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يَلْزَمُ مِنْ كَلَامِهِ اشْتِرَاطِ النَّقْعِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ بِلَا نَقْعٍ فَيَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ يُجَوِّزُهُ بِلَا نَقْعٍ، وَالثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ بِلَا نَقْعٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ، وَمَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ عَلَى هَذَا قَالَ تَدَبَّرْ، وَلَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ مَشْرُوعٌ فِي طَهَارَةٍ مَعْهُودَةٍ فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَالرَّأْسِ. (وَيَسْتَوِي فِيهِ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: إنَّا قَوْمٌ نَسْكُنُ هَذِهِ الرِّمَالَ وَلَمْ نَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَفِينَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الِاسْتِوَاءُ فِي حُكْمِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ يَجُوزُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ فِي كَيْفِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا أَيْضًا لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ قَاصِرٌ عَنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ قُصُورُ مَا قِيلَ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَالْكَيْفِيَّةُ وَالْآلَةُ. (وَيَجُوزُ) التَّيَمُّمُ (قَبْلَ) دُخُولِ (الْوَقْتِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَلَنَا أَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ فَكَانَتْ مُطْلَقَةً وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرٍ وَلَمْ يُوجَدْ هَا هُنَا فَصَارَ كَالْعَامِّ يَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يُخَصِّصْهُ مُخَصِّصٌ مُعْتَبَرٌ. (وَيُصَلِّي) أَيْ الْمُتَيَمِّمُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ

الْوَاحِدِ (مَا شَاءَ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ كَالْوُضُوءِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُصَلِّي مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» فَجَعَلَهُ طَهَارَةً مُمْتَدَّةً إلَى وُجُودِ الْمَاءِ فَكَانَ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ كَالْوَضُوءِ. (وَيَجُوزُ) التَّيَمُّمُ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ (لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْإِعَادَةِ فَلَا فَوَاتَ فِي حَقِّهِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ نَفْيٌ لِلصِّحَّةِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا احْتِرَازٌ عَنْهُ كَمَا قِيلَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِقَيْدٍ بَلْ أَطْلَقَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا فَجَأَتْك جِنَازَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَتَيَمَّمْ وَصَلِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ وَلِيٍّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذَا فَجَأَتْك يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَلِيٍّ؛ إذْ الْوَلِيُّ غَالِبًا يَعْلَمُ الْجِنَازَةَ وَيَحْضُرُ بِالطَّهَارَةِ تَدَبَّرْ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَحَضَرَتْ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ التَّوَضُّؤِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: يُعِيدُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (أَوْ عِيدٍ ابْتِدَاءً) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَلِكَ إذَا خَافَ فَوْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ. (وَكَذَا بِنَاءً بَعْدَ شُرُوعِهِ مُتَوَضِّئًا وَ) بَعْدَ (سَبْقِ حَدَثِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَرُبَّمَا اعْتَرَاهُ مَا أَفْسَدَ صَلَاتَهُ (خِلَافًا لَهُمَا) لِعَدَمِ خَوْفِ الْفَوْتِ؛ إذْ اللَّاحِقُ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ لَا يَفْرُغُ الْإِمَامُ عَنْ صَلَاتِهِ لَا يَجْزِيهِ التَّيَمُّمُ (لَا) يَجُوزُ (لِخَوْفِ فَوْتِ) صَلَاةِ (جُمُعَةٍ أَوْ وَقْتِيَّةٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ: أَنَّ كُلَّ مَا يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ جَازَ أَدَاؤُهُ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَكُلُّ مَا يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ لَمْ يَجُزْ وَالْجُمُعَةُ تَفُوتُ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الظُّهْرُ وَالْوَقْتِيَّةُ كَذَلِكَ. (وَلَا يَنْقُضُهُ رِدَّةٌ) أَيْ: لَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ رِدَّةُ الْمُتَيَمِّمِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ حَصَلَ حَالَ الْإِسْلَامِ فَيَصِحُّ وَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِيهِ كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَلِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِي زَوَالِ الْحَدَثِ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ الْعِبَادَاتِ بِالنَّصِّ وَالتَّيَمُّمُ عِبَادَةٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ فِي تَيَمُّمٍ بِنِيَّةٍ، أَوْ نَقُولُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي التَّيَمُّمِ (بَلْ) يَنْقُضُهُ (نَاقِضُ الْوُضُوءِ)) ؛ لِأَنَّهُ خَلَفُ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ أَضْعَفَ مِنْهُ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ

وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْبَدَلِيَّةِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لَا قَوْلَهُمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ ثَابِتُهُ إمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ أَوْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءُ يَنْقُضُهُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى كَذَا قَالَ الْمُحَشِّي الْمَعْرُوفُ بِيَعْقُوبَ بَاشَا وَالضَّمِيرُ فِي يَنْقُضُهُ رَاجِعٌ إلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي بِلَا اعْتِبَارِ قَيْدٍ لَا إنْ عُدِمَ الْقَيْدُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ، وَبِهَذَا لَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ الْفَاضِلِ الْمَعْرُوفِ بِقَاضِي زَادَهْ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ إنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى مُطْلَقِ التَّيَمُّمِ لَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ نَاقِضَ الْوُضُوءِ لَا يَرْفَعُ الطَّهَارَةَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَإِنْ أَرَادَ رُجُوعَ بَعْضِ التَّيَمُّمِ دُونَ مُطْلَقِهِ لَا يَسْتَقِيمُ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَقُدْرَتُهُ عَلَى مَاءٍ كَافٍ لِطُهْرِهِ عَلَى نَاقِضِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ تَنْقُضُ مُطْلَقَ التَّيَمُّمِ. تَدَبَّرْ. (وَالْقُدْرَةُ عَلَى مَاءٍ كَافٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكْفِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (لِطَهَارَتِهِ وَعَلَى اسْتِعْمَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْقُضُهُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ إسْنَادَ النَّقْضِ إلَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ إسْنَادٌ مَجَازِيٌّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ شَرْطُ عَمَلِ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلَهُ عِنْدَهَا، وَالنَّاقِضُ حَقِيقَةً هُوَ الْحَدَثُ السَّابِقُ بِخُرُوجِ النَّجَسِ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْمُحَشِّي الْمَعْرُوفُ بِيَعْقُوبَ بَاشَا: وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ بِطَهَارَةٍ ضَرُورِيَّةٍ وَلَا خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ لِمَنْ يُقَالُ: عَمَلُ الْحَدَثِ السَّابِقِ عَمَلُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَمْ يَجُزْ أَدَاءُ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ حِينَئِذٍ بَلْ يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ مَعَهُ، وَإِنْ مَعَهُمَا فَلَا يُنَاسِبُ أَيْضًا انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: إنَّ كَلَامَ الْمُحَشِّي سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا عَنْ الْوُضُوءِ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ التُّرَابَ خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ انْتَهَى لَكِنَّ كَلَامَ الْمُحَشِّي وَارِدٌ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلَهُ: وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ بِكَوْنِهِ خَلَفًا لِلْوُضُوءِ تَدَبَّرْ ثُمَّ قَالَ الْمُحَشِّي: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ شَرْطًا لِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَانْتَفَى؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ انْتَهَى وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ أَيْضًا فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مُتَعَدٍّ وَلِانْتِفَاءِ لَازِمٍ فَأَنَّى يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ هُوَ الثَّانِي. وَلَوْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ نَفْيُهُ لَكَانَ لَهُ مَعْنًى فِي الْجُمْلَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالِانْتِقَاضِ هُوَ الِانْتِفَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ الِانْتِفَاءَ يَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَتَنْتِفِي قُدْرَتُهُ إلَى آخِرِهِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ انْتَهَى لَكِنْ

هَذَا الْقَائِلُ لَا يَحُومُ حَوْلَ كَلَامِ الْمُحَشِّي فَقَالَ مَا قَالَ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ بَيَانَ مَا يَكُونُ حَاصِلًا بِالْمَعْنَى لَا أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ بِمَعْنَى الِانْتِفَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ (فَلَوْ وُجِدَتْ) الْقُدْرَةُ عَلَى مَاءٍ كَافٍ (وَهُوَ) وَالْحَالُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ (فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حَقِيقَةً فَتَبْطُلُ وَلَا تَبْقَى لَهَا حُرْمَةٌ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ مَانِعَةٌ عَنْ الْبُطْلَانِ فَكَانَ عَاجِزًا حُكْمًا (لَا إنْ حَصَلَتْ) الْقُدْرَةُ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ اتِّفَاقًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ. (وَلَوْ نَسِيَهُ الْمُسَافِرُ فِي رَحْلِهِ) سَوَاءٌ وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ قَيْدُ الْمُسَافِرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُعْتَبَرُ عَدَمُ كَوْنِهِ فِي الْعُمْرَانِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمَاءَ فَنِيَ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَفْنَ أَعَادَ الصَّلَاةَ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَقِيَ رَحْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَسِيَهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنْسَى عَادَةً. (وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَا يُعِيدُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُعِيدُ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ، وَرَحْلُ الْمُسَافِرِ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَاءِ عَادَةً فَكَانَ مُقَصِّرًا فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ فَنَسِيَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ، وَمَاءُ الرَّحْلِ مُعَدٌّ لِلشُّرْبِ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَالْفَارِقُ أَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ فَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ، وَفَرْضُ الْوُضُوءِ هُنَا فَاتَ إلَى خَلَفٍ. (وَيُسْتَحَبُّ لِرَاجِي الْمَاءِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ لَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي التَّأْخِيرِ لِئَلَّا تَقَعَ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ بِدُونِ الرَّجَاءِ لَا يُؤَخِّرُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (وَيَجِبُ طَلَبُهُ) بِأَنْ يَنْظُرَ يَمِينَهُ وَيَسَارَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ (إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ قَدْرَ غَلْوَةٍ) وَهِيَ رَمْيَةُ سَهْمٍ وَقُدِّرَ بِثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَلَا يَبْلُغُ الْمِيلَ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ رُفْقَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ (فَلَا) يَجِبُ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً لِفَوَاتِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ. (وَيَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنُهُ) لِتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ (وَيُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ) إنْ كَانَ ثَمَنُ الْمِثْلِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ، أَوْ كَانَ لَكِنْ لَا يُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ (فَلَا) يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ. وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّ ثَمَنَ مَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ إنْ كَانَ دِرْهَمًا فَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ؛ لِأَنَّهُ غَبْنٌ يَسِيرٌ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ غَبْنٌ فَاحِشٌ كَذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَيُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّذِي يَعِزُّ

الجمع بين الوضوء والتيمم

فِيهِ الْمَاءُ. (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَهُ) مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ غَالِبًا (فَإِنْ مَنَعَهُ يَتَيَمَّمُ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَإِذَا صَلَّى بَعْدَ الْمَنْعِ ثُمَّ أَعْطَاهُ يُنْقَضُ تَيَمُّمُهُ الْآنَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا قَدْ صَلَّى. (وَأَنْ يُتَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ) أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَقَالَا: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ فِي الْفَلَوَاتِ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مَبْذُولًا عَادَةً وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي الْعُمْرَانَاتِ فَالتَّقْرِيبُ غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَلَوَاتِ تَدَبَّرْ (أَوْ الْجُنُبُ فِي الْمِصْرِ) أَيْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ فِي الْمِصْرِ (لِخَوْفِ الْبَرْدِ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ ثُمَّ إنْ رُخْصَةَ التَّيَمُّمِ بِسَبَبِ الْبَرْدِ ثَابِتَةٌ لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ. وَفِي الْحَقَائِقِ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ (خِلَافًا لَهُمَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. [الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ] (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَتَأَدَّى بِأَحَدِهِمَا لَا بِهِمَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا لِمَكَانِ الشَّكِّ (فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ) أَيْ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (جَرِيحًا) فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ (يَتَيَمَّمُ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحَ الْجَرِيحَ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لِمَ يَكُنْ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ جَرِيحًا بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ صَحِيحًا (غَسَلَ الصَّحِيحَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَرِيحِ) إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِلَّا فَعَلَى الْخِرْقَةِ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] لَمَّا فَرَغَ عَنْ التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ خَلَفٌ عَنْ جَمِيعِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَسْحِ الَّذِي هُوَ خَلَفٌ عَنْ بَعْضِهِ، وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْبَابِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْحًا وَرُخْصَةً مُؤَقَّتَةً وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ أَنَّهُ بَدَلٌ نَاقِصٌ وَهُوَ بَدَلٌ تَامٌّ (يَجُوزُ بِالسُّنَّةِ) وَلَمْ يَقُلْ يَثْبُتُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ

وَمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ الثَّابِتَ بِالسُّنَّةِ مِقْدَارُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَشْتَمِلُ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَابِ الْمَسْحِ حِكَايَةُ فِعْلِهِ كَرِوَايَةِ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَفَرٍ وَكُنْت أَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ ذَيْلِهِ وَمَسَحَ خُفَّيْهِ فَقُلْت نَسِيت غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» وَرَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانَ يُعْجِبُنِي هَذَا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ كَانَ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَإِخْبَارُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَرِوَايَةُ قَوْلِهِ كَرِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ» وَالْأَخْبَارُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ كَثِيرَةٌ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ حَتَّى قَالَ الْكَرْخِيُّ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْمَسْحِ لِشُهْرَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهَا نَسْخٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ إلَى أَنَّ نَصَّ الْكِتَابِ سَاكِتٌ عَنْهُ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي " أَرْجُلِكُمْ " تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْغَايَةِ وَمَسْحُ الْخُفِّ غَيْرُ مُغَيَّا هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَيُطْلَبُ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (مِنْ كُلٍّ حَدَثٍ مُوجِبُهُ الْوُضُوءُ لَا لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَادَةً فَلَا حَرَجَ فِي النَّزْعِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْجِنَايَةُ أَلْزَمَتْهُ غَسْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَمَعَ الْخُفِّ لَا يَتَأَدَّى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ غَسْلَ أَعْضَاءَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ انْتَهَى قَالَ الْفَاضِلُ قَاضِي زَادَهْ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ وَبَيْنَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَسْلًا حَقِيقِيًّا فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَمِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الرِّجْلَانِ فَلَا يَتَحَقَّقُ غَسْلُهُمَا غَسْلًا حَقِيقِيًّا إلَّا بِإِسَالَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا لَا بِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَلْبُوسَيْنِ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ وَبَيْنَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَسْلًا حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا وَمَسْحُ الْخُفِّ غَسْلٌ حُكْمِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُسْلًا حَقِيقِيًّا فَهُوَ مُسَلِّمٌ لَكِنْ يَتَأَدَّى الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَبَيْنَ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي صُورَةِ الْجَنَابَةِ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُخْتَلِفَةٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهَا لَا تُغْسَلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْحِ الْخُفِّ، وَلَا كَذَلِكَ الْغُسْلُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ مُتَّحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ تَدَبَّرْ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْمُغْتَسَلِ لَكَانَ

فرض المسح على الخف

أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ مَسْحِ مُغْتَسِلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى صُورَتَيْنِ الْأُولَى مَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّ أَجْنَبَ فِي هَذَا الْمَسْحِ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إذَا تَوَضَّأَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، وَالثَّانِيَةُ مَنْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَجْنَبَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْبِطَ خُفَّيْهِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ فِيهِمَا وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ وَيَمْسَحُ خُفَّيْهِ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَاهُمَا كَانَ مُقَصِّرًا (إنْ كَانَا مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ وَقْتَ الْحَدَثِ) فَلَوْ تَوَضَّأَ وُضُوءً غَيْرَ مُرَتَّبٍ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ تَوَضَّأَ وُضُوءً مُرَتَّبًا فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ لَيْسَ لَهُ طَهَارَةٌ تَامَّةٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَقْتَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ. وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَقْتَ لُبْسِ الْيُمْنَى لَكِنَّهُمَا مَلْبُوسَانِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّمَامَ وَقْتَ اللُّبْسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ فِي مَكَان عَلَى طُهْرٍ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَعَلَّلَ بِقَوْلِهِ: لِئَلَّا يَشْمَلَ التَّيَمُّمَ وَلَا عِبْرَةَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ الْفَاضِلُ قَاضِي زَادَهْ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَخْرُجُ بِقَيْدٍ تَامٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِطُهْرٍ تَامٍّ بَلْ طُهْرٌ نَاقِصٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِخُرُوجِ التَّيَمُّمِ بِقَيْدٍ تَامٍّ. وَفِي التَّبْيِينِ فَلَا ضَيْرَ فِي أَنْ يَشْمَلَ الطُّهْرُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَيْدِ التَّامِّ انْتَهَى وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ تَامًّا أَنْ لَا يَكُونَ فِي ذَاتِهِ نُقْصَانٌ وَلَيْسَ فِي ذَاتِ التَّيَمُّمِ نُقْصَانٌ إذَا وُجِدَ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَاهِيَّتِهِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طُهْرٌ تَامٌّ تَأَمَّلْ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ مَا قِيلَ: إنَّ قَيْدَ تَامٍّ احْتِرَازٌ عَنْ الْوُضُوءِ النَّاقِصِ كَوُضُوءِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَالْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا نُقْصَانٌ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا بَلْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ وُضُوءٍ غَيْرِ مُسْبَغٍ بِأَنْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ تَأَمَّلْ. (يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِلْمُسَافِرِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ لَا حِينَ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ إنَّمَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ عِنْدَ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ حُلُولِهِ بِالْقِدَمِ فَيُعْتَبَرُ مُدَّتُهُ مِنْهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعَامَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُقِيمُ لَا يَمْسَحُ، وَالْمُسَافِرُ يَمْسَحُهُ مُؤَبَّدًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَفِي الْأُخْرَى الْمُقِيمُ كَالْمُسَافِرِ يَمْسَحُهُ مُؤَبَّدًا. [فَرْضُ الْمَسْح عَلَى الْخُفّ] (وَفَرْضُهُ) أَيْ الْمَسْحِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ هَا هُنَا: مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَلَا يَنْجَبِرُ بِجَابِرٍ وَهُوَ الْفَرْضُ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَلَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ (قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ الْيَدِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ إصْبَعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى مِقْدَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ مَسَحَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ عَلَى كُلِّ رِجْلٍ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَ

سنن المسح على الخف

مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءُ الْمَطَرِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ فَمَسَحَهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ فَابْتَلَّ ظَاهِرُ خُفَّيْهِ وَلَوْ بِالطَّلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ (عَلَى الْأَعْلَى) لَا عَلَى أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ دُونَ بَاطِنِهِمَا» . [سُنَن الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ] (وَسُنَّتُهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَيَمُدَّ إلَى السَّاقِ مُفَرِّجًا أَصَابِعَهُ خُطُوطًا مَرَّةً وَاحِدَةً) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ مَسْحَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ خُطُوطًا فَعُلِمَ أَنَّهُ بِالْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ وَمَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا اعْتِبَارَ فَبَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ، وَسُنَّتُهُ مَدُّهَا إلَى السَّاقِ فَلَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لَزِمَ كَوْنُ السُّنَّةِ بِالْمُسْتَعْمَلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ طَهُورٍ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْعُضْوِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَنْفَصِلْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَاءَ يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ لَا لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ فِي الْمَسْحِ، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْعُضْوِ فَهُوَ يَجْرِي فِي الْغَسْلِ دُونَ الْمَسْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَيَمْنَعُهُ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ) إلَّا أَنْ يَكُون فَوْقَهُ خُفٌّ آخَرُ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ (وَهُوَ مَا يَبْدُو مِنْهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْقَدَمِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (أَصْغَرُهَا) لِلِاحْتِيَاطِ هَذَا إذَا كَانَ خَرْقُ الْخُفِّ غَيْرَ مُقَابِلٍ لِلْأَصَابِعِ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقِبِ أَمَّا إذَا كَانَ مُقَابِلًا لَهَا فَالْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِمَّا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرْقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ لَا يُمْنَعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَكْثَرُهُ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ شُمُولُ الْمَنْعِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَشُمُولُ الْجَوَازِ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا، وَالْقَوْلُ بِغَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ، وَمَسْحِ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَجْهُ الْأَوَّلِ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَمَّا كَانَ مَانِعًا كَانَ الْيَسِيرُ كَذَلِكَ كَالْحَدَثِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْخُفَّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَمَا دَامَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الثَّالِثِ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ الْخَرْقِ الْقَلِيلِ عَادَةً فَإِنَّ الْخُفَّ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا فَإِنَّ آثَارَ الدُّرُوزِ وَالْأَشَافِيِّ خَرْقٌ فِيهِ وَلِهَذَا يَدْخُلُهُ التُّرَابُ فَلَحِقَهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ فَجُعِلَ عَفْوًا وَيَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَوَجْهُ الرَّابِعِ أَنَّ الْمَكْشُوفَ يَسْرِي إلَيْهِ الْحَدَثُ دُونَ الْمَسْتُورِ فَيُغْسَلُ الْمَكْشُوفُ دُونَ الْمَسْتُورِ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ

نواقض المسح على الخف

(وَتُجْمَعُ) الْخُرُوقُ (فِي خُفٍّ) حَتَّى لَوْ بَلَغَ مَجْمُوعُهَا قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ السَّفَرَ بِهِ (لَا فِي خُفَّيْنِ) حِينَ لَوْ بَلَغَ مَجْمُوعُ مَا فِيهِمَا مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يُمْنَعُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ عَنْ السَّفَرِ، وَالْخَرْقُ الْمُعْتَبَرُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ مِسَلَّةٌ وَمَا دُونَهَا كَالْعَدَمِ (بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ) الْمُتَفَرِّقَةِ فِي خُفَّيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَالِانْكِشَافُ) أَيْ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ صَدْرِ الْمَرْأَةِ وَشَيْءٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ فَخِذِهَا وَشَيْءٍ مِنْ سَاقِهَا حَيْثُ يُجْمَعُ بِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْعَوْرَةِ انْكِشَافُ قَدْرِ الْمَانِعِ، وَفِي النَّجَاسَةِ هُوَ كَوْنُهَا حَامِلًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمَا. [نَوَاقِضُ الْمَسْحَ عَلَى الْخَفّ] (وَيَنْقُضُهُ) أَيْ الْمَسْحَ (نَاقِضُ الْوُضُوءِ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ (وَنَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ السَّابِقِ إلَى الْقَدَمِ، وَإِسْنَادُ النَّقْضِ إلَى نَزْعِ الْخُفِّ مَجَازٌ وَكَذَا فِي مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَفِي تَوْحِيدِ الْخُفِّ إشَارَةٌ إلَى نَزْعِ أَحَدِهِمَا كَافٍ فِي بُطْلَانِ الْمَسْحِ فَيَجِبُ نَزْعُ الْآخَرِ؛ إذْ لَا يُجْمَعُ الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى التَّوْقِيتِ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا دُخُولُ الْمَاءِ أَحَدَ خُفَّيْهِ لِصَيْرُورَتِهَا مَغْسُولَةً (إنْ لَمْ يَخَفْ تَلَفَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ) يَعْنِي إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَخَافَ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ لَوْ نَزَعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّزْعُ وَمَسَحَ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِالنَّزْعِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَصَارَ كَالْجَبِيرَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ يَتَيَمَّمُ، وَلَا حَظَّ لِلرِّجْلَيْنِ مِنْ التَّيَمُّمِ انْتَهَى لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِوُضُوءٍ غَيْرِ تَامٍّ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمَيْنِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّيَمُّمِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوُضُوءِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ الْفَسَادُ (فَلَوْ نُزِعَ أَوْ مَضَتْ) الْمُدَّةُ. (وَ) الْحَالُ (هُوَ مُتَوَضِّئٌ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ السَّابِقِ إلَيْهِمَا وَإِلَّا لَزِمَ غَسْلُ سَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْمَغْسُولِ، وَالْمُوَالَاةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَخُرُوجُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ نَزْعٌ) ؛ لِأَنَّ السَّاقَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الْمَسْحِ فَخُرُوجُ أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ نَاقِضٌ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْعَقِبِ مِنْ الْخُفِّ اُنْتُقِضَ مَسْحُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَقِيَ فِي الْخُفِّ مِنْ الْقَدَمِ قَدْرُ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا فِيمَا إذَا قَصَدَ النَّزْعَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ أَمَّا إذَا كَانَ زَوَالُ الْعَقِبِ لِسَعَةِ الْخُفِّ فَلَا يُنْتَقَضُ الْمَسْحُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَمْكَنَ الْمَشْيُ بِهِ لَا يُنْتَقَضُ وَإِلَّا يُنْتَقَضُ. (وَلَوْ مَسَحَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَمَّمَ مُدَّةَ الْمُسَافِرِ) أَيْ يَتَحَوَّلُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْمُدَّةَ سَافَرَ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ

المسح على الجرموق

وَقَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ. (وَلَوْ مَسَحَ مُسَافِرٌ فَأَقَامَ لِتَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَزَعَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا فَلَا يَمْسَحُ أَكْثَرَ مِنْهَا. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ إلَّا قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (تَمَّمَهَا) أَيْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ. (وَالْمَعْذُورُ إنْ لَبِسَ عَلَى الِانْقِطَاعِ) أَيْ انْقِطَاعِ عُذْرِهِ وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ (فَكَالصَّحِيحِ) يَمْسَحُ إلَى تَمَام مُدَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ بِالِاتِّفَاقِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ عَلَى الِانْقِطَاعِ بَلْ لَبِسَ حَالَ كَوْنِ الْعُذْرِ مَوْجُودًا (مَسَحَ فِي الْوَقْتِ) أَيْ تَمَامِ الْوَقْتِ (لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ) لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَقَالَ زُفَرُ يَمْسَحُ خَارِجَ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الْمَسْحِ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ] (وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ مَا يُلْبَسُ (فَوْقَ الْخُفِّ إنْ لَبِسَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ) وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْخُفِّ وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَدِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ لَبِسَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ فَوْقَ الْخُفَّيْنِ وَإِنْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الْحَدَثِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ نَزَعَهُمَا دُونَ الْخُفَّيْنِ أَعَادَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ الدَّاخِلَيْنِ، وَإِنْ نَزَعَ أَحَدَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْآخَرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَخْلَعُ الْجُرْمُوقَ الْآخَرَ وَيَمْسَحُ الْخُفَّيْنِ وَلَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقَشَّرَ جِلْدَ ظَاهِرِهِمَا أَوْ كَانَ جِلْدُ الْخُفَّيْنِ مُشْعِرًا فَمَسَحَ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ لَا يَلْزَمُ الْمَسْحُ عَلَى مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْمُوحَ مُتَّصِلٌ بِمَا تَحْتَهُ فَصَارَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ مَسْحًا عَلَى مَا تَحْتَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ يَدُلُّ عَنْ الرِّجْلِ وَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَصِيرُ بَدَلًا عَنْ الْخُفِّ، وَالْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ فِي الشَّرْعِ وَلَنَا مَا رُوِيَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْخُفِّ بَلْ عَنْ الرِّجْلِ كَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الْجُرْمُوقُ. وَفِي الْكَافِي أَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي الْخُفِّ الصَّالِحِ لِلْمَسْحِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْمَسْحِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ الَّذِي فَوْقَهُ اتِّفَاقًا وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ الْغَيْرَ الصَّالِحِ لِلْمَسْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ بِالْكِرْبَاسِ فَاصِلًا أَوْلَى. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ] (وَ) يَجُوزُ الْمَسْحُ (عَلَى الْجَوْرَبِ مُجَلَّدًا) وَهُوَ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ فَيَكُونُ كَالْخُفِّ (أَوْ مُنْعَلًا) بِالتَّخْفِيفِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَيَجُوزُ تَشْدِيدُ الْعَيْنِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَالْخُفِّ. (وَكَذَا عَلَى الثَّخِينِ) الَّذِي يَسْتَمْسِكُ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ

المسح على العمامة

رَبْطٍ (فِي الْأَصَحِّ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَا مُنَعَّلَيْنِ لَكِنْ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ وَإِنْ كَانَ مُنْعَلًا إلَّا إذَا كَانَ مُجَلَّدًا إلَى الْكَعْبَيْنِ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَارُوقِ إنْ كَانَ يَسْتُرُ الْقَدَمَ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ كَانَ الْجَوْرَبُ مِنْ مَرْعَرِيٍّ أَوْ صُوفٍ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَزْلٍ وَهُوَ رَقِيقٌ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ ثَخِينًا مُسْتَمْسِكًا، وَيَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ سِتْرًا لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْعَلًا أَوْ مُبَطَّنًا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْكِرْبَاسِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّعْرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَلْبًا مُسْتَمْسِكًا يَمْشِي مَعَهُ فَرْسَخًا أَوْ فَرَاسِخَ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخِفَافِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ اللُّبُودِ التُّرْكِيَّةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. [الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَة] (لَا) يَجُوزُ الْمَسْحُ (عَلَى عِمَامَةٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَاحِدُ الْعَمَائِمِ (وَقَلَنْسُوَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ السِّينِ مَعْرُوفَةٌ (وَبُرْقُعٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْخِمَارِ (وَقُفَّازَيْنِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ أَوْ مِخْلَبِ الصَّقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي نَزْعِهَا لَكِنْ لَوْ مَسَحَتْ عَلَى خِمَارِهَا وَنَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى رَأْسِهَا حَتَّى ابْتَلَّ قَدْرُ الرُّبُعِ جَازَ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ] (وَيَجُوزُ) الْمَسْحُ (عَلَى الْجَبِيرَةِ) وَهِيَ الْيَدَانِ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى الْعِظَامِ الْمَكْسُورَةِ. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْمَاءُ يَضُرُّ الْجِرَاحَةَ إذَا غَسَلَهَا فَإِذَا أَضَرَّ يَمْسَحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ، وَإِنْ أَضَرَّ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَإِنْ أَضَرَّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ سَقَطَ الْمَسْحُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي مَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ تَبَعٌ لَهَا. (وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ) وَهِيَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْقُرْحَةِ (وَنَحْوُهَا) كَالْجُرْحِ وَالْكَيِّ وَالْكَسْرِ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهَا الدَّوَاءَ أَوْ الْعِلْكَ وَيَضُرُّهُ نَزْعُهُ عَنْهُ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِلْكِ يَضُرُّهُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ عَلَى الْخِرْقَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْشَفُ الْمَاءُ بِخِلَافِ الْخِرْقَةِ فَإِنَّهَا تُنَشِّفُهُ فَيَصِلُ إلَى الْجِرَاحَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَدَّهَا بِلَا وُضُوءٍ) ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَجًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ وَأَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَمْسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهِ حِينَ انْكَسَرَ إحْدَى زَنْدَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَقِيلَ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَكَذَا الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَهُوَ كَالْغَسْلِ) لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا وَفِي الْمُخْتَارَاتِ رَجُلٌ فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ جِرَاحَةٌ فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْمَجْرُوحَةِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَةَ وَلَبِسَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَسْحِ

باب الحيض

عَلَى الْمَجْرُوحَةِ وَذَلِكَ كَالْغَسْلِ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَذَا لَا يَجُوزُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ (فَيُجْمَعُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْغَسْلِ. (وَلَا يَتَوَقَّفُ) بِمُدَّةٍ لَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ (وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ الْعِصَابَةِ) وَهِيَ مَا تُشَدُّ بِهِ الْخِرْقَةُ لِئَلَّا تَسْقُطَ (مَعَ فُرْجَتِهَا إنْ ضَرَّهُ حَلُّهَا كَانَ تَحْتَهَا جِرَاحَةٌ أَوْ لَا) فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ الْحَلُّ حَلَّهَا وَغَسَلَ مَا حَوْلَ الْجِرَاحَةِ وَمَسَحَ عَلَيْهَا وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحَلِّ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى رَبْطِهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَجِدَ مَنْ يَرْبِطُهَا (وَيَكْفِي مَسْحُ أَكْثَرِهَا) وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ هَذَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (فَإِنْ سَقَطَتْ) الْجَبِيرَةُ وَالْعِصَابَةُ (عَنْ بُرْءٍ) وَكَانَ فِي الصَّلَاةِ (بَطَلَ) الْمَسْحُ وَاسْتَأْنَفَهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَرِئَ مَوْضِعُهُمَا، وَلَمْ تَسْقُطْ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ إزَالَتُهَا أَمَّا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ لِشِدَّةِ لُصُوقِهَا فَلَا. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ عَنْ بُرْءٍ (فَلَا) يَبْطُلُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ (وَلَوْ تَرَكَهُ) أَيْ الْمَسْحَ (مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَالْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ وَفِي الْمَكْسُورِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ وَالْأَكْبَرُ. (وَضَعَ عَلَى شِقَاقِ رِجْلِهِ) وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ عَلَى شُقُوقِ رِجْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّقَّ وَاحِدُ الشُّقُوقِ لَا الشِّقَاقِ؛ لِأَنَّ الشِّقَاقَ دَاءٌ يَكُونُ لِلدَّوَابِّ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (دَوَاءٌ لَا يَصِلُ الْمَاءُ تَحْتَهُ يَجْزِيهِ إجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ الدَّوَاءِ) لِمَا فِي تَكْلِيفِ إيصَالِ الْمَاءِ تَحْتَهُ مِنْ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَإِذَا كَانَ فِي أَعْضَائِهِ شِقَاقٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ غَسْلِهَا يَلْزَمُهُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ يَلْزَمُهُ الْمَسْحُ ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْهُ يَغْسِلُ مَا حَوْلَهُ وَيَتْرُكُهُ وَإِنْ كَانَ الشِّقَاقُ فِي يَدِهِ وَيَعْجَزُ عَنْ الْوُضُوءِ اسْتَعَانَ بِالْغَيْرِ لِيُوَضِّئَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعِنْ وَتَيَمَّمَ جَازَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِذَا وَضَعَ الدَّوَاءَ عَلَى شِقَاقِ الرِّجْلِ أَمَرَّ الْمَاءَ فَوْقَ الدَّوَاءِ فَإِذَا أَمَرَّ الْمَاءَ ثُمَّ سَقَطَ الدَّوَاءُ، وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ غَسَلَ الْمَوْضِعَ وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالرَّأْسِ) ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَفِيهِ رَدٌّ لِلْعَتَّابِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَتَوَابِعِهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. [بَابُ الْحَيْضِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ذَكَرَ مَا هُوَ أَقَلُّ وُقُوعًا مِنْهُ وَلُقِّبَ بِالْبَابِ لِأَصَالَتِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهَا تُعْرَفُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَالْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السَّيَلَانِ يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي أَيْ سَالَ فَسُمِّيَ حَيْضًا لِسَيَلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ (وَهُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ بَالِغَةٍ لَا دَاءَ بِهَا) وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ

مدة الحيض

الرَّحِمِ عَنْ الرُّعَافِ وَالدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْجِرَاحَاتِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهَا دَمُ عِرْقٍ لَا دَمِ رَحِمٍ وَبِقَيْدِ بَالِغَةٍ عَنْ دَمٍ تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ وَبِقَيْدِ لَا دَاءَ بِهَا عَنْ دَمِ النِّفَاسِ فَإِنَّ النُّفَسَاءَ مَرِيضَةٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ حَتَّى اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَهْنَسِيِّ قَيْدُ بَالِغَةٍ زَائِدٌ؛ لِأَنَّهُ لِإِخْرَاجِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَقَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ رَحِمُ وَقَوْلُهُ لَا دَاءَ بِهَا لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ لِمَرَضٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَيَخْرُجُ بِهِ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَيْضًا انْتَهَى لَكِنْ أَقُولُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى دَمِ الصَّغِيرَةِ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ بَلْ دَمًا ضَائِعًا فَزِيدَ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ تَكْمِيلًا لِلتَّعْرِيفِ عَلَى الْأَصْلَيْنِ وَإِخْرَاجًا لَهُ عَنْ حَيِّزِ الْخِلَافِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا دَاءَ بِهَا لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ لِمَرَضِ الرَّحِمِ لَا لِمَرَضِ ذَاتِ الرَّحِمِ، وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ عِرْقٍ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّحِمِ فِيهِ تَدَبَّرْ. [مُدَّة الْحَيْض] (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) بِرَفْعِ: ثَلَاثَةُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَنَصْبِهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ (بِلَيَالِيِهَا) يَعْنِي ثَلَاثَ لَيَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَإِضَافَةُ اللَّيَالِي إلَى الْأَيَّامِ لِبَيَانِ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْأَيَّامِ فِيهَا لَا لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّيَالِي لَيَالِيَ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَمَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ عَلَى هَذَا قَالَ مَا قَالَ. (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ سَاعَةٌ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) أَيْ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ لَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي الْأَظْهَرِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ لِقَلِيلِهِ وَلَا لِكَثِيرِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» (وَمَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّهِ أَوْ زَادَ عَلَى أَكْثَرِهِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَمَا تَرَاهُ مِنْ الْأَلْوَانِ فِي مُدَّتِهِ سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ فَهُوَ حَيْضٌ) اعْلَمْ أَنَّ أَلْوَانَ الْحَيْضِ هِيَ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ وَهُمَا حَيْضٌ إجْمَاعًا وَكَذَا الصُّفْرَةُ الْمُشْبَعَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْخُضْرَةُ وَالصُّفْرَةُ الضَّعِيفَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالتُّرَابِيَّةُ عِنْدَنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكُدْرَةَ تَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ، وَالتُّرَابِيَّةُ إلَى السَّوَادِ. (وَكَذَا الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِيهَا) أَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهَذِهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهَا الْبُدَاءَةُ بِالطُّهْرِ وَلَا الْخَتْمُ بِهِ وَوَجْهُهَا أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ صُورَتُهُ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَقِيلَ - وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ -: إنْ كَانَ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَفْصِلُ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي لِقِلَّةِ التَّفَاصِيلِ الَّتِي يَشُقُّ

ضَبْطُهَا وَيَجُوزُ عَلَيْهَا الْبُدَاءَةُ بِالطُّهْرِ وَالْخَتْمُ بِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ إحَاطَةِ الدَّمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا لَوْ رَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. (وَهُوَ) أَيْ الْحَيْضُ (يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ (وَتَقْضِيهِ دُونَهَا) أَيْ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ» وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَصِحَّةَ أَدَائِهَا وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ بَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ أَدَائِهِ فَقَطْ فَنَفْسُ وُجُوبِهِ ثَابِتٌ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا طَهُرَتْ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَقْتِ عِنْدَنَا فَإِذَا حَاضَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ سَقَطَتْ، وَإِنْ طَهُرَتْ فِيهِ وَجَبَتْ فَإِذَا كَانَتْ طَهَارَتُهَا لِعَشَرَةٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي لَمْحَةً، وَإِنْ كَانَتْ لِأَقَلَّ مِنْهَا وَذَلِكَ عَادَتُهَا فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ، وَالتَّحْرِيمَةَ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مُدَّةُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصَّائِمَةُ إذَا حَاضَتْ فِي النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ بَطَلَ صَوْمُهَا فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ إنْ كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا وَإِنْ كَانَ نَفْلًا لَا (وَ) يَمْنَعُ (دُخُولَ الْمَسْجِدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِ الدُّخُولَ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ. (وَ) يَمْنَعُ (الطَّوَافَ) ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ قِيلَ: وَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ الْحُكْمُ مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ: وَدُخُولَ الْمَسْجِدِ فَلِمَ ذَكَرَهُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ عَدَمُ جَوَازِ شُرُوعِ الْحَائِضِ لِلطَّوَافِ؛ إذْ يَلْزَمُهَا الدُّخُولُ فِي الْمَسْجِدِ حَائِضًا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ لَا يَجُوزُ لَهَا الطَّوَافُ؛ إذْ حِينَئِذٍ لَا يُوجَدُ مِنْهَا الدُّخُولُ فِي الْمَسْجِدِ حَائِضًا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهَا. (وَ) يَمْنَعُ (قُرْبَانَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) كَالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّفْخِيذِ وَيُحِلُّ الْقُبْلَةَ وَمُلَامَسَةَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: قُرْبَانَ الْفَرْجِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ حُرْمَتُهُ دُونَ حُرْمَةِ مَا سِوَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّ وَطْئِهَا) وَاخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِهِ فَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالِاخْتِيَارِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَطِئَهَا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ عَامِدًا مُخْتَارًا لَا جَاهِلًا وَلَا نَاسِيًا وَلَا مُكْرَهًا كَبِيرَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ وَقِيلَ: بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَبِنِصْفِهِ فِي آخِرِهِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَحَرَامٌ فِي حَالَتَيْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ. (وَإِنْ انْقَطَعَ) الْحَيْضُ (لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ

دم النفاس

فَلَا يَحْتَمِلُ عَوْدُ الدَّمِ بَعْدَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ: لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ. (وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ) مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَفَوْقَ الثَّلَاثِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى تَمَامِ عَادَتِهَا (لَا يَحِلُّ) وَطْؤُهَا (حَتَّى تَغْتَسِلَ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَسِيلُ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ (أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ) فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَإِنْ لِمَ تَغْتَسِلْ إقَامَةً لِلْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّ حَمْلِ الْوَطْءِ؛ فَلِهَذَا صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا. (وَإِنْ كَانَ) الِانْقِطَاعُ (دُونَ عَادَتِهَا) وَعَادَ لَهَا دُونَ الْعَشْرِ (لَا يَحِلُّ) وَطْؤُهَا (وَإِنْ اغْتَسَلَتْ) حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا؛ لِأَنَّ عَوْدَ الدَّمِ غَالِبٌ. (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ) الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَصَارَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَقَدْ لَا يَمْتَدُّ وَقَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ (إلَّا عِنْدَ نَصْبِ الْعَادَةِ فِي زَمَنِ الِاسْتِمْرَارِ) يَعْنِي إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِأَكْثَرِهِ حَدٌّ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيرِ وَقِيلَ: طُهْرُهَا تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ بِيَقِينٍ لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَقِيلَ طُهْرُهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَحَيْضُهَا ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ طُهْرُهَا شَهْرٌ كَامِلٌ وَقِيلَ شَهْرَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ وَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ إذْ الْعَادَةُ نُقْصَانُ طُهْرِ غَيْرِ الْحَامِلِ عَنْ طُهْرِ الْحَامِلِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَنَقَصْنَا مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ السَّاعَةُ صُورَتُهُ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا، وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ؛ لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَإِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ كَمَا لَوْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً (وَإِذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَالزَّائِدُ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيْضًا مَا جَاوَزَ أَكْثَرَهُ. (وَإِلَّا فَحَيْضٌ) أَيْ وَإِنْ لِمَ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَزَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ، وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا. [دَم النِّفَاسُ] (وَالنِّفَاسُ) بِكَسْرِ النُّونِ مَصْدَرُ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا

حكم النفاس

إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نِفَاسٌ وَلَيْسَ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ إلَّا نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ (دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) مِنْ الْفَرْجِ فَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بَلْ هِيَ نُفَسَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَبِهِ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُفِيدِ، وَقَالَ: لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ. [حُكْم النِّفَاس] (وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ) فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَا يُوجَدُ فَإِنَّهَا كَمَا وَلَدَتْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَالْمُرَادُ مِنْ السَّاعَةِ اللَّمْحَةُ لَا السَّاعَةُ النُّجُومِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بِأَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي النِّفَاسِ مِنْ الْجَارِيَةِ كَقَوْلِنَا: وَفِي الْغُلَامِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا حُجَّتُنَا عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَمَا تَرَاهُ الْحَامِلُ حَالَ الْحَمْلِ، وَعِنْدَ الْوَضْعِ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ، وَبِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ فَمَا تَرَاهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً رَوَى خَلَفٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ نِفَاسٌ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. (وَإِنْ زَادَ) الدَّمُ (عَلَى أَكْثَرِهِ وَلَهَا عَادَةٌ فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى عَادَتِهَا (اسْتِحَاضَةٌ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ (فَالزَّائِدُ عَلَى الْأَكْثَرِ فَقَطْ اسْتِحَاضَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ لَا يَتَجَاوَزَانِ الْأَكْثَرَ. (وَالْعَادَةُ تَثْبُتُ وَتَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ) وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا رَأَتْ خِلَافَ عَادَتِهَا مَرَّةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ إلَى آخِرِ مَا رَأَتْ، وَلَوْ أَنَّهَا رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَا رَأَتْ مَرَّتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَنِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ) هُمَا وَلَدَانِ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (مِنْ الْأَوَّلِ) عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ ظَهَرَ انْفِتَاحُ الرَّحِمِ فَكَانَ الْمَرْئِيُّ عَقِيبَهُ نِفَاسًا كَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ يُشْكِلُ

دم الاستحاضة

هَذَا بِقَوْلِهِ: أَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا تَرَاهُ عَقِيبَ الثَّانِي إنْ كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِفَاسُ الْأَوَّلِ لِتَمَامِهَا، وَاسْتِحَاضَةٌ بَعْدَ تَمَامِهَا. وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَلُ كَحَمْلٍ وَاحِدٍ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ نِفَاسَهَا مِنْ الثَّانِي لِانْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالثَّانِي فَلَا يَكُونُ مَا تَرَاهُ عَقِيبَ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّحِمِ بَلْ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ (وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ) الْوَلَدِ (الْأَخِيرِ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ، وَلَا فَرَاغَ مَعَ بَقَاءِ الْوَلَدِ. (وَالسِّقْطُ) مُثَلَّثَةٌ اسْمٌ لِلْوَلَدِ السَّاقِطِ قَبْلَ تَمَامِهِ (إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ) كَشَعْرٍ وَأَنْفٍ وَيَدٍ وَرِجْلٍ (فَهُوَ وَلَدٌ تَصِيرُ بِهِ أُمُّهُ نُفَسَاءَ وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ) إنْ ادَّعَاهُ السَّيِّدُ. (وَيَقَعُ) بِهِ (الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. (وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ لَكِنَّهُ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ، وَنُقْصَانُ الْخِلْقَةِ لَا يَمْنَعُ أَحْكَامَ الْوِلَادَةِ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبِ التَّبْيِينِ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا نُظِرَ فَلْيُتَأَمَّلْ. [دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ] (وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ كَرُعَافٍ دَائِمٍ لَا يَمْنَعُ صَلَاةً وَلَا صَوْمًا وَلَا وَطْءً) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ تُذْكَرْ فِي مَوْضِعِهَا، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ تُذْكَرَ فِي فَصْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَدَبَّرْ. [فَصْلٌ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ] فَصْلٌ (الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ) مَنْ بِهِ (اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٌ أَوْ جُرْحٌ لَا يَرْقَأُ) الِاسْتِحَاضَةُ فِي اللُّغَةِ اسْتِمْرَارُ الدَّمِ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ أَيَّامِهَا وَسَلَسُ الْبَوْلِ اسْتِرْسَالُهُ وَعَدَمُ اسْتِمْسَاكِهِ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ جَرَيَانُهُ وَانْفِلَاتُ الرِّيحِ أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ جَمْعَ مَقْعَدِهِ كُلَّ الْجَمْعِ وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ دَمُهُ (يَتَوَضَّئُونَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَيُصَلُّونَ بِهِ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءُوا مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ) مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالنَّذْرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَيُصَلُّونَ بِهِ مِنْ النَّوَافِلِ مَا شَاءُوا تَبَعًا لِذَلِكَ الْفَرْضِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» أَطْلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَالْكَامِلُ هِيَ الْمَكْتُوبَةُ وَلَنَا أَنَّ اللَّامَ فِي لِكُلِّ صَلَاةٍ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وَإِلَّا لَزِمَ الْوُضُوءُ لِقَضَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهَا صَلَوَاتٌ، وَهَذَا حَرَجٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ عَلَى أَنَّ الْحُفَّاظَ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ مُتَمَسَّكِهِ عَلَى مَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَذْهَبِ (وَيَبْطُلُ) الْوُضُوءُ (بِخُرُوجِهِ) أَيْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ (فَقَطْ) هَذَا إذَا كَانَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا لَوْ وُجِدَ قَبْلَهُ ثُمَّ انْقَطَعَ وَاسْتَمَرَّ الِانْقِطَاعُ إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ، وَلِهَذَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّمُ سَائِلًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ

باب الأنجاس

(وَقَالَ زُفَرُ بِدُخُولِهِ) أَيْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (فَقَطْ) وَإِضَافَةُ الْبُطْلَانِ إلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِنْقَاضِ حَقِيقَةً. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَبْطُلُ (بِأَيِّهِمَا كَانَ) وَإِلَى ثَمَرَةِ الْخِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (فَالْمُتَوَضِّئُ وَقْتَ الْفَجْرِ لَا يُصَلِّي بِهِ بَعْدَ الطُّلُوعِ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِانْتِفَاضِ طَهَارَتِهِ بِالْخُرُوجِ (إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَالْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ الطُّلُوعِ) قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِعِيدٍ عَلَى الصَّحِيحِ (يُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِعَدَمِ خُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الطُّهْرِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِزُفَرَ لِوُجُودِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلِأَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ أَحَدِ النَّاقِضَيْنِ، وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ. (وَالْمَعْذُورُ مَنْ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ إلَّا وَاَلَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ) هَذَا تَعْرِيفُ الْمَعْذُورِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ فَإِنْ يَسْتَوْعِبْ اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَامِلًا كَالِانْقِطَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْوَقْتَ كُلَّهُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْكَافِي مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ انْتَهَى وَقَدْ وَفَّقَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ اسْتِيعَابِ الْمَذْكُورِ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ عَلَى مَا يَعُمُّ الْحُكْمِيَّ، وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مِثْلُ الِانْقِطَاعِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ الِاسْتِيعَابَ الْحَقِيقِيَّ انْتَهَى أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ الِاسْتِيعَابِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ الِانْقِطَاعِ لِلِاسْتِيعَابِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَمِرُّ كَمَالَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ لَحْظَةً نَادِرٌ فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيِ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَدُومُ انْقِطَاعُهُ وَقْتًا كَامِلًا، وَهُوَ مَا يَتَحَقَّقُ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ مَا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ مَا فِيهِ، وَمَا فِي الْكَافِي يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِمَا فِي غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: وَلَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ الْيَسِيرَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي النَّوَازِلِ وَإِذَا كَانَ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَأَصَابَهُ الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ أَصَابَ ثَوْبًا فَصَلَّى، وَلَمْ يَغْسِلْهُ إنْ كَانَ غَسَلَهُ يَنْجَسُ ثَانِيًا قَبْلَ الْفَرَاغِ جَازَ أَنْ لَا يَغْسِلَهُ، وَإِلَّا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ كَانَتْ بِهِ دَمَامِيلُ أَوْ جُدَرِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَبَعْضُهَا سَائِلٌ ثُمَّ سَالَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ كَمَا إذَا سَالَ أَحَدُ مَنْخَرَيْهِ فَتَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِهِ وَصَلَّى ثُمَّ سَالَ الْمَنْخَرُ الْآخَرُ فِي الْوَقْتِ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ. [بَابُ الْأَنْجَاسِ] إضَافَةُ الْبَابِ إلَى الْأَنْجَاسِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَيَانَهَا فِيهِ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلَا يَقْتَضِي

تَقْدِيرَ الْبَيَانِ كَمَا سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ وَمَا فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى تَعَدُّدِ الْأَنْوَاعِ يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ الْأَنْوَاعِ مُضَافًا إلَى الْأَنْجَاسِ فَمَنْ قَالَ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: بَابُ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْأَنْجَاسِ فَقَدْ زَادَهُ وَالْأَنْجَاسُ جَمْعٌ نَجَسٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَبِكَسْرِ النُّونِ مَعَ كَسْرِ الْجِيمِ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي اللُّغَةِ وَالنَّجَسُ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْخَبَثُ وَعَلَى الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْحَدَثُ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا الْأَوَّلُ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قَلِيلَهَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ قَلِيلَهَا مَعْفُوٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ وَمَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ (يَطْهُرُ بَدَنُ الْمُصَلِّي وَثَوْبُهُ) وَكَذَا مَكَانُهُ يَعْنِي لَمَّا وَجَبَ التَّطْهِيرُ فِي الثَّوْبِ بِعِبَارَةِ النَّصِّ وَجَبَ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ بِدَلَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ الْكُلَّ. وَفِي الْآخَرَيْنِ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا، وَقَدْ يَخْلُو عَنْ الثَّوْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَا هُنَا الْمَكَانَ؛ لِأَنَّهُ أَنْوَاعٌ وَلِكُلٍّ مِنْهَا حُكْمٌ خَاصٌّ عَلَى مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي طَهَارَةِ الْمَكَانِ تَحْتَ قَدَمِ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقَدَمِ وَأَمَّا فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ (مِنْ النَّجَسِ الْحَقِيقِيِّ بِالْمَاءِ) وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَنَجَسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّهُ إنْ أُزِيلَتْ بِهِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ زَالَتْ وَتَبْقَى نَجَاسَةُ الْمَاءِ (وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (مُزِيلٍ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِأَنْ يَنْعَصِرَ إذَا عُصِرَ (كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ لَا الدُّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِدُسُومَتِهِ لَا تُزِيلُ غَيْرَهُ، وَكَذَا اللَّبَنُ، وَنَحْوُهُ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالنَّجَسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ وَلَهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقَةَ تَرْتَفِعُ بِالْمَاءِ اتِّفَاقًا لِقَلْعِهِ النَّجَاسَةَ عَنْ مَحَلِّهَا فَكَذَا يَرْفَعُهَا الْمَائِعُ لِمُشَارَكَتِهِ الْمَاءَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي طَهَارَتِهِمَا بِالْمَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يَطْهُرُ الْبَدَنُ إلَّا بِالْمَاءِ. (وَ) يَطْهُرُ (الْخُفُّ إنْ تَنَجَّسَ بِنَجَسٍ لَهُ جِرْمٌ بِالدَّلْكِ الْمُبَالَغِ إنْ جَفَّ) إنَّمَا خُصَّ الْخُفُّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجُرْمِ لِأَنَّ مَا لَا جُرْمَ لَهُ إذَا أَصَابَ الْخُفَّ لَا بِالدَّلْكِ وَإِنْ جَفَّ إلَّا إذَا الْتَصَقَ بِهِ مِنْ التُّرَابِ فَجَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجَفَافِ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ جِرْمٌ مِنْ النَّجَسِ إذَا أَصَابَ الْخُفَّ، وَلَمْ يَجِفَّ لَا يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالدَّلْكِ؛ لِأَنَّهُ بِالْغَسْلِ يَطْهُرُ اتِّفَاقًا ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَ مَا لَهُ جِرْمٌ وَمَا لَا جِرْمَ لَهُ هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يُرَى

بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعُذْرَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ ذُو جِرْمٍ، وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ لَيْسَ بِذِي جِرْمٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُبَالَغِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْمُتُونِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ أَصْلًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. (وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِفَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتِي) أَيْ جَوَازِ الدَّلْكِ فِي رَطْبٍ ذِي جِرْمٍ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَفَافُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ ذَهَابُ الرَّائِحَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى. (وَإِنْ تَنَجَّسَ بِمَائِعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَتَشَرَّبُ فِي الْخُفِّ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْغَسْلِ. (وَالْمَنِيُّ نَجَسٌ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَيَطْهُرُ إنْ يَبِسَ بِالْفَرْكِ وَإِلَّا يُغْسَلْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْيُبْسِ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَتَّهُ أَوْ حَكَّهُ بَعْدَمَا يَبِسَ يَطْهُرُ وَطَهَارَتُهُ مَشْرُوطَةٌ بِطَهَارَةِ رَأْسِ الْحَشَفَةِ وَإِلَّا يَجِبُ الْغَسْلُ وَلَا يَضُرُّ الْمُجَاوَرَةُ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا النَّجَاسَةَ الْبَاطِنَةَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يُمْذِي ثُمَّ يُمْنِي وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ فَيَجْعَلَهُ تَبَعًا لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ اخْتَارَهُ فَأَطْلَقَهُ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي الْبَدَنِ أَشَدُّ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الدَّلْكِ، وَبَقَاءُ أَثَرِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْفَرْكِ لَا يَضُرُّ كَبَقَائِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَنِيُّ شَيْئًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَيْهَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ إذَا فُرِكَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا. وَفِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقِلُّ النَّجَاسَةُ بِالْفَرْكِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ عَادَ نَجَسًا عِنْدَهُ قِيَاسًا، وَلَا يَعُودُ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَكَذَا الْخُفُّ إذَا أَصَابَهُ نَجَسٌ فَدَلَكَهُ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَاءُ. (وَ) يَطْهُرُ (السَّيْفُ) الصَّقِيلُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا بِالصَّقِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ (وَنَحْوُهُ) كَالْمِرْآةِ وَالسِّكِّينِ (بِالْمَسْحِ مُطْلَقًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ سَيْفٌ أَوْ سِكِّينٌ أَصَابَهُ الْبَوْلُ وَالدَّمُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَالْعُذْرَةُ أَيْ الرَّطْبَةُ وَالْيَابِسَةُ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ السَّيْفُ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالْبَوْلِ وَالْعُذْرَةِ وَالْإِمَامُ الْقُدُورِيِّ اخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا. (وَ) تَطْهُرُ (الْأَرْضُ) النَّجِسَةُ (بِالْجَفَافِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ) وَهُوَ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ وَالطَّعْمُ وَمَنْ قَصَرَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَقَدْ قَصَرَ كَمَا فِي بَحْرِ الرِّوَايَةِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا جَفَافُهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ وَهِيَ الذَّبْحُ سَبَبُ الطَّهَارَةِ فِي الذَّبِيحَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (لَا لِلتَّيَمُّمِ) ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا لِلتَّيَمُّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ طَاهِرًا فَلَا يَتَأَدَّى التَّيَمُّمُ بِمَا ثَبَتَتْ طَهَارَتُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا لَمْ يَجُزْ التَّوَجُّهُ إلَى

الْحَطِيمِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ» وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجَفَافِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِفَّ لَا تَطْهُرُ إلَّا إذَا صَبَّ عَلَيْهَا مَاءً بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ فَتَطْهُرُ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْجَفَافِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْيُبْسِ؛ لِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَفَافِ، وَالْمُعْتَبَرُ هَا هُنَا الْجَفَافُ. (وَكَذَا الْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ (وَالْخُصُّ الْمَنْصُوبُ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْبَيْتُ مِنْ قَصَبٍ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا السُّتْرَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ مِنْ الْقَصَبِ وَتَقْيِيدُ الْخُصِّ بِالْمَنْصُوبِ كَتَقْيِيدِ الْآجُرِّ بِالْمَفْرُوشِ. (وَالشَّجَرُ وَالْكَلَأُ غَيْرُ الْمَقْطُوعِ هُوَ الْمُخْتَارُ) رَاجِعٌ إلَى الْآخَرَيْنِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا مُقَيَّدَيْنِ بِقَيْدِ غَيْرِ الْمَقْطُوعِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْإِصْلَاحِ وَالْخَانِيَّةِ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ. (وَالْمُنْفَصِلُ) مِنْ الْأَوَّلَيْنِ (وَالْمَقْطُوعُ) مِنْ الْأَخِيرَيْنِ (لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ) . وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْجِصُّ بِالْجِيمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَرْضِ بِخِلَافِ اللَّبِنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ. (وَطَهَارَةُ الْمَرْئِيِّ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) النَّجَاسَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ وَطَهَارَةُ الْأُولَى بِزَوَالِ عَيْنِهَا لِأَنَّ تَنَجُّسَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ فَإِزَالَتُهَا، وَلَوْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ تَطْهِيرٌ لَهُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ صَارَتْ كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً بَلْ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ لَا يَخْلُو عَنْ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ فَإِنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالثَّوْبِ لَا تَكُونُ مَرْئِيَّةً، وَغَيْرُ الْمَرْئِيِّ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ، وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ. (وَيُعْفَى أَثَرٌ شَقَّ زَوَالُهُ) بِأَنْ يَحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ إلَى نَحْوِ الصَّابُونِ. (وَ) يَطْهُرُ (غَيْرُ الْمَرْئِيِّ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا. وَفِي الْمَطْلَبِ: وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهُ غَالِبًا وَلِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْغَسْلِ ثَلَاثًا عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فَعِنْدَ التَّحَقُّقِ يَنْبَغِي الزِّيَادَةُ احْتِيَاطًا عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ تَنْزِيهِيٌّ لَا تَحْرِيمِيٌّ بِدَلَالَةِ التَّعْلِيلِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ لِلْمُصَلِّي (أَوْ سَبْعًا) هَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ: ذِكْرُ السَّبْعِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَالْعَصْرُ كُلُّ مَرَّةٍ إنْ أَمْكَنَ عَصْرُهُ) وَيُبَالِغُ فِي الثَّالِثِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ الْقَطْرُ وَالْمُعْتَبَرُ عَصْرُ الْغَاسِلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَعَصَرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ يَطْهُرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً. (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْعَصْرُ كَالْحَصِيرِ وَنَحْوِهِ (فَيَطْهُرُ بِالتَّجْفِيفِ، كُلُّ مَرَّةٍ يَنْقَطِعُ التَّقَاطُرُ) وَلَا يُشْتَرَطُ الْيُبْسُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُنْتَفِخَةً وَاللَّحْمُ

مَغْلِيٌّ بِالْمَاءِ النَّجَسِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ تُنْقَعَ الْحِنْطَةُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ حَتَّى تَتَشَرَّبَ ثُمَّ يُجَفَّفَ وَيُغْلَى اللَّحْمُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَيُبَرَّدَ، يُفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعَلَى هَذَا السِّكِّينُ الْمُمَوَّهُ بِالْمَاءِ النَّجَسِ بِأَنْ يُمَوَّهَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ كَانَ الْغَسْلُ نَجَسًا يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِقَدْرِهِ وَيُغْلَى حَتَّى يَعُودَ إلَى مَكَانِهِ ثَلَاثًا وَكَذَا الدُّهْنُ بِأَنْ يُوضَعَ فِي إنَاءٍ مَثْقُوبٍ وَيُجْعَلَ عَلَى الْمَاءِ، وَيُحَرَّكَ ثُمَّ يُفْتَحَ الثَّقْبُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ الْمَاءُ ثَلَاثًا، وَلَوْ أُلْقِيَتْ دَجَاجَةٌ حَالَةَ الْغَلَيَانِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا، وَيُغْسَلَ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِلنَّتْفِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا وَكَذَا الدَّقِيقُ إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ بِالِاتِّفَاقِ (. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِعَدَمِ طَهَارَةِ غَيْرِ الْمُنْعَصِرِ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْعَصْرِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ. (وَيَطْهُرُ بِسَاطٌ تَنَجَّسَ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة وَقِيلَ أَكْثَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَفِي الْوِقَايَةِ لَيْلَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْبِسَاطُ إذَا تَنَجَّسَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْمَاءُ إلَى أَنْ يُتَوَهَّمَ زَوَالُهَا طَهُرَ؛ لِأَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَا هُنَا مَا تَعَذَّرَ عَصْرُهُ أَوْ تَعَسَّرَ، وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا لَمْ يُمْكِنْ عَصْرُهُ. (وَ) يَطْهُرُ (نَحْوُ الرَّوْثِ وَالْعُذْرَةِ بِالْحَرْقِ حَتَّى يَصِيرَ رَمَادًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ، وَتَنْتِفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الْعَصِيرَ الطَّاهِرَ إذَا صَارَ خَمْرًا يَتَنَجَّسُ وَإِذَا صَارَ خَلًّا يَطْهُرُ اتِّفَاقًا فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ يَسْتَتْبِعُهُ زَوَالُ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ صَابُونٍ صُنِعَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ ذَلِكَ النَّجَسِ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ. (وَكَذَا يَطْهُرُ حِمَارٌ وَقَعَ فِي الْمُمَلَّحَةِ فَصَارَ مِلْحًا) لِانْقِلَابِ الْعَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْخَمْرِ فَلَا خِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا كَالْخِنْزِيرِ يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ،. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْعُذُرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ: تَطْهُرُ. (وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِسَاحَةً كَعَرْضِ الْكَفِّ فِي الرَّقِيقِ وَوَزْنًا بِقَدْرِ مِثْقَالٍ فِي الْكَثِيفِ) وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ مَا وَرَاءَ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ فِي الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالْمِسَاحَةِ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَبِالْوَزْنِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالدِّرْهَمُ هُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي بَلَغَ وَزْنُهُ مِثْقَالًا وَقِيلَ دِرْهَمُ زَمَانِهِ وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ كَالْبَوْلِ، وَرِوَايَةُ الْوَزْنِ فِي الثَّخِينِ كَالْعُذْرَةِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالنَّجَاسَةُ الَّتِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَانِعَةٌ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً مُغَلَّظَةً كَانَتْ أَوْ مُخَفَّفَةً؛ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَنَا أَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ

الْقَلِيلِ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْكُلِّيَّةِ بِإِمْرَارِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ دَخَلَ الْمُسْتَنْجِي فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ، فَإِذَا صَارَ مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ مَعْفُوًّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عُلِمَ أَنَّ قَلِيلَهَا فِي الشَّرْعِ مَعْفُوٌّ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ مُسْتَوِيَةٌ فَعَبَّرُوا عَنْ الْمَقْعَدِ بِالدِّرْهَمِ لِاسْتِقْبَاحِهِمْ ذِكْرَهَا فِي مَحَافِلِهِمْ (مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ) السَّائِلِ إلَّا دَمَ الشَّهِيدِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالسَّائِلِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي اللَّحْمِ وَالْعُرُوقِ لَيْسَ بِنَجَسٍ (وَالْبَوْلِ وَلَوْ مِنْ صَغِيرِ لَمْ يَأْكُلْ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا عَنْ الْبَوْلِ» الْحَدِيثَ (وَكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالدَّمِ (مُوجِبًا لِلتَّطْهِيرِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعِرْقِ وَالْبُزَاقِ وَنَحْوِهِمَا. (وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ) كَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَالْإِوَزِّ (وَبَوْلِ الْحِمَارِ وَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ) وَاعْتَرَضَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ هَا هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ وَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَوْ طَرَحَ قَوْلَهُ: وَالْبَوْلِ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلْكَرَامَةِ وَبَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ التَّصْرِيحُ بِحُكْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ كَذَا قَالَ الْمُحَشِّي يَعْقُوبُ بَاشَا، وَلَمْ يَتَفَطَّنْ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَالْبَوْلِ أَيْ مِنْ حَيَوَانٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْسَانٍ، وَقَوْلُهُ: بَوْلِ الْحِمَارِ نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يُخَالِفُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ فِي الْبَوْلِ كَمَا خَالَفَهُ فِي السُّؤْرِ وَالْعِرْقِ وَلَمْ يُقَدِّرْ التَّدَارُكَ فِي قَوْلِهِ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ فَسَكَتَ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّدَارُكُ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخَرْؤُهُمَا نَجَسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ يَفْسُدُ الْمَاءُ وَالثَّوْبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَوْلُ الْخُفَّاشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ، وَعَلَى هَذَا تَخْصِيصُ ذِكْرِهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَكَذَا الرَّوْثُ وَالْخُنْثَى) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عِنْدَهُ مَا وَرَدَ النَّصُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ فِي طَهَارَتِهِ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفُوا فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ بِنَاءٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لَهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي نَجَاسَتِهِمَا نَصٌّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ» . وَلَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ فَتُغَلَّظُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ عِنْدَهُمَا مُخَفَّفَةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ إذْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ عِنْدَهُمَا فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ؛ إذْ لَا ضَرُورَة فِيهِ فَإِنَّ الْأَرْض تُنَشِّفُهُ. (وَمَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ) قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: وَأَمَّا حَدُّ الْكَثِيرِ فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ فَهُوَ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْإِمَامِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ فَكَرِهَ

أَنْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا، وَقَالَ: الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَفْحِشُهُ النَّاسُ وَيَسْتَكْثِرُونَهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ الرُّبُعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الرُّبُعِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رُبُعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَقِيلَ: رُبُعُ كُلِّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْكُمِّ هُوَ الْأَصَحُّ (كَبَوْلِ الْفَرَسِ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) وَإِنَّمَا خَصَّ ذِكْرَ الْفَرَسِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي كَرَاهَةِ لَحْمِهَا تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا هَذَا مِثَالٌ لِلنَّجَسِ الْخَفِيفِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَوْلُ الْفَرَسِ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ. (وَخَرَجَ طَيْرٌ لَا يُؤْكَلُ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ، وَالْتِحَامِي عَنْهَا مُتَعَذِّرٌ، وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمُخَفَّفَةٌ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ خُرْءَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ فِي الْخُرْءِ انْتَهَى، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عَرَفْت مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْخُرْءُ نَجَاسَةً غَلِيظَةً عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْقَائِلَةَ بِالطَّهَارَةِ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ تُعَدَّ اخْتِلَافًا تَدَبَّرْ. (وَبَوْلٌ انْتَضَحَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ) جَمْعُ إبْرَةٍ وَهُوَ الْمِخْيَطُ وَلَوْ كَانَ مِقْدَارَ عَرْضِ الْكَفِّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا جُمِعَ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِالرُّءُوسِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ الْأَكْبَرِ لَمْ يُعْفَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الرَّأْسِ كَالرَّأْسِ، وَالْمُرَادُ مِنْ رُءُوسِ الْإِبَرِ هَا هُنَا تَمْثِيلٌ لِلتَّقْلِيلِ (عَفْوٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَجَسٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْفَى فِيمَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ وَفِي النَّوَازِلِ رَجُلٌ رَمَى بِعَذِرَةٍ فِي نَهْرٍ فَانْتَضَحَ الْمَاءُ مِنْ وُقُوعِهَا فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٌ بَالَ فِي الْمَاءِ فَأَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الرَّشِّ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَا يَضُرُّهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ لَوْنُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ شَكًّا. (وَدَمُ السَّمَكِ وَخُرْءُ طُيُورٍ مَأْكُولَةٍ طَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّ دَمَ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا دَمُ الْبَقِّ وَالْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ وَالذُّبَابِ طَاهِرٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (إلَّا الدَّجَاجَ وَالْبَطَّ وَنَحْوَهُمَا) . وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ خُرْءَ الدَّجَاجَةِ وَالْبَطِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الطُّيُورِ الْكِبَارِ الَّتِي لِخُرْئِهِ رَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً بِالِاتِّفَاقِ (وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ) عِنْدَهُمَا أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ الشَّيْءُ الطَّاهِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَالطَّاهِرُ لَا يَزُولُ طَهَارَتُهُ بِالشَّكِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) نَجَسٌ (مُخَفَّفٌ) حَتَّى إذَا فَحُشَ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ النَّجَسِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِلضَّرُورَةِ. (وَمَاءٌ) قَلِيلٌ (وَرَدَ عَلَى نَجَسٍ نَجَسٌ) نَجَاسَةً غَلِيظَةً حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَاءُ طَاهِرٌ لِغَلَبَتِهِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ كَنَجَسٍ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهُ نَجَسٌ اتِّفَاقًا. (وَلَوْ لُفَّ ثَوْبٌ طَاهِرٌ فِي رَطْبٍ نَجَسٍ فَظَهَرَتْ فِيهِ رُطُوبَتُهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ قَطَّرَ تَنَجَّسَ) فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ

الاستنجاء

فِيهِ لِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ (وَإِلَّا فَلَا) هُوَ الْأَصَحُّ (كَمَا لَوْ وُضِعَ) الثَّوْبُ حَالَ كَوْنِهِ (رَطْبًا عَلَى مُطَيَّنٍ بِطِينٍ نَجَسٍ جَافٍّ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ جَفَّ؛ لِأَنَّ الْجَفَافَ يَجْذِبُ رُطُوبَةً الثَّوْبِ فَلَا يَتَنَجَّسُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَطْبًا فَيَتَنَجَّسُ. (وَلَوْ تَنَجَّسَ طَرَفٌ) مِنْ الثَّوْبِ (فَنَسِيَهُ) أَيْ نَسِيَ الْمَحَلَّ الْمُصَابَ بِالنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَحَلَّ الْمُصَابَ تَعَيَّنَ غَسْلُهُ. (وَغَسَلَ طَرَفًا) أَيَّ طَرَفٍ (بِلَا نَحْرٍ) فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّحَرِّيَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: إنَّهُ شَرْطٌ (حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ) عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي مُتَفَرِّقَاتِ رُكْنِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَإِنْ تَحَرَّى وَكَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ يَغْسِلُ جَمِيعَ الثَّوْبِ فَلَوْ صَلَّى مَعَ هَذَا الثَّوْبِ صَلَاةً ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ يُعِيدُ هَذِهِ الصَّلَاةَ (كَحِنْطَةٍ بَالَتْ عَلَيْهَا حُمُرٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَالسُّكُونُ جَمْعُ حِمَارٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّ بَوْلَهَا نَجَاسَةٌ مُغَلَّظَةٌ فَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهَا بِالدَّلَالَةِ (تَدُوسُهَا) أَيْ: تَطَأُ بِقَوَائِمِهَا تِلْكَ الْحِنْطَةَ فَتُخْلَطُ بِغَيْرِهَا (فَغَسَلَ بَعْضَهَا أَوْ ذَهَبَ) بَعْضُهَا (طَهُرَ كُلُّهَا) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ بَعْضُهَا أَوْ قُسِّمَتْ الْحِنْطَةُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ طَاهِرًا؛ إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّجَاسَةُ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ فَاعْتُبِرَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي الطَّهَارَةِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ انْتَهَى فِيهِ كَلَامٌ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي التَّحَرِّي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَذَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ وَلَبَنُهَا طَاهِرٌ) قَالَ ابْنُ مَلَكٍ إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً كَرِشُ الْجَدْيِ أَوْ الْحَمَلِ الصَّغِيرِ لَمْ يُؤْكَلْ بَعْدُ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ " ينيرمايه " يَعْنِي: إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ جَامِدَةً كَانَتْ أَوْ مَائِعَةً طَاهِرَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَكَذَا لَبَنُهَا أَمَّا الْإِنْفَحَةُ الْجَامِدَةُ فَإِنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تَحِلَّ فِيهَا وَأَمَّا الْمَائِعَةُ وَاللَّبَنُ فَلِأَنَّ نَجَاسَةَ مَحَلِّهَا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرَةً فِيهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا كَانَ اللَّبَنُ الْخَارِجُ بَيْنَ فَرْثٍ وَدَمٍ طَاهِرًا فَلَا تَكُونُ مُؤَثِّرَةً بَعْدَ الْمَوْتِ انْتَهَى أَقُولُ هَذَا يُشْكِلُ بِالْقَيْءِ؛ لِأَنَّ الْقَيْءَ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ غَيْرَ الْبَلْغَمِ نَجَسٌ بِالِاتِّفَاقِ بِمُجَاوَرَتِهِ، وَبِهَذَا ثَبَتَ تَأْثِيرُ نَجَاسَةِ الْمَحَلِّ، وَأَمَّا عَدَمُ تَأْثِيرِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلْيُتَأَمَّلْ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا: إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا نَجِسَةٌ وَلَبَنُهَا نَجَسٌ؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحَلِّ يُوجِبُ تَنَجُّسَ مَا فِيهِ. [الِاسْتِنْجَاءُ] (وَالِاسْتِنْجَاءُ) إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ تَطْهِيرِ الْبَدَنِ مِنْ النَّجَاسَةِ

وَهُوَ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ، وَالنَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ يُقَالُ: نَجَا وَأَنْجَا إذَا أَحْدَثَ وَالسِّينُ لِلطَّلَبِ كَأَنَّهُ طَلَبَ النَّجْوَ، وَفِي الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بِالْمَاءِ تَارَةً وَبِالْأَحْجَارِ أُخْرَى (سُنَّةٌ) لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتِرَاضُ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ، وَدَفْعُهُ بِتَقْيِيدِهِ مَعَ التَّرْكِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَمُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْقَائِلُ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْوُجُوبِ إنَّمَا يَقُولُ عِنْدَ سَلَامَتِهَا عَنْ مُعَارِضٍ، وَقَدْ وَقَعَ الْمُعَارِضُ هَا هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا» حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لَمَّا انْتَفَى الْحَرَجُ عَنْ تَارِكِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَثَبَتَ بِالْمُوَاظَبَةِ سُنِّيَّتُهُ تَدَبَّرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَرْضٌ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ (مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرُ الرِّيحِ) وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ الْخَارِجِ الْمَذْكُورِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْفَصْدِ وَالْخَارِجِ مِنْ قُرْحِ السَّبِيلَيْنِ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِنْجَاءَ فِيهَا بِدْعَةٌ. (وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ) أَيْ لَمْ يُسَنَّ فِي اسْتِنْجَاءِ الْأَحْجَارِ عَدَدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّثْلِيثِ (بَلْ يَمْسَحُهُ بِنَحْوِ حَجَرٍ) وَمَدَرٍ وَطِينٍ يَابِسٍ وَتُرَابٍ وَخَشَبٍ وَقُطْنٍ وَخِرْقَةٍ وَغَيْرِهَا طَاهِرَةً وَفِي النَّظْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَمْدَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالْأَحْجَارِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا كَفَى التُّرَابُ وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثَ الْفَقْرَ (حَتَّى يُنَقِّيَهُ) أَيْ يُطَهِّرَ بِنَحْوِ حَجَرٍ مَوْضِعَ النَّجْوِ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَكُونُ دُونَهُ سُنَّةً (يُدْبِرُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ وَيُقْبِلَ بِالثَّانِي) الْإِدْبَارُ الذَّهَابُ إلَى جَانِبِ الدُّبُرِ وَالْإِقْبَالُ ضِدُّهُ. (وَيُدْبِرَ بِالثَّالِثِ فِي الصَّيْفِ) ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ تَتَدَلَّى فِي الصَّيْفِ فَيُخْشَى تَلَوُّثُهَا، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ يَقْتَضِي نَفْيَ الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ: يُدْبِرُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي الْعَدَدَ، فَآخِرُ كَلَامِهِ يُنَافِي أَوَّلَهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُنَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ كَيْفِيَّتِهِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا زِيَادَةُ الْإِنْقَاءِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ كَمِّيَّتِهِ، فَتُخْتَارُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ، وَأَسْلَمَ عَنْ زِيَادَةِ التَّلْوِيثِ (وَيُقْبِلُ الرَّجُلُ بِالْأَوَّلِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ فِي كُلِّ حَالٍ لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ فَرْجُهَا. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا كَالرَّجُلِ فِي الشِّتَاءِ لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ الْحَجَرُ مِنْ فَرْجِهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَخْرَجِهَا (وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي الشِّتَاءِ) ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ غَيْرُ مُدَلَّاةٍ فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّلْوِيثِ. (وَغَسْلُهُ) أَيْ الْمَوْضِعِ (بِالْمَاءِ بَعْدَ الْحَجَرِ أَفْضَلُ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَإِلَّا يَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ كَشَفَ الْعَوْرَةَ لِلِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ فَاسِقًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً تَرَكَهُ وَلَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ النَّهْيُ الْأَزْمَانَ وَلَمْ يَقْتَضِ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ وَاخْتُلِفَ

فِيهِ فَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ: الْجَمْعُ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَبْعَرُونَ بَعْرًا؛ لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ قَلِيلًا، وَأَهْلُ زَمَانِنَا يَأْكُلُونَ كَثِيرًا فَيَثْلِطُونَ ثَلْطًا، وَقِيلَ: سُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا هُوَ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَفِي الْمُفِيدِ: وَلَا يَسْتَنْجِي فِي حِيَاضٍ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلشُّرْبِ لَكِنْ يَتَوَضَّأُ، وَيَغْتَسِلُ فِيهَا (يَغْسِلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَخْرَجَ بِبَطْنِ إصْبَعٍ) وَاحِدَةٍ إنْ حَصَلَ بِهِ الْإِنْقَاءُ. (وَإِصْبَعَيْنِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى الزِّيَادَةِ (أَوْ ثَلَاثٍ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى أَزْيَدَ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى فَلَا يَغْسِلُ بِظُهُورِ الْأَصَابِعِ (وَلَا بِرُءُوسِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ يُصْعِدُ بَطْنَ الْوُسْطَى فَيَغْسِلُ مُلَاقِيَهَا ثُمَّ الْبِنْصِرَ، وَكَذَلِكَ ثُمَّ الْخِنْصِرَ ثُمَّ السَّبَّابَةَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الطَّهَارَةُ، وَلَا يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ إلَّا لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، وَقِيلَ بِالسَّبْعِ، وَالْمَرْأَةُ تُصْعِدُ الْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى جَمِيعًا مَعًا ثُمَّ تَفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ عَلَى مَا وَصَفْنَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَدَأَتْ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ كَالرَّجُلِ عَسَى يَقَعُ فِي مَوْضِعِهَا فَتَتَلَذَّذُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَهِيَ لَا تَشْعُرُ بِهِ. (وَيُرْخَى مُبَالَغَةً) أَيْ يُرْخَى كُلَّ الْإِرْخَاءِ حَتَّى يَطْهُرَ مَا يُدَاخِلُ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ صَائِمًا يَفْسُدُ فِي رِوَايَةٍ؛ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ التَّنَفُّسِ وَالْقِيَامِ بِلَا نَشْفٍ بِخِرْقَةٍ. (وَيَجِبُ) الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا فَاعِلَ يَجِبُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ مَا عَدَا الْمَخْرَجَ لَا يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً (إنْ جَاوَزَ النَّجَسُ الْمَخْرَجَ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّ لِلْبَدَنِ حَرَارَةً جَاذِبَةً أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ فَلَا يُزِيلُهَا الْمَسْحُ بِالْحَجَرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ لِلنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ هَا هُنَا كُلُّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ. (وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) أَيْ: وَيُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ أَكْثَرَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَعَ سُقُوطِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا يَخِرُّ عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَخْرَجُ كَالْخَارِجِ فَإِنْ كَانَ مَا فِيهِ زَائِدًا عَلَى الدَّرَاهِمِ يُمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ تُجْمَعُ فَإِنْ كَانَ الْمَجْمُوعُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُمْنَعُ. وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا أَصَابَ الْمَخْرَجَ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ. (وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَا يَسْتَنْجِي بِعَلَفِ الْحَيَوَانِ مِثْلِ الْحَشِيشِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا بِخَزَفٍ وَآجُرٍّ وَفَحْمٍ وَزُجَاجٍ وَمُحْتَرَمٍ كَخِرْقَةِ الدِّيبَاجِ وَنَحْوِهَا فَلَوْ اسْتَنْجَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ. (وَبِيَمِينِهِ) أَيْ لَا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْيَمِينُ لِلْوَجْهِ وَالْيَسَارُ لِلْمَقْعَدِ» إلَّا فِي ضَرُورَةٍ بِأَنْ تَكُونَ يُسْرَاهُ مَقْطُوعَةً أَوْ بِهَا جِرَاحَةٌ فَلَوْ شُلَّتَا سَقَطَ الِاسْتِنْجَاءُ. (وَكُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ) وَلَكِنْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَلِهَذَا

كتاب الصلاة

كَانَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَرَاهَةَ الِاسْتِدْبَارِ كَالِاسْتِقْبَالِ، وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ نَسِيَ فَجَلَسَ مُسْتَقْبِلًا فَذَكَرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ عَنْ الْمُحَاذَاةِ. وَفِي النِّهَايَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُمْسِكَ وَلَدَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِيَبُولَ وَكَذَا اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ. (وَلَوْ فِي الْخَلَاءِ) وَهُوَ بِالْمَدِّ بَيْتُ التَّغَوُّطِ، وَأَمَّا بِالْقَصْرِ فَهُوَ الْبَيْتُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يُفَرِّقْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا يُكْرَهُ التَّغَوُّطُ وَالتَّبَوُّلُ فِي مَاءٍ وَلَوْ كَانَ جَارِيًا، وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي زَرْعٍ أَوْ ظِلٍّ أَوْ بِجَنْبِ مَسْجِدٍ أَوْ مُصَلًّى أَوْ عِيدٍ أَوْ فِي الْمَقَابِرِ وَبَيْنَ دَوَابَّ وَفِي طَرِيقٍ وَمَهَبِّ رِيحٍ وَجُحْرِ فَأْرَةٍ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَمْلَةٍ وَكَذَا كُرِهَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَالْبَوْلُ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَجَرِّدًا مِنْ ثَوْبِهِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَفِي كُمِّهِ مُصْحَفٌ إلَّا إذَا اُضْطُرَّ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَالتَّنَحْنُحُ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِمَسْحِ الذَّكَرِ وَاجْتِذَابِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ فَمَنْ غَلَبَهُ أَنَّهُ صَارَ طَاهِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَعْلَمُ بِحَالِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّلَاةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّهَارَةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ وَقَدَّمَ الْأَوْقَاتَ؛ لِأَنَّهَا الْأَسْبَابُ وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْمُسَبَّبَاتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ نَقْلًا عَنْ قَاضِي زَادَهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَوْنُ الْأَسْبَابِ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْمُسَبَّبَاتِ إنَّمَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْأَوْقَاتِ عَلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ الَّتِي بُيِّنَتْ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَا عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ أَيْضًا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطَاتِ، وَلَيْسَتْ مِنْ مُسَبَّبَاتِ أَسْبَابِ الْمَشْرُوطَاتِ وَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَالْأَظْهَرُ مَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بِبَيَانِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِلْأَدَاءِ فَكَانَتْ لَهُ جِهَتَانِ فِي التَّقْدِيمِ انْتَهَى أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ تَقَدُّمَ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فِي الْوُجُودِ يَقْتَضِي تَقَدَّمَهُ عَلَى شُرُوطِهِ الَّتِي لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا إلَّا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ مَشْرُوطِهَا لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ شَرْعًا فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَإِنَّمَا عَدَّى بِعَلَى بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الصَّلَاةِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ الْمَعْهُودَةِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ

وقت الفجر

مَعَ بَقَاءِ مَعْنَى اللُّغَةِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لَا نَقْلًا عَلَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ أَنَّ فِي النَّقْلِ لَمْ يَبْقَ مَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ مَرْعِيًّا، وَفِي التَّغْيِيرِ يَكُونُ بَاقِيًا لَكِنْ زِيدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ. وَفِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ لِوُجُودِهَا بِدُونِهِ فِي الْأُمِّيِّ وَلَوْ قَالَ فِي الْأَخْرَسِ لَكَانَ أَوْلَى إلَى هُنَا كَلَامُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ نَقْلًا عَنْهُ أَيْضًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الْأَخْرَسَ بَدَلَ الْأُمِّيِّ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ لِلْأَخْرَسِ إشَارَاتٍ مَقْبُولَةً مَعْهُودَةً عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَلَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ فِي أَمْرِ الدُّعَاءِ أَيْضًا فَخَرَسُهُ لَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ بِدُونِ الدُّعَاءِ بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ فَإِنَّ جَهْلَهُ يَسْتَدْعِي وُجُودَهَا فِيهِ بِدُونِهِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الصَّلَاةِ بِدُونِ الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ الْأَخْرَسِ أَظْهَرُ فَذِكْرُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ دُونَ الْأَخْرَسِ؛ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إمَامَةُ الْأَخْرَسِ إذَا اقْتَدَى بِهِ الْأُمِّيُّ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ يَقْدِرُ عَلَى إيجَادِ التَّحْرِيمَةِ دُونَ الْأَخْرَسِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ سَقَطَ فِي الْأَخْرَسِ لِلْعُذْرِ، وَلَا عُذْرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ فَبَقِيَتْ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ شَرْطًا فِي حَقِّهِ، وَلَمْ تُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْعَدَمَ شَرْطٌ مِنْ سَائِرِ الشُّرُوطِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: هِيَ فَرِيضَةٌ قَائِمَةٌ ثَابِتَةٌ عُرِفَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا، وَالثَّانِيَةُ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا وَعَلَى كَوْنِهَا خَمْسًا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِحِفْظِ جَمْعٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَعَطَفَ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى، وَأَقَلُّ جَمْعٍ يُتَصَوَّرُ مَعَهُ وُسْطَى هُوَ الثَّلَاثَةُ وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ» وَهُوَ مِنْ الْمَشَاهِيرِ وَبِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْأُمَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ وَلَا رَدِّ رَادٍّ فَمَنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] عَلَى كَوْنِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ خَمْسًا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوُسْطَى الْفُضْلَى فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوُسْطَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَى الْفُضْلَى لَا تَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى كَوْنِ الصَّلَوَاتِ الْمَأْمُورِ بِمُحَافَظَتِهَا خَمْسًا حَتَّى تَثْبُتَ بِهِ فَرْضِيَّةُ الْخَمْسِ انْتَهَى أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ لَا يَقْدَحُ فِي ظُهُورِ دَلَالَةِ الْكَلَامِ بِصِيغَتِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَلَا مَحْذُورَ فِيمَا أَجْرَى النَّظْمَ عَلَى أَصْلِهِ وَلَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ عَنْهُ، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُتَعَارَفٌ فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِوُجُودِ الْقَرِينَةِ لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ فَتَكُونُ الْآيَةُ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ لَا مَحَالَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ. [وَقْت الْفَجْر]

وقت الظهر

أَيْ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَالْفَجْرُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ ضَوْءُ الصُّبْحِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ كَذَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: بَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِيهِمَا أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ أَوْ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ صَلَّاهَا آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُهَبِّطَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَبَدَأَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِوَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ بَدَأَ بِهِ (مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقِ. (وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ) أَيْ الْمُنْتَشِرُ (فِي الْأُفُقِ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَهُوَ الْمُسْتَضِيءُ الْمُسَمَّى بِالصُّبْحِ الصَّادِقِ؛ لِأَنَّهُ أَصْدَقُ ظُهُورًا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَطِيلِ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدُو فِي نَاحِيَةٍ مِنْ السَّمَاءِ كَذَنَبِ السَّرَطَانِ طُولًا ثُمَّ يَنْكَتِمُ فَسُمِّيَ فَجْرًا كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ يَبْدُو نُورُهُ ثُمَّ يُخْفَى وَيَعْقُبُهُ الظَّلَامُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَغُرُّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ» إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ (إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ شَيْءٍ مِنْ جِرْمِ الشَّمْسِ. وَفِي النَّظْمِ إلَى أَنْ يَرَى الرَّائِي مَوْضِعَ نَبْلِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك» . [وَقْت الظُّهْر] (وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ زَوَالِهَا) أَيْ زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي تَمَّ فِيهِ ارْتِفَاعُهَا، وَتَوَجَّهَ إلَى الِانْحِطَاطِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَنْ تَغْرِزَ خَشَبَةً مُسْتَوِيَةً فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَمَا دَامَ ظِلُّهَا عَلَى النُّقْصَانِ لَمْ تَزُلْ فَإِذَا وَقَفَتْ بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدْ فَهُوَ قِيَامُ الظَّهِيرَةِ لَا تَجُوزُ فِيهِ الصُّورَةُ فَإِذَا أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ زَالَتْ عَنْ الْوُقُوفِ فَخُطَّ عَلَى مَوْضِعِ الزِّيَادَةِ خَطًّا فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْخَطِّ إلَى الْعَوْدِ فَيْءُ الزَّوَالِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّمْسُ فِي سَمْتِ الرَّأْسِ كَمَا فِي خَطِّ الِاسْتِوَاءِ ثُمَّ إنَّ الْفَيْءَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ بِحَسَبِ الْعُرُوضِ وَالْأَزْمِنَةِ بِحَسَبِ الْفُصُولِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْفَيْءُ كَالشَّيْءِ وَهُوَ نَسْخُ الشَّمْسِ قَالَ ابْنُ مَلِكٍ فِي إضَافَةِ الْفَيْءِ إلَى الزَّوَالِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فَيْءَ قُبَيْلِ الزَّوَالِ. وَفِي الدُّرَرِ: وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّوَالِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِحُصُولِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُعَدُّ تَسَامُحًا انْتَهَى لَكِنْ يُرَدُّ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِضَافَةِ كَمَالُ الِاخْتِصَاصِ مِثْلُ التَّمْلِيكِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ هَذَا يَكُونُ إمَّا تَجَوُّزًا إنْ لُوحِظَتْ الْعَلَاقَةُ، وَإِلَّا يَكُونُ تَسَامُحًا وَالْأَيْسَرُ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَمَا دَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ فَالشَّمْسُ لَمْ تَزُلْ، وَإِذَا صَارَتْ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ عُلِمَ أَنَّهَا قَدْ زَالَتْ (إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ) وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ. (وَقَالَا إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلًا) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَرَوَى

وقت العصر

أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ الْإِمَامِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَيَكُونُ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ قِيلَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ إلَى الْمِثْلِ وَلَا يَشْرَعُ فِي الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الظِّلِّ إلَى الْمِثْلَيْنِ وَلَا يُصَلِّي قَبْلَهُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ. [وَقْت الْعَصْر] (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ انْتِهَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ) عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ (إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) أَيْ جِرْمِهَا بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى الْأُفُقِ الْحِسِّيِّ لَا الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا لِلْأَفْرَادِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَأَظُنُّ أَنَّ مُرَادَهُ: خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ وَقْتٌ مُهْمَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الرِّوَايَاتِ. [وَقْت الْمَغْرِب] (وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الْكَائِنُ فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَآخِرُ وَقْتِهَا إذَا اسْوَدَّ الْأُفُقُ» . (وَقَالَا هُوَ الْحُمْرَةُ) وَهُوَ رِوَايَةُ أَسَدٍ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ» . وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْوَطُ وَقَوْلُهُمَا أَوْسَعُ أَيْ أَرْفَقُ لِلنَّاسِ (قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ ابْنُ النُّجَيْمِ: إنَّ الصَّحِيحَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ لَا قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُفْتَى وَلَا يُعْمَلُ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِمَا إلَّا لِمُوجِبٍ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ ضَرُورَةِ تَعَامُلٍ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ، وَإِنْ قَالَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَانَ دَلِيلُ الْإِمَامِ وَاضِحًا وَمَذْهَبُهُ ثَابِتًا لَا يُلْتَفَتُ إلَى فَتْوَاهُ فَإِذَا ظَهَرَ لَنَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَيْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَظَهَرَ أَيْضًا دَلِيلُهُ وَصِحَّتُهُ وَأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِهِمَا وَجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَهَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ رِسَالَتِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِهِمَا فِي الصَّيْفِ، وَبِقَوْلِهِ فِي الشِّتَاءِ. [وَقْت الْعِشَاء وَالْوِتْر] (وَوَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مِنْ انْتِهَاءِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) عَلَى اخْتِلَافُ الْقَوْلَيْنِ (إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي قَوْلٍ حَتَّى يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَمْضِيَ النِّصْفُ وَكَوْنُ وَقْتِهِمَا وَاحِدًا مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا وَقْتُ الْوِتْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَسُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. (وَلَا يُقَدِّمُ الْوِتْرَ عَلَيْهَا لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ وَلَا يُقَدِّمُ الْوِتْرَ عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا اعْتِقَادًا، وَالْآخَرُ عَمَلًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا أَوْ صَلَّاهُمَا فَظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ لَا الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوِتْرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهَا وَالثَّانِي أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ حَتَّى لَا تَجُوزَ صَلَاةُ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ؛ إذْ لَا تَرْتِيبَ

بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ كَذَا فِي الدُّرَرِ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَيْهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: مَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِيهِ كَمَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ بُرْهَانَ الدِّينِ الْكَبِيرَ أَفْتَى بِأَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ إنَّهُ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الصَّحِيحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُونِ السَّبَبِ لَا يُعْقَلُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ يَكُونُ أَدَاءً ضَرُورَةً، وَهُوَ فَرْضُ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ انْتَهَى أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَهُ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - كَتَبَ عَلَى عَبْدِهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلَوَاتٍ خَمْسًا وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ حَتَّى يُوجَدَ الِامْتِثَالُ لِأَمْرِهِ - تَعَالَى - وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَعَدَمِ الْأَدَاءِ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْوَقْتُ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَضَاءَ تَدَبَّرْ. (وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ أَسْفَرَ الصُّبْحُ إذَا أَضَاءَ وَمِنْهُ أَسْفَرَ بِالصَّلَاةِ إذَا صَلَّاهَا فِي الْإِسْفَارِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَإِطْلَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَدْءَ وَالْخَتْمَ بِالْإِسْفَارِ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يَبْدَأُ بِالتَّغْلِيسِ وَيَخْتِمُ بِالْإِسْفَارِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ، وَالْإِسْفَارُ مُسْتَحَبٌّ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ وَالْإِسْفَارُ الْمُسْتَحَبُّ (بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ بِتَرْتِيلِ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ أَكْثَرَ) سِوَى الْفَاتِحَةِ (ثُمَّ إنْ ظَهَرَ فَسَادُ الطَّهَارَةِ يُمْكِنُهُ الْوُضُوءُ) أَوْ الْغُسْلُ، وَلَوْ قَالَ: يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ لَكَانَ أَشْمَلَ. (وَإِعَادَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ: حَدُّهُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَكٌّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ التَّغْلِيسَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ السَّوَادُ الْمَخْلُوطُ بِالْبَيَاضِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ. وَفِي الْمُبْتَغِي الْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ فِي الْفَجْرِ الْغَلَسُ، وَفِي غَيْرِهِ الِانْتِظَارُ إلَى فَرَاغِ الرِّجَالِ عَنْ الْجَمَاعَةِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (الْإِبْرَادُ بِظُهْرِ الصَّيْفِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ فِي بِلَادٍ حَارَّةٍ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ لَا؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَنُفَضِّلُ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ مُطْلَقًا فَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ أَصْلًا وَاسْتِحْبَابًا فِي الزَّمَانَيْنِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ) فِي كُلِّ زَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَأْمُرُ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ» لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَالْعِبْرَةُ لِتَغَيُّرِ الْقُرْصِ بِحَيْثُ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ عَلَى الصَّحِيحِ لَا لِتَغَيُّرِ الضَّوْءِ؛ لِأَنَّ ذَا يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ (الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) . وَفِي رِوَايَةٍ إلَى مَا قَبْلَهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَوُفِّقَ بَيْنَهَا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى الثُّلُثِ فِي الشِّتَاءِ لِطُولِ لَيْلِهِ، وَإِلَى مَا قَبْلَ الثُّلُثِ

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

فِي الصَّيْفِ لِقِصَرِ لَيْلِهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَفْوِيتِ فَرْضِ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَالْعَصْرِ إلَى وَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبِ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَالتَّكَلُّمُ بِكَلَامِ الدُّنْيَا بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ إلَّا إذَا كَانَ لِمُذَاكَرَةِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ أَوْ لِأَمْرٍ مُهِمٍّ. (وَ) يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ (الْوِتْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ آخِرِ اللَّيْلِ (لِمَنْ يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ، وَإِلَّا فَقَبْلَ النَّوْمِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ» . (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) أَيْ أَدَاؤُهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِرِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» . وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الرَّبِيعَ مُلْحَقٌ بِالشِّتَاءِ، وَالْخَرِيفُ بِالصَّيْفِ انْتَهَى أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَ) يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ (الْمَغْرِبِ) فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَادِرُوا بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ» أَيْ كَثْرَتِهَا. (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَعْجِيلُ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَوْمَ الْغَيْمِ) ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَوَهُّمَ الْوُقُوعِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ (تَأْخِيرُ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ الْفَجْرُ وَالظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ لَا كَرَاهَةَ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ وَالْمَغْرِبُ يُخَافُ وُقُوعُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِشِدَّةِ الِالْتِبَاسِ. وَفِي التُّحْفَةِ: وَكُلُّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ اسْمِهَا عَيْنٌ يُعَجَّلُ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ اسْمِهَا عَيْنٌ يُؤَخَّرُ. [الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا] (وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ) فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي سَتُذْكَرُ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ نَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ، وَأَنْ نُقْبِرَ فِيهَا مَوْتَانَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ نُقْبِرَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَعِنْدَ اسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تُضَيِّفُ أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَلَوْ صَلَّى التَّطَوُّعَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا بِأَنْ يُرَادَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْوَاعُهَا الْكَامِلَةُ وَهِيَ الْفَرَائِضُ وَالْوَاجِبَاتُ وَالْمَنْذُورَاتُ دُونَ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ حَتَّى لَوْ صَلَّى النَّوَافِلَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ تَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَشُرُوعُهُ حَصَلَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَيَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ كَمَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَقْضِيَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُبَاحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْفَرْضُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِمَكَّةَ بِلَا كَرَاهَةٍ. (وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) الَّتِي وَجَبَتْ قَبْلَهَا وَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ بِالتِّلَاوَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ أَدَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ

كَرَاهَةٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا لِيُؤَدِّيَهَا فِي الْوَقْتِ الصَّحِيحِ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يُكْرَهُ سَجْدَةُ الشُّكْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَسَجْدَةُ السَّهْوِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهِ انْتَهَى وَلِهَذَا لَوْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ السَّجْدَةَ، وَاسْتَثْنَى سَجْدَةَ الشُّكْرِ لَكَانَ أَحْسَنَ. (وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ) حَضَرَتْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ فِيهَا جَازَتْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا لَوْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَسَجَدَهَا فِيهَا أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فِيهَا وَصَلَّاهَا تَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ (عِنْدَ الطُّلُوعِ) أَيْ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ جِرْمِ الشَّمْسِ مِنْ الْأُفُقِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشَّمْسُ قَدْرَ الرُّمْحِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الطُّلُوعِ وَقِيلَ: إنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ فِي قُرْصِ الشَّمْسِ فِي الطُّلُوعِ فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ. (وَالِاسْتِوَاءُ) أَيْ وَقْتُ وُقُوفِ الشَّمْسِ فِي نِصْفِ النَّهَارِ (وَالْغُرُوبُ) أَيْ عِنْدَ أُفُولِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَغِيبَ جِرْمُهَا، وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ التَّغَيُّرِ إلَى أَنْ يَغِيبَ جِرْمُهَا (إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَكَذَا عَلَى إرَادَةِ نَوْعِ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ فَرَضَ الْعَصْرِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا جَازَ عَصْرُ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ أَيْ الَّذِي يَلِيهِ الشُّرُوعُ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ سَبَبًا لَوَقَعَ الْأَدَاءُ بَعْدَهُ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَلَا يَكُونُ أَدَاءً وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ بَعْضٌ مِنْهُ سَبَبًا، وَأَقَلُّ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، وَالْجُزْءُ السَّابِقُ لِعَدَمِ مَا يُزَاحِمُهُ أَوْلَى فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ تَعَيَّنَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْأَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ يَنْتَقِلُ إلَى الْجُزْءِ الَّذِي يَلِيه ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يَتَضَيَّقَ الْوَقْتُ، وَلَمْ يَتَقَرَّرْ عَلَى الْجُزْءِ الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَضَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْجُزْءُ الَّذِي يَلِيهِ الْأَدَاءُ هُوَ السَّبَبَ أَوْ الْجُزْءُ الْمُضَيَّقُ، أَوْ كُلُّ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَقَعْ الْأَدَاءُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ كَانَ لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْأَدَاءِ خَارِجَ الْوَقْتِ عَلَى تَقْدِيرِ سَبَبِيَّةِ الْكُلِّ وَقَدْ زَالَتْ فَيَعُودُ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ يَصِيرُ سَبَبًا لِتَغَيُّرِ صِفَتِهِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ وَفِيهِ يُعْتَبَرُ حَالُ الْمُكَلَّفِ إسْلَامًا وَعَقْلًا وَبُلُوغًا وَطُهْرًا وَحَيْضًا وَسَفَرًا وَإِقَامَةً إذَا تَقَرَّرَ هَذَا نَقُولُ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ الْأَدَاءُ بِالْجُزْءِ الْأَخِيرِ فِي الْعَصْرِ وَانْتَقَلَتْ السَّبَبِيَّةُ إلَى كُلِّ الْوَقْتِ وَجَبَتْ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى بِصِفَةِ النُّقْصَانِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ عَصْرَ أَمْسِهِ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ كَذَا فِي الْمَطْلَبِ. (وَ) مُنِعَ (عَنْ التَّنَفُّلِ

وَرَكْعَتِي الطَّوَافِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ (لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ كَانَتْ لِحَقِّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ لِفَرْضِهِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ، وَالْفَرْضُ التَّقْدِيرِيُّ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ ثَوَابًا فَمُنِعَ وَلَمْ يُمْنَعْ نَحْوُ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ إذْ الْفَرْضُ الْحَقِيقِيُّ أَقْوَى مِنْ الْفَرْضِ التَّقْدِيرِيِّ. (وَ) مُنِعَ (عَنْ النَّفْلِ) فَقَطْ (بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) الصَّادِقِ (بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يُوهِمُ جَوَازَ التَّنَفُّلِ بِمِقْدَارِ سُنَّةٍ مَا عَدَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ سُنَّةُ الْفَجْرِ فَقَطْ لَا غَيْرُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا تُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» . وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَمَا رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ تَدَبَّرْ. وَفِي التَّجْنِيسِ: الْمُتَنَفِّلُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً فَطَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْإِتْمَامُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا عَنْ قَصْدٍ. (وَ) مُنِعَ عَنْ النَّفْلِ فَقَطْ بَعْدَ الْغُرُوبِ (قَبْلَ) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ. (وَ) مُنِعَ عَنْ النَّفْلِ فَقَطْ (وَقْتَ الْخُطْبَةِ أَيًّا كَانَتْ) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا أَيْ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَقْتَ الْخُرُوجِ أَمَّا لَوْ شَرَعَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ ثُمَّ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا يَقْطَعُهَا بَلْ يُتِمُّهَا رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَتْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ قِيلَ: يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ (وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) فِي الْمُصَلَّى وَغَيْرِهِ وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى. (وَ) مُنِعَ (عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ) لِعُذْرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ (إلَّا بِعَرَفَةَ) فَإِنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (وَمُزْدَلِفَةَ) فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ. (وَمَنْ طَهُرَتْ فِي وَقْتِ عَصْرٍ أَوْ عِشَاءٍ صَلَّتْهُمَا فَقَطْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ وَقْتٌ لِلْمَغْرِبِ لَا إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ وَاحِدٌ وَكَذَا وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَإِلَّا لَكَفَى عِنْدَهُ وُجُودُ الْحَدَثِ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَمَنْ هُوَ أَهْلُ فَرْضٍ فِي آخَرِ وَقْتٍ) بِأَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ آخِرَ الْوَقْتِ أَوْ طَهُرَتْ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَدْ بَقِيَ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ أَوْ طَهُرَتْ لِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِهِ، وَقَدْ بَقِيَ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ وَالْغُسْلِ (يَقْضِيهِ ذَلِكَ) الْفَرْضَ فَقَطْ لَا الْفَرْضَ الْمُقَدَّمَ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا وَجَبَ الْعَصْرُ وَجَبَ الظُّهْرُ أَيْضًا كَالْعِشَاءَيْنِ (لَا) تَقْضِي بِالْإِجْمَاعِ (مَنْ حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ أَوْ جُنَّ مَثَلًا (فِيهِ) أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي السَّبَبِيَّةِ آخِرَ الْوَقْتِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ شَرَعَتْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ الصَّوْمِ فَحَاضَتْ تَقْضِي وَفِي الْفَرْضِ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الأذان

[بَابُ الْأَذَانِ] ِ) هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا إعْلَامُ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا مَسْنُونٌ فَلَوْ غُيِّرَ التَّرْتِيبُ كَانَتْ الْإِعَادَةُ أَفْضَلَ وَسَبَبُهُ ابْتِدَاءُ أَذَانِ مَلَكٍ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَإِقَامَتُهُ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إمَامًا بِالْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ رُؤْيَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَقِيلَ: نُزُولُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِإِمْكَانِ ثُبُوتِهِ بِمَجْمُوعِهَا (سُنَّ) سُنَّةً مُؤَكَّدَةً هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَاجِبٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِمُقَاتَلَةِ أَهْلِ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ (لِلْفَرَائِضِ) أَيْ فَرَائِضِ الرِّجَالِ - وَهِيَ الرَّوَاتِبُ الْخَمْسُ - وَقَضَائِهَا وَالْجُمُعَةِ (دُونَ غَيْرِهَا) أَيْ لَا يُسَنُّ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا. (وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ، وَفِي ذَلِكَ تَضْلِيلٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الْأَذَانِ. وَلَوْ أَقَامَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى الْفَوْرِ قَالُوا: إنْ طَالَ الْفَصْلُ يُعَادُ، وَإِلَّا لَا. (وَيُعَادُ فِيهِ لَوْ فَعَلَ) أَيْ لَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُعَادُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْفَجْرِ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ وَقْتِهِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَأُخْرَى عَنْهُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «قَالَ يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» . (وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ) الْوَاحِدَةِ (وَيُقِيمُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى الْفَجْرَ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ فَقَطْ. (وَكَذَا) يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ (لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَخُيِّرَ فِيهِ لِلْبَوَاقِي) إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ فَقَطْ هَذَا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي التَّبْيِينِ إنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَدَاءً وَقَضَاءً يُؤَذِّنُ لَهُ وَيُقِيمُ سَوَاءٌ أَدَّاهُ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ أَدَّاهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ يُكْرَهُ. (وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا مَعًا لِلْمُسَافِرِ) وَلَوْ مُنْفَرِدًا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مَعًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ أَذَانُ الْمُنْفَرِدِ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا أَذَانُ الْجَمَاعَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ (لَا) يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا مَعًا (لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) إذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رِوَايَةٍ يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُ. (وَنُدِبَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةُ مَعًا (لَهُمَا) أَيْ الْمُسَافِرِ وَالْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مَعًا لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَنُدِبَا لَهُمَا يُخَالِفُ لِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ

صفة الأذان

فَلْيُتَأَمَّلْ (لَا لِلنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ. [صِفَةُ الْأَذَانِ] (وَصِفَةُ الْأَذَانِ مَعْرُوفَةٌ) لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ يُكَبِّرُ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (وَيُزَادُ بَعْدَ فَلَاحِ أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ قَوْلَهُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا فِيهِ؛ لِأَنَّ إدْخَالَ كَلِمَةٍ أُخْرَى بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ لَا يَلِيقُ (وَالْإِقَامَةُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَذَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُ فُرَادَى فُرَادَى إلَّا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. (وَيُزَادُ بَعْدَ فَلَاحِهَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) هَكَذَا فَعَلَ الْمَلَكُ النَّازِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (وَيَتَرَسَّلُ فِيهِ) أَيْ يَتَمَهَّلُ فِي الْأَذَانِ بِأَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ قَلِيلًا، وَإِلَّا فَالْإِعَادَةُ (وَيُحْدِرُ فِيهَا) أَيْ يُسْرِعُ فِي الْإِقَامَةِ وَيَكُونُ صَوْتُهُ فِيهَا أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِهِ فِي الْأَذَانِ. (وَيُكْرَهُ التَّرْجِيعُ) التَّرْجِيعُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعَ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ. (وَ) يُكْرَهُ (التَّلْحِينُ) وَالْمُرَادُ بِهِ التَّطْرِيبُ يُقَالُ: لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إذَا طَرِبَ بِهَا أَيْ يُكْرَهُ تَغْيِيرُ الْكَلِمَةِ عَنْ وَضْعِهَا بِزِيَادَةِ حَرْفٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي الْأَوَائِلِ أَوْ فِي الْأَوَاخِرِ وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ إذَا قُرِئَ بِاللَّحْنِ، وَأَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ قِيلَ لَا يَحِلُّ سَمَاعُ الْمُؤَذِّنِ إذَا لَحَّنَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَذْكَارِ، أَمَّا فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَا بَأْسَ فِيهِ بِإِدْخَالِ مَدٍّ وَنَحْوِهِ. (وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَ فَعَلَ كَذَا وَلَوْ تُرِكَ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ) ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ أَيْ لَا صَدْرَهُ (يَمْنَةً وَيَسْرَةً عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا يُحَوِّلُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْيَمِينِ، وَالْفَلَاحُ فِي الشِّمَالِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ الْمُسْتَمِعُ وَيَقُولَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بَلْ يَقُولُ فِي الْأَوَّلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَمَا قُدِّرَ سَيَكُونُ وَفِي الثَّانِي صَدَقْت وَبِالْحَقِّ نَطَقْت. وَفِي الْجَوَاهِرِ: أَنَّ إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ سُنَّةٌ هَكَذَا يُجِيبُ فِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَحِينَئِذٍ يُجِيبُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْقَوْلِ فَيَقُولُ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ يَقُولُ الْمُسْتَمِعُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَيَقْطَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَوْ بِمَنْزِلِهِ وَيُجِيبُ وَلَوْ بِمَسْجِدٍ لَا لِأَنَّهُ أَجَابَ بِالْحُضُورِ. (وَيَسْتَدْبِرُ فِي صَوْمَعَتِهِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ التَّحْوِيلَ

وَاقِفًا) لِلْإِعْلَامِ لِاتِّسَاعِ الصَّوْمَعَةِ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: وَيَلْتَفِتُ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ يَمِينًا وَيَسَارًا إنْ أَمْكَنَ الْإِسْمَاعُ بِالثَّبَاتِ فِي مَكَانِهِ وَإِلَّا اسْتَدَارَ فِي صَوْمَعَتِهِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مِئْذَنَةٌ بِحَيْثُ لَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ لَا يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ اسْتَدَارَ فِيهَا فَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْكُوَّةِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ مَا قَالَهُ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى الْكُوَّةِ الْيُسْرَى فَيَفْعَلُ فِيهِ مَا فَعَلَ وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّحْوِيلُ مَعَ الثَّبَاتِ فِي مَكَانِهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ: الْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمِئْذَنَةُ بِحَيْثُ لَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ لَا يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ فَحِينَئِذٍ يَسْتَدِيرُ فِيهَا دَفْعًا لِمَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّهُ كَيْفَ لَا يُمْكِنُ التَّحْوِيلُ فَالْمُنَاسِبُ تَحْوِيلُ التَّحْوِيلِ إلَى الْإِعْلَامِ فَيَكُونُ مُرَادُ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّحْوِيلُ الْمُؤَدِّي إلَى الْإِعْلَامِ مَعَ الثَّبَاتِ فِي مَكَانِهِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَلِهَذَا غَيَّرَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَقَالَ: إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْإِعْلَامُ انْتَهَى هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامَ فَقَطْ بِدُونِ التَّحْوِيلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْوِيلَ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً عِنْدَ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ تَدَبَّرْ. (وَيَجْعَلُ) الْمُؤَذِّنُ (أُصْبُعَيْهِ فِي) صِمَاخِ (أُذُنَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَجَازَ وَضْعُ يَدَيْهِ أَيْضًا كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي أَثْنَائِهِمَا) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَيَّ تَكَلُّمٍ حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ لَأَعَادَ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ وَيُغَيِّرُ النَّظْمَ. (وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ وَصْلَ الْأَذَانِ بِالْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا مَا قَدَّرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَفْصِلُ مِقْدَارَ مَا يَحْضُرُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ (إلَّا فِي الْمَغْرِبِ فَيَفْصِلُ بِسَكْتَةٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يُسَنُّ الْجُلُوسُ بَلْ السُّكُوتُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ مِقْدَارَ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ (وَقَالَا) يَفْصِلُ (بِجِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ) قَدْرَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ حَتَّى لَوْ جَلَسَ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَاسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ) هُوَ الْإِعْلَامُ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِحَسَبِ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ إنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ يُكْرَهُ فِي الْفَجْرِ أَيْضًا لَكِنْ جَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي حَقِّ أُمَرَاءِ زَمَانِهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا كَذَلِكَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَشْغُولِينَ بِهَا. (وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ عَلَى طُهْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الطَّهَارَةُ كَالْقُرْآنِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُرَادُ مِنْ الطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْغَرَ أَوْ الْأَكْبَرَ لَا أَكْبَرَ فَقَطْ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ. (وَجَازَ أَذَانُ الْمُحْدِثِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاعِيًا إلَى

مَا لَا يُجِيبُ بِنَفْسِهِ وَدَاخِلًا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] كَمَا فِي الْفَرَائِدِ أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لِلْأَذَانِ مَنْدُوبٌ كَمَا تَقَرَّرَ آنِفًا فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَرْكُهُ مَكْرُوهًا، وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُجِيبًا حُكْمًا. (وَكُرِهَ إقَامَتُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا ذِكْرٌ كَمَا فِي الْبَاقَانِيِّ لَكِنْ أَقُولُ: إنَّمَا كُرِهَتْ الْإِقَامَةُ مَعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ مُتَّصِلًا إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَا كَذَلِكَ الْأَذَانُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (وَ) كُرِهَ (أَذَانُ الْجُنُبِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَالشُّرُوعُ بِالتَّكْبِيرِ، وَالتَّرْتِيبِ فَاشْتُرِطَ لَهُ الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. (وَيُعَادُ) أَذَانُهُ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ (كَأَذَانِ الْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ) فَإِنَّ أَذَانَ هَؤُلَاءِ يُعَادُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا فَقَدْ بَاشَرَتْ مُنْكَرًا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ فَقَدْ أَخَلَّتْ بِالْإِعْلَامِ فَيُعَادُ أَذَانُهَا نَدْبًا، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ لَا يَعْلَمَانِ مَا يَقُولَانِهِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا مُطْلَقًا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَإِلَّا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يُكْرَهَ تَكَلُّمُهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُكْرَهُ رَفْعُ صَوْتِهَا تَدَبَّرْ (وَلَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ) لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ تَكْرِيرِهَا. (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَوْقَاتِ) ؛ لِأَنَّ لِلْأَذَانِ سُنَنًا وَآدَابًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِهَا لِيَنَالَ الثَّوَابَ الَّذِي وُعِدَ لِلْمُؤَذِّنِينَ. (وَكُرِهَ أَذَانُ الْفَاسِقِ) لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ وَلَكِنْ لَا يُعَادُ (وَالصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا حَتَّى يَدْعُوَ غَيْرَهُ، فَيُعَادُ (وَالْقَاعِدِ) لِتَرْكِ سُنَّةِ الْأَذَانِ مِنْ الْقِيَامِ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ أَبْلَغُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا مُرَاعِيًا لِسُنَّةِ الْأَذَانِ. (لَا) يُكْرَهُ (أَذَانُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ. (وَإِذَا قَالَ) الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَامَ الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِلْإِجَابَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَزُفَرُ: إذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ قَامُوا إلَى الصَّفِّ وَإِذَا قَالَ مَرَّةً ثَانِيَةً كَبَّرُوا وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْوِقَايَةِ وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ قُبَيْلَهُ. (وَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ شَرَعُوا) . وَفِي الْوِقَايَةِ عِنْدَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَيْ قُبَيْلَهُ. وَفِي الْأَصْلِ بَعْدَهُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخِلَافِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَائِبًا أَوْ هُوَ الْمُؤَذِّنَ لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَحْضُرَ)

باب شروط الصلاة

لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْقِيَامِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُؤَذِّنًا لَمْ يَقُمْ الْقَوْمُ إلَّا عِنْدَ الْفَرَاغِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ هُوَ رَاجِعًا إلَى الْإِمَامِ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] جَمْعُ شَرْطٍ بِالتَّسْكِينِ، وَالشَّرِيطَةُ فِي مَعْنَاهُ وَجَمْعُهَا شَرَائِطُ وَالشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الشُّرُوطُ لَا الْأَشْرَاطُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ شُرُوطَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِلَّةِ، أَوْ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَرَائِطِهَا مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَهِيَ الْحُكْمُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ شَرَائِطِهَا مِنْ الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِهِمَا فَالْمَشْرُوطُ يُضَافُ إلَى شَرْطِهِ وُجُودًا عِنْدَهُ وَالْمَعْلُولُ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ وُجُوبًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ أَنَّ الرُّكْنَ دَاخِلٌ فِي الْمَاهِيَّةِ وَالشَّرْطَ خَارِجُهَا وَيَفْتَرِقَانِ افْتِرَاقَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فَكُلُّ رُكْنٍ شَرْطٌ وَلَا يَنْعَكِسُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعَامِّ عَدَمُ الْخَاصِّ، وَالْأَعَمُّ وَالْأَخَصُّ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْأَعَمِّ وُجُودُ الْأَخَصِّ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْأَعَمِّ عَدَمُ الْأَخَصِّ. ثُمَّ قَدَّمَ الطَّهَارَةَ عَلَى سَائِرِ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهَا؛ إذْ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا ثُمَّ قَدَّمَ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ شَرْطٌ فَهُوَ عِلَّةُ الْوُجُوبِ أَيْضًا فَكَانَ لَهُمَا زِيَادَةُ قُوَّةٍ عَلَى سَائِرِ الشُّرُوطِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَفِي الدُّرَرِ لَمْ يَقُلْ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ جَعَلَهُ صِفَةً كَاشِفَةً لَا مُمَيِّزَةً؛ إذْ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا حَتَّى يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا بَلْ يُقَارِنُهَا أَوْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُذْكَرُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ، وَالْمُرَادُ شَرْطُ الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الْوُجُودِ وَلِذَلِكَ صَحَّ تَنَوُّعُهُ إلَى النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا بِشَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ، وَإِنَّمَا يُسَوَّغُ أَنْ يُقَالَ: شَرْطُ الصَّلَاةِ نَوْعَانِ مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ (هِيَ طَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي مِنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلِآيَةِ الْوُضُوءِ (وَخَبَثٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا عَنْ الْبَوْلِ» الْحَدِيثَ وَقَدَّمَ الْحَدَثَ عَلَى الْخَبَثِ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مَانِعٌ بِخِلَافِ قَلِيلِ الْخَبَثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَرْءِ وَنَحْوِهِ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ وَالْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يُنَجَّسُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الصُّورِيِّ لَا يَقْتَضِي وَجْهًا فَيَلْزَمُ بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَأَمَّا قِيَاسُ تَنَجُّسِ الْبِئْرِ وَالْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ

الْقَلِيلَةِ فَلَيْسَ بِمَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ طَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي فَلَا مَدْخَلَ فِي تَنَجُّسِهِمَا (وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) مِنْ خَبَثٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَالْمَكَانُ بِمَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: مِنْ خَبَثٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ يُوهِمُ طَهَارَتَهُمَا عَنْ الْحَدَثِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهِ. (وَسِتْرُ عَوْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَا يُوَارِي عَوْرَتِكُمْ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ عَنْهَا لَا يُمْكِنُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَحَلَّهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ وَأُرِيدَ بِالْمَسْجِدِ الصَّلَاةُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ فَإِنْ قِيلَ: الْآيَةُ وَرَدَتْ فِي شَأْنِ الطَّوَافِ لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قُلْنَا: الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُنَا عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فَقَدْ أُمِرَ بِأَخْذِهِ الزِّينَةَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَهَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْقَصْرَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: كَلَامُهُمْ يُوهِمُ كَوْنَ الْمَسْجِدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَدْ قَالُوا قُبَيْلَهُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مَتْرُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ فِي الِاسْتِعَارَةِ انْتَهَى أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ نُسَلِّمُ الْإِيهَامَ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ وَالْمُجِيبَ يُسَلِّمَانِ كَوْنَ الْمَسْجِدِ هُنَا مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ إلَّا أَنَّ السَّائِلَ يُخَصِّصُ الْمَسْجِدَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيُرِيدُ الطَّوَافَ، وَالْمُجِيبُ يُعَمِّمُ وَيُرِيدُ الصَّلَاةَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لَا اسْتِعَارَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ التَّشْبِيهِ تَدَبَّرْ ثُمَّ إنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ الْغَيْرِ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا السِّتْرُ عَنْ نَفْسِهِ فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ يَرَى عَوْرَتَهُ مِنْ الْجَيْبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ حَتَّى يَحْصُلَ السِّتْرُ التَّامُّ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ. (وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلَيْسَ السِّينُ لِلطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ الْمُقَابَلَةُ لَا طَلَبُهَا، وَالْقِبْلَةُ فِي الْأَصْلِ الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابَلُ الشَّيْءُ عَلَيْهَا كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَابِلُونَهَا فِي صَلَاتِهِمْ وَتَقَابُلِهِمْ وَهِيَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] ثُمَّ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى ذَلِكَ. (وَالنِّيَّةُ) أَيْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ لَا الْكَعْبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ حُكْمُ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُهَا مُلْصَقٌ بِهَا ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْصِيلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا فَقَالَ. (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الرُّكْبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الرُّكْبَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فِي التَّبْيِينِ الرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ زُفَرُ

كِلَاهُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ نَقْلًا عَنْ أَبِي عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ السُّرَّةَ إحْدَى حَدِّ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الِاشْتِهَاءِ فَوْقَ الرُّكْبَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ» وَيُرْوَى مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ وَكَلِمَةُ إلَى بِمَعْنَى مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى. (وَ) عَوْرَةُ (الْأَمَةِ) قِنًّا كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً وَكَذَا الْمُسْتَسْعَاةُ عِنْدَ الْإِمَامِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي كَوْنِ مَا دُونَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتَيْهَا عَوْرَةً (مَعَ زِيَادَةِ بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُشْتَهًى فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ. (وَجَمِيعُ بَدَنِ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَدَنُ الْحُرَّةِ كُلُّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا» وَالْكَفُّ مِنْ الرُّسْغِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْكَفِّ دُونَ الْيَدِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ ظَهْرَهُ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْبَطْنُ لَا الظَّهْرُ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْكَفِّ وَبَاطِنَهُ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ. وَفِي الْمُنْتَقَى تُمْنَعُ الشَّابَّةُ عَنْ كَشْفِ وَجْهِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْفِتْنَةِ وَفِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ وَاجِبٌ بَلْ فَرْضٌ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - جَمِيعُ بَدَنِ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا إحْدَى عَيْنَيْهَا فَحَسْبُ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ (وَقَدَمَيْهَا فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهِيَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُبْتَلَاةٌ بِإِبْدَاءِ قَدَمَيْهَا فِي مَشْيِهَا إذْ رُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا عَوْرَةٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَعَوْرَةٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ انْكَشَفَ ذِرَاعُهَا جَازَتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ فِي الْخِدْمَةِ وَسِتْرِهِ أَفْضَلُ. (وَكَشْفُ رُبْعِ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ) مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ، وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ قُبُلٌ وَدُبُرٌ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ (يَمْنَعُ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَاعْلَمْ أَنَّ انْكِشَافَ مَا دُونَ الرُّبْعِ عَفْوٌ إذَا كَانَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ عُضْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَجُمِعَ وَبَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا يَمْنَعُ كَمَا لَوْ انْكَشَفَ شَيْءٌ عَنْ شَعْرِهَا وَبَعْضٌ عَنْ فَخِذِهَا وَبَعْضٌ عَنْ أُذُنِهَا لَوْ جُمِعَ وَبَلَغَ رُبْعَ الْأُذُنِ يَكُونُ مَانِعًا كَمَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ (كَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ) فَإِنَّهُ عُضْوٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، أَوْ مَعَ الرُّكْبَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ. (وَالسَّاقِ) مِنْ أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ إلَى أَعْلَى الْكَعْبِ (وَشَعْرِهَا النَّازِلِ) مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّازِلِ احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ الشَّعْرِ مَا عَلَى الرَّأْسِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ كَرَأْسِهَا، وَأَمَّا النَّازِلُ فَلَيْسَ فِي حُكْمِ الرَّأْسِ فَلَا يَكُونُ عَوْرَةً. (وَذَكَرِهِ بِمُفْرَدِهِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحْدَهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِمُفْرَدِهِ وَالْأُنْثَيَيْنِ بِوَحْدِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ: إنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ مَعَ الْخُصْيَتَيْنِ (وَحَلَقَةِ الدُّبُرِ بِمُفْرَدِهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا قِيلَ الدُّبُرُ عُضْوٌ مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يَمْنَعُ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ (انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرِ الْعُضْوِ (وَفِي النِّصْفِ

عَنْهُ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ يَمْنَعُ وَفِي أُخْرَى: لَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَاعْلَمْ أَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يَمْنَعُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ كُلُّهَا وَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّرٌ بِمَا لَا يُؤَدَّى فِيهِ الرُّكْنُ. (وَعَادِمُ مَا يُزِيلُ) بِهِ (النَّجَاسَةَ) الْحَقِيقِيَّةَ عَنْ ثَوْبِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَجِدَ الْمُزِيلَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالٍ لِمَانِعٍ كَالْعَطَشِ وَالْعَدُوِّ (يُصَلِّي مَعَهَا) أَيْ مَعَ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. (وَلَا يُعِيدُ) الصَّلَاةَ إذَا وَجَدَ الْمُزِيلَ وَإِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فِي وُسْعِهِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ اشْتِرَاطَ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عَارِيًّا لَا يُجْزِيهِ) ؛ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ كُلَّهُ طَاهِرٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَتُفْرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ (وَفِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِهِ يُخَيَّرُ) بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحُكْمُ مَا كُلُّهُ نَجِسٌ كَحُكْمِ مَا أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ طَاهِرٌ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي مَا كُلُّهُ نَجِسٌ يُخَيَّرُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ حُكْمَ الْأَقَلِّ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ بِهِ) أَيْ بِالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَفَرْضُ الطَّهَارَةِ مُخْتَصٌّ بِهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُ) الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ، وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكُ فُرُوضٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَصَلَّى قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ جَازَ) . وَفِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سِتْرُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُومِيًا بِهَا إمَّا قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَوْ كَانَ جَائِزًا حَالَةَ الْقِيَامِ لَمَا اسْتَقَامَ هَذَا الْكَلَامُ تَدَبَّرْ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا بِإِيمَاءٍ) ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَمْ يَجِبَا إلَّا لِحَقِّ الصَّلَاةِ، وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالنَّبَاتِ فَإِنْ وَجَدَ وَجَبَ السِّتْرُ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ عَوْرَتَهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا مُتَبَاعِدِينَ يُومُونَ إيمَاءً وَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ يَتَوَسَّطُهُمْ الْإِمَامُ وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فُرَادَى، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: وَالْعَارِي يُصَلِّي قَائِمًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ ظُلْمَتَهَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ

السِّتْرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ظُلْمَةٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ انْتَهَى أَقُولُ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَيُكْتَفَى بِهَا. (وَقِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا كَانَ بِمُعَايَنَتِهَا مِنْ الْمُجَاوِرِينَ وَمَا لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيُصَلِّيَ عَلَى التَّعْيِينِ. وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّ فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، وَتَرْكُ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ (وَ) قِبْلَةُ (مَنْ بَعْدَ جِهَتِهَا) هِيَ الْجَانِبُ الَّذِي إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْرِيبًا، وَمَعْنَى التَّحْقِيقِ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ خَطٌّ مِنْ جَبِينِهِ عَلَى زَاوِيَةٍ قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ يَكُونُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا وَمَعْنَى التَّقْرِيبِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنْحَرِفًا عَنْهَا أَوْ هَوَائِهَا انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ إنَّ مَكَّةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ دِيَارِنَا بُعْدًا مُفْرِطًا يَتَحَقَّقُ الْمُقَابَلَةُ إلَيْهَا فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا خَطًّا مِنْ جَبِينِ مَنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي دِيَارِنَا ثُمَّ فَرَضْنَا خَطًّا آخَرَ يَقْطَعُ ذَلِكَ الْخَطَّ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ وَشِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ وَالتَّوَجُّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى الْخَطِّ الثَّانِي بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ فَلِذَلِكَ وَضَعَ الْعُلَمَاءُ الْقِبْلَةَ فِي الْبِلَادِ الْمُتَقَارِبَةِ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْآفَاقِيِّ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا أَيْضًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَعِنْدَهُ تُشْتَرَطُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَقُولُ: إنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ لَا تُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ تُشْتَرَطُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ. وَفِي النَّظْمِ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي مَكَّةَ وَمَكَّةُ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْعَالَمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: قِبْلَةُ الْبَشَرِ الْكَعْبَةُ وَقِبْلَةُ أَهْلِ السَّمَاءِ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَقِبْلَةُ الْكَرُوبِيِّينَ الْكُرْسِيُّ وَقِبْلَةُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ الْعَرْشُ وَمَطْلُوبُ الْكُلِّ وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ. (فَإِنْ جَهِلَهَا) أَيْ جِهَةَ الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا) مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَهُوَ يَعْلَمُ جِهَةَ الْقِبْلَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ وَالْمُتَحَرِّي سَوَاءٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مَنْ يَعْلَمُهَا لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا آخَرَ (تَحَرَّى وَصَلَّى) وَالتَّحَرِّي طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا لَمْ يَسْأَلْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى فَإِنْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَأَلَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ اكْتَفَى الْآخَرُ بِتَحَرِّي الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إذَا تَحَرَّيَا مُخْتَلِفًا. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِالنُّجُومِ عَلَى الْقِبْلَةِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَلَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَأَخْبَرَهُ رَجُلَانِ إلَى جَانِبٍ آخَرَ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ

ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَّا لَا وَكَذَا إنْ أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ مِنْ الدِّيَانَاتِ فَيُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُضْحِيَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ النُّجُومَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ هَلْ يَجُوزُ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: يَجُوزُ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ الْمُعْتَادَةِ نَحْوَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا دَقَائِقُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَصُوَرِ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْجَهْلِ بِهَا وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْمُصَلِّي اسْتِوَاءُ الْقِبْلَةِ فَالتَّيَامُنُ أَوْلَى مِنْ التَّيَاسُرِ تَدَبَّرْ (فَإِنْ عَلِمَ بِخَطَئِهِ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (لَا يُعِيدُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةِ تَحَرِّيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا كَانَ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ. (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ بِخَطَئِهِ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (اسْتَدَارَ وَبَنَى) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ فَرْقٌ جَلِيٌّ فَأَنَّى يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ لَكِنْ أَقُولُ: هَذَا الِاسْتِدْلَال ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ، وَعَدَمُ فَهْمِ هَذَا الْقَائِلِ جَلِيٌّ يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ بِأَدْنَى التَّأَمُّلِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (إنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ) إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فِيهَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاجِبٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ أَقْوَى، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ النَّسْخِ، وَأَثَرُ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي فَكَذَا الِاجْتِهَادُ. (وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ لَا تَجُوزُ) صَلَاتُهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَصَابَ) الْقِبْلَةَ حَتَّى رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَنْ صَلَّى بِدُونِ الِاجْتِهَادِ يُكَفَّرُ لِاسْتِخْفَافِهِ بِالدِّينِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَصَابَ) الْقِبْلَةَ (جَازَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ لَمْ يَسْتَأْنِفْ إلَى غَيْرِهِ هَذِهِ الْجِهَةَ فَلَا يُفِيدُ لَهُمَا أَنَّ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَاسِدٌ، وَحَالُهُ بَعْدُ أَقْوَى مِنْ حَالِهِ قَبْلَهُ، وَهَذَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَجَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. (وَإِنْ تَحَرَّى قَوْمٌ جِهَاتٍ) فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا (وَجَهِلُوا حَالَ إمَامِهِمْ جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ) إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ (بِخِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَهُ) فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ (أَوْ عَلِمَ وَخَالَفَهُ) فَإِنَّهُ تَفْسُدُ أَيْضًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ هَذَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلَا يَضُرُّ. (وَقِبْلَةُ الْخَائِفِ) مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ (جِهَةُ قُدْرَتِهِ) لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ وَلَوْ قَالَ وَقِبْلَةُ نَحْوِ الْخَائِفِ لَكَانَ أَشْمَلَ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْأَسِيرَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِقْبَالِهِ جَازَ اسْتِقْبَالُهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ وَهُوَ عَاجِزٌ لَا خَائِفٌ تَدَبَّرْ. (وَيَصِلُ قَصْدَ قَلْبِهِ) وَهُوَ النِّيَّةُ (الصَّلَاةَ بِتَحْرِيمَتِهَا) أَيْ وَيَقْصِدُ الْمُصَلَّى بِقَلْبِهِ صَلَاتَهُ مُتَّصِلًا

ذَلِكَ الْقَصْدُ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَلَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ لَا يَخْلُو عَنْ النِّيَّةِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ تَصِحُّ النِّيَّةُ مَا دَامَ الثَّنَاءُ وَقِيلَ تَصِحُّ إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الْقُعُودِ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ نِيَّةِ اقْتِدَائِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيُفْرَضُ أَنْ تَكُونَ بُعَيْدَهَا، وَقِيلَ: يَنْوِي بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: أَكْبَرُ. وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَنْوِي حِينَ وَقَفَ الْإِمَامِ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا أَجْوَدُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَجَازَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُوجَدْ قَاطِعُ النِّيَّةِ مِنْ عَمَلٍ غَيْرِ لَائِقٍ بِصَلَاةٍ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا إلَّا فِي الصَّوْمِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَمُخَالِطًا لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ عِنْدَنَا هَذَا الِاحْتِيَاطُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ فَسَادُ اعْتِرَاضِ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ عَلَى صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ بِقَوْلِهِ: وَنُدِبَ أَنْ يَصِلَ إلَى آخِرِهِ إنْ قَرَنَتْ النِّيَّةُ لِلتَّكْبِيرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ لَمْ تَقْرِنْ بَلْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ لَا مَا فَهِمَ هَذَا الرَّادُّ تَدَبَّرْ. (وَضَمُّ التَّلَفُّظِ إلَى الْقَصْدِ أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ لِاجْتِمَاعِ الْعَزِيمَةِ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ فَرْضٌ، وَذِكْرُهَا بِاللِّسَانِ سُنَّةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَتُهَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِإِجْرَائِهَا عَلَى اللِّسَانِ فَحِينَئِذٍ تُبَاحُ، وَكَيْفِيَّةُ التَّلَفُّظِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَدَاءَ صَلَاةِ ظُهْرِ الْيَوْمِ أَوْ فَرْضِ الْوَقْتِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، وَالْإِمَامُ يَنْوِي مِثْلَ الْمُنْفَرِدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي لِلنِّسَاءِ الَّتِي خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لَهُنَّ إلَّا بِالنِّيَّةِ. (وَيَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الصَّلَاةَ (لِلنَّفْلِ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّلَاةِ مُنْصَرِفٌ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَهُوَ مُتَيَقَّنٌ (وَالسُّنَّةِ) الْمُؤَكَّدَةِ. (وَالتَّرَاوِيحِ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ فِي الْأَصْلِ فَيَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ لَكِنْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ عَدَمَ جَوَازِ أَدَاءِ السُّنَنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلِهَذَا الْأَحْوَطُ التَّصْرِيحُ. (وَلِلْفَرْضِ شُرِطَ تَعْيِينُهُ كَالْعَصْرِ مَثَلًا) لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَلَوْ نَوَى، وَلَمْ يَقُلْ: ظُهْرَ الْوَقْتِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى ظُهْرِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ، وَالْفَائِتُ عَارِضٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيِّ دُونَ الْعَارِضِيِّ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَجُوزُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا فَرْضَ الْوَقْتِ

باب صفة الصلاة

وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ظُهْرَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: ظُهْرَ الْوَقْتِ وَكَانَ خَارِجًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا يُجْزِيهِ بِخِلَافِ ظُهْرِ الْيَوْمِ. (وَالْمُقْتَدِي يَنْوِي الْمُتَابَعَةَ أَيْضًا) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ عَصْرَ هَذَا الْيَوْمِ مُقْتَدِيًا بِهَذَا الْإِمَامِ أَوْ بِمَنْ هُوَ إمَامِي وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ، وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ مَنْ هُوَ أَوْ هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو جَازَ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْغَائِبِ انْتَهَى لَكِنْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَنَاقُضٌ فِي الظَّاهِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ: إنَّ فِي الْأُولَى شَخْصُ الْإِمَامِ مَعْلُومٌ غَايَتُهُ أَنَّ الْخَطَأَ فِي تَعْيِينِ اسْمِهِ. وَفِي الثَّانِيَةِ يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو فَاقْتَدَى بِزَيْدٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو مَعْلُومٌ لَمْ يَجُزْ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الِاقْتِدَاءُ. (وَلِلْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ لَك وَأَدْعُوَ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْجِنَازَةَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى يَقُولُ: أُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ. (وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ) فَإِنَّ نِيَّةَ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ التَّعْيِينِ يُغْنِي عَنْهُ وَلَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا جَازَ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَلَوْ فَارِسِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الْحَالِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] أَيْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدَّمَاتِهِ قِيلَ الصِّفَةُ وَالْوَصْفُ وَاحِدٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْوَصْفَ ذِكْرُ مَا يُوصَفُ بِهِ، وَالصِّفَةُ هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ: زَيْدٌ عَالِمٌ وَصْفٌ لِزَيْدٍ لَا صِفَةٌ لَهُ، وَالْعِلْمُ الْقَائِمُ بِهِ صِفَتُهُ لَا وَصْفُهُ ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهُوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْجُزْئِيِّ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ ظَهَرَ عَدَمُ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَإِضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا تَوَهَّمَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الشَّيْءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الْعَيْنُ، وَهِيَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ، وَالْعَيْنُ هُنَا الصَّلَاةُ، وَالرُّكْنُ، وَهُوَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ كَالْقِيَامِ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْأَمْرُ الثَّابِتِ بِالشَّيْءِ كَجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ وَثَوَابِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ الْآدَمِيُّ الْمُكَلَّفُ، وَشَرْطُهُ كَالطَّهَارَةِ، وَالسَّبَبُ كَالْوَقْتِ (فَرْضُهَا) يَعْنِي مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ (التَّحْرِيمَةُ) وَهُوَ جَعْلُ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ قَبْلَهَا حَرَامًا بِهَا، وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. (وَهِيَ شَرْطٌ) عِنْدَهُمَا، وَفَرْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْفَرِيضَةُ تَنْقَلِبُ نَفْلًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ فَرْضُ الصَّلَاةِ لِيَشْمَلَ الرُّكْنَ

وَالشَّرْطَ، فَإِنَّ الْفَرْضَ أَعَمُّ مِنْهُمَا (وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامٌ وَاحِدٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ (وَالْقِرَاءَةُ) لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَاخْتُلِفَ فِي رُكْنِيَّتِهَا فَذَهَبَ صَاحِبُ الْحَاوِي إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَالْمُقْتَدِي لَا أَصْلِيٌّ، وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّ مَعْنَى الرُّكْنِ الزَّائِدِ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي إذَا انْتَفَى كَانَ الْحُكْمُ الْمُرَكَّبُ بَاقِيًا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ كَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْكَمِّيَّةِ كَالْأَقَلِّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَكْثَرِ حَيْثُ يُقَالُ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ مُخَالَفَةُ ابْنِ الْمَلِكِ الْجُمْهُورَ بِجَعْلِ الْقِرَاءَةِ رُكْنًا أَصْلِيًّا (وَالرُّكُوعُ) وَهُوَ الِانْحِنَاءُ وَالْمَيْلُ (وَالسُّجُودُ) وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ أَوْ الْأَنْفِ عَلَى الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْخُضُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ السَّجْدَتَانِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ عَنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا: هُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ لَمْ يُعْقَلْ لَهُ مَعْنًى. (وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ) مَا يُقْرَأُ فِيهِ (التَّشَهُّدُ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَبْدِ اللَّهِ إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَعَدْت قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِهَا قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ لَا وَقِيلَ: مِقْدَارَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقِيلَ: أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالرُّكُوعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ (وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مَا عَدَا التَّحْرِيمَةَ (أَرْكَانٌ) رُكْنُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ لَا رُكْنٌ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ انْتَهَى لَكِنْ أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ الرُّكْنِ الرُّكْنُ الزَّائِدُ لَا الْأَصْلِيُّ كَمَا تَقَرَّرَ آنِفًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ قُصُورُ مَا قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْأَرْكَانَ أَصْلِيَّةٌ. (وَالْخُرُوجُ) مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ (بِصُنْعِهِ) أَيْ بِفِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمُنَافِي لِصَلَاتِهِ (فَرْضٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَرْدَعِيُّ أَخَذَهُ مِنْ اثْنَيْ عَشْرِيَّةَ الْآتِيَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ

واجبات الصلاة

عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. [وَاجِبَات الصَّلَاة] (وَوَاجِبُهَا) أَيْ وَاجِبُ الصَّلَاةِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ فَسَادُهَا بِتَرْكِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِثْمَ إنْ كَانَ عَمْدًا وَسَجْدَتَيْ السَّهْوِ إنْ كَانَ خَطَأً (قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَعَمِلْنَا بِوُجُوبِهَا وَمَا رَوَوْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَلِذَلِكَ قَالَ يُؤْمَرُ وَلَمْ يَقُلْ يُبْطِلُ. (وَضَمُّ) مِقْدَارُ (سُورَةٍ) مِنْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى الْفَاتِحَةِ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا بَلْ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا كَمَا تَقَرَّرَ آنِفًا، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْوَاجِبَ تَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الضَّمُّ سُنَّةٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مُسْتَحَبٌّ. وَعَنْ مَالِكٍ فَرْضٌ كَمَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ هَذَا. (وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَعِنْدَ مَالِكٍ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِي إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. وَقَالَ زُفَرُ: فَرْضٌ فِي الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ. (وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ فِي فِعْلٍ مُكَرَّرٍ) قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ التَّكْرَارِ احْتِرَازًا عَنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ فَإِنَّهُ فَرْضٌ كَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبَيْنَ السُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ فِيمَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ فِيمَا تَعَدَّدَتْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ فَلَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يَجُزْ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّكَرُّرِ التَّكَرُّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَصَاحِبُ الْكَافِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: إنَّ تَقْدِيمَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ وَاجِبٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) أَيْ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهَا وَاجِبٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَأَدْنَاهُ مِقْدَارُ تَسْبِيحَةٍ، وَهُوَ تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ. وَفِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ أَمَّا الِاطْمِئْنَانُ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ فَسُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِهِمَا جَمِيعًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ فِي الْكُلِّ وَاجِبٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَبِالتَّرْكِ سَهْوًا يَسْجُدُ وَعَمْدًا يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ، وَتَلْزَمُ الْإِعَادَةُ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (هُوَ) أَيْ التَّعْدِيلُ (فَرْضٌ) فِي الْكُلِّ

سنن الصلاة

وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ تَرَكَ التَّعْدِيلَ فِي صَلَاتِهِ: قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» لَهُمَا قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أَمْرٌ بِالرُّكُوعِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ لُغَةً، وَبِالسُّجُودِ وَهُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى مِنْهُمَا وَفِي آخَرَ مَا رُوِيَ سَمَّاهُ صَلَاةً فَقَالَ «إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَمَا نَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِك» وَلَمْ يَذْهَبْ كُلُّهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهَا قُعُودٌ ثَانٍ كَمَا فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ هُوَ سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى مِنْ النَّفْلِ فَرْضٌ. (وَالتَّشَهُّدَانِ) أَيْ التَّشَهُّدُ فِي الْقَعْدَتَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ كَانَ سَكَتَ عَنْهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ لَيْسَ ذِكْرَ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ بَلْ بَيَانُ أَنَّ مَا سِوَى الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي السُّنَّةِ وَلِذَا أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ الْمُشْعِرَةِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ؛ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ: إنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَهُ سُنَّةً تَدَبَّرْ. (وَلَفْظُ السَّلَامِ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ هُوَ فَرْضٌ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ تَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَعْرَابِيَّ حِينَ عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ السَّلَامُ فَقَطْ دُونَ عَلَيْكُمْ وَإِلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَاهُ، وَإِلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّلَامُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الصَّلَاةِ بِتَسْلِيمَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَإِلَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ يَمِينًا وَيَسَارًا غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ. (وَقُنُوتُ الْوِتْرِ) وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالْقِيَامُ وَالدُّعَاءُ وَالْمَشْهُورُ الْأَخِيرُ، وَقَوْلُهُمْ: دُعَاءُ الْقُنُوتِ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا كَنَفْسِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ. (وَتَكْبِيرَاتُ) صَلَاةِ (الْعِيدَيْنِ) وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالزَّوَائِدِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَفْظُ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ، وَلَا تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُمَا وَاجِبَانِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ هِيَ سُنَّةٌ. (وَالْجَهْرُ فِي مَحَلِّهِ) أَيْ جَهْرُ الْإِمَامِ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ (وَالْإِسْرَارُ فِي مَحَلِّهِ) وَقِيلَ سُنَّتَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقِرَاءَةُ، وَهِيَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِالتَّعَمُّدِ عِنْدَهُ. [سُنَن الصَّلَاة] (وَسُنَّتُهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ، وَنَشْرُ أَصَابِعِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ» وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ لَا يَضُمَّ كُلَّ الضَّمِّ وَلَا يُفَرِّجَ كُلَّ التَّفْرِيجِ بَلْ يَتْرُكَهَا عَلَى حَالِهَا مَنْشُورَةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَبِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَالْأَصَابِعُ بِحَالِهَا لَا مَضْمُومَةً وَلَا مُنْفَرِجَةً؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِأَنْ يَكُونَ النَّشْرُ كَامِلًا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّشْرُ دُونَ الضَّمِّ

آداب الصلاة

وَلَا التَّفْرِيجِ كَذَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ. (وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ، وَالِاسْتِقْبَالُ قُيِّدَ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ وَالْمُنْفَرِدَ لَا يُسَنُّ لَهُمَا الْجَهْرُ بِهِ. (وَالثَّنَاءُ) أَيْ قِرَاءَةُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى (وَالتَّعَوُّذُ) فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِأَجْلِهَا، وَالْمُخْتَارُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ انْتَهَى لَكِنْ أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ فَاسْتَعِذْ أَيْ فَاسْأَلْ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُعِيذَك مِنْ وَسَاوِسِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ فَفِي قَوْلِهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ نَظَرٌ. (وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سِرًّا) أَيْ خُفْيَةً سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْلِ أَوْ فِي الْفَرْضِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ جَهْرِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، وَقَوْلُهُ: سِرًّا رَاجِعٌ إلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ تُسَرُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ سِرًّا أَوْ يُسِرُّهَا الْمُصَلِّي سِرًّا. (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» هَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ بِالْإِرْسَالِ. (وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ) وَقِيلَ وَاجِبٌ وَإِضَافَةُ التَّكْبِيرِ إلَى الرُّكُوعِ مَعْنَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ هُوَ مَعْمُولَ التَّكْبِيرِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَكْبِيرُ هَذَا الْخُضُوعِ (وَتَسْبِيحُهُ) أَيْ الرُّكُوعِ (ثَلَاثًا) وَمَعْنَى التَّسْبِيحِ: التَّقْدِيسُ وَالتَّنْزِيهُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ. وَقَالَ أَبُو الْمُطِيعِ تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاجِبٌ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ أَصْلًا. (وَالرَّفْعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ فَرْضٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. (وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ) أَيْ وَضْعُ الْكَفَّيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ (وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك» . (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ وَتَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا) وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ فَرْضٌ. (وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) حَالَةَ السُّجُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» وَعَدَّ مِنْهَا الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِ وَضْعِهِمَا، وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَافْتِرَاشُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصْبُ الْيُمْنَى) فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ. (وَالْقَوْمَةُ) مِنْ الرُّكُوعِ (وَالْجِلْسَةُ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَدْ عَرَفْت الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا. (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضٌ. (وَالدُّعَاءُ) يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ بِالدُّعَاءِ.» [آدَابُ الصَّلَاةِ] (وَآدَابُهَا) أَيْ آدَابُ الصَّلَاةِ (نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) حَالَ قِيَامِهِ، وَإِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ حَالَ رُكُوعِهِ، وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ حَالَ سُجُودِهِ

فصل صفة الشروع في الصلاة

وَإِلَى حِجْرِهِ حَالَ قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُضُوعُ وَفِي إطْلَاقِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ فَقَطْ فِي الْكُلِّ. (وَكَظْمُ فَمِهِ) أَيْ إمْسَاكُهُ (عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ غَطَّاهُ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ. (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ إلَّا لِضَرُورَةِ الْبَرْدِ وَنَحْوِهِ قَيَّدَ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيُّ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: عِنْدَ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَهُ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُهُمَا فِي الْكُمَّيْنِ فِي غَيْرِ حَالِ التَّكْبِيرِ لَكِنْ الْأَوْلَى إخْرَاجُهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ هَذَا فِي الرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَتَجْعَلُ يَدَيْهَا فِي كُمَّيْهَا. (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَحَصَلَتْ مِنْهُ حُرُوفٌ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. (وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ إلَى الصَّلَاةِ (عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَقِيلَ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) أَيْ حِينَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ فَتُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ، وَإِلَّا فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَى الْأَظْهَرِ. (وَالشُّرُوعُ عِنْدَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ شُرُوعُ الْإِمَامِ عِنْدَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِئَلَّا يَكْذِبَ الْمُؤَذِّنُ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ لِلْمُنَاجَاةِ، وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُشْرَعُ مَا لَمْ يَفْرُغْ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لَهُ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ يَشْرَعُ إذَا أُقِيمَ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. [فَصْلٌ صِفَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاة] فَصْلٌ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ الشُّرُوعِ فَقَالَ (يَنْبَغِي) لِلْمُصَلِّي (الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] . (وَإِذَا أَرَادَ) الْمُصَلِّي (الدُّخُولَ) أَيْ الشُّرُوعَ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ (كَبَّرَ) أَيْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّكْبِيرِ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ فِيمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الرُّكُوعِ أَمَّا لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ أُمِّيًّا لَا يُحْسِنُ شَيْئًا فَيَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ وَكَذَا الْعَاجِزُ عَنْ النُّطْقِ عَلَى الصَّحِيحِ (حَاذِفًا) وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهُ وَلَا فِي بَاءِ أَكْبَرُ فَإِنْ أَتَى بِهِ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَ كَفَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا كُفْرَ تَدَبَّرْ وَإِنْ أَتَى بِهِ فِي بَاءِ أَكْبَرُ

فَقَطْ قِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ أَكْبَارَ جَمْعٌ فَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ وَقِيلَ أَكْبَارُ اسْمُ الشَّيْطَانِ فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَأَمَّا مَدُّ الْأَلْفِ فِي آخِرِ الْجَلَالَةِ فَلَا يَضُرُّ لَكِنْ حَذْفُهُ أَوْلَى وَيَرْفَعُ الْجَلَالَةَ وَلَا يَجْزِمُ وَيَجْزِمُ الرَّاءَ فِي التَّكْبِيرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «الْأَذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ وَلَا يَجْزِمُ أَكْبَرُ وَيَجُوزُ فِيهِ الْجَزْمُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَالْأَوْلَى فِيهِ الْجَزْمُ مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ تَدَبَّرْ (بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ (مُحَاذِيًا) أَيْ مُقَابِلًا (بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا كَبَّرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَ إبْهَامَاهُ قَرِيبًا مِنْ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ» (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ (مَاسًّا) بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَتَعْلِيلُ صَاحِبِ النُّقَايَةِ لِيَتَيَقَّنَ مُحَاذَاةَ يَدَيْهِ لِأُذُنَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ تَدَبَّرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ» قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، وَالْأَخْذُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ بِمُحَاذَاةِ الْإِبْهَامَيْنِ الشَّحْمَتَيْنِ يَكُونُ أَصْلُ الْكَفِّ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَأُصُولُ الْأَصَابِعِ إلَى الرَّأْسِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ مَا قِيلَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَوْقَ الرَّأْسِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّفْعِ الْمَسْنُونِ أَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِ يَدٍ دُونَ أُخْرَى رَفَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْفَعُ مَعَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَهُ) وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ هَذَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَجَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ الْبَقَّالِيُّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا الثَّانِي يَرْفَعُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمَعِ إلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الْغَايَةِ إلَى عَامَّةِ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّسَفِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الثَّالِثُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ. (وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَسْتَرُ لَهَا وَعَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ. (وَمُقَارَنَةُ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُقَارَنَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، وَأَظُنُّ أَنَّ مَا قَالَاهُ يَلْزَمُ فِيمَا احْتَاجَ الْمُقْتَدِي إلَى السَّمَاعِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ الْإِمَامِ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِيهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ: أَكْبَرُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ شَارِعًا كَمَا فِي الدُّرَرِ. (وَلَوْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ) اللَّهُ (أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ كَبَّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ) بِأَنْ يَقُولَ " خذا بزركست "

أَوْ " نام خذا بزركست " (صَحَّ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا أَنْ لَا يُحْسِنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَصَحُّ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا اعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي الذِّكْرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاللَّهِ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاللَّهِ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَاَللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ ذِكْرٍ وَهُوَ ثَنَاءٌ خَالِصٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - يُرَادُ بِهِ تَعْظِيمُهُ لَا غَيْرُ نَحْوُ اللَّهُ إلَهٌ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَمَا كَانَ خَبَرًا كَقَوْلِهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَوْ افْتَتَحَ بِالتَّعَوُّذِ أَوْ بِالْبَسْمَلَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهُمَّ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لَا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ: اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ أَوْ الْكَبِيرُ أَوْ أَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَمُرَادُهُ: الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ، وَلَوْ قَالَ: أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا. (وَكَذَا لَوْ قَرَأَ بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ (عَاجِزًا عَنْ الْعَرَبِيَّةِ) التَّقْيِيدُ بِالْعَجْزِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَعْنَى، وَالْفَارِسِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى فَيَكُونُ جَائِزًا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ رُجُوعَهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا سَاقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ. (وَغَيْرُ الْفَارِسِيَّةِ مِنْ الْأَلْسُنِ مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ الْفَارِسِيَّةِ (فِي الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ الْفَارِسِيَّةِ لِمَزِيَّتِهَا عَلَى غَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَرَبِيَّةُ وَالْفَارِسِيَّةُ الدُّرِّيَّةُ» وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَلَوْ شَرَعَ بِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِهِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (ثُمَّ يَعْتَمِدُ بِيَمِينِهِ عَلَى رُسْغِ يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَحْتَ الصَّدْرِ كَمَا فِي وَضْعِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ فَقِيلَ يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقُ بِالْخِنْصِرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضَعُ رُسْغَهُ الْيُسْرَى فِي وَسَطِ كَفِّهِ الْيُمْنَى قَابِضًا عَلَيْهَا وَعَنْهُمَا يَضَعُ بَاطِنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الرُّسْغِ طُولًا، وَلَا يَقْبِضُ. وَفِي النَّوَادِرِ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى رُسْغَ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يَضَعُ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا

بِالْخِنْصِرِ وَالْإِبْهَامِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (فِي كُلِّ قِيَامٍ سُنَّ فِيهِ ذِكْرٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ شَرْعٌ لِلْخُضُوعِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّ كُلَّ قِيَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْإِرْسَالُ، وَكُلُّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْوَضْعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يُعْتَمَدُ (فِي) كُلِّ (قِيَامٍ شُرِعَ فِيهِ قِرَاءَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ إنَّمَا شُرِعَ مَخَافَةَ اجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَإِنَّمَا يُخَافُ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطْوِيلُهَا (فَيَضَعُ فِي الْقُنُوتِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ قِيَامٍ سُنَّ فِيهِ ذِكْرٌ أَيْ يَضَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا ذِكْرًا مَسْنُونًا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ فَيُرْسِلُ فِيهِمَا عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ (وَيُرْسِلُ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ مُمْتَدٌّ وَقِرَاءَةٌ. (ثُمَّ يَقْرَأُ سُبْحَانَكَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَبَّحْتُك بِجَمِيعِ آلَائِك يَا اللَّهُ تَسْبِيحًا وَاشْتَغَلْت بِحَمْدِك فَإِنَّهُ رُوِيَ - سُبْحَانَك اللَّهُ بِحَمْدِك - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِيَاسٍ وَتَبَارَكَ اسْمُك أَيْ دَامَ خَيْرُك وَتَعَالَى جَدُّك أَيْ تُجَاوِزُ عَظَمَتُك عَنْ دَرْكِ أَفْهَامِنَا وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ: وَجَلَّ ثَنَاؤُك فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَلَا إلَهَ غَيْرُك بِفَتْحِهِمَا وَرَفْعِهِمَا وَفَتْحِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِ الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا أَتَى بِثُمَّ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ لَا لِلتَّرَاخِي وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ كُلُّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا إلَّا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَإِمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ تَرَكَ الثَّنَاءَ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ يُكَبِّرُ وَيَأْتِي بِالثَّنَاءِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ. (وَلَا يَضُمُّ وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى آخِرِ الذِّكْرِ وَهُوَ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَأُخْرَى أَنَّ «الْبُدَاءَةَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْلَى لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوْجِيهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَّا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقُولُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ ذَلِكَ

وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوْجِيهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِيَتَّصِلَ النِّيَّةُ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (ثُمَّ يَتَعَوَّذُ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ لَا يَرَى ذَلِكَ (فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ عِنْدَ قَضَاءِ مَا سَبَقَ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ فَيَتَعَوَّذُ (لَا الْمُقْتَدِي) أَيْ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُثْنِي، وَلَا يَقْرَأُ فَلَا يَتَعَوَّذُ (وَيُؤَخِّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، وَالتَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ (هُوَ) أَيْ التَّعَوُّذُ (تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ) وَهُوَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُ، فَإِنَّ التَّعَوُّذَ وَرَدَ بِهِ النَّصُّ صِيَانَةً لِلْعِبَادَةِ عَنْ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِيهَا بِسَبَبِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَالصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَفْعَالِ فَكَانَتْ أَوْلَى (فَيَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي، وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) وَلَمْ يَذْكُرْ، وَلَا يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ مَعَ أَنَّهُ لَازِمُ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ. (وَيُسَمِّي سِرًّا) إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَهْرًا فِيمَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ (أَوَّلَ كُلِّ رَكْعَةٍ) عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لَا) يُسَمِّي (بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ) فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَافَتَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَأْتِي بِهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْفَاءُ بَيْنَ الْجَهْرَيْنِ، وَهُوَ شَنِيعٌ. (وَهِيَ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ (آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) بَيَانٌ لِلْأَصَحِّ مِنْ الْأَقْوَالِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ فِي غَيْرِ سُورَةِ النَّمْلِ وَهُوَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَرَدٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا آيَةٌ فِي حُرْمَةِ الْمَسِّ لَا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا لِشُبْهَةٍ فِيهَا. (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ أَيْ نَاقِصَةٌ» (وَسُورَةٌ) أُخْرَى بَعْدَهَا (أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ. وَفِي الْمُنْيَةِ إذَا قَرَأَ آيَةً وَآيَتَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ يَخْرُجُ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِّ الِاسْتِحْبَابِ. (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ أَمَّنَ هُوَ) أَيْ يَقُولُ الْإِمَامُ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ مِنْ التَّشْدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ قِيلَ: لَوْ قَالَ آمِّينَ بِالتَّشْدِيدِ تَفْسُدُ

وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَهُوَ تَعْرِيبٌ هَمِينَ. وَفِي الرَّضِيِّ أَنَّهُ سُرْيَانِيٌّ كَقَابِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ. (وَ) أَمَّنَ (الْمُؤْتَمُّ) أَيْضًا لِقَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ بَعْدَ إتْيَانِ الْإِمَامِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ ذَلِكَ (سِرًّا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْجَهْرِيَّةِ. (ثُمَّ يُكَبِّرُ رَاكِعًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الِانْحِطَاطِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالُوا: وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَا. وَفِي الْقُدُورِيِّ: ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْمُقَارَنَةِ وَضِدِّهَا وَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْوَاوِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَلَا يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَحْضِ الْقِيَامِ كَمَا تَوَهَّمَ. (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ يَتَّكِئُ بِيَدَيْهِ (عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ فَإِنَّ الْأَخْذَ وَالتَّفْرِيجَ وَالْوَضْعَ سُنَّةٌ (بَاسِطًا ظَهْرَهُ) بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ قَدَحُ مَاءٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ مُسْتَوِيًا (غَيْرَ رَافِعٍ رَأْسَهُ وَلَا مُنَكِّسٍ لَهُ) مِنْ نَكَّسَهُ أَيْ جَعَلَهُ مَقْلُوبًا عَلَى رَأْسِهِ مَعْنَاهُ يَسْتَوِي رَأْسُهُ بِعَجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا خَافِضٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَفَضَ رَأْسَهُ قَلِيلًا كَانَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ. (وَيَقُولُ) أَيْ الْمُصَلِّي فِي رُكُوعِهِ مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ» وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَدْنَى الْجَوَازِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ أَدْنَى الْكَمَالِ لِجَوَازِ الرُّكُوعِ بِتَوَقُّفِ قَدْرِ التَّسْبِيحَةِ بَلْ أَقَلُّ وَلَوْ بِلَا ذِكْرٍ (وَهُوَ أَدْنَاهُ) أَيْ أَدْنَى التَّسْبِيحِ الْمَسْنُونِ مِنْ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالتِّسْعِ، وَلَا يَرِدُ إشْكَالٌ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التِّسْعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَعَلَى إفْرَادِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُعَرَّفِ لِاسْمِ التَّفْضِيلِ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْ اسْمِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ مَعَ الْإِيتَارِ لِلْمُنْفَرِدِ) وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ وَقَالُوا: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْقَوْمُ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا يُطَوِّلُ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ مُفْسِدٌ وَكُفْرٌ وَقِيلَ جَائِزٌ إنْ كَانَ الْجَائِي فَقِيرًا وَقِيلَ مَأْجُورٌ إنْ أَرَادَ الْقُرْبَةَ. (ثُمَّ يَرْفَعُ الْإِمَامُ) رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ (قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) هَذَا مَجَازٌ عَنْ الْإِجَابَةِ يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرِيُّ أَيْ أَجَابَ، وَمِنْهُ يُقَالُ: سَمِعَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ أَيْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ، وَاللَّامُ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مِنْ، وَالْهَاءُ لِلْكِنَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17] وَقِيلَ لِلسَّكْتَةِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الثِّقَاتِ وَمَعْنَاهُ قِيلَ: ثَنَاءُ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ وَأَجَابَ. (وَيَكْتَفِي) الْإِمَامُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّسْمِيعِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَقَالَا يَضُمُّ إلَيْهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) سِرًّا (وَيَكْتَفِي الْمُقْتَدَى بِالتَّحْمِيدِ) وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي لَفْظِ التَّحْمِيدِ فَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا اسْتَجِبْ، وَلَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (اتِّفَاقًا) مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَيْنَ

الذِّكْرَيْنِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) وَيَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ حَالَ الِارْتِفَاعِ وَبِالتَّحْمِيدِ حَالَ الِانْحِطَاطِ، وَقِيلَ: حَالَ الِاسْتِوَاءِ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ. (وَقِيلَ كَالْمُقْتَدِي) أَيْ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ: الْأَصَحُّ الْجَمْعُ وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ عَنْهُ وَعَمَّا رُوِيَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ كَالْإِمَامِ. (ثُمَّ يُكَبِّرُ) خَافِضًا (وَيَسْجُدُ) مَجَازٌ أَيْ يَمِيلُ إلَى السَّجْدَةِ (فَيَضَعُ) عَلَى الْأَرْضِ (رُكْبَتَيْهِ) وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَالْفَاءُ لِعِطْفِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْمُجْمَلِ (ثُمَّ يَدَيْهِ) أَيْ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى (ثُمَّ) يَضَعُ. (وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ) فَإِنَّ الْأَصَابِعَ تُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ فِيمَا عَدَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ (مُحَاذِيَةً أُذُنَيْهِ) يَجُوزُ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: الْأَوْلَى أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ (وَيُبْدِئُ) بِالْهَمْزَةِ مِنْ الْإِبْدَاءِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ وَبِغَيْرِ الْهَمْزَةِ مُشَدَّدَةَ الدَّالِ أَيْ يُبِدُّ مِنْ الْإِبْدَادِ، وَهُوَ الْإِبْعَادُ (ضَبْعَيْهِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ هُوَ الْعَضُدُ وَقِيلَ وَسَطُهُ وَبَاطِنُهُ أَيْ يُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ، فَإِنَّهُ لَا يُبْدِي عَضُدَيْهِ كَيْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا. (وَيُجَافِي) أَيْ يُبَاعِدُ (بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) أَيْ رُءُوسَ أَصَابِعِهِمَا بِأَنْ يَضَعَ صَدْرَ الْقَدَمِ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَرْضِ (نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ يَسْجُدُ كُلُّ عُضْوٍ مَعَهُ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ» . وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: أَنَّ انْحِرَافَ أَصَابِعِهِمَا عَنْ الْقِبْلَةِ مَكْرُوهٌ. (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ) مِنْ الْإِلْزَاقِ وَهُوَ الْإِلْصَاقُ (بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ أُسْتَرُ لَهَا (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» (وَهُوَ أَدْنَاهُ) أَيْ أَدْنَى الْكَمَالِ لَا الْجَوَازِ. (وَيَسْجُدُ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) . وَفِي التُّحْفَةِ: يَضَعُ الْجَبْهَةَ ثُمَّ الْأَنْفَ، وَقِيلَ يَضَعُهُمَا مَعًا (فَإِنْ اقْتَصَرَ) فِي سُجُودِهِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ الْأَنْفِ (أَوْ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ دَوْرِهَا (جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ السَّجْدَةُ عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا إجْمَاعًا، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَنْفِ عُذْرٌ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا وَمَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَمَا فِي الْكِتَابِ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ مَا فِي الْكَنْزِ إرَادَةَ أَنَّ

فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْجَبْهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَرْكَ الْأَحْوَطِ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ. (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَأَدَّى بِوَضْعِ الْأَنْفِ مُجَرَّدًا كَمَا لَا يَتَأَدَّى بِوَضْعِ الْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْخَبَرِ الْوَجْهُ لَا الْجَبْهَةُ لَكِنْ كُلُّ الْوَجْهِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَادُ بَعْضُهُ وَالْخَدُّ وَالذَّقَنُ خَرَجَا عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ لَمْ يُشْرَعْ بِوَضْعِهِمَا فَبَقِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ فَكَمَا جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِالْجَبْهَةِ يَجُوزُ بِالْأَنْفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَيَجُوزُ) أَيْ السُّجُودُ (عَلَى فَاضِلِ ثَوْبِهِ) كَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ إنْ كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا أَمَّا لَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى نَجَاسَةٍ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ الْجَوَازَ. (وَعَلَى شَيْءٍ يَجِدُ) السَّاجِدُ (حَجْمَهُ وَتَسْتَقِرُّ جَبْهَتُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَا لَا تَسْتَقِرُّ) وَحَدُّ الِاسْتِقْرَارِ أَنَّ السَّاجِدَ إنْ بَالَغَ لَا يُنْزِلُ رَأْسَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ السَّجْدَةُ عَلَى الثَّلْجِ بِأَنْ غَابَ وَجْهُهُ فِيهِ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ وَوَجَدَ حَجْمَهُ بِأَنْ تَلَبَّدَ الثَّلْجُ تَجُوزُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ التُّرَابُ وَنَحْوُهُ. (وَإِنْ سَجَدَ لِلزَّحْمَةِ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ) يَعْنِي لَوْ سَجَدَ لِلزِّحَامِ عَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاتَهُ (جَازَ) لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَجُوزُ لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ لَا يُصَلِّي أَوْ يُصَلِّي وَلَكِنْ لَا يُصَلِّي صَلَاتَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ رُكْبَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيه وَقِيلَ لَا يُجْزِيه إلَّا إذَا سَجَدَ الثَّانِي عَلَى الْأَرْضِ. (وَهِيَ) أَيْ السَّجْدَةُ (ثُمَّ بِالرَّفْعِ) أَيْ بِرَفْعِ الْجَبْهَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْوَضْعِ) أَيْ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السَّجْدَةِ مِنْ الْخَامِسَةِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِلتَّوَضُّؤِ وَالْبِنَاءُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (ثُمَّ يَرْفَعُ) الْمُصَلِّي (رَأْسَهُ) مِنْ السُّجُودِ (مُكَبِّرًا) الرَّفْعُ فَرْضٌ، وَالتَّكْبِيرُ سُنَّةٌ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِقَالَ فَرْضٌ، وَالرَّفْعُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ. (وَيَجْلِسُ)

بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (مُطْمَئِنًّا) أَيْ سَاكِنًا بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ عِنْدَنَا وَكَذَا بَعْدَ رَفْعِهِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمِّي رَافِعًا جَازَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ. (وَيُكَبِّرُ) لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ خَافِضًا (وَيَسْجُدُ مُطْمَئِنًّا) قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَكْرَارِ السَّجْدَةِ أَنَّ الْأُولَى لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَالثَّانِيَةُ لِتَرْغِيمِ إبْلِيسَ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ أُمِرْنَا بِهِ فَنَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إبْلِيسَ سَجَدَ لِلَّهِ - تَعَالَى - كَثِيرًا وَمَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا امْتِنَاعُهُ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي غَايَتِهِ وَقِيلَ: الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، وَالثَّانِيَةُ إلَى أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ الْمَعْنَى كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ. (ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلنُّهُوضِ فَيَرْفَعُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ) عَلَى عَكْسِ السُّجُودِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ، وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيُمْنَى، وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ. (وَيَنْهَضُ قَائِمًا) بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ النُّهُوضُ الْقِيَامُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَيَقُومُ قَائِمًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّجْرِيدِ وَيُجْعَلَ بِمَعْنَى يَسْتَوِي، وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ النُّهُوضَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّوَجُّهِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَقَامِ فَلَمْ يَتَفَطَّنْ هَذَا الرَّادُّ فَقَالَ مَا قَالَ (مِنْ غَيْرِ قُعُودٍ، وَلَا اعْتِمَادٍ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) أَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى فَخِذَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْلِسُ بَعْدَهَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَتُسَمَّى جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ، وَيَقُومُ مُعْتَمِدًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَا، وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صَدْرِ قَدَمَيْهِ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مَا وُضِعَتْ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ وَالْكِبَرِ. وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ شَيْخًا كَانَ أَوْ شَابًّا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. (وَالثَّانِيَةُ) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ (كَالْأُولَى) أَيْ يَفْعَلُ فِيهَا مَا يَفْعَلُ فِي الْأُولَى (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا. (وَلَا يَتَعَوَّذُ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فَقْعَسَ صَمْعَجَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعِنْدَ الْمَوْقِفَيْنِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ» فَلِكُلٍّ حَرْفٌ

مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ فِي الرُّكُوعِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ. (فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ) أَيْ بَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ (رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرِّجْلِ. (وَنَصَبَ يُمْنَاهُ) مِنْ الرِّجْلِ (نَصْبًا وَوَجَّهَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) بِقَدْرِ مَا اسْتَطَاعَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْعُدُ الْقَعْدَتَيْنِ عَلَى هَذَا» . (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) بِحَيْثُ تَكُونُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الرُّكْبَةِ (وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ مُوَجَّهَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ أَنْ يَعْقِدَ الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا جَاءَ عَنْ عُلَمَائِنَا أَيْضًا. (وَقَرَأَ) أَيْ الْمُصَلِّي (تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَشَهُّدِ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهٍ تُذْكَرُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُطْلَبْ مِنْهَا (وَهُوَ التَّحِيَّاتُ) أَيْ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ (لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ) أَيْ: الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ لِلَّهِ (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيْ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى (السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) قِيلَ لَمَّا أَثْنَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُقَابَلَةِ التَّحِيَّاتِ السَّلَامَ وَالرَّحْمَةَ بِمُقَابَلَةِ الصَّلَوَاتِ وَالْبَرَكَاتِ أَيْ النَّمَاءَ وَالزِّيَادَةَ بِمُقَابَلَةِ الطَّيِّبَاتِ (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) وَهَذَا السَّلَامُ مَقُولُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أَيْ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعُبُودِيَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرِسَالَتَهُ. (وَلَا يَزِيدُ) شَيْئًا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّشَهُّدِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ (فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِيهَا. (وَيَقْرَأُ فِيمَا بَعْدَ) الرَّكْعَتَيْنِ (الْأُولَيَيْنِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْفَرْدُ الثَّالِثُ مِنْ الْمَغْرِبِ (الْفَاتِحَةَ خَاصَّةً) أَيْ لَا يَضُمُّ مَعَهَا السُّورَةَ، وَلَوْ ضَمَّ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ وَالتَّأْمِينَ اعْتِمَادًا عَلَى تَبَعِيَّةِ الْفَاتِحَةِ. (وَهِيَ) أَيْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ (أَفْضَلُ وَإِنْ سَبَّحَ)

بِقَدْرِهَا أَوْ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ (أَوْ سَكَتَ) بِقَدْرِهَا أَوْ بِقَدْرِ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ (جَازَ) وَقِيلَ: إنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا كَانَ مُسِيئًا وَلَوْ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ. (وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَتَوَرَّكُ فِيهَا فَالتَّشْبِيهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقُعُودَ فَرْضٌ، وَالْأَوَّلُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: وَالْقُعُودُ فِي الْأَخِيرِ كَالْقُعُودِ فِي الْأَوَّلِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَتَنَاوَلَ الْقُعُودَ فِي الْفَجْرِ وَقُعُودَ الْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (وَالْمَرْأَةُ تَتَوَرَّكُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ التَّوَرُّكُ (أَنْ تَجْلِسَ عَلَى أَلْيَتِهَا) بِالْفَتْحِ (الْيُسْرَى وَتُخْرِجَ كِلْتَا رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَتَضُمَّ فَخِذَيْهَا وَتَجْعَلَ السَّاقَ الْيُمْنَى عَلَى السَّاقِ الْيُسْرَى كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (فَإِذَا أَتَمَّ) الْمُصَلِّي (التَّشَهُّدَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي (صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَفَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ مَرَّةً إنْ شَاءَ جَعَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا. وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كُلَّمَا ذُكِرَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّمَا ذُكِرَ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرًا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا يُكْرَهَ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (وَدَعَا) بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (بِمَا شَاءَ مِمَّا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ) نَحْوَ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} [الحشر: 10] الْآيَةَ وَ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] الْآيَةَ وَ {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ} [آل عمران: 192] الْآيَةَ. (وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ) يَجُوزُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظَ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ نَحْوَ «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ، وَنَحْوَ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ» (لَا) يَدْعُو (بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) نَحْوَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مَالًا

فصل في أحكام القراءة في الصلاة

وَاَللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ وَاَللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْتَحِيلُ السُّؤَالُ مِنْ النَّاسِ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُمْ فَهُوَ كَلَامُهُمْ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا جَازَ خَارِجَهَا، وَلَوْ قَالَ لَا بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ لَكَانَ مُنَاسِبًا لِمَا قَبْلَهُ تَدَبَّرْ. (ثُمَّ يُسَلِّمُ) الْمُصَلِّي (عَنْ يَمِينِهِ مَعَ الْإِمَامِ) كَمَا فِي التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَهُمَا بَعْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ) إلَى جَانِبَيْهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى وَلَا يَقُولُ: وَبَرَكَاتُهُ. (وَ) يُسَلِّمُ (عَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ مَرَّةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُسَلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدَّيْهِ» وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُصْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَى الْيَمِينِ فَيُعِيدُهُ عَنْ يَسَارِهِ. (وَيَنْوِي الْإِمَامُ بِهِ) أَيْ بِالتَّسْلِيمِ (مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ الْحَفَظَةِ) وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ النِّيَّةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْوِي الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ، وَهُمَا اثْنَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ شِمَالِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يَنْوِيَ الْحَفَظَةَ وَلَا يَنْوِيَ عَدَدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بِطَرِيقِ الْإِحَاطَةِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فَقِيلَ: مَعَ كُلٍّ مَلَكَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ خَمْسَةٌ وَقِيلَ سِتُّونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ (وَالنَّاسَ الَّذِينَ) كَانُوا (مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ) فَلَا يَنْوِي مَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَنْوِي جَمِيعَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَلَوْ قَدَّمَ الْبَشَرَ عَلَى الْمَلَكِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَهُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَكِ وَأَوْسَاطِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْمُقَدَّمِ. (وَالْمُقْتَدِي كَذَلِكَ) أَيْ يَنْوِي فِي جِهَتَيْهِ الْحَفَظَةَ وَالنَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ (وَيَنْوِي) الْمُقْتَدِي أَيْضًا (إمَامَهُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ) أَيْ الْإِمَامُ (فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْجَانِبِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِهِ نَوَاهُ فِي التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ فِي شِمَالِهِ نَوَاهُ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِمَامَ بِالنِّيَّةِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إلَيْهِ بِالْتِزَامِ صَلَاتِهِ صِحَّةً وَفَسَادًا. (وَفِيهِمَا إنْ حَاذَاهُ) أَيْ إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُحَاذِيًا لِلْإِمَامِ نَوَاهُ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ حَظًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: نَوَاهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ (وَ) يَنْوِي (الْمُنْفَرِدُ الْحَفَظَةَ) فِي الْجَانِبَيْنِ (فَقَطْ) إذْ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ لَا يَصِحُّ خِطَابُ الْغَائِبِ. وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: يَنْوِي رِجَالَ الْعَالَمِ وَنِسَاءَهُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَنْوِيَ لِلتَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَام الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة] فَصْلٌ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَأَرْكَانِهَا وَفَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا

وَسُنَّتِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقِرَاءَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِزِيَادَةِ أَحْكَامٍ تَعَلَّقَتْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَابْتَدَأَ بِذِكْرِ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ دُونَ ذِكْرِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمِقْدَارُ الزَّائِدُ عَلَى الرُّكْنِ سُنَّةٌ (يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْفَجْرِ وَأُولَيَيْ الْعِشَاءَيْنِ) يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَغْلِيبًا (أَدَاءً وَقَضَاءً) هُوَ قَيْدٌ لِلثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ فَلَا يَجْهَرُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى هَذَا الزَّمَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: وَيَجْهَرُ فِي تَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا وَقَيَّدْنَا الْوِتْرَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ إذَا كَانَ فِي رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ النُّجَيْمِ فِي بَحْرِهِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الزَّيْلَعِيِّ الْجَهْرَ فِي الْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى الْوِتْرَ فِي رَمَضَانَ يَجْهَرُ سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى التَّرَاوِيحَ أَوْ لَمْ يُصَلِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَفِي تَقْيِيدِهِ بِبَعْدِهَا وَإِيرَادِهِ عَلَى إيرَادِ الزَّيْلَعِيِّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْوِتْرِ بِالْجَمَاعَةِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْإِمَامَةُ لَا تُتَصَوَّرُ بِغَيْرِ الْجَمَاعَةِ فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ فِيهِ فَالْإِطْلَاقُ يَكُونُ فِي مَحَلِّهِ تَدَبَّرْ. (وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ) بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ (فِي نَفْلِ اللَّيْلِ) ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْفَرَائِضِ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا جَهَرَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ؛ وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا. (وَفِي الْفَرْضِ الْجَهْرِيِّ إنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْمُنْفَرِدُ أَدَاءَ الْجَهْرِيِّ خُيِّرَ إنْ شَاءَ جَهَرَ لِكَوْنِهِ إمَامَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ؛ إذْ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يُسْمِعُهُ. (وَفُضِّلَ الْجَهْرُ) لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَرُوِيَ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ وَقَيَّدَ بِالْجَهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَلْ يُخَافِتُ حَتْمًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا قَضَى الْجَهْرَ يُخَافِتُ وَلَا يَتَخَيَّرُ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ وَلَا يَتَخَيَّرُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا انْتَهَى لَكِنْ هَذَا الْحُصْرُ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَهْرِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَدَاءِ كَمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: هُوَ الْأَصَحُّ. (وَيُخْفِيَانِ) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ (حَتْمًا) أَيْ وُجُوبًا (فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا سِوَى الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ التَّرَاوِيحَ وَالْوِتْرَ لِعَدَمِ الْتِفَاتِهِ إلَى مَا سِوَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْمُسْتَقِلَّةِ. (وَأَدْنَى الْجَهْرِ) فِي حَقِّ الْإِمَامِ (إسْمَاعُ غَيْرِهِ) أَيْ أَحَدًا سِوَاهُ فَإِنَّ الْغَيْرَ بِمَعْنَى الْمُغَايَرَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَجْتَهِدَ نَفْسَهُ بِالْجَهْرِ، فَإِنَّ سَمَاعَ بَعْضِ الْقَوْمِ يَكْفِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ إسْمَاعُ الْكُلِّ فَلَوْ سَمِعَ رَجُلَانِ فِي الْمُخَافَتَةِ لَمْ يَكُنْ

جَهْرًا لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ لَوْ كَانُوا كَثِيرًا وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُخَافَتَةً. (وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ) فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيِّ وَعَلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ: إنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ: هُوَ الْأَقْيَسُ وَفِي قَوْلِهِ أَدْنَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ سَاقِطٍ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِبَارِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ أَعْلَى الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَكَذَا كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِهَا) مِنْ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِيلَاءِ وَالْيَمِينِ أَيْ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَ بِحَيْثُ صَحَّحَ الْحُرُوفَ، وَلَكِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَا يَقَعُ، وَلَوْ طَلَّقَ جَهْرًا وَوَصَلَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِحَيْثُ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ. (وَلَوْ تَرَكَ سُورَةَ أُولَيَيْ الْعِشَاءِ) بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ (قَضَاهَا) أَيْ السُّورَةَ (فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ مُقَارِنًا بِفَاتِحَةِ الْأُخْرَيَيْنِ (وَجَهَرَ بِهِمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ. (وَلَوْ تَرَكَ فَاتِحَتَهُمَا) أَيْ فَاتِحَةَ الْأُولَيَيْنِ (لَا يَقْضِيهَا) فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا فِيهِمَا يَلْزَمُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُقْضَى إلَّا بِدَلِيلٍ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَأَهَا. وَفِي الْأَصْلِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا. (وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ) يَعْنِي مَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْآيَةُ قَصِيرَةً هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَاتٌ فَتَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا مَا هِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ كَمُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفٌ كَصّ كَمَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَفِي الْفَتْحِ: كَوْنُ (ص) حَرْفًا غَلَطٌ بَلْ الْحَرْفُ مُسَمًّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءُ بَلْ الْمَقْرُوءُ هُوَ الِاسْمُ أَعْنِي (ص) كَلِمَةً انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَا هُوَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ حَرْفٌ غَايَتُهُ أَنْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ إلَّا بِالِاسْمِ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّوِيلِ يَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ. وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ (وَقَالَا: ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ) تَعْدِلُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِرَاءَةِ وَبِمَا دُونَ هَذَا الْقَدْرِ لَا يُسَمَّى قَارِئًا عُرْفًا فَأَشْبَهَ بِمَا دُونَ الْآيَةِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ خَارِجٌ

إجْمَاعًا فَيَكُونُ الْآيَةُ مُرَادَةً، وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ وَالْعَكْسُ أَوْلَى عِنْدَهُمَا. (وَسُنَّتُهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (فِي السَّفَرِ عَجَلَةً) بِفَتْحَتَيْنِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ وَقْتَ الْعَجَلَةِ وَقِيلَ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ فَاعِلِ السَّفَرِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَقَعُ حَالًا بِلَا تَأْوِيلٍ (الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) مِنْ الْقِصَارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ «قَرَأَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ» . (وَأَمَنَةً) بِالْفَتَحَاتِ أَيْ وَقْتَ الْأَمْنِ (نَحْوَ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (فِي الْفَجْرِ) لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَكَذَا فِي الظُّهْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ نَحْوَ الطَّارِقِ وَالشَّمْسِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا نَحْوَ الْإِخْلَاصِ. (وَفِي الْحَضَرِ) حَالَ السَّعَةِ (أَرْبَعُونَ آيَةً أَوْ خَمْسُونَ) سِوَى الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ لِلْأَثَرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَوَفَّقُوا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَقِيلَ: أَرْبَعُونَ لِلْكُسَالَى، وَإِلَى سِتِّينَ لِلْأَوْسَاطِ وَإِلَى مِائَةٍ لِلرَّاغِبِينَ، وَقِيلَ يُنْظَرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِي وَقِصَرِهَا، وَقِيلَ إلَى طُولِ الْآيَاتِ وَقِصَرِهَا، وَقِيلَ إلَى قِلَّةِ الِاشْتِغَالِ وَكَثْرَتِهَا، وَقِيلَ إلَى خِفَّةِ النَّفْسِ وَثِقَلِهَا، وَقِيلَ: إلَى حُسْنِ الصَّوْتِ وَقُبْحِهِ،، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُحْتَرَزُ عَمَّا يُنَفِّرُ الْقَوْمَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ (وَاسْتَحْسَنُوا طِوَالَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا) أَيْ فِي الْفَجْرِ. (وَفِي الظُّهْرِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَعَةِ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: فِي الظُّهْرِ دُونَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شُغْلٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَالِ، وَطِوَالٌ جَمْعُ طَوِيلَةٍ وَالْمُفَصَّلُ السُّبْعُ الْأَخِيرُ مِنْ الْقُرْآنِ سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَقِيلَ: لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ. (وَأَوْسَاطُهُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَقِصَارُهُ فِي الْمَغْرِبِ) هَكَذَا كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَا تُعْرَفُ الْمَقَادِيرُ إلَّا سَمَاعًا ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَيَانِ الْمُفَصَّلِ مَعَ أَقْسَامِهِ بِقَوْلِهِ. (وَمِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى الْبُرُوجِ طِوَالٌ) قَالَ ذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ، وَقِيلَ مِنْ (ق) ، وَقِيلَ مِنْ الْجَاثِيَةِ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْبُرُوجِ (إلَى " لَمْ يَكُنْ " أَوْسَاطٌ وَمِنْهَا) أَيْ وَمِنْ " لَمْ يَكُنْ " (إلَى الْآخِرِ) أَيْ آخِرِ الْقُرْآنِ (قِصَارٌ) . وَفِي النِّهَايَةِ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَبَسَ ثُمَّ التَّكْوِيرِ إلَى وَالضُّحَى ثُمَّ الِانْشِرَاحِ إلَى الْآخِرِ (وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) يَعْنِي يَقْرَأُ بِقَدْرِ مَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ إذَا اُضْطُرَّ إلَى التَّعْجِيلِ. (وَتُطَالُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْفَجْرِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ، وَهَذَا يَعْنِي إطَالَةَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْفَجْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلتَّوَارُثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ فَقَطْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَطْوِيلَ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْكُلِّ)

لِأَنَّ التَّطْوِيلَ فِي الْفَجْرِ لِلْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ النَّاسِ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَكِنْ هَذَا فِي حَالِ الْيَقَظَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْفَجْرِ لِوُجُودِ الْفَارِقِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: تُعْتَبَرُ الْآيُ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً تُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا دُونَ ثَلَاثَةِ آيَاتٍ، وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى، وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا سَوَاءٌ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الْأُولَى وَيُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ. (وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ) احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عَيَّنَ الْفَاتِحَةَ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ إذَا لَمْ يَقْرَأْهَا لِحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] فَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْمَقْصُودُ التَّعْظِيمُ. (وَكُرِهَ التَّعْيِينُ) أَيْ تَعْيِينُ سُورَةٍ لِلصَّلَاةِ مِثْلَ أَنْ يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا إمَّا لَوْ فَعَلَهَا لِأَجْلِ التَّبَرُّكِ أَوْ لِبَعْضِ الْخَصَائِصِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ يَتْرُكُهَا أَحْيَانًا وَيَقْرَأُ غَيْرَهَا، وَهَذَا كَتَعْيِينِ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي مَسْجِدٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مَكْرُوهَةٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَمْ يُفَصَّلْ، وَهُوَ إيهَامُ التَّفْضِيلِ، وَهَجْرُ الْبَاقِي، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ. (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ (بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ) مِنْ الْإِنْصَاتِ بِمَعْنَى السُّكُوتِ خِلَافًا لِلشَّافِعِي فَإِنَّهُ يَقُولُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَمَعَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَتْ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهُوَ رُكْنٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ حَظَّ الْمُقْتَدِي الْإِنْصَاتُ وَالِاسْتِمَاعُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ فِيمَا لَا يَجْهَرُ احْتِيَاطًا (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ النَّارِ كُلُّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِهِ (أَوْ خَطَبَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ قَائِمَةً مَقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ نَزَّلَ مَنْ حَضَرَهَا مَنْزِلَ الْمُؤْتَمِّ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ ثُمَّ إنَّ الْخُطْبَةَ الَّتِي يَجِبُ اسْتِمَاعُهَا فَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخُلَفَاءِ وَالْأَتْقِيَاءِ وَالْمَوَاعِظِ وَأَمَّا مَا عَدَاهَا مِنْ ذِكْرِ الظَّلَمَةِ فَخَارِجٌ عَنْهَا. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ التَّبَاعُدَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَيْ لَا يَسْمَعَ مَدْحَ الظَّلَمَةِ (أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)

فصل الجماعة سنة مؤكدة

لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ إلَّا إذَا قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ فَيُصَلِّي سِرًّا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَالنَّائِي) أَيْ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ (وَالدَّانِي) أَيْ الْقَرِيبُ (سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ. [فَصْلٌ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ] فَصْلٌ (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ لَقُوتِلُوا وَإِذَا تَرَكَ وَاحِدٌ ضُرِبَ وَحُبِسَ وَلَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ تَرْكُهَا إلَّا لِعُذْرٍ مِنْهُ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَالْبَرْدُ الشَّدِيدُ وَالظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي قَوْلٍ عَنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْهُمَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَلَكِنْ غَيْرُ شَرْطٍ لِجَوَازِهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ وَلَكِنْ يَأْثَمُ فَيَؤُولُ إلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ الْوُجُوبَ. وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ لَكِنْ إنْ فَاتَتْهُ جَمَاعَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. [أَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ] (وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَمَّا الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى، وَكَذَا إمَامُ الْحَيِّ إلَّا إذَا كَانَ الضَّعِيفُ ذَا سُلْطَانٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِلْمِ (أَقْرَؤُهُمْ) أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالتَّجْوِيدِ وَالْمُرَاعِي لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَحْفَظَهُمْ لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْعَكْسِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْأَوْلَى أَقْرَؤُهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْعِلْمِ أَشَدُّ حَتَّى إذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ فَكَانَ أَوْلَى. وَفِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ الْقُرْآنَ بِأَحْكَامِهِ فَكَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَعْلَمَهُمْ. وَفِي زَمَانِنَا أَنَّهُ أَكْثَرُ مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ فَالْأَعْلَمُ أَوْلَى لَكِنْ هَذَا بَعْدَمَا يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُطْعَنْ فِي دِينِهِ، (ثُمَّ أَوَرَعُهُمْ) أَيْ أَشَدُّهُمْ اجْتِنَابًا عَنْ الشُّبُهَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» (ثُمَّ أَسَنُّهُمْ) أَيْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ، وَالْآخَرُ أَوَرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ (ثُمَّ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) أَيْ أَحْسَنُهُمْ فِي الْمُعَاشَرَةِ مَعَ إخْوَانِهِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا أَيْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ

بِالنَّهَارِ» لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ سَمَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَهُ ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ نَسَبًا ثُمَّ أَنْظَفُهُمْ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ. (وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْعَبْدِ) سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَقًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ (وَالْأَعْرَابِيِّ) وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْعَرَبِيِّ الْبَلَدِيِّ لَكِنْ فِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ تُكْرَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالْأَعْمَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ أَصْلًا لِنُقْصَانِ الْوُضُوءِ. وَفِي الْبُرْهَانِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ بَصِيرٌ أَفْضَلُ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِاسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى تَبُوكَ وَكَانَ أَعْمَى. (وَالْفَاسِقِ) أَيْ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُهِمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ وَكَذَا إمَامَةُ النَّمَّامِ وَالْمُرَائِي وَالْمُتَصَنِّعِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ (وَالْمُبْتَدِعِ) أَيْ صَاحِبِ هَوًى لَا يُكَفَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ حَتَّى إذَا كُفِّرَ بِهِ لَمْ تَجُزْ أَصْلًا قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى إلَّا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ وَالْجُهَنِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهَةِ، وَمَنْ يَقُولُ: بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَالرَّافِضِيُّ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ فَهُوَ كَافِرٌ. (وَوَلَدِ الزِّنَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُؤَدِّبُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ أَعْلَمَ زَمَانِهِ بَلَى الْأَوْجَهُ تَنَفُّرُ الطَّبْعِ عَنْهُ فَيَلْزَمُ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي اقْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ وَفِي وِتْرِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. وَفِي الْجَوَاهِرِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَتَعَصَّبُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ فَصْدِهِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ، أَوْ لَمْ يَفْرُكْهُ أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ أَشْبَاهِهَا مِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ (فَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَالْفَاسِقُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ) عَنْ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ (الصَّلَاةَ) بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ. (وَكَذَا) يُكْرَهُ (جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ إحْدَى الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ، أَوْ تَقَدُّمُهُ وَهُمَا مَكْرُوهَانِ فِي حَقِّهِنَّ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إلَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ (فَإِنْ فَعَلْنَ) أَيْ إنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً وَارْتَكَبْنَ الْكَرَاهَةَ (يَقِفُ الْإِمَامُ) الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ

أَوْ أُنْثَى فَلِهَذَا لَمْ يُدْخِلْ تَاءَ التَّأْنِيثِ (وَسَطَهُنَّ) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَعَلَتْ كَذَا حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً ثُمَّ نُسِخَ الِاسْتِحْبَابُ. وَفِي السِّرَاجِ وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إلَى التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهَةً مِنْ التَّقَدُّمِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَقِبَهَا عَنْ عَقِبِ مَنْ خَلْفَهَا لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يَصِحَّ وَالْوَسَطُ بِالتَّحْرِيكِ اسْمُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ كَمَرْكَزِ الدَّائِرَةِ وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ لِدَاخِلِهَا وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ هَا هُنَا بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ، قَالَ الْجَزَرِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا فِي الرَّامُوزِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ، وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (كَالْعُرَاةِ) التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى الْحُكْمِ وَالْكَيْفِيَّةِ لَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعُرَاةِ قُعُودًا أَفْضَلُ دُونَ النِّسَاءِ. (وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) فِي كُلِّ الصَّلَاةِ نَهَارِيَّةً أَوْ لَيْلِيَّةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاتُهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا وَصَلَاتُهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» وَلِأَنَّهُ لَا تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ مِنْ خُرُوجِهِنَّ (إلَّا الْعَجُوزَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَكَذَا الْعِيدَيْنِ لِنَوْمِ الْفُسَّاقِ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالْأَكْلِ فِي الْمَغْرِبِ وَاتِّسَاعِ الْجَبَّانَةِ فِي الْعِيدَيْنِ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ وَالْجُمُعَةُ كَالْعِيدَيْنِ (وَجَوَّزَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (حُضُورَهَا) أَيْ الْعَجُوزِ (فِي الْكُلِّ) لِانْعِدَامِ الْفِتْنَةِ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ، لَكِنْ هَذَا الْخِلَافُ فِي زَمَانِهِمْ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيُمْنَعْنَ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَيَّدَ بِالْعَجُوزِ؛ لِأَنَّ الشَّابَّةَ لَيْسَ لَهَا الْحُضُورُ اتِّفَاقًا الشَّابَّةُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَالْعَجُوزُ مِنْ خَمْسِينَ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ. (وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَقِفُ الْمُؤْتَمُّ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا فِي جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ مُسَاوِيًا لَهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ. وَفِي كَرَاهَةِ الْقِيَامِ خَلْفَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الرَّجُلَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا. (وَيَتَقَدَّمُ) أَيْ الْإِمَامُ (عَلَى الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتَوَسَّطُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّ مُتَعَدِّدًا لَا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَيُصَفُّ الرِّجَالُ) فِي الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» ، (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) ، (ثُمَّ الْخَنَاثَى) بِفَتْحِ الْخَاءِ جَمْعُ الْخُنْثَى وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَنْ يَكُونُ حَالُهُ مُشْكِلًا فَإِنْ تَبَيَّنَ حَالُهُ يُعَدُّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ صِيَغَ الْجَمْعِ فِي بَيَانِ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّ الصَّفَّ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْجَمَاعَةِ، (ثُمَّ النِّسَاءُ) . وَفِي الْبَحْرِ قِيلَ وَلَيْسَ هَذَا التَّرْتِيبُ بِحَاصِرٍ بِجُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا وَالتَّرْتِيبُ الْحَاصِرُ لَهَا أَنْ يُقَدَّمَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ

الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ. (فَإِنْ حَاذَتْهُ) أَيْ حَاذَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَحَدُّ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَالرَّجُلُ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ الْكَعْبُ وَالسَّاقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي إطْلَاقِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَلِيلَ الْمُحَاذَاةِ مُفْسِدٌ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُشْتَرَطُ مِقْدَارُ رُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَحَرَّمَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ يَسَارِهَا وَخَلْفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ (مُشْتَهَاةٌ) أَيْ امْرَأَةٌ عَاقِلَةٌ مُشْتَهَاةٌ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمَاضِي مَحْرَمًا كَانَتْ أَوْ أَجْنَبِيَّةً فَيَدْخُلُ فِيهَا الْعَجُوزُ وَتَخْرُجُ عَنْهَا الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تَخْرُجُ بِالْمُشْتَهَاةِ كَمَا تَوَهَّمَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ، (فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ) وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ وَاحْتَرَزَ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (مُشْتَرَكَةٍ) ؛ لِأَنَّ مُحَاذَاتَهَا لِمُصَلٍّ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا لَا تُفْسِدُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (تَحْرِيمَةً) بِأَنْ يَبْنِيَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ أَوْ بَنَيَا تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةٍ ثَالِثَةٍ (وَأَدَاءً) بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ أَوْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامًا فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَقِيقَةً كَالْمُدْرِكِ، وَهُوَ الَّذِي أَتَى الصَّلَاةَ جَمِيعَهَا مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ تَكُونَ تَحْرِيمَتُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَأَدَاؤُهُ عَلَى أَدَائِهِ أَوْ تَقْدِيرًا كَاللَّاحِقِ وَهُوَ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ نَوْمٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ بِأَنْ يَكُونَ تَحْرِيمَتُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً وَأَدَاؤُهُ فِيمَا يَقْضِيهِ عَلَى أَدَائِهِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يَقْضِيهِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَبَدُّلِ اجْتِهَادِهِ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الِاشْتِرَاكَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَوْ ثَبَتَ فِي التَّحْرِيمَةِ دُونَ الْأَدَاءِ كَمَا إذَا كَانَا مَسْبُوقَيْنِ وَقَامَا لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا لَا تُفْسِدُ مُحَاذَاتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُشْتَرِكَيْنِ أَدَاءً بَلْ هُمَا فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدَيْنِ فِيمَا يَقْضِيَانِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا وَالسُّجُودِ لِسَهْوِهِمَا، وَيَنْقَلِبُ الْفَرْضُ أَرْبَعًا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ ذِكْرَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَدَاءِ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ الِاشْتِرَاكِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِاسْتِدْرَاكِ الْأَدَاءِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِكَةَ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ أَنْ تَقْتَدِيَ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الرِّجَالِ مِنْ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ انْتَهَى، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ تَفْصِيلًا بِمَحَلِّ الْخِلَافِ عَنْ مَحَلِّ الْوِفَاقِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُؤَلِّفِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ تَحْرِيمَةً شَرْطٌ اتِّفَاقًا، وَالِاشْتِرَاكُ أَدَاءً شَرْطٌ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ) وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرِّجْلِ

وَغِلَظُهُ غِلَظُ الْأُصْبُعِ، وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا يَقُومُ الرَّجُلُ (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الرَّجُلِ اسْتِحْسَانًا دُونَ صَلَاتِهَا لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّأْخِيرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ دُونَهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا (إنْ نُوِيَتْ إمَامَتُهَا) أَيْ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ إمَامَةَ النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ. وَفِي الْبَحْرِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَيْدِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ إلَّا بِنِيَّةِ إمَامَتِهَا؛ إذْ لَوْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا. (وَلَا تَدْخُلُ فِي صَلَاتِهِ بِلَا نِيَّتِهِ إيَّاهَا) أَيْ لَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاةِ الرَّجُلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا الْإِمَامُ. وَقَالَ زُفَرُ: تَدْخُلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالرَّجُلِ، وَلَنَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَتِهَا ضَرَرٌ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ بِأَنْ تَقِفَ فِي جَنْبِهِ فَتُفْسِدَ صَلَاتَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ ذَلِكَ بِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا. (وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ) لِمَا رَوَيْنَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِمَامَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِلنِّسَاءِ جَائِزَةٌ وَلِلرِّجَالِ، وَالْخُنْثَى مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ (أَوْ صَبِيٍّ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِصَبِيٍّ فِي فَرْضٍ قَضَاءً وَأَدَاءً بِالِاتِّفَاقِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجُوزُ وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ عَنَّا قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَقْتَدِي الصَّبِيُّ بِالصَّبِيِّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَطَاهِرٍ) أَيْ صَحِيحٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ (بِمَعْذُورٍ) أَيْ بِمَنْ بِهِ عُذْرٌ، وَهُوَ كَسَلَسِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْحَدَثِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَ حَدَثُهُ كَالْعَدَمِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ فَكَانَ أَضْعَفَ حَالًا مِنْ الطَّاهِرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ حَائِضًا أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاحْتِمَالُ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ (وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) وَالْأُمِّيُّ فِي الْأَصْلِ مَنْ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ أَوْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْخَطَّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأُمَّةِ فَحُذِفَتْ التَّاءُ فَهُوَ كَالْعَامِّيِّ أَوْ عَادَةِ الْعَامَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اقْتِدَاءِ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ أَوْ أُمِّيٍّ بِأُمِّيٍّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي إمَامَةِ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ (وَمُكْتَسٍ) أَيْ لَابِسٍ. وَلَوْ قَالَ وَمَسْتُورٍ بِعَارٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِالسَّرَاوِيلِ لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فِي الْعُرْفِ مَعَ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُكْتَسِي خَلْفَهُ كَمَا أَفَادَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِ (بِعَارٍ وَغَيْرِ مُومٍ بِمُومٍ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ فِيهِمَا (وَمُفْتَرِضٍ) . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَا إذَا نَذَرَ (بِمُتَنَفِّلٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ حَالًا مِنْهُ (أَوْ بِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) كَمُصَلِّي الظُّهْرِ اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْعَصْرِ

لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَضَاءً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ فِيهِمَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ وَبِالْعَكْسِ يَجُوزُ. وَفِي النَّوَادِرِ رَجُلَانِ افْتَتَحَا الصَّلَاةَ وَنَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ إمَامًا لِصَاحِبِهِ فَصَلَاتُهُمَا تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَغَتْ النِّيَّةُ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْتَمَّ بِصَاحِبِهِ فَصَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَصَدَ الِاشْتِرَاكَ وَلَمْ تَصِحَّ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ إمَامًا وَمُؤْتَمًّا. (وَيَجُوزُ) (اقْتِدَاءُ غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، وَالْمَاسِحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ. (وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى؛ إذْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْضِ، وَزِيَادَةُ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ وَفِي الْفَرْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ (وَمُومٍ بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَا قَائِمَيْنِ أَوْ قَاعِدَيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ أَوْ مُضْطَجِعَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُومِي قَاعِدًا بِالْمُومِي مُضْطَجِعًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ عَدَمَ الْجَوَازِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِمُومٍ لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ (وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) أَيْ الْمُنْحَنِي سَوَاءٌ كَانَ أَحْدَبَ أَوْ أَقْعَسَ لِاسْتِوَاءِ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ وَكَذَا الْأَعْرَجُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ وَقِيلَ: تَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (وَكَذَا) يَجُوزُ (اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَكُونُ شَرْطُ الصَّلَاةِ مَوْجُودًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْغَاسِلِ وَالْمَاسِحِ وَلَا يَقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ مُتَوَضِّئٌ مَعَهُ مَاءٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَالْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلٍ التَّيَمُّمُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ؛ إذْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَبْنِيَ صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ صَاحِبِ الْخَلَفِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ حَالَ الْقَائِمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِالنَّاقِصِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. (وَإِنْ عَلِمَ) الْمَأْمُومُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ (أَنَّ إمَامَهُ كَانَ مُحْدِثًا) حِينَ صَلَّى (أَعَادَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَأَعَادُوا» وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَهُ أَدَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ. وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا ظَهَرَ حَدَثُ إمَامِهِ بَطَلَتْ فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: أَعَادَ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَمُرَادُهُ بِالْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِالْفَرْضِ لَا الْإِعَادَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْجَابِرَةُ لِلنَّقْصِ فِي الْمُؤَدَّى

باب الحدث في الصلاة

انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَنْزِ مُوَافِقَةٌ لِلْحَدِيثِ، وَالْمُوَافِقَةُ أَوْلَى فَلِهَذَا اخْتَارَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَإِنْ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّ فِي خَلْفِهِ قَارِئًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَقَالَا: صَلَاةُ الْقَارِئِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ الْأُمِّيَّ مَعْذُورٌ مِثْلُ الْإِمَامِ كَمَا إذَا أَمَّ الْعَارِي عَارِيًّا وَكَاسِيًا وَالْجَرِيحُ جَرِيحًا وَصَحِيحًا وَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَرَكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْقَارِئِ تَكُونُ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ، وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ اقْتَدَى الْأُمِّيُّ أُمِّيًّا ثُمَّ حَضَرَ الْقَارِئُ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ، وَصَلَّى مُنْفَرِدًا فَالْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ انْتَهَى فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ) بَعْدَ مَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ (فَسَدَتْ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَفْسُدُ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ هَذَا إذَا قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ وَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْغَايَةِ. [بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ السَّالِمَةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْعَوَارِضِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْمُضِيِّ فِيهَا (مَنْ سَبَقَهُ) أَيْ عَرَضَ لَهُ بِلَا اخْتِيَارٍ (حَدَثٌ) غَيْرُ مَانِعٍ لِلْبِنَاءِ كَالْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا (فِي الصَّلَاةِ تَوَضَّأَ) بِلَا مُكْثٍ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِلَا مُكْثٍ لِأَنَّ جَوَازَ الْبِنَاءِ شَرْطُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّى لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ أَوْ مَكَثَ مَكَانَهُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَيْسَ بِإِطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ بِالنَّوْمِ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ انْتَبَهَ فَإِنَّهُ يَبْنِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَبَنَى) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بَلْ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِي الصَّلَاةَ إذْ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ مَعَ مُنَافِيه وَهُوَ الْقِيَاسُ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمَذَى فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» (وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَأْنِفُ وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِيَانِ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمُحْدِثُ (إمَامًا جَرَّ) بِأَخْذِ الثَّوْبِ أَوْ الْإِشَارَةِ (آخَرَ) مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَالْمُدْرِكُ أَوْلَى مِنْ اللَّاحِقِ

وَالْمَسْبُوقِ (إلَى مَكَانِهِ) وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى فَمِهِ مُوهِمًا أَنَّهُ رَعَفَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ يَتَأَخَّرُ مُحْدَوْدِبًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَرْتَفِعُ مُسْتَوِيًا فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الرُّكْبَةِ لِتَرْكِ الرُّكُوعِ وَعَلَى الْجَبْهَةِ لِلسُّجُودِ وَعَلَى الْفَمِ لِلْقِرَاءَةِ وَيُشِيرُ بِأُصْبُعٍ إلَى رَكْعَةِ وَبِأُصْبُعَيْنِ إلَى رَكْعَتَيْنِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، (فَإِذَا تَوَضَّأَ) الْإِمَامُ (عَادَ وَأَتَمَّ فِي مَكَانِهِ حَتْمًا إنْ كَانَ إمَامُهُ) أَيْ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ فَإِنَّهُ إمَامٌ لَهُ وَلِلْقَوْمِ (لَمْ يَفْرُغْ) عَنْ الصَّلَاةِ وَكَذَا الْمُقْتَدِي إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي مَكَان آخَرَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَقَدْ بَنَى فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ انْفِرَادُهُ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ مُفْسِدٌ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَشْتَغِلُ أَوَّلًا بِقَضَاءِ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ ثُمَّ يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ وَلَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ أَوَّلًا جَازَ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ لِأَنَّ تَرْتِيبَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا (فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَوْدِ وَبَيْنَ الْإِتْمَامِ حَيْثُ) أَيْ فِي مَكَان (تَوَضَّأَ) وَإِنَّمَا خُيِّرَ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْكَافِي وَفِي الثَّانِي قِلَّةَ الْمَشْيِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ (كَالْمُنْفَرِدِ) أَيْ كَمَا هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ أَحْدَثَ) الْمُصَلِّي (عَمْدًا) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدِهِ (اسْتَأْنَفَ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِهِ فَلَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ فِي الْعَمْدِ. (وَكَذَا لَوْ جُنَّ) هُوَ مِنْ أَفْعَالٍ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا مَجْهُولًا (أَوْ أُغْمِيَ) عَلَيْهِ أَوْ احْتَلَمَ بِأَنْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ نَوْمًا لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ فَيَشْمَلُ مَا إذَا حَاضَتْ أَوْ أَنْزَلَ بِالنَّظَرِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ قَهْقَهَ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الضَّحِكَ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (أَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ) مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَنْحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْبِنَاءِ نَجَاسَةُ الْغَيْرِ لَا نَجَاسَتُهُ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمِنَحِ تَدَبَّرْ. (أَوْ شُجَّ) فَسَالَ دَمُهُ وَقَالَ ابْنُ مَلَكٍ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَقَعَ عَلَى رَأْسِهِ الْكُمَّثْرَى مِنْ الشَّجَرَةِ فِي صَلَاتِهِ فَشَجَّهُ يَبْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَالسَّمَاوِيِّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْنِي لِأَنَّ إنْبَاتَ الشَّجَرَةِ كَانَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ فَلَا يَكُونُ كَالسَّمَاوِيِّ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: نَعَمْ إنْبَاتُ الشَّجَرَةِ كَانَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ لَكِنْ لَيْسَ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي وَهَذَا يَكْفِي أَنْ لَا يَكُونَ كَالسَّمَاوِيِّ فَلْيَتَأَمَّلْ. (أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ خَارِجَهُ) حَالَ كَوْنِهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ مَكَانَ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إنْ مَشَى يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفًا، وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ أَوْ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ

سُتْرَةٌ فَالصَّحِيحُ هُوَ التَّقْدِيرُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الصَّحْرَاءِ بِالْخُرُوجِ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ (ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ) يَسْتَأْنِفُ فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا لِأَنَّ وُجُودَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نَادِرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ (وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي مِنْ الْمَسْجِدِ (أَوْ لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ) خَارِجَهُ (بَنَى) فِي الصُّورَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ غَرَضُهُ بِحَقِيقَةِ الْإِصْلَاحِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ وَالْقِيَاسُ الِاسْتِئْنَافُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الِانْصِرَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَفَادَةً مِنْ الْمَفْهُومِ تَفْصِيلًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا بَيَّنَ. (وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ) مَا قَعَدَ قَدْرَ (التَّشَهُّدِ) فِي آخِرِ الصَّلَاةِ (تَوَضَّأَ) بِلَا تَوَقُّفٍ (وَسَلَّمَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ سِوَى السَّلَامِ، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَيَتَوَضَّأُ لِيَأْتِيَ بِهِ (وَإِنْ تَعَمَّدَهُ) أَيْ الْحَدَثَ (فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (أَوْ عَمِلَ مَا يُنَافِيهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَقَدْ وُجِدَتْ أَرْكَانُهَا. (وَتَبْطُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ رَأَى) الْمُصَلِّي (فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (وَهُوَ مُتَيَمِّمُ مَاءً) مَفْعُولُ رَأَى، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَفِي الدُّرَرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (أَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ) مَسْحِ (الْمَاسِحِ) وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ) لِأَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَتَتِمُّ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ: أَوْ نَزَعَ خُفَّهُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ كَذَلِكَ (أَوْ تَعَلَّمَ الْأُمِّيُّ سُورَةً) أَيْ تَذَكَّرَ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَقِيلَ: حَفِظَهُ بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهِ بِلَا اشْتِغَالٍ بِالتَّعَلُّمِ وَإِلَّا تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَالَ آيَةً لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ عِنْدَ الْإِمَامِ الْآيَةَ تَكْفِي. (أَوْ وَجَدَ الْعَارِي ثَوْبًا) تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ (أَوْ قَدَرَ الْمُومِي عَلَى الْأَرْكَانِ) لِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ. (أَوْ تَذَكَّرَ صَاحِبُ التَّرْتِيبِ) صَلَاةً (فَائِتَةً) وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ. وَفِي السِّرَاجِ: ثُمَّ هَذِهِ الصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ بَلْ تَبْقَى مَوْقُوفَةً إنْ صَلَّى بَعْدَ خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ الْفَائِتَةَ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ تَبَعًا لِمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. (أَوْ اسْتَخْلَفَ) الْإِمَامُ (الْقَارِئَ أُمِّيًّا) . وَفِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا فَسَادَ بِالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَغَايَةِ الْبَيَانِ لِأَنَّ اسْتِخْلَافَ الْأُمِّيِّ فِعْلٌ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُخْرِجًا مِنْهَا. (أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ إنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ نَعَمْ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ لَكِنْ قِيلَ أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُهْمَلٌ عِنْدَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ بَلْ يَخْرُجُ وَقْتُ الْجُمُعَةِ انْتَهَى، هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ

فَإِنَّهُ قَالَ وَرَوَى حَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ إذَا صَارَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عُمَرَ عَنْهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ سَوَاءٌ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ لَا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَافْهَمْ. وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي الْمِعْرَاجِيَّةِ قِيلَ تَخْصِيصُ الْجُمُعَةِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الظُّهْرِ كَذَلِكَ. (أَوْ زَالَ عُذْرُ الْمَعْذُورِ) وَالْمُرَادُ بِالزَّوَالِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الِانْقِطَاعُ وَقْتًا كَامِلًا فَلَوْ انْقَطَعَ الْعُذْرُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَسَالَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَالصَّلَاةُ الْأُولَى جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسَلْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِتَحْقِيقِ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ. (أَوْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ بُرْءٍ) لِأَنَّ سُقُوطَهَا بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا لَا عِنْدَهُمَا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُسَمَّى اثْنَيْ عَشْرِيَّةٍ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ قِيلَ: هِيَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ النِّسْبَةُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْمُرَكَّبِ إلَّا إذَا كَانَ عَلَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْسَبُ إلَى صَدْرِهِ يُقَالُ خَمْسِيٌّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَبَعْلِيٌّ فِي بَعْلَبَكَّ كَمَا فِي الْمُفَصَّلِ وَإِنَّمَا قَالَ الْإِمَامُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ الصَّلَاةَ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُهَا فِي آخِرِهَا كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ. (وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَسْبُوقًا) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ (صَحَّ) اسْتِخْلَافُهُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ وَلَوْ تَقَدَّمَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ مُقِيمًا (فَإِذَا أَتَمَّ) الْمَسْبُوقُ الْمُسْتَخْلَفُ (صَلَاةَ الْإِمَامِ) بِأَنْ انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا أَيْ يَسْتَخْلِفُهُ وَيَجُرُّ مَكَانَهُ (لِيُسَلِّمَ بِهِمْ) أَيْ الْقَوْمِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَيَقُومُ هُوَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ (تَمَّ لَوْ فَعَلَ) ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ (مُنَافِيًا) أَيْ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ (يَضُرُّهُ) أَيْ الْمَسْبُوقَ. (وَالْأَوَّلَ) بِالنَّصْبِ أَيْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْمُنَافِي وَيَضُرُّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِمَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْإِمَامُ الْأَوَّلُ (فَرَغَ) مِنْ صَلَاتِهِ. (وَلَا يَضُرُّ مَنْ فَرَغَ) بِأَنْ تَوَضَّأَ وَأَدْرَكَ خَلِيفَتَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ خَلْفَ خَلِيفَتِهِ فَحِينَئِذٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَسْبُوقِ الْمُسْتَخْلِفِ مُنَافِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِتْمَامِ فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَمْ يَضُرَّ الْقَوْمَ إذْ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ. (وَلَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ عِنْدَ الِاخْتِتَامِ) أَيْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا) فِي ذَلِكَ الْحِينِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ عِنْدَ الِاخْتِتَامِ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْجَمِيعِ بِالِاتِّفَاقِ (فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مَسْبُوقًا) قَيَّدَ بِالْمَسْبُوقِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ (لَا إنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ بِخُرُوجِ إمَامِهِ وَكَلَامِهِ بَعْدَ الْقُعُودِ وَلَا خِلَافَ فِي الثَّانِي وَخَالَفَا فِي الْأَوَّلِ

باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها

قِيَاسًا لِلثَّانِي لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا فِي الْكُلِّ فَكَذَا الْمُقْتَدِي وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْحَدَثَ مُفْسِدٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيه مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا لَا يَخْرُجُ الْمُقْتَدِي مِنْهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِهِ فَيُسَلِّمُ وَيَخْرُجُ بِحَدَثِهِ عَمْدًا فَلَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَخْذًا بِقَوْلِ الْإِمَامِ. (وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَعَادَهُمَا) بَعْدَ التَّوَضُّؤِ (حَتْمًا) إنْ بَنَى لِأَنَّ تَمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ. (وَمَنْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً) نَسِيَهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ (فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَسَجَدَهَا) أَيْ قَضَاهَا فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (نُدِبَ إعَادَتُهُمَا) لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عِنْدَهُ فَرْضٌ. (وَمَنْ أَمَّ فَرْدًا فَأَحْدَثَ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا) صَالِحًا لِلِاسْتِخْلَافِ (تَعَيَّنَ لِلِاسْتِخْلَافِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ إذْ خُلُوُّ مَكَانِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ يُفْسِدُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي، حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْقَوْمِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلِاسْتِخْلَافِ بِلَا مُزَاحِمٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْمَأْمُومُ لِلْإِمَامَةِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى (فَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ) ذَلِكَ الْفَرْدُ (فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمَا) وَجْهُ فَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ اسْتِخْلَافُهُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَعِلَّةُ فَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ خُلُوُّ مَكَانِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَقَطْ (دُونَ) صَلَاةِ (الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْحَدَثِ وَالْمُقْتَدِي يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ. (وَلَوْ حُصِرَ) الْإِمَامُ (عَنْ الْقِرَاءَةِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، أَمَّا إذَا قَرَأَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إجْمَاعًا. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْجَبْرِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسَّمَاوِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُسَمَّاة بِالْكَسْبِيَّةِ وَقَدَّمَ السَّمَاوِيَّةَ لِأَصَالَتِهَا (يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَلَوْ سَهْوًا) وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ سَهْوًا مَعَ أَنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ دَاخِلَانِ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا شَرْعًا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (أَوْ فِي نَوْمٍ)

وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْمِنَحِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَفْسُدُ فِي الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ إذَا كَانَ التَّكَلُّمُ قَلِيلًا، (وَكَذَا) أَيْ تُفْسِدُهَا (الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَهُوَ مَا يُمْكِنُ طَلَبُهُ مِنْهُمْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ بُيِّنَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَالْأَنِينُ) صَوْتُ الْمُتَوَجِّعِ قِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ آهِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْهَاءِ (وَالتَّأَوُّهُ) أَنْ يَقُولَ: أَوْهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ (وَالتَّأْفِيفُ) أَنْ يَقُولَ: أُفٍّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بِالتَّنْوِينِ وَبِدُونِهِ وَلُغَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْعَشَرَةِ كَمَا فِي الرِّضَا. (وَلَوْ كَانَتْ بِحَرْفَيْنِ) أَيْ يُفْسِدُهَا وَلَوْ كَانَتْ بِحَرْفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحِ أَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُخَفَّفِ، وَفِي الْمُشَدَّدِ تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ انْتَهَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ فِي الْحَرْفَيْنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ تَفْسُدُ وَفِي ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى تَدَبَّرْ. (وَالْبُكَاءُ بِصَوْتٍ) وَيَحْصُلُ بِهِ حَرْفٌ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الدَّمْعُ بِلَا صَوْتٍ لَمْ تَفْسُدْ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تُفْسِدُهَا إنْ كَانَتْ (لِوَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ) فَصَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، (لَا) أَيُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا تُفْسِدُهَا إنْ كَانَتْ (لِذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) فَصَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً لَا يُمْكِنُ طَلَبُهُ مِنْ النَّاسِ. (وَ) يُفْسِدُهَا (التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ) هُوَ أَنْ يَقُولَ أَحْ أَحْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ الْحُرُوفُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْحَرْفَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ كَمَنْ لَهُ سُعَالٌ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ

حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ، وَلَوْ قَالَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ صَوْتِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِيَهْتَدِيَ إمَامُهُ عِنْدَ خَطَئِهِ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ عَدَمُ الْفَسَادِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ. (وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ) التَّسْمِيتُ بِالْمُهْمَلَةِ عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ، وَبِالْمُعْجَمَةِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ أَفْصَحُ لِأَنَّهُ أَعْلَى فِي كَلَامِهِمْ وَأَكْثَرُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُصَلِّي لِلْعَاطِسِ: يَرْحَمُك اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ لِنَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ (وَقَصْدُ الْجَوَابِ بِالْحَمْدَلَةِ أَوْ الْهَيْلَلَةِ أَوْ السَّبْحَلَةِ أَوْ الِاسْتِرْجَاعِ أَوْ الْحَوْقَلَةِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ أَخْبَرَ الْمُصَلِّيَ بِمَا يَسُرُّهُ، أَوْ قَالَ: هَلْ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ أُخْرَى؟ ، أَوْ أَخْبَرَ بِمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، أَوْ أَخْبَرَ بِمَوْتِ رَجُلٍ، أَوْ أَخْبَرَ بِمَا يَسُوءُهُ فَقَالَ الْمُصَلِّي: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مُرِيدًا بِهِ جَوَابُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا لَهُ وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِهِ عُرْفًا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ ثَنَاءٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يَخْرُجُ بِإِرَادَةِ الْجَوَابِ عَنْ الثَّنَاءِ كَمَا لَا يَصِيرُ كَلَامُ النَّاسِ بِالْقَصْدِ ثَنَاءً لَكِنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا. (وَلَوْ أَرَادَ) الْمُصَلِّي (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ (إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا نَابَتْ أَحَدُكُمْ نَائِبَةً فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» . (وَلَوْ فَتَحَ) الْمُصَلِّي (عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَسَدَتْ) صَلَاةُ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي صَلَاةٍ أَوْ لَا لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَفْتُوحِ عَلَيْهِ لَمْ تَفْسُدْ بِالْأَخْذِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْفَتْحِ لِلْفَسَادِ. وَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، (لَا) أَيْ لَا تَفْسُدُ (إنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ، أَوْ تَحَوَّلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى أَوْ لَمْ يَتَحَوَّلْ، (وَالْأَصَحُّ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ وَإِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ مِنْهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الْفَتْحَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنًى لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْفَتْحَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى. (وَ) يُفْسِدُهَا (السَّلَامُ عَمْدًا) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا غَيْرُ مُفْسِدٍ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ لِلْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُظَنُّ أَنَّهُ أَكْمَلَ، لَا السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ سَهْوًا إذْ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ سَهْوًا عَلَى إنْسَانٍ فَقَالَ: السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي مُقَدَّمَتِهِ فَهَذَا التَّحْقِيقُ يَنْدَفِعُ

مَا قِيلَ إنَّ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْكَافِي وَصَاحِبَ الْكَنْزِ شَامِلٌ لِلسَّهْوِ وَالْعَمْدِ فَتَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ انْتَهَى لِأَنَّ شُمُولَ إطْلَاقِهِمَا لِلسَّهْوِ يُمْكِنُ بِحَمْلِ السَّلَامِ عَلَى إنْسَانٍ هَاهُنَا فَلَا حُكْمَ بِالْمُخَالَفَةِ تَدَبَّرْ، (وَرَدُّهُ) أَيْ يُفْسِدُهَا رَدُّ السَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَذْكَارِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ وَلَوْ قَيَّدَهُ بِلِسَانِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ رَدَّهُ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي فَصْلِ الْكَرَاهَةِ عَدَمَ الْفَسَادِ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ. (وَ) تُفْسِدُهَا (قِرَاءَتَهُ مِنْ مُصْحَفٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَمَا فِي الْجَامِعِ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ آيَةً وَقِيلَ: إنْ قَرَأَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَوَضْعَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَرَفْعَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَتَقْلِيبَ أَوْرَاقِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ التَّلَقِّيَ مِنْ الْمُصْحَفِ شَبِيهٌ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْمُعَلِّمِ، فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِالْقُرْآنِ مِنْ الْمَوْضُوعِ عَلَى شَيْءٍ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ إذَا قَرَأَ مِنْ مُصْحَفٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ كَذَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ مُشِيرٌ إلَى أَنَّ الْحَافِظَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا تُفْسِدُ قِرَاءَةُ الْمُصَلِّي مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ أُخْرَى، وَالْعِبَادَةُ الْوَاحِدَةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّتْ إلَى أُخْرَى، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّا نَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُونَ بَلْ إنَّمَا هُوَ التَّشْبِيهُ فِيمَا كَانَ مَذْمُومًا وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشْبِيهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ) يُفْسِدَانِهَا مُطْلَقًا عَامِدًا كَانَ الْمُصَلِّي أَوْ نَاسِيًا فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ الشُّرْبُ فِي النَّفْلِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّسْيَانُ عَفْوًا كَمَا فِي الصَّوْمِ، أُجِيبُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالصَّوْمِ لِأَنَّ حَالَتَهَا مُذَكِّرَةٌ دُونَ حَالَتِهِ وَلَوْ أَكَلَ سِمْسِمَةً مِنْ خَارِجٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ فِي فَمِهِ مَطَرٌ فَابْتَلَعَهَا. (وَسُجُودُهُ عَلَى نَجَسٍ) أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ) ، يَعْنِي يَقُولُ: إذَا سَجَدَ عَلَى نَجِسٍ يُفْسِدُ السَّجْدَةَ لَا الصَّلَاةَ حَتَّى لَوْ أَعَادَهَا عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ صَحَّتْ السَّجْدَةُ أَيْضًا لِأَنَّ أَدَاءَهَا عَلَى النَّجَاسَةِ كَالْعَدَمِ كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً فَأَدَّاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَهُمَا فَسَادُ الْكُلِّ لِفَسَادِ جُزْئِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا فَإِنَّ الْجُزْءَ لَمْ يَفْسُدْ بَلْ تُرِكَ. (وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ) وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ قِيلَ: هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: مَا يَشُكُّ النَّاظِرُ أَنَّ عَامِلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ، وَقِيلَ مَا يَكُونُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيًا حَتَّى لَوْ رَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ ثَلَاثًا أَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ ثَلَاثًا تُفْسِدَانِ عَلَى الْوَلَاءِ وَقِيلَ: مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ يُفْرَدَ لَهُ مَجْلِسٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا إذَا مَسَّ زَوْجَتَهُ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ، وَقِيلَ: مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُصَلِّي قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ فَإِنَّ دَأْبَهُ فِي مِثْلِهِ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ.

(وَشُرُوعُهُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ يُفْسِدُهَا شُرُوعُ الْمُصَلِّي فِي صَلَاةٍ غَيْرِ مَا صَلَّى صُورَتُهَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ فَقَدْ نَقَضَ الظُّهْرَ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ فَيَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ فَيَتِمُّ الثَّانِي وَلَا تُحْسَبُ مِنْهَا الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَهَا، (لَا شُرُوعُهُ فِيهَا ثَانِيًا) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْزِئُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ الَّتِي ثَالِثَةٌ عِنْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ إلَّا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي إمَامَةَ النِّسَاءِ أَوْ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا يَنْوِي الِانْفِرَادَ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ شَارِعًا فِيمَا كَبَّرَ وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ لِلتَّغَايُرِ، وَلَوْ قُيِّدَ إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَتَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ فَسَدَتْ الْأُولَى وَصَارَ مُسْتَأْنِفًا لِلْمَنْوِيِّ ثَانِيًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ. (وَلَا إنْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ قُدَّامَ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مَكْتُوبٌ عَلَى الْجِدَارِ أَوْ كِتَابٌ مَنْشُورٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَنَظَرَ فِيهِ وَفَهِمَ مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَهْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْفَهْمُ أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ دُونَ الْحِمِّصَةِ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَيُتْبِعُ لِرِيقِهِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَقِيلَ: مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرَ الْحِمِّصَةِ لَا تُفْسِدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَ عَيْنًا مِنْ السُّكَّرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ ثُمَّ ابْتَلَعَ حَلَاوَتَهُ لَمْ تَفْسُدْ (وَتَفْسُدُ فِي قَدْرِهَا) أَيْ الْحِمِّصَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الْخَارِجِ. (وَإِنْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ حَاذَى الْأَعْضَاءُ الْأَعْضَاءَ إذَا كَانَ عَلَى الدُّكَّانِ أَثِمَ الْمَارُّ وَلَا تَفْسُدُ) ، يَعْنِي شَرَطَ فِي كَوْنِ الْمَارِّ آثِمًا أَنْ يَمُرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ أَنْ يُحَاذِيَ جَمِيعُ أَعْضَائِهِ أَعْضَاءَ الْمُصَلِّي كُلَّهَا عِنْدَ الْبَعْضِ أَوْ أَكْثَرَهَا عِنْدَ الْآخَرِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي قَائِمًا عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ دُونَ قَامَةٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَكَانُ بِقَدْرِ قَامَةِ الرَّجُلِ فَلَا يَأْثَمُ، وَفِي تَفْسِيرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ تَفْصِيلٌ، فَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ هُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَالْمُرُورُ أَمَامَ الْمُصَلِّي حَيْثُ كَانَ يُوجِبُ الْإِثْمَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الصَّغِيرَ مَكَانٌ وَاحِدٌ فَأَمَامُ الْمُصَلِّي حَيْثُ كَانَ فِي حُكْمِ مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ مَرَّ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ يَأْثَمُ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي نَاظِرًا فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي حُكْمِ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَأْثَمُ بِالْمُرُورِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَقِيلَ

فِي الصَّحْرَاءِ: إنَّهُ يَأْثَمُ فِي مِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ: خَمْسَةٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: خَمْسِينَ، (وَيَنْبَغِي) لِلْمُصَلِّي (أَنْ يَغْرِزَ أَمَامَهُ فِي الصَّحْرَاءِ سُتْرَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» (طُولَ ذِرَاعٍ وَغِلَظَ أُصْبُعٍ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَيَقْرَبُ مِنْهَا) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي قَرِيبًا مِنْ السُّتْرَةِ (وَيَجْعَلُهَا عَلَى أَحَدِ حَاجِبِيهِ) أَيْ الْأَيْسَرِ وَالْأَيْمَنِ وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ، (وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) أَيْ لَا يَكْفِي وَضْعُ السُّتْرَةِ عَلَى الْأَرْضِ بَدَلًا عَنْ الْغَرْزِ. (وَلَا) يَكْفِي (الْخَطُّ) بِأَنْ يَرْسِمَ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَيْثُ يُغْرَزُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ: تُوضَعُ، وَقِيلَ: لَا وَأَمَّا الْخَطُّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ فَالْمَانِعُ يَقُولُ: لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ: وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُنَصِّبْ عَصًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ خِلَافَ هَذَا لَكِنَّ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَثَرِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يُنْشَرُ قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالُوا: الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا بِالْعَرْضِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَيَدْرَأُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمُصَلِّي (الْمَارَّ) بَيْنَ يَدَيْهِ (بِالْإِشَارَةِ) بِالرَّأْسِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْيَدِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ (أَوْ التَّسْبِيحِ) لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (لَا بِهِمَا) أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا لَا يَدْرَأُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَلَا بِالضَّرْبِ الْوَجِيعِ (إنْ عَدِمَتْ السُّتْرَةُ، أَوْ قَصَدَ) الْمَارُّ (الْمُرُورَ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمُصَلِّي (وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ السُّتْرَةِ. (وَجَازَ تَرْكُهَا) أَيْ السُّتْرَةُ إذَا عَدِمَ الدَّاعِي إلَيْهَا وَذَلِكَ (عِنْدَ أَمْنِ الْمُرُورِ) لِأَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ لِلْحِجَابِ عَلَى الْمَارِّ وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَارِّ لَكِنَّ الْأَوْلَى اتِّخَاذُهَا لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا وَرَاءَهَا وَجَمْعُ خَاطِرِهِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهَا (وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ مُجْزِئَةٌ) أَيْ كَافِيَةٌ (عَنْ الْقَوْمِ) وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُتْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ. (وَلَوْ صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ بِطَانَتُهُ نَجِسَةٌ صَحَّ) مَا صَلَّى (إنْ لَمْ يَكُنْ) الثَّوْبُ (مُضْرَبًا) أَيْ مَخِيطًا مَا بَيْنَ جَانِبَيْهِ بِخُيُوطٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ جَوَانِبُهُ مَخِيطَةً وَلَمْ يَكُنْ وَسَطُهُ مَخِيطًا فَلَا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ ثَوْبَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى الطَّرَفِ الطَّاهِرِ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفٌ مِنْهُ نَجِسٌ) أَيْ لَوْ كَانَ طَرَفٌ مِنْهُ طَاهِرًا وَطَرَفٌ آخَرُ نَجِسًا فَصَلَّى عَلَى الطَّرَفِ الطَّاهِرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِطَهَارَةِ مَكَانِهَا (سَوَاءٌ تَحَرَّكَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ طَرَفَيْهِ (بِحَرَكَةِ الْآخَرِ أَمْ لَا) . وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى عَلَى خَشَبٍ وَفِي جَانِبِهِ الْآخَرِ نَجَاسَةٌ إنْ كَانَ غَلُظَ الْخَشَبُ بِحَيْثُ يَقْبَلُ الْقَطْعَ تَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا.

فصل ما يكره في الصلاة

[فَصْلٌ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةَ] فَصْلٌ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ فِيهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْمُفْسِدَ لِقُوَّتِهِ (وَكُرِهَ عَبَثُهُ) أَيْ لَعِبُهُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمُصَلِّي بِقَرِينَةِ الْمَحَلِّ (بِثَوْبِهِ أَوْ بَدْلِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا مُتَوَالِيًا وَذَكَرَ مِنْهَا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ» لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِيهَا وَكَرَاهَتُهُ تَحْرِيمِيَّةٌ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا، قِيلَ: الْعَبَثُ الْفِعْلُ الَّذِي فِيهِ غَرَضٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعِيٍّ وَالسَّفَهُ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا وَقِيلَ: الْعَبَثُ عَمَلٌ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَلَا مُنَازَعَةٌ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَقَلْبُ الْحَصَى إلَّا مَرَّةً لِيُمْكِنَهُ السُّجُودُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَرَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ ذَرْ» وَلِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ (وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) هِيَ أَنْ يَغْمُرَهَا أَوْ يَمُدَّهَا حَتَّى تَصُوتَ وَكَذَا يُكْرَهُ تَشْبِيكُهَا هُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ (وَالتَّخَصُّرُ) هُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ: هُوَ التَّوَكُّؤُ عَلَى الْعَصَا وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا أَوْ حُدُودِهَا وَقِيلَ: أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأُ آخِرَهَا (وَالِالْتِفَاتُ) بِأَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ وَجْهُهُ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ وَأَمَّا النَّظَرُ بِمُؤَخِّرَةِ عَيْنَيْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُ هَذَا وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَتْ وَجَعَلَ فِيهَا الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَنْ يُحَوِّلَ بَعْضَ وَجْهِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ انْتَهَى، لَكِنَّ الْأَشْبَهَ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَعَمُّ مِنْ تَحْوِيلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ فَلَا تَفْسُدُ بَلْ تَفْسُدُ بِتَحْوِيلِ صَدْرِهِ (وَالْإِقْعَاءُ) وَهُوَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخْذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقَبِهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ لَكِنَّ كِلَاهُمَا مَكْرُوهَانِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) بِلَا عُذْرٍ وَمَعَهُ لَا يُكْرَهُ لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ «نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أَقْعَى إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» وَهُوَ بَسْطُ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. (وَرَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) . وَفِي الْمَجْمَعِ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ رَدَّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ أَوْ يَدِهِ فَسَدَتْ لَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي الرَّأْسِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، (وَالتَّرَبُّعُ بِلَا عُذْرٍ) لِتَرْكِ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ، لَا لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِتَرَبُّعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَارِجَ الصَّلَاةِ مَعَ أَصْحَابِهِ

فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ، وَقُيِّدَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ لَا يُكْرَهُ (وَكَفُّ ثَوْبِهِ) وَهُوَ رَفْعُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ السُّنَّةِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْصِدُ رَفْعَهُ عَنْ التُّرَابِ أَوْ لَا، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِصَوْنِهِ عَنْ التُّرَابِ (وَسَدْلُهُ) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ وَمِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ حَتَّى إذَا أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَا يُكْرَهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا لَمْ يُدْخِلْ الْيَدَ فِي كُمِّ الْفَرَجِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ: مَا ذُكِرَ أَوَّلًا فِي الطَّيْلَسَانِ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ (وَالتَّثَاؤُبُ) وَهُوَ حَالَةٌ تَعْرِضُ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْكَسَلِ (وَالتَّمَطِّي) أَيْ التَّمَدُّدُ وَهُوَ مَدُّ يَدَيْهِ وَإِبْدَاءُ صَدْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ (وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ إلَّا إذَا قَصَدَ قَطْعَ النَّظَرِ عَنْ الْأَغْيَارِ وَالتَّوَجُّهَ إلَى جَنَابِ الْمَلِكِ السَّتَّارِ، قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَيْتَ شِعْرِي لِمَ نُهِيَ عَنْهُ وَلَهُ فِي جَمْعِ الْخَاطِرِ فِي الصَّلَاةِ مَدْخَلٌ عَظِيمٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ التَّجْرِبَةُ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِجَمْعِ الْخَاطِرِ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً بَيَّنَ سِرَّ وَجْهِ النَّهْيِ عَنْهُ انْتَهَى وَسِرُّهُ أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَرْمِيَ بَصَرَهُ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُ هَذِهِ السُّنَّةِ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَكَذَا الْعَيْنُ تُفَكِّرُ وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُ هَذِهِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ مُخِلٌّ لِلْأَدَبِ، تَدَبَّرْ. (وَالصَّلَاةُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَعْقُوصَ الشَّعْرِ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُ عَلَى الرَّأْسِ ثُمَّ يَشُدُّهُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَا يَنْحَلَّ وَهَذَا فِي الصَّلَاةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: وَحِكْمَةُ النَّهْيُ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ (وَحَاسِرَ الرَّأْسِ) أَيْ كَاشِفًا إيَّاهُ وَهَذَا إذَا كَانَ لِلتَّكَاسُلِ وَقِلَّةِ رِعَايَتِهَا لَا الْإِهَانَةِ بِهَا لِأَنَّهَا كُفْرٌ (لَا تَذَلُّلًا) أَيْ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِلتَّذَلُّلِ. (وَفِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ) عَطْفٌ عَلَى حَاسِرٍ لِأَنَّ فِي الْحَالِ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَهِيَ مَا يُلْبَسُ فِي الْبَيْتِ وَلَا يَذْهَبُ بِهِ إلَى الْأَكَابِرِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ الْقَلِيلَةِ وَعَنْ الْأَوْسَاخِ الْكَرِيهَةِ، (وَمَسْحُ جَبْهَتِهِ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ مِنْ التُّرَابِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِعَمَلٍ غَيْرِ لَائِقٍ لِلصَّلَاةِ وَإِزَالَةٌ لِأَثَرِ السَّجْدَةِ الْمُشْعِرَةِ بِقُرْبِ اللَّهِ تَعَالَى وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مَا فِي الْمَتْنِ، (وَنَظَرُهُ إلَى السَّمَاءِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمُجَسِّمَةِ وَعَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْتِفَاتٌ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ نَظَرِ الْمُصَلِّي (وَعَدُّ الْآيِ) جَمْعُ آيَةٍ. (وَ) عَدُّ (التَّسْبِيحِ بِيَدِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ قُلْنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ الْعَدِّ بَعْدَهُ، وَأَمَّا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَلَا ضَرُورَةَ أَيْضًا إلَى الْعَدِّ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِغَمْزِ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ الشُّمُولَ لِلْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ قِيلَ: الْخِلَافُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقِيلَ: فِي التَّطَوُّعِ

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِالْيَدِ لِأَنَّ الْعَدَّ بِالْقَلْبِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَالْعَدَّ بِاللِّسَانِ يُفْسِدُ اتِّفَاقًا. (وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي طَاقِ الْمَسْجِدِ) أَيْ مِحْرَابِهِ مُمْتَازًا عَنْ الْقَوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ مُقَرَّرٌ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ فِي حَقِّ الْمَكَانِ حَتَّى كَانَ التَّقَدُّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ كَوْنُهُ فِي خُصُوصِ مَكَان وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ بُنِيَ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَحَارِيبُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَوْ لَمْ تُبْنَ كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي مُحَاذَاةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ يُحَاذِي وَسَطَ الصَّفِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ مُحَاذَاتِهِ مَكْرُوهٌ، وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إنَّمَا يَخُصُّونَ الْإِمَامَ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَا قِيلَ فَلَا تَشَبُّهَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَهَبَ أَبُو جَعْفَرٍ إلَى أَنَّ فِيهِ اشْتِبَاهَ الْحَالِ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، وَالتَّقَدُّمُ شُرِعَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْقَوْمِ لِيَظْهَرَ حَالُهُ لَهُمْ فَإِذَا أَفْضَى إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِهِ كُرِهَ فَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَرَاهَةُ قِيَامِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اشْتَبَهَ حَالُهُ أَمْ لَا، فَاللَّائِقُ لَنَا أَنْ نَجْتَنِبَ عَنْهَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُكْرَهُ قِيَامُهُ (وَانْفِرَادُهُ عَلَى الدُّكَّانِ) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَالْقَوْمُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةُ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا لَكِنَّ إطْلَاقَهُ شَامِلٌ لِمَا دُونَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ، وَقِيلَ: مِقْدَارُ ذِرَاعٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ. وَفِي الْغَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ الْمُخْتَارُ (أَوْ الْأَرْضِ) أَيْ انْفِرَادُهُ عَلَى الْأَرْضِ وَالْقَوْمُ عَلَى الدُّكَّانِ لِأَنَّهُ ازْدِرَاءٌ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِيهِمَا فِي الصَّحِيحِ. (وَالْقِيَامُ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ (فُرْجَةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي التُّحْفَةِ هَذَا إذَا كَانَ هُوَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً أَمَامَهُ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجْذِبَ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ كَمَا فِي الِاصْطِلَاحِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَنْتَظِرَ إلَى الرُّكُوعِ فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَإِلَّا جَذَبَ رَجُلًا لَكِنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا الْقِيَامُ وَحْدَهُ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ فَإِنَّهُ إذَا جَذَبَ أَحَدًا رُبَّمَا أَفْسَدَ صَلَاتَهُ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ: دَخَلَ فُرْجَةَ الصَّفِّ أَحَدٌ فَتَجَانَبَ الْمُصَلِّي تَوَسُّعَةً لَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ. (وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَكَيْفَ فِي الصَّلَاةِ. (وَأَنْ تَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ) أَيْ فِي السَّقْفِ (أَوْ بَيْنَ يَدْيِهِ) بِأَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً أَوْ مَوْضُوعَةً فِي حَائِطِ الْقِبْلَةِ (أَوْ بِحِذَائِهِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ (صُورَةٌ) وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا كَانَ خَلْفَهُ وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ تَنْزِيهَ مَكَانَ الصَّلَاةِ عَمَّا يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ مُسْتَحَبٌّ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبِسَاطُ الْمُصَوَّرُ فِي الْبَيْتِ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْقَدَمِ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ إنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لِمَا فِيهِ

مِنْ التَّعْظِيمِ لَهَا وَالتَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا فَلِهَذَا قَالُوا: وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ خَلْفَهُ، فَلَا يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لِعَدَمِ التَّعْظِيمِ، تَأَمَّلْ (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) جِدًّا بِحَيْثُ (لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ) إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ تَدْقِيقٍ، (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) مِثْلُ الْأَشْجَارِ وَالْأَزْهَارِ (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّةً فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ لَا تُعْبَدُ فَلَا تُكْرَهُ، وَلَوْ قُطِعَ يَدَاهَا أَوْ رِجْلَاهَا لَا تُرْفَعُ الْكَرَاهَةُ وَكَذَا لَوْ أُزِيلَ الْحَاجِبَانِ وَالْعَيْنَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ تُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إذَا دَخَلَ فِيهِ نُقْصَانٌ أَوْ كَرَاهَةٌ فَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ، وَقَالَ الْوَبَرِيُّ إذَا لَمْ يَتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ التَّرْجُمَانِيُّ: إنَّ الْإِعَادَةَ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا كَانَتْ فِي رُكْنٍ فَالْإِعَادَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَاجِبَةٌ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا. (لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ (قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ جِنِّيَّةً وَهِيَ بَيْضَاءُ لَهَا ضَفِيرَتَانِ تَمْشِي مُسْتَوِيَةً أَوْ غَيْرَ جِنِّيَّةٍ وَهِيَ سَوْدَاءُ تَمْشِي مُلْتَوِيَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ أَيْ الْعَقْرَبَ وَالْحَيَّةَ» وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِ الْجِنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ: لَا يَحِلُّ قَتْلُ الْجِنِّيَّةِ كَمَا فِي غَيْرِهَا إلَّا إذَا قِيلَ: خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَتْ فَحِينَئِذٍ تُقْتَلُ، وَالطَّحَاوِيُّ يَقُولُ: إنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَاهَدَ الْجِنَّ بِأَنْ لَا يَظْهَرُوا لِأُمَّتِهِ فِي صُورَةِ الْجِنِّ وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ» فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ يُبَاحُ قَتْلُهَا، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنْ يَحْتَاطَ فِي قَتْلِهَا حَتَّى لَا يَقْتُلَ جِنِّيًّا فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ إيذَاءً كَثِيرًا، وَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ إخْوَانِي أَكْبَرَ سِنًّا مِنِّي قَتَلَ حَيَّةً كَبِيرَةً بِسَيْفٍ فِي دَارٍ لَنَا فَضَرَبَهُ الْجِنُّ حَتَّى جَعَلُوهُ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ رِجْلَاهُ قَرِيبًا مِنْ الشَّهْرِ، ثُمَّ عَالَجْنَاهُ بِإِرْضَاءِ الْجِنِّ حَتَّى تَرَكُوهُ فَزَالَ مَا بِهِ وَهَذَا مِمَّا عَايَنْتُهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا خَشِيَ أَنْ تُؤْذِيَهُ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا. (وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ سَاجِدًا فِي طَاقِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقِدَمِ. (وَالصَّلَاةُ) مُتَوَجِّهًا (إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) هَذَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ: كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَحَدَّثُونَ» وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ وُقُوعُ الْغَلَطِ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ وَبَعْضُهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَبَعْضُهُمْ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الْبَيَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالظَّهْرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْوَجْهِ مَكْرُوهٌ. (وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَمَامُهُ مُصْحَفٌ أَوْ سَيْفٌ سَوَاءٌ كَانَا مُعَلَّقَيْنِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ، وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا هَذَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ: كُرِهَ ذَلِكَ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ السَّيْفَ آيَةُ الْحَرْبِ وَفِيهِ

بَأْسٌ شَدِيدٌ فَلَا يَلِيقُ تَقْدِيمُهُ فِي مَقَامِ الِابْتِهَالِ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْمُصْحَفِ مُعَلَّقًا تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُمْ إيَّاهُ لِلْقِرَاءَةِ مِنْهُ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا بَلْ مُفْسِدٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعَلَّقِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ لَا لِمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَذِكْرُ التَّعْلِيقِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، تَدَبَّرْ (أَوْ إلَى شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ) إذْ لَا يُعْبَدَانِ لِأَنَّ الْمَجُوسَ يَعْبُدُونَ الْجَمْرَ لَا اللَّهَبَ وَقِيلَ: يُكْرَهُ. (وَعَلَى بِسَاطٍ ذِي تَصَاوِيرَ إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) إذْ الْأَدَاءُ عَلَيْهِ إهَانَةٌ وَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبِسَاطُ الْمُصَوَّرَةُ فِي الْبَيْتِ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْقَدَمِ تَنَاقُضٌ فَلْيَتَأَمَّلْ. (وَكُرِهَ الْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ (وَالْوَطْءُ فَوْقَ مَسْجِدٍ) لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لِمَنْ تَحْتَهُ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ اسْتِطْرَادًا. (وَغَلْقُ بَابِهِ) أَيْ بَابِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْمَنْعِ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَرَامٌ وَالْغَلْقُ بِالسُّكُونِ اسْمٌ مِنْ الْإِغْلَاقِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَبِضَمَّتَيْنِ بِمَعْنَى الْمُغْلَقِ وَأَمَّا بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى مَا يُغْلَقُ بِهِ الْبَابُ وَيُفْتَحُ بِالْمَفَاتِيحِ فَمَجَازٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى مَتَاعِهِ) . وَفِي الْعَيْنِيِّ وَلَا يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِكَثْرَةِ اللُّصُوصِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَالْحُكْمُ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَقِيلَ إذَا تَقَارَبَ الْوَقْتَانِ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَا يُغْلَقُ وَإِذَا تَبَاعَدَ كَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ يُغْلَقُ. (وَيَجُوزُ نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي الْمِحْرَابِ وَالْجِدَارِ الَّذِي قُدَّامَ الْمُصَلِّي. وَفِي الْفَتْحِ دَقَائِقُ النُّقُوشِ وَنَحْوُهَا مَكْرُوهٌ خُصُوصًا فِي الْمِحْرَابِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ كَمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ» وَقِيلَ: يُثَابُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طَيِّبِ مَالِهِ يُلَوِّثُ بَيْتَهُ تَعَالَى هَذَا إذَا فَعَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا لَوْ صَرَفَ مَا يَفْضُلُ مِنْ الْعِمَارَةِ إلَى النَّقْشِ يَجُوزُ لِأَنَّ الظَّلَمَةَ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ لِمَا يَخَافُ مِنْ سُقُوطِ الْكِتَابَةِ وَأَنْ تُوطَأَ. (وَ) يَجُوزُ (الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَهُوَ مَكَانٌ فِي الْبَيْتِ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ إلَّا لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَوْقَ هَاهُنَا اتِّفَاقِيٌّ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْعَرْصَةِ وَالْفَنَاءِ وَالْبِنَاءِ لَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالصَّحِيحِ أَنَّ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ حَقِيقَةً.

باب الوتر والنوافل

[بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِيمَا يَلِيهَا فِي الرُّتْبَةِ وَهُوَ الْوِتْرُ ثُمَّ فِيمَا يَلِيهِ وَهُوَ النَّفَلُ وَالْوِتْرُ بِالْكَسْرِ الْفَرْدُ وَبِالْفَتْحِ الْعَدَدُ وَيُقَالُ الْكَسْرُ لُغَةُ الْحِجَازِ وَالْفَتْحُ لُغَةُ غَيْرِهِمْ وَالنَّافِلَةُ عَطِيَّةُ التَّطَوُّعِ مِنْ حَيْثُ لَا يَجِبُ وَمِنْهُ نَافِلَةُ الصَّلَاةِ (الْوِتْرُ وَاجِبٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَأَدُّوهَا بَيْنَ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِالْأَدَاءِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَفْدِ الْفَرْضِيَّةَ عَلَى مَا وَجَبَ الْعَمَلُ فَلِهَذَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ أَيْ لَا يُنْسَبُ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ دَرَجَةً مِنْ الْفَرِيضَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ هُوَ وَالْأَصَحُّ. وَفِي النِّهَايَةِ لَيْسَ فِي الْوِتْرِ رِوَايَةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الظَّاهِرِ وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أَيْ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ فَرْضٌ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ. وَفِي التُّحْفَةِ ثُمَّ رَجَعَ، وَوَاجِبٌ، وَسُنَّةٌ وَوَفَّقَ الْمَشَايِخُ بَيْنَهَا بِمَا هُوَ فَرْضٌ عَمَلًا وَوَاجِبٌ اعْتِقَادًا وَسُنَّةٌ ثُبُوتًا (وَقَالَا سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَالْوُسْطَى هُوَ الْفَرْضُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْوِتْرُ فَرْضًا لَكَانَتْ الْفَرَائِضُ سِتًّا وَالسِّتُّ لَا وُسْطَى لَهَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةُ الْوِتْرِ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ لَا عَلَى عَدَمِ الْوَاجِبِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ بِهَا (وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» رَوَاهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَدْنَاهَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَكْثَرُهَا إحْدَى عَشْرَ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَدْنَى الْكَمَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَثَانِيَةٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. (يَقْرَأُ) الْمُصَلِّي (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَتْرِ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) بِلَا تَعْيِينٍ. وَفِي الْكَرْمَانِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » . وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. (وَيَقْنُتُ فِي ثَالِثَتِهِ دَائِمًا) فِي كُلِّ السُّنَّةِ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (قَبْلَ الرُّكُوعِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ» وَهُوَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي آخِرِ الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ شَيْءٍ أَخَّرَهُ (بَعْدَمَا كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) يَعْنِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ رَافِعًا يَدَيْهِ ثُمَّ يَقْرَأُ دُعَاءَ الْقُنُوتِ وَالْقُنُوتُ عِنْدَنَا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنَسْتَهْدِيك

وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتُوبُ إلَيْك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يُفْجِرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ وَالْمَعْنَى يَا اللَّهَ نَطْلُبُ مِنْك الْعَوْنَ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَطْلُبُ مِنْك الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِنَا وَنَطْلُبُ مِنْك الْهِدَايَةَ، وَنُؤْمِنُ بِك أَيْ بِجَمِيعِ تَفَاصِيلِهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ حَقَّ التَّوَكُّلِ، وَنُثْنِي مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الْمَدْحُ وَانْتِصَابُ الْخَيْرِ عَلَى الْمَصْدَرِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِلثَّنَاءِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ كَقَوْلِهِمْ: أَثْنَى عَلَيَّ شَرًّا وَلَا نَكْفُرُكَ أَيْ لَا نَكْفُرُكَ نِعْمَتَكَ، وَنَخْلَعُ أَيْ نَطْرَحُ وَنَتْرُكُ وَيَتَوَجَّهُ الْفِعْلَانِ إلَى الْمَوْصُولِ مَنْ يَفْجُرُكَ أَيْ يُخَالِفُك، وَنَسْعَى مِنْ السَّعْيِ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ التَّامُّ وَنَحْفِدُ، بِالْكَسْرِ أَيْ نَعْمَلُ لَك بِطَاعَتِك، وَمُلْحِقٌ بِالْكَسْرِ أَيْ لَاحِقٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ: مُلْحِقٌ بِالْكُفَّارِ قَالَ الْمُطَرِّزِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ثَلَاثًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي اللَّيْثِ أَوْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْرَأُ مَعَهُ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنَا يَا رَبَّنَا شَرَّ مَا قَضَيْت فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ وَنَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْكَ {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118] . (وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ صَلَاةِ الْوِتْرِ عِنْدَنَا قَالَ الْإِمَامُ: الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ بِدْعَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ مَسْنُونٌ عِنْدَهُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ لِرِوَايَةِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا» وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ» وَالتَّرْكُ دَلِيلُ النَّسْخِ. (وَيَتْبَعُ الْمُؤْتَمُّ) الْحَنَفِيُّ فِي الْقُنُوتِ إمَامًا شَافِعِيًّا (قَانِتَ الْوِتْرِ وَلَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ) وَكَذَا يَتْبَعُ السَّاجِدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فِي السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (وَلَا يَتْبَعُ) الْمُؤْتَمُّ الْحَنَفِيُّ شَافِعِيًّا (قَانِتَ الْفَجْرِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا اتِّبَاعَ فِي الْمَنْسُوخِ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَابَعَةُ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ بِالشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ كَمَا بُيِّنَ فِي فَصْلِ الْجَمَاعَةِ (بَلْ يَقِفُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَتْبَعُ (سَاكِتًا فِي) الْقَوْلِ (الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَشْرُوعٍ وَهُوَ الْقِيَامُ وَعَلَى غَيْرِ

مَشْرُوعٍ وَهُوَ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ فَمَا كَانَ مَشْرُوعًا يُتَابِعُهُ فِيهِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَا وَقَيْدُ الْأَظْهَرِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَقْعُدُ تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ. (وَالسُّنَّةُ قَبْلَ) فَرْضِ (الْفَجْرِ) لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الْوِتْرِ شَرَعَ فِي النَّوَافِلِ وَالنَّفَلُ أَعَمُّ مِنْ السُّنَّةِ مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ وَابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ حَتَّى رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ لَوْ صَلَّاهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا تَجُوزُ. وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» قَالُوا الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ وَتُقْضَى إذَا فَاتَتْ مَعَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ السُّنَنِ وَفِي الْبَحْرِ مَنْ أَنْكَرَ سُنَّةَ الْفَجْرِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ. (وَبَعْدَ) فَرْضِ (الظُّهْرِ وَ) بَعْدَ فَرْضِ (الْمَغْرِبِ) فَالْأَفْضَلُ مَا لِلظُّهْرِ ثُمَّ الْمَغْرِبِ وَذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَدَعْ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ (وَ) بَعْدَ فَرْضِ (الْعِشَاءِ) تَأْخِيرُهَا يَدُلُّ عَلَى انْحِطَاطِهَا عَنْهُمَا (رَكْعَتَانِ) خَبَرُ السُّنَّةِ. (وَ) السُّنَّةُ (قَبْلَ) فَرْضِ (الظُّهْرِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا دُونَ الْعِشَاءِ كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَقِيلَ: آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا بَعْدَ سَنَةِ الْفَجْرِ وَقِيلَ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَلِذَا قِيلَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّعَلُّمِ. وَفِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ رَجُلٌ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إنْ لَمْ يَرَ السُّنَنَ حَقًّا فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ وَإِنْ رَأَى حَقًّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ جَاءَ الْوَعِيدُ بِالتَّرْكِ. (وَ) قَبْلَ (الْجُمُعَةِ) أَرْبَعٌ بِلَا خِلَافٍ (وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) بِتَسْلِيمَةٍ فَلَوْ صَلَّى بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يُعَدّ مِنْ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ: بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ لَهُ الْقُعُودُ بَعْدَهَا بَلْ يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ مِقْدَارَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَإِلَيْكَ يَعُودُ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَبِمَا نَقَلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ أَوْرَادَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ مَا فِي الشُّمُنِّيِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُعُودِ الَّذِي لَا قِرَاءَةَ فِيهِ وَلَا ذِكْرَ تَدَبَّرْ. وَفِي الْقُنْيَةِ: الْكَلَامُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا يُسْقِطُ السُّنَّةَ وَلَكِنْ يُنْقِصُ ثَوَابَهُ وَكُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ الْأَكْلِ يُعِيدُ السُّنَّةَ أَمَّا بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ فَلَا. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتٌّ) يُصَلِّي أَرْبَعًا وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنَّا وَبِهِ يُعْمَلُ الْيَوْمَ. وَفِي الِاخْتِيَارِ بِتَسْلِيمَةٍ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أَرْبَعًا وَمَرَّةً سِتًّا جَمْعًا بَيْنَهُمَا. (وَنُدِبَ)

أَيْ حُبِّبَ (الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ أَوْ رَكْعَتَانِ) لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ لَكِنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْأَرْبَعِ أَظْهَرُ. (وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) تُسَمَّى صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِشَيْءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ مَحْسُوبَةٌ مِنْ السِّتِّ لَكِنَّ فِي الْأَشْبَاهِ خِلَافَهُ تَتَبَّعْ. (وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَقِيلَ أَرْبَعًا عِنْدَهُ وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْأَحْسَنُ أَنْ يُصَلِّيَ سِتًّا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ثَابَرَ أَيْ دَاوَمَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهَذِهِ مُؤَكَّدَاتٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا لِهَذَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَ النَّدْبِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِيهَا. (وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ (بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ لَا) أَيْ لَا تُكْرَهُ (فِي نَفْلِ اللَّيْلِ إلَى ثَمَانٍ) رَكَعَاتٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ إلَى أَرْبَعٍ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى ثَمَانٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ فِي تَهَجُّدِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (خِلَافًا لَهُمَا) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الثَّمَانُ فِي اللَّيْلِ مَكْرُوهَةً عِنْدَهُمَا كَمَا فِي النَّهَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّافِلَةَ فِي اللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ إلَى ثَمَانٍ جَائِزَةٌ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ فِي الْكُتُبِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ بِهَذَا لَكِنْ لَا يُمْكِنُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ سِيَاقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَالَا فِي اللَّيْلِ: الْمَثْنَى أَفْضَلُ تَتَبَّعْ (وَلَا تُزَادُ عَلَى الثَّمَانِ) فِي اللَّيْلِ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (رُبَاعُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا رَوِيَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا وَكَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الضُّحَى» (وَقَالَا فِي) نَفْلِ (اللَّيْلِ الْمَثْنَى أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الرَّكْعَتَانِ أَفْضَلُ فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» لَكِنْ مَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ مَثْنَى شَفْعٌ لَا وَتْرٌ وَلَفْظُ النَّهَارِ فِي الْحَدِيثِ غَرِيبٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. (وَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّكَعَاتِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَلَا يَخْفَى

أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلِيَّةُ الطُّولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَصْرِ فَلَا يُفِيدُ مَا ادَّعَاهُ. وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَلِأَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ كَثْرَةَ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ. (وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ أَوْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَتَيْنِ بِالْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ تَعْيِينَهُمَا لِلْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِيهِمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ جَازَتْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ سَهَا وَيَأْثَمُ إنْ عَمَدَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هَهُنَا لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ الْبَابَ بَابُ النَّوَافِلِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْفَرْضِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذِكْرَهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ (وَكُلِّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ تُفْرَضُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا قَالُوا: يَسْتَفْتِحُ فِي ثَلَاثَةٍ وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي الْفَتْحِ وَيُصَلِّي فِي كُلِّ قَعْدَةٍ قِيَاسُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ فِي كُلِّ شَفْعٍ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ الرَّبَاعِيَةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ لَيْسَ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَلْ هِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْلِ مَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ لَمْ يَتِمَّ أَيْضًا لِخُلُوِّهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ. (وَيَلْزَمُ إتْمَامُ نَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا) حَتَّى لَوْ نَقَضَهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ. (وَلَوْ) شَرَعَ (عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ) وَالِاسْتِوَاءِ كَمَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ الْإِتْمَامُ إذَا كَانَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، وَلَنَا أَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صَوْنًا عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (لَا إنْ شَرَعَ ظَانًّا أَنَّهُ) أَيْ الشُّرُوعَ (وَاجِبٌ عَلَيْهِ) كَمَا إذَا شَرَعَ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَلَا الْقَضَاءُ عِنْدَ الْفَسَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ فَهِمْت مِمَّا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا فَهَاهُنَا صَرَّحَ بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُ قَصْدًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوعِ سَهْوًا كَمَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَالتَّوْجِيهُ بِالتَّصْرِيحِ تَأَمَّلْ. (وَلَوْ نَوَى أَرْبَعًا) أَيْ إذَا شَرَعَ فِي أَرْبَعِ

رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ (وَأَفْسَدَ) فِي الشَّفْعِ الثَّانِي (بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ أَفْسَدَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْقُعُودِ (قَضَى رَكْعَتَيْنِ) فَقَطْ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقْضِي أَرْبَعًا لَوْ أَفْسَدَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقُعُودِ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ فِيمَا إذَا نَوَى سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا ثُمَّ أَفْسَدَهَا فِي رِوَايَةٍ يَقْضِي أَرْبَعًا. وَفِي رِوَايَةٍ يَقْضِي جَمِيعَ مَا نَوَى. وَفِي الشُّمُنِّيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا أَفْسَدَهَا بِمَا لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ كَتَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا إذَا أَفْسَدَهَا بِالْكَلَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَهُ إلَّا رَكْعَتَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِ الشَّفْعَيْنِ بِالْآخَرِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ لِذَاتِهِ وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَقِيلَ: يَقْضِي أَرْبَعًا احْتِيَاطًا. (وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ جَرَّدَ الْأَرْبَعَ عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ لَمَّا فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا انْعَقَدَتْ لِأَجْلِهَا فَلَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَلْزَمُ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ لِجَوَازِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ بِلَا قِرَاءَةٍ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الْأَرْبَعِ فَيَلْزَمُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ لِإِفْسَادِهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ (أَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَحَسْبُ) أَيْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَقَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ. (وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ أَوْ تَرَكَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ (فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ أَوْ إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ اتِّفَاقًا) أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَقْضِي الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ عِنْدَهُمْ أَصْلًا فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُ الثَّانِي بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَهُمَا كَمَا بَيَّنَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْضِيَ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ التَّحْرِيمَةَ لَكِنْ أَفْسَدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا لِلَّتِي لَمْ يَقْرَأْ إلَّا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ الْمَقْضِيُّ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ. (وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرَ أَوْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى أَرْبَعًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ أَصْلًا بِالتَّرْكِ وَقَدْ أَفْسَدَ الشَّفْعَيْنِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَيَقْضِي أَرْبَعًا. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ يُوجِبُ فَسَادَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ. (وَلَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ) أَيْ فِي النَّفْلِ يَعْنِي إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي وَسَطِهَا (لَا تَبْطُلُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ عِنْدَهُ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ

فَتَكُونُ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْفَرْضِ فَتَفْسُدُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَقَدْ جَعَلَهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَاصِلَةً كَمَا فِي الْفَرْضِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً وَالْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرْضِيَّةُ وَلِذَا لَوْ صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ غَيْرَ قَاعِدٍ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ لَمْ تَفْسُدْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي. (وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَكَان) مَثَلًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (فَأَدَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ (فِي) مَكَان (أَدْنَى شَرَفًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ (جَازَ) مَا أَدَّاهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقُرْبَةُ فَيَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا عَيَّنَ مِنْ الْمَكَانِ أَوْ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ هَكَذَا فَيَلْزَمُ كَمَا الْتَزَمَ. (وَلَوْ نَذَرَتْ) امْرَأَةٌ (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي غَدٍ فَحَاضَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (لَزِمَهَا الْقَضَاءُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي يَوْمِ الْحَيْضِ وَلَنَا أَنَّ الْعِبَادَةَ تَلْزَمُهَا بِالنَّذْرِ وَالْحَيْضُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَيَّدَ بِالْغَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ كَذَا يَوْمَ حَيْضِي لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ مَقْصُودَةٍ. (وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا حَدِيثٌ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ الْفَرْضَ أَرْبَعًا وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ يُصَلِّي السُّنَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ فَقَالَ: الْمُرَادُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ بَلْ يَقْرَأُ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِثْلًا لِلْفَرْضِ فَيَكُونُ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَقْتَضِي الْفَرْضِيَّةَ وَلَئِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَهُوَ مُؤَوَّلٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: هَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ وَقِيلَ: لَا يَقْضِي مَا أَدَّى مِنْ الْفَرَائِضِ بِوَسْوَسَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ هُوَ كَلَامُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (وَصَحَّ النَّفَلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمَكْتُوبَةُ وَالْوَاجِبَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ وَالتَّرَاوِيحِ بِلَا عُذْرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّرَاوِيحَ تَجُوزُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ تَرْكُ أَصْلِ الْقِيَامِ فَتَرْكُ صِفَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى جَوَازًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي آخِرِ

فصل التراويح

عُمْرِهِ كَانَتْ بِالِاحْتِبَاءِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ عُهِدَ مُشَرَّعًا فِي الصَّلَاةِ. (وَلَوْ قَعَدَ بَعْدَمَا افْتَتَحَهُ قَائِمًا جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. (وَيُكْرَهُ لَوْ بِلَا عُذْرٍ) عِنْدَهُ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ) قِيَاسًا لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا فَكَذَا هَذَا. (وَيَتَنَفَّلُ) أَيْ يَجُوزُ النَّفَلُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ النَّافِلَةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ (رَاكِبًا) وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ بِنَفْسِهَا فَإِنْ سَيَّرَهَا الرَّاكِبُ لَا لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَمَلِ الْكَثِيرِ (خَارِجَ الْمِصْرِ) أَيْ فِي خَارِجِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بِمُجَرَّدِ الْمُجَاوَرَةِ عَنْ الْعُمْرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: قَدْرَ فَرْسَخَيْنِ وَقِيلَ: قَدْرَ مِيلٍ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (مُومِيًا) أَيْ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ (إلَى أَيْ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً» فَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ اشْتَرَطَ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهِ لِإِطْلَاقِ الْمَرْوِيِّ وَلَوْ افْتَتَحَ خَارِجَ الْمِصْرِ ثُمَّ دَخَلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَتَمَّهَا رَاكِبًا مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ وَقِيلَ: أَتَمَّهَا نَازِلًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ طَهَارَةَ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى السَّرْجِ أَوْ عَلَى الرِّكَابَيْنِ أَوْ الدَّابَّةِ لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا. (وَبَنَى بِنُزُولِهِ) يَعْنِي إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي أَيْ يُوصِلُ مَا بَقِيَ إلَى مَا صَلَّى بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ (وَبِرُكُوبِهِ لَا يَبْنِي) يَعْنِي إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ اسْتَقْبَلَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَدَّى أَكْمَلَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالثَّانِيَ أَدَّى أَنْقَصَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ مُوجِبَةٌ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [فَصْلٌ التَّرَاوِيحُ] فَصْلٌ (التَّرَاوِيحُ) جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى إيصَالِ الرَّاحَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الرَّكَعَاتُ الَّتِي آخِرُهَا التَّرْوِيحَةَ بِهَا كَمَا أَطْلَقُوا اسْمَ الرُّكُوعِ عَلَى الْوَظِيفَةِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي الْقِيَامِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالرُّكُوعِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُنْكِرُهَا مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَنَّ لَكُمْ قِيَامَهُ» وَقَالَ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَصَلَّى مَعَ الصَّحَابَةِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ لَيَالِي كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَبَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَصَلَّوْا بَعْدَهُ فُرَادَى إلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثُمَّ أَقَامَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي زَمَانِهِ حَيْثُ

أَمَرَ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - سَاعَدُوهُ وَوَافَقُوهُ وَأَمَرُوا بِذَلِكَ بِلَا نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ وَقَدْ أَثْنَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ مَضْجَعَ عُمَرَ كَمَا نَوَّرَ مَسَاجِدَنَا وَقِيلَ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ. (فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ) أَيْ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْعِشَاءَ صُلِّيَتْ بِلَا طَهَارَةٍ وَالتَّرَاوِيحَ بِطَهَارَةٍ أُعِيدَتْ التَّرَاوِيحُ مَعَ الْعِشَاءِ لَا الْوِتْرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى إلَى أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ لَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ (قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ) وَالْمُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَقِيلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوَتْرِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهَا إنَّمَا عُرِفَتْ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ وَقْتُهَا مَا صَلَّوْهَا فِيهِ وَهُوَ صَلَّوْهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ الْوِتْرِ لَا يَكُونُ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَلِهَذَا عَمَلُ النَّاسِ إلَى الْيَوْمِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ وُجِدَتْ فِيهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا فَيَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ اخْتِيَارُ هَذَا لَا ذَاكَ تَتَبَّعْ. (بِجَمَاعَةٍ) أَيْ إقَامَتُهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَ التَّرَاوِيحَ بِالْجَمَاعَةِ وَصَلَّاهَا فِي الْبَيْتِ فَقَدْ أَسَاءَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَالصَّحِيحُ أَنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ أَسَاءُوا وَأَثِمُوا وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْهَا تَارِكُ الْفَضِيلَةِ، وَإِنْ صَلَّاهَا بِالْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ فَقَدْ حَازَ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ وَهِيَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ دُونَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ. (عِشْرُونَ رَكْعَةً) سِوَى الْوِتْرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً (بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) فَكُلُّ شَفْعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي وَسَطِ كُلِّ أَرْبَعٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّى كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُخَلِّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَانِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ التَّوَارُثِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَلَأَنْ يُكْرَهُ هُنَا أَوْلَى انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ صَحَّحَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ الزِّيَادَةَ عَلَى ثَمَانٍ فِي اللَّيْلِ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْهُمْ فَلَا تَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ تَدَبَّرْ (وَجَلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ بِقَدْرِهَا) أَيْ بِقَدْرِ أَرْبَعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِهَا وَلَوْ قَالَ: وَانْتِظَارٌ بِقَدْرِهَا لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ بَعْضَ أَهْلِ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ لِأَنَّ التَّرَاوِيحَ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّاحَةِ فَيُفْعَلُ مَا قُلْنَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَمَّى. (وَالسُّنَّةُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةِ (الْخَتْمُ مَرَّةً) فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةِ عَشْرَ آيَاتٍ قَالَ

الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَهُوَ الْخَتْمُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي شَهْرٍ سِتُّمِائَةٍ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَشَيْءٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْخَتْمِ مِقْدَارَهُ وَهُوَ يَحْصُلُ وَلَوْ كَانَ أَيَّامُ الشَّهْرِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّ الْقَرِيبَ لِلشَّيْءِ يُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ الْحَقِيقِيَّ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءً لِنَيْلِ الْقَدْرِ عِنْدَ اخْتِتَامِهِ لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَوْ خَتَمَ فِي التَّرَاوِيحِ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ التَّرَاوِيحَ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ مَا شُرِعَتْ التَّرَاوِيحُ إلَّا لِلْقِرَاءَةِ وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ وَقِيلَ: آيَتَيْنِ مُتَوَسِّطَتَيْنِ وَقِيلَ: آيَةً طَوِيلَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ وَهَذَا أَحْسَنُ وَبِهَذَا أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ لِأَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ: سُورَةُ الْإِخْلَاصِ وَقِيلَ: مِنْ سُورَةِ الْفِيلِ إلَى الْآخِرِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَقْرَأَ بِمَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَنْفِيرِ الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَبِهِ يُفْتَى (فَلَا يُتْرَكُ) الْخَتْمُ (لِكَسَلِ الْقَوْمِ) فَتُرِكَ لِغَيْرِ الْكَسَلِ وَهُوَ التَّثَاقُلُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَثَاقَلَ عَنْهُ وَلِذَا كَانَ مَذْمُومًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ لِأَنَّ الدَّعَوَاتِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُثْقِلُ عَلَيْهِمْ يَزِيدُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنْ لَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسُنَّةٌ عِنْدَنَا وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَةِ كَالتَّسْبِيحَاتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَيَأْتِي الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ بِالثَّنَاءِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْهَا. (وَتُكْرَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِزِيَادَةِ تَأَكُّدِهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَدَاءِ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ عُذْرٍ اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ الْفَجْرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ إلَّا أَنَّ ثَوَابَهُ يَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ. (وَيُوتِرُ) أَيْ يُصَلِّي الْوِتْرَ (بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُوتِرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْجَمَاعَةُ فِي النَّفْلِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ فَالِاحْتِيَاطُ تَرْكُهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَهُ ذَلِكَ وَعَدَمُ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتٍ تَتَعَذَّرُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا قُدِحَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ فِي وِتْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْجَمَاعَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِانْفِرَادُ فِي الْمَنْزِلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ مَا يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ لِأَنَّهُ أَدَقُّ. (وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ الْمَنْزِلُ) أَيْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ لِقَوْلِهِ

فصل صلاة الكسوف

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» (إلَّا التَّرَاوِيحَ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ فِي الْجَمَاعَةِ وَلَوْ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ لَمْ يُصَلُّوا التَّرَاوِيحَ بِجَمَاعَةٍ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى الْوِتْرَ بِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِرَمَضَانَ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلتَّرَاوِيحِ عِنْدَهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ بِالْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا مِنْ التَّرَاوِيحِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ صَلَّاهَا مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. [فَصْلٌ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَيْ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَإِنَّ لِلْقَمَرِ الْخُسُوفَ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ أَجْوَدُ الْكَلَامِ وَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ كُسُوفِهَا وَخُسُوفِهَا يُحْمَلُ عَلَى التَّغْلِيبِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِي خَبَرِ النَّوَافِلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا مِنْهَا وَجَعَلَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ إشْعَارًا بِأَنَّهَا مُمْتَازَةٌ عَنْ النَّوَافِلِ بِعُرُوضِ أَسْبَابٍ سَمَاوِيَّةٍ نَادِرَةٍ (يُصَلِّي) فِي الْجَامِعِ أَوْ مُصَلَّى الْعِيدِ أَوْ مَسْجِدٍ آخَرَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ (أَمَامُ الْجُمُعَةِ بِالنَّاسِ) أَيْ إمَامٌ لَهُ دَخْلٌ فِي إقَامَتِهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مِثْلُ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورِهِ مِمَّنْ لَهُ إقَامَةٌ نَحْوُ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعٌ فَيُشْتَرَطُ هَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ كَالْجُمُعَةِ (عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ بِالنَّاسِ وَدَعَا حَتَّى انْجَلَتْ وَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْزَاعِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ إلَى الدُّعَاءِ» . وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ النَّاسُ إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا الْحَدِيثَ رَدًّا لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّ كُسُوفَهَا مِنْ أَثَرِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَفِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ فَيَخْلُقُ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ مَتَى شَاءَ بِلَا سَبَبٍ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ أَهْلِ الْهَيْئَةِ أَنَّ الْكُسُوفَ حَيْلُولَةُ الْقَمَرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَأَمْرٌ عَادٍ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ وَرَدَّ هَذَا الرَّدَّ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ (رَكْعَتَيْنِ) كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَتُؤَدَّى فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبَّةِ لَا الْمَكْرُوهَةِ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ) عِنْدَنَا لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَرَجَّحْنَا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ إذْ الْحَالُ أُكْشَفُ لِلرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ لِقُرْبِهِمْ. (وَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ) يَعْنِي الْأَفْضَلُ أَنْ يُطِيلَ الْقِرَاءَةَ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِقْدَارَ مِائَةِ آيَةٍ وَيَمْكُثُ فِي رُكُوعِهِ كَذَلِكَ فَإِذَا خُفِّفَتْ الْقِرَاءَةُ طُوِّلَ الدُّعَاءُ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ (وَيَخْفِيهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. (وَقَالَا يَجْهَرُ) لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَالتَّرْجِيحُ قَدْ مَرَّ. وَفِي التُّحْفَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، (ثُمَّ يَدْعُو) الْإِمَامُ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ وَلَوْ قَامَ مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ لَكَانَ حَسَنًا (بَعْدَهُمَا حَتَّى تَنْجَلِيَ

فصل صلاة الاستسقاء

الشَّمْسُ) لِمَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا وَالسُّنَّةُ تَأْخِيرُ الْأَدْعِيَةِ مِنْ الصَّلَاةِ. (وَلَا يَخْطُبُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا فِي الْعِيدِ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَلَنَا أَنَّهَا لَمْ تَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهَا وَإِنْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ خُطْبَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا كَانَتْ لِرَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الشَّمْسُ كَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) الْإِمَامُ (صَلَّوْا) فِي مَسَاجِدِهِمْ (فُرَادَى) مُنَوَّنًا أَوْ غَيْرَ مُنَوَّنٍ جَمْعُ فَرْدٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا كَالْخُسُوفِ) كَمَا يُصَلُّونَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ فُرَادَى بِلَا جَمَاعَةٍ لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ بِاللَّيْلِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ. وَفِي التُّحْفَةِ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَقِيلَ: الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ فِيهِ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَلَا خُطْبَةَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لِلْخُسُوفِ كَمَا فِي الْكُسُوفِ (وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ وَاَللَّهُ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى طَاعَتِهِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ. [فَصْلٌ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ] فَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ هُوَ مِنْ طَلَبِ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ طُولِ انْقِطَاعِهِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (لَا صَلَاةَ بِجَمَاعَةٍ فِي الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَسْقَى وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (بَلْ) هُوَ (دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] فَعَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ (فَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ) عِنْدَهُ. (وَقَالَا: يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ. وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقُلْنَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: بَيْنَ دَلِيلِهِ وَدَلِيلِهِمَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دَلِيلِهِ: لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَفِي دَلِيلِهِمَا رُوِيَ عَنْهُ الصَّلَاةُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْوِيَّ كَانَ شَاذًّا كَأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ فَلَا تَنَاقُضَ. (وَيَخْطُبُ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَيْنِ كَالْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةً وَاحِدَةً) وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ. (وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) لِأَنَّ التَّقْلِيبَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَوْ قَلَبَ جَعَلَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ مِنْهُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ مِنْهُ عَلَى الْأَيْمَنِ وَهَذَا فِي الْمُدَوَّرِ وَأَمَّا فِي الْمُرَبَّعِ فَجَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ لِيَقْلِبَ الْحَالَ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ

باب إدراك الفريضة

وَمِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ (وَيَقْلِبُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (الْإِمَامُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) . وَفِي الْجَوْهَرَةِ عِنْدَهُمَا (وَيَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) مُتَتَابِعَاتٍ (فَقَطْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً لَابِسِينَ ثِيَابًا خَلِقَةً أَوْ مُرَقَّعَةً مُتَذَلِّلِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَاضَوْنَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَعِبَادُ اللَّهِ الرُّكَّعِ لَصَبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابَ صَبًّا» . (وَلَا يَحْضُرُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَحْضُرُوا الِاسْتِسْقَاءَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَلَنَا أَنَّ الْكُفَّارَ أَهْلُ السَّخَطِ فَلَا يَصْلُحُ حُضُورُهُمْ وَقْتَ طَلَبِ الرَّحْمَةِ. [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَوَاجِبِهَا وَنَفْلِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَدَاءِ الْفَرْضِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْأَدَاءُ بِالْجَمَاعَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ نَقْضَ الْعِبَادَةِ قَصْدًا وَبِلَا عُذْرٍ حَرَامٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ مِثْلُ الْإِكْمَالِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ نَقْضًا صُورَةً فَهُوَ إكْمَالٌ مَعْنًى كَهَدْمِ الْمَسْجِدِ لِتَجْدِيدِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ فَضِيلَةً عَلَى الِانْفِرَادِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً (مَنْ شَرَعَ فِي فَرْضٍ فَأُقِيمَ) ذَلِكَ الْفَرْضُ وَوَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ فَأُقِيمَتْ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي تَفْسِيرِهِ: وَالضَّمِيرُ فِي أُقِيمَتْ يَرْجِعُ إلَى الْإِقَامَةِ كَمَا يُقَالُ ضَرْبُ الضَّرْبِ وَأَرَادَ بِالْإِقَامَةِ إقَامَةَ الْمُؤَذِّنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهَا شُرُوعُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرَّجُلُ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَيْسَ فِي إقَامَةِ ضَمِيرِ الْإِقَامَةِ مَقَامَ الْفَاعِلِ بِدُونِ الْوَصْفِ إشْكَالٌ فَإِنَّهَا مَفْعُولٌ بِهِ إذْ هِيَ اسْمٌ لِلْكَلِمَاتِ الْمَعْرُوفَةِ عَلَى أَنَّ سِيبَوَيْهِ أَجَازَ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْمَصْدَرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَا وَصْفٍ انْتَهَى، أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ الْخَرُوفِ شَارِحُ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ وَادِّعَاءُ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ إضْمَارَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِسْنَادِ إلَيْهِ وَاَلَّذِي أَجَازَهُ سِيبَوَيْهِ هُوَ إضْمَارُ الْمَصْدَرِ الْمَعْهُودِ الْمَقْصُودِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ يَنْتَظِرُ الْقُعُودَ قَدْ قَعَدَ بِنَاءً عَلَى قَرِينَةِ التَّوَقُّعِ أَيْ قَعَدَ الْقُعُودَ الْمُتَوَقَّعَ تَتَبَّعْ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ) الشَّارِعُ (لِلْأُولَى يَقْطَعُ) بِالسَّلَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ رَاكِعًا وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَيَقْتَدِي) بِالْإِمَامِ فَلَوْ افْتَتَحَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَمِعَ الْإِقَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَقْطَعُ وَكَذَا الشَّارِعُ فِي الْمَنْذُورَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَلَا يَقْطَعُ فِي النَّفْلِ عَلَى الْمُخْتَارِ سَجَدَ أَوْ لَا إلَّا إذَا أَتَمَّ فِيهِ الشَّفْعَ. (وَإِنْ سَجَدَ) لِلْأُولَى (وَهُوَ فِي) الْفَرْضِ (الرُّبَاعِيِّ يُتِمُّ شَفْعًا) بِأَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً

أُخْرَى وَيُسَلِّمُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ حَتَّى يَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ نَافِلَةً. (وَلَوْ سَجَدَ لِلثَّالِثَةِ يُتِمُّ) لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَكْثَرَ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِلَا تَقْيِيدِهَا بِالسَّجْدَةِ قَطَعَ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا) الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ لِلنَّفْلِ وَلَا إلْزَامَ فِي النَّوَافِلِ أَصْلًا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (إلَّا فِي الْعَصْرِ) لِأَنَّ النَّفَلَ بَعْدَهَا مَكْرُوهٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا. (وَلَوْ) شَرَعَ (فِي الْفَجْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ) ثُمَّ أُقِيمَ (يَقْطَعُ) الشَّارِعُ. (وَيَقْتَدِي) بِالْإِمَامِ (مَا لَمْ يُقَيِّدْ) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ بِسَجْدَةٍ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ أُخْرَى لَفَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لِوُجُودِ الْفَرَاغِ فِي الْفَجْرِ حَقِيقَةً وَفِي الْمَغْرِبِ حُكْمًا إذْ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (فَإِنْ قَيَّدَ) الثَّانِيَةَ بِهَا (يُتِمُّ وَلَا يَقْتَدِي) لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةُ أَمَامِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْتَدِي فِي الْمَغْرِبِ وَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ رَابِعَةً بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا وَلَوْ اقْتَدَى فِيهِ لِفِعْلٍ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. (وَلَوْ كَانَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ) سُنَّةِ (الْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ) لِلظُّهْرِ (أَوْ خُطِبَ) فِي الْجُمُعَةِ (يَقْطَعُ عَلَى شَفْعٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يُفَوِّتُ فَرْضَ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. (وَقِيلَ) إنَّهُ (يُتِمُّهَا) أَرْبَعًا وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ بَلْ لِلْإِبْطَالِ صُورَةً وَمَعْنًى وَيَشْهَدُ لَهُمْ إثْبَاتُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَرْبَعِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَكُرِهَ خُرُوجُهُ) أَيْ خُرُوجُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ (مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ (قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَا أُذِّنَ لَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» (إلَّا) خُرُوجَ (مَنْ تُقَامُ بِهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى) بِأَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا أَوْ إمَامًا أَوْ الَّذِي تَتَفَرَّقُ جَمَاعَتُهُ بِغَيْبَتِهِ أَوْ تَقِلُّ لِأَنَّهُ تَرَكَ صُورَةَ تَكْمِيلٍ مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى. وَفِي النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَإِنْ صَلَّى) مَرَّةً (لَا يُكْرَهُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ شَرَعَ) الْمُؤَذِّنُ (فِي الْإِقَامَةِ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا نَفْلًا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا بِلَا عُذْرٍ، وَفِي غَيْرِهِمَا يَخْرُجُ وَإِنْ أُقِيمَتْ لِأَنَّهُ إنْ صَلَّى يَكُونُ نَفْلًا وَالنَّفَلُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ فَإِنَّ

النَّافِلَةَ لَمْ تُشْرَعْ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا. (وَمَنْ خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ بِجَمَاعَةٍ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ يَتْرُكُهَا) أَيْ السُّنَّةَ (وَيَقْتَدِي) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ السُّنَّةِ وَمَا قِيلَ إنَّهُ يَشْرَعُ فِيهَا أَيْ فِي السُّنَّةِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ ثُمَّ يَقْطَعُهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَإِنْ رَجَا إدْرَاكَ رَكْعَةٍ) مِنْ الْفَرْضِ مَعَ الْإِمَامِ (لَا يَتْرُكُ) السُّنَّةَ (بَلْ يُصَلِّيهَا) أَيْ السُّنَّةَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعَ بَيْنَ فَضِيلَتَيْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَكِنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ (عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ صَلَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ وَبِالْعَكْسِ فِي الْعَكْسِ وَكُرِهَ خَلْفَ الصَّفِّ بِلَا حَائِلٍ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ (وَيَقْتَدِي) بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِمَامِ. (وَلَا تُقْضَى) سُنَّةُ الْفَجْرِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (إلَّا) حَالَ كَوْنِهِ (تَبَعًا لِلْفَرْضِ) بَعْدَ الطُّلُوعِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهَا تَبَعًا وَلَا يَقْضِيهَا مَقْصُودَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْضِيهَا لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودَةً قِيلَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْضَى) إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ (بَعْدَ الطُّلُوعِ) إلَى الزَّوَالِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَيَبْقَى مَا وَرَائِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَيَّدَ بَعْدَ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى قَبْلَ الطُّلُوعِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ عِنْده لَوْ لَمْ يَقْضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَوْ قَضَى لَكَانَ حَسَنًا وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى كَانَ نَفْلًا عِنْدَهُمَا سُنَّةً عِنْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَيَتْرُكُ سُنَّةَ الظُّهْرِ فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالَ إدْرَاكِ الظُّهْرِ وَعَدَمِهِ إذَا أَدَّاهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: لَا يَقْضِيهَا (وَيَقْضِيهَا) أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ (فِي وَقْتِهِ قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْفَرْضِ قِيلَ: هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْفَائِتَةِ أَوْلَى. وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مَعَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُولَى فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا ضَرُورَةً فَلَا مَعْنَى لِتَفْوِيتِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا اخْتِيَارًا وَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ وَحُكْمُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ بِكَوْنِهِ أَصَحَّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْوِي الْقَضَاءَ كَمَا قِيلَ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْبَحْرِ وَحُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ مِنْ السُّنَنِ (وَغَيْرُ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ وَالْوِتْرِ لَا يُقْضَى أَصْلًا) أَيْ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا وَحْدَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا بِتَبَعِيَّةِ فَرَائِضِهَا إلَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَقْضِيهَا تَبَعًا لِقَضَاءِ

فَرَائِضِهَا لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ لَمْ يُصَلِّهِ بِجَمَاعَةٍ) فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ فَلَوْ كَانَ صَلَّى مَعًا ثَلَاثًا فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بَلْ بَعْضَهَا بِجَمَاعَةٍ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَيْسَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) . وَفِي الْفَتْحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ لَا كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُحْرِزُ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَسَبَبُ تَخْصِيصِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ التَّنْبِيهُ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الزَّعْمِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمَسْبُوقَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَلِهَذَا اُرْتُكِبَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى الْمُقْتَدِي جَمِيعَ الرَّكَعَاتِ مَعَ الْإِمَامِ. (وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا) صَلَّى فِيهِ (وَلَمْ يُدْرِكْ جَمَاعَةً يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرْضِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ) فَإِنْ خَافَ لَا يَتَطَوَّعُ قَبْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا فَفِي الْأَوَّلِ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ. وَفِي الثَّانِي الْجَوَابُ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَكِنْ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ يَتْرُكُ السُّنَّةَ وَيُؤَدِّي الْفَرْضَ حَذَرًا عَنْ التَّفْوِيتِ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى الرَّوَاتِبِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ) حَالَ كَوْنِهِ (رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ) الْإِمَامُ (رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ) تِلْكَ (الرَّكْعَةَ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ مِنْهُ قَبْلَ رُكُوعِ الْمُقْتَدِي لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِفَوْتِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِفَوْتِ الرَّكْعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إنَّهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ (وَمَنْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ) وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ (فَأَدْرَكَ إمَامَهُ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ (صَحَّ رُكُوعُهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ وَقَدْ وُجِدَ لَكِنْ كُرِهَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْكَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَرْفَعُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ بِرَأْسِ الْحِمَارِ» . وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ الرُّكُوعُ لِأَنَّ مَا أُتِيَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَذَا مَا بُنِيَ عَلَيْهِ.

باب قضاء الفوائت

[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] لَا يَخْفَى عَلَيْك حُسْنُ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ قِيلَ: الْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ مَقَامَ الْأُخْرَى وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَقِيلَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَفِيهِ بَحْثٌ قَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (التَّرْتِيبُ) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا وَعَنْ الْحَسَنِ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَجِبْ وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ (بَيْنَ الْفَائِتَةِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا. (وَالْوَقْتِيَّةِ) وَكَذَا (بَيْنَ الْفَوَائِتِ شَرْطٌ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا لَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَلَا بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُهُ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» فَإِنْ قِيلَ الْكَلَامُ فِي فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ وَالْحَدِيثُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ قُلْنَا: هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَلَكِنَّهُ وَاجِبٌ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَمِثْلُهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ الَّتِي يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» (فَلَوْ صَلَّى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (فَرْضًا) حَالَ كَوْنِهِ (ذَاكِرًا فَائِتَةً فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا عِنْدَهُ) لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى بَعْدَهُ سِتَّ صَلَوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَانْقَلَبَ نَفْلًا (وَعِنْدَهُمَا) فَسَدَ فَرْضُهُ فَسَادًا (بَاتًّا) أَيْ قَطْعِيًّا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسَدَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَانْقَلَبَ نَفْلًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَصْلُ الصَّلَاةِ. (فَلَوْ قَضَاهَا) أَيْ الْفَائِتَةَ (قَبْلَ أَدَاءِ سِتٍّ) مِنْ الصَّلَوَاتِ (بَطَلَتْ فَرْضِيَّةُ مَا صَلَّى) بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ تَصِيرُ نَفْلًا وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ أَصْلُهَا كَمَا بَيَّنَ آنِفًا. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ حَتَّى أَدَّى سَادِسًا (صَحَّتْ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْكَثْرَةَ صِفَةٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِذَا ثَبَتَتْ صِفَةٌ اسْتَنَدَتْ إلَى أَوَّلِهَا بِحُكْمِهَا وَهُوَ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي آحَادِهَا كَمَا سَقَطَ فِي أَعْيَانِهَا وَهَذَا كَمَرَضِ الْمَوْتِ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ بِاتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِهِ بِحُكْمِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ عَدَمَ

وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْ فَاتَتْهُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ وَفَسَادَ صَلَاتِهِ بِدُونِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْكُلِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ بِمَا عِنْدَهُ (لَا عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ حُكْمُ الْكَثْرَةِ وَكُلُّ مَا هُوَ حُكْمُ الْعِلَّةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهِ فَسُقُوطُ التَّرْتِيبِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْكَثْرَةِ لَا فِيمَا قَبْلَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَ صَاحِبُ مِنَحِ الْغَفَّارِ وَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ: ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا أَيْ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ حَتَّى لَوْ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُسْقِطَةِ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَإِذَا صَلَّى خَمْسًا وَخَرَجَ وَقْتُ الْخَمْسَةِ صَارَتْ الصَّلَوَاتُ سِتًّا بِالْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ أَوَّلًا وَعَلَى مَا صَوَّرَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَصِيرَ الصَّلَوَاتُ سَبْعًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى، أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ تَأْكِيدُ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ لَا أَدَاءِ السَّادِسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ سِيَاقُ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى سِتٍّ فَقَدْ قَيَّدَ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى سِتٍّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَكَذَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَحْدُ الْكُثْرِ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ: إنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَدَّاةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ إكْمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً تَدَبَّرْ (وَالْوِتْرُ كَالْفَرْضِ عَمَلًا فَذِكْرُهُ مُفْسِدٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَسُنَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ. (وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِلَا وُضُوءٍ) حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا ثُمَّ صَلَّى السُّنَّةَ وَالْوِتْرَ بِهِ) أَيْ بِالْوُضُوءِ (يُعِيدُ السُّنَّةَ لِإِعَادَةِ الْعِشَاءِ) إذْ لَمْ يَصِحَّ أَدَاءُ السُّنَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهَا أُدِّيَتْ بِالْوُضُوءِ لِأَنَّهَا تَبَعُ الْفَرْضِ. (وَلَا يُعِيدُ الْوَتْرَ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ بِطَهَارَةٍ إذْ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ لَا بَعْدَهُ وَقَدْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. (وَبِبُطْلَانِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ أَصْلًا وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ. (وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِضِيقِ الْوَقْتِ) عَنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ الْوَقْتُ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ فِيهِ أَحَدَهُمَا فَقَطْ تُقَدَّمُ الْوَقْتِيَّةُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ وَقْتٌ لِلْوَقْتِيَّةِ بِالْكِتَابِ وَوَقْتٌ لِلْفَائِتَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ يَلْزَمُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سِعَةٌ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْأَدِلَّةِ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ النَّسْخُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى ضَاقَ لَا تَجُوزُ

صَلَاتُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَشْرَعُ فِيهَا ثَانِيًا فِي ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ سِعَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَمْ تَجُزْ الْوَقْتِيَّةُ وَقِيلَ: جَازَ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ الضِّيقِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي خِلَالِهَا لَمْ تَفْسُدْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ الْوَقْتِ وَقِيلَ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ الَّذِي لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ وَالْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الظُّهْرُ وَأَمْكَنَ أَدَاؤُهُ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ يَقَعُ كُلُّ الْعَصْرِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ التَّغْيِيرِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُ وَيَلْزَمُ عِنْدَهُمَا (وَبِالنِّسْيَانِ) تَوَسَّعُوا فِي عِبَارَةِ النِّسْيَانِ هُنَا حَيْثُ أَرَادُوا بِهِ مَا يَعُمُّ الْجَهْلَ الْمُسْتَمِرَّ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي: إنَّ مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالنَّاسِي كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكِنَّ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا (وَبِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَرَجِ وَالْكَثْرَةُ تَحْصُلُ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَالدُّخُولُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ يَحْصُلُ بِكَوْنِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَذَا يَحْصُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَاكْتَفَى مُحَمَّدٌ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (حَدِيثَةً أَوْ قَدِيمَةً) الْحَدِيثَةُ تُسْقِطُ التَّرْتِيبَ اتِّفَاقًا وَفِي الْقَدِيمَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَذَلِكَ كَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ شَهْرٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْوَقْتِيَّاتِ قَبْلَ قَضَائِهَا فَفَاتَتْ صَلَاةٌ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى أُخْرَى ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ آنِفًا قِيلَ: تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَتُجْعَلُ الْقَدِيمَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ قَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالثَّانِي أَحْوَطُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: وَالْإِفْتَاءُ بِالْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّهَاوُنَ فِي الْعِبَادَاتِ فَاشٍ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ: الْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَالْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي (وَلَا يَعُودُ) التَّرْتِيبُ (بِعَوْدِهَا) أَيْ بِعُودِ الْفَوَائِتِ (إلَى الْقِلَّةِ) يَعْنِي لَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ لَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ هَذَا مُخْتَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: يَعُودُ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَفِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمُتُونِ. (فَمَنْ تَرَكَ سِتًّا أَوْ أَكْثَرَ وَشَرَعَ يُؤَدِّي الْوَقْتِيَّاتِ مَعَ بَقَاءِ الْفَوَائِتِ ثُمَّ فَاتَهُ فَرْضٌ جَدِيدٌ فَصَلَّى وَقْتِيَّةً بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَرْضٍ جَدِيدٍ (ذَاكِرًا لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْفَرْضِ الْجَدِيدِ (صَحَّتْ وَقْتِيَّتُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ حَدِيثَةً أَوْ قَدِيمَةً كَمَا بَيَّنَ آنِفًا. (وَكَذَا لَوْ قَضَى تِلْكَ الْفَوَائِتِ إلَّا فَرْضًا أَوْ فَرْضَيْنِ فَصَلَّى وَقْتِيَّةً ذَاكِرًا) مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِتِ الْقَلِيلَةِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَعُودُ بِعَوْدِهَا إلَى الْقِلَّةِ. (وَلَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا مَا لَمْ يَجْحَدْ) لَكِنَّ مُنْكِرَهَا كَافِرٌ لِثُبُوتِهَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا لِلرَّيْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَتَارِكُهَا

باب سجود السهو

عَمْدًا تَكَاسُلًا فَاسِقٌ يُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَقِيلَ: يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَلَوْ كَانَ التَّارِكُ صَبِيًّا وَسِنُّهُ عَشْرُ سِنِينَ لَوَجَبَ الضَّرْبُ عَلَى تَرْكِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ» وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا بِالْجَمَاعَةِ وَلَا تَجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ أَصْلًا. (وَلَوْ ارْتَدَّ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (عَقِيبَ فَرْضِ صَلَاةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَانَ الرِّدَّةِ) يَعْنِي إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ عَلَى رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِيهَا مِنْ الْفَرَائِضِ عِنْدَنَا وَيَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. (وَلَا) يَلْزَمُ (قَضَاءُ مَا فَاتَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ جَهِلَ فَرْضِيَّتَهُ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمَكَثَ زَمَانًا ثُمَّ عَلِمَ بِهِ لَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالشَّرَائِعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَارُ الْعِلْمِ وَشُيُوعُ الْأَحْكَامِ فَلَا يَكُونُ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْعِلْمِ وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] ِ إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ الْأَصْلُ وَالسَّهْوُ غَفْلَةُ الْقَلْبِ عَنْ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ فَيَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَإِنَّهُ زَوَالُ الْمَعْلُومِ فَيُسْتَأْنَفُ تَحْصِيلُهُ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّكِّ وَالْأُدَبَاءُ عَرَّفُوا الشَّكَّ بِأَنَّهُ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالظَّنَّ تَسَاوِيهُمَا وَجِهَةُ الصَّوَابِ أَرْجَحُ وَالْوَهْمَ تَسَاوِيهُمَا وَجِهَةُ الْخَطَأِ أَرْجَحُ (إذَا سَهَا) الْمُصَلِّي (بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ (سَجْدَتَيْنِ) هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ السُّجُودُ (بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ) بَيَانٌ لِمَحِلِّهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَ السَّلَامِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِثْلُ الْمَذْهَبَيْنِ قَوْلًا وَفِعْلًا لَكِنْ ذَكَرَ الْمَقْدِسِيُّ كَرَاهَتَهُ قَبْلَهُ تَنْزِيهًا. (وَقِيلَ بَعْدَ) تَسْلِيمَةٍ (وَاحِدَةٍ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ يُكْتَفَى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» وَالْمُتَعَارَفُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ قَوْلُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ أَصْحَابٍ كَانُوا قَرِيبِينَ فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ وَكَانَتْ مِنْ صَفِّ النِّسَاءِ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَ مِنْ الصِّبْيَانِ فَيُحْمَلُ

عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا وَسَوْقُ كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ. وَفِي الْمَجْمَعِ نَسَبَ الثَّانِيَ إلَى مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلَ إلَيْهِمَا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَقِيلَ: لِلْمُنْفَرِدِ تَسْلِيمَتَانِ وَلِلْإِمَامِ تَسْلِيمَةٌ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ رُبَّمَا اشْتَغَلَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ بِمَا يُنَافِي فِي الصَّلَاةِ وَعَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا التَّرَاعِي الرِّوَايَتَانِ (وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالدُّعَاءُ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ مَوْضِعَهُمَا آخِرُ الصَّلَاةِ هَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْقَعْدَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آخِرُ وَقِيلَ: قَبْلَ السُّجُودِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ لِأَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ أَيْ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةَ وَالسَّهْوُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَاحِدٌ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ لِئَلَّا يَقَعَ النَّاسُ فِي فِتْنَةٍ. (وَيَجِبُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الصَّلَاةِ وَرَفْعُ ذَلِكَ وَاجِبٌ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَيُسَنُّ عِنْدَ غَيْرِهِ (إنْ قَرَأَ) آيَةً (فِي رُكُوعٍ أَوْ قُعُودٍ) أَوْ سُجُودٍ أَوْ قَوْمَةٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا لَيْسَ بِمَحِلِّ الْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي مَحَلِّهِ فَيَجِبُ (أَوْ قَدَّمَ رُكْنًا) عَلَى مَحَلِّهِ وَرُكْنُ الشَّيْءِ جُزْءُ مَاهِيَّتِه فَرُكْنُ الصَّلَاةِ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُرُوجِ (أَوْ أَخَّرَهُ) عَنْ مَحَلِّهِ (أَوْ كَرَّرَهُ) أَيْ الرُّكْنَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ وَاجِبًا لَمْ يَجِبْ السَّهْوُ لَكِنَّ فِي الْخِزَانَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ يُوجِبُ السَّهْوَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّكْرَارَ لَمْ يُوجِبْ بَلْ تَرْكَ السُّورَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ أَنْ تَلِيَ الْفَاتِحَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْفَرَائِضِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي النَّوَافِلِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ غَيَّرَ وَاجِبًا أَوْ تَرَكَهُ) رَأْسًا سَاهِيًا وَقَيَّدْنَا بِسَاهِيًا لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا قِيلَ: يَأْثَمُ لِأَنَّهُ ذَنْبٌ عَظِيمٌ لَا تَرْفَعُهُ السَّجْدَتَانِ وَقِيلَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالْفِكْرُ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ بَعْدَ الشَّكِّ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ فَإِنَّهُمَا مَعَ الْعَمْدِ يُوجِبَانِ سَجْدَةَ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْيَنَابِيعِ نَقْلًا عَنْ النَّاطِفِي لَا سَهْوَ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ تَأْخِيرُ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ لَا فِي وَضْعَيْنِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَمْثِلَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَقَالَ: (كَرُكُوعٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) فَإِنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الرُّكُوعِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضٌ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَتَأْخِيرِ الْقِيَامِ إلَى الثَّلَاثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّشَهُّدِ) وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشِيرُ إلَى هَذَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِقَدْرِ رُكْنٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ

حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَفِي الزَّاهِدِي وَعِنْدَهُمَا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا. وَفِي الْمُحِيطِ وَاسْتَقْبَحَ مُحَمَّدٌ السَّهْوَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَرُكُوعَيْنِ) فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ وَاجِبٌ فَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ تَرْكُهُ (وَالْجَهْرِ فِيمَا يَخْفَى) وَكَذَا الْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُجْهَرُ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَعَنْ الْكَثِيرِ مُمْكِنٌ وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ لَكِنَّ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِهِمَا مُطْلَقًا أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ تَتَبَّعْ وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَتَرْكِ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ (كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ تَقْدِيمُ الرُّكْنِ وَتَأْخِيرُهُ وَتَكْرِيرُهُ وَتَغْيِيرُ الْوَاجِبِ وَتَرْكُهُ (يَئُولُ) أَيْ يَرْجِعُ (إلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَصَارَ تَرْكُ الْوَاجِبِ شَامِلًا لِلْكُلِّ. وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرَ. (وَإِنْ تَشَهَّدَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ لَا يَجِبُ) لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ مَحَلٌّ لِلثَّنَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَبَعْدَهَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ سَهَا مِرَارًا يَكْفِيه سَجْدَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ تَجْزِيَانِ عَنْ كُلِّ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ» . (وَيَلْزَمُ) سُجُودُ السَّهْوِ (الْمُقْتَدِي) أَيْ الْمُؤْتَمَّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ كَاللَّاحِقِ (بِسَهْوِ إمَامِهِ إنْ سَجَدَ) وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ لَا يَسْجُدُ الْمُؤْتَمُّ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ وَبِسُجُودِهِ بِدُونِهِ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّهْوِ مِنْ الْإِمَامِ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ قَبْلَهَا لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ إذَا تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يَتَقَرَّرُ عَلَى التَّبَعِ حَسْبَ تَقَرُّرِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَلْزَمُ الْأَرْبَعُ بِاقْتِدَائِهِ بِالْمُقِيمِ أَوْ بِنِيَّةِ إمَامِهِ الْإِقَامَةَ (لَا بِسَهْوِهِ) أَيْ لَا يَلْزَمُ سُجُودُ السَّهْوِ بِسَهْوِ الْمُقْتَدِي لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى إمَامِهِ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ وَحْدَهُ خَالَفَ إمَامَهُ وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ مَعَهُ انْقَلَبَ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا وَالتَّابِعُ مَتْبُوعًا وَهُوَ قَلْبُ الْمَوْضُوعِ وَنَقْضُ الْمَشْرُوعِ (وَالْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ) تَبَعًا لَهُ وَلَا يُسَلِّمُ (ثُمَّ يَقْضِي) مَا فَاتَهُ وَلِهَذَا قِيلَ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُومَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَامَ قَبْلَهُ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ فَسَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ يُتَابِعُهُ فِيهِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ وَيَقْعُدُ مَعَهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِمَا بِمُتَابَعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَ سُجُودِ إمَامِهِ لَا يُتَابِعُهُ لِتَأَكُّدِ

انْفِرَادِهِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا لِالْتِزَامِهِ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ وَلَوْ سَهَا فِيمَا يَقْضِي سَجَدَ ثَانِيًا إنْ كَانَ تَابِعَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ وَتَنْتَظِمُ الثَّانِيَةُ بِالْأُولَى وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا سَهْوَ وَلَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. (سَهَا) الْمُصَلِّي (عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُصَلِّي (إلَيْهِ) أَيْ الْقُعُودِ (أَقْرَبُ) مِنْ الْقِيَامِ إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَقِيلَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ رَافِعَ الْأَلْيَةِ وَالرُّكْبَةِ أَوْ أَحَدَاهُمَا وَقِيلَ: بِأَنْ لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَدَّمَ مَفْعُولَ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ تَوَسُّعًا (عَادَ) إلَى الْقُعُودِ وَتَشَهَّدَ لِأَنَّ مَا يَقْرَبُ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: تَجِبُ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ وَإِنْ قَلَّ يُؤَخِّرُ الْقَعْدَةَ الْوَاجِبَةَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ أَقْرَبُ بِأَنْ رَفَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوْ بِأَنْ كَانَ مُسْتَوَى النِّصْفِ الْأَسْفَلِ دُونَ الْأَعْلَى أَوْ بِأَنْ اسْتَوَى قَائِمًا (لَا) أَيْ لَا يَعُودُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَعْنًى فَكَانَ كَالْقَائِمِ حَقِيقَةً وَلَوْ عَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ رَفَضَ فَرْضًا بَعْدَ الشُّرُوعِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ. وَفِي الْمِنَحِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا قَامَ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيَقْعُدُ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ. (وَإِنْ سَهَا عَنْ) الْقُعُودِ (الْأَخِيرِ) حَتَّى قَامَ لِرَكْعَةٍ أُخْرَى (عَادَ) إلَى الْقُعُودِ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ (مَا لَمْ يَسْجُدْ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِتَأْخِيرِهِ فَرْضًا وَأَرَادَ بِالْأَخِيرِ الْقُعُودَ الْمَفْرُوضَ لِيَشْمَلَ الثَّانِيَ وَالثُّنَائِيَّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: سُمِّيَ أَخِيرًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آخِرُ الصَّلَاةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمُشَاكَلَةِ (فَإِنْ سَجَدَ) سَجْدَةً تَامَّةً (بَطَلَ فَرْضُهُ) عِنْدَنَا ثُمَّ الْفَسَادُ (بِرَفْعِهِ) أَيْ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُودِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَقْيَسُ وَأَوْفَقُ (وَبِوَضْعِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ فَإِذَا أَحْدَثَ فِيهِ لَا يَبْنِي عِنْدَهُ وَيَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِمَسْأَلَةِ زِهْ بِالزَّايِ الْمَكْسُورَةِ الْخَالِصَةِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُ الْأَعَاجِمُ عِنْدَ اسْتِحْسَانِ شَيْءٍ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّهَكُّمِ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عِنْدَ بُلُوغِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ (وَصَارَتْ) أَيْ انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ (نَفْلًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ فَسَادَ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُبْطِلُ أَصْلَ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (فَيَضُمُّ سَادِسَةً إنْ شَاءَ) فَلَوْ لَمْ يَضُمَّ صَارَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ نَفْلًا وَبَطَلَ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ. وَفِي الدُّرَرِ وَيُضَمُّ فِي الرُّبَاعِيِّ رَكْعَةً سَادِسَةً إنْ شَاءَ وَفِي الثُّلَاثِيِّ الصَّائِرِ أَرْبَعًا لَا يَحْتَاجُ الضَّمَّ إذْ

الرَّكَعَاتُ الثَّلَاثُ بِضَمِّ الرَّابِعَةِ إلَيْهَا تَحَوَّلَتْ إلَى النَّفْلِ فَحَصَلَتْ الصَّلَاةُ التَّامَّةُ وَفِي الثُّنَائِيِّ الصَّائِرِ ثَلَاثًا وَهُوَ الْفَجْرُ لَا يَضُمُّ رَابِعَةً لِيَكُونَ الْكُلُّ نَفْلًا لِأَنَّ النَّفَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَفِي النِّهَايَةِ وَفِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَقْطَعُ سَوَاءً قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّانِيَةِ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ سِوَى رَكْعَتَيْهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ رَكْعَةً هَلْ يَكُونُ نَفْلًا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي غَيْرِهِ أَوْ يَبْطُلُ أَصْلًا إنْ قِيلَ: يَبْطُلُ أَصْلًا يَكُونُ مُخَالِفًا لِأَصْلِهِمَا وَإِنْ قِيلَ: يَكُونُ نَفْلًا يَلْزَمُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الصُّبْحِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْجَوَازِ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْقَصْدِ وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَا وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَوْ قَطَعَهُ عَلَى أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الثَّانِيَةِ فِي الْفَجْرِ تَتِمُّ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ عِنْدَ الْقَطْعِ أَمَّا فِي صُورَةِ عَدَمِ الْقُعُودِ فَيَبْطُلُ أَصْلًا بِتَرْكِ الْقُعُودِ فَلَا مُخَالَفَةَ لِأَصْلِهِمَا لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْقُعُودِ الْأَخِيرِ فَافْتَرَقَا تَأَمَّلْ. (وَإِنْ قَعَدَ) قَدْرَ التَّشَهُّدِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ) سَهْوًا (عَادَ) إلَى الْقُعُودِ (وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَالَ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (مَا لَمْ يَسْجُدْ) فِي الْخَامِسَةِ. (وَإِنْ سَجَدَ تَمَّ فَرْضُهُ) لِأَنَّ الْفَائِتَةَ عَنْهُ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ فِي الْأَخِيرَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) رَاجِعٌ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا عَادَ وَسَلَّمَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْوَاجِبَ وَهُوَ السَّلَامُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِجَبْرِ نُقْصَانِ النَّفْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِنُقْصَانِ الْفَرْضِ بِتَرْكِ السَّلَامِ مِنْهُ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: الْأَصَحُّ أَنْ يَجْعَلَ السُّجُودَ جَبْرًا لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْإِحْرَامِ فَيَنْجَبِرُ النَّقْصُ الْمُتَمَكِّنُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ جَمِيعًا. (وَيَضُمُّ سَادِسَةً) هَذَا الضَّمُّ آكَدُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ (وَالرَّكْعَتَانِ نَفْلٌ) إنْ كَانَ الْفَرْضُ رُبَاعِيًّا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» (وَلَا عُهْدَةَ لَوْ قَطَعَ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ ظَانٌّ فِيهَا لَكِنَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ سَادِسَةً وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلِمَةُ عَلَى تُسْتَعْمَلُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْآكَدِيَّةِ لَا لِلْإِيجَابِ وَلَكِنْ خِلَافُ الظَّاهِرِ تَدَبَّرْ (وَلَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى السُّنَّةِ إنَّمَا كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ (وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ) أَيْ بِالسَّاهِي (فِيهِمَا) أَيْ فِي إحْدَى هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ (صَلَّاهُمَا فَقَطْ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ فَصَارَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ. (وَلَوْ أَفْسَدَ) الْمُقْتَدِي إيَّاهُمَا (قَضَاهُمَا) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا نَصَّ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي سِتًّا) وَهُوَ أَقْيَسُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِي تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ مَا أَدَّى بِهِ الْإِمَامُ وَقَدْ أَدَّى سِتًّا (وَلَا قَضَاءَ) عَلَى الْمُقْتَدِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ (لَوْ أَفْسَدَ) اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ. (وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي شَفْعِ التَّطَوُّعِ لَا يَبْنِي) شَفْعًا آخَرَ (عَلَيْهِ) كَيْ لَا يَقَعُ سُجُودُهُ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ إذْ السَّجْدَةُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَمْ تُشْرَعْ. (وَلَوْ بَنَى صَحَّ) لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَيُعِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الْمُخْتَارِ وَفِي السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ. (وَسَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ) خُرُوجًا (مَوْقُوفًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (إنْ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ (عَادَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الصَّلَاةِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (لَا) أَيْ لَا يَعُودُ إلَيْهَا لِأَنَّ السَّلَامَ مُحَلِّلٌ وَالْحَاجَةَ إلَى أَدَاءِ السُّجُودِ مَانِعَةٌ عَنْ التَّحْلِيلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُجُودٌ عَمِلَ السَّلَامُ عَمَلَهُ (فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ) الْأَوَّلُ قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حِينِ سَلَّمَ وَتَنْقَطِعُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَيَصِيرُ فَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الْمُسَافِرِ (أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (وَيَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِقَهْقَهَةٍ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (إنْ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (فَلَا) أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ قَوْلِهِ فَيَصِحُّ إلَى هُنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ السَّلَامِ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ السَّجْدَةَ لِلسَّهْوِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَمْ تُشْرَعْ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَكَذَا لَا يَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِقَهْقَهَةٍ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا لَمْ تُصَادِفْ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ إذْ الْقَهْقَهَةُ قَاطِعَةٌ لِلتَّحْرِيمَةِ لِأَنَّهَا كَلَامٌ فَيَتَحَقَّقُ خُرُوجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَلْ قَيَّدَ لِقَوْلِهِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ فَقَطْ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَمْ تُسَاعِدْهُ بَلْ هُوَ سَهْوٌ تَتَبَّعْ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرٍ (لَا يُخْرِجُهُ) أَصْلًا لِأَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَبْرُ (فَتَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ) مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَصَيْرُورَةِ فَرْضِهِ أَرْبَعًا وَبُطْلَانِ وُضُوئِهِ بِقَهْقَهَةٍ (سَجَدَ أَوْ لَا) أَيْ سَوَاءٌ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَوْ لَا لَكِنْ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَلْ يَتْرُكُهُ وَيَقُومُ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لَبَطَلَ سُجُودُهُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ. (وَلَوْ سَلَّمَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يَسْجُدَ بَطَلَتْ نِيَّتُهُ) لِأَنَّهَا غَيْرُ الْمَشْرُوعِ فَلَغَتْ كَنِيَّةِ الظُّهْرِ سِتًّا (وَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ) لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ. (وَإِنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ) أَنَّهُ (كَمْ صَلَّى إنْ كَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ) فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: إنْ كَانَ أَوَّلَ مَا وَقَعَ لَهُ فِي عُمْرِهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إنْ كَانَ السَّهْوُ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ وَهُوَ أَشْبَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (اسْتَقْبَلَ) ثُمَّ الِاسْتِقْبَالُ لَا يُتَصَوَّرُ

باب صلاة المريض

إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى وَذَلِكَ بِالسَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ مِمَّا يُنَافِي الصَّلَاةَ لَكِنَّ السَّلَامَ قَاعِدًا أَوْلَى وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَمْ تَكْفِ فِي الْقَطْعِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ بَلْ يَعْرِضُ كَثِيرًا (تَحَرَّى وَعَمِلَ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ حَتَّى لَوْ ظَنَّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ مَثَلًا فَأَتَمَّ وَقَعَدَ وَضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى وَقَعَدَ احْتِيَاطًا كَانَ مُسِيئًا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ) الْمُتَيَقَّنِ (وَقَعَدَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ احْتَمَلَ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْقُعُودِ) فَلَوْ شَكَّ مَثَلًا فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا فَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ صَلَاتِهِ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فَرْضٌ فَلَوْ شَكَّ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ يُتِمُّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَقْنُتُ فِيهَا وَيَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي أُخْرَى وَيَقْنُتُ فِيهَا أَيْضًا. وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَلَّاهَا. وَلَوْ شَكَّ أَنَّهُ رَكَعَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ لَا إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ يَأْتِي بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَهُوَ عَلَى مَكَانِهِ (أَتَمَّهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ وَلِأَنَّ السَّلَامَ سَاهِيًا لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ أَوْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ فَسَلَّمَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ أَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا أَنَّ عَلَيْهِ رُكْنًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ. [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْبَابِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَعَمُّ مَوْقِعًا لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي صَلَاةِ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ فَقَدَّمَهُ لِشِدَّةِ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ ثُمَّ إضَافَتِهِ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَقِيَامِ زَيْدٍ (عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ) بِأَنْ لَا يَقُومَ أَصْلًا لَا بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَلَا بِالِاعْتِمَادِ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ (أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ) أَوْ بُطْأَهُ أَوْ يَجِدُ أَلَمًا شَدِيدًا (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِيَامِ (صَلَّى قَاعِدًا) كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ زُفَرُ: يَقْعُدُ قُعُودَ التَّشَهُّدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ عَلَى الْمَرِيضِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَيْسَرَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ لِأَنَّ عُذْرَ الْمَرَضِ أَسْقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانَ فَلَأَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ الْهَيْئَاتُ أَوْلَى وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ بِأَنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْبِيرِ قَائِمًا يَقُومُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقْعُدُ (يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) إنْ قَدَرَ وَلَا يَتْرُكُهُمَا بِتَرْكِ الْقِيَامِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ) أَيْ يُشِيرُ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (قَاعِدًا) إنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ لِأَنَّهُ وَسِعَهُ (وَجَعَلَ سُجُودَهُ) بِالْإِيمَاءِ (أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) لِأَنَّ نَفْسَ السُّجُودِ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ فَكَذَا الْإِيمَاءُ بِهِ (وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا لِلسُّجُودِ) رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ مَرِيضًا فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى وِسَادَةٍ فَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا وَأَخَذَ عُودًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ صَلِّ عَلَى الْأَرْضِ إنْ اسْتَطَعْت وَإِلَّا فَأَوْمِ وَاجْعَلْ سُجُودَك أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِك» (فَإِنْ فَعَلَ) ذَلِكَ (وَهُوَ يَخْفِضُ رَأْسَهُ صَحَّ إيمَاؤُهُ) لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْفِضْهُ (فَلَا) يَصِحُّ لِعَدَمِ الْإِيمَاءِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ لَوْ كَانَ الْمَرِيضُ يُصَلِّي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فَسَجَدَ عَلَيْهِ قَالُوا: إنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَرْفُوعٍ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى دُكَّانٍ دُونَ صَدْرِهِ يَجُوزُ كَالصَّحِيحِ لَكِنْ لَوْ زَادَ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ الْقُعُودُ أَوْمَأَ) بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (مُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ وَوَضَعَ وِسَادَةً تَحْتَ رَأْسِهِ حَتَّى يَكُونَ شِبْهَ الْقَاعِدِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ (وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ) أَوْمَأَ (مُضْطَجِعًا وَوَجْهُهُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ نَحْوُهُ يَسَارَهَا أَوْ يُمْنَاهَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْمُنْيَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ يُومِئُ إيمَاءً وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» . (وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِيمَاءُ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ) الصَّلَاةُ فَلَا سَقَطَ عَنْهُ بَلْ يَقْضِيهَا إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُضَيَّقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقْضِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَإِنْ مَاتَ بِلَا قَضَاءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (وَلَا يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ وَلَا بِقَلْبِهِ) لِمَا رَوَيْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَعَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُومِئُ قَاعِدًا) لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ التَّعْظِيمِ فَيَسْقُطُ الْوَسِيلَةُ لِسُقُوطِ الْأَصْلِ. (وَهُوَ) أَيْ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا (أَفْضَلُ مِنْ الْإِيمَاءِ قَائِمًا) لِكَوْنِ رَأْسِهِ فِيهِ أَقْرَبَ

إلَى الْأَرْضِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَالسُّجُودِ قَاعِدًا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَنَى مَا قَدَرَ) يَعْنِي لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحًا قَائِمًا فَحَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى مَا بَقِيَ قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ مُومِيًا قَاعِدًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ لِأَنَّ بِنَاءَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى كَاقْتِدَاءِ الْمُومِئِ بِالصَّحِيحِ. (وَلَوْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا) لِلْعَجْزِ (يَرْكَعُ أَوْ يَسْجُدُ فَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بَنَى قَائِمًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَأْنِفُ) لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا فَجَازَ الْبِنَاءُ وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ فَلَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ. (وَإِنْ افْتَتَحَهَا بِإِيمَاءٍ) لِلْعَجْزِ (فَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ) لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا الْبِنَاءُ وَلَوْ كَانَ يُومِئُ مُسْتَلْقِيًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَوْ افْتَتَحَهَا بِالْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ جَازَ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ. (وَلِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ أُعْيِيَ) أَيْ أُتْعِبَ وَأَطْلَقَ الشَّيْءَ فَشَمَلَ الْعَصَا وَالْحَائِطَ لَكِنَّ الِاتِّكَاءَ بِعُذْرٍ غَيْرُ مَكْرُوهٍ إجْمَاعًا وَبِغَيْرِ عُذْرٍ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ. (وَلَوْ صَلَّى) فَرْضًا (فِي فُلْكٍ جَارٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ صَحَّ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَهُوَ كَالْمُتَحَقَّقِ إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ الْخُرُوجُ إلَى الشَّطِّ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِلْقَلْبِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ. (وَفِي الْمَرْبُوطِ لَا يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ) أَيْ الْقُعُودُ بِلَا عُذْرٍ إجْمَاعًا هَذَا إنْ كَانَ مَرْبُوطًا عَلَى الشَّطِّ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَهُوَ كَالسَّائِرِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَكَالْوَاقِفِ. وَفِي الْإِيضَاحِ إنْ كَانَ مَرْبُوطًا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ إلَى الْبَرِّ لَمْ يَجُزْ الْفَرْضُ أَصْلًا إذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْبُوطٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ. (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَى مَا فَاتَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ وَإِذَا قَصُرَتْ قَلَّتْ فَلَا حَرَجَ وَالْكَثِيرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَلِهَذَا قَالَ. (وَإِنْ زَادَ) الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ عَلَيْهِمَا (سَاعَةً) رُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَعْنَى زَادَ عَلَيْهِمَا سَاعَةٌ (لَا يَقْضِي) مَا فَاتَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِزِيَادَةِ سَاعَةٍ مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ) صَلَاةٍ كَامِلَةٍ (سَادِسَةٍ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَتَحَقَّقُ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِالصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ لِأَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْإِغْمَاءُ أَوْقَاتَ سِتِّ

باب سجود التلاوة

صَلَوَاتٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مَا لَمْ يَمْضِ مَكَانُ مَا لَمْ يَدْخُلْ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَصَلَ الْإِغْمَاءُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا وَلَوْ حَصَلَ بِالْبَنْجِ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْقُطُ وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَسْقُطُ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَجْدَةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَاةُ الْمَرِيضِ بِعَارِضٍ سَمَاوِيٍّ كَالسَّهْوِ ذُكِرَ عَقِيبَهُ لِشِدَّةِ الْمُنَاسَبَةِ فَتَأَخَّرَ هَذَا الْبَابُ ضَرُورَةً وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالسَّمَاعِ بَيَانًا لِلسَّبَبَيْنِ مَعَ أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ أَيْضًا لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلسَّمَاعِ كَانَ ذِكْرُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ وَجْهٍ فَاكْتَفَى بِهِ. وَفِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ السَّمَاعِ فَلَا إشْكَالَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ الْخَاصِّ (يَجِبُ) أَيْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ وَلَمْ يَسْجُدْ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا أَوْ عَلَى مَنْ تَلَاهَا» وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ (عَلَى مَنْ تَلَا آيَةً) تَامَّةً أَوْ أَكْثَرَهَا أَوْ نِصْفَهَا مَعَ كَلِمَةِ السَّجْدَةِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ قَرَأَهَا وَحْدَهَا فَلَا تَجِبُ بِكِتَابَةٍ وَلَا بِقِرَاءَةِ هِجَاءٍ (مِنْ أَرْبَعَ عَشَرَ آيَةً فِي) آخِرِ (الْأَعْرَافِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْآخِرِ لِأَنَّ مَا فِي أَوَّلِهِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلسَّجْدَةِ اتِّفَاقًا وَالْآخِرُ بِمَعْنَى النِّصْفِ الْآخِرِ فَلَا يَكُونُ الشَّيْءُ ظَرْفًا لِنَفْسِهِ وَالْأَعْرَافُ عَلَمٌ لِلسُّورَةِ ظَاهِرًا وَقَدْ جَوَّزَهُ سِيبَوَيْهِ كَمَا جَوَّزَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعَلَمَ سُورَةُ الْأَعْرَافِ وَحَذْفُ الْجُزْءِ جَائِزٌ بِلَا الْتِبَاسٍ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ بَاقِي السُّوَرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَالْأَسْرَى وَمَرْيَمَ وَالْحَجِّ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ فِيهِ السُّجُودُ لِأَنَّ مَا فِي الثَّانِيَةِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ (وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وَالَمْ تَنْزِيلُ وَصِّ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ فِي سُورَةِ (ص) سَجْدَةٌ (وَفُصِّلَتْ) وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ السَّجْدَةِ بِهِ فَعِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هُوَ قَوْلُهُ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَوْلُهُ لَا يَسْأَمُونَ فَأَخَذْنَا بِهِ احْتِيَاطًا فَإِنَّ تَأْخِيرَ السَّجْدَةِ جَائِزٌ لَا تَقْدِيمَهَا (وَالنَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْعَلَقِ) وَقَالَ مَالِكٌ: سُورَةُ النَّجْمِ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاضِعِ السُّجُودِ. (وَ) تَجِبُ (عَلَى مَنْ سَمِعَ وَلَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَهِمَ أَوْ لَا لَكِنْ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَيْهِ السُّجُودُ بِكُلِّ حَالٍ وَفِي الْفَارِسِيَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا أَنَّ السَّامِعَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قُرْآنٌ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا بُدَّ

أَنْ يَكُونَ السَّامِعُ أَهْلًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ عَلَيْهِ حَتَّى تَجِبَ عَلَى جُنُبٍ إذَا سَمِعَ هُوَ دُونَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ سَمِعَ مِنْ كَافِرٍ أَوْ صَبِيٍّ عَاقِلٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ جُنُبٍ وَجَبَتْ وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ أَوْ نَائِمٍ لَا لِأَنَّ التِّلَاوَةَ صَدَرَتْ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَلَا تَمْيِيزٍ وَلَوْ قَرَأَهَا سَكْرَانُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ تَجِبُ وَكَذَا مِنْ النَّائِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. (وَعَلَى الْمُؤْتَمِّ بِتِلَاوَةِ إمَامِهِ) وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا بِأَنْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا وَالْمَأْمُومُ بَعِيدٌ عَنْهُ أَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ يَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالتَّبَعِ فَلَا تَجُوزُ. (وَلَا يَجِبُ) السُّجُودُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤْتَمِّ الْقَارِئِ وَلَا الْمُؤْتَمِّ الَّذِي هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ الْمُؤْتَمِّ (بِتِلَاوَتِهِ) أَيْ بِتِلَاوَةِ الْمُؤْتَمِّ (أَصْلًا) لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْجُدُونَهَا إذْ فَرَغُوا وَأَمَّا مَا قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَصْلًا لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا لَا عَلَى الْمُؤْتَمِّ وَلَا عَلَى الْإِمَامِ فَلَا يَخْلُو عَنْ قُصُورٍ تَدَبُّرٍ (إلَّا عَلَى سَامِعٍ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ) فَيَسْجُدُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ السَّجْدَةِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْمُؤْتَمِّ إنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي فَلَا يَعْدُوهُمَا. (وَلَوْ سَمِعَهَا الْمُصَلِّي مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَسْجُدُ فِي الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ لِأَنَّ سَمَاعَهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ. (وَيَسْجُدُ بَعْدَهَا) لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا وَهُوَ السَّمَاعُ لِتِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ (فَإِنْ سَجَدَ فِيهَا لَا تَجُوزُ) فَيُعِيدُهَا لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَعَ نَاقِصًا لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ زِيدَتْ فِي الصَّلَاةِ كَزِيَادَةِ سَجْدَةٍ تَطَوُّعًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي النَّوَادِرِ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ فِيهَا بِمَا يُفْعَلُ بَعْدَهَا. (وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ إمَامٍ) قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ (فَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ) لِلتِّلَاوَةِ (سَجَدَ مَعَهُ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا يَسْجُدُ مَعَهُ تَبَعًا لَهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى. (وَإِنْ اقْتَدَى بَعْدَ مَا سَجَدَ) الْإِمَامُ (فَإِنْ) كَانَ (فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ) الَّتِي تُلِيَتْ فِيهَا آيَةُ السَّجْدَةِ (لَا يَسْجُدُ أَصْلًا) وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لِلسَّجْدَةِ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا لَهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَنْ سَمِعَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ سَجَدَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا. (وَإِنْ فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي تُلِيَتْ فِيهَا آيَةُ السَّجْدَةِ (سَجَدَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ السَّمَاعُ لِتِلَاوَةٍ صَحِيحَةٍ (كَمَا لَوْ لَمْ يَقْتَدِ) بِالْإِمَامِ بَعْدَمَا سَمِعَهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَلَا تَقْتَضِي الصَّلَاتِيَّةُ) لَحْنٌ وَالصَّوَابُ الصَّلَوِيَّةُ بِرَدِّ أَلِفِهِ وَاوًا وَحَذْفِ التَّاءِ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ خَطَأٌ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ نَادِرٍ (خَارِجَهَا) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ

أَفْضَلُ فَلَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكَامِلَ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَيَسْجُدُ خَارِجَهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وُجُوبَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقْتَضَى فَأَسَاءَ بِتَرْكِهَا. وَفِي الْخِزَانَةِ إنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الْقِرَاءَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْحَالِ غَيْرَ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ سُجُودِهَا ثُمَّ يَقُومَ وَيَقْرَأَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَأَمَّا إنْ قَرَأَ بَعْدَهَا آيَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ لِصَلَاتِهِ جَازَ وَسَقَطَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَنْهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَقْطَعُ الْفَوْرَ وَلَوْ رَكَعَ لِصَلَاتِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَسَجَدَ تَسْقُطُ عَنْهُ السَّجْدَةُ نَوَى فِي السَّجْدَةِ التِّلَاوَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِلتِّلَاوَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَا بُدَّ لِلرُّكُوعِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى يَنُوبَ عَنْ السَّجْدَةِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَإِنْ قَرَأَ بَعْدَ السَّجْدَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَرَكَعَ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ عَنْ السَّجْدَةِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يَقْطَعُ الْفَوْرَ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: لَا يَقْطَعُ (تَلَاهَا) أَيْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ (ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَأَعَادَهَا) أَيْ أَعَادَ تِلَاوَةَ تِلْكَ الْآيَةِ (وَسَجَدَ كَفَتْهُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ) لِأَنَّ غَيْرَ الصَّلَاتِيَّةِ صَارَتْ تَبَعًا لِلصَّلَاتِيَّةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَسْجُدْ فِيهَا سَقَطَتْ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَصِيرَ وِفَاقِيًّا وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَدَاخَلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ. وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبْقِ فَاسْتَوَتَا قُلْنَا: لِلثَّانِيَةِ قُوَّةُ اتِّصَالِ الْمَقْصُودِ فَتَرَجَّحَتْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ سَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ شَرَعَ) فِي الصَّلَاةِ (وَأَعَادَهَا) فِي الصَّلَاةِ (يَسْجُدُ) مَرَّةً (أُخْرَى) لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ أَقْوَى فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَضْعَفِ. (وَلَوْ كَرَّرَ) تِلَاوَةَ (آيَةٍ وَاحِدَةٍ) أَوْ سَمِعَهَا مِنْ وَاحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مَبْنَى السُّجُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ مَا أَمْكَنَ وَإِمْكَانُهُ عَلَى اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَغَيْرِهِ وَالْقَارِئُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّكْرَارِ لِلْحِفْظِ وَالتَّعْلِيمِ وَالِاعْتِبَارِ فَإِلْزَامُ التَّكْرَارِ فِي السَّجْدَةِ مُفْضٍ إلَى الْحَرَجِ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَالتَّدَاخُلُ قَدْ يَكُونُ فِي الْأَسْبَابِ بِأَنْ يَنُوبَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَعَ وُجُودِ سَبَبِهَا شَنِيعٌ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعُقُوبَاتِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَهُوَ يَنْزَجِرُ بِوَاحِدَةٍ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ. (وَإِنْ بَدَّلَهَا) أَيْ آيَةَ السَّجْدَةِ (أَوْ الْمَجْلِسَ لَا) أَيْ لَا تَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ الْمَجْلِسُ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ أَوْ خُطْوَتَيْنِ وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقِيلَ: خِلَافُهُ وَلَا يَأْكُلُ لُقْمَةً وَلَا يَشْرَبُ شَرْبَةً فَلَا يَلْزَمُ تَكْرَارُ السَّجْدَةِ بِتَكْرَارِهَا وَأَمَّا إذَا تَلَا فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ عَمِلَ كَثِيرًا أَوْ أَخَذَ فِي عَقْدِ بَيْعٍ ثُمَّ تَلَا فَتَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ

أُخْرَى اسْتِحْسَانًا (وَتَسْدِيَةُ الثَّوْبِ) أَيْ تَسْوِيَةُ سَدَاهُ يَغْرِزُ فِي الْأَرْضِ خَشَبَاتٍ ثُمَّ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ مَعَ الْغَزْلِ لِيُسَوِّيَ السَّدَى (وَالدِّيَاسَةُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ غُصْنِ) شَجَرَةٍ (إلَى) غُصْنٍ (آخَرَ) سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا (تَبْدِيلٌ) فَلَا تَكْفِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَكَانَ تَبَدَّلَ حَقِيقَةً وَقِيلَ: تَكْفِيهِ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ آخَرَ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَصْلِ الشَّجَرِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ السِّبَاحَةُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كَرَّرَهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ تَتَكَرَّرُ السَّجْدَةُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا وَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهَا فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّ سَيْرَ السَّفِينَةِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا وَإِنَّمَا جَرَيَانُهَا بِالْمَاءِ وَالرِّيحِ فَصَارَ عَيْنُ السَّفِينَةِ مَكَانَ رَاكِبِهَا وَأَنَّهُ مُتَّحِدٌ. وَلَوْ كَرَّرَ الْمُصَلِّي فِي رَكْعَةٍ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَلَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. (وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ وَإِنْ اتَّحَدَ مَجْلِسُ التَّالِي) بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ عَلَى مَا قِيلَ وَمَجْلِسُهُ مُتَعَدِّدٌ. (وَإِنْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي وَاتَّحَدَ مَجْلِسُهُ لَا) أَيْ لَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لَكِنْ هَذَا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ هُوَ السَّمَاعُ لَا التِّلَاوَةُ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ أَيْضًا وَالسَّمَاعُ شَرْطٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ تَبَدُّلُ مَجْلِسِ التَّالِي وَعَدَمُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَكَيْفِيَّتُهُ) أَيْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ (أَنْ يَسْجُدَ بِشَرَائِطِ الصَّلَاةِ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ) وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْوَضْعِ وَأُخْرَى عِنْدَ الرَّفْعِ (مِنْ غَيْرِ رَفْعِ يَدٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: إنَّهَا عِبَادَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا فَاعْتُبِرَ لَهَا مَا اُعْتُبِرَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السُّجُودُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا بِالرَّأْيِ (وَلَا تَشَهُّدٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي الْقُعُودِ وَلَا قُعُودَ عَلَيْهِ. (وَلَا سَلَامٍ) لِأَنَّهُ لِلتَّحْلِيلِ وَهُوَ يَقْتَضِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ. (وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا وَذَا لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ (لَا عَكْسُهُ) وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ مُبَادِرٌ إلَيْهَا حَتَّى قِيلَ مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ سَجَدَ لِكُلٍّ كَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَهَمَّهُ. (وَنُدِبَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ قَبْلَهَا) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إيهَامِ تَفْضِيلِ آيَةٍ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَبْلِهَا لِمُوَافَقَةِ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ

باب صلاة المسافر

إنْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَهُوَ أَحَبُّ هَذَا أَشْمَلُ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ لِتَنَاوُلِهَا لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. (وَاسْتُحْسِنَ) فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (إخْفَاؤُهَا عَنْ السَّامِعِينَ) شَفَقَةً عَلَيْهِمْ لِأَنَّ السَّامِعَ رُبَّمَا لَا يُؤَدِّيهَا فِي الْحَالِ لِمَانِعٍ فَلَا يُؤَدِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَيَأْثَمُ فَلَوْ كَانَ السَّامِعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ بَلْ مُتَهَيِّئًا لِلسُّجُودِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْهَرَ حَثًّا عَلَى الطَّاعَةِ. (وَتُقْتَضَى) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ سَمِعَ آيَةَ سَجْدَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ حَرْفًا لَمْ يَسْجُدْ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ اتِّحَادَ الثَّانِي شَرْطٌ. وَفِي الْكَافِي تَلَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَسَجَدَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ أَوْ رَاكِبًا فَنَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ وَأَوْمَأَ لَهَا صَحَّ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَلَوْ تَلَا عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ رَاكِبًا لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ. [بَابُ صَلَاة الْمُسَافِرِ] أَيْ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ لَمَّا كَانَ السَّفَرُ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ نَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لِأَنَّ سَبَبَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ التِّلَاوَةُ وَهِيَ عِبَادَةٌ وَسَبَبُ قَصْرِ الصَّلَاةِ السَّفَرُ وَهُوَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَهُوَ مُبَاحٌ وَالْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ وَالْإِضَافَةُ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ أَوْ إلَى فَاعِلِهِ وَالسَّفَرُ فِي اللُّغَةِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا قَطْعٌ خَاصٌّ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَهُوَ لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا بِالْقَصْدِ فَلِهَذَا قَالَ مُرِيدًا لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ جَمِيعَ الْعَالَمِ بِلَا قَصْدٍ سَيْرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَلَوْ قَصَدَ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ فَكَذَلِكَ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ اجْتِمَاعَهُمَا (مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَرْيَةَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ بِتَغْلِيبٍ كَمَا ظُنَّ وَهِيَ جَمْعُ بَيْتٍ مَأْوَى الْإِنْسَانِ مِنْ نَحْوِ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ صُوفٍ وَيَدْخُلُ مَا كَانَ مِنْ مَحَلِّهِ مُنْفَصِلَةً وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً وَتَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَابِضَةً لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُوصَ لَقَصَرْنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا فِنَاءُ الْمِصْرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ وَقَدْ فَصَّلَ قَاضِي خَانْ فَقَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَفِنَائِهِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْمِصْرِ وَفِنَائِهِ قَدْرَ غَلْوَةٍ تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِ الْمِصْرِ وَكَذَا إذَا كَانَ الِانْفِصَالُ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ قَرْيَةٍ

وَمِصْرٍ وَإِنْ كَانَتْ الْقُرَى مُتَّصِلَةً بِرَبْضِ الْمِصْرِ فَالْمُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْقُرَى هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلَةً بِفِنَاءِ الْمِصْرِ لَا يُرَبَّضُ الْمِصْرُ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْقُرَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَ مُفَارَقَةَ بُيُوتِ الْمِصْرِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَفِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ وَلَوْ ادَّعَيْنَا أَنَّ بُيُوتَ تِلْكَ الْقُرَى دَاخِلَةٌ فِي مُسَمًّى بُيُوتِ الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ (مِنْ جَانِبِ خُرُوجِهِ) وَإِنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ مِنْ جَانِبِ آخِرِ أَبْنِيَةٍ (مُرِيدًا) حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ (سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا الْأَيَّامُ لِلْمَشْيِ وَاللَّيَالِي لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلِهَذَا تَرَكْت لَكِنَّ قَدْرَ السَّيْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي زَمَانِ الِاعْتِدَالِ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ دَائِمًا بَلْ يَمْشِي فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَسْتَرِيحُ فِي بَعْضِهَا وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالشَّافِعِيُّ بِيَوْمَيْنِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَفِي قَوْلِهِ لَهُ بِيَوْمَيْنِ وَلَيْلَةٍ (قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ وَصَارَ فَرْضُهُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) فَإِنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ عَلَى أَصْلِهَا فِي السَّفَرِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُولُوا قَصْرًا فَإِنَّ الَّذِي فَرْضُهَا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا فَرْضُهَا فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْهُ أَنَّ «صَلَاةَ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ» فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ عِنْدَنَا وَمَنْ حَكَى خِلَافًا بَيْنَ الشَّارِحِينَ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ فَقَدْ غَلِطَ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: رُخْصَةٌ عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ وَهِيَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضُهُ الْأَرْبَعُ وَالْقَصْرُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنْ لَا قَصْرَ فِي الثُّلَاثِيِّ وَالثُّنَائِيِّ وَكَذَا فِي الْوَتْرِ وَالسُّنَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ السُّنَنِ فَقِيلَ: الْأَفْضَلُ هُوَ التَّرْكُ تَرَخُّصًا وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا وَقِيلَ الْفِعْلُ نُزُولًا وَالتَّرْكُ سَيْرًا وَالْمُخْتَارُ الْفِعْلُ أَمْنًا وَالتَّرْكُ خَوْفًا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِإِكْمَالِ الْفَرْضِ وَالْمُسَافِرُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَتُسْتَثْنَى مِنْهُ سُنَّةُ الْفَجْرِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ: سُنَّةُ الْمَغْرِبِ. (وَاعْتُبِرَ فِي الْوَسَطِ فِي السَّهْلِ) نَقِيضِ الْجَبَلِ (سَيْرُ الْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ) بِالسَّيْرِ الْمُعْتَدِلِ وَهُوَ سَيْرُ الْقَافِلَةِ. (وَفِي الْبَحْرِ اعْتِدَالُ الرِّيحِ وَفِي الْجَبَلِ مَا يَلِيقُ بِهِ) فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ فِي السَّهْلِ تُقْطَعُ بِمَا دُونَهَا فَلَوْ كَانَ لِمَوْضِعٍ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْهَا فَفِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ يَقْصُرُ وَفِي الثَّانِي لَا وَكَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِأَنْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَرَاسِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرُونَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا كَأَنَّهُمْ قَدَّرُوا كُلَّ يَوْمٍ بِمَرْحَلَةِ سَبْعَةِ فَرَاسِخَ وَقِيلَ خَمْسَةَ

عَشَرَ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِخَمْسَةٍ وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَالنَّصِّ الصَّرِيحِ. (فَلَوْ أَتَمَّ الْمُسَافِرُ) الرُّبَاعِيَّ بِأَنْ يَأْتِيَ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ كَالْقِرَاءَةِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ فَرْضِهِ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ (إنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ) قَدْرَ التَّشَهُّدِ (صَحَّتْ) لِأَنَّ فَرْضَهُ ثِنْتَانِ وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ فَإِذَا وُجِدَتْ يُتِمُّ فَرْضَهُ. (وَ) لَكِنَّهُ (أَسَاءَ) لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ وَمَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ نَفْلٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ (فَلَا تَصِحُّ) لِأَنَّهُ خَلَطَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ فَانْقَلَبَ الْكُلُّ نَفْلًا إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْقَوْمَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا وَيَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَفَادَةً مِنْ الْمَفْهُومِ تَفْصِيلًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَصْلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا. (وَلَا يَزَالُ) أَيْ الْمُسَافِرُ عَنْ أَنْ يَكُونَ (عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَدْخُلَ وَطَنَهُ) هَذَا إنْ أَكْمَلَ فِي ذَهَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُكْمِلْهَا فَيُتِمُّ بِمُجَرَّدِ رُجُوعِهِ لِأَنَّهُ نَقَضَ السَّفَرَ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهِ (أَوْ يَنْوِيَ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ آخَرَ أَوْ قَرْيَةٍ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهَا وَغَيْرُ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ لَا تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ هَذَا إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَمَّا إذَا سَارَ دُونَهَا فَيُتِمُّ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ وَقُلَلِ الْجِبَالِ (وَهِيَ) أَيْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: أَقَلُّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَ أَخْصَرَ لِأَنَّهُ بَيَانُ أَقَلِّ الْمُدَّةِ فَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ. (وَلَوْ نَوَاهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ (بِمَوْضِعَيْنِ كَمَكَّةَ وَمِنًى لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا أَنْ يَبِيتَ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ تُضَافُ إلَى مَبِيتِهِ هَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِآخَرَ قَرِيبًا مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا فِيهِمَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَوْطِنٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ رَجُلٌ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا فِي عَشْرِ الْأَضْحَى وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا سَنَةً فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لِلْحَالِ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى لِقَضَاءِ الْمَنَاسِكِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَإِذَا خَرَجَ إلَى مِنًى يُصَلِّي أَرْبَعًا إلَّا إذَا كَانَ لَاحِقًا. (وَقَصَرَ إنْ نَوَى) الْإِقَامَةَ (أَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ نِصْفُ الشَّهْرِ (أَوْ لَمْ يَنْوِ) شَيْئًا عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ. (وَلَوْ بَقِيَ سِنِينَ) لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ

الْإِقَامَةُ بِدُونِ عَزِيمَتِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَصَلَ الْحَاجُّ إلَى الشَّامِ وَعَلِمَ أَنَّ الْقَافِلَةَ إنَّمَا تَخْرُجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَزَمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مَعَهُمْ لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ كَنَاوِي الْإِقَامَةِ. (وَكَذَا) يَقْصُرُ (عَسْكَرٌ نَوَاهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ (بِأَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ حَاصَرُوا مِصْرًا فِيهَا) أَيْ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ لَكِنْ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِأَمَانٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمِصْرِ وَكَذَلِكَ إنْ حَاصَرُوا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُمْ أَيْضًا يَقْصُرُونَ وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهُمْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ إقَامَتُهُمْ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ. (وَيُتِمُّ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ) كَالْأَعْرَابِ وَالْأَتْرَاكِ جَمْعُ خِبَاءٍ وَهُوَ بَيْتٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ (لَوْ نَوَوْهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُمْ بَلْ يَقْصُرُونَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ وَالسَّفَرَ عَارِضٌ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ السَّفَرَ قَطُّ إنَّمَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى فَكَانُوا مُقِيمِينَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إلَّا إذَا ارْتَحَلُوا عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ فِي الصَّيْفِ وَقَصَدُوا مَوْضِعَ إقَامَتِهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُسَافِرِينَ فِي الطَّرِيقِ وَقَيَّدَ بِأَهْلِ الْأَخْبِيَةِ لِأَنَّ غَيْرَ أَهْلِهَا مِنْ الْمُسَافِرِينَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ أَهْلِهَا وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْإِتْمَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى سِتَّةِ شُرُوطٍ: النِّيَّةُ وَاسْتِقْلَالُ الرَّأْيِ وَالْمُدَّةُ وَتَرْكُ السَّيْرِ وَاتِّحَادُ الْمَوْضِعِ وَصَلَاحِيَّتُهُ. (وَلَوْ اقْتَدَى الْمُسَافِرُ) فِي الرُّبَاعِيِّ وَلَوْ قَبْلَ السَّلَامِ (بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ) وَلَوْ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ (صَحَّ) اقْتِدَاؤُهُ. (وَيُتِمُّ) مَا شَرَعَ فِيهِ أَرْبَعًا بِالتَّبَعِيَّةِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا هُوَ أَوْ إمَامُهُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ (لَا يَصِحُّ) لِأَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الْوَقْتِ لِانْفِصَالِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ. (وَاقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِهِ) أَيْ بِالْمُسَافِرِ (صَحِيحٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدَةٌ وَالْقَعْدَةُ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ غَيْرُ فَرْضٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَبِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ جَائِزٌ. (وَيَقْصُرُ هُوَ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُ فِي الْبَاقِي (بِلَا قِرَاءَةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ فِيهِمَا كَأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ فَلَا قِرَاءَةَ لِلْمُؤْتَمِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَقْضُونَ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِمْ إذَا سَهَوْا (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ الْمُسَافِرِ (أَنْ يَقُولَ لَهُمْ) أَيْ لِلْمُقِيمِينَ: (أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنِّي مُسَافِرٌ) هَكَذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْفَرَاغِ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرْ أَخْبَرَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ مُعَلِّلًا لِلِاسْتِحْبَابِ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ

بِالْإِمَامِ قَبْلَ ذَهَابِهِ فَيَحْكُمُ بِفَسَادِ صَلَاةِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ إقَامَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إفْسَادِهِ بِسَلَامِهِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا مُجْمَلُ مَا فِي الْفَتَاوَى إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطُ الْأَدَاءِ بِجَمَاعَةٍ انْتَهَى لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ. (وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ) وَهُوَ الْبَلْدَةُ أَوْ الْقَرْيَةُ الَّتِي وُلِدَ بِهَا أَوْ تَأَهَّلَ فِيهَا (بِمِثْلِهِ) أَلَا يَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ حَتَّى قَصَرَ. وَفِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ: لَوْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِالْكُوفَةِ وَأَهْلٌ بِالْبَصْرَةِ فَمَاتَ أَهْلُهُ بِالْبَصْرَةِ وَبَقِيَ لَهُ دُورٌ وَعَقَارٌ بِالْبَصْرَةِ قِيلَ: الْبَصْرَةُ لَا تَبْقَى وَطَنًا لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ وَطَنًا لَهُ بِالْأَهْلِ لَا بِالْعَقَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عَقَارٌ صَارَتْ وَطَنًا لَهُ وَقِيلَ تَبْقَى وَطَنًا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَتْ وَطَنًا لَهُ بِالْأَهْلِ وَالدَّارِ جَمِيعًا فَبِزَوَالِ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَفِعُ الْوَطَنُ كَمَوْطِنِ الْإِقَامَةِ يَبْقَى بِبَقَاءِ الثَّقَلِ (لَا بِالسَّفَرِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِالسَّفَرِ بَلْ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْمُسَافِرِ إلَى وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ يَصِيرُ مُقِيمًا وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ. (وَ) يَبْطُلُ (وَطَنُ الْإِقَامَةِ) وَهُوَ الْبَلْدَةُ أَوْ الْقَرْيَةُ الَّتِي لَيْسَ لِلْمُسَافِرِ فِيهَا أَهْلٌ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (بِمِثْلِهِ) لِأَنَّ الشَّيْءَ يُرْتَفَضُ بِمِثْلِهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثُمَّ رَاحَ مِنْهُ وَأَقَامَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَأَتَى الْبَلَدَ الْأَوَّلَ قَصَرَ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ ثَانِيًا (وَالسَّفَر) أَيْ يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِهِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ أَتَى ذَلِكَ الْبَلَدَ قَصَرَ مَا لَمْ يَنْوِهَا. (وَالْأَصْلِيُّ) أَيْ يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِهِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ وَطَنِ الْإِقَامَةِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثُمَّ دَخَلَ وَطَنَهُ الْأَصْلِيَّ ثُمَّ دَخَلَ ذَلِكَ الْبَلَدَ قَصَرَ مَا لَمْ يَنْوِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَطَنَ السُّكْنَى وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بَلْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ. (وَفَائِتَةُ السَّفَرِ تُقْضَى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ) رُبَاعِيَّةٌ (تُقْضَى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ. (وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ (آخِرُ الْوَقْتِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ سَافَرَ آخِرَ الْوَقْتِ قَصَرَ وَإِنْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ آخِرَ الْوَقْتِ تَمَّمَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَ) الْمُسَافِرُ (الْعَاصِي) فِي سَفَرِهِ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَحَجِّ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ (كَغَيْرِهِ) أَيْ كَسَفَرِ الْمُطِيعِ فِي التَّرَخُّصِ كَاسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَسُقُوطِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْقَصْرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الصَّوْمِ لَهُمْ. (وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ تُعْتَبَرُ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ) يَعْنِي إذَا نَوَى الْأَصْلُ السَّفَرَ أَوْ الْإِقَامَةَ يَكُونُ التَّبَعُ كَذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ اسْتِقْلَالًا (كَالْعَبْدِ) مَعَ مَوْلَاهُ. (وَالْمَرْأَةِ)

باب صلاة الجمعة

مَعَ زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ تَبَعًا لَهُ إذَا كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِمَهْرِهَا وَإِلَّا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهَا (وَالْجُنْدِيِّ) مَعَ الْأَمِيرِ الَّذِي يَلِي عَلَيْهِ وَرِزْقُهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ الْأَمِيرُ مَعَ الْخَلِيفَةِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ إذَا كَانَ رِزْقُهُمْ مِنْهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ قَصْرَ التَّبَعِ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بَلْ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ تَبَعًا لَهُ وَتَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ. وَفِي الدُّرَرِ السُّلْطَانُ إذَا سَافَرَ قَصَرَ إلَّا إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا أَوْ طَلَبَ الْعَدُوَّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مُسَافِرًا وَفِي الرُّجُوعِ يَقْصُرُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْزِلِهِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ. [بَابُ صَلَاة الْجُمُعَةِ] الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ تَنْصِيفُ الصَّلَاةِ لِعَارِضٍ إلَّا أَنَّ التَّنْصِيفَ هُنَا فِي خَاصٍّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَفِيمَا قَبْلَهُ وَفِي كُلِّ رَبَاعِيَةٍ وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ هُوَ الْوَجْهُ وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ غَلَطٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ: أُضِيفَ إلَيْهَا الْيَوْمُ وَالصَّلَاةُ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى حُذِفَ مِنْهَا الْمُضَافُ (لَا تَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (إلَّا بِسِتَّةِ شُرُوطٍ) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا عَلَى شُرُوطِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ وُجُودِ الْأَسْبَابِ (الْمِصْرُ أَوْ فِنَاؤُهُ) حَتَّى لَا تَجُوزَ فِي الْمَفَاوِزِ وَلَا فِي الْقُرَى وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجُوزُ فِي قَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُ فِيهَا أَرْبَعُونَ حُرًّا ذَكَرًا بَالِغًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ. (وَالسُّلْطَانُ) أَيْ الْوَالِي الَّذِي لَا وَالِيَ فَوْقَهُ (أَوْ نَائِبُهُ) وَهُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْخُطَبَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ وَقَدْ تَقَعُ فِي غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَتْمِيمًا لِأَمْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْخَطِيبِ الْمُقَرَّرِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ هَلْ يَمْلِكُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَوْلَى الْفَاضِلُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَلِكَثِيرٍ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ

تَشْغَلُهُ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي وَقْتِهَا وَإِلَّا فَلَا فَلْيُرَاجَعْ أَقُولُ: إنَّ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ مُطْلَقًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ إذْنٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ» الْحَدِيثَ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إمَامٌ (وَقْتَ الظُّهْرِ) أَيْ شَرْطُ أَدَائِهَا وَقْتُ الظُّهْرِ لَكِنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ أَيْضًا وَقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ بَعْدَهُ مُمْتَدًّا إلَى الْمَغْرِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَاحِدٌ عِنْدَهُ. (وَالْخُطْبَةُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَلَوْ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا شَرْطٌ وَشَرْطُ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ (فِي وَقْتِهَا) أَيْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ لَمْ تَصِحَّ. (وَالْجَمَاعَةُ) بِالْإِجْمَاعِ. (وَالْإِذْنُ الْعَامُّ) وَهُوَ أَنْ يُفْتَحَ أَبْوَابُ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ قَالُوا: السُّلْطَانُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَشَمِهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَتَحَ الْبَابَ وَأَذِنَ إذْنًا عَامًّا جَازَتْ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْكَافِي وَمَا لَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ مِنْ غَلْقِ أَبْوَابِهِ خَوْفًا مِنْ الْأَعْدَاءِ أَوْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ عِنْدَ حُضُورِ الْوَقْتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ إذْنَ الْعَامِّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ خِلَافُهُ لَكِنْ مَا قَرَّرْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ يَحْصُلُ بِفَتْحِ بَابِ الْجَامِعِ وَعَدَمِ الْمَنْعِ وَلَا مَدْخَلَ فِي غَلْقِ بَابِ الْقَلْعَةِ وَفَتْحِهِ وَلِأَنَّ غَلْقَ بَابِهَا لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا لِمَنْعِ غَيْرِهِ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ الْعَامُّ (وَالْمِصْرُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ. وَفِي الْغَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ: وَيُقِيمُ الْحُدُودَ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا تَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقِيمَ الْحُدُودَ وَكَذَلِكَ الْمُحَكِّمُ انْتَهَى أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا تَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا وَلَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ. وَفِي الْبَدَائِعِ: السُّلْطَانُ إذَا كَانَ امْرَأَةً فَأَمَرَتْ رَجُلًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ سُلْطَانَةً أَوْ قَاضِيَةً فِي الْجُمُعَةِ فَتَصِحُّ إنَابَتُهَا تَدَبَّرْ (وَقِيلَ) : قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُمَا (مَا لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُهُ فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِ لَا يَسَعُهُمْ) هَذَا رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ وَإِنَّمَا أُورِدَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ هَذَا الْحَدَّ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ مُلَائِمًا

بِشَرْطِ وُجُودِ السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ وَمُنَاسِبًا لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ لِدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ. وَفِي الْغَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ فِيهِ كُلُّ مُحْتَرَفٍ وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَفِيهِ فَقِيهٌ يُفْتِي وَقَاضٍ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مَصَّرَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ مِصْرٌ حَتَّى لَوْ بَعَثَ إلَى قَرْيَةٍ نَائِبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَصِيرُ مِصْرًا فَإِذَا عَزَلَهُ يَلْتَحِقُ بِالْقُرَى (وَفِنَاؤُهُ) أَيْ الْمِصْرِ (مَا اتَّصَلَ بِهِ) أَيْ بِالْمِصْرِ (مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ) يَعْنِي لِحَوَائِجِ أَهْلِهِ مِنْ دَفْنِ الْمَوْتَى وَرَكْضِ الْخَيْلِ وَرَمْيِ السَّهْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ بِالْمَزَارِعِ وَالْمَرَاعِي لَا يَكُونُ فِنَاءً لَهُ كَمَا بَيَّنَ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَكِنْ قَدْ خَطَّأَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبُخَارَى فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمِصْرِ وَبَيْنَ الْمُصَلَّى مَزَارِعَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُنْكِرْ جَوَازَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ بِبُخَارَى لَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكَمَا أَنَّ الْمِصْرَ أَوْ فِنَاءَهُ شَرْطُ جَوَازِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْعِيدِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَتَصِحُّ فِي مِصْرٍ) وَاحِدٍ (فِي مَوَاضِعَ هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ. وَفِي الْمِنَحِ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ مُطْلَقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا فَإِنَّ فِي اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَفِي كَلَامِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِصْرُ صَغِيرًا لَا مَشَقَّةَ فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ. (وَعَنْ الْإِمَامِ) لَا تَجُوزُ إلَّا (فِي مَوْضِعٍ فَقَطْ) لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيلُ جَمَاعَتِهَا. وَفِي جَوَازِهَا فِي مَكَانَيْنِ تَقْلِيلُهَا فَإِنْ أُدِّيَتْ فِي مَوْضِعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْجُمُعَةُ لِلْأَوَّلِ تَحْرِيمَةً فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا بَطَلَتَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَقِيلَ فَرَاغًا وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقِيلَ: تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ) كَبِيرٌ كَبَغْدَادَ أَوْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِسْرٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِرَفْعِ الْجِسْرِ فِي بَغْدَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ كَمِصْرَيْنِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ بِتَفْوِيتِ شَرْطِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ لِيَخْرُجُوا عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ لَوْ لَمْ تَقَعْ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَمَّا اُبْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوِ بِإِقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهَا أَمَرَهُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِأَدَاءِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ حَتْمًا احْتِيَاطًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي

الجمعة بعرفات

نِيَّتِهَا فَالْأَحْسَنُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُصَلِّهِ بَعْدُ لِأَنَّ ظُهْرَ يَوْمِهِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ. (وَمِنَى مِصْرٌ فِي الْمَوْسِمِ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِتَمَصُّرِهَا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْمِصْرِ وَبَقَاؤُهَا مِصْرًا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ الدُّنْيَا عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا قَرْيَةٌ أَوْ هُوَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ وَلِهَذَا لَا يُصَلُّونَ فِيهَا صَلَاةَ الْعِيدِ لَهُمَا عَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى لِلتَّخْفِيفِ لِاشْتِغَالِ الْحَاجِّ بِالْمَنَاسِكِ لَا لِعَدَمِ الْمِصْرِيَّةِ (لِلْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ) وَهُوَ أَمِيرُ مَكَّةَ أَوْ الْمَأْذُونُ مِنْ جِهَتِهِمْ (لَا لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِأَمِيرِ الْحَاجِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُقِيمًا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا تَجُوزُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. [الْجُمُعَةُ بِعَرَفَاتٍ] (وَلَا) تَصِحُّ الْجُمُعَةُ (بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهَا لَا تَتَمَصَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَحَضْرَةِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهَا مِنْ الْبَرَارِي الْقِفَارِ. [فرض الْخُطْبَة وسنتها] (وَفَرْضُ الْخُطْبَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (تَسْبِيحَةٌ أَوْ نَحْوُهَا) مِنْ تَهْلِيلَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ (وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) عُرْفًا وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَقِيلَ مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ فِي الْخُطْبَةِ تَحْمِيدَةٌ وَتَصْلِيَةٌ وَقِرَاءَةُ آيَةٍ وَمَوْعِظَةٌ فَإِنْ خَلَتْ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَتِمُّ الْخُطْبَةُ عِنْدَهُمْ. (وَسُنَّتُهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا) قَيَّدَ بِقَائِمًا لِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ قَاعِدًا يُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ (عَلَى طَهَارَةٍ) فَإِنْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ (خُطْبَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَزِيَادَةُ التَّطْوِيلِ مَكْرُوهَةٌ مُسْتَقْبِلًا لِلْقَوْمِ بِوَجْهِهِ فِيهِمَا وَيَجْهَرُ فِيهِمَا لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ لَا كَالْأُولَى وَيَبْدَأُ بِالتَّعَوُّذِ سِرًّا (يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ) مِقْدَارِ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ فِي الظَّاهِرِ وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ عَلَى الْأَصَحِّ (مُشْتَمِلَتَيْنِ) صِفَةُ خُطْبَتَيْنِ (عَلَى تِلَاوَةِ آيَةٍ وَالْإِيصَاءِ بِالتَّقْوَى وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ (فَيُكْرَهُ تَرْكُ ذَلِكَ) لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ. (وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَالْخِطَابُ وَرَدَ لِلْجَمْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَلَاثًا سِوَى الْخَطِيبِ الذَّاكِرِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اثْنَانِ) سِوَى الْإِمَامِ لِأَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حَتَّى أَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا كَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلِأَنَّ فِي الْجَمَاعَةِ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ. (وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا حُرًّا مُقِيمًا سِوَى الْإِمَامِ. (فَلَوْ نَفَرُوا) أَيْ تَفَرَّقَ الْجَمَاعَةُ (قَبْلَ سُجُودِهِ) أَيْ الْإِمَامِ وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ أَتَمَّهَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَعِنْدَهُ إذَا نَفَرُوا قَبْلَ الْقَعْدَةِ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ (يَسْتَأْنِفُ الظُّهْرَ) عِنْدَ الْإِمَامِ

شرط وجوب الجمعة

لِأَنَّ الِانْعِقَادَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ الرَّكْعَةِ إذْ مَا دُونَهَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِبَقَاءِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ. وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَفَرَ النَّاسُ وَجَاءَ آخَرُونَ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُمْ لِأَنَّهُ خَطَبَ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ وَصَلَّى وَالْقَوْمُ حُضُورٌ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْتَأْنِفُهَا) أَيْ صَلَاةَ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا كَالْخُطْبَةِ (إلَّا إنْ نَفَرُوا قَبْلَ شُرُوعِهِ) فَحِينَئِذٍ يَسْتَأْنِفُ الظُّهْرَ اتِّفَاقًا. (وَتَبْطُلُ) الْجُمُعَةُ (بِخُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) فَيُقْضَى الظُّهْرُ وَلَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ. [شَرْطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ] (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (سِتَّةٌ الْإِقَامَةُ بِمِصْرٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَإِنْ عَزَمَ أَنْ يَمْكُثَ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْقَرَوِيِّ الْعَازِمِ فِيهِ فَإِنَّهُ كَأَهْلِ الْمِصْرِ (وَالذُّكُورَةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْخُرُوجِ سِيَّمَا إلَى مَجْمَعِ الرِّجَالِ (وَالصِّحَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ وَمِثْلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الضَّعِيفُ (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْجَامِعِ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ قِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ. (وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ إحْدَاهُمَا لَوْ لَمْ تَسْلَمْ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى وَلَا بِمُقْعَدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُثَنَّى أَبْطَلَتْ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ كَالْجَمْعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ شَرَائِطِهِ الْمَخْصُوصَةِ وَمَنْ رَامَ ذِكْرَ مُطْلَقِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْإِسْلَامَ أَيْضًا وَكَذَا لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمَحْبُوسُ وَالْخَائِفُ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ اللُّصُوصِ وَكَذَا مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَطَرٌ شَدِيدٌ أَوْ الثَّلْجُ أَوْ الْوَحْلُ أَوْ نَحْوُهَا (فَلَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (وَجَدَ قَائِدًا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَادِرًا بِغَيْرِهِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْأَعْمَى بِوَاسِطَةِ الْقَائِدِ قَادِرٌ عَلَى السَّعْيِ وَكَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. (وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَجِّ) لَكِنْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ عَلَى الْأَعْمَى الْجُمُعَةَ وَالْحَجَّ إذَا كَانَ لَهُ قَائِدٌ أَوْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَمَنْ يَحُجُّ مَعَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَالصَّحِيحِ الضَّالِّ إذَا وَجَدَ دَالًّا. (وَمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمِصْرِ) مُنْفَصِلًا عَنْهُ (إنْ كَانَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) مِنْ الْمُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتٍ (تَجِبُ عَلَيْهِ) الْجُمُعَةُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتِي) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ صَاحِبُ الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرِ مِيلٍ وَقِيلَ: قَدْرِ مِيلَيْنِ وَقِيلَ: سِتَّةٍ. وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى قَدْرُ الْفَرْسَخِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْعَامَّةِ وَهُوَ

ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ أَحْسَنُ. وَفِي الْبَحْرِ وَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ. (وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) لِأَنَّ السُّقُوطَ لِلتَّخْفِيفِ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ لَكِنْ فِي هَذَا الْقَوْلِ نَوْعُ خَلَلٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُكَلَّفِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ تَدَبَّرْ. (وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْعَبْدُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ عُذْرَ الْحَرَجِ لَمَّا زَالَ بِحُضُورِهِمْ وَقَعَتْ جُمُعَتُهُمْ فَرْضًا فَتَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَتَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ فَحَسْبُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا) يَعْنِي إذَا صَلَّى غَيْرُ الْمَعْذُورِ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ الْجُمُعَةَ (جَازَ) الظُّهْرُ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَ الْوَقْتِ فَوَقَعَ مَوْقِعَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ هِيَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ خَلَفَ عَنْهَا وَلَا صِحَّةَ لِلْخَلَفِ مَعَ قُدْرَةِ الْأَصْلِ (مَعَ الْكَرَاهَةِ) . وَفِي الْفَتْحِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا مُحَرَّمًا غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: الْحَرَامُ إنَّمَا هُوَ تَفْوِيتُ الْجُمُعَةِ لَا صَلَاةِ الظُّهْرِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ التَّفْوِيتُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلتَّفْوِيتِ بِاعْتِبَارِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا كُرِهَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذُكِرَ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ (إذَا سَعَى إلَيْهَا) الْجُمُعَةِ (وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (تَبْطُلُ) صَلَاةُ (ظُهْرِهِ) بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ إلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا أَوْ لَا لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ فَرَائِضِ الْجُمُعَةِ وَخَصَائِصِهَا لِلْأَمْرِ وَالِاشْتِغَالَ بِفَرَائِضِ الْجُمُعَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا يُبْطِلُ الظُّهْرَ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ فَلَا تَبْطُلُ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْمَعْذُورُ كَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُقْعَدُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَقَالَا: لَا تَبْطُلُ مَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ وَيَشْرَعْ فِيهَا) لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا تَنْقُضُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَتَنْقُضُهُ فَصَارَ كَالْمُتَوَجِّهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَيَشْرَعُ فِيهَا لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ بِدُونِ الشُّرُوعِ لَمْ يُبْطِلْ عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: مَا لَمْ يَشْرَعْ لَكَانَ أَخْصَرَ. (وَكُرِهَ لِلْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ أَدَاءُ الظُّهْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي الْمِصْرِ يَوْمَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ قَيَّدَ بِالْمِصْرِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي حَقِّ أَهْلِ السَّوَادِ وَتَخْصِيصُهَا بِالذِّكْرِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِمَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَمَنْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ (فِي التَّشَهُّدِ أَوْ سُجُودِ السَّهْوِ يُتِمُّ جُمُعَةً) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُتِمُّ ظُهْرًا إنْ لَمْ يُدْرِكْ أَكْثَرَ الثَّانِيَةِ) بِأَنْ

أَدْرَكَهُ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ نَوَى الْجُمُعَةَ لَا إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْهَا وَظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يَقْضِيهِ فَبِاعْتِبَارِ الْجُمُعَةِ تُفْتَرَضُ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الثَّانِيَةِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَبِاعْتِبَارِ الظُّهْرِ لَا تُفْتَرَضُ فَوَجَبَتْ الْقَعْدَةُ وَالْقِرَاءَةُ فِي الْكُلِّ احْتِيَاطًا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَمَنْ أَدْرَكَهُمْ قُعُودًا صَلَّى أَرْبَعًا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ» وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَعْدَةِ فِيمَا رَوَاهُ قُعُودٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قُعُودًا فِي الصَّلَاةِ؛ وَالْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يَبْنِي أَحَدُهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ. (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ (فَلَا صَلَاةَ) فَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتِمُّ وَلَا يَقْطَعُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجِيِّ. (وَلَا كَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يُبَاحُ الْكَلَامُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ) لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا تَمْتَدُّ فَتُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْكَلَامِ إذَا نَزَلَ حَتَّى يُكَبِّرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَكَانَ إحْرَازًا بِفَضِيلَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) وَالْوَاقِعِ عَقِيبَ الزَّوَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْأَذَانَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يَفُوتُهُ أَدَاءُ السُّنَّةِ وَسَمَاعُ الْخُطْبَةِ وَرُبَّمَا يُفَوِّتُ الْجُمُعَةَ إذَا كَانَ بَيْتُهُ بَعِيدًا مِنْ الْجَامِعِ. (فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَانِيًا) وَبِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ (وَاسْتَقْبَلُوهُ مُسْتَمِعِينَ) مُنْصِتِينَ سَوَاءٌ كَانُوا قَرِيبِينَ أَوْ بَعِيدِينَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يُشَمِّتُونَ عَاطِسًا وَلَا يَرُدُّونَ سَلَامًا وَلَا يَقْرَءُونَ قُرْآنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّونَ السَّلَامَ وَيُشَمِّتُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا دَامَ الْخَطِيبُ فِي حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْمَوَاعِظِ فَعَلَيْهِمْ الِاسْتِمَاعُ فَإِذَا أَخَذَ فِي مَدْحِ الظَّلَمَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ. (فَإِذَا أَتَمَّ) الْخَطِيبُ (الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ) وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ

باب صلاة العيدين

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنْ فَعَلَ بِأَنْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ الْبَلَدِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ وَيَخْطُبُ بِسَيْفٍ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ وَإِلَّا لَا. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] وَمُتَعَلِّقِهِمَا وَسُمِّيَ يَوْمُ الْعِيدِ بِالْعِيدِ لِأَنَّ لِلَّهِ فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَعُودُ وَيَتَكَرَّرُ أَوْ لِأَنَّهُ يَعُودُ بِالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى جَمْعُهُ أَعْيَادٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ أَعْوَادٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ لَكِنْ جُمِعَ بِالْيَاءِ لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ أَيْ الْخَشَبِ وَكَانَتْ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ تَقْدِيمِهَا غَيْرُ خَفِيٍّ (تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةُ الْعِيدِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وَلِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَقُولُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُوَاظَبَةِ كَلَامٌ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمُوَاظَبَةِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ ذَكَرْنَاهُ فِي بَحْثِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقِيلَ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوَاجِبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. [شَرَائِطُ صَلَاة الْعِيد] (وَشَرَائِطُهَا كَشَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا وَأَدَاءً) تَمْيِيزٌ أَيْ كَشَرَائِطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَوُجُوبِ أَدَائِهَا مِنْ نَحْوِ الْإِقَامَةِ وَالْمِصْرِ فَلَا يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي (سِوَى الْخُطْبَةِ) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي الْجُمُعَةِ لَا فِي الْعِيدِ فَالْجُمُعَةُ بِدُونِ الْخُطْبَةِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَكِنْ أَسَاءَ بِتَرْكِهَا لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَتُقَدَّمُ الْخُطْبَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَتُؤَخَّرُ فِي الْعِيدِ. وَلَوْ قُدِّمَتْ فِي الْعِيدِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تُعَادُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا لَكِنْ تُقَدَّمُ عَلَى خُطْبَةِ الْعِيدِ. (وَنُدِبَ) أَيْ اُسْتُحِبَّ (فِي الْفِطْرِ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ صَلَاتِهِ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ حُلْوًا. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ وَتْرًا» فَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَهَا لَا يَأْثَمُ لَكِنْ بِالتَّرْكِ فِي الْيَوْمِ يُعَاقَبُ. (وَيَسْتَاكُ وَيَغْتَسِلُ) وَهُمَا سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ سَمَّاهُمَا مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ (وَيَتَطَيَّبُ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ لِئَلَّا يَقَعَ التَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ. (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) جَدِيدًا كَانَ أَوْ مَغْسُولًا لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ حُلَّةً حَمْرَاءَ» . وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهُ أَحْمَرُ بَحْتٌ (وَيُؤَدِّي

وقت صلاة العيد

فِطْرَتَهُ) الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَحْوَالًا أَحَدُهَا قَبْلَ دُخُولِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ جَائِزٌ ثَانِيهَا يَوْمَهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» ثَالِثُهَا يَوْمَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَائِزٌ لِمَا رَوَيْنَاهُ رَابِعُهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْأَدَاءِ كَمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ بَعْدَ الْقُدْرَةِ (وَيَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى) وَالْمُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مَاشِيًا إلَّا بِعُذْرٍ وَالرُّجُوعُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَلَى الْوَقَارِ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَالتَّهْنِئَةِ بِتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ؛ لَا تُنْكَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْمُصَافَحَةُ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ عَقِيبَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا وَعِنْدَ الْمُلَاقَاةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مِصْرٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ قَدْ كَانَ جَوَازُ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ الْكَبِيرِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لِأَنَّ فِي اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَجْرِي فِي الْعِيدِ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ جَوَازَهُ اتِّفَاقًا وَبِهَذَا عَمِلَ النَّاسُ الْيَوْمَ. (وَلَا يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ) فِي طَرِيقِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ يَجْهَرُ اعْتِبَارًا بِالْأَضْحَى وَلَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّكْرِ الْإِخْفَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} [الأعراف: 205] وَقَدْ وَرَدَ الْجَهْرُ بِهِ فِي الْأَضْحَى لِكَوْنِهِ يَوْمَ تَكْبِيرٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. وَفِي التَّبْيِينِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِسَائِرِ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ بَلْ التَّكْبِيرُ سِرًّا فِي طَرِيقِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا) فِي الْمُصَلَّى وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي التَّبْيِينِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا مُطْلَقًا وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» لَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ بَلْ إنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الضُّحَى فَإِذَا فَاتَتْ بِعُذْرٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَهُوَ أَفْضَلُ وَيَقْرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ وَالضُّحَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ أُعْطِيَ لَهُ ثَوَابٌ بِعَدَدِ كُلِّ مَا نَبَتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْمَسْعُودِيَّةِ. [وَقْتُ صَلَاة الْعِيد] (وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ إلَى زَوَالِهَا) أَيْ إلَى مَا قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَالْغَايَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمُغَيَّا بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ لَمْ تَجُزْ عِنْدَ قِيَامِهَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا أَخْرَجَهَا. [صِفَةُ صَلَاة الْعِيد] (وَصِفَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ) فَيَرْبِطُ يَدَيْهِ كَمَا فِي

حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا بُدَّ مِنْهَا لِأَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (ثُمَّ يُثْنِي) أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ وَيَتَعَوَّذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا) مِنْ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَلَا مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْمُكْثُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ هَذَا الْقَدْرُ بِلَازِمٍ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ (ثُمَّ يَقْرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) أَيَّةَ سُورَةٍ شَاءَ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَقْرَأُ الْأَعْلَى فِي الْأُولَى وَالْغَاشِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ (ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيَبْدَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ) يَعْنِي يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوَّلًا (ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا) أُخْرَى (ثُمَّ أُخْرَى لِلرُّكُوعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكَبِّرُ سَبْعًا فِي الْأَوَّلِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَيَذْكُرُ اللَّهَ بَيْنَهُنَّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقَوْلُنَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ وَلَوْ قَيَّدَهُ بِإِلَّا إذَا كَبَّرَ رَاكِعًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ سَهْوًا فَذَكَرَهَا فِي الرُّكُوعِ قَضَاهَا فِيهِ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ (خُطْبَتَيْنِ) وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ. وَفِي الْبَحْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ خُطْبَةَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُوَ مِنْ السُّنَّةِ وَيُكَبِّرُ قَبْلَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (يُعَلِّمُ النَّاسَ أَحْكَامَ الْفِطْرَةِ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهَا. (وَلَا تُقْضَى) صَلَاةُ الْعِيدِ (إنْ فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي فَاتَتْ لَا بِفَاتَتْ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ لَا يَقْضِيهَا مَنْ فَاتَتْهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْضَى. (وَإِنْ مَنَعَ عُذْرٌ) بِأَنْ غَمَّ الْهِلَالُ وَشَهِدُوا بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ التَّقْيِيدَ بِالْهِلَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ عُذْرٌ مَانِعٌ كَالْمَطَرِ الشَّدِيدِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعُذْرِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (عَنْهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْغَدِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ تُرِكَتْ سَقَطَتْ. (وَلَا تُصَلَّى بَعْدَهُ) وَلَوْ بِعُذْرٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى لَكِنْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِتَأْخِيرِهَا إلَى الْغَدِ لِلْعُذْرِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. (وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) فِي الْكُلِّ إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ يُسْتَحَبُّ) قِيلَ: يُسَنُّ مُطْلَقًا وَقِيلَ: يُسَنُّ لِمَنْ يُضَحِّي دُونَ غَيْرِهِ لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ أَوَّلًا (تَأْخِيرُ الْأَكْلِ فِيهَا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى

أَنَّ هَذَا الْإِمْسَاكَ لَيْسَ بِصَوْمٍ وَلِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ هَذَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ أَمَّا الْقَرَوِيُّ فَإِنَّهُ يَذُوقُ مِنْ حِينِ أَصْبَحَ وَلَا يُمْسِكُ. (وَلَا يُكْرَهُ) الْأَكْلُ (قَبْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي الْمُخْتَارِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ. (وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى) . وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَالْجَهْرُ سُنَّةٌ فِيهِ اتِّفَاقًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَى الْمُصَلَّى لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمُصَلَّى وَهُوَ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَيُعَلِّمُ فِي الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَالْأُضْحِيَّةَ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْوَقْتِ هَكَذَا ذَكَرُوا مَعَ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْإِتْيَانِ بِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَلِيهَا الْعِيدُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْأَضْحَى (إلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ) وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَكِنَّهُ يُسِيءُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا فِيهِ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ فَالْعُذْرُ فِي الْأَضْحَى لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ. (وَالِاجْتِمَاعُ يَوْمَ عَرَفَةَ) فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ (تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ) بِعَرَفَاتٍ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ فِعْلُ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ وَهَذِهِ الْمُقَاسَمَةُ تُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأُصُولِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْوُقُوفَ عَهْدُ قُرْبَةٍ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي غَيْرِهِ انْتَهَى أَقُولُ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْكَرَاهَةَ بَلْ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ وَلَا يَجُوزُ الِاخْتِرَاعُ فِي الدَّيْنِ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَحْمُولٌ عَلَى الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ لَا عَلَى التَّشْبِيهِ. (وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ) وَقِيلَ: يُسَنُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِلْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ وَهُوَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الِافْتِرَاضَ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لَا يُسَمَّى تَشْرِيقًا إلَّا إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَخْصُوصَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَفُصِّلَ كُلَّ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ (مِنْ فَجْرِ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) لِاتِّفَاقِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ

صفة التكبير في صلاة العيد

مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَشْهَرِ (إلَى عَصْرِ يَوْمِ الْعِيدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ (عَلَى الْمُقِيمِ بِالْمِصْرِ) فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْقَرَوِيِّ (عَقِيبَ) كُلِّ (فَرْضٍ) بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَلَا يُكَبِّرُ بَعْدَ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَبِّرُ بَعْدَهَا وَالْبَلْخِيُّونَ يُكَبِّرُونَ بَعْدَ الْعِيدِ لِأَنَّهُ كَالْجُمُعَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ (أُدِّيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ صِفَةُ فَرْضٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْقَضَاءِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ فَوْرَ فَائِتَةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ إذَا قَضَاهَا فِيهَا وَإِنْ قَضَى فَائِتَتَهَا فِيهَا مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكَبِّرُ وَإِنْ قَضَاهَا فِي غَيْرِهَا لَا يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً غَيْرَهَا فِيهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ قَالَ: أَوْ قَضَى فِيهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَكَانَ أَوْلَى (بِجَمَاعَةٍ) فَلَا يُكَبِّرُ الْمُنْفَرِدُ (مُسْتَحَبَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مَكْرُوهَةٍ فَلَا تُكَبِّرْ النِّسَاءُ الْمُصَلِّيَاتُ وَحْدَهُنَّ بِجَمَاعَةٍ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْعُرَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَبِالِاقْتِدَاءِ) بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ (يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ) بِلَا رَفْعِ الصَّوْتِ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ (وَالْمُسَافِرِ) بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ (وَعِنْدَهُمَا إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَأَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ (عَلَى مَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ) عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، سَوَاءٌ أَدَّى بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا أَوْ أَهْلَ قَرْيَةٍ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبَاهُ (الْعَمَلُ) أَيْ عَمَلُ النَّاسِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَارَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ. [صِفَةُ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاة الْعِيد] (وَصِفَتُهُ) أَيْ صِفَةُ التَّكْبِيرِ (أَنْ يَقُولَ مَرَّةً) حَتَّى لَوْ زَادَ لَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا مُتَّصِلًا وَلَا يَذْكُرْ فِيهِ التَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ (وَيَتْرُكُهُ الْمُؤْتَمُّ إنْ تَرَكَهُ إمَامُهُ) . وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ أَيْ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَلَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا يَدَعُهُ الْمُقْتَدِي وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْإِمَامَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ أَحْدَثَ عَامِدًا يُكَبِّرُ وَإِنْ أَحْدَثَ غَيْرَ عَامِدٍ يُكَبِّرُ وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي غَيْرِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِإِتْيَانِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُكَبِّرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ فَيُكَبِّرُ عَقِيبَ

باب صلاة الخوف

الْقَضَاءِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِسَجْدَةِ السَّهْوِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ لَوْ مُحْرِمًا. [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (إنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ) وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَيْسَ الِاشْتِدَادُ شَرْطًا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ: سَبَبُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَفْسُ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخَوْفِ وَالِاشْتِدَادِ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخَوْفَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْعَدُوِّ وَالِاشْتِدَادُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُقَابَلَةِ تَدَبَّرْ (مِنْ عَدُوٍّ) سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا بَاغِيًا أَوْ كَافِرًا طَاغِيًا وَالْعَدُوُّ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ (أَوْ سَبُعٍ) وَمَا أَشْبَهَهُ وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَحَانَ خُرُوجُهُ (جَعَلَ الْإِمَامُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ (طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ) بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ أَذَاهُمْ وَضَرَرُهُمْ. (وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ) أُخْرَى (رَكْعَةً إنْ كَانَ) الْإِمَامُ (مُسَافِرًا أَوْ فِي) صَلَاةِ (الْفَجْرِ) أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدَيْنِ. (وَ) صَلَّى (رَكْعَتَيْنِ) فِي الرُّبَاعِيِّ (إنْ كَانَ مُقِيمًا أَوْ فِي) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) فَإِنَّ حُكْمَهَا كَحُكْمِ الرُّبَاعِيِّ (وَمَضَتْ) أَيْ ذَهَبَتْ (هَذِهِ) الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيِّ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي غَيْرِهِ (إلَى) جَانِبِ (الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ) (تِلْكَ الطَّائِفَةُ) الْوَاقِعَةُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. (وَصَلَّى) أَيْ الْإِمَامُ (بِهِمْ مَا بَقِيَ) وَهِيَ رَكْعَةٌ فِي الثُّنَائِيِّ وَالْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ فِي غَيْرِهِمَا (وَسَلَّمَ) أَيْ الْإِمَامُ (وَحْدَهُ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُسَلِّمُونَ (وَذَهَبُوا إلَى) وَجْهِ (الْعَدُوِّ) وَلَوْ أَتَمُّوا فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا جَازَ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ مَا ذَكَرَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَأَتَمُّوا) مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ (بِلَا قِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ فَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ وَيَمْضُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ (ثُمَّ) جَاءَتْ (الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا) صَلَاتَهُمْ (بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَالْمَسْبُوقُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ فَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ هَكَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكُلُّ مُسَافِرِينَ أَوْ مُقِيمِينَ أَوْ الْإِمَامُ مُقِيمًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَالْقَوْمُ أَوْ بَعْضُهُمْ مُقِيمِينَ فَفِي الثُّنَائِيِّ يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَةً بِكُلِّ أُمَّةٍ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ جَاءَتْ الْأُولَى فَصَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ وَالْمُقِيمُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِغَيْرِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِقِرَاءَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا الْأُمَّةُ الثَّانِيَةُ فَتُصَلِّي بِقِرَاءَةِ الْمُسَافِرِ رَكْعَةً وَالْمُقِيمِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّيَ بِالْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَيُبْطِلُهَا) أَيْ صَلَاةَ الْخَوْفِ (الْمَشْيُ) هَارِبًا عَنْ الْعَدُوِّ لَا الْمَشْيُ

باب صلاة الجنائز

نَحْوَهُ وَالرُّجُوعُ (وَالرُّكُوبُ وَالْمُقَاتَلَةُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْمَشْيَ وَنَحْوَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ وَيُفْسِدُهَا الرُّكُوبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا يَعْنِي مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ أَنْ يَنْصَرِفَ مَاشِيًا وَلَا يَرْكَبُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَلَوْ رَكِبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَفُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَلَا يَجُوزُ الْمَشْيُ وَالْقِتَالُ مُصَلِّيًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يُصَلُّونَ وَهُمْ يَمْشُونَ كَمَا لَا يُصَلُّونَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَ وَمِنْ الْمَنْقُولِينَ اتَّضَحَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرُّكُوبِ لَمْ يُصِبْ انْتَهَى. (وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ) بِحَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ النُّزُولُ عَنْ الدَّوَابِّ (وَعَجَزُوا عَنْ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا (صَلَّوْا وُحْدَانًا) فَلَا تَجُوزُ الْجَمَاعَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي عَلَى دَابَّةٍ مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ جَائِزَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ (رُكْبَانًا) جَمْعُ رَاكِبٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ إذْ التَّنَفُّلُ فِي الْمِصْرِ رَاكِبًا غَيْرُ صَحِيحٍ فَالْفَرْضُ أَوْلَى (يُومِئُونَ) أَيْ بِإِيمَاءِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا إنْ عَجَزُوا عَنْ التَّوَجُّهِ) إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ. (وَلَا تَجُوزُ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (بِلَا حُضُورِ عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا لِلْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُجِيزُهَا) أَيْ صَلَاةَ الْخَوْفِ (بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةُ وَجَوَابُهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - صَلَّوْهَا بِطَبَرِسْتَانَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ فَكَانَ إجْمَاعًا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. [بَابُ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ] جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِالْكَسْرِ النَّعْشُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ لِلْغُسْلِ أَوْ الْحَمْلِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ لَا يُقَالُ إلَّا بِالْفَتْحِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حَالِ الْمَمَاتِ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ لِيَكُونَ خَتَمَ كِتَابَ الصَّلَاةِ بِمَا يَتَبَرَّكُ بِهِ حَالًا وَمَكَانًا (يُوَجَّهُ الْمُحْتَضَرُ) بِفَتْحِ الضَّادِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَاتُهُ وَأَمَّا مَا قِيلَ مَنْ حَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ يَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَتَعَوَّجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ (إلَى الْقِبْلَةِ) مُضْطَجِعًا (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ السُّنَّةُ الْمَنْقُولَةُ هَذَا إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا تُرِكَ عَلَى حَالِهِ وَجُعِلَ رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِآبَائِهِ وَجِيرَانِهِ

أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَيَتْلُوا سُورَةَ يَس وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الرَّعْدِ وَيَضَعُوا عِنْدَهُ الطِّيبَ (وَاخْتِيرَ الِاسْتِلْقَاءُ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا: هُوَ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ لَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ وَجْهُ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ السُّنَّةُ تَفَكَّرْ (وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ) فَيَجِبُ عَلَى إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَهُ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَلَا يَقُولُوا لَهُ قُلْ كَيْ لَا يَأْبَى عَنْهَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» اللَّهُمَّ يَسِّرْهَا لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا أَجْمَعِينَ فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً كَفَاهُ وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَاخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ: يُلَقَّنُ لِأَنَّهُ يُعَادُ رُوحُهُ وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبِيًّا وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى. وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ وَالْمَشَايِخِ: لَا يَجُوزُ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ الْكَرْمَانِيُّ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ فَالْأَحْسَنُ تَلْقِينُهُ. (فَإِذَا مَاتَ شَدُّوا لَحْيَيْهِ) وَهُوَ مَنْبِتُ اللِّحْيَةِ (وَغَمَّضُوا) بِالتَّشْدِيدِ (عَيْنَيْهِ) لِلتَّوَارُثِ وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ ثُمَّ تُمَدُّ أَعْضَاؤُهُ وَيُوضَعُ سَيْفٌ عَلَى بَطْنِهِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَلَا يُقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ النُّتَفِ لَكِنْ فِي النُّتَفِ وَقَعَ إلَى أَنْ يُرْفَعَ فَقَطْ وَفَسَّرُوهُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ الرُّوحُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى الْغُسْلِ وَخَالَفَ أَكْثَرَ الْمُعْتَبَرَاتِ تَدَبَّرْ. (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ دَفْنِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَجِّلُوا دَفْنَ مَوْتَاكُمْ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَبَعِّدُوا أَهْلَ النَّارِ» وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ. (وَإِذَا أَرَادُوا غَسْلَهُ) وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأَحْيَاءِ (وُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ) لِيُصَبَّ الْمَاءُ مِنْ (مِجْمَرٍ وَتْرًا) بِأَنْ يُدَارَ الْمِجْمَرُ حَوْلَ السَّرِيرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ خَمْسًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ وَالْوَتْرُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِهِ (وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ) أَيْ يُشَدُّ الْإِزَارُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا حَرَامٌ كَعَوْرَةِ الْحَيِّ وَيُكْتَفَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا لَكِنْ يَغْسِلُهَا بِخِرْقَةٍ فِي يَدِهِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ وَالْغَايَةِ خِلَافُهُ لِأَنَّهُمَا قَالَا وَيُسْتَرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُغَسَّلُ فِي قَمِيصِهِ إذَا كَانَ كُمُّ الْقَمِيصِ وَاسِعًا بِحَيْثُ يُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا يُجَرَّدُ وَيُغَسَّلُ وَيُوضَعُ عَلَى السَّرِيرِ كَمَا تَيَسَّرَ وَقِيلَ: يُوضَعُ طُولًا وَقِيلَ

عَرْضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَلَا يُغَسَّلُ الْكَافِرُ فِي الْأَصَحِّ (وَيُجَرَّدُ) عَنْ ثِيَابِهِ لِيُمْكِنَ التَّنْظِيفُ قَالُوا يُجَرَّدُ كَمَا مَاتَ لِأَنَّ الثِّيَابَ يَحْمِي فَيُسَرَّعُ التَّغْيِيرُ (وَيُوَضَّأُ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) لِأَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةُ الِاغْتِسَالِ غَيْرَ أَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مُتَعَذِّرٌ فَيُتْرَكَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَفِي اقْتِصَارِ النَّفْيِ عَلَيْهِمَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ يُرَاعَى وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا وَأَطْلَقَهُ فَيَشْمَلُ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ لَا يُوَضَّأُ (وَيُغَسَّلُ بِمَاءٍ مَغْلِيٍّ بِسِدْرٍ) وَهُوَ شَجَرٌ بِالْبَادِيَةِ وَالْمُرَادُ وَرَقُهُ (أَوْ حُرْضٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ (إنْ وُجِدَ) مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ الْمَغْلِيُّ بِهِمَا (فَالْقَرَاحُ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ الْمَاءُ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَيْءٌ وَالْمُسَخَّنُ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَفْضَلُ (وَغَسْلُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَهُوَ نَبْتٌ مَشْهُورٌ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ وَالْمُرَادُ خِطْمِيُّ الْعِرَاقِ وَهُوَ مِثْلُ الصَّابُونِ فِي التَّنْظِيفِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَبِصَابُونٍ وَنَحْوِهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ شَعْرٌ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ (وَأُضْجِعَ عَلَى يَسَارِهِ) لِلْبِدَايَةِ بِالْيَمِينِ (فَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ يَسَارِهِ (ثُمَّ) أُضْجِعَ (عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ) أَيْ وَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّحْتَ مِنْهُ (ثُمَّ يُجْلَسُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَنِدًا وَيُمْسَحُ بَطْنُهُ بِرِفْقٍ) لِيَسِيلَ مَا بَقِيَ فِي الْمَخْرَجِ حَتَّى لَا يَتَلَوَّثَ الْكَفَنُ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ تَنْظِيفًا لَهُ (وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَفَتْحِهَا (وَلَا) يُعِيدُ (وُضُوءَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْخَارِجَ إنْ كَانَ حَدَثًا فَالْمَوْتُ أَيْضًا حَدَثٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَكَذَا هَذَا الْحَدَثُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ أَفَنْدِي بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجِبْ لَمْ يُوَضَّأْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَكُونُ مِثْلَ الْمَعْذُورِ لَا يُوَضَّأُ مَرَّةً أُخْرَى لِهَذَا الْحَدَثِ الْقَائِمِ وَأَمَّا عَدَمُ التَّوَضُّؤِ لِحَدَثٍ آخَرَ فَلَا يَدُلُّ مَا ذَكَرَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَعْذُورَ إذَا أَحْدَثَ بِحَدَثٍ آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ انْتَهَى لَكِنَّ التَّمْثِيلَ بِالْمَعْذُورِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَانْتِقَاضُ وُضُوئِهِ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَا وَقْتَ لَهُ بَلْ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ تَأَمَّلْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعِيدُ الْوُضُوءَ (وَيُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) نَظِيفٍ حَتَّى يَجِفَّ كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ. (وَيَجْعَلُ الْحَنُوطَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ عِطْرٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّيبِ غَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ (عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ) لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ. (وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) أَيْ مَوَاضِعِ سُجُودِهِ مِنْ جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلِحْيَتُهُ) التَّسْرِيحُ عِبَارَةٌ عَنْ تَخْلِيصِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ وَقِيلَ تَخْلِيلُهُ بِالْمُشْطِ وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلِحْيَتُهُ تَكْرَارٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَشَعْرُهُ يُغْنِي عَنْهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ

تكفين الميت

لِأَنَّ الشَّعْرَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللِّحْيَةِ فَالْأَنْسَبُ ذِكْرُهَا. (وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ وَشَعْرُهُ) لِأَنَّهَا لِلزِّينَةِ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا كَانَ الظُّفْرُ مُنْكَسِرًا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَفِي الْعَتَّابِيِّ لَوْ قُطِعَ ظُفْرُهُ أَوْ شَعْرُهُ أُدْرِجَ مَعَهُ فِي الْكَفَنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَرَّحُ بِمُشْطٍ وَاسِعٍ وَيُقَصُّ ظُفْرُهُ وَشَعْرُهُ. (وَلَا يُخْتَنْ) لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ دُونَ الْأَمْوَاتِ. [تَكْفِينُ الْمَيِّتِ] (ثُمَّ يُكَفِّنُهُ) تَكْفِينُ الْمَيِّتِ لَفُّهُ بِالْكَفَنِ وَهُوَ وَاجِبٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَالْمُرَادُ مَا ثَبَتَ بِهَا فَإِنْ كَفَّنَهُ مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ. (وَسُنَّةُ كَفَنِ الرَّجُلِ) ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا (قَمِيصٌ وَهُوَ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ) بِلَا جَيْبٍ وَلَا دِخْرِيصٍ وَلَا كُمَّيْنِ. (وَ) ثَانِيهَا (إزَارٌ وَ) ثَالِثُهَا (لِفَافَةٌ) بِالْكَسْرِ (وَهُمَا مِنْ الْقَرْنِ) أَيْ مِنْ الرَّأْسِ (إلَى الْقَدَمِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إزَارٌ وَلِفَافَتَانِ. (وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْعِمَامَةَ) بِالْكَسْرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُ الْمَيِّتَ وَيَجْعَلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا مَعْرُوفًا أَوْ مِنْ الْأَشْرَافِ وَأَمَّا مِنْ الْأَوْسَاطِ فَلَا يُعَمَّمُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُكْرَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (وَكِفَايَتُهُ) أَيْ كِفَايَةُ كَفَنِ الرَّجُلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ النَّقْصُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا (إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) قِيلَ: قَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (وَسُنَّةُ كَفَنِ الْمَرْأَةِ) خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (دِرْعٌ) أَيْ قَمِيصُهَا. (وَ) ثَانِيهَا (إزَارٌ وَ) ثَالِثُهَا (خِمَارٌ) وَهُوَ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا. (وَ) رَابِعُهَا (لِفَافَةٌ وَ) خَامِسُهَا (خِرْقَةٌ تُرْبَطُ عَلَى ثَدْيَيْهَا وَكِفَايَتُهَا إزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ) فَإِنْ كَانَتْ بِالْمَالِ كَثْرَةٌ وَبِالْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاحِدِ (بِلَا ضَرُورَةٍ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا بَأْسَ بِكَفَنِ الصَّغِيرِ فِي ثَوْبٍ وَالصَّغِيرَةِ فِي ثَوْبَيْنِ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْبَالِغُ وَالْمُرَاهِقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ. (وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ) لِأَنَّهُ أَمَارَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ. (وَلَا يُكَفَّنُ) الرَّجُلُ (إلَّا فِيمَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (لُبْسُهُ حَالَ حَيَاتِهِ) فَلَا يَجُوزُ الْحَرِيرُ وَنَحْوُهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى ثَوْبٍ وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْحَيَاةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ وَتْرًا) بِأَنْ يُدَارَ الْمِجْمَرُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا (قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ) الْمَيِّتُ (فِيهَا) أَيْ الْأَكْفَانِ وَالْإِجْمَارُ هُوَ التَّطْيِيبُ. (وَتُبْسَطُ اللِّفَافَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْإِزَارُ عَلَيْهَا ثُمَّ يُقَمَّصُ وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ) تَقْمِيصًا (ثُمَّ يُلَفُّ الْإِزَارُ مِنْ قِبَلِ يَسَارِهِ

فصل الصلاة على الميت

ثُمَّ مِنْ يَمِينِهِ) لِيَكُونَ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ طَوِيلًا حَتَّى يُعْطَفَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوَّلًا (ثُمَّ) يُلَفُّ (اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الدِّرْعَ) أَوَّلًا. (وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الدِّرْعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْعَلُ ثَلَاثُ ضَفَائِرَ وَيُلْقَى خَلْفَ ظَهْرِهَا (ثُمَّ الْخِمَارُ فَوْقَ ذَلِكَ تَحْتَ اللِّفَافَةِ) ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ ثُمَّ اللِّفَافَةُ كَمَا فِي الرَّجُلِ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ. (وَيُعْقَدُ الْكَفَنُ إنْ خِيفَ أَنْ يَنْتَشِرَ) صِيَانَةً عَنْ الْكَشْفِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ الْغَسِيلُ وَالْجَدِيدُ فِي الْكَفَنِ سَوَاءٌ. [فَصْلٌ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ (الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ حَيْثُ يَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِينَ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ وَإِلَّا يَأْثَمُ الْكُلُّ وَقَدْ صَرَّحَ الْبَعْضُ بِكُفْرِ مَنْ أَنْكَرَ فَرْضِيَّتَهَا لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ وَقِيلَ: سُنَّةٌ. (وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (إسْلَامُ الْمَيِّتِ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] (وَطَهَارَتُهُ) فَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ صَلَّوْا عَلَى مَيِّتٍ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ تُعَادُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْغُسْلِ. (وَأَوْلَى النَّاسِ بِالتَّقَدُّمِ فِيهَا) أَيْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (السُّلْطَانُ) إنْ حَضَرَ لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ (ثُمَّ الْقَاضِي) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً (ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) أَيْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَفِي الْجَوَامِعِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ. وَفِي الْإِصْلَاحِ تَقْدِيمُ السُّلْطَانِ وَاجِبٌ إذَا حَضَرَ وَتَقْدِيمُ الْبَاقِي بِطَرِيقِ الْأَفْضَلِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ. وَفِي الْفَتْحِ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى إنْ حَضَرَ ثُمَّ إمَامُ الْمِصْرِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرْطِ ثُمَّ خَلِيفَةُ الْوَالِي ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ انْتَهَى وَفِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ يُفْهَمُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْطِ غَيْرُ أَمِيرِ الْبَلَدِ لَكِنْ فِي الْمِعْرَاجِ الشَّرْطُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ أَوْ الْمُرَادُ أَمِيرُ الْبَلَدِ كَأَمِيرِ بُخَارَى فَافْهَمْ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَقَدُّمُ إمَامِ مَسْجِدِ حَيِّهِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا فِي الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ

(إلَّا الْأَبَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ) إذَا اجْتَمَعَا عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ لِلْأَبِ فَضِيلَةً عَلَى الِابْنِ وَالْفَضِيلَةُ تُعْتَبَرُ تَرْجِيحًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فَالْوَلِيُّ أَوْلَى بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَالْجِيرَانُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى (وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُسَاوِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ) مِنْ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا (بِلَا إذْنٍ) أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلِيُّ الْأَحَقُّ وَلَمْ يُتَابِعْهُ (أَعَادَ الْوَلِيُّ) أَيْ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ فَالسُّلْطَانُ إذَا صَلَّى بِلَا إذْنِ الْخَلِيفَةِ يُعِيدُ الْخَلِيفَةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (إنْ شَاءَ) لِتَصَرُّفِ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ لَكِنْ إذَا أَعَادَ لَيْسَ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْوَلِيِّ مَرَّةً أُخْرَى. (وَلَا يُصَلِّي) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ (غَيْرُ الْوَلِيِّ) الْأَحَقِّ (بَعْدَ صَلَاتِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ الْأَحَقِّ لِأَنَّ الْفَرْضَ تُؤَدَّى بِالْأَوْلَى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ الصُّفُوفُ ثَلَاثَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اصْطَفَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُفِرَ لَهُ» وَأَفْضَلُهَا فِي الْجِنَازَةِ الصَّفُّ الْأَخِيرُ. (وَإِنْ دُفِنَ) بَعْدَ غُسْلِهِ (بِلَا صَلَاةٍ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ) لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ» (مَا لَمْ يُظَنَّ تَفَسُّخُهُ) أَيْ تَفَرُّقُ أَجْزَائِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بَعْدَ غُسْلِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْغُسْلِ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ لِتَضَمُّنِهِ أَمْرًا حَرَامًا وَهُوَ نَبْشُ الْقَبْرِ فَسَقَطَتْ الصَّلَاةُ كَذَا فِي الْغَايَةِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ مَدْفُونًا بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ الْقَبْرِ فَغَسَّلَ إنْ لَمْ يُغَسَّلْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يُهِيلُوا التُّرَابَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَبْشٍ. (وَيَقُومُ) الْإِمَامُ (حِذَاءَ الصَّدْرِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِلْمِ وَمَوْضِعُ النُّورِ وَالْإِيمَانِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَقُومُ بِحِذَاءِ وَسَطِهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بِحِذَاءِ وَسَطِ الْمَرْأَةِ وَرَأْسِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ مَعْدِنُ الْعَقْلِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَارُ. (وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ) الِافْتِتَاحِ ثُمَّ (يُثْنِي عَقِيبَهَا) أَيْ يَقُولُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَحْمَدُ اللَّهَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ (ثُمَّ) يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً (ثَانِيَةً وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَعْدَهَا كَمَا يُصَلِّي فِي قَعْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَقَدْ مَرَّ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الثَّنَاءَ وَالصَّلَاةَ سُنَّةُ الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ (ثُمَّ) يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً (ثَالِثَةً يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ) وَالْمُسْلِمَاتِ (بَعْدَهَا) وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَخُصَّ هَذَا الْمَيِّتَ بِالرُّوحِ وَالرَّاحَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ الْأَمْنَ وَالْبُشْرَى وَالْكَرَامَةَ وَالزُّلْفَى اللَّهُمَّ اجْعَلْ

قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجِنَانِ وَلَا تَجْعَلْ قَبْرَهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَجُوزُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَدْعِيَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ هَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُذَكَّرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَنَّثًا فَيَلْزَمُ تَأْنِيثُ الضَّمَائِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْمُؤَنَّثِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَخُصَّ إلَى آخِرِهِ لَا مَا قَبْلَهُ (ثُمَّ) يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً (رَابِعَةً وَيُسَلِّمُ) تَسْلِيمَتَيْنِ غَيْرَ رَافِعٍ بِهِمَا صَوْتَهُ يَنْوِي فِيهِمَا مَا يَنْوِي فِي تَسْلِيمَتَيْ الصَّلَاةِ وَيَنْوِي الْمَيِّتَ بَدَلَ الْإِمَامِ (عَقِيبَهَا) أَيْ لَيْسَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ سِوَى السَّلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا آتِنَا} [البقرة: 201] الْآيَةُ وَبَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] الْآيَةُ وَبَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180] الْآيَةُ (فَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا لَا يُتَابِعُ) الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ خِلَافًا لِزُفَرَ لَكِنْ يَنْتَظِرُ إلَى تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُسَلِّمُ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَا قِرَاءَةَ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِيهَا. (وَلَا تَشَهُّدَ وَلَا رَفْعَ يَدٍ إلَّا فِي الْأُولَى) وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ الرَّفْعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. (وَلَا يُسْتَغْفَرُ لِصَبِيٍّ) وَلَا مَجْنُونٍ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُمَا. (وَيَقُولُ) بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي يَقُولُ بَعْدَ تَمَامِ قَوْلِهِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْفَارِطُ وَالْفَرَطُ الْمُتَقَدِّمُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُتَقَدِّمُ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَذُخْرًا) أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا لِآخِرَتِنَا (وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا وَمُشَفَّعًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ مَقْبُولَ الشَّفَاعَةِ. (وَمَنْ أَتَى بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُكَبِّرَ) الْإِمَامُ (أُخْرَى فَيُكَبِّرُ مَعَهُ) صُورَتُهُ رَجُلٌ أَتَى وَالْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يُكَبِّرُ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْ الْإِمَامِ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ وَأُخْرَى يُكَبِّرُ مَعَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى الْمُقْتَدِي مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِغَيْرِ دُعَاءٍ قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ. (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ) حِينَ حَضَرَ (وَلَا يَنْتَظِرُ كَمَنْ كَانَ حَاضِرًا حَالَ التَّحْرِيمَةِ) وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَرَكْعَةٍ فِي غَيْرِهَا وَالْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ لَا يَبْتَدِئُ بِهَا وَإِنَّمَا لَا يَنْتَظِرُ الْحَاضِرُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ جَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ وَعِنْدَهُ يَدْخُلُ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (وَلَا تَجُوزُ رَاكِبًا) أَوْ قَاعِدًا إلَّا بِعُذْرٍ (اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَتْرُكُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِيَاطًا وَالْقِيَاسُ الْجَوَازُ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ. (وَتُكْرَهُ فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةٌ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (خَارِجَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ وَقَامَ الْإِمَامُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ صَفٌّ وَالْبَاقِي فِي الْمَسْجِدِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْإِصْلَاحِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَازَةُ وَالْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَبَاقِي الْقَوْمِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي جَوَامِعِنَا لَا يُكْرَهُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ

سنن حمل الجنازة

لَوْ كَانَتْ الْجِنَازَةُ وَحْدَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا تَدَبَّرْ (اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ) فَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ أُعِدَّ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقَامُ فِيهِ غَيْرُهَا إلَّا لِعُذْرٍ. (وَلَا يُصَلَّى عَلَى عُضْوٍ) أَيَّ عُضْوٍ كَانَ هَذَا إذَا وُجِدَ الْأَقَلُّ وَلَوْ مَعَ الرَّأْسِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا وُجِدَ الْأَكْثَرُ أَوْ النِّصْفُ مَعَ الرَّأْسِ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. (وَلَا عَلَى غَائِبٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ إذْ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي الْحُضُورِ. (وَمَنْ اسْتَهَلَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الصَّبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ حَرَكَةِ عُضْوٍ (بَعْدَ الْوِلَادَةِ غُسِّلَ وَسُمِّيَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ دَلِيلُ الْحَيَاةِ وَلِهَذَا يَرِثُ وَيُورَثُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الْأَكْثَرِ قَبْلَ الْمَوْتِ. (وَإِلَّا غُسِّلَ فِي الْمُخْتَارِ) . وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُسَمَّى وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي الدُّرَرِ غُسِّلَ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ تَدَبَّرْ (وَأُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ) كَرَامَةً لِبَنِي آدَمَ وَدُفِنَ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُزْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَرِثْ. (وَلَوْ سُبِيَ صَبِيٌّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) فَمَاتَ (لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا لِحَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» حَتَّى يَكُونَ لِسَانُهُ يُعْرِبُ عَنْهُ إمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (إلَّا إنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَيُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا حُكْمًا تَبَعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا» (أَوْ أَسْلَمَ هُوَ عَاقِلًا) أَيْ مُمَيِّزًا لِأَنَّ إسْلَامَ الْمُمَيِّزِ صَحِيحٌ (أَوْ لَمْ يُسْبَ أَحَدُهُمَا مَعَهُ) أَيْ بَلْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ لِلدَّارِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّبَعِيَّةِ التَّبَعِيَّةُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِمْ خِلَافٌ قِيلَ: يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ: إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أُخِذَ الْعَهْدُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَفِي النَّارِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِيهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَوْ مَاتَ لِمُسْلِمٍ قَرِيبٌ كَافِرٌ) فَاعِلُ مَاتَ (غَسَّلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ (غُسْلَ النَّجَاسَةِ وَلَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ وَأَلْقَاهُ فِي حُفْرَةٍ) عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ (أَوْ دَفَعَهُ إلَى أَهْلِ دِينِهِ) إنْ وَجَدَ. [سُنَن حَمْلِ الْجِنَازَةِ] (وَسُنَّ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الرِّجَالِ فَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالظَّهْرِ لِعَدَمِ الْإِكْرَامِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ جِنَازَةُ الْكَبِيرِ فَلَوْ كَانَ صَغِيرًا جَازَ حَمْلُ الْوَاحِدِ. (وَأَنْ يَبْدَأَ) الْحَامِلُ (فَيَضَعُ مُقَدَّمَهَا) أَيْ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ (عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ) يَضَعُ (مُؤَخَّرَهَا) عَلَى يَمِينِهِ (ثُمَّ) يَضَعُ (مُقَدَّمَهَا عَلَى

يَسَارِهِ ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا) عَلَى يَسَارِهِ فَيَتِمُّ الْحَمْلُ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً» . (وَيُسْرِعُوا بِهِ) أَيْ بِالْمَيِّتِ (بِلَا خَبَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ أَوَّلُ عَدْوِ الْفَرَسِ وَحَدُّ التَّعْجِيلِ الْمَسْنُونِ أَنْ لَا يَضْطَرِبَ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ. (وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا) أَيْ الْجِنَازَةِ (أَفْضَلُ) مِنْ الْمَشْيِ قُدَّامَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْيًا لِلزِّحَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَشْيُ أَمَامَهَا أَفْضَلُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: رَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتَقَدَّمُ الْجِنَازَةَ وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ يَقِفُ حَتَّى يُؤْتَى بِهَا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ لَكِنْ كُرِهَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا مُنْقَطِعًا عَنْ الْقَوْمِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَضْلُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ عَلَى أَمَامَهَا كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالِاكْتِفَاءُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ بِالْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِمَرْثِيَةِ الْمَيِّتِ شِعْرًا أَوْ غَيْرَهُ. (وَإِذَا وَصَلُوا إلَى قَبْرِهِ كُرِهَ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (عَنْ الْأَعْنَاقِ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْقِيَامَ يُسْتَحَبُّ حَتَّى يُدْفَنَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ فِي الْمُصَلَّى فَجِيءَ بِالْجِنَازَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَقُومُونَ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ. (وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ) وَهُوَ مَقَرُّ الْمَيِّتِ طُولُهُ عَلَى قَدْرِ طُولِ الْمَيِّتِ وَعَرْضُهُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ طُولِهِ وَعُمْقُهُ إلَى السُّرَّةِ وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَفْضَلُ فَلَوْ كَانَ عَلَى قَدْرِ قَامَتِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ (وَيَلْحَدُ) الْقَبْرَ مِنْ لَحَدَهُ أَوْ أَلْحَدَهُ أَيْ حَفَرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ حَفِيرَةً يُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَيُجْعَلُ كَالْبَيْتِ الْمُسَقَّفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» وَالشَّقُّ أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً فِي وَسَطِ الْقَبْرِ فَيُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَفِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ وَاِتِّخَاذِ التَّابُوتِ وَلَوْ مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْتَرَشَ فِيهِ التُّرَابُ (وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ فِيهِ) أَيْ الْقَبْرِ (مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَيَقُولُ وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ وَضَعْنَاك مُلْتَبِسِينَ بِاسْمِ اللَّهِ (وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ سَلَّمْنَاك عَلَى مِلَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الدُّرَرِ. (وَيُسْجَى) أَيْ يُسْتَرُ (قَبْرُ الْمَرْأَةِ) بِثَوْبٍ حَتَّى يُسَوَّى اللَّبِنُ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى الِاسْتِتَارِ (لَا) قَبْرُ الرَّجُلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْجَى قَبْرُ الرَّجُلِ أَيْضًا. (وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ) إذْ بِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَتُحَلُّ الْعُقْدَةُ) الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْكَفَنِ لِخَوْفِ الِانْتِشَارِ (وَيُسَوَّى عَلَيْهِ اللَّبِنُ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ بِالْفَارِسِيِّ " خشت " (أَوْ الْقَصَبُ) غَيْرُ الْمَعْمُولِ فَإِنَّ الْمَعْمُولَ مَكْرُوهٌ عِنْدِ بَعْضِهِمْ. (وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) أَيْ كُرِهَ سَتْرُ اللَّحْدِ بِهِمَا وَبِالْحِجَارَةِ وَالْجِصِّ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ. (وَيُهَالُ) أَيْ يُرْسَلُ (التُّرَابُ) عَلَيْهِ لِلتَّوَارُثِ (وَيُسَنَّمُ) أَيْ يُرْفَعُ (الْقَبْرُ) اسْتِحْبَابًا غَيْرَ مُسَطَّحٍ قَدْرَ شِبْرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِيهِ إبَاحَةُ الزِّيَادَةِ. (وَلَا يُرَبَّعُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَيُكْرَهُ بِنَاؤُهُ) أَيْ الْقَبْرِ (بِالْجِصِّ وَالْآجُرِّ وَالْخَشَبِ) لِقَوْلِهِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَفْقُ الرِّيَاحِ وَقَطْرُ الْأَمْطَارِ عَلَى قَبْرِ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ» لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ التَّطْيِينَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَكَانَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ يَطُوفُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَعْمُرُ الْقُبُورَ الْخَرِبَةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْخِزَانَةِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُوضَعَ حِجَارَةٌ عَلَى رَأْسِ الْقَبْرِ وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَفِي النُّتَفِ كُرِهَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ. (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ) وَاحِدٍ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا تُرَابٌ. (وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) وَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إخْرَاجَهُ كَمَا إذَا سَقَطَ فِيهَا مَتَاعُ الْغَيْرِ وَكُفِّنَ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُهُ. وَفِي الدُّرَرِ مَاتَ فِي السَّفِينَةِ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ مَاتَتْ حَامِلٌ وَوَلَدُهَا حَيٌّ يُشَقُّ بَطْنُهَا مِنْ جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا وَيُسْتَحَبُّ فِي الْقَتِيلِ وَالْمَيِّتِ دَفْنُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَتْ فِي مَقَابِرِ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ نُقِلَ قَبْلَ الدَّفْنِ إلَى قَدْرِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (وَيُكْرَهُ وَطْءُ الْقَبْرِ وَالْجُلُوسُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ عِنْدَهُ) لِأَنَّهُ نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

باب الشهيد

عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَطَأَ الْقُبُورَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يَدْعُو لَهُمْ وَقِيلَ الدُّعَاءُ قَائِمًا أَوْلَى فَيَقُومُ بِحِذَاءِ وَجْهِهِ. وَفِي الْمُنْيَةِ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةٌ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ قِيلَ: تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِحُرْمَةِ وَلَدِهَا وَقِيلَ فِي مَقَابِرِهِمْ. [بَابُ الشَّهِيدِ] إنَّمَا خَصَّ الشَّهِيدَ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ وَكَانَ إخْرَاجُهُ مِنْ بَابِ الْمَيِّتِ كَإِخْرَاجِ جَبْرَائِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَالشَّهِيدُ فَعِيلٌ وَهُوَ يَأْتِي بِمَعْنَى الْفَاعِلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ شَاهِدٌ أَيْ حَيٌّ حَاضِرٌ عِنْدَ رَبِّهِ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ فَكَانَ مَشْهُودًا أَوْ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَلَمَّا أُطْلِقَ الشَّهِيدُ بِطَرِيقِ الِاتِّسَاعِ عَلَى الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَطَالِبِ الْعِلْمِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيبِ وَذَاتِ الطَّلْقِ وَذِي ذَاتِ الْجَنْبِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا كَانَ لَهُمْ ثَوَابُ الْمَقْتُولِينَ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ بَيَّنَ الشَّهِيدَ الْحَقِيقِيَّ شَرْعًا وَهُوَ الشَّهِيدُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقَالَ: (هُوَ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ) أَهْلُ (الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ) وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ فَإِنَّ مَقْتُولَهُمْ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قَتَلُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قِيلَ: السَّيْفُ وَالسِّلَاحُ بَلْ فِيهِمْ مَنْ دَمَغَ رَأْسَهُ بِالْحَجَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بِالْعَصَا وَقَدْ عَمَّهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ (أَوْ وُجِدَ) مَيِّتًا (فِي الْمَعْرَكَةِ) أَيْ فِي مَعْرَكَةِ هَؤُلَاءِ (وَبِهِ أَثَرٌ) أَيْ جِرَاحَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ بَاطِنَةٌ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ حَتْفَ أَنْفِهِ (أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ) جِنْسٌ فَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ كَافِرٍ فَيُغَسَّلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (ظُلْمًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْقَتْلِ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا (وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) احْتِرَازٌ عَنْ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ مَالٌ كَالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ (فَيُكَفَّنُ) الشَّهِيدُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّيْفَ مَحَاهُ الذُّنُوبُ فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ قُلْنَا: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ وَالشَّهِيدُ أَوْلَى. (وَلَا يُغَسَّلُ وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» (إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ) فَيُنْزَعُ عَنْهُ (كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) وَالْقَلَنْسُوَةِ (وَالْخُفِّ وَالسِّلَاحِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ

بِنَزْعِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ (وَيُزَادُ) عَلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ إنْ نَقَصَ عَنْ كَفَنِ السُّنَّةِ حَتَّى يَتِمَّ (وَيَنْقُصُ) إنْ زَادَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى كَفَنِ السُّنَّةِ (مُرَاعَاةً لِكَفَنِ السُّنَّةِ) فِي الْوَجْهَيْنِ. (وَإِنْ كَانَ) الْقَتِيلُ (صَبِيًّا أَوْ جُنُبًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ يُغَسَّلُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ عَنْ الشَّهِيدِ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ مَظْلُومِيَّتِهِ فِي الْقَتْلِ إكْرَامًا لَهُ والمظلومية فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ أَشَدُّ فَكَانَا أَوْلَى بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ وَأَمَّا فِي الْجُنُبِ فَلِأَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَمَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ مُنْعَدِمٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَطْهَرَةٌ وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَلَهُ «أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُتِلَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» فَكَانَ تَعْلِيمًا وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مِثْلُهُ إذَا طَهُرَتَا وَكَذَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَوْتَى بَنِي آدَمَ الْغُسْلُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِشَهَادَةِ تَكْفِيرِ الذَّنْبِ لِيَبْقَى أَثَرُهَا بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الصَّبِيِّ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْغُسْلَ سَاقِطٌ عَنْ الْبَالِغِ لِأَنَّهُ يُخَاصِمُ مَنْ قَتَلَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ أَثَرُهُ لِيَكُونَ شَاهِدًا لَهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُخَاصِمُ بِنَفْسِهِ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى يُخَاصِمُ عَنْهُ مَنْ قَتَلَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ الْأَثَرِ. (وَيُغَسَّلُ إنْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَفَازَةِ الَّتِي لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ (وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قُتِلَ عَمْدًا ظُلْمًا) فَإِنْ عُلِمَ لَمْ يُغَسَّلْ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ عَمْدًا ظُلْمًا لَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ يُغَسَّلُ لَمَّا أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ وَهَذَا لَمْ يُخَالِفْ مَا فِي الْهِدَايَةِ مَنْ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا لَمْ يُغَسَّلْ فَإِنَّ قَوْلَهُ ظُلْمًا مَعْنَاهُ وَقَدْ عُلِمَ قَاتِلُهُ إذْ لَوْ لَمْ يُعْلَمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَكُونُ الْقَتْلُ ظُلْمًا. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ نَزَلَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ. (وَكَذَا إنْ اُرْتُثَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالِارْتِثَاثُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْإِرْثِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْبَالِي وَسُمِّيَ بِهِ مُرْتَثًّا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَلَفًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّرْثِيثِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ اُرْتُثَّ فُلَانٌ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا أَيْ جَرِيحًا وَحَاصِلُهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ أَوْ يَرْتَفِقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَرَافِقِهَا فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُ وَهُوَ شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَيَنَالُ الثَّوَابَ الْمَوْعُودَ لِلشُّهَدَاءِ. وَفِي الْمِنَحِ أَنَّ الْمُرْتَثَّ فِي الشَّرْعِ مَنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ الْقَتْلَى وَصَارَ إلَى حَالَةِ الدُّنْيَا بِأَنْ جَرَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهَا أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهَا وَهُوَ أَضْبَطُ مِمَّا تَقَدَّمَ (بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ عُولِجَ) بِدَوَاءٍ وَفِي إطْلَاقِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّدَاوِي إشَارَةٌ إلَى أَنْ يَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَكَذَا إنْ نَامَ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ (أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ عَاشَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ) وَلَيْلَةٍ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) بِشَرْطِ أَنْ يَعْقِلَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ شَرْطُ الْكَمَالِ إذْ لَا خُلُوَّ عَنْ قَلِيلِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الْجَرْحِ فَقَدْرُ نَهَارٍ

باب الصلاة داخل الكعبة

كَامِلٍ أَوْ لَيْلٍ كَامِلٍ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَيُعْتَبَرُ حَيَاتَهُ عَاقِلًا فِي الْأَكْثَرِ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا. (أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ) كَامِلَةٍ (وَهُوَ يَعْقِلُ) إذْ الصَّلَاةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَالْوُجُودُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَارْتَفَقَ بِالْحَيَاةِ وَكَانَ مُرْتَثًّا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَأْتِي عَلَى صُورَةِ الِاتِّفَاقِ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ تَتَبَّعْ. (أَوْ آوَتْهُ) أَيْ بُنِيَتْ عَلَيْهِ (خَيْمَةٌ) لِأَنَّهُ نَالَ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ (أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا) لِيَمْرَضَ فِي خَيْمَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ وَأَمَّا إذَا جُرَّ بِرِجْلِهِ مِنْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ لِئَلَّا تَطَأَهُ الْخُيُولُ فَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَثٍّ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ وَأَمَّا نَظَرُ الْأَتْقَانِيِّ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَهُوَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ تَتَبَّعْ. (أَوْ أَوْصَى) بِشَيْءٍ (مُطْلَقًا) أَيْ دُنْيَوِيًّا أَوْ أُخْرَوِيًّا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ. (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَوْصَى بِأَمْرٍ أُخْرَوِيٍّ لَا يُغَسَّلُ) لِأَنَّهُ عَمَلُ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَوْتِ وَلَا يَرْتَفِقُ بِالْحَيَاةِ قِيلَ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِيصَاءِ بِالْأَمْرِ الدُّنْيَوِيِّ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْإِيصَاءِ بِالْأُخْرَوِيِّ فَلَا خِلَافَ وَقِيلَ: اخْتَلَفَا فِي الْأُخْرَوِيِّ لَا الدُّنْيَوِيِّ أَيْ يُغَسَّلُ فِي الدُّنْيَوِيِّ وِفَاقًا وَقِيلَ: اخْتَلَفَا فِي الدُّنْيَوِيِّ لَا الْأُخْرَوِيِّ أَيْ لَا يُغَسَّلُ فِي الْأُخْرَوِيِّ وِفَاقًا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْوَصِيَّةُ بِكَلِمَتَيْنِ لَا تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَكِنْ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَالَ الْقِتَالِ وَهُوَ يَعْقِلُ يَكُونُ مُرْتَثًّا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ. (وَمَنْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِإِسْلَامِهِ. (وَمَنْ قُتِلَ لِبَغْيٍ أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ غُسِّلَ) لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهِيدِ. (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ سَاعٍ بِالْفَسَادِ عَنْ الْإِمَامِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقْتَ الْحَرْبِ وَيُصَلَّى بَعْدَهُ لِأَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ حِينَئِذٍ لِلْحَدِّ أَوْ الْقِصَاصِ وَقَتْلَ الْبَاغِي لِلسِّيَاسَةِ وَكَسْرِ الشَّوْكَةِ (وَقِيلَ لَا يُغَسَّلُ أَيْضًا) إهَانَةً لَهُ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يُغَسِّلْ الْخَوَارِجَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ. (وَيُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ بَغْيَهُ عَلَى نَفْسِهِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) زَجْرًا لَهُ كَالْبَاغِي هَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَلَوْ كَانَ خَطَأً يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. [بَابُ الصَّلَاةِ دَاخِل الْكَعْبَةِ] (بَابُ الصَّلَاةِ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ) أَيْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى سُمِّيَ بِهَا إمَّا لِارْتِفَاعِهَا أَوْ لِتَرْبِيعِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا بِنَاءً مُنْفَرِدًا أَوْ لِأَنَّ طُولَهَا كَعْبُ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْلَامِ الْغَالِبَةِ وَلِذَلِكَ يُعَرَّفُ بِاللَّامِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (صَحَّ فِيهَا الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا وَلِمَالِكٍ فِي الْفَرْضِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ

كتاب الزكاة

جَوَازُهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا إذَا كَانَ تَوَجَّهَ الْمُصَلِّي إلَى الْبَابِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَلَيْسَتْ الْعَتَبَةُ مُرْتَفِعَةً قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّجُلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَمَنْ جَعَلَ فِيهَا ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي وَكَذَا لَوْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ إلَى يَسَارِهِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ. (وَلَوْ) جَعَلَ ظَهْرَهُ (إلَى وَجْهِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (لَا يَجُوزُ) لِتَقَدُّمِهِ. (وَكُرِهَ أَنْ يَجْعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الصُّورَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ سُتْرَةً بِأَنْ يُعَلِّقَ نُطَفًا أَوْ ثَوْبًا وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ. (وَلَوْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وَهُوَ) أَيْ الْإِمَامُ (فِيهَا) أَيْ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ (جَازَ) إنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ كَانَ) الْإِمَامُ (خَارِجَهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ (مِنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْأَقْرَبُ (فِي جَانِبِهِ) أَيْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا فَلَا يَضُرُّ الْقُرْبُ إلَيْهَا وَلِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِ اتِّحَادِ الْجِهَةِ فَإِذَا لَمْ تَتَّحِدْ لَمْ يَقَعْ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ الْمُجَوِّزِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُسْتَصْفَى كَمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ وَالْمُقْتَدِي الْأَقْرَبُ إلَى الْكَعْبَةِ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ. (وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فَوْقَهَا) لِأَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْكَعْبَةُ وَهِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَبَرِ فِي جَوَازِ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا لِلصَّلَاةِ الْبِنَاءُ عِنْدَهُ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْبِنَاءَ قَدْ رُفِعَ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجِ وَكَانَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ لِلنَّاسِ. (وَتُكْرَهُ) لِمَا فِيهِ وَمَنْ تَرَكَ التَّعْظِيمَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الزَّكَاةُ ثُلُثُ الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5] فَبِهَذَا عُلِمَ وَجْهُ التَّقْدِيمِ عَلَى الصَّوْمِ وَالتَّأْخِيرِ عَنْ الصَّلَاةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] وَالنَّمَاءُ يُقَالُ زَكَى الزَّرْعُ إذَا نَمَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الِاسْتِشْهَادِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الزَّكَاءُ بِالْهَمْزَةِ بِمَعْنَى النَّمَاءِ يُقَالُ زَكَى زَكَاءً أَيْ نَمَا فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ كَوْنُهُ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

شرط وجوب الزكاة

وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ أَبُو شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَعْنَى يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلُ الْفِعْلِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَمَعْنَى يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْ أَتَى بِهِ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِأَحَدٍ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَفِي الشَّرْعِ (هِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ فَخَرَّجَ الْكَفَّارَةَ (مُعَيَّنٍ) صِفَةُ جُزْءٍ (شَرْعًا مِنْ فَقِيرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْلِيكِ (مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ) لِشَرَفِهِمْ (وَلَا مَوْلَاهُ) فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي الْكَنْزِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ إلَى آخِرِهِ أَقُولُ هَذَا التَّعْرِيفُ يَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ وَلَا مُخَصِّصَ لَهُ بِالزَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا فَإِنَّ قَوْلَهُ عَيَّنَهُ الشَّارِعُ يُفِيدُ التَّخْصِيصَ إذْ لَا تَعْيِينَ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ فَتَخْرُجُ بِهِ الصَّدَقَةُ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَلَا مُخَصِّصَ لَهُ بِالزَّكَاةِ أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ الْمَالِ الْمَالُ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَعَيَّنَهُ فَيَكُونُ اللَّامُ لِلْعَهْدِ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ تَدَبَّرْ (مَعَ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الدَّافِعُ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّفْعِ إلَى فُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَإِلَى أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَإِلَى مُكَاتَبِهِ وَدَفْعِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ كَمَا سَيَأْتِي (لِلَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْلَاصِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي جَمِيعِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذُكِرَ هَاهُنَا لِغَلَبَةِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ تَرْكَ هَذَا الْقَيْدِ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَقَعَ اعْتِمَادًا لِعَدَمِ الْمُجَانِسِ وَكَوْنُهُ لِلَّهِ تَعَالَى مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ لِلْقَيْدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ لَهَا مُجَانِسًا مِنْ غَيْرِهَا كَالْهِبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَأَمَّلْ. [شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاة] (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا) وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالْوُجُوبِ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ لِأَنَّ بَعْضَ شَرَائِطِهَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْآحَادِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَمَنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ) إذْ لَا تَكْلِيفَ بِدُونِهَا (وَالْإِسْلَامُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ (وَالْحُرِّيَّةُ) لِيُحَقِّقَ التَّمْلِيكَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ لِيُمَلَّكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطُ الْبَقَاءِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ عَنْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَمَلْكُ نِصَابٍ) عَدَّهُ شَرْطًا مُوَافَقَةً لِلْكَنْزِ وَإِنْ عُدَّ فِي الْكُتُبِ الْأُصُولِيَّةِ سَبَبًا وَالنِّصَابُ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا تَجِبُ فِيمَا دُونَهُ زَكَاةٌ مِنْ الْمَالِ وَفِيهِ

إشْكَالٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ عَلَى مَا فَوْقَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَالْمُتَبَادِرُ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَالًا حَلَالًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ لَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ فَوَاجِبُ الرَّدِّ وَإِلَّا فَوَاجِبُ التَّصَدُّقِ إلَى الْفَقِيرِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَمْلُوكِ شِرَاءً فَاسِدًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ النِّصَابُ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَوْصَافٌ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (حَوْلِيٍّ) وَهُوَ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» سُمِّيَ حَوْلًا لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تُحَوَّلُ فِيهِ وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ (فَارِغٍ) صِفَةُ نِصَابٍ (عَنْ الدَّيْنِ) وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لَهُمْ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْفِعْلِ أَوْ بَعْدَ زَمَانٍ فَيَنْتَظِمُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ وَلَوْ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ الْمُؤَجَّلَ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَقِيلَ: لَا يُمْنَعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَلَى عَزْمِ الْأَدَاءِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَيْنًا وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَالنَّذْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا فِي الدُّنْيَا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ فِي أَحْكَامِهَا وَدَيْنُ الزَّكَاةِ يُمْنَعُ فِي السَّائِمَةِ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَيْنِ يُمْنَعُ لَا فِي غَيْرِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُمْنَعُ أَصْلًا وَإِلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ. (وَ) فَارِغٌ عَنْ (حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) أَيْ عَمَّا يَدْفَعُ عَنْهُ الْهَلَاكَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا كَطَعَامِهِ وَطَعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمَا وَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَالْمَرْكَبِ وَآلَةِ الْحِرَفِ لِأَهْلِهَا وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مَعَاشِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ فَلَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ وَإِلَى الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (نَامٍ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ نِصَابٍ. (وَلَوْ تَقْدِيرًا) النَّمَاءُ إمَّا تَحْقِيقًا يَكُونُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَالتِّجَارَاتِ أَوْ تَقْدِيرِيٌّ يَكُونُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (مِلْكًا تَامًّا) بِأَنْ لَا يَكُونَ يَدًا فَقَطْ كَمَا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً كَمَا فِي الدُّرَرِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ لَكِنْ خَرَجَ بِالْحُرِّيَّةِ فَيَخْرُجُ مَرَّتَيْنِ وَكَذَا يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ مِلْكًا الرِّقُّ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ وَلَوْ تَرَكَ الْحُرِّيَّةَ لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَوْلَى. (فَلَا تَجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (عَلَى مَجْنُونٍ) لَمْ يُفِقْ يَوْمًا أَيْ جُزْءًا مِنْ الْحَوْلِ حَتَّى إذَا أَفَاقَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْعَارِضِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَمَّا مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَعِنْدَ الْإِمَامِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ (وَلَا صَبِيٍّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. (وَلَا مُكَاتَبٍ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ. (وَلَا مَدْيُونٍ مُطَالَبٍ) وَلَوْ بِالْجَبْرِ وَالْحَبْسِ طَلَبًا وَاقِعًا (مِنْ الْعِبَادِ) وَهُوَ إمَّا الْإِمَامُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَيْ السَّوَائِمِ أَوْ الْمُلَّاكُ

فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّ الْمُلَّاكَ نُوَّابُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ كَانَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَفَوَّضَ الْأَمْوَالَ الْبَاطِنَةَ إلَى أَرْبَابِهَا خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ السُّعَاةِ السُّوءِ أَوْ الدَّيْنِ فِي دَيْنِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَالَ مَعَ الدَّيْنِ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ رَفْعُ الْحَبْسِ عَنْ الْمَدْيُونِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فِي قَدْرِ دَيْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ مِائَتَيْنِ تَجِبُ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ. (وَلَا فِي مَالِ ضِمَارٍ) بِالْكَسْرِ مَخْفِيٍّ وَشَرْعًا مَالٌ زَائِلُ الْيَدِ غَيْرِ مَرْجُوِّ الْوُصُولِ غَالِبًا وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمِلْكِ وَالنَّمَاءِ فِيهِ مَفْقُودٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ إذَا وَصَلَتْ يَدُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَفَوَاتَ الْيَدِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْوُجُوبِ كَمَالِ ابْنِ السَّبِيلِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الضِّمَارِ وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَقَادِرٌ بِنَائِبِهِ. (وَهُوَ الْمَفْقُودُ) أَيْ كَعَبْدٍ مَفْقُودٍ وَآبِقٍ وَضَالٍّ وَجَدَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ (وَالسَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ) ثُمَّ اسْتَخْرَجَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ (وَالْمَغْصُوبُ) الَّذِي (لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ غَصَبَهُ (وَمَدْفُونٌ فِي بَرِّيَّةٍ نَسِيَ مَكَانَهُ) ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ دَفَنَ مَالَهُ ثُمَّ نَسِيَ مَكَانَهُ وَتَذَكَّرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ دَفَنَهُ فِي حِرْزِهِ كَالْبَيْتِ وَالْحَانُوتِ تَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. (وَمَا أُخِذَ مُصَادَرَةً) أَيْ مَالٌ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ ظُلْمًا وَوَصَلَ إلَيْهِ بَعْدَهُ (وَدَيْنٌ كَانَ قَدْ جَحَدَ) الْمَدْيُونُ سِنِينَ عَلَانِيَةً لَا سِرًّا (وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ) ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْمٍ وَفِي الْبَحْرِ فَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الضِّمَارِ (بِخِلَافِ دَيْنٍ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيٍّ) أَيْ غَنِيٍّ أَوْ مُعْسِرٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْمُعْسِرِ لَيْسَ كَالْهَالِكِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ. (أَوْ مُفَلَّسٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا مِنْ فَلَّسَهُ الْقَاضِي أَيْ نَادَى فِي النَّاسِ بِأَنَّهُ مُفْلِسٌ لِأَنَّ التَّفْلِيسَ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْإِمَامِ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ (أَوْ جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تَعْدِلُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالتُّحْفَةِ (أَوْ عَلِمَ بِهِ قَاضٍ) لَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي الْآنَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْمُفَلَّسِ) لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ بِالتَّفْلِيسِ عِنْدَهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ حَتَّى تَسْقُطَ الْمُطَالَبَةُ إلَى وَقْتِ الْيَسَارِ وَمَعَ الْإِمَامِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَتَجِبُ لِمَا مَضَى إذَا قَبَضَ عِنْدَهُمَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَبِخِلَافِ مَا دَفَنَ فِي الْبَيْتِ وَنَسِيَ مَكَانَهُ) لِإِمْكَانِ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ بِحَفْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ مَا يَكُونُ فِي حِرْزِهِ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا وَلَوْ قَالَ فِي الْحِرْزِ لَكَانَ أَوْلَى. (وَفِي الْمَدْفُونِ فِي الْأَرْضِ) الْمَمْلُوكَةِ (أَوْ الْكَرْمِ اخْتِلَافُ) الْمَشَايِخِ وَجْهُ مَنْ قَالَ

شرط صحة أداء الزكاة

بِالْوُجُوبِ إنْ حَفَرَ جَمِيعَ الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَنَّ فِي حَفْرِ جَمِيعِهَا تَعَسُّرًا أَوْ حَرَجًا وَهُوَ مَوْضُوعٌ حَتَّى لَوْ كَانَتْ دَارًا عَظِيمَةً فَالْمَدْفُونُ فِيهَا يَكُونُ ضِمَارًا كَمَا فِي تَاجِ الشَّرِيعَةِ. (وَيُزَكَّى الدَّيْنُ) أَيْ مَا قُبِضَ مِنْ الدَّيْنِ (عِنْدَ قَبْضِهِ فَنَحْوُ بَدَلِ مَالِ التِّجَارَةِ عِنْدَ قَبْضِ أَرْبَعِينَ وَيَدُلُّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ قَبْضِ نِصَابٍ وَبَدَلِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ قَبْضِ نِصَابٍ وَحَوَلَانِ حَوْلٍ) وَتَوْضِيحُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى تَفْصِيلِ الدُّيُونِ وَبَيَانِ مَرَاتِبِهَا اعْلَمْ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ دَيْنٍ قَوِيٍّ وَدَيْنٍ وَسَطٍ وَدَيْنٍ ضَعِيفٍ فَالدَّيْنُ الْقَوِيُّ هُوَ الَّذِي مَلَكَهُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالُ الزَّكَاةِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَكَذَا غَلَّةُ مَالِ التِّجَارَةِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَنَحْوَهَا وَالْحُكْمُ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَ نِصَابًا وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ لَكِنْ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَكَّى دِرْهَمًا فَإِنْ قَبَضَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا، وَأَمَّا الدَّيْنُ الْوَسَطُ فَهُوَ الَّذِي وَجَبَ بَدَلَ مَالٍ لَوْ بَقِيَ عِنْدَهُ حَوْلًا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ مِثْلُ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَغَلَّةِ مَالِ الْخِدْمَةِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيهِ رِوَايَتَانِ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ: تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ مَا لَمْ يَقْبِضْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِذَا قَبَضَ الْمِائَتَيْنِ يُزَكِّي لِمَا قَبَضَ كَمَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ وَأَمَّا الدَّيْنُ الضَّعِيفُ فَهُوَ مَا وَجَبَ وَمَلَكَ لَا بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ دَيْنٌ إمَّا بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَالْمِيرَاثِ أَوْ بِفِعْلِهِ كَالْوَصِيَّةِ أَوْ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ دَيْنًا كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَقْبِضَ الْمِائَتَيْنِ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ (وَقَالَا يُزَكِّي مَا قَبَضَ مِنْهُ مُطْلَقًا إلَّا الدِّيَةَ وَالْأَرْشَ وَبَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعِنْدَ قَبْضِ نِصَابٍ وَحَوَلَانِ حَوْلٍ) لِأَنَّ الدُّيُونَ عِنْدَهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ دُيُونٍ مُطْلَقَةٍ وَدُيُونٍ نَاقِصَةٍ وَالنَّاقِصُ هُوَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا سِوَاهُمَا فَدُيُونٌ مُطْلَقَةٌ فَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَا لَمْ يَقْبِضْ فَإِذَا قَبَضَ مِنْهَا شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ يُؤَدِّي بِقَدْرِ مَا قَبَضَ وَفِي الدَّيْنِ النَّاقِصِ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ النِّصَابَ وَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَأَمَّا دَيْنُ السِّعَايَةِ فَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ الِاخْتِلَافُ فَقَالَ عِنْدَ الْإِمَامِ: هُوَ دَيْنٌ ضَعِيفٌ وَعِنْدَهُمَا دَيْنٌ مُطْلَقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الدُّيُونُ كُلُّهَا سَوَاءٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا وَيَجِبُ الْأَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الدُّيُونِ فَإِنْ كَانَ فَيَضُمُّ مَا قَبَضَهُ إلَى مَا عِنْدَهُ اتِّفَاقًا. [شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاء الزَّكَاة] (وَشَرْطُ) صِحَّةِ (أَدَائِهَا) أَيْ كَوْنِهَا مُؤَدَّاةً (نِيَّةٌ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهَا (مُقَارَنَةً لِلْأَدَاءِ) الْمُرَادُ

أَنْ تَكُونَ مُقَارَنَةً لِلْأَدَاءِ لِلْفَقِيرِ أَوْ الْوَكِيلِ وَلَوْ مُقَارَنَةً حُكْمِيَّةً كَمَا إذَا دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ حَضَرَتْهُ النِّيَّةُ وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بَعْدَ هَلَاكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْفَقِيرِ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مِسْكِينًا دَرَاهِمَ وَسَمَّاهَا هِبَةً أَوْ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الدَّافِعِ لَا لِعِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ. (أَوْ لِعَزْلِ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ) فَإِنَّهُ إذَا عَزَلَ مِنْ النِّصَابِ قَدْرَ الْوَاجِبِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ وَتَصَدَّقَ إلَى الْفَقِيرِ بِلَا نِيَّةٍ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ قَالَ الْمُحَشِّي يَعْقُوبُ بَاشَا: يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ عَزْلَ بَعْضِ الْمَالِ النَّاقِصِ عَنْ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِثْلُ عَزْلِ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ النِّصَابَيْنِ زَكَاةُ نِصَابٍ وَاحِدٍ لَا يُجْزِئُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِالتَّخْصِيصِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ. (وَلَوْ تَصَدَّقَ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ دَفَعَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّكَاةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (بِالْكُلِّ وَلَمْ يَنْوِهَا سَقَطَتْ) الزَّكَاةُ لِدُخُولِ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَسْقُطَ قِيلَ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ النَّفَلَ وَالْفَرْضَ كِلَاهُمَا مَشْرُوعَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَالصَّلَاةِ. (وَلَوْ) تَصَدَّقَ (بِالْبَعْضِ لَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْبَعْضَ الْمُؤَدَّى غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي الْبَاقِي لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ. (وَتُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ لِنَفْعِ الْفُقَرَاءِ وَفِي الْحِيلَةِ إضْرَارٌ بِهِمْ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهَا امْتِنَاعٌ عَنْ الْوُجُوبِ لَا إبْطَالٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخَافُ أَنْ لَا يَمْتَثِلَ الْأَمْرَ فَيَكُونُ عَاصِيًا وَالْفِرَارُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ طَاعَةٌ قِيلَ: وَهَذَا أَصَحُّ. (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا) أَيْ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فَخَرَّجَ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ وَالْعُشْرِيَّةَ (لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى) عِنْدَ الْقَبُولِ (اسْتِخْدَامَهُ بَطَلَ كَوْنُهُ لِلتِّجَارَةِ) لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْإِمْسَاكِ لِلِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ تَرْكُ الْفِعْلِ فَيَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ (وَمَا نَوَى لِلْخِدْمَةِ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ مَا لَمْ يَبِعْهُ) فَتَكُونُ فِي ثَمَنِهِ زَكَاةٌ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِعْلٌ وَعَمَلٌ فَلَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ السَّفَرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِفْطَارِ حَيْثُ لَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. (وَكَذَا) لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (مَا وَرِثَ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْعَمَلِ لِمَا أَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَصُنْعِهِ حَتَّى أَنَّ الْجَنِينَ يَرِثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِعْلٌ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. (وَإِنْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ كَانَ لَهَا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شِرَاءً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (وَقِيلَ: الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ) يَعْنِي مَا نَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ الْقَاضِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ ذَكَرَ

باب زكاة السوائم

فِي مُخْتَلَفِهِ هَذَا الِاخْتِلَافَ عَلَى عَكْسِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَكُونُ لَهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَلَغَا تَعْيِينَ النَّاذِرِ لِلتَّصَدُّقِ الْيَوْمَ وَالدِّرْهَمَ وَالْفَقِيرَ) يَعْنِي إذَا قَالَ النَّاذِرُ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ الْيَوْمَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ غَدًا دِرْهَمًا آخَرَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْفَقِيرِ يُجْزِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. [بَابُ زَكَاةِ السَّوَائِمِ] بَدَأَ بِبَيَانِ السَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَعْمَالِهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُفَتَّحَةً بِهَا وَلِكَوْنِهَا أَعَزَّ أَمْوَالِ الْعَرَبِ وَالسَّوَائِمُ جَمْعُ سَائِمَةٍ مِنْ سَاوَمَتْ الْمَاشِيَةِ أَيْ رَعَيَتْ سَوْمًا وَأَسَامَهَا صَاحِبُهَا إسَامَةً كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ كُلُّ إبِلٍ تُرْسَلُ وَتُرْعَى وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ وَالْمُرَادُ بِالسَّائِمَةِ الَّتِي تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَلِلزِّيَادَةِ فِي السِّنِّ وَالسَّمْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَلَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَسَامَهَا لِلَّحْمِ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَإِنْ أَسَامَهَا لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ أَسَامَهَا لِلْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ قَدْرًا وَسَبَبًا فَلَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُبْنَى حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى حَوْلِ الْآخَرِ (السَّائِمَةُ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرِّعْيِ) الرِّعْيُ بِالْكَسْرِ الْكِلَاءُ وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قِيلَ الْكَسْرُ هَاهُنَا أَنْسَبُ أَقُولُ بِالْفَتْحِ أَوْلَى لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْكِلَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَرَاعِي أَوْ فِي الْبَيْتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَمُسَلَّمٌ وَعَلَى الثَّانِي فَلَا يَكُونُ سَائِمَةً تَدَبَّرْ (فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ) فَإِنْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ لِأَنَّ أَرْبَابَهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْعَلْفِ أَيَّامَ الثَّلْجِ وَالشِّتَاءِ فَاعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ لِيَكُونَ غَالِبًا. (وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ) بِالْفَتْحِ (مِنْ الْإِبِلِ) السَّائِمَةِ (زَكَاةٌ) لِأَنَّ نِصَابَهَا خَمْسٌ (فَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا سَائِمَةً فَفِيهَا شَاةٌ) مُتَوَسِّطٌ إلَى تِسْعٍ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ رُبْعُ الْعُشْرِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» وَالشَّاةُ تَقْرُبُ رُبْعَ عُشْرِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الشَّاةَ تَقُومُ بِخَمْسَةٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ بِأَرْبَعِينَ فَإِيجَابُ الشَّاةِ مِنْ خَمْسٍ كَإِيجَابِ الْخَمْسِ فِي أَرْبَعِينَ وَالْإِطْلَاقُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعَجْفَاءَ وَالْمَرِيضَةَ سَوَاءٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَمْيَاءُ كَمَا فِي الظَّاهِرِ وَكَذَا الْعَرْجَاءُ لَا مَقْطُوعُ الْقَوَائِمِ وَكَذَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَلَا يُنَافِي تَجَرُّدَ الْخَمْسِ عَنْ التَّاءِ كَمَا ظُنَّ فَإِنَّ مَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ بِالتَّاءِ أَصْلًا إذَا كَانَ تَمْيِيزُهُ اسْمَ جِنْسٍ كَالْإِبِلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَ) تَجِبُ (فِي الْعَشْرِ) إبِلًا (شَاتَانِ) إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ. (وَ) تَجِبُ (فِي خَمْسَ عَشْرَةَ) إبِلًا (ثَلَاثُ شِيَاهٍ) إلَى تِسْعَ عَشْرَةَ. (وَ) تَجِبُ (فِي عِشْرِينَ) إبِلًا (أَرْبَعُ شِيَاهٍ) إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. (وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ) أَيْ دَخَلَتْ (فِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا فِي الْغَالِبِ تَصِيرُ ذَاتَ مَخَاضٍ أَيْ حَامِلٌ بِأُخْرَى وَالْمَخَاضُ أَيْضًا وَجَعُ الْوِلَادَةِ وَالنُّوقُ الْحَوَامِلُ وَاحِدَتُهَا حِقَّةٌ كَلِمَةٌ وَفِي الْأَسَاسِ

كُلُّهَا مَجَازٌ وَالْحَقِيقَةُ اضْطِرَابُ شَيْءٍ مَائِعٍ فِي وِعَائِهِ وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ إلَّا مَا قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ إنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَ شِيَاهٍ فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ لَكِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ. (وَ) تَجِبُ (فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا فِي الْغَالِبِ تَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ أُخْرَى. (وَ) تَجِبُ (فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ) بِالْكَسْرِ (وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْحَمْلَ وَالرُّكُوبَ. (وَ) تَجِبُ (فِي إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ) بِتَحْرِيكِ الذَّالِ (وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَهِيَ أَقْصَى سِنٍّ يَدْخُلُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ وَفِي تَأْنِيثِ هَذِهِ الْأَسَامِي إشْعَارٌ بِأَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْوَاجِبِ فِي الْإِبِلِ الْأُنُوثَةَ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِيهَا سِوَى الْإِنَاثِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (وَ) تَجِبُ (فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَ) تَجِبُ (فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) وَبِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ثُمَّ) إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ عِنْدَنَا فَتَجِبُ (فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) مَعَ الْحِقَّتَيْنِ (إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي الْمِائَةِ وَخَمْسِينَ (ثَلَاثُ حِقَاقٍ ثُمَّ) تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ ثَانِيًا فَتَجِبُ (فِي كُلِّ خَمْسٍ) زَادَ عَلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ (شَاةٌ) مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ (إلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ (ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ إلَى مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ (ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ إلَى مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ (أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ) وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ مَعْفُوٌّ (ثُمَّ يَفْعَلُ فِي كُلِّ خَمْسِينَ) حَتَّى تَجِبَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ (كَمَا فَعَلَ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) احْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ إذْ لَا يَكُونُ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا إيجَابُ أَرْبَعِ حِقَاقٍ لِعَدَمِ نِصَابِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ كُلُّ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ وَلَمَّا زَادَتْ عَلَيْهَا خَمْسٌ وَصَارَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَجَبَتْ ثَلَاثُ حِقَاقٍ لِأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً وَلَا تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ بَلْ يَجْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّ عَشْرَةٍ عَفْوًا فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْإِبِلِ يَنْتَظِمُهُمَا.

فصل زكاة البقر

[فَصْلٌ زَكَاةِ الْبَقَرِ] فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَالتَّاءُ فِي الْبَقَرَةِ لِلْإِفْرَادِ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَالْبَاقِرُ جَمَاعَةُ الْبَقَرِ مَعَ رُعَاتِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ زَكَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ) أَيْ الْبَقَرُ (ثَلَاثِينَ سَائِمَةً) صَحِيحَةً أَوْ مَرِيضَةً (فَفِيهَا) أَيْ فَفِي ثَلَاثِينَ يَجِبُ (تَبِيعٌ وَهُوَ مَا طَعَنَ) أَيْ دَخَلَ (فِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ (أَوْ تَبِيعَةٌ) وَهِيَ أُنْثَاهُ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَعَيَّنْ الْأُنُوثَةُ فِي هَذَا وَلَا فِي الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ لَا تُعَدُّ فَضْلًا فِيهِمَا وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْبَقَرُ الْأَهْلِيُّ فَالْوَحْشِيُّ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَهْلِيِّ لَا يُعْتَبَرُ فِي النِّصَابِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ الِاعْتِبَارُ فِيهِ لِلْأُمِّ فَإِنْ كَانَتْ أَهْلِيَّةً يُزَكِّي وَإِلَّا فَلَا. (إلَى أَرْبَعِينَ) بَقَرًا (فَفِيهَا) أَيْ فَفِي أَرْبَعِينَ يَجِبُ (مُسِنٌّ وَهُوَ مَا طَعَنَ فِي) السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ أَوْ مُسِنَّةٌ) وَهِيَ أُنْثَاهُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ) عَلَى أَرْبَعِينَ (إلَى أَنْ يَبْلُغَ سِتِّينَ) عِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. (وَعِنْدَ الْإِمَامِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِينَ (بِحِسَابِهِ) فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَهَذَا رِوَايَةُ الْأَصْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ ثُمَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبُعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثَلَاثُ تَبِيعٍ. (وَ) يَجِبُ (فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَهَكَذَا يَحْسِبُ: كُلَّمَا زَادَ عَشْرٌ فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) يَعْنِي يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ هَكَذَا فِي كُلِّ عَشْرٍ يَعْنِي إذَا صَارَ ثَمَانِينَ تَجِبُ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ تَبِيعٌ وَمُسِنَّتَانِ إلَّا إذَا تَدَاخَلَا كَمَا فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَرْبَعِ أَتْبِعَةٍ وَثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ مَدَارُ الْحِسَابِ عَلَى الثُّلَاثِيَّاتِ وَالْأَرْبَعِيَّات (وَالْجَوَامِيسُ كَالْبَقَرِ) وَفِيهِ إيهَامٌ إلَى أَنَّ الْجَامُوسَ غَيْرُ الْبَقَرِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ وَفِي ذِكْرِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عُدُولٌ عَنْ الْأَصْلِ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ فَأَكَلَ الْجَامُوسَ لَا يَحْنَثُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا لِقِلَّتِهِ وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. [فَصْلٌ زَكَاةِ الْغَنَمِ] فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَسُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ) الْغَنَمُ (أَرْبَعِينَ سَائِمَةً فَفِيهَا) أَيْ فَفِي أَرْبَعِينَ (شَاةٌ) اسْمُ جِنْسٍ تَاؤُهَا لِلْإِفْرَادِ تَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ يَخُصُّهَا بِالضَّأْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ. (إلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى

فصل في زكاة الخيل

وَعِشْرِينَ (شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ (ثَلَاثُ شِيَاهٍ) بِالْكَسْرِ جَمْعُ شَاةٍ فَإِنَّ أَصْلَهَا شُوهَةٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا، وَحَذْفُ الْهَاءِ شُذُوذًا. (إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَفِيهَا) أَيْ فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ (أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ مَعْفُوٌّ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ) الضَّأْنُ جَمْعُ ضَائِنٍ يَنْتَظِمُ الْكَبْشَ وَالنَّعْجَةَ، وَالْمَعْزُ جَمْعُ مَاعِزِ يَنْتَظِمُ التَّيْسَ وَالْمَعْزَ (سَوَاءٌ) التَّسْوِيَةُ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْ تَخْيِيرِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هِيَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ حَتَّى أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ اتِّفَاقًا وَمِنْ الضَّأْنِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ الْجَذَعَ لَا يُؤْخَذُ. (وَأَدْنَى) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الثَّنِيُّ الْآتِي (مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ وَيُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ الثَّنِيُّ وَهُوَ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ مِنْهَا) لَا الْجَذَعُ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ هَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْجَذَعُ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيُّ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ رَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ وَأَمَّا فِي الضَّأْنِ فَتُؤْخَذُ الْجَذَعَةُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. [فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ] (إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً) لِلنَّسْلِ (ذُكُورًا وَإِنَاثًا) مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِيَّةِ (فَفِيهَا) الزَّكَاةُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا لِلنَّسْلِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ سَائِمَةً لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْجِهَادِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ فِيهَا وَإِنْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ سَائِمَةً أَوْ غَيْرَ سَائِمَةٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا نِصَابَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ يُشْكِلُ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَقِيلَ خَمْسٌ كَمَا فِي الْكَافِي (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي فَرَسِهِ وَلَا فِي غُلَامِهِ» وَأَوَّلَهُ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِفَرَسِ الْغَازِي لِتَعَارُضِ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» . وَفِي الْأَسْرَارِ أَنَّ إطْلَاقَ النَّفْيِ كَانَ لِاتِّفَاقِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ فَرَسٌ لِغَيْرِ الْغَزْوِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى هَذَا لَا تَأْوِيلَ (فَإِنْ شَاءَ) الْمُزَكِّي (أَعْطَى مِنْ كُلِّ فَرَسٍ) اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيَعُمُّ الْعَرَبِيَّ وَغَيْرَهُ (دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى مِنْ قِيمَتِهَا رُبُعَ الْعُشْرِ إنْ بَلَغَتْ) قِيمَتُهَا (نِصَابًا) وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَمَأْثُورٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا قِيلَ: هَذَا فِي أَفْرَاسِ الْعَرَبِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي أَفْرَاسِنَا فَتَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَفْرَاسَ الْعَرَبِ أَعْلَى قِيمَةً مِنْ أَفْرَاسِنَا فَإِذَا كَانَ التَّخْيِيرُ جَائِزًا فِيهَا مَعَ أَنَّهَا أَعْلَى قِيمَةً فَلِمَ لَا يَجُوزُ فِي أَفْرَاسِنَا وَقِيلَ: هَذَا فِي الْأَفْرَاسِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمُتَفَاوِتَةِ قِيمَةً فَالزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَلْبَتَّةَ. (وَلَيْسَ فِي الذُّكُورِ الْخُلَّصِ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَفِي الْإِنَاثِ الْخُلَّصِ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) لَكِنْ فِي الْفَتْحِ فِي كُلٍّ مِنْ الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ وَالْأَرْجَحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ. (وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْكُسْعَةِ صَدَقَةٌ» الْكُسْعَةُ الْحَمِيرُ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ فِي الْحَمِيرِ لَا تَجِبُ فِي الْبِغَالِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَسْلِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ فَتَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ (وَكَذَا الْفُصْلَانُ) بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ جَمْعُ الْفَصِيلِ وَلَدِ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ (وَالْحُمْلَانُ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ جَمْعُ الْحَمَلُ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ الْخَرُوفُ أَوْ الْجَذَعُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ مِمَّا دُونَهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَهَا عَلَى الْعَجَاجِيلِ مَعَ أَنَّهَا أَحَقُّ بِهِ نَظَرًا إلَى تَرْتِيبِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ التَّأَخُّرِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الْفُصْلَانُ صِيغَةً (وَالْعَجَاجِيلُ) جَمْعُ عِجَّوْلٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ بِمَعْنَى عِجْلٍ وَلَدِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْرٍ يَعْنِي لَيْسَ فِي جَمْعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ زَكَاةٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ هَذَا آخِرِ أَقْوَالِ الْإِمَامِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى الْإِمَامِ فَقُلْت لَهُ: أَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعِينَ حَمَلًا؟ فَقَالَ: فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْت رُبَّمَا يَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ فِيهَا عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ عَلَى جَمِيعِهَا؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ تُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقُلْت أَوْ يُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَا إذْ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَعَدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِ الْإِمَامِ حَيْثُ أَخَذَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقَاوِيلِهِ مُجْتَهِدٌ وَلَمْ يَضَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ رَدَّ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ وَقَالَ إنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ مُحَالٌ فَمَا ظَنُّكَ بِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَوَّلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ فَيُقَالُ: إنَّهُ يَمْتَحِنُ أَبَا يُوسُفَ هَلْ يَهْتَدِي إلَى طَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ فَلَمَّا عَرَفَهُ أَنَّهُ يَهْتَدِي قَالَ قَوْلًا عُوِّلَ عَلَيْهِ، لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ أَخْذَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ الثَّانِيَ يَأْبَى عَنْ رَدِّهِ إيَّاهُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَمَالِكٍ كَمَا قَالَ الْفَاضِلُ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ: لَكِنْ اسْتَصْعَبَ عَلَى بَعْضِ الْفُضَلَاءِ تَصْوِيرُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ دَائِرٌ عَلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوَلَانِ لَا يَبْقَى اسْمُ الْحَمَلِ وَالْفَصِيلِ وَالْعُجُولِ فَقِيلَ: الِاخْتِلَافُ فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا أَوْ أَرْبَعِينَ حَمَلًا هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَمْ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ

يُعْتَبَرُ أَنَّ انْعِقَادَ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْكِبَرِ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مَلَكَهَا وَجَبَتْ وَقِيلَ فِي بَقَائِهِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ السَّوَائِمُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَهَلَكَتْ السَّوَائِمُ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهَا هَلْ يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَفِي قَوْلِهِمَا لَا يَبْقَى وَفِي الْبَاقِينَ يَبْقَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَبِيرٌ) أَيْ الْكَبِيرُ مِنْ السَّائِمَةِ التَّامَّةِ الْحَوْلِ فَيَجْعَلُونَ الصِّغَارَ تَابِعَةً لِلْكِبَارِ فِي انْعِقَادِ النِّصَابِ دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَعَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ حَمَلًا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ تَجِبُ شَاةٌ وَسَطٌ، وَتُؤْخَذُ الْمُسِنَّةُ إلَّا إذَا هَلَكَتْ فَإِنَّ الزَّكَاةَ سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِي عِنْدَهُمَا إذْ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَبَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءٍ مِنْ مُسِنَّةٍ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا) وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا، وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْخِطَابِ يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَوَجْهُ الثَّانِي تَحْقِيقُ النَّظَرِ لِلْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ إيجَابَ الْمُسِنَّةِ إضْرَارٌ بِأَرْبَابِ النُّصُبِ وَفِي إخْلَائِهِ عَنْ الْإِيجَابِ إضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ فَقُلْنَا بِإِيجَابِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا رِفْقًا بِالْجَانِبَيْنِ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ لِلزَّكَاةِ أَسْنَانًا مُرَتَّبَةً وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الصِّغَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ. (وَلَا) شَيْءَ (فِي الْحَوَامِلِ) هِيَ مَا أُعِدَّتْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ (وَالْعَوَامِلِ) هِيَ مَا أُعِدَّتْ لِلْعَمَلِ (وَالْعَلُوفَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا يُعْلَفُ مِنْ الْغَنَمِ، وَغَيْرُهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ عَلَفٍ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ مُنْعَدِمٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَتَضَاعَفُ بِالْعَلَفِ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى وَالسَّبَبُ الْمَالُ النَّامِي. (وَكَذَا) لَا شَيْءَ (فِي السَّائِمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْغِنَى وَلَا غَنَاءَ إلَّا بِالْمِلْكِ لَا بِمِلْكِ شَرِيكِهِ (إلَّا أَنْ يَبْلُغَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابًا) هَذَا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بِالنِّصْفِ، فَلَوْ تَفَاوَتَتْ وَبَلَغَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ صَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَالِغِ. (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ) ذَكَرَ السِّنَّ وَأَرَادَ ذَاتَ السِّنِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ عُمْرَ الدَّوَابِّ يُعْرَفُ بِالسِّنِّ (وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ) أَيْ الْمَالِكِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَقَعَتْ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَدْنَى أَوْ الْقِيمَةَ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ جَازَ (دَفَعَ أَدْنَى مِنْهُ مَعَ الْفَضْلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ وَأَخَذَ) الْمَالِكُ (الْفَضْلَ) أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ يُجْبَرُ السَّاعِي عَلَى الْقَبُولِ إلَّا إذَا دَفَعَ الْأَعْلَى وَطَلَبَ الْفَضْلَ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ فِيهِ السَّاعِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْبَيْعَ الضِّمْنِيَّ فَلَا جَبْرَ فِيهِ وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَوْ قِيمَتَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْضَ الْعَيْنِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بِأَنْ كَانَ الْوَاجِبُ مَثَلًا بِنْتُ لَبُونٍ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ عَيْبِ التَّنْقِيصِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْعَيْبِ يُسَاوِي قَدْرَ الْوَاجِبِ

وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ إجْبَارَ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ انْتَهَى، لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ إجْبَارُ الْمُصَدِّقِ عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا مُخَيَّرٌ، غَايَتُهُ أَنَّ الْمُصَدِّقَ يُعْرِضُ عَلَى الْآخِذِ هَذَا فَإِنْ قَبِلَهُ فَبِهَا، وَإِلَّا يَتَوَجَّهُ إلَى آخَرَ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى شَيْءٍ إذَا دَفَعَ الْأَعْلَى (وَقِيلَ الْخِيَارُ لِلسَّاعِي) وَالْأَوْلَى مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَالسَّاعِي مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ. (وَيَجُوزُ دَفْعَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) حَتَّى لَوْ أَدَّى ثَلَاثَةَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا فِي الضَّحَايَا وَالْعِتْقِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَيَجُوزُ (وَالْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالنَّذْرُ) هُوَ بِأَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ أَمَّا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي قِيمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ) يَعْنِي أَدَاءَ الْقِيمَةِ مَكَانَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ جَائِزٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ النُّصُوصُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّةِ وَلَنَا تَجْوِيزُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَمِيرِ الْيَمَنِ أَنْ يَأْخُذَ الثِّيَابَ بَدَلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ: فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ وَنَفْعٌ لِلْمُهَاجِرَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ أَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ جَائِزٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَحَدَهُمَا: إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْقِيمَةُ. (وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ) وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ أَوْ الظَّاهِرَةِ قَبْلَ طَلَبِ السَّاعِي عِنْدَنَا اتِّفَاقًا وَبَعْدَ الطَّلَبِ قِيلَ تَسْقُطُ وَلَا يَضْمَنُ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا هَلَكَتْ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَا تَسْقُطُ، قَيَّدَ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ وَكَذَا إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. (وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ) لِبَقَاءِ جُزْءٍ يَصْلُحُ لَهَا فَلَوْ هَلَكَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ مَا سِوَى الْأَرْبَعِينَ لَكَانَ الْوَاجِبُ شَاةً. وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ وَجَدَ مِثْلَهُ اُسْتُؤْنِفَ مِنْهُ الْحَوْلُ (وَيَصْرِفُ الْهَالِكَ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا) وَهُوَ مَا فَوْقَ النِّصَابِ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْهَالِكُ الْعَفْوَ فَالْوَاجِبُ عَلَى حَالِهِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهَا شَاةً، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي خَمْسٍ مِنْ التِّسْعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْأَرْبَعُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الشَّاةِ (ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ) فَإِنْ جَاوَزَ الْهَالِكُ الْعَفْوَ يُصْرَفُ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ كَمَا لَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا فَالْأَرْبَعَةُ تُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ إلَى النِّصَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ

خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ حَتَّى تَجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ (ثُمَّ وَثُمَّ) إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ (عِنْدَ الْإِمَامِ) كَمَا لَوْ هَلَكَ عِشْرُونَ مِنْهَا فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَفِي الْبَاقِي ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ وَلَوْ هَلَكَ ثَلَاثُونَ فَفِي الْبَاقِي شَاتَانِ وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ فَفِي الْبَاقِي شَاةٌ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ) الْهَالِكُ (بَعْدَ الْعَفْوِ الْأَوَّلِ إلَى النُّصُبِ) أَيْ إلَى كُلِّ النِّصَابِ حَالَ كَوْنِهِ (شَائِعًا) كَمَا لَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا فَتَجِبُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ عِنْدَهُ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الزَّائِدَةُ عَفْوًا فَيُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْأَرْبَعَةِ أَوَّلًا ثُمَّ الْهَلَاكُ يَشِيعُ فِي الْكُلِّ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ الْهَالِكِ (وَالزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ (بِهِمَا) أَيْ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ وَلِلشَّيْخَيْنِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا» وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ نَفَى الْوُجُوبَ عَنْ الْعَفْوِ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ (فَلَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَرْبَعُونَ مِنْ ثَمَانِينَ شَاةٍ تَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ شَاةٍ) ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا. (وَلَوْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا تَجِبُ بِنْتُ مَخَاضٍ) لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَثَمَنُهَا) ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا هَلَكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَجِبُ نِصْفٌ وَثُمُنٌ مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ: اعْلَمْ أَنَّ صَرْفَ الْهَلَاكِ إلَى الْعَفْوِ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا فَلَا إلَّا فِي السَّوَائِمِ. (وَيَأْخُذُ السَّاعِي الْوَسَطَ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ بِلَا جَبْرٍ (لَا الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى) حَتَّى لَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لَبُونٍ مَثَلًا لَا يَأْخُذُ خِيَارَ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا أَرْدَأَهَا وَإِنَّمَا يَأْخُذُ وَسَطَ بِنْتِ لَبُونٍ. (وَلَوْ أَخَذَ الْبُغَاةُ) الْأَخْذُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ وَغَيْرَهُ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (زَكَاةَ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُشْرَ أَوْ الْخَرَاجَ) (يُفْتَى أَرْبَابُهَا أَنْ يُعِيدُوهَا خِفْيَةً) أَيْ يُؤَدُّونَهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إخْفَاءً وَسِرًّا (إنْ لَمْ يَصْرِفُوهَا فِي حَقِّهَا إلَّا الْخَرَاجَ) ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُصْرَفُ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مِنْهُمْ إذْ أَهْلُ الْبَغْيِ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ

باب زكاة الذهب والفضة والعروض

وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَلَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ وَقِيلَ: إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلِّ جَائِرٍ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ السُّلْطَانُ الْجَائِرُ إذَا أَخَذَ صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ تَجُوزُ وَتَسْقُطُ فِي الصَّحِيحِ وَلَا يُؤْمَرُ ثَانِيًا. [بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ] [نصاب الذَّهَب] بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ بِالضَّمِّ جَمْعُ عَرَضٍ بِفَتْحَتَيْنِ حُطَامُ الدُّنْيَا أَيْ مَتَاعُهَا سِوَى النَّقْدَيْنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا سُكُونُ الرَّاءِ وَفَتْحُ الْعَيْنِ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ كَمَا فِي الدِّيوَانِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الثَّانِي لِعُمُومِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ التِّجَارَةُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْجَمَلِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا ذُكِرَ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا السَّوَائِمِ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اسْتِثْنَاءُ السَّوَائِمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ (نِصَابُ الذَّهَبِ) أَيْ الْحَجَرَ الْأَصْفَرَ الرَّزِينَ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِهِ ذَاهِبًا بِلَا بَقَاءٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عِشْرُونَ) أَيْ مُقَدَّرٌ بِعِشْرِينَ (مِثْقَالًا) هُوَ لُغَةً: مَا يُوزَنُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَعُرْفًا مَا يَكُونُ مَوْزُونُهُ قِطْعَةَ ذَهَبٍ مُقَدَّرٌ بِعِشْرِينَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ مُتَوَاسِطَةٍ غَيْرِ مَقْشُورَةٍ مَقْطُوعَةٍ مَا امْتَدَّ مِنْ طَرْفِهَا فَالْمِثْقَالُ مِائَةُ شَعِيرَةٍ وَهَذَا عَلَى رَأْيِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا عَلَى رَأْي الْمُتَقَدِّمِينَ فَالْمِثْقَالُ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّوَانِقُ أَرْبَعُ طَسُّوجَاتٍ وَالطَّسُّوجُ حَبَّتَانِ، وَالْحَبَّةُ شَعِيرَتَانِ فَالْمِثْقَالُ شَعِيرَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَرْبَعُ شَعِيرَاتٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. [نصاب الْفِضَّة] (وَنِصَابُ الْفِضَّةِ) أَيْ الْحَجَرِ الْأَبْيَضِ الرَّزِينِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا لِإِزَالَةِ الْكُرْبَةِ عَنْ مَالِكِهَا مِنْ الْفَضِّ وَهُوَ التَّفْرِيقُ (مِائَتَا دِرْهَمٍ وَفِيهِمَا رُبُعُ الْعُشْرِ) وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي الْفِضَّةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِحِسَابِهِ) فَفِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ وَفِي أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ حِصَّتُهَا وَلَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ» (وَقَالَا مَا زَادَ بِحِسَابِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قَلَّ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَلَوْ زَادَ دِينَارٌ وَجَبَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ عِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ وَلَوْ زَادَ دِرْهَمٌ وَجَبَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَهَكَذَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ» لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ زَائِدٌ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فِي هَذَا عَلَى الْأَرْبَعِينِيَّات تَوْفِيقًا (وَالْمُعْتَبَرُ) بَعْدَ بُلُوغِ النِّصَابِ (فِيهِمَا الْوَزْنُ وُجُوبًا وَأَدَاءً) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ

يُعْتَبَرُ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جِيَادٌ جَازَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ. وَلَوْ أَدَّى أَرْبَعَةً جَيِّدَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ رَدِيئَةٌ عَنْ خَمْسَةٍ رَدِيئَةٍ لَا تَجُوزُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ. وَلَوْ كَانَ نُقْصَانُ السِّعْرِ لِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ ابْتَلَّتْ الْحِنْطَةُ اُعْتُبِرَ يَوْمُ الْأَدَاءِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِزِيَادَتِهَا اُعْتُبِرَ يَوْمُ الْوُجُوبِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تُضَمُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ بُلُوغِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ إبْرِيقُ فِضَّةٍ وَزْنُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَلَا زَكَاةَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَدَّى مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَ) الْمُعْتَبَرُ (فِي الدَّرَاهِمِ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) : وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةٌ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى وَزْنِ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ وَعَشَرَةٌ عَلَى سِتَّةِ مَثَاقِيلَ وَعَشَرَةٌ عَلَى خَمْسَةِ مَثَاقِيلَ فَأَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثًا كَيْ لَا تَظْهَرَ الْخُصُومَةُ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَثُلُثُهُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهَذَا يَجْزِي فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَتَقْدِيرِ الدِّيَاتِ. وَفِي النَّوَازِلِ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَزْنُ كُلِّ بَلَدٍ. (وَمَا غَلَبَ ذَهَبُهُ أَوْ فِضَّتُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ) وَفِيهِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ إذَا تَسَاوَى أَحَدُهُمَا الْغِشُّ وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَقِيلَ فِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقِيلَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ. (وَمَا غَلَبَ غِشُّهُ) كَالسَّتُّوقَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ (تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ) إذَا كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ نَوَى التِّجَارَةَ (لَا وَزْنُهُ وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا غَلَبَ غِشُّهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا رَائِجَةً وَلَا مَنْوِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ النِّصَابَ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَتَتَخَلَّصُ مِنْ الْغِشِّ فَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا لَا يَتَخَلَّصُ فَلَا؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا قَدْ هَلَكَتْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ خُلُوصَ الْفِضَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّرَاهِمِ فِضَّةٌ بِقَدْرِ النِّصَابِ (كَالْعُرُوضِ) لِيَكُونَ نَامِيًا. (وَيَجِبُ فِي تِبْرِهِمَا) بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يَكُونُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعْدِنِيَّاتِ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ إلَّا أَنَّهُ بِالذَّهَبِ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا وَقِيلَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَفِي غَيْرِهِ مَجَازٌ (وَحُلِيِّهِمَا) سَوَاءٌ كَانَ لِلنِّسَاءِ أَوْ لَا أَوْ قَدْرَ الْحَاجَةِ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ يُمْسِكُهَا لِلتِّجَارَةِ

أَوْ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلتَّجَمُّلِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُبَاحُ الِاسْتِعْمَالُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ وَمُبَاحٌ فَشَابَهُ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ كَوْنُهُمَا مَالٌ نَامٍ وَالنَّمَاءُ مَوْجُودٌ وَهُوَ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَحُلِيُّ الْمَرْأَةِ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ حُلِيٌّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَوَاهِرُ وَاللُّؤْلُؤُ وَبِخِلَافِهِ فِي بَحْثِ الْإِيمَانِ (وَآنِيَتَهُمَا) جَمْعُ إنَاءٍ. (وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا (فِي عُرُوضِ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (تُقَوَّمُ) أَيْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ (بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ) أَيُّهُمَا كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُقَوِّمُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ» وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ يَعْنِي نُقَوِّمُ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا إنْ كَانَ يَبْلُغُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ احْتِيَاطًا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا تُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ إنْ كَانَتْ تَبْلُغُ بِهِمَا فَإِنْ كَانَ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ أَنْفَعُ قُوِّمَتْ بِهَا، وَإِنْ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَتْ بِهَا وَإِنْ بَلَغَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا تُقَوَّمُ بِالْأَرْوَجِ، وَلَوْ اسْتَوَيَا رَوَاجًا يُخَيَّرُ الْمَالِكُ وَتُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ فِي مَفَازَتِهِ الْقَرِيبَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيُقَوَّمُ بِالْمَضْرُوبَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ ثَمَنُهَا مِنْ النُّقُودِ قُوِّمَتْ بِمَا اُشْتُرِيَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا قُوِّمَتْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قُوِّمَتْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وَتُضَمُّ قِيمَتُهَا) أَيْ الْعُرُوضِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ (إلَيْهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (لِيَتِمَّ النِّصَابُ) فَيُزَكِّي عَنْ قَفِيزِ حِنْطَةٍ لِلتِّجَارَةِ وَخَمْسَةِ مَثَاقِيلَ مِنْ ذَهَبٍ قِيمَةَ كُلٍّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ التِّجَارَةِ وَإِنْ افْتَرَقَتْ جِهَةُ الْإِعْدَادِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ. (وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ (إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِلْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ (وَعِنْدَهُمَا بِالْأَجْزَاءِ) أَيْ بِالْقَدْرِ فَيُزَكِّي لَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا لَا تَبْلُغُ مِائَةَ دِرْهَمٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَاعْلَمْ أَنَّ السَّوَائِمَ الْمُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِالْإِجْمَاع. (وَيُضَمُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِنْسِ نِصَابٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى النِّصَابِ (فِي حَوْلِهِ وَحُكْمِهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الْمُسْتَفَادِ وَالْحَوْلِ، وَحُكْمُ الْحَوْلِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَيْضًا فَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ حَصَلَتْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ يَضُمُّهَا إلَيْهِ وَيُزَكِّي عَنْ الْكُلِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِمِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ جِنْسِهِ لَا يُضَمُّ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا بِسَبَبِ الْأَصْلِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ أَوْ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ يُضَمُّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ سَائِمَةٍ

باب العاشر

فَاسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ضَمَّهَا وَزَكَّى كُلَّهَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَنُقْصَانُ النِّصَابِ) أَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالسَّوَائِمِ (فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ إنْ كَمُلَ فِي طَرَفَيْهِ) ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ حَرَجًا فَاعْتُبِرَ وُجُودُ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لِلِانْعِقَادِ. وَفِي آخِرِهِ لِلْوُجُوبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ كُلُّهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَجِبُ وَإِنْ تَمَّ آخِرَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فِي آخِرِهِ وَالْخَلُّ أَيْضًا يُسَاوِيهِ يَسْتَأْنِفُ لِلْخَلِّ وَيَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِلَى أَنَّ الدَّيْنَ فِي الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا إذَا جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً؛ لِأَنَّ الْعَلُوفَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ وَصْفِهِ كَهَلَاكِ كُلِّ النِّصَابِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً مَاتَتْ فِي الْحَوْلِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ صُوفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ فِي سَائِمَةٍ وَنَقْدٍ وَفِي آخِرِ الْحَوْلِ فِي عُرُوضٍ. (وَلَوْ عَجَّلَ) أَيْ قَدَّمَ (ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ) أَيْ صَحَّ لِمَالِكِ النِّصَابِ أَوْ أَكْثَرَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ تِلْكَ السِّنِينَ حَتَّى إذَا مَلَكَ فِي كُلٍّ مِنْهَا نِصَابًا أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمَالُ النَّامِي وَقَدْ وُجِدَ (أَوْ) عَجَّلَ (لِنُصُبٍ صَحَّ) أَيْ صَحَّ لِمَالِكِ نِصَابٍ وَاحِدٍ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ نُصُبٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى إذَا مَلَكَ النُّصُبَ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ فَبَعْدَ مَا تَمَّ الْحَوْلُ أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا نِصَابٍ إجْمَاعًا فَلَوْ عَجَّلَ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَفِي يَدِ الْإِمَامِ أَخَذَهُ لَكِنْ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ. (وَلَا شَيْءَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ التَّغْلِبِيِّ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) بَنُو تَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ طَالَبَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْجِزْيَةِ فَأَبَوْا فَقَالُوا نُعْطِي الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً فَصُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَذَا جِزْيَتُكُمْ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ فَلَمَّا جَرَى الصُّلْحُ عَلَى ضِعْفِ زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ مِنْ نِسْوَانِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى النِّسَاءِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْجِزْيَةِ وَجِزْيَةٌ عَلَى النِّسَاءِ. [بَابُ الْعَاشِرِ] أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَهَذَا يَشْمَلُ غَيْرَ الزَّكَاةِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ قَدَّمَهُ عَلَى الْخُمْسِ مِنْ الرِّكَازِ وَالْعَاشِرُ فَاعِلٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ عُشْرًا بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ لَكِنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ لَا الْعُشْرُ إلَّا فِي الْحَرْبِيِّ

إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْعُشْرَ وَأَرَادَ بِهِ رُبُعَهُ مَجَازًا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ جُزْئِهِ أَوْ يُقَالُ الْعُشْرُ صَارَ عَلَمًا لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ عُشْرًا لُغَوِيًّا أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ الْعَاشِرُ هُوَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ (هُوَ مَنْ نُصِبَ) أَيْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ (عَلَى الطَّرِيقِ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّاعِي وَهُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَلَا كَافِرًا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا وَلَا هَاشِمِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ تَوْلِيَةِ الْكَافِرِ فِي زَمَانِنَا عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ (لِيَأْخُذَ صَدَقَاتِ التُّجَّارِ) الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَهَذَا بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمِصْرِ وَلَا فِي الْقُرَى بَلْ فِي الْمَفَازَةِ قَالُوا: إنَّمَا يُنْصَبُ لِيَأْمَنَ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالصَّدَقَةِ تَغْلِيبًا لِاسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا (يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعَ الْعُشْرِ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ بِعَيْنِهَا. (وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَهُ) ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ (وَمِنْ الْحَرْبِيِّ تَمَامَهُ) ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَيْهَا أَشَدُّ لِكَثْرَةِ طَمَعِ اللُّصُوصِ فِي أَمْوَالِهِ (إنْ بَلَغَ مَالُهُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ مَالُ الْحَرْبِيِّ (نِصَابًا وَ) بِشَرْطِ إنْ (لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا) أَيْ مِقْدَارَ مَا يَأْخُذُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ عَلِمَ نَفْسَ الْأَخْذِ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ إذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاشِرُ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ. (وَإِنْ عَلِمَ) مَا أَخَذُوهُ مِنَّا (أَخَذَ مِثْلَهُ) قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا تَحْقِيقًا لِلْمُجَازَاةِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ بِذَلِكَ (لَكِنْ إنْ أَخَذُوا الْكُلَّ لَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْعَاشِرُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ غَدْرٌ (بَلْ يَتْرُكُ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ) أَيْ مَوْضِعَ أَمْنِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِيصَالَ عَلَيْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَقِيلَ يَأْخُذُ الْكُلَّ زَجْرًا لَهُمْ. (وَإِنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ) مِنَّا (شَيْئًا لَا يَأْخُذُ) الْعَاشِرُ (مِنْهُمْ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ. (وَلَا) يَأْخُذُ (مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ بِأَنَّ فِي بَيْتِهِ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ) لَمَّا كَانَ مَظِنَّتُهُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ مُطْلَقًا لَا نِصَابِ الْمُرُورِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ أَقَرَّ إلَى آخِرِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ اعْتِرَاضِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِزِيَادَتِهِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ وَهَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزَلْ عَفْوًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْصِيلٌ تَدَبَّرْ. (وَيَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ) مِنْ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ (تَمَامَ الْحَوْلِ) ، وَلَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْمُسْتَفَادِ وَسَطَ الْحَوْلِ (أَوْ الْفَرَاغَ مِنْ الدَّيْنِ)

أَيْ أَنْكَرَ فَرَاغَ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُطَالَبِ مِنْ الْعَبْدِ. وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ مِنْ الدَّيْنِ فَشَمَلَ الْمُسْتَغْرِقَ لِلْمَالِ وَالْمُنْقِصَ لِلنِّصَابِ وَهُوَ الْحَقُّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ بِمَالِهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ يُصَدِّقُهُ وَإِلَّا لَا انْتَهَى. لَكِنْ، إنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَشْمَلُ مَا لَا يَكُونُ مُنْقِصًا لِلنِّصَابِ كَمَا يَشْمَلُهُمَا فَالْحَقُّ التَّقْيِيدُ كَمَا لَا يَخْفَى تَدَبَّرْ (أَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ لَا يُقْبَلُ (فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِي السَّوَائِمِ لِلْإِمَامِ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُجِزْ الْإِمَامُ دَفْعَهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ) ادَّعَى (الْأَدَاءَ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ إنْ وُجِدَ عَاشِرٌ آخَرُ) فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ نُصِبَ آخَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ قُيِّدَ بِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ عَاشِرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ يُصَدَّقُ بِمَا أَخْبَرَ إلَّا بِمَا هُوَ كَذِبٌ بِيَقِينٍ (مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ صُدِّقَ فِي دَعْوَى هَذِهِ الْأُمُورِ بِيَمِينِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ كَانَتْ يُصَدَّقُ فِيهَا بِلَا تَحْلِيفٍ لَكِنْ تَعَلَّقَ هَاهُنَا حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ الْعَلَامَةِ بِالدَّفْعِ لِعَاشِرٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْنَعُ إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَوْ جَاءَ الْبَرَاءَةَ بِلَا حَلِفٍ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُصَدَّقْ عِنْدَهُمَا عَلَى قِيَاسِ الشَّهَادَةِ بِالْخَطِّ. (وَلَا يُقْبَلُ فِي أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ خَارِجَ مِصْرٍ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْأَدَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَيَضْمَنُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَلَا) يُقْبَلُ (فِي السَّوَائِمِ، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ وَإِنْ فُهِمَتَا عَمَّا سَبَقَ فَهَاهُنَا صَرَّحَ بِهِمَا. (وَمَا قَبِلَ مِنْ الْمُسْلِمِ قَبِلَ مِنْ الذِّمِّيِّ) هَذَا لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَالَ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ كَمَا يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَمَصْرِفُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ زَادَ إلَّا فِي ادِّعَاءِ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ إلَى الْفَقِيرِ لَكَانَ أَوْلَى (لَا) يُقْبَلُ (مِنْ الْحَرْبِيِّ) أَيْ جَمِيعُ ذَلِكَ (إلَّا قَوْلَهُ لِأَمَتِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِي) فَيُقْبَلُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرْبِيًّا لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَإِقْرَارُهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ وَلَوْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُعَشَّرُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. (وَإِنْ مَرَّ الْحَرْبِيُّ ثَانِيًا قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ) بَعْدَ التَّعْشِيرِ (فَإِنْ مَرَّ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى دَارِهِ عُشِّرَ ثَانِيًا) ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ كَمَا فِي جَزِيرَةِ أَنْدَلُسَ

لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَمَانِ وَقَدْ اسْتَفَادَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. (وَإِلَّا فَلَا) يُعَشَّرُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيصَالِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَمَا قِيلَ إذَا قَالَ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ، وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي التُّحْفَةِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ مِنْ هَذَا الْعَاشِرِ الْآخَرِ كَمَا وُجِدَتْ مِنْ الْعَاشِرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِأَخْذِ الْآخَرِ حَقَّهُ وَالِاسْتِيصَالُ لَا يَلْزَمُ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بِالتَّعْشِيرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ انْتَهَى. لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ جَارٍ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ. (وَتُعَشَّرُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) ، وَلَوْ قَالَ قِيمَةَ خَمْرِ كَافِرٍ لِلتِّجَارَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِالْخَمْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَا يَأْخُذُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (لَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ) أَيْ لَوْ مَرَّ بِهِمَا عَلَى الْعَاشِرِ عَشَّرَ الْخَمْرَ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِهَا لَا إنْ مَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ فَأَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ، وَالْخَمْرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَأَخْذُ قِيمَتِهَا لَا يَكُونُ كَأَخْذِهَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْعِنَايَةِ يُعْرَفُ بِقَوْلِ الْفَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا انْتَهَى. لَكِنْ إنَّ الْقِيَمَ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَوُجُودُ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا حِينَ صُدُورِ الدَّعْوَى نَادِرٌ تَدَبَّرْ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ مَرَّ بِهِمَا مَعًا يُعَشِّرُهُمَا) كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَابِعًا وَعَشَّرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ إنْ مَرَّ بِهِمَا عَلَى الِانْفِرَادِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعَشِّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقَالَ زُفَرُ يُعَشِّرُهُمَا مُطْلَقًا. (وَلَا يُعَشَّرُ مَالٌ تُرِكَ فِي الْمِصْرِ) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ بُرُوزُهُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ (وَلَا) يُعَشَّرُ مَالٌ (بِضَاعَةً) وَهِيَ مَالٌ يَكُونُ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ (وَلَا) يُعَشَّرُ مَالٌ (مُضَارَبَةً) . وَفِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ قَالَ الْحَرْبِيُّ: هَذَا الْمَالُ بِضَاعَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. (وَلَا) يُعَشَّرُ (كَسْبُ مَأْذُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمَا وَلَا نِيَابَةَ مِنْ الْمَالِكِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ عُشِّرَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا (إلَّا إنْ كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ (وَمَعَهُ مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ وَلِلشُّغْلِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَكَذَا لَا يَأْخُذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَوْلَاهُ. (وَمَنْ مَرَّ بِالْخَوَارِجِ فَعَشَّرُوهُ عُشِّرَ ثَانِيًا) إذَا مَرَّ عَلَى

باب الركاز

عَاشِرِ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ أَهْلِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَرَّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرُوا عَلَى مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ ثَمَّةَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ مَالِ صَبِيٍّ حَرْبِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَمْوَالِ صِبْيَانِنَا شَيْئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. [بَابُ الرِّكَازِ] ِ بِكَسْرِ الرَّاءِ دَفِينُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَأَنَّهُ رُكِزَ فِي الْأَرْضِ وَأَرْكَزَ الرَّجُلُ وَجَدَ الرِّكَازَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمَعْدِنُ وَالْكَنْزُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّاكِزُ وَشَيْءٌ رَاكِزٌ ثَابِتٌ. وَفِي الْفَتْحِ وَيُطْلَقُ الرِّكَازُ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةً مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ، وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ أَوْ مُتَوَاطِئًا إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ التَّوَاطُؤُ مُتَعَيِّنًا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبِدَايَةِ أَنَّ مِنْ الرِّكَازِ حَقِيقَةً فِي الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهَا مُرَكَّبًا. وَفِي الْكَنْزِ مَجَازٌ بِالْمُجَاوَرَةِ وَقَالَ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَعْدِنَ اسْمٌ لِمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَالْأَوْلَى تَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالرِّوَايَةِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ» كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْدِنِهِمَا فَقَطْ لَا عَلَى غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ. تَدَبَّرْ وَعِنْدَنَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الرِّكَازِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ بَلْ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْغَنِيمَةِ فَمَوْضِعُهُ الْمُنَاسِبُ كِتَابُ السِّيَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ زَكَاتُهُ زَكَاةً مَقْصُودَةً بِالنَّفْيِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْرَدَهُ هَاهُنَا بِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ (مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَجَدَ مَعْدِنَ) بِكَسْرِ الدَّالِ (ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يَنْطَبِعُ بِالنَّارِ وَيُذَابُ كَالصُّفْرِ وَقَيَّدْنَا بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَائِعَاتِ كَالْقَارِ وَنَحْوِهِ وَعَنْ الْجَامِدِ الَّذِي لَا يَنْطَبِعُ كَالْجِصِّ (فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا وَجَدَ الْمَعْدِنَ فِي الدَّارِ (أُخِذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَوْجُودِ أَوْ مِنْ الْوَاجِدِ (خُمُسَهُ وَالْبَاقِي لَهُ) أَيْ لِلْوَاجِدِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَا حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا الْمَالِ كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَجَمِيعُ مَنْ ذَكَرْنَا لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ وَالْمُسْتَأْمَنَ إذَا عَمِلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ مَا شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ وَإِذَا عَمِلَ الرَّجُلَانِ فِي طَلَبِ الرِّكَازِ وَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ لِلْوَاجِدِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ وَأَلْحَقَ لِلْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ فَالْمُصَابُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ (إنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً (وَأَلْحَقَ) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

(وَمَا) أَيْ الْمَعْدِنَ الَّذِي (وَجَدَهُ الْحَرْبِيُّ) فِي دَارِنَا (فَكُلُّهُ فَيْءٌ) كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا. (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ الْمَعْدِنَ وَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ لَكَانَ مُنَاسِبًا (فِي دَارِهِ) وَمَا فِي حُكْمِهَا كَالْمَنْزِلِ وَالْحَانُوتِ (لَا يُخَمَّسُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» كَالْكَنْزِ. (وَفِي أَرْضِهِ) الْمَمْلُوكَةِ قَيَّدْنَا بِهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ تَجِبُ اتِّفَاقًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَفِيهِمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ (رِوَايَتَانِ) فَفِي الْأَصْلِ لَا شَيْءَ فِيهِ. وَفِي الْجَامِعِ خُمُسٌ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُمْلَكْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ بَلْ فِيهَا الْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ وَالْخُمُسُ مِنْ الْمُؤَنِ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ خَالِيَةً عَنْهَا. (وَإِنْ وَجَدَ كَنْزًا فِيهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ) مِثْلُ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمِ الْمَلِكِ الْإِسْلَامِيِّ (فَهُوَ كَاللُّقَطَةِ) وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَمَا فِيهِ عَلَامَةُ الْكُفْرِ) مِثْلُ الصَّنَمِ أَوْ أَسَامِي مُلُوكِهِمْ الْمَعْرُوفِينَ (خُمِّسَ) يُقَالُ خَمَسَ الْقَوْمَ إذَا أَخَذَ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالْخُمُسُ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْمِيمُ وَهَاهُنَا بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَجَازَ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ (وَبَاقِيهِ لَهُ) أَيْ لِلْوَاجِدِ سِوَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (إنْ كَانَتْ أَرْضُهُ) أَيْ الْأَرْضُ الَّتِي وَجَدَ فِيهَا الْكَنْزَ (غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ) كَالْجَبَلِ وَالْمَفَازَةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَإِنْ) كَانَتْ (مَمْلُوكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ الْخُمُسُ فَيْءٌ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ وَهُوَ مِنْ الْوَاجِدِ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ، تَتَبَّعْ (وَعِنْدَهُمَا بَاقِيهِ لِمَنْ مَلَكَهَا أَوَّلَ الْفَتْحِ) أَيْ حِينَ فَتَحَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ تِلْكَ الْبَلْدَةَ (إنْ عَلِمَ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلِوَرَثَتِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ عَرَفُوا؛ لِأَنَّ الْمُخْتَطَّ لَهُ مِلْكُ الْأَرْضِ بِالْحِيَازَةِ فَيَمْلِكُ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا وَالْمُشْتَرِي مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ فَيَمْلِكُ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ فَبَقِيَ الْكَنْزُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْخُطَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ (فَلِأَقْصَى مَالِكٍ عُرِفَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَهَذَا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ كَنْزٌ فَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ: أَنَا وَضَعْتُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. (وَمَا اشْتَبَهَ ضَرْبُهُ) عَلَيْهِمْ بِأَنْ خَلَا عَنْ الْعَلَامَةِ (يُجْعَلُ كَافِرِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَقِيلَ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا) لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ. (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ فِي صَحْرَائِهَا رِكَازًا) أَيْ مَعْدِنَ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ كَالْمَفَازَةِ فَإِنَّ الرِّكَازَ اسْمٌ لِلْمَعْدِنِ حَقِيقَةً وَلِلْكَنْزِ مَجَازًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَنْزُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ يَدْفَعُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ تَدَبَّرْ (فَكُلُّهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَلَا يَكُونُ غَدْرًا، وَفِيهِ إشْعَارٌ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مُتَلَصِّصٌ دَارَهُمْ وَوَجَدَ فِي صَحْرَائِهِمْ رِكَازًا فَهُوَ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجَاهِرٍ وَلَمْ يَأْخُذْهُ

باب زكاة الخارج

قَهْرًا وَغَلَبَةً. (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ وَجَدَ ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنُ الرِّكَازَ (فِي دَارٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (رَدَّهُ عَلَى مَالِكِهَا) أَيْ الدَّارِ وَكَذَا فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَذَرًا عَنْ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا كَانَ مِلْكًا لَهُ مِلْكًا خَبِيثًا كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُخَمَّسُ وَإِنَّمَا أَسْنَدَ الْوَاجِدَ إلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ مُلْتَصِصٌ فَهُوَ لَهُ. (وَإِنْ وُجِدَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَلَا يَرْجِعُ ضَمِيرُهُ لِلْمُسْتَأْمَنِ مِنْ الْمَذْكُورِ (رِكَازُ مَتَاعِهِمْ) أَيْ دَخَلَ رَجُلٌ ذُو مَنَعَةٍ دَارَ الْحَرْبِ وَوَجَدَ رِكَازَ مَتَاعِهِمْ أَيْ مَا يُتَمَتَّعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ قِيلَ الْأَوَانِي وَقِيلَ الثِّيَابُ (فِي أَرْضٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ) قَيَّدَهُ لِيُفِيدَ الْحُكْمَ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي الْمَمْلُوكَةِ لِكَوْنِ الْمَأْخُوذِ غَنِيمَةً (خُمِّسَ وَبَاقِيهِ لَهُ) وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ انْدَفَعَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ عَلَى الْوِقَايَةِ وَصَاحِبُ الْفَوَائِدِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ فُهِمَتْ مِمَّا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهَا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَاقَانِيِّ إرْجَاعُ ضَمِيرٍ مِنْهَا عَلَى أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ وَعُشْرِيَّةٍ فِي أَرْضِنَا فَبَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَبْقَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَتَبَّعْ. فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ. (وَلَا خُمُسَ فِي نَحْوِ فَيْرُوزَجَ) وَهُوَ مُعَرَّبُ بيروزه (وَزَبَرْجَدَ) وَكَذَا فِي الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَغَيْرِهِمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» (وُجِدَ فِي الْجَبَلِ) قَيَّدَهُ بِالْجَبَلِ؛ لِأَنَّهُ يُخَمَّسُ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِ الْكُفَّارِ. (وَيُخَمَّسُ زِئْبِقٌ) عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَخَّرَ الزِّئْبَقَ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَهُوَ مُعَرَّبُ زيوه بِالْفَارِسِيِّ وَ (لَا) يُخَمَّسُ (لُؤْلُؤٌ) هُوَ جَوْهَرٌ مُضِيءٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَطَرِ الرَّبِيعِ الْوَاقِعِ فِي الصَّدَفِ قِيلَ إنَّهُ حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسِ السَّمَكِ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى اللُّؤْلُؤَ فِيهِ (وَعَنْبَرٌ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ فِي الْبَرِّ وَقِيلَ صَمْغُ شَجَرٍ وَقِيلَ زَبَدُ الْبَحْرِ وَقِيلَ خِثْيُ الْبَقَرِ الْبَحْرِيِّ وَقِيلَ رَوْثُ غَيْرِهِ وَقِيلَ دَابَّةٌ قَالَ ابْنُ سَيْنَاءَ الْكُلُّ بَعِيدٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ وَيَطْفُو وَيُرْمَى بِالسَّاحِلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَكَذَا لَا شَيْءَ فِيمَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْبَحْرِ، وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً؛ لِأَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ فَلَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيمَةً فَلَا يَكُونُ فِيهِ الْخُمُسُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْعَكْسِ) أَيْ لَا يُخَمَّسُ زِئْبِقٌ وَيُخَمَّسُ لُؤْلُؤٌ وَعَنْبَرٌ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ. [بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ] وَجْهُ تَأْخِيرِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَالْعُشْرُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ الْمَحْضَةُ مُقَدَّمَةٌ وَسُمِّيَ بِالزَّكَاةِ مَعَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ بَلْ الْعُشْرُ إلَّا أَنَّ الْمَأْخُوذَ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ فَسُمِّيَ بِهَا وَبِهَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ تَسْمِيَتُهُ زَكَاةً عَلَى قَوْلِهِمَا لِاشْتِرَاطِهِمَا النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ. تَدَبَّرْ (فِيمَا

سَقَتْهُ السَّمَاءُ) أَيْ الْمَطَرُ (أَوْ سُقِيَ سَيْحًا) السَّيْحُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْمَاءُ الْجَارِي كَالْأَنْهَارِ وَالْأَوْدِيَةِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ فَإِنْ سَقَاهُ فِي النِّصْفِ أَوْ الْأَقَلِّ فَفِي الْخَارِجِ نِصْفُ الْعُشْرِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (أَوْ) مَا (أُخِذَ مِنْ ثَمَرِ جَبَلٍ الْعُشْرُ) مُبْتَدَأٌ وَالظَّرْفُ الْمُقَدَّمُ خَبَرُهُ، إنْ حَمَاهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْمِهِ الْإِمَامُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ كَالصَّيْدِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَ) لَا شَرْطِ (بَقَاءٍ) حَتَّى تَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجِبُ) الْعُشْرُ (فِيمَا يَبْقَى سَنَةً) بِلَا مُعَالَجَةٍ كَثِيرَةٍ فَلَا شَيْءَ فِي مِثْلِ الْخَوْخِ وَالْكُمَّثْرَى وَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوَسَّقُ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعُنَّابِ وَالتِّينِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ (إلَّا إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» . وَفِي الثَّانِي «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَالْحَدِيثُ «فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَتَأْوِيلُ مَرْوِيِّهِمَا أَنَّ الْمَنْفِيَّ زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمِئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ عُشْرٌ وَحَدِيثُ الْخَضْرَاوَاتِ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ اسْتِحْكَامِهِ (وَالْوَسْقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا حِمْلُ الْبَعِيرِ (سِتُّونَ صَاعًا) بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا مَنٍّ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَاعٍ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَ) إنْ كَانَ مِمَّا يَبْقَى (مَا لَا يُوَسَّقُ) كَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالسُّكَّرِ (فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ مَا لَا يُوَسَّقُ (خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوَسَّقُ) مِنْ نَحْوِ الدَّخَنِ (يَجِبُ) الْعُشْرُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ التَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ اُعْتُبِرَ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَاعْتُبِرَ أَدْنَاهُ لِنَفْعِ الْفَقِيرِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ) الْعُشْرُ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ (إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَمْثَالِ مَنٍّ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ فِيمَا يُوَسَّقُ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالصَّاعِ ثُمَّ بِالْكَيْلِ ثُمَّ بِالْوَسْقِ فَكَانَ الْوَسْقُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ مِنْ مِعْيَارِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْقُطْنِ الْحِمْلُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالْأَسَاتِيرِ ثُمَّ بِالْأَمْنَاءِ

ثُمَّ بِالْحِمْلِ وَفِي الزَّعْفَرَانِ الْمَنُّ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَوَّلًا بِالسَّنَجَاتِ ثُمَّ بِالْأَسَاتِيرِ ثُمَّ بِالْأَمْنَاءِ، وَالْحِمْلُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَالْمَنُّ رَطْلَانِ وَالرَّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ عِشْرُونَ إسْتَارًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلُّ نَوْعِ مِنْ الْحُبُوبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا يُضَمُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُضَمُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ نَوْعٍ حِصَّتَهُ وَعَنْهُ إنَّ مَا أَدْرَكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يُضَمُّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (وَلَا شَيْءَ فِي حَطَبٍ وَقَصَبٍ فَارِسِيٍّ وَحَشِيشٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْصَدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ غَالِبًا فَلَوْ اتَّخَذَهَا مَشْجَرَةً أَوْ مَقْصَبَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَقَيَّدَ بِالْفَارِسِيِّ؛ لِأَنَّ قَصَبَ السُّكَّرِ وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ فِيهِمَا الْعُشْرُ وَسُمِّيَ بِالذَّرِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُجْعَلُ ذَرَّةً ذَرَّةً وَتُلْقَى فِي الدَّوَاءِ، وَأَجْوَدُهُ يَاقُوتِيُّ اللَّوْنِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَدْوِيَةِ لِحَرْقِ النَّارِ مَعَ دُهْنِ وَرْدٍ وَخَلٍّ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ مَعَ الْعَسَلِ وَمِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ضِمَادًا. (وَ) لَا شَيْءَ فِي (تِبْنٍ وَسَعَفٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَرَقُ نَخْلٍ وَكَذَا كُلُّ حَبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبَذْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ وَيَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ وَالْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبَذْرِهِ وَلَا شَيْءَ فِي الْأُشْنَانِ وَالْخِطْمِيِّ وَبَذْرِهِ. (وَ) يَجِبُ (فِيمَا سَقَى) الْخَارِجُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ أَوْ نِصْفَهُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمُؤْنَةُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الزِّرَاعَةِ وَلَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ. وَفِي الْعِنَايَةِ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْقِيُّ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ مِمَّا يَبْقَى سَنَةً وَيَكُونُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (بِغَرْبٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ يُدِيرُهُ الْبَقَرُ (أَوْ دَالِيَةٍ) دُولَابٌ يُدِيرُهُ الْبَقَرُ. وَفِي الْمُغْرِبِ مَا يُدِيرُهُ الْبَقَرُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأُرْزِ وَفِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ (أَوْ سَانِيَةٍ) هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا (نِصْفُ الْعُشْرِ قَبْلَ رَفْعِ مُؤَنِ الزَّرْعِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ الثِّقَلُ وَالْمَعْنَى بِلَا إخْرَاجِ مَا صُرِفَ لَهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعُمَّالِ وَالْبَقَرِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الزَّرْعِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤَنِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا هَذَا قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْعُشْرِ وَنِصْفِهِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ جَعَلَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَرَاجَ لَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ. (وَ) يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعَشْرُ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ) عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَمَالِكٍ قَاسَاهُ عَلَى الْإِبْرَيْسَمِ

قُلْنَا: الْعَسَلُ مَنْصُوصٌ وَلِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ وَالْأَنْوَارَ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ وَلَا عُشْرَ فِيهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عُشْرَ فِي الْأَنْوَارِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا نَظَرٌ تَدَبَّرْ (إذَا أُخِذَ مِنْ جَبَلٍ) عُشْرِيٌّ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الْخِزَانَةِ أَنْ لَا شَيْءَ مِنْ جَبَلٍ فِي رِوَايَةٍ (أَوْ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ) لَا خَرَاجِيَّةٍ إذَا لَا شَيْءَ فِيهَا لِئَلَّا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ) يَجِبُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ الْعَسَلُ الْفَرَقُ (وَالْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْفَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ إنَاءٌ يَأْخُذُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْمُحْدَثُونَ عَلَى السُّكُونِ وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى التَّحْرِيكِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَ عَشْرَ قِرَبٍ) كُلُّ قِرْبَةٍ خَمْسُونَ مَنًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ» وَعَنْهُ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ وَعَنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَيُؤْخَذُ عُشْرَانِ مِنْ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ) ؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ عِنْدَهُ. (وَلَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّغْلِبِيِّ (ذِمِّيٌّ أُخِذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ (الْعُشْرَانِ) أَصْلِيًّا كَانَ التَّضْعِيفُ أَوْ حَادِثًا بِأَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ اشْتَرَى مِنْ تَغْلِبِيٍّ. (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ) أَيْ التَّغْلِبِيُّ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرَانِ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ رُدَّ الْوَاجِبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ وَهُوَ الْكُفْرُ. (وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْكَافِي (وَعَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ (مَا عَلَى الرَّجُلِ) مِنْهُمْ وَهُوَ الْعُشْرُ الْمُضَاعَفُ فِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجُ فِي الْخَرَاجِيَّةِ. (وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ) غَيْرُ تَغْلِبِيٍّ (عُشْرِيَّةَ مُسْلِمٍ) وَقَبَضَهَا بِلَا مَانِعٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا وَلَا وَجْهَ إلَى التَّضْعِيفِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَيُصْرَفُ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُؤْنَةً لَهَا فَلَا يَتَبَدَّلُ كَالْخَرَاجِ ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَفِي رِوَايَةٍ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ أَخَذَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ (مُسْلِمٌ بِشُفْعَةٍ أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ عَادَ الْعُشْرُ) قَالَ صَاحِبُ

الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى مُسْلِمٍ أَخَذَهَا مِنْهُ شُفْعَةً أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَيْبِ بِقَضَاءٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلٍ رُدَّتْ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ عُشْرِيَّةً ثُمَّ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ بِخِيَارِ مَا عَادَتْ عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ انْتَهَى. لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الْقَضَاءِ بِجَمِيعِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا فِي الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَانَ فَسْخًا إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْفَسْخِ فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ إقَالَةً وَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتُنْقَلُ إلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ. (وَفِي دَارٍ جُعِلَتْ بُسْتَانًا) الْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ، وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا بَلْ أَبْقَاهَا دَارًا وَلَكِنْ فِيهَا نَخِيلٌ لَا شَيْءَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (خَرَاجٌ إنْ كَانَتْ) الدَّارُ (لِذِمِّيٍّ) سَوَاءٌ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ أَلْيَقُ بِالذِّمِّيِّ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْمَاءِ الْعُشْرِيِّ إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرًا وَاحِدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (أَوْ لِمُسْلِمٍ سَقَاهَا بِمَائِهِ) أَيْ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْخَرَاجُ. (وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ فَعُشْرٌ) وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهُ مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالذِّمِّيُّ أَحَقُّ بِالْخَرَاجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَاسْتُشْكِلَ فِي إيجَابِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً حَتَّى قَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ بِكُلِّ حَالٍ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ جَبْرًا، أَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ وَقَدْ اخْتَارَهُ هُنَا حَيْثُ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَا شَيْءَ فِي الدَّارِ، وَلَوْ لِذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ الْمَسَاكِنُ عَفْوٌ. (وَمَاءُ السَّمَاءِ) أَيْ مَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ الْوَاقِعَةِ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ (وَ) مَاءُ (الْبِئْرِ) الْمَحْفُورَةِ فِيهَا (وَالْعَيْنِ) الْوَاقِعَةِ فِيهَا (عُشْرِيٌّ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْعُشْرِ فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ خَرَاجِيَّةً فَخَرَاجِيٌّ فَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ مَاءُ الْخَرَاجِ ثُمَّ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْعُشْرِ صَارَتْ عُشْرِيَّةً، وَلَوْ انْعَكَسَ صَارَتْ خَرَاجِيَّةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَمَاءُ أَنْهَارٍ) جَمْعُ نَهْرٍ بِالسُّكُونِ أَوْ الْفَتْحِ مَجْرَى الْمَاءِ (حَفَرَهَا) مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ (الْعَجَمُ) أَيْ اسْمُ جَمْعٍ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ بَعْضُ مُلُوكِهِمْ كشداديان وكيانيان وإشكانيان وساسانيان وَآخِرُهُمْ بِيَزْدَجْرِدُ (خَرَاجِيٌّ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْخَرَاجِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ بَعْضِهَا مِنْ مَاءٍ فِيهِ خِلَافٌ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَكَذَا مَاءُ بِئْرٍ حُفِرَتْ فِيهَا وَعَيْنٌ تَظْهَرُ فِيهَا (وَكَذَا) أَيْ خَرَاجِيٌّ مَاءُ (سَيْحُونَ) نَهْرُ خُجَنْدَ أَوْ التُّرْكِ أَوْ الْهِنْدِ. (وَ) مَاءُ (جَيْحُونَ) نَهْرُ بَلْخَ أَوْ تِرْمِذَ. (وَ) مَاءُ (دِجْلَةَ) نَهْرُ بَغْدَادَ (وَالْفُرَاتُ) نَهْرُ الْكُوفَةِ أَوْ الْعِرَاقِ وَكَذَا النِّيلُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ تُتَّخَذُ عَلَيْهَا الْقَنَاطِرُ مِنْ السُّفُنِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَيْهَا

باب في بيان أحكام المصرف

(خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ عُشْرِيَّةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِيهَا أَحَدٌ وَاِتِّخَاذُ الْقَنَاطِرِ عَلَيْهَا نَادِرٌ فَصَارَتْ كَالْبِحَارِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاءَ الْخَرَاجِيَّ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ أُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَالْعُشْرِيُّ مَا عَدَا ذَلِكَ. (وَلَيْسَ فِي عَيْنِ قِيرٍ) وَهُوَ الزِّفْتُ وَالْقَارُ لُغَةٌ فِيهِ (أَوْ نِفْطٍ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ وَكَذَا الْمِلْحُ (فِي أَرْضِ عُشْرٍ شَيْءٌ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُمَا عَيْنَانِ فَوَّارَتَانِ كَعَيْنِ الْمَاءِ. (وَإِنْ كَانَتْ) عَيْنُ قِيرٍ أَوْ نِفْطٍ (فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَفِي حَرِيمِهَا الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ الْخَرَاجُ) قَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَرِيمِ الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَرِيمُ عُشْرِيًّا وَزَرَعَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (لَا فِيهَا) أَيْ عَيْنَ قِيرٍ أَوْ نِفْطٍ هَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ فِي هَاتَيْنِ الْعَيْنَيْنِ أَيْضًا خَرَاجٌ بِأَنْ يَمْسَحَ الْعَيْنَ أَيْضًا تَبَعًا إذَا كَانَ حَرِيمُهَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ لَا فِيهَا وَهُوَ أَنْسَبُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجْتَمِعُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَاجِ عُشْرٌ وَمِنْ الْأَرْضِ خَرَاجٌ. وَفِي الْمُحِيطِ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ عِنْدَ ظُهُورِ التَّمْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ اسْتِحْكَامِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَكْلُ غَلَّتِهَا قَبْلَ أَدَاءِ خَرَاجِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ الْعُشْرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْعُشْرَ وَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ وَمَنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ أَوْ خَرَاجٌ وَمَاتَ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَمَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ إذَا مُنِعَ مِنْهُ الْخَرَاجُ سِنِينَ لَا يُؤْخَذُ لِمَا مَضَى فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَكِنَّ الْفَتْوَى الْيَوْمَ خِلَافُهُ إذَا أَدْرَكْت الْغَلَّةَ كَانَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْخَرَاجَ. [بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمَصْرِفِ] لَمَّا ذَكَرَ أَبْوَابَ الزَّكَاةِ عَلَى تَعْدَادِهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمَصَارِفِ وَالْمَصْرِفُ فِي اللُّغَةِ الْمَعْدِلُ أَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ إنَّمَا لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِك إنَّمَا زَيْدٌ لَمُنْطَلِقٌ وَلِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ كَقَوْلِك إنَّمَا الْمُنْطَلِقُ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّ لِلْإِثْبَاتِ وَمَا لِلنَّفْيِ فَيَقْتَضِي قَصْرَ جِنْسِ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْأَصْنَافِ الْمَعْدُودَةِ وَأَنَّهَا هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهَا لَا يُتَجَاوَزُ إلَى غَيْرِهَا كَأَنَّهُ قِيلَ إنَّمَا هِيَ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ وَعَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِيُؤْذِنَ أَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ مِمَّنْ سَبَقَ

ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ وَتَكْرِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] يُؤْذِنُ بِفَضْلِ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ كَمَا فِي الْكَشَّافِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَتْ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَجْهُ السُّقُوطِ بَيِّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُرَاجَعْ (هُوَ) أَيْ الْمَصْرِفُ (الْفَقِيرُ وَهُوَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ دُونَ نِصَابٍ) فَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ الْكَسُوبِ وَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الدَّفْعِ جَوَازُ الْأَخْذِ كَظَنِّ الْغَنِيِّ فَقِيرًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ جَوَازُ أَخْذِهَا لِمَنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لَكِنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ أَوْلَى لِمَنْ لَهُ سَدَادٌ مِنْ عَيْشٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَالْمِسْكِينُ) مِفْعِيلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا فِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ مِنْ السُّكُونِ؛ لِأَنَّهُ يَسْكُنُ قَلْبُهُ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ فَسَّرَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ وَالْعُرْفِيَّ فَقَالَ (مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) وَهُوَ أَسْوَءُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ عِنْدَنَا قَالَ الشَّاعِرُ أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ سَمَّاهُ فَقِيرًا وَلَهُ حَلُوبَةٌ (وَقِيلَ بِالْعَكْسِ) يَعْنِي: الْفَقِيرُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْمِسْكِينُ هُوَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ دُونَ نِصَابٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمَا صِنْفَانِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لَا فِي الزَّكَاةِ. (وَالْعَامِلُ) هُوَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ بِجِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ عَبَّرَ بِالْعَامِلِ دُونَ الْعَاشِرِ لِيَشْمَلَ السَّاعِيَ (يُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ) مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ مُدَّةَ ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ فَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ، وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالثَّمَنِ. (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) لَا هَاشِمِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الصَّدَقَةِ وَالْأُجْرَةِ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْهَاشِمِيُّ وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَجَوَّزَ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يَكُونَ الْهَاشِمِيُّ عَامِلًا وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِلْغَنِيِّ مَعَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَسْتَحِقُّ كِفَايَتَهُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُقَوِّي مَا نُسِبَ إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَيُعْمَلُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَأَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَاسْتَوْجَبَ أَجْرًا عَلَيْهِمْ فَصَارَ مَا اسْتَحَقَّهُ صَدَقَةً مِنْ وَجْهٍ أُجْرَةً مِنْ وَجْهٍ. (وَالْمُكَاتَبُ) عَطْفٌ عَلَى الْفَقِيرِ أَيْ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَوْلَاهُ غَنِيًّا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُكَاتَبٍ هَاشِمِيٍّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ

(يُعَانُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ) يَعْنِي بِهِ مُعَاوَنَةَ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] . (وَمَدْيُونٌ) وَالْمُرَادُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَ وَلَا يَجِدُ قَضَاءً وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْفَقِيرِ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْلَى مِنْهُ بِالدَّفْعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنَّ وَجْهَ التَّقْدِيمِ مُوَافَقَتُهُ لِلنَّظْمِ الْكَرِيمِ تَدَبَّرْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْغَارِمِينَ وَالْغَرَامَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اللُّزُومُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْغَارِمُ مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ (لَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) أَيْ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ هُوَ مَصْرِفٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ مَدْيُونٍ مَلَكَ قُوتَ شَهْرٍ يُسَاوِي قِيمَتُهُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْإِصْلَاحِ لَمْ يَقُلْ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ لَكِنَّ النِّصَابَ مِائَتَا دِرْهَمٍ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَيَّدَهُ تَدَبَّرْ. (وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) الَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ اللُّحُوقِ بِجَيْشِ الْإِسْلَامِ لِفَقْرِهِمْ فَتَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَإِنْ كَانُوا كَاسِبِينَ إذْ الْكَسْبُ يُقْعِدُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (وَ) مُنْقَطِعُ (الْحَجِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ) الْمُنْقَطِعُ (فَقِيرًا) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُكَرَّرٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ فَقِيرٌ؟ أُجِيبُ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ بِالِانْقِطَاعِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مُغَايِرًا لِلْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ الْخَالِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يُشْكِلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ لَا يُوجِبُ خِلَافًا فِي الْحُكْمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي الْأَصْنَافُ كُلُّهُمْ سِوَى الْعَامِلِ بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ يُعْطَى اتِّفَاقًا. (وَمَنْ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ لَا مَعَهُ) وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ فَكُلُّ مَنْ يَكُونُ مُسَافِرًا عَلَى الطَّرِيقِ يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ كَمَا يُسَمَّى ابْنَ الْفَقِيرِ لِلْفَقِيرِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لِلْأَدَاءِ فِي بَلَدِهِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (إلَى كُلِّهِمْ) أَيْ إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ (وَإِلَى بَعْضِهِمْ) ، وَلَوْ شَخْصًا وَاحِدًا مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ لَا تَعْيِينُ الدَّفْعِ لَهُمْ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَبِهَذَا ظَهَرَ خَلَلُ عِبَارَةِ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَيُدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ. تَدَبَّرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُصْرَفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِحَرْفِ اللَّامِ

لِلِاسْتِحْقَاقِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَفِيهِ الِاسْتِغْرَاقُ فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ عَلَى حَالِهَا قُلْنَا: حَقِيقَةُ اللَّامِ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ الْخُصُوصِيَّاتِ مِنْ الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ يَكُونُ مُجَرَّدًا فَحَاصِلُ التَّرْكِيبِ إضَافَةُ الصَّدَقَاتِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِكُلِّ صَدَقَةٍ تُصْدَقُ إلَى الْأَصْنَافِ الْعَامِّ كُلٍّ مِنْهَا الشَّامِلِ لِكُلِّ فَرْدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَجْمَعُونَ أَخَصُّ بِهَا كُلِّهَا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي لُزُومَ كَوْنِ كُلِّ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْقَسِمُ عَلَى أَفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَحَالَ ذَلِكَ فَلَزِمَ أَقَلُّ الْجَمْعِ مِنْهُ بَلْ إنَّ الصَّدَقَاتِ كُلَّهَا لِلْجَمِيعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ كُلِّ صَدَقَةٍ صَدَقَةٌ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ لَوْ أَمْكَنَ أَوْ كُلُّ صَدَقَةٍ جُزْئِيَّةٍ لِطَائِفَةٍ أَوْ لِوَاحِدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا دَخَلَ اللَّامُ عَلَى الْجَمْعِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَعْهُودِ وَلَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ يُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ وَتَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَهُنَا لَا يُرَادُ الْعَهْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ لِلْعَهْدِ فِي الْآيَةِ وَالِاسْتِغْرَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرَمَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ هَذَا فِي وُسْعِ أَحَدٍ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ فَقَالَ: لَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ مِثْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ الْحَقِيقِيِّ بَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ عَلَى طَرِيقَةِ جَمَعَ الْأَمِيرُ الصَّاغَةَ أَيْ صَاغَةَ بَلَدِهِ وَعَدَمُ كَوْنِهِ فِي وُسْعِ أَحَدٍ غَيْرَ مُسَلَّمٍ انْتَهَى. أَقُولُ إنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ الَّتِي فِي الْبَلَدِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ فِيهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ هَذَا الْمَحْذُورُ خُصُوصًا فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ. تَدَبَّرْ. (وَلَا تُدْفَعُ) الزَّكَاةُ (لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ) ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا بِنَاءُ الْقَنَاطِيرِ وَإِصْلَاحُ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ مَا لَا يُتَمَلَّكُ فِيهِ، وَإِنْ أُرِيدَ الصَّرْفُ إلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ صُرِفَ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّرْفِ إلَيْهَا فَيُثَابُ الْمُزَكِّي وَالْفَقِيرُ وَلَا يَصْرِفُ إلَى مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ غَيْرِ مُرَاهِقٍ إلَّا إذَا قَبَضَ لَهُمَا مَنْ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَيَصْرِفُ إلَى مُرَاهِقٍ يَعْقِلُ الْأَخْذَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَكَلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ أَوْ الْفِطْرَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ تَكْفِينِ مَيِّتٍ) لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ (أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ الْفَقِيرِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْهُ بِخِلَافِ دَيْنِ الْحَيِّ بِأَمْرِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ (أَوْ ثَمَنِ قِنٍّ يُعْتَقُ) أَيْ لَا يُشْتَرَى بِهَا رَقَبَةٌ تُعْتَقُ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ. (وَلَا) تُدْفَعُ (إلَى ذِمِّيٍّ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِلْمُسْلِمِينَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْزَمُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ

وَلَئِنْ كَانَ خَبَرًا وَاحِدًا فَالْعَامُّ خُصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيُّ الْفَقِيرُ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا لَا يُصْرَفُ إلَى الْمُرْتَدِّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصْرَفُ إلَى مَنْ لَا يُكَفَّرُ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَصَحَّ غَيْرُهَا) مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ أَيْ غَيْرُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ إلَى الذِّمِّيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ قَالَ: وَغَيْرُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُدْفَعَانِ إلَيْهِ أَيْضًا. تَدَبَّرْ. (وَلَا) تُدْفَعُ (إلَى غَنِيٍّ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَغْنِيَاءِ الْغُزَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْخُذُوا مِنْ الْفَيْءِ (يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُرُوضِ وَهُوَ فَاضِلٌ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَالدَّيْنِ فِي النُّقُودِ وَالِاحْتِيَاجِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فِي أَمْرِ الْمَعَاشِ فِي غَيْرِهَا بِلَا اشْتِرَاطِ النَّمَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ كِتَابٌ مُكَرَّرٌ يُحْسَبُ أَحَدُهُمَا مِنْ النِّصَابِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ يَسْكُنُ فِي إحْدَاهُمَا وَلَا يَسْكُنُ فِي الْأُخْرَى تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ يُؤَجِّرُهَا أَوْ لَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ يَصْرِفُ أُجْرَتَهَا إلَى قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَابْنِ الْمَلِكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ كَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ لَكِنْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى آخِرِهِ مُفِيدٌ تَقْرِيرَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ السَّوَائِمِ لِمَا أَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَ نِصَابُهَا إلَّا مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقَدْ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٌ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْغَنِيُّ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ دُونَ النِّصَابِ أَيْ غَيْرَ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا قَدْرُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ قِيمَتُهَا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدَيْنِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا أَيْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَمَا فِي نَظْمِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهِ لَهُ وَفِي شَرْحِهِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ. قِيلَ: وَمَا الْغَنِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ» وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ فِي الْأَشْبَاهِ خِلَافَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْمُحِيطِ الْغِنَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ غِنًى يُوجِبُ الزَّكَاةَ وَهُوَ مَنْ مَلَكَ نِصَابَ حَوْلِيٍّ نَامٍ وَغِنًى يُحَرِّمُ الصَّدَقَةَ وَيُوجِبُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مَنْ مَلَكَ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ نِصَابٍ وَغِنًى يُحَرِّمُ السُّؤَالَ دُونَ الصَّدَقَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَمَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. (وَعَبْدِهِ) أَيْ الْغَنِيَّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ وَكَذَا لِلْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الْغَيْرُ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ جَازَ دَفْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا

لَهُمَا (وَطِفْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ عُرْفًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْإِضَافَةِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الصَّرْفِ إلَى طِفْلِ الْفَقِيرِ (بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ) وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَائِهِ. (وَامْرَأَتِهِ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ) فَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى امْرَأَتِهِ الْغَنِيَّ كَابْنِهِ. (وَلَا) تُدْفَعُ (إلَى هَاشِمِيٍّ مِنْ آلِ عَلِيٍّ أَوْ عَبَّاسٍ أَوْ جَعْفَرٍ أَوْ عَقِيلٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (أَوْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا آلِ مُحَمَّدٍ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَارِثِ ابْنَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -» ، وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِهَؤُلَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُرِّيَّةِ أَبِي لَهَبٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ لِبَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فِي عِوَضِهَا خُمُسَ الْخُمُسِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى هَاشِمِيٍّ مِثْلِهِ (قِيلَ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ) يَعْنِي اخْتَلَفُوا فِيمَا يُمْنَعُ قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَأَمَّا التَّطَوُّعَاتُ فَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَيْهِمْ. وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ أَمَّا جَوَازُ النَّفْلِ فَبِالْإِجْمَاعِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ مُقْتَصِرًا وَعَزَاهُ إلَى النَّوَادِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْأَقْطَعُ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَلَمْ يُشْعِرْ بِهِ لَكِنْ أَثْبَتَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْخِلَافَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ الْحُرْمَةِ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِإِطْلَاقِهِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَعَنْ الْإِمَامِ لَا بَأْسَ فِي صَرْفِ الْكُلِّ إلَيْهِمْ. وَعَنْهُ جَوَازُ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ وَفِي الْآثَارِ وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَبِالْجَوَازِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَخْصُوصَةٌ بِزَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ سَوَّى صَاحِبُ الْكَافِي بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ وَقَيَّدَهُ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ بِمَا إذَا سَمَّاهُمْ فِي الْوَقْفِ يَجُوزُ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ فَلَا فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ (وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ مُعْتَقُ بَنِي هَاشِمٍ (مِثْلُهُمْ) أَيْ مِثْلُ بَنِي هَاشِمٍ فِي عَدَمِ جَوَازِ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . (وَلَا يَدْفَعُ) الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ (إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ) سَوَاءٌ كَانَ بِالنِّكَاحِ أَوْ السِّفَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ (أَوْ) إلَى (زَوْجَتِهِ) بِالِاتِّفَاقِ. (وَكَذَا لَا تَدْفَعُ) الْمَرْأَةُ (إلَى زَوْجِهَا) وَلَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَك أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ قَالَهُ لِامْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ» قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لِلِاشْتِرَاكِ

فِي الْمَنَافِعِ. (وَلَا إلَى عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمْ لِلسَّيِّدِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (وَكَذَا عَبْدِهِ الْمُعْتَقِ بَعْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِوُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يُعْتَقْ لِتَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ بَعْضِهِ إعْتَاقُ كُلِّهِ فَيَصِيرُ حُرًّا فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِمُعْتِقِ الْبَعْضِ فَلَوْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَاخْتَارَ السَّاكِتُ الِاسْتِسْعَاءَ فَلِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لِشَرِيكِهِ وَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ تَضْمِينَهُ فَلِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ إذَا اخْتَارَ اسْتِسْعَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ لِمَا أَنَّهُ بِالضَّمَانِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إعْتَاقِ الْبَاقِي أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَلَوْ دَفَعَ) الْمُزَكِّي (إلَى مَنْ ظَنَّهُ مَصْرِفًا فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ) عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْإِمَامِ (أَوْ كَافِرٌ) الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ مَا كَانَ ذِمِّيًّا أَمَّا لَوْ ظَهَرَ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَحْرِ (أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَجْزَأَهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ خَطَأَهُ ظَهَرَ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا يُعِيدُ صَلَاتَهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَدَّاهَا بِاجْتِهَادِهِ فَيَصِحُّ وَإِنْ أَخْطَأَ كَالصَّلَاةِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا إذَا تَحَرَّى أَمَّا إذَا شَكَّ فَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى فَظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ فَلَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَلَوْ بَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا يُجْزِئُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ خُرُوجًا صَحِيحًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَنُدِبَ دَفْعُ) مِقْدَارِ (مَا يُغْنِي) الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ (عَنْ السُّؤَالِ يَوْمَهُ) أَيْ يَوْمَ الدَّفْعِ، وَلَوْ أَطْلَقَ لَكَانَ أَحْصَرَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صِيَانَتَهُ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ مُطْلَقًا مَكْرُوهٌ. (وَكُرِهَ دَفْعُ نِصَابٍ أَوْ أَكْثَرَ) ، وَلَوْ تَرَكَ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَتْ بِدُونِهِ الْكَرَاهَةُ (إلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مَدْيُونٍ) فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ مَا يَقْضِي دَيْنَهُ وَزِيَادَةً دُونَ مِائَتَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَ قَدْرَ مَا لَوْ قَسَّمَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ تُصِيبُ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ عَنْ عِيَالِهِ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدُهْنِ وَثَوْبٍ وَكِرَاءِ مَنْزِلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَصَدَّقْتُمْ فَأَغْنُوهُمْ» وَلِهَذَا قَالُوا: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ فُلُوسًا فَفَرَّقَهَا فَقَدْ قَصَّرَ فِي أَمْرِ الصَّدَقَةِ. (وَ) كُرِهَ (نَقْلُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ بَلَدٍ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ الْمُزَكِّي فِي بَلَدٍ، وَالْمِلْكُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَالْمُعْتَبَرُ مَكَانُ الْمِلْكِ لَا الْمَالِكِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ عَنْهُ مُحَمَّدٌ مَكَانَ الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (إلَّا) أَنْ يَنْقُلَهَا (إلَى قَرِيبِهِ)

باب صدقة الفطر

أَيْ الْمُزَكِّي فَلَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ لَا تُقْبَلُ صَدَقَتُهُ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ قَالُوا: الْأَفْضَلُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إلَى أَخَوَاتِهِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى أَعْمَامِهِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ نَازِلِينَ ثُمَّ إلَى أَخْوَالِهِ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ إلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَعْدَ ذِكْرِ أَخْوَالِهِ ذُو رَحِمٍ أَبْعَدَ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَهُ (أَوْ) شَخْصٍ (أَحْوَجَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِدَفْعِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فُقَرَاءُ غَيْرِ الْبَلْدَةِ أَوْرَعَ أَوْ أَنْفَعَ بِتَعْلِيمِ الشَّرَائِعِ وَتَعَلُّمِهَا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ، وَلَوْ مَكَثَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ سِنِينَ بِأَمَانٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ يُفْتَى بِأَدَائِهَا إلَى مَنْ يَسْكُنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ وَجَدَ مَصْرِفًا فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) مِنْ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَيَجُوزُ مَعَهُ سُؤَالُ الْجُبَّةِ وَالْكِسَاءِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ. [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] ِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى شَرْطِهِ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ مَجَازٌ وَالْحَقِيقَةُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْبَيْتِ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِلزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الصَّوْمِ جَائِزٌ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهَا لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهَا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ عَقِيبَ الصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ إذْ هِيَ بَعْدُ الصَّوْمِ طَبْعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفِطْرُ لَفْظٌ إسْلَامِيٌّ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْفِطْرِ بِمَعْنَى الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكُ هَذَا الْيَوْمِ وَالصَّدَقَةُ تَتَعَلَّقُ بِهِ (هِيَ وَاجِبَةٌ) وُجُوبًا مُوَسَّعًا فِي الْعُمْرِ كَالزَّكَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَلَا يَضِيقُ وَقِيلَ مُضَيَّقًا فِي يَوْمِ الْفِطْرِ عَيْنًا أَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهُ قَالُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: قَبُولُ الصَّوْمِ وَالْفَلَاحُ وَالنَّجَاةُ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ فَرِيضَةٌ (عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) فَتَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بَلْ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَجْلِهِ وَلَا عَلَى الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ (الْمَالِكِ لِنِصَابٍ فَاضِلٍ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) فَيُعْتَبَرُ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) النِّصَابُ (نَامِيًا) وَكَدَارٍ لَا تَكُونُ لِلسُّكْنَى وَلَا لِلتِّجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَاحِدَةٌ يَسْكُنُهَا وَفَضَلَتْ عَنْ سُكْنَاهُ يُعْتَبَرُ الْفَاضِلُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا وَكَذَا مَا فَضَلَ عَنْ الثَّلَاثَةِ مِنْ الثِّيَابِ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَعَنْ فَرَسَيْنِ لِلْغَازِي وَفَرَسٍ وَحِمَارٍ لِلْغَيْرِ وَعَنْ نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مُصَنَّفٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا وَاثْنَيْنِ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَصَاحِفِ

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ إنْ كَانَتْ كُتُبَ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَالْأَدَبِ يُعْتَبَرُ نِصَابًا وَلَا يُخَالِفُ مَا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَمَشَى فِي بَابِ الزَّكَاةِ عَلَى رِوَايَةٍ. وَفِي بَابِ الْفِطْرِ عَلَى أُخْرَى، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ دُورٌ وَحَوَانِيتُ لِلْغَلَّةِ وَهِيَ لَا تَكْفِي عِيَالَهُ فَهُوَ مِنْ الْفُقَرَاءِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا الْكَرْمُ وَالْأَرْضُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ مِنْ قُوتِ شَهْرٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا النِّصَابِ (تَحْرُمُ) عَلَى مَالِكِهِ (الصَّدَقَةُ) أَيْ الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَالْفِطْرُ وَغَيْرُهَا (وَتَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ (عَنْ نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَاجِبَةٍ وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ الْمَانِعَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الرَّأْسُ (وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ) فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ آبَاءٌ فَعَلَى كُلٍّ فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْآبَاءِ مُوسِرًا دُونَ الْبَاقِينَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ وَلَدِ وَلَدِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَعَبْدِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَلَوْ) كَانَ الْعَبْدُ (كَافِرًا) مَأْذُونًا أَوْ جَانِيًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا لَوْ كَافِرًا. (وَكَذَا مُدَبَّرُهُ وَأَمُّ وَلَدِهِ) وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ رَهْنٍ (لَا عَنْ زَوْجَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ) ، وَلَوْ فِي عِيَالِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ لَوْ أَدَّى لَهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا جَازَ وَلَا يُؤَدِّي لِغَيْرِ عِيَالِهِ إلَّا بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَلَا عَنْ طِفْلِهِ الْغَنِيِّ) لِانْعِدَامِ الْمُؤْنَةِ. (بَلْ) تَجِبُ مِنْ (مَالِ الطِّفْلِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَمَالِيكُهُ. وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ أَدَاءِ وَصِيِّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِهِمَا أَوْ وَصِيِّ الْقَاضِي، وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ عَنْهُ وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ بُلُوغِهِ. (وَالْمَجْنُونُ كَالطِّفْلِ) فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا مِنْ مَالِهِ وَعَنْهُ أَنَّ الْكَبِيرَ الْمَجْنُونَ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَفِطْرَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ مُفِيقًا ثُمَّ جُنَّ لَا. (وَلَا عَنْ مُكَاتَبِهِ) ، وَلَوْ عَجَزَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلَا عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ. (وَلَا عَنْ عَبِيدِهِ لِلتِّجَارَةِ) لِلثَّنْيِ إذْ هِيَ تَجِبُ عَلَيْهِ لَا عَنْ قِنٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَمَّنْ يُمَوَّنُونَ» إذْ الْأَمْرُ يَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُخَاطَبِ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَتَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَلَزِمَ الثَّنْيُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهُ مَوْلَاهُ فَلَا ثَنْيَ عِنْدَهُ. (وَلَا عَنْ عَبْدٍ آبِقٍ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ (إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ) لِعَوْدِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ. (وَلَا عَنْ عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ) مُشْتَرَكَةٍ (بَيْنَ اثْنَيْنِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ وَلَوْ اكْتَفَى بِالثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْرَدَ بِالذِّكْرِ تَفْصِيلًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُؤَلِّفِينَ فَفِيهِ خِلَافُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ يُخْرِجُ مِنْهُمَا

مقدار صدقة الفطر

فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَدْرِ الْمِلْكِ مِنْ الْأَنْصِبَاءِ. (وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (فِطْرَةٌ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِ الْعَبِيدِ (دُونَ الْأَشْقَاصِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ لَهُمَا عَبْدٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ اثْنَيْنِ تَجِبُ عَلَى كُلٍّ صَدَقَةُ عَبْدٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَكَذَا وَلَا يَجِبُ عَنْ الثَّالِثِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً تَجِبُ عَلَى كُلٍّ صَدَقَةُ عَبْدَيْنِ وَعَلَى هَذَا وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُمَا يَرَيَانِ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَالْإِمَامُ لَا يَرَاهَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَلَوْ بِيعَ عَبْدٌ بِخِيَارٍ) وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ رُدَّ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ اتِّفَاقًا وَإِنْ رُدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي (فَعَلَى مَنْ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ صَدَقَةِ فِطْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَإِذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لَهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ فُسِخَ فَعَلَى الْبَائِعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ كَالنَّفَقَةِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ تَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا. (وَتَجِبُ) الْفِطْرَةُ (بِطُلُوعِ) أَيْ بَعْدَ طُلُوعِ (فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ) أَيْ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ تَعَلُّقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ لَا تَعَلُّقَهُ بِالسَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ شَرْطٌ وَالرَّأْسُ سَبَبٌ وَالْمَعْنَى وَقْتُ الْوُجُوبِ ثَبَتَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. (فَمَنْ مَاتَ قَبْلُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ) فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. (وَصَحَّ تَقْدِيمُهَا) عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ، وَالْوَقْتُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالتَّعْجِيلُ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ (بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ) ، وَلَوْ عَشْرُ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَقِيلَ: سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَقِيلَ جَازَ أَنْ تُؤَدَّى فِي رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقِيلَ فِي نِصْفِهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ وَقِيلَ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ. (وَنُدِبَ إخْرَاجُهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) بَعْدَ الطُّلُوعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ أَدَّاهَا بَعْدَهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَيَجِبُ دَفْعُ فِطْرَةِ كُلِّ شَخْصٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ فَرَّقَهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَدِّيَ صَدَقَةَ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إلَى وَاحِدٍ وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ شُرِطَ عَدَدُ الْوُصُولِ إلَى النِّصَابِ. (وَلَا تَسْقُطُ) صَدَقَةُ الْفِطْرِ (بِالتَّأْخِيرِ) وَلَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ طَالَ وَكَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا لَكِنْ فِيهِ إسَاءَةٌ وَعَنْ الْحَسَنِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ وَعَنْهُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ. [مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر] (وَهِيَ) أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ (نِصْفُ صَاعٍ

كتاب الصوم

مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ أَوْ سَوِيقُهُ فَكَالشَّعِيرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ (أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَشَعِيرٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكُلِّ صَاعٌ (وَالزَّبِيبُ كَالْبُرِّ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذْ كُلُّهُ يُؤْكَلُ كَبُرٍّ (وَعِنْدَهُمَا كَالشَّعِيرِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّمْرَ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّفَكُّهُ قِيلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ (وَالصَّاعُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (مَا يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ إسْتَارًا وَهُوَ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ فَيَكُونَ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَالْعِرَاقِيُّ عَلَمُ صَاعٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (مِنْ نَحْوِ عَدَسٍ أَوْ مَجٍّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ الْمَاشِّ وَإِنَّمَا قَدَّرُوهُ بِهِمَا لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَبَّاتِهِمَا تَخَلْخُلًا وَاكْتِنَازًا وَأَمَّا التَّفَاوُتُ صِغَرًا وَعِظَمًا فَلَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّقْدِيرِ وَزْنًا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ) بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (وَلَوْ دَفَعَ مَنَوَيْ بُرٍّ صَحَّ) يَعْنِي يَجُوزُ إعْطَاءُ نِصْفِ صَاعٍ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الصَّاعَ مُقَدَّرٌ بِالْوَزْنِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا ابْنُ رُسْتُمَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالصَّاعِ هُوَ اسْمُ الْمَكِيلِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَدَفَعَ الْبُرَّ فِي مَكَان تُشْتَرَى بِهِ) أَيْ بِالْبُرِّ (الْأَشْيَاءُ فِيهِ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ) مِنْ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَأَعْجَلُ بِهَا وَالدَّقِيقُ أَفْضَلُ مِنْ الْبُرِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَفْضَلُ لَكِنْ لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَظَرَا لِمَا هُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا وَأَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. [كِتَابُ الصَّوْمِ] قَدَّمَهُ عَلَى كِتَابِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَالْحَجُّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَمَالِيَّةٌ وَالْبَسِيطُ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ هَذَا ثَالِثُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا

كَوْنُهُ مُوجِبًا لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا عَيْنُ الْآخَرِ سُكُونُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ وَكَسْرُ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا وَلِهَذَا قِيلَ إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ وَإِذَا شَبِعَتْ جَاعَتْ كُلُّهَا وَمِنْهَا كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِذَوْقِ أَلَمِ الْجُوعِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَيُسَارِعُ إلَى رَحْمَتِهِمْ وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيُسَارِعُ لِدَفْعِهِ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ فَيَنَالُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ وَمِنْهَا كَوْنُهُ مُوَافَقَةَ الْفُقَرَاءِ بِتَحَمُّلِ مَا يَتَحَمَّلُونَ أَحْيَانَا وَفِي ذَلِكَ رَفْعُ حَالِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ الْغَنِيِّ فَقَطْ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ فَلَا، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ أَوْلَى. تَأَمَّلْ وَالصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا عَنْ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَمِنْهُ صَامَ الْفَرَسُ إذَا لَمْ يَعْتَلِفْ قَالَ النَّابِغَةُ خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا أَيْ مُمْسِكَةٌ عَنْ الْعَلَفِ أَوْ غَيْرُ مُمْسِكَةٍ وَفِي الشَّرِيعَةِ (هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ) وَمَا فِي حُكْمِهِ فَلَا يَرِدُ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ إدْخَالُ شَيْءٍ بَطْنَهُ مَأْكُولًا أَوْ لَا فَمَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ لِمَا أَنَّ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ (وَالشُّرْبِ) بِالْحَرَكَاتِ (وَالْوَطْءِ) أَيْ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ قَصْدًا فَلَا يَشْكُلُ بِمَا فُعِلَ نِسْيَانًا؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِي لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ شَرْعًا وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ الْوَطْءُ الْكَامِلُ فَلَا يُشْكِلُ بِوَاطِئِ مَيْتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ بِلَا إنْزَالٍ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْأَعَمِّ جَائِزٌ، وَلَوْ قَالَ تَرْكُ الْمُفْطِرَاتِ لَزِمَ الدَّوْرُ إذْ هِيَ مُفْسِدَاتُ الصَّوْمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَكَذَا لَا يُشْكِلُ بِالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِانْعِدَامِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ عَنْهَا، لَكِنْ لَوْ قَالَ: إمْسَاكٌ عَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ عَمْدًا فِي بَطْنِهِ أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ لَكَانَ أَوْضَحَ وَذَلِكَ الْإِمْسَاكُ رُكْنُهُ (مِنْ الْفَجْرِ) أَيْ أَوَّلِ زَمَانِ الصُّبْحِ الصَّادِقِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ انْتِشَارُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ (إلَى الْغُرُوبِ) الْحِسِّيِّ بِحَيْثُ تَظْهَرُ الظُّلْمَةُ فِي جِهَةِ الشَّرْقِ لَا الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا لِلْأَفْرَادِ (مَعَ نِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ نِيَّةِ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلصَّوْمِ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَدَاءِ لِيَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ، وَأَرَادَ بِمَعِيَّةِ النِّيَّةِ مَعِيَّةَ الْوُجُودِ لَا مَعِيَّةَ الِاسْتِمْرَارِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَهْلُ (مُسْلِمٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْكَافِرِ (عَاقِلٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَجْنُونِ (طَاهِرٌ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) بِالِانْقِطَاعِ فَيَصِحُّ صَوْمُ الْجُنُبِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ وَالْإِفَاقَةُ لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ جُنَّ فِي النَّهَارِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِعَدَمِ

صوم شهر رمضان

النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَبِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهِ. وَفِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ، الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى. [صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ] (وَصَوْمُ) شَهْرِ (رَمَضَانَ) فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ عَلَمٌ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ رَبِيعِ الْأَوَّلِ شَهْرُ رَبِيعِ الْآخَرِ وَرَمَضَانُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَذْفِ لِلتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَمَضَانُ عَلَمًا لَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِمَنْزِلَةِ إنْسَانُ زَيْدٍ وَلَا يَخْفَى قُبْحُهُ وَلِهَذَا كَثُرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَمْ يُسْمَعْ شَهْرُ رَجَبَ وَشَهْرُ شَعْبَانَ عَلَى الْإِضَافَةِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَالسِّرُّ فِي قُبْحِهِ عَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ وَهِيَ جَائِزَةٌ. تَدَبَّرْ، وَهِيَ مُشْتَقٌّ مِنْ رَمَضَ إذَا احْتَرَقَ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ تَحْتَرِقُ فِيهِ (فَرِيضَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلِلْإِجْمَاعِ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّجَهَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبَعْضَ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ قَلَمُ التَّكْلِيفِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَيَكُونَ دَلِيلًا ظَنِّيًّا قَاصِرًا عَنْ إفَادَةِ الْفَرْضِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ تَدَارَكَهُ بِقَوْلِهِ وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ. تَأَمَّلْ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْمُسْتَغْرِقِ جَمِيعَ الشَّهْرِ بِالِاتِّفَاقِ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شَرْطُ: وُجُوبِهِ كَالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ كَالصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ آنِفًا وَسَبَبُ وُجُوبِهِ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَرِّقَةٌ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدُّ لِتَخَلُّلِ زَمَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلصَّوْمِ أَصْلًا وَهُوَ اللَّيْلُ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ جَمْعِ السَّبَبَيْنِ فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ سَبَبٌ لِكُلِّهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَقِيلَ ثَوَابُهُ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا، وَإِلَّا فَالثَّانِي كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الْمَوْلَى ابْنُ كَمَالِ الْوَزِيرِ إنَّ السَّبَبَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَا كُلُّهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا الْجُزْءُ الْمُطْلَقُ وَإِلَّا لَوَجَبَ صَوْمُ يَوْمٍ بَلَغَ فِيهِ الصَّبِيُّ، وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ سَبَبًا بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ الْأَوَّلِ أَوْ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ الْمُطْلَقِ إذْ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَجِبَ صَوْمُ مَا بَقِيَ عَلَى مَنْ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَيَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي أَنْ يَجِبَ صَوْمُ الْكُلِّ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّ عَدَمَ وُجُوبِ صَوْمِ الْكُلِّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِعَدَمِ وِجْدَانِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبُلُوغُ لَا لِعَدَمِ وِجْدَانِ السَّبَبِ فَإِذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَجَبَ صَوْمُ مَا بَقِيَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَجِبُ صَوْمُ مَا مَضَى لِعَدَمِهِ

صوم المنذور

تَدَبَّرْ (أَدَاءً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] (وَقَضَاءً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ. [صَوْمُ الْمَنْذُورِ] (وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ) مُعَيَّنًا كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مَثَلًا وَسَبَبُهُ النَّذْرُ وَلِذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ (وَالْكَفَّارَةُ) لِظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ فِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ، وَالسَّبَبُ الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ (وَاجِبٌ) لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْ ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهَا وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْمَنْذُورِ. وَفِي الْمَوَاهِبِ وَفَرْضُ صَوْمَ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا صَوْمُ الْمَنْذُورِ فِي الْأَظْهَرِ. وَفِي التَّبْيِينِ الْكَفَّارَةُ فَرْضٌ وَالنَّذْرُ وَاجِبٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا، وَقَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ فِي شَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ فَرْضٌ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ وَاجِبٌ لَكَانَ أَوْلَى لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَوْمِ النَّذْرِ وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ فِي الْوَاجِبِيَّةِ أَوْ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. عَلَى أَنَّهَا يُخَالِفُ مَا فِي شَرْحِهِ لِلْمَجْمَعِ تَدَبَّرْ. هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَغَيْرُ ذَلِكَ نَفْلٌ) يَعْنِي الزَّائِدَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السُّنَّةِ كَصَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ كَصَوْمِ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا وَهُوَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ مُنْفَرِدًا وَنَحْوَهُ كَمَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [صَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ] (وَصَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَرَامٌ) لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. (وَيَجُوزُ) أَيْ يَصِحُّ (أَدَاءُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ) وَاقِعَةٍ (مِنْ اللَّيْلِ وَإِلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) وَالنَّهَارُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْمَغْرِبِ فَمُنْتَصَفُهُ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ اللُّغَوِيَّ كَذَلِكَ كَمَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ، وَلَوْ قَالَ فِي اللَّيْلِ وَالْيَوْمِ قَبْلَ نِصْفِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُهَا فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ لَا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَانْتِهَاؤُهَا فِي الْآخَرِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ (لَا عِنْدَهُ) أَيْ نِصْفَ النَّهَارِ (فِي الْأَصَحِّ) فَلَوْ نَوَى عِنْدَ الضَّحْوَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَنَا اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِ وَقْتِ الْأَدَاءِ لِقِيَامِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلصُّبْحِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا خَاصٌّ بِالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ رُكْنًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ فَلَا تَجُزْ بِنِيَّةٍ فِي أَكْثَرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ مِنْ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ بِالنِّيَّةِ وَجَوَازِهَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ بِهَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِعَدَمِ جَوَازِهَا إلَّا مِنْ اللَّيْلِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ. (وَ) يَصِحُّ أَدَاؤُهَا (بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) وَهُوَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَاتِ الصَّوْمِ دُونَ الصِّفَةِ كَنَوَيْتُ

الصَّوْمَ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصَّوْمَ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا نِيَّةٌ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَلَوْ قَالَ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ لَكَانَ أَوْلَى وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ نَفْلٍ وَيَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بِإِعَادَةِ النِّيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْإِطْلَاقِ فَإِضَافَتُهَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. تَدَبَّرْ وَيُشْتَرَطُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ أَدَاءُ رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا أَمَّا فِي النِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ؛ فَلِأَنَّ رَمَضَانَ مُتَعَيِّنٌ لِلْفَرْضِ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَعَيِّنِ تَعَيُّنٌ كَمَا نَادَى زَيْدًا الْمُنْفَرِدَ فِي الدَّارِ بِيَا إنْسَانُ فَإِنَّ فِيهِ تَعْيِينًا لَهُ وَأَمَّا فِي نِيَّةِ النَّفْلِ؛ فَلِأَنَّ وَصْفَهُ بِالنَّفْلِ خَطَأٌ فَيَبْطُلُ وَيَبْقَى الْإِطْلَاقُ وَهُوَ تَعْيِينٌ، وَلَوْ صَامَ مُقِيمٌ عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ لِجَهْلِهِ بِهِ فَوَافَقَهُ فَهُوَ عَنْهُ. (وَ) يُؤَدَّى (صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) يَعْنِي يَصِحُّ أَدَاءُ رَمَضَانَ إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ عَلَيْهِ نَحْوِ كَفَّارَةِ قَتْلِ غَيْرِ الْعَمْدِ أَوْ ظِهَارٍ (لَا) يُؤَدَّى (النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ) بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ (بَلْ) يَقَعُ الْأَدَاءُ (عَمَّا نَوَاهُ) كَمَا أَنَّ النَّفَلَ لَا يُؤَدَّى بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى هَذَا إنْ نَوَى بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بَعْدَمَا أَصْبَحَ فِي يَوْمِ التَّعْيِينِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَكُونُ عَنْ نَذْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا جُعِلَ بِوِلَايَةِ النَّاذِرِ، وَلَهُ حَقُّ إبْطَالِ صَلَاحِيَّةِ مَا لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ وَرَمَضَانُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ. (وَلَوْ نَوَى الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ فِيهِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ (وَاجِبًا آخَرَ) كَالْقَضَاءِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ (وَقَعَ) صَوْمُهُ (عَمَّا نَوَى) هَذِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولَيْهِمَا: وَوَجْهُهُ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فَأَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ تَتَعَلَّقُ بِعَجْزِ بَاطِنٍ قَامَ السَّفَرُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ. وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى وَبِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ رُخْصَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَوْفِ ازْدِيَادِ الْمَرَضِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ فَكَانَ كَالْمُسَافِرِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ لِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ (وَعِنْدَهُمَا) يَقَعُ (عَنْ رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُمَا شَغَلَا الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ وَتَخْيِيرِهِمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ مِنْ الْأَيَّامِ الْأُخَرِ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْمُسَافِرُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ كَالْمَرِيضِ. (وَالنَّفَلَ كُلَّهُ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَدَمُ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَشُرِطَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَالنَّفَلِ الْفَاسِدِ أَنْ يُبَيِّتَ. تَدَبَّرْ (يَجُوزُ

ما يثبت به رمضان

بِنِيَّةٍ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا خِلَافًا لِمَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَعْدَ مَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذَنْ لَصَائِمٌ» وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي اللَّيْلِ وَيَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بَعْدَهُ أَيْضًا وَيَصِيرُ صَائِمًا حِينَ نَوَى إذْ هُوَ مُنْجِزٌ عِنْدَهُ لَكِنْ مِنْ شَرْطِهِ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ. (وَالْقَضَاءُ) أَيْ قَضَاءُ رَمَضَانَ (وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ) غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَالنَّذْرِ لِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شِبْهِهِ (وَالْكَفَّارَاتُ) أَيْ كَفَّارَةُ رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالْإِحْصَارِ وَالصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَمُتْعَةِ الْحَجِّ (لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ اللَّيْلِ) السَّابِقِ، وَلَوْ عِنْدَ الطُّلُوعِ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقْدِيمُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّقْدِيمُ لِلْعُسْرِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ الطُّلُوعِ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِتْمَامُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا قَضَاءَ بِإِفْطَارِهِ، وَلَوْ نَوَى لَيْلًا بِأَنْ يَصُومَ غَدًا ثُمَّ عَزَمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يَصِرْ صَائِمًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَمَضَانُ، وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُبْطِلُ اللَّفْظَ وَالنِّيَّةُ فِعْلُ الْقَلْبِ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. [مَا يَثْبُتُ بِهِ رَمَضَانُ] (وَيَثْبُتُ) رَمَضَانُ أَيْ دُخُولُهُ وَابْتِدَاؤُهُ (بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ) أَيْ بِأَنْ يُعَدَّ شَعْبَانُ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَالْغَيْمُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الظُّهُورِ لِعِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ لِقُرْبِهِ مِنْ الشَّمْسِ. (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ. وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا يُصَامُ الَّذِي شُكَّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا» لَا أَصْلَ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ تَدَبَّرْ (إلَّا تَطَوُّعًا) أَيْ نَفْلًا بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي الْأَصَحِّ (وَهُوَ) أَيْ الصَّوْمُ (أَحَبُّ إنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ مِنْ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ (صَوْمًا يَعْتَادُهُ) كَصَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ آخِرِ شَهْرٍ، وَلَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ كُرِهَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يَصُومُ وَإِلَّا فَلَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا يَعْتَادُهُ (فَيَصُومُ الْخَوَاصُّ) أَيْ الْعُلَمَاءُ أَوْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ نِيَّتَهُ وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ التَّطَوُّعَ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ بِلَا قَصْدِ رَمَضَانَ (وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَفْتَى النَّاسَ يَوْمَ الشَّكِّ بِالْفِطْرِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «اُصْحُوَا يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرِينَ مُتَلَوِّمِينَ» أَيْ غَيْرَ آكِلِينَ وَلَا صَائِمِينَ قِيلَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرُ

وَقِيلَ الصَّوْمُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمْ بِالْفِطْرِ أَمَّا فِي الصَّوْمِ فَقِيلَ يُكْرَهُ وَيَأْثَمُ وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ. (وَكُرِهَ صَوْمُهُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ نَاوِيًا (عَنْ رَمَضَانَ) لِتَشَبُّهِهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ (أَوْ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) لَكِنَّ الثَّانِيَ فِي الْكَرَاهَةِ دُونَ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. (وَكَذَا) يُكْرَهُ (إنْ نَوَى) مُتَرَدِّدًا بِأَنَّهُ (إنْ كَانَ) يَوْمُ الشَّكِّ (رَمَضَانَ فَعَنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ نَفْلٍ أَوْ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) أَمَّا فِي صُورَةِ تَرْدِيدِهِ بَيْنَ رَمَضَانَ وَنَفْلٍ فَلِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ وَأَمَّا فِي صُورَةِ تَرْدِيدِهِ بَيْنَ رَمَضَانَ وَوَاجِبٍ آخَرَ فَلِتَرْدِيدِهِ بَيْنَ مَكْرُوهَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ مُقِيمًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا يَقَعُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا. وَفِي الْفَتْحِ لَا يُكْرَهُ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ رَمَضَانُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ قَالَ وَإِلَّا فَعَنْ غَيْرِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ (وَصَحَّ فِي الْكُلِّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ صَوْمُهُ إلَى قَوْلِهِ وَاجِبٍ آخَرَ (عَنْ رَمَضَانَ إنْ ثَبَتَ) أَيْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَمَضَانُ (فَمَا نَوَى إنْ جَزَمَ) وَفِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنْ كَانَ نَوَى رَمَضَانَ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَإِنْ كَانَ نَوَى وَاجِبًا غَيْرَ رَمَضَانَ قِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَقِيلَ يَجْزِيهِ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِمَا نَوَى وَاجِبًا غَيْرَ رَمَضَانَ لَكِنْ تَبْقَى صُورَةُ نِيَّةِ رَمَضَانَ قَطْعًا وَلَمْ يَثْبُتْ. تَدَبَّرْ. (وَ) يَصِحُّ عَنْ (نَفْلٍ إنْ رَدَّدَ) فِي وَصْفِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ مَوْجُودٌ وَهُوَ كَافٍ فِي النَّفْلِ وَلَوْ أَفْسَدَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ) الْغَدُ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الشَّكِّ وَاقِعًا مِنْ (رَمَضَانَ فَأَنَا صَائِمٌ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا) أَصُومُ أَصْلًا (لَا يَصِحُّ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ثَبَتَ رَمَضَانِيَّتُهُ) لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِيهَا فَلَا تُوجَدُ النِّيَّةُ (وَلَا يَصِيرُ صَائِمًا) كَمَا لَوْ نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَفَطَرَ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَلَا يَصِيرُ صَائِمًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الصَّوْمِ. (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) كَغَيْمٍ وَغُبَارٍ وَغَيْرِهِمَا هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَوُجُوبِ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ بِهِ (قُبِلَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَبَرُ عَدْلٍ) وَاحِدٍ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ لِمَا صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَحَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا (وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أُنْثَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ نَفْيُ رُؤْيَةِ الْمَحْدُودِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الْعَدَالَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَأَمَّا مَسْتُورُ الْحَالِ فَعَنْ الْإِمَامِ قَبُولُهُ وَصَحَّحَهُ الْبَزَّازِيُّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَبُولَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِتَفْسِيرِ الْمَرْئِيَّةِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ كَانَ

الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ فَضْلٍ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ إذَا فَسَّرَ وَقَالَ رَأَيْت الْهِلَالَ خَارِجَ الْبَلْدَةِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ يَقُولَ: رَأَيْتُهُ فِي الْبَلْدَةِ بَيْنَ خَلَلِ السَّحَابِ فِي وَقْتٍ يَدْخُلُ فِي السَّحَابِ ثُمَّ يَنْجَلِي أَمَّا بِدُونِ هَذَا التَّفْسِيرِ لَا تُقْبَلُ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ يُشْتَرَطُ النِّصَابُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ. (وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) . وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْإِخْبَارَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ فِي الْفِطْرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَهُنَا أَوْلَى. (وَ) شُرِطَ مَعَ الْعِلَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (فِي هِلَالِ الْفِطْرِ) أَيْ فِي شَوَّالَ (وَذِي الْحَجَّةِ شَهَادَةُ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ (بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ) وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ (وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِبَادِ بِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْأَضْحَى كَهِلَالِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ كَالْفِطْرِ لِنَفْعِ الْعِبَادِ بِهِ بِالتَّوَسُّعِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيّ مَعَ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا آخَرَ وَهُوَ الْإِحْلَالُ مِنْ الْحَجِّ (لَا الدَّعْوَى) لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ. وَفِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ عِنْدَ الْكُلِّ وَعِتْقِ الْعَبْدِ فِي قَوْلِهِمَا وَفِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) مِمَّا ذَكَرْنَا (فَلَا بُدَّ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى (مِنْ جَمْعٍ عَظِيمٍ) غَيْرِ مُقَدَّرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) وَيْحُكُمْ الْعَقْلُ بِعَدَمِ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْعِلْمِ هُنَا مَا يُوجِبُ الْعَمَلَ وَهُوَ غَالِبُ الظَّنِّ لَا الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ نَصَّ الْيَقِينِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْغَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ الْغَفِيرِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْأَبْصَارِ يُوهِمُ الْغَلَطَ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَلَّ الْمُطَّلِعُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِحِدَّةِ نَظَرِهِ بِأَنْ يَنْشَقَّ الْغَيْمُ فَيَتَّفِقَ لَهُ النَّظَرُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّفَرُّدِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لَا تَفَرُّدُ وَاحِدٍ وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ اثْنَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا كَمَا فِي الْقَسَامَةِ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ فَبُخَارَى لَا تَكُونُ أَدْنَى مِنْ بَلْخِي فَلِذَا قَالَ الْبَقَّالِيُّ الْأَلْفُ بِبُخَارَى قَلِيلٌ وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَفَاءُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدٍ جَمَاعَةٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ يُفَوَّضُ مِقْدَارُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ رَأْيَ الْإِمَامِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ. وَفِي الزَّادِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَفِي رِوَايَةِ) الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ (يُكْتَفَى بِاثْنَيْنِ) رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهَا فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلُوا عَنْ تَرَائِيِ الْأَهِلَّةِ فَانْتَفَى قَوْلُهُمْ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهْ هُوَ إلَيْهِ فَكَانَ التَّفَرُّدُ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْغَلَطِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي دِيَارِنَا لَيْسَ كَمَا قَالَهُ فَعَدَمُ التَّرْجِيحِ أَوْلَى. تَدَبَّرْ. (وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ أَوْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ) قَالَ الْمَوْلَى ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ الْمِصْرِ وَأَمَّا إذَا جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ جَاءَ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ فِي مِصْرٍ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ صَحَّحَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ فَإِنَّ هَوَاءَ الصَّحْرَاءِ أَصْفَى فَيَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ دُونَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ لِاخْتِلَافِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فِي الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ قَالَ فِي خِزَانَة الْأَكْمَلِ أَهْلُ إسْكَنْدَرِيَّةَ يُفْطِرُونَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَا يُفْطِرُ مَنْ عَلَى مَنَارَتِهَا؛ فَإِنَّهُ يَرَاهَا بَعْدُ حَتَّى تَغْرُبَ لَهُ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ مَا قَالَ أَهْلُ التَّنْجِيمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِمْ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ مُنَجِّمًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَعَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ إنْ رَأَى الْقَمَرَ قُدَّامَ الشَّمْسِ فَلِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ رَآهُ خَلْفَهَا فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ: وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَجْرَاهُ إلَى الْمَشْرِقِ وَالْخَلْفُ إلَى الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ سَيْرَ السَّيَّارَةِ إلَى الْمَشْرِقِ فَالْقَمَرُ إذَا جَاوَزَ الشَّمْسَ تَرَى الْهِلَالَ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَلَوْ رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَمُحَمَّدٌ وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَلِلْمَاضِيَةِ أَمَّا بَعْدَ الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ إنْ غَابَ قَبْلَ الشَّفَقِ فَمِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَفِي التَّجْنِيسِ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا. (وَلَوْ صَامُوا ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ حَلَّ الْفِطْرُ إنْ صَامُوا) أَيْ إنْ كَانُوا ابْتَدَءُوا الصَّوْمَ (بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ) عَدْلَيْنِ وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ

سَوَاءٌ تَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ فِي الزَّمَانَيْنِ أَوْ لَا لَا يَخْلُو عَنْ خَلَلٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يَلْزَمُ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ وَلَمْ يُقْبَلْ خَبَرُ اثْنَيْنِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تَدَبَّرْ. وَإِنَّمَا حَلَّ الْفِطْرُ فِيهِ لِوُجُودِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا اسْتَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ. وَفِي الْفَتْحِ: إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ بَلْ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالَ إنْ كَانُوا أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا حَمْلًا عَلَى نُقْصَانِ شَعْبَانَ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ قَضَوْا يَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ شَعْبَانَ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ كَانُوا بِالضَّرُورَةِ مُكْمِلِينَ رَجَبَ. (وَإِنْ) صَامُوا (بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لَا يَحِلُّ) لَهُمْ الْفِطْرُ سَوَاءٌ تَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ فِي الزَّمَانَيْنِ أَوْ لَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ تَغَيَّمَتْ السَّمَاءُ فِيهِمَا حَلَّ الْفِطْرُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا صَحَتْ. (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرَ) وَحْدَهُ وَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي (وَرَدَّ قَوْلَهُ) بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (صَامَ) فِي الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهَذَا قَدْ شَهِدَهُ وَفِي الثَّانِي لَا يُفْطِرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ يَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ يُفْطِرُونَ» النَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُمْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ وَالشَّهَادَةُ لَازِمَةٌ لِئَلَّا يُفْطِرَ النَّاسُ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَلَوْ مُتَخَدِّرَةً وَكَذَا الْفَاسِقُ إنْ عَلِمَ قَبُولَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ يَشْهَدُ فِي الْمَسْجِدِ وَصَامُوا بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا بَأْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُفْطِرُوا إذَا أَخْبَرَ رَجُلَانِ فِي هِلَالِ شَوَّالَ وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ وَالٍ. وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ رَمَضَانَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ شَوَّالَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ. (وَإِنْ أَفْطَرَ) مَنْ رُدَّ قَوْلُهُ (قَضَى فَقَطْ) بِلَا كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ أَمَّا فِي هِلَالِ الصَّوْمِ فَلِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ. وَلَوْ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِيهِمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْكَفَّارَةَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ. (وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ) وُجُوبَ كِفَايَةٍ (الْتِمَاسُ الْهِلَالِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَمِنْ رَمَضَانَ)

باب موجب الفساد

وَكَذَا ذُو الْقِعْدَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِذَلِكَ. (وَإِذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ لَزِمَ جَمِيعَ النَّاسِ) وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ حَتَّى قَالُوا لَوْ رَأَى أَهْلُ الْمَغْرِبِ هِلَالَ رَمَضَانَ يَجِبُ بِرُؤْيَتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ لَمْ يَرَ أَهْلُ بَلَدِهِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدَا بِهِ وَأَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةِ كَذَا رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ وَهَذَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَلَا يُبَاحُ الْفِطْرُ غَدًا وَلَا يُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ (وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) . وَفِي التَّبْيِينِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ هَذَا الْقَوْلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ يُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ، وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ لَا تَجِبُ بِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْحُسَامِيَّةِ إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِرُؤْيَةٍ وَأَهْلُ مِصْرٍ آخَرَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِرُؤْيَةٍ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ قُرْبٌ بِحَيْثُ يَتَّحِدُ الْمَطْلَعُ وَإِنْ كَانَ بَعُدَ بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ لَا يَلْزَمُ أَحَدَ الْمِصْرَيْنِ حُكْمُ الْآخَرِ، وَحَدُّهُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَصَاعِدًا اعْتِبَارًا بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ انْتَقَلَ كُلَّ غُدُوِّ وَرَوَاحٍ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. [بَابُ مُوجَبِ الْفَسَادِ] بِفَتْحِ الْجِيمِ مَا يُوجِبُهُ الْإِفْسَادُ لِلصَّوْمِ يَعْنِي الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْإِفْسَادِ بِالْكَسْرِ مَا بِهِ الْفَسَادُ يَعْنِي الْأَسْبَابَ لِلْفِطْرِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عِنْدَ إبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ عَلَى الصَّوْمِ فَلِهَذَا يُذْكَرُ مُؤَخَّرًا ثُمَّ الْعَوَارِضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مَا يُفْسِدُهُ مَعَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالثَّانِي مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَالثَّالِثُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ وَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَقْسَامَ بِالتَّرْتِيبِ فَقَالَ (يَجِبُ الْقَضَاءُ) وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ (كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) بِأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَيَصُومَ شَهْرَيْنِ وَلَاءً إذْ بِإِفْطَارِ يَوْمٍ اسْتَقْبَلَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَإِنَّمَا تَرَكَ بَيَانَ وَقْتِ

وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ بَيْنَ رَمَضَانَيْنِ وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (عَلَى مَنْ جَامَعَ) مِنْ الْجِمَاعِ وَهُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ. وَفِي الْخِزَانَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ (أَوْ جُومِعَ) فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ إذْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ (عَمْدًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ عَامِدًا احْتِرَازٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ وَالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَإِنْ أَكْرَهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِاللَّذَّةِ وَالِانْتِشَارِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ أَكْرَهَهَا هُوَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا (فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ إنْسَانٍ حَيٍّ فَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَمَا قَالَا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ. وَلَوْ جَامَعَهَا ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ لَفَّ ذَكَرَهُ بِخِرْقَةٍ مَانِعَةٍ لِلْحَرَارَةِ لَمْ يُكَفِّرْ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. وَلَوْ جَامَعَ مِرَارًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَفَّرَ لِلْأُولَى، ثُمَّ جَامَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ لَزِمَتْ كَفَّارَتَانِ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلتَّدَاخُلِ (أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا) سَوَاءٌ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَشَرَطُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ كَوْنِ الْمَأْكُولِ (غَدَاءً) هُوَ اصْطِلَاحًا مَا يَقُومُ بَدَلَ مَا يَتَحَلَّلُ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ الدَّمُ وَبَاقِي الْأَخْلَاطِ كَالْأَبَازِيرِ وَعُرْفًا وَهُوَ الْمُرَادُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَصِيرَ الْبَدَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَكَلَ مَا يُؤْكَلُ عَادَةً يُكَفِّرُ وَمَا لَا فَلَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا يُكَفِّرُ، وَلَوْ مَضَغَ لُقْمَةً نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا فَلَا كَفَّارَةَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا شَيْءٌ تَعَافُهُ النَّاسُ وَإِنْ ابْتَلَعَهَا قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ (أَوْ دَوَاءً) وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ بِالْكَيْفِيَّةِ فَقَطْ كَالْكَافُورِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ لَوْ أَكَلَ مَا يَتَدَاوَى بِهِ قَصْدًا أَوْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ يُكَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا. (وَكَذَا) أَيْ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ (لَوْ احْتَجَمَ) الصَّائِمُ (أَوْ اغْتَابَ) مِنْ الْغِيبَةِ (فَظَنَّ أَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِجَامِ وَالِاغْتِيَابِ (فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا) لِعَدَمِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِذَهَابِ الثَّوَابِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا أَكَلَ عَمْدًا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَهُ سَوَاءٌ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ

بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، مِثْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ وَلِهَذَا إذَا سَمِعَهُ فَأَفْطَرَ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِهِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي لَكِنْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَكَذَا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِفَسَادِ صَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ الْفَتْوَى شُبْهَةٌ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فِي نَفْسِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَفَّرَ الْعَامِّيُّ إذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ فَأَكَلَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاءٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يُتْرَكُ ظَاهِرُهُ وَيُنْسَخُ. وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (وَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ غَيْرِ رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الشَّهْرِ فَعَلَى هَذَا لَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ. (وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَقَطْ) بِغَيْرِ كَفَّارَةٍ (لَوْ أَفْطَرَ خَطَأً) كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فِي الْخَطَأِ لَا يُفْسِدُهُ كَالنِّسْيَانِ وَصَرَّحَ الْخَطَأَ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَمْدًا تَفْصِيلًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ وَلَفْظُ الْخَطَأِ مُسْتَدْرَكٌ (أَوْ) أَفْطَرَ (مُكْرَهًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ كَرْهًا أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبٍ فَشَرِبَ هُوَ مُكْرَهًا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ احْتَقَنَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ اسْتَعْمَلَ الْحُقْنَةَ (أَوْ اسْتَعَطَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ إيصَالُ مَائِعٍ إلَى الْجَوْفِ مِنْ طَرِيقِ الْمَنْخَرَيْنِ (أَوْ أُقْطِرَ فِي أُذُنَيْهِ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْمَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْ اعْتِمَادًا عَلَى انْفِهَامِهِ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» وَلِوُجُودِ مَعْنَى الْفِطْرِ وَهُوَ وُصُولُ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الْفِطْرِ صُورَةً (أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) وَهِيَ الطَّعْنَةُ الَّتِي تَبْلُغُ الْجَوْفَ (أَوْ) دَاوَى (آمَّةٍ) بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ (فَوَصَلَ الدَّوَاءُ) فِي الْجَائِفَةِ (إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ) أَيْ وَصَلَ الدَّوَاءُ فِي الْآمَّةِ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُصُولِ الْغَدَاءِ إلَى جَوْفِهِ وَقَالَا لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ مِنْ الْمَنْفَذِ الْأَصْلِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ سَوَاءٌ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ فَلَوْ لَمْ يَصِلْ الرَّطْبُ إلَى الْجَوْفِ لَمْ يُفْسِدْ، وَقِيلَ الرَّطْبُ مُفْسِدٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا طُعِنَ بِرُمْحٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَإِنْ بَقِيَ الزُّجُّ فِي جَوْفِهِ، لَكِنْ إذَا نَفَذَ السَّهْمُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ أَوْ دَخَلَ حَجَرٌ مِنْ جَائِفَةٍ أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي دُبُرِهِ يَفْسُدُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ عَدَمُ الْفَسَادِ فِيمَا نَفَذَ السَّهْمُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ وَدَخَلَ الْحَجَرُ فِي الْجَائِفَةِ وَكَذَا إذَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ إنْ كَانَتْ رَطْبَةً فَفَسَدَ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَكَذَا لَوْ بَالَغَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى بَلَغَ مَوْضِعَ الْحُقْنَةِ أَفْطَرَهُ وَتَذَكُّرُ الصَّوْمِ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ فِي جَمِيعِهَا

لَيْسَ بِمُفْطِرٍ اتِّفَاقًا. (أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ حَدِيدًا) أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَلَمْ يَرْغَبْ النَّاسُ فِي أَكْلِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْحِمَّصَةِ أَوْ أَكْثَرَ لَكِنْ لَوْ اعْتَادَ أَكْلَ الْحَصَاةِ وَالزُّجَاجِ وَالطِّينِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ. وَفِي الْمُنْيَةِ لَوْ ابْتَلَعَ الْحَصَاةَ مَثَلًا مِرَارًا لِأَجْلِ مَعْصِيَةٍ كَفَّرَ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ أَكَلَ الطِّينَ الْأَرْمَنِيَّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا كَفَّارَةَ فِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ. وَفِي الْمِنَحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَلَا فِي النَّوَاةِ وَالْقُطْنِ وَالْكَاغَدِ وَالسَّفَرْجَلِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ وَلَا تَجِبُ فِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَتَجِبُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيءِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً مُنْتِنَةً إلَّا إنْ دَوَّدَتْ فَلَا تَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي الشَّحْمِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْوُجُوبَ فَإِنْ كَانَ قَدِيدًا وَجَبَتْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَلَوْ أَكَلَ دَمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُكَفِّرُ وَقِيلَ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَشْرَبُونَ الدَّمَ. وَلَوْ ابْتَلَعَ فُسْتُقًا مَشْقُوقَ الرَّأْسِ كَفَّرَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَكَلَ الطِّينَ الَّذِي يُؤْكَلُ تَفَكُّهًا فَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا: بِوُجُوبِهَا اسْتِحْسَانًا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَفَّرَ فِي الطِّينِ مُطْلَقًا. (أَوْ اسْتَقَاءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ لَا قَضَاءَ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» قَيَّدَ عَمْدًا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاسْتِقَاءِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ إذْ حِينَئِذٍ لَا يَفْسُدُ وَمَنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذَا قَالَ ذِكْرُ الْعَمْدِ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقَاءَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْقَيْءِ وَهُوَ التَّكَلُّفُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ التَّكَلُّفُ إلَّا بِالْعَمْدِ (مِلْءُ فَمِهِ) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَلَّ لَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْمِنَحِ هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْحَدِيثِ يَنْتَظِمُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْطِرُ إلْحَاقًا بِمِلْءِ الْفَمِ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ. وَقَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَضُعِّفَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ حَيْثُ اسْتَقَاءَ وَأَعَادَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا تَقَيَّأَ مَرَّةً أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً فَإِنْ بَلْغَمًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ. (أَوْ تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ سَحَرٍ، وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الدُّرَرِ فِي الْإِيمَانِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى الْفَجْرِ (بِظَنِّهِ) أَيْ بِظَنِّ الْوَقْتِ الَّذِي تَسَحَّرَ فِيهِ (لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ) وَالْحَالُ أَنَّ الْفَجْرَ الصَّادِقَ كَانَ طَالِعًا (أَوْ أَفْطَرَ) آخِرَ النَّهَارِ (يَظُنُّ) عَلَى لَفْظِ الْفِعْلِ أَوْ الظَّرْفِ (الْغُرُوبَ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ بِظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ (وَلَمْ تَغْرُبْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَالْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ السَّحُورِ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَتْ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً

أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرَ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَمْدُ بِهِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ فَلَوْ أَكَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَتَسَحَّرُ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَكَذَا بِضَرْبِ الطُّبُولِ وَاخْتُلِفَ فِي الدِّيكِ وَأَمَّا الْإِفْطَارُ فَلَا يَجُوزُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ بَلْ بِالْمُثَنَّى، وَلَوْ أَفْطَرَ أَهْلُ الرُّسْتَاقِ بِصَوْتِ الطَّبْلِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ ظَانِّينَ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ لَمْ يُكَفِّرُوا. (وَأَكَلَ نَاسِيًا) صَوْمَهُ (فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا) فَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُصُولِ الْفِطْرِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ فَسَدَ قِيَاسًا فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فَإِنْ كَانَ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» وَعَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَفْسُدُ فِي النِّسْيَانِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَأَكَلَ مُتَعَمِّدًا كَفَّرَ إنْ كَانَ عَالِمًا فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنْ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَلَوْ اغْتَسَلَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَفْطَرَهُ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ وَالدِّمَاغِ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا كَفَّرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلَوْ احْتَلَمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا كَفَّرَ وَإِنْ جَاهِلًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ لَا يُكَفِّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا لَوْ اكْتَحَلَ أَوْ ادَّهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ وَالْكُلُّ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْفِطْرَ ثُمَّ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ نَائِمًا) أَيْ لَوْ كَانَ الصَّائِمُ نَائِمًا فَصَبَّ أَحَدٌ فِي فَمِهِ مَاءً أَوْ سَقَطَ مَاءُ الْمَطَرِ فِي فَمِهِ فَدَخَلَ جَوْفَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (أَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةٌ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِانْعِدَامِ الْقَصْدِ (أَوْ مَجْنُونَةً) بِأَنْ جُنَّتْ بَعْدَ أَنْ نَوَتْ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فَعَلَ فَإِنَّهَا تَقْضِي؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَإِنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَالَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّتْ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مُفْسِدٌ لَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي نَوَتْهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ: كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَجْبُورَةً فَصَحَّفَهَا الْكَاتِبُ مَعَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَجْبُورَةِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرَةِ ضَعِيفٌ لَفْظًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ صَوْمًا وَلَا فِطْرًا) مَعَ الْإِمْسَاكِ

فَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْعِبَادَةِ بِفَقْدِ النِّيَّةِ. (وَكَذَا لَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ) فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ (وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا) إنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ إمْكَانِ التَّحْصِيلِ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى النِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَهُ أَنَّ تَفْوِيتَهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ إذْ لَا صَوْمَ بِدُونِ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إلَى عَدَمِ تَأَدِّي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّهَارِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَبِهَذَا اعْتَمَدَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ يَقَعُ قَبْلَ الزَّوَالِ بَدَأَ فَأَطْلَقَهُ. تَدَبَّرْ. (وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ) اسْتِحْسَانًا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاك» وَالْجِمَاعُ فِي مَعْنَى الْأَكْلِ فَثَبَتَ أَيْضًا بِدَلَالَتِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُفْطِرُ لِوُجُودِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ عَمِلْتُمْ بِهِ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِمْسَاكِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَاكَ قُلْت: عَمِلْنَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّسْيَانِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّسْيَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ. وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ نَوَى فِي وَقْتِهِ جَازَ وَقِيلَ: لَمْ يَجُزْ وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا يُخْبِرُهُ إذَا كَانَ شَابًّا وَإِنْ شَيْخًا لَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ إنْ رَأَى قُوَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ يُخْبِرُهُ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُخْبِرُهُ. وَفِي الْخِزَانَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ يَأْكُلُ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ: إنَّك صَائِمٌ فَأَكَلَ وَهُوَ لَا يَذْكُرُ صَوْمَهُ أَفْطَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ حُجَّةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا أَوْ أَوْلَجَ قَبْلَ الطُّلُوعِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالنَّاسِي تَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ نَفْسَهُ فِي فَوْرِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ دَاوَمَ حَتَّى نَزَلَ مَاؤُهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ مَكَثَ وَلَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ لَا كَفَّارَةَ وَإِنْ حَرَّك نَفْسَهُ بَعْدَهُ كَفَّرَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَلَوْ أَوْلَجَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ نَزَعَ وَأَمْنَى بَعْدَ الصُّبْحِ فَلَا شَيْءَ فِي الصَّحِيحِ. (وَكَذَا لَوْ نَامَ) نَهَارًا (فَاحْتَلَمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثَةٌ بِالتَّاءِ وَبِدُونِهِ رِوَايَةٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّوْمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» (أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ كَمَا إذَا تَفَكَّرَ فَأَمْنَى. وَلَوْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَفْطَرَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (أَوْ ادَّهَنَ أَوْ اكْتَحَلَ) وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْ الْمَسَامِّ الْغَيْرِ النَّافِذَةِ لَا يُنَافِي كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَوَجَدَ بُرُودَتَهُ فِي كَبِدِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا عَلَى الْخِلَافِ قِيَاسًا عَلَى صَبِّ الْمَاءِ

عَلَى الْبَدَنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ قَبَّلَ) سَوَاءٌ فِي فَمِهِ أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ وَلَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى (أَوْ اغْتَابَ أَوْ احْتَجَمَ) لِمَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا (أَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ) لَوْ مِلْءَ الْفَمِ (أَوْ تَقَيَّأَ) أَوْ تَكَلَّفَ فِي الْقَيْءِ (قَلِيلًا) لَمْ يَبْلُغْ مِلْءَ الْفَمِ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (أَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصْبِحُ أَحْيَانَا جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ بِاللَّيْلِ وَمِنْ ضَرُورَتِهَا وُقُوعُ الْغُسْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ. (أَوْ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ مَاءٌ) وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ. (وَكَذَا لَوْ صُبَّ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنٌ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَفْسُدُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يُفْطِرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ. وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرْشِيحِ: كَمَا يَقُولُ الْأَطِبَّاءُ هَذَا فِيمَا وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ كَانَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يُفْطِرُ اتِّفَاقًا وَالْإِفْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا أَيْضًا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ يَفْسُدُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ،. وَلَوْ وَضَعَتْ قُطْنَةً فَانْتَهَتْ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَهُوَ الرَّحِمُ فَسَدَ. (وَإِنْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ أَوْ ذُبَابٌ) وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ (لَا يُفْطِرُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَغَذَّى بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الدُّخُولِ مِنْ الْأَنْفِ فَصَارَ كَبَلَلٍ تَبَقَّى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْخَلَ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِبَخُورٍ فَاسْتَشَمَّ دُخَانَهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْإِدْخَالِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ عَمَلُهُ وَالتَّحَرُّزُ مُمْكِنٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ إذَا دَخَلَ الذُّبَابُ جَوْفَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ ضِدُّ الصَّوْمِ وَهُوَ إدْخَالُ الشَّيْءِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الْبَاطِنِ وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ دَخَلَ دَمْعُهُ أَوْ عَرَقُ جَبْهَتِهِ أَوْ دَمُ رُعَافِهِ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ. (وَلَوْ) دَخَلَ حَلْقَهُ (مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ) وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَطَرُ يُفْسِدُ وَالثَّلْجُ لَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْعَكْسِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ بِإِفْسَادِهِمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِحُصُولِ الْمُفْطِرِ مَعْنًى وَلِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ إذْ آوَاهُ إلَى خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ سَعْدِيٌّ أَفَنْدِي قَالَ ابْنُ الْعِزِّ فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَ خَيْمَةٍ وَلَا سَقْفٍ، وَلَوْ عَلَّلَ بِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِضَمِّ فَمِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ

ثُمَّ قَالَ فِيهِ تَأَمُّلٌ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَجْهُ التَّأَمُّلِ إمْكَانُ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْغُبَارِ وَالدُّخَانِ وَالذُّبَابِ بِضَمِّ فَمِهِ أَيْضًا انْتَهَى. أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْغُبَارِ وَالدُّخَانِ بِضَمِّ فَمِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الدُّخُولِ مِنْ الْأَنْفِ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الْفَتْحِ، وَلَوْ دَخَلَ فَمَه مَطَرٌ كَثِيرٌ فَابْتَلَعَهُ كَفَّرَ. وَلَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ أَسْنَانِهِ فَدَخَلَ حَلْقَهُ إنْ سَاوَى الرِّيقَ فَسَدَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ فَمَه وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ. وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فَمِهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ مُتَّصِلٌ بِمَا فِي فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ وَأَخَذَهُ وَأَعَادَهُ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ. وَفِي الْكَنْزِ لَوْ ابْتَلَعَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ كَفَّرَ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الرِّيقُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُكْرَهُ وَلَا يُفْطِرُ. وَلَوْ تَغَيَّرَ رِيقُ الْخَيَّاطِ بِخَيْطٍ مَصْبُوغٍ وَابْتَلَعَهُ إنْ صَارَ رِيقُهُ مِثْلَ صَبْغِ الْخَيْطِ فَسَدَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ تَرَطَّبَ شَفَتَاهُ بِالْبُزَاقِ عِنْدَ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ فَابْتَلَعَهُ لَا يُفْطِرُ. وَفِي الْمُنْيَةِ، لَوْ فَتَلَ خَيْطًا بِبُزَاقِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ فَعَلَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَ سِلْكَةً وَطَرَفُهَا بِيَدِهِ أَمَّا لَوْ ابْتَلَعَ الْكُلَّ فَسَدَ. (وَلَوْ وَطِئَ) امْرَأَةً (مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً) حَيَّةً (أَوْ) وَطِئَ حَيًّا (فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ) كَالْفَخِذِ وَالْبَطْنِ وَالْإِبْطِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ) أَيْ مَسَّ الْبَشَرَةَ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ فَأَنْزَلَ فَسَدَ إذَا وَجَدَ حَرَارَةَ أَعْضَائِهِمْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (إنْ أَنْزَلَ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ (أَفْطَرَ) وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِنْزَالِ يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلَا كَفَّارَةَ لِنُقْصَانِ الْجِنَايَةِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ الْمُشْتَهَى فِي الْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ وَلِعَدَمِ صُورَةِ الْجِمَاعِ فِي الْبَاقِي. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (فَلَا) يُفْطِرْ لِعَدَمِ مُوجِبِ الْإِفْطَارِ، وَلَوْ قَبَّلَ بَهِيمَةً أَوْ نَظَرَ فَرْجَهَا فَأَنْزَلَ لَا يَفْسُدُ. (وَإِنْ ابْتَلَعَ) الصَّائِمُ (مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) مِمَّا يُؤْكَلُ (فَإِنْ كَانَ) مَا ابْتَلَعَهُ (قَدْرَ الْحِمَّصَةِ قَضَى، وَإِنْ كَانَ دُونَهَا لَا يَقْضِي) . وَقَالَ زُفَرُ يَقْضِي؛ لِأَنَّ الْفَمَ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِالْمَضْمَضَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَلِيلَ يَبْقَى عَادَةً بَيْنَ الْأَسْنَانِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلرِّيقِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا قَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِابْتِلَاعُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْقِلَّةِ، وَإِلَّا فَعَلَامَةُ الْكَثْرَةِ. وَقَالَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ فِي قَدْرِ الْحِمَّصَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَعَافُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَفِي الْفَتْحِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيَنْظُرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ عِنْدَهُ لِذَلِكَ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ (إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَلِيلَ مِنْ فِيهِ (ثُمَّ أَكَلَهُ) فَإِنَّهُ يَقْضِي فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ. (وَلَوْ أَكَلَ سِمْسِمَةً مِنْ الْخَارِجِ إنْ ابْتَلَعَهَا أَفْطَرَ) فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ

كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (وَإِنْ مَضَغَهَا فَلَا) ؛ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى فِي فَمِهِ إلَّا إذَا وَجَدَ طَعْمَهَا فَفَسَدَ (وَالْقَيْءُ مِلْءُ الْفَمِ إنْ عَادَ) بِنَفْسِهِ (أَوْ أُعِيدَ) وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ (يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا) مِنْ مِلْءِ فَمِهِ (لَا يَفْسُدُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَفْسُدُ بِإِعَادَةِ الْقَلِيلِ لَا) يَفْسُدُ (بِعَوْدِ الْكَثِيرِ) وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ الْخُرُوجَ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ وَفِي إعَادَةِ الْكَثِيرِ يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَفِي عَوْدِهِ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي عَوْدِ الْقَلِيلِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَفِي إعَادَتِهِ يُفْطِرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (وَكُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ) مُفْطِرٍ مِنْ غَدَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضُ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قِيلَ هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا يُكْرَهُ (وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) وَإِنْ كَانَ فِي فِيهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَضْغِ فَلَا شَيْءَ. وَفِي التَّبْيِينِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَذُوقَ الْمَرْأَةُ الْمَرَقَةَ بِلِسَانِهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا سَيِّئَ الْخُلُقِ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ الذَّوْقُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِيَعْرِفَ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ بَلْ يُكْرَهُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ خَوْفًا لِلْغَبْنِ فِي الْمُشْتَرَى. (وَ) كُرِهَ (مَضْغُ الْعِلْكِ) قِيلَ إذَا كَانَ أَبْيَضَ مَمْضُوغًا وَإِلَّا يُفْطِرُ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْكٍ وَعِلْكٍ وَمَمْضُوغٍ وَغَيْرِ مَمْضُوغٍ كَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ إذَا فُرِضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ وَلِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ وَفِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ وَلِلْمَرْأَةِ مَضْغُ الْعِلْكِ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ (الْقُبْلَةُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ) الْوُقُوعَ فِي الْوِقَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ عَلَى نَفْسِهِ (لَا) يُكْرَهُ (إنْ أَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلشَّيْخِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ تَكْرَهُ الْقُبْلَةُ مُطْلَقًا. (وَلَا) يُكْرَهُ (الْكَحْلَ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْكُحْلِ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْكَافِّ لَكِنَّ الْفَتْحَ يُنَاسِبُ بِالْمَقَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ» . (وَدَهْنُ الشَّارِبِ) بِفَتْحِ الدَّالِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ وَالِاسْمُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الشَّارِبِ يَأْبَاهُ وَإِنَّمَا لَا يُكْرَهُ إذَا قُصِدَ بِهِمَا التَّدَاوِي دُونَ الزِّينَةِ. (وَ) لَا يُكْرَهُ (السِّوَاكُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْخَشَبِ الْمَخْصُوصِ سَوَاءٌ كَانَ مَبْلُولًا بِالْمَاءِ أَوْ لَا وَكَرِهَ أَبُو يُوسُفَ بِالرَّطْبِ وَالْمَبْلُولِ (وَلَوْ عَشِيًّا)

فصل بيان وجوه الأعذار المبيحة للإفطار وما يتعلق بها

أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ. (وَلَا) يُكْرَهُ (مَضْغُ طَعَامٍ لَا بُدَّ مِنْهُ لِطِفْلٍ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَمْضُغُ لَهُ مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ بِصَائِمٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَأْكُلُهُ ذَلِكَ الصَّبِيُّ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الْمَمْنُوعَ فَالْأَوْلَى أَنْ تُبِيحَ الْمَكْرُوهَ. (وَلَا) تُكْرَهُ (الْحِجَامَةُ) لِمَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا (وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الِاسْتِنْشَاقُ لِلتَّبَرُّدِ) وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ. (وَكَذَا الِاغْتِسَالُ وَالتَّلَفُّفُ بِثَوْبٍ) مَبْلُولٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّضَجُّرِ فِي إقَامَةِ الْعِبَادَةِ. (وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَوْنٌ عَلَى الْعِبَادَةِ وَدَفْعٌ لِلتَّضَجُّرِ الطَّبِيعِيِّ وَبِهِ يُفْتَى. (وَقِيلَ تُكْرَهُ الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ عُذْرٍ) وَإِنَّمَا قَالَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِيَشْمَلَ الْوُضُوءَ وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْيُبُوسَةِ حَيْثُ لَوْ لَمْ يَتَمَضْمَضْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّكَلُّمِ. (وَ) تُكْرَهُ (الْمُبَاشَرَةُ وَالْمُعَانَقَةُ وَالْمُصَافَحَةُ فِي رِوَايَةٍ) عَنْ الْإِمَامِ لِتَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ. (وَيُسْتَحَبُّ السَّحُورُ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ. (وَتَأْخِيرُهُ) أَيْ السَّحُورِ إلَى مَا لَمْ يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ. (وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَالسِّوَاكُ» وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ حِينَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَبِك آمَنْتُ وَعَلَيْك تَوَكَّلْتُ وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ وَلِصَوْمِ الْغَدِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَوَيْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ. [فَصْلٌ بَيَانِ وُجُوهِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْإِفْطَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] فَصْلٌ فِي بَيَانِ وُجُوهِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْإِفْطَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِالْعُذْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْإِثْمِ؛ فَلِذَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (يُبَاحُ الْفِطْرُ لِمَرِيضٍ خَافَ) بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ (زِيَادَةَ) مَنْصُوبٌ لِنَزْعِ الْخَافِضِ (مَرَضِهِ) الْكَائِنِ أَوْ امْتِدَادَهُ أَوْ وَجَعَ الْعَيْنِ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ صُدَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ خَوْفُ عَوْدِ الْمَرَضِ وَنُقْصَانِ الْعَقْلِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الِائْتِمَارِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَالْعَبْدُ كَالْأَمَةِ وَمَنْ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَفْطَرَ مَخَافَةَ الضَّعْفِ عِنْدَ إصَابَةِ الْحُمَّى فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْكَائِنِ وَقَالَ نَجْمُ الْأَئِمَّةِ مَنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ كُرِهَ صَوْمُهُ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ

وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ هُوَ الْمَرَضُ لَا الضَّعْفُ وَكَذَا لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَوَفَّقَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْخَوْفِ فِي كَلَامِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ. وَفِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَلَا مُخَالَفَةَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرَ مَنْ ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ. وَفِي الْمُبْتَغِي الْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِتْعَابِ نَفْسِهِ وَمَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ أَوْ عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ، وَقِيلَ لَا وَالْغَازِي إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ فِي رَمَضَانَ وَخَافَ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ يُفْطِرُ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا (بِالصَّوْمِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ أَوْ فَوَاتَ الْعُضْوِ (وَلِلْمُسَافِرِ) الَّذِي لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُسَافِرُ إذَا تَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ قِيَاسًا، وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَوْ سَافَرَ مِنْ مَكَانِهِ أَوْ حَضَرَ مِنْ سَفَرِهِ أَفْطَرَ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَصَوْمُهُ) أَيْ الْمُسَافِرِ (أَحَبُّ) أَيْ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يُفْطِرْ عَامَّةُ رُفَقَائِهِ، وَإِلَّا فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ مُشْتَرَكَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَمَا رَوَوْهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) السَّفَرُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الصَّوْمَ مَكْرُوهٌ إذَا أَجْهَدَهُ (وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا) أَيْ الْمَرِيضُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْحُكْمِيُّ كَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِنَّ وَالْمُسَافِرِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ. (وَيَجِبُ) الْقَضَاءُ (بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا إنْ صَحَّ) الْمَرِيضُ وَلَوْ قَالَ إنْ قَدَرَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْقُدْرَةُ لَا الصِّحَّةُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَسْتَلْزِمَ الثَّانِيَةَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (أَوْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ لِوُجُودِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَقُمْ الْمُسَافِرُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا بَلْ قَدَرَ أَوْ أَقَامَ مِقْدَارًا أَنْقَصَ مِنْ مُدَّةِ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ ثُمَّ مَاتَا (فَبِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) ، وَفَائِدَةُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِقَدْرِهِمَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِمَا وَعَنْ هَذَا قَالَ مُفَرِّعًا عَلَيْهِ (فَيُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَيَشْمَلُ الْوَصِيَّ (لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ) أَيْ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ فِدْيَةَ مَا فَاتَهُمَا مِنْ أَيَّامِ الصِّيَامِ كَالْفِطْرَةِ عَيْنًا أَوْ قِيمَةً فَلَوْ فَاتَ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا وَعَاشَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بِلَا قَضَاءٍ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ فَاتَ خَمْسَةٌ وَعَاشَ ثَلَاثَةً فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ (وَيَلْزَمُ) أَيْ وَيَجِبُ إطْعَامُ الْوَارِثِ (مِنْ الثُّلُثِ) إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَإِلَّا فَمِنْ الْكُلِّ (إنْ أَوْصَى) الْمُوَرِّثُ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِيصَاءَ وَاجِبٌ

قضاء رمضان

إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ مَا وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوصِ (فَلَا لُزُومَ) لِلْوَرَثَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَإِنْ تَبَرَّعَ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ بِالْإِطْعَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ (صَحَّ) وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ (وَالصَّلَاةُ) الْمَكْتُوبَةُ أَوْ الْوَاجِبَةُ كَالْوِتْرِ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْوِتْرُ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (كَالصَّوْمِ، وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ كَصَوْمِ يَوْمٍ) أَيْ كَفِدْيَتِهِ. (وَهُوَ الصَّحِيحُ) رَدٌّ لِمَا قِيلَ: فِدْيَةُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَصَوْمِ يَوْمِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَوْ لَا بِلَا قَيْدِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ رَجَعَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْفِدَاءُ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبَلْخِيُّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّطَ بِأَدَائِهَا بِإِطَاعَةِ النَّفْسِ وَخِدَاعِ الشَّيْطَانِ ثُمَّ نَدِمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَوْصَى بِالْفِدَاءِ لَمْ يُجْزِئْ لَكِنْ فِي الْمُسْتَصْفَى دَلَالَةٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ بِفِدَائِهِمَا وَتَبَرَّعَ وَارِثُهُ جَازَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ يَصِلُ إلَيْهِ ثَوَابُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْدِيَ قَبْلَ الدَّفْنِ وَإِنْ جَازَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَا يُصَلِّي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. [قَضَاءُ رَمَضَانَ] (وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ (وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) وَهُوَ أَفْضَلُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُتَتَابِعَةٌ وَهِيَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَهِيَ قَضَاءُ صَوْمِ رَمَضَانَ وَصَوْمِ الْمُتْعَةِ وَصَوْمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْحَلِفِ، وَسِتَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي السُّنَّةِ وَهِيَ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا وَصَوْمُ النَّذْرِ وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالْيَمِينِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَ مِنْ شَهْرٍ وَصَوْمُ اعْتِكَافٍ وَصَوْمُ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ خَالَفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا قَالَ إنَّ صَوْمَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِمُتَتَابِعٍ وَالثَّانِي قَالَ إنَّ صَوْمَ الِاعْتِكَافِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالثَّالِثِ قَالَ لَا يَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (حَتَّى جَاءَ) رَمَضَانُ (آخَرُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ) عَلَى الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ (ثُمَّ قَضَى وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلِهَذَا جَازَ التَّطَوُّعُ قَبْلَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ. (وَالشَّيْخُ) مَنْ جَاوَزَ عُمُرُهُ خَمْسِينَ (الْفَانِي) سُمِّيَ بِهِ لِفَنَاءِ قُوَاهُ أَوْ لِلْقُرْبِ مِنْهُ، أَوْ فِي الزِّيَادَاتِ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ وَيَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ عَجْزُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَآلُهُ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْهَرَمِ وَكَذَا الْعَجُوزُ (إذَا عَجَزَ عَنْ) أَدَاءِ

(الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ) مِسْكِينًا (كَالْفِطْرَةِ) عِبَارَةُ يُطْعِمُ تُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّمْلِيكِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ مَا بِهِ يُتَخَلَّصُ عَنْ مَكْرُوهٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِ لَكِنْ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَفْعُولَهُ الثَّانِيَ إذَا ذُكِرَ فَلِلتَّمْلِيكِ وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَفِي التَّبْيِينِ قَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ، وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ تَصَدَّقَ بِاللَّيْلِ مِنْ صَوْمِ الْغَدِ يُجْزِيهِ (وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الصَّوْمِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا فَدَى (لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ دَوَامُ الْعَجْزِ. (وَحَامِلٌ) أَيْ ذَاتُ حَمَلٍ بِالْفَتْحِ أَيْ لَهَا وَلَدٌ فِي الْبَطْنِ وَالْحَامِلَةُ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ (أَوْ مُرْضِعٌ) أَيْ ذَاتُ الرَّضَاعِ أَيْ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا وَالْمُرْضِعَةُ الَّتِي هِيَ فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَهَا لِلصَّبِيِّ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ: وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا (خَافَتْ) كُلُّ وَاحِدَةٍ يُعْلَمُ الضَّرَرُ بِاجْتِهَادِهَا أَوْ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ (عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا) الْمَخْصُوصِ بِالْمُرْضِعِ الَّتِي هِيَ الْأُمُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ هَاهُنَا الظِّئْرُ بِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا لَكِنْ يَرُدُّهُ إضَافَةُ الْوَلَدِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوُجُوبُ دِيَانَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ وَكَلَامُنَا فِي أَنَّ الْأُمَّ حَالَةَ الصَّوْمِ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَلَا يَجِبُ فَلَا عُذْرَ نَعَمْ إذَا تَعَيَّنَتْ الْأُمُّ لِلْإِرْضَاعِ بِفَقْدِ الظِّئْرِ أَوْ بِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى اسْتِئْجَارِهَا أَوْ بِعَدَمِ أَخْذِ الْوَلَدِ ثَدْيَ غَيْرِ الْأُمِّ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ فَلَا خُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدُونِهِ فَالْعُذْرُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ لِأَجْلِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ نَعَمْ هُوَ عُذْرٌ لَكِنْ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِمِ بَلْ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الشُّرْبُ (تُفْطِرُ وَتَقْضِي بِلَا فِدْيَةٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ هُوَ يُعْتَبَرُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْإِفْطَارَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلِلْوَلَدِ

لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ آنِفًا نَوْعُ مُخَالَفَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلٌ جَدِيدٌ لِلشَّافِعِيِّ تَأَمَّلْ. (وَيَلْزَمُ صَوْمُ نَفْلِ شُرِعَ) أَيْ بِشُرُوعٍ غَيْرِ مَظْنُونٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فِيهِ إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) أَيْ الْمَنْهِيُّ الصَّوْمُ فِيهَا وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ صَوْمَهَا لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَبِالْإِفْسَادِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَفْسَدَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْكَشْفِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ وَقَعَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ. (وَلَا يُبَاحُ لَهُ) أَيْ لِلشَّارِعِ لِلنَّفْلِ (الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُبَاحُ. وَفِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُبْتَغِي وَهُوَ قَوْلُهُ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ أَوْجَهُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فَلْيُطَالَعْ. (وَيُبَاحُ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ) ضَيْفًا أَوْ مُضِيفًا عَلَى الْأَظْهَرِ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرَهُمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْإِفْطَارُ لِسُرُورِ مُسْلِمٍ فَمُبَاحٌ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ إنْ تَأَذَّى الدَّاعِي بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ يُفْطِرُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَحْسَنُ أَنَّهُ إنْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ الْقَضَاءَ يُفْطِرُ وَإِلَّا فَلَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ وَيَسْأَلُهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ لَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ وَلَا يَقُولَ إنِّي صَائِمٌ حَتَّى لَا يَعْلَمَ النَّاسُ سِرَّهُ (وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ) لِغَيْرِ الْأَيَّامِ مَنْهِيَّةٍ (إنْ أَفْطَرَ) إسْقَاطًا لِمَا وَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْفِطْرَ) فِي غَيْرِ رَمَضَانَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نِيَّتُهُ الْإِفْطَارُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يَأْكُلُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِنِيَّةٍ يُنْشِئُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (ثُمَّ أَقَامَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ النِّيَّةِ (صَحَّ) الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ أَهْلٌ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الشُّرُوعِ (وَيَلْزَمُ) أَيْ يَجِبُ (ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ) لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ وَقْتَ النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ (كَمَا يَلْزَمُ) أَيْ يَجِبُ ذَلِكَ الصَّوْمُ (مُقِيمًا سَافَرَ فِي يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بَعْدَ الصُّبْحِ لَمْ يُفْطِرْ بِخِلَافِ لَوْ مَرِضَ بَعْدَهُ صَائِمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ (لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ) الْمُسَافِرُ الَّذِي أَقَامَ وَالْمُقِيمُ الَّذِي سَافَرَ (فَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِمَا (فِيهِمَا) لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ. (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا قَضَاهَا) وَلَوْ كَانَتْ كُلَّ الشَّهْرِ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنْ اسْتَوْعَبَ فَلَا يَقْضِي كَمَا فِي الْمَجْنُونِ (إلَّا يَوْمًا حَدَثَ) الْإِغْمَاءُ (فِيهِ)

أَيْ فِي هَذَا الْيَوْمِ (أَوْ) حَدَثَ (فِي لَيْلَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهِ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَوَى فِي وَقْتِهَا حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَوْ أَكَلَ وَلَيْسَ هَذَا وَأَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَ أَيَّامِ رَمَضَانَ إذَا نَوَى فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنْ يَصُومَ كُلَّهُ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ خِلَافُهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَنُوطٌ بِعَدَمِ الْأَكْلِ وَالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِيهِ وَالْإِغْمَاءُ يُنَافِيهِ. (وَلَوْ جُنَّ) بِالضَّمِّ أَيْ صَارَ مَجْنُونًا (كُلَّ رَمَضَانَ) قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى كُلَّ الشَّهْرِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا (لَا يَقْضِي) لِكَثْرَةِ الْحَرَجِ فِي قَضَائِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ. (وَإِنْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهُ) فَلَوْ أَفَاقَ قَبْلَ الزَّوَالِ سَاعَةً وَلَوْ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ (قَضَى مَا مَضَى) لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَهُوَ شُهُودُ بَعْضِ الشَّهْرِ (سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) . وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ فَأَلْحَقَ الْأَصْلِيَّ بِالصَّبِيِّ وَخَصَّ الْقَضَاءَ بِالْعَارِضِي وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَقَامَ مُسَافِرٌ) أَيْ جَاءَ مِنْ السَّفَرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَحَلِّهَا (أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ) أَوْ نُفَسَاءُ (فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) يَعْنِي إذَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ) وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ لِحَقِّ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلْأَدَاءِ فِي الْيَوْمِ يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُمْسِكُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ دَخَلَ يَوْمُ الشَّكِّ فَظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَلَا يَلْزَمُ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الصَّبِيُّ الَّذِي بَلَغَ وَالْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ (قَضَاؤُهُ) أَيْ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ عِنْدَ الضَّحْوَةِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي أَوَّلِهِ (بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ) أَيْ الْمُسَافِرِ الَّذِي أَقَامَ وَالْحَائِضِ الَّتِي طَهُرَتْ لَا خِلَافَ فِي قَضَاءِ الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ كُنَّا نَقْضِي الصَّوْمَ لَا الصَّلَاةَ وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسَافِرِ خِلَافٌ، وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ لَمْ يَصُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ.

فصل نذر صوم يومي العيد وأيام التشريق

[فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ] فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَخَّرَهُ عَمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ (نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامٌ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ. (وَ) لَكِنَّهُ (أَفْطَرَ) احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَقَضَى) إسْقَاطًا لِمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْإِمَامِ وَرِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ. (وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ السَّنَةِ) يَعْنِي السَّنَةَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ بِشَرْطِ التَّتَابُعِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِدُونِ التَّتَابُعِ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنَكَّرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرِ السَّنَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيَّةُ وَلَا رَمَضَانُ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ (يُفْطِرُ هَذِهِ الْأَيَّامَ) الْمَنْهِيَّةَ (وَيَقْضِيهَا) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ حَيْضَهَا. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا اسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْكَافِي. وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْتَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ سَبْعَةُ أَسْبَاتٍ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِي السَّبْعَةِ لَا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ وَكَذَا التِّسْعَةُ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ لَزِمَهُ مَا نَوَى. وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْجُمُعَةَ إنْ أَرَادَ أَيَّامَ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (وَلَا عُهْدَةَ) عَلَيْهِ (لَوْ صَامَهَا) أَيْ لَا قَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ فَإِنَّ مَا وَجَبَ نَاقِصًا يَجُوزُ أَنْ يُتَأَدَّى نَاقِصًا. وَفِي الْغَايَةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَصَوْمُهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَصَوْمُ السَّبْتِ مُفْرَدًا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَكَذَا صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدَهُ فَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ صَوْمِهِ فَلَا بَأْسَ وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا صَوْمُ الْوِصَالِ وَمَنْ صَامَ يَوْمًا وَأَفْطَرَ يَوْمًا فَحَسَنٌ قِيلَ: إنَّهُ صَوْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَصَوْمُ الصَّمْتِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ (ثُمَّ إنْ نَوَى) بِقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ السَّنَةِ (النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَاهُ) أَيْ النَّذْرَ (وَنَوَى أَنْ يَكُونَ يَمِينًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَاللَّفْظُ مَوْضُوعٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. (وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا فَحَسْبُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ (فَيَجِبُ بِالْفِطْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَا الْقَضَاءُ) لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ

باب الاعتكاف

وَالْكَفَّارَةُ مُوجِبُهَا الْحِنْثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. (وَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ (أَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ (كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (فَيَجِبُ الْقَضَاءُ) لِكَوْنِهِ نَذْرًا (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَوْنِهِ يَمِينًا (إنْ أَفْطَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَذْرٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا نَوَاهُمَا. (وَيَمِينٌ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينُ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّةٍ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ إنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ الْيَمِينَ مَعْنًى مَجَازِيًّا وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ أَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ لِمُبَاحٍ فَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ضِدِّهِ وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ لَا يَجُوزُ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَثْبُتُ بِإِرَادَتِهِ بَلْ بِصِيغَتِهِ؛ لِأَنَّهَا إنْشَاءٌ لِلنَّذْرِ سَوَاءٌ أَرَادَ أَوْ لَمْ يُرِدْ مَا لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ أَمَّا إذَا نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا مَدْخَلَ لِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ يَثْبُتُ بِإِرَادَتِهِ فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ وَهَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ الْأُصُولِ وَالْمُطَوَّلَاتِ. (وَلَا يُكْرَهُ إتْبَاعُ الْفِطْرِ بِصَوْمِ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَا يَلْزَمُ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَسُنَّةٌ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَالِاتِّبَاعُ الْمَكْرُوهُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَصُومَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ (وَتَفْرِيقُهَا) أَيْ صَوْمِ السِّتَّةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ (أَبْعَدُ عَنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى) فِي زِيَادَةِ صِيَامِ أَيَّامٍ عَلَى صِيَامِهِمْ. [بَابُ الِاعْتِكَافِ] ِ (هُوَ) لُغَةً اللُّبْثُ مِنْ الْعَكْفِ أَيْ الْحَبْسِ وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ وَمَنْعُهَا أَوْ مِنْ الْعُكُوفِ أَيْ الْإِقَامَةِ: وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الِاعْتِكَافِ كَوَجْهِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّلَاةِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ قَدِمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى قُبِضَ وَقَضَائِهِ فِي شَوَّالٍ حِينَ تَرَكَ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ بَلْدَةٍ بِأَسْرِهِمْ يَلْحَقُهُمْ الْإِسَاءُ وَإِلَّا فَلَا كَالتَّأْذِينِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ

الصوم شرط في الاعتكاف الواجب

كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلِهَذَا قَالَ. (وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ الِاعْتِكَافُ شَرْعًا (اللُّبْثُ) أَيْ لُبْثُ الْمُعْتَكِفِ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ قَرَارُهُ (فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) صُلِّي فِيهِ الْخَمْسُ أَوْ لَا وَقِيلَ تَقُومُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ. وَلَوْ مَرَّةً فِي يَوْمٍ وَقِيلَ يَصِحُّ فِي الْجَامِعِ بِلَا جَمَاعَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا أُذِّنَ وَأُقِيمَ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الْأَفْضَلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْمَسَاجِدِ الَّتِي كَثُرَ أَهْلُهَا (مَعَ النِّيَّةِ) فَالرُّكْنُ اللُّبْثُ، وَالْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلصِّحَّةِ. وَإِذَا أَرَادَ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَكْفِي لِإِيجَابِهِ النِّيَّةُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَجِبُ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقَلْبِ وَرَوَى عَنْهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَنْوِ لَا يُعَدُّ اعْتِكَافًا. (وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ (يَوْمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَكْثَرُهُ) أَيْ أَكْثَرُ الْيَوْمِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ عِنْدَهُ. (وَ) أَقَلُّ مُدَّةِ اعْتِكَافِ النَّفْلِ (سَاعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِلنَّفْلِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ عِنْدَهُ فَلَوْ شَرَعَ فِي نَفْلِهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعُهُ إبْطَالًا. [الصَّوْمُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ] (وَالصَّوْمُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ) رِوَايَةً وَاحِدَةً فَأَقَلُّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلِاعْتِكَافِ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَلَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي يَوْمٍ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. (وَكَذَا فِي النَّفْلِ فِي رِوَايَةٍ) عَنْ الْإِمَامِ فَأَقَلُّهُ يَوْمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. (وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ) بِإِذْنِ زَوْجِهَا (فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُعَدُّ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ وَلَا تَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ مُصَلَّاهَا فِي بَيْتِهَا وَإِذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا كَالرَّجُلِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا مُصَلًّى لَا تَعْتَكِفُ قِيلَ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَمَسْجِدُ حَيِّهَا أَفْضَلُ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا. (وَلَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) كَالطَّهَارَةِ وَمُقَدِّمَاتِهَا وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُفَسَّرَ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ تَدَبَّرْ وَلَا يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَرْصَتِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا يَمْكُثَ بَعْدَ الْفَرَاغِ (أَوْ الْجُمُعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ وَلَنَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ فَإِذَا صَحَّ الشُّرُوعُ فَالضَّرُورَةُ مُطْلَقَةٌ فِي الْخُرُوجِ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) أَيْ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا إنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ بَعِيدًا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا يَخْرُجُ وَقْتَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ بَعْدَهُ (مَعَ سُنَّتِهَا) وَهِيَ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ سِتٌّ: رَكْعَتَانِ تَحِيَّةٌ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ. وَلَوْ قَالَ فِي السُّنَنِ

لَكَانَ أَشْمَلَ لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا فِي الْجَامِعِ أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ فِي النَّافِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى خِلَافِ الْإِمَامَيْنِ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ لِاعْتِبَارِهِ هَا هُنَا فَإِنَّهُ لَا مُضَايَقَةَ فِي الْخُرُوجِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَلَا يَلْبَثَ فِي الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ) أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ يَوْمًا (فَلَا فَسَادَ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يُوجِبُ الْمُخَالَفَةَ لِالْتِزَامِهِ الْمُكْثَ فِي مُعْتَكَفِهِ فَكُرِهَ كَمَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ (فَإِنْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ نَاسِيًا (سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) اعْتِكَافُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، وَلَوْ قَلِيلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ أَمَّا لَوْ خَرَجَ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَفَرُّقِ أَهْلِهِ بِحَيْثُ بَطَلَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْهُ أَوْ لِإِخْرَاجِ ظَالِمٍ لَهُ كَرْهًا أَوْ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ فَدَخَلَ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ اسْتِحْسَانًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَمَجْلِسِ الْعِلْمِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَالْجِهَادِ وَلَوْ كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ فَحُكِمَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ. (وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ) الْخُرُوجُ (أَكْثَرَ الْيَوْمِ) وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ وَقَوْلُهُ أَقْيَسُ وَقَوْلُهُمَا أَيْسَرُ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا كُلُّهُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ. (وَأَكْلُهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ حَيْثُ جَازَتْ فِيهِ. (وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ) أَيْ يَشْتَرِيَ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (بِلَا إحْضَارِ السِّلْعَةِ) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إمَارَاتِ السُّوقِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا فَيُكْرَهُ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ هَذَا وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ دَلَالَةً عَلَى هَذَا، وَفِيهِ مَنْعُ الدَّلَالَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَلَا يَجُوزُ) الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا كُرِهَ فِيهِ التَّعْلِيمُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخِيَاطَةُ بِأَجْرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ كُرِهَ فِيهِ كُرِهَ فِي سَطْحِهِ وَاسْتَثْنَى الْبَزَّازِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ التَّعْلِيمِ بِأَجْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ أَنَّ الْخَيَّاطَ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ بِخِيَاطَتِهِ فِيهِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَلَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ (الْوَطْءُ) وَلَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] (وَدَوَاعِيهِ) أَيْ وَكَذَا يَحْرُمُ دَوَاعِي الْوَطْءِ وَهُوَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَدِّيَةٌ إلَيْهِ. (وَيَفْسُدُ) الِاعْتِكَافُ (بِوَطْئِهِ وَلَوْ نَاسِيًا) أَنْزَلَ أَوْ لَا خَصَّ الْوَطْءَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي النَّهَارِ نَاسِيًا لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ

كتاب الحج

الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ حَالِ الصَّوْمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَكَذَا فِي الدَّوَاعِي بِلَا شَهْوَةٍ (أَوْ فِي اللَّيْلِ) ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ كَالنَّهَارِ. (وَ) كَذَا يَفْسُدُ (بِاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالْوَطْءِ فِي غَيْرِ فَرْجٍ أَيْضًا إنْ أَنْزَلَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَعَ الْإِنْزَالِ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِنْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ النَّظَرِ لَا يَفْسُدُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ (فَلَا) يَفْسُدُ لِعَدَمِ الْجِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنْ حَرُمَ. (وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ. (وَ) يُكْرَهُ (الْكَلَامُ إلَّا بِخَيْرٍ) أَيْ مِمَّا لَا إثْمَ فِيهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ التَّكَلُّمِ الشَّرَّ فِي وَقْتِ الِاعْتِكَافِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ. (وَمَنْ نَذَرَ) بِلَا نِيَّةِ اللَّيَالِيِ (اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَتْهُ) أَيْ لَزِمَتْ (بِلَيَالِيِهَا) لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيَالٍ لَزِمَهُ بِأَيَّامِهَا الْمُتَأَخِّرَةِ. (وَإِنْ نَذَرَ) الِاعْتِكَافَ (يَوْمَيْنِ) بِلَا نِيَّةِ لَيْلَتَيْهِمَا (لَزِمَاهُ بِلَيْلَتَيْهِمَا) وَكَذَا الْعَكْسُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إلَّا تَبَعًا لِضَرُورَةِ الِاتِّصَالِ إذْ الْأَصْلُ فِيهِ الِاتِّصَالُ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى. (وَإِنْ نَوَى النُّهُرَ) جَمْعُ نَهَارٍ يَعْنِي إنْ نَوَى فِي نَذْرِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ (خَاصَّةٍ) أَيْ خُصَّتْ بِنِيَّةِ النَّهَارِ وَانْفَرَدَتْ مِنْ نِيَّةِ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَانْفَرَدَا مِنْهَا وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ النِّيَّةِ (صَحَّتْ) نِيَّتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي وَالنُّهُرُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَنَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً أَوْ نَوَى اللَّيْلَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ فَلَا يُحْتَمَلُ مَا دُونَهُ (وَيَلْزَمُ التَّتَابُعُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَلْتَزِمْهُ) بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّيَالِيَ قَابِلَةٌ لِلِاعْتِكَافِ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَلْزَمُ الِاعْتِكَافُ عَلَى التَّتَابُعِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّفْرِيقِ وَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ عَلَى التَّفْرِيقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ. (وَيَلْزَمُ) الِاعْتِكَافُ (بِالشُّرُوعِ) يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَقَطَعَهُ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ عَلَى رِوَايَةٍ (إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ عِنْدَهُ. [كِتَابُ الْحَجِّ] الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَرْتِيبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَجِّ إلَى هُنَا وَوَجْهُ

تَقْدِيمِهِ عَلَى النِّكَاحِ كَوْنُ الْحَجِّ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ وَلَيْسَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ (هُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظُنَّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُؤَلًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا أَيْ يَقْصِدُونَ لَهُ مُعَظِّمِينَ إيَّاهُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ لُغَةُ نَجْدٍ وَالْفَتْحُ لِغَيْرِهِمْ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ وَبِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ لَكِنْ قُرِئَ فِي التَّنْزِيلِ بِهِمَا وَهُوَ نَوْعَانِ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ حَجُّ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ كَمَا فِي النُّتَفِ وَشَرْعًا (زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ) الْمُرَادُ بِالزِّيَارَةِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ بِالْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ وَالْجَبَلِ الْمُسَمَّى بِعَرَفَاتٍ وَلَوْ قَالَ قَصْدُ مَكَان لَتَضَمَّنَ الشَّرْعِيُّ اللُّغَوِيَّ مَعَ زِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الزِّيَارَةُ تَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ جِنْسَهُ وَلِذَا قَالَهُ فِي الْإِصْلَاحِ هُوَ زِيَارَةُ بِقَاعٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَعُمُّ الرُّكْنَيْنِ وَغَيْرَهُمَا كَمُزْدَلِفَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ (بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ مُحْرِمًا (فُرِضَ) الْحَجُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} [آل عمران: 97] يَعْنِي أَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلَّهِ فِي رِقَابِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ عَلَى لِلْإِلْزَامِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ ذَكَرَ النَّاسَ ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْهُ مَنْ اسْتَطَاعَ وَفِيهِ ضَرْبَانِ مِنْ التَّأْكِيدِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِبْدَالَ تَنْبِيهٌ لِلْمُرَادِ وَتَكْرِيرٌ لَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْإِيضَاحَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ وَالتَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ إيرَادٌ لَهُ فِي صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَمَنْ كَفَرَ مَكَانَ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ تَغْلِيظًا عَلَى تَارِكِ الْحَجِّ وَلِذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَمِنْهَا ذِكْرُ الِاسْتِغْنَاءِ وَذَا دَلِيلُ السَّخَطِ عَلَى التَّارِكِ وَالْخِذْلَانِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6] وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الْعَالَمِينَ تَنَاوَلَهُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ الْكَامِلِ فَكَانَ أَدَلَّ عَلَى عِظَمِ السَّخَطِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْحَجُّ وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (فِي الْعُمُرِ مَرَّةً) ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قِيلَ لَهُ أَيُحَجُّ فِي كُلٍّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: لَا. بَلْ مَرَّةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي تَمَامِ هَذَا التَّعْلِيلِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَتَكَرَّرُ مَعَ عَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي السَّبَبِ كَمَا فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ وَقْتِهِ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الرَّأْسُ. تَأَمَّلْ (عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فَرْضٌ عَلَى الْفَوْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْفَوْرِ أَنْ يَتَعَيَّنَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لِلْأَدَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مَالٌ أَيَحُجُّ بِهِ أَمْ يَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: بَلْ يَحُجُّ بِهِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي التَّزْوِيجِ تَحْصِينَ النَّفْسِ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْحَجِّ يُفَوِّتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا

شروط الحج

أَمَرَ بِمَا يُفَوِّتُ الْوَاجِبَ مَعَ إمْكَانِ حُصُولِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِمَا أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ إنْ أُرِيدَ النِّكَاحُ مُطْلَقًا فَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ وَإِنْ أُرِيدَ النِّكَاحُ حَالَ التَّوَقَانِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَمْرَيْنِ تَرْكُ الْفَرْضِ وَالْوُقُوعُ فِي الزِّنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فِي مُطْلَقِ النِّكَاحِ لَا فِي النِّكَاحِ حَالَةَ التَّوَقَانِ بَلْ وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي لَمَا قَدَّمَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْحَالِ إذْ فِي تَقْدِيمِهِ تَفْوِيتٌ لِلسُّنَّةِ وَلَا شَيْءَ فِي تَأْخِيرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرَاخِي فَحَيْثُ قَدَّمَهُ عُلِمَ أَنَّهُ فَوْرِيٌّ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالِ الْوَزِيرُ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلِذَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لَكِنَّ التَّعْجِيلَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَلَوْ تَعَيَّنَ الْأُولَى لَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَاضِيًا لَا مُؤَدِّيًا فَكَانَ الْعُمُرُ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ، وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ يَجُوزُ فَكَذَا تَأْخِيرُ الْحَجِّ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَ بِالْمَوْتِ يَجُوزُ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَهَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا جَوَّزْنَا التَّأْخِيرَ فَلَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا مَحْظُورًا بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا جَوَّزْنَا التَّأْخِيرَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَالْأَدَاءِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَالثَّالِثُ إنْ خَافَ الْفَقْرَ وَالضَّعْفَ وَالْكِبَرَ فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ وَإِنْ أَدْرَكَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَجْأَةً قَبْلَ خَوْفِ الْفَوَاتِ لَمْ يَأْثَمْ وَأَمَّا إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ بِالْأَمَارَاتِ فَيَأْثَمُ بِالْفَوْتِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِدَلِيلِ الْقَلْبِ وَاجِبٌ عِنْدَ فِقْدَانِ غَيْرِهِ. وَفِي الْمِنَحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُعْتَمَدِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ سُنُونَ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَا يَصِيرُ فَاسِقًا بِارْتِكَابِهَا مَرَّةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَلَيْهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ وَلَوْ حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِالْإِجْمَاعِ. وَلَوْ حَجَّ الْفَقِيرُ ثُمَّ اسْتَغْنَى لَمْ يَحُجَّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَالَ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَفِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَحُجُّ ثَانِيًا. [شُرُوط الْحَجّ] (بِشَرْطِ) مُتَعَلِّقٍ بِفُرِضَ (إسْلَامٍ وَحُرِّيَّةٍ وَعَقْلٍ وَبُلُوغٍ) فَلَا يُفْرَضُ عَلَى الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْحَجِّ وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ كَالصَّبِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ احْتِيَاطًا. (وَصِحَّةٍ) الْمُرَادُ مِنْ الصِّحَّةِ الَّتِي اُشْتُرِطَتْ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ سَلَامَةُ الْبَدَنِ عَنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فَلَا يُفْرَضُ عَلَى مُقْعَدٍ وَزَمِنٍ وَمَفْلُوجٍ وَمَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي الَّذِي لَا يُثَبِّتُ نَفْسَهُ عَلَى

الرَّاحِلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَعِنْدَهُمَا. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُفْرَضُ فَيَلْزَمُ الْإِحْجَاجُ بِالْمَالِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصِّحَّةَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمَرِيضِ الْإِيصَاءُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (وَقُدْرَةِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) وَهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ خِلَافَهُ وَمُرَادُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ قَالُوا هُمَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ. الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ أَنْ يَمْلِكَ مَا يَفِيَ النَّفَقَةَ وَحَوَائِجَ السَّفَرِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يَفِي تَمَلُّكَهَا أَوْ إجَارَتَهَا وَفِي صُورَةِ الْإِبَاحَةِ لَا قُدْرَةَ إذْ لِلْمُبِيحِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَزُولُ التَّمَكُّنُ وَلَوْ كَانَ الْمُبِيحُ مَنْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ كَالْقَرِيبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَفِيهِ قَوْلَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ: لَا يَجِبُ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ بِأَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِالْكَسْبِ وَإِذَا اعْتَادَ الْمَشْيَ، وَالرَّاحِلَةُ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ التَّامُّ الْخَلْقِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ وَحِمَارٍ لَا يَجِبُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يُبَلِّغُهُ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى رَأْسِ زَامِلَةٍ وَهِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ طَعَامَهُ وَمَتَاعَهُ وَأَمْكَنَهُ السَّفَرُ عَلَيْهِ وَجَبَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ مُتَرَفِّهًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مَا يُكْتَرَى بِهِ شِقُّ مَحْمِلٍ أَيْ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَحْمِلِ جَانِبَيْنِ وَيَكْفِي لِلرَّاكِبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّانِي أَوْ الْعَكْسِ الْهَوْدَجُ الْكَبِيرُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ عَقَبَةً أَيْ مَا يَتَعَاقَبَانِ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا فَرْسَخًا أَوْ مَنْزِلًا مَنْزِلًا فَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَهُوَ شَرْطٌ وَلَوْ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ. وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ عَامٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا فِيهِ فَلَا وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ أَصْلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ مَاشِيًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ لَكِنْ لَوْ حَجّ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَمْنَعُ الطَّاعَاتِ فَإِذَا أَتَى بِهَا لَا يُقَالُ إنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شَرْطٌ عِنْدَ خُرُوجِ قَافِلَةِ بَلَدِهِ فَإِنْ مَلَكَهَا قَبْلَهُ فَلَا يَأْثَمُ بِصَرْفِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ. (وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِزَادٍ وَلَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ (فَضَلَتْ) حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ (عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) كَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ وَكَالْكُتُبِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَسْكَنِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ

بِدُونِهِ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَالْحَجُّ بِالْبَاقِي لَكِنْ إنْ فَعَلَ وَحَجَّ كَانَ أَفْضَلَ (وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ) بِالْكَسْرِ أَيْ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُ كَالزَّوْجَاتِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْخَدَمِ (إلَى حِينِ عَوْدِهِ) إلَى وَطَنِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ نَفَقَةِ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَوْدِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ عَوْدِهِ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْكَسْبُ عَقِيبَ الْقُدُومِ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِشَهْرٍ (مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ بَحْرًا لَا يَجِبُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ نَهْرًا كَسَيْحُونٍ وَالْفُرَاتِ يَجِبُ. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ. (وَ) مَعَ وُجُودِ (زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) الَّذِي حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهَارَةٍ مُسْلِمًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا يَنْضَمُّ الزَّوْجَ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ (لِلْمَرْأَةِ) الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ بَعْدَمَا كَانَتْ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطُ الْوُجُوبِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَيْ الْمَحْرَمَ أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ حَتَّى يَجِبَ الْإِيصَاءُ بِهِ (إنْ كَانَ بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ مَكَانِ الْمَرْأَةِ. (وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ سَفَرٍ) أَيْ مَسَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا يَجُوزُ بِلَا مَحْرَمٍ. (وَلَا تَحُجُّ) الْمَرْأَةُ (بِلَا أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ تَحُجُّ مَعَ النِّسَاءِ الثِّقَاتِ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِالْمُرَافَقَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» ؛ وَلِأَنَّ بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتُزَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا فَلَا يُفِيدُ كَوْنُ النِّسَاءِ الثِّقَاتِ مَعَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مُعَلَّلٌ بِدَفْعِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَالزَّوْجُ أَدْفَعُ لَهُ فَيُلْحَقُ بِالْمَحْرَمِ دَلَالَةً وَلَا خَوْفَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْفَرَائِدِ وَغَيْرِهِ فَلْيُطَالَعْ (وَشَرْطُ كَوْنِ الْمَحْرَمِ عَاقِلًا بَالِغًا) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ عَاجِزَانِ عَنْ الصِّيَانَةِ (غَيْرَ مَجُوسِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِلُّ نِكَاحَهَا. (وَفَاسِقٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَمِينٍ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْخِزَانَةِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ الْمَحْرَمِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يُرَافِقْهَا لَا بِنَفَقَتِهَا وَيَجِبُ التَّزَوُّجُ عَلَيْهَا لِتَحُجَّ مَعَهُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ أَنْ تَمْلِكَ قَدْرَ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مَعَهَا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ تَبَرُّعُهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْحَجِّ إلَّا بِهِ فَنَفَقَتُهُ أَيْضًا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَدَائِهِ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطَ الْأَدَاءِ انْتَهَى، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ

فرض الحج

الْأَدَاءِ وَعَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. تَدَبَّرْ (وَتَحُجُّ) الْمَرْأَةُ (مَعَهُ) أَيْ الْمَحْرَمِ (حَجَّةَ الْإِسْلَامِ) أَيْ الْحَجَّ الْفَرْضَ (بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا) وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ مَنْعُهَا عَنْ كُلِّ حَجٍّ سِوَاهَا كَمَا قَالَ رَشِيدُ الدِّينِ فِي الْمَنَاسِكِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا. (فَلَوْ أَحْرَمَ) مِنْ مِيقَاتٍ هَذَا تَفْرِيعُ مَا مَرَّ مِنْ الشَّرَائِطِ (صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ) الصَّبِيُّ (أَوْ عَتَقَ) الْعَبْدُ (فَمَضَى) كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ وَأَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ (لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ انْعَقَدَ لِلنَّفْلِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَمَّا مَا قِيلَ وَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ فَبَلَغَ وَقَيَّدْنَا بِالْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَقَدْ أَخَلَّ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي الْكَنْزِ فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ. تَدَبَّرْ (فَإِنْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ) بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفَ (إحْرَامَهُ) بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَيُجَدِّدَ التَّلْبِيَةَ بِالْحَجِّ (لِلْفَرْضِ صَحَّ) ذَلِكَ التَّجْدِيدُ؛ لِأَنَّهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ إحْرَامُهُ لَازِمًا فَلَوْ رَجَعَ إلَى تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ أَدَّى فَرْضَهُ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ) أَيْ لَا يَصِحُّ تَجْدِيدُ إحْرَامِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ لِأَهْلِيَّةِ الْإِحْرَامِ كَانَ إحْرَامُهُ لَازِمًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْإِتْمَامِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ فَلَوْ حَجَّ كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ وَأَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ أَجْزَأَهُمَا. [فَرْضُ الْحَجِّ] (وَفَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الْحَجِّ الْأَعَمُّ مِنْ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ النِّيَّةِ فِي الْقَلْبِ وَالتَّلْبِيَةِ بِاللِّسَانِ وَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ ذِكْرَ النِّيَّةِ بِاللِّسَانِ أَيْضًا مَعَ مُلَاحَظَةِ الْقَلْبِ إيَّاهَا (وَهُوَ شَرْطٌ) ابْتِدَاءً حَتَّى جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَلَهُ حُكْمُ الرُّكْنِ انْتِهَاءً حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَتُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ (وَالْوُقُوفُ) أَيْ الْحُضُورُ وَلَوْ سَاعَةً مُنْذُ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ (بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) أَيْ الدَّوَرَانُ حَوْلَ الْبَيْتِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ (وَهُمَا رُكْنَانِ) لِلْحَجِّ اتِّفَاقًا وَيَقُومُ أَكْثَرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ الرُّكْنِ. [وَاجِبُ الْحَجِّ] (وَوَاجِبُهُ) أَيْ الْحَجِّ (الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيُسَمَّى جَمْعًا أَيْضًا أَيْ الْوُقُوفُ بِجَمْعٍ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِفِعْلِ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهَا وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ رُكْنٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي الْآخَرِ هُوَ سُنَّةٌ (وَالسَّعْيُ) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ (بَيْنَ) أَعْلَى (الصَّفَا) بِالْقَصْرِ. (وَ) أَعْلَى (الْمَرْوَةِ) فَيُفِيدُ أَنَّ صُعُودَهُمَا وَاجِبٌ لِجَوَازِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي الْكَلَامِ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الْمَشْيُ وَالثَّانِي

أشهر الحج

أَنَّ السَّعْيَ مَسْنُونٌ فِي بَطْنِ الْوَادِي لَا غَيْرُ كَمَا سَيَجِيءُ وَهُمَا جَبَلَانِ شَرْقِيَّانِ، وَالْأَوَّلُ مَائِلٌ إلَى جَنُوبِ الْبَيْتِ وَالثَّانِي إلَى شِمَالِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَسَبْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رُكْنٌ (وَرَمْيُ الْجِمَارِ) أَيْ رَمْيُ سَبْعِينَ جَمْرَةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ لِلْآفَاقِيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ عِدَّةُ حَصَيَاتٍ اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنَاسِكِ وَسُمِّيَتْ جَمْرَةً لِتَجَمُّرِهَا هُنَاكَ وَإِضَافَةُ الرَّمْيِ إلَى الْجِمَارِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَالْمَعْنَى رَمْيُ الْحَصَاةِ إلَى الْجِمَارِ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ اتِّبَاعُ سُنَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُهُ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرْمِي الْأَحْجَارَ طَرْدًا لَهُ فَكَانَ نُسُكًا (وَطَوَافُ الصَّدَرِ) بِالتَّحْرِيكِ. وَفِي النُّتَفِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْنَى طَوَافُ الْبَيْتِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَى مَكَانِهِ (لِلْآفَاقِيِّ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَكِّيِّ إذْ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنِّي أُحِبُّهُ لِلْمَكِّيِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْآفَاقُ النَّوَاحِي وَالْوَاحِدُ آفَقُ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ آفَقِيٌّ، وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ فَمُنْكَرٌ فَإِنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَى وَاحِدِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَمْعَ بِالِاشْتِهَارِ وَغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يَأْخُذُ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ بِهِ فَيَجُوزُ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْآفَاقَ لَيْسَ بِجَمْعٍ حَتَّى وَجَبَ رَدُّهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَعَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ لِلْوَاحِدِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ هُوَ إنْعَامٌ كَمَا فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ) هُوَ أَخْذُ رُءُوسِ الشَّعْرِ بِقَدْرِ أُنْمُلَةٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ (وَكُلُّ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ) سَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْكُلِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ (سُنَنٌ) تَارِكُهَا مُسِيءٌ (وَآدَابٌ) تَارِكُهَا غَيْرُ مُسِيءٍ وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [أَشْهُرِ الْحَجِّ] (وَأَشْهُرُهُ) أَيْ أَشْهُرِ الْحَجِّ الَّتِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ إلَّا فِيهَا (شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسُّكُونِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا (وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لَكِنْ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْفَتْحُ لَمْ يُسْمَعْ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُبَيْرٍ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَمْعِ شَهْرَانِ وَبَعْضُ شَهْرٍ مَجَازًا حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فَلَا سُؤَالَ فِيهِ إذًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلسُّؤَالِ لَوْ قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ كَذَا فِي الْكَشَّافِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ (الْإِحْرَامُ لَهُ) أَيْ الْحَجِّ (قَبْلَهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ سَوَاءٌ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ أَوْ لَا بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي الْأَشْهُرِ وَهُوَ الْحَقُّ. وَفِي الْمُحِيطِ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ لَا يُكْرَهُ. وَفِي النَّظْمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ

حكم العمرة

لِلشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً. [حُكْم الْعُمْرَةِ] (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ لَا فَرْضَ عَيْنٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْت مَا جَوَابُك عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَهُوَ يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ قُلْت: الْإِتْمَامُ يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ وَكَلَامُنَا فِيمَا قَبْلَ الشُّرُوعِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ أَتَى بِهَا مَرَّةً فَقَدْ أَقَامَ السُّنَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ غَيْرَ مَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا فِيهِ إلَّا أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ لَكِنْ كُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةَ بَعْدَهَا. [مَوَاقِيتُ الْحَجّ] (وَالْمَوَاقِيتُ) جَمْعُ الْمِيقَاتِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا إلَّا مُحْرِمًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَهِيَ ثَلَاثٌ مِيقَاتُ الْآفَاقِيِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْحِلِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْحَرَمِ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْغَايَةِ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرٌ يُرِيدُ الْحَجَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَكَذَا الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَكَذَلِكَ الْحَطَّابُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا جَاوَزُوا الْمِيقَاتَ كَانَ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ فَالْعُمُومُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا إلَّا مُحْرِمًا لَيْسَ بِذَاكَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَّتَهَا لِأَهْلِ الْآفَاقِ قَبْلَ الْفُتُوحِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَتُفْتَحُ ثُمَّ قِيلَ مِيقَاتُ الْحَجِّ نَوْعَانِ: زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ أَمَّا الزَّمَانِيُّ فَأَشْهُرُ الْحَجِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَأَمَّا الْمَكَانِيُّ فَخَمْسَةٌ الْأَوَّلُ (لِلْمَدَنِيِّينَ) وَالْمَدَنِيُّ كَالْمَدِينِيِّ مَنْسُوبٌ إلَى مَدِينَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ذُو الْحُلَيْفَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمُصَغَّرِ مَكَانٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَعَلَى ثَلَثِمِائَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ إمَّا لِعِظَمِ أُجُورِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِمَّا لِلرِّفْقِ بِسَائِرِ الْآفَاقِ فَإِنَّ الْمَدِينَةَ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِهَا (وَلِلشَّامِيِّينَ) وَأَهْلِ مِصْرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ (جُحْفَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ قَوْمًا نَزَلُوا فِيهَا فَأَجْحَفَهُمْ السَّيْلُ أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَعَلَى ثَمَانِيَ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ قِيلَ إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ فَلِذَا تَرَكَهَا النَّاسُ الْآنَ إلَى رَابِغَ بِالرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بِرَابِضَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَ) الثَّالِثُ (لِلْعِرَاقِيِّينَ) وَالْخُرَاسَانِيُّ وَأَهْلِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ (ذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَرْضٌ سَبْخَةٌ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ مَرْحَلَتَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا جَبَلًا صَغِيرًا يُسَمَّى بِالْعِرْقِ. (وَ) الرَّابِعُ (لِلنَّجْدِيِّينَ) وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ (قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ وَتُسَمِّيهِ

الْعَرَبُ قَرْنَ الْمَنَازِلِ قَالَ قَائِلُهُمْ أَلَمْ يَسْأَلْ الرَّبْعَ أَنْ يَنْطِقَا ... بِقَرْنِ الْمَنَازِلِ قَدْ أَخْلَفَا وَزَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِالتَّحْرِيكِ فَأَخْطَأَ وَأَمَّا أُوَيْسُ الْقَرَنِيُّ فَنِسْبَتُهُ إلَى بَنِي قَرَنٍ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى هَذَا الْمِيقَاتِ فَقَدْ سَهَا. (وَ) الْخَامِسُ (لِلْيَمَنِيِّينَ) وَالتِّهَامِيِّ وَغَيْرِهِمَا (يَلَمْلَمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَكَانٌ جَنُوبِيٌّ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ بِمَكَّةَ وَأَصْلُهُ أَلَمْلَمُ بِالْهَمْزَةِ وَحُكِيَ يَرَمْرَم (لِأَهْلِهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ. (وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) مِنْ خَارِجِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ (لِمَنْ قَصَدَ) مِنْ الْآفَاقِيِّ وَالْحِلِّيِّ وَالْحَرَمِيِّ وَالْمَكِّيِّ الْخَارِجِينَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ خَصَّصَ لُزُومَ الْإِحْرَامِ بِمَنْ قَصَدَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةَ فَقَطْ قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ كَمَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (دُخُولَ مَكَّةَ) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ التَّوَطُّنِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِلَا إحْرَامٍ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَكَذَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلَوْ قَالَ دُخُولَ الْحَرَم لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ قَصْدُ دُخُولِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ تَدَبَّرْ. (وَجَازَ التَّقْدِيمُ) أَيْ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَعْدَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ (وَهُوَ أَفْضَلُ) إذَا أَمِنَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِلَّا فَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ لِمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْأَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى الْمِيقَاتِ بِطَرِيقِ التَّرَخُّصِ. (وَيَحِلُّ لِمَنْ هُوَ دَاخِلُهَا) الْمَوَاقِيتِ (دُخُولُ مَكَّةَ) لِحَاجَةٍ لَا لِلنُّسُكِ (غَيْرَ مُحْرِمٍ) ؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجًا؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ دُخُولُهُ لِحَوَائِجِهِ فَصَارَ كَالْمَكِّيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ لِلْحَجِّ (وَوَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ لِأَهْلِ دَاخِلِهَا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَة (الْحِلُّ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَالْحَرَمِ لَا الْحِلُّ الَّذِي هُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ حَدٌّ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إذَا أَرَادَ أَحَدَهُمَا إلَّا مُحْرِمًا (وَلِلْمَكِّيِّ) أَيْ الْمِيقَاتُ لِمَنْ اسْتَقَرَّ بِمَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَلَوْ قَالَ وَلِمَنْ بِالْحَرَمِ لَكَانَ أَوْلَى لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ هَذَا الْمِيقَاتِ بِأَهْلِ مَكَّةَ (فِي الْحَجّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) قَالُوا فِي الْعُمْرَةِ

فصل بيان الإحرام

التَّنْعِيمُ أَفْضَلُ، قِيلَ مِقْدَارُ الْحَرَمِ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ الشِّمَالِ اثْنَا عَشَرَ لَكِنَّ الْأَصَحَّ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ تَقْرِيبًا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ الْمَغْرِبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْ الْجَنُوبِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَحَدَّدَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فَقَالَ وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا شِئْت إتْقَانَهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَةٌ [فَصْلٌ بَيَانِ الْإِحْرَامِ] فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِحْرَامِ هُوَ مَصْدَرُ أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَالْمُرَادُ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا (وَإِذَا أَرَادَ) الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ (الْإِحْرَامَ نُدِبَ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ) وَيَنْتِفَ إبْطَيْهِ هُوَ الْمُتَوَارَثُ (ثُمَّ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ) لِتَحْصِيلِ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَلِهَذَا لَا يَنُوبُ التَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ مُلَوَّثٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ (وَهُوَ) أَيْ الِاغْتِسَالُ (أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ تَنْظِيفًا (وَيَلْبَسَ إزَارًا) بِلَا عَقْدِ حَبْلٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مِنْ وَسَطِ الْإِنْسَانِ (وَرِدَاءً) مِنْ الْكَتِفِ فَيَسْتُرَ بِهِ الْكَتِفَ وَيَشُدَّهُ فَوْقَ السُّرَّةِ، وَإِنْ غَرَزَ طَرَفَيْهِ فِي إزَارِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ هَذَا إذَا وَجَدَ وَإِلَّا فَيَشُقَّ سَرَاوِيلَهُ وَيَتَّزِرَ بِهِ أَوْ قَمِيصَهُ وَيَتَرَدَّى بِهِ (جَدِيدَيْنِ أَبْيَضَيْنِ وَهُوَ) أَيْ الْجَدِيدُ الْأَبْيَضُ (أَفْضَلُ) لِقُرْبِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَفُضِّلَ الْأَبْيَضُ. (وَلَوْ كَانَا غَسِيلَيْنِ) طَاهِرَيْنِ (أَوْ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ السُّنَّةُ (وَيَتَطَيَّبَ) أَيْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ إنْ وَجَدَ قَيَّدْنَا بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ الطِّيبُ فِي الثَّوْبِ بِمَا يَبْقَى أَثَرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى شُمُولِ مَا يَبْقَى أَثَرُهُ كَالْمِسْكِ وَمَا لَا يَبْقَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ (وَيُصَلِّي) فِي مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ (رَكْعَتَيْنِ) قَرَأَ فِيهِمَا مَا شَاءَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ تَبَرُّكًا بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَا يَقْضِي (فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا) مِنْ الْإِفْرَادِ (بِالْحَجِّ يَقُولَ عَقِيبَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا بِجَنَانِهِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي) ؛ لِأَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ إلَّا بِتَيْسِيرِك (وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ حَبِيبِك وَخَلِيلِكَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَيْثُ قَالَ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. (وَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ) لَا بِلِسَانِهِ (أَجْزَأَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَلَوْ نَوَى مُطْلَقَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْأَخْرَسِ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ (ثُمَّ يُلَبِّي) عَقِيبَ صَلَاتِهِ وَهِيَ أَفْضَلُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ حِينَمَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْبَيْدَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي أَوَّلِ

تَلْبِيَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبَّى دُبُرَ صَلَاتِهِ» وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ لَبَّى حِينَمَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ» وَجَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «لَبَّى حِينَمَا اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ» وَأَصْحَابُنَا أَخَذُوا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَرِوَايَتُهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِجَوَازِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَشْهَدْ أَوَّلَ تَلْبِيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا شَهِدَ تَلْبِيَتَهُ حَالَ اسْتِوَائِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَظَنَّ ذَلِكَ أَوَّلَ تَلْبِيَتِهِ وَكَذَلِكَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَيَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) وَالتَّثْنِيَةُ لِلتَّكْرِيرِ وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ وَرَدَّ الْمَزِيدَ إلَى الثُّلَاثِيِّ ثُمَّ أُضِيفَ إلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ وَمَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إلْبَابًا بَعْدَ إلْبَابٍ أَوْ لُزُومًا لِطَاعَتِك بَعْدَ لُزُومٍ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا قَامَ بِهِ وَهُوَ إجَابَةٌ لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَيْهِ فَدَعَاهُمْ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَأَسْمَعَ اللَّهُ صَوْتَهُ النَّاسَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ فَمَنْ وَافَقَ بِالتَّلْبِيَةِ مَرَّةً فَقَدْ حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ زَادَ فَزَادَ وَمَنْ لَمْ يُوَافِقْ بِهَا أَصْلًا لَمْ يَحُجَّ أَصْلًا وَقِيلَ: الدَّاعِي هُوَ اللَّهُ أَوْ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ دَعَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَى الْحَجِّ (لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك) اسْتِئْنَافٌ (لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ لَا بِفَتْحِهَا لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً وَبِالْفَتْحَةِ صِفَةٌ لِلْأَوَّلِ فَكَانَ الْمَعْنَى أُثْنِي عَلَيْك بِهَذَا الثَّنَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَلَا كَذَلِكَ إذَا كُسِرَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِئْنَافًا بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: لِمَ تَقُولُ لَبَّيْكَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ وَأَرَادَ بِالصِّفَةِ الْمُتَعَلِّقَ بِالْغَيْرِ لَا النَّعْتَ النَّحْوِيَّ (وَالنِّعْمَةَ لَك) خَبَرُ إنَّ أَوْ مُخْبِرُ الْمُبْتَدَأِ تَقْدِيرُهُ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ مُثْبَتَانِ لَكَ (وَالْمُلْكَ) كَالنِّعْمَةِ (لَا شَرِيكَ لَكَ) اسْتِئْنَافٌ (وَلَا يَنْقُصَ مِنْهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَأْثُورَةٌ (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ) مِثْلَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرُّغُبَا إلَيْك إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّلْبِيَةِ الثَّنَاءُ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ (فَإِذَا لَبَّى) لَمْ يَعْتَبِرْ مَفْهُومَ الْمُخَالِفِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (نَاوِيًا) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (فَقَدْ أَحْرَمَ) فَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّلْبِيَةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالنِّيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَقَدْ صَحَّ بِالنِّيَّةِ السَّابِقَةِ لَكِنَّ الِاقْتِرَانَ بِالتَّلْبِيَةِ أَفْضَلُ (فَلْيَتَّقِ) أَيْ لِيَجْتَنِبَ الْمُحْرِمُ (الرَّفَثَ) وَهُوَ الْجِمَاعُ وَقِيلَ: ذِكْرُ الْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِنَّ فَلَا بَأْسَ وَقِيلَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ (وَالْفُسُوقَ) وَهُوَ الْمَعَاصِي وَهُوَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَكَيْفَ فِي الْإِحْرَامِ، (وَالْجِدَالَ) وَهُوَ الْخِصَامُ مَعَ الرُّفْقَةِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ وَمَا قِيلَ: إنَّهُ مُجَادَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ وَتَأْخِيرِهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ هَا هُنَا (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ)

احْتِرَازٌ عَنْ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ (وَالْإِشَارَةَ إلَيْهِ) أَيْ أَنْ يُشِيرَ إلَى الصَّيْدِ بِالْيَدِ وَيَقْتَضِي الْحُضُورَ (وَالدَّلَالَةَ عَلَيْهِ) أَيْ أَنْ يَقُولَ إنَّ فِي مَكَانِ كَذَا صَيْدًا وَتَقْتَضِي الْغَيْبَةَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي تَخْصِيصِ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالدَّلَالَةِ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ. تَأَمَّلْ (وَقَتْلَ الْقَمْلِ) ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الشَّعَثِ فَيَكُونُ ارْتِفَاقًا (وَالتَّطَيُّبَ) وَالدُّهْنَ وَالتَّخَضُّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالرَّيَاحِينِ وَالثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ (وَقَلْمَ) أَيْ قَطْعَ (الظُّفْرِ) بِالضَّمِّ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ وَبِالْكَسْرِ شَاذٌّ سَوَاءٌ قَلَمَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ قَلَمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ إلَّا إذَا انْكَسَرَ بِحَيْثُ لَا يَنْمُو فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَحَلْقَ شَعْرِ رَأْسِهِ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا (أَوْ بَدَنِهِ) وَالْمُرَادُ بِحَلْقِ بَدَنِهِ إزَالَةُ شَعْرِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْإِحْرَاقِ مِنْ أَيِّ مَحْمِلٍ كَانَ مِنْ الْجَسَدِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا وَلَوْ قَالَ أَخْذَ الشَّعْرِ لَشَمِلَ الْجَمِيعَ (وَقَصَّ لِحْيَتِهِ) أَيْ قَطْعَهَا كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَسَتْرَ رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ الْوَجْهِ (وَغَسْلَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ فَيَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ فَعَلَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَكِنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأُخْرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ (وَلُبْسَ قَمِيصٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَبَاءٍ) لُبْسًا مُعْتَادًا كَمَا إذَا أَدْخَلَ الْيَدَ فِي كُمِّ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَمَّا إذَا أَلْقَى عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَجَازَ (أَوْ عِمَامَةً أَوْ قَلَنْسُوَةً) لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ سَتْرِ الرَّأْسِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِمَا (أَوْ خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ) أَعْنِي الْمَفْصِلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَسَطَ الْقَدَمَيْنِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ. (وَ) لِيَجْتَنِبَ (لُبْسَ ثَوْبٍ صُبِغَ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ أَوْ عُصْفُرٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُعَصْفَرِ (إلَّا مَا غَسَلَ حَتَّى لَا يَنْفُضَ) وَاخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي شَرْحِهِ فَقِيلَ لَا يَفُوحُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ، وَالثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلُبْسَ ثَوْبٍ صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى (وَيَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ (الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) بِحَيْثُ لَا يُزِيلُ الْوَسَخَ وَلَوْ قَالَ الِاسْتِحْمَامُ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ. (وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمِلِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اغْتَسَلَ وَأَلْقَى عَلَى شَجَرَةٍ ثَوْبًا وَاسْتَظَلَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَكِنْ لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ (وَشَدُّ الْهِمْيَانِ) بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ (فِي وَسَطِهِ) . وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ وَكَذَا يَجُوزُ السَّيْفُ وَالسِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالتَّخَتُّمُ وَالِاكْتِحَالُ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ

فصل دخل المحرم مكة ليلا أو نهارا

(وَمُقَاتَلَةُ عَدُوِّهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَيُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ) مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (أَوْ هَبَطَ) نَزَلَ. (وَادِيًا) أَيْ حَضِيضًا وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَسِيلًا فِيهِ الْمَاءُ (أَوْ لَقِيَ رَكْبًا) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ هُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ فِي السَّفَرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَلَيْسَ بِجَمْعِ رَاكِبٍ كَمَا تَوَهَّمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الرَّكْبَ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا لِلِاحْتِرَازِ. (وَ) يُكْثِرُ الْمُحْرِمُ التَّلْبِيَةَ (بِالْأَسْحَارِ) وَلَوْ قَالَ: أَوْ أَسْحَرَ أَيْ دَخَلَ وَقْتَ السَّحَرِ لَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ سُدُسُ آخِرِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَوَقْتِ الِاسْتِيقَاظِ. [فَصْلٌ دَخَلَ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا] فَصْلٌ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّ النَّهَارَ مُسْتَحَبٌّ (ابْتَدَأَ) مِنْهَا (بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ «النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» وَمِنْ هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَسْجِدِ لَا يُنَافِيهِ تَقْدِيمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُرَادُ مِنْ دُخُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَسْجِدَ عَلَى الْفَوْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ عِبَارَةِ الرَّاوِي كَمَا دَخَلَ مَكَّةَ الدُّخُولُ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِعَمَلٍ آخَرَ، وَيُقَدِّمُ فِي دُخُولِهِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتَك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَاغْلِقْ عَنِّي أَبْوَابَ مَعَاصِيكَ وَاجْنُبْنِي الْعَمَلَ بِهَا (فَإِذَا عَايَنَ) الْمُنَاسِبُ بِالْوَاوِ (الْبَيْتَ) الْحَرَامَ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ هُوَ عَلَمُ اتِّفَاقٍ لِهَذَا الْمَكَانِ الشَّرِيفِ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي بِتَقْبِيلِ عَتَبَتِهِ الْعَلِيَّةِ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَبِحُرْمَةِ جَمِيعِ الزَّائِرِينَ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ (كَبَّرَ) أَيْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي مِنْ الْبَيْتِ وَغَيْرِهَا (وَهَلَّلَ) أَيْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي نَوْعِ شِرْكٍ لِعَظَمَتِهِ ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَأَدْخِلْنَا بِفَضْلِك دَارَك دَارَ السَّلَامِ تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك هَذَا تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ وَمَنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا وَإِيمَانًا ثُمَّ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ إذَا رَآهُ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ هُنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُوَقِّتْ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ وَرُوِيَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ

بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» (وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) الَّذِي كَانَ أَبْيَضَ مُضِيئًا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ لِيَحْتَجِبَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَنْ زِينَةِ الْعُقْبَى، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُ قَدْرُ شِبْرٍ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَاسْتَقْبَلَهُ) اسْتِحْبَابًا هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَهَا ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْحَجَرِ رَافِعًا لَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَيَسْتَقْبِلَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ وَعِنْدَ الْجَمْرِ (وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ الْحَجَرَ بِلَا تَصْوِيتٍ (إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ) بِأَحَدٍ (أَوْ يَسْتَلِمُهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُؤْذٍ، وَالِاسْتِلَامُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِفَمِهِ (أَوْ يَمَسُّهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (شَيْئًا) كَائِنًا (فِي يَدِهِ وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا لِلَّهِ تَعَالَى مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيَّك مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدَيَّ وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْ عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ. (وَيَطُوفُ) طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُقَالُ لَهُ: طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِلْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ وَيُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ حَالَ كَوْنِهِ (آخِذًا) أَيْ شَارِعًا (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ جَانِبَ يَمِينِهِ أَيْ يَمِينَ نَفْسِهِ حَالَةَ اسْتِقْبَالِهِ الْحَجَرَ وَهُوَ يَمِينُ الطَّائِفِ (مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ (وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ بِأَنْ جَعَلَهُ) أَيْ وَسَطَ الرِّدَاءِ (تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَأَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَيَكُونُ كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا وَالْأَيْسَرُ مُغَطًّى هُوَ تَفْسِيرُ الِاضْطِبَاعِ يُقَالُ: اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) حَتَّى لَوْ طَافَ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ لَكِنْ إنْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ

لَا يَجُوزُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ إلَى الشَّامِيِّ فِيهِ مِيزَابٌ عَلَى سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ مِنْ الْبَيْتِ قَرِيبٌ مِنْ رُبُعِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَطْمِ وَهُوَ الْكَسْرُ إمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ تُرِكَ حِينَ رُفِعَ الْبَيْتُ بِالْبِنَاءِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ طَرَحُوا عَلَيْهِ ثِيَابًا حِينَ طَافُوا بِهَا فَانْحَطَمَ بِالْمُرُورِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَقُولَ إذَا حَاذَى الْمُلْتَزَمَ: وَهُوَ الْجِدَارُ الَّذِي بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ: اللَّهُمَّ إنَّ لَك عَلَيَّ حُقُوقًا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ وَإِذَا حَاذَى الْبَابَ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَيْتُك وَهَذَا الْحَرَمَ حَرَمُك وَهَذَا الْأَمْنَ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِينَ بِك أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ فَأَعِذْنِي مِنْهَا وَإِذَا حَاذَى الْمَقَامَ عَلَى يَمِينِهِ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْعَائِذِ اللَّائِذِ بِك مِنْ النَّارِ حَرِّمْ لُحُومَنَا وَبَشَرَتَنَا عَلَى النَّارِ وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَإِذَا أَتَى مِيزَابَ الرَّحْمَةِ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا لَا يَزُولُ وَيَقِينًا لَا يَنْفَدُ وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرْبَةً لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الشَّامِيَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ، وَإِذَا أَتَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَعِنْدَ الْحَجَرِ إذَا بَلَغَهُ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي بِرَحْمَتِك وَأَعُوذُ بِرَبِّ هَذَا الْحَجَرِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) جَمْعُ شَوْطٍ أَيْ طَوَافَهُ مَفْعُولُ يَطُوفُ، لَوْ طَافَ ثَامِنًا عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ وَرَاءَ السَّوَارِي وَزَمْزَمَ لَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ (يَرْمُلُ) بِالضَّمِّ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ وَيُحَرِّكُ مَنْكِبَيْهِ (فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) جَمْعُ أُولَى (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْوَاطِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَلَوْ زَجَّهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ إلَى أَنْ يَجِدَ فُرْجَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الطَّوَافِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ إلَيْهِ بَدَلٌ لَهُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ زَحَمُوا يَمْشِيَ حَتَّى يَجِدَ الرَّمَلَ (وَيَمْشِيَ فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا يَرْمُلَ لَكِنْ لَوْ رَمَلَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَرَّ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ إنْ اسْتَطَاعَ وَإِلَّا يَسْتَقْبِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ (وَيَخْتِمُ طَوَافَهُ

بِالِاسْتِلَامِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ (وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُسَنُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالدَّلَائِلُ مِنْ السُّنَّةِ تَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ، وَالسِّرَاجِيَّةُ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَالشَّامِيَّ. (ثُمَّ يُصَلِّي) فِي وَقْتٍ يُبَاحُ فِيهِ التَّطَوُّعُ (رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ) أَيْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ وَهُوَ حِجَارَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ عِنْدَ إتْيَانِ هَاجَرَ وَوَلَدِهِ وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ (أَوْ حَيْثُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (تَيَسَّرَ) لَهُ (مِنْ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ جَازَ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ (وَهُمَا) أَيْ الرَّكْعَتَانِ (وَاجِبَتَانِ) عِنْدَنَا (بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي النَّظْمِ وَالنُّتَفُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (وَهَذَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الْقُدُومِ (سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَأَقْنِعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَنِي وَاخْلُفْ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ لِي بِخَيْرٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (يَعُودُ) إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) كَمَا مَرَّ (وَيَخْرُجُ) عَلَى السَّكِينَةِ بَعْدَمَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَقُولَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقًا وَاسِعًا وَعِلْمًا نَافِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ لَكِنْ الْأَوْلَى مِنْ بَابِ الصَّفَا لِخُرُوجِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهُ (إلَى الصَّفَاءِ) وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (فَيَصْعَدُ عَلَيْهِ) حَتَّى يُشَاهِدَ الْبَيْتَ. (وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ) أَيْ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ لَكِنْ إنْ لَمْ يَمْكُثْ يُجْزِيهِ (وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ) وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ يَقُولُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِأَفْضَلِ الصَّلَوَاتِ وَأَكْمَلِ التَّحِيَّاتِ (رَافِعًا يَدَيْهِ لِلدُّعَاءِ وَيَدْعُو) لِرَبِّهِ بِحَاجَتِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ إذَا كَانَتْ نَافِعَةً (بِمَا شَاءَ) . وَلَوْ قَالَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ (ثُمَّ يَنْحَطُّ) أَيْ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا قَاصِدًا (نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى مَهَلٍ) أَيْ عَلَى سَكِينَةٍ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَرْكَبَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ

وَلَا يُحْمَلُ كَمَا فِي الطَّوَافِ (فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ الْوَادِي بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِلسَّعْيِ مَنْحُوتَتَانِ عَنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلًا بِهِ (الْأَخْضَرَيْنِ) عَلَى التَّغْلِيبِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا أَحْمَرُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَوْ أَصْفَرُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (سَعَى سَعْيًا) شَدِيدًا بِقَدْرِ مَا يُقْرَأُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ (حَتَّى يُجَاوِزَهُمَا) وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ مَشَى عَلَى السَّكِينَةِ فِي جَانِبَيْ الْمِيلَيْنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيَقُولُ فِي مَشْيِهِ: اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي فِي سُنَّتِك وَسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (وَيَفْعَلُ عَلَى الْمَرْوَةِ) إذَا وَصَلَ إلَيْهَا (كَفِعْلِهِ عَلَى الصَّفَا) مِنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِهِمَا (وَهَذَا شَوْطٌ) وَاحِدٌ (فَيَسْعَى بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَقَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ هُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا فَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ. (ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ) إنْ قَدِمَ أَيَّامَ الْحَجِّ (مُحْرِمًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا نُسِخَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَلَقَ وَحَلَّ (وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا أَرَادَ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ لِلْغُرَبَاءِ وَيُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا يَرْمُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ السَّعْيِ. (فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَطَبَ الْإِمَامُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ أَوْ نَائِبُهُ (خُطْبَةً) بِلَا جِلْسَةٍ فِي وَسَطِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) وَهِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَاتٍ وَالصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ فِيهَا وَالْإِفَاضَةِ، وَالْمَنَاسِكُ جَمْعُ الْمَنْسَكِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا فِي الْأَصْلِ الْمُتَعَبَّدُ وَيَقَعُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ. (وَكَذَا يَخْطُبُ) الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ مُعَلِّمًا لِلْمَنَاسِكِ الَّتِي مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى زَوَالِ يَوْمِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالنَّحْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فِي) الْيَوْمِ (التَّاسِعِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ (بِعَرَفَاتٍ) بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ فَإِنَّهَا مُنْصَرِفَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ مَنْعُ صَرْفِهِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ تَنْوِينَ الْجَمْعِ تَنْوِينُ الْمُقَابَلَةِ لَا التَّمَكُّنُ فَصَارَ اسْمًا لِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُقَالُ لَهُ: عَرَفَةُ وَقِيلَ أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُرْتَجِلَةِ فَإِنَّ عَرَفَةَ

لَا تُعْرَفُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَ) يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً بِلَا جِلْسَةٍ بَعْدَ الظُّهْرِ مُعَلِّمًا لِبَاقِي الْمَنَاسِكِ الَّذِي هُوَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالنُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ ثُمَّ بِمَكَانِ الْوَاوِ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى. (فِي) الْيَوْمِ (الْحَادِيَ عَشَرَ بِمِنًى) يَفْصِلُ بَيْنَ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ. وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ: أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَآخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ (فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى لَيْلَةً كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُك بِذَبْحِ ابْنِك هَذَا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى أَيْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ أَمْ لَا فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ عَرَفَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ أَنَّهُ مِنْهُ تَعَالَى فَسُمِّيَ عَرَفَةَ ثُمَّ رَآهُ فِي اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ فَهَمَّ بِنَحْرِ وَلَدِهِ فَسُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ (خَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) . وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِذَا دَخَلَ مِنًى يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا مِنِّي وَهَذَا مِمَّا دَلَلْتنَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِجَوَامِعِ الْخَيْرَاتِ وَبِمَا مَنَنْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك وَمُحَمَّدٍ حَبِيبِك وَبِمَا مَنَنْت عَلَى أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك فَإِنِّي عَبْدُك وَنَاصِيَتِي بِيَدِك جِئْتُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِك. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ (فَيُقِيمُ بِهَا) أَيْ بِمِنًى (إلَى صَلَاةِ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَيَمْكُثَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا سُنَّةٌ (ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ) فَيُقِيمُ بِهَا وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مِنًى تَقْرِيبًا وَيَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَجِهَةَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ أَرَدْتُ فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي وَبَارِكْ لِي فِي سَفَرِي وَاقْضِ بِعَرَفَاتٍ حَاجَتِي بِذَلِكَ فَإِنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيُلَبِّي وَيُكَبِّرُ، وَإِذَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَعَايَنَهُ يَدْعُوَ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَوَجْهَكَ أَرَدْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَاعْطِنِي سُؤَالِي وَوَجِّهْ لِي الْخَيْرَ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خَطَبَ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ) بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ وَيُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (كَالْجُمُعَةِ وَعَلَّمَ فِيهِمَا الْمَنَاسِكَ وَصَلَّى بَعْدَ الْخُطْبَةِ) أَيْ عَقِيبَهَا (بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مَعًا بِأَذَانٍ) وَاحِدٍ أَيْ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قِيلَ يَرَاهُ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ الصُّعُودِ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي أُخْرَى بَعْدَ الْخُطْبَةِ (وَإِقَامَتَيْنِ) فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا يَنْفُلُ» فَإِنْ فَعَلَ يُثْنِي الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعَادُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ

قَدْ جَمَعَهُمَا. وَفِي الْبَحْرِ لَا يُصَلِّيَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْتَفِلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ تَنَفَّلَ سِوَى سُنَّةِ الظُّهْرِ يُثْنِي الْأَذَانَ لِعَصْرٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ وَأَكْثَرَ إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ تَأَمَّلْ. (وَشَرْطُ الْجَمْعِ) أَيْ لِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (صَلَاتُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ بِدُونِ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فِيهَا ثُمَّ أَحْرَمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِجَمَاعَةٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَجُوزُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا الْجَمَاعَةُ لَا فِيهِمَا وَلَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي الْعَصْرِ وَحْدَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَ) شَرْطُ (كَوْنِهِ مُحْرِمًا) لِلْحَجِّ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي رِوَايَةٍ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ فِي أُخْرَى (فِيهِمَا) أَيْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقَالَ زُفَرُ: الْإِمَامُ وَالْإِحْرَامُ شَرْطٌ فِي الْعَصْرِ خَاصَّةً (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ (يَقِفُ) الْمَوْقِفَ الْأَعْظَمَ (رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ) وَهُوَ أَفْضَلُ (بِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (السُّنَّةُ قُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ جَبَلَ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْزِلَةُ الرَّحْمَةِ عَلَى الْحُجَّاجِ خُصُوصًا إذَا وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَالَ سَعْدِيٌّ أَفْنِدِي وَقَعَ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً مِنْ غَيْرِ جُمُعَةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّأِ وَأَفْضَلُ الْمَوَاقِفِ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمَفْرُوشَاتِ فِي طُرُقِ جُبَيْلَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي كَأَنَّهَا الرَّوَابِي الصِّغَارُ عِنْدَ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ (وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ عَنْ يَسَارِ الْمَوْقِفِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ رَأَى الشَّيْطَانَ فِيهَا وَأُمِرَ أَنْ لَا يَقِفَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ احْتِرَازًا عَنْهُ. (وَيَسْتَقْبِلُ) الْإِمَامُ (الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ بَاسِطًا) أَيْ رَفْعَ بَسْطٍ (حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا) لِمَا يَجِبُ (بِحَاجَتِهِ بِجَهْدٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ حُضُورُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ لِأُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ قِيلَ وَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تُبَاهِي الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهُمَّ إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي وَتَعْلَمُ سِرِّيَّ وَعَلَانِيَتِي لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْمَغْرُورُ أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمَسَاكِينِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْك ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ

وَأَدْعُوَك دُعَاءَ الْخَائِفِ الْفَقِيرِ وَمَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَغِمَ أَنْفُهُ وَلَا تَجْعَلنِي بِدُعَائِك رَبِّي شَقِيًّا وَكُنْ لِي رَءُوفًا رَحِيمًا يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَيَا أَكْرَمَ مَأْمُولٍ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا قَدَّمْتُ مِنْ ذَنْبِي وَتَغْفِرَ لِي مَا عَلِمْتُ مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَتَعْصِمَنِي بَعْدَ هَذِهِ السَّاعَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي وَتَفْتَحَ لِي أَبْوَابَ طَاعَتِك وَتُغْلِقَ عَنِّي أَبْوَابَ مَعْصِيَتِك وَتَحْفَظَنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَمِنْ يَمِينِي وَشِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَتَحْتِي وَتُلْبِسَنِي ثِيَابَ التَّقْوَى وَالْعَافِيَةِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي وَتَرْحَمَنِي إذَا تَوَفَّيْتنِي وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِك يَا فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ضَجَّتْ لَك الْأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ يَسْأَلُونَك الْحَاجَاتِ وَحَاجَتِي أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي فِي دَارِ الْبَلَاءِ إذَا نَسِيَنِي الْأَهْلُ وَالْأَقْرَبُونَ اللَّهُمَّ إلَيْك خَرَجْنَا وَبِفِنَائِك أَنَخْنَا وَإِلَيْك قَصَدْنَا وَمَا عِنْدَك طَلَبْنَا وَلِإِحْسَانِك تَعَرَّضْنَا وَلِرَحْمَتِك رَجَوْنَا وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْنَا وَبَيْتَك الْحَرَامَ حَجَجْنَا يَا مِنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ضَمَائِرِ الصَّامِتِينَ اللَّهُمَّ إنَّا أَضْيَافُك وَلِكُلِّ ضَيْفٍ قِرًى فَاجْعَلْ قِرَانَا مِنْكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَلِكُلِّ سَائِلٍ عَطِيَّةٌ وَلِكُلِّ رَاجٍ ثَوَابٌ وَلِكُلِّ مُتَوَكٍّ إلَيْك عَفْوٌ وَقَدْ وَفَدْنَا إلَى بَيْتِك الْحَرَامِ وَأَوْقَفْنَا بِهَذِهِ الْمَشَاعِرِ الْعِظَامِ وَشَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاهِدِ الْكِرَامِ رَجَاءً لِمَا عِنْدَك فَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا وَتَجَاوَزْ عَنَّا وَاعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ النَّارِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ وَهَذَا إجْمَالٌ فِي ذِكْرِ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ لَهُ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ وَالْغَرَضُ الْإِرْشَادُ إلَى كَيْفِيَّتِهِ لَا الْحَصْرُ وَكُلُّ دُعَاءٍ يَعْلَمُهُ يَدْعُو بِهِ وَكُلُّ حَاجَةٍ فِي صَدْرِهِ يَسْأَلُ اللَّهَ إيَّاهَا وَيَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدُّمُوعِ وَيَدْعُوَ لِأَبَوَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِمَعَارِفِهِ وَيُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وَهِيَ مَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَلِيلٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ اُحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَاجْعَلْنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ آمِينَ (وَيَقِفَ النَّاسُ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِقُرْبِهِ) وَهُوَ أَيْ الْقُرْبُ أَفْضَلُ (مُسْتَقْبِلِينَ) إلَى الْقِبْلَةِ (سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) لِلتَّعَلُّمِ بِمَا يُعَلِّمُهُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَاللَّيَالِي كُلُّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ عَرَفَةَ (ثُمَّ يُفِيضُونَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الزِّحَامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزُوا حُدُودَ عَرَفَاتٍ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ لَكِنْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ الْقَلِيلُ لِلزِّحَامِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً يُسْرِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُثْنِي سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَقُولَ إذَا دَنَا وَقْتُ الْغُرُوبِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ

الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِيهِ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي وَاجْعَلْنِي الْيَوْمَ مُفْلِحًا مُنَجَّحًا مَرْحُومًا مُسْتَجَابَ الدُّعَاءِ مَغْفُورَ الذُّنُوبِ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَكْرَمِ وَفْدِكَ وَاعْطِنِي أَفْضَلَ مَا أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْغُفْرَانِ وَالرِّزْقِ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ وَبَارِكْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَسْجِدِ عَرَفَاتٍ (وَيَنْزِلُ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُ جَبَلٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَازَحَ بِمَعْنَى ارْتَفَعَ وَلَا يَنْزِلْ عَلَى طَرِيقٍ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارِّينَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَيَقُولَ عِنْدَ دُخُولِ مُزْدَلِفَةَ: اللَّهُمَّ هَذَا جَمْعٌ أَسْأَلُك أَنْ تَرْزُقَنِي فِيهِ جَوَامِعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا غَيْرُك اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَبِّ الزَّمْزَمِ وَالْمَقَامِ وَرَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبِّ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْعِظَامِ أَسْأَلُك أَنْ تُبَلِّغَ عَلَى رُوحِ مُحَمَّدٍ مِنِّي أَفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ وَأَنْ تُصْلِحَ دِينِي وَذُرِّيَّتِي وَتَشْرَحَ لِي صَدْرِي وَتُطَهِّرَ قَلْبِي وَتَرْزُقَنِي الْخَيْرَ الَّذِي كُنْتُ سَأَلْتُكَ وَأَنْ تَقِيَنِي مِنْ جَوَامِعِ الشَّرِّ كُلِّهِ إنَّك وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ. (وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَتَبَادَرُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَغْرِبَ عَلَى الْعِشَاءِ فَلَوْ أَخَّرَ أَعَادَ الْعِشَاءَ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ وَأَنْ لَا تَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَلَوْ تَطَوَّعَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ. وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْإِمَامُ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لَا الْجَمَاعَةُ عِنْدَهُ، وَيُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لَا الْإِمَامُ عِنْدَهُمَا (بِأَذَانٍ) وَاحِدٍ. (وَإِقَامَةٍ) وَاحِدَةٍ وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِإِقَامَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَعَنْهُ بِأَذَانَيْنِ أَيْضًا، وَإِذَا فَرَغَ يَقُولُ اللَّهُمَّ حَرِّمْ لَحْمِي وَشَعْرِي وَدَمِي وَعَظْمِي وَجَمِيعَ جَوَارِحِي عَلَى النَّارِ وَيَسْأَلُ إرْضَاءَ الْخُصُومِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ ذَلِكَ لِمَنْ طَلَبَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ (وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِعَرَفَاتٍ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا طَلَعَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَصْلًا لَكِنَّهُ مُسِيءٌ. (وَيَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيَنْبَغِي إحْيَاءُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِالْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ الصَّالِحَةِ وَالْأَذْكَارِ الْفَاتِحَةِ وَيَخْتِمُ الْكُلَّ بِالْفَاتِحَةِ (فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى) الْفَجْرَ مُلْتَبِسًا (بِغَلَسٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ الْمُخْتَلِطَةِ بِضَوْءِ الصُّبْحِ لِيَحْصُلَ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ (وَوَقَفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَصَنَعَ كَمَا فِي عَرَفَةَ) مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَرَفْعِ الْيَدِ بَسْطًا وَحَمْدِهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ وَالدُّعَاءِ لِحَاجَتِهِ بِجَهْدٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ وَخَيْرُ مَرْغُوبٍ إلَيْهِ إلَهِي لِكُلِّ ضَعِيفٍ قُوًى فَاجْعَلْ قُوَايَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ تَتَقَبَّلَ تَوْبَتِي وَتَجَاوَزْ عَنْ خَطِيئَتِي وَتَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى

أَمْرِي وَتَجْعَلَ الْيَقِينَ مِنْ الدُّنْيَا هَمِّي اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَأَجِرْنِي مِنْ النَّارِ وَوَسِّعْ عَلَيَّ الرِّزْقَ الْحَلَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلُهُ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ وَارْزُقْنِي أَبَدًا مَا أَحْيَيْتَنِي فَإِنِّي لَا أُرِيدُ إلَّا رَحْمَتَكَ وَلَا أَبْتَغِي إلَّا رِضَاكَ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمُخْبِتِينَ وَالْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِك وَالْعَامِلِينَ بِفَرَائِضِك الَّتِي جَاءَ بِهَا كِتَابُك وَحَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا) لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ (وَادِي مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعٌ عَلَى يَسَارِ الْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ بَلْ يُمْشَى فِيهِ سَرِيعًا فَكَأَنَّهُ أَتْعَبَ نَفْسَهُ وَالتَّحْسِيرُ الْإِتْعَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِذَا أَسْفَرَ نَفَرَ) أَيْ خَرَجَ (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى) . وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالسِّرَاجِيَّةِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَوَّلَهُ الْكَافِي بِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الطُّلُوعِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ تَغْلِيظُ الْهِدَايَةِ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الدَّفْعِ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْتُ وَمِنْ عَذَابِكَ أَشْفَقْتُ وَإِلَيْك تَوَجَّهْتُ وَمِنْكَ رَهِبْتُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَمْكَنَ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ. (فَيَبْدَأُ) أَيْ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ (فِيهَا) أَيْ فِي مِنًى (بِرَمْيِ جَمْرَةٍ) لَا بِوَضْعٍ وَذَا لَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ لَهُ حُكْمُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ بَلْ فِي بُقْعَةٍ أُخْرَى، وَالْقُرْبُ قَدْرُ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: حَدُّ الْبَعِيدِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ (الْعَقَبَةِ) بِفَتْحَتَيْنِ ثَالِثَةُ الْجَمَرَاتِ عَلَى حَدِّ مِنًى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ وَلَيْسَ مِنْ مِنًى وَيُقَالُ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَالْجَمْرَةُ الْأَخِيرَةُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) أَيْ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَيَجْعَلُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) أَيْ يَرْمِي سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَمَى جُمْلَةً لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ فَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ لَا بِالْأَقَلِّ (كَحَصَى الْخَذْفِ)

بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ، وَلَوْ رَمَى بِأَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْمِيُّ مَغْسُولًا مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ الْجَمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلِاسْتِهَانَةِ فَيَجُوزُ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ لَا بِالشَّجَرِ واللعل وَالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهَانَةَ لَا تَقَعُ بِمِثْلِهَا. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ جَوَازُ نَحْوِ الْيَاقُوتِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِهِ نُثَارٌ وَإِعْزَازٌ لَا إهَانَةٌ. وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَقِيلَ يَأْخُذُ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ وَقِيلَ يُحَلِّقُ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مِفْصَلِ إبْهَامِهِ وَقِيلَ يَرْمِي رَمْيَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ مَشَايِخِ بُخَارَى أَنَّهُ يَرْمِي كَيْفَ يَشَاءُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ هَذَا الرَّمْيِ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ - الْجَوَازُ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا. وَالثَّانِي - الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ. وَالثَّالِثُ - الْإِبَاحَةُ وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ. وَالرَّابِعُ - الْكَرَاهَةُ وَهُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ هَذَا الرَّمْيُ مِنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ (يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا. وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الذِّكْرِ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا أَجْزَأَهُ. (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقِفْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. (ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ إلَّا تَطَوُّعًا (ثُمَّ يَحْلِقُ) رَأْسَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَلْقُ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ كَمَا أَنَّ حَلْقَ الْكُلِّ أَفْضَلُ مِنْ حَلْقِ الرُّبُعِ (أَوْ يُقَصِّرُ) التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ، وَيَجِبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُهُ عَلَيْهِ سَقَطَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ وَلَوْ بِالنَّارِ أَوْ بِالنُّورَةِ، وَلَمْ يُعْذَرْ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْحَلَّاقَ أَوْ الْمُوسَى فَإِذَا مَضَى أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَلْمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَالدُّعَاءُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَهُ مَعَ التَّكْبِيرِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا وَلَوْ فَعَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ) كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَخْذِ هَذَيْنِ (غَيْرُ النِّسَاءِ) أَيْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ جِمَاعُهُنَّ وَدَوَاعِيهِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ لَا النَّظَرِ فِي فَرْجِهَا فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَنْزَلَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي قَوْلٍ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ وَالصَّيْدُ أَيْضًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «إذَا حَلَقَ الْحَاجُّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَقَالَتْ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الطِّيبَ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَضَعِيفٌ تَدَبَّرْ (ثُمَّ يَذْهَبُ مِنْ يَوْمِهِ) وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ إنْ اسْتَطَاعَ (أَوْ الْغَدِ) أَيْ غَدِ يَوْمِ النَّحْرِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ) سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَهَذَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ (بِلَا رَمَلٍ) بِالتَّحْرِيكِ (وَلَا سَعْيٍ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (إنْ كَانَ قَدَّمَهُمَا) فِي طَوَافِ الْقُدُومِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ (رَمَلَ فِيهِ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. (وَسَعَى بَعْدَهُ) وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَكَذَا الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَلَوْ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّ عَمَلَهُ يَتَأَخَّرُ فِي حَقِّهِنَّ إلَى الطَّوَافِ، فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَخَّرَ عَمَلَهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. (وَوَقْتُهُ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ يَوْمِ النَّحْرِ لَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبَ الدَّمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (أَفْضَلُ) لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (تَأْخِيرُهُ) أَيْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَيَرْمِي الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ إلَى الْغُرُوبِ اسْتِحْبَابًا وَإِلَى آخِرِ اللَّيْلِ جَوَازًا (يَبْدَأُ) فِي الرَّمْيِ (بِاَلَّتِي) أَيْ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي (تَلِي الْمَسْجِدَ) أَيْ مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ (فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) حَامِدًا مُهَلِّلًا مُكَبِّرًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ (وَيَدْعُو) لِحَاجَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِغْفَارُ لِنَفْسِهِ وَلِأَبَوَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ وَأَقَارِبِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِيهَا) أَيْ تَلِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْوُسْطَى وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا وَيَدْعُو (ثُمَّ) يَبْتَدِئُ (بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) أَيْ يَرْمِي مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَبَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْوُسْطَى أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَدْعُو (إلَّا أَنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا)

أَيْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ (ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الثَّانِي (ثُمَّ إنْ شَاءَ نَفَرَ) أَيْ رَجَعَ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ وَلَهُ) أَيْ لِلْحَاجِّ (ذَلِكَ) أَيْ النَّفْرُ (قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ النَّفْرُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (حَتَّى يَرْمِيَ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ (وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ) بِمِنًى (فَرَمَى كَمَا تَقَدَّمَ) فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ (وَهُوَ أَحَبُّ) أَيْ الْمُكْثُ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَثَ فِيهِ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ. (وَإِنْ رَمَى فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ (قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ (وَجَازَ) لِلرَّامِي (الرَّمْيُ رَاكِبًا وَرَاجِلًا) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَغَيْرَ رَاكِبٍ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) ، فَإِنَّ رَمْيَهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِهِ فَضِيلَةَ الِاتِّبَاعِ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَيَبِيتُ لَيَالِي الرَّمْيَ بِمِنًى) فَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاجِبٌ (وَكُرِهَ تَقْدِيمُ ثَقَلَهُ) الثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَتَاعُ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْجَمْعُ أَثْقَالٌ (إلَى مَكَّةَ قَبْلَ نَفْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (فَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الصَّادِ اسْمُ مَوْضِعِ وَادٍ وَاسِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَيُسَمَّى الْأَبْطُحَ (وَلَوْ سَاعَةً) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ بِهِ سَاعَةً يَسِيرَةً وَدَعَا فِيهِ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ، وَالنُّزُولُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ (فَإِذَا أَرَادَ الظَّعْنَ) أَيْ السَّفَرَ وَالرَّحِيلَ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ مَكَّةَ (طَافَ لِلصَّدَرِ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ وَطَوَافَ آخِرِ الْعَهْدِ وَطَوَافَ الْوَاجِبِ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَلَا سَعْيٍ) ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ تَشَاغَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ وَمَنْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدَرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَطُوفُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ طَافَ لِلصَّدَرِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالُوا: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا إنْ اقْتَدَرَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ

لِلْفُقَرَاءِ وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ الصَّدَرِ (وَاجِبٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» وَلَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ (إلَّا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ) هَذِهِ مُسْتَدْرَكَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ اتِّبَاعًا لِأَكْثَرِ الْمُتُونِ تَتَبَّعْ. (ثُمَّ يَسْتَقِي) بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ (مِنْ) بِئْرِ (زَمْزَمَ وَيَشْرَبُ) مِنْ مَائِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسُ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعُ بَصَرَهُ كُلَّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (ثُمَّ يَأْتِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ (وَيُقَبِّلُ الْعَتَبَةَ) تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ (وَيَضَعُ صَدْرَهُ وَبَطْنَهُ وَخَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ مَا (بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) مَسَافَةُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ (وَيَتَشَبَّثُ) أَيْ يَتَعَلَّقُ (بِالْأَسْتَارِ) أَيْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ (سَاعَةً) كَالْمُتَعَلِّقِ بِطَرَفِ ثَوْبٍ لِمَوْلًى جَلِيلٍ لِلِاسْتِعَانَةِ فِي أَمْرٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ سَبِيلٌ (وَيَدْعُو) حَالَ كَوْنِهِ (مُجْتَهِدًا) فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْإِجَابَةِ (وَيَبْكِي) أَوْ يَتَبَاكَى مُتَحَسِّرًا عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ قَائِلًا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ (وَيَرْجِعُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (الْقَهْقَرَى) رُجُوعًا إلَى خَلْفٍ نَاظِرًا إلَى الْبَيْتِ (حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) هَذَا بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ وَقَدْ شَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَتَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ

فصل المسائل التي تتعلق بالوقوف وأحوال النساء وأحوال البدن وتقليدها

لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: هَذَا بَيْتُكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتَنَا كَذَلِكَ فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا وَلَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِكَ الْحَرَامِ وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَهُنَا قَدْ تَمَّ أَفْعَالُ الْحَجِّ مَعَ التَّقْصِيرِ فِي التَّقْرِيرِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا الْحَجَّ الشَّرِيفَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَفَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى. [فَصْلٌ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْوُقُوفِ وَأَحْوَالِ النِّسَاءِ وَأَحْوَالِ الْبُدُنِ وَتَقْلِيدِهَا] (إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ) سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ الْحِلِّ (وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ وَوَقَفَ بِهَا) عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوُقُوفِ (سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) حَقِيقَةُ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ مَا شُرِعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ الْجَابِرُ. (وَمَنْ وَقَفَ أَوْ اجْتَازَ) أَيْ سَلَكَ وَمَرَّ (بِعَرَفَةَ سَاعَةً) أَيْ زَمَانًا يَسِيرًا لَا السَّاعَةَ النُّجُومِيَّةَ (مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَكَانَ فِعْلُهُ بَيَانًا لِأَوَّلِ وَقْتِهِ وَقَوْلُهُ بَيَانًا لِآخِرِهِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ، كَانَ الْوَاقِفُ (نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ) ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ وَالْمَشْيُ وَإِنْ أَسْرَعَ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ وُقُوفِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكْنُ مِمَّا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً مَعَ عَدَمِ إحْرَامِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَصْلِ النِّيَّةِ وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِهَارِبٍ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي يَجِبُ الطَّوَافُ بِهِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْيِينِهِ حَتَّى إنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ وَنَوَى بِهِ النَّذْرَ يُجْزِيهِ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْوُقُوفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْوُقُوفِ مَعَ أَنَّ الْوُقُوفَ أَعْظَمُ الرُّكْنَيْنِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ عِنْدَ فِعْلِهِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ (فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى) لِلْعُمْرَةِ (وَيَتَحَلَّلُ) أَيْ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ بَعْدَ فَوْتِ الْحَجِّ وَهَذَا قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِحْرَامُهُ انْقَلَبَ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْفَوْتِ وَجَبَ

رَفْضُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ بِدْعَةٌ وَلَمْ تَصِحَّ الثَّانِيَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الْحَجَّتَيْنِ مَعًا وَمَضَى فِيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ أَضَافَ إحْرَامَ حَجَّةٍ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ (وَيَقْضِي مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) أَيْ آتٍ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُبَيِّنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ عَلَيْهِ هَدْيٌ. (وَلَوْ أَمَرَ رَفِيقَهُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ عِنْدَ إغْمَائِهِ فَفَعَلَ) الرَّفِيقُ (صَحَّ) الْإِحْرَامُ عَنْهُ إجْمَاعًا حَتَّى إذَا أَفَاقَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ. (وَكَذَا) يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ (إنْ فَعَلَ) رَفِيقُهُ (بِلَا أَمْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرُّفْقَةِ يَقْتَضِي اسْتِعَانَتَهُ بِالرُّفَقَاءِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالثَّابِتُ دَلَالَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلِ الْحَاجِّ أَوْ بِفِعْلِ مَنْ أُمِرَ بِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِرَفِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ غَيْرُهُ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا كَمَا قَالَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّفِيقَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فِي سَائِرِ الْمَنَاسِكِ إلَّا أَنْ يُطِيفَ بِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُطِيفَ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى أَدَائِهِ لَوْ كَانَ مُفِيقًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لَا يَصِحُّ بِالْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. (وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الْحَجِّ (كَالرَّجُلِ) لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْخُصُوصِ (إلَّا أَنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا) كَالرَّجُلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي كَشْفِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُهُ لِمَا أَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ كَمَا قِيلَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُشْرَعْ لِلْمَرْأَةِ كَشْفُ الْوَجْهِ فِي الْإِحْرَامِ خُصُوصًا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَلَا يُتَوَهَّمُ عَنْ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ يَكْشِفُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ (لَا رَأْسَهَا) ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ. (وَلَوْ سَدَلَتْ) أَيْ أَرْسَلَتْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَسْدَلَتْ وَهُوَ لُغَةٌ فَلَيْسَ بِخَطَأٍ كَمَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ (عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا وَجَافَتْهُ) أَيْ بَاعَدَتْ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهَا (جَازَ) ذَلِكَ السَّدْلُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَوْلَى كَشْفُ وَجْهِهَا لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ السَّدْلَ أَوْجَبُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لِلْأَجَانِبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَلَا تَجْهَرُ بِالتَّلْبِيَةِ) لِمَا أَنَّ صَوْتَهَا يُؤَدِّي إلَى الْفِتْنَةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ عَوْرَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ: وَلَا تَرْفَعُ الصَّوْتَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ فِي حَقِّهِنَّ رَفْعُ الصَّوْتِ لَا الْجَهْرُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ (وَلَا تَرْمُلُ) فِي الطَّوَافِ (وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) وَلَا تَصْعَدُ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا أَنْ تَجِدَ خَلْوَةً كَمَا فِي النُّتَفِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَضْطَبِعُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الرَّمَلِ (وَلَا تَحْلِقُ) ؛ لِأَنَّ حَلْقَ رَأْسِهَا كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي الرَّجُلِ (بَلْ تُقَصِّرُ) وَهِيَ كَالرَّجُلِ فِيهِ (وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) تَحَرُّزًا عَنْ الْكَشْفِ وَلَا تَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ إلَّا إذَا كَانَ غَسِيلًا (وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إذَا كَانَ

عِنْدَهُ رِجَالٌ) تَحَرُّزًا عَنْ مُمَاسَّةِ الرِّجَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا وَلَا يُرَجَّلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ) وَهَذَا الِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُقَيَّدًا لِلنَّظَافَةِ (وَأَتَتْ بِجَمِيعِ الْمَنَاسِكِ إلَّا الطَّوَافَ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ كَمَا تُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَهَا فِيهَا فَرْضٌ وَفِيهِ وَاجِبٌ فَلَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِدُونِهَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَلَوْ حَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الطَّوَافِ لَمْ تَنْفِرْ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ. (وَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ) الْوُقُوفِ وَ (طَوَافِ الزِّيَارَةِ سَقَطَ عَنْهَا طَوَافُ الصَّدَرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَرْكِهِ) أَيْ تَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ وَلَمْ يَأْمُرْهُنَّ بِإِقَامَةِ شَيْءٍ مَقَامَهُ كَمَا يَسْقُطُ عَمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَنْ يَصْدُرُ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ أَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الصَّدَرِ بِالِاتِّفَاقِ. (وَلَوْ) كَانَ الْإِقَامَةُ (بَعْدَ النَّفْرِ) الْأَوَّلِ بِسُكُونِ الْفَاءِ الرُّجُوعُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الصَّادِرِ وَهُوَ مُسْتَوْطِنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ فَلَا يَسْقُطُ. (وَ) هُوَ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِقَامَةِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَهُ فَتَأَكَّدَ أَدَاؤُهُ عَلَيْهِ. وَفِي النِّهَايَةِ يُرْوَى هَذَا عَنْ الْإِمَامِ وَيَرْوِيهِ الْبَعْضُ عَنْ مُحَمَّدٍ. (وَمَنْ قَلَّدَ بَدَنَةَ تَطَوُّعٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ) بِأَنْ قَتَلَ صَيْدًا وَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَاشْتَرَى بِهَا بَدَنَةً فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقَلَّدَهَا وَسَاقَهَا إلَى مَكَّةَ (أَوْ نَحْوِهِ) مِنْ بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ، وَالتَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَةٍ قِطْعَةَ نَعْلٍ أَوْ لَحَا شَجَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ (وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْبَدَنَةِ إلَى مَكَّةَ حَالَ كَوْنِهِ (يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَدْ أَحْرَمَ) أَيْ صَارَ مُحْرِمًا. (وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ بَدَنَةً فَقَدْ أَحْرَمَ» ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ فِي إظْهَارِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَإِنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا تَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ (فَإِنْ بَعَثَ بِهَا) أَيْ بِالْبَدَنَةِ (ثُمَّ تَوَجَّهَ فَلَا) أَيْ إنْ لَمْ يَسُقْ الْبَدَنَةَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ بَلْ بَعَثَهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا (حَتَّى يَلْحَقَهَا) فَإِذَا لَحِقَهَا يَصِيرُ مُحْرِمًا هَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّوْقِ فِي كَوْنِهِ مُحْرِمًا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ) حَيْثُ يَصِيرُ مُحْرِمًا حِينَ تَوَجَّهَ إنْ نَوَى الْإِحْرَامَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهَا (فَإِنْ جَلَّلَهَا) أَيْ أَلْقَى عَلَيْهَا الْجَلَّ (أَوْ أَشْعَرَهَا) سَيَأْتِي بَيَانُهُ (أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا يَكُونُ مُحْرِمًا) ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَهَا لَا يُسَنُّ وَلَا يُتَعَارَفُ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (وَالْبُدُنُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ بَدَنَةٍ (مِنْ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْإِبِلِ فَقَطْ وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَهُ إلَّا إنْ عَجَزَ عَنْ الْإِبِلِ فَمِنْ الْبَقَرِ.

باب القران والتمتع

[بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُفْرَدِ بِالْحَجِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُرَكَّبِ وَهُوَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ لُغَةً مَصْدَرُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ بَيَانُ الْحُكْمِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمِينَ أَرْبَعَةٌ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ وَهُوَ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَذْكُرَ الْحَجَّ بِلِسَانِهِ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ وَيَقْصِدَ بِقَلْبِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ بِلِسَانِهِ وَيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا وَيَذْكُرَ الْعُمْرَةَ بِلِسَانِهِ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ أَوْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ بِلِسَانِهِ وَيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ وَقَارِنٌ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا وَيَذْكُرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِلِسَانِهِ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ أَوْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُمَا بِلِسَانِهِ وَيَنْوِيَهُمَا بِقَلْبِهِ وَمُتَمَتِّعٌ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا (الْقِرَانُ أَفْضَلُ) مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فَحُذِفَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (مُطْلَقًا) وَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ. وَفِي النَّظْمِ: أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَأَنَّهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ أَحْمَدُ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالْإِفْرَادِ هَا هُنَا إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ بِسَفَرٍ عَلَى حِدَةٍ أَيْ كَوْنُهُمَا مُتَقَارِنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ كَوْنِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَارِنِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَحْدَهُ فَمِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ الْحَجَّ وَزِيَادَةً (وَهُوَ) أَيْ الْقِرَانُ شَرْعًا (أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا) أَيْ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ (مِنْ الْمِيقَاتِ) أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْمُتُونِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَاشْتِرَاطُ الْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْمِيقَاتَ جَازَ وَصَارَ قَارِنًا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِذَارِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ وَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ أَنَّهُ أَهَلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ بَلْ الْغَرَضُ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ، وَأَنَّ الْقَارِنَ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا لَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمِيقَاتِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ فَتَكُونُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنَ وَلِلَّهِ دَرُّهُ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ. تَدَبَّرْ (وَيَقُولُ) الْقَارِنُ (بَعْدَ الصَّلَاةِ) أَيْ بَعْدَ الشَّفْعِ الَّذِي يُصَلِّي مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فِي الذِّكْرِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْإِهْلَالِ لِمُوَافَقَةِ الْقَوْلِ الْفِعْلَ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ) بِالْعُمْرَةِ (فَطَافَ لِلْعُمْرَةِ) سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ لِلثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَيُصَلِّي بَعْدَ الطَّوَافِ

رَكْعَتَيْنِ (وَسَعَى) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُهَرْوِلُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَلَا يَتَحَلَّلُ وَلَوْ تَحَلَّلَ بِأَنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ كَانَ جِنَايَةً عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ وَإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ تَحَلُّلَ الْقَارِنِ مِنْ الْعُمْرَةِ إنَّمَا هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ (ثُمَّ طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى) كَمَا بَيَّنَّاهُ فَتَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] جَعَلَ الْحَجَّ غَايَةً وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فَلَوْ طَافَ أَوَّلًا بِحَجَّتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا فَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ وَسَعْيُهُ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى (فَلَوْ طَافَ لَهُمَا) أَيْ لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ (طَوَافَيْنِ) مُتَوَالِيَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا (وَسَعَى سَعْيَيْنِ) لَهُمَا (جَازَ وَأَسَاءَ) بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِ (ثُمَّ يَحُجُّ كَمَا مَرَّ) بَيَانُهُ فِي الْمُفْرِدِ (فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (ذَبَحَ دَمَ الْقِرَانِ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ) وَهَذَا الدَّمُ وَجَبَ شُكْرًا لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّبْحَ بَعْدَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ عِبَادَةٍ لَا جِنَايَةٍ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَالْمُتَبَادَرُ أَنْ يُقَيِّدَ الذَّبْحَ بِمَا إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَوْ طَافَ لَهَا فِي رَمَضَانَ مَثَلًا لَمْ يَذْبَحْ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْهَدْيِ (صَامَ) الْقَارِنُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بَدَلًا لِلْهَدْيِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ آخِرِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ آخِرُهَا إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ (وَسَبْعَةَ) أَيَّامٍ (إذَا فَرَغَ) أَيْ صَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَنْهِيٌّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (وَلَوْ بِمَكَّةَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ صَامَ سَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَا يَجُوزُ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُقَامَ فِيهَا (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) وَجَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ (تَعَيَّنَ الدَّمُ) عَلَيْهِ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ

بَعْدَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ يَصُومُ الثَّلَاثَةَ بَعْدَهَا (وَإِنْ وَقَفَ الْقَارِنُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ لِلْعُمْرَةِ) سَوَاءٌ دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ لَا (فَقَدْ رَفَضَهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ بِالْوُقُوفِ وَإِنَّمَا قُلْنَا سَوَاءٌ دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ وَطَافَ لِلْعُمْرَةِ ثَلَاثَةً أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ انْتَقَضَ الْقِرَانُ وَارْتَفَضَ الْعُمْرَةَ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ وَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ إلَخْ تَدَبَّرْ، وَالْمُرَادُ بِوُقُوفِهِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ: وُقُوفُهُ قَبْلَ الطَّوَافِ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ طَوَافًا مَا لَوْ قَصَدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ رَافِضًا لَهَا (فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا وَيَقْضِيهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ لِلُزُومِهَا عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ (وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ) . وَفِي الْإِصْلَاحِ لَا دَمَ لِلْقِرَانِ لَمْ يَقُلْ وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فَإِنَّ وُجُوبَهُ بِالْجَمْعِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالسُّقُوطُ فَرْعُ الثُّبُوتِ. (وَالتَّمَتُّعُ) عُطِفَ عَلَى الْقِرَانِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (وَهُوَ) أَيْ التَّمَتُّعُ شَرْعًا (أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَوْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَطُوفَ لَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فِي التَّمَتُّعِ أَنْ يُوجَدَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا سَيَأْتِي (ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ) ذَلِكَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ (فَيُحْرِمَ بِهَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ (مِنْ الْمِيقَاتِ) أَوْ قَبْلَهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَيَطُوفَ لَهَا) أَرْبَعَةً أَوْ أَكْثَرَ إلَى سَبْعَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَيَسْعَى) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَيَتَحَلَّلَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعُمْرَةِ إنْ شَاءَ بِالْحَلْقِ أَوْ بِالتَّقْصِيرِ وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَتَحَلَّلَ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ (إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ) وَإِنْ سَاقَ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ) أَيْ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ يَقْطَعُهَا كَمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ (ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ (يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ (أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْعِبَادَةِ (وَيَحُجُّ) فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ إلَّا أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ. وَلَوْ طَافَ وَرَمَلَ وَسَعَى بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَقَبْلَ رَوَاحِهِ إلَى مِنًى لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ وَيَذْبَحُ بَعْدَ الرَّمْيِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ النَّحْرِ شُكْرًا لِنِعْمَةِ التَّمَتُّعِ (كَالْقَارِنِ فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الذَّبْحِ (فَكَحُكْمِهِ) أَيْ صَامَ كَالْقَارِنِ (وَجَازَ صَوْمُ) الْأَيَّامِ (الثَّلَاثَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (وَلَوْ) صَامَ (فِي شَوَّالٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةً مُتَتَابِعَةً آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ (فَإِنْ شَاءَ) الْمُتَمَتِّعُ (سَوْقَ الْهَدْيِ وَهُوَ) أَيْ سَوْقُ الْهَدْيِ (أَفْضَلُ) مِنْ الْإِرْسَالِ قَبْلَهُ (أَحْرَمَ)

أَيْ بِالْعُمْرَةِ (وَسَاقَهُ) أَيْ ثُمَّ سَاقَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالنِّيَّةُ أَفْضَلُ ثُمَّ يَسُوقُ (وَهُوَ) أَيْ سَوْقُ الْهَدْيِ (أَوْلَى مِنْ قَوْدِهِ) إلَّا أَنْ لَا يَنْقَادَ فَحِينَئِذٍ يَقُودُهُ لِلتَّعَذُّرِ. (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْهَدْيُ (بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ وَهُوَ) أَيْ التَّقْلِيدُ (أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ؛ وَلِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ وَالتَّجْلِيلُ لِلزِّينَةِ (وَالْإِشْعَارُ جَائِزٌ) أَيْ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ (عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ (وَهُوَ) أَيْ الْإِشْعَارُ (شَقُّ سَنَامِهَا) أَيْ الْبَدَنَةِ (مِنْ الْأَيْسَرِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ) إلَى الصَّوَابِ يَعْنِي فِي الرِّوَايَةِ (بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هَذَا تَفْسِيرٌ لِهَذَا الْإِشْعَارِ الْمَخْصُوصِ وَتَفْسِيرُهُ لُغَةً الْإِدْمَاءُ (أَوْ مِنْ الْأَيْمَنِ) وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ (وَيُكْرَهُ) الْإِشْعَارُ (عِنْدَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَ الْإِشْعَارِ وَإِنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ. وَفِي الْفَتْحِ هُوَ الْأَوْلَى وَاخْتَارَهُ فِي الْغَايَةِ (ثُمَّ يَعْتَمِرُ كَمَا تَقَدَّمَ) ذِكْرُهُ (وَلَا يَتَحَلَّلُ) مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (وَيُحْرِمُ) الْمُتَمَتِّعُ (بِالْحَجِّ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَفْضَلُ (فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) أَيْ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِبَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْحَلْقِ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ، قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ الْفِعْلِ لَا نَفْيُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَإِنْ فَعَلَ الْقِرَانَ صَحَّ وَأَسَاءَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْجَبْرِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَكَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بِحَمْلِ مَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي مَعَهُ الْإِسَاءَةُ وَمَا فِي الْمُتُونِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ التَّمَتُّعِ مِنْ الْمَكِّيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ تَدَبَّرْ (وَمَنْ هُوَ دَاخِلُ الْمَوَاقِيتِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِّيِّ (فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ أَفْعَالِهَا (وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَيَّدَ بِالتَّمَتُّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إلَى بَلَدِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَهُ لَا) أَيْ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا فَإِذَا عَادَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَمَنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ

باب الجنايات في الحج

قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ) أَشْوَاطٍ (وَأَتَمَّ بَعْدَ دُخُولِهَا) أَيْ أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ. (وَإِنْ كَانَ طَافَ أَرْبَعَةَ) أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ (فَلَا) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ. (وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتَحَلَّلَ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ) . وَلَوْ قَالَ وَسَكَنَ بِدَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَدَمُ التَّجَاوُزِ عَنْ الْمِيقَاتِ لَا الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَالْحَرَمِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَحَجَّ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ (صَحَّ تَمَتُّعُهُ) لِتَرَفُّقِهِ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. (وَكَذَا) يَصِحُّ تَمَتُّعُهُ (لَوْ أَقَامَ بِبَصْرَةَ) ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ بَاقٍ حَيْثُ لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ (وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا) ؛ لِأَنَّ لِنُسُكَيْهِ مِيقَاتَيْنِ قَائِلُهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَصَاحِبَا الْمُخْتَلِفِ وَالْمَنْظُومَةِ أَخْذًا بِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَحَقَّقْنَا الْخِلَافَ لَكِنْ أَنْكَرَ الْخِلَافَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَصَوَّبَ قَوْلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمُرَادُ بِالْكُوفِيِّ الْآفَاقِيُّ الَّذِي شُرِعَ لَهُ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَكَمَا أَنَّ الْبَصْرَةَ مَكَانٌ لِأَهْلِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ كَانَ مَكَانُهُ الْبَصْرَةَ أَوْ غَيْرَهَا. (وَلَوْ أَفْسَدَ) كُوفِيٌّ (عُمْرَتَهُ) بِالْجِمَاعِ مَثَلًا (وَأَقَامَ بِبَصْرَةَ وَقَضَاهَا) قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ (وَحَجَّ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ (لَا يَصِحُّ تَمَتُّعُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ قَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ (إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ) بَعْدَمَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ وَبَعْدَمَا حَلَّ مِنْهُ (ثُمَّ يَأْتِي بِهِمَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ؛ لِأَنَّ هَذَا إنْشَاءُ سَفَرٍ لِانْتِهَاءِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بِالْإِلْمَامِ فَاجْتَمَعَ النُّسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (يَصِحُّ) تَمَتُّعُهُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَعُدْ) إلَى أَهْلِهِ. (وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ) أَيْ إفْسَادِ عُمْرَتِهِ (بِمَكَّةَ وَقَضَى) عُمْرَتَهُ (وَحَجَّ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ لَا يَصِحُّ تَمَتُّعُهُ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ مَكِّيَّةٌ وَالسَّفَرُ الْأَوَّلُ قَدْ انْتَهَى بِالْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ (وَمَا أَفْسَدَهُ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ حَجِّهِ مَضَى فِيهِ) يَعْنِي الْكُوفِيَّ إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَأَيُّ النُّسُكَيْنِ أَفْسَدَهُ مَضَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِأَفْعَالِ الْحَجِّ (وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ عَلَيْهِ دَمٌ (وَمَنْ تَمَتَّعَ فَضَحَّى لَا تَجْزِيهِ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ تَحَلَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ: دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ. [بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ] لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِيهِمْ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهَا قَدْ يَكُونُ دَمًا أَوْ دَمَيْنِ أَوْ تَصَدُّقًا وَدَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ الْجِنَايَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ

شَرْعًا وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَكُونُ فِي النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فِي الْمَالِ فَغَصْبٌ أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ نَحْوُهَا (إنْ طَيَّبَ) أَيْ اسْتَعْمَلَ طِيبًا وَلَوْ سَهْوًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (الْمُحْرِمُ) الْبَالِغُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْبَالِغِ (عُضْوًا) كَامِلًا كَالرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ قَدْرَهُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَوْ طَيَّبَ كُلَّ الْبَدَنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَفَاهُ دَمٌ وَفِي مَجَالِسَ وَجَبَ لِكُلٍّ دَمٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى (لَزِمَهُ دَمٌ) أَيْ شَاةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَا؛ لِأَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَكَذَا) أَيْ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (لَوْ ادَّهَنَ) أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ (بِزَيْتٍ) أَوْ حَلَّ لَا عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا مُطَيِّبًا أَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ إذَا بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا (وَعِنْدَهُمَا صَدَقَةٌ) فِي غَيْرِ الْمُطَيِّبِ، وَأَمَّا فِي الْمُطَيِّبِ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ فِي الشَّعْرِ وَفِي الْبَدَنِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ بِزَيْتٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّهَنَ بِسَمْنٍ أَوْ شَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ. (وَلَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ) أَوْ لِحْيَتَهُ (بِحِنَّاءٍ) هَذَا إذَا كَانَ مَائِعًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَلَبِّدًا فَيَجِبُ دَمَانِ دَمٌ لِلطِّيبِ وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ بِهِ (أَوْ سَتَرَهُ) أَيْ الرَّأْسَ بِمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُغَطَّى بِهِ سَوَاءٌ سَتَرَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُلْقِي غَيْرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ (يَوْمًا كَامِلًا) أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً (فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِلرُّبُعِ حُكْمُ الْكُلِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَكْثَرُهُ. (وَكَذَا) لَزِمَهُ دَمٌ (لَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ (يَوْمًا كَامِلًا) أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ الْحَاصِلَ فِي الْيَوْمِ حَاصِلٌ فِي اللَّيْلَةِ، وَأَنَّ مَا دُونَهَا كَمَا دُونَهُ وَلَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ وَدَامَ عَلَيْهِ أَيَّامًا وَكَانَ يَنْزِعُهُ لَيْلًا وَيُعَاوِدُهُ نَهَارًا، أَوْ عَكْسَهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ فَإِنْ عَزَمَ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا وَفِي الثَّانِيَةِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَكَذَا لَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ دَمًا ثُمَّ دَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لِلدَّوَامِ فِيهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ اللِّبَاسِ مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفٍّ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِلَّا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ. (أَوْ حَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ أَوْ تَنَوَّرَ (رُبُعَ رَأْسِهِ) عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصْلِ فَاعْتِبَارُ الثُّلُثِ (أَوْ) رُبُعَ (لِحْيَتِهِ) أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ مُكْرَهًا لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَادُهُ وَإِنْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ التَّوْضِيءِ عَشَرُ شَعَرَاتٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَزِمَهُ دَمٌ بِحَلْقِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا مِنْ بَدَنِهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ حَلَقَ مَا يُمِيطُ الْأَذَى

(أَوْ حَلَقَ رَقَبَتَهُ) كُلَّهَا (أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ لِدَفْعِ الْأَذَى وَنَيْلِ الرَّاحَةِ (أَوْ عَانَتَهُ) لِمَا قُلْنَا. (وَكَذَا) لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (لَوْ حَلَقَ مَحَاجِمَهُ) الْمَحَاجِمُ جَمْعُ الْمَحْجَمِ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ وَبِالْكَسْرِ قَارُورَةُ الْحَجَّامِ (وَعِنْدَهُمَا) لَزِمَهُ (صَدَقَةٌ) وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ الشَّارِبِ. وَفِي الْفَتْحِ إنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ فَعَلَيْهِ طَعَامٌ لَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَاحِدٌ. (وَكَذَا) لَزِمَهُ دَمٌ (لَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِجْلٍ) وَاحِدَةٍ إقَامَةً لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهَا رُبُعًا. تَدَبَّرْ. (وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ مَعْنًى فَعِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ جَعَلْنَا الْكُلَّ جِنَايَةً وَاحِدَةً (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَلْزَمُهُ (دَمٌ وَاحِدٌ) إلَّا إذَا تَحَلَّلَ بَيْنَهُمَا كَفَّارَةٌ فَإِنَّهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فَلَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدٍ وَذَبَحَ ثُمَّ قَصَّ أَظْفَارَ يَدٍ أُخْرَى لَزِمَهُ ذَبْحٌ آخَرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ أَوْ سَتَرَ أَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) لِتَقَاصُرِ الْجِنَايَةِ وَفِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ رُبُعَ الْعُضْوِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. (وَكَذَا) يَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ (لَوْ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ رَأْسِهِ أَوْ) أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ (لِحْيَتِهِ أَوْ حَلَقَ بَعْضَ) رَقَبَتِهِ أَوْ بَعْضَ (عَانَتِهِ أَوْ) حَلَقَ (أَحَدَ إبْطَيْهِ أَوْ) حَلَقَ (رَأْسَ غَيْرِهِ) بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَعَلَى الْحَالِقِ صَدَقَةٌ وَعَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلَى الْمَحْلُوقِ. وَلَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالْحَلْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ) يَجِبُ بِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ لِلثَّلَاثَةِ حُكْمَ الْكُلِّ (أَوْ) قَصَّ (خَمْسَةً مُتَفَرِّقَةً) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِنُقْصَانِ الْجِنَايَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْخَمْسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ دَمٌ) كَمَا لَوْ حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ. (وَإِنْ طَيَّبَ) عُضْوًا كَامِلًا (أَوْ لَبِسَ) مَخِيطًا (أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِعُذْرٍ خُيِّرَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلٍّ نِصْفُ صَاعٍ. وَلَوْ اخْتَارَ الطَّعَامَ أَجْزَأَهُ فِيهِ التَّغْذِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ. (وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِلَا شَرْطِ التَّتَابُعِ (وَلَوْ ارْتَدَى) أَيْ أَلْقَى عَلَى مَنْكِبَيْهِ كَالرِّدَاءِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ (أَوْ اتَّشَحَ بِالْقَمِيصِ) الِاتِّشَاحُ أَنْ يُدْخِلَ ثَوْبَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ (أَوْ اتَّزَرَ) أَيْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ (بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِعَدَمِ اللُّبْسِ

فصل طاف للقدوم أو للصدر جنبا

الْمُعْتَادِ. (وَكَذَا) لَا بَأْسَ (لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ. [فَصْلٌ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدَرِ جُنُبًا] فَصْلٌ (وَإِنْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدَرِ جُنُبًا) أَيْ شَخْصًا يَجِبُ الْغُسْلُ فَيَشْمَلُ الْحَائِضَ وَغَيْرَهَا (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ أَعَادَ قَبْلَ الذَّبْحِ سَقَطَ الدَّمُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (وَكَذَا) يَلْزَمُ الدَّمُ (لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ) وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ (مُحْدِثًا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ تَجِبُ الطَّهَارَةُ لِلطَّوَافِ وَلَا تُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ (أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدَرِ أَوْ أَرْبَعَةَ) أَشْوَاطٍ (مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ أَوْ الْأَكْثَرَ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (أَوْ) تَرَكَ (دُونَ أَرْبَعَةٍ مِنْ الرُّكْنِ) ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ (أَوْ أَفَاضَ) بِحَيْثُ خَرَجَ عَنْ حُدُودِهَا (مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ إفَاضَةِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ يَجُوزُ لِلنَّاسِ الدَّفْعُ قَبْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الدَّفْعِ قَدْ دَخَلَ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاسِ تَرْكُهَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ. (أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا فَيَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ، وَحَجُّهُ تَامٌّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ فَرْضٌ فَإِنْ سَعَى جُنُبًا فَالسَّعْيُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَكَذَا بَعْدَمَا دَخَلَ وَجَامَعَ وَكَذَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ. (أَوْ) تَرَكَ (الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ هَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (أَوْ) تَرَكَ (رَمْيَ الْجِمَارِ كُلِّهَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ بَدَنَةٌ (أَوْ) تَرَكَ (رَمْيَ يَوْمٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ (أَوْ) تَرَكَ (رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ) ؛ لِأَنَّهَا وَظِيفَةُ هَذَا الْيَوْمِ (أَوْ) تَرَكَ (أَكْثَرَهُ) أَيْ أَكْثَرَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَإِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ أَعَادَ عَلَى التَّرْتِيبِ يَسْقُطُ الدَّمُ. وَفِي التَّبْيِينِ أَثِمَ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ وَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) وَهُوَ سُنَّةٌ وَبِالشُّرُوعِ صَارَ وَاجِبًا (أَوْ الصَّدَرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) حَطًّا لَهُمَا عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ الْإِمَامِ عَلَيْهِ شَاةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. (وَكَذَا) يَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ لِكُلِّ

شَوْطٍ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ (لَوْ تَرَكَ دُونَ أَرْبَعَةِ) أَشْوَاطٍ (مِنْ الصَّدَرِ أَوْ) تَرَكَ (رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بِأَنْ رَمَى ثَمَانَ حَصَيَاتٍ وَتَرَكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ حَصَاةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِ الْأَكْثَرِ (وَلَوْ تَرَكَ طَوَافَ الرُّكْنِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَبَدًا وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (حَتَّى يَطُوفَهَا) أَيْ يَقَعُ أَرْبَعَةٌ مِنْهُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فَلَا يَجُوزُ عَنْهُ بَدَلٌ. (وَإِنْ طَافَهُ) أَيْ طَوَافَ الرُّكْنِ (جُنُبًا) بِلَا إعَادَةٍ (فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ) وَفِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَيَسْقُطُ الدَّمُ) إنْ أَعَادَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِنْ بَعْدَهَا وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لِلْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الذَّبْحِ وَأَمَّا إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا إنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالتَّأْخِيرِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْبَدَنَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (وَلَوْ طَافَ لِلصَّدَرِ طَاهِرًا) وَلَوْ مُحْدِثًا يَلْزَمُهُ دَمَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَفِي رِوَايَةٍ دَمٌ وَصَدَقَةٌ (فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَمَا طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِعَدَمِ وُجُوبِ إعَادَةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْحَدَثِ بَلْ إعَادَتُهُ بِالْحَدَثِ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ. (وَلَوْ كَانَ) لِلصَّدَرِ طَاهِرًا (بَعْدَمَا طَافَ لَهُ) أَيْ لِلرُّكْنِ (جُنُبًا فَدَمَانِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدَرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِوُجُوبِ إعَادَةِ الرُّكْنِ فَيَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ (وَعِنْدَهُمَا دَمٌ فَقَطْ) بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ وَلَا شَيْءَ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا (أَيْضًا) كَمَا اكْتَفَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ آنِفًا. (وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا يُعِيدُهُمَا) أَيْ الطَّوَافَ لِلنُّقْصَانِ وَالسَّعْيَ لِلتَّبَعِيَّةِ لَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ إذْ النُّقْصَانُ يَسِيرٌ (وَشَيْءٌ لَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ فَقَطْ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَمَّا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ دَمٌ. (وَإِنْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَقَوْلِهِمَا لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ (قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَوْ نَاسِيًا) أَوْ مُكْرَهًا (فَسَدَ حَجُّهُ وَيَمْضِي فِيهِ) كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ

(وَيَقْضِيهِ) مِنْ قَابِلٍ سَوَاءٌ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَفْعَالَ مَعَ وَصْفِ الْفَسَادِ، وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا بِوَصْفِ الصِّحَّةِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَأَدْنَاهُ شَاةٌ وَيَقُومُ الشَّرِكَةُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ بَدَنَةٌ إنْ عَامِدًا (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَرِقَ عَنْ زَوْجَتِهِ فِي الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ إذَا خَافَ الْوِقَاعَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُفَارِقُهَا إذَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَالْمُفْسِدُ أَنَّ الْحَجَّ بِالْوَطْءِ كَمَا ... تَعَدَّيَا مِصْرَهُمَا تَفَرَّقَا وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا أَحْرَمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا بَلَغَا الْمَكَانَ الَّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ. (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَا يَفْسُدُ) الْحَجُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى شُمُولِ مَا إذَا جَامَعَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ فَبَدَنَةٌ لِلْأَوَّلِ، وَشَاةٌ لِلثَّانِي فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ. (وَلَوْ) جَامَعَ (بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ شَاةٌ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِوُجُودِ الْحَلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ وَمَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشُّرُوحِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي فَعَلَيْهِ الْبَدَنَةُ وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ. (وَكَذَا) يَلْزَمُهُ دَمٌ (لَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُحَرَّمَةٌ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الدَّمُ مُطْلَقًا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَيْهِ دَمٌ (وَكَذَا) يَلْزَمُهُ دَمٌ لِوُجُودِ الْمُنَافِي (لَوْ جَامَعَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ وَفَسَدَتْ) عُمْرَتُهُ (وَقَضَاهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْ بِالْإِحْرَامِ كَالْحَجِّ. (وَإِنْ) جَامَعَ (بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ لَزِمَ الدَّمُ) أَيْ شَاةٌ (وَلَا تَفْسُدُ) الْعُمْرَةُ لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ (وَلَا شَيْءَ إنْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ وَلَوْ إلَى فَرْجٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِمَاعٍ كَمَا لَوْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ وَعَنْ الْإِمَامِ عَلَيْهِ دَمٌ. (وَإِنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) بِلَا عُذْرٍ (عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا مُوَقَّتَانِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا أَخَّرَهُمَا عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ تَرَكَ وَاجِبًا فَلَزِمَهُ دَمٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا دَمَ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. (وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ أَوْ قَدَّمَ نُسْكًا) بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ أَيْ عِبَادَةً مِنْ عِبَادَاتِهِ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الذَّبْحِ لِلَّهِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلذَّبِيحَةِ ثُمَّ لِكُلِّ عِبَادَةٍ (عَلَى نُسْكٍ هُوَ قَبْلَهُ) كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ. (وَإِنْ حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) . وَفِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُعْتَمِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَاجِّ فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى

فصل الجناية على الإحرام في الصيد

الْخِلَافِ (فَلَوْ عَادَ الْمُعْتَمِرُ) إلَى الْحَرَمِ (بَعْدَ خُرُوجِهِ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ (وَقَصَّرَ فَلَا دَمَ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى الْوَاجِبَ فِي مَكَانِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ جَابِرٌ. (وَلَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ لَزِمَهُ دَمَانِ) عِنْدَ الْإِمَامِ أَحَدُ الدَّمَيْنِ بِمَجْمُوعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْآخَرُ دَمُ الْقِرَانِ (وَعِنْدَهُمَا دَمٌ) وَاحِدٌ وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ لَيْسَ غَيْرُهُ لَا لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقَدُّمِ نُسْكٍ عَلَى نُسْكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ دَمٌ بِالْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ (وَالدَّمُ حَيْثُ ذُكِرَ) فِي الْجِنَايَاتِ (وَجَبَ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ) إذَا ذُكِرَتْ يُرَادُ بِهَا (مَا تُجْزِئُ فِي الْفِطْرِ) . [فَصْلٌ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ فِي الصَّيْدِ] فَصْلٌ لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ فِي الصَّيْدِ نَوْعًا آخَرَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ (إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ بَرٍّ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْحَرَمِ وَقَيَّدَهُ بِالْبَرِّ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَاصَّةً، وَالصَّيْدُ الْحَيَوَانُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ يَكُونُ تَوَلُّدُهُ فِي الْبَرِّ وَبَحْرِيٌّ عَكْسُ ذَلِكَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَعَاشِ (أَوْ دَلَّ) الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَفِي الْهَارُونِيِّ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ مُحْرِمًا عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَيْدٍ (مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالدَّلَالَةُ الْمُعْتَبَرَةُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّالِّ مُحْرِمًا عِنْدَ أَخْذِ الْمَدْلُولِ الصَّيْدَ وَالْمَدْلُولُ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَكَانِهِ وَأَنْ يُصَدِّقَ الْمَدْلُولُ الدَّالَّ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ حَتَّى إذَا كَذَّبَهُ وَلَمْ يَتْبَعْ الصَّيْدَ بِدَلَالَتِهِ وَدَلَّ عَلَيْهِ آخَرُ فَصَدَّقَهُ وَقَتَلَ الصَّيْدَ فَالْجَزَاءُ عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَوْ كَانَ سَبَبًا لَهُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكَانَ أَشْمَلَ (وَهُوَ) أَيْ الْجَزَاءُ (قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ) لَهُمَا بَصَارَةٌ فِي قِيمَةِ نَفْسِ الصَّيْدِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْبَازِي مُعَلَّمًا. وَفِي الْكَافِي وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ (فِي مَوْضِعِ قَتْلِهِ) إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فِيهِ كَبَلَدٍ (أَوْ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي مَوْضِعِ قَتْلِهِ (قِيمَةٌ) بِأَنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يُبَاعُ فِيهِ الصَّيْدُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي الْقِيمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِاعْتِبَارِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ

(ثُمَّ) إنْ عُلِمَتْ قِيمَتُهُ بِتَقْوِيمِهِمَا لِلْقَاتِلِ أَوْ الدَّالِّ الْخِيَارُ فِيهِ (إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ (هَدْيًا إنْ بَلَغَتْ) قِيمَتُهُ ثَمَنَ الْهَدْيِ (فَذَبَحَهُ بِالْحَرَمِ) فَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُجَرَّدِ ذَبْحِهِ فِيهِ وَلَوْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. (وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِالطَّعَامِ (عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ) مِنْ (تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ) مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ دَفَعَ أَكْثَرَ مُتَبَرِّعًا بِمَا زَادَ جَازَ. (وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ فَقِيرٍ) أَيْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ أَوْ صَاعٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْقِيمَةِ (يَوْمًا فَإِنْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ طَعَامِ فَقِيرٍ) وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ أَكْثَرَ مِنْ هَدْيَيْنِ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ بِالْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا (تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ عَنْهُ) أَيْ عَمَّا فَضَلَ (يَوْمًا كَامِلًا) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (الْجَزَاءُ نَظِيرُ الصَّيْدِ فِي الْجُثَّةِ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] (فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ (وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ) مِنْ الْحَيَوَانِ (فَكَقَوْلِهِمَا) أَيْ فَجَزَاؤُهُ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ مِثْلَ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا (وَالْعَامِدُ وَالنَّاسِي) سَوَاءٌ كَانَا قَاتِلَيْنِ أَوْ دَالَّيْنِ (وَالْعَائِدُ وَالْمُبْتَدِئُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ (سَوَاءٌ) لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْمُوجِبِ. (وَإِنْ جَرَحَ الصَّيْدَ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ لَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ هَذَا إذَا بَرِئَ وَبَقِيَ فِيهِ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِإِيصَالِ الْأَلَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَتْ لَهُ سِنٌّ أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَمَا جَرَحَهُ ضَمِنَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ وَلَوْ غَابَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ لَا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ جَمِيعِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا. (وَإِنْ نَتَفَ رِيشَهُ) أَيْ رِيشَ الصَّيْدِ جَمْعُ الرِّيشَةِ وَهِيَ الْجَنَاحُ (أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَهُ) وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ كُلِّ الْقَوَائِمِ بَلْ إذَا قَطَعَ الْبَعْضَ وَخَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَجَبَ الْجَزَاءُ (فَخَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) أَيْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا مِمَّا أَرَادَ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً) لِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَضْمَنُ جَزَاءَهُ

(وَإِنْ حَلَبَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فَقِيمَةُ لَبَنِهِ) ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الصَّيْدِ جُزْؤُهُ فَأَخَذَ حُكْمَ كُلِّهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا ضَمَانَ لِلَّبَنِ. (وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَهُ) أَيْ بَيْضًا غَيْرَ فَاسِدٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (فَقِيمَةُ الْبَيْضِ) بِالْفَتْحِ وَاحِدَتُهُ بَيْضَةٌ (وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَيْضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ) وَكَذَا إنْ خَرَجَ مِنْ الصَّيْدِ جَنِينٌ مَيِّتٌ (فَقِيمَةُ الْفَرْخِ) حَيًّا اسْتِحْسَانًا هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ فَرْخًا حَيًّا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ فَرْخًا مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمَتْنِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ تَدَبَّرْ (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ) يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَأَمَّا لَوْ قَتَلَ الزَّاغَ وَهُوَ الْغُرَابُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَ الْعَقْعَقَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَتَى مُعَرَّفًا لَكَانَ أَوْلَى (وَحِدَأَةٍ) عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ وَهِيَ طَائِرٌ تَأْخُذُ الْفَأْرَةَ (وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ) وَمِثْلُهَا السَّرَطَانُ بِخِلَافِ الضَّبِّ (وَعَقْرَبٍ وَفَأْرَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ أَهْلِيَّةً أَوْ بَرِّيَّةً وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِقَتْلِ الْيَرْبُوعِ (وَكَلْبٍ عَقُورٍ) بِالْفَتْحِ مِنْ الْعَقْرِ وَهُوَ الْجَرْحُ وَالْكَلْبُ مِمَّا يَفْرُطُ شَرُّهُ وَإِيذَاؤُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْعَقُورَ وَغَيْرَهُ وَالْمُسْتَأْنَسَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ كُلُّ عَاقِرٍ أَيْ جَارِحٍ مُفْتَرِسٍ غَالِبًا كَالسَّبُعِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ (وَبَعُوضٍ) أَيْ بَقٍّ وَقِيلَ صِغَارُهُ (وَنَمْلٍ) مُطْلَقًا لَكِنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا لَا يُؤْذِي (وَبُرْغُوثٍ) وَزُنْبُورٍ وَذُبَابٍ (وَقُرَادٍ) بِالضَّمِّ يُقَالُ لَهُ: بِالْفَارِسِيَّةِ " كَنَّة " (وَسُلَحْفَاةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ نَوْعٌ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْحَشَرَاتِ كَالْخَنَافِسِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّفَادِعِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَا مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ. (وَإِنْ قَتَلَ قَمْلَةً) مِنْ بَدَنِهِ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً مِنْ الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ جَرَادَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) وَلَمْ يُقَدِّرْ الصَّدَقَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ فِي قَمْلَةٍ كِسْرَةَ خُبْزٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَصَدَّقُ بِكَفٍّ مِنْ الطَّعَامِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي الِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَبْضَةُ طَعَامٍ وَفِي أَكْثَرَ نِصْفُ صَاعٍ (وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) فَإِنَّ أَهْلَ حِمْصٍ جَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ بِكُلِّ جَرَادٍ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. وَفِي الْفَتَاوَى مُحْرِمٌ وَضَعَ ثَوْبَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَقْتُلَ قَمْلَتَهُ فَمَاتَ الْقَمْلُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَلَوْ وَضَعَ وَلَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ الْقَمْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَسَلَ ثَوْبَهُ فَمَاتَ الْقَمْلُ (وَلَا يَتَجَاوَزُ شَاةً فِي قَتْلِ السَّبُعِ) وَإِنْ كَانَ السَّبُعُ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ

عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا جَزَاءَ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ وَلَنَا أَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ وَلَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى حَتَّى لَوْ ابْتَدَأَ كَانَ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ فَلِهَذَا قَالَ (وَإِنْ صَالَ فَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ الصَّائِلِ. وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَأَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ وَالْحَشَرَاتِ. (وَإِنْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ) لِلْأَكْلِ (فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَفَائِدَتُهُ رَفْعُ الْحُرْمَةِ (وَلِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ شَاةٍ) وَلَوْ أَبُوهَا ظَبْيًا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ (وَبَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) احْتِرَازًا عَنْ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ (وَ) لِلْمُحْرِمِ (صَيْدُ سَمَكٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُحْرِمِ (الْجَزَاءُ بِذَبْحِ حَمَامٍ مُسَرْوَلٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ حَمَامٍ فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَالسِّرْوَالِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (أَوْ) بِذَبْحِ (ظَبْيٍ مُسْتَأْنَسٍ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الصَّيْدِ وَإِنْ اسْتَأْنَسَ بِالْمُخَالَطَةِ. (وَلَوْ ذَبَحَ) الْمُحْرِمُ (صَيْدًا فَهُوَ مَيْتَةٌ) لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حَرَامٌ فَيَكُونُ ذَكَاةً مُبِيحَةً بَلْ تَصِيرُ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِ. (وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ (فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ مَعَ الْجَزَاءِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ الذَّابِحُ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ (بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ أَكَلَ مِنْهُ) فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا غَيْرَ الِاسْتِغْفَارِ. (وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ لَحْمُ صَيْدٍ صَادَهُ حَلَالٌ) احْتِرَازٌ عَمَّا صَادَهُ مُحْرِمٌ (وَذَبَحَهُ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَا أَمَرَهُ بِصَيْدِهِ وَلَا أَعَانَهُ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الصَّيْدَ لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إنْ اصْطَادَهُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ) وَهُوَ حَلَالٌ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا لِيَظْهَرَ فَائِدَةُ قَيْدِ الدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِرْسَالِ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دُخُولِهِ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا (وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إرْسَالِهِ تَسْيِيبَهُ؛ لِأَنَّ تَسْيِيبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الصَّيْدَ

بَعْدَمَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ (رُدَّ الْبَيْعُ) لِفَسَادِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ بَاعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا يُحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (إنْ كَانَ بَاقِيًا) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. (وَإِنْ فَاتَ) بِالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ (لَزِمَهُ الْجَزَاءُ) بِالْمَالِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الصَّيْدُ وَكَذَا إذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ وَلَوْ تَبَايَعَ حَلَالَانِ فِي الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ حِسًّا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يَلْزَمُ إرْسَالُهُ) قَبْلُ إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ يُرْسِلُهُ. (وَإِنْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَرْسَلَهُ) مِنْ يَدِهِ (أَحَدٌ ضَمِنَ الْمُرْسِلُ) قِيمَتَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ حَلَالًا وَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ يَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (بِخِلَافِ مَا أَخَذَهُ مُحْرِمٌ) فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا لَوْ أَرْسَلَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ حَلَّ فَوَجَدَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ لَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (فَإِنْ قَتَلَ مَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَا) لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا الْآخِذُ بِالْأَخْذِ وَالْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدِ جَزَاءٌ كَامِلٌ إلَّا فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ (وَرَجَعَ آخِذُهُ) مَا ضَمِنَ مِنْ الْجَزَاءِ (عَلَى قَاتِلِهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ ثُمَّ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَاتِلِ عِنْدَ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا. (وَإِنْ قَتَلَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ حَلَبَهُ) أَيْ إنْ حَلَبَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ (فَقِيمَةُ لَبَنِهِ وَمَنْ قَطَعَ) سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا (حَشِيشَ الْحَرَمِ) وَاحْتُرِزَ عَنْ مِثْلِ الْكَمْأَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَبَاتٍ وَلِهَذَا يُبَاحُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْحَرَمِ كَحَجَرَةٍ وَقَدْرٍ يَسِيرٍ مِنْ تُرَابِهِ لِلتَّبَرُّكِ (أَوْ شَجَرَةٍ غَيْرِ مُنْبَتٍ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) وَقَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ بِقَوْلِهِ غَيْرِ مَمْلُوكٍ فَقَالَ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا قَوْلَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ بِقَوْلِنَا يَعْنِي النَّابِتَ بِنَفْسِهِ لِمَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ وَشَجَرَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: شَجَرٌ أَنْبَتَهُ إنْسَانٌ، وَشَجَرٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ الْإِنْسَانُ أَوْ لَا فَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي وَهُوَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ بِأَنْ يَنْبُتَ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غَيْلَانَ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ أَرَاضِيَ الْحَرَمِ سَوَائِبُ أَعْنِي أَوْقَافًا

باب مجاوزة الميقات بلا إحرام

وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ أَنْبَتَ فِي مِلْكِهِ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَهَا كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ وَقَوْلُهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (إلَّا مَا جَفَّ) فَإِنَّهُ حَطَبٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ (وَالتَّصَدُّقُ مُتَعَيَّنٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ) أَيْ فِي ذَبْحِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ (وَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ) لَكِنْ يَجُوزُ الطَّعَامُ وَالْهَدْيُ (وَحَرُمَ رَعْيُ حَشِيشِهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَطْعِ وَعِنْدَهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِضَرُورَةِ الزَّائِرِينَ (وَقَطْعُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ) وَقَدْ اسْتَثْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْتِمَاسِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَكُلُّ مَا عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ) بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ (فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ) لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ إحْرَامَيْنِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِي غَيْرِ الْجِمَاعِ دَمٌ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ يَعْنِي بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ لَا مُطْلَقًا لِيَسْتَقِيمَ كُلِّيًّا فَإِنَّ الْمُفْرِدَ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِذَا تَرَكَهُ الْقَارِنُ لَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ (إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَحِينَئِذٍ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ حَقِّ الْوَقْتِ وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ فِيهِ دَمَانِ. (وَإِنْ قَتَلَ مُحْرِمَانِ صَيْدًا فَعَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. (وَإِنْ قَتَلَ حَلَالَانِ صَيْدَ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءَ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ وَهَذَا جَزَاءُ الْمَحَلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ وَلَوْ قَتَلَ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا وَلَوْ قَتَلَهُ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فَعَلَى الْحَلَالِ ثُلُثُ الْجَزَاءِ وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ وَشِرَاؤُهُ) فَلَوْ قَبَضَ فَعَطِبَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ بِفَوَاتِ الْأَمْنِ وَبَيْعَهُ بَعْدَمَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَفْسُدُ بَيْعُهُ. (وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ) حَلَالًا لَوْ مُحْرِمًا (فَوَلَدَتْ وَمَاتَا) أَيْ الظَّبْيَةُ وَالْوَلَدُ (ضَمِنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ. (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ) وَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَالْأَصْلَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّكْفِيرِ لَا وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ يَحِلُّ وَيُكْرَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. [بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ] (بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ) (مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) قَاصِدًا دُخُولَ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ بَلْ أَرَادَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ

الْمَوَاقِيتِ كَالْبُسْتَانِ مَثَلًا لِحَاجَةٍ مَسَّتْ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ كَمَا بَيَّنَ آنِفًا (غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ) بِعَرَفَاتٍ جَازَ حَجُّهُ وَ (لَزِمَهُ دَمٌ) لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْرِمًا) بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ (مُلَبِّيًا سَقَطَ) الدَّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (يَسْقُطُ) الدَّمُ (بِعَوْدِهِ مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يَسْقُطُ لَبَّى، أَوْ لَمْ يُلَبِّ. (وَإِنْ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى هَذَا الْمِيقَاتِ وَإِلَى مِيقَاتٍ آخَرَ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى (قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ سَقَطَ) الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ. (وَكَذَا) يَسْقُطُ الدَّمُ (لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) دَاخِلَ الْمِيقَاتِ (ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِيهَا كَامِلًا بِإِحْرَامٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَنْجَبِرُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ حَقِّ الْمِيقَاتِ بِالْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَإِنْ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ (بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ) لَا بَعْدَمَا شَرَعَ فِي نُسُكٍ (لَا يَسْقُطُ) الدَّمُ لَكِنْ هَلْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ أَمْ تَرْكُهُ. وَفِي الْمُحِيطِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ إذَا عَادَ لَمْ يَعُدْ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ عَادَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ وَلَوْ عَمَّمَ الدَّاخِلَ وَالْمَدْخُولَ لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ كَذَا فَتَبِعَهُ تَبَرُّكًا (لِحَاجَةٍ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) ؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِهِ فَإِذَا وَصَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَوِّزَ هَذِهِ الْحِيلَةَ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي الْبُسْتَانِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقَامَةِ (وَمِيقَاتُهُ) أَيْ الْكُوفِيِّ الدَّاخِلِ فِي الْبُسْتَانِ (الْبُسْتَانُ) لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) لِمَصْلَحَةٍ لَهُ (لَزِمَهُ حَجٌّ، أَوْ عُمْرَةٌ) تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ (فَلَوْ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ (وَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِهِ) ذَلِكَ لَا بَعْدَهُ (سَقَطَ) عَنْهُ (مَا لَزِمَهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ) مِنْ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَسْقُطُ الدَّمُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِهِ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا وَلَوْ قَالَ وَإِحْرَامٌ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ لَشَمَلَ كُلَّ إحْرَامٍ وَاجِبًا حَجًّا أَوْ عُمْرَةً، أَدَاءً أَوْ قَضَاءً كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَإِنْ بَعْدَ عَامِهِ) أَيْ إنْ كَانَ الْعَوْدُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ (لَا يَسْقُطُ) مَا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ

باب إضافة الإحرام إلى الإحرام

قَدْ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِالتَّفْوِيتِ فَلَا يَخْلُصُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا. (وَإِنْ جَاوَزَ مَكِّيٌّ أَوْ مُتَمَتِّعٌ الْحَرَمَ) يُرِيدُ الْحَجَّ (غَيْرَ مُحْرِمٍ فَهُوَ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ الْمُجَاوِزُ صَارَ مَكِّيًّا فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ (وَوُقُوفُهُ) أَيْ وُقُوفُ الْمَكِّيِّ وَالْمُتَمَتِّعِ (كَطَوَافِهِ) أَيْ طَوَافِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ يَعْنِي إذَا جَاوَزَ مَكِّيٌّ، أَوْ مُتَمَتِّعٌ الْحَرَمَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ إنْ عَادَ قَبْلَ الْوُقُوفِ إلَى الْحَرَمِ فَأَحْرَمَ يَسْقُطُ الدَّمُ وَإِنْ عَادَ بَعْدَمَا وَقَفَ فَأَحْرَمَ لَمْ يَسْقُطْ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَطَافَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا عُلِمَ حُكْمُهُ مِمَّا ذُكِرَ آنِفًا كَمَا عُلِمَ حُكْمُ مَكِّيٍّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لِلْعُمْرَةِ، أَوْ حَلَّ إحْرَامُهُ مِنْهُ فَلَوْ اخْتَصَرَ لَكَانَ أَخْصَرَ. [بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ] (إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ) (مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا) وَلَوْ قَالَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِالشَّوْطَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ لَكِنْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَكَذَا وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَرُّكًا (فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) أَيْ الْحَجَّ (وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ) أَمَّا الدَّمُ فَلِأَجْلِ الرَّفْضِ. وَأَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَلِمَكَانِ الْحَجِّ الْفَائِتِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ وَيَقْضِيَهَا وَيَمْضِيَ فِي الْحَجِّ وَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَرْفُضُ وَإِنَّمَا قَالَ طَافَ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ لَهَا الْأَكْثَرَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَرْفُضُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ فَرَغَ مِنْهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِمَكَانِ النَّقْضِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِذَا لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهِمَا وَلَا يَرْفُضُ الْحَجَّ (فَلَوْ أَتَمَّهُمَا) أَيْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ) فَحَجَّ وَفَرَغَ مِنْهُ (ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ) بِحَجٍّ آخَرَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (فَإِنْ كَانَ قَدْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ) قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِلثَّانِي (لَزِمَهُ الثَّانِي) حَتَّى يَقْضِيَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَلَا صَدَقَةَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى نِهَايَتَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ (لَزِمَهُ) الْحَجُّ الثَّانِي (وَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ قَصَّرَ بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي، أَوْ لَمْ يُقَصِّرْ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَصَّرَ فَقَدْ جَنَى عَلَى إحْرَامِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ نُسُكًا فِي إحْرَامِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَقَدْ أَخَّرَ النُّسُكَ عَنْ وَقْتِهِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقُ وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ اتِّبَاعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ، أَوْ لِيَصِيرَ الْحُكْمُ جَارِيًا فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ عَامٌّ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَخُصَّانِ الْوُجُوبَ

باب الإحصار والفوات

بِمَا إذَا حَلَقَ وَالتَّأْخِيرُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مُحَمَّدًا فِي هَذَا مَعَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِآخَرَ (وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ) بِأَنْ أَحْرَمَ وَطَافَ وَسَعَى وَلَمْ يُقَصِّرْ (فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ) جَبْرٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ. (وَلَوْ أَحْرَمَ آفَاقِيٌّ بِحَجٍّ ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِعُمْرَةٍ لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لَلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ لَكِنَّهُ أَسَاءَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ بِتَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ (فَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) ، أَوْ أَكْثَرِهَا (فَقَدْ رَفَضَهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ إذْ بِنَاءُ أَفْعَالِهَا عَلَى أَفْعَالِهِ مَشْرُوعٌ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِيرُ رَافِضًا (لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ رَافِضًا (لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَلَمْ يَقِفْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ (فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (بَعْدَ طَوَافِهِ لِلْحَجِّ) طَوَافَ التَّحِيَّةِ (نُدِبَ رَفْضُهَا) لِتَأَكُّدِ إحْرَامِهِ بِطَوَافِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ (وَيَقْضِيهَا) لِلْحَجِّ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِرَفْضِهَا (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِمَا) أَيْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ بِأَنْ يُقَدِّمَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ (صَحَّ وَلَزِمَهُ دَمٌ) لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا (وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ. (وَإِنْ أَهَلَّ الْحَاجُّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَزِمَتْهُ) أَيْ لَزِمَتْ الْعُمْرَةُ الْحَاجَّ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ صَحِيحٌ. (وَلَزِمَهُ رَفْضُهَا) أَيْ لَزِمَ رَفْضُ الْعُمْرَةِ الْحَاجَّ كَيْ لَا يَبْنِيَ أَفْعَالَهَا عَلَى أَفْعَالِهِ مَعَ كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. (وَ) لَزِمَهُ (قَضَاؤُهَا) تَحْصِيلًا لِمَا فَاتَهُ مَعَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ. (وَ) لَزِمَهُ (دَمٌ) لِلرَّفْضِ (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ دَمُ كَفَّارَةٍ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِفَوْتِ الْوُقُوفِ (فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ الرَّفْضُ) أَيْ رَفْضُ مَا أَحْرَمَ بِهِ (وَ) لَزِمَهُ (الْقَضَاءُ) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ (وَ) لَزِمَهُ (الدَّمُ) لِرَفْضِهِ بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ. [بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ] أَيْ فَوَاتِ الْحَجِّ، وَالْإِحْصَارُ لُغَةً الْمَنْعُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَشَرْعًا الْمَنْعُ عَنْ الْحَجِّ وَالْوُقُوفِ مَعًا، أَوْ الْعُمْرَةُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ مَنْعُ الْخَوْفِ، أَوْ الْمَرَضِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِهَذَيْنِ تَدَبَّرْ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَتَحَلَّلَ إلَّا بِذَبْحٍ أَوْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ (إنْ أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ) مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ (أَوْ مَرَضٍ) زَادَ بِالذَّهَابِ، أَوْ الرُّكُوبِ (أَوْ عَدَمِ مَحْرَمٍ) لِمَرْأَةٍ بِأَنْ مَاتَ مَحْرَمُهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا فَوْقَهَا (أَوْ ضَيَاعُ نَفَقَةٍ) . وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا إحْصَارَ إلَّا بِالْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مُحْصَرِينَ بِالْعَدُوِّ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَارَ هُوَ الْمَنْعُ وَالْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ (فَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ شَاةً) ، أَوْ قِيمَتَهَا

لِيَشْتَرِيَ بِمَكَّةَ (تُذْبَحُ عَنْهُ فِي الْحَرَمِ) . وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَذْبَحَ، أَوْ يَطُوفَ وَيَكْفِيهِ سُبْعُ بَدَنَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْهَدْيَ فَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الطَّعَامَ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ) ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مَوْقُوفٌ عَلَى الذَّبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ زَمَانِهِ حَتَّى يَقَعَ التَّحَلُّلُ بَعْدَهُ وَالتَّعَيُّنُ مُحْتَاجٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عِنْدَهُمَا (وَيَتَحَلَّلُ بَعْدَ ذَبْحِهَا مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمُحْصَرُ (قَارِنًا يَبْعَثُ دَمَيْنِ) لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْعَثُ دَمًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِذَبْحِ أَحَدِهِمَا وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لِلْحَجِّ وَالْآخَرِ لِلْعُمْرَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ دَمًا لَمْ يَتَحَلَّلْ بِذَبْحِهِ عَنْ أَحَدِ الْإِحْرَامَيْنِ (وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ (لَا فِي الْحِلِّ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَذْبَحُ فِي مَوْضِعٍ أُحْصِرَ فِيهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ) ذَبْحُهَا (قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ كَانَ مُحْصَرًا) بِفَتْحِ الصَّادِ (بِالْحَجِّ) وَإِنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْعُمْرَةِ يَجُوزُ وَلَا يَتَوَقَّفُ بِالزَّمَانِ إجْمَاعًا (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ) فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا إذَا تَحَلَّلَ (قَضَاءُ حَجٍّ) مِنْ قَابِلٍ لِلُزُومِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ (وَعُمْرَةٍ) لِأَنَّ عَلَى فَائِتِ الْحَجِّ التَّحَلُّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَكِنْ إذَا قَضَاهُ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَوْ قَضَاهُ مِنْ قَابِلٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَإِنْ شَاءَ قَرَنَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ حَجٌّ لَا غَيْرَ (وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ) الْمُحْصَرِ قَضَاءُ (عُمْرَةِ) الْإِحْصَارِ عَنْهَا مُتَحَقِّقٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَعَلَى الْقَارِنِ) الْمُحْصَرِ (حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) الْأُولَى لِلْقِرَانِ وَالثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا كَالْفَائِتِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ لَا عُمْرَتَانِ (فَإِنْ زَالَ الْإِحْصَارُ بَعْدَ بَعْثِ الدَّمِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُدْرِكَ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ، أَوْ لَا يُدْرِكَهُمَا، أَوْ يُدْرِكَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي، أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَفْصِيلُهَا قَوْلُهُ (وَأَمْكَنَهُ) أَيْ الْمُحْصَرَ (إدْرَاكُهُ) أَيْ الْهَدْيِ (قَبْلَ ذَبْحِهِ وَ) أَمْكَنَهُ (إدْرَاكُ الْحَجِّ) بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَ الْمُضِيُّ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُدْرِكَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ (وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهُ) أَيْ الْهَدْيِ (فَقَطْ تَحَلَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ. (وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُ الْحَجِّ فَقَطْ جَازَ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْحَجِّ لِمَا مَرَّ أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ بِالْحَجِّ يَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ ضَرُورَةً وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يُتَصَوَّرُ

باب الحج عن الغير

فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُمَا فِيهِ كَجَوَابِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ) أَيْ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ (فَهُوَ مُحْصَرٌ) سَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا فَيَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْمَنْعَ بِمَكَّةَ لَيْسَ بِإِحْصَارٍ بَعْدَمَا صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ) لِأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ يَتِمُّ حَجُّهُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَارُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَلُّلِ بِالْهَدْيِ كَفَائِتِ الْحَجِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحْصَرٌ بِالْمَنْعِ عَنْ أَحَدِهِمَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيَتَحَلَّلْ) عَنْ إحْرَامِهِ (بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) فَيَطُوفُ وَيَسْعَى بِلَا إحْرَامٍ جَدِيدٍ لَهَا (وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ دَمٌ (وَلَا فَوْتَ لِلْعُمْرَةِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَهِيَ إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) فَالْإِحْرَامُ شَرْطُهَا وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رُكْنَاهَا (وَيَجُوزُ) الْعُمْرَةُ (فِي كُلِّ السَّنَةِ) أَيْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ (وَ) لَكِنْ (تُكْرَهُ) الْعُمْرَةُ (يَوْمَ عَرَفَةَ وَ) يَوْمَ (النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَصْلًا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ) . [بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ] إدْخَالُ اللَّازِمِ عَلَى غَيْرِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ مَلْزُومُ الْإِضَافَةِ وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ كَوْنَ عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ قَدَّمَ مَا تَقَدَّمَ (تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ) كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ فَالْعِبْرَةُ لِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ لَا نِيَّةِ الْوَكِيلِ (وَلَا تَجُوزُ فِي الْبَدَنِيَّةِ) الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ (بِحَالٍ) مِنْ الْأَحْوَالِ لَا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ وَلَا فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إتْعَابُ النَّفْسِ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ (وَفِي الْمُرَكَّبِ) الْأَوْلَى، وَفِي الْمُرَكَّبَةِ (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ (كَالْحَجِّ يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ) لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ (لَا) تَجُوزُ (عِنْدَ الْقُدْرَةِ) لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ نَظَرًا إلَى كَوْنِهِ بَدَنِيًّا فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْعَجْزِ عَنْ الْغَيْرِ (الْمَوْتُ) أَيْ مَوْتُ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ (أَوْ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى الْمَوْتِ) إذَا كَانَ الْعَجْزُ يُرْجَى

زَوَالُهُ غَالِبًا كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ وَغَيْرِهِمَا فَأَحَجَّ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ فَلَوْ زَالَ عَجْزُهُ صَارَ مَا أَدَّى تَطَوُّعًا لِلْآمِرِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ زَالَ الْعَجْزُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَأْمُورِ عَنْ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنْ زَالَ قَبْلَهُ فَعَنْ النَّفْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ الْعُذْرُ، أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ وَافِيَةٍ بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ، تَدَبَّرْ. (وَإِنَّمَا شَرْطُ الْعَجْزِ لِلْحَجِّ الْفَرْضِ لَا لِلنَّفْلِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَصِحُّ بِلَا شَرْطٍ وَيَكُونُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ لِلْآمِرِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا ثَوَابُ النَّفْلِ فَالْمَأْمُورُ يَجْعَلُهُ لِلْآمِرِ وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَمَنْ عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ (فَأَحَجَّ) أَيْ أَمَرَ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ (صَحَّ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا أَحَجَّ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ عَجَزَ وَاسْتَمَرَّ لَا يَجْزِيهِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ (وَيَقَعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآمِرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنَّهُ تُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمَأْمُورِ بِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَقَالَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ (وَيَنْوِي النَّائِبُ عَنْهُ) حَتَّى لَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ عَنْهُ وَضَمِنَ النَّفَقَةَ (فَيَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ عَنْ فُلَانٍ) عِنْدَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ (وَيَرُدُّ) النَّائِبُ (مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ إلَى الْوَصِيِّ أَوْ الْوَرَثَةِ) ، فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَى مَنْ أَحَجَّ لِيَشْمَلَ مَنْ عَجَزَ فَأَحَجَّ تَدَبَّرْ (وَيَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ وَيُقَالُ صَرُورَةً وَصَرَارَةٌ وَصَارُورَةٌ وَصَارُورٌ وَصَرُورِيٌّ صنوصاروراء كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ إلَى عَامٍ قَابِلٍ وَيَحُجَّ لِنَفْسِهِ، أَوْ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى أَهْلِهِ بِمَالِهِ وَإِنْ فَقِيرًا فَلْيَحْفَظْ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ (وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ) الْمَأْذُونُ لِوُجُودِ أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى) لِيَقَعَ حَجُّهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَلِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَيُكْرَهُ إحْجَاجُ الْأُنْثَى وَالْعَبْدِ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ. (وَمَنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا ضَمِنَ نَفَقَتَهُمَا) إنْ أَنْفَقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ أَنْ يُخْلِصَ لَهُ الْحَجَّ وَأَنْ يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا يَكُونُ عَنْ أَحَدِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (وَالْحَجَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَاجِّ. (وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ) بِأَنْ نَوَى أَحَدَهُمَا

غَيْرَ مُعَيِّنٍ (ثُمَّ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْمُضِيِّ صَحَّ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ وَسِيلَةً وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ وَضَمِنَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّعْيِينِ وَالْإِبْهَامُ يُخَالِفُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا إذَا أُمِرَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ وَآخَرُ بِالْعُمْرَةِ فَقَرَنَ بَيْنَهُمَا إلَّا إذَا أَذِنَا بِالْجَمْعِ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمُضِيِّ (لَا) يَصِحُّ تَعْيِينُهُ اتِّفَاقًا (وَدَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ عَلَى الْمَأْمُورِ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ يَقَعُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعٌ شَرْعِيٌّ وَوُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ سَبَبٌ عَنْ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ الصَّادِرِ عَنْ الْمَأْمُورِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَكَذَا) يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ (دَمُ الْجِنَايَةِ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي وَأُطْلِقَ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ فَشَمَلَ دَمَ الْجِمَاعِ وَدَمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَدَمَ الْحَلْقِ وَدَمَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَدَمَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي دَمِ الْجِنَايَةِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِدُخُولِهِ فِي الْعُهْدَةِ بِأَمْرِهِ فَعَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ) الْمَحْجُوجُ عَنْهُ (مَيِّتًا فَفِي مَالِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى وَمَاتَ فَإِنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ وَاجِبٌ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَقِيلَ فِي كُلِّهِ عِنْدَهُمَا، وَفِي مَالِ الْمَأْمُورِ عِنْدَهُ وَلَوْ قَالَ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ مَيِّتًا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى. (وَإِنْ جَامَعَ) الْمَأْمُورُ (قَبْلَ الْوُقُوفِ ضَمِنَ النَّفَقَةَ) لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا بِالْإِفْسَادِ. (وَإِنْ مَاتَ الْمَأْمُورُ) وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْحَاجُّ بِنَفْسِهِ فَأَوْصَى بِالْحَجِّ (فِي الطَّرِيقِ) بَعْدَمَا أَنْفَقَ بَعْضَ النَّفَقَةِ (يَحُجُّ عَنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ) أَيْ الْمُوصِي، أَوْ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ قِيَاسًا عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا اتَّحَدَ مَكَانُهُمَا فَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ مِنْ مَكَّةَ يَحُجُّ عَنْهُ وَالْمَالُ وَافٍ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَافِيًا بِهِ يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ يُمْكِنُ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ) مَجْمُوعِ (مَالِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَثَلًا ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ الْأَلْفَ فَسُرِقَ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْأَلْفَيْنِ سِتِّمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِينَ (وَعِنْدَهُمَا) يَحُجُّ (مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْمَأْمُورُ) بِالْحَجِّ (لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَحُجُّ عَنْهُ (بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ) الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَثَلًا أَرْبَعَةَ آلَافٍ فَدَفَعَ الْأَلْفَ فَسُرِقَ يَحُجُّ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَدَفَعَ الْأَلْفَ فَسُرِقَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَحُجُّ عَنْهُ (بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ) ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ) ، أَوْ غَيْرِهِمَا (ثُمَّ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحَجِّ عَنْهُمَا وَمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَكُونُ حَاجًّا عَنْهُ

باب الهدي

بَلْ يَكُونُ جَاعِلًا ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ وَنِيَّتُهُ عَنْهُمَا لَغْوٌ (وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ) هَذَا وَقَعَ فِي مَعْرِضِ الْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ. [بَابُ الْهَدْيِ] ِ) (هُوَ) اسْمُ مَا يُهْدَى مِنْ النِّعَمِ إلَى الْحَرَمِ لِيَتَقَرَّبَهُ (مِنْ إبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ) وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَقَلُّهُ شَاةٌ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الْهَدْيِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَيُجْزِئُ فِيهِ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي الْكُلِّ أَيْ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهَا (إلَّا إذَا طَافَ لِلزِّيَادَةِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ (جُنُبًا أَوْ جَامَعَ بَعْدَ وُقُوفِ عَرَفَةَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ) ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعْمِيمَ فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَوْ جَزُورًا لَا تُجْزِيهِ الشَّاةُ (وَيَأْكُلُ) اسْتِحْبَابًا (مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ) إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ (وَالْمُتْعَةُ وَالْقِرَانُ) إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ (لَا) يَأْكُلُ (مِنْ غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَخُصَّ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا) أَيْ يَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَ) خُصَّ (الْكُلُّ بِالْحَرَمِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّمَاءَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ التَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ وَالتَّطَوُّعُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ عَكْسَهُ وَهُوَ دَمُ الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا وَهُوَ دَمُ النُّذُورِ وَعِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ الْهَدْيِ (عَلَى فَقِيرِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْفُقَرَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَخْتَصُّ بِهِ (وَيَتَصَدَّقُ بِجُلِّهِ) وَهُوَ بِالضَّمِّ مَا يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ (وَحِطَامِهِ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ حَبْلٌ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَعِيرِ (وَلَا يُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ) أَيْ الذَّابِحِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْهَدْيِ وَلَكِنْ لَوْ تَصَدَّقَ شَيْئًا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ

مسائل منثورة في كتاب الحج

(وَلَا يَرْكَبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ (إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ أَنْ يَرْكَبَهُ بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُهْزِلَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ (فَإِنْ نَقَصَ بِرُكُوبِهِ) شَيْءٌ مِنْهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ النُّقْصَانَ (وَلَا يَحْلِبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ إذَا كَانَ لَهُ لَبَنٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ (فَإِنْ حَلَبَهُ) وَانْتَفَعَ بِهِ، أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْغَنِيِّ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ، أَوْ صُوفِهِ (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِاللَّبَنِ (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِيَنْقَطِعَ لَبَنُهُ) قَالُوا هَذَا إذَا قَرُبَ مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ وَأَمَّا إذَا أُبْعِدَ عَنْهُ فَيُحْلَبُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ فَإِنَّهُ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ وَلَدَ الْهَدْيُ ذُبِحَ مَعَ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ (فَإِنْ عَطِبَ) بِالْكَسْرِ أَيْ هَلَكَ (الْهَدْيُ الْوَاجِبُ، أَوْ تَعَيَّبَ) عَيْبًا (فَاحِشًا) يَمْنَعُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ (أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْعَيْبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمِلْكِهِ وَإِنْ عَطِبَ أَيْ قَرُبَ إلَى الْعَطَبِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْعَطَبِ لَا يُتَصَوَّرُ (التَّطَوُّعُ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ) أَيْ قِلَادَتَهُ (بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ) أَيْ بِنَعْلِهِ (صَفْحَتَهُ) أَيْ صَفْحَةَ سَنَامِهِ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَلَا غَنِيٌّ) لِعَدَمِ تَمَامِ الْقُرْبَةِ وَفَائِدَةُ الْفِعْلِ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُتْرَكَ لَحْمًا لِلسِّبَاعِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ (وَتُقَلَّدُ بَدَنَةُ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) ؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ نُسُكٍ (لَا) يُقَلَّدُ (غَيْرُهَا) كَدِمَاءِ الْجِنَايَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ، وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ لَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْمُحِيطِ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ. [مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي كِتَاب الْحَجّ] مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ وَيُتَرْجِمُوا عَنْهُ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ، أَوْ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ (شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ بَطَلَتْ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَالْحَجُّ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى أَمْرٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ وَالْحَجُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامًّا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ صِيَانَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ. (وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ) أَيْ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفُوا فِيهِ (يَوْمُ التَّرْوِيَةِ صَحَّتْ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ فَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ أَنْ

يَقِفَ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّتَهُ فَاتَهُمْ الْحَجُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي لَفْظِ الْجَمْعِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ جَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْكَافِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهْيِيجًا لِلْفِتْنَةِ. (وَمَنْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) وَرَمَى الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ (فَإِنْ شَاءَ رَمَاهَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ الْكُلَّ) رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ. (مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْحَجَّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّ الْمَشْيَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَيَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ مَشْيَهُ مَكْرُوهٌ (وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَفْعَالِهِ (فَإِنْ رَكِبَ لَزِمَهُ دَمٌ) وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ (حَلَالٌ اشْتَرَى أَمَةً مُحْرِمَةً بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (فَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (أَنْ يُحَلِّلَهَا) وَالْأَوْلَى تَحْلِيلُهَا (بِقَصِّ شَعْرٍ، أَوْ قَلْمِ ظُفْرٍ قَبْلَ الْجِمَاعِ) . (وَمِنْ الْمُهِمَّاتِ) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى اسْتِحْبَابِهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْظُورَاتِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ خَاصَّةٌ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ عِنْدَنَا وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ حَرَمٌ فِي حَقِّ الصُّيُودِ وَالْأَشْجَارِ وَغَيْرِهِمَا الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ حَجُّ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ بِخِلَافِ النَّفْلِ لَا يَتَزَوَّجُ الْمُقْتَدِرُ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ جَازَ حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَالشَّافِعِيِّ. وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَفُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهَا وَمِنْ أَحْسَنِ الْمَنْدُوبَاتِ بَلْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ زِيَارَةُ قَبْرِ نَبِيِّنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ حَرَّضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى زِيَارَتِهِ وَبَالَغَ فِي النَّدْبِ إلَيْهَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا يُهِمُّهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ شَفِيعًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ «لَا عُذْرَ لِمَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ مِنْ أُمَّتِي وَلَمْ يَزُرْنِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ صَلَّى عَلَى قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ» وَقَوْلُهُ «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ زَارَنِي إلَى الْمَدِينَةِ مُتَعَمِّدًا كَانَ فِي جِوَارِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ إذَا لَمْ يَقَعْ

فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ ثُمَّ يُثَنِّي بِالزِّيَارَةِ فَإِذَا نَوَاهَا فَلْيَنْوِ مَعَهَا زِيَارَةَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا يُكْثِرُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ أَشْرَفُ التَّحِيَّاتِ وَأَفْضَلُ التَّسْلِيمَاتِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ اغْتَسَلَ بِظَاهِرِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، أَوْ تَوَضَّأَ وَلَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَلَبِسَ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَكُلَّ مَا كَانَ أَدْخَلَ فِي الْأَدَبِ وَالْإِجْلَالِ فَعَلَهُ وَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] . الْآيَةُ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك وَرَحْمَتِك وَارْزُقْنِي زِيَارَةَ قَبْرِ رَسُولِك الْمُجْتَبَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا رَزَقْتَ أَوْلِيَاءَكَ وَأَهْلَ طَاعَتِك وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَلْيَكُنْ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا بِكَمَالِ الْأَدَبِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَيَدْخُلُ مِنْ الْبَابِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاصِدًا الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَيُصَلِّي عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكْعَتَيْنِ يَقِفُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودُ الْمِنْبَرِ بِحِذَاءِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَسْجُدُ شُكْرًا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ وَيَدْعُو بِمَا يُحِبُّ، ثُمَّ يَنْهَضُ فَيَتَوَجَّهُ إلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ وَلَا يَدْنُو مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى جِدَارِ التُّرْبَةِ الشَّرِيفَةِ فَهُوَ أَهْيَبُ وَأَعْظَمُ لِلْحُرْمَةِ وَيَقِفُ كَمَا يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ وَنَصَحْتَ الْأُمَّةَ وَكَشَفْتَ الْغُمَّةَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَازَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ اللَّهُمَّ أَعْطِ سَيِّدَنَا عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُبَارَكَ عِنْدَكَ سُبْحَانَكَ أَنْتَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ، وَأَعْظَمُ الْحَاجَاتِ سُؤَالُ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ الْكُبْرَى وَأَتَوَسَّلُ بِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَثَانِيهِ فِي الْغَارِ وَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكَ وَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ كَذَلِكَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ الْفَارُوقَ أَنْتَ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِكَ الْإِسْلَامَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَيْرًا، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى حِيَالِهِ وَجْهَ

النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَفْعَلُ مَا شَاءَ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبَقِيعِ وَيَزُورَ الْقُبُورَ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا كَقَبْرِ عُثْمَانَ وَعَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقُبُورِ صَاحِبِ الْأَصْحَابِ الْأَبْرَارِ وَالْآلِ الْأَخْيَارِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَسَائِرِ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ لَنَا سَابِقُونَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَفْعَلُ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَا دَامَ سَاكِنًا فِيهَا فَإِذَا عَزَمَ إلَى السَّفَرِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَدِّعَ فِي الْمَسْجِدِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «صَلَاةً فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَيَدْعُو بَعْدَهُ بِمَا أَحَبَّ وَأَنْ يَأْتِيَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُ دَارَ النَّعِيمِ وَيُوَصِّلَهُ إلَى أَهْلِهِ سَالِمًا غَانِمًا بِخَيْرِ عَاقِبَةٍ وَحُسْنِ عَافِيَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُمْكِنُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْجِيرَانِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ بَاكِيًا حَزِينًا عَلَى فِرَاقِ الْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَمِنْ السُّنَنِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَإِذَا دَخَلَ بَلَدَهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينَ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَّيْنَ وَنَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَنَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِيهَا قَرَارًا وَارْزُقْنِي رِزْقًا حَسَنًا طَيِّبًا حَلَالًا مُبَارَكًا وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْحَجِّ الشَّرِيفِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا اكْتَسَبَ وَمَا فَعَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّنُوبِ عَسَى رَبُّهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَأَنْ يُرْضِيَ خُصُومَهُ وَيَقْضِيَ دُيُونَهُ إلَّا مَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ إلَى أَهْلِهَا وَيَتْرُكَ نَفَقَةَ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَيَسْتَصْحِبَ نَفَقَةً طَيِّبَةً قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُونَ عَلَى رِفْقٍ مَعَ رُفَقَائِهِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وَعَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَطْوَارِ وَيَفْعَلُ مَا لَا يَتَأَلَّمُ مِنْهُ الْخَلْقُ وَلَا يَتَأَذَّى وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ فَإِذَا تَوَجَّهَ السَّفَرَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالتَّيْسِيرَ لِمَا أَرَادَ وَالْحِفْظَ مِنْ شَرِّ الْعِبَادِ وَالطُّغَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا يَطِيبُ قَلْبُهُ مِنْ أَطْيَبِ الْأَمْوَالِ مِنْ مَالِهِ الْحَلَالِ وَيَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، ثُمَّ يُوَدِّعُ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَسَائِرَ مَنْ حَضَرَ

كتاب النكاح

وَيَقُولُ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَدُنْيَاكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ وَيَقُولُ لَهُ أَهْلُهُ عِنْدَ التَّوْدِيعِ سِرْ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَكَنَفِهِ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَجَنَّبَكَ الْخَبَائِثَ وَالرَّدَى وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَوَجَّهَكَ لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا كُنْتَ وَتَوَجَّهْتَ وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ بَابِ مَنْزِلِهِ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَخَتَمَهَا وَإِذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ يَقُولُ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَجَعَلَنَا أُمَّةَ حَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ اللَّهُمَّ اطْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَسَيِّرْنَا فِيهَا بِطَاعَتِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَأَطْلُبُ مِنْكَ الْعَوْنَ وَالْعِنَايَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، أَوْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَوْ يَوْمِ السَّبْتِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَيَقُولُ فِي نُزُولِهِ فِي الْمُنْزَلِ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ وَإِذَا حَطَّ رَحْلَهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ كُلِّهَا مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اعْطِنَا خَيْرَ هَذَا الْمُنْزَلِ وَخَيْرَ مَا فِيهِ وَاكْفِنَا شَرَّهُ وَشَرَّ مَا فِيهِ وَإِذَا رَحَلَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا فِي مُنْقَلَبِنَا وَمَثْوَانَا اللَّهُمَّ كَمَا أَخْرَجْتَنَا مِنْ مَنْزِلِنَا هَذَا سَالِمِينَ بَلِّغْنَا غَيْرَهُ آمِنِينَ وَيَكُونُ الْأَمْرُ كَذَا فِي كُلِّ مُنْزَلٍ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا زِيَارَةَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِحُرْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى حَالٍ سِوَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] ِ أَخَّرَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ مُعَامَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَعِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي عَنْهُ لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ النَّفْسِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُبَاهَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَوْسِعَةِ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِح الْمُسْلِمِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَإِعْفَافِ الْحُرَمِ وَنَفْسِهِ وَدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهُنَّ وَأَمَّا مَعْنَى الْمُعَامَلَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي هُوَ عِوَضُ الْبُضْعِ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالشَّهَادَةُ وَدُخُولُهُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مَفْهُومِهِ لُغَةً فَقِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَمَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ وَبِهِ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ

أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهِ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ الْمُقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَلَهُ شَرْطٌ خَاصٌّ بِهِ وَهُوَ سَمَاعُ اثْنَيْنِ وَشُرُوطُهُ الَّتِي لَا تَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ وَتَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَاللَّفْظِ الْقَائِمِ وَحُكْمُهُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا وَوُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَعَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ نُقِلَ إلَى الْعَقْدِ فَصَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَلِذَا أَخَذَ فِي تَعْرِيفِهِ فَقَالَ (هُوَ عَقْدٌ يُرَدُّ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ) أَيْ حِلِّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ بَلْ الْأَجْزَاءُ الْمُرْتَبِطَةُ دُونَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ عِلَلًا أَرْبَعًا فَالْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَادِّيَّةُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالصُّورِيَّةُ الِارْتِبَاطُ الَّذِي يَعْتَبِرُ الشَّرْعُ وُجُودَهُ وَالْغَائِيَّةُ الْمَصَالِحُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّكَاحِ (قَصْدًا) احْتِرَازًا عَمَّا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا كَمَا إذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَشِرَاءِ جَارِيَةٍ لِلتَّسَرِّي فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا. وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مَقْصُودًا كَمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِتَخَلُّفِهِ عَنْهُ فِي شِرَاءِ مَحْرَمِهِ نَسَبًا وَرِضَاعًا وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ. (يَجِبُ عِنْدَ التَّوَقَانِ) وَهُوَ الشَّوْقُ الْقَوِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ اللَّازِمُ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْهُ فَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَشْيَاخِنَا إلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلَاتِ. (وَيُكْرَهُ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ رِعَايَةِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ إنَّمَا هِيَ لِتَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ بِالْوَلَدِ وَاَلَّذِي يَخَافُ الْجَوْرَ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَقَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنَّ النُّصُوصَ لَمْ تَنْهَضْ بِهَا فَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ. (وَيُسَنُّ مُؤَكَّدًا حَالَةَ الِاعْتِدَالِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَقَالَ «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ» وَذَهَبَ دَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَكَّافِ بْنِ خَالِدٍ أَلَكَ امْرَأَةٌ قَالَ لَا قَالَ تَزَوَّجْ فَإِنَّكَ مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى، وَفِي آخِرِهِ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَأَرَاذِلُ أَمْوَاتِكُمْ عُزَّابُكُمْ وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ

وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ ذَكَرَ أَرْكَانَ الدِّينِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَوْنُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ. (وَيَنْعَقِدُ) أَيْ يَحْصُلُ وَيَتَحَقَّقُ النِّكَاحُ فِي الْوُجُودِ (بِإِيجَابٍ) فِي مَجْلِسٍ وَالْإِيجَابُ شَرْعًا لَفْظٌ صَدَرَ عَنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوَّلًا رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْجَوَابُ عَلَى الْآخَرِ بِنَعَمْ أَوْ لَا وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ (وَقَبُولٌ) هُوَ لَفْظٌ صَدَرَ عَنْ الْآخَرِ ثَانِيًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى وَرَقَةٍ مَثَلًا لِامْرَأَةٍ زَوِّجْنِي نَفْسَكَ فَكَتَبَتْ تَحْتَهُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَنْعَقِدُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَإِلَى أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (كِلَاهُمَا) يَكُونَانِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي) ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَمَّا كَانَ الْإِنْشَاءَ وَالْإِثْبَاتَ اُخْتِيرَ لَهُ لَفْظُ الْمَاضِي الدَّالُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالْوُقُوعِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ لِيَشْمَلَ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا وَهُوَ الصَّادِرُ مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَيَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ أَحَدُهُمَا) يَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي (كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ) قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَضْعًا لِلْمَاضِي كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا بِمَا وُضِعَا أَيْ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي وَالْآخَرُ لِلِاسْتِقْبَالِ يَعْنِي الْأَمْرَ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِقْبَالِ كَزَوِّجْنِي وَزَوَّجْتُ وَإِنَّمَا عَطَفَ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَا عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَلَا الْقَبُولِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعَادَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ الَّذِينَ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ لَيْسَا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ قَوْلُهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ حُكْمًا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ كَأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ثَانِيًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ أَنَّ مَا وُضِعَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فَقَصَدَا الِاخْتِصَارَ فَقَالَ الْأَوَّلُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لَفْظُهُمَا مَاضٍ كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ، أَوْ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ وَقَالَ الثَّانِي وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي، أَوْ أَحَدُهُمَا انْتَهَى، لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَصَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَالْقَابِلِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ هَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظَ الْمُفِيدَ قَصْدَ تَحْقِيقِ

الْمَعْنَى أَوَّلًا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلِمْتُ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ، أَوْ تَوْكِيلٌ فَمَا فِي الْكَنْزِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الدُّرَرِ؛ لِأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ كَتَوْجِيهِ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ مَعَ أَنَّهُ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ تَتَبَّعْ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَعْلَمَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (مَعْنَاهُمَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مُسْتَقْبَلًا أَوْ أَمْرًا مُرَادًا بِهِ الْإِيجَابُ إذْ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْعِلْمِ، ثُمَّ إنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مَعَ الْهَزْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ. (وَلَوْ قَالَ " دادي أَوْ يذيرفتى " فَقَالَ " داد، أَوْ يذيرفت " بِلَا مِيمٍ) مُتَّصِلَةٍ بِهِمَا (صَحَّ) الْعَقْدُ لِمَكَانِ الْعُرْفِ فَإِنَّ جَوَابَ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ قَدْ يُذْكَرُ بِالْمِيمِ وَبِدُونِهِ وَالْمِيمُ أَحْوَطُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا " داد " بِدُونِ قَوْلِهِ " يذيرفت " إلَّا إذَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ " دادي " التَّحْقِيقُ دُونَ السَّوْمِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا " ده ". وَقَالَ الْآخَرُ " دادم، أَوْ داد " فَيَكُونُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ " ده " أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ مِثْلُ زَوِّجْنِي وَإِلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِدُونِ قَوْلِهِمَا " بزنى ". وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُذَكَّرَ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِمَا " فروخت وخريد " بِلَا مِيمٍ بَعْدَ " فروختي وخريدي ". (وَلَوْ قَالَا عِنْدَ الشُّهُودِ) جَمْعُ شَاهِدٍ مَعَ كِفَايَةِ الشَّاهِدَيْنِ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ فِي النِّكَاحِ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْكَلَامَ هَهُنَا فِيمَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ لَا فِي شُرُوطِهِ مَعَ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطُ الْكُلِّ (" مازن وشويم ") أَيْ نَحْنُ زَوْجَانِ وَلَفْظُ زن عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الزَّوْجَةُ كَمَا أَنَّ شوى مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ (لَا يَنْعَقِدُ) عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا إذَا قَالَ هَذِهِ امْرَأَتِي وَقَالَتْ هَذَا زَوْجِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَصُحِّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ بِالْإِقْرَارِ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْفَتْحِ إذَا أَقَرَّا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إذَا قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ. (وَإِنَّمَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (بِلَفْظِ نِكَاحٍ) وَإِنْكَاحٍ (وَتَزْوِيجٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا صَرِيحَانِ فِيهِ (وَمَا وُضِعَ) أَيْ يَصِحُّ بِلَفْظٍ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَحُكِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ إنْ قُيِّدَتْ بِالْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ أَوْصَيْتُ بِابْنَتِي لَكَ الْآنَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ عَدَمِ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي الْحَالِ مَجَازٌ بِقَرِينَةِ الْآنَ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ الْكَلَامَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَضْعِ فِي الْمَجَازِ وَيُرَادُ مِنْ الْوَضْعِ هَاهُنَا أَعَمُّ مِنْهُ لَكِنَّهُ بَعِيدُ تَأَمُّلٍ. وَقَالَ

الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا (وَهِبَةٍ) ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: وَهَبْتُ نَفْسَكِ مِنْكِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّهِ، قُلْنَا وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: تَزَوَّجِي إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ تَطْلُقُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَعْنَى غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قَالُوا. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ زِنًا فَقَالَتْ: وَهَبْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَقَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْكِينٌ مِنْ الزِّنَا، وَلَيْسَ بِهِبَةٍ حَقِيقَةً (وَصَدَقَةٍ وَتَمْلِيكٍ) وَعَطِيَّةٍ وَمِلْكٍ وَجُعْلٍ وَفِي الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ السَّلَمِ إنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلَمًا فِيهَا خِلَافٌ قِيلَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالسَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ الْمَجَازِيَّ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعًا. وَفِي الصَّرْفِ قَوْلَانِ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا يَتَعَيَّنُ وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ. وَفِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي فِي الْمُخْتَصَرِ، وَكَذَا يَنْعَقِدُ فِي الْقَرْضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ كَلَفْظِ الْهِبَةِ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَالْوَلْوالِجِيَّة؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْحَيَوَانَاتِ فَلَا يَصِيرُ سَبَبًا لِحُكْمِ النِّكَاحِ انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْمَعْنَى فِي الْمَجَازِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَفِي جَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَالًّا إنْ ذَكَرَ الْمَهْرَ وَإِلَّا فَبِالنِّيَّةِ، انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشُّهُودِ وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالنِّيَّةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، أَوْ يَدَّعِي كِفَايَةَ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الشُّهُودِ بِهَا وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (لَا بِإِجَارَةٍ) أَيْ لَا يَنْعَقِدُ إذَا قَالَ آجَرْتُكَ بِنْتِي بِكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَا وُضِعَتْ لِتَمْلِيكِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مُؤَقَّتًا وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مُؤَبَّدًا حُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ انْعِقَادُهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا (وَإِبَاحَةً وَإِعَارَةً) أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْفِدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِحْلَالِ وَالرِّضَى وَالْإِجَازَةِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِإِضَافَتِهِ لِجُزْءٍ شَائِعٍ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ خِلَافُهُ، وَكَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ كَتَجَوَّزْتُ مَكَانَ تَزَوَّجْتُ كَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الدِّيَارِ مِنْ الْعَوَامّ عَلَى طَرِيقِ الْغَلَطِ أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ وَتَصْدُرُ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْهَا فَفِيهِ قَوْلٌ بِانْعِقَادِ

شروط صحة النكاح

النِّكَاحِ بِهَا حَتَّى أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا صُدُورُهَا لَا عَنْ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبُ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ فَبِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ الِاسْتِعْمَالُ صَحِيحًا فَلَا يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا كَمَا فِي التُّوَيْجِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَقِدُ بِاللُّغَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَصْدُرُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَاسْتِعْمَالٍ رَجِيحٍ بِخِلَافِ لَفْظِ تَجَوَّزْتُ فَإِنَّهُ يَصْدُرُ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا (وَوَصِيَّةٍ) أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ وَصِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ. [شُرُوط صِحَّةِ النِّكَاحِ] (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ النِّكَاحِ (سَمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَا زَوْجَيْنِ، أَوْ غَيْرَهُمَا لَكِنْ يُشْكِلُ الْإِطْلَاقُ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَبِمَا إذَا ذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَ امْرَأَةٍ غَائِبَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ، تَدَبَّرَ. (لَفْظَ الْآخَرِ) حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا كَتَبَ رَجُلٌ وَأَشْهَدَ جَمَاعَةً فَأَوْصَلُوا الْكِتَابَ إلَى امْرَأَةٍ فَقَرَأَتْهُ عِنْدَهُمْ فَقَبِلَتْ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ التَّزْوِيجَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ كَالْخِطَابِ خِلَافًا لَهُمَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ حَكَوْا فِيهِ اخْتِلَافًا. وَفِي الْبَحْرِ فِي صَغِيرَيْنِ قَالَ أَبُ أَحَدِهِمَا زَوَّجْتُ بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِكَ هَذَا وَقَبِلَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ غُلَامًا وَالْغُلَامُ جَارِيَةً جَازَ ذَلِكَ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجُوزُ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْمَرْأَةِ وَلَا رُؤْيَةُ وَجْهِهَا فَلَوْ سَمِعَا صَوْتَهَا مِنْ بَيْتٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَيْرُهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُتَنَقِّبَةً جَازَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالِاحْتِيَاطُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا، أَوْ يَذْكُرَ أَبُوهَا وَجَدُّهَا وَتُنْسَبُ إلَى الْمَحَلَّةِ إلَّا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الشُّهُودِ وَعَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لَا غَيْرَ. وَقَالَ الْخَصَّافُ لَوْ غَابَتْ جَازَ بِذِكْرِ الِاسْمِ بِلَا مَعْرِفَتِهِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ كَانَ لَهَا اسْمَانِ اسْمٌ فِي صِغَرِهَا وَآخَرُ فِي كِبَرِهَا تَزَوَّجَ بِالْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَعْرُوفَةً بِهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ بِنْتَانِ كُبْرَى اسْمُهَا عَائِشَةُ وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ فَقَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَاطِمَةَ وَهُوَ يُرِيدُ عَائِشَةَ لَا يَنْعَقِدُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَقِيلَ يَنْعَقِدُ عَلَى فَاطِمَةَ وَلَوْ قَالَ بِنْتِي فَاطِمَةَ الْكُبْرَى قَالُوا يَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ عَلَى إحْدَاهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَ) شُرِطَ أَيْضًا (حُضُورُ) شَاهِدَيْنِ فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَعَنْ قَاسِمٍ الصَّفَّارِ وَهُوَ كُفْرٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَهَذَا كُفْرٌ،. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يُعْرَضُ عَلَى رُوحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَعْرِفُ بِبَعْضِ الْغَيْبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 27] (حُرَّيْنِ) عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقِنَّيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ وَالْمُدَبَّرَيْنِ (أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (مُكَلَّفَيْنِ) عَلَى لَفْظِ الْمُثَنَّى الْمُذَكَّرِ لِأَنَّ الْحُرَّتَيْنِ فِي حُكْمِ الْحُرِّ فَيَصِحُّ عِنْدَ سَكْرَانَيْنِ يَعْرِفَانِ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ يُذَكَّرَا عِنْدَ الصَّحْوِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ

وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ صَبِيَّيْنِ وَمَجْنُونَيْنِ وَلَا عِنْدَ مُرَاهِقَيْنِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا أَعْلَنُوا وَلَوْ بِحُضُورِ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ بِلَا شُهُودٍ، تَدَبَّرْ. (مُسْلِمَيْنِ إنْ) كَانَتْ (الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً) إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ يَنْعَقِدُ بِلَا شُهُودٍ كَمَا قَالُوا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يُلْزِمَانِهِمْ أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ بِلَا شُهُودٍ عِنْدَهُمَا، تَدَبَّرْ. (سَامِعَيْنِ مَعًا لَفْظَهُمَا) أَيْ لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَلَا يَصِحُّ إنْ سَمِعَا مُتَفَرِّقَيْنِ) بِأَنْ يَسْمَعَ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا وَالْآخَرُ آخِرًا وَالْمَجْلِسُ مُتَّحِدٌ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَجَازَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي مَجْلِسَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ وَإِنْ صُحِّحَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَصَمَّ فَسَمِعَ الْآخَرَ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَسْمَعَ صَاحِبَهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَا يَنْعَقِدُ عَنْ الْأَخْرَسَيْنِ إلَّا إذَا كَانَا سَامِعَيْنِ. وَقَالَ الْإِمَامُ السَّعْدِيُّ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الشَّرْطُ حَضْرَةُ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ السَّمَاعِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَهْمُ الْمَعْنَى كَذَا ذَكَرَهُ الْبَقَّالِيُّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْعَرَبِيَّةِ وَالزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ يُحْسِنَانِ الْعَرَبِيَّةَ وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ الْعَرَبِيَّةَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ، وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَهْمُ الشُّهُودِ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ الْهِنْدِيَّيْنِ وَلَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَجَازَ كَوْنُهُمَا فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ) بِلَا تَوْبَةٍ لِأَهْلِيَّتِهِمَا تَحَمُّلًا لَا أَدَاءً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ قَبُولَ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْفَاسِقُ وَالْمَحْدُودُ وَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ (أَوْ أَعْمَيَيْنِ) وَلِلشَّافِعِيِّ فِي أَعْمَيَيْنِ وَجْهَانِ فِي وَجْهٍ تُقْبَلُ، وَفِي وَجْهٍ لَا (أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ نُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ (أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا) لِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ التَّحَمُّلِ (وَلَا يَظْهَرُ) ثُبُوتُ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحُكَّامِ (بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ دَعْوَى الْقَرِيبِ) وَإِنْكَارِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِنَفْعِ الْقَرِيبِ فَإِنْ كَانَ الِابْنَانِ مِنْهُمَا لَا تُقْبَلُ لَهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُقْبَلُ لَهُ وَتُقْبَلُ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ قَدْ ذُكِرَتْ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا يَخْلُو عَنْ تَكْرَارٍ. (وَصَحَّ تَزَوُّجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً) كِتَابِيَّةً (عَنْ ذِمِّيَّيْنِ) كِتَابِيَّيْنِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِأَجْلِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا لِأَجْلِ الْمَهْرِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَلَا يَظْهَرُ بِشَهَادَتِهِمَا) أَيْ الذِّمِّيَّيْنِ (إنْ ادَّعَتْ) الذِّمِّيَّةُ وَجَحَدَ الْمُسْلِمُ وَبِالْعَكْسِ يَظْهَرُ. (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ

يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ) ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ امْرَأَةً شُرِطَ حُضُورُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى (إنْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا انْتَقَلَ عِبَارَةُ الْوَكِيلِ إلَى الْأَبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ وَالْوَكِيلُ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَاهِدَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي النِّهَايَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ إمْكَانُ جَعْلِ الْأَبِ شَاهِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَيْهِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَاضِرًا (لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْ يُجْعَلَ مُبَاشِرًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ. (وَكَذَا) يَصِحُّ الْعَقْدُ (لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بَالِغَةً عِنْدَ رَجُلٍ) وَاحِدٍ (إنْ حَضَرَتْ) الْبَالِغَةُ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَاقِدَةٌ وَالْأَبُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ شَاهِدَانِ (وَإِلَّا فَلَا) يَصِحُّ، وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ عِنْدَ حُضُورِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِالتَّزَوُّجِ وَهُوَ حَاضِرٌ قِيلَ لَيْسَ بِشَاهِدٍ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَكَأَنَّهُ الْمُزَوِّجُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَاهِدٌ إذْ الْإِذْنُ لَهُ لَيْسَ بِوَكَالَةٍ بَلْ فَكِّ حَجْرٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. وَفِي الْفَتَاوَى بَعَثَ أَقْوَامًا لِلْخِطْبَةِ فَزَوَّجَهَا الْأَبُ بِحَضْرَتِهِمْ فَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْكُلِّ خَاطِبِينَ فَيُجْعَلُ الْمُتَكَلِّمُ خَاطِبًا فَقَطْ وَالْبَاقِي شُهُودًا كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْجَوَازِ.

باب المحرمات

[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ] لَمَّا كَانَتْ الْمُحَلَّلَةُ شَرْطًا مِنْ شَرَائِطِ النِّكَاحِ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِيَمْتَازَ بِمَعْرِفَتِهَا الْمُحَلَّلَاتُ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ يُمْكِنُ حَصْرُهُنَّ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَاهُ يَحِلُّ وَأَسْبَابُ حُرْمَتِهِنَّ تَتَنَوَّعُ إلَى تِسْعَةِ أَنْوَاعٍ: الْقَرَابَةُ وَالْمُصَاهَرَةُ وَالرَّضَاعُ وَالْجَمْعُ وَتَقْدِيمُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَقِيَامُ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ عِدَّةٍ وَالشِّرْكُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقُ الثَّلَاثَةُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ مُفَصَّلًا (يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّهُ وَجَدَّتُهُ وَإِنْ عَلَتْ) فَاسِدَةً كَانَتْ، أَوْ صَحِيحَةً (وَبِنْتُهُ وَبِنْتُ وَلَدِهِ) ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى (وَإِنْ سَفَلَتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَالْبَنَاتِ بِالنَّصِّ لِأَنَّ الْأُمَّ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ وَالْبِنْتَ هِيَ الْفَرْعُ وَمِنْهُ يُقَالُ لِمَكَّةَ: أُمُّ الْقُرَى وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] إلَّا أَنَّ الْأَوْهَامَ تَتَصَرَّفُ إلَى الْأَقْرَبِ الْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا يَتَنَاوَلُ النَّصُّ الْجَدَّاتِ وَالْبَنَاتِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الِاسْمُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي حُرْمَةِ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَمْ يَثْبُتْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْبِنْتِ عَلَى الْفَرْعِ حَقِيقَةً أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ، أَوْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَعْيَانِ فَقِيلَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ وَرَجَّحُوا كَوْنَهُ حَقِيقَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ نِكَاحُ أُمِّهِ وَالْحُرْمَةُ تَجُوزُ أَنْ تُفَسَّرَ بِالْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ النِّكَاحِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَمَا فِي الْعِمَادِيِّ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ. (وَ) يَحْرُمُ (أُخْتُهُ) لِأَبٍ وَأَمٍّ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] (وَبِنْتُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] (وَابْنَةُ أَخِيهِ) لِأَبٍ وَأَمٍّ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأَخِ} [النساء: 23] . (وَإِنْ سَفَلْنَ) لِعُمُومِ الْمَجَازِ، أَوْ دَلَالَةِ النَّصِّ، أَوْ الْإِجْمَاعِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ) لِأَبٍ وَأَمٍّ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] وَتَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ جَدَّتِهِ وَخَالَتُهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ عَمَّةَ الْعَمَّةِ لَا تَحْرُمُ إنْ كَانَتْ عَمَّتُهُ أُخْتًا لِأَبِيهِ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ وَكَذَا الْخَالَةُ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ خَالَتُهَا كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (وَأَمُّ امْرَأَتِهِ) حَرَامٌ (مُطْلَقًا) أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِشَرْطِ الدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَتَدْخُلُ فِي الْأُمَّهَاتِ جَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا، أَوْ أُمِّهَا وَإِنْ عَلَوْنَ فَمَنْ قَيَّدَهُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ فَقَدْ غَيَّرَ النَّصَّ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا يُقَالُ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا ذُكِرَ فِي آخِرِهَا شَرْطٌ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ شُرِطَ الدُّخُولُ فِي الْمَعْطُوفِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ وَرَبَائِبُكُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَعْطُوفِ لَيْسَ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ اسْمُ الْمَعْدُومِ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ بَلْ وَصْفُهَا بِصِفَةٍ مُتَحَقِّقَةٍ فِي الْحَالِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مِنْ نِسَاءٍ دَخَلَ بِهِنَّ فَيَكُونُ هَذَا تَحْرِيمَ شَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ مَعْطُوفًا عَلَى شَخْصٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ

وَعَطْفُ الْمَوْصُوفِ عَلَى غَيْرِ الْمَوْصُوفِ لَا يَقْتَضِي ذِكْرَ الصِّفَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْصُوفِ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ إذَا أَمْكَنَ وَلَمْ يُمْكِنْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَصِيرَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَعْمُولًا بِعَامِلَيْنِ وَذَا لَا يَجُوزُ (وَبِنْتُ امْرَأَةٍ دَخَلَ بِهَا) ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ تَزَوُّجُ الرَّبِيبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَالدُّخُولُ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَذِكْرُ الْحِجْرِ فِي الْآيَةِ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ وَتَدْخُلُ فِي الرَّبِيبَةِ بَنَاتُهَا وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ (وَامْرَأَةُ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا) أَيْ امْرَأَةُ أَجْدَادِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ: وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْأَبَ وَطِئَهَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ وَقَالَ قَدْ وَطِئْتُهَا لَا يَحِلُّ لِابْنِهِ وَطْؤُهَا وَلَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُصْدِقَ أَبَاهُ. (وَ) امْرَأَةُ (ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ) دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِخْرَاجِ ابْنِ الْمُتَبَنَّى فَإِنَّ حَلِيلَتَهُ لَا تَحْرُمُ لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهَا حَرَامٌ. (وَ) يَحْرُمُ (الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (رَضَاعًا) فَيَكُونُ مَفْعُولًا لَهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ يَحِلُّ أُخْتُ وَلَدِهِ وَأُمُّ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَجَدَّةُ وَلَدِهِ رَضَاعًا وَيَحْرُمُ نَسَبًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى لَكِنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا لَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حُرِّمَ فِي النَّسَبِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِيهِ وَيَحْرُمُ فَرْعُ الْمُزَنِيَّةِ رَضَاعًا، وَكَذَا فَرْعُ الْمَمْسُوسَةِ وَالْمَسَّةِ وَالْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ بِشَهْوَةٍ وَأَصْلُهُنَّ رَضَاعًا. (وَ) يَحْرُمُ (الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) وَلَوْ رَضَاعًا (نِكَاحًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ النِّكَاحِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] (وَلَوْ فِي عِدَّةٍ مَنْ بَائِنٍ) ؛ لِقِيَامِ النِّكَاحِ بِقِيَامِ حُقُوقِهِ (أَوْ رَجْعِيٍّ) ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْحُقُوقِ فِيهِ أَظْهَرُ فَيَكُونُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَلَوْ اقْتَصَرَ بِالْأَوَّلِ لَكَانَ أَخْصَرَ هَذَا فِي الْبَيْنُونَةِ أَمَّا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا بَعْدَ يَوْمٍ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ فَتَزَوَّجَ الْخَامِسَةَ بَعْدَ يَوْمٍ جَازَ (أَوْ وَطْئًا) احْتِرَازًا عَنْ الْجَمْعِ بِمِلْكِ يَمِينٍ بِدُونِ الْوَطْءِ (بِمِلْكِ يَمِينٍ) سَوَاءٌ كَانَتَا مَمْلُوكَتَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَنْكُوحَةً لِعُمُومِ آيَةِ الْجَمْعِ (فَلَوْ تَزَوَّجَ) بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (أُخْتَ أَمَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا) صَحَّ النِّكَاحُ لِصُدُورِ رُكْنِ التَّصَرُّفِ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ لَكِنْ (لَا يَطَأُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا

حَتَّى يُحْرِمَ) بِالتَّخْفِيفِ الْمَرْأَةَ (الْأُخْرَى) ، فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَحُرْمَتُهَا بِالطَّلَاقِ، أَوْ الْخُلْعِ، أَوْ الرِّدَّةِ مَعَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ مَمْلُوكَةً فَحُرْمَتُهَا بِالشِّرَاءِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا، أَوْ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ التَّزْوِيجِ، أَوْ الْكِتَابَةِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمَوْقُوفَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ وَطْئِهَا قَدْ ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ حَقِّ التَّحْرِيمِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ) مُتَعَاقِبَيْنِ إذْ لَوْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ بِعَقْدَيْنِ مَعًا بَطَلَا يَقِينًا وَلَمْ تَسْتَحِقَّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ إلَّا مَنْ وَطِئَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى مِنْ مَهْرِ الْمِثْل وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ (وَلَمْ تُعْلَمْ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُلِمَتْ فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالثَّانِي فَاسِدٌ (فَرَّقَ) أَيْ فَرَّقَ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ الْعَدَدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوَّلِيَّةِ وَلَا لِلتَّصْحِيحِ فِي إحْدَاهُمَا لَا بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ الَّتِي هِيَ حِلُّ الْقُرْبَانِ لِلزَّوْجِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَلِلضَّرَرِ فِي حَقِّهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبْقَى مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُطَلَّقَةً فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ. وَفِي الدِّرَايَةِ لَوْ زَنَى بِإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَا يَقْرَبُ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُخْرَى بِحَيْضَةٍ (وَلَهُمَا) أَيْ لِلْأُخْتَيْنِ (نِصْفُ مَهْرٍ) إنْ كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَالْوَاجِبُ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلًا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أَمَّا إذَا قَالَتْ لَا نَدْرِي أَيَّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا مَا لَمْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ وَجَبَ لِمَجْهُولَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى وَالِاصْطِلَاحِ لِيُقْضَى بِهِمَا وَأَمَّا إذَا بَرْهَنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى السَّبْقِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَامٌّ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ كَمَا فِي الْكَافِي لَكِنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ إنَّمَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ إذَا دَخَلَ بِهَا، أَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلِذَا وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ كَمَالُ الْمَهْرِ فِي صُورَةِ الِاصْطِلَاحِ، أَوْ فِي صُورَةِ ادِّعَاءِ الْأَوَّلِيَّةِ بِلَا بَيِّنَةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَمَّا بَرْهَنَتْ وَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمَهْرِ لَزِمَ كَمَالُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. (وَ) يَحْرُمُ (الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ فُرِضَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى) سَوَاءٌ كَانَتْ لِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا أَوْ بِنْتِ أُخْتِهَا، أَوْ بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَّةٌ لِلْأُخْرَى وَلَا بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالَةٌ لِلْأُخْرَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا»

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْبِنْتِ وَالْعَمَّةِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِالْمُشْرِكَةِ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةُ أَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَلَا تَمْنَعُ وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً، ثُمَّ لَوْ تَزَوَّجَ سَيِّدَتَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ السَّيِّدَةَ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ (بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا) فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَمَّا لَوْ فُرِضَتْ بِنْتُ زَوْجٍ ذَكَرًا كَانَ ابْنَ الزَّوْجِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ (لَا مِنْهَا) . وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَهْنَسِيِّ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ بِنْتُ الزَّوْجِ لَا تَكُونُ مِنْهَا بَلْ يُوهِمُ جَوَازَ الْجَمْعِ إنْ كَانَتْ مِنْهَا انْتَهَى، لَكِنْ فِي الْإِبْهَامِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ ذَكَرَ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا آنِفًا وَالْمَفْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمَنْطُوقَ، تَدَبَّرْ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَلَوْ فُرِضَتْ امْرَأَةُ الِابْنِ ذَكَرًا لَجَازَ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ ابْنَتَيْ الْعَمَّيْنِ، أَوْ الْعَمَّتَيْنِ أَوْ الْخَالَيْنِ، أَوْ الْخَالَتَيْنِ قَالُوا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيَتَزَوَّجَ ابْنُهُ أُمَّهَا، أَوْ بِنْتَهَا. (وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا وَحُرِّمَتْ الْمُزَنِيَّةُ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَلَا تَحْرُمُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا عَلَى ابْنِ الْوَاطِئِ وَأَبِيهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُوجِبُهَا؛ لِأَنَّ الْمُصَاهَرَةَ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِحَرَامٍ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ، لَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَلِأَنَّ كُلَّ تَحْرِيمٍ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ كَالْحَلَالِ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَاهَا فِي دُبُرِهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فُرُوعُهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِطْلَاقِهِ بَلْ لَوْ أَتَاهَا فِي دُبُرِهَا فَأَنْزَلَ أَمَّا إذَا لَمْ يُنْزِلْ فَتَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّمْسَ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُهَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ فَالْإِتْيَانُ فِي دُبُرِهَا يُوجِبُهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مَعَ عَدَمِ الْإِنْزَالِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَهَا فَأَفْضَاهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ أُمُّهَا لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ وَعُلِمَ كَوْنُهُ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُرِهَ لَهُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُوجِبُهَا مُطْلَقًا وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ. (وَكَذَا) يُوجِبُهَا (الْمَسُّ) وَلَوْ بِحَائِلٍ وَوُجِدَ حَرَارَةُ الْمَمْسُوسِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، أَوْ خَطَأً أَوْ كُرْهًا حَتَّى لَوْ أَيْقَظَ زَوْجَتَهُ لِيُجَامِعَهَا فَوَصَلَتْ يَدُهُ ابْنَتَهُ مِنْهَا فَقَرَصَهَا بِشَهْوَةٍ وَهِيَ مِمَّنْ تُشْتَهَى لِظَنِّ أَنَّهَا أُمَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَلَكَ أَنْ تُصَوِّرَهَا مِنْ جَانِبِهَا بِأَنْ أَيْقَظَتْهُ هِيَ كَذَلِكَ فَقَرَصَتْ ابْنَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي مَسِّ الشَّعْرِ رِوَايَتَانِ

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُشْتَهَاةً حَالًا، أَوْ مَاضِيًا فَتَثْبُتُ بِمَسِّ الْعَجُوزِ بِشَهْوَةٍ وَلَا تَثْبُتُ بِمَسِّ صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْمَسُّ شَامِلٌ لِلتَّفْخِيذِ وَالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لَكِنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَصْدُقَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَذَبَهَا وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ تَحْرُمْ، وَفِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ حَرُمَتْ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الشَّهْوَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْخُصُومَةِ وَيَسْتَوِي فِيهَا أَنْ يُقَبِّلَ الْفَمَ أَوْ الذَّقَنَ، أَوْ الْخَدَّ، أَوْ الرَّأْسَ وَقِيلَ إنْ قَبَّلَ الْفَمَ يُفْتَى بِهَا وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ وَإِنْ قَبَّلَ غَيْرَهُ لَا يُفْتَى بِهَا إلَّا إذَا ثَبَتَتْ الشَّهْوَةُ (بِشَهْوَةٍ) فَلَوْ مَسَّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى عَنْ ذَلِكَ الْمَسِّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ، أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى أَنْ يَمِيلَ إلَيْهَا بِالْقَلْبِ وَيَشْتَهِيَ أَنْ يُعَانِقَهَا. وَفِي الْغَايَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي الشَّيْخِ وَالْعِنِّينِ وَاَلَّذِي مَاتَتْ شَهْوَتُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتُ وَعَلَى الثَّانِي تَثْبُتُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَأَمَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَالِاشْتِهَاءُ بِالْقَلْبِ (مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) ، وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ شَهْوَةَ أَحَدِهِمَا كَافِيَةٌ إذَا كَانَ الْآخَرُ مَحَلَّ الشَّهْوَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا بَالِغَيْنِ. (وَ) كَذَا يُوجِبُهَا (نَظَرُهُ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ) وَهُوَ الْمُدَوَّرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلَوْ مِنْ زُجَاجٍ، أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ بِخِلَافِ النَّظَرِ إلَى عَكْسِهِ فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ وَقِيلَ إلَى الْخَارِجِ وَهُوَ الطَّوِيلُ وَقِيلَ إلَى الْعَانَةِ وَهِيَ مَنَابِتُ الشَّعْرِ وَقِيلَ إلَى الشَّقِّ. وَفِي النَّظْمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ مُتَّكِئَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً مُسْتَوِيَةً أَوْ قَائِمَةً فَلَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَ) كَذَا يُوجِبُهَا (نَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ بِشَهْوَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالنَّظَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُوجِبُهَا؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ لَيْسَا فِي مَعْنَى الدُّخُولِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَسَادُ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِ وَلَنَا أَنَّهُمَا دَاعِيَانِ إلَى الْوَطْءِ فَيَقُومَانِ مَقَامَهُ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا (وَمَا) أَيْ صَغِيرَةٌ (دُونَ تِسْعِ سِنِينَ غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ وَبِهِ يُفْتَى) أَمَّا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَقَدْ تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَقَدْ لَا تَكُونُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ مُشْتَهَاةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِنْتُ خَمْسٍ غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ ثَمَانٍ، أَوْ سَبْعٍ، أَوْ سِتٍّ إنْ كَانَتْ ضَخْمَةً مُشْتَهَاةً وَإِلَّا فَلَا وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ فِي الْمُخْتَارِ وَلَا يَصْدُقُ فِي تَكْذِيبِ نَفْسِهِ. (وَلَوْ أَنْزَلَ مَعَ الْمَسِّ) ، أَوْ النَّظَرِ (لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِإِنْزَالِهِ أَنَّهُ غَيْرُ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ وَ (هُوَ الصَّحِيحُ)

نكاح الكتابية

احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَالْإِنْزَالُ لَا يُوجِبُ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا تَثْبُتَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ حَالَ الْمَسِّ إلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. [نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ] (وَصَحَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ) حُرَّةً أَوْ أَمَةً إسْرَائِيلِيَّةً، أَوْ غَيْرَهَا ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً إلَّا أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ كُرِهَ فَقِيلَ إنَّمَا كُرِهَ إذَا قَصَدَ التَّوَطُّنَ بِهَا وَقِيلَ إذَا قَصَدَ الْوَطْءَ وَقِيلَ إذَا قَصَدَ اسْتِيلَادَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] . وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] أَيْ ذَبَائِحُهُمْ حِلٌّ لَكُمْ؛ وَلِأَنَّ الطَّعَامَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلَّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا انْتَهَى. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى لَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْحُكَّامِ فِي دِيَارِنَا أَنْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى فِي زَمَانِنَا يُصَرِّحُونَ بِالْأَبْنِيَةِ قَبَّحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَمُ الضَّرُورَةِ مُتَحَقِّقٌ وَالِاحْتِيَاطُ وَاجِبٌ لِأَنَّ فِي حِلِّ ذَبِيحَتِهِمْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَالْأَخْذُ بِجَانِبِ الْحُرْمَةِ أَوْلَى عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. [نِكَاحُ الصَّابِئِيَّةِ] (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الصَّابِئِيَّةِ) الْمُؤْمِنَةِ بِنَبِيٍّ، الصَّابِئِيَّةُ مَنْ صَبَأَ إذَا خَرَجَ مِنْ الدِّينِ، ثُمَّ الْوَصْفُ لِلتَّوْضِيحِ وَالتَّفْسِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ لَا لِلتَّقْيِيدِ (الْمُقِرَّةِ بِكِتَابٍ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلصَّابِئِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا فَمَنْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَءُونَ بِكِتَابٍ وَيُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةَ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَمَنْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَهَا كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ وَمَا نُقِلَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ مَا لَمْ يُشْرِكُوا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. [نِكَاحُ عَابِدَةِ كَوْكَبٍ] (لَا) يَصِحُّ نِكَاحُ (عَابِدَةِ كَوْكَبٍ) وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ (وَصَحَّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ) بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ) لِلْحُرِّ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وقَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] (وَلَوْ) كَانَ (مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَلِلشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِنَاءً عَلَى مَفْهُومِ الْوَصْفِ، وَفِي الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ عِنْدَ دُخُولِ الْحُرَّةِ بِنَاءً عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ

نكاح حبلى من زنا

عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ اللَّازِمَ عَلَى تَقْدِيرِ حُجَّتِهِ الْمَفْهُومِ عَدَمُ إبَاحَةِ نِكَاحِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَرَاهَتِهِ لَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِيهَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ. (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» . (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ (فَقَطْ لِلْحُرِّ) مِنْ (حَرَائِرَ وَإِمَاءٍ) ، أَوْ مِنْهُمَا بِشَرْطِ تَأْخِيرِ الْحُرَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَجَازَ تِسْعًا مِنْ الْحَرَائِرِ، أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ حَتَّى قَالَ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ وَقَالُوا إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كَيْ لَا يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا. (وَلِلْعَبْدِ) قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ ابْنَ أُمِّ الْوَلَدِ (ثِنْتَانِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ عِنْدَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّسَرِّي وَلَا أَنْ يُسَرِّيَهُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ. [نِكَاحُ حُبْلَى مِنْ زِنًا] (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (حُبْلَى مِنْ زِنًا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِدُخُولِهَا تَحْتَ النَّصِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَ الزَّانِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قِيَاسًا عَلَى الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا تُوطَأُ) الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا أَيْ يَحْرُمُ الْوَطْءُ، وَكَذَا دَوَاعِيهِ وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ (حَتَّى تَضَعَ) الْحَمْلَ اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْفَوَائِدِ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَحِلُّ الْوَطْءُ عِنْدَ الْكُلِّ وَتُسْتَحَقُّ النَّفَقَةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (وَ) صَحَّ نِكَاحُ (مَوْطُوءَةِ سَيِّدِهَا) أَيْ أَمَةٍ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَلَوْ قَالَ وَمَوْطُوءَةُ السَّيِّدِ لَكَانَ أَوْلَى (أَوْ) مَوْطُوءَةُ (زَانٍ) بِأَنْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ} [النور: 3] فَمَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] أَوْ الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِيهِ الْوَطْءُ يَعْنِي الزَّانِيَةَ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ فِي حَالَةِ الزِّنَا وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَنَتْ زَوْجَتُهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَحِيضَ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا فَضَعِيفٌ تَأَمَّلْ. (وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَإِحْدَاهُمَا مُحْرِمَةٌ صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى) وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُحْرِمَةِ. (وَ) الْمَهْرُ (الْمُسَمَّى

كُلُّهُ لَهَا) أَيْ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ ضَمَّ مَا لَا يَحِلُّ فِي النِّكَاحِ إلَى مَا يَحِلُّ كَضَمِّ الْجِدَارِ. وَفِي التَّسْهِيلِ يُشْكِلُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ بِمَنْ جَمَعَ فِي الْبَيْعِ قِنَّهُ وَمُدَبَّرَهُ حَيْثُ صَحَّ فِي قِنِّهِ بِحِصَّتِهِ لَا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلَا يُجَابُ بِأَنَّ الْمُدَبَّرَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ فَاعْتُبِرَ بِالْحِصَّةِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ أَصْلًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا الْحِصَّةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرٍّ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ أَصْلًا فَلَا حِصَّةَ لَهُ وَلَا جَهَالَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ أَصْلًا انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَقَبُولُ الْمُحْرِمَةِ شَرْطٌ فَاسِدٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَأَمَّا قَبُولُ الْحُرِّ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ وَمُفْسِدٌ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ بِكُلِّ الثَّمَنِ، تَدَبَّرْ. (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ (يُقَسَّمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا) فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى سَقَطَ عَنْهُ. وَفِي الزِّيَادَاتِ وَلَوْ دَخَلَ بِاَلَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ يَلْزَمُهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ أَمَتِهِ) أَيْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهَا فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهَا مُتَنَزِّهًا عَنْ وَطْئِهَا حَرَامًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْغَيْرِ، أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ الشَّدَّادِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ سَيِّدَتِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَمْلُوكُ الْمَحْضُ مَالِكًا لَهَا وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، أَوْ وَثَنِيَّةٍ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ فِيهِمَا أَيْ وَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ مَجُوسِيَّةٍ، أَوْ وَثَنِيَّةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مِنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّارَ، أَوْ الْوَثَنَ إلَهٌ يَكُونُ مُشْرِكًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَالنَّصُّ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى الْمُعَطِّلَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَالْإِبَاحِيَّةِ وَكُلٌّ مَذْهَبٌ يَكْفُرُ بِهِ مُعْتَقِدُهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا، وَكَذَا لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ عِنْدَنَا لَكِنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ وَقَعَ إلْزَامًا فِي الْمَبَاحِثِ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ الْقَوَاطِعَ الْمَعْلُومَةَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهَا مِنْ الدِّينِ مِثْلُ الْقَائِلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَكَذَا الْقَوْلُ بِالْإِيجَابِ وَنَفْيِ الِاخْتِيَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ وَالْجِنِّ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَنْ الْبَصْرِيِّ وَيَجُوزُ تَزَوُّجُ الْجِنِّيَّةِ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (وَلَا) يَصِحُّ تَزَوُّجُ (خَامِسَةٍ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ أَبَانَهَا) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ ثَالِثَةٍ فِي عِدَّةِ ثَانِيَةٍ لِلْعَبْدِ. (وَلَا) يَصِحُّ تَزَوُّجُ (أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهُ بِرِضَاءِ الْحُرَّةِ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا. وَفِي الْبَحْرِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَا مَعَهَا وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَعَهَا (أَوْ فِي عِدَّتِهَا)

يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي عِدَّتِهَا أَمَةً عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فِي الْعِدَّةِ مِنْ وَجْهٍ فَالِاحْتِيَاطُ الْمَنْعُ كَمَا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ أُخْتِهَا فِي عِدَّتِهَا (خِلَافًا لَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ عِدَّةَ الْبَائِنِ) ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ فِي عِدَّتِهَا لَيْسَ تَزَوُّجًا عَلَيْهَا وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ يَمْنَعُ اتِّفَاقًا. (وَلَا) يَصِحُّ نِكَاحُ (حَامِلٍ مِنْ سَبْيٍ) وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا (أَوْ حَامِلٍ ثَبَتَ نَسَبُ حَمْلِهَا) بِأَنْ كَانَتْ مَسْبِيَّةً أَوْ مُهَاجِرَةً ذَاتَ حَمْلٍ مِنْ حَرْبِيٍّ، أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ اكْتَفَى عَلَيْهَا لَكَانَ مُسْتَغْنٍ عَنْ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا كَمَا فِي الْبَاقَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي صِحَّةِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَدْ صَرَّحَهَا احْتِرَازًا عَنْهَا، تَدَبَّرْ. (وَلَوْ) ثَبَتَ (مِنْ سَيِّدِهَا) يَعْنِي إنْ ادَّعَى السَّيِّدُ حَمْلَهَا مِنْهُ، ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهِيَ حَامِلٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. (وَلَا) يَصِحُّ (نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتُ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُذْكَرَ فِي الْمُؤَقَّتِ لَفْظٌ فِي النِّكَاحِ، أَوْ التَّزْوِيجِ مَعَ التَّوْقِيتِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ مَعْنَى الْمُتْعَةِ عَقْدٌ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُرَادُ بِهِ مَقَاصِدُ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الْقَرَارِ لِلْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ بَلْ إمَّا إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِانْتِهَائِهَا، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِمَعْنَى بَقَاءِ الْعَقْدِ مَا دَامَ مَعَهَا إلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بِمَادَّةِ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ أَيْضًا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتْعَةِ وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَأُحْضِرَ الشُّهُودُ، انْتَهَى. وَقَيَّدَهُ بِالْمُؤَقَّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ إذَا وَقَّتَا وَقْتًا لَا يَعِيشَانِ إلَيْهِ كَمِائَةِ سَنَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ يَكُونُ صَحِيحًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَعَنْهُ لَوْ قَالَ أَتَزَوَّجُكِ مُتْعَةً انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَلَغَا قَوْلُهُ مُتْعَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِلَفْظٍ وَاعْلَمْ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ قَدْ كَانَ مُبَاحًا بَيْنَ أَيَّامِ خَيْبَرَ وَأَيَّامِ فَتْحِ مَكَّةَ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مَنْسُوخًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حَتَّى لَوْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَبَاحَهُ صَارَ كَافِرًا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَعْزِيرٌ وَلَا حَدٌّ وَلَا رَجْمٌ كَمَا فِي النُّتَفِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَدَمُ ثُبُوتِ مَا نُقِلَ مِنْ إبَاحَتِهِ عِنْدَ مَالِكٍ

باب الأولياء والأكفاء

وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ. [بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ] ِ الْوَلِيُّ مِنْ الْوِلَايَةِ وَهِيَ تَنْفِيذُ الْأَمْرِ عَلَى الْغَيْرِ وَالْأَكْفَاءُ جَمْعُ كُفْءٍ وَهُوَ النَّظِيرُ وَالْمُسَاوِي (نَفَذَ) أَيْ صَحَّ (نِكَاحُ حُرَّةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى إذْنِ مَوْلَاهَا كَتَوَقُّفِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى وَلِذَا قَالَ (مُكَلَّفَةٍ) بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا (بِلَا وَلِيٍّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَحُضُورِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ؛ لِكَوْنِهَا عَاقِلَةً بَالِغَةً وَلِهَذَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ، وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ يَجُوزُ نِكَاحُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَا، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْكُفْءَ وَغَيْرَهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا أَصِيلَةً كَانَتْ أَوْ وَكِيلَةً إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ لَوْ كَانَتْ خَسِيسَةً لَا شَرِيفَةً صَحَّ بِلَا وَلِيٍّ وَالْخِلَافُ فِي إنْشَاءِ النِّكَاحِ وَأَمَّا إقْرَارُهَا بِهِ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْحَقَائِقِ (وَلَهُ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا لَمْ يَرْضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (الِاعْتِرَاضُ) أَيْ وِلَايَةُ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ وَلَيْسَ هَذَا التَّفْرِيقُ طَلَاقًا حَتَّى لَا يَنْقُصَ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ بَعْدَهُ لَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ يَتَوَارَثَانِ بِهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ (فِي غَيْرِ الْكُفْءِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ، فَإِنْ رَضِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَيْسَ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَسْفَلَ اعْتِرَاضٌ. هَذَا إذَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا سَكَتَ حَتَّى وَلَدَتْ فَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِرَاضُ لِئَلَّا يَضِيعَ الْوَلَدُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَقِيلَ: لَهُ الِاعْتِرَاضُ وَإِنْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ فَارَقَتْهُ بَعْدَ رِضَى الْوَلِيِّ بِنِكَاحِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ مِنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ لَهُ الِاعْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ النِّكَاحِ (وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (عَدَمَ جَوَازِهِ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّ كَمْ مِنْ وَاقِعٍ لَا يَرْفَعُ (وَعَلَيْهِ فَتْوَى قَاضِي خَانْ) وَهَذَا أَصَحُّ وَأَحْوَطُ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا إذْ لَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ فَسَدُّ هَذَا الْبَابِ أَوْلَى خُصُوصًا إذَا وَرَدَ أَمْرُ السُّلْطَانِ هَكَذَا وَأَمَرَ بِأَنْ يُفْتَى بِهِ. وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَوْ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا نَفْسَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ أَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ هَذَا إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا) عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مِنْ كُفْءٍ) وَمَعْنَى كَوْنِهِ مَوْقُوفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَتَوَارَثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ

وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ فِي الْغَايَةِ قَالَ رَجَاءُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ قَالَ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْقَاضِي لِيُزَوِّجَهَا قُلْتُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ قَالَ يَفْعَلُ مَا قَالَ سُفْيَانُ قُلْتُ وَمَا قَالَ سُفْيَانُ قَالَ تُوَلِّي أَمْرَهَا رَجُلًا لِيُزَوِّجَهَا، انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ رُجُوعِهِ فَلِهَذَا قَالَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، تَدَبَّرْ. (وَلَا يُجْبِرُ وَلِيُّ بَالِغَةٍ) عَلَى النِّكَاحِ بَلْ يُجْبِرُ الصَّغِيرَةَ عِنْدَنَا وَلَوْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ ثَابِتَةٌ عَلَى الصَّغِيرَةِ دُونَ الْبَالِغَةِ (وَلَوْ بِكْرًا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَابِتَةٌ عَلَى الْبِكْرِ وَلَوْ بَالِغَةً دُونَ الثَّيِّبِ وَلَوْ صَغِيرَةً، ثُمَّ عِنْدَنَا كُلُّ وَلِيٍّ فَلَهُ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ إلَّا لِلْأَبِ وَالْجَدِّ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْوَلِيُّ الْبِكْرَ) الْبَالِغَةَ (فَسَكَتَتْ) أَيْ الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ (أَوْ ضَحِكَتْ) بِلَا اسْتِهْزَاءٍ فَلَوْ ضَحِكَتْ مُسْتَهْزِئَةً لَمْ يَكُنْ إذْنًا عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَكَذَا التَّبَسُّمُ إذْنٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَبَكَتْ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا (إذْنٌ وَمَعَ الصَّوْتِ رَدٌّ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالْعُذُوبَةِ وَالْمُلُوحَةِ لِلدَّمْعِ وَقِيلَ إنْ بَارِدًا إذْنٌ وَإِنْ حَارًّا رَدٌّ وَقِيلَ عَذْبًا إذْنٌ وَمِلْحًا رَدٌّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَكُونُ رِضًى؛ لِأَنَّ الْبُكَاءَ قَدْ يَكُونُ عَنْ سُرُورٍ وَقَدْ يَكُونُ عَنْ حُزْنٍ فَلَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْمُعَارَضَةِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ السُّكُوتِ وَهُوَ رِضًى. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَكُونُ رِضًى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْبُكَاءَ غَالِبًا يَكُونُ عَنْ حُزْنٍ وَالْمُعَوَّلُ فِي الْبُكَاءِ وَالضَّحِكِ ظُهُورُ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا، أَوْ الرَّدِّ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَلَوْ اكْتَفَى بِلَا صَوْتٍ لَكَانَ أَخْصَرَ (وَكَذَا) يَكُونُ السُّكُوتُ وَالضَّحِكُ وَالْبُكَاءُ بِلَا صَوْتٍ رِضًى وَإِجَازَةً. (لَوْ زَوَّجَهَا) الْوَلِيُّ بِدُونِ الِاسْتِئْذَانِ (فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ) أَيْ خَبَرُ النِّكَاحِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ قَبْلَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ بَلَغَهَا خَبَرُ النِّكَاحِ فَقَالَتْ لَا أَرْضَى، ثُمَّ قَالَتْ رَضِيتُ لَا يَصِحُّ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمَشَايِخُ: الْمُسْتَحْسَنُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ عِنْدَ الزِّفَافِ؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ عَسَى تُظْهِرُ الرَّدَّ عِنْدَ السَّمَاعِ، ثُمَّ لَا يُفِيدُ رِضَاهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: سُكُوتُهَا عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ لَيْسَ بِإِجَازَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُكُوتَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ رَدٌّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ مُبَلِّغُ الْخَبَرِ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي رَسُولِ الْوَلِيِّ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَبُولُهَا الْهَدِيَّةَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ لَا يَكُونُ رِضًى، وَكَذَا كُلُّ طَعَامِهِ وَالْخِدْمَةِ إنْ كَانَتْ تَخْدُمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ رِضًى (وَشُرِطَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ (تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ) أَيْ ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ لَهَا الْمَعْرِفَةُ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ رَجُلٍ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًى أَمَّا لَوْ قَالَ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٍ فَسَكَتَتْ فَيَكُونُ رِضًى بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ قَالَ مِنْ جِيرَانِي، أَوْ بَنِي عَمِّي يَكُونُ رِضًى إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ وَإِنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ فَلَيْسَ

بِرِضًى وَلَوْ زَوَّجَهَا بِحَضْرَتِهَا فَسَكَتَتْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًى. وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ رِضًى فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ. (لَا) يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ (الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي النِّكَاحِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِئْمَارِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي شَرْحِ الْوَافِي وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمْيَّةٍ خَاصَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ أَبًا، أَوْ جَدًّا فَلَا تُشْتَرَطُ وَإِلَّا فَتُشْتَرَطُ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ اسْتَأْذَنَهَا) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ (غَيْرُ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ) أَجْنَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا بَعِيدًا كَالْجَدِّ غَيْرِ الْأَبِ (فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِكَلَامِهِ لَا لِرِضَاهَا بِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًى؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَقْرَبِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (وَكَذَا) لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالتَّمْكِينِ مِنْ الْجِمَاعِ وَطَلَبِ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِهَا (لَوْ اسْتَأْذَنَ) الْوَلِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ (الثَّيِّبَ) الْكَبِيرَةَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّكُوتِ أَنْ يَكُونَ رِضًى لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الرِّضَا فِي حَقِّ الْبِكْرِ لِضَرُورَةِ الْحَيَاءِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو عَنْ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ الْحَيَاءُ فِيهَا بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِهَا وَحِينَ بُلُوغِهَا الْعَقْدَ. (وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا) أَيْ عُذْرَتُهَا وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْمَحَلِّ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْبِكْرُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا تُجَامَعُ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ (بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ، أَوْ جِرَاحَةٍ، أَوْ تَعْنِيسٍ) مِنْ عَنَسَتْ الْجَارِيَةُ إذَا جَاوَزَتْ وَقْتَ التَّزَوُّجِ فَلَمْ تَتَزَوَّجْ (فَهِيَ بِكْرٌ) حَقِيقَةً أَيْ حُكْمُهُنَّ حُكْمُ الْأَبْكَارِ وَلِذَا تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا مِنْهُ الْبَاكُورَةُ وَالْبُكْرَةُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ وَلِأَوَّلِ النَّهَارِ وَلَا تَكُونُ عَذْرَاءَ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ لِزَوَالِ عُذْرَتِهَا. (وَكَذَا لَوْ زَالَتْ) بَكَارَتُهَا (بِزِنًا خَفِيٍّ) عِنْدَ الْإِمَامِ

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ زَنَتْ، ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ صَارَ الزِّنَا عَادَةً لَهَا، أَوْ جُومِعَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ الثَّيِّبِ وَلَوْ خَلَى بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُنَّةٍ، أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبِكْرٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مَا يُصِيبُهَا لَيْسَ بِأَوَّلِ مُصِيبٍ لَهَا وَلِذَا لَا تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ وَلَهُ أَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ حَقِيقَةِ الْبَكَارَةِ قَبِيحٌ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَظِنَّتِهَا وَفِي اسْتِنْطَاقِهَا إظْهَارٌ لِفَحَاشَتِهَا وَقَدْ نَدَبَ الشَّارِعُ السَّتْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ زِنَاهَا لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحْيِي بَعْدَ ذَلِكَ عَادَةً. (وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ) أَيْ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عِنْدَ الدَّعْوَى (سَكَتِّ) عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ أَوْ الْبُلُوغِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَادَّعَتْ رَدَّ النِّكَاحِ حِينَ بَلَغَتْ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ (وَقَالَتْ رَدَدْتُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْكَلَامِ أَمَّا لَوْ قَالَتْ بَلَغَنِي النِّكَاحُ يَوْمَ كَذَا فَرَدَدْتُ وَقَالَ الزَّوْجُ لَا بَلْ سَكَتِّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلرَّدِّ. وَفِي الْمِنَحِ: بِكْرٌ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا فَقَالَتْ بَعْدَ سَنَةٍ إنِّي قُلْتُ لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ فَالْقَوْلُ لَهَا (وَتَحْلِفُ عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ يُقِمْ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا، فَإِنْ أَقَامَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى النَّفْيِ بَلْ عَلَى حَالَةٍ وُجُودِيَّةٍ فِي مَجْلِسٍ خَاصٍّ يُحَاطُ بِطَرَفَيْهِ، أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ هَذَا إنْ ادَّعَى السُّكُوتَ أَمَّا لَوْ ادَّعَى إجَازَتَهَا وَأَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ بَيِّنَتُهَا أَوْلَى فَيَحْصُلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ إنَّ السُّكُوتَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ شَفَةٍ إلَى شَفَةٍ وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ وَعَدَمُ النُّطْقِ مِنْ لَوَازِمِهِ، انْتَهَى. هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَ السُّكُوتُ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّمِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَتَحَ وَلَمْ يَضُمَّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ يَتَحَقَّقُ السُّكُوتُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الضَّمُّ، تَدَبَّرْ. (لَا) تَحْلِفُ (عِنْدَ الْإِمَامِ) وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى قَوْلُهُمَا وَلِهَذَا قَدَّمَهُ، فَإِنْ نَكَلَتْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِالنُّكُولِ. (وَلِلْوَلِيِّ) خَاصَّةً وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ إنْكَاحُهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ (إنْكَاحُ الْمَجْنُونَةِ) أَيْ تَزْوِيجُهَا (وَالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ. وَلَوْ) كَانَتْ الصَّغِيرَةُ (ثَيِّبًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ مَرَّ التَّفْصِيلُ فِيهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمُزَوِّجُ فِيهِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (أَبًا أَوْ جَدًّا لَزِمَ) الْعَقْدُ فَلَيْسَ لَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَلَا لَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ

(وَإِنْ كَانَ) الْمُزَوِّجُ (غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَوْ إمَامًا، أَوْ قَاضِيًا عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي (فَلَهُمَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَا، أَوْ عَلِمَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ) ، أَيْ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ غَيْرَهُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ سَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْعَقْدِ أَوْ عَلِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ خِيَارٌ فِي تَزْوِيجِ الِابْنِ إنْ أَفَاقَا كَالْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ فِي التَّزْوِيجِ (وَسُكُوتُ الْبِكْرِ) حِينَ الْبُلُوغِ وَالْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ (رِضًى) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا جُعِلَ رِضًى فِي ثُبُوتِ أَصْلِ النِّكَاحِ فَلَأَنْ يُجْعَلَ فِي ثُبُوتِ وَصْفِ اللُّزُومِ أَوْلَى (وَلَا يَمْتَدُّ خِيَارُهَا) أَيْ الْبِكْرِ (إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْبُلُوغِ، أَوْ الْعِلْمِ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَخِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ، أَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ وَالْمَهْرِ بَطَلَ خِيَارُهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، لَكِنَّ فِي الْفَتْحِ خِلَافَهُ وَأَظُنُّ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ حَقٌّ فَلْيُطَالَعْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُبَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ رَأَتْهُ لَيْلًا تَطْلُبُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْتُ وَتُشْهِدَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَالَتْ بَلَغْتُ سَاعَةَ كَذَا، وَاخْتَرْتُ نَفْسِي وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ، أَوْ الْقَاضِي نَقَضْتُ النِّكَاحَ عِنْدَ الْبُلُوغِ قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ الْحَلِفِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تَبْتَدِئُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَلَوْ اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي شَهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ) لِأَنَّ لَهَا فُرْصَةً أَنْ تَتَفَرَّغَ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ وَجَهْلُهَا لِأَصْلِ النِّكَاحِ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَنْفَرِدُ بِهِ (بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ) قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الرِّضَا بِالْقَوْلِ، أَوْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ (وَخِيَارُ الْغُلَامِ وَالثَّيِّبِ لَا يَبْطُلُ) بِالسُّكُوتِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ. (وَ) كَذَا لَا يَبْطُلُ (لَوْ قَامَا عَنْ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَرْضَيَا صَرِيحًا) كَرَضِيتُ (أَوْ دَلَالَةً) كَإِعْطَاءِ الْمَهْرِ وَقَبُولِهِ وَالتَّمْكِينِ وَطَلَبِ النَّفَقَةِ دُونَ أَكْلِ طَعَامِهِ وَخِدْمَتِهَا لَهُ وَالْخَلْوَةِ بِلَا مَسٍّ. (وَشَرْطُ الْقَضَاءِ لِلْفَسْخِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ) مِنْ صَغِيرٍ

أَوْ صَغِيرَةٍ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ كَانَ نَافِذًا فَلَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الرَّدِّ مَا لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَبَبُهُ بَاطِنٌ وَخَفِيٌّ وَهُوَ قُصُورُ شَفَقَةِ الْوَلِيِّ فَكَانَ الرَّدُّ إبْطَالًا لِحَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَتَفَرَّدُ بِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْفَسْخُ بِغَيْبَةِ الزَّوْجِ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَا كُلُّ فُرْقَةٍ تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ لَا احْتِيَاجَ فِيهِ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ (لَا) يُشْتَرَطُ (فِي خِيَارِ الْعِتْقِ) فَإِنَّ الْمُعْتَقَةَ إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ بِخِيَارِ الْعِتْقِ يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ جَلِيٍّ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ؛ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِاخْتِيَارِهَا لِنَفْسِهَا وَلَا حُضُورُهُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِلَا حُضُورِهِ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ) بِالْفَسْخِ (وَرِثَهُ الْآخَرُ بَلَغَا، أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ بِهِ ثَابِتٌ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ انْتَهَى النِّكَاحُ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَتَوَارَثَانِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَرِثَهُ الْآخَرُ لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى، انْتَهَى. وَقَالَ الْمَوْلَى يَعْقُوبُ بَاشَا وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَالْأَقْرَبُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُحِيطِ وَلَا مَهْرَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ابْتِدَاءً حُكْمٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَوْتِ، تَدَبَّرْ. (وَالْوَلِيُّ) فِي النِّكَاحِ لَا فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِأَبِيهِ ثُمَّ لِوَصِيِّهِمَا، ثُمَّ وَثُمَّ وَالْوَلِيُّ لُغَةً: الْمَالِكُ وَشَرْعًا: وَارِثٌ مُكَلَّفٌ (هُوَ الْعَصَبَةُ) بِنَفْسِهِ (نَسَبًا) وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى فَخَرَجَ عَنْ الْعَصَبَةِ الْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ الْغَيْر (أَوْ سَبَبًا) وَهُوَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى (عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ) يَعْنِي أَوْلَاهُمْ الْجُزْءُ وَإِنْ سَفَلَ وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَإِنْ عَلَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَعْتُوهِ ثُمَّ جُزْءُ أَصْلِ الْقَرِيبِ كَالْأَخِ إلَّا الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ بَنِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ عَمُّ أَبِيهِ ثُمَّ بَنِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ عَمُّ جَدِّهِ ثُمَّ بَنِيهِ الرَّاجِحُ وَالرُّجْحَانُ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَعْيَانِيُّ عَلَى الْعَلَّاتِيِّ ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَلَوْ قَالَ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ وَحْدَهُ لَا يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ بَلْ يُقَدَّمُ بِأَنْ يَأْخُذَ فَرْضَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْخُذَ الِابْنُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا اُعْتُبِرَ مَعَهُ تَرْتِيبُ الْحُجُبِ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يُحْجَبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى أَبِيهَا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْوِلَايَةُ لَهُمَا أَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقَدَّمُ الْأَبُ احْتِرَامًا لَهُ. (وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ) وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا إلَّا فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ (وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ) عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَكَذَا عَلَى

غَيْرِهِمْ (وَلَا كَافِرٍ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ) دُونَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ، أَوْ سُلْطَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ (عَصَبَةٌ) نَسَبِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ (فَلِلْأُمِّ) مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي: التَّزْوِيجُ (ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ) . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الْأُخْتَ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ (ثُمَّ لِوَلَدِ الْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى (ثُمَّ لِذَوِي الْأَرْحَامِ) وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ، وَفِي الْأَصْلِ وِعَاءُ الْوَلَدِ (الْأَقْرَبِ) أَيْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ (فَالْأَقْرَبُ) . وَفِي الْإِصْلَاحِ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنْ شَرْعِ الشَّافِي الْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْأُمُّ ثُمَّ الْبِنْتُ، ثُمَّ بِنْتُ الْبِنْتِ، ثُمَّ بِنْتُ ابْنِ الِابْنِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأَمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ أَوْلَادُهُنَّ، ثُمَّ الْعَمَّاتُ ثُمَّ الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْجَدُّ الْفَاسِدُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيُفْتَى بِمَا ذُكِرَ فِي الشَّافِي لِأَنَّ الْأُمَّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْتِ وَمِنْ هَهُنَا تَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْ ذِي الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ فِي الْفَرَائِضِ وَإِنَّ مَنْ قَالَ، ثُمَّ الْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأَمٍّ لَمْ يُصِبْ، انْتَهَى. لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى مَا فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ تَرْتِيبُ الْإِرْثِ عَلَى مَا فِي الْفَرَائِضِ فَكَلَامُ الْخُلَاصَةِ مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ الْإِصَابَةِ، تَدَبَّرْ. (التَّزْوِيجُ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَالنَّظَرُ يَتَحَقَّقُ بِالتَّفْوِيضِ إلَى مَنْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَشْهَرِ) . وَفِي الْإِصْلَاحِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعِنْدَهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ لَكِنْ هُوَ غَرِيبٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتُونَ الْمَوْضُوعَةَ لِبَيَانِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (ثُمَّ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ) أَيْ مَنْ عَاهَدَ إنْسَانًا عَلَى أَنَّهُ إنْ جَنَى فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فَإِرْثُهُ لَهُ وَلَوْ امْرَأَتَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا إنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (ثُمَّ لِقَاضٍ) كَتَبَ السُّلْطَانُ (فِي مَنْشُورِهِ) أَيْ مَكْتُوبِهِ (ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ نَائِبًا عَنْ السُّلْطَانِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وِلَايَةِ السُّلْطَانِ قَبْلَ الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ مُطْلَقًا وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ الْإِمَامِ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُوصِي عَيَّنَ رَجُلًا فِي حَيَاتِهِ فَزَوَّجَهَا الْوَصِيُّ بِهِ جَازَ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِي حَيَاتِهِ تَزْوِيجَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلِلْأَبْعَدِ) أَيْ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ

فصل الكفاءة في النكاح

(التَّزْوِيجِ) خِلَافًا لِزُفَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ (إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا) غَيْبَةً حَقِيقِيَّةً، أَوْ حُكْمِيَّةً كَمَا إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ عَنْ تَزْوِيجِهِمَا فَيُزَوِّجُهُمَا الْقَاضِي لَكِنَّ تَزْوِيجَهُ هُنَا نِيَابَةٌ عَنْ الْعَاضِلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ بِالْمَنْعِ وَلِلْقَاضِي كَفُّ أَيْدِي الظَّلَمَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْوَلِيَّ الْأَقْرَبَ إذَا عَضَلَ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْأَبْعَدِ فَلِذَا قُلْنَا: إنَّهُ نَائِبٌ بِإِذْنِ الشَّرْعِ كَمَا فِي فَيْضِ الْكُرْكِيِّ وَأَرَادَ مِنْ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ (بِحَيْثُ لَا يَنْتَظِرُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ جَوَابَهُ) أَيْ جَوَابَ الْأَقْرَبِ فَلَوْ انْتَظَرَهُ الْخَاطِبُ لَمْ يُنْكِحْ الْأَبْعَدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ وَهُوَ الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطُ وَالذَّخِيرَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّ الْكُفْءَ لَا يَتَّفِقُ كُلَّ الْوَقْتِ وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا فِي الْبَلَدِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً (وَقِيلَ مَسَافَةُ السَّفَرِ) أَيْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْوَالِجِيِّ (وَقِيلَ: بِحَيْثُ لَا تَصِلُ الْقَوَافِلُ إلَيْهِ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ: مَسِيرَةَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامَيْنِ وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ فَلِهَذَا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَبْطُلُ) تَزْوِيجُ الْأَبْعَدِ مَعَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ (بِعَوْدِهِ) أَيْ بِعَوْدِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ تَامَّةٍ خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُتَسَاوِيَانِ) فِي الْمَرْتَبَةِ كَالْأَخَوَيْنِ مَثَلًا (فَالْعِبْرَةُ لِلْأَسْبَقِ) لِوُجُودِ الْعَقْدِ مِنْ وَلِيٍّ قَرِيبٍ بِلَا مُعَارِضٍ. (وَإِنْ كَانَا مَعًا بَطَلَا) لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَا يَدْرِي السَّابِقَ مِنْ اللَّاحِقِ (وَيَصِحُّ كَوْنُ الْمَرْأَةِ وَكِيلَةً فِي النِّكَاحِ) كَمَا صَحَّ أَنْ تَكُونَ أَصِيلَةً. [فَصْلٌ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاح] فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ (تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ مَصْدَرُ الْكُفْءِ بِمَعْنَى النَّظِيرِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي خُصُوصِ أُمُورٍ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ جَانِبُ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِ مَنْ دُونَهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْكَفَاءَةُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ

خِلَافًا لَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّ الْمَرْأَةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِرِضَاهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، ثُمَّ عَلِمَ لَا خِيَارَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ بِالْكَفَاءَةِ أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ أَوْ عَقَدَ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فَلَهُ الْخِيَارُ (فِي) وَقْتِ (النِّكَاحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ بَعْدَهُ كُفْئِيَّتُهُ لَهَا بِأَنْ صَارَ فَاسِقًا مَثَلًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكَفَاءَةُ فِيهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِهَذَا قَدَّرْنَا الْوَقْتَ ثُمَّ تُعْتَبَرُ فِي الْعَرَبِ (نَسَبًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ التَّفَاخُرُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى» (فَقُرَيْشٌ) هُوَ مِنْ وَلَدِ نَضْرِ بْنِ كِنَانَةَ (بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ) وَلَا يُعْتَبَرُ الْفَاضِلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلِهَذَا «زَوَّجَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنْتَهُ مِنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ أُمَوِيٌّ لَا هَاشِمِيٌّ وَزَوَّجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ هَاشِمِيٌّ بِنْتَهُ مِنْ فَاطِمَةَ أُمَّ كُلْثُومٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ قُرَيْشِيٌّ عَدَوِيٌّ» (وَغَيْرُهُمْ) أَيْ غَيْرُ الْقُرَيْشِيِّ (مِنْ الْعَرَبِ لَيْسُوا كُفْئًا لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ الْعَرَبِ نَسَبًا. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَا يَكُونُ الْعَالِمُ وَلَا الْوَجِيهُ كَالسُّلْطَانِ كُفْئًا لِعَلَوِيَّةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَالِمَ كُفْءٌ لِلْعَلَوِيَّةِ إذْ شَرَفُ الْعِلْمِ فَوْقَ النَّسَبِ وَلِذَا قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بَلْ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الْعَرَبِ (أَكْفَاءُ بَعْضٍ) ؛ لِتَسَاوِيهِمْ فَلَا يَكُونُ الْعَجَمُ كُفْئًا لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، أَوْ وَجِيهًا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (وَبَنُو بَاهِلَةَ) فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَالتَّأْنِيثُ لِلْقَبِيلَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمَ رَجُلٍ، أَوْ اسْمَ امْرَأَةٍ (لَيْسُوا كُفْءَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ) . وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ إلَّا بَنُو بَاهِلَةَ لِخَسَاسَتِهِمْ لَا يَكُونُونَ كُفْئًا لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَكَانُوا يَأْخُذُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ يَطْبُخُونَ بِهَا وَيَأْخُذُونَ دُسُومَاتِهَا كَمَا قِيلَ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْلَمُ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَضِيلَةٍ مِنْهُمْ، أَوْ بَطْنِ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ تَأَمَّلْ (وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ (فِي الْعَجَمِ) أَيْ غَيْرِ الْعَرَبِ (إسْلَامًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ إسْلَامِ أَبٍ وَجَدٍّ إذْ بِهِ تَفَاخُرُهُمْ لَا بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ (وَحُرِّيَّةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ فَتُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةُ (فَمُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ) تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (أَبُوهُ كَافِرٌ) صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ (أَوْ رَقِيقٌ غَيْرُ كُفْءٍ لِمَنْ لَهَا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْحُرِّيَّةِ) لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَاخَرُونَ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَفَاخَرُونَ بِالنَّسَبِ. وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ. وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ، ثُمَّ قَالَ مُعْتَقُ النَّبَطِيِّ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمُعْتَقَةِ الْهَاشِمِيِّ (وَمَنْ لَهُ أَبٌ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ (أَوْ فِيهَا) أَيْ فِي الْحُرِّيَّةِ (غَيْرُ كُفْءٍ لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ) فِيهِ، أَوْ فِيهَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْجَدِّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ مُسْلِمٌ، أَوْ حُرٌّ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ يَكُونُ أَبُوهُ وَجَدُّهُ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ حُرَّيْنِ إلْحَاقًا لِلْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي تَعْرِيفِ الشَّاهِدَيْنِ (وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ كُفْءٌ لِمَنْ لَهَا آبَاءٌ) ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْجَدِّ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا وَالتَّعْرِيفُ لَازِمٌ فَلَا يُشْتَرَطُ (وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ (دِيَانَةً) أَيْ صَلَاحًا وَحَسَبًا وَتَقْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْكَرْمَانِيِّ، أَوْ عَدَالَةً عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ أَيْ الصَّحِيحُ اقْتِرَانُ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ. وَقَالَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مِنْ حَيْثُ الصَّلَاحِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَقِيلَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْكَفَاءَةَ فِي الدَّيْنِ وَقَالَ: إذَا كَانَ الْفَاسِقُ ذَا مُرُوءَةٍ كَأَعْوِنَةِ السُّلْطَانِ، وَكَذَا عَنْهُ إنْ كَانَ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ سِرًّا وَلَا يَخْرُجُ وَهُوَ سَكْرَانُ يَكُونُ كُفْئًا وَإِلَّا لَا وَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ وَالْمَعْنَى: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ التَّقْوَى مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا يَفُوتُ النِّكَاحُ بِفَوَاتِهَا إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِهِ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَوْلَى سَعْدِي أَفَنْدِي كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَكِنَّ الْإِفْتَاءَ بِمَا فِي الْمُتُون أَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْئًا لِبِنْتِ صَالِحٍ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ بَنَاتِ الصَّالِحِينَ صَالِحَاتٌ وَإِلَّا فَتَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنْتُهُ فَاسِقَةً فَتَكُونُ كُفْئًا لِفَاسِقٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَالْعِبَارَةُ الظَّاهِرَةُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ وَهِيَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلصَّالِحَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُعْلِنْ) الْفَاسِقُ (فِي اخْتِيَارِ الْفُضْلَى وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ (مَالًا) بِأَنْ يَمْلِكَ مِنْ الْمَهْرِ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْبُضْعِ وَبِأَنْ يَكْسِبَ نَفَقَةً كُلَّ يَوْمٍ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يُتَمِّمُ الِازْدِوَاجَ وَقَبْلُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْعَقْدِ مَالِكًا لِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَقِيلَ لِنَفَقَةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ لِنَفَقَةِ سَنَةٍ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَهُوَ كُفْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ

نَفَقَةَ نَفْسِهِ يَكُونُ كُفْئًا لَهَا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (فَالْعَاجِزُ عَنْ الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ غَيْرُ كُفْءٍ لِلْفَقِيرَةِ) فَلِلْغَنِيَّةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضُ بُضْعِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ وَالنَّفَقَةُ تَنْدَفِعُ بِهَا حَاجَتَهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ يَكُونُ كُفْئًا لِأَنَّ الْمُسَاهَلَةَ تَجْرِي فِي الْمَهْرِ وَيُعَدُّ الِابْنُ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَالْآبَاءُ يَتَحَمَّلُونَ الْمَهْرَ عَنْ الْأَبْنَاءِ عَادَةً وَلَا يَتَحَمَّلُونَ النَّفَقَةَ الدَّارَّةَ، وَلَوْ قَالَ غَيْرُ كُفْءٍ لِأَحَدٍ لَكَانَ أَشْمَلَ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِدَفْعِ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ كُفْئًا لَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إنْ كَانَ عَلَوِيًّا، أَوْ عَالِمًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْمَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ كُفْئًا لِلصَّغِيرَةِ الْغَنِيَّةِ (وَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَة (كُفْءٌ لِذَاتِ أَمْوَالٍ عِظَامٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَلَا عِبْرَةَ لِكَثْرَتِهِ مَعَ أَنَّ الْكَثْرَةَ فِي الْأَصْلِ مَذْمُومٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تَصَدَّقَ بِهِ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَفْخَرُونَ بِالْغِنَى وَيُعَيِّرُونَ بِالْفَقْرِ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَأَيْت ذَا الْغِنَى مَهِيبًا وَذَا الْفَقْرِ مَهِينًا. (وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ (حِرْفَةً) هِيَ اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَافِ أَيْ الِاكْتِسَابِ (عِنْدَهُمَا) فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ تَفْحُشَ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالدَّبَّاغِ. (وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا تُعْتَبَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَالتَّحَوُّلَ مُمْكِنٌ مِنْ الدَّنِيَّةِ إلَى الشَّرِيفَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَفْتَخِرُونَ بِشَرِيفِ الصِّنَاعَةِ وَيُعَيِّرُونَ بِخَسِيسِهَا (فَحَائِكٌ أَوْ حَجَّامٌ، أَوْ كَنَّاسٌ، أَوْ دَبَّاغٌ) ، أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ حَدَّادٌ، أَوْ خَفَّافٌ وَأَخَسُّ كُلِّهِمْ خَادِمُ الظُّلْمَةِ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آكِلِي دِمَاءِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (غَيْرُ كُفْءٍ لِعَطَّارٍ، أَوْ بَزَّازٍ أَوْ صَرَّافٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ حِرْفَةً فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفْئَانِ (وَبِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْحِرْفَةِ (يُفْتَى) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْمَرَضَ لَمْ يَسْلُبْ الْكَفَاءَةَ فَالْمَرِيضُ كُفْءٌ لِلصَّحِيحَةِ وَالْمَجْنُونُ لِلْعَاقِلَةِ، وَكَذَا الْقَرَوِيُّ فَالْقَرَوِيُّ كُفْءٌ لِلْبَلَدِيَّةِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَتْ)

فصل تزويج الفضولي وغيره

الْمَرْأَةُ (غَيْرَ كُفْءٍ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذُكِرَتْ لَكِنْ ذَكَرَ هَهُنَا لِتَمْهِيدِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ نَقَصَتْ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (أَنْ يُفَرِّقَ إنْ لَمْ يَتِمَّ) مَهْرُ مِثْلِهَا (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَلِذَا كَانَ لَهَا أَنْ تَهَبَهُ فَلَأَنْ تَنْقُصَهُ أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّ الْمَهْرَ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَقُّ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ التَّنْقِيصُ مِنْهُ شَرْعًا وَإِنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ فَيَقْدِرُونَ عَلَى مُخَاصَمَتِهَا إلَى تَمَامِهِ وَالِاسْتِيفَاءُ حَقُّهَا إنْ شَاءَتْ قَبَضَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ وَهَبَتْهُ (وَقَبْضُهُ) أَيْ الْوَلِيُّ (الْمَهْرَ أَوْ تَجْهِيزُهُ، أَوْ طَلَبُهُ بِالنَّفَقَةِ رِضًا) دَلَالَةً فَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِرَاضُ بَعْدَهُ. وَفِي الْبَحْرِ وَتَصْدِيقُ الْوَلِيِّ بِأَنَّهُ كُفْءٌ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ أَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَإِنْكَارُ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ (لَا سُكُوتُهُ) ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًى إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ (وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ) الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُرْبِ (فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْبَاقِي الِاعْتِرَاضُ مُطْلَقًا وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ لِأَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ يَنْفَرِدُ بِالِاعْتِرَاضِ إذَا سَكَتَ الْبَاقُونَ. [فَصْلٌ تَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ وَغَيْرِهِ] فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ وَغَيْرِهِ (وَوُقِفَ) أَيْ جُعِلَ مَوْقُوفًا (تَزْوِيجُ فُضُولِيٍّ) مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَلَا أَصِيلًا وَلَا وَكِيلًا (أَوْ فُضُولِيِّينَ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (عَلَى الْإِجَازَةِ) أَيْ إجَازَةِ مَنْ لَهُ الْعَقْدُ بِالْقَوْلِ، أَوْ الْفِعْلِ فَإِنْ أَجَازَ يَنْفُذُ وَإِلَّا لَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَاطِلٌ وَإِنْ جَازَ (وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ) وَهُمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِكَلَامٍ، أَوْ كَلَامَيْنِ (وَاحِدٌ) خِلَافًا لِزُفَرَ (بِأَنْ كَانَ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ) كَمَنْ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ بِابْنِ أَخٍ آخَرَ (أَوْ وَكِيلًا مِنْهُمَا) كَمَنْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِالتَّزْوِيجِ وَوَكَّلَتْهُ امْرَأَةٌ

بِهِ أَيْضًا (أَوْ وَلِيًّا وَأَصِيلًا) كَابْنِ عَمٍّ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ مِنْ بِنْتِ عَمِّهِ الصَّغِيرَةِ (أَوْ وَلِيًّا وَوَكِيلًا) كَابْنِ عَمٍّ يُزَوِّجُ بِنْتَ عَمِّهِ الصَّغِيرَةَ مِنْ مُوَكِّلِهِ (وَوَكِيلًا وَأَصِيلًا) كَمَنْ يُزَوِّجُ مِنْ مُوَكِّلَتِهِ بِنَفْسِهِ (وَلَا يَتَوَلَّاهُمَا) أَيْ طَرَفَيْ النِّكَاحِ (فُضُولِيٌّ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْوَاحِدِ الْفُضُولِيِّ أَنْ يَعْقِدَ لِلطَّرَفَيْنِ وَيَتَوَقَّفُ عَقْدُهُ عَلَى إجَازَتِهِمَا مَثَلًا إذَا قَالَ زَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ فَلَمْ يَقْبَلْ عَنْ الْآخَرِ قَابِلٌ، أَوْ قَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ، أَوْ قَالَتْ زَوَّجْتُ نَفْسِي فُلَانًا فَلَمْ يَقْبَلْ عَنْ الْآخَرِ أَحَدٌ يَتِمُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ عَاقِدًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا كَانَ بِأَمْرِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إذْ الْوَاحِدُ يَصْلُحُ سَفِيرًا عَنْ الْجَانِبَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُ التَّنَافِي لِعَوْدِ الْحُقُوقِ إلَى مَنْ عَقَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا شَطْرُ عَقْدٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَبَيْعٍ إذْ التَّوَقُّفُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا بِاثْنَيْنِ فَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ مِنْ الْفُضُولِيَّيْنِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْفَتْحِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ أَمَةً) أَيْ أَمَةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ امْرَأَةً فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا أَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَ وَكِيلُ الرَّجُلِ بِنْتَهُ أَوْ بِنْتَ وَلَدِهِ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ وَهُوَ وَلِيُّهَا لَا يَجُوزُ لِلتُّهْمَةِ وَالْخَانِيَّةُ: وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ أُخْتَهُ جَازَ (لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ أَمِيرًا (وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ بِالْأَكْفَاءِ (وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصِحُّ مُقَيَّدًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ سَوْدَاءَ فَزَوَّجَهُ بَيْضَاءَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ عَمْيَاءَ فَزَوَّجَهُ بَصِيرَةً يَصِحُّ وَلَوْ أَمَةً فَزَوَّجَهُ حُرَّةً لَا، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ قَبِيلَةٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ أُخْرَى. وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ صَغِيرَةً جَازَ وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إذَا كَانَ لَا يُجَامَعُ بِمِثْلِهَا كَالرَّتْقَاءِ وَفِيهِ إجْمَاعٌ وَقِيلَ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرَةِ قَوْلُ الْكُلِّ وَلَوْ زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ، أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ مَفْلُوجَةً، أَوْ مَجْنُونَةً جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ عَوْرَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ إحْدَى الْيَدَيْنِ، أَوْ الرِّجْلَيْنِ جَازَ إجْمَاعًا. وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ غَدًا بَعْدَ الظُّهْرِ فَزَوَّجَهُ قَبْلَ الظُّهْرِ، أَوْ بَعْدَ الْغَدِ لَا، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَنَكَحَ صَحِيحًا. وَلَوْ قَالَ هَبْ لِفُلَانٍ فَقَالَ وَهَبْت فَمَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَلِي التَّوْكِيلَ وَإِذَا قَالَ قَبِلْت انْعَقَدَ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلِيُّهَا، أَوْ وَكِيلُهَا: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ

باب المهر

وَكِيلُهُ أَوْ وَلِيُّهُ قَبِلْت يَقَعُ لِلْمَوْلَى وَالْمُوَكِّلِ وَأَنْ يُضَفْ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَقْتَضِي إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ (وَلَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ) وَاحِدَةٍ (لَا يَلْزَمُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) فَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ. وَلَوْ قَالَ لَا يَنْفُذُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا، أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا أَيَّتِهِمَا شَاءَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَيَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقُ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ تَدَبَّرْ وَلَوْ زَوَّجَهُ بِعَقْدَيْنِ فَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ دُونَ الثَّانِي وَلَوْ عَيَّنَ امْرَأَةً فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى لَزِمَتْ الْمُعَيَّنَةُ. (وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ، أَوْ الْجَدُّ الصَّغِيرَ، أَوْ الصَّغِيرَةَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمَهْرِ) بِأَنْ زَوَّجَ الْبِنْتَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ (أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ) بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ أَمَةً، أَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَبْدًا (جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِوُجُودِ الشَّفَقَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِفَوَاتِ النَّظَرِ وَالْوِلَايَةُ مُقَيَّدَةٌ بِهِ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَوْءِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً وَفِسْقًا كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجُهُمَا بِالْغَبْنِ وَغَيْرِ الْكُفْءِ (لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ) . وَفِي التَّلْوِيحِ وَلَوْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا فَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ وَمَنْ وَهَمَ أَنَّهُ يَصِحُّ لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ فَقَدْ وَهَمَ، انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَصِحُّ تَزْوِيجُ غَيْرِهِمَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَفِي الْجَوَامِعِ وَبِغَيْرِ كُفْءٍ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الرِّوَايَةِ لَا عَلَى عَدَمِهَا كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ، وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْوِيحِ وَلَمْ يَصِحَّ أَصْلًا تَدَبَّرَ. [بَابُ الْمَهْرِ] هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ فَيَعْقُبُهُ وَلَهُ أَسْمَاءٌ: الْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالصَّدَاقُ وَالْعُقْرُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْفَرِيضَةُ وَالْأُجْرَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَلَاقُ (يَصِحُّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) إجْمَاعًا لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ ازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ وَالْمَالُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَصْلِيٍّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهُ. (وَ) كَذَا (مَعَ نَفِيهِ) أَيْ يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ وَيَكُونُ النَّفْيُ لَغْوًا خِلَافًا لِمَالِكٍ. [قِيمَة الْمَهْر] (وَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَسْكُوكَةً بَلْ تِبْرًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْمَسْكُوكَةُ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ تَقْلِيلًا لِوُجُودِ الْحَدِّ وَانْتَظَمَ كَلَامُهُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةٍ دَيْنٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ، فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ رُبْعُ دِينَارٍ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كُلُّ مَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ يَصْلُحُ مَهْرًا فَتَعَلُّمُ الْقُرْآنِ وَطَلَاقُ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَالْعَفْوُ عَنْ

الْقِصَاصِ يَصْلُحُ مَهْرًا عِنْدَهُ لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يَصِيرُ حَسَنًا إذَا كَانَ ضَعْفُهُ بِغَيْرِ الْفِسْقِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وُجُوبًا إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَيُقَدَّرُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ وَهُوَ الْعَشَرَةُ وَمَا دَلَّ عَلَى مَا دُونَهَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَجَّلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَةُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ يَوْمَ كَسَدَتْ هُوَ الْمُخْتَارُ (فَلَوْ سَمَّى دُونَهَا) أَيْ الْعَشَرَةِ (لَزِمَتْ الْعَشَرَةُ) لِحَقِّ الشَّرْعِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا تَجِبُ الْعَشَرَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. (وَإِنْ سَمَّاهَا) أَيْ الْعَشَرَةَ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهَا (لَزِمَ الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ (أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّ الْمَوْتَ كَالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ لَا غَيْرَ (وَ) لَزِمَ (نِصْفُهُ) أَيْ الْمُسَمَّى (بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ) قَبْلَ (الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الْآيَةُ وَهَذَا الْحُكْمُ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالطَّلَاقِ بَلْ يَعُمُّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ كَالرِّدَّةِ وَالْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَتَقْبِيلِ ابْنَتِهَا بِشَهْوَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَعْدَ قَوْلِهِ بِالدُّخُولِ لِإِرَادَةِ الدُّخُولِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُذْكَرَ فِي الثَّانِيَةِ. وَفِي الْكَافِي قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ أَذْهَبَ عُذْرَتَهَا دَفْعًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالْخَلْوَةِ يَكْمُلُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوَطْءِ فَيَتَأَكَّدُ بِهِ الْمَهْرُ وَعِنْدَهُمَا يَتَنَصَّفُ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ دَفَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَزَالَتْ عُذْرَتُهَا وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ) أَيْ الْمَهْرِ (أَوْ نَفَاهُ) بِأَنْ عَقَدَ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا (لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ، أَوْ الْمَوْتِ) إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا وَإِلَّا فَذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمَوْتِ. (وَ) لَزِمَ (بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ مُتْعَةٌ) أَيْ تَجِبُ مُتْعَةٌ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، أَوْ نَفَاهُ وَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَمَّا إذَا حَصَلَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ كَرِدَّتِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ وَإِرْضَاعِهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَخِيَارُهَا الْفَسْخُ بِالْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ

فَلَا (مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِ) لَا بِحَالِهَا (فِي الصَّحِيحِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الْآيَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا فِي الْمُتْعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَمَّا فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا: لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي لُزُومِ الْمِثْلِ الْمُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فَكَذَا خَلَفُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ هَذَا أَصَحُّ، وَقَالَ الْخَصَّافُ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا. وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ: الْمُتْعَةُ مَا يُقَدِّرُهُ الْحَاكِمُ (لَا تَنْقُصُ) الْمُتْعَةُ (عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) إنْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيرًا إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَنْقُصُ كَمَا تُزَادُ (وَلَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) لَوْ كَانَ غَنِيًّا أَيْ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا فِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يُزَادُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَهِيَ) أَيْ الْمُتْعَةُ (دِرْعٌ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَمِيصُ الْمَرْأَةِ. وَفِي الْمُغْرِبِ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ (وَخِمَارٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُخَمَّرُ بِهِ الرَّأْسُ أَيْ يُغَطَّى (وَمِلْحَفَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُلْحَفُ بِهِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمَيْهَا وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالُوا هَذَا فِي دِيَارِهِمْ وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا يُلْبَسُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ إزَارٌ وَمِكْعَبٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ السَّفَلَةِ فَمِنْ الْكِرْبَاسِ وَمِنْ الْوُسْطَى فَمِنْ الْقَزِّ وَمِنْ مُرْتَفِعَةِ الْحَالِ فَمِنْ الْإِبْرَيْسَمِ، وَفِي النُّتَفِ أَفْضَلُ الْمُتْعَةِ خَادِمٌ. (وَكَذَا الْحُكْمُ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَوْ الْمُتْعَةُ (لَوْ تَزَوَّجَهَا بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، أَوْ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَمَّى بِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَرِطْلًا مِنْ خَمْرٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَلَا يَكْمُلُ مَهْرُ الْمِثْلِ. (أَوْ) تَزَوَّجَهَا (بِهَذَا) الدَّنِّ مِنْ (الْخَلِّ إذَا هُوَ خَمْرٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْخَمْرِ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا مِثْلَ وَزْنِهِ خَلًّا وَسَطًا؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى وَالْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى. (أَوْ) تَزَوَّجَهَا (بِهَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يَجِبُ فِيهِ مِثْلُ قِيمَتِهِ عَبْدًا لِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا فِي مَالٍ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَوَافَقَ مُحَمَّدٌ الْإِمَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَبَا يُوسُفَ فِي الْخَمْرِ وَتَحْقِيقُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلْيُرَاجَعْ. (أَوْ) تَزَوَّجَهَا (بِثَوْبٍ أَوْ بِدَابَّةٍ) ، أَوْ بِدَارٍ (لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهُمَا) مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، أَوْ مِنْ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِأَنَّ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لَا يُعْرَفُ الْوَسَطُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَفْرَادِ الْمُتَمَاثِلَةِ وَذَلِكَ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الَّذِي تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّوْبُ الَّذِي تَحْتَهُ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ وَالْحَرِيرُ وَاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ

أَيْضًا وَالدَّارِ الَّتِي تَحْتَهَا مَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالضِّيقِ وَالسِّعَةِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ أَفْحَشَ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَوْلَى، وَإِنْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ عَبْدٌ أَمَةٌ فَرَسٌ حِمَارٌ بَيْتٌ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى بَيْتٍ وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا بَاقِيهَا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا الْبَيْتُ فِي عُرْفِنَا فَلَيْسَ خَاصًّا بِمَا يُبَاتُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ لِمَجْمُوعِ الْمَنْزِلِ وَالدَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَسْمِيَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ كَالدَّارِ وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ قِيمَتِهِ لَوْ أَتَاهَا بِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِجَوَازِ إطْلَاقِ الْجِنْسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْأَمْرِ الْعَامِّ سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ، أَوْ نَوْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْتَفِتَ أَهْلُ الشَّرْعِ إلَى مَا اصْطَلَحَ الْفَلَاسِفَةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَشْفِ. (أَوْ) تَزَوَّجَهَا (بِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (أَوْ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَهَا سَنَةً) ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأُطْلِقَ فِي الْخِدْمَةِ فَشَمِلَ رَعْيَ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةَ أَرْضِهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهَا إجْمَاعًا اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ بِلَا إنْكَارٍ كَمَا فِي الْكَافِي. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ قِيمَةَ خِدْمَتِهِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا قِيمَةُ الْخِدْمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ كَمَا فِي الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِلْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ. (وَكَذَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي) النِّكَاحِ (الشِّغَارُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ شَغَرَ الْبَلَدَ شُغُورًا إذَا خَلَا مِنْ حَافِظٍ يَمْنَعُهُ (وَهُوَ) هُنَا (أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ) أَوْ أُخْتَهُ لِلْآخَرِ (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ) الْآخَرُ (بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ مُعَاوَضَةً بِالْعَقْدَيْنِ) أَيْ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ وَلَا مَهْرٌ سِوَى ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ بَقِيَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فَاسِدَةٌ فَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَ) هَا (عَلَى خِدْمَتِهِ لَهَا سَنَةً وَهُوَ عَبْدٌ فَلَهَا الْخِدْمَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَدَمَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَارَ كَأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ حَقِيقَةً وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ إذْ لَيْسَ لَهُ شَرَفُ الْحُرِّيَّةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ فُهِمَتْ مِمَّا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ فَهَهُنَا صَرَّحَ بِهَا. (وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) فَقَبِلَتْ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا (فَعِتْقُهَا صَدَاقُهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا» (وَعِنْدَهُمَا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) لِبُطْلَانِ تَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ. (وَلَوْ أَبَتْ) أَيْ الْأَمَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ عِتْقِهَا (أَنْ تَتَزَوَّجَهُ) أَيْ الْمَوْلَى نَفْسُهَا (فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا لَهُ) أَيْ فَعَلَى الْأَمَةِ أَنْ تُسَمِّيَ قِيمَةَ نَفْسِهَا لِمَوْلَاهَا (إجْمَاعًا) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا الْتَزَمَتْ النِّكَاحَ لَا الْمَالَ فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ مَا لَمْ تَلْزَمْهُ وَلَنَا أَنَّهَا شَرَطَتْ لِلْمَوْلَى مَنْفَعَةً بِمُقَابَلَةِ عِتْقِهَا

فَلَمَّا فَاتَتْ عَنْهُ الْمَنْفَعَةُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَ الْعِتْقَ لَكِنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يُنْقَضُ فَوَجَبَ نَقْضُهُ مَعْنًى بِإِلْزَامِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ. (وَلِلْمُفَوِّضَةِ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَنْ فَوَّضَتْ أَمْرَهَا إلَى وَلِيِّهَا وَزَوْجِهَا بِلَا مَهْرٍ وَبِفَتْحِهَا مَنْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا إلَى الزَّوْجِ بِلَا مَهْرٍ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارِ (مَا فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ دَخَلَ) بِهَا (أَوْ مَاتَ) عَنْهَا زَوْجُهَا كَذَا فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالِهَا فِي مَوْتِهَا أَيْضًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِكَوْنِ مَطْمَحِ النَّظَرِ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَا بَيَانَ نَصِيبِ وَرَثَتِهَا مِنْ مَهْرِهَا، تَدَبَّرْ. وَكَذَا إذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَامَ مَقَامَ فَرْضِهِمَا (وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَلَا يَتَنَصَّفُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَخْصُوصٌ بِالْمَفْرُوضِ فِي الْعَقْدِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَالْمَفْرُوضُ بَعْدَهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى (نِصْفُ مَا فَرَضَ) بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَفْرُوضًا فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ. (وَإِنْ زَادَ) الزَّوْجُ (فِي مَهْرِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْ) أَيْ وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] وَقَدْ تَرَاضَيَا بِالزِّيَادَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: هِيَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ إنْ قَبَضَتْهَا صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَتَسْقُطُ) أَيْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ (بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُسَمَّ يُبْطِلُهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) فِي قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (تَتَنَصَّفُ) الزِّيَادَةُ (أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا فُرِضَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . (وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ) أَيْ إنْ حَطَّتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَعْضًا، أَوْ كُلًّا عَنْ الزَّوْجِ (صَحَّ) الْحَطُّ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا، وَالْحَطُّ يُلَاقِي حَقَّهَا وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ لِصِحَّتِهَا وَلَكِنْ لَا يَرْتَدُّ حَطُّهَا بِرَدِّهِ. (وَإِذَا خَلَا) الزَّوْجُ (بِهَا بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْوَطْءِ حِسًّا) أَيْ مَنْعًا حِسِّيًّا (أَوْ شَرْعًا، أَوْ طَبْعًا) فَالْمَانِعُ الْحِسِّيُّ (كَمَرَضٍ) لِأَحَدِهِمَا (يَمْنَعُ الْوَطْءَ) سَوَاءٌ كَانَ مَنْعُهُ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْوَطْءُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ مَرَضُ الزَّوْجِ مَانِعٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا مَرَضُهَا فَإِنَّمَا يَمْنَعُ إذَا كَانَ يَضُرُّهَا. وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَرَتَقٍ) بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ قَوْلِك رَتْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا لِارْتِقَاقِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِيهَا، وَكَذَا مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَغِيرًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا أَمَةٌ مِنْ جَانِبِ أَحَدِهِمَا، أَوْ امْرَأَةٌ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ الثَّالِثُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ

أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَعْمَى، أَوْ نَائِمًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْجَوَارِيَ مُطْلَقًا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارِ: أَنَّ جَارِيَتَهَا لَا تَمْنَعُ كَجَارِيَتِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا مَا إذَا كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ مَأْمُونِ الِاطِّلَاعِ كَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ، أَوْ الْحَمَّامِ. وَقَالَ الشَّدَّادُ تَصِحُّ فِيهَا فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَلَوْ خَلَا بِهَا وَمَعَهَا أَعْمَى، أَوْ نَائِمٌ لَا تَكُونُ خَلْوَةً؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يُحِسُّ وَالنَّائِمَ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا نَائِمٌ إنْ كَانَ نَهَارًا لَا تَصِحُّ وَإِنْ لَيْلًا تَصِحُّ وَالْكَلْبُ يَمْنَعُ إنْ كَانَ عَقُورًا، أَوْ لِلزَّوْجَةِ وَإِلَّا لَا وَفِي الْبَيْتِ الْغَيْرِ الْمُسْقَفِ تَصِحُّ، وَكَذَا عَلَى سَطْحِ الدَّارِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حِجَابٌ، وَفِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَهُوَ خَلْوَةٌ، وَفِي بُسْتَانٍ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ لَا تَصِحُّ، وَكَذَا فِي الْجَبَلِ وَالْمَفَازَةِ مِنْ غَيْرِ خَيْمَةٍ. (وَ) الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ نَحْوُ (صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِحْرَامِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ) ؛ لِمَا فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ كَفَّارَةٍ وَقَضَاءٍ وَفِي إفْسَادِ الْإِحْرَامِ دَمٌ. (وَ) الْمَانِعُ الطَّبِيعِيُّ (حَيْضٌ وَنِفَاسٌ) مِنْ دَمٍ حَقِيقِيٍّ، أَوْ حُكْمِيٍّ فَيَشْمَلُ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ مَانِعًا شَرْعِيًّا أَيْضًا فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ الْبَعْضِ (لَزِمَهُ تَمَامُ الْمَهْرِ) إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَشَرَطَ مَالِكٌ فِي إيجَابِ الْخَلْوَةِ حُكْمَ الْوَطْءِ طُولَ الْمُقَامِ مَعَهَا وَحَدَّ الطُّولَ بِالْعَامِ وَعَنْ أَحْمَدَ الْمَوَانِعُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ) الزَّوْجُ (خَصِيًّا) هُوَ مَنْزُوعُ الْبَيْضَتَيْنِ (أَوْ عِنِّينًا) هُوَ كَوْنُ الرَّجُلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ، أَوْ عَلَى جِمَاعِ الْبِكْرِ، أَوْ عَلَى جِمَاعِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مُطْلَقًا. (وَكَذَا) يَجِبُ الْمَهْرُ التَّامُّ بِالْخَلْوَةِ (لَوْ كَانَ) الزَّوْجُ (مَجْبُوبًا) أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَهُ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا لِلْإِيلَاجِ وَقَدْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا لِذَلِكَ فَتَسْتَحِقُّ كُلَّ الْبَدَلِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ (وَصَوْمُ الْقَضَاءِ غَيْرُ مَانِعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِهِ (فِي الْأَصَحِّ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ مُطْلَقًا. (وَكَذَا) لَا يَمْنَعُ (صَوْمُ النَّذْرِ) وَالْكَفَّارَاتِ (فِي رِوَايَةٍ) وَقِيلَ يَمْنَعُ وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالْإِفْسَادِ وَمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ صَوْمُ فَرْضٍ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِمَنْعِ الصَّوْمَ يَقُولُ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَالْقَائِلَ بِتَخْصِيصِ صَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءً يُخْرِجُ مَا عَدَاهُ مِنْ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ كَالْكَفَّارَاتِ فَقَوْلُ الْكَنْزِ لَيْسَ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ كَمَا لَا يَخْفَى (وَفَرْضُ الصَّلَاةِ) الَّتِي شُرِعَ فِيهَا أَحَدُهُمَا (مَانِعٌ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَالصَّلَاةُ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ لَا تَمْنَعُ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لِشِدَّةِ تَأَكُّدِهِمَا بِالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِمَا (وَالْعِدَّةُ تَجِبُ بِالْخَلْوَةِ وَلَوْ مَعَ الْمَانِعِ) أَيْ

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً (احْتِيَاطًا) اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ، وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدُ لِأَجْلِ النَّسَبِ فَلَا تَصْدُقُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَفِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ؛ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ بِعَدَمِ الشُّغْلِ وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يَخُصَّ الصَّغِيرَ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرِيضَ بِالدَّنِفِ؛ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا. وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُذْهَبِ وُجُوبُ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ لِتَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ قَائِمَةً وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْعَقْدِ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ. (وَالْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ) ، أَوْ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ (لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَمُسْتَحَبَّةٌ لِمُطَلَّقَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ) سَوَاءٌ سَمَّى لَهَا مَهْرًا، أَوْ لَا تَعْوِيضًا عَنْ إيحَاشِهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الْأُنْسِ وَالْأُلْفَةِ وَلَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ الْمَهْرِ مُسْتَوْفِيَةً لَهُ (وَغَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ (سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ) هَذَا عَلَى اخْتِيَارِ الْقُدُورِيِّ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التُّحْفَةِ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْحَصْرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِيهِمَا بِالِاسْتِحْبَابِ وَذَكَرَ فِي مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَرَادَ بِهِ الْمُتْعَةَ لِمُطَلَّقَةٍ لَمْ تُوطَأْ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرٌ وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ قَامَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْمُتْعَةِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَلَوْ سَمَّى لَهَا أَلْفًا وَقَبَضَتْهُ، ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ) بِهَا (رَجَعَ عَلَيْهَا) الزَّوْجُ الْمَوْهُوبُ لَهُ (بِنِصْفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَصَارَ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ وَلِهَذَا لَوْ سَمَّى لَهَا دَرَاهِمَ وَأَشَارَ إلَيْهَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيَدْفَعَ مِثْلَهَا جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَلَا يَلْزَمُهَا رَدُّ عَيْنِ مَا أَخَذَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يَرْجِعُ فِي الْعَيْنِ. (وَكَذَا) كُلُّ (مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) أَيْ، وَكَذَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ

مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ شَيْئًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ مِنْهُ فَكَالْعُرُوضِ وَإِنْ كَانَ تِبْرًا، أَوْ نُقْرَةَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً فَهِيَ كَالْعُرُوضِ فِي رِوَايَةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُعَيَّنِ، وَفِي رِوَايَةٍ كَالْمَضْرُوبَةِ فَلَا يُجْبَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ) مِنْ الْمَهْرِ (ثُمَّ وَهَبَتْ الْكُلَّ، أَوْ الْبَاقِيَ) فِي ذِمَّتِهِ (لَا يَرْجِعُ) الزَّوْجُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَهِبَةُ الْبَعْضِ حَطٌّ فَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَهُ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ سَلَامَهُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ أَلَا يُرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَلْتَحِقُ حَتَّى لَا تَتَنَصَّفَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَوْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ رَجَعَ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا مَثَلًا عَلَى أَلْفٍ فَوَهَبَتْ لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ) فَفِيمَا صَوَّرْنَاهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِثَلَاثِمِائَةٍ (وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا) مِنْ الْمَهْرِ (فَوَهَبَتْهُ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ اسْتِحْسَانًا (لَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَرْضًا) أَيْ عَيْنًا (فَوَهَبَتْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ) وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ نِصْفِ عَيْنِ الْمَهْرِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ حَقَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ مِنْ جِهَتِهَا وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِبَدَلٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّهَا إنْ وَهَبَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَرْجِعُ بِلَا خِلَافٍ وَبَعْدَ الْقَبْضِ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مُسْتَدْرَكًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ هَهُنَا تَأَمَّلْ. وَقَالَ فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَيَرِدُ عَلَى كَلَامِ زُفَرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ فَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ لَا يَتَحَقَّقُ الْهِبَةُ فَكَيْفَ يَرْجِعُ، انْتَهَى. لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ إسْقَاطٌ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ مَعَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ قَبْضِ الْمَرْأَةِ الْعَيْنَ لَا قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى السُّؤَالِ. تَدَبَّرَ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا (عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ) أَيْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ (أَوْ) تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ (عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا) امْرَأَةً أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً (فَإِنْ وَفَّى) بِمَا شَرَطَ (فَلَهَا الْأَلْفُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى صَلُحَ لِلْمَهْرِ وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفِ بِمَا شَرَطَ (فَمَهْرُ الْمِثْلِ) إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

لِأَنَّهُ سَمَّى لَهَا مَا فِيهِ نَفْعٌ وَقَدْ فَاتَ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا إلَّا بِهِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا) أَيْ بِزَوْجَتِهِ فِي بَلْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا) مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ (فَإِنْ أَقَامَ) بِهَا (فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ (فَمَهْرُ الْمِثْلِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ (لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ) إنْ زَادَ عَلَيْهِمَا؛؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ (وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ) إنْ نَقَصَ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ. وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِكُلِّ حَالٍ (وَعِنْدَهُمَا لَهَا أَلْفَانِ إنْ أَخْرَجَهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ بِبَدَلَيْنِ مَعْلُومَيْنِ فَوَجَبَ تَصْحِيحُهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ كَمَا صَحَّ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَلَهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ وَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ الَّتِي مَعَهُ وَالشَّرْطُ الثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ نَشَأَتْ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمُوجَبِ مَا صَحَّ وَهُوَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِيفَاءِ وَمُنَافِي مُوجَبِ مَا صَحَّ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ هُوَ الْأَصْلُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَشْهَدَةِ أَنَّ الْخَطَرَ فِي هَذِهِ دَخَلَ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا وَلَا مُخَاطَرَةَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُهَا وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ هَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَعَلَى أَلْفَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً فَعَلَى أَلْفٍ، أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ فِيهِمَا وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ الْحَالُ مَعَ أَنَّهُمَا خِلَافِيَّتَانِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مَسْأَلَةُ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فَقَدْ نَصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ لَكِنْ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، تَأَمَّلْ. (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ) عَلَى الْإِبْهَامِ وَأَحَدُهُمَا أَعْلَى قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ (فَلَهَا الْأَعْلَى إنْ كَانَ) الْأَعْلَى (مِثْلَ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِرِضَاهَا بِهِ (أَوْ أَقَلَّ) عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِرِضَاهَا بِالْحَطِّ إلَّا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِالْأَدْنَى (وَالْأَدْنَى) أَيْ فَلَهَا الْأَدْنَى (إنْ كَانَ) الْأَدْنَى (مِثْلَهُ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهَا بِهِ (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْهُ لِرِضَاهُمَا بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِالْأَعْلَى وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ قِيمَةً يَجِبُ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي الْكَافِي (وَمَهْرُ مِثْلِهَا إنْ كَانَ) مَهْرُ مِثْلِهَا (بَيْنَهُمَا) بِأَنْ زَادَ عَلَى الْأَقَلِّ وَنَقَصَ مِنْ الْأَكْثَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَصْلٌ يُعْدَلُ عَنْهُ بِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَصِحَّ التَّسْمِيَةُ هُنَا مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يُعْدَلْ عَنْهُ (وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْأَدْنَى بِكُلِّ حَالٍ) إذْ الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ وَبِتَعَذُّرِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ يُعْدَلُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا لِتَعَيُّنِ الْأَقَلِّ هَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْخِيَارُ لَهَا لِتَأْخُذَ أَيًّا شَاءَتْ، أَوْ الْخِيَارُ لَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَيًّا شَاءَ، فَإِنْ شُرِطَ صَحَّ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ

الْمُنَازَعَةِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ، أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْقٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلَةُ؛ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ، أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَالْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ. (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَدْنَى إجْمَاعًا) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ نِصْفُ الْأَدْنَى أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنْ كَانَ نِصْفُ الْأَدْنَى أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ تَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِهَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَهَا الْعَبْدُ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ سَاوَى الْعَبْدُ) أَيْ قِيمَتُهُ (عَشَرَةً) مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ فَيُكْمِلُ الْعَشَرَةَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْحُرِّ وَعَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَالْبَاقِي صَلُحَ مَهْرًا؛ لِكَوْنِهِ مَالًا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى يَمْنَعُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ (الْعَبْدُ مَعَ قِيمَةِ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا) ؛ لِأَنَّهُ أَطْعَمَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) لَهَا (الْعَبْدُ وَتَمَامُ مِثْلِ الْمَهْرِ إنْ هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (أَقَلُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَقُيِّدَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُرًّا إذْ لَوْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فَلَهَا الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ وَلَوْ اُسْتُحِقَّا جَمِيعًا فَلَهَا قِيمَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ نِصْفَ الدَّارِ الْمَمْهُورَةِ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْبَاقِيَ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ كُلَّ الْقِيمَةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا النِّصْفُ الْبَاقِي كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالتَّنْوِيرِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ) وَقَدْ حَقَقْنَاهُ آنِفًا (أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بَالَغَ فِي وَصْفِهِ أَوْ لَا) بِأَنْ يُبَيِّنَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ (خُيِّرَ) الزَّوْجُ (بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ أَوْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْوَسَطِ فَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ، هَذَا إذَا ذَكَرَ الثَّوْبَ الْمَوْصُوفَ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا عَيَّنَ ثُمَّ أَتَى بِالْقِيمَةِ لَا تُخَيَّرُ، وَكَذَا إذَا ذَكَرَهُ مُضَافًا إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى ثَوْبِ كَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ كَالْإِشَارَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِهِ يَرْتَفِعُ الْخِيَارُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا (وَكَذَا) خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَتَسْلِيمِ قِيمَتِهِ. (لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ) غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (بَيَّنَ جِنْسَهُ) أَيْ نَوْعَهُ (لَا صِفَتَهُ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ كَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. (وَإِنْ بَيَّنَ صِفَتَهُ أَيْضًا) كَمَا بَيَّنَ جِنْسَهُ (وَجَبَ هُوَ) أَيْ الْمُسَمَّى (لَا قِيمَتُهُ)

فصل هل يجب المهر في عقد فاسد

فَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا (وَقِيلَ الثَّوْبُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمَكِيلِ (إنْ بُولِغَ فِي وَصْفِهِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (وَإِنْ شَرَطَ) فِي النِّكَاحِ (الْبَكَارَةَ) بِلَا زِيَادَةِ شَيْءٍ لَهَا (فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ كُلُّ الْمَهْرِ) أَيْ جَمِيعُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، أَوْ الْمُسَمَّى بِلَا نُقْصَانٍ وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا شُرِعَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ دُونَ الْبَكَارَةِ، وَكَذَا إنْ شَرَطَ أَنَّهَا شَابَّةٌ فَوَجَدَهَا عَجُوزًا. (وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (عَلَى قَدْرٍ) مِنْ الْمَهْرِ (فِي السِّرِّ) بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ (وَأَعْلَنَا غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (عِنْدَ الْعَقْدِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا أَعْلَنَاهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا أَسَرَّاهُ) يَعْنِي مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرٍ فِي السِّرِّ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا بِأَكْثَرَ مِنْهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً لَهَا مَهْرُ السِّرِّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ حَقِيقَةً وَقَالَا لَهَا مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ اسْتِئْنَافًا لَكِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْمَهْرِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَيُعْتَبَرُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، هَذَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْعَلَانِيَةِ هَزْلٌ وَإِنْ أَشْهَدَ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَظْهَرَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي السِّرِّ بِلَا عَقْدٍ آخَرَ لَمْ يُعْتَبَرْ الظَّاهِرُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدْنَا التَّزَوُّجَ بِأَنْ يَكُونَ بِأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَانِيَةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَمَهْرُ السِّرِّ اتِّفَاقًا وَهَذَا إذَا تَعَاقَدَا بِجِنْسِ مَا تَوَاضَعَا، وَلَوْ تَعَاقَدَا بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا تَعَاقَدَا فِي السِّرِّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَعَاقَدَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مَرَّتَيْنِ عَقْدٌ فِي السِّرِّ وَعَقْدٌ فِي الْعَلَانِيَةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْعَقْدِ فِي السِّرِّ بَلْ تَقَاوَلَا فِي الْمَهْرِ وَيَسْتَقِرُّ رَأْيُهُمَا عَلَى قَدْرٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ اتَّفَقَا وَلَمْ يَقُلْ لَوْ تَعَاقَدَا، تَتْبَعُ. [فَصْلٌ هَلْ يَجِب الْمَهْر فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ] فَصْلٌ (وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ) مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُتْعَةِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ (بِلَا وَطْءٍ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ) كَالنِّكَاحِ لِلْمَحَارِمِ الْمُؤَبَّدَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتَةِ، أَوْ بِإِكْرَاهٍ مِنْ جِهَتِهَا أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ لِلْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (خَلَا بِهَا) إذْ لَا يَثْبُتُ لَهَا التَّمَكُّنُ فَصَارَ كَخَلْوَةِ الْحَائِضِ وَلِهَذَا قَالُوا الصَّحِيحَةُ فِي الْفَاسِدَةِ كَالْفَاسِدَةِ فِي الصَّحِيحَةِ (فَإِنْ وَطِئَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إنْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا، وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ يُزَادُ عَلَيْهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى، أَوْ كَانَ مَجْهُولًا يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْجِمَاعُ فِي الْقُبُلِ حَتَّى

يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَمَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ تَدَبَّرْ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ، أَوْ جَارِيَةَ ابْنِهِ مِرَارًا أَمَّا لَوْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ يَجِبُ لِكُلِّ وَطْأَةٍ مَهْرٌ وَلَوْ وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْأَةٍ نِصْفُ مَهْرٍ (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) بَعْدَ الْوَطْءِ لَا الْخَلْوَةِ فَلَوْ فُرِّقَ بِحُكْمِ فَسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحِيحًا فِي عِدَّتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا وَلَهَا عِدَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَكَذَا الْخِلَافُ فِي النِّكَاحَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ (وَ) يُعْتَبَرُ (ابْتِدَاؤُهَا) أَيْ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ (مِنْ حِينِ التَّفْرِيقِ لَا مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ) . وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ (هُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهَا بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمِنَحِ: وَالتَّفْرِيقُ فِي هَذَا إمَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي أَوْ بِمُتَارَكَةِ الزَّوْجِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ فِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ وَبِالتَّرْكِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا إلَّا بِالْقَوْلِ فِيهِمَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُتَارَكَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ أَصْلًا كَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِالزَّوْجِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْفَاسِدِ بِغَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ وَقِيلَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُضُورِ الْآخَرِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ لِلْمَرْأَةِ فَسْخَهُ بِمَحْضَرِ الزَّوْجِ اتِّفَاقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَسْخَ مُتَارَكَةٌ فَيَلْزَمُ التَّوْجِيهُ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ، تَأَمَّلْ. (وَيَثْبُتُ فِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (النَّسَبُ) مِنْهُ لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إنْ اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَلَا بِهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنْكَرَ الْوَطْءَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ (وَمُدَّتُهُ) أَيْ مُدَّةُ النَّسَبِ (مِنْ حِينِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى) وَعِنْدَهُمَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَبْعَدُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ لِحُرْمَتِهِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْوَطْءِ، أَوْ اللَّمْسِ أَوْ التَّقْبِيلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ كَالدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ تَدَبَّرْ. (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا) فِي وَقْتِ الْعَقْدِ وَالْأَوْلَى مِنْ قَرِيبِ أَبِيهَا لِأَنَّ الْقَوْمَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ كَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِهِنَّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ إلَى قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلِهَذَا صَحَّتْ

خِلَافَةُ ابْنِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ أَبُوهُ قُرَيْشِيًّا (إنْ تَسَاوَيَا سِنًّا) أَيْ فِي السِّنِّ وَثُبُوتُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَجَمَالًا) وَحُسْنًا وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ وَهَذَا جَيِّدٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (وَمَالًا وَعَقْلًا) هُوَ قُوَّةٌ مُمَيِّزَةٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ، أَوْ قُوَّةٌ يَحْصُلُ الْإِدْرَاكُ لِلْقَلْبِ بِإِشْرَاقِهَا كَمَا لِلْبَصَرِ بِالشَّمْسِ، أَوْ هَيْئَةٌ مَحْمُودَةٌ لِلْإِنْسَانِ فِي مِثْلِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِمَا شُرِطَ فِي النُّتَفِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالتَّقْوَى وَالْعِفَّةِ وَكَمَالِ الْخُلُقِ فَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ (وَدِينًا) أَيْ دِيَانَةً وَصَلَاحًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَبَكَارَةً وَثَيَابَةً) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ ثَيَّبَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَلَوْ قَالَ وَضِدَّهَا لَكَانَ أَصْوَبَ تَدَبَّرْ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الِاسْتِوَاءَ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا لِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) مِثْلُهَا فِي تِلْكَ الْأَوْصَافِ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا (فَمِنْ الْأَجَانِبِ) فَيُعْتَبَرُ مَهْرُ مِثْلِهَا فِي تِلْكَ الْأَوْصَافِ مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ قَبِيلَةٍ هِيَ مِثْلُ قَبِيلَةِ أَبِيهَا وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجَانِبِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَيَجِبُ حَالُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَقَارِبُ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ فِي الْقَضَاءِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي النَّظَرِ إلَى مَنْ يُمَاثِلُهَا مِنْ الْقَبَائِلِ فَلَوْ فَرَضَ لَهَا شَيْئًا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ صَحَّ. (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُ ذَلِكَ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ (فِيمَا يُوجَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي امْرَأَتَيْنِ فَتُعْتَبَرُ بِالْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأُمِّهَا مِثْلُهَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَا يُعْتَبَرُ) مِثْلُهَا (بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَقَوْمِ أُمِّهَا (إنْ لَمْ تَكُونَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُمْ بِأَنْ تَكُونَ بِنْتَ عَمِّ أَبِيهَا فَيُعْتَبَر مَهْرُهَا لِمَا أَنَّهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا، هَذَا كُلُّهُ بَيَانُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْحُرَّةِ وَأَمَّا مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ فَهُوَ قَدْرُ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ثُلُثُ قِيمَتِهَا (وَصَحَّ ضَمَانُ وَلِيِّهَا) بِنَفْسِهِ، أَوْ رَسُولِهِ (مَهْرَهَا) ، هَذَا يَتَنَاوَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ بِأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً وَضَمِنَ عَنْهُ مَهْرَهَا صَحَّ ضَمَانُهُ، وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا وَلِيَّ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ بِأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ، أَوْ الْكَبِيرَةَ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ، ثُمَّ ضَمِنَ عَنْ الزَّوْجِ مَهْرَهَا صَحَّ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْمَهْرُ فَيَصِحُّ وَهَذَا فِي صِحَّةِ الْوَلِيِّ وَأَمَّا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَهُ فَالضَّمَانُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ مِنْ الثُّلُثِ (وَتُطَالِبُ) الْمَرْأَةُ (مَنْ شَاءَتْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلِيِّ الضَّامِنِ (وَمِنْ الزَّوْجِ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ

الْكَفَالَاتِ (وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَدَّى إنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ) هَذَا فِي الْكَبِيرِ أَمَّا فِي الصَّغِيرِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَمْرُهُ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ إنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَكَانَ كَالْإِذْنِ مِنْ الْبَالِغِ فِي الْكَفَالَةِ. وَفِي الْوَلَوْالِجيَّةِ لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَنَّهُ يُؤَدِّي لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَمْرِ فِي حَقِّهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ بِأَمْرِهِ (فَلَا) يَرْجِعُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْكَفَالَةِ وَلَوْ تَرَكَهَا لَكَانَ أَخْصَرَ تَدَبَّرْ. (وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَالسَّفَرِ) إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ يُسَافِرَ بِهَا وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَالْإِخْرَاجِ مَكَانَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّهُ يَنْقُلُهَا لِمَحَلٍّ آخَرَ مِنْ بَلْدَتِهَا وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِيفَاءِ تَدَبَّرْ (حَتَّى يُوَفِّيَهَا قَدْرَ مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ مِنْ مَهْرِهَا كُلًّا، أَوْ بَعْضًا) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمُبَدَّلِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَلَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ (السَّفَرُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ) أَيْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِلْحَاجَةِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا جَازَ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ (وَلَهَا النَّفَقَةُ) أَيْ الطَّعَامُ، أَوْ هُوَ مَعَ الْكِسْوَةِ، أَوْ هُمَا مَعَ السُّكْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي مَفْهُومِ النَّفَقَةِ (لَوْ مَنَعَتْ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ الْوَطْءِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ فَلَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِحَقٍّ (وَهَذَا) أَيْ الْمَنْعُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْخُرُوجِ بِلَا إذْنٍ (قَبْلَ الدُّخُولِ) وَالْوَطْءِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ. (وَكَذَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ الْوَطْآتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمِلْكِ فَإِذَا سَلَّمَتْ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي حَبْسِ الْبَاقِي كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ بَعْضَ الْمَبِيعِ (خِلَافًا لَهُمَا فِيمَا لَوْ كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا) . وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَحْصُلُ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى فَيَسْقُطُ حَقُّ امْتِنَاعِهَا كَمَا يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ قُيِّدَ بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا وَالْمُرَادُ بِالرِّضَى الرِّضَى الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ

(غَيْرَ صَبِيَّةٍ وَلَا مَجْنُونَةٍ) تَأَمَّلْ (وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمُعَجَّلِ) أَيْ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُمَا مُعَيَّنًا، أَوْ سَكَتَ عَنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيلِ مُطْلَقًا (فَقَدْرُ مَا يُعَجَّلُ مِنْ مِثْلِهِ عُرْفًا) أَيْ لَهَا الْمَنْعُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْمَهْرِ عُرْفًا أَيْ مَا حَكَمَ بِهِ الْعُرْفُ يَعْنِي يُنْظَرُ إلَى الْمُسَمَّى وَالْمَرْأَةِ فَإِنْ حَكَمَ بِتَعْجِيلِ بَعْضٍ لَهَا وَتَأْجِيلِ بَعْضٍ فَذَاكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ. وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ الْمَهْرَ مُعَجَّلًا أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الزَّوْجَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ حَقُّهَا وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي الْعِنَايَةِ مِثْلُ هَذَا لَكِنْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْكُتُبِ (غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِرُبْعٍ وَنَحْوِهِ) . وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ عُرْفِ بَلَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ (وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) الْمَنْعُ (لَوْ أُجِّلَ كُلُّهُ) أَيْ الْمَهْرِ، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَأْجِيلَ الْكُلِّ إلَى غَايَةٍ مَجْهُولَةٍ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ مَعْلُومَةٌ فِي نَفْسِهَا وَهُوَ الطَّلَاقُ، أَوْ الْمَوْتُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْأَجَلُ مُبْهَمًا كَهُبُوبِ الرِّيحِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَهْرُ حَالًّا بِخِلَافِ قَلِيلَةِ الْجَهَالَةِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَالَ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ تَأْجِيلَهُ كُلَّهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَبِهِ يُفْتَى، وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ هَذَا أَحْسَنُ وَبِهِ يُفْتَى لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ فَاخْتَارَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، تَتَبَّعْ (، وَإِذَا أَوْفَاهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (ذَلِكَ فَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (نَقْلُهَا حَيْثُ شَاءَ مَا دُونَ) مُدَّةِ (السَّفَرِ) مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَيَّدَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِمَا إذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ اللَّيْلِ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَرْيَةٍ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا فِي نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الرُّسْتَاقِ لَكِنْ فِي زَمَانِنَا يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (السَّفَرُ بِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ مُلْتَقَى الْبِحَارِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَأْمُونًا عَلَيْهَا وَأَوْفَاهَا كُلَّ الْمَهْرِ (وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) وَبِهِ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَإِضْرَارِ الْغَرِيبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي مَنْزِلِهَا فَكَيْفَ إذَا أُخْرِجَتْ وقَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْإِضْرَارِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُهُ فَلَا يَنْبَغِي مَا قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ (فِي قَدْرِ الْمَهْرِ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَادَّعَتْ أَنَّهُ بِأَلْفَيْنِ (فَالْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَ مَهْرُ

مِثْلِهَا كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ) إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مُسَاوِيًا لِمَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا. (وَ) الْقَوْلُ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (إنْ كَانَ) مَهْرُ مِثْلِهَا (كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مُسَاوِيًا لِمَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ (وَإِنْ كَانَ) مَهْرُ مِثْلِهَا (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ مَا قَالَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ (تَحَالَفَا) وَيَجِبُ أَنْ يُقْرَعَ فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّحْلِيفِ؛ لِعَدَمِ الرُّجْحَانِ لِأَحَدِهِمَا. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ الِاسْتِحْلَافِ يُبْتَدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ يَلْزَمُ مَا قَالَ الْآخَرُ. (وَ) إنْ حَلَفَا (لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ) فَيَدْفَعُ مِنْهُ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً فَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَالزَّائِدُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ هَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَفِي الطَّلَاقِ) أَيْ إنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ حَالَ الطَّلَاقِ (قَبْلَ الدُّخُولِ الْقَوْلُ لَهَا إنْ كَانَتْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ كَنِصْفِ مَا قَالَتْ) الْمَرْأَةُ (أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ إنْ كَانَتْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ مُسَاوِيَةً لِنِصْفِ مَا تَدَّعِيه، أَوْ أَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْيَمِينِ (وَلَهُ إنْ كَانَتْ كَنِصْفِ مَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ إنْ كَانَتْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ مُسَاوِيَةً لِنِصْفِ مَا يَدَّعِيه، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ. (وَإِنْ كَانَتْ) مُتْعَةُ الْمِثْلِ (بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا) كَمَا مَرَّ. (وَ) إنْ حَلَفَا (لَزِمَتْ الْمُتْعَةُ) أَيْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ لَا تُحَكَّمُ الْمُتْعَةُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ عِنْدَهُمَا وَوَفَّقَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بَيْنَهُمَا فَلْيُطَالَعْ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْقَوْلُ لَهُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَهُ عِنْدَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْقَوْلُ لَهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا عِنْدَهُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْقَوْلُ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ قَامَ النِّكَاحُ أَوْ لَا فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُشْتَمِلًا عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ: الْأُولَى اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَالثَّانِيَةُ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَيْضًا، وَالثَّالِثَةُ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَالرَّابِعَةُ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَيْضًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا تُحَكِّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَتُحَكِّمُ مُتْعَةُ الْمِثْلِ فِي الثَّالِثَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، تَتَبَّعْ، (إلَّا أَنْ يُذْكَرَ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا شَرْعًا بِأَنْ قَلَّ عَنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا قَالَ الْوَبَرِيُّ هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ (وَأَيُّهُمَا) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (بَرْهَنَ) عَلَى مَا ادَّعَاهُ (قُبِلَ) بُرْهَانُهُ فِي جَمِيعِ

هَذِهِ الْوُجُوهِ. (وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا وَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الظَّاهِرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَالزِّيَادَةَ لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ صُورَتَانِ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا أَوْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ بَيْنَهُمَا إنْ أَقَامَا كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ، قُلْنَا الْمَفْهُومُ مِنْ الْعِنَايَةِ يُقْضَى بِمَا بَيْنَهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ. وَفِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي هَذَا. تَدَبَّرْ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فِي أَصْلِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُسَمَّ مَهْرٌ وَالْآخَرُ يَدَّعِي التَّسْمِيَةَ (وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) بِالْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُسَمَّى لِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّسْمِيَةِ لِلِاخْتِلَافِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَإِنْ لَمْ يُقِمْ فَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ دَعْوَى التَّسْمِيَةِ وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ فِي النِّكَاحِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ انْتَهَى، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَهْرِ دُونَ النِّكَاحِ وَيَجْرِي الْحَلِفُ فِي الْمَالِ اتِّفَاقًا وَقَدْ ذَكَرَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى تَدَبَّرْ (وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَحَيَاتِهِمَا) فِي الْحُكْمِ أَيْ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْمُفَوِّضَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ (وَفِي مَوْتِهِمَا إنْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي قَدْرِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى (فَالْقَوْلُ) مَعَ الْيَمِينِ (لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَ الْإِمَامِ) كَأَبِي يُوسُفَ حَالَ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ ادَّعَوْا شَيْئًا قَلِيلًا فَلِذَا قَالَ (وَلَا يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ) الْمُسْتَنْكَرُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَالْحَيَاةِ) أَيْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (فِي أَصْلِهِ) أَيْ الْمُسَمَّى (يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُمَا) كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُسَمَّى فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ دَلِيلُ انْقِرَاضِ الْأَقْرَانِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِتَصَادُقِ الْوَرَثَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي السَّرَخْسِيِّ هَذَا إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ وَانْقَرَضَ الْعَصْرُ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَهَذَا إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْهَا وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَالَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ، ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَادَةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا ادَّعَى الزَّوْجُ إيصَالَ الشَّيْءِ إلَيْهَا أَمَّا لَوْ لَمْ يَدَّعِ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ بَعَثَ) الزَّوْجُ (إلَيْهَا شَيْئًا) لَمْ يَذْكُرْ جِهَةً

عِنْدَ الدَّفْعِ غَيْرَ جِهَةِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ جِهَةً أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (فَقَالَتْ) الْمَرْأَةُ (هُوَ) أَيْ الْمَبْعُوثُ (هَدِيَّةٌ) أَيْ شَيْءٌ يُعْطَى لِلْمَوَدَّةِ (، وَقَالَ) الزَّوْجُ (مَهْرٌ) أَيْ لِأَجْلِ الْمَهْرِ، أَوْ مِنْ الْمَهْرِ (فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّمْلِيكِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوُجُوبِ عَنْ ذِمَّتِهِ (فِي غَيْرِ مَا هُيِّئَ لِلْأَكْلِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ فِيهِ وَالْقَوْلُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ فِي مِثْلِهِ الْمُتَعَارَفُ أَنْ يَبْعَثَهُ هَدِيَّةً وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَفْسُدُ وَلَا يَبْقَى كَاللَّحْمِ وَالطَّعَامِ الْمَطْبُوخِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا فِي ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَأَمَّا فِيمَا يَبْقَى كَالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقَوْلُ لَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ كَالْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ فَهَدِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَهُ كَالْخُفِّ وَالْمُلَاءَةِ. وَفِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إرْسَالُهُ هَدِيَّةً فَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَالْمَتَاعُ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ تَرْجِعُ بِمَهْرِهَا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ بِالْمَهْرِ بَلْ بِمَا بَقِيَ إنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ. وَفِي التَّنْوِيرِ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا أَشْيَاءَ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ يُسْتَرَدُّ عَيْنُهُ قَائِمًا وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ، أَوْ قِيمَتُهُ هَالِكًا، وَكَذَا مَا بُعِثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ دُونَ الْهَالِكِ وَالْمُسْتَهْلَكِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْهِبَةِ وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ الْمَبْعُوثَ مِنْ الْمَهْرِ. وَقَالَ هُوَ وَدِيعَةٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهَا وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ زَوَّجَتْهُ لَا رُجُوعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ دَفَعَ لَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ فَلَا مُطْلَقًا كَمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ. (وَإِنْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً، أَوْ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ بِلَا مَهْرٍ) بِأَنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ نَفَيَاهُ (وَذَلِكَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ النِّكَاحَ (جَائِزٌ فِي دِينِهِمْ) وَإِنَّمَا قُيِّدَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَجُزْ هَذَا فِي دِينِهِمْ، أَوْ يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَدَمَ الْوُجُوبِ (فَلَا شَيْءَ لَهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ أَسْلَمَا إذْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا فِي الْحَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي الذِّمِّيِّينَ (سَوَاءٌ وُطِئَتْ، أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ) أَيْ الْوَطْءِ (أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ لَكِنَّ

عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تُوجِبُ خِلَافَ الْإِمَامَيْنِ فِي الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا فِي الذِّمِّيِّينَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَالتَّوَارُثِ بِالنَّسَبِ وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَغَيْرِهَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا» لَكِنْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ عِنْدَهُمَا تَبَايُعُهُمْ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ إجْمَاعًا تَأَمَّلْ. وَقَالَ زُفَرُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فِي الْحَرْبِيِّينَ أَيْضًا. (وَإِنْ نَكَحَهَا) أَيْ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً (بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهَا ذَلِكَ) أَيْ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ، وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ قَبْضَهُ. (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَقِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مِثْلِيٌّ كَالْخَلِّ عِنْدَنَا وَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ الْخَمْرِ وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمِنْ ذَوَاتِ الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْهُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِعْرَاضِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) لَهَا (الْقِيمَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لِعَدَمِ الْإِسْلَامِ حَالَ الْعَقْدِ ثُمَّ بِالْإِسْلَامِ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ. (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ الْمُتْعَةُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا) . وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي الْمُعَيَّنِ لَهَا نِصْفُ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَفِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَفِي الْخِنْزِيرِ لَهَا الْمُتْعَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ بِكُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْمُتْعَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

باب نكاح الرقيق

[بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ نِكَاحِ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الرَّقِيقُ فِي اللُّغَةِ الْعَبْدُ وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَمْلُوكُ مِنْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْكَافِرَ إذَا أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ رَقِيقٌ لَا مَمْلُوكٌ وَإِذَا أُخْرِجَ فَهُوَ مَمْلُوكٌ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَمْلُوكٍ مِنْ الْآدَمِيِّ رَقِيقٌ، وَلَا عَكْسَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِنِّ أَنَّ الرَّقِيقَ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا وَالْقِنَّ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا كَمَا فِي الْمِنَحِ (نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ قِنًّا، أَوْ مُكَاتَبَةً، أَوْ مُدَبَّرَةً (وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأَمِّ الْوَلَدِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ) (مَوْقُوفٌ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْعَبْدِ مُطْلَقًا قَاسَهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهِيَ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ (فَإِنْ أَجَازَ) الْمَوْلَى النِّكَاحَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ صَرِيحًا، أَوْ دَلَالَةً (نَفَذَ) النِّكَاحُ لَكِنْ لَوْ أَذِنَ بَعْدَهُ كُرِهَ لَهُ وَطْؤُهَا بِلَا نِكَاحٍ آخَرَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ) لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى هُنَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الرَّقِيقِ وَلَوْ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ وَلِهَذَا كَانَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيِّ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْيَتِيمِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ السَّيِّدِ (طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ سَبْقِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيَدُلُّ عَلَى إذْنٍ (لَا) أَيْ لَا يَكُونُ إجَازَةً لَوْ قَالَ لَهُ (طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُنَا حَيْثُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (فَإِنْ نَكَحُوا بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ (فَالْمَهْرُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَذْكُورِينَ فَلَوْ طَلَبَتْ (يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهِ) فَلَوْ بِيعَ فَلَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِالْمَهْرِ لَا يُبَاعُ ثَانِيًا وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ يُبَاعُ مِرَارًا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالْجَمِيعِ فَإِذَا مَاتَ يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ هَذَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ

(وَيَسْعَى) لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَلَا يُبَاعَانِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ فَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِمَا فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُدَبَّرَ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْجَمِيعِ كَمَا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرُدَّ إلَى الرِّقِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْكُلُّ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنْ أَوْفَاهَا وَإِلَّا بِيعَ لَهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَإِذْنُهُ) أَيْ السَّيِّدِ (لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ) مُطْلَقًا (يَشْمَلُ جَائِزَهُ) أَيْ النِّكَاحِ (وَفَاسِدَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُصْرَفُ إلَى الْجَائِزِ عِنْدَهُمَا وَالثَّلَاثَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَمْرَيْنِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَيُبَاعُ فِي الْمَهْرِ) فِي الْحَالِ (لَوْ نَكَحَ فَاسِدًا فَوَطِئَ) وَلَوْ لَمْ يَطَأْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: (وَيَتِمُّ الْإِذْنُ بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ (حَتَّى لَوْ نَكَحَ بَعْدَهُ) أَيْ لَوْ جَدَّدَ الْعَبْدُ نِكَاحَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ نِكَاحًا (جَائِزًا) ، أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بَعْدَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا (تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْعَقْدِ حَيْثُ يَنْتَهِي عِنْدَهُ وَلَا يَنْتَهِي بِهِ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ تَحْصِينُهُ مِنْ الزِّنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْجَائِزِ دُونَ الْفَاسِدِ. وَلَهُ أَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ فَيُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ كَالْإِذْنِ بِالْبَيْعِ وَقُيِّدَ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ وَلَا يَنْتَهِي بِهِ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (وَإِنْ زَوَّجَ) السَّيِّدُ (عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ صَحَّ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْتَنَى عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ تَحْصِينًا لَهُ (وَهِيَ) الْمَرْأَةُ (أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ) فَيُبَاعُ فِي الْكُلِّ فَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَّةِ فَتَأْخُذُ حِصَّةَ مَهْرِهَا إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ (فِي مَهْرِ مِثْلِهَا) فَفِي الْقَدْرِ الْمُتَجَاوِزِ عَنْهُ لَا تُزَاحِمُهُمْ تَأْخُذُهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِمْ حُقُوقَهُمْ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ (وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا يَلْزَمُ تَبْوِئَتُهَا) وَإِنْ شَرَطَا وَقْتَ الْعَقْدِ التَّبْوِئَةُ تَفْعِلَةٌ يُقَالُ بَوَّأَ لَهُ مَنْزِلًا وَبَوَّأَهُ مَنْزِلَةً إذَا هَيَّأَ لَهُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (وَيَطَأُ الزَّوْجُ مَتَى ظَفِرَ) فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ وِلَايَةُ الْمَنْعِ إلَّا قَبْلَ أَخْذِ الْمُعَجَّلِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلزَّوْجِ مِلْكُ الْحِلِّ لَا غَيْرَ (وَ) لَكِنْ (لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ احْتِبَاسِهَا فَلَا يُوجَدُ احْتِبَاسُهَا إلَّا بِتَبْوِئَتِهَا (وَهِيَ) أَيْ التَّبْوِئَةُ (أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهَا) أَيْ الْأَمَةِ (وَبَيْنَ الزَّوْجِ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا) وَلَوْ تَرَكَ الْإِضَافَةَ فِي مَنْزِلِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّبْوِئَةَ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُمَا فِي أَيِّ مَنْزِلٍ كَانَ كَمَا فَسَّرَ الْخَصَّافُ فَلَا وَجْهَ لِلِاخْتِصَاصِ بِمَنْزِلِ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ (فَإِنْ بَوَّأَهَا ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ) رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّهُ

الإذن في العزل عن الأمة

حَقُّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ (وَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ) فَلَوْ بَوَّأَهَا عَادَتْ نَفَقَتُهَا كَالْحُرَّةِ إذَا نَشَزَتْ ثُمَّ عَادَتْ. (وَإِنْ خَدَمَتْهُ) أَيْ الْجَارِيَةُ لِسَيِّدِهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ (بِلَا اسْتِخْدَامِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (لَا تَسْقُطُ) النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَخْدَمَهَا السَّيِّدُ نَهَارًا وَأَعَادَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ لَيْلًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ كَانَ نَفَقَةُ الْيَوْمِ عَلَى السَّيِّدِ وَاللَّيْلِ عَلَى الزَّوْجِ تَتَبَّعْ. (وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ قَتَلَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ الزَّوْجِ بِهَا (سَقَطَ الْمَهْرُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيُجَازَى بِمَنْعِ الْبَدَلِ كَالْحُرَّةِ إذَا ارْتَدَّتْ، وَقَالَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِمَوْلَاهَا اعْتِبَارًا لِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا. وَقَالَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ فِعْلُ الصَّبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، لَكِنْ رَجَّحَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِالْمُكَلَّفِ لَكَانَ أَوْلَى، تَدَبَّرْ. وَقَيَّدَ بِقَتْلِ السَّيِّدِ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَتَلَ زَوْجَ أَمَتِهِ لَا يَسْقُطُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الدُّخُولِ الْمَهْرُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِيهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا لَيْسَ احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّ وَارِثَهَا لَوْ قَتَلَهَا قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا لَكِنْ ذَكَرَهَا اسْتِطْرَادًا. [الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ عَنْ الْأَمَةِ] (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ عَنْ الْأَمَةِ) أَيْ أَمَةِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ أَمَتَهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِلَا إذْنٍ (لِلسَّيِّدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْوَلَدُ فَيُعْتَبَرُ رِضَاهُ (عِنْدَهُمَا) فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْإِذْنُ (لَهَا) ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ لَا عِنْدَ، تَدَبَّرْ. وَقَيَّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا يُبَاحُ الْعَزْلُ فِيهَا بِلَا رِضَاهَا بِالْإِجْمَاعِ وَقَالُوا فِي زَمَانِنَا يُبَاحُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَأَفَادَ أَنَّ الْعَزْلَ جَائِزٌ بِالْإِذْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ إذَا عَزَلَ وَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى وَطِئَهَا، أَوْ عَادَ بَعْدَ الْبَوْلِ جَازَ لَهُ نَفْيُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ، أَوْ مُكَاتَبَةٌ) كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّغِيرَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ كَانَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ لَكَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ شَامِلَةٌ لَهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ (بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ (ثُمَّ عَتَقَتْ) تِلْكَ الْأَمَةُ (فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ) إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ فَلَا مَهْرَ

لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا (حُرًّا كَانَ زَوْجَهَا أَوْ عَبْدًا) سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا، أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ اتِّفَاقًا دَفْعًا لِلْعَارِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُرَّةِ فِرَاشًا لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهَا (فَعَتَقَتْ) قَبْلَ إذْنِهِ وَقَبْلَ وَطْءِ مَوْلَاهَا فَإِنَّ الْوَطْءَ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (نَفَذَ) النِّكَاحُ خِلَافًا لِزُفَرَ لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْأَمَةَ شَامِلَةٌ لِأُمِّ الْوَلَدِ، وَأَمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ قَبْلَ وَطْءِ الزَّوْجِ بَطَلَ نِكَاحُهَا لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَنْ الْمَوْلَى. (وَكَذَا) أَيْ وَتَزَوَّجَهَا (الْعَبْدُ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، ثُمَّ عَتَقَ نَفَذَ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ زَالَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي (وَلَا خِيَارَ لَهَا) لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ النُّفُوذَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ النَّفَاذِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا مِلْكٌ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْخِيَارِ فَلَا يَثْبُتُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ (وَالْمُسَمَّى) مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (لِلسَّيِّدِ إنْ وُطِئَتْ) الْمَنْكُوحَةُ بِلَا إذْنٍ (قَبْلَ الْعِتْقِ) اسْتِحْسَانًا لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لِلْمَوْلَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْمَهْرَانِ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَوَازَ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَوْ وَجَبَ مَهْرٌ آخَرُ لَوَجَبَ بِالْعَقْدِ مَهْرَانِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَهْرِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي حَبْسِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِرِضَاهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ مُقَابَلٌ بِالْكُلِّ أَيْ بِجَمِيعِ وَطْآتٍ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ الْمَهْرِ فَقَضِيَّةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ بِمُقَابَلَةِ مَا اسْتَوْفَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمَوْلَى، انْتَهَى. لَكِنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ لِلْمَهْرِ، وَلُزُومُهُ بِالْوَطْءِ وَكِلَاهُمَا وَاقِعَانِ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مَعَ عَدَمِ الرِّضَا فَكَانَتْ الْوَطْآتُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَاقِعَةً فِي مِلْكِ الْمَوْلَى بِوُقُوعِ سَبَبِهِ فِيهِ، فَيَكُونُ كُلُّ الْمَهْرِ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا قِيسَ عَلَيْهِ، تَدَبَّرْ. (وَلَهَا) أَيْ الْمُسَمَّى لِلْمَنْكُوحَةِ بِلَا إذْنٍ (إنْ وُطِئَتْ بَعْدَهُ) أَيْ الْعِتْقِ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا فَوَجَبَ الْبَدَلُ لَهَا لَكِنْ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَكُونُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ أَيْضًا لَهُ إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَهْرُ قَدْ تَمَّ بِالْوَطْءِ وَهُوَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ كُلُّ الْمَهْرِ لَهَا، تَدَبَّرْ. (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ) أَيْ قِنِّهِ وَكَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا (فَوَلَدَتْ) هَذِهِ الْأَمَةُ وَلَدًا (فَادَّعَاهُ) أَيْ الْأَبُ الْوَلَدَ سَوَاءٌ ادَّعَى الشُّبْهَةَ، أَوْ لَا (ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَبِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ صِيَانَةً لِمَائِهِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلِنَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا هَذَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْعُلُوقِ فَبَاعَهَا، ثُمَّ رُدَّتْ بِخِيَارٍ أَوْ فَسَادٍ، ثُمَّ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ وَالْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَجْنُونِ لَا تَصِحُّ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الْأَمَةَ بِالْقِنَّةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ وَلَدِ

مُكَاتَبَتِهِ وَأَمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ لَمْ تَصِحَّ مَعَ أَنَّ الْأَمَةَ شَامِلَةٌ لَهُنَّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْأَبَ (قِيمَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ صِيَانَةً لِمَالِ الْوَلَدِ مَعَ حُصُولِ مَقْصُودِ الْأَبِ وَعَلَّلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَكُونَ الْوَطْءُ حَرَامًا فَتَجِبُ قِيمَتُهَا، انْتَهَى. لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْعُقْرِ فِيمَا إذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ غَيْرَ مُعَلِّقٍ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ الْعُقْرِ وَهَذَا يَنْفِي الْإِبَاحَةَ، تَدَبَّرْ. (لَا مَهْرُهَا) أَيْ وَيَلْزَمُ عَقْرُهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ (وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرًّا لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ (وَتَصِيرُ) تِلْكَ الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ (وَالْجَدُّ) الصَّحِيحُ (كَالْأَبِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْأَبِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا كَانَ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا، أَوْ مَجْنُونًا وَلَوْ قَالَ عِنْدَ عَدَمِ وِلَايَتِهِ لَكَانَ شَامِلًا لَهَا حَقِيقَةً، تَدَبَّرْ. (لَا قَبْلَهُ) وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ بَلْ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ، تَدَبَّرْ. (وَإِنْ زَوَّجَ أَمَةَ أَبَاهُ) وَالْأَوْلَى وَإِنْ زَوَّجَهَا أَبُوهُ لِشُمُولِهِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَبُ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (جَازَ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْغَيْرِ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» مَجَازٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْأَبِ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَكِنْ إذَا لَمْ يَصِحَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ تَأَمَّلْ. وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لَكِنْ يُشْكِلُ بِلُزُومِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَصِحَّةِ النِّكَاحِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي مِلْكَ يَمِينٍ وَالنِّكَاحُ غَيْرُهُ، تَدَبَّرْ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ (مَهْرُهَا) لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ (لَا قِيمَتُهَا) لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (فَإِنْ أَتَتْ) الْأَمَةُ (بِوَلَدٍ) مِنْ الْأَبِ (لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ) ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ وَقَدْ صَارَ مَصُونًا بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (حُرٌّ بِقَرَابَتِهِ) لِأَنَّهُ مُلِّكَ أَخَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَدَ عَلِقَ رَقِيقًا لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَعْتِقُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَقِيلَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ. وَفِي الْغَايَةِ الْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْأَخِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فَكَمَا مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، تَدَبَّرْ. (حُرَّةٌ قَالَتْ لِسَيِّدِ زَوْجِهَا) أَيْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ لِلسَّيِّدِ (أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ) هَذَا إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ، ثُمَّ أَعْتَقْتُ لَمْ يَصِرْ مُجِيبًا بَلْ مُبْتَدَأٌ وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ

باب نكاح الكافر

عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ فِي الْأُولَى يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا (وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ وَالْوَلَاءُ لَهَا وَيَصِحُّ عَنْ كَفَّارَتِهَا لَوْ نَوَتْ بِهِ) أَيْ لَوْ نَوَتْ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ. وَعِنْدَ زُفَرَ النِّكَاحُ وَيَقَعُ الْوَلَاءُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَلَوْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ أَنْ يُعْتِقَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ عَنْهُ وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ فَلَمْ يَصِحَّ الطَّلَبُ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَلَنَا أَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ إذْ الْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْ الْآمِرِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ أَعْتِقْ طَلَبَ التَّمْلِيكِ مِنْ الْمَوْلَى بِالْأَلْفِ، ثُمَّ أَمْرُهُ بِالْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْآمِرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ أَعْتَقْتُ تَمْلِيكًا مِنْ الْآمِرِ، ثُمَّ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْآمِرِ وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَإِنْ لَمْ تَقُلْ) الْحُرَّةُ (بِأَلْفٍ لَا يَفْسُدُ) النِّكَاحُ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) هُوَ يَقُولُ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ هُنَا بِطَرِيقِ الْهِبَةِ وَتَسْتَغْنِي الْهِبَةُ عَنْ الْقَبْضِ وَهُوَ شَرْطٌ كَمَا يَسْتَغْنِي الْبَيْعُ عَنْ الْقَبُولِ وَهُوَ رُكْنٌ، وَلَهُمَا: الْقَبُولُ رُكْنٌ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ كَمَا فِي التَّعَاطِي وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي الْهِبَةِ بِحَالٍ. (وَلِلْمَوْلَى إجْبَارُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنْ يَنْفُذَ نِكَاحُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ رِضَاهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هَذَا إذَا كَانَا كَبِيرَيْنِ وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عِنْدَهُ أَيْضًا (دُونَ مُكَاتَبِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا الْتَحَقَا بِالْأَحْرَارِ فِي التَّصَرُّفِ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا. [بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ] ِ وَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ إلَّا أَنَّ الْكَافِرَ أَدْنَى مِنْهُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْكَافِرِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِنِكَاحِ أَهْلِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكِتَابِيَّ (وَإِذَا) (تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِلَا شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ فَسَدَ النِّكَاحُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَ) الْحَالُ أَنَّ (ذَلِكَ جَائِزٌ فِي دِينِهِمْ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَدِينُوا جَوَازَهُ لَمْ يُقِرَّا عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ (ثُمَّ أَسْلَمَا) (أُقِرَّا) أَيْ تُرِكَا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ وَلَمْ يُجَدَّدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ وَلَاحِقًا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهَا (خِلَافًا لَهُمَا فِي الْعِدَّةِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ اخْتِلَافَاتِهَا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ تَتَبَّعْ. وَقَالَ زُفَرُ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ تَبَعٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ نِكَاحَهُمْ بِغَيْرِ شُهُودٍ

وَفِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، وَكَذَا أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ، أَوْ الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَا يُفَرَّقُ اتِّفَاقًا. (وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ مَحْرَمَهُ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ (ثُمَّ أَسْلَمَا) مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ بَقَاءٌ فِيهِ. (وَكَذَا) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا (لَوْ تَرَافَعَا) أَيْ الْمَحْرَمَانِ (إلَيْنَا) أَيْ عَرَضَا أَمْرَهُمَا إلَيْنَا وَهُمَا عَلَى الْكُفْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَبِينُ بِلَا تَفْرِيقِ الْقَاضِي لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ تَبِينُ (وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ) عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ يُفَرَّقُ عِنْدَهُمَا بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِهِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وُجِدَ التَّرَافُعُ أَوْ لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ وُجِدَ التَّرَافُعُ. (وَالطِّفْلُ) الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَصِفُهُ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، لَكِنْ أَفْتَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ (مُسْلِمٌ إنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّعْمِيمُ وَلَا وُجُودَ لِنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ كَافِرٍ قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْبَقَاءِ بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الزَّوْجِ (أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الدَّارُ بِأَنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَ) الطِّفْلُ (كِتَابِيٌّ إنْ كَانَ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ لَهُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ بِنُقْصَانِ الْعِقَابِ فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ وَمِثْلَهُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ. (وَلَوْ أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ الْكَافِرِ) كِتَابِيًّا، أَوْ لَا (أَوْ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَلَا عَرْضَ وَلَا تَفْرِيقَ (عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ) فَلَوْ كَانَ مَنْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ يُنْتَظَرُ عَقْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا لَا يُنْتَظَرُ بَلْ يُعْرَضُ عَلَى أَبَوَيْهِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ بَقِيَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْرَضُ، وَتَبِينُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ الْعِدَّةِ (فَإِنْ أَسْلَمَ) مَنْ عُرِضَ لَهُ الْإِسْلَامُ فَهِيَ أَيْ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ لَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ فَرَّقَ الْقَاضِي بِإِبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْكَنْزِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْآخَرِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ يَسْتَقِيمُ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ

وَأَمَّا إذَا كَانَا كِتَابِيَّيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ مَجُوسِيًّا لَكِنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ قَالَ بَعْدَ عِدَّةِ أَسْطُرٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهُمَا فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا مَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَكُفْرِ الْآخَرِ فَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ، تَدَبَّرْ. (فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ) الْكَافِرُ عَنْ الْإِسْلَامِ (فَالْفُرْقَةُ طَلَاقٌ) وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ حَتَّى يَنْقَضِيَ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ إبَاؤُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مِنْهُ تَفْوِيتُ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِحْسَانُ بِالتَّسْرِيحِ أَنْ يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَكُونُ طَلَاقًا بَلْ فَسْخًا حَتَّى لَا يَنْتَقِصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ (لَا إنْ أَبَتْ هِيَ) أَيْ لَا تَكُونُ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا إنْ أَبَتْ الْمَجُوسِيَّةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا (وَلَهَا الْمَهْرُ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِبَاءُ مِنْ قِبَلِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِهَا (لَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ) لِتَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِبَاءُ بَعْدَ الدُّخُولِ بَلْ قَبْلَهُ (فَنِصْفُهُ لَوْ أَبَى) الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَلَا شَيْءَ لَوْ أَبَتْ) وُجُودَ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا كَالْمُطَاوَعَةِ لِابْنِ زَوْجِهَا. (وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ إسْلَامُ زَوْجَةِ الْكَافِرِ أَوْ زَوْجِ الْمَجُوسِيَّةِ (فِي دَارِهِمْ لَا تَبِينُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا) إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ فَلَا تَبِينُ إلَّا بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَوْ قَالَ لَا تَبِينُ إلَّا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ أَوْ بِمُضِيِّ مِقْدَارِ الْعِدَّةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِوَضْعِ الْحَمْلِ (قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَهَذِهِ الْحِيَضُ لَا تَكُونُ عِدَّةً؛ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ بَعْدَهُ فَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ (وَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ بَقِيَ نِكَاحُهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا ابْتِدَاءً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى (وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ) ؛ لِأَنَّ مَنْعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِانْتِظَامِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ وَمِنْ التَّبَايُنِ لَا يَنْتَظِمُ فَشَابَهُ الْمَحْرَمِيَّةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: سَبَبُ الْفُرْقَةِ السَّبْيُ دُونَ التَّبَايُنِ (لَا السَّبْيُ فَلَوْ) تَفْرِيعٌ لِقَوْلِهِ: وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ (خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا) ، أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ أَسْلَمَ، أَوْ عَقَدَ الذِّمَّةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (أَوْ أُخْرِجَ) أَحَدُهُمَا إلَيْنَا (مَسْبِيًّا بَانَتْ) زَوْجَتُهُ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ. (وَإِنْ سُبِيَا مَعًا) تَفْرِيعٌ لِقَوْلِهِ لَا السَّبْيُ (لَا) تَبِينُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ خِلَافًا

لِلشَّافِعِيِّ. (وَمَنْ هَاجَرَتْ إلَيْنَا) مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَيْ تَرَكَتْ أَرْضَ الْحَرْبِ وَهَاجَرَتْ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ (بَانَتْ) مِنْ زَوْجِهَا (وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَا تُنْكَحُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَقْرَبُهَا الزَّوْجُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَلْزَمُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ لِحُرْمَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَبِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّ الْحَرْبِيَّةَ إذَا دَخَلَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْ الْحَرْبِيَّ وَلَدُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُ إلَى سَنَتَيْنِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ لَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ كَوْنُهَا تَحْتَ كَافِرٍ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْكَافِي، قَيَّدَ بِالْمُهَاجِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَاجَرَ زَوْجُهَا لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا. (وَارْتِدَادُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ تَبَدُّلُ اعْتِقَادِ الْإِسْلَامِ بِالْكُفْرِ حَقِيقَةً عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا إذَا تَمَجَّسَ، أَوْ تَنَصَّرَ، أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا قَالَ بِالِاخْتِيَارِ مَا هُوَ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ (فُسِخَ) أَيْ رُفِعَ لِفَقْدِ النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَنْتَقِصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْطُوءَةً، أَوْ غَيْرَهَا (فِي الْحَالِ) بِدُونِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَبِينُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ وَإِنْ قَبْلَ الدُّخُولِ تَبِينُ فِي الْحَالِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ارْتِدَادُ الرَّجُلِ طَلَاقٌ) وَهُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِبَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّةً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ وَهُوَ أَنَّ إبَاءَ الزَّوْجِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فَكَذَا الرِّدَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ وَالطَّلَاقَ رَافِعٌ فَتَعَذَّرَتْ الرِّدَّةُ أَنْ يُجْعَلَ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْإِبَاءِ، قَيَّدَ بِرِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا فَسْخٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِ بَلْخِي وَسَمَرْقَنْدَ كَانُوا يُفْتُونَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ وَعَامَّتُهُمْ يَقُولُونَ يَقَعُ الْفَسْخُ وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَمَشَايِخُ بُخَارَى كَانُوا عَلَى هَذَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُعَزَّرُ بِضَرْبٍ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إلَّا بِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْنَهُمَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ دِينَارًا رَضِيَتْ أَوْ أَبَتْ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ لَكِنْ إنْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ إسْلَامِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَا رِدَّةَ لِلطِّفْلِ إذْ لَا اعْتِقَادَ لَهُ بِخِلَافِ آبَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ رِدَّتَهُ صَحِيحَةٌ كَإِبَائِهِ (وَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمَهْرُ) أَيْ كُلُّ الْمَهْرِ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ سَوَاءٌ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ؛ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ بِالدُّخُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ سُقُوطُهُ (وَلِغَيْرِهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ الْمَذْكُورَةِ (نِصْفُهُ) أَيْ الْمَهْرِ (إنْ ارْتَدَّ) الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ هَذَا إذَا كَانَ مُسَمًّى وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْمُتْعَةُ (وَلَا شَيْءَ لَهَا) مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ

باب القسم

سِوَى السُّكْنَى (إنْ ارْتَدَّتْ) الزَّوْجَةُ. ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا (وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا وَأَسْلَمَا مَعًا) يَعْنِي لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَيَّهُمَا أَوَّلُ ارْتِدَادًا أَوْ إسْلَامًا (لَا تَبِينُ) وَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا اسْتِحْسَانًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي حَنِيفَةَ ارْتَدُّوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ثُمَّ أَسْلَمُوا فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالثَّلَاثَةُ تَبِينُ مِنْهُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي النِّكَاحَ وَرِدَّةُ أَحَدِهِمَا تُوجِبُ الْفُرْقَةَ فَرِدَّتُهُمَا أَوْلَى. (وَإِنْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا بَانَتْ) فَإِنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا إذَا تَقَدَّمَ بَقِيَ الْآخَرُ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ تَبِينُ بِإِسْلَامِهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ، وَفِي عَكْسِهِ لَا (وَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُ الْمُرْتَدِّ وَلَا الْمُرْتَدَّةِ أَحَدًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. [بَابُ الْقَسْمِ] ِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ لُغَةً: قِسْمَةُ الْمَالِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَتَعْيِينُ أَنْصِبَائِهِمْ وَشَرْعًا: تَسْوِيَةُ الزَّوْجِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمَحَبَّةِ وَالْوَطْءِ وَلِهَذَا قَالَ: (يَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ مَرِيضًا أَوْ مَجْبُوبًا، أَوْ خَصِيًّا، أَوْ عِنِّينًا، أَوْ غَيْرَهُمْ (الْعَدْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَسْمِ (بَيْتُوتَةً) ، وَكَذَا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: يَجِبُ الْعَدْلُ عَدَمُ الْجَوْرِ لَا التَّسْوِيَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا سَيَأْتِي (لَا وَطْئًا) ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى النَّشَاطِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَحَبَّةِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنْ تَرَكَهُ لِعَدَمِ الدَّاعِيَةِ فَهُوَ عُذْرٌ وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الدَّاعِي إلَيْهِ لَكِنَّ دَاعِيَتَهُ إلَى الضَّرَّةِ أَقْوَى فَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَإِنْ أَدَّى الْوَاجِبَ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ وَلَمْ تَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ جِمَاعِهَا مُطْلَقًا لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ جِمَاعَهَا أَحْيَانَا وَاجِبٌ لَكِنْ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالْإِلْزَامِ إلَّا الْوَطْأَةُ الْأُولَى. (وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْقَدِيمَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ فِيهِ) أَيْ الْقَسْمِ (سَوَاءٌ) ، وَكَذَا الْمَرِيضَةُ وَالصَّحِيحَةُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَامِلُ وَالْحَائِلُ وَالرَّتْقَاءُ وَالْمَجْنُونَةُ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي يُمْكِنُ وَطْؤُهَا وَالْمُحْرِمَةُ وَالْمُولَى مِنْهَا وَالْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ فِي أَوَّلِهَا سَبْعَ لَيَالٍ وَعِنْدَ الثَّيِّبِ الْجَدِيدَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَدُورُ بِالتَّسْوِيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ

عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ لِإِحْدَاهُمَا فِي الْقَسْمِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» أَيْ مَفْلُوجٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْدِلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ» يَعْنِي زِيَادَةَ الْمَحَبَّةِ. وَفِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ شَهْرًا فِي غَيْرِ سَفَرٍ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ الْأُخْرَى يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُدِرَ مَا مَضَى وَإِنْ أَثِمَ بِهِ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْجَوْرِ بَعْدَ نَهْيِ الْقَاضِي إيَّاهُ عُزِّرَ لَكِنْ بِالضَّرْبِ لَا بِالْحَبْسِ. وَفِي الْبَحْرِ الْقَسْمُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فَمَنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا فِي يَوْمٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَأْمُرُ بِأَنْ يَصْحَبَهَا أَحْيَانَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مُسْتَوْلَدَاتٌ وَإِمَاءٌ فَلَا قَسْمَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي الْمُصَاحَبَةِ. (وَلِلْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأَمِّ الْوَلَدِ نِصْفُ الْحُرَّةِ) فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ وَغَيْرِهَا الثُّلُثُ وَبِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، هَذَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِيهَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ فِي النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَكَيْفَ يَدَّعِي الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهَا، انْتَهَى. لَكِنَّ مُرَادَهُمْ التَّسْوِيَةُ فِي نَفْسِ الْإِنْفَاقِ لَا التَّسْوِيَةُ فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ فَإِنَّهُ كَمَا يُعْطَى لِلْحُرَّةِ نَفَقَةً مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ كَذَلِكَ الْأَمَةُ وَكَمَا يُعْطَى لَهَا خَبَرٌ وَاحِدٌ كَذَلِكَ لِلْأَمَةِ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا بِالْمُتَّخَذِ مِنْ الْحِنْطَةِ، أَوْ الشَّعِيرِ وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا حَالُ الْكِسْوَةِ تَأَمَّلْ، وَلَوْ اخْتَصَرَ بِالْأَمَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ شَامِلَةٌ لَهُنَّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. (وَلَا قَسْمَ فِي السَّفَرِ فَيُسَافِرُ) الزَّوْجُ (بِمَنْ شَاءَ) مِنْهُنَّ (وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ) تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْقُرْعَةُ وَاجِبَةٌ. (وَإِنْ وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِضَرَّتِهَا صَحَّ) وَالْهِبَةُ هُنَا مَجَازٌ عَنْ الْعَطِيَّةِ (وَلَهَا) أَيْ لِلْوَاهِبَةِ (أَنْ تَرْجِعَ) عَنْ هِبَتِهَا

كتاب الرضاع

فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَوْ جَعَلَتْ لِزَوْجِهَا مَالًا أَوْ حَطَّتْهُ مِنْ مَهْرِهَا لِيَزِيدَ قَسْمُهَا كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ بِمَا أَعْطَتْهُ، وَكَذَا لَوْ زَادَ الزَّوْجُ فِي مَهْرِهَا لِيَجْعَلَ يَوْمَهَا لِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. [كِتَابُ الرَّضَاعِ] ِ أَخَّرَهُ عَنْ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ كَالْفَصْلِ مِنْ بَعْضِهِ وَهُوَ كَالرَّضَاعَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ لُغَةً: شُرْبُ اللَّبَنِ مِنْ الضَّرْعِ، أَوْ الثَّدْيِ وَشَرْعًا (هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِلَبَنٍ خَالِصٍ أَوْ مُخْتَلِطٍ غَالِبًا، تَعْبِيرُهُ بِالْمَصِّ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ الْمُرَادَ وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصِّ وَالصَّبِّ وَالسَّعُوطِ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ اللَّبَنَ وَصَلَ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثَّدْيَ مُخْتَصٌّ بِآدَمِيَّةٍ (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) وَاحْتَرَزَ بِمَصِّ الرَّضِيعِ عَنْ مَصِّ غَيْرِهِ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ الْفِطَامِ وَبِقَوْلِهِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ عَمَّا إذَا مَصَّ مِنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمَصِّ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَحْرُمُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا قَدْ حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ: مَصُّ الرَّضِيعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ قَدْ يُذْكَرُ تَحْقِيقًا وَتَوْضِيحًا لِمَا عُلِمَ ضِمْنًا، تَدَبَّرْ. (وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الرَّضَاعِ، وَهُوَ حِلُّ النَّظَرِ وَحُرْمَةِ الْمُنَاكَحَةِ (بِقَلِيلِهِ) ، وَلَوْ قَطْرَةٍ (وَكَثِيرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَالْأَحَادِيثِ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ شَرَطَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ فِي أَقَلِّهَا، وَمَا رَوَاهُ وَهُوَ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ، أَوْ مَنْسُوخٌ بِهِ (فِي مُدَّتِهِ) أَيْ الرَّضَاعِ (لَا بَعْدَهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (وَهِيَ) أَيْ مُدَّتُهُ (حَوْلَانِ وَنِصْفٌ) أَيْ ثَلَاثُونَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ يُعْتَبَرُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهَا يُعْتَبَرُ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَقِيلَ يَثْبُتُ الرَّضَاعُ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةٍ وَقِيلَ إلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (وَعِنْدَهُمَا حَوْلَانِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ. وَفِي الْحَاوِي إنْ خَالَفَاهُ قَالَ بَعْضُهُمْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ الْمُفْتِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا كَمَا حُقَّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ الْأَوَّلَ

ما يحرم بالرضاع

لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَوْلَى خُصُوصًا قَبْلَ التَّزَوُّجِ، ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا مَضَتْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ إذَا فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ مُطْلَقًا فُطِمَ، أَوْ لَا وَتَرْجِيحُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَوْلَى خُصُوصًا فِي مَقَامِ الِاحْتِيَاطِ. وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّتِهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ غَيْرُ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَجَازَ الْبَعْضُ التَّدَاوِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَمْ يَبْقَ حَرَامًا. [مَا يحرم بِالرَّضَاعِ] (فَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ بِالرَّضَاعِ (مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (إلَّا جَدَّةُ وَلَدِهِ) وَإِنْ عَلَتْ؛ لِأَنَّ جَدَّةَ وَلَدِهِ نَسَبًا أُمُّ مَوْطُوءَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ لَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ لَهُ وَجْهٌ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ فِي الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ لَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ أَيْضًا وَالْحُرْمَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَلِذَلِكَ تِلْكَ الْكُلِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ تَأَمَّلْ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ جَدَّةُ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي كِلَيْهِمَا وَاحِدٌ (وَأُخْتُ وَلَدِهِ) فَإِنَّ أُخْتَ الْوَلَدِ مِنْ النَّسَبِ إمَّا الْبِنْتُ، أَوْ الرَّبِيبَةُ وَقَدْ وُطِئَتْ أُمُّهَا وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ قِيلَ لَا حَصْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا فِي دَعْوَةِ الشَّرِيكَيْنِ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى كَانَتْ تِلْكَ الْبِنْتُ أُخْتَ الِابْنِ نَسَبًا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَه وَلَا رَبِيبَتَهُ حَتَّى جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الْآخَرِ كَمَا فِي الْبَاقَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِأُخْتِ الْوَلَدِ هِيَ أُخْتُ الْوَلَدِ الَّذِي اخْتَصَّ بِأَبٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ عَلَى الْحَصْرِ النَّاظِرِ إلَى الْأَفْرَادِ الْكَامِلَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالْفَرْدِ النَّاقِصِ النَّادِرِ تَأَمَّلْ (وَعَمَّةُ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ عَمَّةَ وَلَدِهِ نَسَبًا أُخْتُهُ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ (وَأَمُّ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ) فَإِنَّ أُمَّ الْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ هِيَ الْأُمُّ، أَوْ مَوْطُوءَةُ الْأَبِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ الْأُولَى الْأُمُّ رَضَاعًا لِلْأُخْتِ، أَوْ الْأَخُ نَسَبًا كَأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالثَّانِيَةُ الْأُمُّ نَسَبًا لِلْأُخْتِ، أَوْ الْأَخِ رَضَاعًا كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَالثَّالِثَةُ الْأُمُّ رَضَاعًا لِلْأُخْتِ، أَوْ لِأَخٍ رَضَاعًا

كَأَنْ يَجْتَمِعَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ الْأَجْنَبِيَّانِ عَلَى ثَدْيِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَالصَّبِيَّةُ أُمُّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَأَمُّ عَمِّهِ، أَوْ عَمَّتِهِ، أَوْ خَالِهِ أَوْ خَالَتِهِ) فَإِنَّ أُمَّ الْأُولَيَيْنِ مِنْ مَوْطُوءَةِ الْجَدِّ الصَّحِيحِ وَأُمَّ الْآخَرِ بَيْنَ مَوْطُوءَةِ الْجَدِّ الْفَاسِدِ، وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا تَنْسَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الدُّرَرِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (وَإِلَّا أَخَا ابْنِ الْمَرْأَةِ لَهَا) أَيْ لَا يَحْرُمُ أَخُ ابْنِ الْمَرْأَةِ لَهَا إذَا كَانَ مِنْ الرَّضَاعِ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ أَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أُمَّ الْأَخِ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَّ أَخِ الرَّجُلِ كَانَ الرَّجُلُ أَخَا ابْنِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ تَأَمَّلْ (وَقِسْ عَلَيْهِ) بَاقِيَ الصُّوَرِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهَا. (وَتَحِلُّ أُخْتُ الْأَخِ لَهَا رَضَاعًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الرَّضَاعِ (وَنَسَبًا) يَشْمَلُ أَرْبَعَ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُخْتِ وَالْأَخِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَضَاعًا، أَوْ نَسَبًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَالْكُلُّ حَلَالٌ فَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ: (كَأَخٍ مِنْ الْأَبِ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ تَحِلُّ) هَذِهِ الْأُخْتُ (لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ) صُورَةٌ نِسْبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَلَالًا كَانَ حِلُّ أُخْتِ الْأَخِ رَضَاعًا أَوْلَى، هَذَا قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أَنَّهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ (وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ) أَيْ بَيْنَ مَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الِارْتِضَاعِ مِنْ ثَدْيٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَهُمَا أَخَوَانِ لِأُمٍّ، أَوْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأَمٍّ، أَوْ أُخْتَانِ لَهُمَا وَأَرَادَ بِالرَّضِيعَيْنِ الصَّبِيَّ وَالصَّبِيَّةَ فَغَلَّبَ الْمُذَكَّرَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ فِي التَّثْنِيَةِ كَالْقَمَرَيْنِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَ زَمَانُهُمَا) أَيْ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ (وَلَا) حِلَّ (بَيْنَ رَضِيعٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهِ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ وَمُرْضِعَةٌ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (سَفَلَ) ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ وَالسَّافِلُ وَلَدُ أُخْتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ (وَ) لَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعٍ (وَوَلَدِ زَوْجٍ لَبَنُهَا) أَيْ لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ بِأَنْ نَزَلَ بِوَطْئِهِ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الزَّوْجُ (أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ)

أَيْ ابْنُ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ (أَخٌ) لِلرَّضِيعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى، (وَبِنْتُهُ أُخْتٌ) لِلرَّضِيعِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَأَبُوهُ جَدٌّ وَأُمُّهُ جَدَّةٌ، (وَأَخُوهُ عَمٌّ) لَهُ، (وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ) لَهُ، هَذِهِ مَسْأَلَةُ لَبَنِ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا نَفَرًا يَسِيرًا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَصُورَتُهُ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ صَبِيَّةً فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا صَاحِبِ اللَّبَنِ وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَمَا فِي النَّسَبِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ وَوَلَدَتَا مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَغِيرًا صَارَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أُنْثَى لَا يَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ الْآخَرَ وَإِنْ كَانَا أُنْثَيَيْنِ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحِلُّ لِهَذَا الْمُرْضَعِ امْرَأَةٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ وَلَا لِلزَّوْجِ امْرَأَةٌ وَطِئَهَا الرَّضِيعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ هَاهُنَا اهْتِمَامًا لِزِيَادَةِ ضَبْطِهِ. وَفِي الْمَطْلَبِ: وَلَبَنُ الزِّنَا كَالْحَلَالِ فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ بِنْتًا حُرِّمَتْ عَلَى الزَّانِي وَآبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا. (وَلَا حُرْمَةَ لَوْ رَضَعَا) أَيْ الرَّضِيعَانِ (مِنْ شَاةٍ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ مُخْتَصَّةٌ بِلَبَنِ الْإِنْسَانِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ (أَوْ) رَضَعَا (مِنْ رَجُلٍ) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَلَّدُ مِمَّنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ وَلَبَنُ الْخُنْثَى إنْ كَانَ وَاضِحًا فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَشْكَلَ فَإِنْ قَالَتْ النِّسَاءُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِامْرَأَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (وَلَا) حُرْمَةَ (فِي الِاحْتِقَانِ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ثَبَتَ بِهِ الْحُرْمَةُ. (وَلَبَنِ الْبِكْرِ) وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا (وَ) لَبَنِ (الْمَيْتَةِ مُحَرِّمٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ حُلِبَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَشَرِبَهُ صَبِيٌّ، أَوْ ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ لَبَنٌ حَقِيقَةً فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ ذَاتُ اللَّبَنِ وَبِالْمَوْتِ لَمْ تَصِرْ مَحَلًّا لَهَا؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِوَطْئِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. (وَكَذَا الِاسْتِعَاطُ وَالْوَجُورُ) ؛ لِأَنَّ بِهِمَا يَصِلُ اللَّبَنُ إلَى الْجَوْفِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الْغِذَاءُ السَّعُوطُ بِالْفَتْحِ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ وَالْوَجُورُ الدَّوَاءُ الَّذِي يُوجَرُ فِي وَسَطِ الْفَمِ وَأَمَّا إقْطَارُ اللَّبَنِ فِي الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ وَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ فَغَيْرُ مُحَرِّمٍ (وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يُحَرِّمُ) مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الطَّعَامَ يَسْلُبُ قُوَّةَ اللَّبَنِ وَلَا يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِشُرْبِهِ وَالتَّغَذِّي يَحْصُلُ بِالطَّعَامِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فَكَانَ اللَّبَنُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا قِيلَ قَوْلُ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ فَإِذَا تَقَاطَرَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً وَإِنْ حَسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَهُ وَقِيلَ تَثْبُتُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (خِلَافًا لَهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ اللَّبَنِ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ كَالْمَعْدُومِ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ الْمَطْبُوخِ وَأَمَّا

فِي الْمَطْبُوخِ فَغَيْرُ مُحَرِّمٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا (وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ خُلِطَ اللَّبَنُ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ وَالْحُكْمُ فِيهِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ (وَكَذَا) يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِالْغَلَبَةِ (لَوْ خُلِطَ) لَبَنُ امْرَأَةٍ (بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْغَلَبَةُ فِي جِنْسِ الْأَجْزَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الدَّوَاءُ اللَّبَنُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ غُيِّرَ لَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ غُيِّرَ طَعْمُ اللَّبَنِ وَلَوْنُهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا وَإِنْ غُيِّرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ رَضَاعًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَتَعَلَّقُ الْحُرْمَةُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ اعْتَبَرَ الْغَالِبَ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْغَايَةِ هُوَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ وَقِيلَ إنَّهُ الْأَصَحُّ. (وَإِنْ أَرْضَعَتْ) امْرَأَةُ رَجُلٍ (ضَرَّتِهَا) حَالَ كَوْنِهَا رَضِيعَةً (حَرُمَتَا) عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ صَبِيَّتَيْنِ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ مَعًا، أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى حَرُمَتَا عَلَيْهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ كَبِيرَةً، ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِهِ، أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مُؤَبَّدَةً؛ لِأَنَّهُ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ تُوطَأْ) لِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِلَا تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ حِينَئِذٍ ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ بِلَا دُخُولٍ بِالْأُمِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّغِيرَةَ حِينَئِذٍ. وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَةُ الْأَبِ امْرَأَةُ أَبِيهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ مِنْ الْأَبِ (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) أَيْ الْمَهْرِ إنْ كَانَ لَهَا مُسَمًّى، أَوْ نِصْفُ الْمُتْعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِيَارِهَا الِارْتِضَاعَ؛ لِأَنَّهَا مَجْبُولَةٌ عَلَيْهِ طَبْعًا (وَيَرْجِعُ) الزَّوْجُ (بِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ لِلصَّغِيرَةِ (عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ الْفَسَادَ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لِلْفُرْقَةِ وَالْمُسَبِّبُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي كَحَافِرِ الْبِئْرِ (لَا) يَرْجِعُ (إنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ (أَوْ قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ وَالْهَلَاكِ) عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِذَلِكَ (أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ) أَيْ إرْضَاعَ الصَّغِيرَةِ (مُفْسِدٌ) لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَاعْتُبِرَ الْجَهْلُ؛ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْكَبِيرَةَ لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، أَوْ نَائِمَةً أَوْ مَعْتُوهَةً، أَوْ مَجْنُونَةً لَمْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ لَبَنِهَا وَصَبَّ فِي فَمِ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بَلْ عَلَيْهِ إنْ قَصَدَ الْفَسَادَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا. وَفِي الدُّرَرِ امْرَأَةٌ لَهَا لَبَنٌ مِنْ الزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ وَنَزَلَ اللَّبَنُ فَأَرْضَعَتْ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ حَقٌّ تَلِدُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِذَا وَلَدَتْ فَاللَّبَنُ يَكُونُ مِنْ الثَّانِي وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَلِدْ زَوْجَتُهُ قَطُّ، أَوْ يَبِسَ لَبَنُهَا، ثُمَّ نَزَلَ لَا يَحْرُمُ

كتاب الطلاق

رَضِيعُهَا عَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) مَعَ يَمِينِهَا (فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ قَصْدِ الْفَسَادِ. (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ) أَيْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِهِ زَوَالَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالتَّصَادُقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْبَلُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ بِامْرَأَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِالْعَدَالَةِ. وَفِي التَّنْوِيرِ هَلْ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الرَّضَاعِ عَلَى دَعْوَى الْمَرْأَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِطَلَاقِهَا. (وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ مُشِيرًا إلَى زَوْجَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ (هَذِهِ أُخْتِي) ، أَوْ أُمِّي أَوْ بِنْتِي (مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ ادَّعَى الْخَطَأَ صُدِّقَ) الزَّوْجُ فِي دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَجْرِي فِيهِ الْغَلَطُ فَكَانَ مَعْذُورًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَدَّقُ بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُصِرَّ، أَمَّا لَوْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ هُوَ حَقٌّ كَمَا قُلْت ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَقَرَّتْ ثُمَّ أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ أَخْطَأْت وَتَزَوَّجَهَا جَازَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا وَلَوْ أَقَرَّا جَمِيعًا، ثُمَّ أَكْذَبَا نَفْسَهُمَا، وَقَالَا أَخْطَأْنَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا جَازَ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. [كِتَابُ الطَّلَاقِ] ِ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ مُتَأَخِّرًا عَنْ النِّكَاحِ طَبْعًا أَخَّرَهُ وَضْعًا لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ كِتَابَ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الرَّضَاعِ وَالطَّلَاقِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً فَقَدَّمَهُ عَلَى مَا يُوجِبُ حُرْمَةً لَيْسَتْ بِمُؤَبَّدَةٍ بَلْ مُغْيَاةٍ بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ مِنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقًا كَالسَّرَاحِ وَالسَّلَامِ مِنْ التَّسْرِيحِ وَالتَّسْلِيمِ، أَوْ مَصْدَرُ طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا طَلَاقًا. وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ. وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ، وَسَبَبُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ، وَشَرْطُهُ كَوْنُ الزَّوْجِ مُكَلَّفًا وَالْمَرْأَةِ مَنْكُوحَةً، أَوْ فِي عِدَّةٍ تَصْلُحُ مَعَهَا مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ، وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ، وَرُكْنُهُ نَفْسُ اللَّفْظِ، وَمَحَاسِنُهُ مِنْهَا: ثُبُوتُ التَّخَلُّصِ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ بِيَدِ الرِّجَالِ لَا النِّسَاءِ وَشَرَعَهُ ثَلَاثًا وَأَمَّا وَضْعُهُ فَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أُطْلِقَ الْفَرَسُ وَالْأَسِيرُ وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ

بِالتَّفْعِيلِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ؛ وَلِهَذَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِالتَّشْدِيدِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ (هُوَ) أَيْ الطَّلَاقُ (رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا) خَرَجَ بِهِ الْقَيْدُ الثَّابِتُ حِسًّا كَحَلِّ الْوَثَاقِ (بِالنِّكَاحِ) خَرَجَ بِهِ رَفْعُ قَيْدِ غَيْرِهِ كَرَفْعِ قَيْدِ الْمِلْكِ بِالْعِتَاقِ، وَكَذَلِكَ خَرَجَ بِهِ الْقَيْدُ الثَّابِتُ حِسًّا وَلَا حَاجَةَ بِقَوْلِهِ شَرْعًا، تَدَبَّرْ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ مَنْقُوضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا طَرْدًا فَبِالْفُسُوخِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ فَقَدْ وُجِدَ الْحَدُّ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَحْدُودُ وَأَمَّا عَكْسًا فَبِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْقَيْدِ فَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ وَلَمْ يَنْتِفْ الْمَحْدُودُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ: " طَالِقٌ " صَرِيحًا، وَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي الْمَآلِ، أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَخَرَجَ مَا عَدَاهُمَا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ أَيْضًا لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ، وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى قِسْمَيْنِ: سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ وَالسُّنِّيُّ نَوْعَانِ سُنِّيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ وَسُنِّيٌّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَحَسَنٌ وَالْبِدْعِيُّ بِدْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ وَبِدْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَبَدَأَ بِالْأَحْسَنِ؛ لِشَرَفِهِ فَقَالَ (أَحْسَنُهُ) أَيْ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا) ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَهُ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ مِنْ النَّدَمِ وَأَقَلَّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَا يُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّلَاقِ مَبْغُوضًا لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ الْكَرَاهَةُ إلَّا إذَا لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ وَقَدْ وَصَفَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ مَا رَتَّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَدَلِيلُ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] «وَطَلَاقُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَفْصَةَ، ثُمَّ أَمْرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ» وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ بَعْضٍ: لَا يُبَاحُ إلَّا لِكِبَرٍ كَطَلَاقِ سَوْدَةَ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» وَأَشْبَاهُهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَاقِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ نُشُوزٍ فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (وَحَسَنُهُ وَهُوَ سُنِّيٌّ) أَيْ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ كَمَا فِي الِاصْطِلَاحِ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ سُنِّيٌّ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لِأَنَّ الْأَحْسَنَ سُنِّيٌّ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ

الطلاق البدعي على نوعين

وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَا جِمَاعَ فِيهَا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] «وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابْنَ عُمَرَ بِأَنْ يُرَاجِعَ وَيُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً» وَلَا بِدْعَةَ فِيمَا أَمَرَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ (وَلِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (طَلْقَةٌ، وَلَوْ) كَانَتْ الطَّلْقَةُ (فِي الْحَيْضَةِ) وَهُوَ سُنِّيٌّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ أَيْضًا وَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ فِي الْحَيْضِ كَوْنُهُ سُنِّيًّا؛ لِأَنَّ السُّنِّيَّ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ طَلْقَةٌ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ مَخْصُوصٌ بِالْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا لَا يَضُرُّ كَوْنُهُ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهَا بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ شَدِيدُ الرَّغْبَةِ فِي امْرَأَةٍ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَى طَلَاقِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ إلَى طَلَاقِهَا. وَقَالَ زُفَرُ يَضُرُّ وَيُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ قِيَاسًا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا. وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَسْتَوِي مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا. انْتَهَى، لَكِنَّ الِاسْتِوَاءَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا مُتَعَذِّرٌ فَإِنَّ السُّنِّيَّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَثْبُتُ بِقِسْمَيْنِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَأَنْ يُلْحِقَهَا بِأُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الطُّهْرَيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذْ لَا عِدَّةَ لَهَا كَمَا يَأْتِي، تَأَمَّلْ. (وَالْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْحَامِلُ يُطَلَّقْنَ لِلسُّنَّةِ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْأَصَحِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ بِالِاتِّفَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ (لَا تَطْلُقُ الْحَامِلُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ حَمْلِهَا طُهْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلتَّفْرِيقِ كَالطُّهْرِ الْمُمْتَدِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ مُدَّةَ حَمْلِهَا فَصَارَتْ كَالْآيِسَةِ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا (وَجَازَ طَلَاقُهُنَّ) أَيْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ (عَقِيبَ الْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا. [الطَّلَاق الْبِدْعِيّ عَلَى نَوْعَيْنِ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعِيَّ عَلَى نَوْعَيْنِ بِدْعِيٌّ لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى الْعَدَدِ وَبِدْعِيٌّ يَعُودُ إلَى الْوَقْتِ وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (وَبِدْعِيُّهُ) أَيْ بِدْعِيُّ الطَّلَاقِ عَدَدًا (تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا، أَوْ ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَكَانَ عَاصِيًا لَكِنْ إذَا فَعَلَ بَانَتْ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُبَاحٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي صَدْرِ الْأَوَّلِ إذَا أَرْسَلَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَمْ يُحْكَمْ إلَّا بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ إلَى زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ثُمَّ حَكَمَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ لِكَثْرَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ تَهْدِيدًا (أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ إنْ) كَانَتْ (مَدْخُولًا بِهَا) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا رَجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَخَلَّلَتْ الرَّجْعَةُ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَيَّدَ الْمَدْخُولَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ فَطَلَّقَهَا ثَانِيًا فِي طُهْرٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ

لِعَدَمِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا (أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ) هَذَا بِدْعِيُّ الطَّلَاقِ وَقْتًا وَهُوَ تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ قَاصِرَةٌ عَنْ هَذَا، وَفِي عَطْفِهِ عَلَى مَا سَبَقَ صُعُوبَةٌ، تَدَبَّرْ. (وَكَذَا) بِدْعِيُّهُ وَقْتًا (تَطْلِيقُهَا فِي الْحَيْضِ) لَوْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمَّا كَوْنُ الْأَوَّلِ بِدْعِيًّا فَلِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَأَمَّا الثَّانِي «فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ» (وَتَجِبُ مُرَاجَعَتُهَا) إنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَةَ فِي الْحَيْضِ، وَلَوْ زَادَ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِيهِ حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (فِي الْأَصَحِّ) عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ (وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ) كَمَا فِي الْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَنْدُوبٌ وَلَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ وَاجِبَةً (فَإِذَا طَهُرَتْ) الْمُرَاجَعُ بِهَا عَنْ هَذِهِ الْحَيْضِ (ثُمَّ حَاضَتْ، ثُمَّ طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ) ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضْمَحِلَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجْعَلُ هَذَا طَلَاقًا بَايَنَا فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الطَّحَاوِيُّ (يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ) . وَفِي التُّحْفَةِ قَالَ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ الْإِمَامِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا وَمَا قَالَ الْإِمَامُ هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ طُهْرٌ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْأَوْلَى قَوْلُ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ. وَفِي الْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ قَوْلَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ فَلِذَا قُلْنَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةً عَنْهُ. (وَلَوْ قَالَ لِلْمَوْطُوءَةِ) وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَالْمَعْنَى الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ مُطْلَقٌ فَيُصْرَفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ عَدَدًا وَوَقْتًا فَوَجَبَ جَعْلُ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ لِتَقَعَ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ طُهْرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَيَّدَ بِالْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَقَعَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَةً، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ ثَانِيًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا تَقَعُ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا تَقَعُ طَلْقَةً ثَالِثَةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ لِلْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ تَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةً وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى، وَكَذَا الْحَامِلُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لَا بِدْعَةَ عِنْدَهُ وَلَا سُنَّةَ فِي الْعَدَدِ. (وَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ جُمْلَةً) أَيْ وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ، أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدٌ (صَحَّتْ نِيَّتُهُ) خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِدْعَةٌ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً وَلَنَا أَنَّهُ

سُنِّيٌّ وُقُوعًا لَا إيقَاعًا؛ لِأَنَّا إنَّمَا عَرَفْنَا وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِالسُّنَّةِ فَكَانَ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ النِّيَّةِ دُونَ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَأَلْفَاظُ طَلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلسُّنَّةِ، وَفِي السُّنَّةِ، وَمَعَ السُّنَّةِ، وَعَلَى السُّنَّةِ وَطَلَاقُ السُّنَّةِ وَالْعِدَّةِ وَطَلَاقُ عِدَّةٍ وَطَلَاقُ الْعَدْلِ وَطَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ وَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلُهُ أَوْ طَلَاقُ الْحَقِّ، أَوْ الْقُرْآنِ، أَوْ الْكِتَابِ وَكُلُّ هَذِهِ تُحْمَلُ عَلَى أَوْقَاتِ السُّنَّةِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ) حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُكْرَهًا) فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ لَا إقْرَارَهُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ آلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ، وَكَذَا اللَّاعِبُ وَالْهَازِلُ بِالطَّلَاقِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ» (أَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (سَكْرَانَ) زَائِلَ الْعَقْلِ فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ كَذَا حَلِفُهُ وَإِعْتَاقُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

باب إيقاع الطلاق

يَعْنِي لَا يَقَعُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ كَالنَّائِمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْعَقْلُ وَقَدْ زَالَ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْلَ زَالَ بِسَبَبٍ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا لَهُ حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصَدَعَ رَأْسَهُ وَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا، أَوْ شَرِبَ لِضَرُورَةٍ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ عَدَمُ الْوُقُوعِ كَمَا لَا يُحَدُّ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ، أَوْ الْعَسَلِ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقَعُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ سَكِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ وَيَقَعُ، وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَقَعُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ شَرِبَ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ وَإِلَّا لَا وَعَنْهُمَا لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلُقُ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. انْتَهَى، لَكِنْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْوُقُوعِ كَمَا مَرَّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُتَأَمَّلَ عِنْدَ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ (أَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (أَخْرَسَ) يَقَعُ (بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي نِكَاحِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَهِيَ كَالْعِبَارَةِ مِنْ النَّاطِقِ اسْتِحْسَانًا هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُنْتَقَى الْمَرِيضُ الَّذِي اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ لَا يَكُونُ كَالْأَخْرَسِ. (لَا) يَقَعُ (طَلَاقُ صَبِيٍّ) ، وَلَوْ مُرَاهِقًا لِفَقْدِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ (وَمَجْنُونٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» وَهَذَا ذِكْرُ مَا عُلِمَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الرِّوَايَاتِ لَكِنَّهُ فِي ذِكْرِهِ صَرِيحًا قُوَّةٌ ظَاهِرَةٌ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ، ثُمَّ بَلَغَ وَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَوْقَعْته فَإِنَّهُ يَقَعُ (وَنَائِمٍ) إنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِانْعِدَامِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالْمَعْتُوهُ وَهُوَ اخْتِلَالُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينِ. (وَ) لَا يَقَعُ طَلَاقُ (سَيِّدٍ عَلَى زَوْجَةِ عَبْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ (وَاعْتِبَارُهُ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ (بِالنِّسَاءِ) لَا بِالرِّجَالِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ اعْتِبَارُهُ بِالرِّجَالِ (فَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ وَلَوْ) كَانَتْ (تَحْتَ عَبْدٍ وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَلَوْ تَحْتَ حُرٍّ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطَالَعْ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. [بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ] ِ لَمَّا ذَكَرَ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَوَصَفَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَنْوِيعِهِ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْكِنَايَةِ وَالصَّرِيحُ مَا كَانَ ظَاهِرَ الْمُرَادِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْكِنَايَةُ مَا كَانَ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ فَقَالَ: (صَرِيحُهُ)

أَيْ الطَّلَاقِ (مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (خَاصَّةً) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالطَّلَاقِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ) لِأَنَّ الصَّرِيحَ مَوْضُوعٌ لِلطَّلَاقِ شَرْعًا فَكَانَ حَقِيقَةً فِيهِ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ نَوَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقَ مِنْ الْقَيْدِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ، وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الطَّلَاقِ فِيهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً (وَهُوَ) أَيْ صَرِيحُ الطَّلَاقِ: (أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ فِيهِمَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا صَرِيحَ سِوَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَانَتْ طَالِقٌ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِإِشْعَارِ الْكَافِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ، تَدَبَّرْ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْمُنْيَةِ يَدْخُلُ نَحْوُ " وَسُوبْيَا طَلَاغ، أَوْ تَلَاعَ، أَوْ تُلَاغَ أَوْ طَلَاكَ " بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ عَلَى مَا قَالَ الْفَضْلِيُّ، وَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْته تَخْوِيفَهَا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَكَذَا أَنْتِ " ط ل اق "، أَوْ " طَلَاق باش "، أَوْ " طَلَاق شو " كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُ الزَّوْجِ مَعْنَاهُ فَلَوْ لَقَّنَهُ الطَّلَاقَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَطَلَّقَهَا بِلَا عِلْمٍ بِهِ وَقَعَ قَضَاءً كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ وَالْمُنْيَةِ. وَفِي الْفَتْحِ لَوْ طَلَّقَ النَّبَطِيُّ بِالْفَارِسِيَّةِ يَقَعُ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهِ الْعَرَبِيُّ وَلَا يَدْرِيهِ لَا يَقَعُ وَفِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا قَبْلَهَا إلَّا أَنَّ فِي الْأُولَى يُرِيدُ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ، تَدَبَّرْ. (وَتَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهَا) ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ صَرِيحَةً يُعَقِّبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] ، الْآيَةُ، فَقَوْلُهُ إمْسَاكٌ هُوَ الرَّجْعَةُ فَالتَّعْبِيرُ بِالْإِمْسَاكِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ لَا إعَادَةُ الزَّائِلِ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ أَنْتِ طَالٍ بِتَرْخِيمِ الْقَافِ حَالَةَ الرِّضَا لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ كَالْكِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ يَا طَالِ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ يَجْرِي كَثِيرًا فِي الْمُنَادَى فَصَارَ كَأَنَّهُ أَفْصَحَ بِالْقَافِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (نَوَى أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُذْكَرْ

بَلْ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى يَثْبُتُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأَكْثَرِ بَلْ تَنْدَفِعُ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَقَعُ مَا نَوَى وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُحْتَمَلٌ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ وَفِيهِ أَجْوِبَةٌ وَأَسْئِلَةٌ فِي الْأُصُولِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطَالَعْ (أَوْ) نَوَى وَاحِدَةً (بَائِنَةً) ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الشَّرْعَ حَيْثُ قَصَدَ بِنِيَّتِهَا تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ فَيَلْغُو قَصْدُهُ (وَقَوْلُهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ طَلَّقْتُك (أَنْتِ الطَّلَاقُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا) ، وَكَذَا أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ أَوْ تَطْلِيقَةٌ، أَوْ طَلَّقْتُك طَلَاقًا، أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ " تو طَلَاقِي "، أَوْ " وَسُوبْيَا طَلَاق طَلَاق "، أَوْ " تو طَلَاق داده "، أَوْ " دادمت طَلَاق " كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيُّ (يَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (نَوَى) بِالْمَصْدَرِ (ثِنْتَيْنِ، أَوْ بَائِنَةً) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنْتِ ذَاتُ الطَّلَاقِ وَأَمَّا بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ النَّعْتِ وَحْدَهُ وَهُوَ طَالِقٌ يَقَعُ فَبِذِكْرِ الْمَصْدَرِ مَعَهُ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا أَوْلَى فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِمُثَنًّى إلَّا فِي الْأَمَةِ فَلَوْ نَوَى بِهِ الثِّنْتَيْنِ فِي تَطْلِيقِ الْأَمَةِ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ مَا نَوَى مِنْ الْأَعْدَادِ وَزَادَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْغَيْرِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَإِنْ نَوَى بَانَتْ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِطَلَاقٍ أُخْرَى وَقَعَتَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بِإِضْمَارِ أَنْتِ فَصَارَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا لَغَا الثَّانِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَكُونَ فِي النُّسْخَةِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ هَذَا مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَمَنَعَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَتَرَكَهَا لِتَرَدُّدِهِ، تَدَبَّرْ. (وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ وَقَعْنَ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُفْرَدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْدَ نَوْعَانِ فَرْدٌ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ أَدْنَى الْجِنْسِ وَفَرْدٌ حُكْمِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ الْجِنْسِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلَا كَذَلِكَ التَّثْنِيَةُ كَمَا بَيَّنَّاهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا قَالَ

لِآخَرَ أَخْبِرْ امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ أَخْبَرَهَا بِهِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَخْبِرْهَا بِمَا أَوْقَعْت عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ مَوْصُولًا بِالْإِيقَاعِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إيقَاعًا سَابِقًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا، أَوْ بَشِّرْهَا بِطَلَاقِهَا فَهِيَ طَلَاقٌ بَلَّغَهَا، أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ، أَوْ قُلْ لَهَا إنَّهَا طَالِقٌ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِإِضَافَتِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ، الْإِضَافَةُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوِهِ وَبِالتَّجَوُّزِ فِيمَا تُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ (إلَى جُمْلَتِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (كَمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَصَحَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى كُلِّهَا نَحْوُ كُلُّك، أَوْ جَمِيعُك، أَوْ جُمْلَتُك طَالِقٌ وَبَطَلَ دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ كَمَا مَرَّ لَكَانَ أَوْلَى (أَوْ إلَى مَا) أَيِّ جُزْءٍ (يُعَبَّرُ بِهِ كَالرَّقَبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (وَالْعُنُقِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] أَيْ ذَوَاتُهُمْ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ خَاضِعَةً (وَالرَّأْسِ) يُقَالُ أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْت بَاقِيًا لَكِنَّ هَذَا فِيمَا يُلْفَظُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ وَأَرَادَ الرَّأْسَ فَقَطْ، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا فَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ مِنْك طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضَعْ يَدَهُ بَلْ قَالَ هَذَا الرَّأْسُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَالْوَجْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أَيْ ذَاتُهُ الْكَرِيمُ (وَالرُّوحِ) فِي قَوْلِهِمْ هَلَكَتْ رُوحُهُ أَيْ نَفْسُهُ (وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ) فِي قَوْلِهِمْ جَسَدُ فُلَانٍ يَخْلُصُ مِنْ ذُلِّ الرِّقِّ أَيْ نَفْسُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَطْرَافَ دَاخِلٌ فِي الْجَسَدِ دُونَ الْبَدَنِ، وَكَذَا شَخْصُك وَنَفْسُك وَجِسْمُك وَصُورَتُك، وَفِي الِاسْتِ وَالدَّمِ خِلَافٌ (وَالْفَرْجِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» قَدْ قَالُوهُ وَإِنْ عُدَّ الْحَدِيثُ غَرِيبًا. وَفِي الْفَتْحِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ إطْلَاقَ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ (أَوْ) بِإِضَافَتِهِ (إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ (كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ لِشُيُوعِهِ فَيَقَعُ فِي الْكُلِّ كَمَا إذَا أَعْتَقَ بَعْضَ جَارِيَتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَحَمَّلُ التَّجَزُّؤَ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ (لَا بِإِضَافَتِهِ إلَى يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا) أَيْ لَا يَقَعُ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى جُزْءٍ غَيْرِ شَائِعٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالْيَدِ فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْكُلِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّفْسُ كَمَا صُرِّحَ فِي التَّفَاسِيرِ، أُجِيبَ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شُيُوعِ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ وَكَوْنِهِ عُرْفًا، وَاسْتِعْمَالُ الْيَدِ فِي الْكُلِّ نَادِرٌ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ بَلْ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ عَنْ الْجُمْلَةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لَا فِي عُرْفِهِمْ وَلَا يَقَعُ فِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (أَوْ ظَهْرِهَا، أَوْ بَطْنِهَا) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ

وَكَذَا فِي الْبُضْعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِالْوُقُوعِ فِي الْفَرْجِ بِلَا خِلَافٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ يَقَعُ أَيْضًا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْأَصَابِعِ وَالْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالصَّدْرِ وَالْأُذُنِ وَالدُّبُرِ وَأَمَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ وَالسِّنِّ وَالرِّيقِ وَالْعَرَقِ فَلَا يَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْفَتْحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ سُدُسَهَا، أَوْ رُبْعَهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً) وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ كَالثُّمُنِ أَوْ قَالَ جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ تَطْلِيقَةٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاظِرٌ إلَى صَوْنِ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَصَرْفِهِ مَا أَمْكَنَ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَلِذَا اُعْتُبِرَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ عَفْوًا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ جُزْءٌ كَانَ كَذِكْرِ كُلِّهَا تَصْحِيحًا كَالْعَفْوِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ. وَفِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَجْزَاءَ تَطْلِيقَةٍ كَقَوْلِهِ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَهَا وَرُبْعَهَا فَإِنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الِاسْمَ إذَا أُعِيدَ مَعْرِفَةً كَانَ عَيْنَ الْأَوَّلِ وَإِنْ جَاوَزَ كَمَا إذَا قَالَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَرُبْعَهَا فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ تَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَجْزَاءِ تَطْلِيقَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى فَتَتَكَامَلُ وَهَذَا إذَا أُضِيفَ الْأَجْزَاءُ إلَى تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى تَطْلِيقَةٍ مُنَكَّرَةٍ فَاقْتَضَى كُلُّ جُزْءٍ تَطْلِيقَةً عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ إذَا أُعِيدَ نَكِرَةً كَانَ غَيْرَ الْأَوَّلِ. وَفِي الْفَتْحِ إخْرَاجُ بَعْضِ التَّطْلِيقِ لَغْوٌ بِخِلَافِ إيقَاعِهِ فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (وَ) يَقَعُ (فِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثَةَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً (فِي ثَلَاثَةِ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ ثِنْتَانِ) ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ يَكُونُ طَلْقَةً وَنِصْفًا فَيَتَكَامَلُ النِّصْفُ فَيَحْصُلُ طَلْقَتَانِ (وَقِيلَ ثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَكُونُ طَلْقَةً لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ فَيَصِيرُ ثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ طَلْقَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ، أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا فَتَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ إلَّا فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ فَتَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَتَيْنِ، وَكَذَا مَا زَادَ إلَى ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَانِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ مَعَهَا، أَوْ قَالَ أَشْرَكْت فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ طَلُقَتَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: لِأَرْبَعٍ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي الْمِنَحِ، وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ وَلَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ، وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ

مِنْهُمَا، امْرَأَتِي طَالِقٌ، امْرَأَتِي طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت وَاحِدَةً لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ مَدْخُولَتَيْنِ فَلَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى إحْدَاهُمَا، وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ كِلْتَاهُمَا مَعْرُوفَةٌ صَرَفَهُ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ. (وَ) تَقَعُ (فِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ (وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) طَلْقَتَانِ (ثِنْتَانِ وَ) تَقَعُ (فِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ (إلَى ثَلَاثٍ) ، أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ (ثِنْتَانِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى عِنْدَهُ تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا لَا الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِمْ: عُمْرِي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ (وَعِنْدَهُمَا) تَدْخُلُ الْغَايَاتُ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ. وَفِي الثَّانِيَةِ (ثَلَاثٌ) ؛ لِقَوْلِهِمْ خُذْ مِنْ مَا لِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى الْعَشَرَةِ فَإِنَّ لَهُ أَخْذُ عَشْرَةٍ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ كَقَوْلِهِمْ: بِعْت مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْأُولَى شَيْءٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةً وَهُوَ قِيَاسٌ رُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ، أَوْ الْأَصْمَعِيَّ قَدْ حَاجَّ زُفَرَ، وَقَالَ كَمْ سِنُّك فَقَالَ مَا بَيْنَ سِتِّينَ وَسَبْعِينَ فَقَالَ: أَنْتَ إذَنْ ابْنُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ فَتَحَيَّرَ زُفَرُ لَكِنَّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِي إرَادَةِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ وَلَا عُرْفَ فِي الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُتَعَارَفْ التَّطْلِيقُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَبَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ تَأَمَّلْ. (، وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ (فِي ثِنْتَيْنِ) تَقَعُ (وَاحِدَةً إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) ؛ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا (أَوْ نَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ) وَكَانَ عَارِفًا يَعْرِفُ الْحِسَابَ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ تَقَعُ ثِنْتَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنَّ وَاحِدًا إذَا ضُرِبَ فِي اثْنَيْنِ يَكُونُ اثْنَيْنِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهِ، بَيَانُهُ أَنَّ الضَّرْبَ يُضَعِّفُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ فَقَوْلُهُ وَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ كَقَوْلِهِ وَاحِدَةٌ مَرَّتَيْنِ وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ عَدَدِ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إزَالَةُ كَسْرٍ يَقَعُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ فَمَعْنَى وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ ذَاتُ جُزْأَيْنِ وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسُهَا وَرُبْعُهَا وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَ زُفَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ فِي التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ كَوْنُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مُضَعَّفًا بِقَدْرِ الْآخَرِ وَالْعُرْفُ لَا يَمْنَعُ وَالْغَرَضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ، أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يَدْرِيهَا هَكَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَالْغَايَةِ لَكِنْ إنَّ أَثَرَ عَمَلِ الضَّرْبِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ الْحِسِّيَّةِ لَا فِي الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ وَالطَّلَاقُ مِنْ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يُفِيدُ قَصْدُهُ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، أَوْ مَعَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) أَمَّا نِيَّةُ الْوَاوِ فَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلُهُ فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ وَيُقَارِنُهُ وَيَتَّصِلُ بِهِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ وَأَمَّا مَعَ فُلَانٍ فِي يَجِيءُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي. وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ

فِي عَبْدِي وَعَلَى هَذَا فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْوِيلَهَا مَعَ عِبَادِي يُنْبِئُ عَنْهُ {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] فَإِنَّ دُخُولَهَا مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16] كَمَا فِي الْفَتْحِ هَذَا فِي الْمَوْطُوءَةِ (وَفِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ) أَيْ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ تَقَعُ (وَاحِدَةٌ مِثْلُ وَاحِدَةٍ وَثِنْتَيْنِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ ابْتِدَاءً أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَا يَبْقَى لِلثِّنْتَيْنِ مَحَلٌّ كَمَا بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ فِيهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ (أَيْضًا) كَمَا يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعَانِ مَعًا فَلَا يُخِلُّ كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ وُقُوعُهُمَا مَعًا (وَفِي ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ) تَقَعُ (ثِنْتَانِ وَإِنْ نَوَى الضَّرْبَ) لِمَا عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْمَضْرُوبِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى مَعْنَى الْوَاوِ، أَوْ مَعْنَى مَعَ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَفِي غَيْرِهَا ثِنْتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثٌ فِي الثَّانِي. (وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ) تَقَعُ (وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) . وَقَالَ زُفَرُ بَائِنَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالطُّولِ وَلَا يُنْتَقَضُ بِإِيقَاعِهِ الرَّجْعِيَّ فِيمَا لَوْ صَرَّحَ بِالطُّولِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقِصَرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَنَفْسُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقَصُرَ حُكْمُهُ لِكَوْنِهِ رَجْعِيًّا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الشَّامِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ تَطْلِيقَةً إلَى الشَّامِ يَكُونُ بَائِنًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (، وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ، أَوْ فِي مَكَّةَ) أَوْ فِي ثَوْبِ كَذَا وَهِيَ لَابِسَةٌ غَيْرَهُ، أَوْ فِي الشَّمْسِ، أَوْ فِي الظِّلِّ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً (تَطْلُقُ لِلْحَالِ حَيْثُ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِمَكَانٍ، أَوْ ظَرْفٍ دُونَ آخَرَ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت فِي دُخُولِك مَكَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ حَيْثُ لَا تَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ كَمَا إذَا قَالَ الشِّتَاءُ، أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الشُّمُنِّيِّ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي انْتِهَاءِ الشِّتَاءِ، أَوْ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نَوَى التَّنْجِيزَ يَقَعُ فِي الْحَالِ اتِّفَاقًا. (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (إذَا دَخَلْت مَكَّةَ، أَوْ دُخُولَك) فِيهَا (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (مَا لَمْ تَدْخُلْهَا) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ فِي الْأَوَّلِ، وَكَذَا فِي الثَّانِي كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالشَّرْطِ لِصِحَّةِ اسْتِعَارَةِ الظَّرْفِ لِأَدَاةِ الشَّرْطِ الْمُقَارِنَةِ بَيْنَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَظْرُوفَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الظَّرْفِ كَالْمَشْرُوطِ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَدُّدِ مَعْنَاهُ أَعْنِي الظَّرْفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ فِي لُبْسِك أَوْ ذَهَابِك وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا يَقُومُ بِهَا فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي مَرَضِك، أَوْ وَجَعِك، أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْرَضَ، أَوْ تُصَلِّيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَكَذَا الدَّارُ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ، أَوْ لِحَيْضِك فَتَطْلُقُ لِلْحَالِ.

فصل إضافة الطلاق إلى الزمان

[فَصْلٌ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ] فَصْلٌ يَعْنِي فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ اعْلَمْ أَنَّ كِتَابَ الطَّلَاقِ صِنْفٌ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ وَمَا تَحْتَهُ صِنْفٌ مُتَرْجَمٌ بِالْبَابِ وَالْبَابُ تَحْتَهُ صِنْفٌ مُسَمًّى بِالْفَصْلِ وَالْكُلُّ تَحْتَ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْمُدَوَّنِ فَإِنَّهُ صِنْفٌ عَالٍ وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَتَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ نَوْعٌ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ فِي غَدٍ يَقَعُ) الطَّلَاقُ (عِنْدَ الصُّبْحِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ مُسَمًّى الْغَدِ فَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَفِي الثَّانِي وَصَفَهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالتَّدَبُّرِ. (وَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ وَقْتَ الْعَصْرِ) فِي قَوْلِهِ غَدًا (صَحَّتْ دِيَانَةً) لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْغَدِ وَالْغَدُ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا عَنَى الْوُقُوعَ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ دُونَ الْجَمِيعِ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لِإِرَادَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ الْعُمُومِ فَلَا يُصَدَّقُ وَلَكِنْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامَّ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ فَإِنْ قِيلَ: الْعَامُّ مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ وَلَفْظُ غَدًا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَلَا يَكُونُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ الْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ مَجَازًا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ. (وَ) إنْ نَوَى الْوُقُوعَ وَقْتَ الْعَصْرِ (فِي الثَّانِي) أَيْ فِي غَدٍ (يُصَدَّقُ) قَضَاءً (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُوجِبُ اسْتِيعَابَ الْمَظْرُوفِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا الظَّرْفِيَّةُ فَإِنْ نَصَبَ غَدًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَلَا فَرْقَ وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ غَدًا لِلِاسْتِيعَابِ؛ لِأَنَّهُ شَابَهُ الْمَفْعُولَ بِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ لَا أُكَلِّمُك شَهْرًا، وَفِي الشَّهْرِ وَدَهْرًا، وَفِي الدَّهْرِ وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِيعَابِ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَمَّا إذَا عَيَّنَ آخِرَ النَّهَارِ فَكَانَ التَّعْيِينُ الْقَصْدِيُّ أَوْلَى مِنْ الضَّرُورِيِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ وَنَوَى آخِرَهُ. وَفِي الْمِنَحِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى حَذْفِ فِي وَإِثْبَاتِهَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً إجْمَاعًا كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا سَاعَةَ حَلَفَ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا، أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ ذِكْرًا) حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ، وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا، أَوْ تَعْلِيقًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي

لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَلَا الْمُنَجَّزَ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَكِنْ فِيهِ أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَةٌ فَلْيُطَالَعْ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ هَذَا إذَا لَمْ يُعْطَفْ بِالْوَاوِ، وَلَوْ عُطِفَ بِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةً فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ. وَقَالَ زُفَرُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَرَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالتَّفْصِيلُ فِي التَّسْهِيلِ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ عَكَسَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً. (وَلَوْ قَالَ) لِأَجْنَبِيَّةٍ: (أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَهُوَ لَغْوٌ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ نَكَحَهَا الْيَوْمَ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمِلْكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أُخْلَقَ، أَوْ إنْ تُخْلَقِي وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ الْإِيقَاعِ فَكَانَ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا بِهِ. (وَإِنْ) كَانَ (نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا لَمْ أُطَلِّقْك) أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك (أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ لِلْحَالِ) لِإِضَافَتِهِ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ بِسُكُوتِهِ لِأَنَّ مَتَى لِلزَّمَانِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك، أَوْ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك، أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك، أَوْ يَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ يَقَعُ حَالًا، وَلَوْ قَالَ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك، أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ لَمْ مَوْضُوعٌ لِقَلْبِ الْمُضَارِعِ مَاضِيًا وَنَفْيِهِ فَإِذَا سَكَتَ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَحَيْثُ لِلْمَكَانِ وَكَمْ مِنْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ

نِيَّةٌ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ (حَتَّى لَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَنَحْوَهُ (وَقَعْنَ بِسُكُوتِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ وَصَلَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ بَلْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ) مَوْصُولًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك (وَقَعَ وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْمَوْصُولِ بِهِ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ تَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَنَا وَثَلَاثٌ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا لَمْ أُكَلِّمْك وَسَكَتَ وَقَعَ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا لَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ تَقُولُ الْمَرْأَةُ لَا أَقْبَلُ فَإِنْ مَضَى الْيَوْمُ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ لَا تَطْلُقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّطْلِيقِ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّطْلِيقَ مُقَيَّدٌ؛ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ بِعِوَضٍ وَالْمُقَيَّدُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَيَتَقَدَّمُ شَرْطُ الْحِنْثِ. (وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (مَا لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ أَنْ تَطْلُقَ فَيَقَعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ فَإِنْ مَاتَ، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مِيرَاثَ وَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا. وَفِي النَّوَادِرِ: لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ. (وَإِذَا) أَيْ لَفْظُ إذَا وَإِذَا مَا (بِلَا نِيَّةٍ مِثْلُ إنْ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ عِنْدَ الْكُوفِيَّةِ وَلِاشْتِرَاكِهِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُقُوعِهِ فَلَمْ يَقَعْ حَالًا (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (مِثْلُ مَتَى) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مَعَ الْوَقْتِ كَمَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْبَصْرِيَّةُ فَتَطْلُقُ حَالًا (وَمَعَ نِيَّةِ الشَّرْطِ، أَوْ الْوَقْتِ فَمَا نَوَى) أَيْ يُفَوَّضُ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ يَقَعُ آخِرَ الْعُمْرِ وَإِنْ نَوَى الثَّانِي يَقَعُ حَالًا بِلَا خِلَافٍ (وَالْيَوْمُ) مَوْضُوعٌ لِلْوَقْتِ لَيْلًا، أَوْ غَيْرَهُ قَلِيلًا وَعُرْفًا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَشَرْعًا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ كَمَا فِي

الْكَوَاشِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لِلْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ، وَفِي الْوَقْتِ مَجَازٌ (لِلنَّهَارِ) أَيْ فِي النَّهَارِ وَهُوَ لُغَةً ضَوْءٌ مُمْتَدٌّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَعُرْفًا وَشَرْعًا كَالْيَوْمِ وَالْعُرْفُ مُرَادٌ (مَعَ فِعْلٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْيَوْمُ تَابِعًا لِلْفِعْلِ وَمُتَعَلِّقًا بِهِ لَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ مَعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (مُمْتَدٌّ) يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِمُدَّةٍ مِثْلُ لَبِسْت الثَّوْبَ يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا وَالْمُرَادُ بِالْمُمْتَدِّ مَا يَسْتَوْعِبُ مِثْلَ النَّهَارِ لَا مُطْلَقَ الِامْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ قَبِيلِ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكَلُّمَ يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا لَكِنْ لَا يَمْتَدُّ بِحَيْثُ يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ التَّكَلُّمَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّقْدِيرَ بِالْمُدَّةِ فَكَيْفَ جَعَلُوهُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنْ يُقَدَّرَ بِمُدَّةِ النَّهَارِ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ مُمْتَدٌّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْأَفْصَحُ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَدِّ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْمَرَّاتِ الْمُمَاثَلَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حِسًّا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلِمُطْلَقِ الْوَقْتِ) فِي جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَلَوْ لَيْلًا (مَعَ فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ) وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ مَظْرُوفَ الْيَوْمِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ يُصْرَفُ الْيَوْمُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ إلَى مَجَازِهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْمُدَّةِ لَغْوٌ إذْ لَا يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ مُمْتَدًّا تَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمُرَادُ بِمَا يَمْتَدُّ مَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ وَالرُّكُوبِ وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ وَبِمَا مَا لَا يَمْتَدُّ لَا يَصِحُّ ضَرْبُ مُدَّةٍ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ وَالسَّلَامِ وَالْعَتَاقِ وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ (فَلَوْ قَالَ) تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَا تَتَخَيَّرُ) فَإِنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ يُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِلنَّهَارِ فَيَكُونُ فِعْلًا مُمْتَدًّا فَالْيَوْمُ فِيهِ لِلنَّهَارِ الْعُرْفِيِّ فَلَوْ قَدِمَ لَيْلًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ كَمَا لَوْ قَدِمَ نَهَارًا بِلَا عِلْمِهَا حَتَّى مَضَى كَمَا فِي الْكَافِي فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهَا. (وَإِنْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا لَيْلًا وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ فِعْلٌ لَا يُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَوْعِبَةِ فَتَطْلُقُ وَلَوْ لَيْلًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ الِامْتِدَادُ وَعَدَمُهُ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي جَانِبِ الْعَامِلِ لَا الْمُضَافِ إلَيْهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ سَوَاءٌ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ، أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَذَا بِلَا خِلَافٍ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تُسَامِحُ فَاعْتُبِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجَوَابُ نَظَرًا إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الْجَوَابِ حَيْثُ صَرَّحُوا فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ بِأَنَّ الْمَقْرُونَ هُوَ الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ مِمَّا يَمْتَدُّ، وَفِي قَوْلِهِ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ الْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِأَوْجَهَ وَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْيَوْمُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ وَالْفِعْلُ الَّذِي أُضِيفَ الْيَوْمُ مُمْتَدٌّ نَحْوُ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَبِالْعَكْسِ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَصْلًا تَأَمَّلْ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ وَإِلَّا فَانْعَكَسَ

الْحُكْمُ بِنَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَصُومُ زَيْدٌ وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ وَإِنْ نَوَى النَّهَارَ فِي غَيْرِ الْمُمْتَدِّ صُدِّقَ قَضَاءً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا. (وَلَوْ قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَهُوَ لَغْوٌ) لَا يُعْبَأُ بِهِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (نَوَى) بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ فَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ فَقَدْ غَيَّرَ الْمَشْرُوعَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَقَعُ إذَا نَوَى (وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ، أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ بَانَتْ إنْ نَوَى) الطَّلَاقَ تَطْلُقُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالتَّحْرِيمَ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِيهِمَا فَتَصِحُّ الْإِضَافَةُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك، أَوْ قَالَ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ، أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا، أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهَا. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِك فَهُوَ لَغْوٌ) ؛ لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ وَحَالُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا حَالُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، أَوْ لِلشَّرْطِ كَقَوْلِهِ مَعَ دُخُولِك فَلَزِمَ الْوُقُوعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُحَالٌ (وَكَذَا) يَكُونُ لَغْوًا (لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، أَوْ لَا وَهُوَ رِوَايَةُ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ الْكُلِّ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ حَرْفِهِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْوَحْدَةِ لِلشَّكِّ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ سَالِمًا عَنْ الشَّكِّ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ لَا بِالْوَصْفِ فَكَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعْنَ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَمَا وَقَعْنَ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً. (وَإِنْ مَلَكَ) الزَّوْجُ (امْرَأَتَهُ) بِأَنْ كَانَتْ أَمَةَ الْغَيْرِ فَمَلَكَهَا كُلَّهَا (أَوْ شِقْصَهَا) أَيْ بَعْضَهَا (أَوْ مَلَكَتْهُ) أَيْ الْمَرْأَةُ كُلَّ الزَّوْجِ (أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الرَّقِيقَةَ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ حَقَّ الْمِلْكِ لَا الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَالِكًا إذَا كَانَ مَمْلُوكًا (فَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَغَا) ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ

فصل شبه الطلاق ووصفه

النِّكَاحَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا إذْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ؛ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ) لِغَيْرِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ إعْتَاقِ سَيِّدِك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا) السَّيِّدُ (مَلَكَ) الزَّوْجُ (الرَّجْعَةَ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الثِّنْتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْحُرَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالثِّنْتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ لَا يُقَالُ كَلِمَةُ مَعَ لِلْقِرَانِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهَا قَدْ تَجِيءُ لِلتَّأَخُّرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] . وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ كَلِمَةَ مَعَ إذَا أُقْحِمَ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَحِلُّ مَحَلَّ الشَّرْطِ. (وَإِنْ عَلَّقَ طَلْقَتَيْهَا) فِي الْمَسْأَلَةِ (بِمَجِيءِ الْغَدِ وَعَلَّقَ مَوْلَاهَا عِتْقَهَا بِهِ) أَيْ بِمَجِيءِ الْغَدِ أَيْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ الزَّوْجُ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ (فَجَاءَ الْغَدُ لَا تَحِلُّ) الْأَمَةُ (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (إلَّا بَعْدَ) تَزَوُّجِ (زَوْجٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُقَارِنٌ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ أَمَةٌ، وَالْأَمَةُ تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِتَطْلِيقَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْعِتْقَ هُنَاكَ مُقَدَّمٌ رُتْبَةً هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْلِكُ) الزَّوْجُ (الرَّجْعَةَ) بِرِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ وُقُوعًا؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إلَى الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ فَيَكُونُ فِي وُقُوعِهِ بُطْئًا؛ لِأَنَّ فِي الطَّلَاقِ أَيْضًا رُجُوعًا إلَيْهَا وَبُطْؤُهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحْسَنِ أَمْرٌ تَخْيِيلِيٌّ بَلْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ أَوْجَزُ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَتَعْتَدُّ كَالْحُرَّةِ إجْمَاعًا) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَصِيَانَةً عَنْ الِاشْتِبَاهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا لَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ الطَّلَاقَ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا ثُمَّ الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا. [فَصْلٌ شِبْهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ] فَصْلٌ فِي شِبْهِ الطَّلَاقِ وَوَصْفِهِ، ذَكَرَهُ بَعْدَ أَصْلِهِ وَتَنْوِيعِهِ؛ لِكَوْنِهِ تَابِعًا، (لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا) حَالَ كَوْنِهِ (مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ) الْمَنْشُورَةِ بِقَدْرِ الطَّلَاقِ (وَقَعَ بِعَدَدِهَا) فَبِالْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدَةٌ وَبِالِاثْنَيْنِ اثْنَتَانِ وَبِالثَّلَاثِ ثَلَاثٌ وَالْأُصْبُعُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ الْمُبْهَمِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الشَّهْرُ هَكَذَا وَخَنَسَ إبْهَامَهُ» وَأَرَادَ فِي النَّوْبَةِ الثَّالِثَةِ التِّسْعَةَ وَعَلَيْهِ الْعُرْفُ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ أُشِيرَ بِلَا ذِكْرِ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً (فَإِنْ أَشَارَ بِبُطُونِهَا) بِأَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْكَفِّ إلَيْهَا (تُعْتَبَرُ) عَدَدُ الْأَصَابِعِ (الْمَنْشُورَةِ وَ) إنْ أَشَارَ (بِظُهُورِهَا) بِأَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْكَفِّ إلَى نَفْسِهِ

(تُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ) صَرَّحَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ عُلِمَ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ تُعْتَبَرُ الْمَنْشُورَةُ مُطْلَقًا احْتِرَازًا عَنْهُ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ فِي الْكَفِّ وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي الْإِصْلَاحِ بَقِيَ هَاهُنَا احْتِمَالٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْمُخَاطَبِ فَالْوَجْهُ الشَّامِلُ مَا قِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْمَنْشُورُ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْمَضْمُومُ. (وَلَوْ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ) وَالزِّيَادَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ (أَوْ أَلْبَتَّةَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ مُعْقِبٌ لِلرَّجْعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَصْفُهُ بِالْبَائِنِ وَأَلْبَتَّةَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا فِي: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَأُجِيبَ بِمَنْعِ مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَبِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا يَكُونُ تَعْبِيرًا لَهُ تَبْيِينًا (أَوْ) قَالَ (أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَخْبَثَهُ، أَوْ أَشَدَّهُ) ، أَوْ أَسْوَأَهُ وَتَوْصِيفُ الطَّلَاقِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِهَا أَثَرٌ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فِي الْحَالِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّدِيدَ وَالْفَاحِشَ وَالْخَبِيثَ هُوَ الْبَائِنُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ الثَّلَاثَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ قَدْ يَكُونُ لِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] (أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ) كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ (أَوْ الْبِدْعَةِ) وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّ السُّنِّيَّ هُوَ الرَّجْعِيُّ فَيَكُونُ الْبِدْعِيُّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَيْضِ بَائِنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَكَذَا طَلَاقُ الشَّيْطَانِ عِنْدَهُ (أَوْ كَالْجَبَلِ) وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ كَالْجَبَلِ، أَوْ مِثْلُ الْجَبَلِ يَكُونُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ، وَلَوْ قَالَ: مِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَلَا يُفَرِّقُ بَعْضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ مِثْلُ الْجَبَلِ وَمِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ فَقَالَ مَا قَالَ، تَتَبَّعْ. (أَوْ كَأَلْفٍ) . وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ كَعَدَدِ أَلْفٍ أَوْ قَدْرَ عَدَدِ أَلْفٍ وَفِيهِ يَقَعُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا وَعَنْهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَالنُّجُومِ تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الضِّيَاءِ وَالنُّورِ، وَلَوْ قَالَ: كَعَدَدِ النُّجُومِ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: مِثْلَ التُّرَابِ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: عَدَدَ التُّرَابِ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ لَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَالَ: كَعَدَدِ ثَلَاثٍ وَلَوْ قَالَ: عَدَدَ الرَّمَلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى شُبِّهَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا، أَوْ ذَكَرَ مَعَ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْعِظَمَ، أَوْ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ

فصل طلاق غير المدخول بها

يَكُونُ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ وَصَفَ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِالشِّدَّةِ، أَوْ بِالْعِظَمِ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَيَّدْنَا بِضَرْبٍ مِنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يُنْبِئُ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ، أَوْ أَسَنُّهُ أَوْ أَعْدَلُهُ لَهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا اتِّفَاقًا وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ كَعَدَدِ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي، أَوْ مَجْهُولِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ وَنَحْوِهِ تَقَعُ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الثُّبُوتُ لَكِنَّهُ زَائِلٌ وَقْتَ الْحَلِفِ بِعَارِضٍ كَعَدَدِ شَعْرِ سَاقِي، أَوْ سَاقِك وَقَدْ تَنَوَّرَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ: عَدَدَ مَا فِي الْحَوْضِ مِنْ سَمَكٍ وَلَيْسَ فِي الْحَوْضِ سَمَكٌ تَقَعُ وَاحِدَةً. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ كَالثَّلْجِ بَائِنٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْتَصِرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً فَيَثْبُتُ مَا نَفَاهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنَّفْيِ ضِدُّ الْمَنْفِيِّ فَلَا يَرْتَفِعُ (أَوْ مِلْءُ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً، أَوْ طَوِيلَةً، أَوْ عَرِيضَةً وَقَعَ وَاحِدَةً بَائِنَةً) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً. (وَكَذَا إنْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ) فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ (إلَّا إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ: طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ: بَائِنٌ، أَوْ أَلْبَتَّةَ) طَلْقَةً (أُخْرَى فَيَقَعُ بَائِنَانِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ بَائِنَ فِي هَذَا خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ طَلْقَتَانِ إحْدَاهُمَا رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ يَقْتَضِي الرَّجْعِيَّةَ أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا كَانَ بَائِنًا لَمْ يُفِدْ بَقَاءَ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا فَكَانَ بَائِنًا بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ (وَصَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى أَغْلَظَ النَّوْعَيْنِ وَأَعْلَاهُمَا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً، أَوْ عَرِيضَةً، أَوْ طَوِيلَةً؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرُجِّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةٌ بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ التَّاءُ لِمَعْنًى آخَرَ، تَدَبَّرْ. [فَصْلٌ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا] فَصْلٌ فِي طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا وَقَعْنَ)

لِأَنَّ الْوَاقِعَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ مَوْصُوفٌ بِالْعَدَدِ أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً وَقِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ فَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْإِنْشَاءِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ بِتَوَقُّفِ الْوُقُوعِ وَكَوْنِهِ وَصْفًا لِمَحْذُوفٍ أَمَّا لَوْ قَالَ: أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْكُلِّ. وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَقَعُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ بِأَصْلٍ، مُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ خُصُوصَ سَبَبِ النُّزُولِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهَا إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا قَالَ، تَأَمَّلْ. (وَإِنْ فَرَّقَ) الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِأَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ، طَالِقٌ، طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ (بَانَتْ) الْمَرْأَةُ (بَا) التَّطْلِيقَةِ (الْأُولَى) لَا إلَى عِدَّةٍ (وَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ) لِانْتِفَاءِ الْحَمْلِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةً) ؛ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَيِّرِ وَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا، أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى، أَوْ وَوَاحِدَةً وَعُشْرَيْنِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فَإِنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ثِنْتَانِ وَالثَّالِثِ ثَلَاثٌ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَلَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ وَاحِدَةً وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ صَارَ مُلْحَقًا بِالْإِيقَاعِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَ بِعِطْفٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَرَبِيعَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. (وَكَذَا) تَقَعُ وَاحِدَةً (لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا) وَقَعَ (وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ إنْشَاءُ طَلَاقٍ سَابِقٍ بِآخَرَ فَبَانَتْ بِالْأَوَّلِ فَلَا تَبْقَى مَحَلًّا لِغَيْرِهِ. (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةً) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ (أَوْ مَعَ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ، أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ فَثِنْتَانِ) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ طَلَاقٍ سَبَقَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ آخَرُ فَكَأَنَّهُ أَنْشَأَ طَلْقَتَيْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَقَعُ اثْنَانِ، وَلَوْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمُكَنَّى عَنْهُ وُجُودًا (وَفِي الْمَوْطُوءَةِ) تَقَعُ (ثِنْتَانِ فِي الْكُلِّ) لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى. (وَلَوْ

قَالَ) لَهَا (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً) ، أَوْ فَوَاحِدَةً (فَدَخَلَتْ) الدَّارَ (تَقَعُ وَاحِدَةً) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُقُوعِهِ، وَفِي الْمُنَجَّزِ تَقَعُ وَاحِدَةً إذْ لَا يَبْقَى لِلثَّانِي مَحَلٌّ، وَكَذَا هُنَا (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَقَعُ (ثِنْتَانِ) ؛ لِوُقُوعِهِ جُمْلَةً عِنْدَ الشَّرْطِ بِلَا تَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صُورَتَيْ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَالْعَطْفِ بِالْفَاءِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً بِالِاتِّفَاقِ فِي الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ) بِأَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ (فَثِنْتَانِ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الْجُزْأَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ دُفْعَةً فَيَقَعَانِ، وَلَوْ عَطَفَ الثَّلَاثَ بِثُمَّ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مُقَدَّمًا فَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَعَلَّقَتْ الْأُولَى وَالْبَاقِيَةُ تُنْجَزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي غَيْرِهَا تَعَلَّقَتْ الْأُولَى وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ، وَلَوْ أَخَّرَهُ فَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَعَلَّقَتْ الثَّالِثَةُ وَالْبَاقِي تُنْجَزُ وَفِي غَيْرِهَا وَقَعَتْ الْأُولَى فِي الْحَالِ وَلَغَا مَا سِوَاهَا إذْ التَّرَاخِي كَالِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ سَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ، أَوْ أَخَّرَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ فِي الْحُكْمِ كَالتَّكَلُّمِ اخْتَلَفُوا فِي أَثَرِ التَّرَاخِي فَقَالَ الْإِمَامُ هُوَ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ كَأَنَّهُ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلًا بَعْدَ الْأَوَّلِ اعْتِبَارًا لِكَمَالِ التَّرَاخِي، وَقَالَا التَّرَاخِي رَاجِعٌ إلَى الْوُجُودِ وَالْحُكْمِ وَأَمَّا فِي التَّكَلُّمِ فَمُتَّصِلٌ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِعَدَدٍ قُرِنَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (بِالطَّلَاقِ؛ لَا بِهِ) أَيْ الطَّلَاقَ (فَلَوْ مَاتَتْ) الْمَرْأَةُ مَدْخُولَةً، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ (قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ) ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ وَكَانَ الْوَاقِعُ

فصل في كنايات الطلاق

هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَيَبْطُلُ وَإِنَّمَا خَصَّ مَوْتَهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ قَوْلِهِ: طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَمْ يَتَّصِلْ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فَيَقَعُ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مُرِيدًا تَعْقِيبَهُ بِثَلَاثٍ فَأَمْسَكَ شَخْصٌ فَاهُ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. [فَصْلٌ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ] فَصْلٌ فِي الْكِنَايَاتِ: (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ عَطَفَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّرِيحِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَنَّى أَوْ كِنَايَةً عَنْ كَذَا يُكَنَّى، أَوْ يَكْنُو إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، وَفِي عِلْمِ الْبَيَانِ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُ وَقِيلَ لَفْظٌ يُقْصَدُ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَتَرَ فِي نَفْسِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ، أَوْ الْمَجَازِيُّ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمَهْجُورَةَ كِنَايَةٌ كَالْمَجَازِ غَيْرِ الْغَالِبِ وَكِنَايَةُ الطَّلَاقِ (مَا) أَيْ لَفْظٌ (احْتَمَلَهُ) أَيْ الطَّلَاقُ (وَغَيْرُهُ) فَيَسْتَتِرُ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ الْبَائِنَ مَثَلًا يُرَادُ مِنْهُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ خَفَاءٌ زَالَ بِقَرِينَةٍ (وَلَا يَقَعُ بِهَا) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِنَايَاتِ قَضَاءً (إلَّا بِنِيَّةٍ) أَيْ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ، أَوْ الطَّلَاقِ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ، أَوْ الْمَفْعُولِ (أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُفِيدَةُ لِمَقْصُودِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بِدُونِ النِّيَّةِ وَدَلَالَةِ الْحَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا اعْتِبَارَ بِالدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَنَا أَنَّ الْحَالَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَالنِّيَّةَ بَاطِنَةٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ الْكِنَايَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْكِنَايَاتِ (اعْتَدِّي) فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ عَنْ النِّكَاحِ وَالِاعْتِدَادَ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ وَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ؛ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ فَغَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ كَمَا فِي الْفَتْحِ: (وَاسْتَبْرِئِي) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَبْلَ الْيَاءِ (رَحِمَك) ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ وَهُوَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَاحْتَمَلَ اسْتِبْرَاءَهُ، لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِأُطَلِّقَك يَعْنِي إذَا عَلِمْت خُلُوَّهُ عَنْ الْوَلَدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) عِنْدَ قَوْمِك، أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي

لَيْسَ لِي مَعَك غَيْرُك وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ لَكِنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَوَاصَّ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِهِ يَعْتَبِرُونَ فِيهِ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ، تَدَبَّرْ، وَقِيلَ إنَّمَا يَقَعُ بِالسُّكُونِ وَأَمَّا إذَا أُعْرِبَتْ فَإِنْ رُفِعَتْ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ نَوَى وَإِنْ نُصِبَتْ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (يَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ (وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَصْدَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ مُقْتَضًى، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا تَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً (وَمَا سِوَاهَا) أَيْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ (يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا رَوَاجِعُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ عَلَيْهَا، وَفِي هَذَا الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ بَلْ قَدْ يَقَعُ رَجْعِيًّا بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ فَفِي قَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا نَوَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مِنْ نِكَاحِك، وَكَذَا فِي وَهَبْتُك طَلَاقَك إذَا نَوَى يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَكَذَا فِي خُذِي طَلَاقَك أَوْ أَقْرَضْتُك، وَفِي قَدْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك، أَوْ قَضَاهُ أَوْ شِئْت يَقَعُ بِالنِّيَّةِ رَجْعِيًّا كَمَا فِي الْفَتْحِ تَأَمَّلْ (وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ نِيَّةُ الْعَدَدِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْجِنْسِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلِذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً صَحَّتْ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ (وَهِيَ) أَيْ أَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ مَا سِوَى الثَّلَاثَةِ (بَائِنٌ) وَهُوَ نَعْتٌ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الْبَيْنِ وَالْبَيْنُونَةِ وَهِيَ الْفُرْقَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الطَّلَاقِ وَعَنْ الْمَعَاصِي وَعَنْ الْخَيْرَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ بِلَفْظِ الْبَيْنُونَةِ مُتَعَيِّنٌ وَأَمَّا فِي بَائِنٌ بِعَدَمِ التَّاءِ لَا يُحْتَمَلُ بَلْ تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ، إذْ هُوَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِنَّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَمْرُ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ فِيهِ سَوَاءٌ (بَتَّةٌ) بِالتَّشْدِيدِ الْقَطْعُ عَنْ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ الْخَيْرَاتِ، أَوْ عَنْ الْأَقَارِبِ (بَتْلَةٌ) كَالْبَتَّةِ (حَرَامٌ) وَلَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ أَلْبَتَّةَ (خُلِيَّةٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ مِنْ الْخُلُوِّ أَيْ خَالِيَةٌ عَنْ النِّكَاحِ، أَوْ الْحُسْنِ (بَرِيَّةٌ) مِثْلُ خُلِيَّةٍ (حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) تَمْثِيلٌ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالصُّورَةِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنْ أَشْيَاءَ وَهِيَ هَيْئَةُ النَّاقَةِ إذَا أُرِيدَ إطْلَاقُهَا لِلرَّعْيِ وَهِيَ ذَاتُ رَسَنٍ فَأُلْقِيَ الْحَبْلُ عَلَى غَارِبِهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّنَامِ وَالْعُنُقِ فَشَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ انْطِلَاقَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ، أَوْ الْعَمَلِ، أَوْ التَّصَرُّفِ وَصَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِتَعَدُّدِ صُوَرِ الْإِطْلَاقِ (الْحَقِي بِأَهْلِك) يُحْتَمَلُ بِمَعْنَى اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت لِأَنِّي طَلَّقْتُك، أَوْ سِيرِي بِسِيرَةِ أَهْلِك

(وَهَبْتُك لِأَهْلِك) أَيْ عَفَوْت عَنْك لِأَجْلِ أَهْلِك، أَوْ وَهَبْتُك لَهُمْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (سَرَّحْتُك فَارَقْتُك) يَحْتَمِلُ التَّسْرِيحَ وَالْمُفَارَقَةَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُمَا صَرِيحَانِ فِي الطَّلَاقِ (أَمْرُك بِيَدِك) أَيْ عَمَلُك فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَفْوِيضًا مِنْهُ الطَّلَاقُ إلَيْهَا وَأَنْ يَكُونَ إذْنًا فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ (اخْتَارِي) أَيْ نَفْسَك بِالْفِرَاقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ، وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَخْتَارَ نَفْسَهَا لِأَنَّهُمَا كِنَايَةٌ عَنْ التَّفْوِيضِ فَعَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ أَنْ لَا يُذْكَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّهُ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَأَفْتَى بِهِ فَضَلَّ وَأَضَلَّ (أَنْتِ حُرَّةٌ) عَنْ رِقِّ النِّكَاحِ، أَوْ غَيْرِهِ (تَقَنَّعِي) أَيْ اتَّخِذِي قِنَاعَك؛ لِأَنَّك بِنْتِ أَوْ كُنْتِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ (تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي) ، وَلَوْ اكْتَفَى بِهِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ لَفُهِمَ الْحُكْمُ (اُغْرُبِي) أَيْ ابْعَدِي عَنِّي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَيُرْوَى اُعْزُبِي مِنْ الْعُزُوبَةِ وَهِيَ التَّجَرُّدُ عَنْ الزَّوْجِ (اُخْرُجِي اذْهَبِي) مِثْلُ اُغْرُبِي (قُومِي) ، وَلَوْ اكْتَفَى بِهِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ لَفُهِمَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ الْأَزْوَاجَ مِنْ النِّسَاءِ لِلْمُعَاشَرَةِ (لَوْ أَنْكَرَ) الزَّوْجُ (النِّيَّةَ) بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا (صُدِّقَ مُطْلَقًا) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً فِي جَمِيعِهَا (حَالَةَ الرِّضَاءِ) لِلِاحْتِمَالِ وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْحَالِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ أَيْضًا يَحْلِفُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ يَنْبَغِي تَحْلِيفُهَا إيَّاهُ فَإِذَا حَلَّفَتْهُ فَحَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً عِنْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) بِأَنْ سَأَلَتْ الطَّلَاقَ أَوْ سَأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَفِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ (فِيمَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ دُونَ الرَّدِّ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ

وَالْحَاكِمُ يَتَّبِعُ الظَّاهِرَ (وَلَا) يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي إنْكَارِهِ أَيْضًا (عِنْدَ الْغَضَبِ فِيمَا يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ دُونَ الرَّدِّ وَالشَّتْمِ) فَيَقَعُ بِمَا يَصْلُحُ لَهُ دُونَهُمَا الْحَاصِلُ أَنَّ أَحْوَالَ التَّكَلُّمِ ثَلَاثَةٌ حَالَةُ الرِّضَاءِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَالْكِنَايَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَا يَصْلُحُ رَدًّا جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا شَتْمًا وَهُوَ اعْتَدِّي وَأَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك كِنَايَتَانِ عَنْ التَّفْوِيضِ لَا يَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ إلَّا بِإِيقَاعِهَا بَعْدَهُ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَهُوَ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَتَّةٌ بَائِنٌ حَرَامٌ وَمُرَادِفُهَا مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ وَمَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَلَا يَصْلُحُ سَبًّا وَشَتِيمَةً وَهُوَ اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي اُغْرُبِي تَقَنَّعِي وَمُرَادِفُهَا مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا. وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَصْدُقُ؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الرَّدَّ وَهُوَ الْأَدْنَى فَحُمِلَ عَلَيْهِ (وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْكِنَايَاتِ مَعَ اخْتِلَافِ الْحَالَاتِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى النِّيَّاتِ. (وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اعْتَدِّي وَنَوَى بِالْأُولَى) مِنْ الْمُكَرَّرِ (طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ مَعَ شَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهُ إذْ الزَّوْجُ يَأْمُرُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِالِاعْتِدَادِ. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) أَيْ قَالَ لَمْ أَنْوِ (بِالْبَاقِي شَيْئًا) لَا طَلَاقًا وَلَا حَيْضًا (وَقَعَ الثَّلَاثُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَانِ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهُ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِالثَّلَاثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَتِهِ. وَعَلَى هَذَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ تَقَعُ ثِنْتَانِ وَهَذِهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا مَذْكُورَةٌ فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْعُيُونِ وَالْمَرْأَةُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ ذَلِكَ، أَوْ عَلِمَتْهُ (وَتَطْلُقُ) أَيْ الْمَرْأَةُ (بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، أَوْ لَسْت لَك بِزَوْجٍ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصْلُحُ إنْكَارًا لِلنِّكَاحِ

وَيَصْلُحُ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَكِ بِزَوْجٍ، وَقَالَا لَا؛ لِأَنَّهُ نَفَى النِّكَاحَ وَهُوَ كَذِبٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْكِ، أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، أَوْ سُئِلَ هَلْ لَكَ امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى فَكَذَا هُنَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ خِلَافٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ، تَتَبَّعْ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِأَنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ (وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ) الطَّلَاقَ (الصَّرِيحَ) سَوَاءٌ كَانَ صَرِيحًا بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ وَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ صَرِيحًا غَيْرَ بَائِنٍ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ إخْبَارًا لِتَعَيُّنِهِ إنْشَاءً شَرْعًا، وَكَذَا لَا يُصَدَّقُ لَوْ قَالَ أَرَدْت الْإِخْبَارَ (وَ) يَلْحَقُ الصَّرِيحُ (الْبَائِنُ) يَعْنِي إذَا أَبَانَهَا، أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ فِي الْعِدَّةِ يَقَعُ عِنْدَنَا؛ لِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ مُسْنَدًا «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ. (وَالْبَائِنُ) أَيْ غَيْرُ الصَّرِيحِ (يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) كَمَا إذَا قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ فِي الْعِدَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا خَالَعَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَيَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ، ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَقَعُ. انْتَهَى، فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْبَائِنِ اللَّاحِقِ لِلصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ اللَّاحِقِ لِصَرِيحٍ وَبَائِنٍ، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى وَالْكِنَايَاتُ الَّتِي هِيَ بَوَائِنُ لَا تَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ فَأَمَّا الْكِنَايَاتُ الَّتِي تَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنَّهَا تَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ كَقَوْلِهِ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ لِلْمُخْتَلِعَةِ الَّتِي هِيَ مُطَلَّقَةٌ بِتَطْلِيقَتَيْنِ أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِكَوْنِهِ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ ثَلَاثًا وَهُوَ بَائِنٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ اللَّفْظِ لَا الْمَعْنَى وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمِنَحِ، فَلْيُطَالَعْ. (لَا) يَلْحَقُ الْبَائِنُ (الْبَائِنَ) بِأَنْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ

باب التفويض

لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُمْ الْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالثَّانِي الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَلْحَقُ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ الْبَائِنُ لِاحْتِمَالِ الْخَبَرِيَّةِ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِنَيْنِ فَلَا تَصِحُّ الْخَبَرِيَّةُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ تَأَمَّلْ (إلَّا إذَا كَانَ) الْبَائِنُ (مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ) قَبْلَ الْمُنْجَزِ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْحَقُهُ الْبَائِنُ يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ، ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ فَإِنَّهُ قَاسَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْمُنْجَزِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَبْلَ الْمُنْجَزِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الْبَائِنَ بَعْدَ الْبَائِنِ الْمُنْجَزِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ كَالتَّنْجِيزِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَخْلُو عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ عَنْ قُصُورٍ، تَدَبَّرْ، وَفِي التَّنْوِيرِ كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهَا وَكُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ طَلَاقٌ يَقَعُ فِي عِدَّتِهَا. [بَابُ التَّفْوِيضِ] ِ أَيْ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ تَطْلِيقَ زَوْجَتِهِ إلَيْهَا لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (وَإِذَا قَالَ) الزَّوْجُ (لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (اخْتَارِي) حَالَ كَوْنِهِ (يَنْوِي) بِهِ (الطَّلَاقَ) سَوَاءٌ كَانَتْ النِّيَّةُ حَقِيقِيَّةً أَوْ حُكْمِيَّةً

كَمَا إذَا قَالَ حَالَةَ الْغَضَبِ أَوْ الْمُذَاكَرَةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ (فَاخْتَارَتْ) الْمَرْأَةُ (نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا الَّذِي عَلِمَتْ بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ اخْتَارِي بِسَمَاعٍ أَوْ خَبَرٍ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَمَلِهَا فَلَوْ خَيَّرَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَإِنْ امْتَدَّ كَمَا سَيَجِيءُ (بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَمَا نُقِلَ عَنْ خِلَافِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَثْبُتْ وَتَمَامُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. (وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضِي وَلَا رَجْعِيَّةَ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ اخْتِيَارَ النَّفْسِ فِي الْبَائِنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَانَتْ بِرَجْعِيَّةٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ. (وَإِنْ قَامَتْ) الْمَرْأَةُ الْمُخَيَّرَةُ وَلَوْ كُرْهًا (مِنْهُ) مِنْ الْمَجْلِسِ (أَوْ أَخَذَتْ) أَيْ شَرَعَتْ (فِي عَمَلٍ آخَرَ) يُخَالِفُهُ (بَطَلَ) خِيَارُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا) لِأَنَّ الْوُقُوعَ عُرِفَ سَمَاعًا فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إجْمَاعًا فَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى اخْتِيَارِ النَّفْسِ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصَادُقِ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ (أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي) بِلَفْظِ الْمَاضِي (تَطْلُقُ) إذَا نَوَى الزَّوْجُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ

أَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ وَوَجْهُهُ مَذْكُورٌ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الْأَخِيرَيْنِ بِعَطْفٍ مِنْ وَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ (يَقَعُ الثَّلَاثُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهَا الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ بِلَا تَرْتِيبٍ كَالْمُجْتَمَعِ فِي الْإِمْكَانِ، فَإِذَا بَطَلَ الْأَوَّلِيَّةُ وَالْأَوْسَطِيَّةُ وَالْآخِرِيَّةُ بَقِيَ مُطْلَقُ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ اخْتَرْت وَهُوَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْكُلِّ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ (بِلَا نِيَّةٍ) مِنْ الزَّوْجِ وَبِلَا ذِكْرِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ لِأَنَّ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَهُوَ تَكْرِيرُ اخْتَارِي فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ أَيْضًا لِزَوَالِ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ النَّسَفِيُّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ إنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ (فِيهَا) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ، وَفِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْوَجْهُ. وَفِي التَّبْيِينِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَذْفُ النِّيَّةِ فِيهَا لِشُهْرَتِهَا لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. وَفِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِ الْخِلَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً اشْتِرَاطُهَا دُونَ اشْتِرَاطِ النَّفْسِ تَتَبَّعْ (وَعِنْدَهُمَا) تَقَعُ (وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ وَالتَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْوُسْطَى اسْمٌ لِفَرْدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْأَخِيرَةَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ، وَالتَّرْتِيبُ بَطَلَ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمَعِ فِي الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ. (وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَةً) أَوْ الِاخْتِيَارَةَ أَوْ مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دَفْعَةً أَوْ بِدَفْعَةٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارَةً وَاحِدَةً (وَقَعَ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ بِمَالٍ لَزِمَ كُلُّهُ. (وَلَوْ قَالَتْ) بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي ثَلَاثًا (طَلَّقْت نَفْسِي) تَطْلِيقَةً (أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِإِيقَاعِهَا بَلْ لِتَفْوِيضِ الزَّوْجِ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً (يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) ؛ لِأَنَّ فِي التَّصْرِيحِ تَقَعُ رَجْعِيَّةٌ وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ لَكِنَّ تَعْلِيلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَأْبَى عَنْهُ فَالْحَمْلُ عَلَى الرِّوَايَةِ أَوْلَى تَأَمَّلْ. (وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك) أَوْ كَفُّك أَوْ يَمِينُك أَوْ شِمَالُك أَوْ فَمُك أَوْ لِسَانُك أَوْ غَيْرُهَا (فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ) قَالَ (اخْتَارِي) تَطْلِيقَةً (فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا) فَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ أَيْ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي (وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) لِعَدَمِ الْكِنَايَةِ بِالصَّرِيحِ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْآمِرِ فَيُحْمَلُ الِاخْتِيَارُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاخْتِيَارِ أَضْعَفُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ أَلَا يُرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ لَفْظِ الطَّلَاقِ دُونَ الِاخْتِيَارِ فَالْأَضْعَفُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَقْوَى وَالْأَقْوَى يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَضْعَفِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِضْرَابِ

فصل قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد

عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ بَلْ هُوَ سَهْوٌ تَتَبَّعْ. (وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك) حَالَ كَوْنِهِ (يَنْوِي) بِهِ (ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ) ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَأَرَادَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ نِيَّةَ تَفْوِيضِهَا وَإِنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ثَبَتَ الْأَقَلُّ وَكَذَا إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ وَذَكَرَ النَّفْسَ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لَا يَقَعْ وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فِي الْفَتْحِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَإِنْ قَالَتْ) فِي الْجَوَابِ أَمْرُك بِيَدِك (طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَوَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ) إذْ الْوَاحِدَةُ صِفَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَوْصُوفٍ فَيَجِبُ تَفْسِيرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ السَّابِقُ وَالسَّابِقُ فِيهِ هُنَا قَوْلُهَا طَلَّقْت فَيَجِبُ تَقْدِيرَ التَّطْلِيقَةِ فَوَقَعْت وَاحِدَةٌ. [فَصْلٌ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ] فَصْلٌ (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ) فِيهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمَيْنِ ذُكِرَ مُفْرَدًا وَالْيَوْمُ الْمُفْرَدُ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَمْرًا وَاحِدًا لِتَخَلُّلِ مَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَا أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً. (وَإِنْ رَدَّتْهُ) أَيْ الْمُخَيَّرَةُ الْأَمْرَ (فِي الْيَوْمِ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (لَا يَرْتَدُّ) الْأَمْرُ (بَعْدَ غَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِانْفِصَالِ وَقْتِهِمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. (وَإِنْ قَالَ) أَمْرُك بِيَدِك (الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ اللَّيْلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ وَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا وَهَذَا لِأَنَّ تَخَلُّلَ اللَّيْلَةِ لَا يَفْصِلُهَا؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ يَجْلِسُونَ

لِلْمَشُورَةِ فَيَهْجُمُ اللَّيْلُ وَلَا تَنْقَطِعُ مَشُورَتُهُمْ وَمَجْلِسُهُمْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْفَتْحِ الِاعْتِبَارُ بِهِ تَعْلِيلًا لِدُخُولِ اللَّيْلِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُضَافِ إلَى الْيَوْمِ وَغَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ اللَّيْلِ فِي الْيَوْمِ الْمُفْرَدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ هُجُومُ اللَّيْلِ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ تَتَبَّعْ. (وَإِنْ رَدَّتْهُ الْيَوْمَ لَا يَبْقَى) الْأَمْرُ فِي يَدِهَا (غَدًا) كَمَا لَا يَبْقَى فِي النَّهَارِ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَرَدَّتْ فِي أَوَّلِهِ وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا فَهُمَا أَمْرَانِ حَتَّى إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ فِي الْغَدِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِبَاطِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا. (وَلَوْ مَكَثَتْ) الزَّوْجَةُ (بَعْدَ التَّفْوِيضِ) فِي مَجْلِسِ التَّفْوِيضِ وَبُلُوغِ الْخَبَرِ (يَوْمًا) أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ (وَلَمْ تَقُمْ) هِيَ مِنْ الْمَجْلِسِ وَلَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَامَ هُوَ لَمْ يَبْطُلْ (لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَجَلَسَتْ) ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ وَكَذَا لَا يَبْطُلُ لَوْ مَشَتْ مِنْ جَانِبِ بَيْتٍ إلَى جَانِبِ آخَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَتْ إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ يُغَايِرُهُ عُرْفًا (أَوْ) كَانَتْ (جَالِسَةً فَاتَّكَأَتْ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذُكِرَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ فَكَانَ إعْرَاضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (أَوْ) كَانَتْ (مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ) وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَوْ) كَانَتْ (عَلَى دَابَّةٍ) سَائِرَةٍ (فَوَقَفَتْ) أَوْ نَزَلَتْ (أَوْ دَعَتْ أَبَاهَا) أَوْ غَيْرَهُ (لِلْمَشُورَةِ أَوْ) دَعَتْ (شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافٌ تَتَبَّعْ (لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا لِجَمْعِ الرَّأْيِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا مَضَى وَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَكَذَا لَا يَبْطُلُ لَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ أَوْ أَتَمَّتْ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا أَوْ شَرِبَتْ أَوْ لَبِسَتْ ثِيَابَهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَتْ بِنَوْمٍ أَوْ اغْتِسَالٍ أَوْ امْتِشَاطٍ أَوْ اخْتِضَابٍ أَوْ تَمَكُّنٍ مِنْ الزَّوْجِ فَيَبْطُلُ. (وَإِنْ سَارَتْ دَابَّتُهَا) بَعْدَ التَّفْوِيضِ وَالدَّابَّةُ وَاقِفَةٌ (بَطَلَ) خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا وَوُقُوفَهَا تُضَافَانِ إلَيْهَا (لَا بِسَيْرِ فُلْكٍ هِيَ) أَيْ

فصل قال لها طلقي نفسك ولم ينو به طلاقا

الْمَرْأَةُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْفُلْكِ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَافِ. [فَصْلٌ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا] فَصْلٌ (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ) بِهِ طَلَاقًا (أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ) أَيْ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي (وَقَعَتْ) طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ. (وَكَذَا) تَقَعُ رَجْعِيَّةٌ (لَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِهِ (أَبَنْت) نَفْسِي أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِهِ بِدَلِيلِ الْوُقُوعِ بِأَبَنْتُك فَصَلَحَتْ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك، وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا هُوَ الرَّجْعِيُّ وَقَدْ أَتَتْ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَيَلْغُو ذَلِكَ وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْوَصْفِ لَا تُعْدِمُ الْأَصْلَ فَلَا تُعَدُّ خِلَافًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا وَعَنْ الْإِمَامِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا) جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً بَعْدَمَا قَالَ الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَصْلِ (وَنَوَاهُ) أَيْ الزَّوْجُ (وَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ الدَّالِ عَلَى الْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ. (وَلَغَتْ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ) فِي الْحُرَّةِ وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (وَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِهِ (اخْتَرْت نَفْسِي لَا تَطْلُقُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً بِدَلِيلِ عَدَمِ الْوُقُوعِ بِاخْتَارِي (وَلَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ (الرُّجُوعَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ (وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) فَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ (إلَّا إذَا قَالَ) مَعَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك (مَتَى شِئْت) فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ لِعُمُومِ مَتَى

فِي الْأَوْقَاتِ فَدَخَلَ إذَا وَإِذَا مَا وَلَا يُرَدُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي إذَا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ إنْ عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا؛ لِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا فَيَتَقَيَّدُ وَأَنْ تَعْمَلْ ظَرْفًا فَلَا يَتَقَيَّدُ، وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ. وَفِي الْبَحْرِ وَحِينَ بِمَنْزِلَةِ إذَا وَكُلَّمَا كَمَتَى فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ إلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ أَنْ وَكَيْفَ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا فَإِنَّهَا تَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. (قَالَ لَهَا طَلِّقِي ضَرَّتَك أَوْ) قَالَ (لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) قَبْلَ تَصَرُّفِهِ (وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت) ؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِمَشِيئَتِهِ فَصَارَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَرْجِعُ عَنْهُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ كَوْنَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ التَّمْلِيكِ، وَقَدْ انْتَفَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَامِلَ لِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ مَالِكًا وَهَذَا كَافٍ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا لِكَوْنِ الْمَالِكِ كَذَلِكَ أَلْبَتَّةَ كَمَا فَهِمَهُ وَأَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ بِنَاءً عَلَيْهِ بَلْ الْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَزُفَرَ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ هُنَا أَيْضًا. (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ تَمْلِيكِ الثَّلَاثِ (وَفِي عَكْسِهِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا (لَا يَقَعُ شَيْءٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ الْوَاحِدِ قَصْدًا لَا فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمُخَالَفَةُ عَلَى الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَقَعَ الْوَاحِدَةُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةُ فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ لَا الْوَاحِدَةُ قَصْدًا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ لِوُجُودِ التَّرْكِيبِ فِيهِ دُونَهَا وَلَمْ يَثْبُتْ الْوَاحِدَةُ مِنْ الثَّلَاثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْجُمْلَةُ فَكَيْفَ ثَبَتَ مَا يَقُومُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمِّنَ مَتَى لَمْ يَثْبُتْ لَا يَثْبُتُ مَا فِي ضِمْنِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ تَأَمَّلْ (وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِلَغْوِ الزِّيَادَةِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا. (وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَكَانَ تَفْوِيضُ الثَّلَاثِ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَهُوَ مَشِيئَتهَا إيَّاهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا. (وَكَذَا فِي عَكْسِهِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت وَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ كَإِيقَاعِهَا فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، (وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ تَتَضَمَّنُ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا يَتَضَمَّنُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ

فَوُجِدَ الشَّرْطُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك عَشْرًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ، وَكَذَا لَا يَقَعُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ: شِئْت نِصْفَ وَاحِدَةٍ. (وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ) بِأَنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك بَائِنَةً وَاحِدَةً (أَوْ الرَّجْعِيِّ) بِأَنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً (فَعَكَسَتْ) الْمَرْأَةُ بِأَنْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي الْأُولَى أَوْ بَائِنَةً فِي الثَّانِيَةِ (وَقَعَ مَا أَمَرَ) بِهِ الزَّوْجُ فَوَقَعَ فِي الْأُولَى الْبَائِنُ وَفِي الثَّانِيَةِ الرَّجْعِيُّ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةَ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ. (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت فَقَالَ) الزَّوْجُ (شِئْت) حَالَ كَوْنِهِ (يَنْوِي الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ بِالْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِمَا لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهَا مِنْ الشَّرْطِ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ شِئْتِ مُبْهَمًا، وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ، أَمَّا لَوْ قَالَتْ شِئْت طَلَاقِي فَقَالَ شِئْت نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَقَعَ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْوُجُودُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَرَدْت طَلَاقَك؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ، وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ سِيَّانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَكَلَامُنَا فِي إرَادَةِ الْعِبَادِ، وَجَازَ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا وَتَسْوِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ يَكُونُ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا سَائِرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِصِفَاتِنَا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (وَكَذَا لَوْ عُلِّقَتْ الْمَشِيئَةُ بِمَعْدُومٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْأَمْرُ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْت امْرَأَتِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَهُ لَا تَطْلُقُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَاقِعٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْجَزَاءُ وَهُوَ لِثَلَاثٍ لَا يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ فَلَا يَقَعُ وَيُسَمَّى طَلَاقًا دَوْرِيًّا؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الثَّلَاثِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ الْوَاحِدَةِ وَتَحَقُّقَ الْوَاحِدِ مَوْقُوفٌ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ ابْنُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ وَتَنْظِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِظُهُورِ الْفَرْقِ تَتَبَّعْ. (وَإِنْ عَلَّقَ بِمَوْجُودٍ) أَيْ لَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ، وَقَدْ جَاءَ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ قَالَ أَنَا يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَلَى هَذَا الْكُفْرَ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ عَدَمِ الْكُفْرِ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ إذَا حَصَلَ التَّعْلِيقُ بِهَا بِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ فَكَذَا إذَا كَانَ مَاضِيًا تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا أَوْ إرَادَتِهَا أَوْ رِضَاهَا أَوْ هَوَاهَا أَوْ حُبِّهَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّنْجِيزِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ

بِالْيَدِ بِخِلَافِ مَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَأَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت فَرَدَّتْ الْأَمْرَ) بِأَنْ قَالَتْ لَا أَشَاءُ (لَا يَرْتَدُّ) وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَلَهَا إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ مَشِيئَتِهَا لَا قَبْلَهُ فَلَا يَرْتَدُّ (وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَتْ وَلَا تُرِيدُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لِلزَّمَانِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ إذَا وَنَحْوُهَا لِلشَّرْطِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا بِالشَّكِّ وَلَا يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ لِصُدُورِ التَّعْلِيقِ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْمُرَادُ فَلَا تَنَاقُضَ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقًا) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ فَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا لِعُمُومِ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ، وَلِهَذَا قَالَ (لَا مَجْمُوعًا) أَيْ فَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَفِي الْمِنَحِ كَلِمَةُ كُلٍّ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] أَيْ كَثِيرًا، وَيُفِيدُ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ (وَلَا) تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ إنْ عَادَتْ إلَيْهِ (بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ قَدْ انْتَهَى بِالتَّثْلِيثِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ التَّحْلِيلِ مَكَانَ زَوْجٍ آخَرَ لَكَانَ أَظْهَرَ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَشَأْ) الطَّلَاقَ (فِي مَجْلِسِهَا) وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ لِلْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو ذِكْرُهُمَا لَكِنْ فِيهِمَا مَعْنَى التَّأْخِيرِ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ كَذَلِكَ فَيُجْعَلَانِ مَجَازًا عَنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي حُرُوفِ الشَّرْطِ الْمُتَمَحِّضَةِ لِلشَّرْطِيَّةِ إنْ دُونَ مَتَى وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَصْلِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَبِمَا قَرَّرْنَا انْدَفَعَ سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا إذَا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَبَّرَ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلِمَ حُمِلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت فَإِنْ شَاءَتْ مُوَافَقَةً لِنِيَّتِهِ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَعَ كَذَلِكَ) أَيْ مَا شَاءَتْ مُوَافِقًا لِنِيَّتِهِ لِثُبُوتِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ. (وَإِنْ تَخَالَفَا) أَيْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ بِالْعَكْسِ (تَقَعُ) طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَغَتْ مَشِيئَتُهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ، وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا

باب تعليق الطلاق

(وَكَذَا) يَقَعُ رَجْعِيَّةٌ (إنْ لَمْ تَشَأْ) لِوُجُودِ أَصْلِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا هُوَ الْكَيْفُ وَالْوَصْفُ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَا يَقَعُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لَهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا تَعَلَّقَ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا فَإِذَا لَمْ تَشَأْ لَا يَقَعُ لَكِنْ رُجِّحَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ الشَّيْءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَكُّنُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَفِيمَا قَالَا تَعْلِيقُ الْأَصْلِ وَإِبْطَالُهُ لِأَجْلِ الْوَصْفِ، وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ فَعِنْدَهُ يَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ تَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالرَّدُّ كَالْقِيَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَقَعُ مَا شَاءَتْ) بِالِاتِّفَاقِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ كَيْفَ لِلْحَالِ، وَالزَّوْجُ وَلَوْ أَوْقَعَ رَجْعِيًّا يَمْلِكُ جَعَلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَ الْإِمَامِ فَكَذَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ هَذَا لِتَفْوِيضِ تَمَلُّكِ جَعْلِ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكَذَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضُ أَصْلِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلُقَتْ مَا شَاءَتْ) وَاحِدَةً وَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمُ الْعَدَدِ وَمَا عَامٌّ فَتَنَاوَلَ الْكُلُّ (فِي الْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ) فَإِنْ قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْتِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ رَدَّتْهُ كَانَ رَدًّا. (وَإِنْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) بِالْإِجْمَاعِ (لَا الثَّلَاثَ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا لِلْعُمُومِ، وَمِنْ لِلْبَيَانِ، وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي تَحْرِيرِهِ بِأَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْبَيَانِ مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَفِ بِهِ فَالتَّبْعِيضُ مَعَ زِيَادَةِ الثَّلَاثِ أَظْهَرُ. وَفِي الْمِنَحِ وَمِثْلِهِ اخْتَارِي مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت. [بَابُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ] بَابُ التَّعْلِيق أَيْ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَيْءٍ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَبْحَاثِ الْمُنَجَّزِ شَرَعَ فِي الْمُعَلَّقِ، وَالتَّعْلِيقُ مِنْ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا. وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى (إنَّمَا يَصِحُّ) التَّعْلِيقُ حَالَ كَوْنِهِ (فِي الْمِلْكِ) أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الزَّوْجِيَّةِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ وَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ النِّكَاحِ أَوْ الْعِدَّةِ

مَعَ حَلِّ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَالْمَرْأَةُ مَدْخُولَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْمُصَاهَرَةِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ فِيهِ فَمِنْ بَعْضِ الظَّنِّ تَأْوِيلُ الْمِلْكِ بِوُجُودِ النِّكَاحِ، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّنْجِيزِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ) أَوْ لِمُعْتَدَّتِهِ (إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَيَقَعُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَارَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَاقِلًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ إيقَاعٌ حُكْمًا. أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْنُونًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ طَلَاقًا (أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ) بِأَنْ يُعَلَّقَ عَلَى نَفْسِ الْمِلْكِ، نَحْوُ إنْ مَلَكْت طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ (كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك) أَيْ تَزَوَّجْتُك (فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَإِنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ فَاسْتُعِيرَ السَّبَبُ لِلْمُسَبَّبِ أَيْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ (فَيَقَعُ إنْ نَكَحَهَا) لِوُجُودِ الشَّرْطِ. وَفِي الزَّاهِدِيِّ قَدْ ظَفِرْت بِرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ كَمَا قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ وَالْجَزَاءُ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ فَلَوْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِهِ لَكَانَ الطَّلَاقُ مُقَارِنًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَمْ يَقَعْ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك، وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا خَصَّصَ أَوْ عَمَّ كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ أَرْضًا أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ الْمُضَافُ إلَى الْمِلْكِ، وَتَفْصِيلُ دَلِيلِنَا وَدَلِيلِهِمَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُطَالَعْ. ثُمَّ التَّعْلِيقُ قَدْ يَكُونُ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَاهُ وَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَعَرَّفَتْ بِالْإِشَارَةِ لَمْ يُرَاعِ فِيهَا صِفَةَ التَّزَوُّجِ بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَبَقِيَ قَوْلُهُ هَذِهِ طَالِقٌ. (وَلَوْ) (قَالَ) الظَّاهِرُ بِالْفَاءِ لِكَوْنِهِ تَفْرِيعًا لِمَا قَبْلَهُ (لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ) (لَا تَطْلُقُ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا الْإِضَافَةِ

إلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ بِهَا فِي فِرَاشِي فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَمْ تَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْمِلْكِ. (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ) وَهِيَ أَصْلٌ فِيهِ لِوَضْعِهَا لَهُ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا (وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلُّ) وَكَلِمَةُ كُلّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مَا يَلِيهَا اسْمٌ وَالشَّرْطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ وَالْأَجْزَئِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَكِنَّهُ أُلْحِقَ بِالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ الَّذِي يَلِيهَا كَقَوْلِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَكَذَا (وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) وَمِنْ جُمْلَتِهَا لَوْ وَمَنْ وَأَيُّ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ أَنَّى. ثُمَّ مَتَى تَقَدَّمَ الْجَزَاءُ عَلَى الشَّرْطِ امْتَنَعَ أَنْ يَرْتَبِطَ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَمَتَى تَأَخَّرَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يَرْتَبِطَ بِهِ إذَا كَانَ وَاحِدًا مِنْ سَبْعٍ وَجَمَعَهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ... وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ فَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ يَتَنَجَّزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ نَوَى التَّعْلِيقَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ مَا بِهِ التَّعْلِيقُ وَهُوَ الْفَاءُ، وَلَا يَتَنَجَّزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ هَذَا الْكَلَامِ لِإِرَادَةِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ يَتَنَجَّزُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ أَنْ لِلتَّعْلِيقِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَلْيُطَالَعْ (فَفِي جَمِيعِهَا) أَيْ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ (إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَإِذَا تَمَّ وَقَعَ الْحِنْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ

مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمُومِ تِلْكَ الْيَمِينِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ. وَفِي الْفَتْحِ وَإِنْ مَعَ لَفْظِ أَبَدًا مُؤَدٍّ لَفْظَ مَتَى بِانْفِرَادٍ فَإِذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا فَطَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ، وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَسَائِلِ مَا فِي الْغَايَةِ مَنْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَ مِنْكُنَّ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلْت وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ مِرَارًا طَلُقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ عُمُومُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الِاسْمِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا حَنِثَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ لَمْ تَعُمَّ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (إلَّا فِي) كَلِمَةِ (كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَنْتَهِي) الْيَمِينُ (فِيهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ) فِي الْحُرَّةِ وَالثِّنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ انْتَهَتْ، يَعْنِي إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ إلَّا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَفْعَالِ فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ إذَا وُجِدَ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَتَنْتَهِي الْيَمِينُ بِانْتِهَائِهَا (مَا لَمْ تَدْخُلْ) تِلْكَ الْكَلِمَةُ (عَلَى) صِيغَةِ (التَّزَوُّجِ) لِدُخُولِهَا عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ (فَلَوْ قَالَ) تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلُقُ بِكُلِّ تَزَوُّجٍ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ عَلَى الْمُنْكِرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كُلٍّ وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ أَوْ فَسْخُ الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ، وَكَيْفِيَّةُ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ سَاقَ الْمَهْرَ وَنَحْوَهُ لَا بِالْقَوْلِ فَلَا تَطْلُقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُكِّلَ بِهِ لِانْتِقَالِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ وَكَيْفِيَّةُ الْفَسْخِ أَنْ يُزَوِّجَ الْحَالِفُ امْرَأَةً فَيَرْفَعَانِ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيَدَّعِي أَنَّهُ زَوْجُهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَيْهِ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا بِالْحَلِفِ صَارَتْ مُطَلَّقَةً فَيَلْتَمِسُ مِنْ الْقَاضِي فَسْخَ الْيَمِينِ فَيَقُولُ فَسَخْت هَذِهِ الْيَمِينَ وَأَبْطَلْتهَا وَجَوَّزْت النِّكَاحَ فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ حَنَفِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَجْوَدَ، وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ أَوْلَى فِي زَمَانِنَا مِنْ الْفَسْخِ لَكِنْ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ الْفَسْخَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ إنْ كَانَ الْحَالِفُ شَابًّا فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعُزُوبَةِ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا فَالْعُزُوبَةُ أَوْلَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ لَطِيفِ مَسَائِلِهَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا تَقَعُ طَلْقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ. (وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَ) بَعْدَ (زَوْجٍ آخَرَ) أَيْ بَعْدَ الْعَوْدِ عَنْ زَوْجٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِي هَذَا النِّكَاحِ

إلَّا الثَّلَاثَ، وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ. وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ وَهُوَ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ التَّنْجِيزَ مُبْطِلٌ لِلطَّلَاقِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ دَوَامَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَائِهِ فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا قَعَدْت عِنْدَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَعَدَ عِنْدَهَا سَاعَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا يَلْزَمْ التَّكْرَارُ أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانَيْنِ فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا ضَرَبْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَهَا بِيَدَيْهِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِكُلِّ يَدٍ كَالضَّرْبِ بِضِغْثٍ. (وَزَوَالُ الْمِلْكِ) بَعْدَ (الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ زَوَالُهُ بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَمَّا إذَا زَالَ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَإِنَّهُ يُزِيلُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ بِالثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ ثُمَّ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ بِقَوْلِهِ (وَالْمِلْكُ) شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ (لَا) شَرْطٌ (لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ) فَإِنَّهَا تَنْحَلُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ وَبِوُجُودِهِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ ثُمَّ بَيَّنَ مَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمِلْكِ بِأَنْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا أَوْ كَانَ فِي الْعِدَّةِ (انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ بِأَنْ وُجِدَ فِي غَيْرِهِ (انْحَلَّتْ) الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً (وَلَا يَقَعُ) شَيْءٌ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا

فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ فَحِيلَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَدْخُلُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَإِنْ دَخَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (فِي وُجُودِ الشَّرْطِ) فَقَالَتْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَقَالَ بِخِلَافِهِ (فَالْقَوْلُ لَهُ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ. اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ لَهُ، لَكِنْ فِي الْعِمَادِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ لَمْ تَصِلْ النَّفَقَةُ فِي وَقْتِ كَذَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي وُصُولِهَا فَالْقَوْلُ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي الْمِنَحِ وَجَزَمَ شَيْخُنَا فِي فَتْوَاهُ بِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ؛ لِأَنَّهَا الْكُتُبُ الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ تَتَبَّعْ. (إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) أَيْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَمْرًا حَادِثًا، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمِيًّا فَإِنَّ بُرْهَانَهَا عَلَيْهِ مَقْبُولٌ فَلَوْ حَلَفَ إنْ لَمْ تَجِئْ صِهْرَتِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَامْرَأَتِي كَذَا فَشَهِدَ أَنَّهُ حَلَفَ كَذَا وَلَمْ تَجِئْ صِهْرَتُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَطَلُقَتْ امْرَأَتُهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ صُورَةً وَعَلَى إثْبَاتِ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً وَالْعِبْرَةُ لِلْمَقَاصِدِ لَا لِلصُّوَرِ (وَفِيمَا) أَيْ شَيْءٍ عُلِّقَ بِشَرْطٍ (لَا يُعْلَمُ) وُجُودُ ذَلِكَ الشَّرْطِ (إلَّا مِنْهَا) كَالْحَيْضِ (الْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ (فِي حَقِّ نَفْسِهَا) خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْعِدَّةِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَائِهَا وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ وَلَا تَحِلَّ إذَا أَخْبَرَتْ انْقِطَاعَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُصَدَّقَ فِي حَقِّ نَفْسِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا فِي الدُّخُولِ وَفِيهِ أَسْئِلَةٌ وَأَجْوِبَةٌ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلْيُطَالَعْ (لَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا تَقْبَلُ قَوْلَهَا فِي حَقِّهَا وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ. (فَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ لَا) تَطْلُقُ (فُلَانَةُ) لِمَا ذُكِرَ. وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا هَذَا إذَا كَذَّبَهَا

الزَّوْجُ فِي قَوْلِهَا، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ تَأَمَّلْ. وَفِي التَّبْيِينِ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ وَالْحَيْضُ قَائِمٌ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَشَرْطٌ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ (وَكَذَا) يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا لَا فِي غَيْرِهَا. (لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ عَذَابَ اللَّهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أُحِبُّ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ (وَلَا يَعْتِقُ) الْعَبْدُ فَإِنْ قِيلَ تَيَقُّنًا بِكَذِبِهَا حِينَ قَالَتْ أُحِبُّ عَذَابَ اللَّهِ فَلَمْ تَطْلُقْ أُجِيبُ بِمَنْعِ التَّيَقُّنِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبْلُغُ بِهِ ضِيقُ الصَّدْرِ وَعَدَمُ الصَّبْرِ وَسُوءُ الْحَالِ إلَى دَرَجَةٍ يُحِبُّ الْمَوْتَ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهَا شِدَّةُ بُغْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ وَعَدَمِ الذَّوْقِ لِلْعَذَابِ فِي الْحَالِ عَلَى تَمَنِّي الْخَلَاصِ مِنْهُ بِالْعَذَابِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك كَاذِبَةً طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْقَلْبِ فَذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً إلَّا إذَا صُدِّقَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَحَبَّةِ هُوَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَصْلِ يُبْطِلُ الْخَلْفِيَّةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ وَقَالَتْ أُحِبُّهُ لَا تَطْلُقُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ. وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْأَخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ دَيَّانَةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْفَتْحِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ السَّبِّ نَحْوَ: قَرْطَبَانٌ وَسِفْلَةٌ فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ. (وَلَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي) قَوْلِهِ (إنْ حِضْت مَا لَمْ يَسْتَمِرَّ الدَّمُ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَاضَةً (فَإِذَا اسْتَمَرَّ) الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (مِنْ ابْتِدَائِهِ) أَيْ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ

ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَتَزَوَّجَتْ عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ صَحَّ نِكَاحُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِحَيْضِهَا عِتْقُ عَبْدٍ فَجَنَى أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَهُوَ فِي الْجِنَايَةِ كَالْأَحْرَارِ. (وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إذَا طَهُرَتْ) مِنْ حَيْضِهَا وَذَلِكَ إمَّا بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ: إذَا حِضْت أَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، وَلَوْ قَالَ لِطَاهِرٍ: إذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَقَالَ زُفَرُ إذَا مَضَى لِحَيْضِهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ يَقَعُ. (وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى. (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ) مِنْهُمَا (تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً) لِتَيَقُّنِهَا (وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا) أَيْ تَبَاعُدًا عَنْ الْحُرْمَةِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا وَاحِدَةً فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ (وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ) بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا فَإِنْ وَلَدْت الذَّكَرَ أَوَّلًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْأُنْثَى، وَإِنْ وَلَدْت الْأُنْثَى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الذَّكَرِ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا، وَأَمَّا إذَا عَلِمَا الْأَوَّلَ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَإِنْ وَلَدْت غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ وَلَا يَدْرِي الْأَوَّلَ يَقَعُ ثِنْتَانِ قَضَاءً وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا وَإِنْ وَلَدْت غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ قَضَاءً وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ

الْحَمْلَ اسْمٌ لِلْكُلِّ فِيمَا لَمْ يَكُنْ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَعَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ الَّذِي تَلِدِينَهُ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي ضِمْن الْمُقَيَّدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. (وَلَوْ عَلَّقَ) طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا (بِشَرْطَيْنِ) بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ وَدَارَ عَمْرٍو أَوْ قَالَ لَهَا إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (شَرَطَ لِلْوُقُوعِ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا) حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ وَهِيَ مُبَانَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ الْآخَرُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَوَقَعَ فِي الدُّرَرِ عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِشَيْئَيْنِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَهُوَ الْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ لَمَّا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَجَعَلَهُ فِي الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ تَعَدُّدَ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعَدُّد الشَّرْطِ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلَّقِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُهُ تَعَدُّدَهُ، فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمْتهمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَغَايَتُهُ عَدَدٌ بِالْقُوَّةِ انْتَهَى. لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي جَعْلِهِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى وَصْفَيْنِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ عِبَارَتَهُ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ وُجِدَا) أَيْ الشَّرْطَانِ (أَوْ آخِرُهُمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمِلْكِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ. (وَإِنْ وُجِدَا أَوْ آخِرُهُمَا لَا فِيهِ لَا يَقَعُ) لِاشْتِرَاطِ الْمِلْكِ حَالَةَ الْحِنْثِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَانِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ يُوجَدُ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهِ فَلَا يَقَعُ أَيْضًا أَوْ يُوجَدُ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِهِ وَالثَّانِي فِيهِ فَيَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (وَيُبْطِلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَالتَّنْجِيزُ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ؛ لِأَنَّ تَنْجِيزَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لَا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ لَا تَنْجِيزَ مَا دُونَهَا كَمَا قِيلَ بَلْ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ (فَلَوْ عَلَّقَهَا) أَيْ الثَّلَاثَ (بِشَرْطٍ ثُمَّ نَجَّزَهَا) أَيْ الثَّلَاثَ (قَبْلَ وُجُودِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ التَّحْلِيلِ فَوُجِدَ) الشَّرْطُ (لَا يَقَعُ شَيْءٌ) يَعْنِي

إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ نَجَّزَهَا وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ أَمَّا لَوْ أَبَانَهَا بِثِنْتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ ثُمَّ بِدُخُولِهَا الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَهْدِمُ الزَّوْجُ مَا دُونَهَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتْحِ وَثَمَرَتُهُ لَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلِاتِّفَاقِ فِيهَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ بَلْ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ بِدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْهَدْمِ وَلَا تَثْبُتُ عِنْدَهُمَا لِتَحَقُّقِهِ. (وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَامَعَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ (لَا يَجِبُ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ) أَيْ بِالْمُكْثِ (بَعْدَ الْإِيلَاجِ) إذْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ طَلُقَتْ الزَّوْجَةُ، وَاللُّبْثُ لَيْسَ بِوَطْءٍ بَعْدَهُ، وَكَذَا الْحَالُ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ (وَلَا يَصِيرُ بِهِ) أَيْ بِاللُّبْثِ بَعْدَ الْإِيلَاجِ (مُرَاجِعًا فِي) الطَّلَاقِ (الرَّجْعِيِّ) أَيْ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ رَجْعِيًّا (مَا لَمْ يَنْزِعْ ثُمَّ يُولِجُ) ثَانِيًا فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مُخْتَارُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لِلْبُضْعِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَ ثُمَّ أَوْلَجَ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْإِدْخَالُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرُهُ مُوجِبًا لَهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْعُقْرُ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لَكِنْ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَنَا وِقَادٌ بِدَوَاعِي الْوَطْءِ كَقُبْلَةٍ وَلَمْسٍ بِشَهْوَةٍ وَهَاهُنَا اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ مَوْجُودٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الرَّجْعَةُ عِنْدَهُ أَيْضًا تَدَبَّرْ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَسْتَأْنِفْ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. (وَلَوْ قَالَ) لِلَّتِي تَحْتَهُ (إنْ نَكَحْتهَا) أَيْ فُلَانَةَ (عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ لَا تَطْلُقُ) زَوْجَتُهُ الْجَدِيدَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقِسْمِ وَلَمْ يُوجَدْ

وَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي الرَّجْعِيِّ طَلُقَتْ. (وَإِنْ وَصَلَ) الزَّوْجُ وَصْلًا مُتَعَارَفًا مَسْمُوعًا فَلَا يَضُرُّ لَوْ سَكَتَ قَدْرَ مَا يَتَنَفَّسُ أَوْ عَطَسَ أَوْ تَجَشَّأَ أَوْ كَانَ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ فَطَالَ تَرَدُّدُهُ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ فَأَمْسَكَ الْغَيْرُ فَمَه (بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَوْلُهُ إنْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ) وَمَا هَذِهِ مَوْصُولَةٌ (أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وَإِنْ شَاءَ الْمَلِكُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ الشَّجَرُ أَوْ الْحَائِطُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ (لَا تَطْلُقُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ» وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَبْطُلُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إبْطَالٌ وَإِعْدَامٌ لِلْحُكْمِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَا تَعْلِيقَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فَاءَ التَّعْلِيقِ وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَهُ، وَلَوْ مُقَدَّمًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكَلَامُ يَمِينٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلَوْ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عِنْدَهُمَا (وَكَذَا) لَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ (لَوْ مَاتَتْ) الْمَرْأَةُ (قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ بِالْإِنْشَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْوُجُوبَ لَا الْمُبْطِلَ. (وَإِنْ مَاتَ هُوَ) قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ

باب طلاق المريض

لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَشِيئَةِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ عَنْ عَمَلِهِ بِمَعْنَاهُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهَا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَاهِلًا بِهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ قَالُوا إنْ كَانَ حَالٌ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الشُّهُودِ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْفَتْوَى احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفُرُوجِ فِي زَمَانٍ غَلَبَ عَلَى النَّاسِ الْفَسَادُ، وَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِأَمْرِ الْفُرُوجِ مَنْظُورٌ فِيهِ؛ لِأَنَّا لَوْ احْتَطْنَا كَمَا قَالَ يَكُونُ قَدْ تَرَكْنَا الِاحْتِيَاطَ فِي حِلِّ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ وَحَكَمَ بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ حُكْمَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَحَلَّ التَّزَوُّجُ بِهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِبَقَاءِ الْخِلَافِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا. (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) مُتَّصِلًا (يَقَعُ ثِنْتَانِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثَّلَاثِ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَيَصِحُّ وَيَقَعُ ثِنْتَانِ (وَفِي) أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (الِاثْنَتَيْنِ) يَقَعُ (وَاحِدَةٌ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ إلَّا الْفَرَّاءَ مِنْهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِمَا وَقَعَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْبَاقِي يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثُّنْيَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا ثَلَاثًا) يَقَعُ (ثَلَاثٌ) بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثُّنْيَا وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إذَا كَانَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى بِغَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ وَهِنْدَ فَيَجُوزُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. [بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] ِ وَفِي الْبَعْضِ " الْفَارِّ "، وَرَجَّحَهُ بِأَنْ قَالَ الْحُكْمُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْمَرَضِ لَكِنْ مَنْ نَظَرَ إلَى أَصَالَةِ الْمَرَضِ عَنْوَنَ بِهِ وَالْبَاقِي تَبَعٌ لَهُ وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ لَيْسَ بِخَفِيٍّ (الْحَالَةُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ فَارًّا بِالطَّلَاقِ وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعَهُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (إلَّا مِنْ الثُّلُثِ مَا يَغْلِبُ فِيهَا الْهَلَاكُ) أَيْ خَوْفُهُ وَهَذَا حَدٌّ لِلْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ شَرْعًا وَهُوَ شَامِلٌ

لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ثُمَّ ذَكَرَ لِتَوْضِيحِهِ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ مِنْ حَدٍّ آخَرَ فَقَالَ (كَمَرَضٍ يَمْنَعُهُ عَنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ) أَوْ عَنْ الذَّهَابِ إلَى حَوَائِجِهِ (خَارِجَ الْبَيْتِ) . وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا عِبْرَةَ لِلْقُدْرَةِ فِي الْبَيْتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يُصَلِّي قَائِمًا وَقِيلَ لَا يَمْشِي وَقِيلَ يَزْدَادُ مَرَضُهُ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْفَقِيهِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي السُّوقِيِّ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الدُّكَّانِ. وَفِي التَّسْهِيلِ قَالَ أَبُو اللَّيْثُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ هُوَ الْمَوْتُ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْتِ، هَذَا فِي حَقُّ الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ فِي حَوَائِجِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْحَدُّ فِي حَقِّهَا وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الصُّعُودُ إلَى السَّطْحِ فَهِيَ مَرِيضَةً كَمَا سَيَأْتِي، وَالْحَامِلُ كَالصَّحِيحَةِ إلَّا إذَا أَخَذَهَا الْوَجَعُ الَّذِي يَكُونُ آخِرُهُ انْفِصَالَ الْوَلَدِ فَهِيَ كَالْمَرِيضَةِ، أَمَّا إذَا أَخَذَهَا ثُمَّ سَكَنَ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْمَسْلُولُ وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْمَدْقُوقُ مَا دَامَ يَزْدَادُ بِهِ فَهُوَ مَرِيضٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَمُبَارَزَتِهِ رَجُلًا) أَيْ مُحَارَبَتِهِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَرَضٍ (وَتَقْدِيمِهِ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ) عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (أَوْ رَجْمٍ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ قَدَّمَهُ ظَالِمٌ لِيَقْتُلَهُ وَكَمَنْ أَخَذَهُ السَّبُعُ بِفِيهِ أَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ (فَلَوْ أَبَانَ) وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ (امْرَأَتَهُ) بِغَيْرِ رِضَاهَا وَهِيَ مِمَّنْ تَرِثُهُ (وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ مَاتَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ (بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِغَيْرِهِ) كَمَا إذَا قُتِلَ الْمَرِيضُ أَوْ مَاتَ ذَلِكَ الْمُبَارِزُ بِمَرَضٍ (وَهِيَ) امْرَأَتُهُ (فِي الْعِدَّةِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ فَإِنَّهَا تَرِثُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِآخَرَ وَعَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِأَزْوَاجٍ (وَرِثَتْ) جَوَابُ لَوْ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ إرْثِهَا فَرُدَّ عَلَيْهِ خِلَافًا

لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِأَهْلِيَّتِهَا لِلْمِيرَاثِ فَلَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُهَا أَعْتَقَهَا قَبْلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَانَ فَارًّا فَتَرِثُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا وَقَالَ الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ إنْ عَلِمَ بِكَلَامِ الْمَوْلَى كَانَ فَارًّا وَإِلَّا لَا (وَكَذَا) تَرِثُ (لَوْ طَلَبَتْ رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا) أَوْ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا إيَّاهُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا. (وَ) كَذَا تَرِثُ (مُبَانَةً قَبَّلَتْ ابْنَهُ) أَيْ ابْنَ الزَّوْجِ (بِشَهْوَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ تَقْبِيلِهَا بِإِبَانَةِ الزَّوْجِ فَكَانَ فَارًّا وَلَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا أَوَّلًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَّلَتْ ابْنِ الْمَرِيضِ أَوْ جَامَعَهَا، وَلَوْ مُكْرَهَةً حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا. (وَلَوْ أَبَانَهَا وَهُوَ مَحْصُورٌ) فِي حِصْنٍ (أَوْ) أَبَانَهَا (فِي صَفِّ الْقِتَالِ) أَيْ غَيْرُ مُبَارِزٍ (أَوْ) أَبَانَهَا وَهُوَ (مَحْبُوسٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ لَكِنَّهُ مُشْتَكٍ) مِنْ أَلَمٍ (أَوْ مَحْمُومٌ) أَوْ رَاكِبٌ سَفِينَةً أَوْ نَازِلٌ فِي مَكَان مَخُوفٍ أَوْ مُخْتَفٍ مِنْ عَدُوٍّ (لَا تَرِثُ) يَعْنِي لَوْ أَبَانَهَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَمَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ فِي مِثْلِ هَذَا الْهَلَاكُ (وَكَذَا) لَا تَرِثُ (الْمُخْتَلِعَةُ) بِسُؤَالِهَا (وَمُخَيَّرَةٌ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا) لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا (وَ) كَذَا لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ (مَنْ طَلُقَتْ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (ثَلَاثًا) أَوْ بَائِنًا فِي مَرَضِهِ (بِأَمْرِهَا أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهَا لَكِنْ صَحَّ) مِنْ مَرَضِهِ (ثُمَّ مَاتَ) فِي الْعِدَّةِ لِعَدَمِ الْفِرَارِ فِي الْأَوَّلِ وَالصِّحَّةِ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقْت نَفْسَهَا بَائِنًا فَأَجَازَ فَإِنَّهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِي الْمِنَحِ قَالَ صَحِيحٌ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ بَيَّنَ فِي مَرَضِهِ إحْدَاهُمَا صَارَ الزَّوْجُ فَارًّا بِالْبَيَانِ فَتَرِثُ مِنْهُ. (وَ) كَذَا لَا تَرِثُ (مَنْ ارْتَدَّتْ) عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى (بَعْدَمَا أَبَانَهَا) الزَّوْجُ (ثُمَّ أَسْلَمَتْ) فِي الْعِدَّةِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ بِالرِّدَّةِ وَلَمْ يَعُدْ السَّبَبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (، وَكَذَا) لَا تَرِثُ (مُفَرَّقَةٌ بِسَبَبِ الْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ) . وَفِي الِاخْتِيَارِ خِلَافٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (أَوْ خِيَارِ الْبُلُوغِ

أَوْ) خِيَارِ (الْعِتْقِ) لِرِضَاهَا. (وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا (مَرِيضَةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ بَيْتِهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلْمَرَضِ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ فَارَّةً (ثُمَّ مَاتَتْ) فِي الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ (وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهَا) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ تَكُونُ فَارَّةً حَتَّى لَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفُرْقَةِ مِنْ الْخِيَارَاتِ وَغَيْرِهَا بَعْدَمَا حَصَلَ لَهَا الْمَرَضُ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْهَا لِفِرَارِهَا مِنْ إرْثِهِ ظَاهِرًا. (وَلَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ) وَمَاتَ وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ (أَوْ تَصَادَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ فِي الْمَرَضِ (أَنَّهَا) أَيْ الْإِبَانَةَ (كَانَتْ حَصَلَتْ فِي صِحَّتِهِ وَمَضَتْ الْعِدَّةُ) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ بِسُؤَالِهَا أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ كُنْت طَلَّقْتُك وَأَنَا صَحِيحٌ فَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَوْ صَدَّقَتْهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى طَلَاقِهَا وَعِدَّتِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ. تَدَبَّرْ. (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْإِبَانَةِ أَوْ التَّصَادُقِ (أَوْصَى) الزَّوْجُ (لَهَا) بِوَصِيَّةٍ (أَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ) لَهَا عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَلَهَا) أَيْ فَقَدْ كَانَ لَهَا عِنْدَهُ (الْأَقَلُّ مِنْ إرْثِهَا وَمِمَّا أَوْصَى أَوْ أَقَرَّ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوْ فَلَهَا الْأَقَلُّ أَيْ أَقَلُّهُمَا حَالَ كَوْنِهِمَا مِنْ إرْثِهَا وَمِمَّا أَوْصَى أَوْ أَقَرَّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ " الْأَقَلُّ " مَعْمُولُ الظَّرْفِ لَكِنْ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَخْفَشُ وَعَلَى الثَّانِي مُبْتَدَأٌ وَ " مِنْ " بَيَانٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّامُ مِنْ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَنَّ " مِنْ " لِبَيَانِ الْأَقَلِّ وَالْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَإِنَّهُ شَاذٌّ وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ جَازَ الْإِقْرَارُ وَالْوَصِيَّةُ لَهَا فِي صُورَةِ التَّصَادُقِ إذْ النِّكَاحُ قَدْ زَالَ انْتَهَى. وَقَالَ زُفَرُ لَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ وَمَعَ زُفَرَ فِي الْأُولَى، لَكِنَّ حَقَّ التَّعْبِيرِ: وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ فِي الْأُولَى وَمَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ فَانْظُرْ فِي تَعْلِيلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَمَّةَ يَظْهَرُ لَك الْحَقُّ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ عَلَّقَ) الزَّوْجُ (الطَّلَاقَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ) بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ وَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَوُجِدَ) الْمُعَلَّقُ بِهِ (فَإِنْ كَانَ التَّعَلُّقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ مِنْهُ لِتَحَقُّقِ الْفِرَارِ. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الصِّحَّةِ لَا تَرِثُ) يَعْنِي إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِي عَكْسِهِ لَا تَرِثُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا صَرَّحَ هَذِهِ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَفَادَةً مِنْ الْمَفْهُومِ تَفْصِيلًا لِمَحَلِّ الْخِلَافِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِفِعْلِ نَفْسِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ كَدُخُولِ الدَّارِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ كَالتَّنَفُّسِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَكْلِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ وَطَلَبِ الْحَقِّ مِنْ الْخَصْمِ وَغَيْرِهَا (وَهُمَا) أَيْ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ (فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ) فِيهِ (فَقَطْ) وَالتَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ (وَرِثَتْ) ؛ لِأَنَّهُ فَارٌّ لِقَصْدِهِ بُطْلَانِ إرْثِهَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ.

(وَكَذَا) تَرِثُ (لَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِفِعْلِهَا) أَيْ بِفِعْلِ زَوْجَتِهِ (وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ) كَالتَّنَفُّسِ وَغَيْرِهِ (وَهُمَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ (فِي مَرَضِهِ) ؛ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْفِعْلِ. (وَكَذَا) تَرِثُ (لَوْ كَانَ الشَّرْطُ فَقَطْ) لَا التَّعْلِيقُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَرَضِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ بِاضْطِرَارِهَا صَارَتْ مُكْرَهَةً فَيَنْتَقِلُ فِعْلُهَا إلَى الزَّوْجِ فَصَارَ كَالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا فَلَا يَكُونُ فَارًّا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مُخْتَارَ أَصْحَابِ الْمُتُونِ هُوَ الْأَوَّلُ. (وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَا تَرِثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) . وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لَكِنْ تَرْتَقِي إلَى سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إمَّا بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ إمَّا أَنْ يُوجَدَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ أَوْ يُوجَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ. (وَإِنْ قَذَفَهَا) مُطْلَقًا (أَوْ لَاعَنَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَرِثَتْ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ قَذْفٍ وُجِدَ مِنْهُ فَكَانَ فَارًّا. (وَكَذَا) تَرِثُ (لَوْ كَانَ الْقَذْفُ فِي الصِّحَّةِ وَاللِّعَانُ فِي الْمَرَضِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ آلَى مِنْهَا) أَيْ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ (وَبَانَتْ بِهِ) أَيْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْإِيلَاءُ وَالْبَيْنُونَةُ (فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ. (وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ فِي الصِّحَّةِ لَا) تَرِثُ (وَفِي) الطَّلَاقِ (الرَّجْعِيِّ تَرِثُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ فِي الْمَرَضِ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ (إنْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ وَلَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ فِي عِدَّتِهَا بَلْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (لَا) تَرِثُ.

باب الرجعة

[بَابُ الرَّجْعَةِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَعْقَابِ الطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ ظَاهِرُ الرَّجْعَة بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ لُغَةً الْإِعَادَةُ وَشَرْعًا (هِيَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ الْقَائِمِ) أَيْ طَلَبُ دَوَامِ النِّكَاحِ الْقَائِمِ عَلَى مَا كَانَ مَا دَامَتْ (فِي الْعِدَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ بَاقٍ فِي الْعِدَّةِ زَائِلٌ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ بِرَجْعَتِهِنَّ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا ادَّعَى مِنْ شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَشَرْطِيَّةِ الْعِدَّةِ وَعَدَمِ شَرْطِيَّةِ رِضَاهَا وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنْ تَصِحَّ إضَافَتُهَا إلَى أَيِّ وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ، ثُمَّ الرَّجْعَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْأَقْوَالِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً، وَقَدْ تَكُونُ بِالْأَفْعَالِ وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَمَنْ طَلَّقَ) امْرَأَتَهُ (مَا دُونَ ثَلَاثٍ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ بِالثَّلَاثِ الْأَوَّلُ مِنْ كِنَايَاتِهِ) وَهِيَ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ لَكِنْ فِي تَقْيِيدِهِ بِالثَّلَاثِ كَلَامٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِنَايَاتِ تَأَمَّلْ (وَلَمْ يَصِفْهُ) أَيْ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ (بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (وَلَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ فَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَنْ يُرَاجِعَ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَبَتْ) الْمَرْأَةُ عَنْ رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِمْسَاكِ مُطْلَقٌ فِي التَّقْدِيرَيْنِ (مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) قِيلَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الزَّوْجَةِ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَجِبُ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ بِلَا دُخُولٍ وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الرَّجْعَةُ أُجِيبُ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ ضِمْنًا إذْ لَا عِدَّةَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا. تَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلرَّجْعَةِ شُرُوطًا مِنْهَا كَوْنُ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ ثَلَاثٍ فِي الْحُرَّةِ وَبِغَيْرِ ثِنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَمِنْهَا كَوْنُهُ صَرِيحًا لَفْظًا أَوْ اقْتِضَاءً، إذْ فِيمَا يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ كَالْمَوْصُوفِ بِالشِّدَّةِ وَالْمُقَابَلِ بِالْمَالِ لَا مُرَاجَعَةَ وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَرْأَةِ فِي الْعِدَّةِ وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ الرَّجْعِيَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ (بِقَوْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَنْ يُرَاجِعَ (رَاجَعْتُك) فِي الْحَضْرَةِ (أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي) فِي الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ، وَمَا وَقَعَ

فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِعْلَامِ مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَنُدِبَ إعْلَامُ الزَّوْجِ قَوْلًا وَفِعْلًا. تَأَمَّلَ. وَمِنْ الصَّرِيحِ ارْتَجَعْتُك وَرَاجَعْتُك وَرَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك وَمَسَكْتُك فَبِهَذِهِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِلَا نِيَّةٍ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشْتَرَطُ فِي رَدَدْتُك ذِكْرُ الصِّلَةِ كَإِلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي أَوْ إلَى عِصْمَتِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِارْتِجَاعِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِطْلَاقُ مُشِيرٌ إلَى أَنَّهَا تَصِحُّ عَنْ وَكِيلِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِمْسَاكِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّزَوُّجِ فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ رَجْعَةٌ. وَفِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ (أَوْ بِفِعْلِ مَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) هَذَا هُوَ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الرَّجْعَةِ أَيْ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ بِفِعْلِ مَا يُوجِبُ حُرْمَتَهَا (مِنْ وَطْءٍ) فِي فَرْجِهَا أَوْ فِي دُبُرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ مُعْتَقَلَ اللِّسَانِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ بِالْقَوْلِ (وَمَسٍّ) بِشَهْوَةٍ (وَنَحْوِهِ) كَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا (مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) فَلَوْ لَمَسَتْ زَوْجَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ وَعَلِمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ وَتَرَكَهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ سَوَاءٌ كَانَ بِتَمْكِينِهِ أَوْ فَعَلْته اخْتِلَاسًا أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَعْتُوهًا. وَفِي السَّرَخْسِيِّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ رَجْعَةٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْمُصَاهَرَةِ كَمَا لَوْ إذَا أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ، وَلَيْسَ بِرَجْعَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ الرَّجْعَةُ قَوْلًا مِنْهُ لَا مِنْهَا فَكَذَا فِعْلًا. وَفِي التَّبْيِينِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَل عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا فَعَلَتْ بِشَهْوَةٍ أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ شَهِدُوا بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالْبَيِّنَةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً. (وَنُدِبَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا) بِأَنْ يَقُولَ لِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اشْهَدَا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي كَيْ لَا يَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَهُمَا كَالْإِشْهَادِ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا صَحَّتْ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْإِشْهَادُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهَذَا أَعْجَبُ مِنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْإِشْهَادَ عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَيَجْعَلُهُ شَرْطًا عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ لَا عَجَبَ فِيهِ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ مُحْتَاجَةٌ إلَى الْإِشْهَادِ لِكَوْنِهَا صَادِرَةً عَنْ الزَّوْجِ فَقَطْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ صَادِرٌ مِنْهُمَا مَعَ شَرْطِ الْإِعْلَان فَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعِيدٌ تَدَبَّرْ. (وَ) نُدِبَ أَيْضًا (إعْلَامُهَا بِهَا) كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ بِالتَّزْوِيجِ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ قِيلَ لَا مَعْصِيَةَ بِدُونِ عِلْمِهَا بِالرَّجْعَةِ وَدُفِعَ بِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ

تَقَعُ فِي الْمَعْصِيَةِ لِتَقْصِيرِهَا فِي الْأَمْرِ وَاسْتَشْكَلَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا إيجَابٌ لِلسُّؤَالِ عَلَيْهَا وَإِثْبَاتُ الْمَعْصِيَةِ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا، وَلَيْسَ السُّؤَالُ إلَّا لِدَفْعِ مَا هُوَ مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ بَعْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ فَهُوَ وِزَانُ إعْلَامِهِ إيَّاهَا إذْ هُوَ أَيْضًا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ إعْلَامُهُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ خَالِصٌ حَقُّهُ فَكَذَا سُؤَالُهَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُوجِبُ الْعِصْيَانَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَلَا تَكُونَ عَاصِيَةً لِعَدَمِ عِلْمِهَا بِهَا، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَاعِلِ بِالْعَذَابِ مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ دُونَ أَنْ يَقُولَ كَيْ لَا تَكُونَ عَاصِيَةً، وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الرِّوَايَةُ فِي يَقَعَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَبَعِيدٌ لَا يُلَائِمُ الْمَسَاقَ مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُجُوبَ لَا الِاسْتِحْبَابَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الْمَعْصِيَةَ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتُك فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ (فَصَدَّقَتْهُ) الْمَرْأَةُ (صَحَّتْ) الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ (فَلَا) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي لَا يَمِينَ فِيهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَلَوْ أَقَامَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ قَالَ فِي عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ أَنَّهُ قَالَ قَدْ جَامَعْتهَا كَانَتْ رَجْعَةً كَمَا لَوْ قَالَ فِيهَا كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ. وَفِي الْمِنَحِ وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ إقْرَارُ نَفْسِهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا. (وَلَوْ) (قَالَ رَاجَعْتُك) يُرِيدُ بِهِ الْإِنْشَاءَ (فَقَالَتْ) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إذْ الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ حَالَ كَوْنِهَا (مُجِيبَةً لَهُ انْقَضَتْ عِدَّتِي) (فَالْقَوْلُ لَهَا وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الِانْقِضَاءِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ أَجَابَتْ لَا تُصَدَّقُ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ إجْمَاعًا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ وَقْتَ الْعِدَّةِ إذْ هِيَ بَاقِيَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَفِي التَّبْيِينِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الْيَمِينَ فَائِدَتُهَا النُّكُولُ وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ وَبَذْلُ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالِاحْتِبَاسُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّ بَذْلَهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا، ثُمَّ إذَا نَكَلَتْ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهَا ضَرُورَةً بِمَنْزِلَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهَا بِالْوِلَادَةِ انْتَهَى لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هَاهُنَا بِالْإِجْمَاعِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا كَمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ) مُضِيِّ (الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْت فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ (فَصَدَّقَهُ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ) الْمَرْأَةُ (فَالْقَوْلُ لَهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تُبْتَنَى

عَلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُهَا (وَعِنْدَهُمَا) الْقَوْلُ (لِلسَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ حَقُّهُ كَإِقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ (وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ فِيمَا صَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى (الْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ اتِّفَاقًا فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَتَّفِقْ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ. (وَإِنْ قَالَ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَا) أَيْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى انْقِضَاءَهَا (فَالْقَوْلُ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِحَالِهَا وَهِيَ أَمِينَةٌ فِيهِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ لَوْ قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ لَهُ رَجَعْتهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِكَذِبِهَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ عَلَيْهَا. (وَإِذَا طَهُرَتْ) الْمُعْتَدَّةُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا عَادَةَ لَهَا وَهَذَا أَشْمَلُ مِنْ قَوْلِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ (مِنْ حَيْضِ الْأَخِيرِ) أَيْ مِنْ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهَا وَهِيَ الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَمَنْ اقْتَصَرَ بِالثَّالِثَةِ فَقَدْ قَصُرَ تَدَبَّرْ (لِعَشَرَةٍ) أَيَّامٍ (انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ) . (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ تَغْتَسِلْ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الطَّهَارَةِ هَاهُنَا الِانْقِطَاعُ؛ لِأَنَّهَا بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ. (وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ) مِنْ عَشَرَةٍ (لَا) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ (مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ) أَيْ إلَّا أَنْ (يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِهِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَأَكَّدَ الِانْقِطَاعُ بِأَحَدِ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَالِاغْتِسَالِ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ إذْ بِمُضِيِّ وَقْتِهَا صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقْدِرُ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مُلْحَقٌ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي) يَعْنِي إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ مَكْتُوبَةً أَوْ نَافِلَةً انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَقِيلَ تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ قَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ. وَقَالَ الرَّازِيّ لَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَنْقَطِعُ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ تُصَلِّ) ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الِاغْتِسَالِ فِي التَّطْهِيرِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مُلَوَّثٌ غَيْرُ مُطَهَّرٍ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَتَضَاعَفَ عَلَيْهَا الْوَاجِبَاتُ وَالضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا فِيمَا قَبْلهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ وَفِي الْفَتْحِ كَلَامٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَفِي الْكِتَابِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ) تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ (اتِّفَاقًا) وَإِنْ كَانَتْ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ

زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ فَيُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ (وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) نَحْوُ أُصْبُعٍ (انْقَطَعَتْ) الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ (وَإِنْ نَسِيَتْ عُضْوًا) تَامًّا (لَا) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ وَلَا يُغْفَلُ عَنْهُ عَادَةً بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ الْعُضْوِ فَافْتَرَقَا، فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَعَدَمِ حِلِّ التَّزَوُّجِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا قَالَ نَسِيَتْ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَمَّدَتْ إبْقَاءَ مَا دُونَ الْعُضْوِ لَا تَنْقَطِعُ (وَكُلٌّ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (كَالْأَقَلِّ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي فَرْضِيَّتِهِمَا فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا (وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَتَمَامِ الْعُضْوِ) وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ فِي عُضْوٍ. (وَلَوْ طَلَّقَ حَامِلًا) وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزْوِيجِ (أَوْ مِنْ) حِينِ (وَلَدَتْ مِنْهُ وَأَنْكَرَ وَطْأَهَا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ) . وَقَالَ فِي الْإِصْلَاحِ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ بَعْدَمَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَقَالَ لَمْ أُجَامِعُهَا سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ حَالَ التَّطْلِيقِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ. قَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّجْعَةَ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ الْوَاقِعَةُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَمَعْنَى كَوْنِ الرَّجْعَةِ لَهُ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا تَصِحُّ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهَا إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَتَوَقُّفُ ظُهُورِ صِحَّتِهَا عَلَى وَضْعِ الْحَمْلِ لَا يُنَافِي صِحَّتَهَا قَبْلَهُ فَلَا مُسَامَحَةَ فِي الْكَلَامِ كَمَا سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ إنْكَارِهِ الْوَطْءَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ فِي إنْكَارِهِ الْوَطْءَ حَيْثُ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْهُ. (وَإِنْ طَلَّقَ مَنْ خَلَا بِهَا) خَلْوَةً صَحِيحَةً (وَأَنْكَرَ وَطْأَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ) إذْ حِينَئِذٍ لَا يُكَذِّبُهُ الشَّرْعُ فِي إنْكَارِهِ فَيَكُونُ إنْكَارُهُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَأَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ جَامَعْتهَا وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ رَاجَعَهَا) أَيْ بَعْدَمَا خَلَا بِهَا وَأَنْكَرَ وَطْأَهَا (ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الرَّجْعَةِ لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ) مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ (صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذْ هِيَ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْوَلَدُ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَيَنْزِلُ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ قَبْلَهُ يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ بَعْدَ الطَّلَاقِ حَرَامًا وَيَجِبُ صِيَانَةُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ فَإِذَا جُعِلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ. (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ) وَلَدَتْ وَلَدًا (آخَرَ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَهُوَ) الَّذِي جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (رَجْعَةٌ)

لِأَنَّهَا طَلُقَتْ بِالْوِلَادَةِ الْأُولَى ثُمَّ الْوِلَادَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ رَاجَعَهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ الْأُولَى لِيَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَقَلَّ حَيْثُ تَكُونُ بِبَطْنٍ وَاحِدٍ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدِ الثَّانِي كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ الْأُولَى. (وَإِنْ قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (كُلَّمَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ) أَوْلَادٍ (فِي بُطُونٍ) مُخْتَلِفَةٍ بَيْنَ كُلِّ وَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا (فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ رَجْعَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ رَجْعِيٌّ وَصَارَتْ مُعْتَدَّةً فَلَمَّا وَلَدَتْ الثَّانِيَ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ عُلِمَ أَنَّهُ صَارَ مُرَاجِعًا بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ، فَبِوِلَادَةِ الثَّانِي وَقَعَ طَلَاقٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ تَثْبُتُ رَجْعِيَّتُهُ ثُمَّ لَمَّا وَلَدَتْ الثَّالِثَ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّانِي فَصَارَ مُرَاجِعًا بِهِ (وَتَتِمُّ) الطَّلْقَاتُ (الثَّلَاثُ بِوِلَادَةِ) الْوَلَدِ (الثَّالِثِ) فَتَحْتَاجُ إلَى زَوْجٍ آخَرَ (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ) ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ. (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ) التَّشَوُّفُ خَاصٌّ بِالْوَجْهِ وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ جَلَوْتُهُ، وَدِينَارٌ مُشَوَّفٌ أَيْ مَجْلُوٌّ وَهُوَ أَنْ تُجْلِيَ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الرَّجْعَةُ مَرْجُوَّةً، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَرْجُوهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهِ لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَفْعَلُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْمَبْسُوطِ وَالتَّزَيُّنُ مَنْدُوبٌ مُطْلَقًا (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْلِمَهَا) بِالتَّنَحْنُحِ وَمَا يُشْبِهُهُ (إنْ لَمْ يَقْصِدْ رَجْعَتَهَا) كَيْ لَا يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا فَيَحْتَاجُ إلَى طَلَاقِهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَيَلْزَمُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دُخُولَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُرَاجِعَهَا) أَيْ مَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فَالْمُرَادُ مِنْ الْمُسَافَرَةِ بِهَا إخْرَاجُهَا مِنْ بَيْتِهَا لَا السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ هَذِهِ الْآيَةِ يَشْمَلُ مَا دُونَ السَّفَرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِهَا لَكَانَ أَوْلَى. هَذَا إذَا كَانَ يُصَرِّحُ بِعَدَمِ رَجْعَتِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ كَانَتْ رَجْعَةً دَلَالَةً إذَا كَانَ السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ وَإِلَّا لَا تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا بِدُونِ ذَلِكَ وَإِذَا سَافَرَ بِهَا فَقَدْ رَاجَعَهَا. (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَصِيرُ رَجْعَةً لَا عُقْرَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ فَقَالَ (وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُبَانَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ) فِي الْحُرَّةِ وَبِمَا دُونَ الثِّنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ

(فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْحِلِّ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ الزَّوَالُ قَبْلَهُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي طَلَاقِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ هَذَا تَرْكِيبٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّ بَاقٍ أَوْ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ بَاقِيَةٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ هِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَحَلًّا وَلَا مَعْنًى لِنِسْبَةِ الْحِلِّ إلَيْهَا إذْ لَا مَعْنًى لِحِلِّ كَوْنِهَا مَحَلًّا انْتَهَى. لَكِنْ لِمَا لَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً؟ تَأَمَّلْ. (وَلَا تَحِلُّ الْحُرَّةُ بَعْدَ) الطَّلْقَاتِ (الثَّلَاثِ) لِمُطَلِّقِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] الْآيَةَ (وَلَا الْأَمَةُ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ وَالطَّلْقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ (إلَّا بَعْدَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا زُوِّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا إذَا كَانَ يُجَامِعُ مِثْلَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي الذِّمِّيَّةِ حَتَّى يَحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) فَيَخْرُجُ الْفَاسِدُ وَنِكَاحُ غَيْرِ الْكُفُؤِ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ (وَمُضِيِّ عِدَّتِهِ) أَيْ عِدَّةِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بَعْدَ زَوَالِهِ بِالطَّلَاقِ فِي الزَّوْجِ الثَّانِي لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الزَّوْجِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهَا قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَشُرِطَ وَطْءُ الزَّوْجِ الثَّانِي بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَطْءُ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ فِي النَّظْمِ لَكِنْ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ وَوَجْهٌ آخَرُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطْلَبْ أَوْ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ فَلَا إشْكَالَ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ. وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّ سَعِيدًا رَجَعَ عَنْهُ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَمَنْ عَمِلَ بِهِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَيَبْعُدُ، وَمَنْ أَفْتَى بِهِ يُعْذَرُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لِصَرِيحِ إطْلَاقِ النَّصِّ وَمَا فِي الْمُشْكِلَاتِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولَةِ تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ

النِّكَاحِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَفِي حَقِّ الْمَدْخُولِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّفَاسِيرِ وَالْخِلَافِيَّاتِ. وَفِي الْفَتْحِ وَهُوَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ مُصَادِمَةٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَا فِي الْمُشْكِلَاتِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فَلَا تَقَعُ إلَّا الْأُولَى لَا الثَّلَاثُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدَبَّرْ. وَفِي الْكِفَايَةِ طَلَّقَهَا أَزْوَاجُ كُلِّ زَوْجٍ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا تَحِلُّ لِلْكُلِّ. (وَلَا يَحِلُّ) الْمُطَلَّقَةُ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ (بِمِلْكِ يَمِينٍ) بِأَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَرَقَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ آخَرَ وَيَطَأَهَا لِإِطْلَاقِ النَّصِّ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (وَيُحِلُّهَا وَطْءُ الْمُرَاهِقِ) أَيْ مُتَقَارِبٍ لِلْحُلُمِ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ وَقِيلَ الَّذِي تَتَحَرَّك آلَتُهُ وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ وَقَدَّرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا بُدَّ أَنْ تُوطَأَ مِثْلُهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تُوطَأُ مِثْلُهَا لَا تَحِلُّ لِلْأُولَى بِهَذَا الْوَطْءِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (لَا) وَطْءُ (السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ (وَالشَّرْطُ) فِي الْحِلِّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ (الْإِيلَاجُ) أَيْ إدْخَالُ الثَّانِي حَشَفَتَهُ (دُونَ الْإِنْزَالِ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَالُ الْجِمَاعِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَفِي الْمَطْلَبِ وَغَيْرِهِ الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ بِمُسَاعَدَةِ يَدِهِ لَا يُحِلُّهَا إلَّا إذَا انْتَعَشَ وَعَمِلَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافٌ. وَفِي التَّبْيِينِ وَالْخَصِيُّ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ مَجْبُوبًا لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي الْمَحَلِّ بِيَقِينٍ حَتَّى لَوْ جَامَعَهَا وَهِيَ مُفْضَاةٌ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ تَحْبَلْ. وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ ادَّعَتْ دُخُولَ الْمُحَلِّلِ صَدَقَتْ وَإِنْ أَنْكَرَ هُوَ وَهَذَا عَلَى الْعَكْسِ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا) الزَّوْجُ الثَّانِي وَالظَّاهِرُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيعِ (بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ كُرِهَ) أَيْ يُكْرَهُ التَّزَوُّجُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحَلِّلَك لَهُ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» أَمَّا لَوْ نَوَيَا ذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطَا بِقَوْلِهِمَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَقِيلَ الرَّجُلُ مَأْجُورٌ بِذَلِكَ وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ (وَتَحِلُّ) الْمَرْأَةُ (لِلْأَوَّلِ) لِوُجُودِ الدُّخُولِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحْلِيلِ فِي مَعْنَى التَّوْقِيتِ فِي النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ الْمُوَقَّتُ فَاسِدٌ، وَكَذَا هَذَا

(وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ) أَيْ النِّكَاحَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ (صَحِيحٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ) إذْ فِيهِ اسْتِعْجَالٌ فِي تَحْلِيلِ الْحِلِّ مَعَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِالْحِرْمَانِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُوَرِّثِ، وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ فَقَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي وَقَبِلَ الزَّوْجُ جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، أَوْ يَقُولُ الْمُحَلِّلُ إنْ تَزَوَّجْتُك وَأَمْسَكْتُك فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَمِنْ لَطَائِفِ الْحِيَلِ فِيهِ أَنْ تُزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ عَبْدٍ صَغِيرٍ تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ ثُمَّ تَمْلِكُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ وَطْئِهَا فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا يُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الزَّوْجِ حُرًّا (وَالزَّوْجُ الثَّانِي يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) أَيْ حُكْمَهُ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَهْدِمُ حُكْمَ الثَّلَاثِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَمُرَادُهُمْ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَهْدِمْ اتِّفَاقًا فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِالدُّخُولِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَمَنْ طَلُقَتْ دُونَهَا) أَيْ دُونَ ثَلَاثٍ (عَادَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ (بَعْدَ) زَوْجٍ (آخَرَ عَادَتْ) إلَى الْأَوَّلِ (بِثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ مُسْتَقِلَّاتٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَثِنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَهُ) وَزُفَرَ وَالثَّلَاثِ (بِمَا بَقِيَ) أَيْ عَادَتْ بِالثِّنْتَيْنِ إنْ طَلُقَتْ أَوْ لَا وَاحِدَةَ فِي الْحُرَّةِ وَبِالْوَاحِدَةِ فِي الْأَمَةِ وَبِالْوَاحِدَةِ إنْ طَلُقَتْ أَوْ لِاثْنَتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ

باب الإيلاء

وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْأَمَةِ إلَّا هَدْمُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي الْفَتْحِ تَفْصِيلُ وَتَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ تَتَبَّعْ. (وَلَوْ قَالَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ انْقَضَتْ عِدَّتِي مِنْك وَتَحَلَّلْتُ) أَوْ تَزَوَّجْت بِآخَرَ وَدَخَلَ بِي وَطَلَّقَنِي (وَانْقَضَتْ عِدَّتِي) مِنْهُ (وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْتَمِلْهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُهَا وَاحْتِمَالُهُ أَنْ يَذْكُرَ لِكُلِّ عِدَّةٍ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يُمْكِنُ وَهُوَ شَهْرَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا عِنْدَهُمَا (فَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (تَصْدِيقُهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ وَأَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيلٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَمْ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا. وَفِي الْمِنَحِ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَانَ قَبْلَ طَلْقَاتِ الثَّلَاثِ طَلَّقْت وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزْدَوِيِّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا سَمِعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَلَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ نَفْسِهَا إلَّا بِقَتْلِهِ لَهَا قَتْلُهُ بِالدَّوَاءِ وَلَا تَقْتُلُ نَفْسَهَا وَقِيلَ لَا تَقْتُلُهُ وَبِهِ يُفْتَى وَتَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ تُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ قَتَلَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. [بَابُ الْإِيلَاءِ] ِ) (هُوَ) لُغَةً مَصْدَرُ آلَيْت عَلَى كَذَا إذَا حَلَفْت عَلَيْهِ فَأُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَالْيَاءُ أَلِفًا ثُمَّ هَمْزَةً وَالِاسْمُ مِنْهُ آلِيَّةٌ وَتَعْدِيَتُهُ بِمِنْ فِي الْقَسَمِ عَلَى قُرْبَانِ الْمَرْأَةِ لِتَضْمِينِ مَعْنَى التَّبَاعُدِ، وَشَرْعًا (الْحَلِفُ) بِكَسْرِ اللَّامِ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمٌ (عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ مُدَّتَهُ) أَيْ الْإِيلَاءِ، وَلَا يُرَدُّ مَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يُنْقَضُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا إنْ قَرَبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لَهُ وَلَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْإِيلَاءِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ

فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِيلَاءُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ قُرْبَانِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ مُعْتَبَرٌ فِي مَاهِيَّةِ الْإِيلَاءِ وَإِنَّ مَا لَا مَشَقَّةَ فِيهَا فَلَا إيلَاءَ تَأَمَّلْ (وَهِيَ) أَيْ مُدَّتُهُ (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) مُتَوَالِيَةٍ هِلَالِيَّةٍ أَوْ يَوْمِيَّةٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ أَكْثَرَ (لِلْحُرَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ (وَشَهْرَانِ لِلْأَمَةِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْأَظْهَرِ (فَلَا إيلَاءَ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا) بَلْ يَمِينٌ وَإِنَّمَا صَرَّحَ مَعَ أَنَّهُ عَلِمَ ضِمْنًا رَدًّا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ مُولٍ فَإِنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَالتَّصْرِيحُ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ دَأْبُ الْمُؤَلِّفِينَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَالَ مَا قَالَ تَأَمَّلْ. (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْإِيلَاءِ (وُقُوعُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ إنْ بَرَّ) أَيْ حَفِظَ الْيَمِينَ بِأَنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي الْمُدَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رُكْنَهُ نَصًّا وَهُوَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَنَحْوُهُ، وَشَرْطُهُ الْمَحَلُّ وَالْأَهْلُ هُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً وَقْتَ تَنْجِيزِ الْإِيلَاءِ وَالْحَالِفُ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا فَصَحَّ إيلَاءُ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا أَمَّا لَوْ آلَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَبِمَا لَا يَلْزَمْ قُرْبَةً كَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا. (وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (أَوْ) لُزُومُ (الْجَزَاءِ) إذَا قَالَ إنْ قَرُبْتُك فَعَلَيَّ كَذَا (إنْ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ أَوْ الْجَزَاءِ مُوجِبُ الْحِنْثِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُدَّةٍ (أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) بِتَعْيِينِ الْمُدَّةِ (كَانَ مُولِيًا) لِوُجُودِ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْقُرْبَانِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ضِمْنًا فِي الْأُولَى وَصَرِيحًا فِي الثَّانِيَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ الشَّائِعُ فِي صَرِيحِ الْإِيلَاءِ الْمُجَامَعَةُ، وَأَمَّا الْكِنَايَاتُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ كَالْقُرْبَانِ فَإِنَّ كَثْرَةَ

اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَطْءِ تَبْلُغُ حَدًّا يَكَادُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِالصَّرِيحِ وَقِسْمٌ لَا يَجْرِي مَجْرَاهُ كَالدُّنُوِّ وَالْمَسِّ وَالْإِتْيَانِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَمْنُوعٌ عَنْ الْوَطْءِ بِالْحَيْضِ فَلَا يَصِيرُ الْمَنْعُ مُضَافًا إلَى الْيَمِينِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لَا يَقَعُ بِهِ لِوُجُودِ صَارِفٍ (وَكَذَا) يَكُونُ مُولِيًا (لَوْ قَالَ إنْ قَرُبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ) وَعَيَّنَ قَدْرًا يَلْزَمُهُ (أَوْ) قَالَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ) . وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ خِلَافٌ لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ الْبَيْعُ ثُمَّ الْقُرْبَانِ، وَهُمَا يَقُولَانِ الْبَيْعُ مَوْهُومٌ فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةَ فِيهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا يُشْكِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ بِالْفَاءِ التَّفْسِيرِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَرِبَهَا) بِالْكَسْرِ مِنْ الْقُرْبَانِ وَهُوَ الدُّنُوُّ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلْمُجَامَعَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فِي الْمُدَّةِ) الْمَذْكُورَةِ (حَنِثَ) فِي يَمِينِهِ إنْ نَقَضَهَا وَلَزِمَهُ مَا لَزِمَ نَفْسَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ فِي الْحِنْثِ (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُرْفَعُ بِالْحِنْثِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي الْمُدَّةِ (بَانَتْ بِمُضِيِّهَا) أَيْ الْمُدَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَسَقَطَ الْيَمِينُ إنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فِي الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِهَا فَزَالَتْ بِانْقِضَائِهَا (وَبَقِيَتْ) الْيَمِينُ (إنْ أَطْلَقَ) وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا عَادَ الْإِيلَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ (فَإِنْ مَضَتْ) بَعْدَ نِكَاحٍ ثَانٍ (مُدَّةٌ أُخْرَى) أَيْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فِي الْحُرَّةِ وَشَهْرَانِ فِي الْأَمَةِ (بِلَا وَطْءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَضَتْ (بَانَتْ بِأُخْرَى) فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ حِينِ التَّزْوِيجِ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوْلَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ لَا يَتَكَرَّرُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الْجِمَاعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّتُهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ يَقَعُ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْمُعَلَّقُ لَا يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ نَكَحَهَا) أَيْ نَكَحَهَا الْمُولِي نِكَاحًا (ثَالِثًا) وَمَضَتْ مُدَّتُهُ بِلَا فَيْءٍ أَيْ بِلَا قُرْبَانٍ (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَبِينُ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهَا فَتَحْتَاجُ إذَا آلَى زَوْجٌ آخَرُ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالثَّلَاثَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْنُونَةَ بِلَا نِكَاحٍ فَلَوْ كَانَتْ الْمُبَانَةُ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَمَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ تَبِنْ بِشَيْءٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِنْ زَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَلَا إيلَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكِ، وَقَدْ انْتَهَى بِالثَّلَاثِ سَوَاءٌ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً بِسَبَبِ الْإِيلَاءِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ تَنْجِيزُهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ ثُمَّ عَادَتْ

إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لِبُطْلَانِ الْإِيلَاءِ فَلَا يَعُودُ بِالتَّزَوُّجِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِعَدَمِ الْحِنْثِ (فَإِنْ وَطِئَ) أَيْ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَمَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ (لَزِمَ الْكَفَّارَةَ أَوْ الْجَزَاءَ) لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَوُجُودِ الْحِنْثِ. (وَلَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَطَأْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إيلَاءَ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا) لَا إيلَاءَ (لَوْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُقَيَّدٌ بِالنِّسَاءِ لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَقَرُبَهَا حَنِثَ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ (أَوْ) مِنْ (مُبَانَةٍ) لِعَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ (أَمَّا) الْمُطَلَّقَةُ (الرَّجْعِيَّةُ فَكَالزَّوْجَةِ) أَيْ لَوْ آلَى مِنْ مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا وَيَسْقُطُ الْإِيلَاءُ لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ. (وَلَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) كَرَّرَهُ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ (فَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَهُمَا كَانَ إيلَاءً) وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى عَطَفَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ وَلَا تَكْرَارِ اسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدًا، وَلَوْ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ لَوْ كَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ يَكُونَانِ يَمِينَيْنِ وَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا فَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَتَتَدَاخَلُ الْيَمِينَانِ حَتَّى لَوْ قَرِبَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ مُضِيِّهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُمَا اتِّفَاقِيٌّ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ (فَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا) أَيْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً (ثُمَّ قَالَ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ تَتَكَامَلْ الْمُدَّةُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ هُنَا تَقْيِيدٌ لِتَعْيِينِ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ كَانَتْ مُدَّتُهُمَا وَاحِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا. (وَكَذَا) لَا يَكُونُ مُولِيًا (لَوْ قَالَ) وَاَللَّهِ (لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى يَوْمًا مُنَكَّرًا فَلَهُ جَعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ يَصْرِفُ الْيَوْمَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ وَبِمَا إذَا قَالَ سَنَةً إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ وَبِمَا إذَا أَجَّلَ الدَّيْنَ إلَى سَنَةٍ إلَّا يَوْمًا وَجَوَابُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ (فَإِنْ قَرِبَهَا، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) أَوْ أَكْثَرُ (صَارَ إيلَاءً) لِسُقُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ وَبَقَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا فَإِذَا قَرُبَهَا صَارَ مُولِيًا، وَلَوْ قَالَ سَنَةً إلَّا يَوْمًا

أَقْرَبُك فِيهِ فَيَكُونُ مُولِيًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا أَبَدًا، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ مَعَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَإِذَا قَالَ سَنَةً فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهَا فَوَقَعَتْ طَلْقَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَضَتْ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى لَمْ يَقْرَبْهَا فِيهَا وَقَعَتْ أُخْرَى فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بِالضَّرُورَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ بَصْرَةَ وَ) الْحَالُ أَنَّ (امْرَأَتَهُ فِيهَا لَا يَكُونُ مُولِيًا) لِإِمْكَانِ قُرْبَانِهِ بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَصْرَةِ. (وَإِنْ عَجَزَ الْمُولِي عَنْ وَطْئِهَا بِمَرَضِهِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ (أَوْ مَرَضِهَا أَوْ رَتْقِهَا أَوْ صِغَرِهَا أَوْ جَبِّهِ) أَوْ كَانَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُمْتَنِعَةً أَوْ كَانَتْ فِي مَكَان لَا يَعْرِفُهُ وَهِيَ نَاشِزَةٌ أَوْ أَجَّلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَةِ لِلتَّزْكِيَةِ (أَوْ؛ لِأَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنْ قَدَرَ لَا يَصِحُّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ (فَفَيْؤُهُ) أَيْ رُجُوعُ الزَّوْجِ عَنْ الْإِيلَاءِ (أَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا) أَوْ رَجَعْت عَمَّا قُلْت أَوْ رَاجَعْتهَا أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ أَبْطَلْت إيلَاءَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفَيْءُ إلَّا بِالْجِمَاعِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا (إنْ اسْتَمَرَّ الْعُذْرُ مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ) فَلَوْ آلَى مِنْهَا قَادِرًا ثُمَّ عَجْزًا وَكَانَ عَاجِزًا حِينَ آلَى وَزَالَ الْعَجْزُ فِي الْمُدَّةِ لَا يَصِحُّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ لِاشْتِرَاطِ الْعَجْزِ الْمُسْتَوْعِبِ لِلْمُدَّةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْحَلِفِ، وَلَوْ قَرِبَهَا بَعْدَ الْفَيْءِ بِاللِّسَانِ لَزِمْته الْكَفَّارَةُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ بَطَلَتْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَا يَكُونُ الْفَيْءُ بِالْقَلْبِ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ لَوْ فَاءَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنْ صَدَّقَتْهُ كَانَ فَيْئًا (فَلَوْ زَالَ) الْعَجْزُ (فِي الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ (تَعَيَّنَ الْفَيْءُ بِالْوَطْءِ) لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْهُ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ خِلَالَ الصَّلَاةِ وَقُيِّدَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا لَا يَبْطُلُ. (وَإِنْ قَالَ لَهَا) فِي غَيْرِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِ حَالِ الْغَضَبِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ (كَانَ مُولِيًا إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ. (وَ) الثَّانِي (إنْ نَوَى ظِهَارًا فَظِهَارٌ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الظِّهَارَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحُرْمَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ التَّشْبِيهُ بِالْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْيِيدِ. (وَ) الثَّالِثُ (إنْ نَوَى الْكَذِبَ فَكَذِبٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمَحَلِّيَّةَ بِالْحُرْمَةِ فَكَانَ كَذِبًا حَقِيقَةً فَإِذَا نَوَاهُ صَدَقَ. (وَ) الرَّابِعُ (إنْ نَوَى الطَّلَاقَ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِنًا أَوْ ثِنْتَيْنِ (فَبَائِنٌ وَ) الْخَامِسُ (إنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَهَذَا حُكْمُهَا (وَالْفَتْوَى) الْيَوْمَ عَلَى (وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ

باب الظهار

حَرَامٌ. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْعُرْفِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ، وَلَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً. (وَكَذَا) الْفَتْوَى عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ (بِقَوْلِهِ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ " هرجه بدست رَاسَتْ كيرم بروى حرام ") يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (لِلْعُرْفِ) وَقِيلَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي صُورَةِ عَدَمِ النِّيَّةِ أَنْ يَتَوَقَّفَ الْمَرْءُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ فِي نِسَائِهِ وَالْيَمِينَ فِي نِعَمِ اللَّهِ فَطَلَاقٌ وَيَمِينٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَلَفَ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ فَيَمِينٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَتَعْلِيقٌ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَقَعَ بِقَوْلِهِ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقِيلَ وَقَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ فَإِذَا كَانَ فِيهِ عُرْفٌ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هُنَّ طَوَالِقُ؛ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ تَعَالَى شَمَلَهُنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَيَحْنَثُ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا. [بَابُ الظِّهَارِ] وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ ظَاهَرَ الرَّجُلُ أَيْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَيْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَبَطْنِ أُمِّي فَكَنَّى عَنْ الْبَطْنِ بِالظَّهْرِ الَّذِي هُوَ عَمُودُ الْبَطْنِ لِئَلَّا يَذْكُرَ مَا يُقَارِبُ الْفَرْجَ ثُمَّ قِيلَ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَعُدِّيَ بِمِنْ لِتَضِمِينِ مَعْنَى التَّجَنُّبِ لِاجْتِنَابِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا إذْ الظِّهَارُ طَلَاقٌ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَشَرْعًا (هُوَ تَشْبِيهُ) مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ لِشُهْرَتِهِ فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَهَذَا شَرْطُهُ (زَوْجَتِهِ) وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدْخُولَةَ وَغَيْرَهَا وَالْكَبِيرَةَ وَالصَّغِيرَةَ وَالرَّتْقَاءَ

وَغَيْرَهَا وَالْعَاقِلَةَ وَالْمَجْنُونَةَ وَالْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ سَوَاءٌ (أَوْ) تَشْبِيهُ (عُضْوٍ مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جُمْلَتِهَا) مِثْلُ الرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْوَجْهِ وَغَيْرِهَا (أَوْ) تَشْبِيهُ (جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا) كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا (بِعُضْوٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُظَاهِرِ (النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ) أَعْضَاءِ (مَحَارِمِهِ) أَيْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ أَبَدًا فَلَوْ شَبَّهَهَا بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُوَقَّتَةٌ بِكَوْنِ امْرَأَتِهِ فِي عِصْمَتِهِ. (وَلَوْ رَضَاعًا) أَوْ صِهْرِيَّةً وَإِنَّمَا تَرَكَ قَوْلَهُ تَأْبِيدًا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَا تَكُونُ إلَّا مُؤَبَّدَةً وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَالَ مَا قَالَ تَدَبَّرْ فَالتَّشْبِيهُ مُخَرَّجٌ لِنَحْوِ أَنْتِ أُمِّي أَوْ أُخْتِي أَوْ بِنْتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ فَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ أُمِّي وَفَعَلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ، وَإِضَافَتُهُ مُخَرَّجَةٌ لَمَّا قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ لَغْوٌ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ظِهَارٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّهُ يَمِينٌ فَيَلْزَمُهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَالْمُحَرَّمُ مُخَرَّجٌ لِمَا إذَا شَبَّهَ بِمَزْنِيَّةِ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا لَا تَكُونُ مُؤَبَّدَةً وَلِذَا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا نَفَذَ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي قَوْلِهِمَا لَزِمَهُ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ إضَافَةَ الظِّهَارِ إلَى مِلْكٍ أَوْ سَبَبِهِ صَحِيحَةٌ (فَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) نَظِيرُ تَشْبِيهِ زَوْجَتِهِ (أَوْ رَأْسُك وَنَحْوُهُ) نَظِيرُ تَشْبِيهِ عُضْوٍ مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ (أَوْ نِصْفُك وَشَبَهُهُ) نَظِيرُ تَشْبِيهِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ

(أَوْ كَبَطْنِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَظَهْرِ أُمِّي نَظِيرُ تَشْبِيهٍ لِلْعُضْوِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مَحَارِمِهِ (أَوْ فَخِذِهَا أَوْ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَنَحْوِهِمَا) مِنْ مَحَارِمِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ (حَرُمَ) جَوَابُ لَوْ (عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (وَطْؤُهَا وَدَوَاعِيهِ) كَالتَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّ النَّظَرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لَمْ يَحْرُمْ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ (حَتَّى يُكَفِّرَ) ، وَهَذَا حُكْمُهُ أَمَّا حُرْمَةُ الْوَطْءِ فَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَمَّا حُرْمَةُ الدَّوَاعِي فَلِدُخُولِهَا تَحْتَ النَّصِّ الْمُفِيدِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ فِيهِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِإِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ وَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْتِمَاسِ فَيَحْرُمُ الْكُلُّ بِالنَّصِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (فَلَوْ وَطِئَ) الْمُظَاهِرُ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُظَاهِرِ (غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ) لِلْوَطْءِ الْحَرَامِ (وَالْكَفَّارَةُ الْأُولَى) أَيْ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ بِالظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَنْصُوصِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ (وَلَا يَعُودُ) إلَى وَطْئِهَا ثَانِيًا (حَتَّى يُكَفِّرَ وَالْعَوْدُ) أَيْ عَوْدُ الْمُظَاهِرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] (الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ) هُوَ (عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا) وَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَصْحَابُنَا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَفِي الْبَحْرِ فَالْعَامَّةُ مَجْمُوعُ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ. وَفَصَّلَ كُلَّ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْإِصْلَاحِ الْعَوْدُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ إجْمَاعًا غَيْرَ أَنَّ الْعَوْدَ عِنْدَنَا عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَاقِهَا فِي زَمَانٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ الْوَطْءُ نَفْسُهُ وَاللَّامُ فِي قَوْله تَعَالَى {لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] بِمَعْنَى إلَى وَقِيلَ بِمَعْنَى فِي. وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا يُرِيدُونَ الْوَطْءَ وَالْعَوْدُ الرُّجُوعُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا (وَيَنْبَغِي لَهَا) أَيْ يَجِبُ لَهَا (أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ) إلَى أَنْ يُكَفِّرَ (وَتُطَالِبَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَيُجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهَا) بِالْحَبْسِ ثُمَّ بِالضَّرْبِ إنْ أَبَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ وَإِنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِالتَّكْفِيرِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ حَرُمَ وَطْؤُهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ) وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمَا يُمَاثِلُهُ (لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الظِّهَارِ) سَوَاءٌ نَوَاهُ أَوْ نَوَى طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً أَوْ لَمْ يَنْوِ

شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا إيلَاءً. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي فَإِنْ نَوَى الْكَرَامَةَ صُدِّقَ أَوْ) نَوَى (الظِّهَارَ فَظِهَارٌ أَوْ) نَوَى (الطَّلَاقَ فَبَائِنٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهَا فَمَا تَرَجَّحَ بِالنِّيَّةِ تَعَيَّنَ. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِتَعَارُضِ الْمَعَانِي وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ ظِهَارٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْغَضَبِ. وَعَنْهُ أَنْ يَكُونَ إيلَاءً (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَكَمَا نَوَى) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارٌ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ إيلَاءً فَهُوَ ظِهَارٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ يَقَعُ (مَا نَوَى) إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونَانِ مَعًا الظِّهَارُ بِلَفْظِهِ وَالطَّلَاقُ بِنِيَّتِهِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَنَوَى؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى ظِهَارًا فَهُوَ ظِهَارٌ اتِّفَاقًا (وَلَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ) ابْتِدَاءً سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً قَيَّدْنَا بِالِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَقَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَوْنِهَا زَوْجَةً فَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ مَلَكَهَا بَقِيَ الظِّهَارُ (فَلَا ظِهَارَ مِنْ أَمَتِهِ) وَإِنَّمَا شَرَحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ أَنَّهَا عُلِمَتْ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ هُوَ تَشْبِيهُ زَوْجَتِهِ رَدًّا لِقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَصِحُّ الظِّهَارُ عَلَى الْأَمَةِ أَيْضًا (وَلَا) ظِهَارَ (مِمَّنْ نَكَحَهَا بِلَا أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ) بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَقْتَ الظِّهَارِ. (وَلَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ) أَوْ مِنِّي أَوْ عِنْدِي أَوْ مَعِي (كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ) جَمِيعًا (وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (كَفَّارَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لِلْحُرْمَةِ فَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ) فِي (مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ) وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْعَزْمُ إلَّا إذَا عَنَى بِمَا بَعْدَ الْأُولَى تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً. وَفِي السِّرَاجِ هَذَا إذَا قَالَ

فِي مَجْلِسٍ لَا فِي مَجَالِسَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْإِطْلَاقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) أَيْ إعْتَاقُهَا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالرَّقَبَةُ ذَاتُ مَرْقُوقٍ وَالْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَجُزْ وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَالْمَعْنَى إعْتَاقُ كُلِّ مَمْلُوكٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَلِهَذَا قَالَ (يَجُوزُ فِيهَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ) وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافٌ فِي الْكَافِرِ (وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ (وَالْأَعْوَرُ) أَيْ مَنْ ذَهَبَ إحْدَى عَيْنَيْهِ (وَالْأَصَمُّ الَّذِي إذَا صِيحَ يَسْمَعُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ (وَمَقْطُوعُ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَإِحْدَى الرِّجْلَيْنِ مِنْ خِلَافٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَا فَاتَ مِنْ الْأَعْوَرِ وَالْأَصَمِّ الْمَذْكُورِ وَالْمَقْطُوعِ الْمَذْكُورِ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ اخْتَلَّتْ. (وَ) يَجُوزُ (مُكَاتَبٌ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا) مَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ الرِّقِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَا الْعَاجِزُ بَعْدَمَا أَدَّى شَيْئًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِيهِمَا وَكَذَا يَجُوزُ الْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ وَالْمَجْبُوبُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَالرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْبَرْصَاءُ وَالرَّمْدَاءُ وَالْخُنْثَى وَذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَمَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَالشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلَا يَجُوزُ الْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ أَصْلًا وَالْأَخْرَسُ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إبْهَامَيْهِمَا) وَتَخْصِيصُ الْإِبْهَامَيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَهُمَا يَجُوزُ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ الْيَدِ لَهَا حُكْمُ الْكُلِّ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْجَوَازَ إذَا كَانَ أَقَلَّ (أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ) لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ السَّمْعِ وَالْبَطْشِ وَقُوَّتِهِ وَالْمَشْيِ فَيَصِيرُ هَالِكًا حُكْمًا (وَ) لَا يَجُوزُ (مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ) وَكَذَا الْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ قَيَّدَهُ بِمُطْبِقٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَجُنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عِتْقُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ (وَمُدَبَّرٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ أَدَّى بَعْضَهَا) وَإِنَّمَا صَرَّحَ مَعَ أَنَّهُ عُلِمَ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ وَمُكَاتَبٍ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا رَدًّا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ (وَمُعْتَقُ بَعْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ كَامِلَةٍ (وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ) الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ (بِنِيَّتِهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (صُحِّحَ) الْعِتْقُ عَنْهَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ وَفِيهِ

إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعِهِ كَالْمِيرَاثِ وَنَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَكَذَا) صَحَّ (لَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (ثُمَّ بَاقِيَهُ قَبْلَ وَطْءِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا) اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ عَتَاقٍ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ خِلَافًا لَهُمَا وَقَيْدُ النِّصْفِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ الْخِلَافُ فِي بَعْضِهِ مُطْلَقًا (وَلَوْ حَرَّرَ) مُوسِرٌ (نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ) قَبْلَ الْوَطْءِ (وَضَمِنَ بَاقِيَهُ لَا يَجُوزُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مُنَجَّزٌ عِنْدَهُ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَبِإِعْتَاقِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَلَزِمَهُ ضَمَانُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَكَانَ مُعْتِقًا كُلَّ الْعَبْدِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً عَلَى الْعَبْدِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَكَانَ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ وَذَا بِلَا خِلَافٍ. (وَكَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (لَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ جَامَعَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَاقِي الْعَبْدِ وَقَعَ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّحْرِيرِ إذَا وَجَدَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ (مَا يُعْتِقُ) عَنْ الْكَفَّارَةِ (صَامَ) . وَفِي الْخِزَانَةِ لَا يَصُومُ مَنْ لَهُ خَادِمٌ بِخِلَافِ الْمِسْكِينِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا فَيَجُوزُ (شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِلَا إفْطَارِ يَوْمٍ بِلَا جِمَاعٍ فِي خِلَالِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] فَلَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ وَصَارَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي آخِرِ الْإِطْعَامِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَانْقَلَبَ الْإِطْعَامُ نَفْلًا ثُمَّ إنْ صَامَ شَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ كَانَا نَاقِصَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا سِتُّونَ يَوْمًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَوْ لَوْ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِالْهِلَالِ وَثَلَاثِينَ بِالْأَيَّامِ جَازَ (لَيْسَ فِيهِمَا) شَهْرُ (رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّ تَتَابُعَ الشَّهْرَيْنِ

لَمْ يُوجَدْ وَصَوْمٌ آخَرُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْغَايَةِ (وَلَا شَيْءَ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) مَجَازٌ حُكْمِيٌّ أَيْ الْمَنْهِيُّ الصَّوْمُ فِيهَا وَلَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ سَمَاعِيٌّ وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ حَرَامٌ فِيهَا فَكَانَ نَاقِصًا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ (فَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالْجِمَاعِ بِالنَّهَارِ عَامِدًا قَطَعَ التَّتَابُعَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ بِأَنْ وَطِئَهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا وَبِاللَّيْلِ كَيْفَ مَا كَانَ لَمْ يَقْطَعْ التَّتَابُعَ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ بِالِاتِّفَاقِ (فِيهِمَا لَيْلًا عَمْدًا) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا إنَّ قَيْدَ عَمْدًا اتِّفَاقِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ فِي الْوَطْءِ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافٌ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا تَتَبَّعْ (أَوْ نَهَارًا) أَرَادَ النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ (نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ) الصَّوْمَ لَا الْإِطْعَامَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَالَ الشَّرْطُ عَدَمُ فَسَادِ الصَّوْمِ فَلَوْ وَطِئَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا كَمَا بَيَّنَّا قَيْدَهُ بِقَوْلِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَهَا فِي النَّهَارِ عَامِدًا يَسْتَأْنِفُ بِالِاتِّفَاقِ. (وَإِنْ أَفْطَرَ) الْمُظَاهِرُ يَوْمًا (بِعُذْرٍ) كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ إجْمَاعًا) لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ بِالْفِطْرِ وَهُوَ عُذْرٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ لِلْحَيْضِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ حَيْثُ لَا تَسْتَأْنِفُ، وَتَصِلُ قَضَاءَهَا بَعْدَ الْحَيْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفِسَتْ. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الْمُظَاهِرُ (الصَّوْمَ) لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ كِبَرٍ (أَطْعَمَ هُوَ) أَيْ الْمُظَاهِرُ (أَوْ نَائِبُهُ) بِأَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ مِنْ مَالِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِالْأَمْرِ إذْ بِغَيْرِهِ (لَمْ يُجْزِيه سِتِّينَ مِسْكِينًا) وَقَيْدُ الْمِسْكِينِ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ

لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَائِعًا وَبَالِغًا أَوْ مُرَاهِقًا (كُلُّ مِسْكِينٍ كَالْفِطْرَةِ) أَيْ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ نِصْفِ صَاعٍ وَمِنْ تَمْرٍ وَشَعِيرٍ صَاعٍ (أَوْ) أَطْعَمَ (قِيمَةَ ذَلِكَ) أَيْ أَعْطَى كُلًّا قَدْرَ قِيمَةِ الْفِطْرَةِ مَطْعَمًا فَلَا إشْكَالَ فِي عَطْفِهِ كَمَا قِيلَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ، وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ مَنْصُوصًا عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ شَرْعًا فَلَوْ دَفَعَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَيَصِحُّ إعْطَاءٌ مَنِّ بُرٍّ) الْأَفْصَحُ مَنَّا بُرٍّ (مَعَ مَنَوَيْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ) لِحُصُولِ الْإِطْعَامِ فَكَانَ تَكْمِيلًا بِالْأَجْزَاءِ لَا بِالْقِيمَةِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ) كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ (وَالْفِدْيَةِ) حَتَّى لَوْ عَشَّاهُمْ وَغَدَّاهُمْ جَازَ لِوُجُودِ الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ إلَّا التَّمْلِيكُ (دُونَ الصَّدَقَاتِ) كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ (وَالْعُشْرِ) فَفِيهِمَا التَّمْلِيكُ شَرْطٌ وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا شُرِعَ بِلَفْظِ الْإِطْعَامِ وَالطَّعَامِ يَجُوزُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ وَمَا شُرِعَ بِلَفْظِ الْإِيتَاءِ أَوْ الْأَدَاءِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْلِيكُ (فَلَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ) أَيْ أَعْطَى السِّتِّينَ الْغَدَاءَ وَهُوَ الطَّعَامُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَالْعَشَاءَ وَهُوَ الطَّعَامُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَيْ طَعَامُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَفِي كَلِمَةِ الْوَاوِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْغَدَاءُ بِدُونِ الْعَشَاءِ وَلَا بِالْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ كِلَاهُمَا (أَوْ غَدَّاهُمْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَّاهُمْ عَشَاءَيْنِ وَأَشْبَعَهُمْ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ مَرَّتَيْنِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْفُقَرَاءِ فِيهِمَا إذْ لَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ آخَرِينَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ السِّتِّينَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً وَكَذَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُمْ فِي الْغَدَاءَيْنِ أَوْ الْعَشَاءَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَوْ غَدَّاهُمْ يَوْمًا وَعَشَّاهُمْ يَوْمًا جَازَ. (وَإِنْ قَلَّ مَا أَكَلُوا) يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الشِّبَعُ لَا الْمِقْدَارُ (وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ) وَالذُّرَةِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ (دُونَ الْحِنْطَةِ وَلَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ دَفْعُ حَاجَةِ

باب اللعان

الْمِسْكِينِ وَأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْيَوْمِ. (وَإِنْ أَعْطَاهُ طَعَامَ الشَّهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ) وَاحِدٍ (لَا يُجْزِئُ إلَّا عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْإِبَاحَةِ فَأَمَّا التَّمْلِيكُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي دَفَعَاتٍ قِيلَ لَا يُجْزِيهِ وَقِيلَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّمْلِيكِ تَتَجَدَّدُ فِي الْيَوْمِ مَرَّاتٍ بِخِلَافِ مَا إذَا دُفِعَ الْكُلُّ إلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ (فَإِنْ جَامَعَهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَا يَسْتَأْنِفُ) لِإِطْلَاقِ نَصِّ الْإِطْعَامِ إلَّا أَنَّا أَوْجَبْنَا قَبْلَ الْمَسِيسِ لِاحْتِمَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصَّوْمِ فَتَقَعَانِ بَعْدَهُ وَالْمَنْعُ لِمَعْنًى لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ. (وَلَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا لِكُلِّ فَقِيرٍ صَاعًا) مِنْ بُرٍّ (عَنْ ظِهَارَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُجْزِيهِ عَنْهُمَا وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (وَلَوْ) أَطْعَمَ (عَنْ ظِهَارٍ وَإِفْطَارٍ صَحَّ عَنْهُمَا) اتِّفَاقًا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (وَكَذَا لَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَقِيرًا صَحَّ عَنْهُمَا) أَيْ الظِّهَارَيْنِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُعَيِّنْ) بِأَنْ نَوَى الْأَوَّلَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَصِحُّ بِلَا تَعْيِينٍ. (وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الظِّهَارَيْنِ (رَقَبَةً وَاحِدَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ) أَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا (ثُمَّ عَيَّنَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَحَّ) عَمَّا عَيَّنَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. (وَلَوْ عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَا) يَصِحُّ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً تُعَيَّنُ لِلظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِيهِ كَالْأَوَّلِ فِي كَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ. (وَلَوْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الصَّوْمُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَعْتَقَ عَنْهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَطْعَمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ فَفِعْلُ الْآخَرِ لَا يَكُونُ فِعْلَهُ. [بَابُ اللِّعَانِ]

هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ يُلَاعِنُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانَا وَلَاعَنَ امْرَأَتَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا وَلَعَنَهُ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ وَهُوَ لَعِينٌ وَمَلْعُونٌ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِي الْخَامِسَةِ مِنْ لَعْنِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَهِيَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَالتَّشَهُّدِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي النَّهْرِ وَلَمْ يُسَمَّ بِالْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ لِمَا فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ لَعْنَهُ أَسْبَقُ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ أَوْ سُمِّيَ بِهِ تَغْلِيبًا أَوْ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ قَائِمٌ مَقَامَ اللَّعْنِ وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُكْنُهُ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِاللَّعْنِ وَالْيَمِينِ، وَأَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بَعْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا (هُوَ) أَيْ اللِّعَانُ فِي الشَّرْعِ (شَهَادَاتٌ) يَأْتِي صِفَتُهَا وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا (مُؤَكَّدَةٌ بِالْأَيْمَانِ) كُلُّ وَاحِدٍ بِيَمِينٍ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالشَّهَادَاتِ فَمَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ كَانَ أَهْلًا لِلِّعَانِ فَيُلَاعِنُ الذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ (مَقْرُونَةٌ) تِلْكَ الشَّهَادَاتُ (بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ زَوْجَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَا مُطْلَقًا أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ لَهُ بِالزِّنَا لَا يُجْزِئْهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ لَهُنَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُلَاعِنَ كُلًّا مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَدِّ (وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) بِمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا تَلَاعَنَا سَقَطَ عَنْهُمَا حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الزِّنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَدُّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ فِعْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (فَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ) بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا فَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ يُحَدُّ وَكَذَا الْمُبَانَةُ وَالْمَيِّتَةُ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ الرَّجْعِيِّ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، وَهَذَا حِيلَةُ اللِّعَانِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بَعْدَ الْعِدَّةِ مِنْ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَسْقُطْ اللِّعَانُ (بِالزِّنَا) الصَّرِيحِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ زَانِيَةٌ أَوْ زَنَيْت لَا بِكِنَايَةٍ وَلَا بِغَيْرِهِ (وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ) أَيْ لِأَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لَا لِلتَّحَمُّلِ فَلَا لِعَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَإِنْ قُبِلَتْ

شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ أَهْلِيَّةِ الْيَمِينِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَلَا بَيْنَ كَافِرَةٍ وَمُسْلِمٍ وَلَا بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَجْرِي بَيْنَ الْأَعْمَيَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلْفِسْقِ وَلِعَدَمِ تَمْيِيزِ الْأَعْمَى بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَهَاهُنَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قَبْلُ يَبْطُلُ هَذَا بِلِعَانِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ تَأَمَّلْ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ (وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا) فَإِنْ كَانَتْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ وَوُجُودُهُ مَعَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ أَوْ زَنَتْ فِي عُمْرِهَا وَلَوْ مَرَّةً أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا بِشُبْهَةٍ وَلَوْ مَرَّةً لَا يَجْرِي اللِّعَانُ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَذَفَهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ لَزِمَهُ وَحُدَّ لِلْقَذْفِ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبْلَ إكْذَابِ الْأَوَّلِ وَإِنْ بَعْدَ الْإِكْذَابِ لَاعَنَ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِذِكْرِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّهَا مَعَ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي حَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمَقْذُوفَةُ دُونَهُ فَاخْتَصَّتْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْذُوفٍ بَلْ هُوَ شَاهِدٌ فَاشْتُرِطَتْ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ دُونَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ الْإِحْصَانُ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقَذْفِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَاللِّعَانُ وَكَذَا بِرِدَّتِهَا وَلَا يَعُودُ لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ وَيَسْقُطُ بِمَوْتِ شَاهِدِ الْقَذْفِ وَغَيْبَتِهِ لَا لَوْ عَمِيَ الشَّاهِدُ أَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَبِيَّةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ " وَهُوَ " أَيْ الْجُنُونُ " مَعْهُودٌ " فَلَا لِعَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ ذِمِّيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا أَقَلُّ (أَوْ نَفَى) عَطْفٌ عَلَى قَذَفَ أَوْ بِالزِّنَا أَيْ بَعْدَ الزَّوَاجِ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَ مِنِّي (نَسَبَ وَلَدِهَا) هُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَلَدَهُ مِنْهَا أَوْ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا صَرَّحَ مَعَهُ بِالزِّنَا أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ عَلَى مُخْتَارِ أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ (وَطَالَبَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَةُ (بِمُوجِبِهِ) أَيْ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ فَإِنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَطْلُبْ حَقَّهَا لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لَكِنْ لَوْ سَكَتَتْ وَلَمْ تَرْفَعْ إلَى الْحَاكِمِ لَكَانَ أَفْضَلَ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهَا اُتْرُكِي وَأَعْرِضِي عَنْ هَذَا (وَجَبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ) إنْ اعْتَرَفَ بِالْقَذْفِ أَوْ أَقَامَتْ عَدْلَيْنِ مَعَ إنْكَارِهِ وَإِنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ لَا تَحْلِفُ اتِّفَاقًا (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ زَوْجٌ عَنْ اللِّعَانِ (حُبِسَ) أَيْ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ (حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) . وَفِي الْإِصْلَاحِ هَاهُنَا غَايَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي الْحَبْسُ عِنْدَهَا وَهِيَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَيُحَدُّ) وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ وَالْإِبْرَاءُ وَلَا الصُّلْحُ.

فَإِنْ لَاعَنَ) الزَّوْجُ (وَجَبَ اللِّعَانُ عَلَيْهَا) بِالنَّصِّ (فَإِنْ أَبَتْ) الْمَرْأَةُ عَنْ اللِّعَانِ (حُبِسَتْ) عِنْدَنَا (حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ) وَلَمْ يَقُلْ فَتُحَدُّ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ لِكَوْنِهِ غَلَطًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ فَيَنْفِي نَسَبَ وَلَدِهَا عَنْهُ لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِهَذَا التَّصْدِيقِ تَأَمَّلْ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا) صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ وَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ (أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ) كَمَا حَقَّقْنَاهُ آنِفًا (وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ (وَإِنْ كَانَ) الزَّوْجُ (أَهْلًا وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (صَغِيرَةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا) كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَلَوْ اكْتَفَى فَقَالَ: وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِمَائِيَّةَ وَغَيْرَهَا أَسْبَابٌ لِكَوْنِهَا مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا تَأَمَّلْ. (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ (وَلَا لِعَانَ) أَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ فَلِامْتِنَاعِ اللِّعَانِ مِنْ جِهَتِهَا عَلَى مَا صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ أَنَّ مُوجِبَ الْقَذْفِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عِنْدَنَا بِاللِّعَانِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْحَدِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اللِّعَانِ مِنْ جِهَتِهَا، وَأَمَّا عَدَمُ اللِّعَانِ فَلِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ وَعَدَمِ عِفَّتِهَا وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِإِلْحَاقِهِ الشَّيْنَ بِهَا (وَصِفَتُهُ) أَيْ اللِّعَانِ مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ الرُّكْنُ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي لَمْ يَنْطِقْ بِهِ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ (أَنْ يَبْتَدِئَ) الْقَاضِي (بِالزَّوْجِ) بَعْدَ أَنْ أَوْقَفَهُ مَعَ الْمَرْأَةِ مُتَقَابِلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي أَوَّلًا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَدَأَ بِهِ فِيهِ» فَلَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِالْمَرْأَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَهُ وَلَوْ فَرَّقَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ جَازَ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. وَفِي الْفَتْحِ، وَهُوَ الْوَجْهُ (فَيَقُولُ) الزَّوْجُ بِأَمْرِ الْقَاضِي بَعْدَمَا ضَمَّهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ لِنَفْسِهِ وَشُهُودُ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ (أَشْهَدُ) أَيْ مُقْسِمًا أَوْ أُقْسِمُ (بِاَللَّهِ) الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (إنِّي) أَيْ بِأَنِّي (صَادِقٌ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا) ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ يَعْنِي لَعْنَةً وَفُرْقَةً وَعُقُوبَةً فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ يُتِمُّ الْأَمْرَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَ) يَقُولُ (فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ) إنَّ (لَعْنَةَ اللَّهِ) بِتَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (عَلَيْهِ) وَإِنَّمَا آثَرَ الْغَيْبَةَ

عَلَى التَّكَلُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَنَاعَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى (إنْ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ) هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ بِالْخِطَابِ فِيهِمَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ أَقْطَعُ لِلِاحْتِمَالِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشِيرُ إلَى صَاحِبِهِ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ (مِنْ الزِّنَا يُشِيرُ إلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ) يَقْعُدُ الرَّجُلُ وَ (تَقُولُ هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ قَائِمَةً (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ (وَ) تَقُولُ (فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ) إنَّ (غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا تُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ (فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْغَضَبُ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَجَاسَرُ بِاللَّعْنِ عَلَى نَفْسِهَا كَاذِبَةً؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ تَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَاخْتِيرَ الْغَضَبُ لِتَتَّقِيَ وَلَا تُقْدِمُ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَاهُ) أَيْ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ نَفْيَ الْوَلَدِ (عِوَضَ ذِكْرِ الزِّنَا) يَعْنِي يَقُولُ الزَّوْجُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ. (وَإِنْ كَانَ) الْقَذْفُ (بِالزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ) جَمِيعًا (ذَكَرَاهُمَا) أَيْ ذَكَرَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ الزِّنَا وَنَفْيَ الْوَلَدِ جَمِيعًا (وَإِذَا تَلَاعَنَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) فَلَا تَفْرِيقَ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُفَرِّقْ حَتَّى عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَالْحَاكِمُ الثَّانِي يَسْتَقْبِلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَيَجُوزُ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَيَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ قَبْلَ أَكْثَرِ اللِّعَانِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْفُرْقَةِ وَإِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ وُجُودِ أَكْثَرِ اللِّعَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَإِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَرْضَيَا. وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ بِتَلَاعُنِهِمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ بِلِعَانِ الرَّجُلِ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ. (وَهُوَ) أَيْ التَّفْرِيقُ (طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ) عَلَى الصَّحِيحِ فَيَجِبُ الْعِدَّةُ مَعَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيَحْرُمُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَالرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ. وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرْقَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ فُرْقَةٌ حُكْمًا بِغَيْرِ طَلَاقِ ... فَقْدُ كُفُؤٍ كَذَا وَنُقْصَانُ مَهْرٍ وَنِكَاحٌ فَسَادُهُ بِاتِّفَاقِ ... مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَعْضِ زَوْجٍ وَارْتِدَادٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ... ثُمَّ جُبٌّ وَعُنَّةٌ وَلِعَانٌ وَإِبَاءُ الزَّوْجِ فُرْقَةً بِطَلَاقِ ... وَقَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْكُلِّ شَرْطٌ غَيْرُ مِلْكٍ وَرِدَّةٍ وَعَتَاقِ (وَيَنْفِي) الْحَاكِمُ (نَسَبَ الْوَلَدِ) عَنْ الزَّوْجِ (إنْ كَانَ الْقَذْفُ بِهِ) أَيْ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ) أَيْ يَثْبُتُ نَفْيُ الْوَلَدِ ضِمْنًا لِلْقَضَاءِ بِالتَّفْرِيقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

يُفَرِّقُ الْقَاضِي وَيَقُولُ: قَدْ أَلْزَمْتُهُ أُمَّهُ وَأَخْرَجْته مِنْ نَسَبِ الْأَبِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِي النَّسَبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّفْرِيقِ بِاللِّعَانِ نَفْيُ النَّسَبِ كَمَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بِاللِّعَانِ وَلَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ عَنْهُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَمَا قُطِعَ نَسَبُهُ فَجَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقٍ سِوَى الْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ. (فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ اللِّعَانِ (حُدَّ) حَدَّ الْقَذْفِ لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنْ أَكْذَبَ قَبْلَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اعْتَرَفَ بِهِ وَمَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَشَمِلَ الْإِكْذَابَ صَرِيحًا وَضِمْنًا؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُلَاعِنُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُحَدُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَحَلَّ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ الْمَحْدُودِ (أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ الْمُلَاعَنَةَ بَعْدَ الْإِكْذَابِ لِارْتِفَاعِ حُكْمِ اللِّعَانِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا حُدَّ أَوْ لَمْ يُحَدَّ فَتَقْيِيدُ الزَّيْلَعِيِّ الْحِلَّ بِالْحَدِّ اتِّفَاقِيٌّ وَكَذَا إذَا كَذَّبَتْ نَفْسَهَا فَصَدَّقَتْهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَجَوَابُهُ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ كَمَا يُقَالُ الْمُصَلِّي لَا يَتَكَلَّمُ أَيْ مَا دَامَ مُصَلِّيًا. (وَكَذَا) يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (فَحُدَّ) حَدًّا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَتَدَاخَلُ فَبِحَدِّ قَذْفِ غَيْرِهَا سَقَطَ حَدُّ قَذْفِهَا (أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ) أَيْ زَنَتْ بَعْدَ التَّلَاعُنِ فَحُدَّتْ بِأَنْ كَانَ التَّلَاعُنُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَزَنَتْ بَعْدَ اللِّعَانِ فَكَانَ حَدُّهَا بِالْجَلْدِ دُونَ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُحْصَنَةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ إحْصَانِ الرَّجُلِ الدُّخُولَ بَعْدَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُوجَدْ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُ فَحُدَّتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ زِنَاهَا مِنْ غَيْرِ حَدٍّ يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ قَالَ الْفَقِيهُ الْمَكِّيُّ زَنَّتْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ نَسَبَتْ غَيْرَهَا إلَى الزِّنَا وَهُوَ الْقَذْفُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِيهِ شَرْطًا فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ انْتَهَى. لَكِنْ

بَعِيدٌ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ جِدًّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا بِالتَّخْفِيفِ تَأَمَّلْ. (وَلَا لِعَانَ) وَلَا حَدَّ (بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) سَوَاءٌ كَانَ الْخَرَسُ فِي جَانِبِ الْقَاذِفِ أَوْ الْمَقْذُوفِ، وَلَوْ قَالَ وَلَا لِعَانَ إذَا كَانَا أَخْرَسَيْنِ لَوْ أَحَدُهُمَا لَكَانَ أَشْمَلَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَثْبُتُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَلَا تَفْرِيقَ وَلَا حَدَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ إنْ كَانَ إشَارَتُهُ مَعْلُومَةً (وَلَا) لِعَانَ (بِنَفْيِ الْحَمْلِ) قَبْلَ وَضْعِهِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَيْسَ حَمْلُك مِنِّي عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ عِنْدَ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِفَاخًا (وَعِنْدَهُمَا يُلَاعِنُ إنْ أَتَتْ بِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ (لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِهِ قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْحَالِ يَصِيرُ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَمْلٌ فَلَيْسَ مِنِّي وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ. (وَلَوْ قَالَ زَنَيْت، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَا (تَلَاعَنَا اتِّفَاقًا) لِوُجُودِ الْقَذْفِ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ زَنَيْت (وَلَا يَنْفِي الْقَاضِي الْحَمْلَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْفِيهِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفَى الْوَلَدَ عَنْ هِلَالٍ وَقَدْ قَذَفَهَا حَامِلًا» وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَلَئِنْ صَحَّ نَفْيُهُ عَنْ هِلَالٍ فَنَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ قِيَامَ الْحَمْلِ وَقْتَ الْقَذْفِ وَحْيًا، وَإِنَّ هِلَالًا صَرَّحَ بِزِنَا امْرَأَتِهِ (وَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ) وَالِاسْتِبْشَارِ بِالْوَلَدِ (أَوْ ابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ) بِلَا تَوْقِيتِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ. وَفِي رِوَايَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَفِي آخَرَ فِي سَبْعَةٍ اعْتِبَارًا بِالْعَقِيقَةِ (صَحَّ) نَفْيُهُ (وَلَاعَنَ، وَإِنْ نَفَى بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَ) لِوُجُودِ الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (وَلَا يَنْتَفِي) نَسَبُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ أَوْ سُكُوتَهُ عِنْدَهَا أَوْ شِرَاءَ آلَةِ الْوِلَادَةِ أَوْ سُكُوتَهُ عَنْ النَّفْيِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَيَجِبُ اللِّعَانُ وَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ النَّفْيُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ) إذَا كَانَ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْوِلَادَةِ قُلْنَا لَا مَعْنَى لِلتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ لِلتَّأَمُّلِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَاعْتَبَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ كَانَ) لِزَوْجٍ (غَائِبًا) لَا يَعْلَمُ بِالْوِلَادَةِ (فَحَالُ عِلْمِهِ كَحَالِ وِلَادَتِهَا) فَلَهُ نَفْيُهُ فِي مُدَّةِ قَدْرِ التَّهْنِئَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا قَدْرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْعِلْمِ. (وَإِنْ نَفَى أَوَّلَ تَوْأَمَيْنِ) أَيْ وَلَدَيْنِ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَأَقَرَّ بِالْآخَرِ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي. (وَإِنْ عُكِسَ) بِأَنْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ (لَاعَنَ) ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي إذَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُمَا) أَيْ التَّوْأَمَيْنِ (فِيهِمَا)

باب العنين وغيره

أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ بِالْوَلَدِ وَقَطَعَ النَّسَبَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ آخَرَ مِنْ الْغَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا وَلَوْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ لَزِمَاهُ وَلَوْ جَاءَتْ بِثَلَاثَةٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّ وَهُمْ بَنُوهُ. مَاتَ وَلَدُ اللِّعَانِ وَلَهُ وَلَدٌ فَادَّعَاهُ الْمُلَاعِنُ أَنَّ وَلَدَ اللِّعَانِ ذَكَرًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ أُنْثَى لَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَثْبُتُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. [بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ] قَالَ صَاحِبُ الْمُنِيرَةِ رَجُلٌ عِنِّينٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ وَامْرَأَةٌ عِنِّينَةٌ لَا تَشْتَهِي الرِّجَالَ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَشَرْعًا (هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ) مُطْلَقًا مَعَ وُجُودِ الْآلَةِ (أَوْ يَقْدِرُ عَلَى الثَّيِّبِ دُونَ الْبِكْرِ) أَوْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ لِمَرَضٍ بِهِ أَوْ لِضَعْفِ طَبِيعَتِهِ أَوْ لِكِبَرِ سِنِّهِ أَوْ لِسِحْرٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ عِنِّينٌ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ آلَتُهُ تَقُومُ أَوْ لَا وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الشَّكَّازُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَافٍ مُشَدَّدَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ زَايٌ هُوَ الَّذِي إذَا جَذَبَ الْمَرْأَةَ أَنْزَلَ ثُمَّ لَا تُنْشَرُ آلَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجِمَاعِهَا، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعِنِّينِ وَيُلْحَقُ بِالْعِنِّينِ مَنْ كَانَ ذَكَرُهُ صَغِيرًا كَالزِّرِّ إلَّا مَنْ كَانَتْ آلَتُهُ قَصِيرَةً لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهَا دَاخِلَ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ لَا مُحِقَّ لَهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْبَحْرِ إذَا وَلَجَ الْحَشَفَةُ فَقَطْ لَيْسَ بِعِنِّينٍ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إيلَاجِ بَقِيَّةِ الذَّكَرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْإِيلَاجُ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا وَالْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْفُرْقَةِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ قِبَلِهَا (فَلَوْ أَقَرَّ) الزَّوْجُ (أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى زَوْجَتِهِ يُؤَجِّلُهُ الْحَاكِمُ) وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِتَأْجِيلِ غَيْرِ الْحَاكِمِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَلَوْ عُزِلَ هَذَا الْحَاكِمُ بَعْدَ التَّأْجِيلِ بَنَى الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ النِّكَاحِ أَنَّهُ عِنِّينٌ (سَنَةً قَمَرِيَّةً) بِالْأَهِلَّةِ فَإِنَّ

الْمُطَلَّقَةَ تَنْصَرِفُ إلَيْهَا، وَذَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا إذَا كَانَ نِصْفُهَا كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنِصْفُهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَزَادَ يَوْمٌ إذَا كَانَ سَبْعَةٌ مِنْهَا ثَلَاثِينَ وَنَقَصَ يَوْمٌ إذَا كَانَ خَمْسَةٌ مِنْهَا ثَلَاثِينَ وَالْبَاقِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقَمَرِيَّةُ بِالْحِسَابِ وَذَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَثَمَانِ سَاعَاتٍ وَثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ دَقِيقَةً وَهِيَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ فِيهَا اثْنَتَيْ عَشْرَ مَرَّةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلشَّمْسِيَّةِ وَهِيَ مُدَّةُ مُفَارَقَةِ الشَّمْسِ مِنْ نُقْطَةٍ مِنْ الْفُلْكِ الثَّامِنِ إلَى الْعَوْدِ إلَيْهَا وَذَا فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَخَمْسِ سَاعَاتٍ وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ دَقِيقَةً وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَانِيَةً بِرَصَدِ بَطْلَيْمُوسَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا (وَيُحْتَسَبُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ سَنَةِ التَّأْجِيلِ (رَمَضَانُ وَأَيَّامُ حَيْضِهَا) وَكَذَا حَجُّهُ وَغَيْبَتُهُ لَا لَوْ حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَ عُذْرًا (لَا) يُحْتَسَبُ مِنْهَا (مُدَّةُ مَرَضِهِ أَوْ مَرَضِهَا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ. وَفِي الْمُحِيطِ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ، وَمَا دُونَهُ يُحْتَسَبُ وَمَا زَادَ لَا، وَلَوْ حُبِسَ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ لَمْ يُحْتَسَبْ، وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ، وَكَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ اُحْتُسِبَ وَالْمَرِيضُ لَا يُؤَجَّلُ إلَّا بَعْدَ الصِّحَّةِ وَإِنْ طَالَ الْمَرَضُ، وَكَذَا الْمُحْرِمُ (فَإِنْ) أَقَرَّ أَنَّهُ (لَمْ يَصِلْ فِيهَا) أَيْ فِي سَنَةِ أُجِّلَ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ قَالَ الْحَاكِمُ فَرَّقْت بَيْنَكُمَا إنْ أَبَى الزَّوْجُ عَنْ تَطْلِيقِهَا فَيُشْتَرَطُ لِلْفُرْقَةِ حُضُورُ الزَّوْجَيْنِ وَالْقَضَاءُ، وَعَنْهُمَا أَنَّهَا كَمَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَخْيِيرِ الشَّرْعِ (إنْ طَلَبَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَةُ طَلَبًا ثَانِيًا فَالْأَوَّلُ لِلتَّأْجِيلِ وَالثَّانِي لِلتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا وَفِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ إنْ طَلَبَتْ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ وَهُوَ حَسَنٌ وَطَلَبُ وَكِيلِهَا عِنْدَ غَيْبَتِهَا كَطَلَبِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَبْطُلْ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ أَوَّلًا وَثَانِيًا، وَكَذَا لَوْ خَاصَمَتْهُ ثُمَّ تُرِكَتْ مُدَّةً فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ، وَلَوْ طَاوَعَتْهُ فِي الْمُضَاجَعَةِ تِلْكَ الْأَيَّامَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ لِرِضَاهَا بِحَالِهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّفْرِيقُ (طَلْقَةً بَائِنَةً) وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ إنْ خَلَا بِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ الْفُرْقَةُ بِهَا فَسْخٌ (فَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (وَطِئْت وَأَنْكَرَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ الْوَطْءَ (إنْ كَانَ) الِاخْتِلَافُ (قَبْلَ التَّأْجِيلِ) فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا (فَإِنْ كَانَتْ) حِينَ تَزَوَّجَهَا (ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا) فَقَالَ وَطِئْت وَأَنْكَرَتْ (فَنَظَرْنَ) أَيْ النِّسَاءُ (إلَيْهَا) بِأَنْ يَمْتَحِنَّ بِصَبِّ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ الْمَطْبُوخَةِ الْمُقَشَّرَةِ فَإِنْ مَرَّتْ بِغَيْرِ عِلَاجٍ فَثَيِّبٌ وَقِيلَ بِالْبَوْلِ عَلَى الْجِدَارِ فَإِنْ سَالَ عَلَى الْفَخِذِ فَثَيِّبٌ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ فَإِنَّ مَوْضِعَ الْبَكَارَةِ غَيْرُ الْمَبَالِ وَالْأَحْسَنُ الْمَرْأَةُ الْعَدْلُ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ وَالِاثْنَتَانِ أَحْوَطُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَوْثَقُ وَاشْتُرِطَ

فِي الْكَافِي عَدَالَتُهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فَنَظَرَتْ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (فَقُلْنَ) بَعْدَ النَّظَرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَالَتْ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَكَذَا مَا سَيَأْتِي (هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ) نَظَرْنَ وَ (قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ أُجِّلَ) سَنَةً أَمَّا فِي أَوَّلٍ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُنْكِرُهَا؛ وَلِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِإِمْكَانِ زَوَالِ بَكَارَتِهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فَيُشْتَرَطُ الْيَمِينُ مَعَ شَهَادَةِ الْعَدْلِ لِيَكُونَ حُجَّةً فَإِنْ حَلَفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَطَلَ حَقُّهَا. (وَكَذَا) أَيْ أُجِّلَ (إنْ نَكَلَ) أَيْ امْتَنَعَ الزَّوْجُ عَنْ الْحَلِفِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَإِنْ كَانَ) الِاخْتِلَافُ (بَعْدَ التَّأْجِيلِ، وَهِيَ ثَيِّبٌ) فِي الْأَصْلِ (أَوْ بِكْرٌ) فَنَظَرْنَ (وَقُلْنَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لَهُ) مَعَ يَمِينِهِ (وَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ) ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ تَأَيَّدَتْ بِأَصْلِ الْبَكَارَةِ. (وَكَذَا) خُيِّرَتْ (إنْ نَكَلَ) لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ (وَمَتَى اخْتَارَتْهُ بَطَلَ خِيَارُهَا) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِاخْتِيَارَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي أَوْ أَقَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْخَصِيُّ) الَّذِي نُزِعَ خُصْيَتَاهُ (كَالْعِنِّينِ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَنْتَشِرْ آلَتُهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ مَرْجُوٌّ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ وَيَصِلُ إلَى النِّسَاءِ فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (وَالْمَجْبُوبُ) الَّذِي قُطِعَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَتَاهُ (يُفَرَّقُ) بَيْنَهُمَا (لِلْحَالِ) إنْ طَلَبَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّأْجِيلِ فَلَوْ جُبَّ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا مَرَّةً أَوْ صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ لَا يُفَرَّقُ وَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْمَجْبُوبِ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَالتَّفْرِيقُ بِحَالِهِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يَبْطُلُ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ لَمْ يَبْقَ عِنِّينًا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَفْرِيقِهِ وَهُوَ بَائِنٌ فَكَيْفَ يَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ بِالْوَصْلِ إلَيْهَا لَا يَبْطُلُ انْتَهَى. لَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ تَدَبَّرْ. (وَحَقُّ التَّفْرِيقِ فِي الْأَمَةِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَهُ (وَلَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا. وَفِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ مَا يُخَالِفُ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ أَمَةً فَالْخِيَارُ لِمَوْلَاهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ الْخِيَارُ لَهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ تَأَمَّلْ. (وَلَا خِيَارَ لَهَا إنْ وَجَدَتْ) الْمَرْأَةُ (بِهِ) أَيْ بِالزَّوْجِ (جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَا) خِيَارَ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (لَوْ وَجَدَ بِهَا) أَيْ بِالْمَرْأَةِ

باب العدة

(ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ (أَوْ رَتَقًا أَوْ قَرَنًا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بِعُيُوبٍ خَمْسَةٍ فِيهَا وَالدَّلَائِلُ بَيَّنَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُرَاجَعْ. [بَابُ الْعِدَّةِ] ِ لَمَّا كَانَ تَرْتِيبُ الْوُجُودِ عَلَى الْفُرْقَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا أَوْ رَدِّهَا عَقِيبَ الْكُلِّ (هِيَ) لُغَةً الْإِحْصَاءُ وَشَرْعًا (تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا النِّكَاحُ الْمُتَأَكَّدُ بِالتَّسْلِيمِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ وَشَرْطُهُ الْفُرْقَةُ وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا وَصِحَّةُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ الصَّغِيرَةُ إذْ لَا لُزُومَ فِي حَقِّهَا وَلَا تَرَبُّصَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ هِيَ الْمُخَاطَبَةُ بَلْ الْوَلِيُّ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ تَلْزَمُ الْمَرْأَةَ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ مِنْ التَّرَبُّصِ عَنْ الزَّوَاجِ إلَى مُضِيِّ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهِ لَا يُسَمَّى عِدَّةً اصْطِلَاحًا وَإِنْ وُجِدَ مَعْنَى الْعِدَّةِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا وَعَلَى هَذَا مَا فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيُّ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (عِدَّةُ الْحُرَّةِ) الْمَدْخُولَةِ الَّتِي تَحِيضُ (لِلطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ) أَوْ الرَّفْعِ قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِنْدَنَا فَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ، وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْفِرْقَةُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَالْفُرْقَةِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ رُفِعَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَالْفُرْقَةُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ تَأَمَّلْ. (ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَيْ حِيَضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلِهَذَا أَتَى بِلَفْظِ الْقُرُوءِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالْحِيَضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ طُهْرٌ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ ابْنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ رَجَعَ وَالدَّلَائِلُ بُيِّنَتْ فِي الْأُصُولِ فَلْيُرَاجَعْ.

(وَكَذَا مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) بِمِلْكِ النِّكَاحِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَتْهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَكَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَجَارِيَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَامْرَأَتِهِ وَقَالَ أَظُنُّ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ بِ) سَبَبِ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ) كَالْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَبِلَا شُهُودٍ وَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا وَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِالزِّنَا وَلَا عَلَى الْمَخْلُوِّ بِهَا بِالشُّبْهَةِ (وَفُرِّقَ) سَوَاءٌ بِالْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا) وَهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالْمَوْطُوءَةِ بِهِمَا لَا بُدَّ لِلتَّعَرُّفِ فَإِنْ قِيلَ التَّعَرُّفُ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ قُلْنَا إنَّمَا وَجَبَ الثَّلَاثَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِجَوَازِ أَنْ تَحِيضَ الْحَامِلُ إذْ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ الْفَرَاغُ بِحَيْضَةٍ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثِ لِيُعْلَمَ فَرَاغُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيُقَدَّرُ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ صِيَانَةً لِلْمَاءِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ كَمَا قُدِّرَ الصَّحِيحُ بِهَا، وَالْغَرَضُ مِنْ الْأَمَةِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لَا الْوَلَدُ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهَا مُهِمًّا فَاكْتُفِيَ بِاسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ. (وَ) كَذَا (أُمُّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا) فَإِنَّ عِدَّتَهَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَوَامِلُ لِزَوَالِ الْفِرَاشِ كَمَنْكُوحَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْإِمَاءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْضَةٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ كَالِاسْتِبْرَاءِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَإِلَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَلَا بِالْإِعْتَاقِ (وَلَا يُحْتَسَبُ) مِنْ الْعِدَّةِ (حَيْضٌ طَلُقَتْ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَا يُحْتَسَبُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَوْ قَالَ حَيْضٌ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَكَانَ شَامِلًا لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ كَانَتْ) الْحُرَّةُ مُطَلَّقَةً أَوْ مَفْسُوخًا عَنْهَا أَوْ مَرْفُوعًا (لَا تَحِيضُ لِكِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) أَيْ وَصَلَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ (وَلَمْ تَحِضْ) فَإِنَّهَا لَوْ حَاضَتْ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ (فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) أَيْ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِالْأَيَّامِ إنْ وُطِئَتْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَتَّى تَجِبَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً. (وَ) عِدَّةُ الْحُرَّةِ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ وَلَوْ غَيْرَ مَخْلُوٍّ بِهَا (لِلْمَوْتِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ) وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ الْمُقَدَّرَ فِيهِ عَشْرُ لَيَالٍ

عدة الأمة التي تحيض

فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ لَكِنَّ الْأَحْوَطَ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ الْأَيَّامَ تَابِعَةٌ لِلَّيَالِيِ وَمِنْ الظَّنِّ تَرْجِيحُ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ بِتَذْكِيرِ عَشْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَإِنَّ الْمُمَيَّزَ إذَا حُذِفَ جَازَ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ. [عِدَّةُ الْأَمَةِ الَّتِي تَحِيضُ] (وَعِدَّةُ الْأَمَةِ) الَّتِي تَحِيضُ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِلْمَوْتِ أَوْ الْفُرْقَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قِنَّةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ (حَيْضَتَانِ) كَامِلَتَانِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَجَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَكَمُلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَانِ (وَفِي الْمَوْتِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ نِصْفُ مَا لِلْحُرَّةِ) فَلِلَّتِي لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ بُلُوغٍ بِالسِّنِّ شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلِلَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِقَبُولِ التَّنْصِيفِ فِيهِمَا. [عِدَّةُ الْحَامِلِ] (وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ الْحَمْلِ مُطْلَقًا) وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ سَقْطًا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ مُطَلَّقَةً أَوْ مُتَارَكَةً فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَاتَ عَنْهَا) زَوْجٌ (صَبِيٌّ) لَمْ يَبْلُغْ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِهَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْحَيْضِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إنْ مَاتَ عَنْهَا صَبِيٌّ فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ) أَيْ بِأَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَحَادِثٍ بَعْدَ مَوْتِ الصَّغِيرِ لِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ عَنْ مَاءِ الصَّغِيرِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ لَا لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الصَّبِيِّ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُودُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ. (وَإِنْ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ) بِأَنْ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ (فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ إجْمَاعًا وَلَا نَسَبَ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا حَبِلَتْ قَبْلَ مَوْتِ الصَّبِيِّ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعُلُوقُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ الصَّبِيِّ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَيُحْكَمُ بِانْقِضَائِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْمِنَحِ إنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا إذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا

فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ مِنْ الزِّنَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ وَلِهَذَا صَحَّحْنَا نِكَاحَهَا لِغَيْرِ الزَّانِي وَإِنْ حَرُمَ الْوَطْءُ (وَمَنْ طَلُقَتْ فِي مَرَضِ مَوْتٍ رَجْعِيًّا كَالزَّوْجَةِ) يَعْنِي تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إجْمَاعًا. (وَإِنْ) كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ الْمَوْت (بَائِنًا) أَوْ ثَلَاثًا (تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ) أَيْ الْعِدَّتَيْنِ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا حَتَّى إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ فَتَمَّ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَلَمْ تَرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إلَّا حَيْضَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا حَيْضَتَانِ أُخْرَيَانِ لِتَسْتَكْمِلَ فِي الْعِدَّةِ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَلَأَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ الْعِدَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهَا فَيَجِبُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَالرَّجْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بِالطَّلَاقِ وَلَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ أَثَرُهُ فِي الْإِرْثِ لَا فِي تَغْيِيرِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنَّفِ كَالرَّجْعِيِّ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ ثَلَاثُ حِيَضٍ تَأَمَّلْ. (وَمَنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ) طَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ تَتِمُّ) عِدَّتَهَا (كَالْحُرَّةِ) أَيْ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (وَإِنْ) عَتَقَتْ (فِي عِدَّةِ بَائِنٍ) أَوْ ثَلَاثٍ (أَوْ) فِي عِدَّةِ (مَوْتٍ فَ) تَتِمُّ (كَالْأَمَةِ) فِيهِمَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمَوْتِ. (وَإِنْ اعْتَدَّتْ الْآيِسَةُ) أَيْ الْبَالِغَةُ إلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَوْ خَمْسِينَ سَنَةً وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَعَنْهُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى مُجْتَهِدِ الزَّمَانِ وَقَدَّرَ بَعْضٌ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ الدَّمِ مَرَّةً وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ، وَكَذَا فِي مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ. وَفِي الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَيُفْتِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بِالْأَشْهُرِ) كَمَا هِيَ عَادَتُهَا

(ثُمَّ عَادَ دَمُهَا عَلَى عَادَتِهَا) الْمَعْرُوفَةِ مِنْ أَلْوَانِ الْحَيْضِ (بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَتَسْتَأْنِفُ بِالْحَيْضِ) ؛ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْيَأْسَ (هُوَ الصَّحِيحُ) فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ، وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَقَبْلَ انْقِضَائِهَا كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ صَدْرُ الشَّهِيدِ يُفْتِي بِبُطْلَانِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا. وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَكُونُ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ هَذَا وَيَكُونُ مُرَادُ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَشْهُرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي عِدَّةِ الْأَشْهُرِ فَلَا سَهْوَ تَدَبَّرْ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَكَذَا تَسْتَأْنِفُ الصَّغِيرَةُ إذَا حَاضَتْ فِي خِلَالِ الْأَشْهُرِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَلَا تَسْتَأْنِفُ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ (وَمَنْ اعْتَدَّتْ الْبَعْضَ) أَيْ بَعْضَ الْعِدَّةِ (بِالْحَيْضِ ثُمَّ آيَسَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ) وَفِي الْإِصْلَاحِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ آيَسَتْ اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ إكْمَالَ الْأَصْلِ فِي الْبَدَلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ، وَلَا مَجَالَ لِاحْتِسَابِ وَقْتِ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَقْتٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ لِلْآيِسَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِآيِسَةٍ وَقْتَئِذٍ (وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ) لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ وَغَيْرِهِمَا (بِشُبْهَةٍ) مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ (وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى) لِلْوَطْءِ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ لِي أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا مَبْتُوتَةً مُقِرًّا بِالطَّلَاقِ لَمْ تَسْتَأْنِفْ الْعِدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ تَسْتَأْنِفُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَتَدَاخَلَتَا) أَيْ تَشَارَكَ الْعِدَّتَانِ فِي دُخُولِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ، وَكَانَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَقَعَا مَعًا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَتَعْتَدُّ مِنْهُ (وَمَا تَرَاهُ) الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ بَعْدَ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (يُحْتَسَبُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ جَمِيعًا (فَتَتِمُّ) الْعِدَّةَ (الثَّانِيَةَ إنْ تَمَّتْ) الْعِدَّةُ (الْأُولَى قَبْلَ تَمَامِهَا) فَلَوْ وُطِئَتْ قَبْلَ حُدُوثِ الْحَيْضِ كَانَ مَا رَأَتْ مِنْ الْحِيَضِ

الثَّلَاثِ مَحْسُوبَةً عَنْهُمَا فَتَنُوبُ عَنْ سِتِّ حِيَضٍ وَإِنْ وُطِئَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ فَهِيَ مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَحَيْضَتَانِ بَعْدَهَا تُحْسَبَانِ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ وَعَلَيْهَا حَيْضَةٌ أُخْرَى لِلْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَا نَفَقَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ الْوَطْءِ لَا عِدَّةُ النِّكَاحِ وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَيُحْتَسَبُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِيهَا مِنْ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعَرُّفُ عَنْ فَرَاغِ الرَّحِمِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالْوَاحِدَةِ فَتَدَاخَلَانِ يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ تَعَرُّفُ الْفَرَاغِ وَهُوَ وَإِنْ حَصَلَ بِالْحَيْضَةِ لَكِنَّ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لِلتَّعَرُّفِ وَالثَّانِيَةَ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَةَ لِفَضِيلَةِ الْحُرْمَةِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوَاحِدَةِ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ فَلَا يُرَدُّ نَظَرُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّدَاخُلُ لَجَازَ التَّدَاخُلُ فِي أَوَانِ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبَقِيَ ضَرَرُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَنْهَا تَدَبَّرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَتَدَاخَلَانِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْعِدَّتَانِ مِنْ رَجُلَيْنِ إذْ لَوْ كَانَتَا مِنْ وَاحِدٍ تَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالسَّبَبِ الثَّانِي أَصْلًا فَلَا تَتَصَوَّرُ الْخِلَافَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ عَقِيبَهُمَا) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ فَيُعْتَبَرُ الْمُسَبَّبُ مِنْ حِينِ وُجُوبِ السَّبَبِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ نِكَاحٌ مُتَأَكِّدٌ بِالدُّخُولِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ تَعْلَمْ) الْمَرْأَةُ (بِهِمَا) أَيْ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ حَتَّى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهَا وَبَلَغَهَا خَبَرُ تَطْلِيقِهِ إيَّاهَا بَعْدَمَا رَأَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ مَوْتَهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَكَانَتْ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً، وَفِي الْغَايَةِ إذَا أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ زَوْجِهَا وَشَكَّتْ فِي وَقْتِ الْمَوْتِ تَعْتَدُّ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَيْقِنُ فِيهِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُؤْخَذُ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ. (وَ) ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ (فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ) مِنْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا (أَوْ) إظْهَارِ (الْعَزْمِ) مِنْ الزَّوْجِ (عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ. وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ انْقَضَتْ إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي إيجَابِهَا الْوَطْءُ لَا الْعَقْدُ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَرُفِعَ هَذِهِ بِالتَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْمُتَارَكَةِ لَا يُحَدُّ وَبَعْدَهُ يُحَدُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَمَنْ قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْحَيْضِ) وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فِي إخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا (إنْ مَضَى عَلَيْهَا سِتُّونَ يَوْمًا) عِنْدَ الْإِمَامِ كُلُّ حَيْضٍ عَشْرَةٌ وَكُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ

عَشْرَ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ مَضَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَثَلَاثُ سَاعَاتٍ) كُلُّ حَيْضٍ ثَلَاثَةٌ، وَكُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشْرَ. (وَإِنْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ) طَلَاقٍ (بَائِنٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعِدَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا نَابَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبْضِ الثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ، وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَجِبُ (نِصْفُ مَهْرٍ، وَإِتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ زُفَرُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ زُفَرُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِالتَّزَوُّجِ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّانِي لِإِكْمَالِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إكْمَالَ الْعِدَّةِ وَجَبَ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ حَالَ التَّزَوُّجِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا نَابَ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالثَّانِي هَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا أَمَّا لَوْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَا اسْتِقْبَالُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِدًا وَالثَّانِي صَحِيحًا فَهُوَ كَمَا كَانَ صَحِيحًا (وَلَا عِدَّةَ فِي طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] (وَلَا) عِدَّةَ (عَلَى ذِمِّيَّةٍ) أَوْ كِتَابِيَّةٍ (طَلَّقَهَا) أَوْ مَاتَ عَنْهَا (ذِمِّيٌّ) عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا اعْتَقَدُوا عَدَمَ وُجُوبِ الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطَأُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ، وَعَنْهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ (أَوْ حَرْبِيَّةٍ خَرَجَتْ إلَيْنَا) مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ مُسْتَأْمَنَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ

فصل في الإحداد

فَالِاخْتِلَافُ فِي الذِّمِّيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَمُخَاطَبُونَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوُ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ بَنِي آدَمَ وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ وَعَنْهُ جَوَازُ نِكَاحِ الْحَرْبِيَّةِ وَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. [فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ] ِ (تُحَدُّ) أَيْ تَتَأَسَّفُ وُجُوبًا عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ مِنْ أَحَدَّتْ الزَّوْجَةُ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدَّةٌ أَوْ مِنْ يَحُدُّ بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ حِدَادًا فَهِيَ حَادَّةٌ أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الزِّينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (مُعْتَدَّةُ الْبَائِنِ) بِالطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ اللِّعَانِ أَوْ بِفُرْقَةٍ أُخْرَى فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا لِلطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ التَّزَيُّنُ لِتَرْغِيبِ الزَّوْجِ. (وَ) مُعْتَدَّةُ (الْمَوْتِ إنْ كَانَتْ مُكَلَّفَةً) مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يُخَاطَبُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْج كَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْإِحْدَادُ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَافِرَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ (بِتَرْكِ الزِّينَةِ) ظَرْفُ تَحُدُّ وَالزِّينَةُ مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ كَمَا فِي الْكَشَّافِ فَقَدْ اسْتَدْرَكَ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَ) تَرْكُ (لُبْسِ) الثَّوْبِ (الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ) أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرُ بِالضَّمِّ إذْ يَفُوحُ مِنْهُمَا رَائِحَةُ الطِّيبِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ جَدِيدًا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ أَمَّا إذَا كَانَ خَلَقًا لَا تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ. (وَ) تَرْكُ (الطِّيبِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ بِأَنْوَاعِهِ وَلَوْ لِلتَّجْرِبَةِ (وَالدَّهْنِ) مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ، وَالدَّهْنُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ مِنْ دَهَنَ يَدْهُنُ وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ (وَالْكُحْلِ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ أَيْ الِاكْتِحَالُ بِهِ (وَالْحِنَّاءِ) أَيْ الِاخْتِضَابِ بِهِ (إلَّا مِنْ عُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تَجِدُ إلَّا أَحَدَ هَذِهِ الْأَثْوَابِ أَوْ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ قَمْلٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ لِأَجْلِهَا أَوْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا أَوْ عَيْنَهَا أَوْ اعْتَادَتْ الدَّهْنَ أَوْ اكْتَحَلَتْ لِلْمُعَالَجَةِ

وَلَا تَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ أَسْنَانُهُ ضَيِّقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لِتَحْسِينِ الشَّعْرِ لَا لِدَفْعِ الْأَذَى بِخِلَافِ الْوَاسِعَةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَمْتَشِطُ بِهِ (لَا) تَحُدُّ (مُعْتَدَّةُ الْعِتْقِ) بِأَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا. (وَ) لَا مُعْتَدَّةُ (النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) وَلَا فِي عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَفُتْهَا ذَلِكَ (وَلَا تُخْطَبُ) بِالضَّمِّ مَنْ خَطَبَ الْمَرْءُ فِي النِّكَاحِ خِطْبَةً بِالْكَسْرِ لَا مِنْ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ خُطْبَةً بِالضَّمِّ (الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ) وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ هَاهُنَا أَنْ يَقُولَ إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنَّك لَصَالِحَةٌ وَمِنْ غَرَضِي أَنْ أَتَزَوَّجَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك، هَذَا فِي مُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ وَأَمَّا فِي مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ سَوَاءٌ كَانَ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ وَأَمَّا فِي الْبَيْنُونَةِ فَلِأَنَّ تَعْرِيضَهَا يُورِثُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَاطَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِمُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ) رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا (مِنْ بَيْتِهَا أَصْلًا) يَعْنِي لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا (وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ) إذْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهَا فَتَضْطَرُّ إلَى الْخُرُوجِ لِإِصْلَاحِ مَعَاشِهَا وَرُبَّمَا امْتَدَّ ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ وَالْمُطَلَّقَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَلَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَعَتْ عَنْ نَفَقَتِهَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي رِوَايَةٍ لِضَرُورَةِ مَعَاشِهَا وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي اخْتَارَتْ إسْقَاطَ نَفَقَتِهَا فَلَا تُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهَا (وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا (وَالْأَمَةُ) الْمُعْتَدَّةُ (تَخْرُجُ فِي حَاجَةِ الْمَوْلَى) فِي الْعِدَّتَيْنِ لِوُجُوبِ خِدْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى بَوَّأَهَا لَمْ تَخْرُجْ مَا دَامَتْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمَوْلَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ

(وَتَعْتَدُّ الْمُعْتَدَّةُ فِي مَنْزِلٍ يُضَافُ إلَيْهَا) بِالسُّكْنَى (وَقْتَ) وُقُوعِ (الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَيْهِنَّ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِهَا مِنْ حَيْثُ السُّكْنَى حَتَّى لَوْ طَلُقَتْ غَائِبَةً عَادَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَوْرًا وَتَبِيتُ فِي أَيِّ بَيْتٍ شَاءَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الدَّارِ مَنَازِلُ لِغَيْرِهِ فَلَا تَخْرُجُ إلَى تِلْكَ الْمَنَازِلِ وَلَا إلَّا صَحْنَ دَارٍ فِيهَا مَنَازِلُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلٍ لَهُ السِّكَّةُ (إلَّا أَنْ تَخْرُجَ جَبْرًا) بِأَنْ كَانَ الْمَنْزِلُ عَارِيَّةً أَوْ مُؤَجَّرًا مُشَاهَرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُدَّةً طَوِيلَةً فَلَا تَخْرُجُ (أَوْ خَافَتْ عَلَى مَالِهَا) فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ السَّارِقِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) خَافَتْ (انْهِدَامَ الْمَنْزِلِ) وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إنْ خَافَتْ بِالْقَلْبِ مِنْ أَمْرِ الْمَبِيتِ خَوْفًا شَدِيدًا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْ لَمْ تَقْدِرْ) الْمَرْأَةُ (عَلَى كِرَائِهِ) نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرُورَاتِ (وَلَا بَأْسَ بِكَيْنُونَتِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (مَعًا بِمَنْزِلٍ) وَاحِدٍ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ) أَيْ سِتْرٌ وَحِجَابٌ تَحَرُّزًا مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الزَّوْجُ (فَاسِقًا) يُخَافُ مِنْهُ (فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ الْبَيْتُ ضَيِّقًا خَرَجَتْ) ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ (وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ) أَيْ الزَّوْجِ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ مُكْثَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَاجِبٌ وَمُكْثَهُ فِيهِ مُبَاحٌ وَرِعَايَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ. (وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ) وَعَلَى مَنْعِ الْوَطْءِ (فَحَسَنٌ) عَمَلًا بِالْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) وَزَوْجُهَا (فِي سَفَرٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مِصْرًا أَوْ مَفَازَةً بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّ فِي الرَّجْعِيِّ لَمْ تُفَارِقْهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا. (وَ) الْحَالُ أَنَّ (بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا) الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ (أَقَلُّ مِنْ مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ التَّأْوِيلُ فِي قَوْلِهِ فِي سَفَرٍ بِأَنْ قَصَدَهُ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ هَذَا تَدَبَّرْ. (رَجَعَتْ) إلَى مِصْرِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ. (وَإِنْ كَانَتْ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا (مَسَافَتُهُ) أَيْ السَّفَرِ (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ تَخَيَّرَتْ) بَيْنَ الرُّجُوعِ إلَى مِصْرِهَا وَبَيْنَ التَّوَجُّهِ إلَى مَقْصِدِهَا سَوَاءٌ كَانَ (مَعَهَا وَلِيٌّ) أَيْ مَحْرَمٌ (أَوْ لَا) فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ أَخْوَفُ مِنْ السَّفَرِ (وَالْعَوْدُ أَحْمَدُ) لِتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا

باب ثبوت النسب

فِي سَفَرٍ فَإِنْ كَانَ بُعْدُهَا عَنْ مِصْرِهَا الَّذِي نَشَأَتْ مِنْهُ أَوْ عَنْ مَقْصِدِهَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَعَنْ الْآخَرِ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَتَوَجَّهُ الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِ الْأَقَلِّ مِصْرًا كَانَ أَوْ مَقْصِدًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ (فِي مِصْرٍ) مِنْ الْأَمْصَارِ الْوَاقِعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمُرَادُ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ قَرْيَةً وَبُعْدُهَا عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمِصْرِ وَالْمَقْصِدِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ تَخْرُجُ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ يَجُوزُ بِلَا مَحْرَمٍ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ مَا لَمْ تَعْتَدَّ (ثُمَّ تَخْرُجُ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ لَكِنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ سَارَتْ إلَى أَدْنَى الْبِقَاعِ الْآمِنَةِ إلَيْهَا (وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ جَازَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الِاعْتِدَادِ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ فَهَذَا عُذْرٌ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمَحْرَمِ، وَلَهُ إنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلَمَّا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى. [بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ] لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْعِدَّةِ (أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (وَأَكْثَرُهَا) كَثِيرًا (سَنَتَانِ) وَغَالِبُهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَعَنْ مَالِكٍ وَعَبَّادٍ خَمْسُ سِنِينَ وَعَنْهُ وَرَبِيعَةَ سَبْعُ سِنِينَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سِتُّ سِنِينَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحِكَايَاتٍ مِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِيَّ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَهَذِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي نِسَاءِ مَاجِشُونِ أَنَّهُنَّ تَلِدُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَرُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَمَا نَبَتَتْ ثَنِيَّتَاهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَسُمِّيَ ضَحَّاكًا وَكَذَا هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمْ وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ أَيْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ بِقَدْرِ دَوْرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ. وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَ الدَّوْرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَتْهُ سَمَاعًا إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمَقَادِيرِ، وَالْحِكَايَاتُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْغَلَطِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَحْتَسِبُ مُدَّةَ الْحَمْلِ مِنْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالِانْقِطَاعُ كَمَا يَكُونُ بِالْحَبَلِ يَكُونُ بِعُذْرٍ آخَرَ فَجَازَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ بِالْمَرَضِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ حَبِلَتْ فَبَقِيَ إلَى سَنَتَيْنِ (وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ) أَيْ الزَّوْجَ

(نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ (وَمَهْرُهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ وَكَّلَا بِالنِّكَاحِ وَالْوَكِيلَانِ نَكَحَهَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالزَّوْجُ وَطِئَهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَوُجِدَ الْعُلُوقُ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ النِّكَاحَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُلُوقِ أَمْ مُؤَخَّرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْمُقَارَنَةِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اللِّعَانِ فَلَمَّا لَمْ يَنْتَفِ الْوَلَدُ بِاللِّعَانِ فَلَيْسَ عَلَيْنَا نَفْيُهُ عَنْ الْفِرَاشِ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْمِنَحِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا لِعَانَ بِنَفْيِ الْحَمْلِ قَبْلَ وَضْعِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ إلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يُلَاعِنُ إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي اللِّعَانِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنْ أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَا بَعْدَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ شَرْطٌ فِي اللِّعَانِ وَبَعْدَهُ لَا يَبْقَى أَثَرُ النِّكَاحِ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ عَلَى النَّفْيِ تَدَبَّرْ. (وَإِذَا أَقَرَّتْ الْمُطَلَّقَةُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ أَيَّةَ مُعْتَدَّةٍ كَانَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقَاضِي خَانْ أَنَّ الْآيِسَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ النَّسَبُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ تَتَبَّعْ (ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ) كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا مَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ تَدَبَّرْ. (ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ هَذَا إذَا جَاءَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ (وَإِنْ) وَلَدَتْ (لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ (لَا) يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ حَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَفِي ضِدِّهِ حَمْلُهُ عَلَى الزِّنَا وَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْوَلَدِ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي النَّسَبِ فَيُرَدُّ إقْرَارُهَا، وَلَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي رَحِمِهَا كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَوَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهَا حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ. (وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ) الْمُطَلَّقَةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (يَثْبُتُ) النَّسَبُ (إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) بِلَا دَعْوَةٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَلَدِ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا. (وَإِنْ) وَلَدَتْ (لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا) يَثْبُتُ النَّسَبُ لِحُدُوثِ الْحَمْلِ بَعْدَ الطَّلَاقِ يَقِينًا وَفِيهِ أَبْحَاثٌ قَرَّرَهَا يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ فَلْيُطَالَعْ. (إلَّا فِي) الطَّلَاقِ (الرَّجْعِيِّ وَيَكُونُ) الْوَلَدُ (رَجْعَةً) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَ مُرَاجَعًا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ حَمْلًا بِحَالِهِمَا عَلَى الْأَحْسَنِ وَالْأَصْلَحِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ

وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ قَرَّرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ فَلْيُنْظَرْ. (بِخِلَافِ الْبَائِنِ) وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُكَرَّرًا مَعَ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) أَيْ الزَّوْجُ نَسَبَهُ (فَيَثْبُتُ) النَّسَبُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْبَائِنِ إذَا وَلَدَتْ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَثْبُتُ فِي الرَّجْعِيِّ (وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ) بَيَانُهُ أَنَّهُ الْتَزَمَ النَّسَبَ بِدَعْوَتِهِ لَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ شَرْعِيٌّ بِأَنَّ وَطْأَهَا بِشُبْهَةٍ (فِي الْعِدَّةِ) وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ فَيَثْبُتُ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَكَذَا ذَكَرُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ بِالثَّلَاثِ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ كَانَ شُبْهَةً فِي الْفِعْلِ وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ فَكَيْفَ أُثْبِتُ بِهِ النَّسَبَ هُنَا انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا وُجُودُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَادِّ لَا فِي الْكُلِّ فَإِنَّ فِي مُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ وِلَادَتَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ تَدَبَّرْ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى لِكُلِّ الْأَوْجُهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ مُمَكَّنٌ مِنْهُ وَقَدْ ادَّعَاهُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَكَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ. (وَإِنْ كَانَتْ الْمُبَانَةُ مُرَاهِقَةً) وَكَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُرَاهِقَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ كَثِيرٍ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَةَ هِيَ الَّتِي تَلِدُ لَا مَا دُونَهَا تَدَبَّرْ (فَإِنْ أَتَتْ بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ) مِنْهُ طَلَّقَهَا بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْعِدَّةِ (يَثْبُتُ) نَسَبُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ بَلْ أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِهَا (فَلَا) يَثْبُتُ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ شَرْعًا فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْإِقْرَارِ الْمُحْتَمَلِ فَفِيمَا لَا يُحْتَمَلُ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا لَمْ تَدَّعِ الْحَبَلَ فَإِنْ ادَّعَتْ فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَيَثْبُتُ فِي الْبَائِنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ. وَفِي الرَّجْعِيِّ لِأَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ لِحُصُولِ الْعُلُوقِ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ تَدَّعِ الْحَبَلَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ، وَإِنْ جَاءَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمَجِيءِ الْوَلَدِ بِمُدَّةِ حَبَلٍ تَامٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِهَذِهِ الْقُيُودِ وَهِيَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا تَدَبَّرْ. وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةٍ لَا يَثْبُتُ، غَلَطٌ. وَالصَّوَابُ إبْدَالُ السِّتَّةِ بِالتِّسْعَةِ تَأَمَّلْ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ) النَّسَبُ (فِيمَا دُونَ سَنَتَيْنِ) . وَفِي الْإِصْلَاحِ أَمَّا إذَا لَمْ تُقِرَّ بِشَيْءٍ فَعِنْدَهُ سُكُوتُهَا كَإِقْرَارِهَا بِالْحَبَلِ حَيْثُ لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَالْبُلُوغُ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبَلِ فَتَعَيَّنَ

فَيَثْبُتُ فِي الْبَائِنِ إلَى سَنَتَيْنِ. وَفِي الرَّجْعِيِّ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ (وَمَنْ مَاتَ عَنْهَا) زَوْجُهَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ الْمُتَوَفَّى (إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) . وَقَالَ زُفَرُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ مَاتَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ. (وَإِنْ كَانَتْ) الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا (مُرَاهِقَةً فَلِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ) فَسَاعَةٌ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ هَذِهِ تَيَقُّنًا أَنَّ الْعُلُوقَ فِي الْعِدَّةِ. وَفِي الْغَايَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ الزَّوْجِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِالْحَبَلِ عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُكُوتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْحَبَلَ لِصِغَرِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَلَمْ تَأْتِ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فِي الْكَبِيرَةِ بَلْ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَأْتِ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْمُرَاهِقَةِ بَلْ أَتَتْ بِهِ لِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ (فَلَا) يَثْبُتُ النَّسَبُ (وَلَا تَثْبُتُ وِلَادَةُ الْمُعْتَدَّةِ) مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِنْكَارِ (إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ ثُمَّ قِيلَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ وَلَا يُفَسَّقَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَدْ يَتَّفِقُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ نَظَرٍ وَلَا تَعَمُّدٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي تَحَمُّلِ شَهَادَةِ الزِّنَا (وَعِنْدَهُمَا تَكْفِي شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) وَفُسِّرَ فِي الْكَافِي بِالْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَامَ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَهُوَ مُلْزِمٌ وَالْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً حُرَّةً عَدْلَةً. (وَإِنْ كَانَ) بِهَا (حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِهِ) أَيْ الْحَبَلِ (تَثْبُتُ) الْوِلَادَةُ (بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا) عِنْدَهُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِبَقَاءِ الْفِرَاشِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى الشَّهَادَةِ (وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ) . وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَعْيِينِ الْوَلَدِ اتِّفَاقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْرَ هَذَا الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ نَفْسِ الْوِلَادَةِ بِقَوْلِ الْمُعْتَدَّةِ فَعِنْدَهُ ثَبَتَ إذَا تَأَبَّدَ بِمُؤَيِّدٍ مِنْ ظُهُورِ حَبَلٍ أَوْ اعْتِرَافٍ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ. (وَإِنْ ادَّعَتْهَا) أَيْ الْوِلَادَةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ صَحَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالنَّسَبِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَمَّا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ بِاعْتِبَارِ فِرَاشِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ فَيُشَارِكُ الْمُصَدَّقِينَ وَالْمُكَذَّبِينَ جَمِيعًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، الصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلِهَذَا شَرَطَ

الْمُصَنِّفُ التَّصْدِيقَ دُونَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ فَقَالَ (هُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ وَالتَّبَعُ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعِ لَا شَرَائِطُ نَفْسِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَرَائِدِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ لَفْظٌ هُوَ الْمُخْتَارُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ تَتَبَّعْ. (وَمَنْ نَكَحَ) امْرَأَةً (فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا) مِنْ وَقْتِ تَزَوَّجَهَا (ثَبَتَ) نَسَبُهُ (مِنْهُ إنْ أَقَرَّ بِالْوِلَادَةِ أَوْ سَكَتَ) ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةُ تَامَّةٌ. (وَإِنْ جَحَدَ) الْوِلَادَةَ (حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَبِشَهَادَةٍ) أَيْ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ (امْرَأَةٍ) وَاحِدَةٍ عَدْلَةٍ (فَإِنْ نَفَاهُ) أَيْ الزَّوْجُ (لَاعَنَ) وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ اللِّعَانَ لَزِمَ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّسَبُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الْقَائِمِ وَاللِّعَانُ إنَّمَا لَزِمَ بِالْقَذْفِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ نَفْيِ الْوَلَدِ لَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ. (وَإِنْ) أَتَتْ بِهِ (لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مُنْذُ تَزَوَّجَهَا (لَا يَثْبُتُ) النَّسَبُ مِنْهُ لِسَبْقِ الْعُلُوقِ عَلَى الْعَقْدِ (فَإِنْ ادَّعَتْ نِكَاحَهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَادَّعَى) الزَّوْجُ (الْأَقَلَّ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ الْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَيَجِبُ أَنْ تُسْتَحْلَفَ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ الْإِمَامِ بِلَا يَمِينٍ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ. (وَإِنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِالْوِلَادَةِ) أَيْ قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ وَلَدْت (فَشَهِدَتْ بِهَا) أَيْ بِالْوِلَادَةِ (امْرَأَةٌ) قَابِلَةٌ عَدْلَةٌ (لَا تَطْلُقُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا قَبِلَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ تَقْبَلُ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا، وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَهُ أَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَرُورِيَّةٌ فِي الْوِلَادَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَطْلُقُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ بِامْرَأَتَيْنِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِامْرَأَةٍ بِنَاءً عَلَى الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَهُمْ. (وَإِنْ اعْتَرَفَ) الزَّوْجُ (بِالْحَبَلِ) سَوَاءٌ قَبْلَ التَّعْلِيقِ أَوْ بَعْدَهُ (تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْحَيْضِ (وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ) فَلَا يَقَعُ بِدُونِهَا لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ. (وَمَنْ نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا) بَعْدَ الدُّخُولِ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ رَجْعِيَّةً (فَاشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ شِرَاهَا لَزِمَهُ)

الْوَلَدُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَفَاهُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ لِأَقَلَّ بَلْ وَلَدَتْ لِتَمَامِهَا أَوْ أَكْثَرَ (فَلَا) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ إذْ الْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَتِهِ قَيَّدْنَا بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَيَّدْنَا بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثِنْتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لِلْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ فَلَا يُضَافُ الْعُلُوقُ إلَّا إلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِالشِّرَاءِ (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي) فَقَالَتْ وَلَدْت (فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ) عَدْلَةٌ (بِالْوِلَادَةِ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) هَذَا إذَا وَلَدْته لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَقَالَتِهِ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُدَّعِيًا هَذَا الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَيَقُّنِنَا بِقِيَامِهِ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ الْقَوْلِ فَتَيَقَّنَّا بِالدَّعْوَى وَقُيِّدَ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ حَامِلٌ مِنِّي يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى سَنَتَيْنِ حَتَّى يَنْفِيَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمَنْ قَالَ: الْغُلَامُ هُوَ ابْنِي وَمَاتَ) الْقَائِلُ (فَقَالَتْ أُمُّهُ) أَيْ أُمُّ الْغُلَامِ (أَنَا امْرَأَتُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَهُوَ ابْنُهُ يَرِثَانِهِ) بِالْبُنُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَضْعًا وَعَادَةً (فَإِنْ جُهِلَتْ حُرِّيَّتُهَا وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا)

باب الحضانة

لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَقَالُوا لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقَرَّ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ. وَفِي التَّنْوِيرِ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَعَتَقَ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ. [بَابُ الْحَضَانَةِ] ِ بِالْكَسْرِ لُغَةً مَصْدَرُ حَضَنَ الصَّبِيَّ أَيْ رَبَّاهُ وَشَرْعًا تَرْبِيَةُ الْأُمِّ أَوْ غَيْرِهَا الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ (الْأُمُّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَبَعْدَهَا) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا فَلَا حَضَانَةَ لِمُرْتَدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إذَا تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا لِلْفَاسِقَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْفِسْقِ هُنَا الزِّنَا لِاشْتِغَالِ الْأُمِّ عَنْ الْوَلَدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ لَا مُطْلَقَةً وَفِي الْقُنْيَةِ الْأُمُّ أَحَقُّ وَإِنْ كَانَتْ سَيِّئَةَ السِّيرَةِ مَعْرُوفَةً بِالْفُجُورِ مَا لَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْأُمِّ بِأَنْ مَاتَتْ أَوْ لَمْ تَقْبَلْ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ لَيْسَتْ أَهْلًا (أُمُّهَا) أَيْ أُمُّ الْأُمِّ. (وَإِنْ عَلَتْ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ فَكَانَتْ الَّتِي هِيَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْلَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ أُمَّ الْأَبِ أَوْلَى (ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ) وَإِنْ عَلَتْ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُمٌّ وَلَهَا قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ وَهِيَ أَشْفَقُ فَكَانَتْ أَوْلَى؛ وَلِهَذَا يُحْرِزُ مِيرَاثُ الْأُمِّ السُّدُسَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ هُوَ السُّدُسُ إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ ثُلُثَ الْجَمِيعِ أَوْ ثُلُثَ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ عِنْدَ عَدَمِهِمْ أَيْضًا وَالتَّنْظِيرُ مُطْلَقًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ تَدَبَّرْ. وَقَالَ زُفَرُ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ الْخَالَةُ أَحَقُّ مِنْ أُمِّ الْأَبِ (ثُمَّ أُخْتُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ) ؛ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ الْأَبَوَيْنِ فَكُنَّ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ فَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ وَعِنْدَ زُفَرَ هُمَا يَشْتَرِكَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيمَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ الْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ وَجِهَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ، وَإِنْ كَانَ قَرَابَةُ الْأَبِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ. وَفِي رِوَايَةٍ تُقَدَّمُ الْخَالَةُ عَلَيْهَا وَبَنَاتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ، وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُنَّ

(ثُمَّ خَالَتُهُ كَذَلِكَ) أَيْ خَالَتُهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَالْخَالَةُ هِيَ أُخْتُ الصَّغِيرَةِ لَا مُطْلَقُ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّ خَالَةَ الْأُمِّ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ عَمَّةِ الصَّغِيرَةِ وَكَذَا خَالَةُ الْأَبِ (ثُمَّ عَمَّتُهُ كَذَلِكَ) أَيْ عَمَّتُهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْعَمَّاتِ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ بَعْدَ الْعَمَّاتِ خَالَةُ الْأُمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَعْدَهُنَّ خَالَةُ الْأَبِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَعْدَهُنَّ عَمَّاتُ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ (وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ وَهُنَّ) أَيْ بَنَاتُ الْأَخِ (أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ) وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَأَمَّا بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَبِمَعْزِلٍ عَنْ الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ بِنْتُ خَالَتِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ بِنْتُ عَمَّتِهِ كَذَلِكَ ضَعِيفٌ تَتَبَّعْ. (وَمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ مَحْرَمِهِ) أَيْ مَحْرَمِ الْوَلَدِ مِمَّنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ (سَقَطَ حَقُّهَا) بِالْإِجْمَاعِ وَيَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» ؛ وَلِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا أَيْ نَظَرَ الْبَغِيضِ وَيُعْطِيهِ نَزْرًا أَيْ قَلِيلًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ بِزَوْجٍ آخَرَ وَتُمْسِكُ الصَّغِيرَ مَعَهَا أُمُّ الْأُمِّ فِي بَيْتِ غَيْرِ الْأَبِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا فَعَلَى هَذَا تَسْقُطُ الْحَضَانَةُ أَمَّا بِتَزَوُّجِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ أَوْ بِسُكْنَاهَا عِنْدَ الْمُبْغِضِ لَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَإِذَا اجْتَمَعَ النِّسَاءُ السَّاقِطَاتُ الْحَقِّ يَضَعُ الْقَاضِي الصَّغِيرَ حَيْثُ شَاءَ مِنْهُنَّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (لَا) يَسْقُطُ حَقُّ (مَنْ نَكَحَتْ مَحْرَمَهُ) أَيْ مَحْرَمَ الْوَلَدِ (كَأُمِّ) الصَّغِيرِ (نَكَحَتْ عَمَّهُ) أَيْ الصَّغِيرِ. (وَ) مِثْلُ (جَدَّةِ) أُمِّ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ (نَكَحَتْ جَدَّهُ) أَيْ أَبَ أَبِ الصَّغِيرِ أَوْ أَبَ أُمِّهِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِقِيَامِ الْقَرَابَةِ (وَيَعُودُ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ إلَيْهَا (بِزَوَالِ نِكَاحٍ سَقَطَ) ذَلِكَ الْحَقُّ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ النِّكَاحِ، وَالْأَحْسَنُ بِزَوَالِهِ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَلَا يَعُودُ حَقُّهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَقَوْلُهُمْ سَقَطَ حَقُّهَا مَعْنَاهُ مَعَ مَانِعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زَوَالِ الْمَانِعِ لَا مِنْ عَوْدِ السَّاقِطِ كَالنَّاشِزَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا ثُمَّ تَعُودُ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ بُطْلَانَ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ هَذَا إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الْأُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَأَنْكَرَتْ أَمَّا إنْ أَقَرَّتْ وَادَّعَتْ طَلَاقَهُ فَإِنْ أَبْهَمَتْ الزَّوْجَ فَالْقَوْلُ لَهَا وَإِنْ عَيَّنَتْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ الزَّوْجُ (وَيَكُونُ الْغُلَامُ عِنْدَهُنَّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا بِأَنْ يَأْكُلَ) وَحْدَهُ (وَيَشْرَبَ) وَحْدَهُ (وَيَلْبَسَ) وَحْدَهُ (وَيَسْتَنْجِيَ) أَيْ يُمْكِنَهُ أَنْ يَفْتَحَ سَرَاوِيلَهُ

عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَقْدِرَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَيَشُدَّهُ بَعْدَهُ (وَحْدَهُ) حَالٌ أَوْ ظَرْفٌ (وَقُدِّرَ بِتِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ) أَيْ قَدَّرَ مُدَّةَ الِاسْتِغْنَاءِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ بِتِسْعِ سِنِينَ وَالْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ اخْتَلَفَا فِي سِنِّهِ لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ يَنْظُرُ إنْ وَجَدَهُ مُسْتَغْنِيًا كَمَا مَرَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ (ثُمَّ يُجْبَرُ الْأَبُ) أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَلِيُّ (عَلَى أَخْذِهِ) ؛ لِأَنَّ الصِّيَانَةَ عَلَيْهِ. (وَ) تَكُونُ (الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ حَتَّى تَحِيضَ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَالْغُلَامُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالْأَبُ فِيهِ أَقْدَرُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى تُشْتَهَى) لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الْحِفْظِ. وَفِي شَرْحِ نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ الْجَارِيَةُ تَكُونُ عِنْدَ أُمِّهَا حَتَّى تَحِيضَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى تُشْتَهَى وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ (كَمَا) تَكُونُ (عِنْدَ غَيْرِهِمَا) أَيْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ، فَإِنَّهَا تُتْرَكُ عِنْدَهُنَّ حَتَّى تُشْتَهَى، وَقِيلَ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ وَإِذَا اسْتَغْنَى الْوَلَدُ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَالْأَوْلَى أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا فَالْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ (يُفْتَى لِفَسَادِ الزَّمَانِ) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ فَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ تِسْعَ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمَنْ لَهَا) حَقُّ (الْحَضَانَةِ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا) إنْ أَبَتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَعْجِزَ عَنْ الْحَضَانَةِ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَا يَأْخُذَ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَاهَا فَتُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ إذْ الْأَجْنَبِيَّةُ لَا شَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا تَقْدِرُ الْحَاضِنَةُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّ الصَّغِيرِ فِي الْحَضَانَةِ فَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَتَسْتَحِقُّ الْحَاضِنَةُ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً لِأَبِيهِ وَتِلْكَ الْأُجْرَةُ غَيْرُ أُجْرَةِ إرْضَاعِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ إنْ لَمْ تُوجَدْ (امْرَأَةٌ) مُسْتَحِقَّةٌ لِلْحَضَانَةِ (فَالْحَقُّ لِلْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ) فِي الْإِرْثِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُ كَذَلِكَ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ بَنُوهُمْ (لَكِنْ لَا تُدْفَعُ صَبِيَّةٌ إلَى عَصَبَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُدْفَعُ الْغُلَامُ إلَى ابْنِ الْعَمِّ

فَيُبْدَأُ بِابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَإِلَى أَنْ عُدِمَ الدَّفْعُ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ تُشْتَهَى وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى كَبِنْتِ سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ تُشْتَهَى وَكَانَ مَأْمُونًا فَلَا مَنْعَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلَا) تُدْفَعُ إلَى (فَاسِقٍ مَاجِنٍ) أَيْ شَخْصٍ لَا يُبَالِي بِمَا صَنَعَ، وَبِمَا قِيلَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ مَحْرَمًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُؤْتَمَنٍ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ الصَّبِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّبِيَّ يُدْفَعُ لَكِنْ فِي التَّسْهِيلِ وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَحْرَمٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَى صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ بِفِسْقِهِ انْتَهَى. وَهُوَ أَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا سُقُوطَ الْحَضَانَةِ بِالْفِسْقِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمَطْلَبِ وَمَنْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ اجْتَمَعُوا) أَيْ اجْتَمَعَ مُسْتَحِقُّو الْحَضَانَةِ (فِي دَرَجَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَسَنُّهُمْ) . وَفِي الْمَطْلَبِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِلصَّغِيرِ عَصَبَةٌ يُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى وَلَدِهِ ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عِنْدَ الْإِمَامِ فِي النِّكَاحِ (وَلَا حَقَّ لِأَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ فِي الْحَضَانَةِ قَبْلَ الْعِتْقِ) وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ أَوْ مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لِاشْتِغَالِهِنَّ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى لَكِنْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا كُنَّ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَى الْأُمِّ وَقُيِّدَ بِقَبْلِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَتْ كَالْحُرَّةِ (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ) بِأَنْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ لَا تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ لَا حَقَّ لَهَا لِلذِّمِّيَّةِ فِي الْمُسْلِمِ (مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ إلْفَ الْكُفْرِ) فَحِينَئِذٍ يُؤْخَذُ عَنْهَا جَارِيَةً كَانَتْ أَوْ غُلَامًا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بِانْتِقَاشِ أَقْوَالِ الْكُفْرِ فِي ذِهْنِهِ (وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِوَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الِاسْتِغْنَاءِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأُمِّ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَضَانَتَهَا إذَا سَقَطَتْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ (وَلَا لِلْأُمِّ) ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأَبِ (إلَّا إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا فِيهِ) فَلَا تُخْرِجُهُ إلَى بَلَدٍ لَيْسَ وَطَنًا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِيهِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَتُخْرِجُهُ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْوَطَنُ (دَارَ حَرْبٍ) فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَصْلًا هَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَمَّا لَوْ كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا هُنَاكَ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى دَارِهَا (وَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ السَّفَرُ بِهِ (لِغَيْرِ الْأُمِّ) مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ

باب النفقة

أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ تَفَاوُتٌ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ مَا) اسْمُ كَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَسَافَةِ بِحَيْثُ (يُمْكِنُ لِلْأَبِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَدِهِ (وَيَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِالْأَبِ فَصَارَ كَالنُّقْلَةِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى فِي الْمِصْرِ الْمُتَبَاعِدِ الْأَطْرَافِ. (وَكَذَا النُّقْلَةُ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ) لِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ (بِخِلَافِ الْعَكْسِ) أَيْ النُّقْلَةِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ إذْ فِيهِ ضَرَرُ الْوَلَدِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ إلَّا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكَفُورِ أَهْلُ الْقُبُورِ (وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ) فِي الْحَضَانَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا يُخَيَّرُ. وَفِي التَّنْوِيرِ بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ مَبْلَغَ النِّسَاءِ إنْ بِكْرًا ضَمَّهَا الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ ثَيِّبًا لَا إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا وَالْغُلَامُ إذَا عَقَلَ وَاسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ لَيْسَ لِلْأَبِ ضَمُّهُ إلَى نَفْسِهِ وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَهَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ فَلَهُ ضَمُّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لَا يَضُمُّهَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ أَوْ كَانَ لَهَا عَصَبَةٌ مُفْسِدٌ فَالنَّظَرُ فِيهَا إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ مَأْمُونَةً خَلَّاهَا تَنْفَرِدُ بِالسُّكْنَى وَإِلَّا وَضَعَهَا عِنْدَ أَمِينَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى الْحِفْظِ بِلَا فَرْقٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ. [بَابُ النَّفَقَةِ] ِ وَهِيَ لُغَةً اسْمٌ مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَالتَّرْكِيبُ دَالٌّ عَلَى الْمُضِيِّ بِالْبَيْعِ نَحْوُ نَفَقَ الْبَيْعُ نَفَاقًا بِالْفَتْحِ أَيْ رَاجَ أَوْ بِالْمَوْتِ نَحْوُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا أَيْ مَاتَتْ أَوْ بِالْفِنَاءِ نَحْوُ نَفَقَتْ الدَّرَاهِمُ نَفَقًا أَيْ فَنِيَتْ وَلَيْسَتْ النَّفَقَةُ هُنَا مُشْتَقَّةً مِنْ النُّفُوقِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلَا مِنْ النَّفَقِ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَشَرِيعَةً: مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ نَحْوِ مَأْكُولٍ وَمَلْبُوسٍ وَسُكْنَى قَالُوا وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ لِمُنَاسِبَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ هِيَ الْأَصْلُ فَقَالَ: (تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ اللِّبَاسُ كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَفِي التَّاجِ الْإِلْبَاسُ (وَالسُّكْنَى) اسْمٌ مِنْ الْإِسْكَانِ لَا مِنْ السُّكُونِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا) سَوَاءٌ كَانَ

فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْوَالِي وَالْمُفْتِي وَالْمُقَاتِلُ وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَصِيُّ. (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (صَغِيرًا) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ فَكَانَ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (مُسْلِمَةً كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (أَوْ كَافِرَةً) مَوْطُوءَةً أَوْ غَيْرَهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَلَوْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ لَا فَضْلَ فِيهَا (كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً) الَّتِي (تُوطَأُ) أَيْ تَصْلُحُ لِلْوَطْءِ فِي الْجُمْلَةِ بِلَا مَنْعِ نَفْسِهَا عَنْهُ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَا اعْتِبَارَ لِكَوْنِهَا مُشْتَهَاةً عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قَالُوا إنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مُشْتَهَاةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ التَّلَذُّذُ مِنْهَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فَعَلَى هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَطْءِ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الدَّوَاعِي تَدَبَّرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ (إذَا سَلَّمَتْ) الزَّوْجَةُ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ تَجِبُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الزَّوْجِ (نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ) أَيْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ تَسْلِيمُهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا وَإِنْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ ثُمَّ قَالَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا الزَّوْجُ بِالِانْتِقَالِ وَكَذَا إذَا طَالَبَهَا، وَلَمْ تَمْتَنِعْ أَمَّا إذَا طَالَبَهَا بِالِانْتِقَالِ وَامْتَنَعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ إلَيْهِ نَفْسَهَا مَعْنًى لَكِنَّ التَّقْصِيرَ وُجِدَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حَيْثُ تَرَكَ النَّقْلَ تَأَمَّلْ (أَوْ لَمْ تُسَلِّمْ) نَفْسَهَا (لِحَقٍّ لَهَا) كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ فَإِنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ (أَوْ لَمْ) تُسَلِّمْ نَفْسَهَا (لِعَدَمِ طَلَبِهِ) أَيْ لِعَدَمِ طَلَبِ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ حَقُّهُ وَإِذَا لَمْ يُطَالِبْهَا كَانَ تَارِكًا حَقَّهُ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِتَرْكِ حَقِّهِ (وَتُفْرَضُ النَّفَقَةُ) أَيْ تُقَدَّرُ (فِي كُلِّ شَهْرٍ وَتُسَلَّمُ إلَيْهَا)

فِي كُلِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْقَضَاءُ بِهَا كُلَّ سَاعَةٍ وَيَتَعَذَّرُ بِجَمِيعِ الْمُدَّةِ فَقَدَّرْنَا بِالشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَوْسَطُ وَهُوَ أَقْرَبُ الْآجَالِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا يَوْمًا فَيَوْمًا وَإِنْ مِنْ التُّجَّارِ شَهْرًا فَشَهْرًا وَإِنْ مِنْ الدَّهَاقِينِ سَنَةً فَسَنَةً وَلِلزَّوْجِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي عَدَمُ إنْفَاقِهِ فَيُفْرَضُ لَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَيُقَدِّرُهَا تَقْدِيرَ الْغَلَاءِ وَلَا يُقَدَّرُ بِدَرَاهِمَ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. وَفِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ فَرْضَ النَّفَقَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَنْظُرَ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُقَوِّمُ الْأَصْنَافَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُقَدِّرُ بِالدَّرَاهِمِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ صَالَحَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى مَا لَا يَكْفِيهَا فَطَلَبَتْ التَّكْمِيلَ كَمَّلَهَا الْقَاضِي. (وَ) تُفْرَضُ (الْكِسْوَةُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِاخْتِلَافِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ فَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ وَمُقَنَّعَةٌ وَمِلْحَفَةٌ وَتُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ وَلِحَافٌ وَفِرَاشٌ إنْ طَلَبَتْهُ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ يَسَارًا وَإِعْسَارًا وَحَالًا وَبُلْدَانًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَتُقَدَّرُ بِكِفَايَتِهَا بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) تَصْرِيحٌ لِمَا عُلِمَ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ بِكِفَايَتِهَا. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالطِّبَاعِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ وَالْوَسَطُ خُبْزُ الْبُرِّ وَإِدَامٌ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ لَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُفْرَضُ الْكِسْوَةُ (وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ (حَالُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَفِي الْمُوسِرَيْنِ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ يُعْتَبَرُ (حَالُ الْيَسَارِ) كَكِسْوَتِهِمْ وَالْيَسَارُ اسْمٌ مِنْ الْإِيسَارِ، وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ (وَفِي الْمُعْسِرَيْنِ) يُعْتَبَرُ (حَالُ الْإِعْسَارِ) أَيْ الِافْتِقَارِ (وَفِي الْمُخْتَلِفَيْنِ) بِأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَالزَّوْجَةُ مُعْسِرَةً أَوْ بِالْعَكْسِ يُعْتَبَرُ (بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ نَفَقَةُ الْوَسَطِ دُونَ نَفَقَةِ

الْمُوسِرِينَ وَفَوْقَ الْمُعْسِرِينَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُطْعِمَهَا الزَّوْجُ مَا يَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْكَرْخِيُّ (يُعْتَبَرُ حَالُهُ) أَيْ الزَّوْجِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ (فَقَطْ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ حَالُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ الْمُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذُكِرَ فِي الْخِزَانَةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَيُنْفِقُ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ (وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (فِي إعْسَارِهِ فِي حَقِّ النَّفَقَةِ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَالْبَيِّنَةُ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ (وَتُفْرَضُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ (نَفَقَةُ خَادِمٍ وَاحِدٍ) مِلْكًا (لَهَا لَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُوسِرًا) ؛ لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا وَفِي قَوْلِهِ لَهَا إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِجْبَارِ عَلَى النَّفَقَةِ كَوْنُ الْخَادِمِ مِلْكًا لَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِمَمْلُوكٍ لَهَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِلْخَادِمِ وَقِيلَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْخَادِمِ وَلَوْ حُرًّا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَخَادِمُ الْمَرْأَةِ إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ مُقَابَلٌ بِالْخِدْمَةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا نَفْرِضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِهِمَا كَمَا فِي الطَّحَاوِيِّ (تُفْرَضُ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ) أَحَدُهُمَا لِمَصَالِحِ دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَالْآخَرُ لِمَصَالِحِ خَارِجِهِ وَعَنْهُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ فَائِقَةً فِي الْغِنَى وَزُفَّتْ إلَيْهِ بِخَدَمٍ كَثِيرٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْجَمِيعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَمُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْوَلَوْالِجيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْإِشْرَافِ وَلَهَا خَدَمٌ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمَيْنِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِ خَادِمٌ وَاحِدٌ فُرِضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا، وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ وَإِلَّا لَا وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ الصَّحِيحُ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا تُعْطِيهَا الْإِدَامَ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَالْأَوَانِي وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهِ وَعَلَيْهِ لَهَا جَمِيعُ مَا يَكْفِيهَا

ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَنْبِيهًا لِلْأَزْوَاجِ لِمَا نَرَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَقْصِيرِهِمْ فِي حُقُوقِهِنَّ حَتَّى أَنَّهُ يَأْمُرُهَا بِفَرْشِ أَمْتِعَتِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لِأَضْيَافِهِ وَبَعْضُهُمْ لَا يُعْطِي لَهَا كِسْوَةً حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ غَنِيَّةً ثُمَّ صَارَتْ فَقِيرَةً، وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُعْسِرًا لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ فِي الْأَصَحِّ) مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ (وَلَوْ فُرِضَتْ) أَيْ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ نَفَقَةَ الْعِسَارِ (لِإِعْسَارِهِ) أَيْ لِأَجْلِ إعْسَارِهِ أَوْ وَقْتِ إعْسَارِهِ (ثُمَّ أَيْسَرَ) الزَّوْجُ (فَخَاصَمَتْهُ) لِلْإِتْمَامِ (تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْيَسَارِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَمَا قَضَى بِهِ تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ لَمْ تُجِبْهُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَوْ فُرِضَتْ لِيَسَارِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ (تَلْزَمُ نَفَقَةُ الْإِعْسَارِ) . وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اُعْتُبِرَ حَالُ الزَّوْجِ فَقَطْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَالُ الْمَرْأَةِ أَصْلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا تَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَوْلُ الْخَصَّافِ ثُمَّ بَنَى الْحُكْمَ هُنَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَقَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَا فَإِنَّهُ يُتَمِّمُ نَفَقَةَ الْيَسَارِ اتِّفَاقًا وَإِذَا أَيْسَرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِنَفَقَةِ يَسَارِهِ وَنَفَقَةِ إعْسَارِهَا، وَهِيَ الْوَسَطُ عِنْدَ الْخَصَّافِ، وَكَذَا إذَا أَيْسَرَتْ وَحْدَهَا قُضِيَ بِالْوَسَطِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَلَامُهُ شَامِلًا لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَمَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ فَلَا تَنَاقُضَ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِوَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي مُوسِرَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ بِمُعْسِرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ أَوْ بِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي، وَمَا ذَكَرَهُ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِفْتَاءِ فَلَا تَنَاقُضَ تَدَبَّرْ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَجَبَ الْوَسَطُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ تَأَمَّلْ (وَلَا نَفَقَةَ لِنَاشِزَةٍ) أَيْ عَاصِيَةٍ مَا دَامَتْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ وَصَفَهَا عَلَى وَجْهِ الْكَشْفِ فَقَالَ (خَرَجَتْ) النَّاشِزَةُ (مِنْ بَيْتِهِ) خُرُوجًا حَقِيقِيًّا أَوْ حُكْمِيًّا (بِغَيْرِ حَقٍّ) وَإِذْنٍ

مِنْ الشَّرْعِ قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ بِحَقٍّ كَمَا لَوْ خَرَجَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ لَهَا الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ أَوْ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ فِي مَغْصُوبٍ أَوْ مَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَنْزِلِهَا الَّذِي يَسْكُنُ مَعَهَا فِيهِ بِحَقٍّ كَمَا لَوْ مَنَعَتْهُ لِاحْتِيَاجِهَا إلَيْهِ وَكَانَتْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا آخَرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَكُنْ نَاشِزَةً وَقُيِّدَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقِيمَةً مَعَهُ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كُرْهًا. وَفِي الْبَحْرِ وَشَمِلَ الْخُرُوجَ الْحُكْمِيَّ مَا إذَا طَلَبَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا وَامْتَنَعَتْ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً، وَإِطْلَاقُ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلنَّاشِزَةِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً فَإِنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُهَا أَيْضًا إلَّا إنْ اسْتَدَانَتْ، فَإِنَّ الْمُسْتَدَانَةَ لَا يُسْقِطُهَا النُّشُوزُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُهَا أَيْضًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَمِنْ النَّوَاشِزِ مَا إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ بَعْدَ مَا سَلَّمْتهَا كَمَا قَالَا وَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ عِنْدَهُ وَمَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي النَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ فَقَطْ فَلَا نَفَقَةَ كَالْمُحْتَرِفَاتِ لَمْ تَكُنْ مَعَ الزَّوْجِ إلَّا بِاللَّيْلِ. (وَ) كَذَا لَا نَفَقَةَ لِامْرَأَةٍ (مَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ) وَلَوْ تَرَكَ الدَّيْنَ وَأَطْلَقَ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَةَ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ بِحَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ بِدَيْنٍ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ أَوْ حُبِسَتْ ظُلْمًا تَجِبُ وَإِلَّا لَا، وَهَذَا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي الْحَبْسِ وَإِنْ قَدَرَ قَالُوا تَجِبُ النَّفَقَةُ وَقُيِّدَ بِحَبْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَبَسَ مُطْلَقًا أَوْ هَرَبَ أَوْ نَشَزَ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ. (وَ) كَذَا لِامْرَأَةٍ (مَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلَوْ هِيَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا نَوْعُ تَنَاقُضٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ اخْتَارَ هُنَا كَمَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ ثَمَّةَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ تَدَبَّرْ. (وَ) كَذَا لِامْرَأَةٍ (مَغْصُوبَةٍ) يَعْنِي أَخَذَهَا رَجُلٌ كُرْهًا فَذَهَبَ بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عَمَّا مَضَى إذَا عَادَتْ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْأَحْسَنُ تَرْكُ الْقَيْدِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً إذَا رَضِيَتْ بِهِ انْتَهَى. نَعَمْ إلَّا أَنَّ الْمَغْصُوبَةَ طَوْعًا دَاخِلَةٌ تَحْتَ حَدِّ النَّاشِزَةِ تَدَبَّرْ. (وَ) كَذَا لِامْرَأَةٍ (صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ) وَإِنَّمَا صَرَّحَ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ صَغِيرَةً الَّتِي تُوطَأُ رَدَّ الْقَوْلَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا النَّفَقَةُ تَدَبَّرْ. وَلَمْ يُذْكَرْ حُكْمُ الْعَجْزِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ، فَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهَا قَائِمٌ، وَمَعَ قِيَامِ الْمَنْعِ مِنْ جِهَتِهَا لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْبَلُ الْقَلْبَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَوْ كَانَ هُوَ مَحْبُوسًا وَجَبَتْ كَمَا مَرَّ فَعُلِمَ

أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْمَنْعِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ تَدَبَّرْ. (وَ) كَذَا لِامْرَأَةٍ (حَاجَّةٍ) حَالَ كَوْنِهَا (لَا) تَكُونُ (مَعَهُ) أَيْ الزَّوْجِ حَجَّ الْإِسْلَامِ قَبْلَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ لَكِنَّ إطْلَاقَهُ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ (وَلَوْ حَجَّتْ مَعَهُ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (فَلَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمُقِيمَةِ فِي مَنْزِلِهِ فَمَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ يَكُونُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ بِإِزَاءِ مَنْفَعَةٍ لَهَا (لَا) نَفَقَةَ (السَّفَرِ وَلَا الْكِرَاءِ) وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ هَذَا تَصْرِيحٌ لِمَا عُلِمَ ضِمْنًا وَلَوْ اكْتَفَى بِالْأَوَّلِ لَكَانَ أَخْصَرَ. (وَلَوْ مَرِضَتْ) الزَّوْجَةُ (فِي مَنْزِلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (فَلَهَا النَّفَقَةُ) وَالْقِيَاسُ عَدَمُهَا إذَا كَانَ مَرَضُهَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ لِفَوْتِ الِاحْتِبَاسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إنَّ الِاحْتِبَاسَ مَوْجُودٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا، وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا لِمُسَاوٍ غَيْرِهِ وَالْمَانِعُ يُعَارَضُ كَالْحَيْضِ (لَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ (لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِهَا وَزُفَّتْ إلَيْهِ مَرِيضَةً) إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَرِيضَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا أَوْ لَا كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا زُفَّتْ إلَى زَوْجِهَا، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَمَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ لَا نَفَقَةَ لَهَا مُخَالِفٌ لِلْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ تَتَبَّعْ (وَلَا يُفَرِّقُ) الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (لِعَجْزِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْ النَّفَقَةِ) وَلَا بِعَدَمِ إيفَاءِ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا حَقَّهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ الْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ إنْ طَلَبَتْ الْفُرْقَةَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَالتَّفْرِيقُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ إيفَائِهِ حَقَّهَا مِنْ النَّفَقَةِ، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا لَا يَعْجِزُهُ عَنْ النَّفَقَةِ صَرَّحَ بِهَذَا فِي غَايَةِ الْقُصْوَى قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَوْ غَابَ الزَّوْجُ حَالَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ وَلَكِنْ لَا يُوَفِّي حَقُّهَا فَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُطَالِبَهُ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا، وَالثَّانِي ثُبُوتُ الْفَسْخِ وَإِلَيْهِ مَالَ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي الدُّرَرِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْعَجْزَ لَا يُعْرَفُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ وَأَطْلَقَ النَّفَقَةَ فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، وَهِيَ مَأْكُولٌ وَمَلْبُوسٌ وَمَسْكَنٌ فَلَا يُفَرِّقُ لِعَجْزِهِ عَنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا (وَتُؤْمَرُ) الزَّوْجَةُ (بِالِاسْتِدَانَةِ) أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي اسْتَدِينِي عَلَى زَوْجِك أَيْ اشْتَرِي الطَّعَامَ

نَسِيئَةً عَلَى أَنْ تَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخٌ أَوْ ابْنٌ مُوسِرٌ أَوْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ كُلٌّ مِنْهُمَا إذَا امْتَنَعَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ (لِتُحِيلَ) الْمَرْأَةُ رَبَّ الْمَالِ وَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ فَتَرْجِعُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى تَرِكَتِهِ إنْ مَاتَ، وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ بَلْ عَلَى الزَّوْجَةِ، ثُمَّ هِيَ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَحْرِ، وَكَذَا إنْ نَوَتْ وَإِذَا لَمْ تُصَرِّحْ، وَلَمْ تَنْوِ لَمْ تَرْجِعْ وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا نَوَتْ الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهَا. وَفِي الْفَتْحِ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ، وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ، وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ (وَلَا تَجِبُ) عَلَيْهِ (نَفَقَةُ مُدَّةٍ مَضَتْ) وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهَا إمَّا بِعَجْزِهِ أَوْ تَعَنُّتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ زَمَنِهِ وَذَلِكَ شَهْرٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) النَّفَقَةُ (قُضِيَ بِهَا) بِتَقْدِيرِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهَا (أَوْ تَرَاضَيَا) أَيْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ (عَلَى مِقْدَارِهَا) بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُمَا لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَوْ الْمُرْضِيَةُ لِمَا مَضَى مَا دَامَا حَيَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِلَةٌ تَجِبُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ الِاحْتِبَاسِ كَرِزْقِ الْقَاضِي فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ أَوْ التَّأْكِيدِ بِقَضَاءٍ أَوْ تَرَاضٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ بِدُونِهِمَا. (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) بَعْدَ أَحَدِ هَذَيْنِ (أَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي قَبْلَ قَبْضِهَا) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ مِنْ الزَّوْجِ (سَقَطَتْ) النَّفَقَةُ

الْمَفْرُوضَةُ بِالْقَضَاءِ وَالرِّضَاءِ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ سَاقِطَةٌ بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَأَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُسْقِطُهَا، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّ الْمَفْرُوضَةَ لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ وُجُوهٍ فَلْيُطَالَعْ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُعَيَّنْ بِأَحَدِهِمَا تَسْقُطُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا تَسْقُطُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) الزَّوْجَةُ (اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ قَاضٍ) فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ، هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً وَاسْتِدَانَتُهَا عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ. (وَلَوْ عَجَّلَ) أَيْ الزَّوْجُ أَوْ أَبُوهُ (لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ لِمُدَّةٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا) أَيْ لَا يُسْتَرَدُّ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالُوا الْفَتْوَى عَلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً أَوْ هَالِكَةً فَلَا تَرُدُّ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يُحْتَسَبُ لَهَا نَفَقَةُ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ لِلزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ حَالَ الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَدَمَ فَرْقِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ فِي الْحُكْمِ. وَفِي الْفَتْحِ الْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ (فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (يُبَاعُ) الْعَبْدُ (فِيهِ) لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمُتَوَفَّى فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى أَوْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ فِي الصَّحِيحِ (مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أُخْرَى) فَإِذَا بِيعَ فِي دَيْنِ النَّفَقَةِ فَاشْتَرَاهُ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَرَضِيَ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ ثَانِيًا، وَكَذَا حَالُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا (وَلَا) يُبَاعُ الْعَبْدُ (فِي دَيْنِ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ (إلَّا مَرَّةً) فَإِنْ وَفَّى الْغُرَمَاءُ فَبِهَا وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ يُبَاعُ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَصَاحِبُ الْفَرَائِدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ سَهْوٌ فَاحِشٌ فَلَا يُبَاعُ لِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَهْرِ كَمَا هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ بِالنَّفَقَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ يُبَاعُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الدُّيُونِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ حَادِثَةً بَعْدَ الْبَيْعِ لَا تَتَفَرَّقُ فَصَارَتْ دَيْنًا وَاحِدًا حُكْمًا بِخِلَافِ الدُّيُونِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ فَافْتَرَقَا تَتَبَّعْ. قُيِّدَ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَوَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يُبَاعُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يَعْجِزْ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَقُيِّدَ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُبَاعُ وَقُيِّدَ بِنَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] (فِي بَيْتٍ) أَيْ فِي مَكَان يَصْلُحُ مَأْوًى لِلْإِنْسَانِ حَيْثُ أَحَبَّ لَكِنْ بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ

سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِالْإِيذَاءِ (خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (وَأَهْلِهَا) أَيْ مَحْرَمِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِالسُّكْنَى مَعَ النَّاسِ إذْ لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ إلَّا أَنْ تَرْضَى هِيَ بِأَهْلِهِ أَوْ يَرْضَى هُوَ بِأَهْلِهَا. (وَلَوْ) كَانَ (وَلَدُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ لِمُعَادَاةٍ بَيْنَهُمَا غَالِبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ لَهَا أَنْ لَا تَسْكُنَ مَعَ أَمَتِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِخْدَامِهَا لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا لَا يَحِلُّ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا (وَيَكْفِيهَا بَيْتٌ) أَيْ كَامِلُ الْمَرَافِقِ (مُفْرَدٌ مِنْ دَارٍ إذَا كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْبَيْتِ (غَلَقٌ) بِالتَّحْرِيكِ مَا يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ بِالْمِفْتَاحِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْأَمْنُ وَالْمُعَاشَرَةُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِهِ غَلَقٌ يَخُصُّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ ضَرَّتِهَا وَمَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ خَلَّى لَهَا بَيْتًا وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ وَغَلَقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا آخَرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْبَيْتِ مِنْ بَيْتِ الْخَلَاءِ وَمِنْ مَطْبَخٍ بِخِلَافِ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ فَلِهَذَا فَسَّرْنَا بِكَامِلِ الْمَرَافِقِ تَدَبَّرْ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ مِنْ أَحِمَّاءِ الزَّوْجِ مِمَّنْ يُؤْذِيهَا (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (مَنْعُ أَهْلِهَا) أَيْ مَحْرَمِهَا (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (وَلَدُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَلَدِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الزَّوْجِ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ وَإِلَّا يَلْزَمْ حَذْفُ الْمَوْصُولِ مَعَ بَعْضِ الصِّلَةِ (عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ مِلْكُهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنْ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (لَا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا) عَطْفٌ عَلَى عَنْ الدُّخُولِ أَوْ لِنَفْيِ الْجِنْسِ أَيْ لَا مَنْعَ أَوْ لِلنَّفْيِ أَيْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ النَّظَرِ، وَمِنْ الظَّنِّ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالْكَلَامُ مَعَهَا مَتَى) أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ (شَاءُوا) إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَفِي الْمَنْعِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْقَرَارِ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْفِتْنَةَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) أَيْ الزَّوْجَ (لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا مِنْ دُخُولِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ (مَرَّةً) قَيْدٌ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ كِلَيْهِمَا. (وَ) كَذَا لَا يَمْنَعُ (فِي) الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَحْرَمٍ (غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ الْوَالِدَيْنِ (فِي السَّنَةِ مَرَّةً) قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَمْنَعُ الْمَحَارِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَفِي الْمُخْتَارَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَهُ أَنْ يَأْذَنَهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْحَجِّ وَلَوْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لَهُ عَلَيْهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَوْ أَذِنَ فَخَرَجَتْ يَكُونَانِ عَاصِيَيْنِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ

نفقة زوجة الغائب

خِلَافُهُ. [نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْغَائِبِ] (وَتُفْرَضُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْغَائِبِ) سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ السَّفَرِ أَمْ لَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُنْيَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْبَحْرِ أَنْ يَكُونَ مُدَّةَ سَفَرٍ فَإِنَّهُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ يَسْهُلُ إحْضَارُهُ وَمُرَاجَعَتُهُ وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يَجِبُ حِفْظُهُ تَتَبَّعْ (وَطِفْلِهِ) وَبِنْتِهِ الْكَبِيرَةِ أَوْ ابْنِهِ الْفَقِيرِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ زَمِنًا (وَأَبَوَيْهِ) فَلَا تُفْرَضُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَا تُفْرَضُ عَنْ مَمْلُوكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فِي مَالٍ لَهُ) أَيْ لِلْغَائِبِ (مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ) أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ فَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ لِلْإِنْفَاقِ بِالْوِفَاقِ (عِنْدَ مُودَعٍ) ظَرْفٌ لِقَوْلِ لَهُ أَوْ حَالٌ (أَوْ) عِنْدَ (مُضَارِبٍ أَوْ مَدْيُونٍ يُقِرُّ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُودَعِ أَوْ الْمُضَارِبِ أَوْ الْمَدْيُونِ (بِهِ) أَيْ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ أَوْ الدَّيْنِ (وَبِالزَّوْجِيَّةِ) فِي نَفَقَةِ الْعُرْسِ وَبِالنَّسَبِ فِي الْبَوَاقِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ (أَوْ يَعْلَمُ الْقَاضِي) عَطْفٌ عَلَى يُقِرُّ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالدَّيْنِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ عِنْدَ عَدَمِ اعْتِرَافِهِمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ حُجَّةٌ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِبَعْضٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يُشْتَرَطُ إقْرَارُهُمْ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ عِنْدَ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَيْتِهِ فَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَلِمَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ لِحَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ قُضِيَ لَهُ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَيُحَلِّفُهَا) أَيْ الْقَاضِي الزَّوْجَةَ وَلَا حَاجَةَ بِذِكْرِ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَطْلُبُ النَّفَقَةَ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي الطِّفْلِ وَإِخْوَتِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ هُوَ الصَّبِيُّ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ الْبَطْنِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ وَالصَّبِيُّ كَيْفَ يَحْلِفُ تَدَبَّرْ. (أَنَّهُ) أَيْ الْغَائِبَ (لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ) بِأَنْ قَالَتْ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْت النَّفَقَةَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَيَأْخُذُ) أَيْ يَأْخُذُ الْقَاضِي (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الزَّوْجَةِ (كَفِيلًا) بِالنَّفَقَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ أَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً. وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ الصَّحِيحُ التَّحْلِيفُ وَالتَّكْفِيلُ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يَحْلِفُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُعْطِي الْكَفِيلَ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا (فَلَوْ لَمْ يُقِرُّوا

بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِهَا) أَيْ الزَّوْجِيَّةِ (فَأَقَامَتْ) الزَّوْجَةُ (بَيِّنَةً) عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ عَلَى الْمَالِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (لَا يَقْضِي) الْقَاضِي (بِهَا) أَيْ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي الزَّوْجِيَّةِ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً لَا يَقْضِي بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ فَعَلَى هَذَا اقْتِصَارُهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ قُصُورٌ تَدَبَّرْ. (وَكَذَا) لَا يَقْضِي (لَوْ لَمْ يُخْلِفْ) الْغَائِبُ (مَالًا فَأَقَامَتْ) الزَّوْجَةُ (الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ لِيَفْرِضَ) الْقَاضِي (لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (النَّفَقَةَ) عَلَى الْغَائِبِ (وَيَأْمُرَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ (بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَائِبِ (لَا يَسْمَعُ) الْقَاضِي (بَيِّنَتَهَا) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ (وَعِنْدَ زُفَرَ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ قَالَ مَشَايِخُنَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ قَوْلُ زُفَرَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (يَسْمَعُهَا) أَيْ يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ (لِيَفْرِضَ النَّفَقَةَ) وَيَأْمُرَ بِالِاسْتِدَانَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ وَأَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ قَضَى الدَّيْنَ وَإِنْ أَنْكَرَهَا كَلَّفَهَا الْقَاضِي إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَعَادَتْ فَبِهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَوْ الْمَرْأَةُ (لَا) يَسْمَعُ (لِثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ (وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ الْيَوْمَ وَالْمُخْتَارُ) وَهَذِهِ مِنْ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا بِقَوْلِ زُفَرَ لِحَاجَةِ النَّاسِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى) وَكَذَا الْكِسْوَةُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالُوا إنَّمَا مَا لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ غَالِبًا فَتَسْتَغْنِي عَنْهَا حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا يُفْرَضُ لَهَا (لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ) كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ (بَائِنًا) وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا نَفَقَةَ لِلْمُخْتَلِعَةِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ، وَقَالَ لَهَا النَّفَقَةُ إلَّا إذَا شُرِطَ فِيهِ، وَلَهَا السُّكْنَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا دُونَ السُّكْنَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا نَفَقَةَ لِمَبْتُوتَةٍ لَوْ حَائِلًا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ وَكَذَا السُّكْنَى إلَّا فِي قَوْلٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ تَجِبُ لِمَوْتٍ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَ) كَذَا تَجِبُ لِلْمَرْأَةِ (الْمُفَرَّقَةِ بِلَا مَعْصِيَةٍ) صَادِرَةٍ عَنْهَا (كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ وَالتَّفْرِيقِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ) وَلَوْ اقْتَصَرَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بِدُونِ ذِكْرِ

فصل نفقة الطفل الفقير

التَّفْرِيقِ أَوْ بِالتَّفْرِيقِ بِدُونِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ تَدَبَّرْ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُضَافَةً إلَى الزَّوْجِ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَبَى الزَّوْجُ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالْإِبَاءِ وَهُوَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَأَبَتْ هِيَ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ انْتَهَى. لَكِنْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إذَا كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَ وَأَبَتْ هِيَ بَقِيَتْ الزَّوْجِيَّةُ عَلَى حَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَا مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ الْمَرْأَةُ مَجُوسِيَّةً فَإِنَّ فِيهَا إذَا أَسْلَمَ، وَأَبَتْ هِيَ يَبْطُلُ النِّكَاحُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَعَلَى هَذَا الصَّوَابُ أَنْ يُخَصَّصَ تَدَبَّرْ. (لَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى (لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ لَا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ (وَالْمُفَرَّقَةُ بِمَعْصِيَةٍ) صَادِرَةٍ مِنْهَا (كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ) أَيْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ بِشَهْوَةٍ وَالزِّنَا بِهِ طَوْعًا لَا كُرْهًا فَإِنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ رِدَّتَهُ أَوْ تَقْبِيلَهُ ابْنَتَهَا وَغَيْرَهُمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ، وَإِلَى أَنْ لَا تَجِبَ لَهَا السُّكْنَى أَيْضًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صَرَّحَ بِوُجُوبِهَا لَهَا. وَفِي الْفَتْحِ لَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمَعْصِيَتِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَعَلَى هَذَا أَنْ يَذْكُرَ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَتَخْصِيصُ عَدَمِ وُجُوبِ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَلَوْ ارْتَدَّتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا) يَعْنِي لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ الْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) ، وَهَذَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ، وَإِلَّا فَلَهَا النَّفَقَةُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَا وَقَعَ فِي الْمَتْنِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالثَّلَاثِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ اتِّفَاقِيٌّ (لَا) أَيْ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا (لَوْ مَكَّنَتْ) أَيْ مُعْتَدَّةُ الثَّلَاثِ وَكَذَا الْبَائِنُ وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالتَّمْكِينِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ وَالْفُرْقَةُ حَصَلَتْ مِنْهُ (ابْنَهُ) أَيْ ابْنَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلتَّمْكِينِ خِلَافًا لِزُفَرَ. [فَصْلٌ نَفَقَةُ الطِّفْلِ الْفَقِيرِ] فَصْلٌ (وَنَفَقَةُ الطِّفْلِ) الْحُرِّ (الْفَقِيرِ) وَكَذَا السُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ تَجِبُ (عَلَى أَبِيهِ) بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لَكِنْ عَلَى الْمُعْسِرَةِ تُفْرَضُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَعَلَى الْمُوسِرِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا يَتَكَفَّفُ وَيُنْفِقُ وَقِيلَ

نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْهُ حُبِسَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ قُيِّدَ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا بِشُرُوطٍ كَمَا سَيَأْتِي وَقُيِّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْغَنِيِّ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ الْأَبُ مِنْ مَالِهِ رَجَعَ عَلَى مَالِهِ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ وَقَيَّدْنَا بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ الْمَمْلُوكَ نَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ (لَا يُشَارِكُهُ) أَيْ الْأَبَ (فِيهَا) أَيْ فِي النَّفَقَةِ (أَحَدٌ) مِنْ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] فَهِيَ عِبَارَةٌ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْمَنْكُوحَاتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ وَأَنَّ النَّسَبَ لَهُ (كَنَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ) يَعْنِي لَا يُشْرِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَحَدٌ كَمَا لَا يُشْرِكُ الْوَلَدَ إنْ كَانَ غَنِيًّا فِي نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ أَحَدٌ وَلَا يُشْرِكُ الزَّوْجَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَلَوْ غَنِيَّةً أَحَدٌ (وَلَا تُجْبَرُ أُمُّهُ) أَيْ أُمُّ الطِّفْلِ (عَلَى إرْضَاعِهِ) قَضَاءً؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا غَيْرُ وَتُؤْمَرُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً (إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) الْأُمُّ لِلْإِرْضَاعِ بِأَنْ لَا يَجِدَ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ صِيَانَةً عَنْ ضَيَاعِهِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهِ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمْرِيضِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَيَسْتَأْجِرُ) الْأَبُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ (مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْأُمِّ إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِرْضَاعُ عِنْدَ الْأُمِّ وَذَا غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ أَمَّا فِي مَنْزِلِ أُمِّهِ أَوْ فِنَائِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهَا ثُمَّ تَدْفَعُهُ إلَى أُمِّهِ إلَّا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمُكْثُ عِنْدَهَا إلَّا إذَا شَرَطَ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ الْأُمَّ (وَ) الْحَالُ (هِيَ زَوْجَتُهُ) غَيْرَ مُطَلَّقَةٍ (أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ) طَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا لَا يَجُوزُ) الِاسْتِئْجَارُ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} [البقرة: 233] وَهُوَ أَمْرٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ آكَدُ وَاسْتِئْجَارُ الشَّخْصِ لِأَمْرٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَعُذِرَتْ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَ قُدْرَتُهَا فَلَا تُعْذَرُ.

نفقة البنت بالغة أو صغيرة

(وَفِي) جَوَازِ اسْتِئْجَارِ (مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ رِوَايَتَانِ) فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَصَحِيحٌ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ (وَبَعْدَ الْعِدَّةِ يَجُوزُ) اسْتِئْجَارُهَا بِالِاتِّفَاقِ لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ اسْتَأْجَرَ زَوْجَتَهُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِإِرْضَاعِهِ جَازَ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ نَفَقَةُ النِّكَاحِ وَالْإِرْضَاعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً لَا يَأْخُذُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا عُلِّلَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ اجْتِمَاعُ وَاجِبَيْنِ يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لَا مِنْ مَالِ الْأَبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَهِيَ) أَيْ الْأُمُّ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (أَحَقُّ) وَأَوْلَى بِالِاسْتِئْجَارِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهَا أَنْفَعُ لِلصَّغِيرِ (إنْ لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً عَلَى الْغَيْرِ) فَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَفَقَةٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي الْوَلَوْالِجيَّةِ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ بَلْ لِتَكُونَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ أَيْ أَجْرَ الْمِثْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةُ مُتَبَرِّعَةٌ بِالْإِرْضَاعِ فَالْأُمُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأُمَّ أَحَقَّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ طَلَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ أَوْلَى أَنْ تُرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَكِنْ هِيَ أَوْلَى بِالْإِرْضَاعِ أَمَّا فِي الْحَضَانَةِ فَالْأُمُّ أَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمِنَحِ إنْ كَانَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ تُرْضِعُهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ أَوْ بِأَجْرٍ يَسِيرٍ وَالْأُمُّ تُرِيدُ الزِّيَادَةَ تُرْضِعُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ عِنْدَ الْأُمِّ وَلَا يُنْزَعُ الْوَلَدُ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا. وَفِي الْبَحْرِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْأُمَّ لِلْإِرْضَاعِ لَا يَكْفِي عَنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكْفِيهِ اللَّبَنُ بَلْ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ خُصُوصِيًّا لِكِسْوَةٍ فَيُقَدِّرُ الْقَاضِي لَهُ نَفَقَةً غَيْرَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَغَيْرَ أُجْرَةِ الْحَضَانَةِ فَعَلَى هَذَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا هِيَ زَوْجَتَهُ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ) أَيْ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ (مِنْ غَيْرِهَا صَحَّ) الِاسْتِئْجَارُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ دِيَانَةً. [نَفَقَةُ الْبِنْتِ بَالِغَةً أَوْ صَغِيرَةً] (وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ بَالِغَةً) أَوْ صَغِيرَةً وَلَمْ يَذْكُرْهَا لِإِغْنَاءِ الطِّفْلِ (وَالِابْنِ) الْبَالِغِ (زَمِنًا) بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ أَوْ الَّذِي لَا يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ كَمَا فِي الْمَذْهَبِ وَكَذَا أَعْمَى وَأَشَلُّ وَغَيْرُهُمَا فَقِيرٌ تَجِبُ (عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً وَبِهِ يُفْتَى) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْحَسَنُ وَالْخَصَّافُ بِرِوَايَةٍ عَنْهُ (عَلَى الْأَبِ ثُلُثَاهَا وَعَلَى الْأُمِّ ثُلُثَاهَا) اعْتِبَارًا بِالْإِرْثِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى

الْأَبِ وَحْدَهُ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَبَ اجْتَمَعَتْ فِيهِ لِلصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمُؤْنَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فِيهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَبُ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (وَعَلَى الْمُوسِرِ) عَطْفٌ عَلَى الْأَبِ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا كَانَ عَاجِزًا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ وَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْيَسَارِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ يَمْلِكَ مَا فَضَلَ مِنْ حَاجَتِهِ مِمَّا يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَقَالَ (يَسَارًا يُحَرِّمُ الصَّدَقَةَ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ يَسَارُ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَسَارُ الْفَاضِلِ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَاكْتَسَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا وَكَفَاهُ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ يُنْفِقُ الْفَضْلَ. وَفِي التُّحْفَةِ يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ كَسُوبًا وَهُوَ أَرْفَقُ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ كَسْبِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ دِيَانَةً أَنْ لَا يُضَيِّعَ وَلَدَهُ (نَفَقَةُ أُصُولِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الِابْنَ يَعِيشُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكُهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لَكِنْ فِيهِ اسْتِدْرَاكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَنَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ اقْتَصَرَ بِهَذَا لَكَانَ أَخْصَرَ، تَدَبَّرْ (الْفُقَرَاءِ) سَوَاءٌ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَا قِيلَ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الِابْنُ الْكَاسِبُ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبِ الْكَاسِبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ. وَفِي الْفَتْحِ لَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَالِدِ خَاصَّةً أَوْ فِي الْجَدِّ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ وَيُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمَتْنِ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ غِنَى الْأَبِ وَأَنْكَرَهُ الْأَبُ فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ وَالْبَيِّنَةُ لِلِابْنِ (بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ) وَلَوْ أَحَدُهُمَا فَائِقَ الْيَسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ وَقِيلَ يَجِبُ بِقَدْرِ الْإِرْثِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ تَفَاوُتًا يَسِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ فَاحِشًا فَيُفْرَضُ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَيُعْتَبَرُ فِيهَا) أَيْ فِي نَفَقَةِ الْأُصُولِ يَعْنِي فِي وُجُوبِهَا (الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ) أَيْ: النَّفَقَةُ عَلَى الْقُرْبِ إنْ اسْتَوَيَا فِي الْجُزْئِيَّةِ وَعَلَى الْجُزْءِ إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ (لَا) يُعْتَبَرُ

(الْإِرْثُ) كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (فَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَنَفَقَتُهُ) كُلُّهَا (عَلَى الْبِنْتِ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ (مَعَ أَنَّ إرْثَهُ لَهُمَا) نِصْفَانِ وَمَعَ أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْجُزْئِيَّةِ. (وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَأَخٌ فَنَفَقَتُهُ) كُلُّهَا (عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ) ؛ لِأَنَّهَا جُزْءُ جُزْئِهِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ (مَعَ أَنَّ كُلَّ إرْثِهِ لِلْأَخِ) ؛ لِأَنَّهَا مَحْجُوبَةٌ حَجْبَ حِرْمَانٍ عَنْ الْإِرْثِ بِالْأَخِ وَلَوْ قَالَ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدُ بِنْتٍ لَكَانَ أَشْمَلَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ تَدَبَّرْ. (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُوسِرِ (نَفَقَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) وَهُوَ مَنْ لَا يَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ مِثْلُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَأَوْلَادِهِمَا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَلَا نَفَقَةَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِثْلِ أَوْلَادِهِمْ وَلَا نَفَقَةَ لِمَحْرَمٍ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ كَزَوْجَاتِ الْآبَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْأَصْهَارِ وَآبَاءِ الْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا مَحْرَمًا لَا مِنْ جِهَتِهَا كَابْنِ عَمٍّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ مَحْرَمًا أَوْ لَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى غَيْرِ الْوَلَدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الصِّلَةِ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ وَلَنَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقِرَاءَتُهُ مَشْهُورَةٌ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيُقَيَّدُ بِهِ مُطْلَقُ النَّصِّ (إنْ كَانَ) ذُو الرَّحِمِ (فَقِيرًا صَغِيرًا) مُطْلَقًا (أَوْ أُنْثَى) بَالِغَةً فَقِيرَةً أَوْ فَقِيرًا ذَكَرًا بَالِغًا مَجْنُونًا (أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى أَوْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ لِخُرْقِهِ) الْخُرْقُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْحُمْقُ (أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتَاتِ) كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا أَيْ لِكَوْنِهِ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالْكَسْبِ (أَوْ) لِكَوْنِهِ (طَالِبَ عِلْمٍ) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَهَذَا إذَا كَانَ بِهِ رُشْدٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ أَنَا أُفْتِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فَإِنَّ قَلِيلًا مِنْهُمْ حَسَنُ السِّيرَةِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ الدِّينِيِّ

وَأَكْثَرُهُمْ فُسَّاقٌ شَرُّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِمْ يَحْضُرُونَ الدَّرْسَ سَاعَةً لِخِلَافِيَّاتٍ رَكِيكَةٍ ضَرَرُهَا فِي الدِّينِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهَا ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ أَصْلَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا بِجَاهِ نَبِيِّهِ وَلَوْ عَلِمَ السَّلَفُ حَالَهُمْ لَحَرَّمُوا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ فَضْلًا أَنْ يَفْرِضُوا نَفَقَاتِهِمْ ثُمَّ قَالَ قُلْت لَكِنْ نَرَى طَلَبَةَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ مُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُمْ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلَ السَّلَفِ (وَيُجْبَرُ) أَيْ الْمُوسِرُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى النَّفَقَةِ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ (وَتُقَدَّرُ) النَّفَقَةُ (بِقَدْرِ الْإِرْثِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَجَعَلَ الْعِلَّةَ هِيَ الْإِرْثُ فَيُقَدَّرُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ (حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلصَّغِيرِ مَثَلًا (أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ) مُوسِرَاتٌ (فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَمَا يَرِثْنَ مِنْهُ) أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ فَرْضًا وَرَدًّا (وَيُعْتَبَرُ فِيهَا) أَيْ فِي نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ) بِأَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ (لَا حَقِيقَتُهُ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِزًا لِلْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفُرِّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَفَقَةُ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ) مُوسِرَانِ (عَلَى خَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمٌ وَيُحْرِزُ مِيرَاثَهُ ابْنُ عَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ ثَابِتٌ لِلْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْخَالِ يُحْرِزُ مِيرَاثَهُ الْخَالُ وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ أَوْ عَمٌّ وَعَمَّةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَيُرَجَّحُ الْعَمُّ بِكَوْنِهِ وَارِثًا فِي الْحَالِ (وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ) . وَفِي الْجَوْهَرَةِ إنْ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى زَوْجَةٍ وَالِابْنُ مُوسِرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَيَلْزَمَهُ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ تَلْزَمْ الِابْنَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ يُوَزِّعُهُ الْأَبُ عَلَيْهِنَّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَةِ امْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ جَارِيَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عِلَّةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إنْ كَانَ) الِابْنُ (صَغِيرًا) فَقِيرًا (أَوْ) كَانَ كَبِيرًا فَقِيرًا (زَمِنًا) بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ

عَلَى الْكَسْبِ (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْغَيْرِ عَلَى فَقِيرٍ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ) الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ إذْ الْمَقَاصِدُ لَا تَنْتَظِمُ دُونَهَا وَلَا يَعْمَلُ فِي مِثْلِهَا الْإِعْسَارُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَلَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ (مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاسْمِ الْوَارِثِ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ فَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى عَكْسِهِ (إلَّا لِلزَّوْجَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لَهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ لِاحْتِبَاسِهَا بِحَقٍّ لَهُ مَقْصُودٍ وَهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاتِّحَادِ الْمِلَّةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ) يَعْنِي الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ وَجُزْءُ الْجُزْءِ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ حُكْمًا فَكَمَا لَا تُمْنَعُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ بِكُفْرِهِ لَا تُمْنَعُ نَفَقَةُ جُزْئِهِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حَرْبِيِّينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ؛ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْمَبَرَّةِ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قُيِّدَ بِالذِّمِّيِّ كَمَا قَيَّدَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى إنْفَاقِ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ تَدَبَّرْ. (وَ) يَجُوزُ (لِلْأَبِ بَيْعُ عَرَضِ ابْنِهِ) الْكَبِيرِ الْغَائِبِ عَنْ بَلَدِهِ أَوْ الْمُخْتَفِي فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَدْرِي مَكَانَهُ (لِنَفَقَتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا

لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ إذْ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَالْأَبُ أَوْلَى لِتَوَفُّرِ شَفَقَتِهِ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ فِي الصَّغِيرِ لَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ أَيْضًا وَقَيَّدْنَا بِالْغَائِبِ إذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَيْسَ لَهُ بَيْعُ عَرَضِهِ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ بِهِمَا وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ النَّفَقَةَ فَقَالَ لِلنَّفَقَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَمَا يَبِيعُ لِنَفَقَتِهِ يَبِيعُ لِنَفَقَةِ أُمِّ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لَا تَمْلِكُ الْبَيْعَ تَدَبَّرْ (لَا) يَجُوزُ لِلْأَبِ (بَيْعُ عَقَارِهِ) إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ مُحَصَّنَةٌ بِنَفْسِهَا (وَلَا) لِلْأَبِ (بَيْعُ الْعَرَضِ) أَيْ عَرَضِ ابْنِهِ (لِدَيْنٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (عَلَى الِابْنِ سِوَاهَا) أَيْ سِوَى النَّفَقَةِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُشْبِهُ سَائِرَ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْبَيْعُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَهُ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ لِأَجْلِ دَيْنٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (وَلَا) يَجُوزُ (لِلْأُمِّ بَيْعُ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الِابْنِ وَلَوْ عَرَضًا (لِنَفَقَتِهَا) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ لَكِنْ لِنَفَقَتِهِمَا أَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا (وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ) ذَلِكَ كُلُّهُ (لِلْأَبِ أَيْضًا) وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ بِالْبُلُوغِ انْقَضَتْ وِلَايَتُهُ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ فِي حَضْرَتِهِ وَصَارَ كَالْأُمِّ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ (لَوْ أَنْفَقَا مِنْ مَالِ الِابْنِ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِمَا وَحُكْمُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَالْأَبَوَيْنِ إذَا أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَلِذَا يَفْرِضُ الْقَاضِي فِي مَالِ الْغَائِبِ نَفَقَةَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ ثُمَّ خَاصَمَهُ الِابْنُ فَقَالَ أَنْفَقْته وَأَنْتَ مُوسِرٌ وَقَالَ الْأَبُ أَنْفَقْته وَأَنَا مُعْسِرٌ قَالَ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الْأَبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا فِي نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ. (وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَدْيُونَ الْغَائِبِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلَوْ

أَنْفَقَ الْأَجْنَبِيُّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ ابْنٍ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (مَالَ الِابْنِ) الَّذِي أَوْدَعَهُ إيَّاهُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ بِلَا أَمْرٍ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ عُمِّمَ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (بِغَيْرِ أَمْرِ قَاضٍ ضَمِنَ) لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إنَابَةٍ وَوِلَايَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُلْزَمٌ وَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَقَضَاؤُهُ إعَانَةٌ لَهُمْ فَحَسْبُ. وَفِي النَّوَادِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَكَان يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ قَالُوا فِي رَجُلَيْنِ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَنْفَقَ رَفِيقُهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَاتَ فَجَهَّزَهُ صَاحِبُهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُودَعُ الْمُنْفِقُ إذَا ضَمِنَ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا يَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى الْقَابِضِ لَكَانَ أَشْمَلَ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ قَضَى) الْقَاضِي (بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَرَائِبِ (وَمَضَتْ مُدَّةٌ بِلَا إنْفَاقٍ سَقَطَتْ) النَّفَقَةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ لِكِفَايَةِ الْحَاجَةِ فَتَسْقُطُ لِحُصُولِهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الِاحْتِبَاسِ لَا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ. وَفِي الْحَاوِي نَفَقَةُ الصَّغِيرِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُدَّةِ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ فَبِهَذَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذُكِرَ فِي زَكَاةِ الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ تَدَبَّرْ وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَى الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْقَاضِي كَإِذْنِ الْغَائِبِ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَخَلَّ بِقَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ كَمَا قُيِّدَ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَلَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ: إذَا أَذِنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَلَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْإِذْنِ بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيُنْفِقَ مِنْهَا لَكَانَ أَوْلَى. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُهُ تَتَبَّعْ. (وَ) تَجِبُ (عَلَى الْمَوْلَى نَفَقَةُ رَقِيقِهِ) وَهِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ

كتاب الإعتاق

إذَا كَانَ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَا مُكَاتَبًا لِالْتِحَاقِهِ بِالْإِحْرَارِ وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، فَإِنْ مَرِضَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ إنْ كَانَ مَرَضًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ تَطَاوَلَ الْمَرَضُ وَرَأَى الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ عَبْدًا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي الْخِدْمَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْخِدْمَةَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخِدْمَةَ ثُمَّ عَلَى الْمَخْدُومِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَعِيرِ وَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُودَعِ وَأَمَّا عَبْدُ الْعَارِيَّةِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَأَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِي التَّنْوِيرِ: نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ أَوْ الْبَيْعِ لَا يُجِيبُهُ وَإِنْ خَافَ الْقَاضِي عَلَى الْعَبْدِ الضَّيَاعَ بَاعَهُ الْقَاضِي لَا الْغَاصِبُ وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ لِمَالِكِهِ طَلَبَ الْمُودَعُ مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى عَبْدِ الْوَدِيعَةِ لَا يُجِيبُهُ بَلْ يُؤَجِّرُهُ وَيُنْفِقُ مِنْهُ أَوْ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْمِنَحِ: وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْبَائِعِ لَا رَقَبَةً وَلَا مَنْفَعَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَكُونُ تَابِعَةً لِلْمِلْكِ كَالْمَرْهُونِ (فَإِنْ أَبَى) الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ (اكْتَسَبُوا) أَيْ اكْتَسَبَ الْأَرِقَّاءُ الدَّالُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الرَّقِيقِ (وَأَنْفَقُوا) عَلَيْهِمْ نَظَرًا لَهُمْ بِبَقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَلِسَيِّدِهِمْ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كَسْبٌ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا (أُجْبِرَ) الْمَوْلَى (عَلَى بَيْعِهِمْ) إنْ مَحَلًّا لَهُ أَيْ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الْبَيْعِ إيفَاءُ حَقِّهِمْ وَإِبْقَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَلَفِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا إنْ مَحَلًّا لَهُ لِإِخْرَاجِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُمَا فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى. وَفِي التَّنْوِيرِ: عَبْدٌ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ أَكَلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ بِلَا رِضَاهُ إنْ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَإِلَّا لَا (وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ الْحَيَوَانِ) الْمَمْلُوكِ (يُؤْمَرُ) صَاحِبُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ (دِيَانَةً) لَا قَضَاءً عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَضَاءً حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ بَعْدَهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَبَى أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَطَلَبَ الْآخَرُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَبِيعَ نَصِيبَك مِنْهَا أَوْ تُنْفِقَ عَلَيْهَا. وَفِي الْمُحِيطِ: يُجْبَرُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْعَقَارِ وَالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْسُدَ لِلنَّهْيِ عَنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ. [كِتَابُ الْإِعْتَاقِ] ِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ وَقَدَّمَ الطَّلَاقَ لِمُنَاسَبَةِ النِّكَاحِ

ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ كَمَا فِي الْأَقْطَعِ (هُوَ) أَيْ الْإِعْتَاقُ لُغَةً: الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ وَيُقَالُ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يَفْعِلُ بِالْكَسْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتَاقًا، وَالْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ فَالْعِتْقُ اللُّغَوِيُّ حِينَئِذٍ هُوَ الْعِتْقُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ: الْإِعْتَاقُ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ مُطْلَقًا وَشَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ) لَكِنَّ الْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا قَوِيَ وَإِنَّمَا قَالُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْقُوَّةَ فِي عِتْقِ الطَّيْرِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ إثْبَاتَ الْقُوَّةِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لَا عَلَى مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْمُفْضِي إلَى حُصُولِ الْعِتْقِ فَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ ذَكَرَ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَفَصَّلَ كُلَّ التَّفْصِيلِ تَتَبَّعْ، ثُمَّ الْعِتْقُ أَرْبَعَةٌ وَاجِبٌ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، وَمَنْدُوبٌ إذَا أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» ، وَمُبَاحٌ إذَا أَعْتَقَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ لِفُلَانٍ، وَمَعْصِيَةٌ إذَا أَعْتَقَهُ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ (إنَّمَا يَصِحُّ) الْإِعْتَاقُ (مِنْ مَالِكٍ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفَاذِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا إلَّا فِي الصِّحَّةِ تَأَمَّلْ (حُرٍّ) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِكَ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَ الْمَمْلُوكُ مَأْذُونًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ حُرٍّ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ إعْتَاقِ غَيْرِ الْحُرِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ تَدَبَّرْ (مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ وَنَائِمٍ وَمُبَرْسَمٍ وَمَدْهُوشٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَهْلٍ لَهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ أَنَا نَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُهُ وَأَنَا مَجْنُونٌ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ جُنُونُهُ، أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ (بِصَرِيحِهِ) أَيْ بِصَرِيحِ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَضْعًا وَشَرْعًا. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) سَوَاءٌ ذُكِرَ بِصِيغَةِ الْوَصْفِ أَوْ الْخَبَرِ أَوْ النِّدَاءِ (كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ خَبَرَ

الْمُبْتَدَأِ فَلَوْ ذَكَرَ الْخَبَرَ فَقَطْ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ حُرٌّ فَقِيلَ لَهُ، مَنْ عَنَيْت فَقَالَ عَبْدِي عَتَقَ عَبْدُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِعْتَاقِ شَرْعًا وَعُرْفًا فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَذَا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَا عِلْمَ لِي بِمَعْنَاهُ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ يَدِينُ وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يَدِينُ (أَوْ هَذَا مَوْلَايَ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِوِلَايَةِ الْعَتَاقَةِ السُّفْلَى فَيُعْتَقُ عَنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَوَالِي فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا بِمَعْنَى النَّاصِرِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ وَلَا بِمَعْنَى ابْنِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَبْدِ الْمَعْرُوفِ النَّسَبِ وَلَا بِمَعْنَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهُ إلَيْهِ تُنَافِي ذَلِكَ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (أَوْ يَا مَوْلَايَ) لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ بَلْ مُلْحَقٌ بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: لَا يُعْتَقُ بِقَوْلِهِ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ عَادَةً لَا التَّحْقِيقُ (أَوْ) قَالَ لِأَمَتِهِ (هَذِهِ مَوْلَايَ) أَوْ يَا مَوْلَاتِي وَقُيِّدَ بِالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ فِي قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي وَيَا مَالِكِي إلَّا بِالنِّيَّةِ (أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) ؛ لِأَنَّ نِدَاءَهُ بِهَذَا الْوَصْفِ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ وَإِثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ مُمْكِنٌ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا لَهُ (إنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ) فَلَوْ سَمَّاهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ بِيَا حُرُّ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ لَا إثْبَاتُ هَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي حَتَّى لَوْ سَمَّاهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ " بِيَا آزاد " بِالْفَارِسِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ عَتَقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا نَادَاهُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ إذْ الْإِعْلَامُ لَا يَتَغَيَّرُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ وَفِي الْجَوَامِعِ: قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ يَا حُرُّ اسْتَغْنَى ثُمَّ اشْتَرَاهُ يُعْتَقُ، قِيلَ هَذَا نَقْضٌ لِلْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حَالَ النِّدَاءِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُعْتَقُ كَذَا قِيلَ، لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَاصِلٌ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَالْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ هَذَا بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَمَّا مَلَكَهُ عَتَقَ بِالْإِقْرَارِ السَّابِقِ فَلَا يَلْزَمُ الْعِتْقُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ تَتَبَّعْ. (وَكَذَا) يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ (لَوْ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى مَا) أَيْ عُضْوٍ (وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ) جَمِيعِ (الْبَدَنِ) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى عُضْوٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُعْتَقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت سِنَّك أَوْ ظُفْرَك أَوْ شَعْرَك لَا يُعْتَقُ بِالِاتِّفَاقِ (كَرَأْسِك حُرٌّ وَنَحْوُهُ) كَأَنْ يَقُولَ وَجْهُك حُرٌّ أَوْ رَقَبَتُك أَوْ بَدَنُك (وَكَقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ عَتَقَتْ. وَفِي الْمُجْتَبَى: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ عَتَقَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: وَفِي الِاسْتِ وَالدُّبُرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ ذَكَرُك حُرٌّ يُعْتَقُ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ

خِلَافُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِسَانُك حُرٌّ يُعْتَقُ وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ وَكَذَا الْفَرْجُ وَالرَّأْسُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ بِالْإِضَافَةِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ حَرْفِهِ وَأَنَّ بِالتَّنْوِينِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرٌّ يُعْتَقُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ، وَلَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْعِتْقُ عَتَقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُزْءَ الشَّائِعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ اتِّفَاقًا فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَيَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِذَا قَالَ نِصْفُك حُرٌّ أَوْ ثُلُثُك حُرٌّ يُعْتَقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ خَاصَّةً عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ تَسْوِيَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ سَهْوٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمِمَّا أُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنْ يَقُولَ وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك يُعْتَقُ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ تَصَدَّقْت بِنَفْسِك عَلَيْك وَأَمَّا لَوْ قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ. (وَ) كَذَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ (بِكِنَايَتِهِ) مِنْ الْأَلْفَاظِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِصَرِيحِهِ (إنْ نَوَى) الْعِتْقَ بِهَا لِلِاشْتِبَاهِ وَالِاحْتِمَالِ (كَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا سَبِيلَ) لِي عَلَيْك أَوْ إلَيْك (أَوْ لَا رِقَّ) لِي عَلَيْك (أَوْ خَرَجْت مِنْ مِلْكِي أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمِلْكِ وَنَفْيَ السَّبِيلِ وَتَخْلِيَةُ السَّبِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ، وَإِذَا نَوَاهُ تَعَيَّنَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يُعْتَقُ وَإِذَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ زَوَالَ الْيَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك) أَيْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى خَلَّيْت سَبِيلَك. (وَلَوْ قَالَ) لِأَمَتِهِ (طَلَّقْتُك لَا تُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُعْتَقُ بِصَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ

وَكِنَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ إزَالَةُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَالطَّلَاقُ إزَالَةُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا فَوْقَهُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَاتَّسَعَ فِي عَكْسِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ: فَلَوْ قَالَ فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ لَمْ تُعْتَقْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ صَالِحٍ لَهُ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا قُومِي وَاقْعُدِي نَاوِيًا لِلْعِتْقِ (وَكَذَا) أَيْ كَطَلَّقْتُكِ فِي الْحُكْمِ (سَائِرُ أَلْفَاظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ) حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَنَوَى الْعِتْقَ لَا تُعْتَقُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ: أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ بِالنِّيَّةِ، لَكِنْ إنَّ هَذَا مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ لَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْكَلَامُ فِي عَدَمِ الْعِتْقِ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَأَرَادَ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهُ اخْتَرْ الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَفِي الْعِبَارَةِ نَوْعُ تَسَامُحٍ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَطْلَقْتُك وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ إنْ نَوَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى انْتَهَى لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِمَا وَالْمَمْنُوعُ اسْتِعَارَةُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً تَدَبَّرْ (وَلَوْ قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ) أَوْ إنَّك لِلَّهِ (لَا يُعْتَقُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالِهِ إذْ كُلُّ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَهُمَا إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ خَالِصٌ لِلَّهِ وَذَا بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَصَارَ كَقَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك. (وَلَوْ قَالَ) لِلْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ سِنًّا (هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي عَتَقَ بِلَا نِيَّةٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَكَذَا) أَيْ يُعْتَقُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (هَذِهِ أُمِّي) ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إنْ كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَجَازًا عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَيُعْتَقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ مُتَعَيَّنٌ وَلَوْ كَانَ كِنَايَةً لَاحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَا يُعْتَقُ إنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ أَوْ أَبًا لَهُ أَوْ أُمًّا) ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ

لَغْوٌ لِاسْتِحَالَةِ مُوجِبِهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ، بِخِلَافِ مَعْرُوفِ النَّسَبِ وَمَنْ يُولَدُ لَهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمِلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ اشْتَهَرَ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ، وَلَهُ أَنَّهُ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ إمَّا إجْمَاعًا صِلَةً لِلْقَرَابَةِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ شَائِعٌ مَجَازًا وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يُبْتَنَى عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفَ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ عِنْدَهُ وَخَلَفَ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا وَهَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ الْأُصُولِ وَالْمُطَوَّلَاتِ. (وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي لَا يُعْتَقُ فِي الْمُخْتَارِ) وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي) أَيْ لَا يُعْتَقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذْ الْوَاسِطَةُ لَمْ تُذْكَرْ فَلَا مَجَازَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا، فَلَوْ قَالَ هَذَا جَدِّي أَبُو أَبِي أَوْ هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ أُمِّي يُعْتَقُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ هَذَا عَمِّي أَوْ خَالِي يُعْتَقُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْإِخْوَةَ يَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ بِخِلَافِ الْعَمِّ وَالْخَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَمِلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً (أَوْ) قَالَ (لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي) أَوْ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي قِيلَ يُعْتَقُ وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى (وَلَا يُعْتَقُ بِلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَإِنْ نَوَى) فَإِنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الْحُجَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] أَيْ بِحُجَّةٍ، وَيُذَكَّرُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَدُ وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ بِهِ السُّلْطَانُ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَقْ وَإِنْ نَوَى وَكَذَا هَذَا وَقِيلَ يُعْتَقُ إنْ نَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَلَا) يُعْتَقُ أَيْضًا (بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي التُّحْفَةِ وَأَمَّا فِي النِّدَاءِ إذَا قَالَ يَا ابْنِي يَا بِنْتِي

يَا أَبِي فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ لَا يُرَادُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ اسْتِحْضَارُ الْمُنَادَى إلَّا إذَا ذُكِرَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْضُوعِ لَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي الْجَمْعُ بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى كَمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَا أَبِي لِأَصْغَرَ وَيَا ابْنِي لِأَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ فَلَا يُعْتَقُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي الْجُمْلَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمَجَازِ عِنْدَهُمَا فَلَا يُمْكِنُ فِيهِمَا لِتَعَذُّرِ الْأَصْلِ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي صُوَرِ الْإِمْكَانِ كَقَوْلِهِ يَا أَخِي وَقَوْله لِأَصْغَرَ يَا ابْنِي وَلِأَكْبَرَ يَا أَبِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ فَلَا إمْكَانَ أَيْضًا تَدَبَّرْ وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا جَدِّي يَا عَمِّي أَوْ لِأَمَتِهِ يَا عَمَّتِي يَا خَالَتِي يَا أُخْتِي. وَفِي الْكَافِي وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ ابْنِي لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي مَقَالِهِ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا بُنَيَّ أَوْ لِأَمَتِهِ يَا بُنَيَّةُ؛ لِأَنَّ هَذَا لُطْفٌ وَإِكْرَامٌ؛ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ بِلَا إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ فَلَا يُعْتَقُ (أَوْ) قَالَ (أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً فَلَا يُعْتَقُ بِلَا نِيَّةٍ بِالشَّكِّ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ حَتَّى قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ بِالنِّيَّةِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْعِتْقِ وَإِنْ نَوَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ (وَقِيلَ يُعْتَقُ) أَيْ النَّوْيُ مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلُ الْحُرِّ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ أَنْتِ مِثْلُ هَذِهِ يَعْنِي أَمَتَهُ تُعْتَقُ أَمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ مَا أَنْتِ حُرَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ لَمْ تُعْتَقْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِثَوْبِ خَاطَهُ مَمْلُوكُهُ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَا يُعْتَقُ مَمْلُوكُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ. وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي بَلْخِي أَوْ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ أَوْ فِي هَذَا الْجَامِعِ حُرٌّ وَعَبْدُهُ فِيهَا لَا يُعْتَقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَبْدَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَقُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ حُرٌّ وَعَبْدُهُ فِيهَا يُعْتَقُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ فِي قَوْلِهِمْ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقَعُ

عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَالْبَهِيمَةِ وَالْحَائِطِ فَقَالَ عَبْدِي هَذَا حُرٌّ وَهَذَا أَوْ قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا، وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ إجْمَاعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ: نَظَرَ إلَى عَشْرِ جَوَارٍ فَقَالَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً مِنْكُنَّ فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِغَيْرِهِ لَمْ تُعْتَقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ غُمُوضٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ قَدْ أَعْتَقَك اللَّهُ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ الْمُخْتَارَ، وَلَوْ قَالَ الْعَتَاقُ عَلَيْك يُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ عِتْقُكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ لَا يُعْتَقُ (وَمَنْ مَلَكَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي عَتَقَ عَلَيْهِ (ذَا رَحِمٍ) يَعْنِي مَحْرَمِيَّتُهُ بِالْقَرَابَةِ لَا بِالرَّضَاعِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا لَا يُعْتَقُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِكٍ (عَتَقَ عَلَيْهِ) وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقَرَابَةَ أَقْسَامٌ قَرِيبَةٌ كَالْوِلَادَةِ وَحُكْمُهَا الْعِتْقُ بِالْإِنْفَاقِ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْتَقَ، وَبَعِيدَةٌ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَحُكْمُهُمَا عَدَمُ الْعِتْقِ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهَا بَعُدَتْ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ فَلَمْ يُعْتَقْ بِالْمِلْكِ، وَمُتَوَسِّطَةٌ كَالْقَرَابَةِ الْمُتَأَبِّدَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ، وَتَفْسِيرُهُ كُلُّ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَجْلِ النَّسَبِ فَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الْمُتَوَسِّطَةَ بِالْبَعِيدَةِ وَيَقُولُ الْعِلَّةُ فِي الْوِلَادَةِ الْبَعْضِيَّةِ؛ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْبَعْضُ الْكُلَّ وَنَحْنُ نُلْحِقُهَا بِالْقَرِيبَةِ وَنَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ الْمِلْكُ مَعَ الْقَرَابَةِ الْمُتَأَبِّدَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا فِي لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِبَيَانِ السَّبَبِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُنَاكَحَةِ ثَبَتَتْ بِهَذِهِ الْقَرَابَةِ لِمَعْنَى الصِّيَانَةِ عَنْ ذَلِكَ الِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِخْدَامِ قَهْرًا وَمِلْكُ الْيَمِينِ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الِاسْتِفْرَاشِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ هَذِهِ قَرَابَةٌ صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الذُّلَّيْنِ فَلَأَنْ يُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا أَوْلَى كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (وَلَوْ) : وَصْلِيَّةٌ (كَانَ الْمَالِكُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ كَافِرًا لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ فِيهَا لَا يُعْتَقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِيهَا كَمَا فِي الْإِيضَاحِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ حَرْبِيًّا أَمَّا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَأَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ فِيهَا عَتَقَ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (وَالْمُكَاتَبُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَحَسْبُ) كَمَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى أَخَاهُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ تَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ وَكَذَا التَّكَاتُبُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَخَاهُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا عَتَقَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ مُكَاتَبًا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ كَقَرَابَةِ

الْوِلَادِ. (وَمَنْ أُعْتِقَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى عَتَقَ) وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَكَذَا) يُعْتَقُ (لَوْ أُعْتِقَ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ (وَإِنْ) : وَصْلِيَّةٌ (عَصَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْكَفَرَةِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، حَتَّى إنْ فَعَلَ الْمُسْلِمُ كَفَرَ بِهِ عِنْدَ قَصْدِ التَّعْظِيمِ. (وَكَذَا) يُعْتَقُ (لَوْ أُعْتِقَ مُكْرَهًا) لَا فَرْقَ بَيْنَ إكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَغَيْرِهِ لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَ هَزْلًا (أَوْ سَكْرَانَ) يَعْنِي مِنْ مُحَرَّمٍ لَا مِمَّا طَرِيقُهُ مُبَاحٌ وَاَلَّذِي لَمْ يَقْصِدْ السُّكْرَ مِنْ مُثَلَّثٍ، وَمَنْ حَصَلَ لَهُ بِغِذَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قُيِّدَ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَلَوْ أَضَافَ) أَيْ عَلَّقَ (الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ) بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (أَوْ) أَضَافَ إلَى (شَرْطٍ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ (صَحَّ) وَيَقَعُ الْعِتْقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ. وَفِي الْبَحْرِ: وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ، فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِمُكَاتَبِهِ إنْ أَنْتَ عَبْدِي فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِضَافَةِ قُصُورًا وَمِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ اللَّطِيفَةِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ وَالِدِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ وَالِدِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ وَالِدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ أَوَّلًا يَقُولُ تُعْتَقُ وَلَا تَطْلُقُ ثُمَّ رَجَعَ. وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى اسْتِقْصَاءٍ فِي الْمَبْسُوطِ انْتَهَى. (وَلَوْ خَرَجَ عَبْدٌ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْلِمًا عَتَقَ) . وَفِي الزَّاهِدِيِّ إذَا خَرَجَ مُرَاغَمًا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ الْكَافِرِ وَهُوَ نَفْسُهُ فَيَمْلِكُهَا وَرُوِيَ «أَنَّ عَبِيدَ أَهْلِ الطَّائِفِ خَرَجُوا إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُسْلِمِينَ فَطَلَبَ أَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قِسْمَتَهُمْ فَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» (وَالْحَمْلُ يُعْتَقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ) إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا فَهُوَ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَقَوْلُ صَاحِبِ التَّنْوِيرِ إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ يُعْتَقُ مَقْصُودًا لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى لَا يَنْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَحِينَئِذٍ يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى الْأَبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَيَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ الْكَنْزِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِيَكُونَ عِتْقُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ دَفْعًا لِلُزُومِ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ سَيُذْكَرُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحُرِّيَّةِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ

فَلَا إشْكَالَ وَلَا تَكْرَارَ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، (وَصَحَّ إعْتَاقُهُ) أَيْ الْحَمْلِ (وَحْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَالْإِرْثُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَحْدَهُ إذْ التَّسْلِيمُ شَرْطٌ فِيهِمَا لَكِنْ لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ مَا لَمْ يُولَدْ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَالْوِلَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُهُ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَثَانِيهمَا إذَا كَانَ حَمْلُهَا تَوْأَمَيْنِ فَجَعَلَتْ بِأَوَّلِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرِ لِأَكْثَرَ مِنْهَا عَتَقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ (وَلَا تُعْتَقُ أُمُّهُ بِهِ) أَيْ بِإِعْتَاقِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتِقْهَا صَرِيحًا وَالْأُمُّ لَا تَتْبَعُ الْوَلَدَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّ مَاءَهُ مُسْتَهْلَكٌ بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا وَهَذَا يُثْبِتُ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثَهُ وَيَرِثَهَا (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ يُخْلَقُ مِنْ مَائِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ عَلَى مِلْكِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَكَذَا وَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ ابْنِ سَيِّدِهَا أَوْ أَبِ سَيِّدِهَا حُرٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ

باب عتق البعض

وَ) وَلَدُهَا حَالَ كَوْنِهِ (مِنْ زَوْجِهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا) ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ وَلَدِهِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ فَلِهَذَا قَالُوا فَوَلَدُ الْعَامِّيِّ مِنْ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ بِشَرِيفٍ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَحَالُ الرِّجَالِ مَكْشُوفٌ دُونَ النِّسَاءِ (وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِقِيمَتِهِ) وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَدًا فَظَهَرَ أَنَّ الْأُولَى أَمَةٌ وَالثَّانِيَةَ مِلْكٌ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْوَلَدَيْنِ حُرًّا بِالْقِيمَةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَغْرُورُ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ عَبْدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَا أَوْلَادُهُمْ أَرِقَّاءُ لِحُصُولِهِمْ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَلَا وَجْهَ لِحُرِّيَّتِهِمْ. [بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ] ِ أَخَّرَهُ عَنْ إعْتَاقِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْكُلِّ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ ثَوَابًا أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وُقُوعًا (وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ) سَوَاءٌ عَيَّنَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِأَنْ قَالَ رُبْعُك حُرٌّ أَوْ أَبْهَمَهُ بِأَنْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ لَكِنْ لَزِمَهُ بَيَانُهُ (صَحَّ) إعْتَاقُهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ خَاصَّةً عِنْدَ الْإِمَامِ (وَسَعَى) الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى (فِي بَاقِيهِ) وَفِي الْمَنَافِعِ أَيْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْقَدْرِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْعِتْقِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ ثُبُوتُ أَثَرِهِ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمَبْسُوطِ، فَإِنْ قِيلَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا تُسَمَّى إعْتَاقًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أُجِيبَ بِأَنَّهَا تُسَمَّى بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهَا وَتَرَتَّبَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا بِطُرُقِهِ (وَهُوَ) أَيْ مُعْتَقُ الْبَعْضِ بِقَدْرِ مَا تَعَيَّنَ فِي حَقِّ السِّعَايَةِ بِاخْتِيَارِهَا الْمَوْلَى (كَالْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعِيَ عِنْدَهُ كَالْمُكَاتَبِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَعْضِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ يَمْنَعُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَقُلْنَا بِالْمَالِكِيَّةِ يَدًا لَا رَقَبَةً عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ حُكْمُ الْمُكَاتَبِ، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ إذْ الْمُكَاتَبُ مَحَلُّ الْإِعْتَاقِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ) بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الْمَقْصُودَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ

الْفَسْخَ وَهُنَا السَّبَبُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (وَقَالَا يُعْتَقُ كُلُّهُ وَلَا يَسْعَى) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ كَالْكَسْرِ مَعَ الِانْكِسَارِ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَجَزُّؤِ اللَّازِمِ وَهُوَ الْعِتْقُ عَدَمُ تَجَزُّؤِ مَلْزُومِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ، لَكِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ الْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ إلَّا إزَالَةُ حَقِّهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْمِلْكُ مُتَجَزِّئٌ فَكَذَا إزَالَتُهُ، فَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ إثْبَاتُ شَطْرِ الْعِلَّةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْمَعْلُولُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ تَمَامُ الْعِلَّةِ وَهُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ كُلِّهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٌ وَأَمَّا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ ذَاتُ الْقَوْلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ وَحُكْمُهُ وَهُوَ نُزُولُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّجَزُّؤُ وَكَذَا الرِّقُّ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَالْحُرِّيَّةُ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ جَانِبَ الرِّقِّ فَجُعِلَ كُلُّهُ رَقِيقًا عَلَى مَا كَانَ وَقَدْ قَالَ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْبَعْضِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَعْضُ حُرًّا وَهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كُلُّهُ حُرًّا. (وَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكٌ) فِي عَبْدٍ (نَصِيبَهُ مِنْهُ) كَالنِّصْفِ وَغَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ (فَلِلْآخَرِ) أَيْ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ (أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ) نَصِيبَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَنَصِيبُهُ مَمْلُوكٌ لَهُ (أَوْ يَسْتَسْعِي) أَيْ يَطْلُبُ الْآخَرُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ نَصِيبِهِ يَوْمَ الْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا أَوْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ، (وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) أَيْ لِلْمُعْتِقِ وَلِلْآخَرِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا الْمُعْتِقَانِ (أَوْ يَضْمَنُ) الشَّرِيكُ الْآخَرُ (الْمُعْتِقَ) يَوْمَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَصِيبِهِ بِمَا مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا عَدَا الْعَتَاقَ وَتَوَابِعَهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِيَوْمِ الْعَتَاقِ فَلَوْ أَيْسَرَ ثُمَّ أَعْسَرَ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ يُحَكَّمُ الْحَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ، وَلِلْعِتْقِ مُدَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ يَوْمَ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُقَوَّمُ لِلْحَالِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِلَى أَنَّهُ لَهُ خِيَارُ الِاسْتِسْعَاءِ وَالتَّضْمِينِ، لَكِنْ لَوْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى التَّضْمِينِ كَمَا لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الِاسْتِسْعَاءِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَّا إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ: وَإِلَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ جَازَ أَنْ يُعْتِقَ بَعْضُهُمْ نَصِيبَهُ وَيَخْتَارَ بَعْضٌ الضَّمَانَ وَبَعْضٌ الْإِعْتَاقَ وَبَعْضٌ السِّعَايَةَ وَكَذَا إذَا مَاتَ السَّاكِتُ فَلِوَرَثَتِهِ إحْدَى الْخِيَارَاتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الِاجْتِمَاعُ (لَوْ) كَانَ (مُوسِرًا) مَالِكًا مِقْدَارَ نَصِيبِ السَّاكِتِ مِنْ الْمَالِ وَالْغَرَضِ سِوَى مَلْبُوسِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا بَلْ إنْ شَاءَ الْآخَرُ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا يُؤَدِّي بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤَجَّرُ مِنْ رَجُلٍ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ فَأَخَذَ مِنْ أُجْرَتِهِ كَمَا يُؤَجَّرُ الْمَدْيُونُ،

وَفِي الْمُخْتَارِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ السَّاكِتُ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ إلَّا التَّضْمِينُ وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ يُؤْخَذُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ الْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ فِي الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ فِي تَرِكَتِهِ بَلْ يَسْعَى الْعَبْدُ عِنْدَهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَهُ (الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ) لِقِيَامِهِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَقَامَ الْآخَرِ وَقَدْ كَانَ لِلْآخَرِ الِاسْتِسْعَاءُ (وَالْوَلَاءُ) كُلُّهُ (لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ (وَقَالَا لَيْسَ لِلْآخَرِ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةِ مَعَ الْإِعْسَارِ) وَلَيْسَ لَهُ السِّعَايَةُ غَنِيًّا وَلَا الْإِعْتَاقُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا إذْ الْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا. (وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ لَوْ ضَمِنَ وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ (فِي الْحَالَيْنِ) وَمَبْنِيُّ هَذَا الْخِلَافِ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَجَزُّؤُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَيَمْنَعُ عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ» قَسَمَ أَيْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا الْحُكْمَ وَالْقِسْمَةُ تَقْتَضِي قَطْعَ الشَّرِكَةِ، وَلَهُ أَنَّ مَالِيَّةَ نَصِيبِهِ اُحْتُبِسَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي صِبْغِ غَيْرِهِ حَتَّى انْصَبَغَ بِهِ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ صِبْغِ الْآخَرِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا فَكَذَا هُنَا، إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ فَقِيرٌ فَيَسْتَسْعِيَهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمُوسِرِ كَقَوْلِهِمَا، وَفِي الْمُعْسِرِ يَبْقَى مِلْكُ شَرِيكِهِ كَمَا كَانَ فَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَعِتْقُهُ سِوَى السِّعَايَةِ. (وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ الْحَاضِرَيْنِ (بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ) نَصِيبَهُ فَأَنْكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (سَعَى) الْعَبْدُ (لَهُمَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فِي حَظِّهِمَا) مُطْلَقًا مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَكَانَ كَالْمُكَاتَبِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ اسْتِرْقَاقُهُ فَيُصَدَّقُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَتَعَيَّنَ السِّعَايَةُ لَهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ التَّضْمِينُ مَعَ الْيَسَارِ لِإِنْكَارِهِ الْإِعْتَاقَ (وَالْوَلَاءُ) يَكُونُ (بَيْنَهُمَا كَيْفَ مَا كَانَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عِتْقُ نَصِيبِ شَرِيكِي بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَعِتْقُ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى مَا زَعَمَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُمَا بِالسِّعَايَةِ (وَقَالَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرَيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي

السِّعَايَةَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ شَرِيكِي أَعْتَقَ إذْ هُوَ مُعْسِرٌ (لَا) أَيْ لَا يَسْعَى (لِلْمُوسِرَيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ مِنْ السِّعَايَةِ وَيَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْعِتْقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سَبَبَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي. (وَلَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا يَسْعَى لِلْمُوسِرِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ يَدَّعِي السِّعَايَةَ دُونَ الضَّمَانِ وَهِيَ لَهُ وَالْمُعْسِرُ لَمَّا ادَّعَى الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَطْ تَبَرَّأَ عَنْ السِّعَايَةِ وَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ لِإِنْكَارِ سَبَبِهِ (وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ) أَيْ فِي يَسَارِهِمَا وَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ لِإِنْكَارِ سَبَبِهِ (وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ) أَيْ فِي يَسَارِهِمَا وَإِعْسَارِهِمَا وَيَسَارِ أَحَدِهِمَا وَإِعْسَارِ الْآخَرِ (حَتَّى يَتَصَادَقَا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُعْتِقُ وَيَنْفِي الْوَلَاءَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِهَذَا تَوَقَّفَ الْوَلَاءُ إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا. وَفِي الْفَتْحِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ (وَلَوْ عَلَّقَ أَحَدُهُمَا) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (عِتْقَهُ) أَيْ الْعِتْقَ الْمُشْتَرَكَ (بِفِعْلٍ غَدًا) فَقَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ (وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ فِيهِ) فَقَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا فَهُوَ حُرٌّ وَلَوْ قَالَ فِي وَقْتِ مَكَانَ قَوْلِهِ غَدًا لَكَانَ أَشْمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَدِ أَوْ الْيَوْمِ أَوْ الْأَمْسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَمَضَى) الْغَدُ (وَلَمْ يَدْرِ) أَنَّهُ دَخَلَ أَمْ لَا (عَتَقَ نِصْفُهُ) أَيْ الْعَبْدِ مَجَّانًا لِلتَّيَقُّنِ بِحِنْثِ أَحَدِهِمَا (وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ إنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ هُوَ نَصِيبِي وَالسَّاقِطُ هُوَ نَصِيبُك (مُطْلَقًا) أَيْ مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ) لِمَا مَرَّ. (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَفِي نِصْفِهِ) أَيْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) كَمَا هُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَ) يَسْعَى (فِي كُلِّهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ فَيَسْعَى لَهُمَا (وَإِنْ) كَانَا (مُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا (يَسْعَى لِلْمُوسِرِ فَقَطْ فِي رُبْعِهِ) أَيْ فِي رُبْعِ قِيمَتِهِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَ) يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ (فِي نِصْفِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِمَا قَرَّرْنَاهُ (وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِعِتْقِ عَبْدِهِ) عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَ الْآخَرُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ (وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) فَمَضَى الْغَدُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ دَخَلَ أَمْ لَا (لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ) مِنْ الْعَبْدَيْنِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَقْضِيِّ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِسُقُوطِ نِصْفِ السِّعَايَةِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْعَبْدُ وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَهُوَ سُقُوطُ نِصْفِ السِّعَايَةِ مَعْلُومٌ أَيْضًا وَالْمَجْهُولُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْحَانِثُ فَغُلِّبَ الْمَعْلُومُ الْمَجْهُولَ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُعَلَّقِ مُتَعَدِّدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ دَخَلَ الْيَوْمَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ بِالْيَمِينِ الْأُولَى صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ وَبِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُقِرًّا بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَقِيلَ لَمْ يُعْتَقْ وَلَمْ تَطْلُقْ وَتَمَامُهُ

فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ. (وَمَنْ مَلَكَ ابْنَهُ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ حَالَ كَوْنِ الْمَالِكِ شَرِيكًا (مَعَ) شَخْصٍ (آخَرَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ حَظُّهُ) مِنْهُ نِصْفًا أَوْ غَيْرَهُ (وَلَا يَضْمَنُ) الْأَبُ لِشَرِيكِهِ وَلَوْ مُوسِرًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ كَمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ شَارَكَهُ فِيمَا هُوَ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ (وَلِشَرِيكِهِ) الْخِيَارُ بَيْنَ (أَنْ يُعْتِقَ) نَصِيبَهُ (أَوْ يَسْتَسْعِيَ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْمُكَاتَبِ كَمَا مَرَّ (سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّرِيكُ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ لَا) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَاءِ يَتَحَقَّقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ ضَمِنَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَوْ وَصَلَ قَوْلُهُ سَوَاءٌ إلَى آخِرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ لَكَانَ أَنْسَبَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ تَدَبَّرْ (وَقَالَا يَضْمَنُ الْأَبُ) نَصِيبَ الشَّرِيكِ (إنْ كَانَ) الْأَبُ (مُوسِرًا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ عَلَى الْأَصْلِ فَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ بِالْإِعْتَاقِ فَصَارَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ (وَعِنْدَ إعْسَارِهِ) أَيْ الْأَبِ (يَسْعَى الِابْنُ) فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ لِاحْتِبَاسِ مَالِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَقِيَ مِلْكُهُ بَاعَ أَوْ فَعَلَ بِهِ مَا شَاءَ كَمَا مَرَّ. (وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ) بَيْنَ الْأَئِمَّةِ (لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ) لَمْ يَقُلْ عَتَقَهُ لِعَدَمِ التَّأْثِيرِ لِخُصُوصِيَّةِ الِابْنِ وَلَا لِكَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (بِشِرَاءِ بَعْضِهِ) بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ مَلَكْت شِقْصًا مِنْك فَأَنْتَ حُرٌّ (ثُمَّ اشْتَرَاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدَ (مَعَ) رَجُلٍ (آخَرَ) بِالِاشْتِرَاكِ (أَوْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ) وَلَوْ قَالَ نِصْفَ قَرِيبِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ (مِمَّنْ يُمْلَكُ كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ الِابْنِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ لِبَائِعِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَقَدْ يُشَارِكُهُ فِيهِ، فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى، وَقَالَا إنْ كَانَ الْقَرِيبُ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُ ابْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْعِلَّةِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ اشْتَرَى الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَهُ) أَيْ الِابْنِ (ثُمَّ) اشْتَرَى (الْأَبُ بَاقِيَهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا ضَمِنَ الشَّرِيكُ) أَيْ فَلِلْأَجْنَبِيِّ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ (أَوْ) إنْ شَاءَ (يَسْتَسْعِي) الِابْنَ فِي حَظِّهِ احْتِبَاسُ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَضْمَنُ) الْأَبُ (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ مَلَكَاهُ بِالْإِرْثِ فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا)

لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَمٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ فَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْعَمُّ فَوَرِثَاهُ عَتَقَ الْوَلَدُ عَلَى الْأَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِالْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ وَرِثَهَا مَعَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَ ثَمَّةَ يَصِيرُ مُتَمَلِّكًا مِنْ شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ وَضَمَانُ التَّمَلُّكِ لَا يَعْتَمِدُ الصُّنْعَ كَمَا فِي الْكَافِي. (عَبْدٌ) كَانَ (لِمُوسِرِينَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَكِنَّ تَقَيُّدَهُ بِيَسَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ وَأَمَّا السَّاكِتُ فَلَا اعْتِبَارَ بِحَالِهِ مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ) نَصِيبَهُ (وَأَعْتَقَهُ آخَرُ) وَالثَّالِثُ سَاكِتُ (ضَمَّنَ) بِالتَّشْدِيدِ (السَّاكِتُ مُدَبِّرَهُ) أَيْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ تَضْمِينَ قِيمَةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ اخْتَارَهُ ضَمَّنَ الْمُدَبِّرَ لَا الْمُعْتِقَ. (وَ) ضَمَّنَ (الْمُدَبِّرُ مُعْتِقَهُ ثُلُثَهُ) أَيْ ثُلُثَ قِيمَتِهِ حَالَ كَوْنِهِ (مُدَبِّرًا لَا) أَيْ لَا يُضَمِّنُ الْمُدَبِّرُ مُعْتِقَهُ (مَا ضُمِّنَ) أَيْ لَا يُضَمِّنُ قِيمَةَ مَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ جِهَةِ السَّاكِتِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ مُنَجَّزٌ عِنْدَهُ كَالْإِعْتَاقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ، لَكِنَّهُ أَفْسَدَ نَصِيبَ شَرِيكَيْهِ فَأَحَدُهُمَا اخْتَارَ إعْتَاقَ حِصَّتِهِ فَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ اخْتِيَارُ أَمْرٍ آخَرَ كَالتَّضْمِينِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ لِلسَّاكِتِ تَوَجَّهَ سَبَبَانِ ضَمَانُ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ لَكِنَّ ضَمَانَ التَّدْبِيرِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَضَمَانُ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ الْأَصْلُ فَيُضَمِّنُ الْمُدَبِّرَ ثُمَّ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَةِ الْعَبْدِ مُدَبَّرًا. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُدَبِّرِ تَضْمِينُ الْمُعْتِقِ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَفِي عَكْسِهِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمُدَبِّرُ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ اخْتَارَ تَرْكَ الضَّمَانِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّهمَا أَوَّلَ فَإِنَّ لِلْمُدَبِّرِ تَضْمِينَ الْمُعْتِقِ رُبْعَ الْقِيمَةِ وَاسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ فِي رُبْعِ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا ضُمِّنَ عَلَى الْعَبْدِ وَكَذَا لَوْ صَدَرَ الْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ مِنْهُمَا مَعًا عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَالْوَلَاءُ ثُلُثَاهُ لِلْمُدَبِّرِ وَثُلُثُهُ لِلْمُعْتِقِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَصَبَةِ الْمُدَبِّرِ وَالْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُدَبِّرِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ غَلَطٌ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ فَلْيُطَالَعْ (وَقَالَا ضَمِنَ مُدَبِّرُهُ لِشَرِيكَيْهِ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ كَالْإِعْتَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَحِينَ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ صَارَ الْكُلُّ مُدَبَّرًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآخَرِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ فَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِهِ. (وَلَوْ مُعْسِرًا) ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْإِعْسَارِ وَالْيَسَارِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ جِنَايَةً، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَهُمَا لَوْ مُوسِرًا وَلَوْ مُعْسِرًا يُعْتَقُ نَصِيبُهُمَا (وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَبِّرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَمْلُوكِ ثَلَاثَةٌ: الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِوَاسِطَةِ الْبَيْعِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَبِالتَّدْبِيرِ يَفُوتُ الِاسْتِرْبَاحُ وَبَقِيَ لَهُ آخَرَانِ وَفِي

باب العتق المبهم

صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَمِنْ الْمَنَافِعِ الْوَطْءُ، وَرَدَّهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُدَبَّرَ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْوَطْءِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ وَالْوَطْءُ مُتَحَقِّقٌ فِي جِنْسِ بَنِي آدَمَ انْتَهَى. لَكِنْ بَقِيَ هَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الْوَطْءَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ تَدَبَّرْ. وَفِي الْفَتْحِ: يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمْ يَبْلُغُ فِيمَا ذُكِرَ؟ فَهُوَ قِيمَتُهُ وَهَذَا أَحْسَنُ عِنْدِي وَقِيلَ قِيمَتُهُ قِنًّا وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيلَ قِنًّا وَقِيلَ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ ضَرَرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ. (وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ هِيَ) أَيْ الْأَمَةُ (أُمُّ وَلَدِك وَأَنْكَرَ) الشَّرِيكُ ذَلِكَ (تَخْدُمُهُ) أَيْ تَخْدُمُ الْأَمَةُ الْمُنْكِرَ (يَوْمًا وَتَوَقَّفُ) أَصْلُهُ تَتَوَقَّفُ فَحُذِفَتْ إحْدَى التَّاءَيْنِ (يَوْمًا) أَيْ لَا تَخْدُمُ أَحَدًا يَوْمًا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهَا فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا كَمَا كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي نِصْفِهَا وَلَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ، وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمُنْكِرِ (وَقَالَا لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي حَظِّهِ إنْ شَاءَ ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً) كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَتُعْتَقُ بِالسِّعَايَةِ وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقُولَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، تَدَبَّرْ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفَقَتِهَا وَكَسْبِهَا وَجِنَايَتِهَا، وَفِي الْمُخْتَلَفِ مِنْ بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ قِيمَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا، وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَمَا) نَافِيَةٌ (لِأُمِّ وَلَدٍ تَقَوُّمٌ) أَيْ لَيْسَ لَهَا قِيمَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَمُقْتَضَى الْحُرِّيَّةِ زَوَالُ التَّقَوُّمِ (فَلَا يَضْمَنُ مُوسِرًا عَتَقَ لِصَبِيِّهِ مِنْهَا) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ أَمَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَقَوُّمِهَا (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ) كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْيَوْمَ يَدْخُلُ فِيهِ أُمَّ الْوَلَدِ (فَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْهَا) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَاءً عَلَى تَقَوُّمِهَا. [بَابُ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ] ِ (رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ قَالَ) فِي صِحَّتِهِ (لِاثْنَيْنِ عِنْدَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا) وَثَبَتَ الْآخَرُ (وَدَخَلَ الْآخَرُ) أَيْ الثَّالِثُ (فَأَعَادَ الْقَوْلَ) أَيْ قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ إنْ كَانَ حَيًّا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ مَاتَ) (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) فَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْإِيجَابِ

الْأَوَّلِ وَقَالَ عَنَيْت بِهِ الثَّابِتَ عَتَقَ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ دَائِرًا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ بِالثَّانِي وَقَالَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْإِيجَابِ الثَّانِي لِصِحَّتِهِ لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالثَّانِي وَقَالَ عَنَيْت بِهِ الثَّالِثَ عَتَقَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا فَإِذَا عَتَقَ الثَّابِتُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ (عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ) عِنْدَ الْمَوْلَى وَسَعَى فِي رُبْعِهِ (وَنِصْفُ الْخَارِجُ) بِالْإِجْمَاعِ. (وَكَذَا) يُعْتَقُ (نِصْفُ الدَّاخِلِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفَ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا وَنِصْفُ الدَّاخِلِ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي الدَّائِرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ، وَعَتَقَ رُبْعُ الثَّابِتِ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي أَصَابَ الثَّابِتَ شَائِعٌ فَمَا لَاقَى الْحُرِّيَّةَ بَطَلَ وَمَا لَاقَى الرِّقَّ صَحَّ فَيَتَنَصَّفُ ذَلِكَ النِّصْفُ فَيُعْتَقُ رُبْعُهُ بِهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ رُبْعُهُ) أَيْ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ لَمَّا أَوْجَبَ عِتْقَ الرُّبْعِ مِنْ الثَّابِتِ أَوْجَبَهُ مِنْ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَصَّفٌ بَيْنَهُمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الثَّابِتِ مَانِعًا مِنْ عِتْقِ النِّصْفِ بِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا مَانِعَ فِي الدَّاخِلِ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا مِنْ عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ تَجَزُّئِهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ فَيَتَجَزَّأُ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَالتَّسْهِيلُ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ قَالَ) هَذَا الْقَوْلَ (فِي مَرَضِهِ) الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مُتَسَاوِيَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُ قَدْرُ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ وَذَلِكَ رَقَبَةٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَةٍ عِنْدَهُمَا، أَوْ رَقَبَةٌ وَنِصْفُ رَقَبَةٍ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُخْرَجْ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبِيدِ (وَلَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ) ذَلِكَ (جُعِلَ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (كُلُّ عَبْدٍ سَبْعَةً كَسِهَامِ الْعِتْقِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْخَارِجِ فِي النِّصْفِ وَحَقَّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَحَقَّ الدَّاخِلِ عِنْدَهُمَا فِي النِّصْفِ أَيْضًا فَيَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ فَحَقُّ الْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةٍ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ سِهَامَ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيَجْعَلَ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَسِهَامَ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ. (وَ) حِينَئِذٍ (عَتَقَ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ)

أَسْهُمٍ مِنْ الْأَسْبَاعِ (وَسَعَى) لِلْوَرَثَةِ (فِي أَرْبَعَةٍ وَمِنْ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) أَيْ الْخَارِجِ وَالدَّاخِلِ (اثْنَانِ) مِنْهَا (وَسَعَى كُلٌّ مِنْهُمَا) لِلْوَرَثَةِ (فِي خَمْسَةٍ) فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْمَالِ وَاحِدًا وَعِشْرِينَ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ كُلُّ عَبْدٍ سِتَّةً كَسِهَامِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الدَّاخِلِ رُبْعٌ فَيَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ سِتَّةً وَسِهَامَ السِّعَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ (وَ) حِينَئِذٍ (يُعْتَقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ) أَسْهُمٍ مِنْ الْأَسْدَاسِ (وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ وَ) يُعْتَقُ (مِنْ الْخَارِجِ اثْنَانِ) مِنْهَا (وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ، وَ) يُعْتَقُ (مِنْ الدَّاخِلِ وَاحِدٌ) مِنْهَا (وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ) فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ أَيْضًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ يَتَمَسَّكُونَ بِالْقُرْعَةِ أَوْ يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي الْبَيَانِ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ يُقْرَعُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ. (وَلَوْ طَلَّقَ كَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ) أَيْ إنْ كَانَتْ لَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ مَهْرُهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ فَطَلَّقَهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ) يُوَزَّعُ حُكْمُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ وَهُنَا أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ وَالْعِدَّةُ: أَمَّا حُكْمُ الْمِيرَاثِ فَلِلدَّاخِلَةِ نِصْفُهُ، وَالنِّصْفُ بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ نِصْفَانِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْكَافِي أَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فَيُقَالُ (سَقَطَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرِ الثَّابِتَةِ وَرُبْعُ مَهْرِ الْخَارِجَةِ وَثُمُنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ بِالِاتِّفَاقِ) ؛ لِأَنَّ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرِ الْوَاحِدَةِ مُنَصَّفًا بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ فَسَقَطَ رُبْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُمَّ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي سَقَطَ الرُّبْعُ مُنَصَّفًا بَيْنَ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ الثُّمُنُ فَسَقَطَ أَثْمَانُ مَهْرِ الثَّابِتَةِ بِالْإِيجَابَيْنِ وَسَقَطَ ثُمُنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ، وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ لِيَكُونَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ فَمَا أَصَابَهُ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ لَا يَبْقَى مَحَلًّا لِلْإِيجَابِ الثَّانِي فَيَصِيرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْعِتْقِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ قَرَّرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ فَلْيُطَالَعْ (هُوَ) أَيْ كَوْنُهُ بِالِاتِّفَاقِ (الْمُخْتَارُ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ رُبْعُهُ وَقِيلَ هُوَ لَهُمَا أَيْضًا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ تَعْلِيقًا فِي حَقِّ الدَّاخِلِ فِي حُكْمٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَأَمَّا فِي حُكْمٍ لَا يَقْبَلُهُ يَكُونُ تَنْجِيزًا فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَهْرِ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَثَبَتَ التَّرَدُّدُ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي بَيْنَ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقٍّ فَيَنْتَصِفُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ الثَّانِي مُتَرَدِّدًا فِي حَقِّهِ فَثَبَتَ كُلُّهُ وَالْكَلَامُ الْوَافِي فِي الْكَافِي (وَالْبَيْعُ) صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْبَيْعَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا وَكَذَا الْإِيصَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّزْوِيجُ. (بَيَانٌ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ وَكَذَا الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَالْمَوْتِ) وَالْقَتْلِ (وَالتَّحْرِيرِ) سَوَاءٌ كَانَ التَّحْرِيرُ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا وَالْمُرَادُ بِالْمُنَجَّزِ مَا لَا نِيَّةَ لَهُ فِيهِ

فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الَّذِي لَزَمَنِي بِقَوْلِي أَحَدُكُمَا حُرٌّ صُدِّقَ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مُسْلَمَتَيْنِ) إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَيْ إنْ قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ دَبَّرَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بَعْدَ الْقَوْلِ فَكُلٌّ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْآخَرُ، فَإِنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ، وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَالْهِبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَيْدُ التَّسْلِيمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ إذَا كَانَتْ بَيَانًا فَهَذِهِ أَوْلَى بِلَا قَبْضٍ، بَلْ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي النَّسَبِ الْمُبْهَمِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ الْمُبْهَمَةِ لَا يَكُونُ بَيَانًا كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَالْوَطْءُ) لِأَحَدِهِمَا (لَيْسَ بِبَيَانٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ عِنْدَ الْإِمَامِ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ الْعُلُوقُ أَمَّا إذَا حَصَلَ عَتَقَتْ الْأُخْرَى بِالِاتِّفَاقِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا هُوَ بَيَانٌ فَيُعْتِقُ الْأُخْرَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَإِحْدَاهُمَا حُرٌّ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا الْمِلْكَ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنْكِرَةِ وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ وَطْؤُهَا حَلَالًا فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا وَلِهَذَا حَلَّ وَطْؤُهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الرَّاجِحَ قَوْلُهُمَا وَأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِقَوْلِ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الِاحْتِيَاطِ مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ نَاظِرٌ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ تَأَمَّلْ. وَقُيِّدَ بِالْعِتْقِ الْمُبْهَمِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِالتَّدْبِيرِ الْمُبْهَمِ لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ التَّقْبِيلَ وَالْمُعَانَقَةَ وَالنَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْأَوْلَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بَيَانٌ، وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ وَلَوْ كُرْهًا فَلَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ (وَفِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ هُوَ) أَيْ الْوَطْءُ. وَفِي الْفَتْحِ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَحْصُلُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ (وَالْمَوْتُ بَيَانٌ) فَمَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَقَالَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ أَوْ إحْدَاهُمَا طَالِقٌ ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ مَاتَتْ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ هِيَ الْأُخْرَى وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَائِنًا مَا فِي الرَّجْعِيِّ، فَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى فَحَلَّ وَطْءُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِبَائِنٍ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ) إنْ كَانَ (أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَلَمْ يَدْرِ أَوَّلَهُمَا فَالذَّكَرُ رَقِيقٌ وَيُعْتَقُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْأُمِّ وَالْأُنْثَى) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَوْلُودِ

أَوَّلًا وَالْجَوَابُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ كَوْنُ الْغُلَامِ رَقِيقًا وَعَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُعْتَقُ فِي حَالٍ بِأَنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا الْأُمُّ بِالشَّرْطِ وَالْبِنْتَ تَبَعًا لَهَا إذْ الْأُمُّ حُرَّةٌ حِينَ وَلَدَتْهَا وَتُرَقُّ فِي حَالٍ إنْ وَلَدَتْ الْبِنْتَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيُعْتَقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا، وَالْغُلَامُ عَبْدٌ بِكُلِّ حَالٍ تَقَدَّمَتْ وِلَادَتُهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ؛ لِأَنَّ وِلَادَتَهُ شَرْطٌ لِلْعِتْقِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُ الشَّرْطَ وَالثَّانِي أَنَّ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ أَوَّلٌ وَالْمَوْلَى مُنْكِرٌ وَالْبِنْتُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى وَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ، فَإِذَا حَلَفَ لَمْ تُعْتَقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْأُمُّ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِهِ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَالْبِنْتُ وَالثَّالِثُ أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ فَتُعْتَقُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ دُونَ الْغُلَامِ وَالرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ التَّصَادُقُ بِأَوَّلِيَّةِ الْبِنْتِ فَلَمْ يُعْتَقْ أَحَدٌ وَالْخَامِسُ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَلَمْ تَدَّعِ الْبِنْتَ وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يُعْتَقْ أَحَدٌ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ فَقَطْ وَالسَّادِسُ أَنْ تَدَّعِيَ الْبِنْتَ فَإِنْ نَكَلَ حَيْثُ تُعْتَقُ الْبِنْتُ فَقَطْ وَهِيَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ تُعْتَقُ الْبِنْتُ دُونَ الْأُمِّ مَعَ أَنَّ عِتْقَهَا بِتَبَعِيَّةِ الْأُمِّ وَهَذِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَافِي. وَفِي الْفَتْحِ وَهَذَا الْجَوَابُ كَمَا تَرَى فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِعِتْقِهِ وَاعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَجُوزُ إيقَاعُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ فَعَنْ هَذَا حَكَمَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ أَوَّلًا مَعَ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ) حَالَ كَوْنِهَا (مُعَيَّنَةً) لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ الْفَرْجِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقْبَلُ اتِّفَاقًا (وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَ) الْأَمَةِ (غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ تُشْتَرَطُ) الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَجْهُولِ وَعِتْقُ الْمُبْهَمِ لَا يُحَرِّمُ الْفَرْجَ عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ حَقُّ الشَّرْعِ وَعَدَمُ الدَّعْوَى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْعِتْقُ وَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ (فَلَوْ شَهِدَا) أَيْ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ (بِعِتْقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنٍ أَوْ أَمَتِهِ لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ (فِي وَصِيَّةٍ) وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ أَيْ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ أَشْهَدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الدُّرَرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا وَإِنْ تَقَدَّمَ الدَّعْوَى. وَفِي الْفَتْحِ

باب الحلف بالعتق

لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تُقْبَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلشُّيُوعِ (وَإِنْ شَهِدَا بِطَلَاقِ إحْدَى نِسَائِهِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا بِلَا دَعْوَى فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّعْيِينِ (اتِّفَاقًا) لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْكَافِي وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَ أَمَةً مُعَيَّنَةً وَسَمَّاهَا فَنَسِيَا اسْمَهَا أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً وَسَمَّاهَا وَنَسِيَا اسْمَهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْغَفْلَةِ، وَلَوْ شَهِدَا بِعِتْقِهِ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْهُ فَضَمِنَا قِيمَتَهُ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ الْمَوْلَى كَانَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا وَلَمْ يَرْجِعَا بِمَا ضَمِنَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَرَجَعَا عَلَى الْمَوْلَى بِمَا ضَمِنَا. [بَابُ الْحَلِفُ بِالْعِتْقِ] الْحَلِفُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِسُكُونِهَا وَبِكَسْرِهَا الْقَسَمُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعِتْقَ جَزَاءً عَلَى الْحَلِفِ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْعِتْقَ بِشَيْءٍ (وَمَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ) عَبْدًا أَوْ أَمَةً (لِي يَوْمئِذٍ حُرٌّ) أَيْ يَوْمَ إذْ دَخَلْت؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي يَوْمئِذٍ عِوَضٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ إلَيْهَا لَفْظَةُ إذْ وَلَفْظُ يَوْمَ ظَرْفٌ لِمَمْلُوكٍ وَكَانَ التَّقْدِيرُ كُلُّ مَنْ يَكُونُ فِي مِلْكِي وَقْتَ الدُّخُولِ حُرٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ قِيلَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَوْمَ مَعَ فِعْلٍ مُمْتَدٍّ لِلنَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَفِيهِ أَنَّ يَوْمَئِذٍ مُرَكَّبٌ وَالْمُرَكَّبُ غَيْرُ الْمُفْرَدِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْفَتْحِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَفْظَ إذْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا وَلَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا وَهَذَا لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ تَدَبَّرْ (يُعْتَقُ بِدُخُولِهِ) أَيْ الدَّارَ (مَنْ) هُوَ (فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْمُعْتِقِ (عِنْدَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ) وَاسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ (أَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِيهِمَا. (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) فِي يَمِينِهِ (يَوْمئِذٍ) بَلْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ (لَا يُعْتَقُ إلَّا مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ اعْتَرَضَ عَلَى الْجَزَاءِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَيَقْتَضِي تَأَخُّرَ الْجَزَاءِ إلَى وَقْتِ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَأَخُّرَ الْمِلْكِ، فَيُعْتَقُ مَنْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى

زَمَانِ الدُّخُولِ لَا مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ زَادَ يَوْمئِذٍ فِيهَا وَلَا يُفِيدُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ إلَّا إذَا انْصَرَفَ يَوْمئِذٍ إلَى مَا يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعِتْقِ مُعَلَّقًا أَوْ مُنَجَّزًا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ بِإِنْ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِذَا مَا أَوْ مَتَى مَا. (وَكَذَا) لَا يُعْتَقُ (لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي) أَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ (حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ) وَلَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ بَعْدَ الْحَلِفِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لَا الَّذِي اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَتَنَاوَلُ مَا مَلَكَهُ زَمَانَ صُدُورِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ وَانْصِرَافُهُ إلَى الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ، فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ مَا اسْتَقْبَلَ مِلْكَهُ عَتَقَ مِلْكُهُ لِلْحَالِ وَمَا اسْتَحْدَثَ الْمِلْكَ، كَمَا إذَا قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ ثُمَّ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى عَنَيْتهَا وَطَلُقَتْ الْمَعْرُوفَةُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْمَجْهُولَةُ بِاعْتِرَافِهِ كَذَا هَاهُنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْمَمْلُوكُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَمْلُوكٍ مُطْلَقٍ وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَمْلُوكُ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ لَا الْأَعْضَاءَ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْرِي عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَفَرَّعَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٌ حُرٌّ وَلَهُ) أَيْ لِلْقَائِلِ (أَمَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ حَلَفَ لَا يُعْتَقُ) كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ بَلْ لِكَوْنِ وُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ مُتَيَقَّنًا. (وَلَوْ) قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَ (لَمْ يَقُلْ ذَكَرًا عَتَقَ) الْحَمْلُ (تَبَعًا لِأُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ حَتَّى لَوْ قَالَ نَوَيْت الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَفِي إطْلَاقِهِ يُشْعِرُ بِأَنْ يُعْتَقَ الْحَمْلُ تَبَعًا لِأُمِّهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ أَوْ لِأَكْثَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي عِتْقَ الْحَمْلِ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ لِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِيَقِينٍ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ. تَتَبَّعْ. (وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي صَارَ مَنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْحَلِفِ مُدَبَّرًا لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا (مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ فِي الْحَالِ وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا مِنْ حَيْثُ تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ وَلَا يَصِيرُ هُوَ مُدَبَّرًا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ (لَكِنْ يُعْتَقُ الْجَمِيعُ) أَيْ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْحَلِفِ وَقَبْلَهُ (مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مَوْتِهِ) أَمَّا عِتْقُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَأَمَّا عِتْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى الْمَوْتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ وَصِيَّةً فَيَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْوَصَايَا الْمِلْكُ حَالَةَ الْمَوْتِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

باب العتق على جعل

فِي النَّوَادِرِ يُعْتَقُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يُعْتَقُ الَّذِي مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ فَلَا يُعْتَقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ. [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ] ٍ) هُوَ بِالضَّمِّ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْعِتْقُ عَلَى الْمَالِ (وَمَنْ أُعْتِقَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالنَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ مَنْ (عَلَى مَالٍ) نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَعْلُومِ الْجِنْسِ، وَيَلْزَمُهُ الْوَسَطُ فِي تَسْمِيَةِ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ بَعْدَ بَيَانِ جِنْسِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَقُ فِي الْمَالِ الْمَجْهُولِ (أَوْ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْمَالِ بِأَنْ قَالَ أَنْتَ أَوْ هُوَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ الْمَالَ فِي الْمَجْلِسِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ الْإِيجَابِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبِلَ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَجْلِسِ بِالْقِيَامِ أَوْ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ قَطْعُ الْمَجْلِسِ بَطَلَ (عَتَقَ) فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَدَّى الْمَالَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ. وَفِي الْبَحْرِ قَالَ لِعَبْدِهِ صُمْ عَنِّي يَوْمًا أَوْ صَلِّ عَنِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَوْ قَالَ حُجَّ عَنِّي وَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَحُجَّ (وَالْمَالُ) الْمَشْرُوطُ (دَيْنٌ) صَحِيحٌ (عَلَيْهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ) لِكَوْنِهِ دَيْنًا عَلَى حُرٍّ (بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ. (وَإِنْ قَالَ) الْمَوْلَى لَهُ (إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِذَا أُدِّيَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ مَتَى أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ (صَارَ مَأْذُونًا) بِالْكَسْبِ (لَا مُكَاتَبًا) أَيْ لَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ، وَلِلْمَوْلَى بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُ وَيُعْتَقُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ كَانَ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى وَيُبَاعُ الْعَبْدُ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا تَبَعًا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى رَغَّبَهُ فِي الْإِكْسَابِ لِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً (وَيُعْتَقُ) الْعَبْدُ (إنْ أَدَّى) الْمَالَ كُلَّهُ بِنَفْسِهِ

لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (فِي الْمَجْلِسِ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ فَلَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَدَّى مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (أَوْ خَلَّى) الْعَبْدُ (بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ الْمَالِ) بِأَنْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ (فِي التَّعْلِيقِ بِإِنْ) ؛ لِأَنَّ إنْ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْوَقْتِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (وَ) يُعْتَقُ (مَتَى أَدَّى أَوْ) مَتَى (خَلَّى) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (فِي التَّعْلِيقِ بِإِذَا) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ كَمَتَى فَيَعُمُّ الْأَوْقَاتَ كَمَا بَيَّنَ فِي مَوْضِعِهِ (وَيُجْبِرُ) أَيْ الْحَاكِمُ (الْمَوْلَى عَلَى الْقَبْضِ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ تَنْزِيلُ الْحَاكِمِ أَوْ الْمَوْلَى مَنْزِلَةَ الْقَابِضِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبَضَ أَوْ لَا، لَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِجْبَارِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ زُفَرُ يُعْتَقُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْقَبُولُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَإِنْ أَدَّى) الْعَبْدُ (الْبَعْضَ يُجْبَرُ) الْمَوْلَى (عَلَى الْقَبْضِ أَيْضًا) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَدَّى الْبَعْضَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ أَدَّى الْبَعْضَ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ لَا يُنَزَّلُ الْمَوْلَى مَنْزِلَةَ الْقَابِضِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكُونُ قَابِضًا (إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاءُ الْكُلِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا فِي حَقِّ الْبَعْضِ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ دِرْهَمًا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا مَحْضًا وَلَا جَبْرَ فِيهَا (كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ) بِطَلَبِهِ (فَأَدَّى) الْعَبْدُ (الْبَاقِيَ) وَكَذَا إذَا حَطَّ الْجَمِيعَ لَمْ يُعْتَقْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (ثُمَّ إنْ أَدَّى) الْعَبْدُ (أَلْفًا كَسَبَهَا) أَيْ الْعَبْدُ (قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَهُ مَالٌ اسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى (وَيُعْتَقُ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْأَلْفِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَلْفَ إنْسَانٍ فَأَدَّى عَتَقَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ) أَدَّى الْعَبْدُ أَلْفًا (كَسَبَهَا) أَيْ الْعَبْدُ الْأَلْفَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ (لَا يَرْجِعُ) الْمَوْلَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ لِلْمَوْلَى. وَفِي الْبَحْرِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَدَّاهَا فِي أَسْوَدَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا هَذَا الشَّهْرَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَدَّاهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَقْ، وَفِي الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْحُكْمِ أَوْ التَّرَاضِي. (وَلَوْ قَالَ) لِعَبْدِهِ (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ فَإِنْ قَبِلَ) الْعَبْدُ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (وَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ) أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ (عَتَقَ) بِالْأَلْفِ (إلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِعْتَاقُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ (فَلَا) يُعْتَقُ بِالْأَلْفِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْوَارِثُ مَجَّانًا وَصَرَّحَ

الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْقَبُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعْتَاقِ الْوَارِثِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ حُكْمًا لِكَلَامِ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَقْ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْوَفَاةِ أَيْضًا فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. قُلْت أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْحُكْمِيَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَهُ وَهُنَا قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمُعْتِقِ وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ، وَمَتَى خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقَعُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ، فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِهَا، وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْقَبُولُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْ الْوَارِثَ الْإِعْتَاقُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَقُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إعْتَاقِ أَحَدٍ وَصُحِّحَ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّبْيِينِ: لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي أَنَّ الْقَبُولَ فِيهِ لِلْحَالِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ الْمَالِ أَوْ يُقَدِّمَهُ تَأَمَّلْ. وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ فِيهِ لِلْحَالِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا. (وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ سَنَةً فَقَبِلَ) الْعَبْدُ (عَتَقَ) مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ عَلَى عِوَضٍ وَالْعِتْقُ عَلَى عِوَضٍ يَقَعُ بِالْقَبُولِ قَبْلَ الْأَدَاءِ (وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ) الْمُعَيَّنَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْخِدْمَةِ الْخِدْمَةُ الْمَعْرُوفَةُ بَيْنَ النَّاسِ، قُيِّدَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ، وَقُيِّدَ بِعَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي سَنَةً لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَخْدُمَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ إتْمَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ وَلَوْ خَدَمَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عَنْ خِدْمَتِهِ لَا يُعْتَقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي سَنَةً فَمَاتَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ لَا يُعْتَقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ إنْ لِلتَّعْلِيقِ وَعَلَى لِلْمُعَاوَضَةِ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى) أَوْ الْعَبْدُ، (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْخِدْمَةِ (لَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ) وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَبْدُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ (قِيمَةُ خِدْمَتِهِ) وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ، وَفَصَّلَ الزَّيْلَعِيُّ كُلَّ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ. وَقُيِّدَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَدَمَ بَعْضَ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْحَاوِي: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ. (وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَيْنٍ فَهَلَكَتْ) الْعَيْنُ (قَبْلَ الْقَبْضِ يَلْزَمُهُ) أَيْ الْعَبْدَ (قِيمَةُ نَفْسِهِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ الْعَيْنِ) الْخِلَافِيَّةِ

باب التدبير

الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ بِالْهَلَاكِ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْخِدْمَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ فَصَارَ نَظِيرًا لَهَا، لَهُ إنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَفَعَلَ) أَيْ أَعْتَقَهَا الْآخَرُ (وَأَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ عَنْ (أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْعَتَاقِ. (وَلَوْ ضَمَّ) الْقَائِلُ (عَنِّي) أَيْ لَوْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي بِأَلْفٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا) أَيْ قِيمَةِ الْأَمَةِ (وَمَهْرِ مِثْلِهَا) لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ قِيمَتَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ فَثُلُثَا الْأَلْف حِصَّة الْقِيمَة وَثُلُثه حِصَّة مَهْر مِثْلهَا (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْأَمْر (حِصَّة الْقِيمَة) وَهِيَ ثُلُثًا الْأَلْف (وَسَقَطَ) عَنْهُ (مَا يَخُصّ الْمَهْر) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاء اقْتِضَاء، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابِل الْأَلْف بِالرَّقَبَةِ شِرَاء وَالْبِضْع نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَتْ حِصَّة مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَة وَبَطَل عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّم وَهُوَ الْبِضْع. (وَلَوْ) لَمْ تَأْبَهُ (تَزَوَّجَتْهُ) أَيْ الْأُمَّة الْآمِر (فَحِصَّة الْمَهْرِ لَهَا) أَيْ الْأُمَّةُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي صُورَتِي ضَمَّ عَنِّي وَتَرْكَهُ. (وَحِصَّةُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى فِي الثَّانِي) أَيْ فِي صُورَةِ الضَّمِّ (وَهَدَرٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَحِصَّةُ الْقِيمَةِ هَدَرٌ فِي صُورَةِ تَرْكِ الضَّمِّ، وَقَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ التَّزَوُّجِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسهَا فَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْر مِثْلهَا عِنْد الطَّرَفَيْنِ وَعِنْد أَبِي يُوسُف يَجُوز جَعْلَ الْعِتْق صَدَاقًا فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتهَا فِي قَوْلهمْ جَمِيعًا، وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَة دُون أُمِّ الْوَلَد لَمَّا قَالَ فِي الْبَحْر عَنْ الْخَانِيَّة أَمُّ الْوَلَد إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوَّجَ نَفْسهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنَّ أَبَتْ أَنْ تُزَوَّجَ نَفْسهَا مِنْهُ لَا سِعَايَة عَلَيْهَا انْتَهَى. وَفِي الْمَنْح يُشْكِلُ عَلَى عَدَم وُجُوب السِّعَايَة هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَة وُجُوب السِّعَايَة عَلَى أُمِّ الْوَلَد إذَا أَسْلَمَتْ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْعَى لِلْمَوْلَى فِي قِيمَتهَا؛ لِأَنَّهُ مَغْرُور مِنْ قِبَلِهَا، لَكِنْ إسْلَام أَمِّ الْوَلَد لَا يُوجِب الْعِتْق بَلْ تُعْتَق بِالسِّعَايَةِ لِئَلَّا تَكُون تَحْت الْكَافِر، وَلَا مَدْخَل لِلْمَوْلَى فِي إسْلَامهَا حَتَّى تَسْقُط بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَتْ أَنْ تُزَوَّجَ نَفْسهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاق مِنْ قِبَلِهِ فَافْتَرَقَا تَأْمُل. [بَابُ التَّدْبِيرِ] ِ) هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ كَعِتْقِهِ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ، وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ فَخَرَجَ أَيْضًا أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يُعْتَقُ بَعْدَ عِتْقِ الْمَوْلَى إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ وَخَرَجَ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ

شَيْءٍ انْتَهَى. فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ هُوَ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عَتَقَ مَمْلُوكُهُ بِالْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْتُهُ أَوْ مَوْتُ غَيْرِهِ مُخَالِفًا تَأَمَّلْ. وَهُوَ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ مَنْ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ (يَوْمَ أَمُوتُ) ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَلَوْ نَوَى بِالْيَوْمِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ نَهَارًا، وَلَهُ بَيْعُهُ (أَوْ مَعَ مَوْتِي) ؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مَعَهُ (أَوْ عِنْدَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي) فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ أَوَّلًا، وَفِي تُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ يَصِيرُ شَرْطًا تَسَامُحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَالْحَدَثُ كَالْمَوْتِ فَلَوْ قَالَ إنْ حَدَثَ لِي حَادِثٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ أَوْ الْوَفَاةِ أَوْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ (أَوْ) أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتُك (أَوْ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ إنْ مِتّ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ (وَغَلَبَ مَوْتُهُ فِيهَا) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ فِي الصُّورَةِ مُقَيَّدٌ وَفِي الْمَعْنَى مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَمُوتَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْمَوْلَى فِي الْغَالِبِ كَالتَّعْلِيقِ بِنَفْسِ مَوْتِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (أَوْ) قَالَ (أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ) قَالَ أَوْصَيْت لَك (بِرَقَبَتِك) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي وَانْتِقَالَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَأَنَّهُ فِي الْعَبْدِ حُرِّيَّةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ بِعْت نَفْسَك مِنْك أَوْ وَهَبْتهَا لَك (أَوْ) قَالَ أَوْصَيْت لَك (بِثُلُثِ مَالِي) ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكُهُ ثُلُثَ جَمِيعِ مَالِهِ، وَرَقَبَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَيَمْلِكُهَا فَيُعْتَقُ، وَكَذَلِكَ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ وَلَوْ قَالَ بِجُزْئِهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مُبْهَمٍ وَالتَّعْيِينُ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَكُونُ رَقَبَتُهُ دَاخِلَةً فِي الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ) بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ (إلَّا بِالْعِتْقِ) وَالْكِتَابَةِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُجْعَلُ بَدَلَ الصُّلْحِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ التَّمْلِيكِيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ (وَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ وَكِتَابَتُهُ وَإِيجَازُهُ وَالْأَمَةُ) الَّتِي جُعِلَتْ مُدَبَّرَةً (تُوطَأُ وَتُزَوَّجُ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَبْرًا عَلَيْهَا وَكَذَا الْمُدَبَّرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي، التَّنْوِيرِ وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ وَارِثِهِ

وَبِمَهْرِ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ (وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهُ) أَيْ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ (عَتَقَ) الْمُدَبَّرُ (مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) الْعَبْدُ (مِنْ الثُّلُثِ فَحِسَابُهُ) أَيْ بِحَسَبِ ثُلُثِ مَالِهِ فَيُعْتَقُ بِقَدْرِهِ وَيَسْعَى فِي بَاقِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ) السَّيِّدُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمَالِ (سَعَى فِي ثُلُثَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ وَارِثٌ وَلَمْ يُجِزْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ أَجَازَهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلِكَوْنِهِ وَصِيَّةً لَوْ قَتَلَهُ الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ (يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا تُعْتَقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إنْ خَطَأً كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (وَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرَ (دَيْنُ الْمَوْلَى سَعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِيمَةِ هُنَا الْقِيمَةُ مُدَبَّرًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، قُيِّدَ بِكَوْنِ الدَّيْنِ مُسْتَغْرِقًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ أَوْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَضَمِنَ نِصْفَ شَرِيكِهِ) قِنًّا (ثُمَّ مَاتَ) الْمُدَبِّرُ (عَتَقَ نِصْفُهُ بِالتَّدْبِيرِ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ) ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَدْبِيرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يُعْتَقُ جَمِيعُهُ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ بَعْضِهِ تَدْبِيرُ الْجَمِيعِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّجَزُّؤِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ إنْ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَإِنْ مُقَيَّدًا فَلَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ لَيْسَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا هِيَ لِلْأُمِّ لَا لِلْأَبِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ (وَالْمُقَيَّدُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمُطْلَقُ (مَنْ قَالَ لَهُ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَاحْتُمِلَ عَدَمُ مَوْتِهِ فِيهَا) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً مَثَلًا (فَيَجُوزُ بَيْعُهُ) وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَلَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الْمَوْتُ الْمُطْلَقُ فَكَائِنٌ قَطْعًا. (وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ) أَيْ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ مِنْهُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَزَوَالِ التَّرَدُّدِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ لَيْسَ مِنْ وُجُوهٍ حَتَّى يَرُدَّ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ إذَا كَانَ مُطْلَقًا وَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ يُقَوَّمُ الْمُعْتَقُ

باب الاستيلاد

مُدَبَّرًا وَإِذَا كَانَ مُقَيَّدًا يُقَوَّمُ قِنًّا، فَلَا يَكُونُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ كَعِتْقِ الْمُطْلَقِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ صَحِيحٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ عَتَقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الشَّهْرِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَقُيِّدَ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ إجْمَاعًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْكَافِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ مِتُّ أَنَا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ إذَا مِتّ أَنَا أَوْ مَاتَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْ مَوْتِ فُلَانٍ فَصَارَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا، وَعِنْدَ زُفَرَ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا. [بَابُ الِاسْتِيلَادِ] ِ) هُوَ لُغَةً طَلَبُ الْوَلَدِ مُطْلَقًا وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتٍ، وَشَرْعًا طَلَبُ الْمَوْلَى الْوَلَدَ مِنْ أَمَتِهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، وَهُمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خُرِجَ بِهِمَا فِي الشَّرْعِ مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ (لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ) فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ (مِنْ مَوْلَاهَا) الْمُعْتَرِفِ بِوَطْئِهَا (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) أَيْ الْوَلَدَ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَمْلِ بِأَنْ يَقُولَ حَمْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ مِنِّي أَوْ هِيَ حُبْلَى مِنِّي أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدٍ فَهُوَ مِنِّي أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ حُبْلَى فَهُوَ مِنِّي، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ بَعْدَ مَا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَهُ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِنَّمَا كَانَ رِيحًا وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنِّي وَلَمْ يَقُلْ مِنْ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ كَانَ رِيحًا وَصَدَّقَتْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ ذَهَابُ تَقَوُّمِهَا بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَنُقْصَانُ قِيمَتِهَا عِنْدَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْوَلَدَ مَقْصُودٌ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ. وَفِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ عَنْ الْإِمَامِ إذَا عَالَجَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مَاءَهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَدْخَلَتْهُ فَرْجَهَا فِي حَدَثَانِ ذَلِكَ فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ انْتَهَى. هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَمَا ادَّعَى الْمَوْلَى مَرَّةً وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ تَأَمَّلْ (وَإِذَا ثَبَتَ) نَسَبُهُ مِنْهُ بِدَعْوَةٍ (صَارَتْ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ (وَلَا يَجُوزُ

إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ) بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَا يَنْفُذُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ (إلَّا بِالْعِتْقِ) فَإِذَا أَعْتَقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ تُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا وَكِتَابَتُهَا) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَوِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تُسْتَفَادُ بِهِ، فَلِهَذَا إنَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَالْعُقْرَ وَالْمَهْرَ لِلْمَوْلَى. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ فَهُوَ وَلَدُ الزَّوْجِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَكِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ (وَتُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ السَّيِّدِ (مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تَسْعَى) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (لِدَيْنِهِ) لِلْغَرِيمِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُقَدَّمُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ هَذَا إذَا أَقَرَّ فِي الصِّحَّةِ، أَمَّا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فِي مَرَضِهِ وَلَدْت مِنِّي فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ أَوْ حَبَلٌ تُعْتَقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا ادَّعَى الْمَوْلَى مَرَّةً (بِلَا دَعْوَةٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا لَهُ كَالْمَنْكُوحَةِ وَلِهَذَا لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ، هَذَا إذَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِوَطْءِ أُمِّهَا وَنَحْوِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالدَّعْوَةِ لِانْقِطَاعِ الْفِرَاشِ. (وَإِنْ نَفَاهُ) بَعْدَمَا اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ (انْتَفَى) ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ

الْفِرَاشِ، وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّنْوِيرِ فَقَالَ: إلَّا إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ أَوْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَلَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِرَاشَ إمَّا ضَعِيفٌ وَهِيَ الْأَمَةُ أَوْ مُتَوَسِّطٌ وَهِيَ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ قَوِيٌّ وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا أَوْ أَقْوَى وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا وَلَا يَنْتَفِي أَصْلًا لِعَدَمِ اللِّعَانِ. (وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ (ثُمَّ مَلَكَهَا) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَكَذَا) تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ مَلَكَهَا) ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَثَبَتَتْ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهُ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا مَلَكَهَا زَوْجُهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِزِنًا ثُمَّ مَلَكَهَا) حَيْثُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْهُ. (وَلَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ) أَوْ مُدَبَّرَتُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ الْكَافِرُ (عُرِضَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَوْلَى (الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ أَبَى) أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ (سَعَتْ) أَيْ أُمُّ وَلَدِهِ الَّتِي أَسْلَمَتْ (فِي قِيمَتِهَا) وَالْمُرَادُ بِقِيمَتِهَا هُنَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ قِنًّا كَمَا فِي الْغَايَةِ (وَهِيَ كَالْمُكَاتَبَةِ) لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ. وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا (وَلَا تُرَقُّ بِعَجْزِهَا) عَنْ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ قِنَّةً أُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ. (وَإِنْ مَاتَ) النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ السِّعَايَةِ (عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ قُيِّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَتْ قِنَّةُ الذِّمِّيِّ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ فَإِنْ أَسْلَمَ فَبِهَا وَإِلَّا يُجْبَرُ بِبَيْعِهَا تَخَلُّصًا مِنْ يَدِ الْكَافِرِ وَكَذَا قِنُّهُ (وَمَنْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ لَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَمَةِ (شَرِيكٌ) أَيْ شَرِكَةٌ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّعْوَى فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ (وَصَارَتْ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَضَمِنَ) الْمُدَّعِي (نِصْفَ قِيمَتِهَا) يَوْمَ الْعُلُوقِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ (وَ) ضَمِنَ (نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ أَمَةً مُشْتَرَكَةً إذْ الْمِلْكُ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَعَقَّبُهُ الْمِلْكُ فِي حَظِّ صَاحِبِهِ (لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ حِينَ الْعُلُوقِ وَالنَّسَبُ ثَبَتَ مِنْهُ

فَصَارَ حُرًّا. (وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا) وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوْصَافِ أَيْ ادَّعَى الشَّرِيكَانِ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى لَا يَخْتَلِفُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (ثَبَتَ) نَسَبُهُ (مِنْهُمَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ إنْ لَبَّسَا فَلَبِّسْ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بَيَّنَا فَبَيِّنْ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ لِلْبَاقِي، مِنْهُمَا وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ فَيَعْمَلُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ رَاجِحَةٌ عَلَى دَعْوَةِ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدِهِ. قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا حَبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلَا بَقَاؤُهُ عِنْدَهُ فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا، وَقَيَّدْنَا بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهَا بِأَنْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا لَا يُعَارِضُهُ الْمَرْجُوحُ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَالْعِبْرَةُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتُ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَحْسَنَ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ يُزَوِّجَهَا فَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ الزَّوْجِ فَالْوَلَدُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَفِي الْبَحْرِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَإِنْ كَثُرُوا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرُ. وَقَالَ زُفَرُ يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ فَقَطْ، وَلَوْ تَنَازَعَتْ فِيهِ امْرَأَتَانِ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي لِلْمَرْأَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ (وَعَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (نِصْفُ عُقْرِهَا وَتَقَاصَّا) لِعَدَمِ فَائِدَةِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ إذْ الْمَهْرُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمَا سَوِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ نَصِيبًا مِنْ الْآخَرِ (وَيَرِثُ) الِابْنُ (مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ) كَامِلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِبُنُوَّتِهِ عَلَى الْكَمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَيَقْتَسِمَانِ نَصِيبَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَلَدِ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا

كتاب الأيمان

وَأَنْ لَا أَوْلَوِيَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ مُشْتَرَكَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ) يَعْنِي إنْ وَطِئَ الْمَوْلَى أَمَةَ مُكَاتَبِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ (فَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ الْمَوْلَى لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَوْلَى (قِيمَتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وَلَدِ الْمَغْرُورِ حَيْثُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسَبَ كَسْبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى (عُقْرُهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً. (وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ الْمُكَاتَبُ الْمَوْلَى فِي دَعْوَتِهِ (لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَيَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي اكْتِسَابِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ بِتَصْدِيقِ الِابْنِ (إلَّا إذَا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي مِلْكِهِ وَقْتًا مَا) فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ بَاقٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَزَوَالُ حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الْمَانِعُ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحَلَّهَا لِي مَوْلَاهَا وَالْوَلَدُ وَلَدِي فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ تَكْذِيبِهِ يَوْمًا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت حِلَّهَا لِي لَا حَدَّ وَلَا نَسَبَ وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] ِ الْأَيْمَانُ جَمْعُ الْيَمِينِ ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسِبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فَهُمَا كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمَ الْعَتَاقَ عَلَيْهَا لِقُرْبِهِ مِنْ الطَّلَاقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِسْقَاطِ (الْيَمِينُ) فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْمَانِهِمْ حَالَةَ التَّحَالُفِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمِنَحِ وَمَفْهُومُ لَفْظَةِ الْيَمِينُ لُغَةً: جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً بَعْدَهَا خَبَرِيَّةً. وَتَرْكُ لَفْظَةِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ انْتَهَى. لَكِنَّ قَوْلَهُ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً بَعْدَهَا يُخْرِجُهُ أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ أُولَى تَأَمَّلْ. وَخَرَجَ بِالْإِنْشَائِيَّةِ نَحْوُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ إنْشَائِيَّةً فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً. وَفِي الشَّرْعِ (تَقْوِيَةُ) الْحَالِفِ (أَحَدِ طَرَفَيْ الْخَبَرِ) مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (بِالْمُقْسَمِ بِهِ) وَهَذَا التَّعْرِيفُ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِ

أقسام اليمين

صَاحِبِ الدُّرَرِ وَهُوَ تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَأَمَّا مَفْهُومُ لَفْظَةِ الْيَمِينِ اصْطِلَاحًا فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا، أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا، فَدَخَلَ بِقَيْدِ " ظَاهِرًا " الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ كَكُفْرٍ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيَمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ، قَدْ خَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ انْتَهَى. لَكِنَّ قَوْلَهُ أُولَى مُسْتَدْرَكٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ تَدَبَّرْ. وَفِي الْبَحْرِ وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَانْفِرَادُ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُعَظَّمُ وَانْفِرَادُ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةُ خَلَفًا كَمَا فِي الْكَافِي وَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا، وَحَرَامًا وَأَنَّ الْحِنْثَ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا. وَفِي التَّبْيِينِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا. وَفِي الْبَحْرِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ خَصْمُهُ لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ يُخْشَى عَلَى إيمَانِهِ. [أَقْسَامِ الْيَمِينِ] (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (ثَلَاثٌ) بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ تُعَدَّ (غَمُوسٌ) هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ وَمَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ (حَلِفُهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَوْ سُكُونِهَا يَمِينٌ يُؤْخَذُ بِهَا الْعَهْدُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ كُلُّ يَمِينٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ حَلَفَ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ كَذِبًا عَمْدًا) حَالَانِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي حَلِفَ بِمَعْنَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَتَيْنِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ حَلِفًا، وَالْكَذِبُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالسَّهْوِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لَكِنْ فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَذِبَ يَرْجِعُ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ دُونَ الْخَارِجِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَحُكْمُهَا) أَيْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ (الْإِثْمُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) أَيْ فِي الْيَمِينِ

الْغَمُوسِ (إلَّا التَّوْبَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَبِالْغَمُوسِ أَوْلَى وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارُ عَنْ الزَّحْفِ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ» ، وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ. (وَ) ثَانِيهَا (لَغْوٌ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ) أَوْ حَالٍ (يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَ) الْحَالُ (هُوَ بِخِلَافِهِ) أَيْ إنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ فِي الْمَوَاقِعِ خِلَافُ مَا ظَنَّهُ كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ ثُمَّ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ، وَهِيَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمَاضِي أَوْ عَنْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أُخْبِرَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فِي كَلِمَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلَا لَغْوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ قَصَدَ الْيَمِينَ أَوْ لَا وَإِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَقَطْ، وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَثَرِ حِكَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَغْوٌ، فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ انْتَهَى. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ اللَّغْوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ جَعَلَهَا لَغْوًا، وَعَلَى تَفْسِيرِهِ لَا يَكُونُ لَغْوًا فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَاضِي لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَحُكْمُهَا رَجَاءُ الْعَفْوِ) أَيْ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا صَاحِبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] وَإِنَّمَا عَلَّقَ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ إمَّا تَوَاضُعًا أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْيَمِينُ اللَّغْوُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ. (وَ) ثَالِثُهَا (مُنْعَقِدَةٌ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إنْ حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَلَى الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ بَحْثٌ فِي الدُّرَرِ فَلْيُطَالَعْ، (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ (مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ) أَيْ حِفْظُ يَمِينِهِ (كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ) كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ (وَتَرْكِ الْمَعَاصِي) مِثْلُ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ (وَمِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الزِّنَا الْيَوْمَ (وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ)

الكفارة في اليمين

مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا أُصَلِّي عَصْرَ الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّنَا وَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَيُكَفِّرَ (وَمِنْهَا مَا يُفَضَّلُ فِيهِ الْحِنْثُ) عَلَى الْبِرِّ (كَهِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) مِمَّا لَا يُفَضَّلُ فِيهِ الْحِنْثُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا (يُفَضَّلُ فِيهِ الْبِرُّ) عَلَى الْحِنْثِ (حِفْظًا لِلْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] أَيْ عَنْ الْحِنْثِ (وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي) فَسَّرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ نَاسِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ فَحَلَفَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْمُكْرَهِ فِي الْحَلِفِ وَالْحِنْثُ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِهَا بَيْنَ الْمُكْرَهِ فِيهِمَا وَغَيْرِهِ أَمَّا فِي الْحَلِفِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» وَأَمَّا فِي الْحِنْثِ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. [الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ] (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) أَيْ إعْتَاقُهَا وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي الظِّهَارِ وَجْهَ الْعِتْقِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ فَمِنْ الظَّنِّ الْحَسَنِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ (أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا فِي عِتْقِ الظِّهَارِ) أَيْ يُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ الرَّقَبَةِ كَمَا بَيَّنَ فِي الظِّهَارِ (وَإِطْعَامُهُ) أَيْ يُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ الْإِطْعَامِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ أَيْضًا (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أَيْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ (كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْعَشَرَةِ (ثَوْبًا) جَدِيدًا أَوْ خَلَقًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْجَدِيدِ (يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ) أَيْ أَكْثَرَهُ وَهُوَ أَدْنَاهُ وَذَلِكَ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَلَكِنْ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِيهِ عَنْ الْإِطْعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (هُوَ الصَّحِيحُ) الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ لَابِسَ مَا يَسْتُرُ بِهِ أَقَلَّ الْبَدَن يُسَمَّى عَارِيًّا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ مُكْتَسِيًا (فَلَا يُجْزِئُ السَّرَاوِيلُ) . وَفِي الْمَبْسُوطِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَتَجُوزُ السَّرَاوِيلُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لِلرَّجُلِ يَجُوزُ وَلِلْمَرْأَةِ لَا يَجُوزُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْمَتْنِ، ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ (فَإِنْ عَجَزَ) الظَّاهِرُ بِالْوَاوِ (عَنْ أَحَدِهَا) أَيْ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (عِنْدَ الْأَدَاءِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ الْحِنْثِ، حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ، وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ، فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحِنْثِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) حَتَّى لَوْ مَرِضَ فِيهَا وَأَفْطَرَ أَوْ حَاضَتْ اسْتَقْبَلَ بِخِلَافِ

فصل حروف القسم

كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّتَابُعِ وَعَدَمِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ مَا يُشْتَرَطُ بِهِ طَعَامُ الْعَشَرَةِ لَا يَصُومُ وَعَنْ ابْنِ الْمُقَاتِلِ إنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الطَّعَامُ وَقُوتُ يَوْمَيْنِ لَا يَصُومُ وَفِي الْأَصْلِ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَعَ الدَّيْنِ صَامَ بَعْدَ قَضَائِهِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَوْ بَذَلَ ابْنُ الْمُعْسِرِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَمْ تَثْبُتْ الْقُدْرَةُ بِالْإِجْمَاعِ (فَلَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ (التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَالِ أَوْ بِالصَّوْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْزِيهَا بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ سَبَبٍ وَهُوَ الْيَمِينُ فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ غَيْرُ مُفْضٍ بِخِلَافِ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ، ثُمَّ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ، قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ لَكِنْ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَلَا كَفَّارَةَ فِي حَلِفِ كَافِرٍ) بِاَللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ) : وَصْلِيَّةٌ (حَنِثَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْلِمًا) ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ تَعْظِيمًا، وَأَمَّا تَحْلِيفُهُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعَظُّمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (وَلَا تَصِحُّ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّتِهِمَا (وَالنَّائِمِ) لِانْعِدَامِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ. [فَصْلٌ حُرُوفُ الْقَسَمِ] فَصَلِّ (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ) الْأُولَى حُرُوفُ الْقَسَمِ بِدُونِ الْوَاوِ (الْوَاوُ) وَهِيَ بَدَلٌ عَنْ الْبَاءِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ فَلَا يُقَالُ وك وهـ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا فَلَا يُقَالُ احْلِفْ وَاَللَّهِ (وَالْبَاءُ) وَهِيَ الْأَصْلُ فِيهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ أَفْعَلُ بِهِ أَوْ بِك إذَا تَعَيَّنَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ فِيهَا نَحْوُ حَلَفْت بِاَللَّهِ فَعَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ الْبَاءِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْوَاوَ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا عِنْدَ الْعَرَبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَسَمَ حَلَفْتُ وَالْبَاءُ لِلصِّلَةِ (وَالتَّاءُ) وَهِيَ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ وَلَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ خَاصَّةً نَحْوُ تَاللَّهِ وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ تَالرَّحِيمِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا وَلِلْقَسَمِ حُرُوفٌ أُخَرُ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحُرُوفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقَسَمِ وَمِنْ، كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَاَللَّهِ وَمَاللَّهِ وَمِنْ اللَّهِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَيَدْخُلُهُمَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ الْبَاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّازِمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَقَدْ تُضْمَرُ) حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَلِفًا؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إيجَازًا (كَاَللَّهِ أَفْعَلُهُ) أَيْ لَا أَفْعَلُهُ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَقُولَ لَأَفْعَلَنهُ فَتَكُونَ كَلِمَةُ لَا مُضْمَرَةً فِيهِ؛ لِأَنَّ نُونَ

التَّأْكِيدِ تَلْزَمُ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ يُعَوَّضْ عَنْهُ هَاءُ التَّنْبِيهِ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ يُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ إلَّا فِي اسْمَيْنِ اُلْتُزِمَ فِيهِمَا الرَّفْعُ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُك انْتَهَى. لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ التَّنَبُّهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ وَقَدْ صُرِّحَ بِأَنَّهُمَا مِنْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْعِوَضَ بَعُدَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ تُضْمَرُ وَلَمْ يَقُلْ تُحْذَفُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِضْمَارِ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ، لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْأَثَرِ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الْجَرِّ دُونَ حَالَةِ النَّصْبِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُعَبَّرَ فِيهَا بِالْحَذْفِ تَأَمَّلْ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ وَهُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. وَفِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يَمِينٌ مَعَ النِّيَّةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا وَالْإِطْلَاقُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا أَوْ سَاكِنًا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرَ اللَّهِ مَعَ حُرُوفِ الْقَسَمِ. وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ غَيْرُ مَانِعٍ هَذَا إذَا ذُكِرَ بِالْبَاءِ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالْجَرِّ (أَوْ بِاسْمٍ) هُوَ عُرْفًا لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَةِ فَاَللَّهُ اسْمٌ عَلَى رَأْيٍ (مِنْ أَسْمَائِهِ) مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِهِ كَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرَ» وَالْحَلِفُ بِسَائِرِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى حَلِفٌ بِاَللَّهِ وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ بِدَلَالَتِهِ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ (كَالرَّحْمَنِ) فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى (وَالرَّحِيمِ) يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ (وَالْحَقُّ) أَيْ مَنْ لَا يُقَبَّحُ مِنْهُ فِعْلٌ فَهُوَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَقِيلَ مَنْ لَا يَفْتَقِرُ فِي وُجُودِهِ إلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ الصَّادِقُ فِي الْقَوْلِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ غَيْرَ الْمُخْتَصِّ بِهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَالْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا تَتَعَيَّنُ الْإِرَادَةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ (وَ) لِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ إلَّا فِيمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى (كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ) . وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيُّنُ الْخَالِقِ مُرَادٌ بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ بِلَا وُرُودِ نَهْيٍ (كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَ صِفَاتِهِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا سَوَاءٌ كَانَ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ صِفَاتُ الذَّاتِ مُطْلَقًا يَمِينٌ لَا صِفَاتُ الْفِعْلِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا

كَالرَّحْمَةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَكُلُّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا كَالْعِزَّةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَقَالُوا إنَّ ذِكْرَ الصِّفَاتِ لِلذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَذِكْرَ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ، لَكِنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشَارَةَ إلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ غَيْرُ اللَّهِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فَقَالَ يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (لَا) يَكُونُ الْيَمِينُ (بِغَيْرِ اللَّهِ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ فَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ الْحَلِفِ " بجان نُون وسرتو " فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلِفٌ وَالْبِرُّ بِهِ وَاجِبٌ يُكَفِّرُ. وَقَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ إنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَمَا أَشْبَهَهُ. وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِرُوحِ الْأَمِيرِ وَحَيَاتِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إسْلَامُهُ بَعْدُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَالْقُرْآنِ) وَسُورَةٍ مِنْهُ وَالْمُصْحَفُ وَالشَّرَائِعُ وَالْعِبَادَاتُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَالنَّبِيِّ وَالْعَرْشِ وَالْكَعْبَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا تَعَارَفُوهَا يَمِينًا وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْقُرْآنِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَمَّا لَوْ أُرِيدَ فَيَكُونُ يَمِينًا هَذَا إذَا قَالَ وَالْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ، وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ لَوْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ وَحَقُّ هَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْحَلِفُ بِهِ (وَلَا) يَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا (بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ (كَرَحْمَتِهِ) تَعَالَى مِنْ الصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّ مَرْجِعَهُ الْإِرَادَةُ إذْ الْمَعْنَى إرَادَةُ الْإِنْعَامِ (وَعِلْمِهِ) صِفَةٌ بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَرِضَاهُ) أَيْ تَرْكُهُ الِاعْتِرَاضَ لَا الْإِرَادَةَ كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّ الْكُفْرَ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا لَهُ تَعَالَى لَيْسَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَغَضَبِهِ) أَيْ انْتِقَامِهِ وَكَوْنِهِ مُعَاقِبًا لِمَنْ عَصَاهُ (وَسَخَطِهِ) أَيْ إنْزَالِ عُقُوبَتِهِ وَفِي الْأَصْلِ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ الْمُقْتَضِي لِلْعُقُوبَةِ (وَعَذَابِهِ) أَيْ عُقُوبَتِهِ (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ (لَعَمْرُ اللَّهِ) عَطْفُ بَيَانٍ (يَمِينٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْعَمْرُ هُوَ الْبَقَاءُ مَضْمُومًا وَمَفْتُوحًا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْيَمِينِ إلَّا الْمَفْتُوحُ وَهُوَ

مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْبَاقِي وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ هُوَ قَسَمِي أَوْ مَا أُقْسِمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَعَمْرُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. (وَكَذَا) يَمِينُ قَوْلِهِ (وَأَيْمُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ ضَمَّ الْمِيمِ مَقْصُورًا وَأَيْمَنُ اللَّهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ يُقَالُ هَيْمُ اللَّهِ بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ هَاءً وَقَدْ تُحْذَفُ الْيَاءُ مَعَ النُّونِ فَيُقَالُ أَمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَلَا يُسْتَعْمَلُ مَقْصُورًا إلَّا أَيْمَنُ مَعَ الْجَلَالَةِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَ الْكُوفِيَّةِ وَهَمْزَتُهُ قَطْعِيَّةٌ جُعِلَتْ وَصْلِيَّةً لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَخْفِيفًا وَنَفْيِ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهَمْزَتُهُ وَصْلِيَّةٌ عِنْدَهُ اُجْتُلِبَتْ لِيُمْكِنَ بِهِ النُّطْقُ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيَّةِ هُوَ مِنْ صِلَاتِ الْقَسَمِ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهِ أَيْ كَلِمَةً مُسْتَقِلَّةً كَالْوَاوِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَيْمُ اللَّهِ بِدُونِ الْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اخْتِيَارَ الْأَكْثَرِ كَوْنُهُ جَمْعَ الْيَمِينِ فَأَتَى بِالْوَاوِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ (وَ) كَذَا لَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ (سوكند ميخورم بخداي) يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ مَجَازٌ إذْ الشَّرْطِيَّةُ لَيْسَتْ بِقَسَمٍ. (وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) وَكَذَا وَذِمَّتُهُ وَأَمَانَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ وَالْمِيثَاقُ فِي مَعْنَاهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا إذَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ الْيَمِينِ فَيَدِينُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ (وَ) كَذَا (أُقْسِمُ وَأَحْلِفُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَأَشْهَدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ فَجُعِلَ حَلِفًا فِي الْحَالِ. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) مَعَهُ لَفْظَةُ (بِاَللَّهِ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا قَالَ بِاَللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَوَى فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا. (وَكَذَا) قَوْلُهُ (عَلَى نَذْرٍ) هُوَ أَنْ تُوجِبَ عَلَى نَفْسِك مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ (أَوْ) عَلَى (يَمِينٍ) مَعْنَاهُ عَلَى مُوجِبِ يَمِينٍ (أَوْ) عَلَى (عَهْدٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُضِفْ) هَذِهِ الْأَلْفَاظَ (إلَى اللَّهِ) لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ، حَتَّى إذَا لَمْ يُضِفْ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذَا النَّذْرِ الْمُطْلَقِ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ كَحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْهَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا فَعَلَيْهِ مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، (وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا) أَيْ إنْ دَخَلَ الدَّارَ مَثَلًا (فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ) أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ غَيْرُهَا (أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ) أَوْ مِنْ الرُّسُلِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا إذَا أَنْكَرَهُ صَارَ كَافِرًا يَمِينٌ يَسْتَوْجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَنِثَ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَمَّا فِي الْمَاضِي لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ وَلَا يَكْفُرُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ

الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَكْفُرُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَلِهَذَا قَالَ (وَلَا يَصِيرُ كَافِرًا بِالْحِنْثِ فِيهَا سَوَاءٌ عَلَّقَهُ) أَيْ الْكُفْرَ (بِمَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ إنْ كَانَ يَعْلَمُ) الْحَالِفُ (أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ يَصِيرُ بِهِ كَافِرًا) . وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي جَمِيعًا. وَفِي الْبَحْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ إمَّا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ غَمُوسٌ لَا يَكْفُرُ بِالْمَاضِي وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْمُقَدِّمَ يَكْفُرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَيْسَ بِيَمِينٍ (إنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَتُهُ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا لَيْسَ بِيَمِينٍ) لِعَدَمِ التَّعَارُفِ. (كَذَا) لَيْسَ بِيَمِينٍ (قَوْلُهُ حَقًّا أَوْ وَحَقِّ اللَّهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا فَلِهَذَا قَالَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَالِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قُيِّدَ بِالْحَقِّ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ وَمَعْنَاهُ أَفْعَلُ هَذَا لَا مَحَالَةَ لَكِنْ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْيَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ نَوَى وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَبِهَذَا ظَهَرَ قُصُورُ الْمَتْنِ تَأَمَّلْ. (وَكَذَا) لَيْسَ بِيَمِينٍ (قَوْلُهُ سوكند خورم بخداي) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَمِينٌ (يَا بِطَلَاقِ زن) وَالْأَحْسَنُ أَوْ مَكَانَ، يَا أَيْ أَوْ سوكند خورم بِطَلَاقِ زن، إلَّا أَنَّهُ رَاعَى تَنَاسُبَ الطَّرَفَيْنِ (وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ) عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ حَرَّمْت عَلَيَّ طَعَامِي أَوْ نَحْوَهُ (لَا يَحْرُمُ) ؛ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ) أَيْ إنْ عَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ (أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى

{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَالَ شَيْئًا مَكَانَ مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَعِي أَوْ الْكَلَامُ مَعَك حَرَامٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ) يُحْمَلُ (عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ الْعُمُومُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، وَلَوْ نَوَى امْرَأَتَهُ دَخَلَتْ مَعَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَصَارَ مُولِيًا وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ وَحْدَهَا صُدِّقَ وَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَكُونُ طَلَاقًا عُرْفًا وَيَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوهُ فَصَارَ كَالصَّرِيحِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْفَتْوَى) عَلَى (أَنَّهُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِلَا نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً هَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَإِنْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَيْهِمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَمِثْلُهُ) قَوْلُهُ (حَلَال بروى حرام) وَمَعْنَاهُ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامُ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ (وَقَوْلُهُ هرجه بدست راست كيرم بروي حَرَامٌ) . وَفِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ. وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا تَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. (وَمَنْ نَذَرَ) بِمَا هُوَ وَاجِبٌ قَصْدًا مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ (نَذْرًا مُطْلَقًا) غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَأَرَادَ بِهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ كَالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ عِبَادَاتٌ مَقْصُودَةٌ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ النَّذْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ النَّاذِرَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَةِ وَعِمَارَتِهِمَا وَإِكْرَامِ الْأَيْتَامِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَكْفَانِ الْمَوْتَى وَتَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ وَتَزْوِيجِ فُلَانَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ الْمَقْصُودَةِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُهُ كَمَا قَيَّدْنَاهُ تَأَمَّلْ (أَوْ) نَذَرَ (مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ) أَيْ يُرِيدُ وُجُودَهُ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ (كَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي) أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ عِتْقُ مَمْلُوكٍ أَوْ صَلَاةٌ (وَوُجِدَ) ذَلِكَ الشَّرْطُ عَطْفٌ عَلَى نَذْرِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ

باب اليمين في الدخول والخروج والإتيان والسكنى وغير ذلك

أَوْ مُعَلَّقًا (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ) بِمَا نَذَرَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْكَفَّارَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ. (وَلَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ صِفَةُ شَرْطٍ (كَإِنْ زَنَيْت) أَوْ شَرِبْت خَمْرًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا أَوْ نَذَرَ (خُيِّرَ بَيْنَ الْوَفَاءِ) بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُهُ تَأَمَّلْ. (وَالتَّكْفِيرُ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (هُوَ الصَّحِيحُ) رِوَايَةً وَدِرَايَةً أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا نُقِلَ عَنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ وُجُوهِ الْوَفَاءِ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ أَوْ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ فَفِي مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَلَكِنَّهُ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيُخَيَّرُ، وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا. وَفِي التَّنْوِيرِ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَغَا لَوْ كَانَ يَذْبَحُ نَفْسَهُ أَوْ أَبِيهِ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أُمَّهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْتُ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً أَوْ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا، فَبَرَأَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا زَادَ وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ وَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ، نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ إلَى فُقَرَاءِ غَيْرِهَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ جَازَ إنْ سَاوَى الْعَشَرَةَ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إنْ أَفْطَرَ قَضَاهُ بِلَا لُزُومِ اسْتِئْنَافٍ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ دُونَهَا لَزِمَهُ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَ مَا لِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى زَيْدٍ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ. وَفِي الْوَلَوْالِجيَّةِ إذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ وَهُوَ يَنْوِي صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا مَعْلُومًا فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ إنْ نَوَى صَدَقَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ (وَمَنْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ، إلَّا إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْقَوْلِ مِنْ عِبَادَةٍ وَمُعَامَلَةٍ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالسُّكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُحْلَفُ عَلَيْهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى حَصْرِهَا لِكَثْرَتِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِاخْتِيَارِ الْفَاعِلِ فَيَدُورُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ، وَالْمَذْكُورُ نَوْعَانِ أَفْعَالٌ حِسِّيَّةٌ وَأُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ، وَبَدَأَ بِالْأَهَمِّ، وَهُوَ الدُّخُولُ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ الْأَصْلُ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ كَمَا عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ

الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَيَجِبُ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (حَلَفَ) بِالْقَسَمِ أَوْ الشَّرْطِيَّةِ (لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَتَسْمِيَةُ الْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ، وَالْمَسْجِدِ مَجَازٌ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ. (وَكَذَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ (لَوْ دَخَلَ دِهْلِيزًا) مُعَرَّبٌ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَدَاخِلِ الدَّارِ (أَوْ ظُلَّةَ بَابِ دَارٍ إنْ كَانَ لَوْ أُغْلِقَ) الْبَابُ (يَبْقَى خَارِجًا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ خَارِجًا لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ (حَنِثَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلدِّهْلِيزِ، وَالظُّلَّةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ الظُّلَّةُ بِالضَّمِّ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الْبَابِ وَأَطْرَافُهَا الْأُخَرُ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسْقَفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الدِّهْلِيزِ مَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْبَيْتُوتَةِ أَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فَإِنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَةً لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي بَعْضِ الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ انْتَهَى. وَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلدِّهْلِيزِ فَقَطْ فَقَالَ مَا قَالَ، تَدَبَّرْ (كَمَا لَوْ دَخَلَ صُفَّةً) أَيْ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ صُفَّةً عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعَةُ حَوَائِطَ كَمَا فِي صُفَّاتِ الْكُوفَةِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسْقَفًا كَمَا فِي صُفَّاتِ دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمًّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسْقَفًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي الصُّفَّةِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَوْ دَخَلَ دِهْلِيزًا أَوْ ظُلَّةَ بَابِ دَارٍ بِحَيْثُ لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ يَبْقَى خَارِجًا، فَإِنَّ الصُّفَّةَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِبَيْتٍ صَيْفِيٍّ كَمَا فِي صُفَّاتِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَهِيَ غَيْرُ الْبَيْتِ ذَاتُ ثَلَاثَةِ حَوَائِطَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَفِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا) وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَنْوِهَا (فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْبِنَاءِ، وَالْعَرْصَةُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا أَنَّهَا اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ، يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ، وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَضَعَّفَهُ الْكَافِي وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ تَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فَإِذَا انْعَقَدَ النَّهْيُ عَلَى الْكَامِلِ لَا يَحْنَثُ بِالنَّاقِصِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَوْ قَالَ) وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُ (هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا) حَالَ كَوْنِهَا (خَرِبَةً) لِمُجَرَّدِ، الْإِيضَاحِ فَالْعِبَارَةُ وَلَوْ (صَحْرَاءَ) وَأَرَادَ بِالْخَرِبَةِ الدَّارَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا أَمَّا إذَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ

فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (أَوْ) دَخَلَهَا (بَعْدَمَا بُنِيَتْ) هَذِهِ الدَّارُ الْخَرِبَةُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَالِ، وَالشَّرْطِيَّةِ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ مُعْتَبَرَةٌ (دَارًا أُخْرَى حَنِثَ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ، وَالْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إذْ الْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْيِينِ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ، وَالْمُعَرَّفِ إلَّا بِدُخُولِ الْمَبْنِيَّةِ كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الدُّرَرِ اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لَكِنْ لَا جَدْوَى فِيهَا لِكَوْنِهَا مُدَافَعَةً وَدَعْوَى فَلْيُطَالَعْ. (وَكَذَا) يَحْنَثُ (لَوْ وَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا) أَيْ سَطْحِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ مِنْ الْبَابِ بِأَنْ يُوصَلَ مِنْ سَطْحٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي عُرْفِنَا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَجَمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ مَحْمُولًا بِامْرِئٍ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ نَزَلَ مِنْ سَطْحِهَا أَوْ صَعِدَ شَجَرَةً وَأَغْصَانُهَا فِي الدَّارِ فَقَامَ عَلَى غُصْنٍ لَوْ سَقَطَ يَسْقُطُ فِي الدَّارِ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ لَا يَكُونُ حَانِثًا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَارْتَقَى شَجَرَةً أَغْصَانُهَا فِي الدَّارِ أَوْ قَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْهَا أَوْ صَعِدَ السَّطْحَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ دُخُولًا فِي الْعَجَمِ انْتَهَى. وَفِي الْكَافِي، وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْصِيلٌ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ دَخَلَ طَاقَ بَابِهَا) أَيْ بَابِ الدَّارِ (أَوْ دِهْلِيزَهَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ طَاقَ بَابِهَا أَوْ دِهْلِيزَهَا (إنْ كَانَ لَوْ أُغْلِقَ) الْبَابُ (يَبْقَى خَارِجًا) مِنْ الدَّارِ (لَا يَحْنَثُ) وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الدِّهْلِيزَ مَا بَيْنَ الدَّارِ، وَالْبَابِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ هَذَا التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ خَارِجًا (حَنِثَ) هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ وَاقِفًا بِقَدَمَيْهِ فِي طَاقِ الْبَابِ، فَلَوْ وَقَفَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْعَتَبَةِ وَأَدْخَلَ الْأُخْرَى فَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ. (وَلَوْ جُعِلَتْ) الدَّارُ الْمَحْلُوفَةُ الْمُعَيَّنَةُ (مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا) أَوْ نَهْرًا أَوْ دَارًا (بَعْدَمَا خَرِبَتْ) الدَّارُ (فَدَخَلَهَا) أَيْ الْحَالِفُ (لَا يَحْنَثُ) لِتَبَدُّلِ اسْمِ الدَّارِ بِغَيْرِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ أَمَّا لَوْ أَشَارَ وَلَمْ يُسَمِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. (وَكَذَا) لَا يَحْنَثُ (لَوْ دَخَلَ بَعْدَ انْهِدَامِ الْحَمَّامِ وَأَشْبَاهِهِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ.

هَذِهِ الدَّارَ فَجُعِلَتْ حَمَّامًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ بُسْتَانًا، ثُمَّ انْهَدَمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَدَخَلَ الْعَرْصَةَ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ بِاعْتِرَاضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهَا وَبِانْهِدَامِهَا لَا يَعُودُ اسْمُ الدَّارِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ، ثُمَّ بُنِيَ مَسْجِدٌ آخَرُ أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْفُسْطَاطَ فَنُقِضَ وَضُرِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَهُ حَنِثَ لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ، ثُمَّ بَرَّاهُ فَكَتَبَ بِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي إضَافَةِ الْهَدْمِ إلَى الْحَمَّامِ مَعَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ يُذْكَرُ مُقَدَّمًا فِي الْأُولَى رِعَايَةُ أَمْرٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَفِي لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ) الْبَيْتُ (وَصَارَ صَحْرَاءَ أَوْ بَعْدَمَا بَنَى بَيْتًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ) لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ بَعْدَ الِانْهِدَامِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ (بِخِلَافٍ مِمَّا لَوْ سَقَطَ السَّقْفُ وَبَقِيَ الْجُدْرَانُ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ صِفَةُ الْكَمَالِ فِيهِ إذْ الْبَيْتُوتَةُ تَحْصُلُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَصَارَ السَّقْفُ فِي الْبَيْتِ كَأَصْلِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ. وَفِي الْوَجِيزِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا لَا سَقْفَ لَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ، وَالْوَصْفُ فِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ (وَفِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَالِفَ (فِيهَا) أَيْ فِي الدَّارِ (لَا يَحْنَثُ) اسْتِحْسَانًا (مَا لَمْ يَخْرُجْ، ثُمَّ يَدْخُلْ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ تَنْزِيلًا لِلْبَقَاءِ مَنْزِلَةَ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ، وَهَذَا الْفِعْلُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ فَلَا يُقَالُ دَخَلَ يَوْمًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَدًّا لَا يَكُونُ بَقَاؤُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَنَظِيرُهُ لَا يَخْرُجُ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ وَيَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ الطَّهَارَةَ وَالنِّكَاحَ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَفِي لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَالِفَ (لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ سَاكِنُهَا) ، ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّشْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَقَالَ (إنْ أَخَذَ) أَيْ شَرَعَ الْحَالِفُ (فِي النَّزْعِ) أَيْ نَزْعِ الثَّوْبِ (وَالنُّزُولِ) مِنْ الدَّابَّةِ (وَالنُّقْلَةِ) بِالضَّمِّ، وَالسُّكُونِ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ أَيْ انْتِقَالُهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ (مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ) مُتَعَلِّقٌ لِلْجَمِيعِ (لَا يَحْنَثُ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَلَّ قُلْنَا الْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ فَزَمَانُ تَحْصِيلِ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي النَّزْعِ، وَالنُّزُولِ وَالنُّقْلَةِ وَلَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِمَّا تَمْتَدُّ وَيُضْرَبُ لَهَا آجَالٌ وَيُقَالُ لَبِثْت يَوْمًا وَرَكِبْت يَوْمًا وَسَكَنْت شَهْرًا فَأَعْطَى لِبَقَائِهَا حُكْمَ ابْتِدَائِهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ رَاكِبٌ فَمَكَثَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ طَلْقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَرَكِبَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ بِالِاسْتِمْرَارِ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (ثُمَّ فِي لَا يَسْكُنُ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ) بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ (وَمَتَاعِهِ حَتَّى

لَوْ بَقِيَ وَتِدٌ) مِنْ مَتَاعِهِ (يَحْنَثُ) عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا يَحْنَثُ لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ لَا قِيمَةَ لَهُ، لَكِنْ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ السُّكْنَى فَأَمَّا بِبَقَاءِ مِكْنَسَةٍ أَوْ وَتِدٍ أَوْ قِطْعَةِ حَصِيرٍ لَا يَبْقَى سَاكِنًا فَلَا يَحْنَثُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ) لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْكُلِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَدَخْدَائِيَّتِهِ) أَيْ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا لَا بُدَّ فِي الْبَيْتِ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِعْمَالِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْأَحْسَنُ وَالْأَرْفَقُ) بِالنَّاسِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْفَقَ هَذَا إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَوْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ وَامْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ، ثُمَّ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ بِعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ لَا يَحْنَثُ، وَالْكُلُّ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَاشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِنَقْلِ الْأَهْلِ، وَالْمَتَاعِ، أَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْتَقِلَ عَنْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى أَصْبَحَ، أَوْ كَانَتْ الْأَمْتِعَةُ كَثِيرَةً فَخَرَجَ، وَهُوَ يَنْتَقِلُ الْأَمْتِعَةَ بِنَفْسِهِ كَمَا يَنْتَقِلُ النَّاسُ فَإِنْ نَقَلَ لَا كَمَا يَنْتَقِلُ النَّاسُ يَكُونُ حَانِثًا، أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَتْحِ وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ لِهَدْمِ بَعْضِ الْحَائِطِ وَلَمْ يَهْدِمْ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الْيَوْمَ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ أَيَّامًا يَحْنَثُ عَلَى الصَّحِيحِ (ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ نُقْلَتِهِ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ (إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى لَا يَبَرَّ بِنُقْلَتِهِ إلَى السِّكَّةِ أَوْ الْمَسْجِدِ) اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ

فَلَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَكَذَا هَذَا، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ لَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ آجَرَهَا وَسَلَّمَهَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ دَارًا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا انْتَهَى. هَذَا أَرْفَقُ وَلَعَلَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ مَسْكَنًا آخَرَ. (وَكَذَا) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِيَالِهِ بِالِاخْتِلَافِ كَمَا مَرَّ فِي حَلِفِهِ (لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْمَحَلَّةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ. (وَفِي لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَوْ الْقَرْيَةَ يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَتَرْكِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ سَاكِنًا فِي مِصْرٍ وَلَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَهْلٌ وَمَتَاعٌ، وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَفِي لَا يَخْرُجُ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا (فَأَمَرَ) الْحَالِفُ (مَنْ حَمَلَهُ وَأَخْرَجَهُ) عَنْهَا (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا فَيَخْرُجُ عَلَيْهَا (وَلَوْ حُمِلَ) الْحَالِفُ (وَأُخْرِجَ بِلَا أَمْرِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُكْرَهًا) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ (أَوْ رَاضِيًا) بِقَبْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ (لَا يَحْنَثُ) فِي الصَّحِيحِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِعَدَمِ فِعْلِهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا لِعَدَمِ الْأَمْرِ مِنْهُ، وَالثَّانِي؛ فَلِأَنَّ انْتِقَالَ الْفِعْلِ بِالْأَمْرِ لَا الرِّضَى فَلَوْ هَدَّدَهُ فَخَرَجَ حَنِثَ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهِمَا لَا يَنْحَلُّ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقِيلَ يَنْحَلُّ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ وَمَنْ قَالَ لَا يَنْحَلُّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ اللَّائِقَ بِالْكِتَابِ أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بِسَابِقِهِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي قَوْلِهِ مُكْرَهًا فَقَالَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ وَإِلَّا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ (وَمِثْلُهُ) أَيْ لَا يَخْرُجُ (لَا يَدْخُلُ) هَذِهِ الدَّارَ أَقْسَامًا وَحُكْمًا فَالْأَقْسَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَمْرِهِ وَأَنْ يَخْرُجَ بِلَا أَمْرِهِ إمَّا مُكْرَهًا أَوْ رَاضِيًا، وَالْحُكْمُ الْحِنْثُ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي الْآخَرَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُصَوَّرَ بِالدُّخُولِ فَقَالَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مَكَانِ أَنْ يَخْرُجَ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ تَأَمَّلْ (وَفِي لَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (إلَّا إلَى جِنَازَةٍ) مَثَلًا (فَخَرَجَ) مِنْ بَابِ دَارِهِ (إلَيْهَا) حَالَ كَوْنِهِ يُرِيدُهَا (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ، وَالْإِرَادَةِ (أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لَا يَحْنَثُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ إلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا خَرَجَ إلَى الْجِنَازَةِ وَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ، وَالْإِتْيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْهَا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (وَفِي لَا يَخْرُجُ) مِنْ بَلَدِهِ (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا، وَالْأَوْلَى اخْتِيَارُ غَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ (فَخَرَجَ) مِنْ رَبَضِهِ حَالَ كَوْنِهِ (يُرِيدُهَا، ثُمَّ رَجَعَ) إلَيْهِ (حَنِثَ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ قَاصِدًا إلَيْهَا، وَهُوَ

الشَّرْطُ إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ رَبَضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَاصِدًا مَكَّةَ وَلَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا مُدَّةُ السَّفَرِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ (وَفِي لَا يَأْتِيهَا) أَيْ مَكَّةَ (لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا) فَإِنَّ الْإِتْيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ كَمَا لَا يَحْنَثُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ عُرْسَ فُلَانٍ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ وَكَانَتْ ثَمَّةَ حَتَّى مَضَى الْعُرْسُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (وَالذَّهَابُ) مَعْنًى (كَالْخُرُوجِ) فَإِذَا حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا حَنِثَ (فِي الْأَصَحِّ) عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبَيْنِ فَيُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَقِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ فَيُشْتَرَطُ الْوُصُولُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (وَفِي) وَاَللَّهِ (لَيَأْتِيَنَّ فُلَانًا فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ) أَجْزَاءِ (حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِتْيَانِ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لَا قَبْلَهُ، وَفِي الْغَايَةِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، فَعَلَى هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ يَعُودُ إلَى أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ لَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَالِفِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ. (وَإِنْ قُيِّدَ الْإِتْيَانُ غَدًا بِالِاسْتِطَاعَةِ فَهُوَ) مَحْمُولٌ (عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَعَدَمِ الْمَوَانِعِ) الْحِسِّيَّةِ فَيَنْصَرِفُ اللَّفْظُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَفِي الْبَحْرِ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُرَادُ فِي الْعُرْفِ فَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاسْتِطَاعَةُ رَفْعُ الْمَوَانِعِ (فَلَوْ لَمْ يَأْتِ وَ) الْحَالُ (لَا مَانِعَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ) أَوْ عَارِضٍ آخَرَ (حَنِثَ) إلَّا إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ. (وَلَوْ نَوَى) الِاسْتِطَاعَةَ (الْحَقِيقَةَ) وَهِيَ الْقُدْرَةُ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ عِنْدَ الْفِعْلِ وَذَا شَرْطٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا عِلَّةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (صُدِّقَ دِيَانَةً) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (لَا قَضَاءَ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَفِي رِوَايَةٍ صُدِّقَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ لَا يُخَالِفُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَإِلَّا فَفِي تَصْدِيقِهِ قَضَاءً رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ التَّصْدِيقِ فَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُخْتَارِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ اسْتِطَاعَةُ الْأَمْوَالِ كَالزَّادِ، وَالرَّاحِلَةِ وَاسْتِطَاعَةُ الْأَفْعَالِ كَالْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ وَاسْتِطَاعَةُ الْأَحْوَالِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُسَمَّيَانِ بِالتَّوْفِيقِيَّةِ، وَالْأَخِيرَةُ بِالتَّكْلِيفِيَّةِ. (وَفِي لَا تَخْرُجُ) امْرَأَتُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَيْ لَا تَخْرُجُ خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِهِ (شُرِطَ الْإِذْنُ لِكُلِّ خُرُوجٍ) ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً صُدِّقَ دِيَانَةً.

لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ إذْنِي وَكَذَا فِي إلَّا بِرِضَائِي أَوْ إرَادَتِي أَوْ أَمْرِي، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ بِلَا فَهْمٍ لِكَوْنِهَا نَائِمَةً أَوْ عَجَمِيَّةً فَلَيْسَ بِإِذْنٍ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي الْبَحْرِ وَفِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا بِوُقُوعِ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ غَالِبٍ فِيهَا (وَفِي إلَّا إنْ) أَيْ حَتَّى (أَذِنَ يَكْفِي الْإِذْنُ مَرَّةً) فَلَا يَحْنَثُ إنْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ بَعْدَمَا خَرَجَتْ بِإِذْنٍ مَرَّةً؛ لِأَنَّ إلَّا إنْ لِلْغَايَةِ فَتَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهِ. وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ (وَفِي لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْخُرُوجِ (مَتَى شَاءَتْ) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَذِنْتُ لَك أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا شِئْت (ثُمَّ نَهَاهَا) عَنْ الْخُرُوجِ (فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ بَعْدَ إذْنِهِ الْعَامِّ لَا يُفِيدُ لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ مَرَّةً، ثُمَّ نَهَاهَا يُعْمَلُ نَهْيُهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ دَأْبُهُ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ أَرَادَتْ) الْمَرْأَةُ (الْخُرُوجَ فَقَالَ) الزَّوْجُ (إنْ خَرَجْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) أَرَادَتْ (ضَرْبَ الْعَبْدِ فَقَالَ إنْ ضَرَبْت) فَعَبْدُهُ حُرٌّ (تَقَيَّدَ الْحِنْثُ بِالْفِعْلِ فَوْرًا) أَيْ تَقَيَّدَ يَمِينُهُ بِتِلْكَ الْخُرْجَةِ، وَالضَّرْبَةِ (فَلَوْ لَبِثَتْ) سَاعَةً (ثُمَّ فَعَلَتْ) أَيْ خَرَجَتْ أَوْ ضَرَبَتْ (لَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ وَهَذِهِ يَمِينُ الْفَوْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَارَتْ الْقِدْرُ إذَا غَلَتْ فَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا لُبْثَ فِيهَا وَتَفَرَّدَ الْإِمَامُ بِإِظْهَارِهَا وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِيهِ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَقُولُونَ الْيَمِينُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا وَمُوَقَّتَةٌ كَلَا تَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَخَرَّجَ قِسْمًا ثَالِثًا وَهِيَ الْمُوَقَّتَةُ مَعْنًى الْمُطْلَقَةُ لَفْظًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ أَوْ لَمْ أَذْهَبْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَنَوَى الْخُرُوجَ، وَالذَّهَابَ دُونَ السُّكْنَى، وَالْفَوْرِ لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّوَقُّفِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى السُّكْنَى أَوْ الْفَوْرَ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ حَنِثَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِيَيْنِ. (قَالَ لِآخَرَ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَكَذَا) أَيْ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا (لَا يَحْنَثُ بِالتَّغَدِّي لَا مَعَهُ) أَيْ بِدُونِهِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ) ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُطْلَقِ الْغَدَاءِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ غَدَاءٍ (إلَّا أَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ) أَوْ مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً. (وَفِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ) أَيْ حَلَفَ عَلَيْهِ (فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِفُلَانٍ (مَأْذُونٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ نَوَاهُ) أَيْ مَرْكَبَ مَأْذُونٍ (وَهُوَ) الْحَالُ أَنَّ الْعَبْدَ (غَيْرُ مُسْتَغْرَقٍ بِالدَّيْنِ) فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَرْكَبَهُ

باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام

لِمَوْلَاهُ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرَقِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا (إنْ نَوَاهُ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ اسْتِغْرَاقُ كَسْبِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ لِاخْتِلَالِ الْإِضَافَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلسَّيِّدِ إذْ اسْتِغْرَاقُ الدَّيْنِ بِالْكَسْبِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى عِنْدَهُ قُيِّدَ بِالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ مَرْكَبَ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ مَرْكَبًا لِمَوْلَاهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْبَحْرِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا يَرْكَبُهُ النَّاسُ مِنْ الْفَرَسِ، وَالْبَغْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَوْ رَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَى هَذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَلَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَرَكِبَ حِمَارًا أَوْ فَرَسًا أَوْ بِرْذَوْنًا أَوْ بَغْلًا حَنِثَ فَإِنْ رَكِبَ غَيْرَهَا نَحْوَ الْبَعِيرِ، وَالْفِيلِ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ اسْمٌ لِلْعَرَبِيِّ، وَالْبِرْذَوْنَ لِلْعَجَمِيِّ، وَالْخَيْلُ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَحُمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً حَنِثَ وَلَوْ رَكِبَ آدَمِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ انْتَهَى. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى إنْسَانٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ، وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا انْتَهَى لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ قَالُوا فِي الْأُصُولِ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا تَأَمَّلْ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ] ِ الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ بِفِيهِ إلَى الْجَوْفِ مَضَغَ أَوْ لَا كَالْخُبْزِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا، وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ مِثْلُ الْمَاءِ، وَالنَّبِيذِ، وَاللَّبَنِ، وَالْعَسَلِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ يَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ يُسَمَّى أَكْلًا أَوْ شُرْبًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَيَحْنَثُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ كَذَا وَلَا يَشْرَبُ فَأَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَمَضَغَهُ، ثُمَّ أَلْقَاهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي جَوْفِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ أَوْ الْجَوْزَةَ فَابْتَلَعَهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الْأَكْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَرْمِي بِثُفْلِهِ وَيَبْتَلِعُ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَصٌّ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَأَمَّا الذَّوْقُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ عَيْنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ يُفْطِرُ لَا الذَّوْقَ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ شَيْئًا أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ. فَإِذَا عَلِمَ هَذِهِ لَوْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ) أَيْ الْأَكْلُ يَقَعُ (عَلَى ثَمَرِهَا) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَدِبْسِهَا غَيْرِ الْمَطْبُوخِ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى

مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِلَا صُنْعِ أَحَدٍ تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ الْخَارِجُ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِيهِ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصِفَةٍ حَادِثَةٍ فَلِذَا قَيَّدَهُ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَقَالَ (لَا) يَقَعُ عَلَى (نَبِيذِهَا وَخَلِّهَا وَدِبْسِهَا الْمَطْبُوخِ) ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهَا تَغَيَّرَتْ بِصِفَةٍ جَدِيدَةٍ. وَفِي الْغَايَةِ وَقُيِّدَ الدِّبْسُ بِالْمَطْبُوخِ وَإِنْ كَانَ الدِّبْسُ لَا يَكُونُ إلَّا مَطْبُوخًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدِّبْسِ عَلَى مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْبُسْرِ، وَالرَّامِخِ، وَالْجِمَارِ، وَالطَّلْعِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ مِنْهَا غُصْنٌ فَوُصِلَ بِأُخْرَى فَأَثْمَرَ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لَا يَحْنَثُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِ النَّخْلَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنُ الشَّجَرِ مِمَّا يُؤْكَلُ حَنِثَ بِأَكْلِ عَيْنِهَا كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلشَّجَرِ ثَمَرٌ تُصْرَفُ يَمِينُهُ إلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا وَأَكَلَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَا نَوَى إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ خَاصَّةً (دُونَ اللَّبَنِ، وَالزُّبْدِ) ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّاةِ مَأْكُولَةٌ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ) أَيْ أَكَلَ ذَلِكَ الْبُسْرَ حَالَ كَوْنِهِ (رُطَبًا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ اللَّبَنِ) أَيْ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا (فَأَكَلَهُ) أَيْ أَكَلَ ذَلِكَ الرُّطَبَ حَالَ كَوْنِهِ (تَمْرًا أَوْ) أَكَلَ ذَلِكَ اللَّبَنَ حَالَ كَوْنِهِ (شِيرَازًا) لَا يَحْنَثُ إذْ هَذِهِ صِفَاتٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا (بِخِلَافِ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ) بَعْدَمَا صَارَ (شَابًّا أَوْ شَيْخًا أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ فَأَكَلَهُ) بَعْدَمَا صَارَ (كَبْشًا) حَيْثُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الصِّبَا، وَالشَّبَابِ وَإِنْ كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ صِبَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمَرْحَمَةِ الصِّبْيَانِ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا، وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَا يُعْتَبَرُ وَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْإِشَارَةِ وَأَمَّا الْحَمْلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِفَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى انْعَقَدَ عَلَى شَيْءٍ بِوَصْفٍ فَإِنْ صَلَحَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ بِهِ يَتَقَيَّدُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُنَكَّرًا يَتَقَيَّدُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مَقْصُودٌ بِالْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُعَرَّفًا لَا يَتَقَيَّدُ فَعَلَى هَذَا (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ) وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ فِي الدُّرَرِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ أَكَلَ مُذَنِّبًا) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا (حَنِثَ وَكَذَا لَوْ أَكَلَهُ) أَيْ الْمُذَنِّبَ (بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا) حَنِثَ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا وَلَوْ أَكَلَهُ) أَيْ الْمُذَنِّبَ سَوَاءٌ كَانَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا (بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ اتِّفَاقًا) . وَفِي الْكَافِي حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا لَا بُسْرًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا حَنِثَ سَوَاءٌ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا فَعَلَى الْخِلَافِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالنُّسَخُ الْمُعْتَبَرَةُ كَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمَبْسُوطِ، وَالْمَنْظُومَةِ، وَالْأَسْرَارِ، وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْت، وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي أَكْثَرُهُ بُسْرٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ رُطَبٌ، وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ بُسْرٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ عُرْفًا فَاَلَّذِي عَامَّتُهُ رُطَبٌ يُسَمَّى رُطَبًا عُرْفًا لَا بُسْرًا وَشَرْعًا إذْ الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي الرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً فَيَحْنَثُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ وَأَكَلَهُ يَحْنَثُ إجْمَاعًا فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ انْتَهَى فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَا تَخْلُو عَنْ شَيْءٍ تَأَمَّلْ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ) بِالْكَسْرِ هِيَ عُنْقُودُ النَّخْلِ (فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَادَفَ الْمَجْمُوعَ وَكَانَ الرُّطَبُ تَابِعًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ حَبَّةً حَبَّةً يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ صَادَفَ شَيْئًا شَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْقُهُسْتَانِيّ إذْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إضَافَةِ الْكِبَاسَةِ إلَى الْبُسْرِ وَجَعْلِهَا ظَرْفًا لِلرُّطَبِ أَنَّ الْبُسْرَ غَالِبٌ فَلَوْ كَانَ الرُّطَبُ غَالِبًا أَوْ هُوَ، وَالْبُسْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ (كَمَا لَوْ اشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَغْلُوبَ تَابِعٌ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ بَيْضًا) بِلَا نِيَّةٍ (فَأَكَلَ لَحْمَ سَمَكٍ أَوْ بَيْضَةً لَا يَحْنَثُ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سُمِّيَ فِيهِ دَابَّةً وَأَوْتَادًا، وَالْعُرْفُ مَعَنَا وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ لِاِتِّخَاذِ الْبَاجَّاتِ مِنْهُ وَبَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْضِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْضِ عُرْفًا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الطَّيْرِ بِمَا لَهُ قِشْرٌ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بَيْضُ السَّمَكِ إلَّا بِنِيَّةٍ. (وَكَذَا فِي الشِّرَاءِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا أَوْ بَيْضًا فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ أَوْ بَيْضَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّاهُ. (وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا (حَنِثَ) لِوُجُودِ صُورَةِ اللَّحْمِ وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ إلَّا أَنَّهُ حُرِّمَ أَكْلُهُ شَرْعًا وَذَا لَا يُبْطِلُ حَقِيقَتَهُ فَرُبَّمَا دَعَا إلَى الْيَمِينِ حُرْمَتُهُ أَلَا تَرَى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَحْنَثُ بِالْخَمْرِ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهَا شَرَابٌ حَقِيقَةً وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ (وَكَذَا) أَيْ

يَحْنَثُ فِي لَا يَأْكُلُ (لَوْ أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا) ؛ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الدَّمِ، وَالِاخْتِصَاصُ بِاسْمِ آخَرَ لَا لِلنُّقْصَانِ كَالرَّأْسِ، وَالْكُرَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ فَلِذَا قَالَ (، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا) بِالْكَبِدِ، وَالْكَرِشِ (فِي عُرْفِنَا) وَفِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ الْكَرِشُ، وَالْكَبِدُ، وَالرِّئَةُ، وَالْفُؤَادُ، وَالرَّأْسُ، وَالْأَكَارِعُ، وَالْأَمْعَاءُ، وَالطِّحَالُ لَحْمٌ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَا تُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ فَلَا يَحْنَثُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافَ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ. وَفِي الْفَتْحِ وَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ انْتَهَى فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الشَّرَابَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ فِي عُرْفِنَا يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى كُلِّ مُسْكِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ وَزَمَانِهِ؛ لِأَنَّ فِي عُرْفِنَا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْخَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي شُرْبِ غَيْرِهِ فَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ فِي دِيَارِنَا أَفْتَوْا بِالْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ فَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى سَبَبِهِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ (كَمَا لَوْ أَكَلَ أَلْيَةً) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ شَحْمًا يَتَقَيَّدُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ فَلَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ (بِشَحْمِ الظَّهْرِ) ، وَهُوَ الَّذِي خَالَطَهُ لَحْمٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا بِشَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ، وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَّا يُرَى أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّةٌ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ فَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى بَيْعِ الشَّحْمِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَقِيلَ هَذَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَمَّا اسْمُ " يبه " بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ الشُّحُومَ أَرْبَعَةٌ شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ، وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ، بَلْ لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا فِي الْعَظْمِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ مُخَّ الْعَظْمِ شَحْمٌ انْتَهَى وَكَذَا لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي الْحِنْثِ بِمَا فِي الْأَمْعَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي تَسْمِيَتِهِ شَحْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلَوْ أَكَلَ أَلْيَةً أَوْ لَحْمًا) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (لَا يَحْنَثُ اتِّفَاقًا) لِمَا مَرَّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ، وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ مَشْوِيًّا أَوْ قَدِيدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَهَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَلْيَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ أَوْ بِالْعَكْسِ حَنِثَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ حَانِثًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ حَنِثَ وَبِالْعَكْسِ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا أَصَحُّ

مِنْ الْأُولَى قَالَ مَوْلَانَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمَ الشَّاةِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ مِصْرِيًّا أَوْ قَرَوِيًّا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمِنَحِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحِمَارِ يَقَعُ عَلَى كِرَائِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَلْبِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى صَيْدِهِ وَلَا يَقَعُ عَلَى لَحْمِهِ (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ يَتَقَيَّدُ بِأَكْلِهَا قَضْمًا بِفَتْحِ) الْقَافِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ (فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى يَأْكُلَ عَيْنَهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا كَمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْحِنْطَةِ مَجَازٌ عُرْفًا عَنْ أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَكَلَهَا قَضْمًا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهَا حَقِيقَةً فَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا حَافِيًا أَوْ رَاكِبًا يَحْنَثُ وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا قَضَمَهَا وَلَهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَأَكَلَ لَبَنَهَا لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَأْكُلَ حَبًّا حَبًّا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا حَبًّا حَبًّا وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ حَيِّزِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ أَكَلَ مِنْ زَرْعِ الْبُرِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ يَحْنَثُ) أَكَلَ (خُبْزَهُ) فَلَوْ أَكَلَ عَصِيدَتَهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُؤْكَلُ، كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الدَّقِيقِ هَكَذَا يَكُونُ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْإِفْرَادُ بِذِكْرِ الْخُبْزِ مِنْ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ لِنَفْيِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، بَلْ لِكَوْنِهِ كَثِيرَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْرَدَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ غَايَتُهُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْغَيْرُ تَبَعٌ لَهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ مُتَّصِلًا بِهِ (لَا بِسَفِّهِ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِسَفِّ عَيْنِ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ مُرَادًا كَمَا لَوْ أَكَلَ عَيْنَ النُّخَالَةِ كَمَا مَرَّ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالسَّفِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً، وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فَالْحَقِيقَةُ لَا تَسْقُطُ بِهِ وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَخْنَثْ بِأَكْلِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَالْخُبْزُ) (يَقَعُ عَلَى مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ مِصْرِهِ) أَيْ مِصْرِ الْحَالِف إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَإِنَّهُ أَيُّ خُبْزٍ كَانَ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ (كَخُبْزِ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ) فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِبِلَادٍ يُعْتَادُ فَلَوْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ فِيهِ خُبْزُ الشَّعِيرِ مَثَلًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَا يَحْنَثُ بِخُبْزِ الْقَطَائِفِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا (أَوْ خُبْزِ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَعْتَادُ ذَلِكَ كَطَبَرِسْتَانَ حَنِثَ وَيَحْنَثُ الْحِجَازِيُّ، وَالْيَمَنِيُّ بِخُبْزِ الذَّرَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَادُونَهُ (إلَّا إذَا نَوَاهُ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ. وَفِي الْبَحْرِ وَدَخَلَ فِي الْخُبْزِ الْكَمَاجُ وَلَا يَحْنَثُ بِالثَّرِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا تَفَتَّتَ لَا يَحْنَثُ

وَلَا يَحْنَثُ بِالْعَصِيدَةِ، وَالطَّطْمَاجِ وَلَا يَحْنَثُ لَوْ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي حِيلَةِ أَكْلِهِ أَنْ يَدُقَّهُ فَيُلْقِيَهُ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ فُلَانَةَ فَالْخَبَّازَةُ هِيَ الَّتِي تَضْرِبُ الْخُبْزَ فِي التَّنُّورِ دُونَ الَّتِي تَعْجِنُهُ وَتُهَيِّئُهُ لِلضَّرْبِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الَّتِي ضَرَبَتْهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا (وَالشِّوَاءُ) يَقَعُ (عَلَى اللَّحْمِ لَا عَلَى الْبَاذِنْجَانِ أَوْ الْجَزَرِ أَوْ الْبِيضِ) ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (إلَّا إذَا نَوَاهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ (وَالطَّبْخُ) يَقَعُ (عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَطْبُوخٌ لَكِنَّ الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ مُتَعَذِّرٌ إذْ الْمُسَهَّلُ مِنْ الدَّوَاءِ مَطْبُوخٌ فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ، وَهُوَ مُتَعَارَفٌ، وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ (وَعَلَى مَرَقِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبْخًا فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ قَلْبَةٍ يَابِسَةٍ لَا مَرَقَ فِيهَا. وَفِي الزَّاهِدِيِّ قُلْت هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ لِكُلِّ مَطْبُوخٍ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِطَبْخٍ بِلَا لَحْمٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِإِطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ طَبْخًا عُرْفًا تَأَمَّلْ (إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ) وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَكُونُ مَعَ الشَّحْمِ فَإِنْ طَبَخَ عَدَسًا أَوْ أُرْزًا بِوَدَكٍ فَهُوَ طَبْخٌ وَإِنْ كَانَ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ فَلَيْسَ بِطَبِيخٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخَ فُلَانٍ فَطَبَخَ هُوَ وَآخَرُ وَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَكَذَا مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ فَخَبَزَ، هُوَ وَآخَرُ وَكَذَا مِنْ رُمَّانٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَاهُ، هُوَ وَآخَرُ وَكَذَا لَا يَلْبَسُ مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَ هُوَ وَآخَرُ وَلَوْ قَالَ مِنْ قِدْرٍ طَبَخَهَا فُلَانٌ فَأَكَلَ مَا طَبَخَاهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ أَكْلَ جُزْءٍ مِنْ الْقَدْرِ لَيْسَ بِقَدْرٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مِنْ غَزْلِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَالرَّأْسُ عَلَى مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) أَيْ مِصْرِ الْحَالِفِ (وَيُكْبَسُ) أَيْ يَدْخُلُ (فِي التَّنَانِيرِ) جَمْعُ تَنُّورٍ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسِ الْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَبِأَكْلِ رَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا الْعَادَةُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَإِلَّا فَالْعُرْفُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ إنَّمَا هُوَ الْعُرْفُ وَتَقَدُّمُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْآدَمِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي الْأَكْلِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ إذْ كُلُّ مَا يُسَمَّى رَأْسًا وَفِي الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْغَنَمِ خَاصَّةً وَلَا يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْإِبِلِ إجْمَاعًا انْتَهَى. (وَ) تَقَعُ (الْفَاكِهَةُ عَلَى التُّفَّاحِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْمِشْمِشِ) ، وَالتِّينِ، وَالْخَوْخِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْعُنَّابِ لَا الْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، وَالرُّمَّانِ

إلَّا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَقَعُ (عَلَى الْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تَقَعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَلَا تَقَعُ عَلَى الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ وَكَذَا الْبَاقِلَاءُ، وَالسِّمْسِمُ، وَالْجَزَرُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْيَابِسَ مِنْهَا كَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ وَحَبِّ الرُّمَّانِ لَيْسَتْ بِفَاكِهَةٍ. وَفِي الْمُحِيطِ الْيَابِسُ مِنْ الْأَثْمَارِ فَاكِهَةٌ إلَّا الْبِطِّيخَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَالْإِمَامُ أَفْتَى عَلَى حَسَبِ عُرْفِهِ وَتَغَيُّرُ الْعُرْفِ فِي زَمَانِهِمَا وَفِي عُرْفِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْعُرْفُ فَمَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ عَادَةً وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا. (وَ) يَقَعُ (الْإِدَامُ عَلَى مَا يُصْطَبَغُ بِهِ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيُّ شَيْءٍ يُخْتَبَطُ بِهِ الْخُبْزُ وَذَلِكَ بِالْمَائِعِ دُونَ غَيْرِهِ (كَالْخَلِّ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّبَنِ) ، وَالْعَسَلِ، وَالدِّبْسِ (وَكَذَا الْمِلْحُ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ عَادَةً لَكِنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَاطُ فِي الْخُبْزِ (لَا اللَّحْمُ، وَالْبِيضُ، وَالْجُبْنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا تُفْرَدُ بِالْأَكْلِ وَمَا أَمْكَنَ أَفْرَادُهُ بِالْأَكْلِ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَإِنْ أُكِلَ مَعَ الْخُبْزِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (هِيَ) أَيْ اللَّحْمُ، وَالْبِيضُ، وَالْجُبْنُ (إدَامٌ أَيْضًا) أَيْ كَالْخَلِّ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّبَنِ، وَالْمِلْحِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالتَّنْوِيرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (وَالْعِنَبُ، وَالْبِطِّيخُ لَيْسَا بِإِدَامٍ فِي الصَّحِيحِ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَفِي الْعِنَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ، وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ وَكَذَا الْعِنَبُ، وَالْبِطِّيخُ، وَالْبَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ، بَلْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا يَكُونُ إدَامًا عِنْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ (وَالْغَدَاءُ) ، وَالْأَوْلَى التَّغَدِّي؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ حَقِيقَةٌ بِالْفَتْحِ، وَالْمَدَاسِمُ.

لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ لَا الْأَكْلُ (الْأَكْلُ) أَيْ الْمَأْكُولُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الشِّبَعِ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ هَذَا فِي الْغَدَاءِ، وَالْعَشَاءِ وَأَمَّا فِي السُّحُورِ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ لُقْمَتَيْنِ. وَكَذَا لَوْ شَرِبَ الْمِصْرِيُّ اللَّبَنَ (فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالزَّوَالِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا أَتَغَدَّى فَأَكَلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا حَنِثَ وَلَوْ أَكَلَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَشَرِبَ اللَّبَنَ وَحَصَلَ بِهِ الشِّبَعُ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مِصْرِيًّا وَيَحْنَثُ إنْ بَدْوِيًّا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَوْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَشْبَعَ لَا يَحْنَثُ وَلَا يَكُونُ غَدَاءً حَتَّى يَأْكُلَ الْخُبْزَ وَكَذَا إنْ أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَالْعَشَاءُ) ، وَالْأَوْلَى التَّعَشِّي؛ لِأَنَّ الْعَشَاءَ بِالْفَتْحِ، وَالْمَدَاسِمَ لِلْمَأْكُولِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَدَاءِ. إلَّا إذَا أَكَلَ (فِيمَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَنِصْفِ اللَّيْلِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا أَتَعَشَّى يُرَادُ بِهِ هَذَا. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَفِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ مَا يَأْكُلُونَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَسْطَانِيَّةً. (، وَالسُّحُورُ) ، وَالْأَوْلَى التَّسَحُّرُ لِمَا مَرَّ، وَهُوَ الْأَكْلُ (فِيمَا بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا أَتَسَحَّرُ يُرَادُ بِهِ هَذَا، وَالتَّصَبُّحُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى (وَفِي إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت أَوْ لَبِسْت أَوْ كَلَّمْت أَوْ تَزَوَّجْت أَوْ خَرَجْت) فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَهُ (وَنَوَى) أَمْرًا (مُعَيَّنًا) بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْخُبْزَ أَوْ اللَّحْمَ أَوْ نَحْوَهُ مَثَلًا (لَا يَصَّدَّقُ) أَصْلًا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا، وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فَحَنِثَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ غَيْرُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّ لِلْمُقْتَضَى عُمُومًا عِنْدَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ الْخَصَّافُ. وَفِي الْفَتْحِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَوْ زَادَ طَعَامًا) فِي إنْ أَكَلْت (أَوْ شَرَابًا) فِي إنْ شَرِبْت (وَنَحْوُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا إنْ اغْتَسَلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَكَانَ أَوْ السَّبَبَ بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ. وَفِي الْفَتْحِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مِنْهَا بِإِنَاءٍ مَا لَمْ يَكْرَعْ) إلَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ مِنْ مَوْضِعِهِ بِفِيهِ لَا بِالْكَفِّ، وَالْإِنَاءِ فَلَوْ مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ وَشَرِبَ بِفِيهِ حَنِثَ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ

مِنْهَا بِإِنَاءٍ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ شَرِبَ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ، وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الشُّرْبِ مِنْ دِجْلَةَ بِالْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فَمَنَعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْلَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَلِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَعِنْدَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا لَا بِطَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ وَلَكِنْ بِمَجَازٍ يَعُمُّ أَفْرَادَهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَإِنْ قَالَ) لَا يَشْرَبُ (مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَنِثَ بِالْإِنَاءِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ النَّهْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا شَرِبَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ الْمَاءَ حَنِثَ وَإِلَى أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ كَرْعًا أَوْ اعْتِرَافًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ حَنِثَ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَاءٍ عَذْبٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. (وَكَذَا فِي الْجُبِّ، وَالْبِئْرِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ هَذَا فِي الْبِئْرِ وَأَمَّا فِي الْحُبِّ إنْ كَانَ مَلْآنًا يُمْكِنُ الشُّرْبُ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ عِنْدَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ (وَفِي الْإِنَاءِ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَهُوَ عَلَى الشُّرْبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ (وَإِمْكَانُ الْبِرِّ) وَرَجَاءُ الصِّدْقِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (شَرْطُ صِحَّةِ) انْعِقَادِ (الْحَلِفِ) الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ سَوَاءٌ كَانَ قَسَمًا أَوْ غَيْرَهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَمَحَلُّهُ عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَا كَمَسْأَلَةِ مَسِّ السَّمَاءِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّ الْيَمِينِ خَبَرٌ فِي رَجَاءِ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَوَائِلَ الْكِتَابِ أَوْلَى بِهَذَا الْأَصْلِ. (فَمَنْ حَلَفَ) بِاَللَّهِ (لَيَشْرَبَن مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ) أَوْ أَنْ أَشْرَبَهُ الْيَوْمَ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا (وَلَا مَاءَ فِيهِ) سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُهُ لَكِنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ قَيَّدَهُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَحَقُّقِ الْعَدَمِ (أَوْ) قَدْ (كَانَ) فِيهِ (فَصُبَّ) أَوْ شَرِبَ غَيْرَهُ أَوْ مَاتَ (قَبْلَ مُضِيِّهِ) أَيْ مُضِيِّ الْيَوْمِ (لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَالْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْيَوْمَ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَإِنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ فَالْبِرُّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْيَوْمِ فَإِذَا صُبَّ لَمْ يَكُنْ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ.

(خِلَافًا لَهُ) أَيْ فَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ لَكِنَّهُ يَعْجَزُ فِي الْأُولَى وَلَمْ تَنْحَلَّ فِي الثَّانِيَةِ بِالْهَلَاكِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَوْ تَلِفَ بِلَا اخْتِيَارِهِ لَا يَحْنَثُ. (وَكَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (إنْ) أَطْلَقَ الْيَمِينَ وَ (لَمْ يَقُلْ الْمَاءَ) وَلَا مَاءَ فِيهِ (إلَّا إنْ كَانَ) فِيهِ مَاءٌ (فَصُبَّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ لَكِنْ مُوَسَّعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ، وَالْبِرُّ مُتَصَوَّرٌ عِنْدَ الْفَرَاغِ فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْحِنْثَ فِي الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ وَفِي الْوَقْتِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَمِنْ فُرُوعٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، وَهُوَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي مَهْرَك الْيَوْم لِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت مَهْرَك لِزَوْجِك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ حِنْثِهِمَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَهْرِهَا مَلْفُوفًا وَتَقْبِضَهُ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ الْأَبُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالْبَيْعِ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَيَصْعَدَنَّ) أَوْ لَيَمَسَّنَّ (السَّمَاءَ أَوْ لَيَطِيرَنَّ فِي الْهَوَاءِ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا أَوْ لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا) حَالَ كَوْنِ الْحَالِ (عَالِمًا بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ زَيْدٍ (انْعَقَدَتْ) الْيَمِينُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً (وَحَنِثَ لِلْحَالِ) لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ الْبِرَّ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُوَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ. وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِلْحَالِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ جَوَابَهُ فِي الْمُوَقَّتِ خِلَافُ الْجَوَابِ فِي الْمُطْلَقِ تَأَمَّلْ، قُيِّدَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى التَّرْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ) أَيْ مِنْ زَيْدٍ (فَلَا) يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذْ حِينَئِذٍ يُرَادُ الْقَتْلُ الْمُتَعَارَفُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُرَادُ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُمْكِنٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عِنْدَهُ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ) أَوْ كَبَّرَ (لَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ) كَانَ (فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ) اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عُرْفًا وَشَرْعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْنَثُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ

لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَفِي خَارِجِهَا يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْكَافِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ التَّسْبِيحِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى قَارِئًا مُسَبِّحًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْيَمِينَ إنْ كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ خَارِجَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ خُوَاهَرْ زَادَهْ مُخْتَارٌ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ. وَفِي الْمِنَحِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفَتْوَى، وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى انْتَهَى لَكِنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ وَلَمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ وَنَقَلَ عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي عُرْفِنَا تَأَمَّلْ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ) نَفْسَهُ (وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (نَائِمٌ حَنِثَ إنْ أَيْقَظَهُ) ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي التُّحْفَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ (وَقِيلَ) حَنِثَ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَيْقَظَهُ أَوْ لَمْ يُوقِظْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ كَمَا إذَا نَادَاهُ، وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٍ عَنْهَا لَا مُتَّصِلٍ بِهَا فَلَوْ قَالَ مُوصِلًا إنْ كَلَّمْتُك فَكَذَا فَاذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ شَتَمَهَا مُتَّصِلًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (وَلَوْ كَلَّمَ غَيْرَهُ) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ (وَقَصَدَ سَمَاعَهُ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ حَقِيقَةً. (وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ لِلْجَمِيعِ. (وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ لَا يَحْنَثْ) دِيَانَةً لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِلْجَمَاعَةِ، وَالنِّيَّةُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِالدِّيَانَةِ لَكَانَ أَوْضَحَ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا فَسَلَّمَ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَلْفَهُ لَا يَحْنَثُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُؤْتَمُّ، فَكَذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَارِجًا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَلَامِهِ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ سَبَّحَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَفِي خَارِجِهَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَرَعَ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ الْقَارِعُ يَحْنَثُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ " كيست " لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ وَإِنْ قَالَ " كَيْ تو " يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ بِصِفَةِ الْبِدَايَةِ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْيَمِينُ عَنْ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ

يُوجَدُ مِنْ الْحَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْكَلَامِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالِفًا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ صَاحِبُهُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْتُك بَعْدَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقَالَتْ إنْ كَلَّمْتُك قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ حُرٌّ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ كَلَّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ. (وَلَوْ قَالَ) لَا أُكَلِّمُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ) لَهُ (وَلَمْ يَعْلَمْ) الْمَأْذُونُ إذْنَهُ (فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ إذْ الْإِذْنُ هُوَ الْأَعْلَامُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ. وَقَالَ نُصَيْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْإِذْنَ قَدْ وُجِدَ بِدُونِ الْعِلْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينَهُ دَاخِلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ بِخِلَافِ لَأَعْتَكِفَنَّ أَوْ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّ التَّعْيِينَ يَتَنَاوَلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذَكَرَ الْوَقْتَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت كَلَامَهُ شَهْرًا أَوْ إنْ لَمْ أُسَاكِنْهُ شَهْرًا كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَ) فِي حَلِفِهِ (يَوْمَ أُكَلِّمُهُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَتَصِحُّ نِيَّةُ النَّهَارِ فَقَطْ) بِالْإِجْمَاعِ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِإِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ (وَ) فِي حَلِفِهِ (لَيْلَةَ كَلَّمَهُ) تَقَعُ (عَلَى اللَّيْلِ فَحَسْبُ) دُونَ مُطْلَقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ (وَفِي) حَلِفِهِ (إنْ كَلَّمْته) أَيْ فُلَانًا (إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ) قَالَ إنْ كَلَّمْته (حَتَّى يَقْدُمَ) زَيْدٌ (أَوْ) قَالَ إنْ كَلَّمْته (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ زَيْدٌ أَوْ) قَالَ إنْ كَلَّمْته (حَتَّى يَأْذَنَ) زَيْدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ (فَكَلَّمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ (حَنِثَ) أَيْ عَتَقَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ، وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ فَالْيَمِينُ سَاقِطَةٌ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لِيُوَفِّيَنه الْيَوْمَ فَأَبْرَأَهُ الطَّالِبُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إنْ كَلَّمَهُ مَا زَالَ وَمَا دَامَ وَمَا كَانَ غَايَةُ مُنْتَهَى الْيَمِينِ بِهَا فَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا مَا دَامَ بِبُخَارَى فَخَرَجَ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِالْخُرُوجِ فَلَوْ عَادَ بَعْدَهُ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ إنْ عَيَّنَ) الطَّعَامَ، وَالدَّارَ، وَالثَّوْبَ، وَالدَّابَّةَ، وَالْعَبْدَ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ هَذَا مَثَلًا (وَزَالَ مِلْكُهُ) عَنْهَا (وَفَعَلَ) الْحَالِفُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بَعْدَ ذَلِكَ (لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ

فِي الْعَبْدِ، وَالدَّارِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ، وَالْإِضَافَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ، وَالْإِضَافَةُ لَا تَقْطَعُ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَائِمٌ فَيَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُشِرْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا، بَلْ لِأَذًى مِنْ مِلَاكهَا، وَالْيَمِينُ تَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ انْتَهَى فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ فِي الْعَبْدِ، وَالدَّارِ فَقَطْ، بَلْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِمَا وَتَخْصِيصُهُ بِالْعَبْدِ، وَالدَّارِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَالصَّوَابُ تَرْكُهُ تَتَبَّعْ (وَفِي الْمُتَجَدِّدِ) مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ اشْتَرَى فُلَانٌ طَعَامًا آخَرَ أَوْ دَارًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أُخْرَى أَوْ عَبْدًا آخَرَ فَفَعَلَ الْحَالِفُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ (لَا يَحْنَثُ اتِّفَاقًا) لِوُقُوعِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ. (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْحَالِفُ أَيْ أَضَافَ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ الطَّعَامَ، وَالدَّارَ، وَالثَّوْبَ، وَالدَّابَّةَ، وَالْعَبْدَ، بَلْ أَطْلَقَهُ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ مَثَلًا (لَا يَحْنَثُ) لَوْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ (وَيَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ بِالْفِعْلِ فِي الْمُتَجَدِّدِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ النِّسْبَةُ، وَالْإِضَافَةُ إلَى فُلَانٍ وَعَدَمُ الْإِشَارَةِ. وَفِي الْكَافِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُتَجَدِّدِ مِلْكًا فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهَا عَادَةً فَهُوَ آخِرُ مَا يُبَاعُ وَأَوَّلُ مَا يُشْتَرَى فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إلَيْهَا بِالْقَائِمَةِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ فِي الْجَمِيعِ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ أَوْ صَدِيقَهُ بَحْثٌ فِي الْمُعَيَّنِ) بِأَنْ قَالَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ هَذِهِ أَوْ صَدِيقَهُ هَذَا يَحْنَثُ فِي الْمُعَيَّنِ (بَعْدَ الْإِبَانَةِ) لِلزَّوْجَةِ (وَالْمُعَادَاةُ) لِلصَّدِيقِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يُهْجَرُ لِذَاتِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الدَّاعِيَ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَغَا وَصْفُ الْإِضَافَةِ وَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ قَالَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ (لَا) يَحْنَثُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ هِجْرَانِ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ وَغَيْرُ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، وَالتَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هِجْرَانُهُ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَصَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَحْنَثُ عِنْدَهُ (وَيَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ بِالْفِعْلِ فِي الْمُتَجَدِّدِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَا صَدِيقٌ فَاسْتُحْدِثَ، ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذْ نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ) أَيْ الطَّيْلَسَانَ (فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ

الِامْتِنَاعَ لِذَاتِهِ لَا لِلطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ (لَا أُكَلِّمُهُ حِينًا أَوْ زَمَانًا) مُنَكِّرًا (أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ) مُعَرَّفَيْنِ بِاللَّامِ (وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِمَجِيءِ الْحِينِ لَهُ وَلِسَاعَةٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَحُمِلَ عَلَى الْوَسَطِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَاعَةٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ سَنَةٌ (وَمَعَهَا) أَيْ مَعَ النِّيَّةِ (مَا نَوَى) مِنْ الزَّمَانِ الْيَسِيرِ، وَالْمَدِيدِ، وَالْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ. (وَإِنْ قَالَ) لَا أُكَلِّمُهُ (الدَّهْرَ أَوْ الْأَبَدَ) مُعَرَّفَيْنِ بِاللَّامِ (فَهُوَ عَلَى الْعُمُرِ) يَعْنِي يُرَادُ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا بِالْإِجْمَاعِ (وَلَوْ قَالَ دَهْرًا) مُنَكِّرًا (فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالزَّمَانِ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ، الدَّهْرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَوَقْتُ الْخِتَانِ وَمَحَلُّ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ. وَفِي الْبَحْرِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَفِي هَذَا التَّوَقُّفِ تَصْرِيحٌ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَسْتَنْكِفَ مِنْ التَّوَقُّفِ فِيمَا لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَيْهِ إذْ الْمُجَازَفَةُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَضِدِّهِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ. (وَلَوْ قَالَ) لَا أُكَلِّمُهُ (أَيَّامًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ فَعَلَى ثَلَاثَةٍ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَعَنْ الْإِمَامِ فَعَلَى عَشْرَةٍ. وَفِي التَّنْوِيرِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّهُ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا حَنِثَ إنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِلَّا لَا وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى زَوْجَاتِهِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ أَوْ إخْوَتِهِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ. (وَإِنْ عَرَّفَ) أَيْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ أَوْ السِّنِينَ (فَعَلَى عَشْرَةٍ كَأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْجَمْعِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَقَالَا) يَقَعُ (عَلَى جُمُعَةٍ) أَيْ عَلَى سَبْعَةٍ (فِي الْأَيَّامِ وَسَنَةٍ فِي الشُّهُورِ، وَالْعُمُرِ فِي السِّنِينَ) وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَالْأَيَّامُ سَبْعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَغُرَّةُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى مَعَ الْيَوْمِ وَسَلْخُ

باب اليمين في الطلاق والعتق

الشَّهْرِ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، وَالْعِشْرُونَ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى السَّادِسِ عَشَرَ وَآخِرُ الشَّهْرِ مِنْهُ إلَى الْآخِر إلَّا إذَا كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ مِنْ الْخَامِسِ عَشَرَ وَمَا بَعْدَهُ آخِرُ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الْيَوْمِ إلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُحَكَّمُ الْعُرْفُ فِي فُصُولِ السَّنَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ] ِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَيِّتَ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ، وَالْآخِرَ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ، وَالْأَوْسَطَ لِفَرْدٍ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَأَنَّ الشَّخْصَ مَتَى اتَّصَفَ بِالْأَوَّلِيَّةِ لَا يَتَّصِفُ بِالْآخِرِيَّةِ لِتَنَافٍ بَيْنَهُمَا وَإِنَّ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِالْأَوَّلِيَّةِ لَا يُنَافِي اتِّصَافَهُ بِالْآخِرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ (قَالَ) رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ كَذَا) أَيْ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ (حَنِثَ بِالْمَيِّتِ) أَيْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِوَلَدٍ مَيِّتٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُقَالُ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا وَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا. (وَلَوْ قَالَ) لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (حُرٌّ فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مَيِّتًا، ثُمَّ) وَلَدًا (حَيًّا عَتَقَ) الْوَلَدُ (الْحَيُّ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ لَا إلَى جَزَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَهُ أَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةُ الْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَمِنْ ضَرُورَتِهَا الْحَيَاةُ فَصَارَ كَقَوْلِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ بِخِلَافِ حُرِّيَّةِ الْأُمِّ، وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّدْهُ بِالْحَيَاةِ فَافْتَرَقَا (وَفِي أَوَّلِ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ) لِتَحَقُّقِ الْأَوَّلِيَّةِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ، وَقَدْ وُجِدَ. (وَلَوْ مَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا، ثُمَّ آخَرَ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) لِعَدَمِ التَّفَرُّدِ، وَالسَّبَقِ. (وَلَوْ زَادَ) الْحَالِفُ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ (وَحْدَهُ عَتَقَ الْآخَرُ) أَيْ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ عَبْدٍ مَلَكَهُ وَحْدَهُ وَقَيَّدَهُ بِوَحْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاحِدًا لَا يُعْتَقُ الثَّالِثُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَاحِدًا حَالًا مِنْ الْعَبْدِ أَوْ الْمَالِكِ فَلَا يُعْتَقُ بِالشَّكِّ إلَّا إذَا عَنَى الْوَاحِدَةَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ وَمُرَادُهُ مِنْ زِيَادَةِ وَحْدَهُ أَنَّهُ زَادَ وَصْفًا لِلْأَوَّلِ

سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ لَا فَشَمِلَ مَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ بِالدَّنَانِيرِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالْعَرُوضِ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ أَسْوَدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا أَبْيَضَ، ثُمَّ أَسْوَدَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا وَنِصْفَ عَبْدٍ عَتَقَ الْكَامِلُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ) فَهُوَ حُرٌّ (فَمَاتَ) الْمَالِكُ (بَعْدَ مِلْكِ عَبْدٍ وَاحِدٍ لَا يُعْتَقُ) هَذَا الْعَبْدُ إذْ الْآخِرُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ. (وَلَوْ) مَاتَ (بَعْدَ مِلْكِ عَبْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ عَتَقَ الْآخِرُ) لِاتِّصَافِهِ بِالْآخِرِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَابِقًا، وَهَذَا الْحُكْمُ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (مُنْذُ) أَيْ حِينَ (مَلَكَهُ) ، وَهُوَ وَقْتُ الشِّرَاءِ (مِنْ كُلِّ مَالِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ يَوْمَ الشِّرَاءِ إذْ لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَكُونُ الْعِتْقُ مِنْ الثُّلُثِ بِلَا خِلَافٍ فَبِهَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِالصِّحَّةِ لَكَانَ أَوْلَى (وَعِنْدَهُمَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُعْتَقُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِتَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ (وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافِ إذَا قَالَ (آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا) يَقَعُ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا (فَلَا تَرِثُ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَصِيرُ فَارًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ صَحِيحًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ بِلَا حِدَادٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا مَهْرٌ بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَصِيرُ فَارًّا وَتَرِثُ وَلَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَتَعْتَدُّ مَعَ الْحِدَادِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِدَّةُ الْفِرَاقِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِدَّةُ الْوَفَاةِ تُسْتَكْمَلُ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ كَمَا فِي مَبْسُوطِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ. (وَفِي كُلِّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَبَشَّرَهُ ثَلَاثَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَتَقَ الْأَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا فِي الْعُرْفِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَإِنْ بَشَّرُوهُ مَعًا عَتَقُوا) ؛ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] . (وَلَوْ قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي) مَكَانَ بَشَّرَنِي (عَتَقُوا فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي التَّفَرُّقِ، وَالْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ عِلْمُهُ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا كَالْبِشَارَةِ بِخِلَافِ مَنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَكَذَا فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ كَذِبًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْكَذِبِ، وَالصِّدْقِ وَلَا فَرْقَ فِي الْبِشَارَةِ بَيْنَ الْبَاءِ وَعَدَمِهَا بِخِلَافِ الْخَبَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْعَبْدُ عَتَقَ فِي الْبِشَارَةِ، وَالْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ، وَالْمُرَاسِلَةَ تُسَمَّى بِشَارَةً، وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِيثِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَرْسَلَ عَبْدًا آخَرَ بِبِشَارَتِهِ فَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُرْسِلِ عَتَقَ وَإِلَّا فَالرَّسُولُ. (وَلَوْ نَوَى كَفَّارَتَهُ بِشِرَاءِ أَبِيهِ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَتَقْيِيدُهُ بِالْأَبِ اتِّفَاقِيٌّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بِشِرَاءِ كُلِّ قَرِيبٍ مَحْرَمٍ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (سَقَطَتْ) أَيْ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجْزِيهِ عَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا لَا، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ النِّيَّةَ إنْ قَارَنَتْ عِلَّةَ الْعِتْقِ، وَالْحَالُ

أَنَّ رِقَّ الْمُعْتَقِ كَامِلٌ صَحَّ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَأَنَّ الْقَرَابَةَ عِنْدَهُمْ عِلَّةٌ لِلْعِتْقِ، وَالْمِلْكَ شَرْطٌ وَعِنْدَنَا الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقًا فَإِذَا اشْتَرَى أَبَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ كَانَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِعِلَّةِ الْعِتْقِ فَيُعْتَقُ عَنْهَا (لَا) أَيْ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ (بِشِرَاءِ أَمَةٍ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ) أَيْ لَوْ قَالَ لِأَمَةِ الْغَيْرِ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تُعْتَقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهَا نَاقِصٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَخْلُو عَنْ التَّسَامُحِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ حَيْثُ قَالَ وَلَا شِرَاءَ مُسْتَوْلَدَةٍ بِنِكَاحٍ عَلَّقَ عِتْقَهَا عَنْ كَفَّارَتِهِ بِشِرَائِهَا تَأَمَّلْ (أَوْ) بِشِرَاءِ (عَبْدٍ حَلَفَ بِعِتْقِهِ) أَيْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَشِرَاءٌ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بَعْلَةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ، لَا يُقَالُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ عِنْدَنَا يَمْنَعُ الْعَلِيَّةَ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَصِيرُ الْمُعَلَّقُ عِلَّةً حِينَئِذٍ فَيَكُونُ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِعِلَّةِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُقَارِنَةُ النِّيَّةِ لِذَاتِ الْعِلَّةِ لَا لِوَصْفِ الْعِلِّيَّةِ وَلِذَلِكَ شَرَطُوا الْأَهْلِيَّةَ حَالَ التَّعْلِيقِ لَا حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّتِي هُوَ زَمَانُ حُدُوثِ الْعِلِّيَّةِ، وَاللَّازِمُ مِنْ مَنْعِ التَّعْلِيقِ الْعِلِّيَّةُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلْعِلِّيَّةِ لَا مُقَارَنَتُهَا لِذَاتِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (إلَّا إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي) حَيْثُ يُجْزِيهِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ الْيَمِينَ، وَهُوَ الْعِلَّةُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْيَمِينُ عِلَّةُ الْعِتْقِ إطْلَاقُ الْكُلِّ وَإِرَادَةُ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُوَ الْجَزَاءُ، وَهُوَ أَنْتَ حُرٌّ لَا مَجْمُوعُ الْيَمِينِ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ. وَفِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَرِيبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ أَوْ جَعَلَ مَهْرًا لَهَا فَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ صَادَفَتْ الْعِلَّةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِخِلَافِ الْأُرَثِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرِيٌّ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا صَرِيحًا وَكَلَامُهُمْ يُفِيدُهُ دَلَالَةً لَكِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ، وَالتَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَكِنَّ الْمَحَلَّ الْمُنَاسِبَ لَهَا فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ ثَمَّةَ بَعْضَهَا تَأَمَّلْ (وَفِي إنْ تَسَرَّيْت أَمَةً) التَّسَرِّي هُوَ أَنْ يَتَبَوَّأَ بِهَا بَيْتًا وَتَخُصُّهَا أَيْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَالِانْتِشَارِ وَشَرَطَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ شَرْطًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَهَا هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثِ يُشْتَرَطُ طَلَبُ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا وَعَزَلَ عَنْهَا لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى مَنْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ عَتَقَتْ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ. (وَإِنْ تَسَرَّى مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحَلِفِ (لَا يُعْتَقُ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ غَيْرِهَا أَوْ الطَّلَاقَ بِالتَّسَرِّي بِهَا يَحْنَثُ ذَكَرَهُ

باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك

صَاحِبُ الْبَحْرِ آمِرًا بِحِفْظِهِ. وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَقُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّسَرِّي ذِكْرٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّي لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ قُلْنَا الْمِلْكُ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسَرِّي فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. (وَفِي كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رَقَبَةً وَيَدًا (لَا) يُعْتَقُ (مُكَاتَبُوهُ) وَلَا الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ لِقُصُورِ مِلْكِهِ (إلَّا إنْ نَوَاهُمْ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا لَا يُعْتَقُ عَبِيدُ عَبْدِ التَّاجِرِ مُطْلَقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَتَقُوا مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُعْتَقُوا وَإِنْ نَوَاهُمْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَبِهَذَا أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ، وَالْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ سَبْقُ قَلَمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ تَدَبَّرْ (وَفِي هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ) ؛ لِأَنَّ أَوْ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ أَدْخَلَهَا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ، ثُمَّ عَطَف الثَّالِثَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ. (وَكَذَا الْعِتْقُ) أَيْ لَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا، وَهَذَا عَتَقَ الْأَخِيرُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا. (وَ) كَذَا (الْإِقْرَارُ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ لِلْأَخِيرِ وَخَمْسُمِائَةٍ لِلْأَوَّلِيَّيْنِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالُوا هَذَا فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ وَأَمَّا فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُذْكَرْ لِلثَّانِي خَبَرٌ حَتَّى لَوْ ذَكَرَ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ طَالِقَتَانِ لَا تَطْلُقُ، بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيجَابِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ (يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ التَّوْكِيلِ) إذَا كَانَ مِمَّنْ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ (فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالِاسْتِئْجَارِ، وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ، وَالْقِسْمَةِ، وَالْخُصُومَةِ) أَيْ جَوَابُ الدَّعْوَى سَوَاءٌ كَانَ إقْرَارًا أَوْ إنْكَارًا وَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِالْبَيْعِ عَلَى الْمُخْتَارِ (وَضَرْبُ الْوَلَدِ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، ثُمَّ وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاعَ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ وُجِدَتْ مِنْ الْعَاقِدِ حَتَّى كَانَتْ الْحُقُوقُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْحَالِفُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الشَّرْطُ، وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ الْآمِرِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَيَّدْنَا بِإِذَا كَانَ مِمَّنْ يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إذَا كَانَ ذَا سُلْطَانٍ كَالْأَمِيرِ، وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا لَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ حَنِثَ بِالْأَمْرِ أَيْضًا كَمَا يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَعْتَادُهُ وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ مَرَّةً وَيُفَوِّضُ أُخْرَى اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارٍ أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَهُوَ فِدَاءُ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِهِ سَفِيرًا مَحْضًا فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنْ

لَا يُصَالِحَ فُلَانًا عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَنْ هَذَا الْمَالِ فَوَكَّلَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لَا (وَبِهِمَا) أَيْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلُ مَأْمُورِهِ لِيَشْمَلَ رَسُولَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِالرِّسَالَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَوَكَّلَ بِهِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ الْوَكِيلُ تَدَبَّرْ (فِي النِّكَاحِ) بِأَنْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ فُلَانَةَ ثُمَّ وَكَّلَ فُلَانًا بِالنِّكَاحِ فَنَكَحَ لَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذَا سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ، بَلْ الْآمِرِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ لَا إلَيْهِ وَكَذَا حَالُ سَائِرِ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ قُيِّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُ فُلَانَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ بِأَمْرِهِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمٌ، وَالتَّزَوُّجُ بِأَمْرِهِ يَلْحَقُهُ حُكْمٌ، وَهُوَ الْحِلُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (وَالطَّلَاقُ) سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ بِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ أَوْ بَعْدَهُ فِي النِّكَاحِ (وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ) أَيْ الْإِعْتَاقُ سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ بِشَرْطٍ، ثُمَّ حَلَفَ بِهِ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ أَوَّلًا حَنِثَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَالْكِتَابَةُ) إذَا لَمْ يُكَاتِبْ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ بِكِتَابَةِ الْوَكِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا فِيمَا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالصُّلْحُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ كَالنِّكَاحِ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِغَيْرِهِ وَفِي حُكْمِهِ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ (وَالْهِبَةُ) وَلَوْ فَاسِدَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحْنَثُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ (وَالصَّدَقَةِ، وَالْقَرْضِ، وَالِاسْتِقْرَاضِ) قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ عَدُّهُمْ الِاسْتِقْرَاضَ هَاهُنَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ فَيَجِبُ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ مِنْ تَسْمِيَةِ الرَّسُولِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَكِيلًا كَمَا إذَا قَالَ الْمُسْتَقْرِضُ وَكَّلْتُك أَنْ تَسْتَقْرِضَ لِي مِنْ فُلَانٍ كَذَا دِرْهَمًا وَقَالَ الْوَكِيلُ لِلْمُقْرِضِ إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا وَلَوْ قَالَ أَقْرِضْنِي مَبْلَغًا كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ إلَّا لِلْوَكِيلِ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ خَاصَّةً صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) أَيْ فَمَا كَانَ مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ كَالطَّلَاقِ مَثَلًا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْمَرْءِ تَكَلُّمٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ مَثَلًا التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا نَوَى التَّكَلُّمَ بِهِ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ فَلَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَكَذَا حَالُ غَيْرِهِ. (وَكَذَا ضَرْبُ الْعَبْدِ) كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَضْرِبُ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ بِنَفْسِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ حَنِثَ (وَالذَّبْحُ) كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَذْبَحُ شَاةً، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَذْبَحُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَذَبَحَ حَنِثَ كَمَا فِي النَّظْمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَذْبَحُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ هَاتَيْنِ فِيمَا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَالْبِنَاءُ، وَالْخِيَاطَةُ، وَالْإِيدَاعُ، وَالِاسْتِيدَاعُ، وَالْإِعَارَةُ) وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُسْتَعِيرُ فَبِمُجَرَّدِ الْإِعَارَةِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ

وَالْقَرْضُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالِاسْتِعَارَةُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يُعِيرُ ثَوْبَهُ مِنْ فُلَانٍ فَبَعَثَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَكِيلًا لِقَبْضِ الْمُسْتَعَارِ فَأَعَارَهُ حَنِثَ عِنْدَ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ رَسُولٌ، وَهَذَا إذَا أَخْرَجَ الْوَكِيلُ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ فَقَالَا إنَّ فُلَانًا يَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يُعِيرَهُ شَيْئًا، ثُمَّ رَدَفَهُ عَلَى دَابَّتِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَقَضَاءُ الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ، وَالْكِسْوَةُ، وَالْحَمْلُ إلَّا أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ) خَاصَّةً فِي ضَرْبِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ (يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ حِسِّيَّةٌ تُعْرَفُ بِأَثَرِهَا، وَهُوَ التَّأَلُّمُ فِي ضَرْبِ الْعَبْدِ وَانْقِطَاعُ الْعُرُوقِ فِي الذَّبْحِ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْبَوَاقِي، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْآمِرِ بِالتَّسَبُّبِ مَجَازٌ فَإِذَا نَوَى الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ضَرْبِ الْعَبْدِ وَضَرْبِ الْوَلَدِ أَنَّ مُعْظَمَ مَنْفَعَةِ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَى الْوَلَدِ، وَهُوَ التَّأْدِيبُ فَلَمْ يُنْسَبُ فِعْلُهُ إلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ وَهِيَ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِ الْمَوْلَى عَائِدَةٌ إلَى الْمَوْلَى فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ. وَفِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالْوَلَدِ الْكَبِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ حُرًّا أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ ذَا سُلْطَانٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَكَالْعَبْدِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ (وَفِي لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ) فُضُولِيٌّ (فَأَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ (وَبِالْفِعْلِ) أَيْ لَوْ جَازَ بِالْفِعْلِ كَإِعْطَاءِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ (لَا يَحْنَثُ) هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ تَخْتَصُّ بِالْأَقْوَالِ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ عَقْدًا وَإِنَّمَا يَكُونُ رِضًى وَشَرْطُ الْحِنْثِ الْعَقْدُ لَا الرِّضَى وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ لِلْعَقْدِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا تَنْفِيذٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ بِالرِّضَا بِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ لَا يَحْنَثُ بِالْقَوْلِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي فَكَذَا فَأَجَازَ نِكَاحَ فُضُولِيٍّ بِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَمِثْلُهُ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً بِنَفْسِي أَوْ بِوَكِيلِي أَوْ بِفُضُولِيٍّ فَلَوْ زَادَ عَلَيْهِ أَوْ أَجَزْت نِكَاحَ فُضُولِيٍّ وَلَوْ بِالْفِعْلِ فَلَا مَخْلَصَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقُ الْمُزَوَّجَةِ فَيَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَفْسَخَ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ (وَفِي لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ، وَالْإِجَازَةِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضَافٌ إلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِمِلْكِهِ وَوِلَايَتِهِ. (وَكَذَا) أَيْ يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ، وَالْإِجَازَةِ (فِي ابْنِهِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَيْنِ) لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا (وَفِي الْكَبِيرَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي الْمُبَاشَرَةِ) لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُمَا فَيَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْفِعْلِ. وَفِي الْبَحْرِ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُجِيزِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنًا لَهُ كَبِيرًا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ، ثُمَّ بَلَغَ الِابْنَ الْخَبَرُ فَأَجَازَ أَوْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ فَأَجَازَ الْأَبُ وَرَضِيَ الِابْنُ لَمْ يَحْنَثْ (وَدُخُولُ اللَّامِ) كَلَامٌ إضَافِيٌّ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ يَقْتَضِي

اخْتِصَاصًا، وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ تَعَلُّقُ الْجَارِّ، وَالْمَجْرُورِ بِهِ (عَلَى الْبَيْعِ كَإِنْ بِعْت لَك) أَيْ لِأَجْلِك (ثَوْبًا) فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا (يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ يَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ الْفِعْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اللَّامُ بِاَلَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ الْمُتَّصِلُ بِهِ اللَّامُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ فُسِّرَ الِاخْتِصَاصُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ كَانَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَلَكَهُ أَوْ لَا) حَتَّى لَوْ دَسَّ الْمُخَاطَبُ ثَوْبًا فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَمَرَ بَيْعَ ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ غَيْرِهِ يَحْنَثْ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْبَيْعِ (الشِّرَاءُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالصِّيَاغَةُ، وَالْبِنَاءُ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَك ثَوْبًا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ لَا وَكَذَا حَالُ الْبَوَاقِي. (وَ) دُخُولُ اللَّامِ (عَلَى الْعَيْنِ كَإِنْ بِعْت ثَوْبًا لَك يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهَا) أَيْ الْعَيْنِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ الْمُتَّصِلُ بِهِ اللَّامُ (بِأَنْ كَانَ مِلْكَهُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَا) فَيَحْنَثُ لَوْ بَاعَ مَمْلُوكًا لَهُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ أَخْفَى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ يَحْنَثُ وَإِنْ أَمَرَ بِبَيْعِ ثَوْبٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ فَبَاعَ لَمْ يَحْنَثْ. (وَكَذَا) أَيْ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْفِعْلِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ مَلَكَهُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَا (دُخُولُهَا) أَيْ دُخُولُ اللَّامِ (عَلَى الضَّرْبِ) أَيْ ضَرْبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْغُلَامِ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَبْدُ لِلْعُرْفِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَا يُلْزَمُ بِهِ فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ فِيهِ إلَى الْمَحْلُوفِ الْمَمْلُوكِ بِالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ (وَالْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالدُّخُولُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ لَك وَلَدًا أَوْ وَلَدًا لَك يَحْنَثُ لَوْ ضَرَبَ وَلَدًا مَخْصُوصًا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ أَوْ دُونَهُمَا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ كَلِمَةَ اللَّامِ أَوْ أَخَّرَهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَامَ الِاخْتِصَاصِ إذَا اتَّصَلَ بِضَمِيرٍ عَقِيبَ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ فَإِمَّا أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ الثَّانِي أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْمَفْعُولِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الْفِعْلُ النِّيَابَةَ أَوْ لَا فَإِنْ احْتَمَلَهَا وَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا كَانَ اللَّامُ لِاخْتِصَاصِ الْفِعْلِ وَشَرْطُ حِنْثِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ مَنْ لَهُ الضَّمِيرُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ مَمْلُوكَةً أَوْ لَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَفْعُولِ كَانَ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ بِهِ وَشَرْطُهُ كَوْنُهَا مَمْلُوكَةً لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ وَقَعَ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهَا لَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي التَّوَسُّطِ، وَالتَّأَخُّرِ، بَلْ يَحْنَثُ إذَا فَعَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ النِّيَابَةَ لَمْ يَكُنْ انْتِقَالُهُ إلَى غَيْرِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِاخْتِصَاصِ الْعَيْنِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ) أَيْ نَوَى فِي إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك مَعْنَى إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا أَوْ بِالْعَكْسِ (صُدِّقَ) دِيَانَةً وَقَضَاءً (فِيمَا عَلَيْهِ) أَيْ فِيمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ

عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ بَاعَ ثَوْبًا مَمْلُوكًا لِلْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنَوَى بِالِاخْتِصَاصِ بِالْأَمْرِ أَوْ بَاعَ ثَوْبًا لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ فِي الثَّانِيَةِ وَنَوَى الِاخْتِصَاصَ بِالْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَلَوْلَا نِيَّتُهُ لَمَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بِالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ كَعَكْسِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَفِي إنْ بِعْته وَاشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَعَقْدٌ بِالْخِيَارِ) لِنَفْسِهِ (عَتَقَ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ الْآنَ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي مَلَكَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُمَا وَصَارَ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا يُعْتَقُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ، وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ قَيْدٌ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ بِعْته فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِلَا خِيَارٍ لَا يُعْتَقُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ بَاتَ مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُعْتَقُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ سَوَاءٌ أَجَازَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا جَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ يُعْتَقُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ. (وَكَذَا) أَيْ عَتَقَ (لَوْ عُقِدَ بِالْفَاسِدِ أَوْ الْمَوْقُوفِ) ، وَهَذَا مُجْمَلٌ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ إنْ بِعْته فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ يَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا عَنْهُ بِأَمَانَةٍ أَوْ رَهْنٍ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَمَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فِي بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالرَّهْنِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا عَقِيبَ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (وَلَوْ) عَقَدَ (بِالْبَاطِلِ لَا يُعْتَقُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ بِأَصْلِهِ فَلَوْ اشْتَرَى مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ الْقَاضِي يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، وَالْمُكَاتَبُ كَالْمُدَبَّرِ فِي رِوَايَةٍ لَكِنْ يَلْزَمُ فِيهِ إجَارَةُ الْمُكَاتَبِ (وَفِي إنْ لَمْ أَبِعْهُ) أَيْ عَبْدًا (فَكَذَا) أَيْ فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ مَثَلًا (فَأَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ حَيْثُ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْبَيْعِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ أَمَتَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا حَنِثَ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْبَيْعَ بِوَقْتٍ فَأَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (قَالَتْ) الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا (تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ) الزَّوْجُ فِي جَوَابِهَا (كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ طَلُقَتْ هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ الَّتِي دَعَتْهُ إلَى الْحَلِفِ (أَيْضًا) أَيْ كَغَيْرِهَا لِدُخُولِهَا تَحْتَ الْعُمُومِ، وَالْأَصْلُ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ مَهْمَا أَمْكَنَ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ غَرَضَهُ أَرِضَاؤُهَا، وَهُوَ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا

فَيَتَقَيَّدُ بِهِ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْبَحْرِ الْأَوْلَى إنْ يُحَكَّمَ الْحَالُ إنْ كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ وَخُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَا. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي فَهِيَ كَذَا لَا تَطْلُقُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ نَوَى غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الْمُحَلِّفَةِ (صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ) أَوْ إلَى مَكَّةَ رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى زِيَارَتَهُ (لَزِمَهُ) اسْتِحْسَانًا (حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَشْيًا) مِنْ بَابِ دَارِهِ إنْ قَدَرَهُ وَقِيلَ مِنْ مَوْضِعِ مَحْرَمٍ كَحَجْفَةَ لِلشَّامِيِّينَ وَإِنْ نَوَى بَيْتَ اللَّهِ مَسْجِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (فَإِنْ رَكِبَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا وَلِذَا أَطْلَقَ فَإِذَا لَزِمَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ مَشَى، وَهُوَ أَكْمَلُ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً. (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ) أَوْ السَّفَرُ أَوْ الرُّكُوبُ أَوْ الْإِتْيَانُ (إلَى بَيْتِ اللَّهِ) أَوْ إلَى الْمَدِينَةِ (أَوْ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ الْإِحْرَامَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرَبٍ مَقْصُودَةٍ. (وَكَذَا) لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِعَدَمِ التَّعَارُفِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ شَامِلٌ عَلَى الْبَيْتِ وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَكَانَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ وَلِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ. (وَفِي عَبْدِهِ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ) أَيْ السَّنَةَ بِالتَّخْفِيفِ، ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ حَجَجْت فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ وَأَتَى بِشَاهِدَيْنِ (فَشَهِدَا بِكَوْنِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِكُوفَةَ لَا يُعْتَقُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ. وَفِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إذْ لَا تُنْكِرُ كَرَامَةَ الْأَوْلِيَاءِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِمَكَّةَ وَكُوفَةَ قُلْت إنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّسَبِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِمَنْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ زَوْجَةٍ مَشْرِقِيَّةٍ وَزَوْجُهَا فِي الْمَغْرِبِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُ النَّظَرِ بِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ أَمْرٌ لَازِمُ الرِّعَايَةِ فَلِهَذَا اعْتَبَرُوا فِيهِ مَا لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي غَيْرِهِ تَدَبَّرْ وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا إنَّهُ لَمْ يَحُجَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ لِلتَّيْسِيرِ فَإِنْ قِيلَ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُسْمَعُ فِي الشُّرُوطِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشُّرُوطِ قُلْت هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ ثَابِتٍ مُعَايَنٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ خَارِجَ الدَّارِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْفَرْقَ مُشْكِلٌ لِي بَيْنَ عَدَمِ.

الدُّخُولِ وَعَدَمِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ. (وَفِي لَا يَصُومُ فَصَامَ سَاعَةً) أَيْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ (بُنَيَّةٍ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ شَرْعًا إذْ هُوَ إمْسَاكٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ بِهِ. (وَإِنْ ضَمَّ) قَوْلَهُ لَا يَصُومُ (صَوْمًا أَوْ يَوْمًا) يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ (لَا) يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ (مَا لَمْ يُتِمَّ يَوْمًا) تَامًّا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَفِي التَّنْوِيرِ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ وَكَانَ بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ صَحَّتْ وَحَنِثَ لِلْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تُصَلِّي الْيَوْمَ فَأَنْتِ كَذَا فَحَاضَتْ مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَمَا صَلَّتْ رَكْعَةً فَإِنَّ الْيَمِينَ تَصِحُّ وَتَطْلُقُ لِلْحَالِ (وَفِي لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ إذَا سَجَدَ سَجْدَةً لَا قَبْلَهُ) أَيْ لَا قَبْلَ السُّجُودِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ صَلَّى رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا وَيُقَالُ صَلَّى رَكْعَةً. (وَإِنْ ضَمَّ) إلَيْهِ (صَلَاةً فَيَشْفَعُ) أَيْ يَحْنَثُ بِتَمَامِ شَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الصَّلَاةَ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلَةِ (لَا بِأَقَلَّ) مِنْ الشَّفْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ فَلَا تُشْتَرَطُ قَعْدَةُ التَّشَهُّدِ وَقِيلَ تُشْتَرَطُ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا رُبَاعِيًّا تُشْتَرَطُ وَإِلَّا فَلَا وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ يَحْنَثُ بِرَكْعَةٍ وَكَذَا أَحْمَدُ فِي قَوْلٍ، وَالتَّصْرِيحُ فِيمَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ دَأْبُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ فَغَفَلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ مَا قَالَ تَتَبَّعْ. (وَفِي إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك) أَيْ مَغْزُولِك (فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ فِعْلُ التَّصَدُّقِ بِهَذَا الثَّوْبِ بِمَكَّةَ فَإِنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى مَكَّةَ (فَمَلَكَ) الزَّوْجُ (قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ) الزَّوْجَةُ (وَنُسِجَ) الْغَزْلُ سَوَاءٌ كَانَ النَّسْجُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَسَجَتْهُ (فَلَبِسَهُ) أَيْ الزَّوْجُ عَلَى الْمُعْتَادِ (فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ وَاجِبُ التَّصَدُّقِ بِمَكَّةَ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ فُقَرَاءِ مَكَّةَ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ مِلْكِهِ وَلَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَغْزِلُ مِنْ قُطْنِ الرَّجُلِ عَادَةً، وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ. (وَإِنْ لَبِسَ مَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَهَدْيٌ بِالِاتِّفَاقِ) لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ وَكَذَا لَوْ زَادَ مِنْ قُطْنِي لَزِمَهُ الْهَدْيُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ زَادَ مِنْ قُطْنِهَا لَمْ يَلْزَمْ الْهَدْيُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَلَبِسَ ثَوْبًا بَعْضُهُ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ بِخِلَافِ مَا قَالَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِك وَعَلَى هَذَا مِنْ نَسْجِك أَوْ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِك. وَفِي التَّنْوِيرِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ تِكَّةً مِنْهُ لَا يَحْنَثُ كَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَلَبِسَ مِنْ نَسْجِ غُلَامِهِ وَكَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ فُلَانٌ يَعْمَلُ بِيَدِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فُلَانٌ لَا يَنْسِجُ بِيَدِهِ حَنِثَ. (خَاتَمُ الْفِضَّةِ لَيْسَ بِحُلِيٍّ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ التَّزَيُّنِ وَلِهَذَا حَلَّ لِلرِّجَالِ فَلَمْ يَكُنْ كَامِلًا فِي الْحُلِيِّ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مُطْلَقِ اسْمِهِ إلَّا إذَا كَانَ مَصْنُوعًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (بِخِلَافِ خَاتَمِ الذَّهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلتَّزَيُّنِ

باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ فَكَانَ كَامِلًا فِي مَعْنَى الْحُلِيِّ فَيَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِهِ وَلِهَذَا لَوْ لَبِسَ خَلْخَالًا أَوْ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حُلِيٍّ كَامِلٌ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ (وَعِقْدُ اللُّؤْلُؤِ إنْ رُصِّعَ فَحُلِيٌّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَصَّعْ (فَلَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرَ مُرَصَّعٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ (وَقَالَا حُلِيٌّ مُطْلَقًا) فَيَحْنَثُ بِلُبْسِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَكُلٌّ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا وَلِهَذَا قَالَ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) ؛ لِأَنَّ التَّحَلِّي بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَفِي لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ) أَوْ السَّطْحِ أَوْ الدُّكَّانِ (فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ) فَوْقَهَا (لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَادَةً. (وَإِنْ حَالَ بَيْنَهَا) أَيْ الْأَرْضِ (وَبَيْنَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (ثِيَابُهُ) الَّذِي يَلْبَسُهُ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَلَا تَصِيرُ حَائِلًا وَلَوْ خَلَعَ ثَوْبَهُ فَبَسَطَهُ وَجَلَسَ لَا يَحْنَثُ لِارْتِفَاعِ التَّبَعِيَّةِ (وَفِي لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجُعِلَ فَوْقَهُ فِرَاشٌ) آخَرُ (فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَتَنْقَطِعُ النِّسْبَةُ السُّفْلَى هَذَا فِي الْعُرْفِ أَمَّا لَوْ نَكَّرَهُ فَحَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ حَنِثَ بِوَضْعِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ. (وَإِنْ جُعِلَ فَوْقَهُ قِرَامٌ) بِالْكَسْرِ سِتْرٌ رَقِيقٌ (يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ (وَفِي لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ إنْ جُعِلَ فَوْقَهُ سَرِيرٌ) آخَرُ (فَجَلَسَ) عَلَيْهِ (لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ وَمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ، وَالْقُدُورِيِّ مِنْ تَنْكِيرِ السَّرِيرِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْمُنَكَّرُ عَلَى الْمُعَرَّفِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ لَكِنْ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ جُعِلَ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ هَذَا السَّرِيرِ (بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ) فَجَلَسَ عَلَيْهِ (حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ عَادَةً كَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرْجًا فَرَكِبَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفُرِشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ. [بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ] َ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يُشَارِكُ الْمَيِّتُ فِيهِ الْحَيَّ تَقَعُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ وَمَا اُخْتُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ يَتَقَيَّدُ بِهَا فَقَالَ (الضَّرْبُ، وَالْكِسْوَةُ، وَالْكَلَامُ، وَالدُّخُولُ يَخْتَصُّ فِعْلُهَا بِالْحَيِّ) ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَحْنَثُ مَنْ قَالَ إنْ ضَرَبْته) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا (أَوْ كَسَوْته أَوْ دَخَلْت عَلَيْهِ) فَكَذَا (بِفِعْلِهَا) أَيْ بِفِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُولِمٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَدَنِ، وَالْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ، وَالْمُعَذَّبُ فِي الْقَبْرِ يَحْيَى بِقَدْرِ مَا يَتَأَلَّمُ بِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ

فَلَوْ حَلَفَ لَأَضْرِبَنَّ مِائَةَ سَوْطٍ بَرَّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ وَصَلَ إلَى بَدَنِهِ كُلُّ سَوْطٍ بِشَرْطِ الْإِيلَامِ وَأَمَّا عَدَمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا وَكَذَا الْكِسْوَةُ إذْ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السَّتْرَ وَكَذَا الْكَلَامُ، وَالدُّخُولُ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ، وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ حَنِثَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا أَوْ لَا يُقَبِّلُهَا فَوَطْأَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ (بِخِلَافِ الْغُسْلِ، وَالْحَمْلِ، وَالْمَسِّ) لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمَيِّتِ (وَفِي) حَلَفَ (لَا يَضْرِبُهَا فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ) لِتَحَقُّقِ الْإِيلَامِ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْفَارِسِيَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي حَالَةِ الْغَصْبِ أَوْ الْمُزَاحِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالَةِ الْمُزَاحِ فَلِهَذَا لَوْ أَصَابَ رَأْسُهُ أَنْفَهَا فِي الْمُلَاعَبَةِ فَأَدْمَاهَا لَا يَحْنَثُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ فِي الضَّرْبِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَضَرَبَ أَمَتَهُ فَأَصَابَهَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَنْ تَعَمَّدَ غَيْرَهَا وَأَصَابَهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ قَالَ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ أَوْ يَبْكِيَ أَوْ يَبُولَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا حَقِيقَةً. وَفِي التَّنْوِيرِ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى الْكَثْرَةِ حَلَفَ إنْ لَمْ أَقْتُلْ زَيْدًا فَكَذَا، وَهُوَ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ بِمَوْتِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا حَلَفَ لَأَقْتُلُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ فَضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَمَاتَ بِهَا حَنِثَ وَبِعَكْسِهِ لَا وَفِي حَلِفِهِ. (لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ قَرِيبًا فَمَا دُونَ الشَّهْرِ قَرِيبٌ، وَالشَّهْرُ بَعِيدٌ) فَلَوْ قَضَى تَمَامَ الشَّهْرِ حَنِثَ وَقَبْلَهُ بَرَّ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ بَعِيدًا وَمَا دُونَهُ يُعَدُّ قَرِيبًا وَلِذَا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَفْظُ السَّرِيعِ كَالْقَرِيبِ وَلَفْظُ الْأَجَلِ كَالْبَعِيدِ وَإِنْ نَوَى مُدَّةً فِيهِمَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مَلِيًّا أَوْ طَوِيلًا إنْ نَوَى شَيْئًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَعَلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ وَفِي حَلِفِهِ (لَيَقْضِيَنَّهُ) أَيْ دَيْنَهُ (الْيَوْمَ فَقَضَاهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَمْرِ غَيْرِهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ وَقَبْضِ الْمُحْتَالِ فَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَبَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُعْطِيَ وَلَمْ يَقْبَلْ لَكِنَّهُ وَضَعَهُ بِحَيْثُ تَنَاوُلُ يَدِهِ لَوْ أَرَادَ قَبْضَهُ وَإِلَّا لَا يَبَرُّ وَلَوْ كَانَ الدَّائِنُ غَائِبًا لَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى أَمَّا الْحَالِفُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِذَا رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ بَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَصَبَ نَائِبًا عَنْهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ نَظَرًا لِلْحَالِفِ (زُيُوفًا) يَبَرُّ بِالضَّمِّ مَصْدَرُ زَافَتْ الدَّرَاهِمُ زَيْفًا أَيْ صَارَتْ مَرْدُودَةً لِلْغِشِّ (أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ نَبْهَرُ وَهِيَ، وَالزَّيْفُ كِلَاهُمَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَفِضَّتُهُمَا غَالِبَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّيْفَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَلَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ بِخِلَافِ النَّبَهْرَجَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا التُّجَّارُ أَيْضًا (أَوْ مُسْتَحَقَّةٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مُسْتَحِقًّا

صَاحِبُهَا إيَّاهَا عَلَى الدَّيْنِ (أَوْ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْمَدْيُونُ دَايَنَهُ (بِهِ) أَيْ بِدَيْنِهِ (شَيْئًا) مِنْ مِلْكِهِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ فَلَوْ بَاعَ فَاسِدًا وَلَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَقَدْ حَنِثَ وَإِلَّا فَقَدْ بَرَّ (وَقَبَضَهُ) أَيْ قَبَضَ الدَّائِنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ، وَقَدْ وَجَبَ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ قَبْلَهُ (بِرٌّ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ، وَالنَّبَهْرَجَةَ عَيْبٌ، وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ وَلِهَذَا لَوْ تُجُوِّزَ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْبِرِّ وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ وَبِالْبَيْعِ وَقْتَ الْمُقَاصَّةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَبَيْنَ الثَّمَنِ فَصَارَ الثَّمَنُ قَضَاءً لِلدَّيْنِ. (وَلَوْ) قَضَاهُ (رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ الدَّائِنُ ذَلِكَ الدَّيْنَ لِلْمَدْيُونِ مَجَّانًا (أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (لَا يَبَرُّ) الْحَالِفُ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ، وَالْإِبْرَاءِ أَمَّا فِي صُورَةِ الْأُولَيَيْنِ فَلَمْ يَبَرَّ وَحَنِثَ وَجَوَابُ الشَّرْطِ السَّابِقُ مَحْذُوفٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ إنْ اخْتَلَفَ مَعْنًى وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمَّا كَانَتْ مُوَقَّتَةً فَإِذَا وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ انْقِضَائِهِ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْبِرِّ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَمُسْتَقِيمٌ بِلَا تَكْلِيفٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَنِثَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَيَّدَ الْيَوْمَ لَاسْتَقَامَ بِدُونِ الِاحْتِيَاجِ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ أَوْ لَوْ قَالَ وَلَوْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَنِثَ وَلَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ لَا يَبَرُّ لَكَانَ أَسْلَمَ مِنْ أَعْظَمِ الِاخْتِلَالِ تَأَمَّلْ. وَفِي حَلِفِهِ (لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ) مِنْ غَرِيمِهِ (دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ لَا يَحْنَثُ) فِي يَمِينِهِ (بِقَبْضِ بَعْضِهِ) لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ (مَا لَمْ يَقْبِضْ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مَعْرُوفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ وَلَوْ قَيَّدَ بِالْيَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ بِقَبْضِ الْبَعْضِ فِي الْيَوْمِ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَخْذُ الْكُلِّ فِيهِ مُتَفَرِّقًا وَلَوْ أَدْخَلَ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةَ حَنِثَ. (وَإِنْ فَرَّقَهُ) أَيْ الْقَبْضَ (بِعَمَلٍ ضَرُورِيٍّ كَالْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ وَزْنُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ خِلَافًا لِزُفَرَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَشَغَّلَا بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ بِعَمَلٍ آخَرَ أَمَّا إذَا اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ فَاخْتَلَفَ الدَّفْعُ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَا يَأْخُذُ مَالَهُ عَلَى فُلَانٍ إلَّا جُمْلَةً أَوْ لَا جَمِيعًا فَتَرَكَ مِنْهُ دِرْهَمًا، ثُمَّ أَخَذَ الْبَاقِيَ كَيْفَ شَاءَ لَا يَحْنَثُ وَمَنْ قَالَ (إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةً أَوْ غَيْرَ مِائَةٍ أَوْ سِوَى مِائَةٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ مَثَلًا (لَا يَحْنَثُ بِهَا) أَيْ بِالْمِائَةِ (أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمِائَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ دِينَارًا أَوْ عَرُوضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ سَوَائِمَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى وَلَا يُحْكَمُ بِثُبُوتِ الْمُسْتَثْنَى وَلَا بِنَفْيِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِي شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى الْمِائَةِ (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَفْعَلُ) كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ مُطْلَقًا فَيَتَنَاوَلُ فَرْدًا شَائِعًا فِي جِنْسِهِ

فَيَعُمُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ ضَرُورَةَ شُيُوعِهِ (وَفِي لَيَفْعَلَنهُ يَكْفِي فِعْلُهُ مَرَّةً) ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيَخُصُّ وَيَحْنَثُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي عُمُرِهِ. وَفِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَيَفُوتُ مَحَلُّ الْفِعْلِ هَذَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُوَقَّتَةً وَلَمْ يَفْعَلْ فِيهِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْإِمْكَانُ بَاقِيًا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَا. (حَلَّفَهُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ (وَالٍ) أَيْ حَلَّفَهُ مَالِكُ أَمْرِ بَلَدٍ رَجُلًا (لَيُعْلِمَنهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَاسِقٍ خَبِيثٍ مُفْسِدٍ أَتَى بِالْبَلَدِ (تُقَيَّدُ) الْيَمِينُ (بِحَالِ وِلَايَتِهِ) بِالْكَسْرِ أَيْ بِزَمَانِ تَسَلُّطِهِ هَذَا عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِعْلَامِ دَفْعُ شَرِّ الدَّاعِرِ وَغَيْرِهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ، وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَمْ يَجِبْ الْإِعْلَامُ لَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ كَمَا لَمْ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ حَتَّى مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَقَدْ حَنِثَ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ حَكَمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ وَفَوْرُ عِلْمِهِ بِهِ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ تُقَيَّدُ بِالْخُرُوجِ حَالَ قِيَامِ الدَّيْنِ، وَالْكَفَالَةِ. وَفِي حَلِفِهِ (لَيَهَبَنهُ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَكَذَا الْقَرْضُ، وَالْعَارِيَّةُ، وَالصَّدَقَةُ) ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْإِقْرَارُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) وَنَظِيرُهُ الْإِجَارَةُ، وَالصَّرْفُ، وَالسَّلَمُ، وَالرَّهْنُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَنَظَائِرَهَا تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةً فَاقْتَضَى الْعِوَضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَفِي حَلِفِهِ (لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى مَا لَا سَاقَ لَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِشَمِّ الْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينَ) قَصْدًا؛ لِأَنَّ الرِّيحَانِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ وَقِيلَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْعِرَاقِ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَقِيلَ اسْمٌ لِمَا لَيْسَ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ الْوَرْدُ، وَالْيَاسَمِينُ مِنْهُ وَقَيَّدْنَا بِالْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ رِيحَهُ بِلَا قَصْدٍ وَوَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ يَحْنَثُ بِشَمِّهِمَا فِي حَلِفِهِ لَا يَشُمُّ رَيْحَانًا؛ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ اسْمٌ لِمَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مِنْ النَّبَاتِ عُرْفًا فَيَحْنَثُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي حَلِفِهِ (لَا يَشُمُّ وَرْدًا أَوْ بَنَفْسَجًا فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى وَرَقَةٍ) دُونَ الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا كَمَا فِي الْكَافِي وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ أَيْضًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ فَكَانَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بَائِعَ الدُّهْنِ، ثُمَّ صَارَ كَمَا يُسَمَّى بِهِ فِي أَيَّامِ الْكَرْخِيِّ فَقَالَ بِهِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ إلَّا عَلَى نَفْسِ النَّبَاتِ فَلَا يَحْنَثُ بِالدُّهْنِ أَصْلًا كَمَا فِي الْوَرْدِ، وَالْحِنَّاءِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى شِرَائِهِمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَرَقِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمٌ لِلْوَرَقِ، وَالْعُرْفُ يُقَرِّرُ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَنَفْسَجِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ وَفِي الْبَنَفْسَجِ وَلَوْ رُدَّ يُعْتَبَرُ عُرْفُ بَلَدِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ تَأَمَّلْ. وَفِي حَلِفِهِ (لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ تَنَاوَلَ الْمِلْكَ، وَالْإِجَارَةَ)

كتاب الحدود

لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ بِإِعَارَةٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا عَنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيٍّ) أَيْ غَنِيٍّ (لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ عُرْفًا وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحْنَثُ. [كِتَابُ الْحُدُودِ] ِ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فِي أَحَدِ نَوْعَيْهَا نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْحُدُودَ عَقِيبَهَا، وَالْحَدُّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ الْخَالِصَةُ حَدًّا؛ لِأَنَّهَا مَانِعٌ مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا مُعَاوَدَةً وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعٌ عَنْهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَحُدُودُ اللَّهِ أَيْضًا أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ التَّخَطِّي إلَى مَا وَرَاءَهَا وَمِنْهُ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا أَوْ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ، وَالْعِبَادَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةَ بَعْدَهَا وَمَحَاسِنُ الْحُدُودِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهَا تَرْفَعُ الْفَسَادَ الْوَاقِعَ فِي الْعَالَمِ وَتَحْفَظُ النُّفُوسَ، وَالْأَعْرَاضَ، وَالْأَمْوَالَ سَالِمَةً عَنْ ابْتِذَالٍ وَسَبَبُ كُلٍّ مِنْ الْحُدُودِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ. وَفِي الشَّرْعِ (الْحَدُّ) فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِقَرِينَةِ مَقَامِ التَّعْرِيفِ فَيَشْمَلُ الْحُدُودَ الْخَمْسَةَ وَهِيَ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الشُّرْبِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَأَمَّا حَدُّ السُّكْرِ فَدَاخِلٌ فِي حَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً غَايَتُهُ أَنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ بِقَيْدِ السُّكْرِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قِيلَ أَنَّهَا سِتَّةٌ (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ) مُبَيَّنَةٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ (تَجِبُ) عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهَا يَعْنِي بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ يُبْتَنَى عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ، وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ تَعْظِيمًا وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعِلْمَ بِشَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ مَانِعٌ قَبْلَ الْفِعْلِ زَاجِرٌ بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ الْحَدُّ كَفَّارَةً لِلْمَعْصِيَةِ، بَلْ التَّوْبَةُ هِيَ الْمُسْقِطَةُ عَنْهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ

حد الزنا

كَمَا فِي الْفَتْحِ (فَلَا يُسَمَّى تَعْزِيرٌ وَلَا قِصَاصٌ حَدًّا) أَمَّا التَّعْزِيرُ فَلِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ وَأَمَّا الْقِصَاصُ؛ فَلِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ مُطْلَقًا فَلِهَذَا جَازَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. [حَدّ الزِّنَا] (وَالزِّنَى) بِالْقَصْرِ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ نَجْدِيَّةٌ (وَطْءٌ) أَيْ غَيْبَةُ حَشَفَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الرَّجُلِ فَلَوْ لَمْ تَدْخُلْ الْحَشَفَةُ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ مُلَامَسَةٌ (مُكَلَّفٍ) خَرَجَ بِهِ وَطْءُ الْمَجْنُونِ، وَالْمَعْتُوهِ، وَالصَّبِيِّ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَهُ نَاطِقٌ طَائِعٌ خَرَجَ بِالنَّاطِقِ وَطْءُ الْأَخْرَسِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةً وَبِالطَّائِعِ وَطْءُ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَلَى مَا سَيَأْتِي (فِي قُبُلٍ) وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَهُ مُشْتَهَاةٌ حَالًا أَوْ مَاضِيًا فَخَرَجَ بِهِ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ كَوَطْءِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَالْمَيِّتَةِ، وَالْبَهِيمَةِ (خَالٍ) ذَلِكَ الْوَطْءُ (عَنْ مِلْكٍ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالْيَمِينِ احْتِرَازٌ عَنْ وَطْءِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَمَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا (وَشُبْهَتِهِ) أَيْ الْمِلْكِ كَوَطْءِ مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ وَجَارِيَةِ الِابْنِ، وَالْأَبِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَمْكِينُهَا لِيَصْدُقَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُسْتَلْقِيًا فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَتَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَدْخَلَتْهُ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ سِوَى التَّمْكِينِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَيْسَ بِتَعْرِيفِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَإِلَّا لَانْتَقَضَ التَّعْرِيفُ طَرْدًا وَعَكْسًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِيَكُونَ التَّعْرِيفُ تَامًّا تَأَمَّلْ. [بِمَا يَثْبُتُ الزِّنَا] (وَيَثْبُتُ) الزِّنَا ثُبُوتًا ظَاهِرًا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَثَوْرِيٍّ وَالشَّافِعِيِّ (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ) فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَلَا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ وَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِاثْنَيْنِ وَفِعْلُ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَأَطْلَقَهُمْ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ بِشَرْطِ كَوْنِ الزَّوْجِ لَمْ يَقْذِفْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَلَوْ كَانَ قَذَفَهَا وَشَهِدَ بِالزِّنَا وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ حُدَّ الثَّلَاثَةُ لِلْقَذْفِ وَعَلَى الزَّوْجِ اللِّعَانُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ الشُّهُودِ إنَّ فُلَانًا قَدْ زَنَى وَشَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا تُقْبَلُ (مُجْتَمِعِينَ) فَلَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ حَالَ مَجِيئِهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ لَمْ تُقْبَلْ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْحَاكِمِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي السِّرَاجِ (بِالزِّنَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّهَادَةِ أَيْ شَهَادَةٌ مُلْتَبِسَةٌ بِلَفْظِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الدَّالُ عَلَى الْفِعْلِ الْحَرَامِ (لَا بِالْوَطْءِ أَوْ الْجِمَاعِ إذَا سَأَلَهُمْ) بَعْدَ الشَّهَادَةِ ظَرْفٌ يُثْبِتُ (الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ، وَالْقَاضِي (عَنْ مَاهِيَّةِ الزِّنَا) احْتِرَازٌ عَنْ زَنَى الْعَيْنِ، وَالْيَدِ، وَالرِّجْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَوَسُّعًا نَحْو الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ (وَكَيْفِيَّتُهُ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ تَمَاسَّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ زِنَى الْإِبْطِ، وَالْفَخِذِ، وَالدُّبُرِ كَمَا فِي الْمُضْمِرَاتِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ مُخْتَارُ الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقَالُ إنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ صُورَةُ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِقْصَاءُ وَكَمَالُ

الْجُهْدِ، وَالِاحْتِيَاطِ فِي الِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْحُدُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَالْأَحْسَنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَأَيْنَ زَنَى) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ (وَمَتَى زَنَى) ؛ لِأَنَّ الزِّنَى الْمُتَقَادِمُ أَوْ فِي حَالِ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَرُدَّ بِأَنَّ الزِّنَى الْمُتَقَادِمُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِالْإِقْرَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّقَادُمَ إنَّمَا يَمْنَعُ لِإِيجَابِهِ التُّهْمَةَ بِالتَّأْخِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي التُّهْمَةَ، وَالتَّقَادُمُ فِي الزِّنَا يَثْبُتُ بِشَهْرٍ وَمَا فَوْقَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي (وَبِمَنْ زَنَى) هَذَا السُّؤَالُ عَنْ الْمُزَنِيَّةِ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الزَّانِي وَفَائِدَتُهُ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ الشُّبْهَةِ وَعَنْ الزَّانِي إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُزَنِيَّةِ وَفَائِدَتُهُ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُوجَدُ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ فَمَنْ قَالَ إنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ يُغْنِي عَنْهُ أَوْ خَصَّ السُّؤَالَ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ أَخْطَأَ تَأَمَّلْ (فَبَيَّنُوهُ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ (وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ (فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالْحَاءِ آلَةٌ مَخْصُوصَةٌ لِلْكُحْلِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَإِلَّا يُغْنِي مَا ذُكِرَ عَنْ ذَلِكَ (وَعُدِّلُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الشُّهُودُ تَعْدِيلًا (سِرًّا وَعَلَانِيَةً) عِنْدَ مَنْ لَا يَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي غَيْرِ الْحَدِّ مِنْ الْحُقُوقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ مَنْ يَكْتَفِي احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَيَحْبِسُهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ وَلَا وَجْهَ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَى الدَّرْءِ وَحَبْسُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ انْتَهَى لَكِنْ يُشْكِلُ الْأَمْرُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّعْزِيرِ، وَالْحَدِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا حُدَّ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ احْتِيَاطًا لَا تَعْزِيرًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ تَعْلِيلِ الْحَبْسِ بِقَوْلِهِمْ كَيْ لَا يَهْرُبَ يُؤَيِّدُهُ تَأَمَّلْ. (أَوْ بِالْإِقْرَارِ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَاءُ بِإِقْرَارِ الزَّانِي أَيْضًا حَالَ كَوْنِهِ (عَاقِلًا بَالِغًا) فَلَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فَلَوْ أَقَرَّ الذِّمِّيُّ بِوَطْءِ الذِّمِّيَّةِ حُدَّ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا الْحُرِّيَّةُ فَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالزِّنَا حُدَّ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) كَمَا فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً (فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ) مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ وَقِيلَ مِنْ مَجَالِسِ الْحَاكِمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ كَإِقْرَارٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَهُ يُقَامُ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ بِهِ الزِّنَاءُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلِلْإِقْرَارِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فَلَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَاءِ بِكِتَابَةٍ أَوْ بِإِشَارَةٍ لَا يُحَدُّ الثَّانِي أَنْ لَا يَظْهَرَ كَذِبُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ شُبْهَةً فَتَنْدَرِئُ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرَةٌ تَدَبَّرْ

(كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) الْحَاكِمُ وَقَالَ أَبِكَ دَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ غَيْرُهُ (حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ) وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَرُدُّهُ فِي الرَّابِعَةِ، بَلْ يَقْبَلُهُ فَلَوْ قَيَّدَهُ بِإِلَّا مَرَّةً رَابِعَةً لَكَانَ أَوْلَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَ غَيْرِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا قَدْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِالشَّهَادَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى مَرَّتَيْنِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (ثُمَّ سَأَلَ كَمَا مَرَّ) أَيْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَزْنِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ (سِوَى الزَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعُ الشَّهَادَةِ لَا الْإِقْرَارُ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ أَوْ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ (فَبَيَّنَهُ) أَيْ بَيَّنَ الْمُقِرُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الشَّرْطِ فَإِذَا بَيَّنَهُ لَزِمَ الْحَدُّ لِظُهُورِ الْحَقِّ. (وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) أَيْ تَلْقِينُ الْحَاكِمِ الْمُقِرَّ (لِيَرْجِعَ) عَنْ إقْرَارِهِ (بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطَّأْت بِشُبْهَةٍ) أَوْ نَظَرْت أَوْ بَاشَرْت أَوْ تَزَوَّجْت تَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ فَلَوْ ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زِنَائِهِ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ وَقْتَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ أَوْ كَانَ بِالْإِقْرَارِ تَدَبَّرْ (فَإِنْ رَجَعَ) الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ (قَبْلَ الْحَدِّ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْحَدِّ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ (أَوْ فِي أَثْنَائِهِ) قَبْلَ الْمَوْتِ (تُرِكَ) وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِوُجُودِ الْحَدِّ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ. (، وَالْحَدُّ لِلْمُحْصَنِ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا (رَجْمُهُ) لَمْ يَقُلْ بِالْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الرَّجْمِ (فِي فَضَاءٍ) أَيْ أَرْضٍ فَارِغَةٍ وَاسِعَةٍ (حَتَّى يَمُوتَ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجْمِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ فِي رَجْمِهِ وَهَرَبَ أُتْبِعَهُ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَتْبَعُهُ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِكُلِّ مَنْ رَمَى أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ إلَّا مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجُمُهُ وَلَكِنْ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَرْجُمُهُ أَصْلًا، وَهَذَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَإِ إذَا قَتَلَهُ (يَبْدَأُ بِهِ الشُّهُودُ) أَيْ يَجِبُ بِدَايَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَجَاسَرُونَ عَلَى الْأَدَاءِ، ثُمَّ يَسْتَعْظِمُونَ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُونَ وَفِيهِ ضَرْبُ احْتِيَالٍ فِي الدَّرْءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُشْتَرَطُ بِدَايَتُهُمْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ حُضُورُهُمْ وَبِدَايَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ مُهْلِكًا، وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَكَذَلِكَ الرَّجْمُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ الشُّهُودُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَنْ الرَّجْمِ (أَوْ غَابُوا

أَوْ مَاتُوا) أَوْ جُنُّوا أَوْ فَسَقَوْا أَوْ قَذَفُوا كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ عَمُوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ ارْتَدُّوا (سَقَطَ) الرَّجْمُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَهُوَ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَبَوْا كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ وَلَمْ يَنْتَظِرُوهُمْ وَلَوْ كَانُوا مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ الرَّمْيَ، وَقَدْ حَضَرُوا أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي يَبْدَأُ بِهِ الْإِمَامُ هَذَا إذَا قُطِعَتْ أَيْدِيهمْ قَبْلَهَا فَإِنَّ بَعْدَ الشَّهَادَةِ امْتَنَعَتْ الْإِقَامَةُ وَقَيَّدَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُدُودِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الشُّهُودِ وَلَا الْإِمَامِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا سَقَطَ بِامْتِنَاعِ أَحَدِهِمْ هَلْ يُحَدُّ الشَّاهِدُ أَوْ لَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ (ثُمَّ الْإِمَامُ) أَيْ يُرْجَمُ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي (ثُمَّ النَّاسُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الشُّهُودِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَقِيَاسُهُ السُّقُوطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَاضِي إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِ الزَّانِي وَسِعَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فَقِيهًا عَدْلًا أَمَّا إذَا كَانَ فَقِيهًا غَيْرَ عَدْلٍ أَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ فَقِيهٍ فَلَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ حَتَّى يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ (وَفِي الْمُقِرِّ يَبْدَأُ الْإِمَامُ) أَيْ يَرْجُمُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً الْإِمَامُ حَالَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً فَهُوَ تَضْمِينٌ شَائِعٌ لَيْسَ فِيهِ تَسَامُحٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (ثُمَّ النَّاسُ) هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَيُغَسَّلُ) الْمَرْجُومُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُكَفَّنُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ غُسْلِ مَاعِزٍ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُسْلُ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ. (وَ) الْحَدُّ (لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ) أَيْ لِزَانٍ حُرٍّ فَقَدَ سَائِرَ الشُّرُوطِ الْخَمْسِ (مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسَّنَةِ الْقَطْعِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلِلْعَبْدِ) الزَّانِي (نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ جُمْلَةِ الْمِائَةِ فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ سَوْطًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَنْتَصِفُ وَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِوُجُودِ الرِّقِّ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ دَلَالَةً (بِسَوْطٍ) مُتَعَلِّقٌ بِجَلْدَةٍ (لَا ثَمَرَةَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ (ضَرْبًا وَسَطًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمُولِمِ فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِ الْمُولِمِ. وَفِي الْمُضْمِرَاتِ ضَرْبًا مُولِمًا غَيْرَ قَاتِلٍ وَلَا جَارِحٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْزِجَارُ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَأْخُذَ عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَيُضْرَبَ بِهِ ضَرْبَةً» كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ (مُفَرِّقًا) ذَلِكَ

الضَّرْبَ (عَلَى) جَمِيعِ (بَدَنِهِ) وَيُعْطِي كُلَّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ نَالَ اللَّذَّةَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَضْرِبَ الْفَرْجَ انْتَهَى لَكِنَّ الضَّرْبَ فِي الْفَرْجِ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ فَلِهَذَا تُتَّقَى الْأَعْضَاءُ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ مِنْهَا التَّلَفُ كَالْفَرْجِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (إلَّا الرَّأْسَ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى زَوَالِ سَمْعِهِ أَوْ بَصَرِهِ أَوْ شَمِّهِ (وَالْوَجْهَ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَلَا يُؤْمَنُ ذَهَابُهَا بِالضَّرْبِ (وَالْفَرْجَ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْهَلَاكِ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَضْرِبُ الصَّدْرَ، وَالْبَطْنَ؛ لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (يَضْرِبُ الرَّأْسَ ضَرْبَةً) وَاحِدَةً لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَرْبِيٍّ كَانَ دَعَاهُ، وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ الْقَتْلَ. (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا فِي كُلِّ حَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ (بِلَا مَدٍّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ وَتُمَدُّ رِجْلَاهُ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُدَّ الضَّارِبُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَدَّ السَّوْطُ عَلَى الْعُضْوِ عِنْدَ الضَّرْبِ وَيَجُرُّهُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْحَدِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْسَكُ وَلَا يُشَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَزِيدُ بِهِ إلَّا أَنْ يُعْجِزَهُمْ فَيُشَدُّ (وَيُنْزَعُ ثِيَابُهُ) أَيْ يُجَرَّدُ الرَّجُلُ عَنْهَا لِيَجِدَ زِيَادَةَ الْأَلَمِ فَيَنْزَجِرَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (سِوَى الْإِزَارِ) فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ حَذَرًا عَنْ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ (، وَالْمَرْأَةُ) تُحَدُّ (جَالِسَةً) فِي كُلِّ حَدٍّ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَلَا تُنْزَعُ ثِيَابُهَا) أَيْ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ بِالِاسْتِثْنَاءِ (إلَّا الْفَرْوَ) أَيْ اللِّبَاسُ الَّذِي مِنْ جُلُودِ الْغَنَمِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَشْوَ) أَيْ الثَّوْبُ الْمَمْلُوُّ بِالْقُطْنِ أَوْ الصُّوفِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُمَا يُنْزَعَانِ لِيَصِلَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِهَا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ. (وَيُحْفَرُ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ إلَى السُّرَّةِ أَوْ إلَى الصَّدْرِ (فِي الرَّجْمِ) ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَضْطَرِبُ وَتُكْشَفُ الْعَوْرَةُ، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْحَفْرِ لَهَا (لَا) يُحْفَرُ فِي الرَّجْمِ (لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّشْهِيرَ، وَالرَّبْطُ، وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْمَرْجُومِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ (وَلَا يَحُدُّ سَيِّدٌ مَمْلُوكَهُ) سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نِيَابَةَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحُدُّ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَلَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ وَجْهَانِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مِمَّنْ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحُدُودِ بِتَقَلُّدِ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ اتِّفَاقًا (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ) احْتِرَازٌ عَنْ إحْصَانِ الْقَذْفِ عَلَى مَا سِيَاتِي (الْحُرِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُحَصِّنُ الْحُرُّ الْأَمَةَ وَلَا الْعَبْدُ الْحُرَّةَ» (وَالتَّكْلِيفُ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْعُقُوبَاتِ (وَالْإِسْلَامُ) لِلْحَدِيثِ مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَرَجْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ

ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِحْصَانِ وَبِهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) حَتَّى لَوْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ لَمْ يُرْجَمْ وَكَذَا مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَوْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الثَّيِّبُ وَبِالثَّيِّبِ، وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الزِّنَاءِ، وَالدُّخُولُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ؛ لِأَنَّهُ شِبَعٌ. وَفِي الدُّرَرِ وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُصُولَ الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ شَرْطٌ لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِحْصَانِ وَلَا يَجِبُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (حَالَ وُجُودِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَطِيءِ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَتَّى إنَّ الْمَمْلُوكَيْنِ إذَا كَانَا بَيْنَهُمَا وَطْءٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَالَ الرِّقِّ، ثُمَّ عَتَقَا لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَكَذَا الْكَافِرَانِ وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَوَطِئَهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا لِوُجُودِ النُّفْرَةِ عَنْ نِكَاحِ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ حُرَّةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ مُسْلِمَةٌ بِأَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْصَنَةً بِهَذَا الدُّخُولِ وَلَوْ زَالَ الْإِحْصَانُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْجُنُونِ أَوْ الْعَتَهِ يَعُودُ مُحْصَنًا إذَا أَفَاقَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ حَتَّى يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ. وَفِي الْبَحْرِ إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِنْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَسَقَطَ عَنْهُ. (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْمَعْ (وَلَا) يُجْمَعُ (بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالنَّفْيِ وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ فِي الِابْتِدَاءِ الْإِيذَاءُ بِاللِّسَانِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ، ثُمَّ نُسِخَ بِجِلْدِ مِائَةٍ وَنَفْيٍ فِي الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ وَجَلْدٍ وَرَجْمٍ فِي الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ، ثُمَّ نُسِخَ بِجِلْدِ مِائَةٍ فِي كُلِّ زَانٍ، ثُمَّ نُسِخَ الْجِلْدُ وَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ بِالرَّجْمِ فِي الْمُحْصَنِ، وَالْجِلْدُ فِي غَيْرِهِ (إلَّا سِيَاسَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ.

وَلَا بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ إذَا رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعَزِّرُ بِهِ قَدْرَ مَا يَرَى؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفَى غُلَامًا صَبِيحَ الْوَجْهِ اُفْتُتِنَ بِهِ النِّسَاءُ، وَالْحُسْنُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ إلَّا أَنَّهُ فَعَلَهُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَاءِ، بَلْ تَكُونُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ. وَفِي الْبَحْرِ وَفَسَّرَ التَّغْرِيبَ فِي النِّهَايَةِ بِالْحَبْسِ، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا بِلُحُوقِ الْعَارِ وَبِالْغُرْبَةِ عَنْ الْوَطَنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَوْدُ مُفْسِدًا تَأَمَّلْ. (، وَالْمَرِيضُ) الزَّانِي الْمُحْصَنُ (يُرْجَمُ) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ مُتْلِفٌ وَلَا يَتَأَخَّرُ لِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَلَا يُجْلَدُ) الزَّانِي الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ (مَا لَمْ يَبْرَأْ) عَنْ الْمَرَضِ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِهِ لَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ فَيُجْلَدُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ بُرْئِهِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ تَطْهِيرًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ فِي الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ لِخَوْفِ التَّلَفِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. (، وَالْحَامِلُ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ تُحْبَسُ حَتَّى تَلِدَ) كَيْ لَا تَهْرُبَ قَيَّدَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا تُحْبَسُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ صَحِيحٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْحَبْسِ (وَتُرْجَمُ) الْحَامِلُ الْمُحْصَنَةُ (إذَا وَضَعَتْ) أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ مُرَبٍّ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَقَدْ انْفَصَلَ (وَلَا تُجْلَدُ) الْحَامِلُ غَيْرُ الْمُحْصَنَةِ (مَا لَمْ) تَلِدْ وَ (تَخْرُجْ مِنْ نِفَاسِهَا) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَلِذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ اكْتَفَى جَازَ، وَالْحَائِضُ كَالصَّحِيحِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ

باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

مَنْ يُرَبِّيهِ لَا تُرْجَمُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ) الْوَلَدُ (عَنْهَا) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صِيَانَةَ الْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا صَوَّرَهَا فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ تَعْلِيلُهَا أَقْوَى رَجَّحَهَا وَسَكَتَ عَمَّا عَدَاهَا تَدَبَّرْ. [بَابُ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] ُ قَدْ تَقَدَّمَ حَقِيقَةُ الزِّنَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَكَيْفِيَّةُ إثْبَاتُهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفَاصِيلِهِ وَبَدَأَ بِبَيَانِ الشُّبْهَةِ فَقَالَ (الشُّبْهَةُ) وَهِيَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِثَابِتٍ أَوْ اسْمٌ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ، وَالْخَطَأِ، وَالصَّوَابِ (دَارِئَةٌ) أَيْ دَافِعَةٌ (لِلْحَدِّ) عَنْ الْوَاطِئِ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى شُبْهَةً وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَبِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى يَسْقُطُ أَيْضًا الْإِكْرَاهُ خَاصَّةً فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِكْرَاهِ (وَهِيَ) أَيْ الشُّبْهَةُ (نَوْعَانِ) هَذَا مَسْلَكُ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ، وَالْكَنْزِ لَكِنْ فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فِي الْمَحَلِّ وَفِي الْفِعْلِ وَفِي الْعَقْدِ وَلَا يُمْكِنُ دَرْجُ الثَّالِثَةِ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا عَلَى الْجَانِي وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحُرْمَةِ (شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ) أَيْ الْوَطْءُ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ أَيْ شُبْهَةَ الْمُشْتَبَهِ الْمُعْتَبَرِ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ (وَهِيَ) أَيْ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ (ظَنُّ غَيْرِ الدَّلِيلِ) عَلَى حِلِّ الْفِعْلِ (دَلِيلًا) عَلَيْهِ (فَلَا يُحَدُّ فِيهَا) أَيْ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ (إنْ ظَنَّ) الْوَاطِئُ (الْحِلَّ) قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ إنْ ادَّعَى الْحِلَّ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِدَعْوَى الظَّنِّ لَا لِلظَّنِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إنْ لَمْ يَدَّعِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ الظَّنُّ وَلَا يُحَدُّ إنْ ادَّعَى وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الظَّنُّ تَأَمَّلْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ الْحِلَّ (يُحَدُّ) قَالُوا هَذِهِ الشُّبْهَةُ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَاصِلَةٌ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأُصُولِ وَإِلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَوَطْءِ مُعْتَدَّتِهِ مِنْ ثَلَاثٍ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مَقْطُوعٌ بِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا حَقٌّ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ كَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَحَصَلَ اشْتِبَاهٌ لِذَلِكَ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً عِنْدَ ظَنِّ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ فَيُعْذَرُ، وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ مَا إذَا وَقَعَهَا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا. وَفِي الْبَحْرِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ (أَوْ) كَوَطْءِ مُعْتَدَّتِهِ (مِنْ طَلَاقٍ عَلَى مَالٍ) . وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامُ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ وَمُرَادُهُمْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ أَمَّا

إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ (أَوْ) كَوَطْءِ (أُمِّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا) لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَتَثْبُتُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْفِرَاشِ وَهِيَ الْعِدَّةُ أَوْ كَوَطْءِ (أَمَةِ أَصْلِهِ) أَيْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. (وَإِنْ عَلَا) مِنْ الْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ فَإِنَّ اتِّصَالَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأُصُولِ، وَالْفُرُوعِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ لِلِابْنِ وِلَايَةَ وَطْءِ جَارِيَةِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْعَكْسِ (أَوْ) كَوَطْءِ (أَمَةِ زَوْجَتِهِ) فَإِنَّ غِنَى الزَّوْجِ بِمَالِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ قَدْ يُورَثُ شُبْهَةَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجَةِ مِلْكٌ لِلزَّوْجِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ الْإِغْنَاءِ نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» عَلَى أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ كَمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ نِسْبَةِ الْإِغْنَاءِ نِسْبَةً مَجَازِيَّةً لَا يُنَافِي إيرَاثَ الشُّبْهَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ إغْنَاءَهُ بِمَالِ خَدِيجَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْلٍ تَأَمَّلْ. (أَوْ) كَوَطْءِ أَمَةِ (سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِمَالِ الْمَوْلَى عَادَةً مَعَ كَمَالِ الِانْبِسَاطِ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ وَطْءَ الْجَوَارِي مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ يَكُونُ مَعْذُورًا. (وَكَذَا وَطْءُ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ) فَإِذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحَدِّ يَجِبُ الْحَدُّ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مَالِيَّتِهَا فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِلْكُ الْمَالِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ يُحَدُّ سَوَاءٌ ظَنَّ أَوْ لَا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ وَكَجَارِيَةِ أَخِيهِ فَيُحَدُّ وَإِنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ لَا يُحَدُّ إذَا قَالَ إنَّهَا مَحَلٌّ لِي وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَى حَرَامٌ وَجَبَ الْحَدُّ وَأَطْلَقَ فِي ظَنِّ الْحِلِّ فَشَمِلَ ظَنَّ الرَّجُلِ وَظَنَّ الْجَارِيَةِ فَإِنْ ظَنَّاهُ فَلَا حَدَّ وَإِنْ عِلْمَا الْحُرْمَةَ وَجَبَ الْحَدُّ وَإِنْ ظَنَّهُ الرَّجُلُ وَعَلِمَتْهُ الْجَارِيَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا حَدَّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الشُّبْهَةِ (شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ مِلْكٍ وَشُبْهَةً حُكْمِيَّةً (وَهِيَ قِيَامُ دَلِيلٍ نَافٍ لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ) أَيْ إذَا نَظَرْنَا إلَى الدَّلِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ يَكُونُ مُنَافِيًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ (فَلَا يُحَدُّ) الْجَانِي (فِيهَا) أَيْ فِي الشُّبْهَةِ فِي الْمَحَلِّ. (وَإِنْ) وَصَلْيَةً (عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ كَوَطْءِ أَمَةِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلَ) فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَضَافَ مَالَ الْوَلَدِ إلَى الْأَبِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ فَقَالَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَلَمْ يُثْبِتْ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ شُبْهَته عَمَلًا بِحَرْفِ اللَّامِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (أَوْ) كَوَطْءِ (مُشْتَرَكَتِهِ)

فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا دَلِيلُ جَوَازِ الْوَطْءِ (أَوْ) كَوَطْءِ (مُعْتَدَّتِهِ بِالْكِنَايَاتِ) بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ مَثَلًا وَأَرَادَ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الثَّلَاثَ، ثُمَّ جَامَعَهَا فِي عِدَّتِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إنَّ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعُ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ (دُونَ الثَّلَاثِ) لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ الثَّلَاثِ صَرِيحًا فَقَدْ مَرَّ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَإِنْ أَرَادَ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ فَلَيْسَ حُكْمُهَا ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ قُبَيْلَهَا، وَالصَّوَابُ التَّرْكُ تَأَمَّلْ. (أَوْ) كَوَطْءِ (الْبَائِعِ) الْأَمَةَ (الْمَبِيعَةَ أَوْ) كَوَطْءِ (الزَّوْجِ) الْأَمَةَ (الْمَمْهُورَةَ) أَيْ الَّتِي جَعَلَهَا صَدَاقًا لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا (قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) أَيْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَهُ فِي الْفَاسِدِ، وَالْمَبِيعَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَمْهُورَةِ إلَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعَةِ وَكَوْنِ الْمَهْرِ صِلَةً أَيْ غَيْرَ مُقَابَلٍ بِمَالٍ دَلِيلُ عَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ فَلَا يُحَدُّ الْوَاطِئُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ فِي هَذِهِ) أَيْ فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ (عِنْدَ الدَّعْوَةِ) لِعَدَمِ تَمَحُّضِهِ زِنًى لِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ (لَا فِي الْأُولَى) أَيْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ادَّعَى) لِتَمَحُّضِهِ زِنًى وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ، وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْحَالِ عَلَيْهِ هَذَا لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى الْعُمُومِ فَإِنَّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَطْءٌ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ. (وَيُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ) أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرِ الْوِلَادِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ظَنَّ حِلَّهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ. (وَكَذَا) يَجِبُ الْحَدُّ (بِوَطْءِ امْرَأَةٍ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ) وَقَالَ حَسِبْتهَا امْرَأَتِي لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الظَّنُّ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (كَانَ أَعْمَى) لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ بِالسُّؤَالِ (إلَّا إنْ دَعَاهَا فَقَالَتْ) أَيْ أَجَابَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ (أَنَا زَوْجَتُك) فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَهُوَ دَلِيلٌ فِي حَقِّهِ وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَنَا زَوْجَتُك؛ لِأَنَّهَا إذَا أَجَابَتْ بِالْفِعْلِ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاقَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (لَا) يَجِبُ الْحَدُّ (بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ زُفَّتْ) أَيْ بُعِثَتْ (إلَيْهِ وَقُلْنَ) أَيْ النِّسَاءُ بِالْجَمْعِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَالْوَاحِدَةُ تَكْفِي فِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (هِيَ زَوْجَتُك) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى إخْبَارِهِنَّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ لَكِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ، وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ (وَلَا بِوَطْءِ بَهِيمَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَى فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ

جَرِيمَةً وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهَا تُذْبَحُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ يَقْطَعُ التَّحَدُّثَ بِهِ. (وَزَنَى فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ بَغْيٍ) أَيْ مَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا إذَا كَانَ أَمِيرُ الْمِصْرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى فِي مُعَسْكَرِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَوْ خَرَجَ إلَيْنَا وَأَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ أَيْنَمَا كَانَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» . (وَلَا) يَجِبُ الْحَدُّ (بِوَطْءِ) امْرَأَةٍ (مَحْرَمٍ) لَهُ (تَزَوَّجَهَا) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَا وَلَكِنْ إنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ يَوْجَعُ بِالضَّرْبِ تَعْزِيرًا لَهُ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ الْمَحَارِمَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ فَصَارَ الْعَقْدُ لَغْوًا وَلَهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ مَحَلُّ النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنَاسُلُ وَكُلُّ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ قَابِلَةٌ لَهُ وَمَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ عَنْ الْمَحَارِمِ بِدَلِيلٍ لَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَتُهَا كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ هَذَا وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَغَيْرِهَا مِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. (أَوْ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا) فَإِنَّهُ لَا يَحُدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَجُلًا مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ الْحَدَّ عَنْهَا وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا (خِلَافًا لَهُمَا) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةٌ فَكَانَ زِنًى مَحْضًا قَيَّدَ بِالِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِهَا وَأَعْطَاهَا مَالًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك لَا زِنًى بِك لَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ لِيَزْنِيَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ، ثُمَّ جَامَعَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا. (وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالتَّبْطِينِ، وَالتَّفْخِيذِ (يُعَزَّرُ) اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى أَمْرًا مُنْكَرًا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ. (وَكَذَا لَوْ وَطْأَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (فِي الدُّبُرِ) فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَحَلِّ كَلَامًا؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى اتِّفَاقِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةَ اخْتِلَافِيَّةٌ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْعَطْفِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ تَأَمَّلْ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَنْكُوحَتِهِ لَا يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ (أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ) ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ

وَقَالَ فِي قَوْلٍ يُقْتَلَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالْمَفْعُولَ» وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا لِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًى لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي مُوجِبِهِ مِنْ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ، وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ بِإِتْبَاعِ الْأَحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَكَذَا أَنْدَرُ وُقُوعًا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى الزِّنَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمِنَحِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يُودَعُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَمُوتَ وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ سِيَاسَةً وَفِي التَّبَيُّنِ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةَ قَتْلِ مَنْ اعْتَادَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي حُكْمِ السِّيَاسَةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهَا لَمْ يَقُولُوا الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالسِّيَاسَةِ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ دُبُرٌ وَكُلُّهُمْ قُبُلٌ؛ لِأَنَّ لَهُ لَيْسَ فِيهَا احْتِيَاجٌ لِدَفْعِ الْفَضَلَاتِ. (وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيَّةٍ) مُسْتَأْمِنَةٍ (فِي دَارِنَا) فَلَا حَدَّ لَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ (حُدَّ الذِّمِّيُّ فَقَطْ) لَا الْحَرْبِيَّةُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِكَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُخَاطَبِينَ بِالْعُقُوبَاتِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيَّةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمِنَ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَيُحَدُّ إلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ (وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ إنْ زَنَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمِنٌ بِذِمِّيَّةٍ (حُدَّتْ الذِّمِّيَّةُ لَا الْحَرْبِيُّ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ حَقِيقَةُ الزِّنَى مِنْهَا فَيُحَدُّ خَاصَّةً (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ) لِمَا مَرَّ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدَّانِ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ فِي الْأَصْلِ فَأَوْجَبَ سُقُوطَهُ فِي التَّبَعِ. (وَإِنْ زَنَى مُكَلَّفٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ) يُجَامَعُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَوَطِئَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَلَوْ قَيَّدَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (حُدَّ) الْمُكَلَّفُ خَاصَّةً بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا (وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ إنْ زَنَى مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ بِمُكَلَّفَةٍ (لَا حَدَّ عَلَيْهَا) أَيْ الْمُكَلَّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يُحَدُّ الْمُكَلَّفَةُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الزِّنَاءَ وُجِدَ مِنْهَا وَسُقُوطُ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ لَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهَا (وَلَا حَدَّ بِزِنَى الْمُكْرَهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ زَانِيًا أَوْ مَزْنِيَّةً وَلَوْ أَكْرَه غَيْرُ السُّلْطَانِ يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خَوْفُ التَّلَفِ وَذَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا (وَلَا) يُحَدُّ (إنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ (بِالزِّنَى) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ (وَادَّعَى آخَرُ النِّكَاحَ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَهُوَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالزِّنَى وَقَالَ الْآخَرُ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ فَلَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا

باب الشهادة على الزناء والرجوع عنها

يُحَدُّ. وَفِي الْمِنَحِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَائِبَةً وَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الزِّنَاءِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْفَاعِلَ (الْحَدُّ، وَالْقِيمَةُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَزِمَهُ (الْقِيمَةُ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ زَنَى بِهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا أَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ جَنَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الزِّنَاءِ فَدَفَعَتْ إلَى الزَّانِي بَعْدَ الزِّنَاءِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ أَمَّا لَوْ فَدَاهَا الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اتِّفَاقًا أَوْ زَنَى بِهَا، ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا أَمَّا لَوْ غَصَبَهَا، ثُمَّ زَنَى بِهَا، ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدَ بِالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِالْحُرَّةِ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ اتِّفَاقًا. وَفِي الْحَقَائِقِ وَضْعُ هَذَا إذْ لَوْ زَنَتْ بِعَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ يُحَدَّانِ اتِّفَاقًا. (وَالْخَلِيفَةُ) أَيْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ (يُؤْخَذُ بِالْمَالِ وَبِالْقِصَاصِ) إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَالْأَمْوَالِ إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَمْوَالَ (لَا بِالْحَدِّ) ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ مُفَوَّضَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الْقَاضِي بِخِلَافِ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ. [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَاءِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا] (لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ) أَيْ بِمَا يُوجِبُهُ كَالزِّنَاءِ مَثَلًا (مُتَقَادِمٍ) أَيْ مُوجِبُهُ أَوْ سَبَبُهُ، وَهُوَ الزِّنَاءُ فَإِسْنَادُهُ إلَى الْحَدِّ مَجَازٌ (مِنْ غَيْرِ بُعْدٍ عَنْ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ مَشْرُوطٌ بِقُرْبِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَإِلَّا تُقْبَلُ. وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُعْدُ عُذْرًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ فِي بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَالسِّتْرُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَوْرَةً سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِلسَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ يَكُونُ عَنْ عَدَاوَةٍ وَإِلَّا صَارَ فَاسِقًا آثِمًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَالْمِنَحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلًا مَشْهُورًا فَإِنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ الشَّهَادَةُ بِأَسْبَابِهَا (إلَّا فِي) حَدِّ (الْقَذْفِ) ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ. (وَفِي السَّرِقَةِ يَضْمَنُ) السَّارِقُ (الْمَالَ) الْمَسْرُوقَ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّقَادُمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ لَكِنْ لَا يُحَدُّ السَّارِقُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ وَفِي كَثِيرٍ

مِنْ الْكُتُبِ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ يَمْنَعُ إقَامَةَ الْحَدِّ بَعْدَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ، ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَمَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْحَدِّ (وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَعْدَ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُتَّهَمُ عَلَى نَفْسِهِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ وَتَقَادُمُ غَيْرِ الشُّرْبِ بِشَهْرٍ) ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَمَرْوِيٌّ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْإِمَامُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ بِمُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِنِصْفِ شَهْرٍ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ شَهِدُوا بِزِنًى مُتَقَادِمٍ حُدَّ الشُّهُودُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ لَا (وَ) تَقَادُمُ (الشُّرْبُ بِزَوَالِ الرِّيحِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ أَيْضًا) أَيْ كَتَقَادُمِ غَيْرِ الشُّرْبِ. (وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنَاهُ بِغَائِبَةٍ) وَهُمْ يَعْرِفُونَهَا (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمْ وَيُحَدُّ (بِخِلَافِ سَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ) أَيْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَاءِ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِمَجْهُولَةٍ) أَوْ غَائِبَةٍ (حُدَّ) الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. (وَإِنْ شَهِدُوا، كَذَلِكَ) أَيْ شَهِدُوا وَجَهِلُوا الْمَوْطُوءَة (لَا يُحَدُّ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا الشُّهُودُ لِوُجُودِ النِّصَابِ. وَفِي الْبَحْرِ وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا بِخَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّهَا تُتَصَوَّرُ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَتَهُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَوْ قَالُوا زَنَى بِامْرَأَةِ لَا نَعْرِفهَا، ثُمَّ قَالُوا بِفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَلَا الْمَشْهُودِ. (وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ كُرْهًا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ الرَّجُلُ) لِاتِّفَاقِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى زِنَاهُ لَا الْمَرْأَةُ لِلِاخْتِلَافِ فِي طَوْعِهَا وَلَهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَاءَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا وَفِي إطْلَاقِهِ شَامِلٌ مَا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالطَّوَاعِيَةِ وَوَاحِدٌ بِالْإِكْرَاهِ وَعَكْسِهِ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ حَدَّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ سُقُوطِ إحْصَانِهَا بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُحَدُّونَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَاءِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ يَخْرُجُ كَلَامُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا. (وَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي بَلَدِ الزِّنَاءِ) أَمَّا فِي حَقِّهِمَا فَلِاخْتِلَافِهِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلِلشُّبْهَةِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَاءِ (فِي بَلَدٍ) مُعَيَّنٍ (فِي وَقْتٍ) مُعَيَّنٍ (وَأَرْبَعَةٌ بِهِ) أَيْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى بِالزِّنَا (فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَلَدٍ آخَرَ) لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ أَمَّا فِي حَقِّهِمَا فَلِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْجَمِيعُ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلِّ فَرِيقَيْنِ يَعْنِي مَعَ وُجُودِ النِّصَابِ إذْ بِدُونِهِ لَا يَجْرِي ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ وَبِدُونِ احْتِمَالِ الصِّدْقِ لَا يَجْرِي وُجُودُ النِّصَابِ. (وَكَذَا)

لَا يُحَدُّ أَحَدٌ (لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَاءِ (وَهِيَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ (بِكْرٌ) أَيْ يَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُنَّ يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ فَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ وَكَذَا فِي الرَّتْقِ، وَالْقَرْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُعْمَلُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَاءِ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ (أَوْ هُمْ) أَيْ الشُّهُودُ (فَسَقَةٌ) سَوَاءٌ عُلِمَ فِسْقُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَأَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ (أَوْ شُهُودٌ عَلَى شُهُودٍ) ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِمْ زِيَادَةَ شُبْهَةٍ وَهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الزِّنَاءِ، بَلْ حَكَوْا شَهَادَةَ الْأُصُولِ بِذَلِكَ، وَالْحَاكِي لِلْقَذْفِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا فَلَا يُحَدُّونَ وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى الْأُصُولِ بِالْأَوْلَى. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَى (الْأُصُولُ بَعْدَ ذَلِكَ) لِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ هَذَا فِي الْحُدُودِ وَفِي غَيْرِ الْحُدُودِ تُقْبَلُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْمَالِ مَعَ الشُّبْهَةِ. (وَحَدُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي زَوَايَا الْبَيْتِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَاءِ فِي زَاوِيَةٍ وَكَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تُقْبَلُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَيْفَ مَا كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ، وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَفِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا أَوْ فِي ثِيَابِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ. (وَ) حَدُّ (الشُّهُودِ فَقَطْ) إذَا طَلَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (لَوْ كَانُوا عُمْيَانًا) فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ (أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ) كَانُوا أَيْ الشُّهُودُ (أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ) وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا ذُكِرَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ تَأَمَّلْ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدُّ بِهِمْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَاءُ وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً. (وَكَذَا) أَيْ حَدُّ الشُّهُودِ فَقَطْ (لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الشُّهُودِ (عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا) فِي قَذْفٍ (بَعْدَ حَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ (وَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ رُجِمَ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَخَطَؤُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ فِي مَالِهِمْ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ. (وَأَرْشُ جُرْحِ ضَرْبِهِ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (أَوْ مَوْتِهِ مِنْهُ هَدَرٌ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِالزِّنَى، وَالزَّانِي غَيْرُ مُحْصَنٍ فَجُلِدَ فَجُرِحَ أَوْ أَفْضَى إلَى الْمَوْتِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَالْأَرْشُ هَدَرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْشُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الرَّجْمِ وَلَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْجَارِحَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيُقْصَرُ عَلَى الْجَلَّادِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ. (وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ) وَفِيهِ

تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ أَرْشَ الْجُرْحِ أَوْ مَوْتَهُ هَدَرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَالْمَوْتِ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ رَجَعُوا) الشُّهُودُ (بَعْدَ الرَّجْمِ) أَيْ رَجْمِ الْمُحْصَنِ (حُدُّوا) أَيْ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُحَدُّونَ قَيَّدَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يُحَدُّونَ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِبَعْدِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْجَلْدِ يُحَدُّونَ اتِّفَاقًا (وَغَرِمُوا الدِّيَةَ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُونَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا غَرِمُوا الدِّيَةَ اتِّفَاقًا (وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الشُّهُودِ (رَجَعَ) صِفَةُ كُلِّ (حُدَّ) خَبَرُ كُلٍّ (وَغَرِمَ رُبُعَهَا) أَيْ رُبُعَ الدِّيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَاءِ بِغَيْرِهَا فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ إجْمَاعًا وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّونَ وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ لِانْفِهَامِهَا مِنْهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ خَمْسَةٍ) الَّذِينَ شَهِدُوا بِهِ وَرُجِمَ لِشَهَادَتِهِمْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْحَدِّ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ) بَعْدَ رُجُوعِ الْخَامِسِ (حُدَّا) لِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ فِي حَقِّهِمَا (وَغَرِمَا) أَيْ الرَّاجِعَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ (رُبُعَهَا) أَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ بَقَاءُ مَنْ شَهِدَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ فَبَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ مِنْ الدِّيَةِ (وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا كُلُّهُمْ) وَلَا يُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ. (وَلَوْ) رَجَعَ وَاحِدٌ (بَعْدَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (قَبْلَ الْحَدِّ فَكَذَلِكَ) أَيْ حُدُّوا كُلُّهُمْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (الرَّاجِعُ فَقَطْ) وَلَا يُحَدُّ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّابِعِ كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ شَهِدُوا فَزُكُّوا فَرُجِمَ) بِكَوْنِهِ مُحْصَنًا (ثُمَّ ظَهَرُوا) أَيْ الشُّهُودُ (كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ الْمَرْجُومِ (عَلَى الْمُزَكِّينَ إنْ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ) وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَلَوْ ثَبَتُوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا وَقَالُوا أُخْطِئْنَا (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الدِّيَةُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ أَوْ لَا هَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَذَفُوا حَيًّا، وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ. (وَلَوْ قَتَلَ أَحَدٌ الْمَأْمُورَ بِرَجْمِهِ)

باب حد الشرب

يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَاءِ فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ شَخْصٌ عَمْدًا عُنُقَهُ (فَظَهَرُوا) أَيْ الشُّهُودُ (كَذَلِكَ) أَيْ كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا (فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ فَلَمْ تَجِبْ إلَّا الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِخِلَافِ مَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ خَطَأً مِنْ الْقَاضِي فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا وَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَيَّدَ بِقَتْلِ الْمَأْمُورِ بِرَجْمِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ قُضِيَ بِقَتْلِهِ قِصَاصًا فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ سَوَاءٌ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَلِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ أَقَرَّ الشُّهُودُ بِتَعَمُّدِ النَّظَرِ) إلَى فَرْجِ الزَّانِي، وَالزَّانِيَةِ (لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُمْ النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ، وَالْقَابِلَةَ، وَالْخَافِضَةَ، وَالْخِتَانَ، وَالِاحْتِقَانَ، وَالْبَكَارَةَ فِي الْعُنَّةِ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ إلَّا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِلتَّلَذُّذِ فَلَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا لِفِسْقِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَوْ أَنْكَرَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَاءِ (الْإِحْصَانَ) بِأَنْ أَنْكَرَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ (يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَاقِلَةٍ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَعِنْدَهُمْ شَهَادَتُهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَإِنْ قُبِلَتْ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَلَهُمْ أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ عَنْ الزِّنَاءِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (أَوْ) يَثْبُتُ (بِوِلَادَةِ زَوْجَتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَكْرِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَطِئَهَا وَأَنْكَرَتْ فَهُوَ مُحْسِنٌ دُونَهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ كُنْت نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ كَانَتْ مُسْلِمَةً فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِحْصَانِهِ دُونَهَا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. [بَابٌ حَدُّ الشُّرْبِ] وَهُوَ نَوْعَانِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَيَكْفِي فِيهِ الْقَلِيلُ، وَلَوْ قَطْرَةً وَلَا يَلْزَمُ السُّكْرُ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ الْمُحَرَّمِ غَيْرِ الْخَمْرِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (مَنْ شَرِبَ خَمْرًا) ، وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ الذِّمِّيَّ وَغَيْرَهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ

وَالْأَخْرَسُ: وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُسْلِمٌ نَاطِقٌ مُكَلَّفٌ شَرِبَ خَمْرًا تَأَمَّلْ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ شَرِبَ (قَطْرَةً) وَاحِدَةً يَعْنِي بِلَا اشْتِرَاطِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ وَحُرْمَةَ غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ فَلَا حَدَّ إلَّا بِالسُّكْرِ مِنْهُ (فَأَخَذُوا رِيحَهَا) أَيْ: رِيحَ الْخَمْرِ (مَوْجُودٌ) أَيْ: حِينَ الْأَخْذِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَهُوَ سَكْرَانُ، أَوْ أَخَذُوهُ وَقَدْ شَرِبَ خَمْرًا وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْهُ فَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ مِنْهُ يَعْنِي الرَّائِحَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ يُحَدُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَانِعًا عَنْ إقَامَةِ الْحَدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَتْ الرَّائِحَةُ بِالْمُعَالَجَةِ لَكِنْ لَا بُدَّ بِأَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ وَقَوْلُهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي أَخَذَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ (أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ) ، وَلَوْ كَانَ سُكْرُهُ (مِنْ نَبِيذٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا إذَا سَكِرَ بِالْمُبَاحِ كَشُرْبِ الْمُضْطَرِّ، وَالْمُكْرَهِ، وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْعَسَلِ، وَالذُّرَةِ، وَالْبَنْجِ فَلَا تُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَنْجَ مُبَاحٌ وَسُكْرُهُ حَرَامٌ وَلَا يُحَدُّ بِسُكْرِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يُحَدُّ بِمَا حَصَلَ مِنْ نَحْوِ الْأَفْيُونِ وَجَوْزِ بَوَاءٍ وَاخْتُلِفَ أَنَّهُ أَمُسْكِرٌ أَمْ لَا. (وَشَهِدَ بِذَلِكَ) أَيْ: بِشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ (رَجُلَانِ) ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ لِلشُّبْهَةِ فَإِذَا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِشُرْبِ الْخَمْرِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ وَأَيْنَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَتَى شَرِبَ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الْعَدَالَةِ وَلَا يَقْضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ: بِالشُّرْبِ (مَرَّةً) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَزُفَرَ (مَرَّتَيْنِ) اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ كَمَا فِي الزِّنَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا) أَيْ: لَا مُكْرَهًا وَلَا مُضْطَرًّا كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (حُدَّ) جَوَابُ مَنْ شَرِبَ أَيْ: حُدَّ الْمَأْخُوذُ بِالرِّيحِ، أَوْ السُّكْرِ وَبُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ لِلتَّعْظِيمِ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ لِلَّهِ لِلْإِمَامِ، وَالْوُلَاةِ وَلِلْقُضَاةِ عِنْدَهُ فَلَا يَحُدُّ قَاضِي الرُّسْتَاقِ وَفَقِيهُهُ، وَالْمُتَفَقِّهَةُ وَأَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (إذَا صَحَا) فَلَوْ شَهِدُوا عَلَى السَّكْرَانِ لَمْ يُحَدَّ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَزُولَ سُكْرُهُ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الِانْزِجَارِ (ثَمَانِينَ سَوْطًا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حُدَّ (لِلْحُرِّ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهُوَ

السكر الموجب للحد

حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ عِنْدَهُ لِلْحُرِّ (وَأَرْبَعِينَ) سَوْطًا (لِلْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (مُفَرِّقًا) ذَلِكَ (عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي) حَدِّ (الزِّنَاءِ) ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ إلَى أَنَّهُ يَتَوَقَّى الْمَوَاضِعَ الْمُسْتَثْنَاةَ فِي حَدِّ الزِّنَاءِ وَأَنَّهُ يَضْرِبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ مِثْلُ الْحَشْوِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ. (وَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ: بِالشُّرْبِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا) قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةِ لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ كَمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا (لَا يُحَدّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا قُدِّرَ بِذَهَابِ الرَّائِحَةِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ، فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَرَجَّحَ فِي الْغَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي الْإِقْرَارِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ. وَفِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْبَحْرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. تَدَبَّرْ. (وَلَا يُحَدُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الرَّائِحَةُ الْخَمْرُ، أَوْ تَقَيَّأَهَا) أَيْ: الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا، أَوْ مُضْطَرًّا، وَالرَّائِحَةُ مُحْتَمَلَةٌ أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ طَائِعٌ (أَوْ أَقَرَّ) بِالشُّرْبِ (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَصَارَ شُبْهَةً (أَوْ أَقَرَّ سَكْرَان) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ حَدٍّ كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَصِحُّ كَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ. وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا. [السُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ] (وَالسُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ) هَذَا حَدُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ وَيَخْلِطَ فِي كَلَامِهِ) أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ سَكْرَانَ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ أَثَرِ السُّكْرِ فِي مَشْيِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الصَّاحِيَ رُبَّمَا يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ، وَالسَّكْرَانَ قَدْ يَتَمَايَلُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا (وَبِهِ) أَيْ: بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ. وَفِي الْفَتْحِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ السُّكْرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ. (وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ) مِنْهُ أَيْ: لَا يُعْتَبَرُ ارْتِدَادُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَالِاعْتِقَادِ قَضَاءً أَمَّا دَيَّانَةً، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ كُفْرٌ. وَفِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ.

باب حد القذف

[بَابٌ حَدُّ الْقَذْفِ] ِ وَالْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ مُطْلَقًا وَفِي الِاصْطِلَاحِ نِسْبَةُ مَنْ أُحْصِنَ إلَى الزِّنَاءِ صَرِيحًا، أَوْ دَلَالَةً، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّافِعِيَّةُ مَا كَانَ فِي خَلْوَةٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْعَارِ. وَفِي الْبَحْرِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لُحُوقُ الْعَارِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ (هُوَ) أَيْ: حَدُّ الْقَذْفِ (كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً) أَيْ: عَدَدًا، وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ (وَثُبُوتًا) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ مَرَّةً لَا النِّسَاءِ. وَفِي الْفَتْحِ وَيَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ، وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا وَعَلَى زَمَانِ الْقَذْفِ، وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَحَبَسَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَى قِيَامِ الْقَاضِي عَنْ مَجْلِسِهِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِزِنًى مُتَقَادِمٍ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَى. (فَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَى) احْتِرَازٌ عَمَّا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُحْصَنٍ يَا زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ صَدَقْت لَا يُحَدُّ الْمُصَدِّقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْت، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ آخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ بِبَعِيرٍ، أَوْ بِثَوْرٍ، أَوْ بِحِمَارٍ، أَوْ بِفَرَسٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ زَنَيْت بِبَقَرَةٍ، أَوْ بِشَاةٍ أَوْ بِثَوْبٍ، أَوْ بِدَرَاهِمَ. (حُدَّ) الْقَاذِفُ (بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَاشْتُرِطَ طَلَبُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ حَالَ الْقَذْفِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (مُتَفَرِّقًا) لِمَا مَرَّ (وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْقَاذِفِ (غَيْرُ الْفَرْوِ، وَالْحَشْوِ) أَيْ يُجَرَّدُ كَمَا يُجَرَّدُ فِي حَدِّ الزَّانِي؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ (وَإِحْصَانُهُ) أَيْ: الْمَقْذُوفِ (كَوْنُهُ مُكَلَّفًا) أَيْ: عَاقِلًا بَالِغًا فَخَرَجَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ (حُرًّا)

فَخَرَجَ الْعَبْدُ، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا أَيْ ثَبَتَ حُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ (مُسْلِمًا) فَخَرَجَ الْكَافِرُ (عَفِيفًا عَنْ الزِّنَى) الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَلَوْ قَيَّدَهُ نَاطِقًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عِنْدَنَا لِلْأَخْرَسِ لِكُلِّ شَيْءٍ إشَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ مَعْهُودَةٌ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ إذَا أَفْهَمَ طَلَبَهُ بِإِشَارَتِهِ الْمَخْصُوصَةِ تَأَمَّلْ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْبُوبًا وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَلَا خَرْسَاءَ إذْ الْمَجْبُوبُ، وَالرَّتْقَاءُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ. (وَلَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ إنْ) نَفَاهُ عَنْهُ (فِي غَضَبٍ) أَيْ مُشَاتَمَةٍ (حُدَّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُهُ فِي غَضَبٍ، بَلْ فِي حَالَةِ الرِّضَى (فَلَا) أَيْ: يُحَدُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلصُّورَتَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ صَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ خَصُّوا بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالُوا فَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِيهِ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ ضَرُورَةً وَاقْتِضَاءً وَلَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَكَانَ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَى ضَرُورَةً. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إنَّمَا حُدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ كَيَا زَانِيَةُ، فَالتَّقْيِيدُ لَغْوٌ، وَإِنْ قَالَ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ حُدَّ، وَإِنْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَذْفٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُ مِنْ أَبِيهِ وَنَفْيُ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ حَالِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ، وَالسَّخَاوَةِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَفِي الْحَالِ الْغَضَبُ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ انْتَهَى. فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَأُمُّهُ مُحْصَنَةٌ وَخَالَفَ أَكْثَرَ الْمُعْتَبَرَاتِ بِتَعْمِيمِ الْغَضَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ إرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَالِ الْغَضَبِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَرِيمٌ، وَالِابْنُ بَخِيلٌ مَثَلًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ فِي حَالِ الْغَضَبِ تَهَكُّمًا لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ يُحَدُّ فِي حَالِ الْغَضَبِ تَدَبَّرْ. ، وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمُشَاتَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ. (وَلَا يُحَدُّ لَوْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ) بِأَنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ، وَهُوَ جَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي نَفْيِهِ (أَوْ نَسَبَهُ إلَيْهِ) إلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا (أَوْ) نَسَبَهُ (إلَى عَمِّهِ، أَوْ خَالِهِ، أَوْ رَابِّهِ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: زَوْجِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى أَبًا مَجَازًا (أَوْ قَالَ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) فَإِنَّ فِي ظَاهِرِهِ نَفْيَ كَوْنِهِ ابْنًا لِأَبِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ، بَلْ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالصَّفَاءِ (أَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ

قذف الميت المحصن

أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ النَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ الْوَاحِدُ نَبَطِيٌّ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْغَضَبِ تَأْبَى عَنْ قَصْدِ التَّشْبِيهِ فِيمَا يُوصَفُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا تَأْبَى عَنْ الْقَصْدِ إلَى مَعْنَى الصُّعُودِ فِي زَنَأْت فِي الْجَبَلِ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمَ بِهِ عَلَيْهِ (أَوْ لَسْت بِعَرَبِيٍّ) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِمَا مَرَّ. وَفِي الْمِنَحِ لَوْ قَالَ لَسْت لِأَبٍ، أَوْ لَسْت وَلَدَ حَلَالٍ فَهُوَ قَذْفٌ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزَنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ قَاذِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِالزِّنَى، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَاذِفٌ، وَلَوْ قَالَ زَنَى فَخِذُك، أَوْ ظَهْرُك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ. [قَذْفِ الْمَيِّتِ الْمُحْصَنِ] (وَيُحَدُّ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ الْمُحْصَنِ) أَوْ الْمَيِّتِ الْمُحْصَنَةِ (إنْ طَالَبَ بِهِ الْوَالِدُ) ، أَوْ جَدُّهُ، وَإِنْ عَلَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَالِدِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ الْأُمُّ كَذَلِكَ (أَوْ الْوَلَدُ، أَوْ) وَلَدُ (وَلَدِهِ) ، وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إنْ طَالَبَ بِهِ الْأُصُولُ، وَالْفُرُوعُ، وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِمْ فَيَكُونَ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُمْ مَعْنًى. وَقَالَ زُفَرُ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ لَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ ذَلِكَ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَحْرُومًا عَنْ الْإِرْثِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يُورَثُ عِنْدَهُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ وَعِنْدَنَا لَا بَلْ يَثْبُتُ لِمَنْ يَلْحَقُ بِهِ الْعَارُ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْإِرْثِ بِالْكُفْرِ، وَالرِّقِّ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَكَذَا) أَيْ: يُحَدُّ إنْ طَالَبَ بِهِ (وَلَدُ الْبِنْتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ لَا إلَى أُمِّهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِزِنَى أَبِي أُمِّهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ يَلْحَقُهُ إذْ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ. (وَلَا يُطَالِبُ وَلَدٌ أَبَاهُ وَلَا) يُطَالِبُ (عَبْدٌ سَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) الْمُحْصَنَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَاقَبَانِ بِسَبِّهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْوَلَدِ الْفَرْعُ، وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ الْأَصْلُ، وَإِنْ عَلَا ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَبٌ وَنَحْوُهُ، وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. [مَا يَبْطُلُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ] (وَيَبْطُلُ) حَدُّ الْقَذْفِ (بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ) سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ، أَوْ بَعْدَهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي عِنْدَهُمْ كَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَعِنْدَنَا لَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ غَالِبٌ فِيهَا فَلَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِ (لَا) يَبْطُلُ (بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ) يَعْنِي مَنْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ، ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ حَقًّا فِيهِ فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ حُدُودٍ هِيَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا. [الْعَفْوُ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ] (وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ) عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ (وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) أَيْ: أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا جَرَيَانَ فِي حَقِّ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ غَالِبٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ عَفْوِهِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي إقَامَتِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ

بِالتَّقَادُمِ. وَفِي الْبَحْرِ وَيُقِيمُهُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي أَيَّامِ قَضَائِهِ، وَكَذَا لَوْ قَذَفَهُ بِحَضْرَتِهِ (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ) أَيْ: حَالَ كَوْنِهِ قَائِلًا أَرَدْت بِهِ الصُّعُودَ (حُدَّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْنِ الصُّعُودَ يُحَدُّ اتِّفَاقًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُحَدُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ زَنَأَ بِالْهَمْزَةِ يَجِيءُ بِمَعْنَى صَعِدَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُ مُرَادَهُ، وَفِي مُسْتَعْمَلٌ بِمَعْنَى عَلَى وَلَهُمَا إنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ دَالٌّ عَلَى الْفَاحِشَةِ وَهَمْزَتُهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَقْلُوبَةً مِنْ الْحَرْفِ اللَّيِّنِ كَمَا يُلَيَّنُ الْمَهْمُوزُ وَدَلَالَةُ الْحَالِ دَاعِيَةٌ إلَى إرَادَةِ الْقَذْفِ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الصُّعُودُ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ فَلِذَا لَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ لَا يُحَدُّ وَقِيلَ يُحَدُّ. وَفِي الْغَايَةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي إذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، وَالسِّبَابِ يَجِبُ الْحَدُّ وَإِلَّا فَلَا وَقَيَّدَ بِالْهَمْزَةِ إذْ لَوْ كَانَ بِالْيَاءِ وَجَبَ الْحَدُّ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ زَنَأْت يُحَدُّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ قَالَ) رَجُلٌ لِآخَرَ (يَا زَانٍ وَعَكَسَ) عَلَيْهِ الْآخَرُ بِأَنْ قَالَ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ (حُدَّا) أَيْ الْقَائِلَانِ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتَ تَكَافَآ وَلَا يُعَزَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ لِامْرَأَتِهِ وَعَكَسَتْ حُدَّتْ) الْمَرْأَةُ فَقَطْ (وَلَا لِعَانَ) عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمَا قَاذِفَانِ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ. وَفِي الْبِدَايَةِ بِالْحَدِّ إبْطَالُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ أَصْلًا فَيَحْتَالُ لِلدَّرْءِ إذْ اللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ يَا زَانِيَةَ بِنْتِ زَانِيَةٍ فَخَاصَمَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا فَحُدَّ الرَّجُلُ سَقَطَ اللِّعَانُ، وَلَوْ خَاصَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا فَلَاعَنَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ خَاصَمَتْ الْأُمُّ يُحَدُّ الرَّجُلُ. (وَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِ قَوْلِهِ لَهَا يَا زَانِيَةُ (زَنَيْت بِك) ، أَوْ مَعَك (بَطَلَ الْحَدُّ أَيْضًا) أَيْ: كَمَا بَطَلَ اللِّعَانُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَى قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ لَا اللِّعَانُ وَاحْتِمَالُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زِنَايَ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ اللِّعَانُ لَا الْحَدُّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ لَا مِنْهَا فَجَاءَ الشَّكُّ هَذَا إذَا اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذِهِ، وَلَوْ زَادَتْ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك تُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يُحَدَّ هُوَ، بَلْ هِيَ؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ، وَلَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِهِ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ وَحْدَهُ. (وَإِنْ أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِوَلَدٍ ثُمَّ نَفَاهُ) أَيْ: نَفَى نَسَبَهُ (يُلَاعِنُ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ وَبِالنَّفْيِ بَعْدَهُ صَارَ قَاذِفًا فَيَجِبُ اللِّعَانُ. (وَإِنْ عَكَسَ) أَيْ: نَفَاهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (حُدَّ) أَيْ: الْمُنَافِي؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَمَا نَفَاهُ (وَالْوَلَدُ لَهُ) أَيْ: ثَبَتَ نَسَبُهُ لِلرَّجُلِ (فِي الْوَجْهَيْنِ) لِإِقْرَارِهِ سَابِقًا وَلَاحِقًا (وَلَا شَيْءَ) أَيْ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ (إنْ قَالَ) رَجُلٌ (لَيْسَ بِابْنِي وَلَا ابْنِك) ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ وَبِهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا. (وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ امْرَأَةٍ لَهَا وَلَدٌ)

سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا (لَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ، أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) لِقِيَامِ أَمَارَةِ الزِّنَى، وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَلَا يُوجَدُ الْعِفَّةُ عَنْ الزِّنَى وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ اللِّعَانِ حَتَّى لَوْ بَطَلَ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ حُدَّ وَإِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقْطَعْ الْقَاضِي النَّسَبَ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (بِخِلَافِ) قَذْفِ (مَنْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِهِ) أَيْ: الْوَلَدِ لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَى. (وَلَا) حَدَّ (بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَوَطْءِ) امْرَأَةٍ (فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَوَطْءِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْأَمَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ، وَالْمُكْرَهَ عَلَى الزِّنَى، وَالثَّابِتَ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ بِهِنَّ أَوْ جَمَعَ الْمَحَارِمَ، أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ (أَوْ) وَطِئَ (مَمْلُوكَةً حَرُمَتْ أَبَدًا كَأَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ. (وَلَا) حَدَّ (بِقَذْفِ مُسْلِمٍ زَنَى فِي كُفْرِهِ) لِتَحَقُّقِ الزِّنَى مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ، وَالزِّنَى حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (مُكَاتَبٍ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ: تَرَكَ مَا لَا يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا وَعَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَا حَدَّ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَا وَجْهَ لِإِدْرَاجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ مَسَائِلِ وَطْءِ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَوَطْءِ الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ انْتَهَى. لَكِنْ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ مُكَاتَبٍ تَأَمَّلْ. (وَيُحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ وَطِئَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ، أَوْ) وَطِئَ (امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ) ، وَكَذَا الْمُظَاهَرُ مِنْهَا، وَالْمُحَرَّمَةُ بِالْيَمِينِ، وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ لَيْسَ بِالزِّنَى فَكَانَ مُحْصَنًا. (وَكَذَا) أَيْ: يُحَدُّ بِقَذْفِ (وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَتَحْرِيمُهَا عَارِضٌ فَهِيَ كَالْحَائِضِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَيْهِ. (وَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ مُسْلِمًا كَانَ قَدْ نَكَحَ مُحَرَّمَةً فِي كُفْرِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ مُحَرَّمَةً صَحِيحٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ. (وَيُحَدُّ مُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا فِي دَارِنَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ. (وَيَكْفِي حَدٌّ) وَاحِدٌ (لِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ جِنْسُهَا) كَمَا إذَا زَنَى مَرَّاتٍ

فصل في التعزير

مُتَعَدِّدَةً فَحُدَّ مَرَّةً يَكُونُ مِنْ الْجَمِيعِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ قَالَ يَا أَيُّهَا الزُّنَاةُ، أَوْ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِأَنْ قَالَ يَا زَيْدُ أَنْتَ زَانٍ يَا عَمْرُو أَنْتَ زَانٍ يَا خَالِدُ أَنْتَ زَانٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا قَذَفَهُمْ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى. لَكِنْ الظَّاهِرُ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مُطْلَقًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَأَمَّلْ. (لَا) يَكْفِي حَدٌّ وَاحِدٌ (إنْ اخْتَلَفَ) جِنْسُهَا يَعْنِي إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ لَكِنْ لَا يَتَوَالَى بَيْنَهُمَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ. [فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ] ِ) قَالَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ هُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ، وَفِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ التَّأْدِيبِ وَقَوْلُهُ دُونَ الْحَدِّ مِنْ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ أَيْ: أَدْنَى مِنْ الْحَدِّ فِي الْقَدْرِ وَقُوَّةِ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ شَرْعًا لَا يَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالصَّفْعِ وَبِفَرْكِ الْأُذُنِ وَبِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ وَبِنَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ وَشَتْمٍ غَيْرِ الْقَذْفِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَا يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْجَانِي فِي الْمُذْهَبِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ سَمِعْت عَنْ ثِقَةٍ أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ، أَوْ الْوَالِي جَازَ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ رَجُلٌ لَا يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الْأَخْذِ وَأَرَى أَنْ يُؤْخَذَ فَيُمْسَكَ مُدَّةً لِلزَّجْرِ ثُمَّ يُعِيدُهُ لَا أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ آيَسَ مِنْ تَوْبَتِهِ يُصْرَفُ إلَى مَا يَرَى. وَفِي النِّهَايَةِ التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ، وَالْعُلْوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ، وَالدَّهَاقِينِ بِالْإِعْلَامِ، وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقِيَّةُ بِالْجَرِّ، وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرُ الْأَرَازِلِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْزِيرُ بِغَيْرِ الْمُنَاسِبِ الْمُسْتَحَقِّ لَكِنْ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فَتُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ كَمَنْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بِصِيَاحٍ وَضَرْبٍ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَاوِعَةً قَتَلَهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ يَزْنِي بِهَا، أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ بِأَدْنَى شَيْءٍ قِيمَةً وَيُقَيِّمُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ وَبَعْدَهَا لَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ حَتَّى لَوْ عَزَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُحْتَسِبِ فَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُعَزِّرَ الْمُعَزِّرَ. (يُعَزَّرُ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا) عَبْدًا، أَوْ أَمَةً (أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَاءِ) ، وَلَوْ صَرِيحًا مِثْلَ يَا زَانِي

وَهُوَ لَيْسَ بِزَانٍ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ الْحَدُّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ؛ وَلِهَذَا يَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ. (أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا) صَالِحًا (بِيَا فَاسِقُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ فَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَاذِفُ إثْبَاتَ الْفِسْقِ مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا تُسْمَعُ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا لَا يَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي تُفْرَضُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (يَا كَافِرُ) ، أَوْ يَا يَهُودِيُّ وَأَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُكَفَّرُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمُخَاطَبَ كَافِرًا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ كُفْرًا. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ تَأَمَّلْ. (يَا خَبِيثُ) ضِدُّ الطَّيِّبِ (يَا لِصُّ) يَا سَارِقُ (يَا فَاجِرُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا، أَوْ فَاجِرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ) قِيلَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُحَدُّ عِنْدَهُمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ، وَفِي الْبَحْرِ، أَوْ هَزْلُ مَنْ تَعَوَّدَ الْهَزْلَ، وَالْقَبِيحَ (يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ) ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ (يَا دَيُّوثُ) أَيْ: الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ (يَا مُخَنَّثُ) هُوَ الَّذِي فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ خُنُوثَةٌ أَيْ: لِينٌ وَاَلَّذِي يَفْعَلُ الْفِعْلَ الرَّدِيَّ (يَا خَائِنُ) مِنْ الْخِيَانَةِ (يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ) . وَفِي الْإِصْلَاحِ لَا يُقَالُ الْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا وَتَأْنَفُ مِنْهُ، وَالْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ لِإِتْيَانِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِنَّ الزِّنَى بِالْأُجْرَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ الزِّنَى صَرِيحٌ فِي ابْنِ الزَّانِيَةِ بِخِلَافِ فِي ابْنِ الْقَحْبَةِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يُحَدَّ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ يُعَزَّرُ بِخِلَافِ يَا روسبى فَإِنَّهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعُرْفِ بِالزِّنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا قَحْبَةُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّانِيَةِ لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ التَّصْرِيحُ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ تَأَمَّلْ. (يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ) فَإِنَّهَا مَنْ تُبَاشِرُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الزَّانِيَةِ فَكَذَا يُعَزَّرُ بِطَلَبِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ، وَالنَّصْرَانِيُّ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (يَا زِنْدِيقُ) ، وَهُوَ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ (يَا قَرْطَبَانٌ) ، وَهُوَ مُعَرَّبُ قَلْتَبَانٍ. وَفِي التَّبْيِينِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا؛ وَلِذَا كَانَ أَفْحَشَ مِنْ الدَّيُّوثِ وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ، أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ، أَوْ يَأْذَنُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ (يَا مَأْوَى الزَّوَانِي، أَوْ) يَا مَأْوَى (اللُّصُوصِ، أَوْ يَا حَرَامْ زَادَهْ) وَمَعْنَاهُ الْوَلَدُ

الْحَاصِلُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الزِّنَاءِ. وَفِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْعُرْفِ لَا يُرَادُ إلَّا وَلَدُ الزِّنَاءِ وَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ الْخَبِيثُ اللَّئِيمُ؛ فَلِهَذَا لَا يُحَدُّ بِهِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي عُرْفِنَا يُرَادُ بِهِ رَجُلٌ يُعَلِّمُ الْحِيَلَ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ تَدَبَّرْ. وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ يَا سَفِيهُ يَا أَحْمَقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ آذَى مُسْلِمًا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ؛ فَلِهَذَا يُعَزَّرُ كُلُّ مُرْتَكِبِ مُنْكَرٍ، أَوْ مُؤْذِي مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُضْرَبُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (لَا) يُعَزَّرُ (بِيَا حِمَارُ يَا كَلْبُ يَا قِرْدُ يَا تَيْسُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرُ يَا حَيَّةُ) يَا ذِئْبُ (يَا حَجَّامُ يَا ابْنَ حَجَّامٍ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ حَجَّامًا فَعَدَمُ التَّعْزِيرِ بِالْأَوْلَى (يَا بَغَّاءُ) بِالتَّشْدِيدِ قِيلَ هَذَا مِنْ شَتْمِ الْعَوَامّ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ انْتَهَى. وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِذَكَرِ الْبَقَرِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَاطِئِ الَّذِي لِشِدَّةِ شَبَقِهِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ وَلَا بَيْنَ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ. وَفِي شَرْحِ الْمَوْلَى: مِسْكِينٌ الْبَغَّاءُ الَّذِي يَعْلَمُ بِفُجُورِهَا وَيَرْضَى فَبِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ تَأَمَّلْ. (يَا مُؤَاجِرُ) فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ الْمُتَعَارَفَ بَلْ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ (يَا وَلَدَ الْحَرَامِ) . وَفِي الْبَحْرِ فَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ بِمَعْنَى يَا وَلَدَ الزِّنَا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَا حَرَامْ زَادَهْ وَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ تَدَبَّرْ. (يَا عَيَّارُ) ، وَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بِغَيْرِ عَمَلٍ (يَا نَاكِسُ يَا مَنْكُوسُ) عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ قَالَ أَخِي جلبي ناكس لَفْظٌ عَجَمِيٌّ، وَالنُّونُ فِي أَوَّلِهِ لِلنَّفْيِ، وَالْكَافُ مِنْهُ مَفْتُوحٌ وَ (كَسَّ) بِمَعْنَى الْآدَمِيِّ (يَا سُخْرَةُ يَا ضُحْكَةُ) بِوَزْنِ الصُّفْرَةِ مَنْ يَضْحَكُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَبِوَزْنِ الْهُمَزَةِ مَنْ يَضْحَكُ عَلَى النَّاسِ (يَا كَشْحَانِ) قِيلَ الْكَاشِحُ الْمُتَبَاعِدُ عَنْ مَوَدَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ كَشَحَ الْقَوْمُ إذَا ذَهَبُوا عَنْهُ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ وَقِيلَ الَّذِي سَمِعَ رَجُلًا يَمُدُّ يَدَهُ إلَى امْرَأَتِهِ وَلَا يُبَالِي فَعَلَى هَذَا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَرْطَبَانِ، وَالدَّيُّوثِ فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ (يَا أَبْلَهُ يَا مُوَسْوِسُ) وَنَحْوُهُ. وَفِي الْإِصْلَاحِ، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ نَسَبَهُ إلَى فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ وَيُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ يَجِبُ التَّعْزِيرُ وَإِلَّا لَا فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ النِّسْبَةُ إلَى الْأُمُورِ الْخُلُقِيَّةِ فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا حِمَارُ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ كَالْبَلِيدِ، وَهُوَ أَمْرٌ خُلُقِيٌّ وَبِالْقَيْدِ الثَّانِي النِّسْبَةُ إلَى مَا لَا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ فَلَا يُعَزَّرُ، وَفِي يَا حَجَّامُ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ وَبِالْقَيْدِ الثَّالِثِ النِّسْبَةُ إلَى مَا لَا يُعَدُّ عَارًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يُعَزَّرُ فِي يَا لَاعِبَ النَّرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْرُمُ فِي الشَّرْعِ وَحَكَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي زَمَانِنَا فِي مِثْلِ يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ فِي عُرْفِنَا لَكِنْ الْأَصَحُّ لَا يُعَزَّرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَنْسُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ يُعَزَّرُ وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ فَلِهَذَا قَالَ (وَاسْتَحْسَنُوا تَعْزِيرَهُ) فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا

(إذَا كَانَ الْمَقُولُ لَهُ فَقِيهًا) أَيْ: عَالِمًا بِالْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ فَلَوْ قَالَ بِطَرِيقِ الْحَقَارَةِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّ إهَانَةَ الْعِلْمِ كُفْرٌ عَلَى الْمُخْتَارِ (أَوْ عَلَوِيًّا) أَيْ: مَنْسُوبًا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ كُلُّ مُتَّقٍ وَإِلَّا فَالتَّخْصِيصُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. (وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ) إذَا أَرَادَهَا الزَّوْجُ وَكَانَتْ قَادِرَةً عَلَيْهَا (وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ) وَلَمْ تَكُنْ حَائِضًا، أَوْ نُفَسَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا (وَتَرْكِ الصَّلَاةِ) كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ لَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ إلَيْهِ بَلْ إلَيْهَا لَكِنْ الْأَبُ يُعَزِّرُ الِابْنَ لِتَرْكِهَا (وَتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ) ؛ لِأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ (وَلِلْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا قَبَضَتْ مَهْرَهَا، أَوْ وَهَبَتْهُ مِنْهُ (وَأَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثَةُ أَسْوَاطٍ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا أَنْ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. (وَأَكْثَرُهُ) أَيْ: التَّعْزِيرِ (تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ) سَوْطًا؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْحَدِّ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ، وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ، وَالشُّرْبِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي شَرْحِ الْمَوْلَى مِسْكِينٍ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ قِيلَ مَعَ الْإِمَامِ وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ) سَوْطًا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَبْلُغُ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُمْ الْأُصُولُ، وَهُوَ ثَمَانُونَ وَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا وَعَنْهُ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَعْزِيرَ مِائَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِالْأَثَرِ، وَإِنْ ضَرَبَ أَكْثَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنَّ لَهُ ذُنُوبًا كَثِيرَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ فَوْقَ مَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ الزِّنَاءِ وَغَيْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا عَمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَضَرَبَ مِائَةً، أَوْ أَكْثَرَ لِلذَّنْبِ مُطْلَقًا فَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ عَصَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ عَنْ الزَّلَلِ. (وَيَجُوزُ حَبْسُهُ) أَيْ: حَبْسُ مَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ (بَعْدَ الضَّرْبِ) ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ التَّعْزِيرِ فَلَهُ ضَمُّهُ مَعَهُ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ خَفِيفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى فَوْتِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَاخْتُلِفَ فِي شِدَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الشِّدَّةُ هُوَ الْجَمْعُ فَيَجْتَمِعُ الْأَسْوَاطُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَلْ فِي شِدَّتِهِ فِي الضَّرْبِ لَا فِي الْجَمْعِ هَذَا فِيمَا إذَا عَزَّرَ بِمَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ أَشَدِّ الضَّرْبِ فَوْقَ ثَمَانِينَ حُكْمًا فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ مَعَ تَنْقِيصِ وَاحِدٍ مَعَ الْأَشَدِّيَّةِ فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَقَصَ (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَى) ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ وَحُرْمَتَهُ آكَدُ (ثُمَّ) حَدُّ (الشُّرْبِ) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ يَقِينِيَّةٌ (ثُمَّ) حَدُّ (الْقَذْفِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمَلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَتَقَادَمُ وَجَازَ عَفْوُهُ. (وَمَنْ حُدَّ، أَوْ عُزِّرَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ مَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ، أَوْ عَزَّرَهُ (فَمَاتَ) مِنْ ذَلِكَ (فَدَمُهُ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْ الشَّرْعِ.

كتاب السرقة

فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (بِخِلَافِ تَعْزِيرِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ) فَإِنَّهَا لَوْ مَاتَتْ مِنْ ضَرْبِهَا لَا يُهْدَرُ دَمُهَا، بَلْ يُضْمَنُ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُبَاحٌ تَرْجِعُ مَنْفَعَتُهُ إلَيْهِ لَا إلَيْهَا فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَكَذَا لَوْ أَدَّبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ فَمَاتَ يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ، وَالْمُعَلِّمُ فِي التَّعْزِيرِ وَلَا الْأَبُ فِي التَّأْدِيبِ وَلَا الْجَدُّ وَلَا الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا وَإِلَّا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ] ِ لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الزَّوَاجِرِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ النُّفُوسِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا وَاتِّصَالًا بِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَزْجَرَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى صِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَأَخَّرَهَا لِكَوْنِ النَّفْسِ أَصْلًا، وَالْمَالِ تَابِعًا (هِيَ) أَيْ السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ خُفْيَةً بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَفِي الشَّرْعِيَّةِ هِيَ نَوْعَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا يَكُونُ ضَرَرُهَا بِذِي الْمَالِ، أَوْ بِهِ وَبِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْأَوَّلُ يُسَمَّى بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى، وَالثَّانِي بِالْكُبْرَى بَيَّنَ حُكْمَهَا فِي الْآخِرِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ وُقُوعًا وَاشْتِرَاكًا فِي التَّعْرِيفِ وَأَكْثَرُ الشُّرُوطِ فَعَرَّفَهُمَا فَقَالَ (أَخْذُ مُكَلَّفٍ) بِطَرِيقِ الظُّلْمِ فَلَا يُقْطَعُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ وَلَا غَيْرُهُمَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ الْغَيْرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ الْغَيْرُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (خُفْيَةً) شُرِطَ فِي السَّرِقَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إذَا كَانَ الْأَخْذُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ وَابْتِدَاءً إذَا كَانَ لَيْلًا كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ سِرًّا وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ جَهْرًا؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخُفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ خُفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَعْلَمُ قُطِعَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُهُ لَا؛ لِأَنَّهُ جَهَرَ، وَلَوْ دَخَلَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ، وَالْعَتَمَةِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ وَيَجِيئُونَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّهَارِ (قَدْرَ) وَزْنَ (عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ يَوْمَ السَّرِقَةِ، وَالْقَطْعِ فَلَوْ سَرَقَ

بما يثبت حد السرقة

نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ، وَلَوْ أَقَلَّ لَا وَلَا يُقْطَعُ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ مِثْقَالًا تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ الْحِرْزِ أَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ وَكَمَّلَ لَمْ يُقْطَعْ (مَضْرُوبَةً) فَلَوْ أَخَذَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ فَيُقَوَّمُ بِأَعَزِّ النُّقُودِ، أَوْ بِنَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي يَرُوجُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ، فَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَلَا يَقْطَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِتَقْوِيمٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَعْضٍ مِنْ الْمُقَوِّمِينَ (مِنْ حِرْزٍ) أَيْ مَمْنُوعٍ عَنْ وُصُولِ يَدِ الْغَيْرِ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَجْعُولُ فِي الْحِرْزِ أَيْ: الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ فَلَا يُقْطَعُ فِي غَيْرِهِ (لَا مِلْكَ لَهُ) أَيْ لِلسَّارِقِ (فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْرُوقِ (وَلَا شُبْهَةَ) مِلْكٍ فَلَا يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَوْ تَأْوِيلٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ السَّارِقِ لَيْسَ بِأَخْرَسَ وَلَا أَعْمَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ ادَّعَى شُبْهَةً، وَالْأَعْمَى جَاهِلٌ بِمَالِ غَيْرِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي دَارِ الْعَدْلِ فَلَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ الْبَغْيِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ إلَى النِّصَابِ الْمَأْخُوذِ فَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ مَضْرُوبَةٌ لَمْ يُقْطَعْ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ عَادَةً وَإِلَّا يُقْطَعُ كَسَرِقَةِ كِيسٍ فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ، وَالْفَوَاكِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا يَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَتَغَوَّطَهُ، بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِتَامٍّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هِيَ أَخْذُ مُكَلَّفٍ نَاطِقٍ بَصِيرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادًا وَمِقْدَارُهَا مَقْصُودَةً ظَاهِرَةُ الْإِخْرَاجِ خُفْيَةً مِنْ صَاحِبِ يَدٍ صَحِيحَةٍ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فِي دَارِ الْعَدْلِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ وَلَا تَأْوِيلَ فِيهِ تَأَمَّلْ. [بِمَا يَثْبُتُ حَدّ السَّرِقَة] (وَتَثْبُتُ) السَّرِقَةُ (بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الشُّرْبُ) أَيْ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَبِالْإِقْرَارِ لَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (فَإِنْ سَرَقَ مُكَلَّفٌ حُرٌّ، أَوْ عَبْدٌ) وَهُمَا فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ؛ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَنْتَصِفُ فَكُمِّلَ وَلَمْ يَنْدَرِئْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ (ذَلِكَ الْقَدْرُ) أَيْ: قَدْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَالَ كَوْنِهِ (مُحْرَزًا بِمَكَانٍ) أَيْ: بِسَبَبِ مَوْضِعٍ مُعَدٍّ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ كَالدُّورِ، وَالدَّكَاكِينِ، وَالْخِيَامِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ حَتَّى لَا يُقْطَعَ بِأَخْذِ لُؤْلُؤٍ مِنْ إسْطَبْلٍ بِخِلَافِ أَخْذِ الدَّابَّةِ (أَوْ حَافِظٍ) كَالْجَالِسِ عِنْدَ مَالِهِ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ تَحْتِ رَأْسِ النَّائِمِ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ يُقْطَعُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَأَقَرَّ) السَّارِقُ (بِهَا) أَيْ: بِالسَّرِقَةِ طَائِعًا وَفَلْو أَقَرَّ مُكْرَهًا كَانَ بَاطِلًا وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَيَحِلُّ ضَرْبُهُ لَكِنْ

لَا يُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَوَرٌ، وَفِي الْمِنَحِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ الْمُنَاسِبِ لِلتُّهْمَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَضْرِبُهُ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضْرِبُهُ الْوَالِي فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَضْرِبُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ يُحْبَسُ حَتَّى يُكْشَفَ أَمْرُهُ قِيلَ الْحَبْسُ شَهْرًا وَقِيلَ يُحْبَسُ مُدَّةَ اجْتِهَادِ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَرَّةً عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ مَرَّتَيْنِ (أَوْ شَهِدَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (عَلَيْهِ رَجُلَانِ) أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا فَحَذْفُهُ أَوْلَى لِلِاخْتِصَارِ كَمَا قِيلَ لَكِنْ الْمُصَنِّفُ صَرَّحَهُ؛ لِأَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ (وَسَأَلَهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (الْإِمَامُ) أَوْ الْقَاضِي (عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ) أَيْ: السَّرِقَةُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ الْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ الْكُبْرَى (وَكَيْفَ هِيَ) لِجَوَازِ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الدَّارِ وَأَخْرَجَ، أَوْ تَأَوَّلَهُ آخَرُ مِنْ خَارِجٍ (وَأَيْنَ هِيَ) لِجَوَازِ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ الْبَغْيِ وَمَتَى هِيَ لِجَوَازِ أَنَّهَا مُتَقَادِمٌ أَمْ لَا (وَكَمْ هِيَ) ، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى السَّرِقَةِ، وَالْمُرَادُ الْمَسْرُوقُ فَيَسْأَلُ الْإِمَامُ لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ كَانَ نِصَابًا أَوْ لَا. (وَمِمَّنْ سَرَقَ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، أَوْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُقَالُ إنَّ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ حَاضِرٌ، وَالشُّهُودُ تَشْهَدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَيَكُونَ الْمُدَّعِي غَيْرَهُ تَأَمَّلْ. (وَبَيَّنَاهَا) أَيْ: بَيَّنَ الشَّاهِدَانِ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا (قُطِعَ) جَوَابُ أَنْ أَيْ: قُطِعَ السَّارِقُ يَدُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُقِرًّا، أَوْ غَيْرَهُ جَزَاءً لِكَسْبِهِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقَطْعِ. وَفِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا الْمُقِرُّ فَيُسْأَلُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الزَّمَانِ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يُسْأَلُ الْمُقِرُّ عَنْ الْمَكَانِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ جَمَاعَةً، ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْجَمِيعِ، وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ الْمَالَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ هَرَبَ، فَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ لَا يُتَّبَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ هَرَبَ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا قَطْعَ بِنُكُولٍ وَإِقْرَارِ مَوْلًى عَلَى عَبْدِهِ بِهَا، وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ، وَلَوْ قَضَى بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ، أَوْ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا قَطْعَ كَمَا لَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِهَا فِي حَقِّهِمَا. (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ: السُّرَّاقُ (جَمْعًا) أَيْ: مِمَّا فَوْقَ الْوَاحِدِ (وَأَصَابَ كُلًّا مِنْهُمْ قَدْرَ نِصَابٍ) أَيْ: نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٌ (قُطِعُوا) أَيْ: قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَ كُلِّهِمْ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَوَلَّى الْأَخْذَ بَعْضُهُمْ) لِوُجُودِ الْأَخْذِ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى فَإِنَّهُمْ مُعَاوِنُونَ فَلَوْ امْتَنَعَ الْحَدُّ بِمِثْلِهِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوا إنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي الدَّرْءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ غَيْرُ الْآخِذِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وُضِعَتْ فِي دُخُولِهِمْ الْحِرْزَ

كُلُّهُمْ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ دُخُولِ وَاحِدٍ الْبَيْتَ وَتَأَوَّلَ مَنْ هُوَ خَارِجٌ تَدَبَّرْ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ كُلًّا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ قُطِعَ لِكَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ بِمَا إذَا كَانُوا خَرَجُوا مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ بَعْدَهُ فِي فَوْرِهِ، أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّعَاوُنُ. (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ) ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ لَا يَنْبُتُ إلَّا بِبِلَادِ الْهِنْدِ (، وَالْآبِنُوسِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ مَعْرُوفٌ (وَالصَّنْدَلِ) ، وَالْعَوْدِ، وَالْعَنْبَرِ، وَالْمِسْكِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ (وَالْفُصُوصِ) بِضَمِّ الْفَاءِ فَصُّ الْخَاتَمِ (الْخُضْرِ) جَمْعُ أَخْضَرَ، وَالتَّقْيِيدُ بِهَا اتِّفَاقِيٌّ (وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ) ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَاللَّعْلِ، وَالْفَيْرُوزَجِ (وَالْإِنَاءِ، وَالْبَابِ الْمُتَّخِذَيْنِ مِنْ الْخَشَبِ) ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَلَبَتْ عَلَى الْأُصُولِ، وَالْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْبَابُ فِي الْحِرْزِ وَكَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْجِدَارِ لَا يُقْطَعُ، وَكَذَا بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَلَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْعَدْلِ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ. (لَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ شَيْءٍ تَافِهٍ) أَيْ: حَقِيرٍ خَسِيسٍ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ (يُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِنَا كَخَشَبٍ) أَيْ: لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالْحَصِيرِ الْخَسِيسَةِ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ الصَّنْعَةُ كَالْحَصِيرِ الْبَغْدَادِيَّةِ، وَالْمِصْرِيَّةِ، والجرجانية يُقْطَعُ فِيهَا (وَحَشِيشٍ) مَمْلُوكٍ فَلَا قَطْعَ بِالْكِلَاءِ الرَّطْبِ بِالطَّرِيقِ أَوْلَى وَاخْتُلِفَ فِي الْقَطْعِ بِأَخْذِ الْوَسْمَةِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ) سَوَاءٌ كَانَ طَرِيًّا، أَوْ مَالِحًا (وَطَيْرٍ) مُطْلَقًا حَتَّى الْبَطِّ، وَالدَّجَاجِ، وَالْحَمَامِ لَكِنْ اسْتَثْنَى فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الطَّيْرِ الدَّجَاجَ (وَزِرْنِيخٍ) وَنَظَّرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَخْذِ الزِّرْنِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُصَانُ فِي الدَّكَاكِينِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمَغَرَةٍ) بِالْفَتَحَاتِ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، وَكَذَا بِزُجَاجٍ عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ (وَنَوْرَةٍ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ لِكُلِّ مَالٍ لَوْ بَلَغَ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا إلَّا فِي التُّرَابِ، وَالسِّرْقِينِ، وَالْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ (وَلَا) يُقْطَعُ أَيْضًا (بِمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَلَبَنٍ وَلَحْمٍ) ، وَلَوْ كَانَ قَدِيدًا مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لِلْأَكْلِ كَالْخُبْزِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَالْحِنْطَةِ، وَالسُّكَّرِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ إجْمَاعًا فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ، وَأَمَّا فِيهَا فَلَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ عَنْ ضَرُورَةٍ وَجُوعٍ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ) فَدَخَلَ فِيهَا الْعِنَبُ، وَالرُّطَبُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ يَبْقَى مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ فَلَا قَطْعَ بِمَا لَا يَبْقَى وَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالْعَسَلِ، وَالْخَلِّ إجْمَاعًا كَلَامٌ؛ لِأَنَّ النَّاطِفِيَّ نَقَلَ عَنْ الْمُجَرَّدِ عَدَمَ الْقَطْعِ فِي الْخَلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً فَحِينَئِذٍ لَا إجْمَاعَ تَأَمَّلْ. (وَبِطِّيخٍ) أَيْ:

لَا يَفْسُدُ سَرِيعًا مِنْهُ كَالْقَدِيدِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَفْسُدُ مِنْهُ فَدَاخِلٌ فِي الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيُّ فَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْفَاكِهَةِ تَأَمَّلْ. (وَكَذَا ثَمَرٍ) أَيْ: لَا بِفَاكِهَةٍ يَابِسَةٍ (عَلَى الشَّجَرِ) كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْحِرْزِ قُطِعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ فَمَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ عَلَى هَذَا قَالَ كَانَ هَذَا مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِ وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ لَكِنْ أَعَادَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ تَأَمَّلْ. (وَزَرْعٍ لَمْ يَحْصُدْ) ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَائِطٌ، أَوْ حَافِظٌ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ الْكَامِلِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حُصِدَ وَوُضِعَ فِي الْحَظِيرَةِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْرَزًا (وَلَا) يُقْطَعُ (بِمَا يُتَأَوَّلُ فِيهِ الْإِنْكَارُ) يَعْنِي يَقُولُ أَخَذْته لِنَهْيِ الْمُنْكَرِ (كَأَشْرِبَةٍ مُطْرِبَةٍ) أَيْ: مُسْكِرَةٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ مُطْرِبَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُطْرِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حُلْوًا فَهُوَ مِمَّا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ، وَإِنْ كَانَ مُرًّا، فَإِنْ كَانَ خَمْرًا فَلَا قِيمَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَقَوُّمِهَا اخْتِلَافٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ؛ لِأَنَّهُ مَا زَالَ مُتَقَوِّمًا إجْمَاعًا (وَآلَاتِ لَهْوٍ كَدُفٍّ وَطَبْلٍ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّبْلِ لِلْغُزَاةِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاحِيَّتِهِ لِلَّهْوِ صَارَتْ شُبْهَةٌ (وَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ وَطُنْبُورٍ) لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلَفًا وَعِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ ضَمِنَهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ أَخْذَهُ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَصَلِيبٍ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ أَخْذِهَا الْكَسْرُ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ؛ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا يُثْبِتُ شُبْهَةَ إبَاحَةِ الْكَسْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَإِنْ فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ لِوُجُودِ النِّصَابِ، وَالْحِرْزِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ عَامٌّ لَا يُخَصَّصُ غَيْرُ الْحِرْزِ، وَهُوَ الْمُسْقِطُ. (وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ بَابِ مَسْجِدٍ) مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُعَزَّرَ وَيُبَالَغَ فِيهِ إنْ اعْتَادَ وَيُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ. وَفِي الْبَحْرِ لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ حَصِيرِهِ وَقَنَادِيلِهِ، وَكَذَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْرَزَةً لِعَدَمِ الْمَالِكِ (وَكُتُبِ عِلْمٍ وَمُصْحَفٍ) ؛ لِأَنَّ آخِذَهَا يَتَأَوَّلُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ، أَوْ النَّظَرِ لِإِزَالَةِ الْأَشْكَالِ (وَصَبِيٍّ حُرٍّ، وَلَوْ) كَانَ (عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمُصْحَفِ (حِلْيَةٌ) مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ قَدْرُ النِّصَابِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَاغَدَ، وَالْجِلْدَ، وَالْحِلْيَةَ تَبَعٌ كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ فَوْقَ النِّصَابِ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ تَبَعٌ لَهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تُقْطَعُ إذَا بَلَغَ الْحِلْيَةُ نِصَابًا؛ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ، وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَوْ سَرَقَ إنَاءَ ذَهَبٍ فِيهِ نَبِيذٌ، أَوْ ثَرِيدٌ، أَوْ كَلْبًا عَلَيْهِ قِلَادَةُ فِضَّةٍ لَا يُقْطَعُ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

تَدَبَّرْ. (وَ) لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ (عَبْدٍ كَبِيرٍ) ، أَوْ صَغِيرٍ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ وَخِدَاعٌ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِلنَّائِمِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْأَعْمَى (وَدَفْتَرٍ) الْمُرَادُ مِنْ الدَّفْتَرِ صَحِيفَةٌ فِيهَا كِتَابَةٌ مِنْ مُصْحَفٍ، أَوْ تَفْسِيرٍ أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ فِقْهٍ، أَوْ عُلُومٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَدَفْتَرٍ لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ وَكُتُبِ عِلْمٍ تَدَبَّرْ. (بِخِلَافِ) سَرِقَةِ الْعَبْدِ (الصَّغِيرِ) أَيْ: لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَعْقِلُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَبِيرِ (وَدَفْتَرِ الْحِسَابِ) ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَوَاغِدَ. وَفِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا الدَّفَاتِرُ الَّتِي فِي الدِّيوَانِ الْمَعْمُولِ بِهَا، فَالْمَقْصُودُ عِلْمُ مَا فِيهَا فَلَا قَطْعَ، وَأَمَّا دَفْتَرُ عِلْمِ الْحِسَابِ، وَالْهَنْدَسَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالْكُتُبِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي كُلِّ الدَّفَاتِرِ بِلَا فَرْقٍ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا. (وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ كَلْبٍ) وَنَمِرٍ (وَفَهْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْأَصْلِ (وَلَا) يُقْطَعُ (بِخِيَانَةٍ) ، وَهِيَ الْأَخْذُ مِمَّا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ لِقُصُورِ الْحِرْزِ (وَنَهْبٍ) أَيْ: غَارَةٍ لِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ عَلَانِيَةً (وَاخْتِلَاسٍ) ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْيَدِ بِسُرْعَةٍ جَهْرًا. (وَكَذَا نَبْشٌ) أَيْ: لَا يُقْطَعُ بِأَخْذِ الْكَفَنِ عَنْ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْكَفَنُ مَسْنُونًا، أَوْ زَائِدًا، أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ الَّذِي نَبَشَهُ وَسَرَقَ مِنْهُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِاخْتِلَالِ الْحِرْزِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ غَيْرَ الْكَفَنِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ مَالًا آخَرَ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ الْكَفَنَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَيُقْطَعُ بِالْكَفَنِ الْمَسْنُونِ، أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي الصَّحْرَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» ، وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ لِمَنْ اعْتَادَهُ فَيَقْطَعُهُ الْإِمَامُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا. (وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةِ مَالِ عَامَّةٍ) كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ (أَوْ) مَالٍ (مُشْتَرَكٍ) ؛ لِأَنَّ لِلسَّارِقِ فِيهِ حَقًّا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً (أَوْ مِثْلَ دَيْنِهِ) مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ حُكْمًا (أَوْ أَزْيَدَ) عَلَى دَيْنِهِ لِصَيْرُورَتِهِ شَرِيكًا بِمِقْدَارِ حَقِّهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي الزَّائِدِ (حَالًّا كَانَ، أَوْ مُؤَجَّلًا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ، وَالتَّأْجِيلُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ فِي الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ) مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ بِأَنْ كَانَ (نَقْدًا فَسَرَقَ عَرْضًا قُطِعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِيفَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبْدَالٌ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَخَذْته رَهْنًا بِدَيْنِي فَلَا قَطْعَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ، أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ كَمَا

فصل في الحرز

مَرَّ تَحْقِيقُهُ آنِفًا. (وَإِنْ كَانَ) دَيْنُهُ (دَنَانِيرَ فَسَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَا يُقْطَعُ) ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَجْوَدَ، أَوْ أَرْدَأَ؛ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَقِيلَ يُقْطَعُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ (وَلَا بِمَا قَطْعَ فِيهِ) مَرَّةً (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ: إذَا سَرَقَ مَالًا فَقُطِعَ فَرَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ ثَانِيًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَسْرُوقُ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ مُبَيَّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَسْرُوقُ (قَدْ تَغَيَّرَ) عِنْدَ أَخْذِهِ ثَانِيًا (قُطِعَ ثَانِيًا) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ الرَّدِّ، ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ حُكْمًا عِنْدَ مَشَايِخِنَا وَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ لَا يُقْطَعُ (كَغَزْلٍ نُسِخَ) أَيْ لَوْ سَرَقَ الْغَزْلَ فَقُطِعَ وَرُدَّ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ وَسَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالتَّغْيِيرِ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَتَّى تَبَدَّلَ اسْمُهُ وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْنٍ فَرُدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَأَحْدَثَ فِيهِ صَنْعَةً لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْفَتْحِ لَوْ سَرَقَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً وَقُطِعَ بِهِ وَرُدَّ فَجَعَلَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ آنِيَةً، أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا. [فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ] ِ (هُوَ) أَيْ: الْحِرْزُ (قِسْمَانِ) حِرْزٌ (بِمَكَانٍ) ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ (كَبَيْتٍ، وَلَوْ بِلَا بَابٍ، أَوْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ) ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِبَقَاءِ يَدِهِ قَبْلَهُ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا فِي النَّهَارِ فَسَرَقَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ، وَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ، وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ انْتِشَارِ النَّاسِ قُطِعَ (وَكَصُنْدُوقٍ) وَغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَيُحَافَظُ كَمَنْ هُوَ عِنْدَ مَالِهِ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (نَائِمًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ نَائِمٍ إذَا جَعَلَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ جَنْبِهِ أَمَّا إذَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ فَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِحْرَازُ الْمُعْتَادُ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا فَإِنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَ النَّائِمَ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُودَعَ، وَالْمُسْتَعِيرَ لَا يَضْمَنُ مِثْلَهُ وَهُمَا يَضْمَنَانِ بِالتَّضْيِيعِ وَمَا لَا يَكُونُ مُحْرَزًا يَكُونُ مُضَيَّعًا. وَفِي الْبَحْرِ لَا قَطْعَ فِي الْمَوَاشِي فِي الرَّعْيِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا الرَّاعِي، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا سِوَى الرَّاعِي مَنْ يَحْفَظُهُمَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتُوا بِهَذَا (وَفِي الْحِرْزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْحَافِظُ) فَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ لَكِنْ مَالِكُهُ يَحْفَظُهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَيَكُونُ الْمَالُ مُخْتَفِيًا بِهِ، وَالِاخْتِفَاءُ لَا يُوجَدُ فِي الْحَافِظِ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا وَهَذَا فَرْعًا فَلَا اعْتِبَارَ لِلْفَرْعِ مَعَ وُجُودِ

الْأَصْلِ. (وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالٍ مَنْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ وَلَاءٍ) بِالْإِجْمَاعِ لِجَرَيَانِ الِانْبِسَاطِ بَيْنَهُمْ بِالِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ، وَالدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ (وَلَا بِسَرِقَةٍ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) مِنْهُ كَالْأَخَوَيْنِ، وَالْعَمَّيْنِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَالَ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ شَرْعًا فِي الدُّخُولِ حِرْزَهُمْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ) أَيْ: مَالِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ) أَيْ: بَيْتِ الْأَجْنَبِيِّ لِوُجُودِ الْحِرْزِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْطَعَ فِي الْوِلَادِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ (وَكَذَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةٍ مِنْ بَيْتِ مُحَرَّمٍ رَضَاعًا) لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ؛ وَلِهَذَا قَالَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأُمِّ) ، وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِلَا اسْتِئْذَانٍ عَادَةً بِخِلَافِ أُخْتِهِ رَضَاعًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ فِي مَنْعِ الْقَطْعِ بِلَا قَرَابَةٍ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالزِّنَى، أَوْ بِالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالرَّضَاعُ لَا يُشْتَهَى عَادَةً فَلَا يُسْقِطُهُ إعَادَةٌ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ كَمَا مَرَّ مِرَارًا. (وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ زَوْجَتِهِ، أَوْ زَوْجِهَا) لِانْبِسَاطٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً. (وَلَوْ مِنْ حِرْزٍ خَاصٍّ) يَعْنِي لَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي حِرْزِ الْآخِرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ بَيْتِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَعِنْدَ الْمُرَافَعَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ أَخَذَتْ هِيَ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَانِعَةٌ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَكَذَا) لَا يُقْطَعُ (لَوْ سَرَقَ) عَبْدٌ (مِنْ سَيِّدِهِ) ، أَوْ سَيِّدَتِهِ (أَوْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ، أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً (أَوْ) سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ (مُكَاتَبِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ اكْتِسَابِهِ حَقًّا، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ سَيِّدِهِ (أَوْ) سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ (خَتَنِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (أَوْ صِهْرِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ، وَالسُّكُونِ هُوَ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) ، وَلِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (فِيهِمَا) لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي الْمَالِ، وَالْحِرْزِ وَلَهُ أَنَّ بَيْنَ الْأَخْتَانِ، وَالْأَصْهَارِ مُبَاسَطَةٌ فِي دُخُولِ بَعْضِهِمْ مَنَازِلَ الْبَعْضِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْحِرْزِ (أَوْ) سَرَقَ (مِنْ مَغْنَمٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَخْذَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُعَسْكَرِ، فَالْمَغْنَمُ دَاخِلٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ) سَرَقَ مِنْ (حَمَّامٍ نَهَارًا، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ رَبُّهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (عِنْدَهُ) الْمُرَادُ وَقْتَ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ حَتَّى لَوْ أَذِنَ بِالدُّخُولِ لَيْلًا لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَافِظٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالْإِذْنِ؛ وَلِذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْهُ، وَفِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ بِالدُّخُولِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ تَحْتِ رَجُلٍ فِي الْحَمَّامِ يُقْطَعُ (أَوْ) سَرَقَ (مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ) وَيَدْخُلُ

فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ، وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهُ لَيْلًا فَيُقْطَعُ إلَّا إذَا اُعْتِيدَ الدُّخُولُ فِيهِ بَعْضَ اللَّيْلِ هَذَا فِي الْمَفْتُوحَةِ، وَفِي الْمُغْلَقَةِ يُقْطَعُ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ بِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ بِالدُّخُولِ فَدَخَلَ وَاحِدٌ غَيْرُهُمْ وَسَرَقَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَكُلُّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِلْأَنْوَاعِ كُلِّهَا عَلَى الْمَذْهَبِ (أَوْ) سَرَقَ الضَّيْفُ مِنْ (مُضِيفِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَضَافَهُ فِيهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا، وَهُوَ مُقْفَلٌ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ جَمِيعِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَبِالْإِذْنِ فِي الدَّارِ اخْتَلَّ الْحِرْزُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مَوْضِعٍ أُنْزِلَ فِيهِ لَا يُقْطَعُ. وَفِي غَيْرِهِ يُقْطَعُ (وَقُطِعَ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ لَيْلًا) هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ أُذِنَ بِالدُّخُولِ لَيْلًا لَا يُقْطَعُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (أَوْ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (عِنْدَهُ) ، وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ (أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ، أَوْ جَيْبِهِ) أَمَّا الصُّنْدُوقُ فَحِرْزٌ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْكُمُّ، وَالْجَيْبُ فَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ فَيُقْطَعُ إذَا أَخَذَ قَدْرَ النِّصَابِ (أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا) بِضَمِّ الْجِيمِ (فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ) أَيْ: صَاحِبُهُ (يَحْفَظُهُ، أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْجُوَالِقِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ، وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ، أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهُ حِفْظٌ لَهُ عَادَةً فَيُقْطَعُ. (أَوْ سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْبَيْتِ الْمُسْتَأْجَرِ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ: لَا يُقْطَعُ لَوْ سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مَالَ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْبَيْتِ الْمُسْتَأْجَرِ عِنْدَهُمَا. قَيَّدَ بِالْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ فِي بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ اتِّفَاقًا. (وَلَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَا يُقْطَعُ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ قَائِمَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ. قَيَّدَ بِالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِ الدَّارِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُجْرَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً وَفِيهَا مَقَاصِيرُ أَيْ: حُجَرُ وَمَنَازِلُ، وَفِي كُلِّ مَقْصُورَةٍ مَكَانٌ يَسْتَغْنِي بِهِ أَهْلُهُ عَنْ انْتِفَاعٍ بِصَحْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ السِّكَّةِ فَيَكُونُ إخْرَاجُهُ كَإِخْرَاجِهِ إلَى السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِيهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ فَيُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ إلَى صَحْنِهَا (أَوْ سَرَقَ بَعْضَ أَهْلِ حُجَرِ) جَمْعُ حُجْرَةٍ (دَارٍ مِنْ حُجْرَةٍ أُخْرَى فِيهَا) أَيْ: فِي الدَّارِ بِأَنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فِيهَا حُجُرَاتٌ يَسْكُنُ فِي كُلٍّ مِنْهَا إنْسَانٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا غَيْرُهُ لَا كَالدَّارِ الَّتِي صَاحِبُهَا وَاحِدٌ وَبُيُوتُهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِهِ وَخُدَّامِهِ وَبَيْنَهُمْ انْبِسَاطٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ. وَفِي الدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْبُيُوتِ إذَا كَانَ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَاكِنٌ لَا يُقْطَعُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ تَدَبَّرْ. (أَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ فَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ) يُقْطَعُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ.

وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْطَعُ مُطْلَقًا (أَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ) أَيْ: الْحِمَارَ (مِنْ الْحِرْزِ) ؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسَوْقِهِ. قَيَّدَ بِالسَّوْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ تُقْطَعْ، وَالْمُرَادُ مُتَسَبِّبًا فِي إخْرَاجِهِ فَشَمِلَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي نَهْرٍ فِي الدَّارِ وَكَانَ الْمَاءُ ضَعِيفًا وَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يُضَافُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَقِيلَ يُقْطَعْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِسَبَبِهِ. (وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا فَأَخَذَ) شَيْئًا (وَنَاوَلَ) أَيْ: أَعْطَى (مَنْ هُوَ خَارِجٌ) مِنْ الْبَيْتِ (لَا يُقْطَعَانِ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ، وَالْإِخْرَاجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْهُمَا. (وَكَذَا) لَا يُقْطَعَانِ (لَوْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَ) أَيْ: أَخَذَهُ مِنْ الدَّاخِلِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ الدَّاخِلُ) فَقَطْ (فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى وَيَقْطَعَانِ فِي) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) . وَفِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْخَارِجُ أَدْخَلَ يَدَهُ حَتَّى نَاوَلَهُ الْآخَرُ الْمَتَاعَ، فَالْقَطْعُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ أَخْرَجَ يَدَهُ مَعَ الْمَتَاعِ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ الْخَارِجُ يُقْطَعُ الدَّاخِلُ لَا الْخَارِجُ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَمَّ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَصَارَ الْمَالُ مُخْرَجًا بِفِعْلِهِ أَوْ بِمُعَاوَنَتِهِ فَيُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ فَإِمَّا الْخَارِجُ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ إخْرَاجُ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ، وَلَكِنْ الْآخَرُ أَخْرَجَ يَدَهُ إلَيْهِ فَإِنَّمَا أَخَذَ هُوَ مَتَاعًا غَيْرَ مُحْرَزٍ فَلَا يُقْطَعُ انْتَهَى. لَكِنْ بَقِيَتْ هَاهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُهُمَا فِي الْبَيْتِ وَيَأْخُذَ شَيْئًا ثُمَّ يُنَاوِلَهُ مَنْ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فِيهِ أَيُقْطَعَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ أَمْ لَا فَعَلَى هَذَا أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ وَافِيَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَأَنْ يُعَبِّرَ بِعَنْ تَدَبَّرْ. (وَكَذَا لَا يُقْطَعُ لَوْ نَقَبَ بَيْتًا وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ تُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْحِرْزِ (أَوْ طَرَّ) أَيْ شَقَّ (صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمِّ غَيْرِهِ خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَإِنْ حَلَّهَا) أَيْ: الصُّرَّةَ (وَأَخَذَ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ تُقْطَعُ اتِّفَاقًا) هَذَا مُجْمَلٌ وَتَفْصِيلُهُ، وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ وَأَخَذَ الدَّرَاهِمَ لَمْ تُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ وَطَرَّهَا وَأَخَذَهَا قُطِعَ؛ لِأَنَّ الرِّبَاطَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ، وَالرِّبَاطُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ هَتْكُ الْحِرْزِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ مِنْ الْكُمِّ، وَلَوْ حَلَّ الرِّبَاطَ تُقْطَعُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَبْقَى فِي الْكُمِّ بَعْدَ حَلِّ الرِّبَاطِ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ الْحِرْزِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ الرِّبَاطَ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ فَلَمْ يُوجَدْ إخْرَاجُ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَلَا يُقْطَعُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ إمَّا بِالْكُمِّ، أَوْ بِصَاحِبِهِ قُلْنَا الْمَرْءُ يُعَدُّ مَالُهُ مَحْفُوظًا

فصل في كيفية القطع وإثباته

بِكُمِّهِ، أَوْ جَيْبِهِ وَقَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ إنْ كَانَ مَاشِيًا أَوْ الِاسْتِرَاحَةُ إنْ كَانَ جَالِسًا لَا حِفْظُ مَالِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْحِرْزِ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ وَيُعَبِّرُ بِعَنْ مَكَانَ قَوْلِهِ خِلَافًا كَمَا مَرَّ مِرَارًا تَأَمَّلْ. (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ) بِالْكَسْرِ أَيْ: مِنْ الْإِبِلِ الْمَقْطُورَةِ الْمُقَرَّبِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ (جَمَلًا) أَيْ: بَعِيرًا؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ مِنْ الْإِبِلِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ؛ فَلِهَذَا فَسَّرْنَاهُ بِبَعِيرٍ تَدَبَّرْ. (أَوْ حِمْلًا) بِالْحَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ جُوَالِقًا مَمْلُوءًا مِنْ الْمَتَاعِ وَاقِعًا عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِطَارٍ (لَا يُقْطَعُ) ، وَإِنْ وُجِدَ السَّائِقُ، أَوْ الْقَائِدُ، أَوْ الرَّاكِبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعُ الْمَسَافَةِ أَوْ نَاقِلُ مَتَاعٍ لَا حَافِظٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِيهِمَا. (وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا قُطِعَ) ؛ لِأَنَّ الْجُوَالِقَ حِرْزٌ (وَالْفُسْطَاطُ كَالْبَيْتِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. وَفِي الْفَتْحِ لَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ إحْرَازِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْفُسْطَاطُ غَيْرَ مَنْصُوبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَلْفُوفٌ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ، أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ قُطِعَ إنْ أَضَافَهُ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا بِالسَّرِقَةِ، وَإِنْ نَوَّنَهُ لَا تُقْطَعُ لِكَوْنِهِ عِدَةً لَا إقْرَارًا. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ] فَصَلِّ (كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَإِثْبَاتِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْفَصْلِ، بَلْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَذِكْرُهُ هُنَا مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ. (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) أَمَّا الْقَطْعُ فَبِالنَّصِّ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا وَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْيَمِينَ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (مِنْ زَنْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ لَهُ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالتَّوَاتُرِ وَلَا يُبَالَى فِيهِ بِكُفْرِ النَّافِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ، أَوْ ضَعْفِ دِينِهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَتُحْسَمُ) أَيْ تُغْمَسُ فِي الدُّهْنِ الْمَغْلِيِّ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُتَوَسَّطَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَأَجْرُ الدُّهْنِ عَلَى السَّارِقِ كَأَجْرِ الْحَدَّادِ وَمُقِيمِ الْحَدِّ. (وَ) تُقْطَعُ (رِجْلُهُ الْيُسْرَى) مِنْ الْكَعْبِ وَتُحْسَمُ (إنْ عَادَ) إلَى السَّرِقَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى مَوْجُودَةً، وَإِنْ كَانَتْ ذَاهِبَةً، أَوْ مَقْطُوعَةً قَطَعَ الرِّجْلَ الْيُسْرَى، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا) ، أَوْ رَابِعًا (لَا تُقْطَعُ) الْيَدُ الْيُسْرَى، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى عِنْدَنَا (بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَمُدَّةُ التَّوْبَةِ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَقِيلَ إلَى أَنْ يَظْهَرَ سِيمَاءُ الصَّالِحِينَ فِي وَجْهِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْطَعُ فِي الثَّالِثِ يَدَهُ الْيُسْرَى. وَفِي الرَّابِعِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَلَنَا الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ أَنِّي لَأَسْتَحْيِي أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا وَبِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ أَيْ غَلَبَهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَبَانَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَبَلَغَهُمْ، وَلَوْ بَلَغَهُمْ لَاحْتَجُّوا بِهِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى السِّيَاسَةِ، أَوْ النَّسْخِ. (وَطَلَبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطُ الْقَطْعِ) ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا حَتَّى لَا يُقْطَعَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهَبَهُ الْمَسْرُوقَ هَذَا إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَطْعَ، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا كَمَا فِي الشَّرْحِ الْمَجْمَعِ (، وَلَوْ) كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ (مُودَعًا، أَوْ غَاصِبًا، أَوْ صَاحِبَ الرِّبَا أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا، أَوْ مُشَارِبًا، أَوْ مُسْتَبْضِعًا، أَوْ قَابِضًا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) أَيْ: بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أَوْ مُرْتَهِنًا) وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ كَالْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْوَكِيلِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الِاسْتِرْدَادِ لَهُمْ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمْ الْحِفْظُ دُونَ الْخُصُومَةِ (وَيُقْطَعُ) أَيْضًا (بِطَلَبِ الْمَالِكِ أَيْضًا فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ) ، أَوْ الْمُودَعُ، أَوْ الْغَاصِبُ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. وَفِي الْفَتْحِ، وَالصَّحِيحِ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي رَدِّهَا تَأَمَّلْ. (لَا) يُقْطَعُ (بِطَلَبِ السَّارِقِ، أَوْ الْمَالِكِ لَوْ سَرَقْت مِنْ السَّارِقِ بَعْدَ الْقَطْعِ) يَعْنِي إذَا سَرَقَ رَجُلٌ شَيْئًا فَقُطِعَ بِهِ وَبَقِيَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ وَسَرَقَهُ مِنْ السَّارِقِ سَارِقٌ آخَرُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبُهُ لِلْقَطْعِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِحَاجَتِهِ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ لِلْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ، بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سُرِقَتْ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السَّارِقِ الْأَوَّلِ (قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَ دَرْءِ الْحَدِّ بِشُبْهَةٍ) فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَدَمَ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ لَا يُقْطَعُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ طَلَبَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ شَرْطٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ هُوَ بِهَا) أَيْ: بِالسَّرِقَةِ (وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ) أَيْ: حُضُورِ الطَّالِبِ (عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالْقَطْعِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ

لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ أَقَرَّ بَعْدَمَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَطْعِ. (وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، أَوْ إبْهَامُهَا) أَيْ: إبْهَامُ يَدِهِ الْيُسْرَى (مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ، أَوْ أُصْبُعَانِ سِوَى الْإِبْهَامِ كَذَلِكَ) أَيْ: مَقْطُوعَيْنِ، أَوْ شَلَّاءَ (لَا يُقْطَعُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ السَّارِقِ (شَيْءٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا وَقِوَامُ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أُصْبُعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ، أَوْ أَشَلَّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ، أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيُمْنَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْكَامِلِ جَائِزٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ (بَلْ يُحْبَسُ) إلَى أَنْ يَتُوبَ (وَكَذَا) لَا تُقْطَعُ يَدُهُ (لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً، أَوْ شَلَّاءَ) . وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، وَالْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَإِلَّا فَلَا (وَلَا يَضْمَنُ الْمَأْمُورُ بِقَطْعِ الْيُمْنَى لَوْ قَطَعَ الْيُسْرَى) عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ تَعَمَّدَ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ. وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَقِيلَ يُجْعَلُ حَتَّى إذَا قَالَ أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِالْأَمْرِ وَإِذَا قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِالْقَطْعِ كَالْأَمْرِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْحَاكِمُ وَقَالَ اقْطَعْ يَدَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيُمْنَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ إذْ الْيَدُ تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا. وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ وَقَعَ حَدًّا أَوْ لَا فَعَلَى طَرِيقَةِ أَنَّهُ وَقَعَ حَدًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّارِقِ لَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ وَعَلَى طَرِيقَةِ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا وَرَدَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى مَالِكِهِ لَا يُقْطَعُ) ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ كَمَا مَرَّ فَلَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي قُطِعَ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ، وَأَمَّا إذَا رَدَّهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشُّهُودُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا وَأَطْلَقَ فِي الرَّدِّ فَشَمِلَ الرَّدَّ حَقِيقَةً، وَالرَّدَّ حُكْمًا كَمَا إذَا رَدَّهُ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا كَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ وَوَالِدَتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِ الْمَالِكِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ إلَى عِيَالِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَمِنْ الرَّدِّ الْحُكْمِيِّ الرَّدُّ إلَى فَرْعِهِ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِرَدٍّ وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ.

وَمِنْهُ الرَّدُّ إلَى مَوْلَاهُ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا وَمِنْهُ إذَا سَرَقَ مِنْ الْعِيَالِ رَدَّ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَكَذَا) لَا تُقْطَعُ (لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ قَبْلَ الْقَطْعِ) بَعْدَ الْقَضَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ وَلَنَا وَإِنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ فِي بَلَدٍ، أَوْ بَلَدَيْنِ حَتَّى إذَا سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فِي بَلَدٍ وَأَخَذَ فِي آخَرَ فِيهِ الْقِيمَةُ أَنْقَصُ لَمْ تُقْطَعْ وَقَيَّدَ بِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّهُ تُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمَّلَ النِّصَابَ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا كَمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ أَمَّا بِنُقْصَانِ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (أَوْ مَلَكَهُ) أَيْ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ (بَعْدَ الْقَضَاءِ) بِهِبَةٍ مَعَ الْقَبْضِ، أَوْ بَيْعٍ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ تُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ السَّابِقَةَ، وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِهَا لَا يَبْطُلُ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ سَقَطَ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. (أَوْ ادَّعَى) السَّارِقُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَسْرُوقَ (مِلْكُهُ) أَيْ: مِلْكُ السَّارِقِ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا قَطْعَ عِنْدَنَا. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَثْبُتْ) ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ فَتُحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إجْمَاعًا وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى اللِّصَّ الظَّرِيفَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَا يَعْجِزُ السَّارِقُ عَنْ هَذَا وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُ السَّارِقِينَ) يَعْنِي إذَا كَانَ السَّارِقُ اثْنَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ لَمْ يُقْطَعَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ كَذَا فَأَنْكَرَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْمُقِرُّ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ بِتَكْذِيبِهِ. (وَلَوْ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا وَشُهِدَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: شَهِدَ اثْنَانِ (عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) أَيْ: الْحَاضِرُ وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تُقْطَعُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الْغَائِبِ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَبِدَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ؛ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ دَعْوَى الشُّبْهَةِ مِنْ الْغَائِبِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. (وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَرُدَّتْ) إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ (وَكَذَا الْمَحْجُورُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ وَلَا تُرَدُّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُقْطَعُ وَلَا تُرَدُّ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا، وَالْمَالُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ، أَوْ هَالِكٌ، وَالْمَوْلَى مُصَدِّقٌ، أَوْ مُكَذِّبٌ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ الْمَالِ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ، أَوْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا

وَالْمَالُ هَالِكٌ تُقْطَعُ وَلَمْ يَضْمَنْ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ أَوْ صَدَّقَهُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ تُقْطَعُ عِنْدَهُمْ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ الْمَوْلَى الْمَالُ مَالِي قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْطَعُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُقْطَعُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَالَ زُفَرَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، أَوْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لَا وَدَلِيلُهُمْ مُبَيَّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُرَاجَعْ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْأَقَاوِيلَ الثَّلَاثَةَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَالثَّانِي أَخَذَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ. (وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ) أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ مَوْجُودَةً (رَدَّهَا) إلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهَا، أَوْ بَاعَهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اسْتَهْلَكَهَا) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» قَوْلُهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إشَارَةٌ إلَى رَدّ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ. وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ تُقْطَعْ عِنْدَنَا، وَإِنْ قَالَ أَنَا أَخْتَارُ الْقَطْعَ تُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجْتَمِعُ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قُطِعَ السَّارِقُ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَ السَّرِقَةَ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَحَدٍ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ. (وَإِنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ بِكُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ السَّرِقَاتِ يَعْنِي مَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَابِهَا وَادَّعَى حَقَّهُ فَأَثْبَتَ فَقُطِعَ فِيهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَضْمَنُ مَا) مَوْصُولَةٌ (لَمْ يُقْطَعْ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعُ وَاحِدٍ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ مِنْ وَاحِدٍ نِصَابًا مِرَارًا فَخَاصَمَهُ فِي بَعْضِهَا فَقُطِعَ لِنِصَابٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَضَرُوا وَقُطِعَ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا. (وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ فِي الدَّارِ) ، وَهُوَ يُسَاوِي بَعْدَ الشَّقِّ نِصَابًا (ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ) مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُقْطَعُ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ وَفِي الْيَسِيرِ تُقْطَعُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَتَرْكِ الثَّوْبِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ مَعَ الْقَطْعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا وَصَحَّحَ الْخَبَّازِيُّ عَدَمَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَطْعِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الضَّمَانَ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ، بَلْ

يَتَعَيَّبُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ، وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابًا، ثُمَّ شَقَّهُ وَانْتَقَصَ قِيمَتَهُ بِالشِّقِّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَيَّدْنَا، وَهُوَ يُسَاوِي بَعْدَ الشَّقِّ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَقَّ فِي الدَّارِ وَانْتَقَصَ قِيمَتَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَقَيَّدْنَا مَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّقُّ إتْلَافًا فَلَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ وَتَرْكُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فَلَا قَطْعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ تَأَمَّلْ. (لَا) يُقْطَعُ (إنْ سَرَقَ شَاةً) فِي الدَّارِ (فَذَبَحَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا) ، وَإِنْ بَلَغَ لَحْمُهَا نِصَابًا؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَلَا قَطْعَ فِيهِ لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ. (وَلَوْ ضَرَبَ الْمَسْرُوقَ) مِنْ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ قَدْرُ النِّصَابِ (دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّهَا) أَيْ: الدَّرَاهِمَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَرُدُّهَا) بِنَاءً عَلَى الصَّنْعَةِ مِنْهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَطْعِ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ يَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّخَذَ النَّقْدَ آنِيَةً أَوْ غَيْرَهَا. قَيَّدَ بِالنَّقْدِ مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْحَدِيدَ، وَالرَّصَاصَ أَوَانِي، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا فَهُوَ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ. (وَلَوْ صَبَغَهُ) أَيْ: الثَّوْبَ الْمَسْرُوقَ (أَحْمَرَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ: الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ (وَلَا يَضْمَنُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ فَقُطِعَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانَ لَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَلَفْظُ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ الصَّبْغِ عَنْ الْقَطْعِ وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ سَرَقَ الثَّوْبَ فَقَطَعَ يَدَهُ، وَقَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَحْمَرَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ لَيْسَتْ عَلَى مَا نَقَلَهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ سَرَقَ ثَوْبًا فَقُطِعَ فِيهِ، ثُمَّ صَبَغَهُ أَحْمَرَ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ صُورَتُهَا مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَكُونَ نَقْلًا لِمَآلِ مَسْأَلَةِ الْهِدَايَةِ وَمُحَصِّلِهَا بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ أَلَا تَرَى؛ وَلِذَا طَيُّ الْمُصَنِّفِ الْقَطْعَ مِنْ الْبَيِّنِ لِيُشْعِرَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَصْبُغَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ) الثَّوْبُ (وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ) فِيهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ أَصْلٌ، وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَصَارَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ الْمَالِكِ فِي الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى لِزَوَالِ التَّقَوُّمِ بِالْقَطْعِ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقُّ بِالتَّرَجُّحِ. (وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أُخِذَ مِنْهُ) الثَّوْبُ (وَلَا يُعْطَى شَيْئًا وَحَكَمَا) عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي الْمُثَنَّى (فِيهِ) أَيْ: فِي الْأَسْوَدِ (كَحُكْمِهِمَا فِي الْأَحْمَرِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أُخِذَ مِنْهُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ يَعْنِي عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ

باب قطع الطريق

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ زِيَادَةٌ عِنْدَهُ كَالْحُمْرَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ زِيَادَةٌ أَيْضًا كَالْحُمْرَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ السَّوَادُ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ وَحَكَمَا كَحُكْمِهِمَا فِي الْأَحْمَرِ كَلَامٌ تَأَمَّلْ. [بَابٌ قَطْعُ الطَّرِيقِ] ِ هَذَا بَيَانٌ لِلسَّرِقَةِ الْكُبْرَى وَإِطْلَاقُ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ مَجَازٌ؛ وَلِذَا لَزِمَ التَّقْيِيدُ بِالْكُبْرَى وَسُمِّيَتْ بِالْكُبْرَى؛ لِأَنَّ ضَرَرَ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ إغْلَاظُ الْحَدِّ بِخِلَافِ الصُّغْرَى لَكِنْ قُدِّمَتْ الصُّغْرَى لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ وُقُوعًا (مِنْ قَصْدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ) هَذَا التَّعْلِيقُ مَجَازٌ أَيْ: قَصْدُ قَطْعِ الْمَارِّ عَنْ الطَّرِيقِ (مِنْ مُسْلِمٍ) بَيَانٌ لِمَنْ (أَوْ ذِمِّيٍّ) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا فَخَرَجَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ خِلَافًا كَائِنًا (عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ) حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ يَجِبُ الْحَدُّ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِثُبُوتِ عِصْمَةِ مَالِهِ حَالًّا (فَأَخَذَ) هَذَا الْمَعْصُومُ الْقَاطِعُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ قَطْعِ الطَّرِيقِ (حُبِسَ) لِمُبَاشَرَتِهِ مُنْكَرًا (حَتَّى يَتُوبَ) وَيُظْهِرَ سِيمَا الصَّالِحِينَ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُنْفَى مِنْ الْبَلَدِ. (وَإِنْ أَخَذَ) أَيْ قَاصِدًا قَطْعَ الطَّرِيقِ (مَالًا) بَعْدَ التَّعْزِيرِ (وَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْقَاطِعِينَ (نِصَابُ السَّرِقَةِ قُطِعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) أَيْ: إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ لَمْ يُقْطَعْ وَاشْتَرَطَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ نِصَابَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ مِنْهُ طَرَفَانِ. (وَإِنْ قَتَلَ) نَفْسًا مَعْصُومَةً (فَقَطْ) وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا. (وَلَوْ) كَانَ قَتَلَهُ (بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ) أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ بِالْآلَةِ (قُتِلَ) بِلَا قَطْعٍ (حَدًّا) أَيْ: سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا (فَلَا يُعْتَبَرُ عَفْوُ الْوَلِيِّ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْقَتْلِ حَدًّا يَعْنِي لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِهِمْ، بَلْ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ قَتَلَ) نَفْسًا مَعْصُومَةً (وَأَخَذَ مَالًا قُطِعَ) يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ (وَقُتِلَ وَصُلِبَ، أَوْ قُتِلَ فَقَطْ أَوْ صُلِبَ فَقَطْ) يَعْنِي الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَقَتَلَ وَصَلَبَ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ

وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ، وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُصْلَبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ (وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِي الْقَطْعِ) يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ يُقْتَلُ فَقَطْ، أَوْ يُصْلَبُ فَقَطْ وَلَا يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِتَوَحُّدِ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَجِبْ حَدَّانِ أَوْ لِلتَّدَاخُلِ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَرَجْمٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ، وَكَذَا هَذَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ تَغَلُّظَ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهِ، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي وَأَخْذُ الْمَالِ فَيَكُونُ قَطْعُهُ وَقَتْلُهُ حَدًّا وَاحِدًا مُغَلَّظًا لَا حَدَّيْنِ (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ) أَيْ: يُشَقُّ (بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ) . وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُحَرَّكُ الرُّمْحُ حَتَّى يَمُوتَ بِهِ تَشْهِيرًا لَهُ وَاسْتِعْجَالًا لِمَوْتِهِ، وَالصَّلْبُ حَيًّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ الطَّحَاوِيُّ يُقْتَلُ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَيُتْرَكُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ) أَيْ لَا يُتْرَكُ أَكْثَرَ مِنْهَا حَذَرًا عَنْ تَأَذِّي النَّاسِ بِنَتْنِهِ وَإِذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَسْقُطَ عِبْرَةً (وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ) مِنْ الْمَالِ (إلَى مَالِكِهِ إنْ) كَانَ مَا أَخَذَهُ (بَاقِيًا وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى. (وَلَوْ بَاشَرَ الْفِعْلَ بَعْضُهُمْ حُدُّوا كُلُّهُمْ) بِمُبَاشَرَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ نَاصِرًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْضَمُّوا إلَيْهِمْ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَحَقَّقَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُدَّ الْمُبَاشِرُ فَقَطْ. (وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجُرِحَ قُطِعَ) يَدُهُ وَرِجْلُهُ (مِنْ خِلَافٍ، وَالْجُرْحُ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ سَقَطَ عِصْمَةُ النَّفْسِ. (وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) أَيْ: لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا (أَوْ قَتَلَ فَتَابَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلَا حَدَّ) أَيْ: لَا قَطْعَ فِي الْأُولَى وَلَا قَتْلَ فِي الثَّانِي، بَلْ يُقْتَصُّ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْأَرْشُ، وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْحَقُّ لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ) وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إمَّا الْقِصَاصُ وَإِمَّا أَرْشُ الْجُرْحِ فَلِلْمَجْرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ تَتَبَّعْ. قَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأُولَى. وَفِي الْبَحْرِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِتُقْطَعَ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَقِيلَ يَسْقُطُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ. (وَكَذَا) أَيْ: لَا يُحَدُّ (لَوْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ: فِي الْقُطَّاعِ (صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ، فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ امْتِنَاعٌ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ قَطَعَ بَعْضُ

كتاب السير

الْقَافِلَةِ عَلَى بَعْضٍ) ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَبَيْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ مَقَاصِيرُ كَمَا سَبَقَ انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الدَّارُ الَّتِي صَاحِبُهَا وَاحِدٌ وَبُيُوتُهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِهِ وَخُدَّامِهِ وَبَيْنَهُمْ انْبِسَاطٌ لَا الْمُقَيَّدَةُ بِأَنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فِيهَا حُجُرَاتٌ يَسْكُنُ فِي كُلٍّ مِنْهَا إنْسَانٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحُجْرَةِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ تَشْبِيهَ الْقَافِلَةِ بِالْبَيْتِ غَيْرٌ مُنَاسِبٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْقَافِلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ. (أَوْ قُطِعَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الطَّرِيقُ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ، أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ) فَلَيْسَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ قَصَدُوا بِالْحَجَرِ، وَالْخَشَبِ، فَإِنْ كَانُوا خَارِجَ الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا بِقُرْبٍ مِنْهُ أَوْ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ نَظَرًا لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ بِدَفْعِ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُفْسِدِينَ. وَفِي التَّنْوِيرِ الْعَبْدُ فِي حُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ تُقْتَلْ الْمَرْأَةُ وَقُتِلَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلُ دُونَ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَيُقْتَلُ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ (وَمَنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ) أَيْ: صَارَ عَادَتُهُ (قُتِلَ بِهِ) أَيْ: بِسَبَبِ ذَلِكَ لِتَكَلَّأْتُ؛ لِأَنَّهُ ذُو فِتْنَةٍ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَيُقْتَلُ دَفْعًا لِفِتْنَتِهِ وَشَرِّهِ عَنْ الْعِبَادِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُخْنَقْ غَيْرُ مَرَّةٍ، بَلْ خَنَقَهُ مَرَّةً (فَكَالْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ) أَيْ: لَا يُقْتَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [كِتَابُ السِّيَرِ] [أَحْكَام الْجِهَاد] لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُدُودِ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْمَعَاصِي وَمِنْ الْجِهَادِ إخْلَاؤُهُ عَنْ رَأْسِ الْمَعَاصِي أَوْرَدَ السِّيَرَ عَقِيبَ الْحُدُودِ، وَالسِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السَّيْرِ فَتَكُونُ لِبَيَانِ هَيْئَةِ السَّيْرِ وَحَالَتِهِ إلَّا أَنَّهَا غَلَبَتْ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْكَافِرِينَ، وَالْبَاغِينَ وَغَيْرِهِمَا (الْجِهَادُ) فِي اللُّغَةِ بَذْلُ مَا فِي الْوُسْعِ

مِنْ الْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ قَتْلُ الْكُفَّارِ وَنَحْوُهُ مِنْ ضَرْبِهِمْ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ وَهَدْمِ مَعَابِدِهِمْ وَكَسْرِ أَصْنَامِهِمْ وَغَيْرِهِمْ، وَالْمُرَادُ الِاجْتِهَادُ فِي تَقْوِيَةِ الدِّينِ بِنَحْوِ قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ، وَالذِّمِّيِّينَ، وَالْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ هُمْ أَخْبَثُ الْكُفَّارِ لِلْإِنْكَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَالْبَاغِينَ، فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بَدْءًا مِنَّا) نَصَبَ بَدْءًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ: فِي بَدْءِ الْأَمْرِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) يَعْنِي يُفْرَضُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى الرَّعِيَّةِ إعَانَتُهُ إلَّا إذَا أَخَذَ الْخَرَاجَ، فَإِنْ أَخَذَ فَلَمْ يَبْعَثْ كَانَ كُلُّ الْأَثِمِ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ مَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ. (إذَا أَقَامَ) أَيْ: انْتَصَبَ (بِهِ) أَيْ: بِالْجِهَادِ (الْبَعْضُ) أَيْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ (سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ) أَيْ: بَاقِي الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْبَعْضِ كِفَايَةٌ وَإِلَّا فُرِضَ عَلَى الْأَقْرَبِ، فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ، فَإِنْ لَمْ تَقَعْ الْكِفَايَةُ إلَّا بِجَمِيعِ النَّاسِ فَحِينَئِذٍ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ أَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَرَادَ بِهِ فَرْضًا بَاقِيًا، وَهُوَ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ فَسَادٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ؛ وَلِأَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعُ مَادَّةِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ فَيَجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّفِيرُ عَامًّا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (، وَإِنْ تَرَكَهُ أَيْ: الْجِهَادَ) (الْكُلُّ أَثِمُوا) أَيْ: الْمُكَلَّفُونَ بِهِ وَإِثْمُهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا لَا تَرْكِهِمْ خَاصَّةً حَتَّى لَوْ قَامَ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنْ الْعَبِيدِ، وَالنِّسْوَانِ سَقَطَ الْأَثِمُ عَنْهُمْ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. (وَلَا يَجِبُ) أَيْ: الْجِهَادُ (عَلَى صَبِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ

مُكَلَّفٍ (وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَشْغُولَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى وَحَقُّهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ الدَّلِيلُ خَاصٌّ لِمَنْ لَهُ الزَّوْجُ، وَالْمُدَّعَى عَامٌّ كَمَا قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ فِي حَاشِيَتِهِ؛ وَلِهَذَا غَيَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَقَالَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ، وَفِي الْجِهَادِ قَدْ يَنْكَشِفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ لَا تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ أَيْضًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْحَقُّ مَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَدَفْعُ الِاعْتِرَاضِ مُمْكِنٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ تَدَبَّرْ. وَ (أَعْمَى وَمَقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) لِلْحَرَجِ بِعَجْزِهِمْ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى مَدْيُونٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ وَلَا عَلَى عَالِمٍ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَفْقَهَ مِنْهُ. (فَإِنْ هَجَمَ) أَيْ: غَلَبَ (الْعَدُوُّ) أَيْ: عَلَى بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِيهَا. وَفِي الْمُغْرِبِ الْهُجُومُ الْإِتْيَانُ بَغْتَةً، وَالدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ (فَفَرْضُ عَيْنٍ فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيُفْرَضُ عَلَى الْكُلِّ وَحَقُّ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ، وَكَذَا يَخْرُجُ الْوَلَدُ بِغَيْرِ إذْنِ، وَالِدَيْهِ، وَالْغَرِيمُ بِغَيْرِ إذْنِ دَائِنِهِ وَإِنَّ الزَّوْجَ، وَالْمَوْلَى إذَا مَنَعَا أَثِمَا. وَفِي الْبَحْرِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ سُبِيَتْ بِالْمَشْرِقِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ تَخْلِيصُهَا مَا لَمْ تَدْخُلْ حُصُونَهُمْ وَحِرْزَهُمْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ يَبْعُدُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ هُمْ بِقُرْبِ الْعَدُوِّ عَاجِزِينَ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ الْقَادِرِينَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُجَاهِدُونَ لِكَسَلٍ بِهِمْ، أَوْ تَهَاوُنٍ اُفْتُرِضَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ، ثُمَّ مَنْ يَلِيهِمْ كَذَلِكَ حَتَّى يُفْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِالِاسْتِطَاعَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ الْمُدْنِفِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزَّادِ، وَالرَّاحِلَةِ تَأَمَّلْ. (وَكُرِهَ الْجُعْلُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ إلَى الْجِهَادِ (إنْ كَانَ) فِي بَيْتِ الْمَالِ (فَيْءٌ) بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْأَجْرَ عَلَى الطَّاعَةِ فَيُكْرَهُ. وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَيْءُ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ فَيُسَمَّى غَنِيمَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ وَكَانَ فِيهِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الْحَقُّ انْتَهَى. لَكِنْ صَرَّحَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ فِي حَاشِيَتِهِ إنَّ مَالَ الْغَنِيمَةِ الْمَوْجُودَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُصْرَفُ إلَّا لِمُقَاتِلَةِ

كيفية القتال

تَتَبَّعْ حَتَّى يَظْهَرَ لَك الْحَقُّ (وَإِلَّا) ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَيْءٌ (فَلَا) يُكْرَهُ الْجُعْلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْجِهَادَ قَدْ يَكُونُ بِالنَّفْسِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْمَالِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، وَالْأَحْوَالِ. وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ وَلِلْإِمَامِ ذَلِكَ بِشَرْطِ الضَّمَانِ فَإِذَا زَالَتْ الْحَاجَةُ يُرَدُّ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْزُوَ الْمُسْلِمُ بِمَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. [كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ فَقَالَ (وَإِذَا حَاصَرْنَاهُمْ) أَيْ: يُحِيطُ الْإِمَامُ مَعَ التَّابِعِينَ بِالْكُفَّارِ فِي دِيَارِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا فِي مَوْضِعٍ حَصِينٍ لِئَلَّا يَتَفَرَّقُوا (نَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) ، وَالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» (فَإِنْ أَسْلَمُو) نَكُفُّ عَنْ قِتَالِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا (فَإِلَى الْجِزْيَةِ) أَيْ: فَنَدْعُوهُمْ إلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ هَكَذَا (إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَاحْتَرَزَ عَنْ الْمُرْتَدِّينَ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْهُمْ فَلَا نَدْعُوهُمْ إلَى الْجِزْيَةِ، بَلْ أَمْرُهُمْ دَائِرٌ بَيْنَ الْإِسْلَامِ، وَالسَّيْفِ (وَيُبَيِّنُ لَهُمْ) الْإِمَامُ (قَدْرَهَا) أَيْ قَدْرَ الْجِزْيَةِ (وَمَتَى تَجِبُ) أَيْ: يُبَيِّنُ لَهُمْ زَمَانَ أَدَائِهَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ (فَإِنْ قَبِلُوا) الْجِزْيَةَ (فَلَهُمْ مَا لَنَا) مِنْ عِصْمَةِ الدِّمَاءِ، وَالْأَمْوَالِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) مِنْ التَّعَرُّضِ بِهِمَا أَيْ:

إنَّا كُنَّا نَتَعَرَّضُ لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فَبَعْدَمَا قَبِلُوهَا إذَا تَعَرَّضْنَا لَهُمْ، أَوْ تَعَرَّضُوا لَنَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ يُؤَيِّدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا (وَحَرُمَ قِتَالُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى) إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ قَتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ يَأْثَمُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يَغْرَمُ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ (وَنُدِبَ دَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ) الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَقَطْعِ الْأَعْذَارِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ. وَفِي الْمُحِيطِ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا بَعْدَمَا انْتَشَرَ يَحِلُّ الْقِتَالُ مَعَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَيَقُومُ ظُهُورُ الدَّعْوَةِ وَشُيُوعُهَا مَقَامَ دَعْوَةِ كُلِّ مُشْرِكٍ وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (فَإِنْ أَبَوْا) عَمَّا دَعَوْا إلَيْهِ (نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّهُ النَّاصِرُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَالْقَاهِرُ لِلْأَعْدَاءِ فَيُسْتَعَانُ مِنْهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ (وَنُقَاتِلُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ) جَمْعُ مَنْجَنِيقٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَبَهَا عَلَى الطَّائِفِ (وَالتَّحْرِيقِ) بِالنَّارِ أَرَادَ حَرْقَ دُورِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالتَّغْرِيقِ) بِإِرْسَالِ الْمِيَاهِ عَلَى دُورِهِمْ وَبَسَاتِينِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَيْضًا (وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ) ، وَلَوْ مُثْمِرَةً (وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ) ، وَلَوْ عِنْدَ الْحَصَادِ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَيْظِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا. وَفِي الْفَتْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّنُّ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ دَنَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا (وَنَرْمِيهِمْ) بِالسِّهَامِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَتَرَّسُوا بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ، وَإِنْ اتَّخَذُوهُمْ تُرْسًا (وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ أَتْرَاسًا (بِهِ) أَيْ: بِالرَّمْيِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ هُنَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَتْلَفُ الْمُسْلِمُ بِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ انْهِزَامَنَا، وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَيَّدَ بِالتَّتَرُّسِ عِنْدَ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَفِيهَا مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ، أَوْ الذِّمِّيُّ، وَلَوْ أَخْرَجَ وَاحِدٌ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ حَلَّ إذَنْ قَتْلُ الْبَاقِي لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ، أَوْ الذِّمِّيِّ

فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْعَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ النِّسَاءِ، وَالْمَصَاحِفِ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السَّرِيَّةِ لِخَوْفِ الِافْتِضَاحِ، وَالِاسْتِخْفَافِ إنْ غَلَبُوا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذُو الصُّحُفِ فَيَشْمَلُ كُتُبَ التَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُصْحَفِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَحْوَطُ (لَا) أَيْ: لَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ النِّسَاءِ، وَالْمَصَاحِفِ (فِي عَسْكَرٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْعَسْكَرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ إلَّا أَنَّ إخْرَاجَ الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ مَكْرُوهٌ خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَتَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَأَقَلُّهَا أَرْبَعُمِائَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَا) يُكْرَهُ (دُخُولُ مُسْتَأْمَنٍ إلَيْهِمْ بِمُصْحَفٍ إنْ كَانُوا يُوفُونَ الْعَهْدَ) يَعْنِي إذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ مُصْحَفًا إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ. (وَنَهَى عَنْ الْغَدْرِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَهُوَ نَقْضُ الْعَهْدِ كَمَا إذَا عَهِدَ أَنْ لَا يُحَارِبَهُمْ فِي زَمَانِ كَذَا ثُمَّ يُحَارِبُهُمْ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَعْهَدْ وَخَادَعَهُمْ جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ النَّقْضَ (وَالْغُلُولِ) بِالضَّمِّ، وَهُوَ خِيَانَةٌ وَسَرِقَةٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَالْمُثْلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ قَطْعُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، أَوْ تَسْوِيدُ الْوَجْهِ. وَفِي الْفَتْحِ هَذَا بَعْدَ الظَّفَرِ، وَالنَّصْرِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضُرِبَ فَقُطِعَ أُذُنُهُ، ثُمَّ ضُرِبَ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَلَمْ يَنْتَهِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ وَأَنْفَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (وَ) نَهَى عَنْ (قَتْلِ امْرَأَةٍ، أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ (أَوْ شَيْخِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا عَلَى الصِّيَاحِ وَلَا عَلَى الِاحْتِبَالِ وَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، وَالتَّدْبِيرِ (أَوْ أَعْمَى أَوْ مَقْعَدًا، أَوْ أَقْطَعَ الْيُمْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ عِنْدَنَا هُوَ الْحَرْبُ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمْ؛ وَلِهَذَا إلَّا يُقْتَلُ يَابِسُ الشِّقِّ، وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَرَجُلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَالرَّاهِبُ الَّذِي لَمْ يُقَاتِلْ وَأَهْلُ الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الشَّيْخِ، وَالْأَعْمَى، وَالْمُقْعَدِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ مَقْطُوعَةَ الْيُسْرَى، وَالْأَخْرَسُ، وَالْأَصَمُّ وَمِنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ قَادِرًا عَلَى الْقِتَالِ، أَوْ ذَا رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ، أَوْ ذَا مَالٍ

يَحُثُّ) أَيْ: يُحَرِّضُ الْكُفَّارَ عَلَى الْقِتَالِ (بِهِ) أَيْ: بِالرَّأْيِ، أَوْ الْمَالِ (أَوْ) يَكُونُ أَحَدُهُمْ (مَلِكًا) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ لِتَعَدِّي ضَرَرِهِ إلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَتَلَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ وَكَانَ مَضَى عَلَيْهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً» لِكَوْنِهِ صَاحِبَ رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ، وَكَذَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَ إلَّا غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْقِتَالِ لَا بَعْدَ الْأَسْرِ، وَالْمُكَلَّفُ يُقْتَلُ بَعْدَ الْأَسْرِ. وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ قَتَلَ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دِيَةٍ وَكَفَّارَةٍ إلَّا التَّوْبَةُ، وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّ دَمَ الْكَافِرِ لَا يُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْأَمَانِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُ هَؤُلَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْسَرُوا وَيُحْمَلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيَتْرُكُوهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَ) نَهَى الِابْنَ (عَنْ قَتْلِ أَبٍ كَافِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَفِيهِ إشْعَارٌ إلَى أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِقِتَالِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَى الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا، وَالْأُمِّ، وَإِنْ عَلَتْ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ قَتْلُ ذِي رَحِمٍ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَحْرَمٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ، وَعَنْ قَتْلِ أَصْلِهِ الْكَافِرِ لَكَانَ أَشْمَلَ تَأَمَّلْ. (بَلْ يَأْبَى الِابْنُ) مِنْهُ (لِيَقْتُلَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ: لَأَنْ يَقْتُلَهُ (غَيْرُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ اقْتِحَامِ الْآثِمِ فَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ يَشْغَلُهُ بِالْمُجَادَلَةِ بِأَنْ يُوقِبَ فَرَسَهُ، أَوْ يَطْرَحَهُ مِنْ فَرَسِهِ وَيُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى مَكَان وَيَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَرْبًا عَلَيْنَا (إلَّا إنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ) فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ فِي قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ أَلَا يَرَى لَوْ شَهَرَ الْأَبُ الْمُسْلِمُ سَيْفَهُ عَلَى ابْنِهِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ يَقْتُلُهُ فَكَذَا هُنَا. (وَيَجُوزُ) لِلْإِمَامِ (صُلْحُهُمْ إنْ كَانَ) الصُّلْحُ (مَصْلَحَةً لَنَا) كَمَا إذَا نَزَلَ بِبَعْضِ حُصُونِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِالصُّلْحِ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَيْ: مُدَّةً كَانَتْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا جِهَادٌ مَعْنًى، فَإِنْ كَانَ بِهِمْ قُوَّةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ تَأْخِيرِهِ وَيَجُوزُ أَخْذُ مَالٍ لِأَجْلِهِ أَيْ: لِأَجْلِ الصُّلْحِ (إنْ) كَانَ (لَنَا بِهِ) أَيْ: بِأَخْذِ الْمَالِ (حَاجَةٌ) فَلَا يُصَالِحُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ (وَهُوَ) أَيْ: الْمَالُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِالصُّلْحِ (كَالْجِزْيَةِ) أَيْ: يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْجِزْيَةِ (إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ) بِأَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا فَكَانَ كَالْجِزْيَةِ فَلَا يُخَمَّسُ (وَكَالْفَيْءِ) أَيْ: الْغَنِيمَةِ (لَوْ) كَانَ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ فَيُخَمَّسُ، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي (وَدَفْعُ الْمَالِ لِيُصَالِحُوا لَا يَجُوزُ) لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَلُحُوقِ الْمَذَلَّةِ (إلَّا لِخَوْفِ الْهَلَاكِ) ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي الْفَتْحِ، وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ

بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَيَقْتُلُ غَيْرَهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ نَفْسِهِ، بَلْ يَصِيرُ لِلْقَتْلِ فَلَا يَقْتُلُ غَيْرَهُ (وَيُصَالَحُ الْمُرْتَدُّونَ) إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهِ تَدَبَّرْ. (بِدُونِ أَخْذِ مَالٍ) مِنْهُمْ وَإِنَّمَا يُصَالِحُهُمْ لِيَنْظُرَ فِي أُمُورِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَرْجُوٌّ مِنْهُمْ فَجَازَ تَأْخِيرُ قِتَالِهِمْ طَمَعًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَا نَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا فَإِنَّهُ كَالْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرًا عَلَى الِارْتِدَادِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ الْمُوَادَئَةَ تَكُونُ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالٌ مُقَدَّرٌ إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ كَيْفَ يَكُونُ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَيْهِ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ سَبَبُ أَمْنِ خَطَرِهِمْ فَلَا يُرْجَى الْإِسْلَامُ إلَى هَذَا الزِّمَامِ فَيَلْزَمُ التَّقْرِيرُ مِنْ وَجْهٍ خُصُوصًا فِي الزَّمَانِ الْمُمْتَدِّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ الزَّمَانُ. قَيَّدَ بِالْمَالِ لَا بِمُجَرَّدِ الصُّلْحِ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ أَخَذَ) الْمَالَ مِنْهُمْ غَلَطًا، أَوْ خَطَأً بِطَرِيقِ الصُّلْحِ (لَا يَرُدُّ) إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْأَوْلَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ (ثُمَّ إنْ تَرَجَّحَ النَّبْذُ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ، ثُمَّ رَأَى النَّبْذَ أَيْ نَقْضَ الْعَهْدِ أَنْفَعَ (نَبَذَ) أَيْ: يَنْقُضُ مُرْسِلًا خَبَرَ النَّقْضِ (إلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ عِلْمِ مَلِكِ الْكُفَّارِ بِالنَّقْضِ، أَوْ مُدَّةٌ يَبْلُغُ الْخَبَرُ إلَى مَلِكِهِمْ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (وَمَنْ بَدَأَ مِنْهُمْ بِخِيَانَةٍ قُوتِلَ فَقَطْ، وَإِنْ) كَانَ (بِاتِّفَاقِهِمْ، أَوْ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ قُوتِلَ الْجَمِيعُ بِلَا نَبْذٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ فِي حَقِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ فَفِعْلُهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ مَعْنًى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَا يُبَاعُ) أَيْ: يُكْرَهُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ أَنْ يُمْلَكَ بِوَجْهٍ كَالْهِبَةِ (مِنْهُمْ سِلَاحٌ) أَيْ: مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لِلْقَتْلِ، وَلَوْ صَغِيرًا (وَلَا خَيْلٌ وَلَا حَدِيدٌ) لِئَلَّا يَتَقَوَّى بِهِ الْكُفَّارُ وَلَا يَبْلُغُ مَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ فَإِنَّ تَمْلِيكَهُ مَكْرُوهٌ فَلَا بَأْسَ بِتَمْلِيكِ الثِّيَابِ، وَالطَّعَامِ. (وَلَوْ) كَانَ (الْبَيْعُ بَعْدَ الصُّلْحِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْبِذُ (وَلَا يُجَهَّزُ إلَيْهِمْ)

باب الغنائم وقسمتها

أَيْ: لَا يَبْعَثُ التُّجَّارُ إلَيْهِمْ بِالْجِهَازِ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا السِّلَاحُ وَغَيْرُهُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ وَلَا يُبَاعُ مِنْهُمْ سِلَاحٌ وَلَا خَيْلٌ وَلَا حَدِيدٌ وَلَا يَحْمِلُهَا التُّجَّارُ أَيْضًا إلَيْهِمْ. (صَحَّ أَمَانُ حُرٍّ، أَوْ حُرَّةٍ كَافِرًا، أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ) أَيْ: صَحَّ مِنْ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَيْنِ أَنْ يُزِيلَ الْخَوْفَ عَنْ كَافِرٍ، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ أَهْلَ بَلَدٍ، أَوْ حِصْنٍ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ (وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ) ، وَالصَّوَابُ فَحَرُمَ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» أَيْ يَتَمَاثَلُ فِي الْقِصَاصِ، وَالدِّيَاتِ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَيْ: يُعْطِي الْأَمَانَ أَقَلُّهُمْ، وَهُوَ الْوَاحِدُ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْأَمَانِ (ضَرَرٌ نَبَذَ إلَيْهِمْ) أَيْ: نَقَضَ الْأَمَانَ ذَلِكَ، وَالْأَمَانُ رِعَايَةٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ (وَأَدَّبَ) أَيْ: أَدَّبَ الْإِمَامُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ شَرْعًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يُؤَدَّبْ وَاعْتُبِرَ جَهْلُهُ عُذْرًا فِي دَفْعِ الْعُقُوبَةِ (وَلَغَا أَمَانُ ذِمِّيٍّ) الْمُسْتَعِينُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ (أَوْ أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ: عِنْدَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمْ، وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ. (وَكَذَا أَمَانُ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ) إلَيْنَا لِلتُّهْمَةِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّنَهُمْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِمَنَعَتِهِمْ (أَوْ مَجْنُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ (أَوْ صَبِيٍّ) عَاقِلٍ، وَلَوْ مُرَاهِقًا (أَوْ عَبْدٍ غَيْرِ مَأْذُونَيْنِ بِالْقِتَالِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ أَمَانُهُمَا) أَيْ أَمَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ عَنْ الْقِتَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَانُ عَبْدٍ أَمَانٌ» (أَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ مُحَمَّدٍ (فِي رِوَايَةِ) الْكَرْخِيِّ وَمَعَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيُّ. [بَابٌ الْغَنَائِمُ وَقِسْمَتُهَا] أَيْ: فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا، وَالْغَنَائِمُ جَمْعُ غَنِيمَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَالٍ مَأْخُوذٍ

مِنْ الْكَفَرَةِ بِالْقَهْرِ، وَالْغَلَبَةِ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَحُكْمُهَا أَنْ يُخَمَّسَ، وَالْبَاقِي بَعْدَ الْخُمُسِ لِلْغَانِمِينَ خَاصَّةً (مَا فَتَحَ الْإِمَامُ) مِنْ الْبِلَادِ، أَوْ الْأَرَاضِي (عَنْوَةً) أَيْ: قَهْرًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَانْتِصَابُهَا عَلَى التَّمْيِيزِ. وَفِي الْكِفَايَةِ الْعَنْوَةُ الذُّلُّ، وَالْخُضُوعُ، وَالْقَهْرُ لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهَا لُغَةً؛ لِأَنَّ عَنَا لَازِمٌ وَقَهَرَ مُتَعَدٍّ، بَلْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ مِنْ الذِّلَّةِ يَلْزَمُ الْقَهْرُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ (قَسَمَهُ) أَيْ: الْمَفْتُوحَ الْقَابِلَ لِلْقِسْمَةِ (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ: الْفَاتِحِينَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نَفْسُ الْبِلَادِ عُشْرِيَّةً وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُسْتَرَقُّ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: إنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِتَمْلِيكِ الرِّقَابِ، وَالنِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ، وَالْأَمْوَالِ، هَذَا فِي الْعَقَارِ، وَأَمَّا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ بِهِ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إذَا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ، وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهُ إذَا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَقَسَمَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَإِنْ قَسَمَ سَائِرَ الْأَرَاضِي وَالرِّقَابِ لَمْ يَجُزْ (وَوَضَعَ جِزْيَةً عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى رُءُوسِ الْبَلْدَةِ. (وَ) وَضَعَ (الْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُحْمَدْ مَنْ خَالَفَهُ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ قَالُوا: الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِهَا لِيَكُونَ عُدَّةً لَهُمْ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ فِي الْعَقَارِ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَانِمِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ. (وَ) الْإِمَامُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً أَيْضًا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ (قَتَلَ الْأَسْرَى) الَّذِينَ يَأْخُذُهُمْ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهُمْ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الشِّرْكِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا يَقْتُلُ النِّسَاءَ، وَالذَّرَارِيَّ، بَلْ يُسْتَرَقُّونَ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْمُرْتَدِّينَ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ، أَوْ السَّيْفُ حَالَ كَوْنِهِمْ (ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ: حَقًّا وَاجِبًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ، وَالْخَرَاجِ؛ فَإِنَّ الذِّمَّةَ حَقُّ الْعَهْدِ، وَالْأَمَانِ؛ وَلِذَا سُمُّوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ لِدُخُولِهِمْ فِي عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانِهِمْ، وَقَدْ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى لِيَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ لَنَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَإِسْلَامُهُمْ لَا يَمْنَعُ اسْتِرْقَاقَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ) الْإِسْلَامُ (قَبْلَ الْأَخْذِ) لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، أَوْ وَضْعُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ، فَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ الْمِلْكِ (وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ) أَيْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْكُفَّارِ (وَلَا الْمَنُّ) أَيْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْكَافِرُ الْأَسِيرُ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْفَتْحِ هُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَفِي الْغَايَةِ، وَالنِّهَايَةِ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا بِدُونِ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ، أَوْ تَرْكِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. لَكِنْ مَا فِي الْفَتْحِ لَا يَصِحُّ فِي الْكَلَامِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَا) يَجُوزُ (الْفِدَاءُ بِالْمَالِ) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ آيَةَ السَّيْفِ نَسَخَتْ الْمُفَادَاةَ (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ)

أَيْ: بِالْفِدَاءِ بِأَخْذِ الْمَالِ (عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى أَخْذِ الْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اسْتِدْلَالًا بِأَسَارَى بَدْرٍ (وَيَجُوزُ) الْفِدَاءُ (بِالْأَسَارَى) أَيْ: بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ (عِنْدَهُمَا) تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُفَادَاةِ تَكْثِيرَ سَوَادِ الْكَفَرَةِ، وَفِي التَّرْكِ رَجَاءَ إسْلَامِهِمْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَاعْتَمَدَهُ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَادِي بِهِمْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بِالْأَسَارَى عِنْدَهُمَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَدَبَّرْ. ، وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ لَا يُفَادَى بِمُسْلِمٍ أَسِيرٍ إلَّا إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَى إسْلَامِهِ. (وَتُذْبَحُ مَوَاشٍ) جَمْعُ مَاشِيَةٍ، وَهِيَ الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ وَلَا تُتْرَكُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (شَقَّ نَقْلُهَا) أَيْ: إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا (وَتُحْرَقُ) قَطْعًا (وَلَا تُعْقَرُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَذْبَحَنَّ شَاةً وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» وَلَنَا إنَّ فِي التَّرْكِ تَقْوِيَةً لَهُمْ، وَفِي الْعَقْرِ تَعْذِيبًا وَمُثْلَةً، وَالذَّبْحُ لِلْمَصْلَحَةِ جَائِزٌ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ مِنْ أَقْوَى الْمَصَالِحِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ بِالنَّصِّ وَإِنَّمَا تُحْرَقُ لِئَلَّا تَنْتَفِعَ بِهَا الْكُفَّارُ كَلًّا وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا. قَيَّدَ بِالْمَوَاشِي احْتِرَازًا عَنْ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ اللَّاتِي يَشُقُّ إخْرَاجُهَا فَإِنَّهَا تُتْرَكُ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُحْرَقُ سِلَاحٌ شَقَّ نَقْلُهُ وَمَا لَا يُحْرَقُ مِنْهَا كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ،. وَفِي التَّنْوِيرِ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً، أَوْ عَقْرَبًا فِي رِحَالِهِمْ ثَمَّةَ يَنْزِعُونَ ذَنْبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ بِلَا قَتْلٍ لَهُمَا دَفْعًا لِضَرَرِهِمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِبْقَاءً لِنَسْلِهِمَا. (وَلَا تُقْسَمُ غَنِيمَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ)

وَهُوَ مَشْهُورٌ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَحَبُّ أَنْ يُقْسَمَ وَقِيلَ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَهُمَا وَكَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاسِمَ إنْ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ، أَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَنْ اجْتِهَادٍ، فَالْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ وَإِلَّا فَفِي النَّفَاذِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَمْلِكُونَهَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَتُبْنَى عَلَى هَذَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إذَا أَتْلَفَ وَاحِدٌ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَمِنْهَا لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ ثَمَّةَ لَا يُورَثْ نَصِيبُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَمِنْهَا لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ وَلَا لِحَاجَةِ الْغُزَاةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَنَا، بَلْ الْأَمَةُ، وَالْوَلَدُ، وَالْعُقْرُ لِلْغُزَاةِ يَقْسِمُونَهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْكَافِي نَفْيُ لُزُومِ الْعُقْرِ بِوَطْئِهَا تَتَبَّعْ (إلَّا لِلْإِيدَاعِ) أَيْ: قِسْمَةِ إيدَاعٍ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ لِلْإِمَامِ مَا يَحْمِلُ الْغَنِيمَةَ فَأَوْدَعَهَا الْغَانِمِينَ لِيُخْرِجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ يَقْسِمُهَا وَلَا يَجْبُرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْكَبِيرِ أَجْبَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (ثُمَّ تُرَدُّ وَلَا تُبَاعُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ وَبَعْدَهُ نَصِيبُهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْمُقَاتِلُ، وَالرِّدْءُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ مُعَيَّنُ الْمُقَاتِلِينَ بِالْخِدْمَةِ وَقِيلَ هُمْ الْمُقَاتِلَةُ بَعْدَ الْمُقَاتِلِينَ وَيَقْرَبُ مِنْهُمْ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ النَّاصِرُ (سَوَاءٌ فِي) اسْتِحْقَاقِ (الْغَنِيمَةِ) لِتَحَقُّقِ الْمُشَارَكَةِ فِي السَّبَبِ، وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ عِنْدَنَا وَشُهُودُ الْوَقْعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَا يَسْتَوِي عِنْدَهُ. (وَكَذَا مَدَدٌ) ، وَهُوَ الَّذِي يُرْسَلُ إلَى الْجَيْشِ لِيَزْدَادُوا، وَفِي الْأَصْلِ مَا يُزَادُ بِهِ الشَّيْءُ وَيَكْثُرُ (لَحِقَهُمْ) أَيْ: الْعَسْكَرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ بَعْدَ الْقِتَالِ (قَبْلَ إحْرَازِهَا) أَيْ: الْغَنِيمَةِ (بِدَارِنَا) يَعْنِي يُشَارِكُ الْمَدَدُ بِهِمْ فِي الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُشَارِكُونَهُمْ بَعْدَ الْقِتَالِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَتْح الْإِمَامُ مَعَ الْعَسْكَرِ بَلَدًا مِنْ بُلْدَانِهِمْ، أَوْ أَحْرَزَ الْمَغْنَمَ بِدَارِنَا، أَوْ قَسَمَ فِي دَارِهِمْ عَنْ اجْتِهَادٍ، أَوْ بَاعَ فِيهَا، ثُمَّ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ لَمْ يُشَارِكْهُمْ، وَلِي أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَهُمْ فِي دَارِنَا كَانَتْ لِلْمُقَاتِلِ، وَالْمُسْتَعِينِ لَا الْمَدَدِ الَّذِي لَحِقَهُ بَعْدَ الْقِتَالِ. (وَلَا حَقَّ فِيهَا) أَيْ: فِي الْغَنِيمَةِ (لِسُوقِيٍّ لَمْ يُقَاتِلْ) ؛ لِأَنَّهُ تَاجِرٌ، فَإِنْ قَاتَلَ فَكَالْمُقَاتِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ يُسْهَمُ لَهُمْ.

(وَلَا) حَقَّ فِيهَا (لِمَنْ مَاتَ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَوْ بِيعَ (فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا، وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ يُورَثُ نَصِيبُهُ) ، وَلَوْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ بَعْدَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ مَعْلُومَ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُورَثُ بَعْدَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي قَوْلٍ يُورَثُ وَلَمْ أَرَ تَرْجِيحًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ وَإِحْرَازِ النَّوَاظِرِ لَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ يُورَثُ نَصِيبُ الْمُسْتَحِقِّ لِتَأَكُّدِ الْحَقِّ فِيهِ فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا يَتَأَكَّدُ فِيهَا لِلْغَانِمَيْنِ وَلَا مِلْكَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مَعَ أَنَّ النَّصِيبَ يُورَثُ فَكَذَا فِي الْوَظِيفَةِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَهُوَ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي لَا يُورَثُ نَصِيبُهُ سَوَاءٌ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ، أَوْ فِي آخِرِهَا وَقَيَّدْنَا بِقَبْلِ الْقِسْمَةِ، أَوْ بِيعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ الْبَيْعِ ثَمَّةَ فَإِنَّهُ يُورَثُ نَصِيبُهُ كَمَا فِي التتارخانية فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَيُنْتَفَعُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: وَيَنْتَفِعُ الْغَانِمُ مِنْهَا فَلَا يَنْتَفِعُ التَّاجِرُ، وَالدَّاخِلُ بِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَزَ الْحِنْطَةَ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ (فِيهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (بِلَا قِسْمَةٍ بِالسِّلَاحِ، وَالرُّكُوبِ، وَاللُّبْسِ إنْ اُحْتِيجَ) أَيْ: إنْ احْتَاجَ إلَى السِّلَاحِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ سِلَاحًا آخَرَ أَوْ إلَى دَابَّةِ الْغَنِيمَةِ، أَوْ ثَوْبِهَا بِأَنْ لَمْ يَجِدْ دَابَّةً أُخْرَى، أَوْ ثَوْبًا آخَرَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ سِلَاحِهَا وَرُكُوبُ دَابَّتِهَا وَلُبْسُ ثَوْبِهَا وَإِلَّا لَا. (وَ) يَنْتَفِعُ (بِالْعَلَفِ، وَالْحَطَبِ، وَالدُّهْنِ، وَالطِّيبِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وُجِدَ الِاحْتِيَاجُ، أَوْ لَا. وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ دَوَابَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوا مِنْ الطَّعَامِ كَالْخُبْزِ، وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَالسَّمْنِ، وَالزَّيْتِ وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطِّيبَ، وَالدُّهْنَ وَيَدْهُنُوا بِالدُّهْنِ وَيُوقِحُوا بِهِ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ.

تَمَسُّ إلَيْهَا وَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ، وَالْفَقِيرِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِلَا قِسْمَةٍ ثُمَّ شَرَطَ الْحَاجَةَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِلَا حَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ، وَالدَّوَابِّ لَا وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَقِيلَ إنْ اُحْتِيجَ) يَنْتَفِعُ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِحْسَانُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ السِّلَاحِ، وَالدَّوَابِّ لَا يُسْتَصْحَبْهُمَا فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِمَا ذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ وَإِمَّا إذَا نَهَاهُمْ عَنْهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ انْتَهَى. لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَّا لَا يَعْمَلُ نَهْيُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (لَا) يَنْتَفِعُ (بِالْبَيْعِ أَصْلًا) لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ (وَلَا التَّمَوُّلِ) أَيْ: اتِّخَاذِ الْغَنِيمَةِ مَالًا بِنَفْسِهِ. وَفِي الْعِنَايَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ أَيْ: يَبِيعُونَهُ بِالْعُرُوضِ (وَلَا) يُنْتَفَعُ (بَعْدَ الْخُرُوجِ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (بَلْ يُرَدُّ مَا فَضَلَ) مِمَّا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْعَلَفِ وَغَيْره (إلَى الْغَنِيمَةِ) لِزَوَالِ حَاجَتِهِ وَكَلِمَةُ، بَلْ هُنَا لِلتَّرَقِّي أَيْ: لَا يَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا فَضَلَ إلَى الْغَنِيمَةِ. (وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ) أَيْ: بِمَا فَضَلَ بَعْدَ الْخُرُوجِ (رَدَّ قِيمَتَهُ) إلَى الْغَنِيمَةِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَرُدُّ كَالْمُتَلَصِّصِ. (وَإِنْ قُسِمَتْ) الْغَنِيمَةُ (قَبْلَ الرَّدِّ) أَيْ: قَبْلَ رَدِّ مَا فَضَلَ (تَصَدَّقَ بِهِ) إنْ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ إنْ هَالِكًا عَلَى الْفُقَرَاءِ (لَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) وَيَنْتَفِعُ إنْ كَانَ فَقِيرًا (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ الْحَرْبِيِّ ثَمَّةَ (قَبْلَ أَخْذِهِ) أَيْ: أَخْذِ الْغُزَاةِ إيَّاهُ (أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ. (وَ) أَحْرَزَ (كُلَّ مَا) أَيْ: مِنْ الْمَنْقُولِ (هُوَ مَعَهُ) لِسَبْقِ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَيْهِ (أَوْ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا. وَفِي الْبَحْرِ

فصل في كيفية القسمة

وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا أَخَذَ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَالَهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ هُوَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ فَقَطْ (وَعَقَارُهُ فَيْءٌ) عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَالْمَنْقُولِ وَلَنَا أَنَّ الْعَقَارَ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ وَسُلْطَانِهَا (وَقِيلَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْعَقَارِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ) قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرُ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ الْعَقَارُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ (وَوَلَدُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي فَيْءٌ (الْكَبِيرُ) ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ وَلَا يَتْبَعُهُ (وَزَوْجَتُهُ) ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ (وَحَمْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَيُسْتَرَقُّ بِرِقِّهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَبْدُهُ الْمُقَاتِلُ) ؛ لِأَنَّهُ لِقِتَالِهِ صَارَ مُتَمَرِّدًا عَلَى مَوْلَاهُ وَمُلْحَقًا بِأَهْلِ الدَّارِ، وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُقَاتِلَةُ، وَلَوْ كَانَتْ حُبْلَى فَهِيَ، وَالْجَنِينُ فَيْءٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ لَيْسَ بِفَيْءٍ (وَمَالُهُ مَعَ حَرْبِيٍّ بِغَصْبٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمُحْتَرَمَةٍ فَيَكُونُ فَيْئًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَكَذَا مَالُهُ مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِغَصْبٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ كَيَدِ الْمَالِكِ فَيَكُونُ فَيْئًا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ، وَقَدْ صَارَتْ مَعْصُومَةً بِالْإِسْلَامِ (وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ) فِي هَذَا (مَعَ الْإِمَامِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ فَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَطْ خِلَافًا لَهُمَا فِي رِوَايَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ هَذَا يَكُونُ فَيْئًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. قَيَّدَ بِالْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ، أَوْ الذِّمِّيَّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَصَابَ مَالًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ مَالٍ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً لِهَذَا الْمَالِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ فَلَا يَزُولُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ يَكُونُ فَيْئًا، وَلَوْ أَغَارُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرُوا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِمَامِ يَصِيرُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا إلَّا نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] ِ أَفْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا، وَالْقِسْمَةُ جَعْلُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ (وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ) أَيْ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنِيمَةَ وَيُخْرِجَ خُمُسَهَا أَوَّلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَيَقْسِمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ عَلَى الْغَانِمِينَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (لِلرَّاجِلِ) أَيْ مَنْ لَا فَرَسَ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ، أَوْ بَغْلٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ (سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ (وَعِنْدَهُمَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّيْثِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْفَارِسِ (ثَلَاثَةٌ أَسْهُمٍ لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَسْهَمَ لِلْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ

سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ» فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ فَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» (وَلَا يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ) وَاحِدٍ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسْهَمَ زُبَيْرًا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» وَلَهُمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَمْ يُسْهِمْ يَوْمَ خَيْبَرَ لِصَاحِبِ الْأَفْرَاسِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْفِيلِ كَمَا أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ سَهْمَيْنِ، وَهُوَ رَاجِلٌ (، وَالْبَرَاذِينُ) جَمْعُ الْبِرْذَوْنِ، وَهُوَ خَيْلُ الْعَجَمِ (كَالْعِتَاقِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَتِيقٍ، وَهُوَ فَرَسٌ جَوَادٌ وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا؛ لِأَنَّ إرْهَابَ الْعَدُوِّ يُضَافُ إلَى جِنْسِ الْخَيْلِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْبَرَاذِينِ، وَالْعِرَابِ، وَالْهَجِينِ، وَالْمُقْرِفِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْبِرْذَوْنِ قُوَّةَ الْحَمْلِ، وَالصَّبْرَ، وَفِي الْعَتِيقِ قُوَّةَ الطَّلَبِ، وَالسَّفَرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ. (وَلَا يُسْهَمُ لِرَاحِلَةٍ) ، وَهِيَ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْحِمْلُ (وَلَا بَغْلٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَلَا تَصْلُحُ لِلطَّلَبِ، وَالْهَرَبِ (وَالْعِبْرَةُ لِكَوْنِهِ فَارِسًا، أَوْ رَاجِلًا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ: مُجَاوَزَةِ مَدْخَلِ دَارِ الْحَرْبِ لَا شُهُودُ الْوَقْعَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ) ، أَوْ نَائِبِهِ (أَنْ يَعْرِضَ الْجَيْشَ عِنْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لِيَعْلَمَ الْفَارِسَ مِنْ الرَّاجِلِ) حَتَّى يَقْسِمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ (فَمَنْ جَاوَزَ) مَدْخَلَ دَارِ الْحَرْبِ هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَذْهَبِنَا (رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا) بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ وَشَهِدَ الْوَقْعَةَ (فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ) وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لَهُ سَهْمَ الْفَارِسِ (وَمَنْ جَاوَزَ فَارِسًا فَنَفَقَ) أَيْ هَلَكَ (فَرَسُهُ) فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا (فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ) وَهَذَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ فَارِسًا، أَوْ رَاجِلًا حَالَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ إمَّا الْمُجَاوَزَةُ فَوَسِيلَةٌ إلَى السَّبَبِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ وَلَنَا أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ أَقْوَى الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الْإِرْهَابَ بِهَا يَلْحَقُهُمْ؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى شَوْكَةٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ، وَالْجِهَادُ يَكُونُ بِالْإِرْهَابِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ هَذَا فِي عَدَمِ الْمَضَايِقِ أَمَّا لَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفَارِسِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ لِتَهْيِئَتِهِ لِلْقِتَالِ فَارِسًا، وَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ. (وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْفَرَسَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ (قَبْلَ الْقِتَالِ) ، أَوْ حَالَ الْقِتَالِ عَلَى الْأَصَحِّ أَمَّا لَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفُرْسَانِ (أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ آجَرَهُ، أَوْ رَهَنَهُ فَسَهْمُ رَاجِلٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالَ فَارِسًا

إلَّا إذَا بَاعَهُ مُكْرَهًا، وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّهُ فَارِسٌ لِلْمُجَاوَزَةِ. وَفِي الْمِنَحِ لَوْ غُصِبَ فَرَسُهُ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ اسْتَرْدَدَهُ فِيهَا فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، أَوْ نَفَرَ الْفَرَسُ فَاتَّبَعَهُ وَدَخَلَ رَاجِلًا، وَكَذَا إذَا ضَلَّ مِنْهُ وَدَخَلَ رَاجِلًا، ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهَا لَا يُحْرَمُ مِنْ سَهْمِ الْفَارِسِ، وَلَوْ وَهَبَهَا وَدَخَلَ رَاجِلًا وَدَخَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَارِسًا، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ سَهْمَ الْفَارِسِ فِيمَا أَصَابَهُ قَبْلَ الرُّجُوعِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فِيمَا أَصَابَهُ بَعْدَهُ، وَالرَّاجِعُ رَاجِلٌ مُطْلَقًا. (وَكَذَا لَوْ كَانَ) الْفَرَسُ (مَرِيضًا أَوْ مُهْرًا لَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقِتَالَ إلَّا إذَا زَالَ الْمَرَضُ وَصَارَ بِحَالٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا مَنْ كَانَ فَرَسُهُ مَرِيضًا بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطَالَ الْمُكْثَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى بَلَغَ الْمَهْرُ وَصَارَ صَالِحًا لِلرُّكُوبِ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ. (وَلَا يُسْهَمُ لِمَمْلُوكٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ (أَوْ مُكَاتَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَبْدِ إذْ الرِّقُّ قَائِمٌ وَتَوَهُّمُ عَجْزِهِ ثَابِتٌ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ (، أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا عَاجِزَانِ عَنْ الْقِتَالِ؛ وَلِهَذَا لَا يَلْحَقُهُمَا فَرْضُ الْخُرُوجِ (أَوْ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْجِهَادِ وَكَلِمَةُ، أَوْ فِي قَوْلِهِ، أَوْ مُكَاتَبٍ إلَى هُنَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ، بَلْ الْأَوْلَى الْوَاوُ (بَلْ يَرْضَخُ) بِالضَّادِ، وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ: يُعْطِي شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لَهُمْ (بِحَسَبِ مَا يَرَى) الْإِمَامُ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ وَانْحِطَاطًا لِرُتْبَتِهِمْ (إنْ قَاتَلُوا، أَوْ دَاوَتْ الْمَرْأَةُ الْجَرْحَى، أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ) أَيْ: مَسْتُورَاتِهِمْ، وَالْوَاوُ فِي وَدَلَّ بِمَعْنَى، أَوْ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ لَا تَرْضَخَ لَهُ إنْ دَلَّ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ فَقَطْ، أَوْ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَطْ فَلَيْسَ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ. (وَعَلَى الطَّرِيقِ) فَلَا يُرْضَخُ الْعَبْدُ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالتَّاجِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا بِالْقِتَالِ وَقَاتَلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ السَّهْمُ الْكَامِلُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَضٌ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ يُرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى؛ لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْقِتَالِ فَتَقُومُ إعَانَتُهَا مَقَامَ الْقِتَالِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَالذِّمِّيُّ إنَّمَا يُرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ، أَوْ دَلَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ السَّهْمَ إلَّا فِي الذِّمِّيِّ إذَا دَلَّ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا يَبْلُغُ السَّهْمُ إذَا قَاتَلَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ حُكْمِ الدَّلَالَةِ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَغَيْرَهُ أَيْضًا إذَا دَلَّ يُعْطَى لَهُ أُجْرَةُ الدَّلَالَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذِكْرُ الذِّمِّيِّ اتِّفَاقِيٌّ تَأَمَّلْ. وَفِيهِ إشْعَارٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكَافِرِ عَلَى الْقِتَالِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(وَالْخُمُسُ) مِنْ الْغَنِيمَةِ يَكُونُ (لِلْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أَيْ: يُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٍ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ وَتَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ فَيُصْرَفُ إلَى جَمِيعِهِمْ، أَوْ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي النُّتَفِ وَغَيْرِهِ (وَيُقَدَّمُ) مِنْهُمْ (ذَوُو الْقُرْبَى الْفُقَرَاءُ) أَيْ أَقْرِبَاءُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ دُونَ بَنِي نَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ فَيُقَدَّمُ الْيَتِيمُ مِنْهُمْ عَلَى الْيَتِيمِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَالْمَسَاكِينُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَابْنُ السَّبِيلِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ (وَلَا حَقَّ فِيهِ) أَيْ: فِي الْخُمُسِ (لِأَغْنِيَائِهِمْ) أَيْ لِأَغْنِيَائِهِمْ ذَوِي الْقُرْبَى عِنْدَنَا فَبَقِيَ لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَنَا إنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَمُوهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ بِخُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ» ، وَالْعِوَضُ إنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ، وَهُمْ الْفُقَرَاءُ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَّلَ فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ هَكَذَا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فَقِيرُهُمْ أَيْضًا مَحْرُومٌ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُمُسَ يُصْرَفُ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى وَابْنِ السَّبِيلِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصَّرْفِ إلَى الْأَقْرِبَاءِ الْأَغْنِيَاءِ فَلْيُحْفَظْ وَ (ذَكَرَهُ تَعَالَى) حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (لِلتَّبَرُّكِ) كَمَا قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لِعِمَارَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْبِهِ وَإِلَى عِمَارَةِ الْجَوَامِعِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ هِيَ فِي الْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ (وَسَهْمُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ

يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصْرَفُ إلَى الْخَلِيفَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَا (كَالصَّفِيِّ) أَيْ: كَسُقُوطِ الصَّفِيِّ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُوَ شَيْءٌ نَفِيسٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ النَّفِيسَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَدِرْعٍ، أَوْ سَيْفٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ أَمَةٍ. (وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لَا يُخَمَّسُ مَا أَخَذُوا) يَعْنِي إنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ مُغِيرِينَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لَا يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ حِينَئِذٍ يَكُونُ اخْتِلَاسًا وَسَرَقًا لَا قَهْرًا وَغَلَبَةً. (وَإِنْ كَانَ) الدُّخُولُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ (أَوْ لَهُمْ) أَيْ لِلدَّاخِلِينَ (مَنَعَةٌ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ (خُمِّسَ) مَا أَخَذُوا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ، وَالْقَهْرِ لَا الِاخْتِلَاسِ، وَالسَّرِقَةِ فَكَانَ غَنِيمَةً هَذَا فِي الْمَنَعَةِ ظَاهِرٌ أَمَّا فِي الْإِذْنِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ بِالْإِمْدَادِ فَصَارَ كَالْمَنَعَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ لَوْ أَغَارَ ثَلَاثَةٌ، أَوْ أَقَلُّ لَا يُخَمَّسُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمْ يُخَمَّسْ إلَّا إذَا بَلَغُوا تِسْعَةً (وَلِلْإِمَامِ) أَيْ: نُدِبَ لِلْإِمَامِ (أَنْ يُنَفِّلَ) ، وَالتَّنْفِيلُ إعْطَاءُ الْغُزَاةِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى سَهْمِهِمْ حَثًّا عَلَى الْقِتَالِ (قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)

أَيْ: الِانْتِهَاءِ، وَأَثْقَالُهَا الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِهَا: كَالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ وَقِيلَ: آثَامُهَا، وَالْمَعْنَى حَتَّى تَضَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ شِرْكَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَهَذَا اقْتِبَاسٌ مِنْ الْقُرْآنِ (فَيَقُولُ) الْإِمَامُ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلتَّنْفِيلِ. (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) أَيْ مَقْتُولًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ (فَلَهُ سَلَبُهُ، أَوْ) يَقُولُ (مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَلَهُ رُبُعُهُ) مَثَلًا (أَوْ يَقُولُ لِسَرِيَّةٍ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبُعَ بَعْدَ) مَا رُفِعَ (الْخُمُسُ) . وَفِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ بَعْدَ الْخُمُسِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَّلَ بِرُبُعِ الْكُلِّ جَازَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَّلَ السَّرِيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ جَازَ؛ فَهَذَا أَوْلَى. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ لَوْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا؛ فَلَهُ سَلَبُهُ إذَا قَتَلَ هُوَ اسْتِحْسَانٌ بِخِلَافِ: مَنْ قَتَلْتُهُ أَنَا فَلِي سَلَبُهُ لِلتُّهْمَةِ، إلَّا إذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ خَاطَبَ وَاحِدًا فَقَتَلَ الْمُخَاطَبُ رَجُلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُ الْأَوَّلِ خَاصَّةً إلَّا إذَا قَتَلَهُمَا مَعًا فَلَهُ سَلَبُ وَاحِدٍ، وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِ لِلْقَاتِلِ لَا لِلْإِمَامِ، وَلَوْ عَلَى الْعُمُومِ فَقَتَلَ رَجُلٌ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَاسْتَحَقَّ سَلَبَهُمَا، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ إذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُبَاحَ الدَّمِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا إذَا قَاتَلَ صَبِيٌّ فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَيَسْتَحِقُّهُ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ، وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ، وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ، وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ إلَيْهِمْ كَمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ مَنْ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ، أَوْ الرَّضْخَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ، وَالتَّاجِرَ، وَالْمَرْأَةَ، وَالْعَبْدَ. (وَلَا يُنَفِّلُ) أَيْ: لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ (بِكُلِّ الْمَأْخُوذِ) بِأَنْ يَقُولَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا الشَّرْعُ إذْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتهمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ كَلَامٌ، فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ أَيْ: قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ، وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ (وَلَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ) أَيْ: لَا يُنَفِّلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ، وَكَذَا لَا يُنَفِّلُ يَوْمَ الْفَتْحِ إذْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ (إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) أَيْ: يَجُوزُ التَّنْفِيلُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ مِنْ الْخُمُسِ إلَّا لِلْغَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ لِلْمُحْتَاجِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ تَنْفِيلٌ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ لِلْغَنِيِّ، تَتَبَّعْ (وَالسَّلَبُ) بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الْمَسْلُوبِ مَا يُنْزَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ (لِلْكُلِّ) أَيْ: لِجَمِيعِ الْجُنْدِ (إنْ لَمْ يُنَفِّلْ) الْإِمَامُ، فَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ

باب استيلاء الكفار

عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَهُوَ) أَيْ: السَّلَبُ (مَرْكَبُهُ) أَيْ مَرْكَبُ الْمَقْتُولِ (وَمَا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمَرْكَبِ مِنْ السَّرْجِ، وَالْآلَةِ وَمَا عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ، أَوْ وَسَطِهِ (وَثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ (لَا مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى) وَمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ، وَهُوَ غَنِيمَةٌ لِجَمِيعِ الْجَيْشِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ رَجُلٌ رَاجِلًا وَمَعَ غُلَامِهِ فَرَسٌ بِقُرْبٍ مِنْهُ يَكُونُ فَرَسُهُ لِلْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ قَتَلَ مَنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْقِتَالِ فَارِسًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ (وَالتَّنْفِيلُ لِقَطْعِ حَقِّ الْغَيْرِ لَا لِلْمِلْكِ) ، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ كَمَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَلَوْ قَالَ) الْإِمَامُ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ (مَنْ أَصَابَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ لَا يَحِلُّ لِمَنْ أَصَابَهَا الْوَطْءُ) بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ (وَلَا الْبَيْعُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ) بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ خِلَافًا لَهُمَا، وَالشِّرَاءُ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ قِيلَ: عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. [بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِنَا عَلَيْهِمْ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْنَا وَهُوَ شَامِلٌ لِشَيْئَيْنِ اسْتِيلَاءِ بَعْضِهِمْ وَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى أَمْوَالِنَا فَقَدَّمَ الْأَوَّلَ فَقَالَ (إذَا سَبَى التُّرْكُ) أَيْ كُفَّارُ التُّرْكِ بِالضَّمِّ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَالْجَمْعُ أَتْرَاكٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَعَلَى هَذَا مَنْ قَالَ التُّرْكُ جَمْعُ تُرْكِيٍّ فَقَدْ خَالَفَ مَا فِي الْقَامُوسِ تَتَبَّعْ (الرُّومَ) أَيْ نَصَارَى الرُّومِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالرُّومُ بِالضَّمِّ جَمْعُ الرُّومِيِّ (وَأَخَذُوا)

أَيْ التُّرْكُ (أَمْوَالَهُمْ) أَيْ أَمْوَالَ الرُّومِ (مَلَكُوهَا) لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ قَدْ تَحَقَّقَ فِي مَالٍ مُبَاحٍ وَهُوَ السَّبَبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كَافِرٍ اسْتَوْلَى عَلَى كَافِرٍ آخَرَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبٍ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ فَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ أَسَرَ التُّرْكُ امْرَأَةً مِنْ الرُّومِ فَأَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلُوهَا دَارَهُمْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَوْ اسْتَوْلَى كُفَّارُ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ عَلَى الرُّومِ وَأَحْرَزُوهَا بِالْهِنْدِ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِكُفَّارِ الْهِنْدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَنَمْلِكُ مَا وَجَدْنَا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الَّذِي سَبَاهُ التُّرْكُ مِنْ الرُّومِ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (إذَا غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى التُّرْكِ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ فَصَارَ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. (وَإِنْ غَلَبُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا أَيْ أَمْوَالَنَا بِدَارِهِمْ) أَيْ بِدَارِ الْحَرْبِ (مَلَكُوهَا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُونَهَا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَهُ فَتَصِيرُ أَمْوَالُنَا مَعْصُومَةً فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَمْلِكُونَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَغَيْرُ مُخَاطَبِينَ عِنْدَنَا فَلَا تَصِيرُ أَمْوَالُنَا مَعْصُومَةً وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ. (وَكَذَا) يَمْلِكُونَ عِنْدَنَا (لَوْ نَدَّ) أَيْ لَوْ نَفَرَ (مِنَّا بَعِيرٌ إلَيْهِمْ) لَتَحَقَّقَ الِاسْتِيلَاءُ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ لِتَظْهَرَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَعِيرِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الدَّابَّةُ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحِيطِ فَعَلَى هَذَا إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالدَّابَّةِ، تَدَبَّرْ. (فَإِذَا ظَهَرْنَا) أَيْ غَلَبْنَا (عَلَيْهِمْ) بِعَوْنِهِ تَعَالَى (فَمَنْ وَجَدَ) مِنَّا (مِلْكَهُ) فِي يَدِ الْغَانِمِينَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ (أَخَذَهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) أَيْ قِسْمَةِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ (مَجَّانًا) أَيْ أَخَذَهُ

بِلَا شَيْءٍ (وَبَعْدَهَا) أَيْ لَوْ وَجَدَ مِلْكَهُ بَعْدَ قِسْمَةِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ (إنْ كَانَ) مَا وَجَدَهُ (مِثْلِيًّا) الْمِثْلِيُّ يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ كَمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا يَأْخُذُهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ. (وَإِنْ) كَانَ مَا وَجَدَهُ (قِيَمِيًّا) الْقِيَمِيُّ خِلَافُ الْمِثْلِيِّ (أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ) إنْ شَاءَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَلِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَكَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ نَظَرًا لَهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ بِعَيْنِهِ فَإِذَا تَعَلَّقَ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِسْمَةِ قِسْمَتُنَا الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا مَنْ حَمَلَ الْقِسْمَةَ عَلَى قِسْمَةِ الْكُفَّارِ فَقَدْ أَخْطَأَ، تَأَمَّلْ. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْعَدُوِّ (تَاجِرٌ وَأَخْرَجَهُ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (وَهُوَ قِيَمِيٌّ يَأْخُذُهُ) الْمَالِكُ الْقَدِيمُ (بِالثَّمَنِ إنْ اشْتَرَاهُ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ التَّاجِرُ مِنْ الْعَدُوِّ إنْ شَاءَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ التَّاجِرُ بِأَخْذِهِ مَجَّانًا. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ فَبِقِيمَةِ الْعَرْضِ) أَيْ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِقِيمَةِ الْعَرْضِ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ وُهِبَ لَهُ فَبِقِيمَتِهِ) أَيْ لَوْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْقِيمَةِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْقِيَمِيِّ (الْمِثْلِيُّ فِي شِرَائِهِ بِثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى التَّاجِرُ مِثْلِيًّا بِثَمَنٍ أَوْ عَرْضٍ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ الْعَرْضِ إنْ شَاءَ. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ مِثْلِيًّا (بِجِنْسِهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ) أَيْ وُهِبَ لَهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (لَا يَأْخُذُهُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ. وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ قَدْرًا وَوَصْفًا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهُ قَدْرًا أَوْ بِأَرْدَى مِنْهُ وَصْفًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ فَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِهِ نَسِيئَةً فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ خِلَافُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءَ كَمَا لَوْ مُلِكَ بِالْهِبَةِ (وَإِنْ كَانَ) مَا اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ (عَبْدًا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي يَدِ التَّاجِرِ وَأَخَذَ) التَّاجِرُ (أَرْشَهَا يَأْخُذُهُ) الْمَالِكُ الْقَدِيمُ (بِكُلِّ الثَّمَنِ) الَّذِي أَخَذَهُ التَّاجِرُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ (إنْ شَاءَ) أَيْ لَا يَحُطُّ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْأَرْشَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَرْشِ صَحِيحٌ فَلَوْ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ. (وَإِنْ أَسَرُوهُ مِنْ يَدِ التَّاجِرِ فَاشْتَرَاهُ) تَاجِرٌ (آخَرُ) يَعْنِي عَبْدَ الرَّجُلِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ

فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا (يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي (بِثَمَنِهِ) أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَ التَّاجِرُ الثَّانِي بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ (ثُمَّ) يَأْخُذُهُ (الْمَالِكُ) الْقَدِيمُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (بِالثَّمَنِ) أَيْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الثَّانِي مِنْ الْعَدُوِّ إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ قَامَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالتَّخْلِيصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْعَبْدِ (مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي) قَبْلَ أَخْذِهِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ غَائِبًا لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى مِلْكِ الْقَدِيمِ. (وَلَا يَمْلِكُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ بِالِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ وَالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ (حُرَّنَا وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبِنَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِاسْتِيلَاءٍ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَالْحُرُّ مَعْصُومٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ رِقًّا وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ (وَيُمْلَكُ عَلَيْهِمْ كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ حُرُّهُمْ وَمُدَبَّرُهُمْ وَأَمُّ وَلَدِهِمْ وَمُكَاتَبُهُمْ لِلِاسْتِيلَاءِ عَلَى مُبَاحٍ فَلَوْ أَهْدَى مَلِكٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَى مُسْلِمٍ هَدِيَّةً مِنْ أَحْرَارِهِمْ مَلَكَهُ إلَّا إذَا كَانَ قَرَابَةً لَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَمْلِكُونَ عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (أَبَقَ إلَيْهِمْ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْآبِقَ لَمَّا انْفَصَلَ عَنْ دَارِنَا زَالَتْ يَدُ الْمَالِكِ عَنْهُ فَظَهَرَ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ مَعْصُومًا فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ وَفِي إطْلَاقِ الْعَبْدِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عَبْدَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فِيهِ قَوْلَانِ (فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَجَّانًا أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَأْخُذُهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (لَكِنْ يُعَوَّضُ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ وَتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمَالِكِ جَعْلُ الْآبِقِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ الْآبِقُ إلَيْهِمْ (كَالْمَأْسُورِ) فَيَمْلِكُونَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ قَيَّدَ بِالْإِبَاقِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذُوهُ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا أَخَذُوهُ قَهْرًا أَوْ قَيَّدُوهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُقْهَرْ فَلَا يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا يَمْلِكُونَ عَبْدًا أَبَقَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ قَهْرًا لَكَانَ أَوْلَى. تَدَبَّرْ. (وَإِنْ أَبَقَ) الْعَبْدُ (بِفَرَسٍ وَمَتَاعٍ فَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ) أَيْ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَالْمَتَاعِ (وَأَخْرَجَهُ) إلَى دَارِنَا (أَخَذَ الْمَالِكُ مَا سِوَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ وَ) أَخَذَ (الْعَبْدَ مَجَّانًا) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) أَخَذَهُ (بِالثَّمَنِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَأْخُذُ الْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ إنْ شَاءَ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.

باب المستأمن

وَإِنْ اشْتَرَى) حَرْبِيٌّ (مُسْتَأْمِنٌ) فِي دَارِنَا (عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ عَتَقَ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَقْيِيدُ الْعَبْدِ بِالْإِسْلَامِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَطْلَقَهُ لَكَانَ أَوْلَى (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى بَيْعِهِ فَقَدْ زَالَ إذْ لَا يَدَ لَنَا عَلَيْهِمْ فَبَقِيَ عَبْدًا فِي أَيْدِيهِمْ قُلْنَا إذَا زَالَتْ وِلَايَةُ الْجَبْرِ أُقِيمَ الْإِعْتَاقُ مَقَامَهُ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ عَنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَرْبِيِّ مَلَكَهُ فِي دَارِنَا لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إذَا أَسَرَهُ الْحَرْبِيُّ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَدْخَلَهُ دَارِهِ لَا يُعْتَقُ اتِّفَاقًا. (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لَهُمْ) أَيْ لِلْكُفَّارِ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَجَاءَنَا) مُسْلِمًا (أَوْ ظَهَرْنَا) أَيْ غَلَبْنَا (عَلَيْهِمْ أَوْ خَرَجَ إلَى عَسْكَرِنَا) مُسْلِمًا (فَهُوَ حُرٌّ) فَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِإِسْلَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ فَآمَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَةٍ فَأَسْلَمَ فِي دَارِنَا فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْإِمَامُ وَيَحْفَظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. [بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ] ِ) هُوَ مَنْ يَدْخُلُ دَارَ غَيْرِهِ بِأَمَانٍ فَشَمِلَ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ وَكَافِرًا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَتَقْدِيمُ اسْتِيمَانِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ ظَاهِرٌ (إذَا دَخَلَ تَاجِرُنَا إلَيْهِمْ) أَيْ دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَى دَارِ الْحَرْبِ (بِأَمَانٍ لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ لِتَاجِرِنَا الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ (أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ دِمَائِهِمْ) لِأَنَّهُ دَخَلَ بِأَمَانٍ فَالتَّعَرُّضُ غَدْرٌ (فَإِنْ) غَدَرَ بِهِمْ التَّاجِرُ وَ (أَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ) مِنْ دَارِهِمْ بِطَرِيقِ التَّعَرُّضِ بِهِ (مَلَكَهُ) بِالِاسْتِيلَاءِ مِلْكًا (مَحْظُورًا) أَيْ خَبِيثًا لِأَنَّهُ حَصَّلَهُ بِالْغَدْرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً كُرِهَ وَطْؤُهَا لِلْمُشْتَرِي كَمَا لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا إلَّا لِلْبَائِعِ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) تَنَزُّهًا عَنْهُ. (وَإِنْ غَدَرَ بِهِ) أَيْ بِالتَّاجِرِ (مَلِكُهُمْ) أَيْ مَلِكُ الْكُفَّارِ (فَأَخَذَ مَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ) أَيْ التَّاجِرَ (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ أَخَذَ مَالَهُ أَوْ حَبَسَهُ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَلِكِهِمْ (بِعِلْمِهِ) أَيْ الْمَلِكِ وَلَمْ يَنْهَهُ (حَلَّ لَهُ) أَيْ لِلتَّاجِرِ (التَّعَرُّضُ) لِمَالِهِمْ وَدَمِهِمْ لِأَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ (كَالْأَسِيرِ) وَالْمُتَلَصِّصِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَقَتْلُ النَّفْسِ

وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ دُونَ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أَمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَةً وَلَمْ يَطَأْهَا أَهْلُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهُنَّ يَجِبُ الْعِدَّةُ لِلشُّبْهَةِ بِخِلَافِ أَمَتِهِ الْمَأْسُورَةِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ. (وَإِنْ أَدَانَهُ) أَيْ بَاعَهُ بِالدَّيْنِ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّيْنِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ وَالِابْتِيَاعِ بِهِ أَوْ الْقَرْضِ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ) هُوَ (حَرْبِيًّا) أَيْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَجَعَلَهُ الْحَرْبِيُّ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ أَوْ جَعَلَ الْحَرْبِيَّ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ مَا (أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَخَرَجَا) أَيْ ذَلِكَ التَّاجِرُ وَالْحَرْبِيُّ (إلَيْنَا) وَتَحَاكَمَا عِنْدَ حَاكِمٍ (لَا يَقْضِي) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْتِزَامُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي غَصَبَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِ دُونَ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَحْكَامَهُ حَيْثُ كَانَ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (وَكَذَا) لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ (لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حَرْبِيَّانِ) أَيْ لَوْ أَدَانَ أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فِي دَارِهِمْ (وَخَرَجَا) إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ خَرَجَا) أَيْ الْحَرْبِيَّانِ إلَيْنَا بَعْدَمَا فَعَلَا ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِمَا (مُسْلِمَيْنِ قَضَى بِالدَّيْنِ) لِوُقُوعِ الْمُدَايَنَةِ بِتَرَاضِيهِمَا وَالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ (لَا بِالْغَصْبِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِيُؤْمَرَ بِالرَّدِّ. (وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بَعْدَمَا غَصَبَهُ) أَيْ غَصَبَ مِنْهُ (الْمُسْلِمُ ثُمَّ خَرَجَا) حَالَ كَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ إلَيْنَا (يُفْتِي بِالرَّدِّ دِيَانَةً) وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَصْبِ وَسَكَتَ عَنْ الْإِفْتَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ يُفْتِي بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ خَرَجَ حَرْبِيٌّ مَعَ مُسْلِمٍ إلَى الْعَسْكَرِ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسِيرٌ وَقَالَ كُنْت مُسْتَأْمَنًا فَالْقَوْلُ لِلْحَرْبِيِّ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَكَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ مَغْلُولًا أَوْ كَانَ مَعَ عَدَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْلِمِ. (وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُ الْمُسْلِمَيْنِ الْمُسْتَأْمَنِينَ الْآخَرَ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (وَالْكَفَّارَةُ أَيْضًا) أَيْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَالدِّيَةِ (فِي الْخَطَأِ) دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عِنْدَنَا فِي الْعَمْدِ أَمَّا الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَلِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا يَعْقِلُ الْعَمْدَ وَالْقِصَاصُ قَدْ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّيَةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ الْمَعْصُومِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ. (وَإِنْ كَانَا أَسِيرَيْنِ) فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (فَلَا شَيْءَ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ)

فصل بيان ما بقي من أحكام المستأمن

عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) الْأَسِيرَانِ (كَالْمُسْتَأْمَنِينَ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَأِ مِنْ مَالِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِالْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ بِالْأَمَانِ وَلَهُ أَنَّ الْأَسِيرَ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ بِالْقَهْرِ فَلَا تَجِبُ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ الْحَرْبِيُّ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَقْهُورٍ (وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (مُسْلِمًا أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ) إلَيْنَا (سِوَى الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ اتِّفَاقًا) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَتْلِهِ خَطَأً. [فَصْلٌ بَيَانِ مَا بَقِيَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَأْمَنِ] ِ (لَا يُمَكَّنُ) مِنْ التَّمْكِينِ (مُسْتَأْمَنٌ) حَرْبِيٌّ (أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً) لِضَرَرِ الْإِطْلَاعِ عَلَيْنَا (وَيُقَالُ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ (لَهُ) أَيْ لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (إنْ أَقَمْت سَنَةً نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَمَا وَقَعَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِلْكَافِرِ عَلَى أَعْظَمِ الْجَرَائِمِ وَهُوَ الْكُفْرُ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ دَعْوَةٌ إلَى الْإِسْلَامِ بِأَحْسَنِ الْجِهَاتِ وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَرَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدَ بِالسَّنَةِ لِأَنَّهَا أَقْصَى الْمَآرِبِ وَفِيهَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ وَلَوْ مُنِعَ عَنْ مُكْثِهِ فِيمَا دُونَهَا لَانْسَدَّ بَابُ التِّجَارَاتِ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ إنْ أَقَمْت شَهْرًا إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَالْإِمَامُ أَدْرَى بِهَا فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السَّنَةِ وَقَّتَ بِهَا وَمَكَّنَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي هِيَ دُونَهَا، وَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَقِّتَ بِمَا دُونَهَا نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ فَعَلَ وَمَكَّنَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ دُونَهَا وَأَنَّ الْمَمْنُوعَ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ وَهِيَ السَّنَةُ وَمَا فَوْقَهَا ثُمَّ يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَهَذَا لَا يُنَافِي كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُنِعَ عَنْ مُكْثِهِ فِيمَا دُونَهَا لَانْسَدَّ بَابُ التِّجَارَاتِ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، تَأَمَّلْ. وَقَيَّدَ بِالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ فَيْءٌ وَإِنْ قَالَ دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ (فَإِنْ أَقَامَ) هُنَا (سَنَةً) وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ (صَارَ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهُ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِإِقَامَتِهِ سَنَةً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْقَوْلِ وَالْمُدَّةِ لِصَيْرُورَتِهِ ذِمِّيًّا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْعَتَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ إلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَكِنَّ فِي كَلَامِ الْمَبْسُوطِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ سَنَةً وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي حَوْلِ الْمُكْثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ ذِمِّيًّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِهَا مِنْهُ فِيهِ وَإِلَى أَنَّهُ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَيَضْمَنُ الْمُسْلِمُ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً وَيَجِبُ كَفُّ الْأَذَى عَنْهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى دَارِهِ)

لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْتَقَصُ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الْإِسْلَامِ (وَكَذَا) يَصِيرُ ذِمِّيًّا (لَوْ قِيلَ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ (لَهُ) لِلْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (إنْ أَقَمْت شَهْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ (فَإِنْ أَقَامَ) الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا الْإِمَامُ (أَوْ اشْتَرَى أَرْضًا وَوَضَعَ عَلَيْهِ خَرَاجَهَا) أَيْ خَرَاجَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ فَقَطْ لَزِمَهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فِي دَارِنَا فَصَارَ ذِمِّيًّا ضَرُورَةً وَلَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ الِاشْتِرَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَعَلَيْهِ جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ حِينِ وَضْعِ الْخَرَاجِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ (أَوْ نَكَحَتْ الْمُسْتَأْمَنَةُ ذِمِّيًّا) لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ فَتَكُونُ ذِمِّيَّةً هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ اشْتَرَى وَلَوْ قَالَ أَوْ صَارَ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا تَكُونُ ذِمِّيَّةً أَيْضًا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ عِنْدَنَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النِّكَاحَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا دَخَلَ الْمُسْتَأْمَنُ بِامْرَأَتِهِ دَارَنَا ثُمَّ صَارَ الزَّوْجُ ذِمِّيًّا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ وَيَشْمَلُ مَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْتَأْمَنٌ مُسْتَأْمَنَةً فِي دَارِنَا ثُمَّ صَارَ الرَّجُلُ ذِمِّيًّا كَمَا فِي الْمِنَحِ، تَأَمَّلْ. (لَا لَوْ نَكَحَ هُوَ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ الْحَرْبِيُّ (ذِمِّيَّةً) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْمُقَامَ فِي دَارِنَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ طَلَاقِهَا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ بَيِّنٌ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ فَلْيُطَالَعْ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِهِ حَلَّ دَمُهُ) لِصَيْرُورَتِهِ حَرْبِيًّا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ حَرْبِيًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ الرَّاجِعِ إلَى دَارِهِ (وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ (فَأُسِرَ أَوْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ) مَبْنِيَّانِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُسِرَ ذَلِكَ الرَّاجِعُ أَوْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى دَارِهِمْ فَقُتِلَ (سَقَطَ دَيْنُهُ) لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيُخَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَصَارَتْ وَدِيعَتُهُ) عِنْدَهُمَا (فَيْئًا) لِلْغُزَاةِ تَبَعًا لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُودِعِ لِأَنَّ يَدَهُ فِيهَا أَسْبَقُ فَكَانَ بِهَا أَحَقَّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الرَّهْنِ قَالُوا وَالرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبَاعُ وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ وَالزِّيَادَةُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِ الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَصَارَ مَالُهُ فَيْئًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْوَدِيعَةَ لِأَنَّ مَا عِنْدَ شَرِيكِهِ وَمُضَارِبِهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا كَذَلِكَ. (وَإِنْ قُتِلَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّاجِعُ (وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (أَوْ مَاتَ) حَتْفَ أَنْفِهِ (فَهُمَا) أَيْ الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ (لِوَرَثَتِهِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِي مَالِهِ

لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ (فَإِنْ جَاءَنَا) حَرْبِيٌّ إلَيْنَا (بِأَمَانٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ هُنَاكَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَوَلَدٌ) صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ (وَمَالٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ ظَهَرَ) أَيْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَالْكُلُّ) مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْمَالِ (فَيْءٌ) أَمَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ حَرْبِيُّونَ وَلَيْسُوا بِأَتْبَاعٍ وَكَذَلِكَ مَا فِي بَطْنِهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا أَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَكَذَا أَمْوَالُهُ لَا تَصِيرُ مُحَرَّزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَبَقِيَ الْكُلُّ فَيْئًا وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا لَا يَخْرُجُ عَنْ الرِّقِّ. (وَإِنْ أَسْلَمَ) أَيْ الْحَرْبِيُّ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (ثُمَّ جَاءَ) إلَيْنَا (فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ (فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ) تَبَعًا لِأَبِيهِ (وَوَدِيعَتُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَهُ) أَيْ لِلَّذِي أَسْلَمَ ثَمَّةَ لِأَنَّ يَدَهُمَا كَيَدِهِ (وَغَيْرُ ذَلِكَ) مِنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَقَارِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَ حَرْبِيٍّ (فَيْءٌ) لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ وَعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ يَكُونُ فَيْئًا لِعَدَمِ النِّيَابَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَمَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَهُ هُنَاكَ وَارِثٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ) لَكِنْ ذَكَرْت هَذِهِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ فَتَكُونُ مُكَرَّرَةً. (وَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ لَا وَلِيَّ لَهُ خَطَأً أَوْ) قُتِلَ (مُسْتَأْمَنٌ أَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِنَا (فَلِلْإِمَامِ أَخْذُ الدِّيَةِ) أَيْ حَقُّ الْأَخْذِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ كَمَا تُوُهِّمَ بَلْ يُوضَعُ لِبَيْتِ الْمَالِ (مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً خَطَأً فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ (وَفِي الْعَمْدِ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (أَنْ يَقْتَصَّ) إنْ شَاءَ (أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ) بِطَرِيقِ الصُّلْحِ (إنْ شَاءَ) أَيْ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (الْعَفْوُ مَجَّانًا) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَفِي الدُّرَرِ دَارُ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا كَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا كَافِرٌ صَلَّى وَلَمْ يَتَّصِلْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ مِصْرٌ آخَرُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَيُعْكَسُ أَيْ يَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ الْحَرْبِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الشِّرْكِ فِيهَا وَاتِّصَالِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِصْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَا تَبَقَّى فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ

باب العشر والخراج

وَعِنْدَهُمَا إذَا أَجْرَوْا فِيهَا أَحْكَامَ الشِّرْكِ صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَبَقِيَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا. [بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ] ِ أَيْ فِي بَيَانِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْخَرَاجِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَذِكْرِ الْعُشْرِ اسْتِطْرَادًا لِأَنَّ سَبَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ عُنْوِنَ الْبَابُ بِمَا لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْهُ وَقَدْ اسْتَقْبَحَهُ الْبَعْضُ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالرَّأْسِ وَحَدَّدَ أَرَاضِيِهِمَا أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ (أَرْضُ الْعَرَبِ عُشْرِيَّةٌ وَهِيَ) أَيْ أَرْضُ الْعَرَبِ (مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الذَّالِ تَصْغِيرُ عَذْبٍ يُرَادُ بِهِ مَاءُ تَمِيمٍ (إلَى أَقْصَى حَجَرٍ) وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ: الصَّخْرُ، فَمَنْ رَوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَانِبِ فَقَدْ صَحَّفَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ الصَّخْرُ مَوْضِعُ الْحَجَرِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِالْيَمَنِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ رَجُلٍ أَوْ اسْمُ قَبِيلَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ فَسَمَّى ذَلِكَ الْمُقَامَ بِهِ هَذَا طُولُهَا وَأَمَّا عَرْضُهَا فَهُوَ مَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَالدَّهْنَاءِ وَرَمْلٍ وَعَالِجٍ وَهِيَ أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ (إلَى حَدِّ الشَّامِ) أَيْ إلَى مَشَارِفِ الشَّامِ وَقُرَاهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءَ

الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرَاضِيِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَكَذَا الْبَصْرَةُ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ الْبَصْرَةُ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ جُزْءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ عُشْرِيَّةٌ. (وَ) كَذَا (كُلُّ مَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي (أَسْلَمَ أَهْلُهُ) وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ مَا (أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْمُسْلِمِينَ وَضْعُ الْعُشْرِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطَ فِيهِ النِّيَّةُ وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ (وَأَرْضُ السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَسُمِّيَ بِهِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهَا وَزَرْعِهَا (خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ بِحَضْرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ أَثَرٌ مُعَيَّنٌ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ

وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ (وَهِيَ) أَيْ أَرْضُ السَّوَادِ (مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) بَدَلٌ مِنْ السَّوَادِ (إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمُ بَلَدٍ (وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ) بِفَتْحِ الثَّلَاثَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ الْعَلْثِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ: قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ عَلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ (إلَى عَبَّادَانَ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ. وَفِي الْمُغْرِبِ وَوَضْعُ الثَّعْلَبِيَّةِ مَوْضِعَ الْعَلْثِ فِي حَدِّ السَّوَادِ خَطَأٌ لِأَنَّهَا مِنْ مَنَازِلِ الْبَادِيَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَّرَهُ وَعَنْوَنَهُ بِ قِيلَ لَكَانَ أَوْلَى. (وَكَذَا) فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً (كُلُّ مَا) أَيْ أَرْضٍ (فُتِحَ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ) وَتَذْكِيرُ ضَمِيرِهَا عَلَى مَا مَرَّ بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ مَا (أَوْ صُولِحُوا) أَيْ صَالَحَ الْإِمَامُ مَعَ أَهْلِهَا أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْقُلْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْكُفَّارِ ابْتِدَاءً الْخَرَاجُ (سِوَى مَكَّةَ) فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوَظِّفْ عَلَى أَرَاضِيهَا الْخَرَاجَ وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَا لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهمْ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَتَكُونُ خَرَاجِيَّةً وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ انْتَهَى لَكِنْ فِي الْفَتْحِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أَقَرَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهَا لَا يُوَظِّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجَ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ

وَإِنْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظِّفُ إلَّا الْعُشْرَ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَتَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، تَتَبَّعْ. (وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ رُدَّ مِنْ وُجُوهٍ فَلْيُطَالَعْ (يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا لَكِنْ إذَا

كَانَتْ الْخَرَاجِيَّةُ مَمْلُوكَةً فَكَوْنُ الْعُشْرِيَّةِ مَمْلُوكَةً أَوْلَى. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ لَكِنْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مَا وَرَاءَهُمَا أَرْضًا لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةٍ بَلْ يُقَالُ لَهَا الْأَرْضُ الْمُمَلَّكَةُ وَاشْتُهِرَتْ بِالْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا لَكِنْ لَمْ تُمْلَكْ لِأَهْلِهَا بَلْ أُحْرِزَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ أُوجِرَتْ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعُوهَا وَيُؤَدُّوا مِنْ حَاصِلِهَا خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَاشْتُهِرَتْ عِنْدَ النَّاسِ بِالْعُشْرِيَّةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ أَرَاضِي بَلَدِنَا وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِمَنْ فِي أَيْدِيهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهِبَتِهَا

وَوَقْفِهَا إلَّا بِتَمْلِيكِ السُّلْطَانِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَامَ ابْنُهُ مَقَامَهُ وَيَتَصَرَّفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَعُودُ الْأَرَاضِي الَّتِي فِي يَدِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ وَطَالَبَاهُ يُعْطِي لَهُمَا بِأُجْرَةٍ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا وَإِنْ عَطَّلَهَا مُتَصَرِّفُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَرْضِ تُنْزَعُ عَنْ يَدِهِ وَتُعْطَى لِآخَرَ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْفَرَاغَ لِآخَرَ لَا يَقْدِرُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ.

الخراج نوعان

(وَإِنْ أَحْيَا مَوَاتًا) أَيْ أَحْيَا الْمُسْلِمُ الْأَرْضَ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَاحِدٌ (يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) فَإِنْ قَرُبَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجِيٌّ أَوْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيٌّ، وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ. (وَ) يُعْتَبَرُ (مَاؤُهُ) وَتَذْكِيرُهُ كَمَا مَرَّ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ خَرَاجٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ وَلَوْ قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا، فَلِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ فَقَالَ وَكُلٌّ مِنْ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ إلَّا أَرْضَ كَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ لِأَنَّهُ وَظِيفَتُهُ وَإِنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ. [الْخَرَاجُ نَوْعَانِ] (وَالْخَرَاجُ نَوْعَانِ) أَحَدُهُمَا (خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْخَارِجِ كَالْخُمْسِ وَنَحْوِهِ كَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ (فَيَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ كَالْعُشْرِ) أَيْ كَتَعَلُّقِهِ بِالْخَارِجِ إلَّا أَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ خَرَاجٌ حَقِيقَةً كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَ) الثَّانِي (خَرَاجُ وَظِيفَةٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى مَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ (لِكُلِّ جَرِيبٍ) وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ (صَالِحٍ لِلزَّرْعِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ) قَيَّدَهُ بِالصَّالِحِ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي غَيْرِ الصَّالِحِ لَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي بُرِّ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَشَعِيرٍ دِرْهَمَانِ (وَدِرْهَمٌ) عَطْفٌ عَلَى صَاعٍ (وَلِجَرِيبِ الرَّطْبَةِ) بِالْفَتْحِ الْفِصْفِصَةُ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

سِتَّةُ دَرَاهِمَ (وَلِجَرِيبِ الْكَرْمِ أَوْ النَّخْلِ) جَمْعُ نَخْلَةٍ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ (الْمُتَّصِلِ) صِفَةُ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ وَإِفْرَادُهُ لِأَجْلِ كَلِمَةِ أَوْ (عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ. وَفِي الْكَافِي فَإِنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهِيَ كَرْمٌ انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ النَّخْلِ الْمُتَّصِلِ يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا لِأَنَّ النَّخْلَ الْمُتَّصِلَ هُوَ الْكَرْمُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ تَدَبَّرْ (وَلِمَا سِوَاهُ) أَيْ لِمَا سِوَى مَا ذَكَرَ مِمَّا لَيْسَ تَوْظِيفُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (كَزَعْفَرَانٍ وَبُسْتَانٍ) وَهُوَ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ وَأَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُ زِرَاعَةُ مَا بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَإِلَّا فَهِيَ كَرْمٌ كَمَا مَرَّ آنِفًا (مَا تُطِيقُ) أَيْ يُوضَعُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ اعْتِبَارًا بِمَا وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّ مَا وَضَعَهُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ (وَنِصْفُ الْخَارِجِ غَايَةُ الطَّاقَةِ) فَإِنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. (وَإِنْ لَمْ تُطِقْ) أَيْ الْأَرْضُ (مَا وُظِّفَ نَقَصَ) أَيْ نَقَصَ الْإِمَامُ عَنْهَا مَا لَا تُطِيقُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا تُطِيقُهُ (وَلَا يُزَادُ) عَلَى مَا وَظَّفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَطَاقَتْ) الْأَرْضُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِعَامِلَيْهِ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا لَا بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ النَّقْصِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِطَاقَةِ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ أَطَاقَتْ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَزَادَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالطَّاقَةِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي فَعَلَى هَذَا بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَمَا فِي الْكَافِي نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِعِنْدَ وَمَا فِي الْكَافِي يُشْعِرُ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِعَنْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي الْمَتْنِ، تَتَبَّعْ. قَيَّدَ بِزِيَادَةِ التَّوْظِيفِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ مِنْ إمَامٍ بِمِثْلِ وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا (وَلَا خَرَاجَ إنْ انْقَطَعَ عَنْ أَرْضِهِ الْمَاءُ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ الْمَاءُ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ

وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ (أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) سَمَاوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ احْتِرَازُهَا كَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَشِدَّةِ بَرْدٍ وَقَيَّدْنَا بِسَمَاوِيَّةٍ لَا يُمْكِنُ احْتِرَازُهَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ احْتِرَازُهَا كَأَكْلِ قِرَدَةٍ وَسِبَاعٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ هَلَكَ الْخَارِجُ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَسْقُطُ الْخَارِجُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. وَفِي التَّبْيِينِ قَالُوا فِي الِاصْطِلَامِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ قَدْرُ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ، وَالِاصْطِلَامُ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ أَوْ قَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نِصْفُهُ (وَيَجِبُ) خَرَاجٌ (إنْ عَطَّلَهَا) أَيْ أَرْضَ الْخَرَاجِ (مَالِكُهَا) وَكَانَ خَرَاجُهَا مُوَظَّفًا لِوُجُودِ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَ الرِّيعَ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ هَذَا إذَا تَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَزْرَعْهَا أَمَّا إذَا عَجَزَ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَيُمْسِكُ الْبَاقِي لَهُ وَإِنْ شَاءَ آجَرَهَا وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ بَاعَهَا وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهَا الْخَرَاجَ (وَلَا يَتَغَيَّرُ) خَرَاجُهَا (إنْ أَسْلَمَ) مَالِكُهَا (أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اشْتَرَوْا الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ وَأَدَّوْا الْخَرَاجَ (وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) لِأَنَّهَا مَعَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَا يَجْتَمِعَانِ

فصل في بيان أحكام الجزية

عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْعُشْرُ كَوُجُوبِ الْخَرَاجِ (وَلَا يَتَكَرَّرُ خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ) فِي سَنَةٍ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا (بِخِلَافِ الْعُشْرِ وَخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ) لِأَنَّهُمَا يَتَكَرَّرَانِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً وَفِي الْبَحْرِ لَوْ وَهَبَ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ الْخَرَاجَ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُصَرِّفًا لَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ تَرَكَ لَهُ عُشْرَ أَرْضِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ] ِ وَهَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَرَاجِ وَقُدِّمَ الْأَوَّلُ لِقُوَّتِهِ إذْ يَجِبُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ لَا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ وَلِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ الرَّأْسُ وَيُجْمَعُ عَلَى جِزًى كَلِحْيَةٍ وَلِحًى وَسُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُجْزِئُ أَيْ تَكْفِي عَنْ الْقَتْلِ إذْ بِقَبُولِهَا يَسْقُطُ عَنْ الذِّمِّيِّ الْقَتْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَأَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (الْجِزْيَةُ إذَا وُضِعَتْ بِتَرَاضٍ أَوْ صُلْحٍ لَا تُغَيَّرُ) فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ فَلَا يَتَعَدَّى بِالتَّغَيُّرِ كَمَا

لَا يَتَغَيَّرُ مَا يُوضَعُ عَلَى بَنِي نَجْرَانَ مِنْ الْحُلَلِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي فَقَالَ. (وَإِنْ فُتِحَتْ بَلْدَةٌ عَنْوَةً) أَيْ غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَفَتَحَ قَهْرًا (وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا تُوضَعُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي السَّنَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ) فِي الْغِنَى (نِصْفُهَا) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ (وَعَلَى الْفَقِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ رُبْعُهَا) أَيْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُتَوَافِرُونَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِزْيَةُ دِينَارٌ أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا عَلَى كُلِّ رَأْسٍ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لَمْ يُذْكَرْ حَدُّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا غَنِيٌّ وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مُتَوَسِّطٌ وَمَنْ مَلَكَ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَوْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَقِيرٌ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَقِيلَ مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْكَسْبِ لِإِصْلَاحِ مَعِيشَتِهِ فَمُعْسِرٌ وَمَنْ لَهُ أَمْوَالٌ وَيَعْمَلُ فَوَسَطٌ وَمَنْ لَا يَعْمَلُ لِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِ فَمُوسِرٌ وَقِيلَ مَنْ لَا كِفَايَةَ لَهُ فَمُعْسِرٌ وَمَنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ وَقُوتَ عِيَالِهِ فَوَسَطٌ وَمَنْ يَمْلِكُ الْفَضْلَ فَمُوسِرٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ الْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إلَى حَالِ أَهْلِهِ وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ عَادَةَ الْبِلَادِ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَوْ نِصْفِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَتُوضَعُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى كِتَابِيٍّ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكُتُبِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَالْكِتَابِيُّ شَامِلٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَيَدْخُلُ فِي الْيَهُودِ السَّامِرَةُ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي الْفُرُوعِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصَارَى الْإِفْرِنْجُ وَالْأَرْمَنُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الصَّابِئِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (وَمَجُوسِيٍّ) وَهُوَ وَاحِدُ الْمَجُوسِ وَهُمْ قَوْمٌ يُعَظِّمُونَ النَّارَ وَيَعْبُدُونَهَا لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى مَجُوسِ هَجَرَ» (وَوَثَنِيٍّ) أَيْ عَابِدِ وَثَنٍ وَهُوَ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ لَهُ وَلَا صُورَةَ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ مُخَالَفَةُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَثَنَ مَا لَهُ صُورَةٌ كَصُوَرِ الْآدَمِيِّ، تَأَمَّلْ. (عَجَمِيٍّ) جَمْعُهُ الْعَجَمُ وَهُوَ خِلَافُ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ فَصِيحًا وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ أَيْ عَدَمُ إفْصَاحٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ

فَقَطْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكُفَّارِ الْقِتَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ} [البقرة: 193] لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَالْمَجُوسِيُّ دَخَلَ فِيهِمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُمْ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ اسْتِرْقَاقَهُمْ جَائِزٌ فَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِمْ كَالْمَجُوسِ (لَا) تُوضَعُ (عَلَى) وَثَنِيٍّ (عَرَبِيٍّ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ مِنْهُمْ فَظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ لَدَيْهِمْ فَكُفْرُهُمْ أَفْحَشُ وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ عَرَبِيُّ الْأَصْلِ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَإِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَتَوَالَدُوا مِنْهُمْ لَيْسُوا بِعَرَبِيِّ الْأَصْلِ (وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا رَأَى مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَمَا هُدِيَ إلَيْهِ فَلَا تُوضَعُ أَيْضًا عَلَى زِنْدِيقٍ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ إنْ جَاءَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِنْ بَعْدَ الْأَخْذُ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ اُقْتُلُوا الزِّنْدِيقَ وَإِنْ قَالَ تُبْت وَأَمْوَالُهُ وَذُرِّيَّتُهُ فَيْءٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ (فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْوَثَنِيِّ الْعَرَبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ) زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِهِ وَأَظْهَرَ ضَمِيرَهُمَا وَتَرَكَ قَوْلَهُ وَلَا عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ لَكَانَ أَخْصَرَ (وَتُسْتَرَقُّ أُنْثَاهُمَا) أَيْ أُنْثَى الْوَثَنِيِّ الْعَرَبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ لَا رَجَاءَ لَهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي وَثَنِيِّ الْعَرَبِ (وَطِفْلُهُمَا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيِّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ إلَّا أَنَّ نِسَاءَ الْمُرْتَدِّينَ وَذَرَارِيَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ) وَمَجْنُونٍ وَمَعْتُوهٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَكَانَ أَشْمَلَ (وَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَتْلِ أَيْ عَنْ الْقِتَالِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتَلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَرَادَ بِالْمَرْأَةِ غَيْرَ امْرَأَةِ بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا (وَمَمْلُوكٍ) قِنًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أَمَّ وَلَدٍ أَيْ أَمَةٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ الْأَحْرَارِ فَكَيْفَ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ (وَمُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ النُّصْرَةُ بِالْقِتَالِ لِكَوْنِهِمْ فِي يَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَجِبُ مَا هُوَ خِلَافٌ عَنْهَا وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الزِّيَادَةَ بِسَبَبِهِمْ (وَشَيْخٍ كَبِيرٍ وَزَمِنٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ) لِمَا بَيَّنَّاهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ إذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ لِأَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانُوا صَاحِبِي رَأْيٍ

كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَفَقِيرٍ لَا يَكْتَسِبُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَرَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ تُوضَعُ الْجِزْيَةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ قَبْلَ وَضْعِ الْإِمَامِ الْجِزْيَةَ وَضَعَ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ وَضْعِهَا لَا حَتَّى تَمْضِيَ هَذِهِ السَّنَةُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَهْلِيَّتُهُمْ وَقْتَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْوَضْعِ حَيْثُ تُوضَعُ عَلَيْهِ. (وَتَجِبُ) الْجِزْيَةُ (فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ لِلْحَالِ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُؤْخَذُ حِينَ تَدْخُلُ السَّنَةُ وَيَمْضِي شَهْرَانِ مِنْهَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ (وَيُؤْخَذُ قِسْطٌ كُلَّ شَهْرٍ فِيهِ) كَمَا بَيَّنَّاهُ لِأَنَّهُ زَمَانُ وُجُوبِهِ. (وَتَسْقُطُ) الْجِزْيَةُ عِنْدَنَا (بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْمَوْتِ) أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِإِسْلَامِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ

وَمَالِكٍ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَتَتَدَاخَلُ) أَيْ الْجِزْيَةُ (بِالتَّكَرُّرِ) يَعْنِي إذَا مَرَّتْ عَلَى الذِّمِّيِّ سُنُونَ وَلَمْ تُؤْخَذْ فِيهَا الْجِزْيَةُ سَقَطَتْ عَنْ تِلْكَ الْأَعْوَامِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ السَّنَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تُؤْخَذُ عَنْ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ فِي كُلِّ السَّنَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ (بِخِلَافِ خَرَاجِ الْأَرْضِ) فَإِنَّهُ لَا تَدْخُلُ فِيهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ) أَوْ لَا يُحْدِثُ الْكِتَابِيُّ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا يُحْدِثُ الْمَجُوسِيُّ بَيْتَ نَارٍ (أَوْ صَوْمَعَةً فِي دَارِنَا) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» وَالْمُرَادُ إحْدَاثُهَا يُقَالُ كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمَعْبَدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبِيعَةُ إلَّا أَنَّهُ غَلَّبَ الْبِيعَةَ عَلَى مَعْبَدِ النَّصَارَى وَالْكَنِيسَةَ عَلَى مَعْبَدِ الْيَهُودِ وَالصَّوْمَعَةُ كَالْكَنِيسَةِ لِأَنَّهَا تُبْنَى لِلتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى وَالدَّارُ شَامِلَةٌ لِلْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْفِنَاءِ وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ فِي قُرًى لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْحُدُودُ وَهَذَا فِي قُرًى أَكْثَرُهَا ذِمِّيُّونَ وَأَمَّا فِي قُرَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا فِي أَرْضِ الْعَجَمِ وَأَمَّا فِي الْعَرَبِ فَيُمْنَعُ مُطْلَقًا لَا يُبَاعُ فِيهَا خَمْرٌ وَخِنْزِيرٌ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَتُعَادُ الْمُنْهَدِمَةُ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّهُ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِتَرْكِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي الْأَمْصَارِ أَوْ فِي السَّوَادِ وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى هَذَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهَا تُهْدَمُ أَمْصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْإِجَارَاتِ لَا تُهْدَمُ فِيهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْمُرَادُ بِالْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلْدَتِهِمْ وَمُصَالَحَتِهِمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلْدَتِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا فِي الْمُنْهَدِمَةِ أَمَّا إذَا هُدِمَتْ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ فَلَا تَجُوزُ إعَادَتُهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي زَمَانِنَا لَا يُفَرِّقُ بَعْضٌ مِنَّا بَيْنَ الْهَدْمِ وَالِانْهِدَامِ فَفُعِلَ مَا فُعِلَ حَفِظَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ الزَّلَلِ (مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ) يَعْنِي إذَا

انْهَدَمَتْ يَبْنُونَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ عَلَى قَرَارِ الْأَوَّلِ وَلَا يُشَيِّدُونَهَا بِالْحَجَرِ وَالْآجُرِّ وَلَا يُمَكَّنُونَ نَقْلَهَا لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى إحْدَاثِهَا وَعَلَى مَا زَادَ فِي عِمَارَةِ الْعَتِيقِ خَرَّبَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْرِبُوا النَّاقُوسَ إلَّا فِي كَنَائِسِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ خُفْيَةً بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ خَارِجَهَا وَلَا يَسْكُنُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِصْرِ إلَّا فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَلَوْ اشْتَرَى أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي مَحَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَارًا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا. (وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ وُجُوبًا (فِي زِيِّهِ)

بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ الْهَيْئَةُ أَيْ يُمَيَّزُ فِي الرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَسَائِرِ اللِّبَاسِ (وَمَرْكَبِهِ وَسَرْجِهِ) أَيْ سَرْجِ مَرْكَبِهِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِلَّا يَلْزَمُ انْتِشَارُ الضَّمِيرِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا) لِأَنَّ رُكُوبَهُ عِزٌّ وَكَذَا لَا يَرْكَبُ جَمَلًا إلَّا لِحَاجَةٍ كَاسْتِعَانَةِ الْإِمَامِ بِهِمْ فِي الذَّبِّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ قَيَّدَ بِالْخَيْلِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ الْحِمَارَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّ رُكُوبَهُ ذُلٌّ وَكَذَا الْبَغْلُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ رُكُوبَ الْبَغْلِ إذَا كَانَ لِلْعِزِّ لَا يُبَاحُ لَهُ (وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ) أَيْ لَا يَسْتَعْمِلُهُ وَلَا يَحْمِلُهُ فَإِنَّ فِيهِ عِزًّا (وَيُظْهِرُ) الذِّمِّيُّ بِالشَّدِّ فَوْقَ ثِيَابِهِ (الْكُسْتِيجَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ مَا يُشَدُّ عَلَى وَسَطِهِ مِنْ عَلَامَةٍ بِهَا يَمْتَازُ عَنْ الْمُسْلِمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الشَّعْرِ وَأَنْ لَا يُجْعَلَ حَلْقَةً يَشُدُّهُ كَمَا يَشُدُّ الْمُسْلِمُ الْمِنْطَقَةَ بَلْ يُعَلِّقُهُ عَلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبُو يُوسُفَ هُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ مِنْ صُوفٍ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ فَوْقَ ثِيَابِهِ دُونَ مَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ مِنْ زَنَانِيرِ الْإِبْرَيْسَمِ (وَيَرْكَبُ سَرْجًا كَالْإِكَافِ) فِي الْهَيْئَةِ يَعْنِي إنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِ حِمَارٍ وَلِذَا قَالَ (وَالْأَحَقُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ) لِلذِّمِّيِّ (أَنْ يَرْكَبَ إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَفِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ لَا يَرْكَبُوا أَصْلًا إلَّا إذَا خَرَجُوا إلَى قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ كَانَ مَرِيضًا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (وَحِينَئِذٍ) رَكِبَ لِلضَّرُورَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ (يَنْزِلُ فِي الْمَجَامِعِ) أَيْ فِي مَجَامِعِ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي رُكُوبِهِ هُنَا (وَلَا يَلْبَسُ مَا يَخُصُّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ) تَعْظِيمًا لِهَؤُلَاءِ. وَفِي الْفَتْحِ يَمْنَعُهُمْ الْإِمَامُ مِنْ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ حَرِيرًا أَوْ غَيْرَهُ كَالصُّوفِ الْمُرْتَفِعِ وَالْجُوخِ الرَّفِيعِ وَالْأَبْرَادِ الرَّقِيقَةِ وَصَرَّحَ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْقَلَانِسِ الصِّغَارِ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوِيلَةً مِنْ كِرْبَاسٍ مَصْبُوغَةٍ بِالسَّوَادِ مُضَرَّبَةٍ مُبَطَّنَةٍ وَيَجِبُ تَمْيِيزُهُمْ فِي النِّعَالِ أَيْضًا فَيَلْبَسُونَ الْمَكَاعِبَ الْخَشِنَةَ الْفَاسِدَةَ اللَّوْنِ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَشَرَطَ فِي الْقَمِيصِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا وَأَنْ يَكُونَ جَيْبُهُ عَلَى صُدُورِهِ كَمَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ وَمِنْ الْقُعُودِ حَالَ قِيَامِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُمْ هَكَذَا أُمِرُوا كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا ثُمَّ حُكَّامُ بِلَادِنَا بِعَدَمِ مَنْعِهِمْ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ وَيَرْكَبُونَ خَيْلًا أَيَّ خَيْلٍ وَيُجْلِسُونَ

مُعَظَّمًا عِنْدَهُمْ بَلْ يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُمْ فَالْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ. (وَتُمَيَّزُ أُنْثَاهُ) أَيْ أُنْثَى الذِّمِّيِّ (فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ) بِالْجَلَاجِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَمْشِينَ فِي نَاحِيَةِ الطَّرِيقِ وَالْمُسْلِمَاتُ فِي وَسَطِهِ وَيَجْعَلْنَ إزَارَهُنَّ مُخَالَفَةً لِإِزَارِ الْمُسْلِمَاتِ. (وَتُجْعَلُ عَلَى دَارِهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ (عَلَامَةٌ كَيْ لَا يُسْتَغْفَرَ) أَيْ لِئَلَّا يَدْعُوَ السَّائِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (لَهُ) أَيْ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ ظَاهِرًا (وَلَا يُبْدَأُ بِسَلَامٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِكْرَامِ وَأَمَّا رَدُّهُ فَأَدَاءُ الْوَاجِبِ وَمُكَافَأَةُ إكْرَامِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَقُولُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ (وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ) يَعْنِي إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الطَّرِيقِ يَجْعَلُهُ فِي الطَّرَفِ الضَّيِّقِ (وَيُؤَدِّي الْجِزْيَةَ قَائِمًا وَالْآخِذُ) مِنْهُ (قَاعِدًا وَيُؤْخَذُ) مِنْهُ (بِتَلْبِيبِهِ) وَجَرِّهِ وَإِظْهَارِ مَذَلَّتِهِ (وَيُهَزُّ) أَيْ يُحَرَّكُ بِعُنْفٍ (وَيُقَالُ لَهُ أَدِّ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ أَوْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ) إذْ لَا إلَهَ لَهُ وَإِشْعَارًا بِأَنَّهَا بَدَلُ دَمِهِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَا يُقَالُ لَهُ يَا كَافِرُ (وَلَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ) أَيْ لَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الذِّمَّةِ (بِالْإِبَاءِ عَنْ الْجِزْيَةِ) لِأَنَّ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ قِتَالَنَا الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا وَهُوَ بَاقٍ فَلَا يُنْقَضُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُنْقَضُ فَيَجِبُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُسْتَرَقَّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِي الدُّرَرِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْجِزْيَةِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ أَدَائِهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُعْطِي الْجِزْيَةَ بَعْدَ هَذَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنَافِي بَقَاءَ الِالْتِزَامِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالِالْتِزَامِ وَالصَّوَابُ بِالِامْتِنَاعِ تَأْخِيرُهَا وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَائِهَا وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ لَا أُعْطِي الْجِزْيَةَ لَا فَائِدَةَ لَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يُحْبَسَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، تَدَبَّرْ (أَوْ بِزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ وَقَتْلِهِ مُسْلِمًا) فَيُقَامُ الْحَدُّ فِي الزِّنَاءِ وَيُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ (أَوْ سَبِّهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّ السَّبَّ كُفْرٌ فَكُفْرُهُ الْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ

لَا يَرْفَعُهُ، هَذَا إذَا لَمْ يُعْلِنْ أَمَّا إذَا أَعْلَنَ بِشَتْمِهِ أَوْ اعْتَادَ فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتْ تُعْلِنُ بِشَتْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُتِلَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ. وَفِي الْمُؤَيَّدِ زَادَهُ نَقْلًا عَنْ الشِّفَاءِ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الذِّمِّيِّ فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُسْقِطُ إسْلَامُهُ قَتْلَهُ. وَفِي النَّوَادِرِ يُسْقِطُ هَذَا إذَا سَبَّهُ كَافِرٌ وَأَمَّا إذَا سَبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُسْلِمٌ وَلَوْ سَكْرَانَ وَأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا تُنْجِيهِ مِنْ الْقَتْلِ سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ حَدٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكُفْرِهِ فَقَطْ كَفَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَابَ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَسَابُّ الشَّيْخَيْنِ كَافِرٌ وَمُبْتَدِعٌ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا انْتَهَى. وَفِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمَعْرُوضَاتِ لِلْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ تَفْصِيلٌ فِي حَقِّ السَّبِّ فَلْيُطَالَعْ لِأَنَّنَا أُمِرْنَا الْآنَ بِعَمَلِهَا (بَلْ) يُنْقَضُ عَهْدُهُ (بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِمُحَارَبَتِنَا) لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِذَلِكَ حَرْبِيًّا عَلَيْنَا فَلَا يُفِيدُ بَقَاءُ الْعَهْدِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ دَفْعُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ فَحِينَئِذٍ هِيَ ثَلَاثٌ، تَأَمَّلْ. (وَيَصِيرُ) الْمَوْصُوفُ بِمَا ذُكِرَ (كَالْمُرْتَدِّ) فِي قَتْلِهِ وَدَفْعِ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اُلْتُحِقَ بِالْأَمْوَاتِ لِتَبَايُنِ الدَّارِ (لَكِنْ لَوْ أُسِرَ) ذَلِكَ الذِّمِّيُّ (يُسْتَرَقُّ) وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الدِّينِ. (وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ) إنْ أَبَى عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يُسْتَرَقُّ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي الْبَحْرِ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُلْحَقُ بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ كَالْمُرْتَدِّ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِمَا أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِنَا بَعْدَ اللِّحَاقِ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ مَالُهُمْ بِاللِّحَاقِ الْأَوَّلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (وَيُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ضِعْفُ الزَّكَاةِ) أَيْ ضِعْفُ زَكَاتِنَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَتُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَمَا بُيِّنَ فِي الزَّكَاةِ فَلَزِمَ ذَلِكَ عَلَى نِسَائِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّ النِّسَاءَ أَهْلٌ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِالصُّلْحِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لَا مِنْ صِبْيَانِهِمْ) لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْهُمْ

لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ مِنْهُمْ كَحُكْمِ الصَّبِيِّ (وَيُؤْخَذُ مِنْ مَوَالِيهِمْ) أَيْ عُتَقَائِهِمْ (الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ كَمَوَالِي قُرَيْشٍ) أَيْ مُعْتَقُ التَّغْلِبِيِّ وَمُعْتَقُ الْقُرَيْشِيِّ وَاحِدٌ فَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ أَوْ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى مُعْتَقِهِمَا. وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَلَنَا أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُضَاعَفَةَ تَخْفِيفٌ وَالْمُعْتَقُ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْلَى أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ وَلَا يَتْبَعُهُ فِيهِ (وَيُصْرَفُ الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ وَمَا أُخِذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَوْ) مَا أَخَذُوا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَإِلَّا لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ (مِنْ أَرْضٍ أَجْلَى أَهْلَهَا عَنْهَا أَوْ أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ) إلَى الْإِمَامِ. (وَ) مَا (أُخِذَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (بِلَا قِتَالٍ) بِأَنْ أُخِذَ بِالصُّلْحِ (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِيُصْرَفُ (كَسَدِّ الثُّغُورِ) جَمْعُ ثَغْرٍ وَهُوَ مَوْضِعُ مَخَافَةِ الْبُلْدَانِ (وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ) جَمْعُ قَنْطَرَةٍ (وَالْجُسُورِ) جَمْعُ جَسْرٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُرْفَعُ وَالثَّانِي يُرْفَعُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْبُقْعَة عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّرْفُ عَلَى إقَامَةِ شَعَائِرِهَا مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا (وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ) أَيْ الْعُمَّالِ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ (وَالْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا

كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا يُوهِمُ التَّخْصِيصَ حَيْثُ قَالَ وَذَرَارِيِّهِمْ أَيْ ذَرَارِيِّ الْمُقَاتِلَةِ، انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى هَذَا هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ، تَدَبَّرْ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ وَالثَّانِي الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ مَصْرِفُهُمَا مَا بُيِّنَ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ وَالثَّالِثُ خُمْسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذُكِرَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ وَالرَّابِعُ اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَةُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْهُ نَفَقَاتِهِمْ وَأَدْوِيَتِهِمْ وَيُكَفَّنُ بِهِ مَوْتَاهُمْ وَتُعْقَلُ جِنَايَتُهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَيْهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ وَيَصْرِفَهُ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرِفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ مِنْ خُمْسِ الْغَنَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ فِيهِ شَيْئًا وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّقِ اللَّهَ وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (وَمَنْ مَاتَ) مِنْهُمْ (فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ) لِأَنَّهُ صِلَةٌ فَلَا يُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَيَّدَ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ

باب المرتد

فِي آخِرِ السَّنَةِ يُسْتَحَبُّ صَرْفُ ذَلِكَ إلَى قَرِيبِهِ وَلَوْ عَجَّلَ لَهُ كِفَايَةَ سَنَةٍ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِهَا قِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَالْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ وَفِي تَنْوِيرِ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ إذَا كَانَ لَهُمَا وَقْفٌ فَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالْأَوَّلُ رَاجِحٌ لِحِكَايَتِهِ الثَّانِي بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ. [بَابُ الْمُرْتَدِّ] ِّ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الرَّاجِعُ مُطْلَقًا وَفِي الشَّرْعِ هُوَ الرَّاجِعُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنُ الرِّدَّةِ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا الْعَقْلُ وَالطَّوْعُ (مَنْ ارْتَدَّ وَ) نَعُوذُ (الْعِيَاذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى) فَهِيَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَكْسُورُ الْعَيْنِ (يُعْرَضُ) أَيْ عَرَضَ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ لِرَجَاءِ الْعَوْدِ إلَيْهِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (الْإِسْلَامُ) وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا إلَّا أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا الْعِيَاذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا حَبَسَهُ بَعْدَ الضَّرْبِ الْمُوجِعِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَيَرَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَإِنْ عَادَ فَعَلَهُ بِهِ هَكَذَا وَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَأْبَى أَنْ يُسْلِمَ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ وَمُسْتَهْزِئٌ لَيْسَ بِتَائِبٍ (وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ) الَّتِي عُرِضَتْ فِي الْإِسْلَامِ (إنْ كَانَتْ) أَيْ إنْ وُجِدَتْ لَهُ شُبْهَةٌ (فَإِنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْمَهْلَ بَعْدَ الْعَرْضِ لِلتَّفَكُّرِ (حُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ لَا يُمْهَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ يُقْتَلُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرْجُو إسْلَامَهُ. وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْهَلَ بِلَا اسْتِمْهَالٍ لِرَجَاءِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ وَلَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهِ سِيَّانِ (فَإِنْ تَابَ) بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (وَتَوْبَتُهُ بِالتَّبَرُّؤِ) بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (عَنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ) بِالتَّبَرِّي (عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا دِينَ لَهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْكَافِرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَصَارَ مُسْلِمًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ مَعْنَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ اسْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ مَعْرِفَةِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَقَتْلُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (قَبْلَ الْعَرْضِ) أَيْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ (تَرْكُ نَدْبٍ أَيْ تَرْكُ مُسْتَحَبٍّ لَا وُجُوبٍ فَلِهَذَا قَالَ لَا ضَمَانَ) وَلَا دِيَةَ عَلَى الْقَاتِلِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ مُبِيحٌ

بيع المرتد وشراؤه

لَكِنْ إنْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَدَّبَهُ. (وَيَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ بِالرِّدَّةِ (عَنْ مَالِهِ) زَوَالًا (مَوْقُوفًا) إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا وَالْمَوْتُ يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الْحَيِّ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ) مِلْكُهُ إلَيْهِ كَمَا كَانَ. (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) عَلَى ارْتِدَادِهِ (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحَكَمَ بِهِ) أَيْ حَكَمَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهَا (عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ) عَنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مُكَاتَبِهِ. وَفِي الْبَحْرِ فَيُعْتَقُ وَإِذَا عَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ (وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) عَنْ كُلِّهِ (وَحَلَّتْ) آجَالُ (دُيُونِهِ) فَيَلْزَمُ أَدَاؤُهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ جَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَأَسْلَمَ بَقِيَ مَا ذُكِرَ عَلَى حَالِهِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. (وَكَسْبُ إسْلَامِهِ) أَيْ مَا حَصَلَ مِنْ سَعْيِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا (لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ) اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ فَيْئًا عِنْدَنَا (وَكَسْبُ رِدَّتِهِ) أَيْ مَا حَصَلَ مِنْ سَعْيِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُرْتَدًّا (فَيْءٌ) لِلْمُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا فَلِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ كَمَا سَيَأْتِي وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كِلَاهُمَا فَيْءٌ (وَيَقْضِي دَيْنَ إسْلَامِهِ) أَيْ دَيْنَهُ حَالَ إسْلَامِهِ (مِنْ كَسْبِ إسْلَامِهِ وَدَيْنَ رِدَّتِهِ مِنْ كَسْبِهَا) أَيْ يَقْضِي مِنْ كَسْبِهِ حَالَ رِدَّتِهِ قَبْلَ اللِّحَاقِ عَلَى مَا رَوَى زُفَرُ عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يَقْضِي مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ وَعَنْهُ عَلَى عَكْسِهِ أَيْ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ كَسْبَهُ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ كَسْبِهَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَعَنْ كَسْبِهَا. [بَيْعُ الْمُرْتَدّ وَشِرَاؤُهُ] (وَيُوقَفُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ وَعِتْقُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَكِتَابَتُهُ وَوَصِيَّتُهُ) وَفَسَّرَ وُقُوفَهَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَسْلَمَ) وَرَجَعَ عَنْ ارْتِدَادِهِ (صَحَّتْ) هَذِهِ الْعُقُودُ وَالتَّصَرُّفَاتُ. (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ حُكِمَ بِلِحَاقِهِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ الرِّدَّةَ تُزِيلُ الْمِلْكَ فَلِذَا قَالَ (وَقَالَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (عَنْ مَالِهِ) لِأَنَّ أَثَرَ الرِّدَّةِ فِي إبَاحَةِ دَمِهِ لَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ كَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ وَلَهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ زَالَتْ عِصْمَةُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ فَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَدْعُوًّا إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ وَيُرْجَى عَوْدُهُ إلَيْهِ لِوُقُوفِهِ عَلَى مَحَاسِنِهِ تَوَقُّفًا فِي أَمْرِهِ (وَتُقْضَى دُيُونُهُ مُطْلَقًا) أَيْ حَالَ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي الرِّدَّةِ (مِنْ كِلَا كَسْبَيْهِ) أَيْ مِنْ كَسْبِهِ فِي الْإِسْلَامِ

نكاح المرتد

وَكَسْبِهِ فِي الرِّدَّةِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا (وَكِلَاهُمَا) أَيْ كِلَا كَسْبَيْهِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا حَقُّ الدَّارَيْنِ (لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ) لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ إلَى مَا قُبَيْلِ رِدَّتِهِ أَنَّ الرِّدَّةَ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِنَادُ التَّوْرِيثِ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِ الْكَسْبِ قَبْلَ الرِّدَّةِ لَكِنْ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ تَفْصِيلٌ فِي الْخِلَافِ فَقَالَ (وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ كَوْنَهُ وَارِثًا عِنْدَ اللِّحَاقِ) بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ (وَأَبُو يُوسُفَ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ بِاللِّحَاقِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَيِّتًا بِالْقَضَاءِ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يُعْتَبَرُ تَوْرِيثُهُ يَوْمَ ارْتَدَّ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِرْثِ. (وَتَصِحُّ) أَيْ عِنْدَهُمَا (تَصَرُّفَاتُهُ) سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَلَا تَبْطُلُ (وَلَا يُوقَفُ غَيْرُ) الشَّرِكَةِ (الْمُفَاوَضَةِ) فَإِنَّهُمَا مَوْقُوفَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ تُعْتَمَدُ الْمُسَاوَاةُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدِّ مَا لَمْ يُسْلِمْ (لَكِنْ) اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ نَفَاذِ تَصَرُّفَاتِهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي الصِّحَّةِ (كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ (وَكَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا. (وَيَصِحُّ اتِّفَاقًا اسْتِيلَادُهُ) كَمَا إذَا جَاءَتْ أَمَتُهُ بِوَلَدٍ وَادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَمَامِ الْمِلْكِ (وَطَلَاقُهُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا انْفَسَخَ بِالرِّدَّةِ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً فَإِنْ طَلَّقَهَا يَقَعُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا فَطَلَّقَهَا فَأَسْلَمَا مَعًا فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا قَبُولُ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرُ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ. [نِكَاحُ الْمُرْتَدّ] (وَيَبْطُلُ) اتِّفَاقًا (نِكَاحُهُ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي النِّكَاحِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَكَانَ أَخْصَرَ (وَذَبِيحَتُهُ) وَكَذَا صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ وَالْبَازِي وَالرَّمْيِ وَشَهَادَتُهُ وَإِرْثُهُ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لَهُ (وَتَتَوَقَّفُ) اتِّفَاقًا (مُفَاوَضَتُهُ) وَكَذَا التَّصَرُّفُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَمَالِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ لِأَنَّهَا فُهِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُوقَفُ غَيْرُ الْمُفَاوَضَةِ، تَأَمَّلْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ

المرأة إذا ارتدت

أَنْوَاعٌ نَافِذٌ اتِّفَاقًا كَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ وَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ مَوْقُوفٌ اتِّفَاقًا كَالْمُفَاوَضَةِ وَمُخْتَلَفٌ فِي تَوْقِيفِهِ وَهُوَ مَا عَدَا الْمُصَنِّفَ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ وَنَافِذٌ عِنْدَهُمَا. (وَتَرِثُهُ) أَيْ تَرِثُ الْمُرْتَدَّ (امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللِّحَاقِ (وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا بِالرِّدَّةِ إذْ الرِّدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ. (وَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ أَخَذَ مَا وَجَدَهُ بَاقِيًا فِي يَدِ وَارِثِهِ) وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ بَعْدَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ كَانَ خَلَّفَهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَوْتِهِ الْحُكْمِيِّ فَإِذَا أَعَادَ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ وَبَطَلَ حُكْمُ الْخَلْفِ لَكِنْ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضَاءٍ مِنْ الْوَارِثِ. (وَلَا يُنْقَضُ عِتْقُ مُدَبَّرِهِ وَأَمِّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِعِتْقِهِمَا عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ. (وَإِنْ عَادَ) إلَى دَارِنَا مُسْلِمًا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ (فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ) وَلَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا فَيَكُونُ مُدَبَّرُهُ وَأَمُّ وَلَدِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ وَمَا وَجَدَهُ مِنْ مَالِهِ فِي يَدِ وَارِثِهِ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَرِضَاءٍ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ. [الْمَرْأَةُ إذَا ارْتَدَّتْ] (وَالْمَرْأَةُ) إذَا ارْتَدَّتْ (لَا تُقْتَلُ) عِنْدَنَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (بَلْ تُحْبَسُ) إنْ أَبَتْ وَلَوْ صَغِيرَةً فَتُطْعَمُ كُلَّ يَوْمٍ لُقْمَةً وَشَرْبَةً وَتُمْنَعُ مِنْ سَائِرِ الْمَنَافِعِ (حَتَّى تَتُوبَ) أَيْ تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّيْثِ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَحَمَّادٍ تُقْتَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَكَلِمَةُ مَنْ تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ قَالُوا مِنْ طَرَفِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُرَادُ الْمُحَارِبُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ غَيْرِ مُحَارِبَاتٍ» وَجَزَاءُ مُجَرَّدِ الْكُفْرِ لَا يُقَامُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ وَإِنَّمَا تُحْبَسُ لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً (تُضْرَبُ كُلَّ) ثَلَاثَةِ (أَيَّامٍ) مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحُرَّةَ تَخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ وَتُضْرَبُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ (وَالْأَمَةُ) الَّتِي ارْتَدَّتْ (يُجْبِرُهَا) عَلَى الْإِسْلَامِ (مَوْلَاهَا) يَعْنِي إذَا ارْتَدَّتْ الْأَمَةُ تُحْبَسُ فِي مَنْزِلِ الْمَوْلَى وَتُؤَدَّبُ وَتُسْتَخْدَمُ حَتَّى تُسْلِمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ الْجَبْرِ وَالِاسْتِخْدَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَيُسْتَثْنَى

مِنْ خِدْمَتِهَا عَدَمُ وَطْئِهَا وَقَدْ صَرَّحَ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْفَتْحِ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ وَتُجْبَرُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْعِدَّةُ وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَالْمَيِّتَةِ وَلَوْ وُلِدَتْ فِي دَارِهِمْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ لَكِنْ يُسْتَرَقُّ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا (وَيُنَفَّذُ جَمِيعُ تَصَرُّفِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (فِي مَالِهَا) كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا لِصِحَّتِهَا لِعَدَمِ قَتْلِهَا هَذَا إنْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِنَا وَإِلَّا فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِهِمْ فَالتَّصَرُّفُ بَاطِلٌ عِنْدَهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَجَمِيعُ كَسْبِهَا) أَيْ كَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ فِي الرِّدَّةِ (لِوَارِثِهَا الْمُسْلِمِ إذَا مَاتَتْ) أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنَّا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ (وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا) أَيْ يَرِثُ الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُرْتَدَّةِ (إنْ ارْتَدَّتْ مَرِيضَةً) وَمَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ إبْطَالَ حَقِّهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهَا قَصْدُهَا كَمَا قَصْدِهَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرِثَهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (إلَّا إنْ ارْتَدَّتْ صَحِيحَةً) فَلَا يَرِثُهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالِارْتِدَادِ وَهِيَ لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا (وَقَاتِلُهَا) أَيْ قَاتِلُ الْمُرْتَدَّةِ (يُعَزَّرُ فَقَطْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لِلشُّبْهَةِ لَكِنْ يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ إذَا كَانَتْ فِي دَارِنَا لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِيمَا فَعَلَهُ (وَسَائِرُ أَحْكَامِهَا) أَيْ الْمُرْتَدَّةِ (كَالرَّجُلِ) الْمُرْتَدِّ فِيمَا ذُكِرَ. (فَإِنْ) وَالْأَوْلَى الْوَاوُ (وَلَدَتْ أَمَتُهُ) أَيْ أَمَةُ الْمُرْتَدِّ (فَادَّعَاهُ) أَيْ الْوَلَدَ (ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُمُومِيَّتُهَا) أَيْ كَوْنُ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ اتِّفَاقًا (وَالْوَلَدُ حُرٌّ يَرِثُهُ) أَيْ أَبَاهُ الْمُرْتَدَّ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الِارْتِدَادِ وَالْوِلَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ (إنْ كَانَتْ) الْأَمَةُ (مُسْلِمَةً) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا فَكَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهَا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ فِي رِوَايَةٍ. (وَكَذَا) يَرِثُهُ (إنْ كَانَتْ) الْأَمَةُ (نَصْرَانِيَّةً) وَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَيَقَّنُ وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا يَرِثُهُ الْمُرْتَدُّ (إلَّا إنْ وَلَدَتْهُ) النَّصْرَانِيَّةُ (لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ ارْتَدَّ) لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ كَانَ مِنْ مَاءِ الْمُرْتَدِّ فَيَتْبَعُ الْمُرْتَدَّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يُسْلِمَ فَإِذَا كَانَ مُرْتَدًّا لَا يَرِثُ أَحَدًا. (وَإِنْ لَحِقَ) الْمُرْتَدُّ دَارَهُمْ (بِمَالِهِ) أَيْ مَعَ مَالِهِ (فَظَهَرَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ غَلَبَ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (فَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (فَيْءٌ) لَا نَفْسُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ لَحِقَ) بِهَا بِغَيْرِ مَالٍ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْهَا (فَذَهَبَ بِهِ) أَيْ مَعَ مَالِهِ إلَى دَارِهِمْ (فَظَهَرَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (فَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (لِوَارِثِهِ) إنْ وَجَدَهُ (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ بِلِحَاقِهِ وَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ

أَخَذَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَصْحَابُ الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدَنَا حُكْمَ مَا إذَا وَجَدَ بَعْدَهَا إلَّا صَاحِبُ الْكَافِي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ التَّتَبُّعِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ لَحِقَ) الْمُرْتَدُّ بِدَارِهِمْ (فَقُضِيَ بِعَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْمُرْتَدِّ (لِابْنِهِ) أَيْ ابْنِ الْمُرْتَدِّ (فَكَاتَبَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الِابْنُ فَجَاءَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَبَدَّلَ الْكِتَابَةَ وَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْجَائِي لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى بُطْلَانِ الْمُكَاتَبَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنَفَّذٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِلِحَاقِهِ فَجَعَلْنَا الْوَارِثَ الَّذِي يَكُونُ خَلْفَهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ هَذَا لَوْ جَاءَ قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ لَا يَكُونُ لَهُ بَلْ لِابْنِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِحُّ الْمُكَاتَبَةُ وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مِنْ إرْثِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ كَالْأَوَّلِ. (وَمَنْ قَتَلَهُ مُرْتَدٌّ خَطَأً فَقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ) بِدَارِهِمْ (فَدِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الْمَقْتُولِ (فِي كَسْبِ إسْلَامِهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ الْمُكْتَسَبِ فِي الْإِسْلَامِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ دُونَ الْمُكْتَسَبِ فِي الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ (وَقَالَا فِي كَسْبِهِ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ يَكُونُ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا بِالِاتِّفَاقِ. (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (عَمْدًا) فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (فَارْتَدَّ) الْمَقْطُوعُ يَدُهُ (وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَمَاتَ) عَلَى رِدَّتِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ بِسِرَايَتِهِ إلَى النَّفْسِ (أَوْ لَحِقَ) الْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِدَارِهِمْ (ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا وَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (فَنِصْفُ دِيَتِهِ) فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ الِارْتِدَادُ (لِوَرَثَتِهِ فِي مَالِ الْقَاطِعِ) أَيْ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ضَمَانُ دِيَةِ الْيَدِ فَقَطْ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَلَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ شَيْئًا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ السِّرَايَةَ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَأُهْدِرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ يَدُ الْمُرْتَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا قَضَى بِلِحَاقِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مَيِّتًا تَقْدِيرًا وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ وَإِسْلَامُهُ حَيَاةٌ حَادِثَةٌ تَقْدِيرًا فَلَا يَعُودُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ بِدُونِ لِحَاقٍ) أَيْ بِلَا قَضَاءٍ بِاللِّحَاقِ (فَمَاتَ) مِنْ الْقَطْعِ (فَتَمَامُ الدِّيَةِ) أَيْ يَضْمَنُ الْقَاطِعُ تَمَامَ الدِّيَةِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ الْقَطْعِ وَوَقْتَ السِّرَايَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ يَضْمَنُ (نِصْفَهَا) أَيْ نِصْفَ الدِّيَةِ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الرِّدَّةِ أَهْدَرَ السِّرَايَةَ فَلَا تَنْقَلِبُ بِالْإِسْلَامِ إلَى الضَّمَانِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَقْطُوعِ هُوَ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْتَدَّ وَإِنَّمَا ارْتَدَّ الْقَاطِعُ بَعْدَ الْقَطْعِ ثُمَّ قُتِلَ الْقَاطِعُ

الصبي العاقل إذا ارتد

أَوْ مَاتَ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِتَمَامِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (مُكَاتَبٌ ارْتَدَّ فَلَحِقَ) بِدَارِهِمْ وَاكْتَسَبَ مَالًا (فَأُخِذَ بِمَالِهِ) أَيْ أُخِذَ مَعَ مَالِهِ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ (وَقُتِلَ فَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لِمَوْلَاهُ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ) أَيْ لِوَرَثَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ فَكَذَا اكْتِسَابُهُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كُلُّهُ لِمَوْلَاهُ. (زَوْجَانِ ارْتَدَّا فَلَحِقَا) بِدَارِهِمْ الْأَوْلَى بِالْوَاوِ (فَوَلَدَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ وُلِدَ لِلْوَلَدِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَالْوَلَدَانِ) أَيْ وَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا (فَيْءٌ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ فَكَذَا وَلَدُهَا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ (وَيُجْبَرُ الْوَلَدُ) أَيْ وَلَدُهُمَا (عَلَى الْإِسْلَامِ) تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ (لَا وَلَدُهُ) أَيْ لَا يُجْبَرُ وَلَدُ الْوَلَدِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ أَيْضًا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ لَا يَتْبَعُ الْجَدَّ فِي الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَتْبَعُهُ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ عَنْ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَوَلَدَتْ هُنَاكَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيَرِثُ أَبَاهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْهُ حَتَّى سُبِيَتْ ثُمَّ وَلَدَتْهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ مَرْقُوقٌ فَلَا يَرِثُ أَبَاهُ (وَإِسْلَامُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ) فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ. (وَكَذَا ارْتِدَادُهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إسْلَامَهُ إسْلَامٌ وَارْتِدَادَهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ كِلَاهُمَا مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْبُلُوغِ قَيَّدَهُ بِالْعَاقِلِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ وَإِسْلَامُهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا إسْلَامُ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ الْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ وَهُوَ مَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ فَأَجَابَهُ إلَيْهِ» وَقِيلَ الَّذِي يَعْقِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيُمَيِّزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْحُلْوَ مِنْ الْمُرِّ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ لِغُلَامِهِ الْكَافِرِ فَقَالَ أَنَا عَلَى هَذَا فَهُوَ مُسْلِمٌ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَهْمُ مَا قَالَهُ قَالَ لَهُ صِفْ لِي الْإِسْلَامَ فَإِنْ وَصَفَ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ الشَّيْخِ الْجَلِيلِ إذَا أَتَى بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ الْإِسْلَامُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَفْسِيرَهَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ كَالْبَالِغِ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِلَا إيمَانٍ خَلَدَ فِي النَّارِ ذَكَرَهُ فِي التَّجْرِيدِ. [الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ إذَا ارْتَدَّ] (وَيُجْبَرُ) الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ إذَا ارْتَدَّ (عَلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُ (وَلَا يُقْتَلُ إنْ أَبَى) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي صِحَّةِ رِدَّتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَلْفَاظًا تَكُونُ إسْلَامًا أَوْ كُفْرًا أَوْ خَطَأً مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ الدِّينِيَّةِ فَذَكَرْنَاهَا فِي آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ لِلْمُنَاسَبَةِ فَمَا يَكُونُ كُفْرًا بِالِاتِّفَاقِ يُوجِبُ إحْبَاطَ الْعَمَلِ كَمَا فِي الْمُرْتَدِّ وَتَلْزَمُ إعَادَةُ الْحَجِّ إنْ كَانَ قَدْ حَجَّ وَيَكُونُ وَطْؤُهُ حِينَئِذٍ مَعَ امْرَأَتِهِ زِنًا وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَدُ الزِّنَا ثُمَّ إنْ أَتَى بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا قَالَهُ لِأَنَّهُ بِالْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَا يَرْتَفِعُ الْكُفْرُ وَمَا كَانَ فِي كَوْنِهِ كُفْرًا

اخْتِلَافٌ يُؤْمَرُ قَائِلُهُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَبِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا وَمَا كَانَ خَطَأً مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَقَائِلُهُ مُؤْمِنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالرُّجُوعِ عَنْ ذَلِكَ، هَذَا إذَا تَكَلَّمَ الزَّوْجُ فَإِنْ تَكَلَّمَتْ الزَّوْجَةُ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ وَعَامَّةُ عُلَمَاءِ بُخَارَى عَلَى إفْسَادِهِ لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَوْ بِدِينَارٍ وَهَذَا بِغَيْرِ الطَّلَاقِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لِلْمُسْلِمِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً فَإِنَّهُ سَبَبُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْكُفْرِ هُوَ دُعَاءُ سَيِّدِ الْبَشَرِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِك شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهُ تَوْجِيهٍ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ يَمِيلُ الْعَالِمُ إلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ الْكُفْرِ وَلَا تُرَجَّحُ الْوُجُوهُ عَلَى الْوَجْهِ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا لَا يَكْفُرْ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَالِمًا عَامِدًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا اخْتِيَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهَا كُفْرٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ مَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكْفِيرِ فِيهَا وَلَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ مِنْهَا انْتَهَى لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَفْظَةُ الْكُفْرِ وَلَكِنْ أَتَى بِهَا عَنْ اخْتِيَارٍ فَقَدْ كَفَرَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِلَفْظٍ آخَرَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَفْظُ الْكُفْرِ فَلَا يَكْفُرْ لَكِنَّ الْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُ. وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ تَعْلِيمَ صِفَةِ الْإِيمَانِ لِلنَّاسِ وَبَيَانَ صِفَةِ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَلِلسَّلَفِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ تَصَانِيفُ وَالْمُخْتَصَرُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَا أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَبِلْته وَمَا نَهَانِي عَنْهُ انْتَهَيْت عَنْهُ فَإِذَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَأَقَرَّ بِلِسَانِهِ كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا وَكَانَ مُؤْمِنًا بِالْكُلِّ وَفِيهِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لَا أَدْرِي أَصَحِيحٌ إيمَانِي أَمْ لَا فَهَذَا خَطَأٌ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ نَفْيًا لِلشَّكِّ كَمَنْ يَقُولُ لِشَيْءٍ نَفِيسٍ لَا أَدْرِي أَيَرْغَبُ فِيهِ أَحَدٌ أَمْ لَا وَمَنْ شَكَّ فِي إيمَانِهِ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يُؤَوِّلَهَا فَقَالَ لَا أَدْرِي أَأَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا وَأَنَا مُؤْمِنٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ كَفَرَ وَمَنْ أَضْمَرَ الْكُفْرَ أَوْ هَمَّ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ كَفَرَ بِلِسَانِهِ طَائِعًا وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا يَنْفَعُهُ مَا فِي قَلْبِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْرِفُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ بِالْكُفْرِ فَإِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ طَائِعًا كَانَ كَافِرًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا خَطَرَ بِبَالِهِ أَشْيَاءُ تُوجِبُ الْكُفْرَ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَذَلِكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ بِالْحَدِيثِ وَإِذَا عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ حِينٍ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ لِزَوَالِ التَّصْدِيقِ الْمُسْتَمِرِّ وَجُحُودُ الْكُفْرِ تَوْبَةٌ. وَفِي الدُّرَرِ وَالرِّضَى بِكُفْرِ نَفْسِهِ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الرِّضَى بِكُفْرِ غَيْرِهِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الرِّضَى بِكُفْرِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا إذَا كَانَ يَسْتَنْجِزُ الْكُفْرَ وَيَسْتَحْسِنُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ أَحَبَّ الْمَوْتَ أَوْ الْقَتْلَ عَلَى الْكُفْرِ لِمَنْ كَانَ شِرِّيرًا مُؤْذِيًا

بِطَبْعِهِ حَتَّى يَنْتَقِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ كُفْرًا وَعَلَى هَذَا إذَا دَعَا عَلَى ظَالِمٍ فَقَالَ أَمَاتَك اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ أَوْ قَالَ سَلَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْك الْإِيمَانَ وَنَحْوَهُ فَلَا يَضُرُّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يَنْتَقِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ عَلَى ظُلْمِهِ وَإِيذَائِهِ الْخَلْقَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الرِّضَى بِكُفْرِ الْغَيْرِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ لَقَّنَ إنْسَانًا كَلِمَةَ الْكُفْرِ لِيَتَكَلَّمَ بِهَا كَفَرَ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالضَّحِكِ وَكَذَا مَنْ عَلَّمَهَا كَلِمَةً لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِالْكُفْرِ كَفَرَ الْآمِرُ فِي الْحَالِ تَكَلَّمْ الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِالْإِسْلَامِ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الرِّضَى بِكُفْرِ الْغَيْرِ كُفْرًا أَمَّا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ كُفْرًا لَا يُكَفِّرُ الْآمِرَ وَالْمُعَلِّمَ وَمَنْ قَالَ لَا إلَهَ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ لَا يَكْفُرْ لِأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ لِلْإِيمَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْإِثْبَاتَ وَأَرَادَ النَّفْيَ فَقَطْ فَهُوَ كَافِرٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْوَثَنِيُّ الَّذِي لَا يُقِرُّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا حَتَّى لَوْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ يُقْتَلُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ أَنِّي مُسْلِمٌ إنِّي عَلَى الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا وَالْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا مَا لَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَفِي الدُّرَرِ أَمَّا الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا قَالَاهُمَا الْيَوْمَ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَفْسَرْته يَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى إيمَانِهِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ التَّبَرُّؤُ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَتَبَرَّأَ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إذْ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ زَادَهُ وَقَالَ أَدْخُلُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ زَالَ الِاحْتِمَالُ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّسْلِيمُ لِلْحَقِّ وَكُلُّ ذِي دِينٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُك. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذَا قَالَ الْيَهُودِيُّ دَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْت عَنْ الْيَهُودِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ إقْرَارٌ بِدُخُولٍ حَادِثٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَفْتَى الْبَعْضُ فِي دِيَارِنَا بِإِسْلَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَرُّؤٍ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ الْآنَ وَالْمَجُوسِيُّ إذَا قَالَ أَسْلَمْت أَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ يَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ مَجُوسِيٌّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ مُسْلِمًا قَالَ كَافِرٌ آمَنْت بِمَا آمَنَ بِهِ الرَّسُولُ يَصِيرُ مُسْلِمًا قَالَ كَافِرٌ: اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا وَلَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ دِينُك حَقٌّ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقِيلَ يَصِيرُ إلَّا إذَا قَالَ حَقٌّ لَكِنْ لَا آمَنُ بِهِ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِذِمِّيٍّ أَسْلِمْ فَقَالَ أَسْلَمْت كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ خَاطَبَهُ بِجَوَابِ مَا كَلَّفَهُ بِهِ. وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ صِفْ دِينَك فَقَالَ لَا أَدْرِي قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ هُوَ لَيْسَ بِيَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً صَغِيرَةً وَلَهَا أَبَوَانِ نَصْرَانِيَّانِ فَكَبِرَتْ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ دِينًا مِنْ الْأَدْيَانِ أَيْ لَا تَعْرِفُهُ بِقَلْبِهَا وَلَا تَصِفُهُ أَيْ لَا تُعَبِّرُ بِلِسَانِهَا وَهِيَ غَيْرُ مَعْتُوهَةٍ فَإِنَّهَا تَبِينُ

ألفاظ الكفر أنواع

مِنْ زَوْجِهَا وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ إذَا بَلَغَتْ عَاقِلَةً غَيْرَ مَعْتُوهَةٍ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَتَصِفُهُ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا. وَفِي مَجْمَعِ النَّوَازِلِ أَذَّنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَمَّا لَوْ قَرَأَ وَتَعَلَّمَ لَا يَكُونُ إسْلَامًا كَافِرٌ لَقَّنَ كَافِرًا آخَرَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا كَافِرٌ جَاءَ إلَى رَجُلٍ وَقَالَ اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ؛ يَكْفُرُ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ كَافِرٌ لَمْ يَفِرَّ بِالْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا إذَا صَلَّى إلَى قِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ النَّاطِفِيُّ إذَا صَلَّى الْكَافِرُ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ يَصِيرُ مُسْلِمًا ذِمِّيٌّ اقْتَدَى بِمُسْلِمٍ وَصَلَّى خَلْفَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ أَمَّ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمِينَ لَا قَالَ وَاحِدٌ رَأَيْته يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ لَا تُقْبَلُ وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدَ مُسْلِمٌ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ نَجْعَلُهُ مُسْلِمًا وَإِنْ شَهِدَ عَلَى مُسْلِمٍ مَيِّتٍ أَنَّهُ ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِهِ وَمَاتَ عَلَيْهِ لَا أَجْعَلُهُ مُرْتَدًّا يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ لَوْ عَدْلًا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ يُقْبَلْ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتُرِكَ عَلَى دِينِهِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ بِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَأُجْبِرَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ. وَفِي النَّوَادِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ. [أَلْفَاظَ الْكُفْرِ أَنْوَاع] (ثُمَّ إنَّ أَلْفَاظَ الْكُفْرِ أَنْوَاعٌ) (الْأَوَّلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) إذَا وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِهِ أَوْ أَنْكَرَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَنْكَرَ وَعْدَهُ أَوْ وَعِيدَهُ أَوْ جَعَلَ لَهُ شَرِيكًا أَوْ وَلَدًا أَوْ زَوْجَةً أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْجَهْلِ أَوْ الْعَجْزِ أَوْ النَّقْصِ أَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْمَخْلُوقِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْخَالِقِ نَحْوَ الْقُدُّوسِ وَالْقَيُّومِ وَالرَّحْمَنِ وَغَيْرِهَا يَكْفُرُ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ. وَلَوْ قَالَ إنَّ فُلَانًا فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ إنْ عَنَى اسْتِقْبَاحَ فِعْلِهِ لَا يَكْفُرْ. وَلَوْ قَالَ " دَسَّتْ خداي درازست " كَفَرَ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ وَقِيلَ إنْ عَنَى بِهِ الْجَارِحَةَ يَكْفُرْ وَإِنْ عَنَى بِهِ الْقُدْرَةَ لَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا حِينَئِذٍ عِنْدَ الْكُلِّ. تَدَبَّرْ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا لَا حِكْمَةَ فِيهِ وَبِإِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ حِكَايَةَ مَا جَاءَ فِي ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ لَا يَكْفُرْ وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْمَكَانَ كَفَرَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكْفُرْ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ أَرَى اللَّهَ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ فَهَذَا كُفْرٌ وَلَوْ قَالَ مِنْ الْجَنَّةِ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ لَكِنْ فِي الْفُصُولَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ لَوْ جَعَلَ الْجَنَّةَ ظَرْفًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لَوْ جَعَلَهَا لِنَفْسِهِ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُمَا وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ تَعَالَى جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ أَوْ قَامَ بِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ

وَبِوَصْفِهِ تَعَالَى بِالْفَوْقِ وَالتَّحْتِ. وَلَوْ قَالَ " مربر آسَمَانِ خداي أَسِتّ وبرزمين فُلَانٌ " كَفَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ فِي الْخِزَانَةِ خِلَافَهُ قَالَ " أزخداي هج مَكَان خَالِي نيست " كَفَرَ. وَقَوْلُهُ حِينَ الْغَضَبِ لَا أَخْشَى اللَّهَ إذَا قِيلَ لَهُ أَلَا تَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى كَفَرَ إذَا نَفَى الْخَوْفَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ لَا يَكْفُرْ. وَلَوْ قَالَ " عِلْم خداي دِرْهَمه مَكَان هُسَّتْ " فَهَذَا خَطَأٌ وَمَنْ قَالَ " نه مكاني زتو خَالِي نه توهيج مَكَانِيّ " كَفَرَ. وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَا يَمْرَضُ هَذَا مَنْسِيُّ اللَّهِ أَوْ قَالَ هَذَا مَنْ نَسِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ رَأَيْت اللَّهَ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَبِقَوْلِهِ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَعْلُومِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِ الظَّالِمِ أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِظَنِّهِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَمَا فِيهَا لِلْفَنَاءِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَبِقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّاعَةَ لَهَا وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الشَّهْوَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَبِإِدْخَالِ الْكَافِ فِي آخِرِ اللَّهِ عِنْدَ نِدَاءِ مَنْ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ عَالِمًا عَلَى الْأَصَحِّ وَبِتَصْغِيرِ الْخَالِقِ عَمْدًا عَالِمًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فِي ذَلِكَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ فِي ذَلِكَ لَا يَكْفُرُ. وَبِقَوْلِهِ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا أَمْسِ فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنْ يُكَفَّرَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ يَكُونُ هَذَا مِنْهُ رِضًى بِالْكُفْرِ وَأَمَّا إذَا قَالَ يُعْلَمُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَزَلْ أَذْكُرُك بِدُعَاءِ الْخَيْرِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِقَوْلِهِ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ وَلَدِي وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ. قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا " توسر خداي دَانِي " فَقَالَ نَعَمْ يَكْفُرُ لِأَنَّ الْغَيْبَ وَالسِّرَّ وَاحِدٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَكْفُرُ وَمَنْ ادَّعَى الْغَيْبَ لِنَفْسِهِ يَكْفُرْ حَتَّى يُؤْمَرَ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ فِي قَوْلِ الْمَرْأَةِ نَعَمْ فِي جَوَابِ أَتَعْلَمِينَ الْغَيْبَ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَرْوَاحُ الْمَشَايِخِ حَاضِرَةٌ، تَعْلَمُ. وَيَكْفُرُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَمُوتُ بِهَذَا الْمَرَضِ وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ صِيَاحِ الطَّيْرِ يَمُوتُ أَحَدٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ وَبِقَوْلِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَالَةِ الْقَمَرِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْقَمَرِ يَكُونُ مَطَرًا مُدَّعِيًا عَلَى الْغَيْبِ بِلَا عَلَامَةٍ وَبِرُجُوعِهِ مِنْ سَفَرٍ عِنْدَ سَمَاعِهِ صِيَاحَ الْعَقْعَقِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِإِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَتَصْدِيقِهِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا أَعْلَمُ الْمَسْرُوقَاتِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا أُخْبِرُ عَنْ أَخْبَارِ الْجِنِّ إيَّايَ فَإِنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ سَاحِرٌ كَاهِنٌ وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ وَبِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَلَكَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ. (الثَّانِي فِي الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَعْنَى النَّبِيِّ وَهُوَ الْمُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَتَصْدِيقِهِ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَجِبُ بِأَنَّهُ رَسُولُنَا فِي الْحَالِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ فَإِذَا آمَنَ بِأَنَّهُ رَسُولٌ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِأَنَّهُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ بِشَيْءٍ أَوْ لَمْ يَرْضَ بِسُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَقَدْ كَفَرَ وَبَيَّنَّا حِكْمَتَهُ فِي قَوْلِهِ مَنْ سَبَّ نَبِيًّا وَيَكْفُرُ بِنِسْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ إلَى الْفَوَاحِشِ كَالْعَزْمِ عَلَى الزِّنَاءِ وَنَحْوِهِ فِي يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

وَقِيلَ وَلَوْ قَالَ لَمْ يَعْصُوا حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا كَفَرَ لِأَنَّهُ رَدَّ النُّصُوصَ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبِيٌّ أَوْ لَا وَبِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا لَمْ آمَنْ بِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ بِخِلَافِ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَوْ بُعِثَ فُلَانٌ نَبِيًّا لَائْتَمَرْت بِأَمْرِهِ وَلَا بِإِنْكَارِ نُبُوَّةِ الْخَضِرِ وَذِي الْكِفْلِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نُبُوَّتِهِمَا وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا قَالَ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا وَحَقًّا نَجَوْنَا. وَبِقَوْلِهِ أَنَا رَسُولٌ وَبِطَلَبِهِ الْمُعْجِزَةَ حِينَ ادَّعَى رَجُلٌ الرِّسَالَةَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا إنْ كَانَ غَرَضُ الطَّالِبِ تَعْجِيزَهُ وَإِفْضَاحَهُ لَا يَكْفُرُ وَاخْتُلِفَ فِي تَصْغِيرِ شَعْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِنْ إذَا أَرَادَ الْإِهَانَةَ فَلَا خِلَافَ فِي الْكُفْرِ أَمَّا إذَا أَرَادَ التَّعْظِيمَ فَلَا. وَمَنْ قَالَ لَا أَدْرِي أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إنْسِيًّا أَوْ جِنِّيًّا يَكْفُرْ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِسُنَّةٍ أَوْ حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ رَدَّ حَدِيثًا مُتَوَاتِرًا أَوْ قَالَ سَمِعْنَاهُ كَثِيرًا بِطَرِيقِ الِاسْتِخْفَافِ كَفَرَ وَبِشَتْمِهِ رَجُلًا اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ ذَاكِرًا لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي إكْرَاهٍ الْأَصْلُ إذَا أَكْرَهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَشْتُمَ مُحَمَّدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي شَيْءٌ وَإِنَّمَا شَتَمْت مُحَمَّدًا كَمَا طَلَبُوا مِنِّي وَأَنَا غَيْرُ رَاضٍ بِهِ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكْفُرُ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ خَطَرَ بِبَالِي رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَأَرَدْت بِالشَّتْمِ ذَلِكَ النَّصْرَانِيَّ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكْفُرُ أَيْضًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ خَطَرَ بِبَالِي رَجُلٌ مِنْ النَّصَارَى فَلَمْ أَشْتُمْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا شَتَمْت مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَكْفُرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْإِكْرَاهَ عَنْ نَفْسِهِ بِشَتْمِ مُحَمَّدٍ آخَرَ خَطَرَ بِبَالِهِ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ جُنَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَاعَةً لَا بِقَوْلِهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. وَلَوْ قِيلَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ كَذَا مَثَلًا الْقَرْعُ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا لَا أُحِبُّهُ كَفَرَ وَقِيلَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِهَانَةِ وَإِلَّا لَا. وَمَنْ قَالَ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ آدَم الْحِنْطَةَ مَا وَقَعْنَا فِي هَذَا الْبَلَاءِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ قَالَ مَا صِرْنَا أَشْقِيَاءَ يَكْفُرْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ إنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَسَجَ الْكِرْبَاسَ فَقَالَ آخَرُ نَحْنُ إذًا أَوْلَادُ الْحَائِكِ يَكْفُرُ قَالَ لِقَاؤُك عَلَيَّ كَلِقَاءِ مَلَكِ الْمَوْتِ إنْ قَالَهُ لِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ لَا يَكْفُرْ وَإِنْ قَالَهُ إهَانَةً لِمَلَكِ الْمَوْتِ يَكْفُرْ وَيَكْفُرُ بِتَعْيِيبِهِ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ بِالِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَبِقَوْلِهِ إنَّ عِزْرَائِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَلِطَ فِي قَبْضِ رُوحِ فُلَانٍ. رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ احْلِقْ رَأْسَك وَقَلِّمْ أَظْفَارَك فَإِنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً فَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَالرَّدِّ وَكَذَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ خُصُوصًا فِي سُنَّةٍ هِيَ مَعْرُوفَةٌ وَثُبُوتُهَا بِالتَّوَاتُرِ كَالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي أَنَّ النَّبِيَّ فِي الْقَبْرِ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ وَبِقَوْلِهِ مَا كَانَ عَلَيْنَا نِعْمَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّ الْبَعْثَةَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَبِقَذْفِهِ عَائِشَةَ وَإِنْكَارِهِ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِإِنْكَارِهِ إمَامَتَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِإِنْكَارِهِ صُحْبَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الْأَصَحِّ. (الثَّالِثُ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا) إذَا أَنْكَرَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَاسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمَسْجِدِ أَوْ

بِنَحْوِهِ مِمَّا يَعْظُمُ فِي الشَّرْعِ أَوْ عَابَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ خَطِئَ أَوْ سَخِرَ بِآيَةٍ مِنْهُ كَفَرَ إلَّا الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَفِي إنْكَارِهِمَا اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ كُفْرُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ عَامِّيًّا يَكْفُرْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا لَا لَكِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى عَدَمِ إيجَابِ الْكُفْرِ وَيَكْفُرُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ حَقِيقَةً وَكَذَا بِخَلْقِ الْإِيمَانِ وَيَجِبُ إكْفَارُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ الْقُرْآنَ جِسْمٌ إذَا كُتِبَ وَعَرَضٌ إذَا قُرِئَ. وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى دَقِّ الدُّفِّ وَالْقَصَبِ يَكْفُرُ وَقَالَ لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَذَكَّرُ كَلِمَةَ {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة: 29] أَوْ مَلَأَ قَدَحًا وَجَاءَ بِهِ وَقَالَ كَأْسًا دِهَاقًا أَوْ قَالَ فَكَانَتْ سَرَابًا بِطَرِيقِ الْمُجَازَفَةِ أَوْ قَالَ عِنْدَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] أَوْ جَمَعَ أَهْلَ مَوْضِعٍ وَقَالَ {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 99] أَوْ قَالَ {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ كَيْفَ تَقْرَأُ وَالنَّازِعَاتِ نَزْعًا تَنْصِبُ أَوْ تَرْفَعُهَا وَأَرَادَ بِهِ الطَّعْنَ وَالسُّخْرِيَةَ أَوْ قَالَ صَرِّحْ اسْمَك فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] أَوْ دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَقَالَ أَنَا أُصَلِّي وَحْدِي فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ كُلْ تَفْشِيلَةَ فَإِنَّ التَّفْشِيلَةَ تَذْهَبُ بِالرِّيحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] كَفَرَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَدَلِ كَلَامِهِ هَازِلًا كَفَرَ وَكَذَا لَوْ نَظَمَ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيَكْفُرُ بِوَضْعِ رِجْلِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا. وَإِذَا قَالَ الْقُرْآنُ أَعْجَمِيٌّ كَفَرَ وَلَوْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ فَفِي أَمْرِهِ نَظَرٌ. وَيَكْفُرُ بِالِاسْتِهْزَاءِ بِالْأَذْكَارِ وَبِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ الزِّنَى وَعِنْدَ الْحَرَامِ الْمَقْطُوعِ بِحُرْمَتِهِ أَوْ عِنْدَ أَخْذِ كَعْبَيْنِ لِلنَّرْدِ أَوْ عِنْدَ رَمْيِ الرَّمْلِ وَطَرْحِ الْحَصَى كَمَا يَفْعَلُهُ أَرْبَابُ الْفَأْلِ لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَزَّانُ يَقُولُ فِي الْعَدِّ فِي مَقَامٍ أَنْ يَقُولَ وَاحِدٌ بِسْمِ اللَّهِ وَيَضَعُهُ مَكَانَ قَوْلِهِ وَاحِدٌ لَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ ابْتِدَاءَ الْعَدِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ابْتِدَاءَ الْعَدِّ لَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ لَا يَقُولُ كَذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ يَكْفُرُ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ الْفَرَاغِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَكْفُرْ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ حَمْدَهُ وَقَعَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ الْحَرَامِ وَقِيلَ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى اتِّخَاذِ الْحَرَامِ فَإِنْ نَوَى يُعَامَلُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَكْفُرْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ بَدْرٌ الرَّشِيدُ وَسَمِعْت عَنْ بَعْضِ الْأَكَابِرِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ مَوْضِعَ الْأَمْرِ لِلشَّيْءِ أَوْ مَوْضِعَ الْإِجَازَةِ بِسْمِ اللَّهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاحِدٌ أَدْخُلُ أَوْ أَقُومُ أَوْ أَقْعُدُ أَوْ أَتَقَدَّمُ أَوْ أَسِيرُ وَقَالَ الْمُشِيرُ بِسْمِ اللَّهِ يَعْنِي بِهِ أَذِنْتُك فِيمَا اسْتَأْذَنْت كَفَرَ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمَرِيضِ لَا أُصَلِّي أَبَدًا جَوَابًا لِمَنْ قَالَهُ صَلِّ وَقِيلَ لَا وَكَذَا لَا أُصَلِّي حِينَ أُمِرَ بِهَا وَقِيلَ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْوُجُوبِ قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا أُصَلِّي يَحْتَمِلُ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا أُصَلِّي لِأَنِّي صَلَّيْت وَالثَّانِي لَا أُصَلِّي بِأَمْرِك فَقَدْ أَمَرَنِي بِهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك وَالثَّالِثُ لَا أُصَلِّي فِسْقًا وَمَجَّانًا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ بِكُفْرٍ وَالرَّابِعُ لَا أُصَلِّي إذْ لَيْسَتْ تَجِبُ عَلِيّ الصَّلَاةِ وَلَمْ أُؤْمَرْ بِهَا

وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَكْفُرُ وَلَوْ قِيلَ لِلْفَاسِقِ صَلِّ حَتَّى تَجِدَ حَلَاوَةَ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا تُصَلِّ حَتَّى تَجِدَ حَلَاوَةَ التَّرْكِ يَكْفُرْ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِ الْعَبْدِ لَا أُصَلِّي فَإِنَّ الثَّوَابَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَإِذَا قِيلَ لِرَجُلٍ صَلِّ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَقَصَ عَنِّي مَالِي فَأَنَا أَنْقُصُ حَقَّهُ كَفَرَ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَوْ صَارَتْ الْقِبْلَةُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ مَا صَلَّيْت وَبِقَوْلِهِ " سرنماز بستدام " وَبِقَوْلِهِ اصْبِرْ إلَى مَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نُصَلِّيَ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ صَلِّي وَمَنْ قَالَ لَهُ صَلِّ فَقَالَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْلُغَ هَذَا الْأَمْرَ إلَى نِهَايَتِهِ أَوْ قَالَ لِلْآمِرِ مَا زِدْت وَمَا رَبِحْت مِنْ صَلَاتِك يَكْفُرْ وَبِقَوْلِهِ نُصَلِّي رَمَضَانَ إنَّ الصَّلَاةَ فِي رَمَضَانَ تُسَاوِي سَبْعِينَ صَلَاةً وَبِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ نَاوٍ لِلْقَضَاءِ وَغَيْرَ خَائِفٍ لِلْعِقَابِ وَبِصَلَاتِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا أَوْ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ عَمْدًا وَالْمَأْخُوذُ بِهِ الْكُفْرُ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ وَقِيلَ لَا فِي الْكُلِّ وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَإِنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ فَيَصِيرُ كَافِرًا بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَلَوْ اُبْتُلِيَ إنْسَانٌ بِذَلِكَ ضَرُورَةً بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَ قَوْمٍ فَأَحْدَثَ وَاسْتَحَى أَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ وَكَتَمَ فَصَلَّى هَكَذَا أَوْ كَانَ هَرَبَ مِنْ الْعَدُوِّ فَقَامَ يُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَهْزِئٍ وَيَنْبَغِي لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالْقِيَامِ الْقِيَامَ إلَى صَلَاةٍ وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا وَإِذَا حَنَى ظَهْرَهُ لَا يَقْصِدُ الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ وَلَا يُسَبِّحُ حَتَّى لَا يَصِيرَ كَافِرًا إجْمَاعًا. وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِ فَرِيضَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُطْلَقًا وَبِالِاسْتِهْزَاءِ بِالْأَذَانِ لَا بِالْمُؤَذِّنِ وَبِإِعَادَةِ الْأَذَانِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَبِقَوْلِهِ صَوْتٌ طُرْفَةٌ حِينَ سَمِعَ الْأَذَانَ اسْتِهْزَاءً أَوْ قَالَ هَذَا صَوْتٌ غَيْرُ الْمُتَعَارَفِ أَوْ صَوْتُ الْأَجَانِبِ أَوْ صَوْتُ الْجَرَسِ أَوْ قَالَ " اين بَانَك باسبان " هَذَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِهْزَاءَ بِالْقِرَاءَةِ نَفْسِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَهْزَأَ بِقَارِئِهَا مِنْ وَحْشَةِ قُبْحِ صَوْتِهِ فِيهَا وَغَرَابَةِ تَأْدِيَتِهِ بِهَا. وَبِقَوْلِهِ لَا أُؤَدِّي الزَّكَاةَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِأَدَائِهَا عَلَى قَوْلٍ وَبِقَوْلِهِ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِالصَّوْمِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لَا أَفْعَلُ وَلَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُفْرَضَ رَمَضَانُ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ. قَالَ عِنْدَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ جَاءَ الشَّهْرُ الثَّقِيلُ أَوْ الضَّيْفُ الثَّقِيلُ أَوْ قَالَ عِنْدَ دُخُولِ رَجَبٍ بِفِتَنِهَا " أندر افتاديم " إنْ قَالَ تَهَاوُنًا كَفَرَ وَإِنْ قَالَ لِضَعْفِهِ وَجُوعِهِ لَا يَكْفُرْ، وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ إنَّ هَذِهِ الطَّاعَاتِ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَذَابًا عَلَيْنَا بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ يَفْرِضْ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ لَكَانَ خَيْرًا لَنَا وَبِقَوْلِهِ لَا عِنْدَ أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَكِنْ إنْ عَنَى بِهِ لَا أَقُولُ بِأَمْرِك لَا يَكْفُرْ. وَبِإِنْكَارِهِ الْأَهْوَالَ عِنْدَ النَّزْعِ أَوْ الْقَبْرِ لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ أَنْكَرُوا عَذَابَ الْقَبْرِ فَلَا يَصِحُّ إكْفَارُهُمْ فِي صَحِيحِ الْأَقْوَالِ وَبِإِنْكَارِهِ الْقِيَامَةَ أَوْ الْبَعْثَ أَوْ الْجَنَّةَ أَوْ الْمِيزَانَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ الصِّرَاطَ أَوْ الصَّحَائِفَ الْمَكْتُوبَةَ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ إلَّا إذَا أَنْكَرَ بِعَيْنِهِ وَبِإِنْكَارِهِ رُؤْيَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ وَبِإِنْكَارِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ وَبِقَوْلِهِ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ

لَا أُرِيدُهَا دُونَك أَوْ لَا أَدْخُلُهَا مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ أَوْ لِأَجْلِ هَذَا الْعَمَلِ لَا أُرِيدُهَا أَوْ لَا أُرِيدُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيدُ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى أَكْبَرُ مِنْ الْجَنَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ بِطَلَبِ الْأَعْلَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الدُّنْيَا حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَكِلَاهُمَا حَرَامَانِ عَلَى أَهْلِ اللَّهِ، تَأَمَّلْ. وَبِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إذَا بُعِثُوا هَلْ يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ وَبِإِنْكَارِهِ حَشْرَ بَنِي آدَمَ لَا غَيْرَهُمْ وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ الْعُقُوبَةِ بِالذَّنْبِ وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَعَاصِي قَبِيحَةً وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ الطَّاعَةِ حُسْنًا وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَبِعَدَمِ رُؤْيَةِ وُجُوبِ الطَّاعَاتِ. (الرَّابِعُ فِي الِاسْتِخْفَافِ بِالْعِلْمِ) . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فَالِاسْتِخْفَافُ بِالْعُلَمَاءِ لِكَوْنِهِمْ عُلَمَاءَ اسْتِخْفَافٌ بِالْعِلْمِ وَالْعِلْمُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنَحَهُ فَضْلًا عَلَى خِيَارِ عِبَادِهِ لِيَدُلُّوا خَلْقَهُ عَلَى شَرِيعَتِهِ نِيَابَةً عَنْ رُسُلِهِ فَاسْتِخْفَافُهُ بِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ إلَى مَنْ يَعُودُ فَإِنْ افْتَخَرَ سُلْطَانٌ عَادِلٌ بِأَنَّهُ ظِلُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ يَقُولُ الْعُلَمَاءُ بِلُطْفٍ اللَّهُ اتَّصَفْنَا بِصِفَتِهِ بِنَفْسِ الْعِلْمِ فَكَيْفَ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْعَمَلُ الْمُلْكُ عَلَيْك لَوْلَا عَدْلُك فَأَيْنَ الْمُتَّصِفُ بِصِفَتِهِ مِنْ الَّذِينَ إذَا عَدَلُوا لَمْ يَعْدِلُوا عَنْ ظِلِّهِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِالْأَشْرَافِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ. وَمَنْ قَالَ لِلْعَالِمِ عُوَيْلِمٌ أَوْ لِعَلَوِيٍّ عُلَيْوِيٌّ قَاصِدًا بِهِ الِاسْتِخْفَافَ كَفَرَ. وَمَنْ أَهَانَ الشَّرِيعَةَ أَوْ الْمَسَائِلَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا كَفَرَ وَمَنْ بَغَضَ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ خِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَلَوْ شَتَمَ فَمَ عَالِمٍ فَقِيهٍ أَوْ عَلَوِيٍّ يُكَفَّرُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ثَلَاثًا إجْمَاعًا كَمَا فِي مَجْمُوعَةِ الْمُؤَيَّدِيِّ نَقْلًا عَنْ الْحَاوِي لَكِنَّ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَكَيْفَ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ، تَدَبَّرْ. حُكِيَ أَنَّ فَقِيهًا وَضَعَ كِتَابَهُ فِي دُكَّانٍ وَذَهَبَ ثُمَّ مَرَّ عَلَى ذَلِكَ الدُّكَّانِ فَقَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ هَاهُنَا نَسِيت الْمِنْشَارَ فَقَالَ الْفَقِيهُ: عِنْدَك لِي كِتَابٌ لَا مِنْشَارٌ، فَقَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ: النَّجَّارُ يَقْطَعُ الْخَشَبَةَ بِالْمِنْشَارِ وَأَنْتُمْ تَقْطَعُونَ بِهِ حَلْقَ النَّاسِ أَوْ قَالَ حَقَّ النَّاسِ أَمَرَ ابْنُ الْفَضْلِ بِقَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ كَفَرَ بِاسْتِخْفَافِ كِتَابِ الْفَقِيهِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ كَالْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ لَا يَكُونُ كُفْرًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ إهَانَتُهُ فِي الشَّرِيعَةِ. يَحْكِي عَنْ الْعَلَّامَةِ الْخُوَارِزْمِيِّ مَوْلَانَا هَمَّامُ الدِّينِ أَنَّهُ قَتَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأَعْوِنَةِ حِينَ أَطَالَ لِسَانَهُ إلَى دَفْتَرِ وَاحِدٍ مِنْ الطَّلَبَةِ مَنْ قَالَ لِفَقِيهٍ يَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ أَوْ يَرْوِي حَدِيثًا صَحِيحًا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ أَوْ قَالَ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْلُحُ هَذَا الْكَلَامُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ لِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْحُرْمَةَ الْيَوْمَ لِلدِّرْهَمِ لَا لِلْعِلْمِ كَفَرَ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ " دِرْهَمٌ بايد عِلْم بجيه كَارِ آير " أَوْ قَالَ " عِلْمٌ بكاسه اندرشكست " كَفَرَ. وَيَكْفُرُ بِجُلُوسِهِ عَلَى مُرْتَفِعٍ وَيَتَشَبَّهُ بِالْمُذَكِّرِينَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ يَسْأَلُونَهُ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ ثُمَّ يَضْرِبُهُمْ بِالْمِخْرَاقِ وَكَذَا يَكْفُرُ الْجَمْعُ لِاسْتِخْفَافِهِمْ بِالشَّرْعِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَجْلِسْ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ وَلَكِنْ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُذَكِّرِينَ وَيَسْخَرُ وَالْقَوْمُ يَضْحَكُونَ كَفَرُوا وَكَذَا مَنْ تَشَبَّهَ بِالْمُعَلِّمِ عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ وَأَخَذَ الْخَشَبَةَ وَيَضْرِبُ

الصِّبْيَانَ كَفَرَ. وَيَكْفُرُ مَنْ قَالَ قَصَصْت شَارِبَك وَأَلْقَيْت الْعِمَامَةَ عَلَى الْعَانِقِ اسْتِخْفَافًا أَوْ قَالَ مَا أَقْبَحَ أَمْرَ قَصِّ الشَّارِبِ وَلَفِّ طَرَفِ الْعِمَامَةِ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ مَاذَا أَعْرَفَ الشَّرْعُ أَوْ قَالَ مَاذَا أَصْنَعُ بِالشَّرْعِ وَبِقَوْلِهِ الشَّرْعُ وَأَمْثَالُهُ لَا يُفِيدُنِي وَلَا يُنَفَّذُ أَوْ قَالَ لِمَاذَا يَصْلُحُ لِي مَجْلِسُ الْعِلْمِ أَوْ أَلْقَى الْفَتْوَى عَلَى الْأَرْضِ وَقَالَ " أَيْنَ جه شرعست " أَوْ قَالَ مَاذَا أَشْرَعَ هَذَا أَوْ قَالَ مَاذَا أَعْرَفَ الطَّلَاقُ وَالْمِلَاقُ أَوْ قَالَ " مَنْ عِلْم حِيلَ را منكرم " أَوْ قَالَ اذْهَبْ مَعِي إلَى الشَّرْعِ فَقَالَ لَا أَذْهَبُ حَتَّى بِالْبَيْدَقِ كَفَرَ إذَا عَانَدَ الشَّرْعَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ دَفْعَهُ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ صَحَّحَ الدَّعْوَى فَيَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ أَوْ تَعَلَّلَ لِأَنَّ الْقَاضِي رُبَّمَا لَا يَكُونُ جَالِسًا فِي الْمَحْكَمَةِ فَلَا يَكْفُرُ أَمَّا لَوْ قَالَ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَا أَذْهَبُ فَلَا يَكْفُرُ. إذَا تَخَاصَمَ رَجُلَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَعَالَى حَتَّى نَذْهَبَ إلَى الْعَالِمِ أَوْ إلَى الشَّرْعِ فَقَالَ الْآخَرُ " مِنْ عِلْم جه دانم " يَكْفُرُ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ " آنَكَسَ كه سيم كَرَفَّتِي قَاضِي شريعت كجابود " قِيلَ إنْ عَنَى بِهِ قَاضِي الْبَلَدِ لَا يَكْفُرْ لَوْ قَالَ أَيْنَ كَانَ الشَّرْعُ وَأَمْثَالُهُ حِينَ أُخِذَتْ الدَّرَاهِمُ يَكْفُرْ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ " بيا بمجلس علمي روم " فَقَالَ " مرا بِعِلْمِ جه كاراست " يَكْفُرْ وَمَنْ قِيلَ لَهُ قُمْ اذْهَبْ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ فَقَالَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا يَقُولُونَ أَوْ قَالَ مَالِي وَمَجْلِسُ الْعِلْمِ كَفَرَ أَوْ قَالَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُكْمِلَ بِمَا أَمَرَ الْعُلَمَاءُ كَفَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَوْ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ كَثْرَةِ النَّوَافِلِ وَالرِّيَاضَاتِ وَالْمُجَاهَدَاتِ الَّتِي تُحْكَى عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فَقَالَ تَعَجُّبًا وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ مُقِرًّا بِعَجْزِهِ عَنْ مِثْلِهِ وَنُقْصَانِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَافِ وَالْإِنْكَارِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لِآخَرَ لَا تَذْهَبْ إلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ فَإِنْ ذَهَبْت تَطْلُقْ وَتَحْرُمْ امْرَأَتُك مُمَازَحَةً أَوْ جِدًّا وَمَنْ رَجَعَ مِنْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ فَقَالَ الْآخَرُ رَجَعَ هَذَا مِنْ الْكَنِيسَةِ كَفَرَ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ قَصْعَةُ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ وَبِقَوْلِهِ الْجَهْلُ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ وَبِقَوْلِهِ الْجَاهِلُ خَيْرٌ مِنْ الْعَالِمِ وَبِقَوْلِهِ زَاهِدٌ جَاهِلٌ خَيْرٌ مِنْ عَالِمٍ فَاسِقٍ وَبِقَوْلِهِ " فعل دانشمندان همانست فعل كَافِرَانِ " وَمَنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ الشَّرْعُ فَتَجَشَّأَ فَقَالَ هَذَا الشَّرْعُ كَفَرَ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا تَوْحِيدَ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ أَوْ عِلْمُ الْحَقِيقَةِ أَعْلَى مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا حَقِيقَةَ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ أَوْ عِلْمُ الْحَقِيقَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَيُرِيدُ بِالْحَقِيقَةِ عِلْمَ الْفَلَاسِفَةِ. (الْخَامِسُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ) وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَبِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي الْكَافِرُ فِي الْجَنَّةِ أَوْ فِي النَّارِ وَبِقَوْلِهِ لَا أَتْرُكُ النَّقْدَ لِأَجْلِ النَّسِيئَةِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ دَعْ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا مُخَلَّدٌ وَبِقَوْلِهِ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَيْرِيَّةَ لِمَا هُوَ قَبِيحٌ شَرْعًا وَعَقْلًا

ثَابِتٌ قَبِيحَةً بِالْقَطْعِيِّ بَلْ بِقَوْلِهِ الْيَهُودِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ لَا فِي جَوَابِ أَلَسْت بِمُسْلِمٍ وَبِقَوْلِهِ لَا أَسْمَعُ كَلَامَك وَأَفْعَلُ جَزَاءً فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْعَلْ وَبِقَوْلِهِ قَتْلُ فُلَانٍ أَوْ دَمُ فُلَانٍ حَلَالٌ أَوْ مُبَاحٌ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ سَبَبًا مُوجِبًا لِلْقَتْلِ وَكَذَا مَنْ قَالَ لِهَذَا الْقَائِلِ صَدَقْت وَأَحْسَنْت إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الشَّتْمُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ بَلْ يُعَزَّرُ وَبِقَوْلِهِ مَالُ فُلَانٍ الْمُسْلِمِ لِي حَلَالٌ قَبْلَ تَحْلِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ وَلَوْ قَالَ لِأَمِيرٍ يَقْتُلُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا إذَا قَتَلَ سَارِقًا أَوْ شَارِبًا جَوَّدْت لَهُ أَوْ أَحْسَنْت يَكْفُرْ وَبِقَوْلِهِ لَيْتَنِي لَمْ أُسْلِمْ إلَى هَذَا الْوَقْتِ حَتَّى أَرِثَ أَبِي. وَبِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ أَوْ قَالَ نَحْنُ كَذَلِكَ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ وَبِقَوْلِهِ أَنَا مُلْحِدٌ وَبِقَوْلِ الْمُعْتَذِرِ كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ لَا وَبِتَبْجِيلِ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا وَبِقَوْلِهِ لِلْمَجُوسِيِّ يَا أُسْتَاذُ تَبْجِيلًا وَبِقَوْلِهِ الْحَرَامُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْحَلَالِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ كُلْ مِنْ الْحَلَالِ. وَبِاعْتِقَادِ الْحَلَالِ حَرَامًا أَوْ عَلَى الْعَكْسِ هَذَا إذَا كَانَ حَرَامًا بِعَيْنِهِ وَحُرْمَتُهُ ثَابِتَةٌ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَمَّا لَوْ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَكْفُرُ وَلَوْ قَالَ نِعْمَ الْأَمْرُ أَكْلُ الْحَرَامِ قِيلَ يَكْفُرُ. وَمَنْ قَالَ أُحِبُّ الْخَمْرَ وَلَا أَصْبِرُ عَنْهَا قِيلَ يَكْفُرُ وَبِقَوْلِهِ الْخَمْرُ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ اسْتَحَلَّ الْحَرَامَ الْقَطْعِيَّ وَبِاسْتِحْلَالِ اللِّوَاطَةِ إنْ عَلِمَ أَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَبِتَمَنِّيهِ أَنْ لَمْ يُحَرَّمْ الظُّلْمُ أَوْ الزِّنَاءُ أَوْ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ كُلُّ حَرَامٍ لَا يَكُونُ حَلَالًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ الْخَمْرِ. وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الْحَرَامِ يَرْجُو الثَّوَابَ يَكْفُرُ وَلَوْ عَلِمَ الْفَقِيرُ بِذَلِكَ فَدَعَا لَهُ وَأَمَّنَ الْمُعْطِي كَفَرَا. وَلَوْ شَتَمَ فَمَ مُسْلِمٍ يُكَفَّرُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بَائِنًا وَهُوَ الْأَصَحُّ مِمَّا قَالَهُ الْبَعْضُ مِنْ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا كَمَا فِي مَجْمُوعَةِ الْمُؤَيَّدِيِّ نَقْلًا عَنْ الْحَاوِي هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا عَلَى أَنَّهُ أُفْتِيَ فِي زَمَانِنَا عَدَمُ الْكُفْرِ. وَلَوْ سَبَّ طَعَامًا بِكَلِمَةِ الْجِمَاعِ يَكْفُرُ وَلَوْ شَتَمَ حَيَوَانًا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ أَوْ الْمَاءِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَكْفُرُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَلَا يَكْفُرُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَوْ شَتَمَ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ. وَمِنْ اُبْتُلِيَ بِمُصِيبَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ فَقَالَ أَخَذْت مَالِي وَأَخَذْت وَلَدِي وَأَخَذْت كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا نَفْعَلُ أَيْضًا وَمَاذَا بَقِيَ وَلَمْ تَفْعَلْهُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ فَقَدْ كَفَرَ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمَرِيضِ الْمُشْتَدِّ مَرَضُهُ إنْ شِئْت تَوَفَّيْتنِي مُسْلِمًا وَإِنْ شِئْت كَافِرًا. ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً صَغِيرَةً فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ تُبْ فَقَالَ مَاذَا صَنَعْت حَتَّى أَتُوبَ يَكْفُرُ قَالَ لِظَالِمٍ تُؤْذِي اللَّهَ وَالْمُسْلِمِينَ فَقَالَ نَعَمْ مَا أَفْعَلُ " خوش مي كنم " كَفَرَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَنْ قَالَ لِلظَّالِمِ إنَّهُ عَادِلٌ يَكْفُرْ وَكَذَا لِلْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُمْ جَائِرُونَ بِيَقِينٍ وَمَنْ سَمَّى الْجَوْرَ عَدْلًا كَفَرَ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ لَهُ تَأْوِيلًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت أَنَّهُ عَادِلٌ عَنْ غَيْرِنَا أَوْ هُوَ عَادِلٌ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ فَيَكْفُرُ عِنْدَ الْكُلِّ فَلَا يَكْفِي عَدْلُهُ فِي قَضِيَّةٍ جُزْئِيَّةٍ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ الْعَدْلُ إلَّا عَلَى مَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى وَتِيرَةِ الشُّرُوعِ بَيْنَ الرَّعَايَا. وَمَنْ قَالَ لِمَنْ أَخَذَهُ مُقَاطَعَةً عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ " مُبَارَك بَادٍ "

يَكْفُرْ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَضَحِكَ مِنْهُ آخَرُ كَفَرَ الضَّاحِكُ وَالْمُتَكَلِّمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُضْحِكًا وَلَوْ تَكَلَّمَ الْوَاعِظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَقَبِلَ مِنْهُ الْقَوْمُ كَفَرَ الْكُلُّ وَقِيلَ إذَا سَكَتَ الْقَوْمُ عَنْ الذِّكْرِ وَجَلَسُوا عِنْدَهُ بَعْدَ تَكَلُّمِهِ بِالْكُفْرِ كَفَرُوا إذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كُفْرٌ. وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَمَاتَهُ اللَّهُ قَبْلَ حَيَاتِهِ وَبِقَوْلِهِ زِدْنِي وَاطْلُبْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ أَعْطِ الدَّرَاهِمَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا دَرَاهِمَ فِي الْآخِرَةِ يَعْنِي تُؤْخَذُ حَسَنَاتُك وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَكْفُرُ وَبِقَوْلِهِ أَعْطِنِي بُرًّا أُعْطِيك يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَعِيرًا أَوْ عَلَى الْعَكْسِ وَبِقَوْلِهِ مَالِي فِي الْمَحْشَرِ وَبِقَوْلِهِ لَا أَخَافُ الْمَحْشَرَ أَوْ لَا أَخَافُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِقَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَوْتِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِقَوْلِهِ لِآخَرَ أَذْهَبُ مَعَك إلَى خَفِيرِ جَهَنَّمَ أَوْ إلَى بَابِهَا وَلَكِنْ لَا أَدْخُلُهَا وَبِقَوْلِهِ إلَى جَهَنَّمَ أَوْ إلَى طَرِيقِ جَهَنَّمَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِقَوْلِهِ كَفَرْت حِينَ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ زَعْمٍ الْقَوْلُ أَنَّهَا كُفْرٌ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ وَيَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا حَمِيَّةَ وَلَا دِينَ لِي فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَيْسَ لَك حَمِيَّةٌ وَلَا دِينٌ. وَبِقَوْلِهِ لِوَلَدِهِ يَا وَلَدَ الْكَافِرِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَبِقَوْلِهِ لِدَابَّتِهِ يَا دَابَّةَ الْكَافِرِ أَوْ يَا مِلْكَ الْكَافِرِ إنْ كَانَتْ نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَا وَبِقَوْلِهِ مَا أَمَرَنِي فُلَانٌ أَفْعَلُ وَلَوْ بِكُفْرٍ وَبِقَوْلِهِ فُلَانٌ أَكْفَرُ مِنِّي أَوْ قَالَ ضَاقَ صَدْرِي حَتَّى أَرَدْت أَنْ أَكْفُرَ أَوْ كِدْت أَنْ أَكْفُرَ أَوْ كَانَ زَمَانٌ أَقْرَبَ إلَى كُفْرِهِ وَبِقَوْلِهِ صَيْرُورَةُ الْمَرْءِ كَافِرًا خَيْرٌ مِنْ الْخِيَانَةِ وَبِإِنْكَارِهِ وَنَفْيِهِ حِكْمَةَ الْمَطَرِ. وَبِقَوْلِهِ بَعْدَ قُبْلَةِ أَجْنَبِيَّةٍ هِيَ حَلَالٌ وَبِتَمَنِّيهِ إنْ لَمْ يَحْرُمْ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُقَالُ لِلسُّلْطَانِ هَكَذَا فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ يَرْحَمُك اللَّهُ حِينَ عَطَسَ السُّلْطَانُ وَبِقَوْلِهِ بَارَكَ اللَّهُ فِي كَذِبِك لِمَنْ كَذَبَ وَاسْتِحْسَانِهِ بَاطِلًا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَبِقَوْلِهِ لِلْقَبِيحِ إنَّهُ حَسَنٌ وَبِقَوْلِهِ أَنْتَ مِثْلُ إبْلِيسَ. لَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ عِنْدِي مِثْلُ إبْلِيسَ عِنْدَ اللَّهِ وَيَكْفُرُ بِخُرُوجِهِ إلَى نَيْرُوزِ الْمَجُوسِ وَالْمُوَافَقَةِ مَعَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَبِشِرَائِهِ يَوْمَ نَيْرُوزِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلنَّيْرُوزِ لَا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَبِإِهْدَائِهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ بَيْضَةً تَعْظِيمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَكْفُرُ بِإِجَابَةِ دَعْوَةِ مَجُوسٍ وَحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ. وَيَكْفُرُ بِوَضْعِ قَلَنْسُوَةِ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا لِتَخْلِيصِ الْأَسِيرِ أَوْ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّشْبِيهَ يَكْفُرُ وَكَذَا شَدُّ الزُّنَّارِ فِي وَسَطِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُحْكَى عَنْ بَعْضٍ مِنْ الْأَسَالِفَةِ أَنَّهُ يَقُولُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ بِكَذَا وَكَذَا أَنَّهُ لِلتَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ لَا لِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ، وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ وَحَاشَا أَنْ يَلْعَبَ أُمَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى أَعْنِي عُلَمَاءَ الْأَحْكَامِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ بَلْ لَا يَقُولُونَ إلَّا الْحَقَّ الثَّابِتَ عِنْدَ شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَصَمَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ عَنْ زَلَلٍ عَنْ اللِّسَانِ وَتَكَلُّمِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ آمِينَ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَاةٌ لِلَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

باب البغاة

[بَابُ الْبُغَاةِ] ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُغَاةِ جَمْعُ الْبَاغِي مِنْ الْبَغْيِ وَهُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْحَدِّ. وَفِي الْفَتْحِ الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ تَقُولُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ. وَفِي التَّنْوِيرِ هُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَإِنْ بَايَعَ النَّاسَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ إمَامًا فَإِذَا صَارَ إمَامًا فَاجِرًا لَا يَنْعَزِلُ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَإِلَّا يَنْعَزِلُ (إذَا خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ الْعَدْلِ لَا عَنْ أَمِيرٍ ظَلَمَ بِهِمْ فَلَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ لَظَلَمَ ظُلْمَهُمْ فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَتَغَلَّبُوا عَلَى بَلَدٍ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَهْلَ بَغْيٍ وَإِنْ كَانَ مَنَعَةُ الْإِمَامِ أَقَلَّ مِنْ مَنَعَتِهِمْ لِأَنَّ الْمَنَعَةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَإِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِمَامُ عَلَى الْبَاطِلِ مُتَمَسِّكِينَ بِشُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِأَنَّهُمْ غَيْرُ فَاسْقِينَ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فَهُمْ فِي حُكْمِ اللُّصُوصِ وَإِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ مُرْتَكِبُونَ لِلْكَبِيرَةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فَرْضٌ وَإِلَى أَنَّ الْإِمَامِ لَا يُطَاعُ فِي مَعْصِيَةٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (دَعَاهُمْ) الْإِمَامُ (إلَى الْعَوْدِ) أَيْ إلَى طَاعَتِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَوْ قَاتَلُوهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُوهُمْ عَلَيْهِ فَحَارَبَهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) الَّتِي اسْتَنَدُوا إلَيْهَا فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ فَإِذَا أَجَابُوا إلَى الطَّاعَةِ تَمَّ الْمَرَامُ وَإِنْ قَالُوا فَعَلْنَا لِظُلْمِك فَالْإِمَامُ أَزَالَهُ وَإِلَّا وَالنَّاسُ لَا يُعِينُونَ الْإِمَامَ وَالْبُغَاةَ (وَبَدَأَهُمْ) الْإِمَامُ (بِالْقِتَالِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ (لَوْ تَحَيَّزُوا) أَيْ اتَّخَذُوا حَيِّزًا أَيْ مَكَانًا (مُجْتَمِعِينَ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ (لَا) أَيْ لَا يَبْدَأُ بِقِتَالِهِمْ (مَا لَمْ يَبْدَءُوا) أَيْ الْبُغَاةُ بِالْقِتَالِ فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ تَعَسْكُرُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ فَإِنَّ صَبْرَ الْإِمَامِ إلَى بَدْئِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَجَبَ كَسْرُ مَنَعَتِهِمْ بِلَا سِلَاحٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ، وَفِي الْكَشْفِ إنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْحَبْسِ وَإِلَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ قُوَّةُ الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ.

(فَإِنْ كَانَ لَهُمْ) أَيْ لِلْبُغَاةِ (فِئَةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ يَلْحَقُونَ بِهِمْ (أُجْهِزَ) عَلَى صِيغَةِ مَبْنِيٍّ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى جَرِيحِهِمْ) وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إتْمَامِ الْقَتْلِ. وَفِي الْبَحْرِ وَجَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ اتَّبَعَ وَجَهَزَ أَثْبَتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ وَمَوْتٌ مُجْهَزٌ وَجَهِيزٌ سَرِيعٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (وَأُتْبِعَ مُوَلِّيهِمْ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرِ لِأَنَّ جَرِيحَهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَبْرَأَ فَيَعُودَ إلَى الْقِتَالِ وَكَذَا مَنْ وَلَّى مِنْهُمْ وَمُوَلِّيهِمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَلَّى تَوْلِيَةً إذَا أَدْبَرَ كَتَوَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ أَسِرْهُمْ. وَفِي الِاخْتِيَارِ الْأَحْسَنِ الْحَبْسُ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ بِهِ شَرُّهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَفِي الْمَرْأَةِ الْمُقَاتِلَةِ إذَا أُخِذَتْ حُبِسَتْ وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْهَزُ وَلَا يُتْبَعُ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ (فَلَا) يُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا يُتْبَعُ مُوَلِّيهِمْ لِأَنَّ شَرَّهُمْ مُنْدَفِعٌ بِدُونِهِ فَلَا قَتْلَ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ (وَلَا تُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ) وَشَيْخُهُمْ وَزَمِنُهُمْ وَأَعْمَاهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْتُلُونَ إذَا كَانُوا مَعَ الْكُفَّارِ فَهَذَا أَوْلَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَى هَذَا يُقْتَلُ إنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ أَوْ مَالٍ كَمَا إذَا كَانُوا مَعَ الْكُفَّارِ (وَلَا يَقْسِمُ مَالَهُمْ بَلْ يَحْبِسُ) أَمْوَالَهُمْ (حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدَّ عَلَيْهِمْ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالْحَبْسَ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ. (وَجَازَ اسْتِعْمَالُ سِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ) فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِمَا وَضَعَ السِّلَاحَ عِنْدَ سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ وَيُبَاعُ الْخَيْلُ وَحُبِسَ ثَمَنُهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَالُ مُسَلِّمٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَسَمَ السِّلَاحَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَتْ قِسْمَتُهُ لِلْحَاجَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى. (وَإِنْ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْبُغَاةِ (لَا يَجِبُ شَيْءٌ) مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ. وَفِي الْبَحْرِ يَصْنَعُ بِقَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ مَا يَصْنَعُ بِسَائِرِ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى) أَهْلِ (مِصْرٍ فَقَتَلَ بَعْضُ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ الْمِصْرِ (آخَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمِصْرِ (عَمْدًا قُتِلَ) الْقَاتِلُ قِصَاصًا (بِهِ) أَيْ بِقَتْلِ مِثْلِهِ (إذَا ظَهَرَ عَلَى الْمِصْرِ) إذَا لَمْ يُجْرِ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ أَحْكَامَ الْبُغَاةِ وَأُزْعِجُوا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ تَنْقَطِعْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ وَبَعْدَ إجْرَاءِ أَحْكَامِهِمْ تَنْقَطِعُ فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ، تَدَبَّرْ. (وَإِنْ قَتَلَ عَادِلٌ مُوَرِّثَهُ الْبَاغِيَ يَرِثُهُ) أَيْ يَرِثُ الْعَادِلُ مِنْ ذَلِكَ الْبَاغِي مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ وَفِي إشْعَارٍ بِأَنَّهُ يَحِلُّ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ قَتْلَهُ إلَّا دَفْعًا لِهَلَاكِ نَفْسِهِ وَيَحْتَالُ فِي إمْسَاكِهِ لِيَقْتُلَ غَيْرَهُ. (وَلَوْ) كَانَ الْأَمْرُ (بِالْعَكْسِ) أَيْ

كتاب اللقيط

لَوْ قَتَلَ الْبَاغِي مُوَرِّثَهُ الْعَدْلَ (لَا يَرِثُهُ الْبَاغِي) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ) فِي قَتْلِهِ (عَلَى الْحَقِّ) زَاعِمًا أَنَّ الْبَاغِي إنَّمَا هُوَ فِي جَانِبِ مُوَرِّثِهِ فَيَرِثُهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِثُهُ) أَيْ الْبَاغِي الْعَادِلَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْحَقِّ أَوْ عَلَى الْبَاطِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ اعْتِبَارًا بِالْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَتْلٌ بِتَأْوِيلٍ يَسْقُطُ مَعَهُ الضَّمَانُ فَلَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ نَفْسَ الْبَاغِي أَوْ مَالَهُ لَا يَضْمَنُ وَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقِتَالِهِمْ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ وَالْبَاغِي إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَيَأْثَمُ. وَفِي الْمُحِيطِ الْعَادِلُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يُؤْخَذُ بِالضَّمَانِ وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَالَفَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ حَالَ الْقِتَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ كَالْخَيْلِ لَا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ مَالَهُمْ مَعْصُومٌ وَاعْتِقَادَ الْحُرْمَةِ مَوْجُودٌ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ (وَكُرِهَ بَيْعُ) نَفْسِ (السِّلَاحِ) فَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْحَدِيدِ (مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ) أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ (فَلَا) يُكْرَهُ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي الْأَمْصَارِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ. [كِتَابُ اللَّقِيطِ] ِ) لَمَّا كَانَ فِي الِالْتِقَاطِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ اللَّقِيطِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ السَّيْرِ الَّذِي فِيهِ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدَّمَ اللَّقِيطَ عَلَى اللُّقَطَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُلْقَطَ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ حَيٍّ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ التُّهْمَةِ سُمِّيَ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَصْفِ الشَّيْءِ بِالصِّفَةِ الْمُشَارِفَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَشَرَطَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنْ لَا يَعْرِفَ نَسَبَهُ (الْتِقَاطُهُ) أَيْ أَخْذُ اللَّقِيطِ (مَنْدُوبٌ) مِنْ تَرْكِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ هَلَاكَهُ بِأَنْ كَانَ فِي مِصْرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ أَرْحَمَ. (وَإِنْ خِيفَ هَلَاكُهُ) بِأَنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ (فَوَاجِبٌ) صِيَانَةً لَهُ وَدَفْعًا لِلْهَلَاكِ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ عَنْ الْوُقُوعِ وَعِنْد الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَرْضُ عَيْنٍ. (وَكَذَا اللُّقَطَةُ) يَعْنِي الْتِقَاطُهَا مَعَ الْإِشْهَادِ وَاجِبٌ إنْ خِيفَ هَلَاكُهَا وَمَنْدُوبٌ إنْ لَمْ يَخَفْ وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ يَحِلُّ رَفْعُهَا وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ. (وَهُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ (حُرٌّ) فِي جَمْعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى أَنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا الدَّارُ دَارُ الْأَحْرَارِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ (إلَّا إنْ ثَبَتَ رِقُّهُ بِحُجَّةٍ) أَيْ بِحُجَّةٍ عَلَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ

نفقة اللقيط

يَكُونُ عَبْدًا وَالْحُجَّةُ بَيِّنَةٌ أُقِيمَتْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إذَا كَانَ اللَّقِيطُ صَغِيرًا أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَى اللَّقِيطِ أَوْ تَصْدِيقُهُ إنْ كَانَ كَبِيرًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ إلَّا إذَا اعْتَبَرَ بِوُجُودِهِ فِي مَوْضِعِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ لِقُوَّةِ الْيَدِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ مُسْلِمًا تَأَمَّلْ. [نَفَقَة اللَّقِيط] (وَنَفَقَتُهُ) وَكَذَا الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى (فِي بَيْتِ الْمَالِ) إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ. (وَكَذَا جِنَايَتُهُ) فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَإِرْثُهُ لَهُ) أَيْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ. (وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْحَاكِمُ) بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ لِعُمُومِ الْوِلَايَةِ فَيَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ إذَا كَبِرَ وَأَمَّا إذَا مَاتَ فِي صِغَرِهِ يَرْجِعُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ يَكْفِي لِلرُّجُوعِ وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ الْحِسْبَةَ وَالِاسْتِدَانَةَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ (أَوْ يُصَدِّقُهُ اللَّقِيطُ إذَا بَلَغَ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَأْمُرْ الْقَاضِي بِإِنْفَاقِهِ فَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي أَنَّهُ أَنْفَقَهُ لِلرُّجُوعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّصْدِيقِ تَصْدِيقُهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ لَا تَصْدِيقُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي لَا رُجُوعَ لَهُ فَتَصْدِيقُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ بِقَوْلِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ. (وَلَا يُؤْخَذُ) اللَّقِيطُ (مِنْ مُلْتَقَطِهِ) قَهْرًا سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحِفْظِ لِسَبْقِ يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالِاخْتِيَارِ وَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ انْتَزَعَهُ أَحَدٌ وَاخْتَصَمَهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إلَى الْقَاضِي يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِحِفْظِهِ. وَفِي الْبَحْرِ يُنْزَعُ مِنْ سَفِيهٍ وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ وَلَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ وَاحِدٌ) أَنَّهُ ابْنُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ (وَثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ اسْتِحْسَانًا (مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ يَدَّعِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ وَاللَّقِيطُ حَيٌّ فَإِذَا مَاتَ لَمْ يُصَدَّقْ الْغَيْرُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ فَدَعَوْته أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (عَبْدًا) لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الِانْتِفَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ مَعَ كَوْنِ أَبِيهِ عَبْدًا (حُرٌّ) لِأَنَّ وَلَدَ الْعَبْدِ قَدْ يَكُونُ حُرًّا بِكَوْنِ أُمِّهِ حُرَّةً فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الثَّابِتَةُ تَبَعًا لِلدَّارِ بِالشَّكِّ. (أَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (ذِمِّيًّا وَهُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ مَعَ كَوْنِ أَبِيهِ ذِمِّيًّا (مُسْلِمٌ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ (فِي مَقَرِّهِمْ) أَيْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ لِأَنَّ دَعْوَته تَضَمَّنَتْ

النَّسَبَ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَإِبْطَالُ الْإِسْلَامِ الثَّابِتِ بِالدَّارِ يَضُرُّهُ فَصَحَّتْ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ابْنًا لَهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ (وَذِمِّيٌّ إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (فِيهِ) أَيْ فِي مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَكَانُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُسْلِمًا وَالثَّانِي أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ أَهْلِ الْكُفْرِ فَيَكُونُ كَافِرًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَجِدَهُ كَافِرٌ فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّابِعُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَكَانِ الْكُفَّارِ فَفِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ لِسَبْقِهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ لِقُوَّةِ الْيَدِ. وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ مُوجِبًا لِإِسْلَامِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُ الْوَاجِدِ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا لِأَنَّ الْوَاجِدَ إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، تَأَمَّلْ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ مُسْلِمٌ مُطْلَقًا. (وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ مَعًا) كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ (ثَبَتَ) نَسَبُهُ (مِنْهُمَا) لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ أَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ ثَبَتَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَكْثَرُ مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثِ لَا الْأَكْثَرِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَكْثَرِ. (وَإِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِيهِ) أَيْ فِي جَسَدِهِ وَوَافَقَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (أَوْ سَبَقَ) أَحَدُهُمَا فِي الدَّعْوَةِ عَلَى الْآخَرِ (فَهُوَ أَوْلَى) إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَ وَأَخْطَأَ وَلَوْ فِي بَعْضٍ فَلَا تَرْجِيحَ وَهُوَ ابْنُهُمَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْعَلَامَةَ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ عَدَمِ مُرَجِّحٍ أَقْوَى مِنْهَا فَيُقَدَّمُ ذُو الْبُرْهَانِ عَلَى ذِي الْعَلَامَةِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ ذِي الْعَلَامَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ تَقْدِيمُ ذِي الْيَدِ عَلَى الْخَارِجِ ذِي الْعَلَامَةِ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ ذِي الْعَلَامَةِ. (وَالْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ) فِي دَعْوَتِهِ (أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَبِ أَنْفَعُ لَهُ وَكَذَا إسْلَامُهُ إذَا كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِإِسْلَامٍ يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَلَوْ ادَّعَاهُ حُرَّانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَمَةِ فَاَلَّذِي يَدَّعِيه مِنْ الْحُرَّةِ أَوْلَى. (وَإِنْ شُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّقِيطِ (مَالٌ أَوْ) شُدَّ الْمَالُ (عَلَى دَابَّةٍ هُوَ) أَيْ اللَّقِيطُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدَّابَّةِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا (يُنْفِقُ) الْمُلْتَقِطُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّقِيطِ (بِأَمْرِ قَاضٍ) لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ (وَقِيلَ) يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهِ (بِدُونِهِ)

كتاب اللقطة

أَيْ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُنْفِقُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (وَمِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ) وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ هَذَا بَيَانٌ لِمَا الْمَوْصُولَةِ. (وَ) لِلْمُلْتَقِطِ (قَبْضُ هِبَتِهِ) أَيْ قَبْضُ مَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ وَكَذَا قَبْضُ صَدَقَتِهِ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِذَا يَمْلِكُهُ وَوَصِيُّهُ (وَتَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ) نَظَرًا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَثْقِيفِهِ وَلَهُ تَعْلِيمُهُ حَدِيثٌ شَاءَ. (لَا) يَجُوزُ لَهُ (تَزْوِيجُهُ) لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالسَّلْطَنَةِ فَأَنْكَحَهُ السُّلْطَانُ وَمَهْرُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَتِّنَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا (وَ) لَا (تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ) أَيْ مَالِ اللَّقِيطِ (لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ تَصَرُّفُ مَالِهِ مِنْ التِّجَارَةِ اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ فَفِي الْكَلَامِ تَسَامُحٌ (وَلَا إجَارَتُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ اعْتِبَارًا بِالْعَمِّ (فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ فَتَمْلِكُ الْإِجَارَةَ (وَقِيلَ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ (لَهُ إجَارَتُهُ) لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ. [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] ِ هِيَ مِنْ الِالْتِقَاطِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَهِيَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْآخِذِ وَبِسُكُونِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَلْقُوطِ كَالضُّحَكَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ وَبِسُكُونِهَا اسْمُ مَفْعُولٍ وَهَذَا عِنْدَ الْخَلِيلِ. وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْفَرَّاءِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هِيَ رَفْعُ شَيْءٍ ضَائِعٍ لِلْحِفْظِ عَلَى الْغَيْرِ لَا لِلتَّمْلِيكِ (هِيَ) أَيْ اللُّقَطَةُ (أَمَانَةٌ) بِالِاتِّفَاقِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُلْتَقِطُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ (إنْ أَشْهَدَ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ شَاهِدَيْنِ (أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) فَلَوْ وَجَدَهَا فِي طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَشْهَدَ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِ فَإِذَا ظَفِرَ وَلَمْ يُشْهِدْ ضَمِنَ إلَّا إذَا تَرَكَ الْإِشْهَادَ لِخَوْفِ ظَالِمٍ كَمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي كَوْنِي كَذَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِشْهَادِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ كَذَلِكَ فَهَلَكَتْ (ضَمِنَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ الْإِشْهَادَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي الْيَنَابِيعِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ قُيِّدَ بِالْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا، هَذَا إذَا اتَّفَقَا أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ صَاحِبُهَا أَخَذْتهَا غَصْبًا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لَا بَلْ أَخَذْتهَا لُقَطَةً لَك يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ سَوَاءٌ فِي الضَّمَانِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ فَأَشْهَدَ أَبُوهُ وَوَصِيُّهُ وَعَرَّفَ لَمْ يُصَدَّقْ. (وَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إنْ أَنْكَرَ أَخْذَهُ لِلرَّدِّ) أَيْ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ أَخَذَتْهُ لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

الْقَوْلُ لِلْمُلْتَقِطِ) فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِاخْتِيَارِهِ الْحِسْبَةَ دُونَ الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُوهُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَفِي الْحَاوِي تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَالِكُهَا أَخَذْتهَا لِنَفْسِك وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ بَلْ أَخَذْتهَا لِأَجْلِك. وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ ضَاعَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ فَلَا خُصُومَةَ مَعَهُ بِخِلَافِ الْمُودِعِ. وَفِي الْبَحْرِ إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُقَطَةً لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضِّمَامِ، هَذَا إذَا أَعَادَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَمَّا إذَا أَعَادَهَا بَعْدَمَا تَحَوَّلَ يَضْمَنُ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ. (وَيَكْفِي فِي الْإِشْهَادِ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ (مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَنْشُدُ) أَيْ يَطْلُبُ (لُقَطَةً فَدُلُّوهُ) جَمْعُ أَمْرٍ مُخَاطَبٍ مِنْ دَلَّ يَدُلُّ (عَلَيْهَا) قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا اسْمُ جِنْسٍ (وَيُعَرِّفُهَا) أَيْ يَجِبُ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ (فِي مَكَانِ أَخْذِهَا) فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْوُصُولِ (وَفِي الْمَجَامِعِ) أَيْ مَجَامِعِ النَّاسِ كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْخَبَرِ (مُدَّةً) أَيْ زَمَانًا (يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ (عَدَمُ طَلَبِ صَاحِبِهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ عَرَّفَهَا سَنَةً نَفِيسَةً كَانَتْ أَوْ خَسِيسَةً وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. (وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَكْثَرَ فَحَوْلًا) أَيْ فَيُعَرِّفُهَا حَوْلًا (وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَأَيَّامًا) عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ هَذَا ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي التَّقْدِيرِ وَمَنْ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِالْحَوْلِ وَنَحْوِهِ قِيلَ يُعَرِّفُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَقِيلَ شَهْرٍ وَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (وَمَا لَا يَبْقَى) كَالْأَطْعِمَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْأَكْلِ وَبَعْضِ الثِّمَارِ (يُعَرَّفُ إلَى أَنْ يَخَافَ فَسَادَهُ) أَيْ إلَى مُدَّةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ وَجَدَ اللَّحْمَ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْفَوَاكِهَ الرَّطْبَةَ وَنَحْوَهَا عَرَّفَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الثِّمَارَ السَّاقِطَةَ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّا يَبْقَى يَجُوزُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي الرَّسَاتِيقِ وَأَمَّا مَا عَلَى الْأَشْجَارِ فَلَا يُؤْخَذُ فِي مَوْضِعٍ وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى الَّذِي فِي نَهْرٍ جَارٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي التَّنْوِيرِ حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ لِآخِذِهِ لَكِنْ فِي النَّظْمِ لَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَبْقَى بَاعَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ حَفِظَ ثَمَنَهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبِيعُهَا وَيَتَرَبَّصُ بِثَمَنِهَا حَوْلًا (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا مَضَى مُدَّةُ التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهَا (يَتَصَدَّقُ) الْمُلْتَقِطُ (بِهَا) أَيْ بِاللُّقَطَةِ (إنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ إيصَالِ عَيْنِ اللُّقَطَةِ إلَى صَاحِبِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِلَ

لقطة الحل والحرم

عِوَضَهَا وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَحْفَظَهُ لِيَجِيءَ صَاحِبُهَا فَإِنَّ التَّصَدُّقَ رُخْصَةٌ وَالْحِفْظَ عَزِيمَةٌ (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّصَدُّقِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ مُدَّتَهُ (أَجَازَهُ) أَيْ التَّصَدُّقَ رَبُّهَا (إنْ شَاءَ) وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَإِنْ حَصَلَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ لَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِإِذْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اشْتِرَاطُ قِيَامِهَا لِلْإِجَازَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ (وَأَجْرُهُ لَهُ) أَيْ ثَوَابُ التَّصَدُّقِ لَهُ (أَوْ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطُ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ فِعْلِهِ وَالْقَاضِي لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ (أَوْ) ضَمِنَ (الْفَقِيرُ لَوْ) كَانَتْ (هَالِكَةً) قَيْدٌ لَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَامِنٌ بِفِعْلِ الْمُلْتَقِطِ بِالتَّسْلِيمِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَالْفَقِيرُ بِالتَّسْلِيمِ بِدُونِ إذْنِهِ (وَيَأْخُذُهَا) أَيْ الْمَالِكُ اللُّقَطَةَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفَقِيرِ (إنْ) كَانَتْ (بَاقِيَةً) لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ. [لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ] (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِالْتِقَاطِ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ لُقَطَتَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ تَعْرِيفُ لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى مَجِيءِ صَاحِبِهَا. (وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ) الضَّالَّةِ مَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا. وَفِي الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَ مَعَ اللُّقَطَةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْقَرْنِ لِلْبَقَرَةِ وَزِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الْبَعِيرِ بِكَدْمِهِ وَنَفْحِهِ يُقْضَى بِكَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْتِقَاطَ الْبَهِيمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ صُورَةَ الْكَرَاهِيَةِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالضَّالَّةِ لِأَنَّ مَنْ رَأَى دَأْبَةً فِي غَيْرِ عِمَارَةٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ لَا يَأْخُذُهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا ضَالَّةٌ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بَيْتُ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ قَافِلَةٍ ضَالَّةٍ أَوْ دَوَابُّ فِي مَرْعَاهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَقَيَّدْنَا بِمَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا لِأَنَّهُ إنْ خَافَهُ لَا يَسَعُهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَلَّ بِتَرْكِهِمَا تَأَمَّلْ. وَفِي الْقَامُوسِ الْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ وَلَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ كُلُّ حَيٍّ لَا يَمِيرُ وَالْجَمْعُ بَهَائِمُ انْتَهَى فَشَمِلَ الدَّوَابَّ وَالطُّيُورَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالدَّجَاجَ وَالْحَمَامَ الْأَهْلِيَّ كَمَا فِي الْحَاوِي. وَفِي الْبَحْرِ وَمَنْ أَخَذَ بَازِيًا أَوْ شَبَهَهُ وَفِي رِجْلَيْهِ سَبْرًا وَجَلَاجِلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِلتَّيَقُّنِ بِثُبُوتِ يَدِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ ظَبْيًا وَفِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ أَوْ حَمَامَةً فِي الْمِصْرِ يَعْرِفُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يَكُونُ وَحْشِيَّةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا. وَفِي التَّنْوِيرِ مِحْضَنَةُ حَمَامٍ اخْتَلَطَ بِهَا أَهْلِيٌّ لِغَيْرِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ طَلَبَ صَاحِبَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَرَّخَ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ غَرِيبَةً لَا يَتَعَرَّضُ لِفَرْخِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لِصَاحِبِ الْمِحْضَنَةِ وَالْغَرِيبُ ذَكَرٌ فَالْفَرْخُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ يَلْزَمُ الْجَعْلُ أَوْ لَا. وَفِي الْمِنَحِ: وَلَوْ الْتَقَطَ لُقَطَةً أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً فَرَدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ جُعْلٌ وَإِنْ عَوَّضَهُ شَيْئًا فَحَسَنٌ وَلَوْ قَالَ مَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ كَذَا فَأَتَى بِهِ إنْسَانٌ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَّلَهُ

حبس اللقطة

فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا قَبُولَ لِهَذِهِ الْإِجَارَةِ فَلَا إجَارَةَ أَصْلًا كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ أَمَّا إنْ وَجَدَهُ بَعْدَهُ فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مِثْلَهُ، تَأَمَّلْ. (وَهُوَ) أَيْ الْمُلْتَقَطُ (مُتَبَرِّعٌ فِي إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى اللُّقَطَةِ (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ) أَيْ سُلْطَانٍ أَوْ قَاضٍ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا. (وَإِنْ) أَنْفَقَ عَلَيْهَا (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَدَيْنٌ عَلَى رَبِّهَا) فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي مَالِ الْغَائِبِ وَعَلَى اللَّقِيطِ نَظَرًا لَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ بِالِاتِّفَاقِ قَيَّدَهُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ لَا يَكُونُ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ. [حَبَسَ اللُّقَطَة] (لَهُ) أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (أَنْ يَحْبِسَهَا) أَيْ اللُّقَطَةَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ اللَّاقِطِ (حَتَّى يَأْخُذَهُ) أَيْ يَأْخُذَ مَا أَنْفَقَهُ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ لِأَجْلِ الثَّمَنِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) صَاحِبُهَا عَنْ أَدَاءِ مَا أَنْفَقَهُ (بِيعَتْ) اللُّقَطَةُ (فِي) حَقِّ (النَّفَقَةِ) كَالرَّهْنِ (فَإِنْ هَلَكَتْ) أَيْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ (بَعْدَ الْحَبْسِ سَقَطَ) الدَّيْنُ كَالرَّهْنِ. (وَإِنْ) هَلَكَتْ (قَبْلَهُ لَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ. (وَيُؤَجِّرُ الْقَاضِي) وَلَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا أَذِنَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُؤَجِّرَ (مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ) يَعْنِي إذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا (وَيُنْفِقُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ (وَمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ) مِنْ اللُّقَطَةِ (يَأْذَنُ) الْقَاضِي لِلْمُلْتَقِطِ (بِالِاتِّفَاقِ) عَلَيْهَا (إنْ) كَانَ الْإِنْفَاقُ (أَصْلَحَ) لِرَبِّهَا مِنْ الْبَيْعِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ. (إذَا أَقَامَ) الْمُلْتَقِطِ (الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ) أَيْ لَا يَأْذَنُ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ وَلَا بِالْبَيْعِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا هِيَ لِكَشْفِ الْحَالِ فَتُقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا. (وَإِنْ قَالَ) الْمُلْتَقِطُ (لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ) الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ لِلْمُلْتَقِطِ (أَنْفِقْ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى اللُّقَطَةِ (إنْ كُنْت صَادِقًا) فِيمَا قُلْت فَحِينَئِذٍ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ كَانَ صَادِقًا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ إدَارَةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِنْفَاقُ أَصْلَحَ بِأَنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ تَسْتَغْرِقُ قِيمَةَ اللُّقَطَةِ (بَاعَهُ) الْقَاضِي الْمُلْتَقَطَ أَوْ الْحَيَوَانَ فَإِنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَإِنْ بِغَيْرِهِ أَمَرَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا إنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ وَأَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ وَنَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَأَمَرَ) لِلْمُلْتَقِطِ (بِحِفْظِ ثَمَنِهِ)

الانتفاع باللقطة

أَيْ ثَمَنِ الْمُلْتَقَطِ أَوْ الْحَيَوَانِ إبْقَاءً لَهُ مَعْنًى عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً، وَلَوْ أَنَّثَ الضَّمِيرَ فِيهِمَا لَكَانَ أَوْلَى، تَأَمَّلْ. [الِانْتِفَاع بِاللُّقَطَةِ] (وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَوْ) كَانَ (فَقِيرًا) لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ كَانَ لِلثَّوَابِ وَهُوَ مِثْلُهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ بَاعَهَا الْفَقِيرُ وَأَنْفَقَ الثَّمَنَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ صَارَ غَنِيًّا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُلْتَقِطُ (غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ عَلَى فَقِيرٍ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَلَوْ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ وَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الِانْتِفَاعُ بِإِذْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ تَتَبَّعْ. (وَلَوْ) كَانَ تَصَدَّقَ (عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ) إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ (أَوْ زَوْجَتِهِ لَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ) لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الصَّدَقَةِ إلَّا إذَا عَرَفَ أَنَّهَا لِذِمِّيٍّ وَأَنَّهَا تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَإِنْ كَانَتْ) اللُّقَطَةُ (حَقِيرَةً) بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا (كَالنَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ) وَالْبِطِّيخِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ (وَالسُّنْبُلِ بَعْدَ الْحَصَادِ يَنْتَفِعُ بِهَا بِدُونِ تَعْرِيفٍ) لِأَنَّ إلْقَاءَهَا إبَاحَةٌ لِلْأَخْذِ دَلَالَةً (وَلِلْمَالِكِ أَخْذُهَا) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَجَدَهَا مَالِكُهَا فِي يَدِهِ لَهُ أَخْذُهَا إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ الرَّمْيِ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ بَعْدَ جَمْعِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ دَنَاءَةً وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمَوَاضِعِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّهَا لَوْ مُجْتَمَعَةً فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَطْلُبُهَا صَاحِبُهَا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَصَابُوا بَعِيرًا مَذْبُوحًا فِي الْبَادِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ مَالِكَهُ أَبَاحَهُ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ وَالْأَكْلِ لَوْ طَرَحَ مَيْتَةً فَجَاءَ آخَرُ وَأَخَذَ صُوفَهَا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَوْ جَاءَ مَالِكُهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّوفَ مِنْهُ وَلَوْ سَلَخَهَا وَدَبَغَ الْجِلْدَ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ رَجُلٌ غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَّفَ مَالًا وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَقِيرٌ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ. وَفِي التَّنْوِيرِ مَاتَ فِي الْبَادِيَةِ جَازَ لِرَفِيقِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَحَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى أَهْلِهِ. (وَلَا يَجِبُ دَفْعُ اللُّقَطَةِ إلَى مُدَّعِيهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهَا دَعْوَى فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْبَيِّنَةِ (وَيَحِلُّ) الدَّفْعُ (إنْ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا

كتاب الآبق

لِلشَّافِعِيِّ وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عَلَى الدَّفْعِ وَإِنْ بِقَضَاءٍ فَهُوَ مَجْبُورٌ فَيَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إذَا كَانَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَهُ وَإِذَا صَدَّقَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ وَقِيلَ يُجْبَرُ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا مَعَ إقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ. وَفِي التَّنْوِيرِ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَمَظَالِمُ جَهِلَ أَرْبَابَهَا وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ فَعَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْ مَالِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ جَمِيعَ مَالِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْعُقْبَى. [كِتَابُ الْآبِقِ] ِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَقَ إذَا هَرَبَ مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَضَرَبَ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْإِبَاقُ انْطِلَاقُ الرَّقِيقِ تَمَرُّدًا ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا تَمَرَّدَ عَنْ غَيْرِ مَالِكِهِ انْتَهَى لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ تَمَرُّدٌ عَنْ الْمَالِكِ إذْ ضَرَرُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيِّدَ بِعَلَى مَوْلَاهُ، تَدَبَّرْ. (نُدِبَ أَخْذُهُ) أَيْ الْآبِقِ (لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ) أَيْ قُدِرَ عَلَى حِفْظِهِ وَضَبْطِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ حَقِّ الْمَالِكِ، هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهُ أَمَّا إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ فَيُفْرَضُ أَخْذُهُ وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. (وَكَذَا) (الضَّالُّ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَهْتَدِ إلَى طَرِيقِ مَنْزِلِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إحْيَاءً لَهُ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ (وَقِيلَ تَرْكُهُ) أَيْ الضَّالِّ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَلْقَاهُ مَوْلَاهُ وَإِنْ عَرَفَ الْوَاجِدُ بَيْتَ مَوْلَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ (وَيُرْفَعَانِ) أَيْ الْآبِقُ وَالضَّالُّ (إلَى الْحَاكِمِ) لِعَجْزِهِ عَنْ حِفْظِهِمَا، هَذَا اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حِفْظَهُمَا بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ رَفَعَهُمَا إلَى الْحَاكِمِ (فَيَحْبِسُ) الْحَاكِمُ (الْآبِقَ) تَعْزِيرًا لَهُ وَلِئَلَّا يَأْبَقَ ثَانِيًا (دُونَ الضَّالِّ) فَلِهَذَا يُؤَجِّرُ الضَّالَّ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ وَلَا يُؤَجِّرُ الْآبِقَ بَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهِ وَإِذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ يَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ ثَمَنَهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَاسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَلَوْ زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُحَلِّفُهُ أَيْ الْقَاضِي مُدَّعِيه مَعَ الْبُرْهَانِ بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ

وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ذَكَرَ الْمَوْلَى عَلَامَتَهُ دُفِعَ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ بِكَفِيلٍ لِلِاسْتِيثَاقِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْجُعْلِ مِنْهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ. أَبَقَ عَبْدُهُ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا صُدِّقَ. (وَلِمَنْ رَدَّهُ) أَيْ الْآبِقِ إلَى مَالِكِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْآبِقُ مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا (مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ) أَوْ أَكْثَرَ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) لَا غَيْرُ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ اسْتِحْسَانًا فَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ رَجُلَيْنِ نُصِّفَ الْمَبْلَغُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَكَ الْآبِقُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَانَ الْمَبْلَغُ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا وَلَوْ رَدَّ جَارِيَةً مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْجُعْلِ شَيْءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا فِي الضَّالِّ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ فَقِيمَتُهُ) أَيْ فَالْجُعْلُ قِيمَتُهُ (إلَّا دِرْهَمًا عِنْد مُحَمَّد) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إحْيَاءُ مَالِ الْمَالِكِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ شَيْئًا تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعُونَ) دِرْهَمًا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَيْ لَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْإِمَامِ. وَفِي الْبَحْرِ مَعَ مُحَمَّدٍ فَكَانَ الْمَذْهَبَ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ سَائِرُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمِنَحِ تَتَبَّعْ (وَإِنْ رَدَّهُ) الْآبِقَ (مِنْ دُونِهَا) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ (فَبِحِسَابِهِ) يَعْنِي بِتَوْزِيعِ الْأَرْبَعِينَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ فَقَضَى بِذَلِكَ إنْ رَدَّهُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَقِيلَ يَكُونُ بِتَصَالُحِهِمَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ يَكُونُ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِطْلَاقُهُ مُشِيرٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ الْإِمَامِ لَوْ أَخَذَ فِي الْمِصْرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. (وَإِنْ أَبَقَ) الْآبِقُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآخِذِ أَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ (لَا يَضْمَنُ إنْ أَشْهَدَ) وَقْتَ الْأَخْذِ (أَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَقَدْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْأَخْذِ مَعَ التَّمَكُّنِ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) مِنْ الْجُعْلِ إنْ رَدَّهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَيَضْمَنُ إنْ أَبَقَ مِنْهُ) عَلَى تَقْدِيرِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْأَخْذِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ غَاصِبٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ قَوْلُهُ إنْ أَبَقَ مِنْهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ هُنَا لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ يُغْنِي عَنْهُ انْتَهَى هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ لَازِمٌ فَالْعَجَبُ أَنَّهُ صَرَّحَ الْخِلَافَ فِي كِتَابِهِ تَتَبَّعْ (وَجُعْلُ الرَّهْنِ) أَيْ لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَالْجُعْلُ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَحْيَا دَيْنَهُ بِالرَّدِّ لِرُجُوعِهِ بِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ فَحَصَلَ سَلَامَةُ

مَالِيَّتِهِ لَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَهَلَكَ دَيْنُهُ وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِلدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ. (وَجُعْلُ) الْعَبْدِ (الْجَانِي) الْآبِقِ (عَلَى الْمَوْلَى إنْ) اخْتَارَ الْمَوْلَى (فِدَاهُ) لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ (وَعَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إنْ دَفَعَهُ) أَيْ إنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِعَوْدِهَا إلَيْهِمْ هَذَا إذَا جَنَى الْآبِقُ خَطَأً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا ثُمَّ رَدَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَكَذَا لَوْ جَنَى الْآبِقُ فِي يَدِ الْآخِذِ وَلَوْ جَنَى بَعْدَ إبَاقِهِ قَبْلَ أَخْذِهِ فَلَا شَيْءَ وَإِنْ دُفِعَ إلَى الْمَوْلَى فَعَلَيْهِ الْجُعْلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَجُعْلُ) الْعَبْدِ (الْمَدْيُونِ) الْآبِقِ (مِنْ ثَمَنِهِ) إنْ أَبَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ (وَيُقَدَّمُ) الْجُعْلُ (عَلَى الدَّيْنِ إنْ بِيعَ فِيهِ) أَيْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ لَهُ الْمِلْكُ (وَعَلَى الْمَوْلَى إنْ أَدَّاهُ عَنْهُ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ اخْتَارَ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (وَجُعْلُ) الْعَبْدِ (الْمَوْهُوبِ) الْآبِقِ (عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ) لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ وَقْتَ الرَّدِّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ لِلْآخِذِ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْمَوْلَى فَلَا جُعْلَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُعْلَ لَهُ مُطْلَقًا. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَجِبُ جُعْلُ مَغْصُوبٍ عَلَى غَاصِبِهِ، وَجُعْلُ عَبْدٍ رَقَبَتُهُ لِرَجُلٍ وَخِدْمَتُهُ لِآخَرَ عَلَى صَاحِبِهِ الْخِدْمَةُ فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ بِهِ (وَأَمْرُ نَفَقَتِهِ كَاللُّقَطَةِ) أَيْ حُكْمُ نَفَقَةِ الْآبِقِ كَحُكْمِ نَفَقَةِ اللُّقَطَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ غَيْرُ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ كَمَا مَرَّ. (وَالْمُدَبَّرُ وَأَمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ) لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِلْمَوْلَى وَيَسْتَكْسِبُهَا كَالْقِنِّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ يَدًا هَذَا إذَا رَدَّهُمَا فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى وَإِنْ رَدَّهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا إذْ الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا جُعْلَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ عَدَمَ تَجَزِّي الْعِتْقِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا يَكُونُ دَلِيلًا لِلْجَمِيعِ وَهُوَ لَا يُنَافِي ذِكْرَ دَلِيلٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَهُ لِلْإِمَامِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ أَبَا الْمَوْلَى أَوْ ابْنَهُ وَهُوَ) رَاجِعٌ إلَى الْأَبِ أَوْ الِابْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ (فِي عِيَالِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (أَوْ) كَانَ (وَصِيَّهُ) أَيْ وَصِيَّ الْمَوْلَى (أَوْ) كَانَ (أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ) أَوْ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ حَافِظَ طَرِيقٍ أَوْ أَمِيرَ قَافِلَةٍ أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَغَيْرَهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالرَّدِّ مِنْ هَؤُلَاءِ تَبَرُّعًا (وَالْمَالِكُ الصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ)

كتاب المفقود

فَيَجِبُ الْجُعْلُ فِي مَالَهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ. [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] ِ مِنْ فَقَدَهُ يَفْقِدُهُ فَقْدًا أَوْ فِقْدَانًا أَوْ فُقُودًا عَدِمَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَيُقَالُ فَقَدْته إذَا أَضْلَلْته أَوْ طَلَبْته وَكِلَاهُمَا مُتَحَقِّقٌ فَإِنَّهُ قَدْ أَضَلَّهُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ. وَفِي الشَّرْعِ (هُوَ) أَيْ الْمَفْقُودُ (غَائِبٌ) أَيْ بَعِيدٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَائِبَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُشْتَرَكَةِ (لَا يُدْرَى) أَيْ لَا يُعْلَمُ (مَكَانُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ) وَفِي الْبَحْرِ الْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَهْلِ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ لَا عَلَى الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ مَعَ أَنَّ مَكَانَهُ مَعْلُومٌ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ مَكَانُهُ مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ (فَيَنْصِبُ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ) أَيْ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غُرَمَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ فَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الْمَجْحُودِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ لِأَنَّ وَكِيلَ الْقَاضِي بِالْقَبْضِ لَيْسَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَوْ قَضَى بِهِ نَفَذَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ شَيْءٍ (لَا وَكِيلَ لَهُ فِيهِ) وَأَمَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ وَكِيلٌ فَيَسْتَوْفِيه الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِفَقْدِ مُوَكِّلِهِ (وَيَبِيعُ) مَنْصُوبُ الْقَاضِي (مَا يَخَافُ عَلَيْهِ) الْهَلَاكَ (مِنْ مَالِهِ) كَالْعُرُوضِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ حِفْظُهُ لَهُ بِصُورَتِهِ كَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي حِفْظِهِ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ ثَمَنُهُ قَيَّدَ بِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا لَا يَخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا يَبِيعُهُ لَا فِي النَّفَقَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا إذْ لَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ نَظَرًا لِمَنْ عَجَزَ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ فِي حِفْظِهِ بِصُورَتِهِ وَقِيلَ لَوْ نَقَصَ عَبْدُهُ أَوْ أَرْضُهُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ جَازَ بَيْعُهُ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَعَنْهُ إنْ بَاعَ نَفَذَ وَعَنْهُ بَاعَ لِدَيْنِهِ كَمَا إذَا عَلِمَ كَوْنَهُ حَيًّا غَائِبًا مُنْذُ سِنِينَ بِلَا رُجُوعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَيُنْفِقُ) مِنْهُ (عَلَى زَوْجَتِهِ) أَيْ الْغَائِبِ (وَقَرِيبِهِ وِلَادًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِلَادُ وَهُوَ فُرُوعُهُ وَإِنْ سَفَلُوا وَأُصُولُهُ وَإِنْ عَلَوْا لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ بِلَا قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَكُونُ الْقَضَاءُ إعَانَةً لَهُمْ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْوِلَادِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى حُكْمِهِ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الْمَفْقُودُ (حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) بِالِاسْتِصْحَابِ حَتَّى (لَا تُنْكَحَ امْرَأَتُهُ) . وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ ثُمَّ تَعْتَدُّ

عِدَّةَ الْوَفَاةِ فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَهَكَذَا رُوِيَ قَضَاءُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ وَلَنَا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ. (وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ) بَيْنَ وَرَثَتِهِ (وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ) لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَصْلُحُ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ (مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُثْبِتٍ (فَلَا يَرِثُ) الْمَفْقُودُ (مِمَّنْ مَاتَ) أَيْ مِنْ أَقَارِبِهِ (حَالَ فَقْدِهِ إنْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ حَالَ فَقْدِهِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إنْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ حَالَ فَقْدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُنَا فِيمَا بَعْدَهُ يُفْهِمُ مِنْ تَفْرِيعِهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ كَمَا قِيلَ تَأَمَّلْ (فَيُوقَفُ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ فِي يَدِ عَدْلٍ لِإِمْكَانِ حَيَاتِهِ (كُلًّا) لَوْ انْفَرَدَ وَارِثًا (أَوْ بَعْضًا) لَوْ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا مَفْقُودًا فَقَطْ وُقِفَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَإِنْ مَعَهُ بِنْتَيْنِ أُعْطِيَ نِصْفُ التَّرِكَةِ لَهُمَا وَوُقِفَ النِّصْفُ الْآخِرُ (إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ فَإِنْ جَاءَ) أَيْ الْمَفْقُودُ وَلَوْ قَالَ فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِئْ وَلَكِنْ إنْ ثَبَتَ حَيَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ (قَبْلَ الْحُكْمِ بِهِ) أَيْ بِمَوْتِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَوْقُوفُ (لَهُ) أَيْ الْمَفْقُودِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِئْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ حَتَّى حُكِمَ بِهِ (فَلِمَنْ) أَيْ فَالْمَوْقُوفُ لِمَنْ (يَرِثُ ذَلِكَ الْمَالَ لَوْلَاهُ) أَيْ لَوْلَا الْمَفْقُودُ. وَفِي التَّبْيِينِ فَإِنْ تَبَيَّنَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتٍ مَاتَ فِيهِ قَرِيبُهُ كَانَ لَهُ وَإِلَّا يُرَدُّ الْمَوْقُوفُ لِأَجْلِهِ إلَى وَارِثِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي وَقَفَ مِنْ مَالِهِ. (وَإِذَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ) أَيْ الْمَفْقُودِ (مَا) أَيْ مُدَّةً (لَا يَعِيشُ إلَيْهِ أَقْرَانُهُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ وَقِيلَ مِنْ بَلَدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا أَرْفَقُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ أَحْوَطُ وَأَقْيَسُ وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يُغَلَّبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ مَهْلَكَةً. وَفِي التَّبْيِينِ هُوَ الْمُخْتَارُ (وَقِيلَ تِسْعُونَ سَنَةً) مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَهَا نَادِرَةٌ فِي زَمَانِنَا وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

كتاب الشركة

كَمَا فِي الْكَافِي وَالذَّخِيرَةِ (وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً) . وَعَنْ الْإِمَامِ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ سِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا وَعَنْهُمَا مِائَةُ سَنَةٍ (حُكِمَ بِمَوْتِهِ) جَوَابُ إذَا (فِي حَقِّ مَالِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ مَضَى مِنْ عُمُرِهِ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ أَقْرَانُهُ وَنَحْوُهُ (فَلَا يَرِثُهُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً إذْ الْحُكْمِيُّ مُعْتَبَرٌ بِالْحَقِيقِيِّ (وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ لِلْمَوْتِ عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ الْحُكْمِ لَا قَبْلَهُ. وَفِي الدُّرَرِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَعَبْدِهِمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهَا وَيَبِيعَهُمَا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] ِ أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْمَفْقُودِ لِتَنَاسُبِهِمَا بِوَجْهَيْنِ كَوْنُ مَالِ أَحَدِهِمَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَفْقُودِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَاضِرِ، وَكَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ كَمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ وَلَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَالْمَفْقُودُ حَيٌّ. وَالشِّرْكَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ لُغَةً: خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا، وَيُقَالُ الشَّرِكَةُ هِيَ الْعَقْدُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْخَلْطِ فَإِذَا قِيلَ شِرْكَةُ الْعَقْدِ بِالْإِضَافَةِ فَهِيَ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ. وَشَرْعًا: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ وَشَرْعِيَّتُهَا بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهَا فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ وَهِيَ أَيْ الشَّرِكَةُ طَرِيقُ ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَرُكْنُهَا فِي شَرِكَةِ الْعَيْنِ اخْتِلَاطُهُمَا. وَفِي الْعَقْدِ اللَّفْظُ الْمُفِيدُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. [الشَّرِكَةُ ضَرْبَانِ] (هِيَ) أَيْ الشَّرِكَةُ (ضَرْبَانِ شَرِكَةُ مِلْكٍ وَشَرِكَةُ عَقْدٍ فَالْأُولَى) أَيْ شَرِكَةُ الْمِلْكِ (أَنْ يَمْلِكَ اثْنَانِ) أَوْ أَكْثَرُ (عَيْنًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً أَوْ اتِّهَابًا وَاسْتِيلَاءً) أَيْ أَخْذًا بِالْقَهْرِ مِنْ مَالِ

الْحَرْبِيِّ (أَوْ اخْتَلَطَ مَالُهُمَا) بِغَيْرِ صُنْعِهِمَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَمْلِكُ (بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ) أَحَدُ الْمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ يَعْسُرُ تَمْيِيزُهُ (أَوْ خَلَطَاهُ) بِصُنُعِهِمَا خَلْطًا يَمْتَنِعُ التَّمَيُّزُ كَالْبُرِّ مَعَ الْبُرِّ أَوْ يَعْسُرُ كَالْبُرِّ مَعَ الشَّعِيرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا نَوْعَانِ جَبْرِيَّةٌ وَاخْتِيَارِيَّةٌ فَأَشَارَ إلَى الْجَبْرِيَّةِ بِالْإِرْثِ فَإِنَّ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ الشَّرِكَةُ فِي الْحِفْظِ كَمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبٍ فِي دَارٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْحِفْظِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ بِشِرَاءٍ وَمِنْ الِاخْتِيَارِيَّةِ أَنْ يُوصَى لَهُمَا بِمَالٍ فَيَقْبَلَانِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْعَيْنِ قَالَ عَيْنًا فَأَخْرَجَ الدَّيْنَ فَقِيلَ إنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يُمْلَكُ وَقَدْ يُقَالُ بَلْ يُمْلَكُ شَرْعًا وَقَدْ جَازَتْ هِبَتُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَصَحِيحٌ فِي الْفَتْحِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْ يَمْلِكَ مُتَعَدِّدٌ لَكَانَ أَشْمَلَ مِنْ الدَّيْنِ وَالشَّرِكَةِ فِي الْحِفْظِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ تَدَبَّرْ. (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ شَرِكَةَ مِلْكٍ (أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ شَرِيكِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ) الْمَذْكُورَةِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِهِ (وَ) بَيْعُهُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الشَّرِيكِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ فِيمَا عَدَا الْخَلْطِ) أَيْ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ (وَالِاخْتِلَاطِ فَلَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (بِلَا إذْنِهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِأَنْ اشْتَرَيَا

حِنْطَةً أَوْ وَرِثَاهَا كَانَتْ كُلُّ حَبَّةٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَبَيْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ شَايِعَا جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِالْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ لِأَنَّ كُلَّ حَبَّةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهَا شَرِكَةٌ فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا مَخْلُوطًا بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الشَّرِيكِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. (وَالثَّانِيَةُ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ (أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا) أَوْ فِي عَامَّةِ التِّجَارَاتِ (وَيُقْبَلُ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ بِرُكْنِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَرُكْنُهَا) أَيْ مَاهِيَّتُهَا مِنْ الرُّكْنِ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَشَرْطُهَا) أَيْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (عَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا) أَيْ الشَّرِكَةَ (كَشَرْطِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا) فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَرْبَحَ غَيْرَهُ. وَفِي الْكَافِي وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ الَّتِي عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ لِيَكُونَ الْمُسْتَفَادُ بِالتَّصَرُّفِ

مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَتَحَقَّقَ حُكْمُهَا وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْمَالِ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ (أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ) وَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إمَّا أَنْ يَذْكُرَا الْمَالَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا فَإِنْ ذَكَرَا فَإِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ اشْتِرَاطَ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فِي رَأْسِهِ وَرِبْحِهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَزِمَ فَهِيَ الْمُفَاوَضَةُ وَإِلَّا فَالْعِنَانُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ، فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْعَمَلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لَا فَالْأَوَّلُ الصَّنَائِعُ، وَالثَّانِي الْوُجُوهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَالْوُجُوهِ مُغَايِرَتَانِ لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شَرِكَةٌ بِالْأَمْوَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْوُجُوهِ، وَكُلّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ مُفَاوَضَةٌ وَعِنَانٌ فَالْكُلُّ سِتَّةٌ تَتَبَّعْ (شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ وَهِيَ) لُغَةً الْمُسَاوَاةُ وَالْمُشَارَكَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدَّ مَا عِنْدَهُ إلَى صَاحِبِهِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَزِيدَ قَدْ يُشْتَقُّ مِنْ الْمَزِيدِ إذَا كَانَ أَشْهَرَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِاشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، قَالَ قَائِلُهُمْ لَا تَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا أَيْ مُسَاوِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي مُدَّةِ الْبَقَاءِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ، وَشَرِيعَةً (أَنْ يَشْتَرِك مُتَسَاوِيَانِ) أَوْ أَكْثَرُ (تَصَرُّفًا) بِأَنْ يَقْدِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَإِلَّا فَاتَ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ التَّصَرُّفُ يَعْنِي الْكَفَالَةَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْوَكَالَةَ لَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ إذْ لَا بَأْسَ فِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا أَوْ شِرَاؤُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ (وَدَيْنًا وَمَالًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ وَالْمَالِ (وَرِبْحًا) لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَكُلَّمَا فَاتَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ يُجْعَلُ عِنَانًا إنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَتَتَضَمَّنُ) الْمُفَاوَضَةُ (الْوَكَالَةَ) فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَحُقُوقُ عَقْدِ كُلٍّ تَنْصَرِفُ إلَى الْآخَرِ كَمَا تَنْصَرِفُ إلَى نَفْسِهِ (وَالْكَفَالَةَ) فَيَصِيرُ كُلٌّ كَفِيلًا عَنْ الْآخَرِ فِيمَا لَحِقَهُ مِنْ نَحْوِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةَ بِمَجْهُولٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» وَكَذَا النَّاسُ تَعَامَلُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَبِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَالْجَهَالَةُ مُحْتَمَلَةٌ تَبَعًا كَمَا فِي الْمُفَاوَضَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ: (فَلَا تَجُوزُ) هَذِهِ الشَّرِكَةُ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَتَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَهْلِيَّةِ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَزِيَادَةُ أَحَدِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ لَا يَمْنَعُهَا كَمَا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ جَائِزَةٌ بَيْنَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَعَ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَشِرَائِهِ دُونَ الْحَنَفِيِّ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ

ما يشترط في صحة الشركة ومالا يشترط

مِنْ الْعُقُودِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ جَازٍ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُكْرَهَ عِنْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ فِي التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ خُمُورًا أَوْ خَنَازِيرَ صَحَّ وَلَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ لَا يَصِحُّ وَالشَّرِيكُ الشَّافِعِيُّ يُمْكِنُ إلْزَامُهُ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الذِّمِّيُّ إذْ لَيْسَ لَنَا وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي إطْلَاقِ التَّعْلِيلِ كَلَامٌ تَأَمَّلْ. (وَلَا) تَجُوزُ (بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ) لِعَدَمِ التَّسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ. (وَ) لَا بَيْنَ (بَالِغٍ وَصَبِيٍّ وَلَا بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ (أَوْ مُكَاتَبَيْنِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ (وَلَا بُدَّ) فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ (مِنْ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُغْنِي عَنْ تَعْدَادِ شَرَائِطِهَا (أَوْ بَيَانِ جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِهَا) يَعْنِي لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ وَبَيَّنَّا جَمِيعَ مُقْتَضَاهَا صَحَّ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى. [مَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ وَمَالًا يُشْتَرَطُ] (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ (تَسْلِيمُ الْمَالِ) لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ (خَلْطُهُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَلْطُ فِي الْمُشْتَرَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَرِي بِمَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ، وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَالِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتِمُّ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الرِّبْحَ بِهِ يَحْصُلُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا سِوَى طَعَامِ أَهْلِهِ وَكِسْوَتِهِمْ فَلَهَا) عَمَلًا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فَكَانَ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا كَشِرَائِهِمَا، وَأَرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ كَالسُّكْنَى وَالرُّكُوبِ لِحَاجَتِهِ، وَكَذَا الْإِدَامِ وَالْجَارِيَةِ الَّتِي يَطَؤُهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَلَيْسَ الْكُلُّ عَلَى الشَّرِكَةِ لَكِنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَلِصَاحِبِهِ بِالْكَفَالَةِ وَيَرْجِعُ الْآخَرُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) مِنْ الْعَقْدِ (كَبَيْعٍ) سَوَاءٌ كَانَ جَائِزًا أَوْ فَاسِدًا (وَشِرَاءٍ وَاسْتِئْجَارٍ لَزِمَ الْآخَرَ) تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلِتَضَمُّنِهَا الْكَفَالَةَ قَيَّدَ بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالنَّفَقَةِ وَالْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا لَزِمَ الْآخَرَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ. (وَإِنْ لَزِمَ) أَحَدَهُمَا دَيْنٌ (بِكَفَالَةٍ بِأَمْرٍ لَزِمَ الْآخَرَ) يَعْنِي لَوْ كَفَلَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ أَجْنَبِيًّا بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَزِمَ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ حَتَّى لَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٍ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِالتِّجَارَةِ دُونَ التَّبَرُّعِ وَلِهَذَا

لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِقْرَاضُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَصَارَتْ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَلَهُ أَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَلَكِنَّهَا تَنْقَلِبُ مُفَاوَضَةً بَقَاءً لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَكَلَامُنَا فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً. (وَكَذَا) لَزِمَ الْآخَرَ (إنْ لَزِمَ) أَحَدَهُمَا دَيْنٌ (بِغَصْبٍ) يَعْنِي لَوْ غَصَبَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ شَيْئًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الْآخَرَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الْآخَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَضْمُونَ يَكُونُ مَمْلُوكًا عِنْدَ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ فَيَلْتَحِقُ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ (وَفِي الْكَفَالَةِ بِلَا أَمْرِ) الْمَكْفُولِ عَنْهُ (لَا يَلْزَمُهُ فِي الصَّحِيحِ) لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. وَفِي الْمِنَحِ إذَا اُدُّعِيَ عَلَى أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ فَاسْتُحْلِفَ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ يُمْضِي الْأَمْرَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا كَإِقْرَارِهِمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْحَاضِرَ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَإِنْ حَلَفَ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَلْبَتَّةَ فَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ شَرِيكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْمَجْمَعِ وَإِقْرَارُهُ أَيْ إقْرَارُ أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ لِلْأَبِ بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِشَرِيكِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ ادَّعَى مُفَاوَضَةً عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ ادَّعَى ذُو الْيَدِ مِلْكِيَّتَهُ فِي عَيْنٍ بِبَيِّنَةٍ يَرُدُّهَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ الْبَيِّنَةَ وَقَبِلَهَا أَيْ مُحَمَّدٌ بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِهِ. هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي دَعْوَى الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ ذَكَرَهَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ اتِّفَاقًا. وَلَوْ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ عَقَارًا بِبَيِّنَةٍ فَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى تَجْدِيدِ بِنَاءٍ فِيهِ اطَّرَدَ الْخِلَافُ أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ. (وَإِنْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ (مَا تَصِحُّ بِهِ) وَالْأَوْلَى فِيهِ (الشَّرِكَةُ) مِنْ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (أَوْ وَهَبَ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ تَصَدُّقًا أَوْ غَيْرَهُ (وَقَبَضَهُ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (صَارَتْ) الْمُفَاوَضَةُ (عِنَانًا) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ الْمُشْتَرَكَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً شَرْطٌ بِالْمُفَاوَضَةِ وَقَدْ فَاتَتْ بَقَاءٌ لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الْآخَرِ لَهُ فِي الْإِرْثِ وَالْهِبَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشَارِكُهُ فِيمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا وَلَيْسَتْ الْمُسَاوَاةُ شَرْطًا فِي الْعِنَانِ فَانْقَلَبَتْ عِنَانًا. (وَكَذَا) تَنْقَلِبُ عِنَانًا (إنْ فُقِدَ فِيهَا) أَيْ الْمُفَاوَضَةِ (شَرْطٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِنَانِ) لِمَا قُلْنَا مِنْ زَوَالِ الْمُسَاوَاةِ (وَإِنْ وَرِثَ) أَحَدُهُمَا (عَرْضًا أَوْ عَقَارًا بَقِيَتْ مُفَاوَضَةً) لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ وَلَوْ قَالَ مَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ مَكَانَ عَرْضًا أَوْ عَقَارًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دِينَارًا وَهُوَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَإِذَا قَبَضَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَكَذَا لَوْ عَمَّمَ الْإِرْثَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ تَدَبَّرْ. (وَلَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةٌ وَلَا عِنَانٌ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ

أَوْ الدَّنَانِيرِ) بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا (أَوْ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) أَيْ الرَّائِجَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّهَا تَرُوجُ كَالْأَثْمَانِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ الرَّوَاجَ فِي الْفُلُوسِ عَارِضٌ ثَبَتَ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَذَا يَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَصِيرُ عَرْضًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ لَكِنَّ الْأَقْيَسَ مَعَ الْإِمَامِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى الْفُلُوسِ تَجُوزُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ كَمَا فِي الْكَافِي (أَوْ بِالتِّبْرِ) أَيْ جَوْهَرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَعْدِنِيَّاتِ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَأَكْثَرُ اخْتِصَاصِهِ بِالذَّهَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فِي الذَّهَبِ حَقِيقَةً وَفِي غَيْرِهَا مَجَازًا (وَالنُّقْرَةِ) أَيْ الْقِطْعَةِ الْمُذَابَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَضْرُوبَةِ فَهِيَ مُسْتَدْرَكَةٌ بِالتِّبْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (إنْ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهِمَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي شَرِكَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ التِّبْرَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَلَمْ يَصْلُحْ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَجَعَلَ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ كَالْأَثْمَانِ حَتَّى لَا يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِهِ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا ثَمَنَيْنِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُصْرَفُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهَا ثَمَنًا فَيَنْزِلُ التَّعَامُلُ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ رَأْسُ الْمَالِ. (وَلَا تَصِحَّانِ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ وَالْعِنَانُ (بِالْعُرُوضِ) أَيْ بِكَوْنِ مَالِهِمَا عُرُوضًا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا عُرُوضَهُ بِأَلْفٍ وَبَاعَ الْآخَرُ عُرُوضَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَمُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرِكَةُ فِي الْكُلِّ فَمَا يَأْخُذُهُ صَاحِبُ الْأَلْفِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفٍ بِرِبْحِ مَا لَا يَضْمَنُ وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ (إلَّا أَنْ يَبِيعَ) أَحَدُهُمَا (نِصْفَ عَرْضِهِ) أَيْ نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الْعُرُوضِ (بِنِصْفِ عَرْضِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ) مِنْهُ لِيَصِيرَ الْعَرْضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَوَّلًا شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ (ثُمَّ يَعْقِدُ الشَّرِكَةَ) بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَا مُفَاوَضَةً وَإِنْ شَاءَا عِنَانًا فَيَصِيرُ الْعَرْضُ رَأْسَ مَالِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ الْعِنَانِ وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الشَّرِكَةَ مُفَاوَضَةً وَعِنَانًا بِالْعُرُوضِ، هَذَا إذَا تُسَاوَيَا قِيمَةً فَلَوْ تَفَاوَتَا بِأَنْ يَكُونَ قِيمَةُ مَتَاعِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِائَةً بَاعَ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرْضِهِ بِخُمُسِ عَرْضِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَا) تَصِحُّ (بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) احْتِرَازًا عَنْ الْمُتَفَاوِتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا (قَبْلَ الْخَلْطِ) اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُرُوضِ. (وَإِنْ خَلَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (جِنْسًا وَاحِدًا)

شركة العنان

ثُمَّ اشْتَرَكَا فِيهِ (فَشَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَعَرْضٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَالَيْنِ أَيْ الْخَلْطِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا بِحَالٍ. (وَ) شَرِكَةُ (مِلْكٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ لِتَعَيُّنِهِ بَعْدَ الْخَلْطِ أَيْضًا وَمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَالَيْنِ وَاشْتَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ. (وَإِنْ خَلَطَا جِنْسَيْنِ) كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ مَثَلًا (لَا تَنْعَقِدُ) الشَّرِكَةُ (اتِّفَاقًا) وَإِنْ كَانَتْ شَرِكَةُ الْمِلْكِ ثَابِتَةً، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَخْلُوطَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمِنْ جِنْسَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَتُمْكِنُ الْجَهَالَةُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فَحُكْمُ الْخَلْطِ هُنَا كَحُكْمِ الْخَلْطِ فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [شَرِكَةِ الْعِنَان] (وَشَرِكَةِ عِنَانٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ بِالْكَسْرِ إمَّا اسْمٌ مِنْ الْعَنِّ مَصْدَرُ عَنَّ يَعُنُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ أَيْ: عَرَضَ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكَا فِيهِ، أَوْ مِنْ الْعَنِّ بِمَعْنَى الْحَبْسِ فَكَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ مَالِهِ عَنْ الشَّرِكَةِ أَوْ حَبَسَ شَرِيكَهُ عَنْ بَعْضِ التِّجَارَةِ، أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ لِأَنَّ الْفَارِسَ يُمْسِكُ الْعِنَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ بِالْأُخْرَى كَيْفَ شَاءَ فَكَذَا شَرِيكُ الْعِنَانِ يُشَارِكُ بِبَعْضِ مَالِهِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَقِيَّةِ كَيْفَ شَاءَ وَإِمَّا مَصْدَرُ عَانَهُ أَيْ عَارَضَهُ فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعَارِضُ الْآخَرَ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (أَنْ يَشْتَرِكَا مُتَسَاوِيَيْنِ) فِيمَا ذُكِرَ أَيْ فِي الْمُفَاوَضَةِ (أَوْ غَيْرِ مُتَسَاوِيَيْنِ) وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَكَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُفَاوَضَةِ تَكُونُ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ لَا الْعِنَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنْ يَشْتَرِكَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَوْ أَنْ يَشْتَرِكَا مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ وَجْهٍ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ تَدَبَّرْ (وَتَتَضَمَّنُ) أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (الْوَكَالَةَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْوِلَايَةِ (دُونَ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْمُفَاوَضَةِ لِضَرُورَةِ الْمُسَاوَاةِ وَالْعِنَانُ لَا يَقْتَضِيهَا. (وَتَصِحُّ) أَيْ شَرِكَةُ الْعِنَانِ (فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَاتِ) كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ (أَوْ فِي عُمُومِهَا) أَيْ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ (وَبِبَعْضِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِكُلِّهِ) أَيْ وَبِكُلِّ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي. (وَ) تَصِحُّ (مَعَ التَّفَاضُلِ فِي رَأْسِ الْمَالِ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ مَثَلًا (وَالرِّبْحِ) بِأَنْ يَكُونَ ثُلُثَا الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا وَثُلُثَهُ لِلْآخَرِ. (وَ) تَصِحُّ (مَعَ التَّسَاوِي فِيهِمَا) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ (وَفِي أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ) أَيْ التَّسَاوِي فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ (عِنْدَ عَمَلِهِمَا وَ) تَصِحُّ (مَعَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ عِنْدَ عَمَلِ أَحَدِهِمَا) . وَقَالَ زَفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ وَالتَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ وَعَكْسُهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ فَيَكُونُ

بِقَدْرِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» مُطْلَقًا بِلَا فَصْلٍ. وَفِي الْبَحْرِ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا رِبْحًا جَازَ وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا خَاصَّةً لَا يَجُوزُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا. وَفِي التَّبْيِينِ وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ. (وَ) تَصِحُّ (مَعَ كَوْنِ مَالِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ) صِحَاحًا أَوْ مَكْسُورَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ أَيْ رَدِيئَةَ الْفِضَّةِ (وَ) مَالِ (الْآخَرِ دَنَانِيرَ) سَوَاءٌ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقِيمَةِ أَوْ لَا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَفِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَالْمُفَاوَضَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَلَفْظُ أَيْضًا قَيْدٌ لَهُمَا لَا لِلْخَلْطِ فَقَطْ (وَالْوَضِيعَةُ) الْحَطِيطَةُ أَيْ بِأَنْ هَلَكَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ (عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَا غَيْرَ ذَلِكَ) لِمَا رَوَيْنَا آنِفًا (وَمَا شَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طُولِبَ بِثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى (هُوَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (فَقَطْ) فَلَا يُطَالَبُ بِمُشْتَرَى الْآخَرِ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الْأَصِيلُ فِي الْحُقُوقِ فَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ إلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ (وَرَجَعَ) الْآخَرُ (عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ أَدَّاهُ مَالَهُ) وَلِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي حِصَّتِهِ وَإِنْ اخْتِلَافًا بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا لِلشَّرِكَةِ وَهَلَكَ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إنْ ادَّعَاهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَرْجِعْ. (وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ) لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِاسْتِنْمَاءِ الْمَالِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ هَلَاكِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْهَلَاكُ (عَلَى مَالِكِهِ) أَيْ مَالِكِ الْمَالِ (قَبْلَ الْخَلْطِ) حَيْثُ (هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ الْآخَرِ) لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الْخَلْطِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا ضَمَانَ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَإِنْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَهُوَ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ (وَعَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ إنْ هَلَكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْخَلْطِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْأَوَّلِ لَكَفَى (فَإِنْ هَلَكَ) مَالُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا (بَعْدَمَا شَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ) شَيْئًا (فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى شَرِيكِهِ بِثَمَنِ حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ. (وَإِنْ هَلَكَ) مَالُ أَحَدِهِمَا (قَبْلَ شِرَاءِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ وَكَّلَهُ حِينَ الشَّرِكَةِ صَرِيحًا فَالْمُشْتَرِي لَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ وَرَجَعَ بِحِصَّتِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَشْتَرِ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَهَلَكَ مَالُهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بِمَالِهِ إنْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ فِي عَقْدِ

الشَّرِكَةِ فَالْمُشْتَرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَيَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِالْوَكَالَةِ حِينَ الشَّرِكَةِ بَلْ ذَكَرَا مُجَرَّدَ الشَّرِكَةِ (فَلِلْمُشْتَرِي) أَيْ يَكُونُ الْمُشْتَرَى الَّذِي اشْتَرَاهُ (فَقَطْ) لِأَنَّ فِي الْوُقُوعِ عَلَى شَرِكَةٍ حُكْمُ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا الشَّرِكَةُ فَإِذَا بَطَلَتْ يَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا (وَلِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ أَنْ يُبَضِّعَ) أَيْ يَجْعَلَ الْمَالَ بِضَاعَةً الْمُرَادُ هُنَا دَفْعُ الْمَالِ لِلْآخَرِ لِيَعْمَلَ فِيهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَيُضَارِبُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَأَمَّا لَوْ أَخَذَهُ مُضَارَبَةً فَإِنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً، وَكَذَا إنْ أَخَذَ مُضَارَبَةً بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِيَتَصَرَّفَ فِيمَا كَانَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا حَالَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ يَكُونُ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يُضَارِبُ لِأَنَّهُ نَوْعُ شَرِكَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَجْرٍ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ بِدُونِ ضَمَانٍ فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْتَتْبَعُ مِثْلُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ (وَيَسْتَأْجِرُ وَيُوَكِّلُ) مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيُودِعُ) وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ وَيُسَافِرُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ وَالْكِرَاءِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُفَاوِضَيْنِ مَا ذَكَرَهُ وَأَنْ يُعِيرَ اسْتِحْسَانًا وَيُؤَجِّرَ وَيَسْتَقْرِضَ وَيُكَاتِبَ وَيَأْذَنَ عَبْدُ الشَّرِكَةِ وَيُزَوِّجَ الْأَمَةَ وَيُخَاصِمَ وَيَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَلَا يَجُوزُ لِشَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَلَا الْإِعْتَاقُ وَلَوْ عَلَى مَالٍ وَالتَّصَدُّقُ وَالْهِبَةُ وَالْقَرْضُ وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ أَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلْمَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَصَحَّ بَيْعُ شَرِيكٍ مُفَاوِضٍ مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ لِإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا وَأَشْهَدَ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ تِجَارَتِهِمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَقَالَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ (وَيَدُهُ) أَيْ يَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (فِي الْمَالِ) أَيْ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (يَدُ أَمَانَةٍ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى

شركة الصنائع

وَجْهُ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّفْعِ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ شَرِيكِهِ وَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي كَمَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ بِمَوْتِهِ مُجْهَلًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجْهَلًا غَلَطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. [شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ] (وَشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرِكَةِ الْعِنَانِ وَهِيَ جَمْعُ الصَّنِيعَةِ كَالصَّحَائِفِ وَالصَّحِيفَةِ أَوْ جَمْعُ صِنَاعَةٍ كَرَسَائِلَ وَرِسَالَةٍ فَإِنَّ الصِّنَاعَةَ كَالصَّنِيعَةِ حِرْفَةُ الصَّانِعِ وَعَمَلُهُ وَلِذَا يُقَالُ شَرِكَةُ الْمُحْتَرِفَةِ. (وَ) شَرِكَةُ (التَّقَبُّلِ) مِنْ قَبُولِ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَإِلْقَائِهِ عَلَى صَاحِبِهِ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ وَالتَّقَبُّلِ (أَنْ يَشْتَرِك خَيَّاطَانِ أَوْ صَبَّاغٌ وَخَيَّاطٌ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ) أَيْ مَحَلَّهَا فَإِنَّ الْعَمَلَ عَرْضٌ لَا يَقْبَلُ الْقَبُولَ (وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ تَبْتَنِي عَلَى الشَّرِكَةِ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَلَا مَالَ لَهُمَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّمْيِيزُ بِدُونِ الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالتَّوْكِيلِ وَهَذَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ فَيَجُوزُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ اتِّحَادَ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا لِعَجْزِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الصَّنْعَةِ الَّتِي يَتَقَبَّلُهَا شَرِيكُهُ وَلَنَا أَنَّ صِحَّةَ هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ لَيْسَ بِلَازِمٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بِأُجْرَةٍ. (وَلَوْ شَرَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحَ أَثْلَاثًا جَازَ) لِأَنَّ الْأَجْرَ بَدَلُ عَمَلَيْهِمَا وَأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ عَمَلًا وَأَحْسَنَ صِنَاعَةً فَيَجُوزُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوُجُوهَ

شركة الوجوه

هُنَا لَيْسَ بِرِبْحٍ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَقْتَضِي الْمُجَانَسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مُجَانَسَةَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ كَمَا بَيَّنَّا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ عِنَانٌ وَمُفَاوَضَةٌ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْعِنَانِ فَإِنَّهُ الْمُتَعَارَفُ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَكُلُّ عَمَلٍ تَقَبَّلَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ تَقَبَّلَهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ (فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّلَبُ بِالْعَمَلِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ الْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ) أَيْ بِدَفْعِ الْأَجْرِ (إلَى أَحَدِهِمَا) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَالشَّرِكَةُ هُنَا مُطْلَقَةٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ أَلَّا يَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ. (وَ) يَكُونُ (الْكَسْبُ) أَيْ الْأَجْرُ (بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَمَلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) أَمَّا الَّذِي عَمِلَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِالتَّقَبُّلِ وَكَانَ ضَامِنًا لَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالضَّمَانِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ. [شَرِكَةِ الْوُجُوهِ] (وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ) أَيْ شَرِكَةِ ابْتِذَالِ الشُّرَكَاءِ إذْ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عِلْمَ وَلِذَا يُقَالُ لَهَا شَرِكَةُ الْمَفَالِيسِ وَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوْ لِأَنَّ بِنَاءَهَا عَلَى وَجَاهَتِهِمَا بَيْنَ النَّاسِ وَشُهْرَتِهِمَا بِحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ إذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ نَسِيئَةً فَسُمِّيَتْ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ (أَنْ يَشْتَرِكَا وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا) أَيْ لِيَشْتَرِيَا بِلَا نَقْدِ الثَّمَنِ بِسَبَبِ وَجَاهَتِهِمَا وَأَمَانَتِهِمَا عِنْدَ النَّاسِ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] (وَيَبِيعَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَايَعَانِ فَمَا حَصَلَ بِالْبَيْعِ يَدْفَعَانِ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالشِّرَاءِ وَمَا فَضُلَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (فَإِنْ شَرَطَاهَا مُفَاوَضَةً) أَيْ نَصَّا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ أَوْ ذَكَرَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ وَاجْتَمَعَتْ فِيهَا شَرَائِطُهَا (صَحَّتْ) فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْمُفَاوَضَةِ فَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ (وَمُطْلَقُهَا) أَيْ مُطْلَقُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ (عِنَانٌ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ وَالْأَحْسَنُ بَيَانُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى وَجْهٍ يَتَنَاوَلُ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ أَيْضًا إذْ هُوَ يَجْرِي فِيهِمَا كَمَا مَرَّ تَدَبَّرْ (وَتَتَضَمَّنُ) هَذِهِ الشَّرِكَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْوَكَالَةَ) فَقَطْ (فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ) إذْ لَا يَتَمَكَّنُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ. (فَإِنْ شَرَطَا) فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ (مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرَى) بَيْنَهُمَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ (أَوْ مُثَالَثَتَهُ) أَيْ الْمُشْتَرَى فِي الْعِنَانِ (فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) مُشْتَرَكٌ مُنَاصَفَةً أَوْ مُثَالَثَةً (وَشَرْطُ الْفَضْلِ) فِي الرِّبْحِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ (بَاطِلٌ) إذْ الضَّمَانُ هُنَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَالرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَى الْمِلْكِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ.

فصل في الشركة الفاسدة

[فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] ِ (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيمَا لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ) بِهِ (كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاسْتِقَاءِ) وَكَذَا فِي أَخْذِ كُلِّ مُبَاحٍ كَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ مِنْ الْجِبَالِ وَالْبَرَارِي وَأَخْذِ الصَّيْدِ وَالْمِلْحِ وَالسُّنْبُلَةِ وَالْكُحْلِ وَجَوْهَرِ الْمَعَادِنِ وَالْأَحْجَارِ وَالْأَتْرِبَةِ وَالْجِصِّ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوْضِعٍ يُبَاحُ أَخْذُهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْوَكَالَةَ وَالتَّوْكِيلُ إثْبَاتُ التَّصَرُّفِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمُبَاحَاتِ (وَمَا جَمَعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ) بِلَا عَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَا إعَانَتِهِ (فَلَهُ) لِأَنَّهُ أَثَرُ عَمَلِهِ. (وَإِنْ أَعَانَهُ الْآخَرُ) بِأَنْ قَلَعَهُ وَجَمَعَهُ أَحَدُهُمَا وَحَمَلَهُ الْآخَرُ مَثَلًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُعِينِ (أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ) أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى نِصْفِ ثَمَنِ الْمَأْخُوذِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَجْهُولٌ وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَغْوٌ (وَمَا أَخَذَاهُ مَعًا فَلَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَخْذِ، وَإِنْ أَخَذَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ وَخَلَطَاهَا وَبَاعَاهَا قُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا صُدِّقَ كُلٌّ عَلَى النِّصْفِ مَعَ الْيَمِينِ وَأُقِيمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ فَاسْتَقَى أَحَدُهُمَا فَالْكَسْبُ) كُلُّهُ (لَهُ) أَيْ الَّذِي اسْتَقَى (وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ مَالِهِ) أَيْ أَجْرِ مِثْلِ الْبَغْلِ إنْ كَانَ الْمُسْتَقِي صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ وَأَجْرِ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الْبَغْلِ. وَفِي الْبَحْرِ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى رَجُلٍ يُؤَاجِرُهَا عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ وَالْأَجْرُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَكَذَا فِي السَّفِينَةِ وَالْبَيْتِ. (وَالرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الْفَضْلِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَالُ نِصْفَيْنِ وَشُرِطَ الرِّبْحُ أَثَلَاثًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ الرِّبْحُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَالِ كَالرُّبُعِ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ. [مَا تَبْطُلُ بِهِ الشَّرِكَةُ] (وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ وَهِيَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ وَمَالُ الشَّرِكَةِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ

عَلَى عِلْمِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَبِلَحَاقِهِ) بِدَارِ الْحَرْبِ (مُرْتَدًّا إنْ حَكَمَ بِهِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَلَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِإِنْكَارِهَا وَبِفَسْخِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ مُطْبَقًا. (وَلَا يُزَكِّي أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ) بَعْدَ الْحَوْلِ (بِلَا إذْنِهِ) لِأَنَّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ صَاحِبِهِ فِي أَدَائِهَا فَلَوْ أَدَّاهَا لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِصَاحِبِهِ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عَنْهُ (فَأَدَّيَا) بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ (مَعًا) أَيْ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ (ضَمِنَ كُلٌّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَدَائِهِ (حِصَّةَ صَاحِبِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ أَدَّيَا مُتَعَاقِبًا ضَمِنَ الثَّانِي) سَوَاءٌ (عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) فَإِنْ عَلِمَ بِأَدَاءِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ الْكَفَّارَةِ إذَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ مَعَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ أَوْ قَبْلِهِ، قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ مَصْرُوفٌ إلَى مَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَإِلَّا تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى خَالِيَةً عَنْ الْخِلَافِ وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ التَّعَسُّفِ لِأَنَّ سَوْقَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي أَدَائِهِمَا مُتَعَاقِبًا فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِيهِمَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ فِيهِمَا تَدَبَّرْ. (وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً لِيَطَأَهَا فَفَعَلَ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً بِلَا شَيْءٍ) أَيْ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَيُؤْخَذُ كُلٌّ بِثَمَنِهَا) أَيْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَيَّهمَا شَاءَ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ (وَقَالَا لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ أَدَّى دَيْنًا عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنَصِيبِهِ وَلَهُ

كتاب الوقف

أَنَّ الْجَارِيَةَ دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الْبَتَاتِ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَشْبَهَ حَالَ عَدَمِ الْإِذْنِ غَيْرَ أَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ فَأَثْبَتَاهُ بِالْهِبَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْإِذْنِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ فَعَلْت إنْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ بَعْدَهُ صَحَّ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّمَنِ خُيِّرَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ وَلَوْ قَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ لَقِيَهُ آخَرُ وَقَالَ مِثْلَهُ وَأُجِيبَ بِنَعَمْ فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ عَالِمًا بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ رُبُعُهُ وَإِنْ يَعْلَمْ فَلَهُ نِصْفُهُ وَخَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ. وَفِي الْبَاقَانِيِّ مُعَلِّمَانِ اشْتَرَكَا لِحِفْظِ الصِّبْيَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَعَلَى مَا أَجَزْنَا فِي الْجَوَابِ مِنْ الْفَتْوَى أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَائِزٌ تَجُوزُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَا شَرِكَةَ لِلْقِرَاءَةِ بِالزَّمْزَمَةِ وَلَا التَّغَاذِي لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ فِي عَمَلِهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَيْسُوا بِشُرَكَاءَ تَقَبَّلُوا عَمَلًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ وَعَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَهُ ثُلُثُ الْأُجْرَةِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ طَاحُونَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي عِمَارَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ أَدَّى خَرَاجَ كَرْمٍ مُشْتَرَكٍ حَيْثُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا. [كِتَابُ الْوَقْفِ] ِ مُنَاسَبَتُهُ لِلشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ (هُوَ) لُغَةً مَصْدَرُ وَقَفَهُ أَيْ حَبَسَهُ وَقْفًا وَوَقَفَ بِنَفْسِهِ وُقُوفًا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَوْقُوفِ مُبَالَغَةً فَيُجْمَعُ عَلَى الْأَوْقَافِ وَلَا يُقَالُ أَوْقَفَهُ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَصَدَّقَ بِسَبْعِ حَوَائِطَ فِي الْمَدِينَةِ» وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَفُوا وَالْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ أَوْقَافًا هِيَ بَاقِيَةٌ جَارِيَةٌ إلَى يَوْمِنَا وَسَبَبُهُ إرَادَةُ مَحْبُوبِ النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا بَيْنَ الْإِحْيَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ التَّقَرُّبُ إلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَحَلُّهُ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ الْقَابِلُ لِلْوَقْفِ وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ كَصَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ مُؤَبَّدَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِ وَشَرْطُهُ شَرْطُ سَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَأَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ فَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا تَصِيرُ وَقْفًا وَمِنْ شَرَائِطِهِ الْمِلْكُ وَقْتَ الْوَقْفِ حَتَّى لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَوَقَفَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا لَا يَكُونُ وَقْفًا وَمِنْهَا عَدَمُ الْجَهَالَةِ وَمِنْهَا عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْوَاقِفِ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ خِيَارُ شَرْطٍ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْوَقْفُ مَعْلُومًا جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَاقِفِ مِلَّةٌ أُخْرَى فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدِّ إنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ، وَيَبْطُلُ وَقْفُ الْمُسْلِمِ إنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ عَادَ الْوَقْفُ بَعْدَ عَوْدٍ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ

فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَوْ وَقَفَ الذِّمِّيُّ عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ جَازَ وَيَجُوزُ الْإِعْطَاءُ لِمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ خَصَّصَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ اُعْتُبِرَ شَرْطُهُ كَالْمُعْتَزِلِيِّ إذَا خَصَّصَ أَهْلَ الِاعْتِزَالِ فَيُفَرَّقُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس مِنْهُمْ إلَّا إنْ خَصَّصَ صِنْفًا مِنْهُمْ فَلَوْ دَفَعَ الْقَيِّمُ إلَى غَيْرِهِمْ كَانَ ضَامِنًا وَشَرْطُ صِحَّةِ وَقْفِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَلَوْ وَقْفٌ عَلَى بِيعَةٍ فَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ مِيرَاثًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَالْوَقْفِ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَلَوْ أَنْكَرَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ ذِمِّيَّانِ عَدْلَانِ فِي مِلَّتِهِمْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ. وَفِي الْحَاوِي وَقْفُ الْمَجُوسِيِّ عَلَى بَيْتِ النَّارِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ بَاطِلٌ إذَا كَانَ فِي عَهْدِ الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ عَهْدُ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَشَرِيعَةً عِنْدَ الْإِمَامِ (حَبْسُ الْعَيْنَ) وَمَنْعُ الرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْقَوْلِ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ حَالَ كَوْنِهَا مُقْتَصِرَةً (عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ الْوَاقِفِ) فَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمِلْكِ وَرَثَتِهِ فِي وَفَاتِهِ بِحَيْثُ يُبَاعُ وَيُوهَبُ إلَّا أَنَّ مَا يَأْتِي مِنْ النَّذْرِ بِالْمَنْفَعَةِ يَأْبَى عَنْهُ وَيُشْكِلُ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ تَدَبَّرْ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ صُورَةَ الْوَقْفِيَّةِ مَعَ الشَّرَائِطِ بِلَا تَلَفُّظٍ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِالِاتِّفَاقِ. (وَ) حَبْسُهَا عَلَى (التَّصَدُّقِ بِالْمَنْفَعَةِ) عَلَى الْفُقَرَاءِ وَعَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَلَوْ قَالَ وَصَرْفِ مَنْفَعَتِهِ إلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَالتَّصَدُّقُ لَا يَكُونُ إلَّا لَهُ تَدَبَّرْ ثُمَّ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ (كَالْعَارِيَّةِ) حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ عَنْ الْعَيْنِ (إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) وَلَّاهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ حِينَئِذٍ وَيَصِيرُ لَازِمًا فَلَمْ يَصِرْ بَعْدَهُ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَهَذَا إذَا ذَكَرَ الْوَاقِفُ شَرَائِطَ اللُّزُومِ وَإِلَّا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ إلَّا إذَا حَكَمَ بِلُزُومِهِ وَطَرِيقُ الْمُرَافَعَةِ أَنْ يُرِيدَ الْوَاقِفُ الرُّجُوعَ بَعْدَمَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي مُحْتَجًّا بِعَدَمِ اللُّزُومِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَيَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِي بِاللُّزُومِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَلْزَمُ لِأَنَّهُ قَضَى فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْوَقْفِ بِدُونِ الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ هَذَا

الْجَوَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ الدَّعْوَى وَكُلُّ وَقْفٍ هُوَ حَقُّ الْعِبَادِ فَالشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الدَّعْوَى وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُرَافَعَةُ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ كَاتِبٌ مِنْ إقْرَارِ الْوَاقِفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ قَضَى بِلُزُومِهِ صَارَ لَازِمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِوَلَّاهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَحَكَمَ بِلُزُومِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ بِهِ وَهَلْ الْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً كَالْحُرِّيَّةِ أَوْ لَا، وَكَانَ يُفْتِي بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ. وَفِي الْمِنَحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ وَيُعَوَّلَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ الْوَقْفِ عَنْ التَّعَرُّضِ إلَيْهِ بِالْحِيَلِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِلْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ إنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِيَّةِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْكَافَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَضَاءٌ عَلَى الْكَافَّةِ فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ بِالْمِلْكِ لِأَحَدٍ وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ عَلَى الْكَافَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ تَتَبَّعْ حَتَّى يَظْهَرَ لَك الْحَقُّ (قِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَغَيْرُهُ (أَوْ يُعَلِّقُهُ) أَيْ الْوَقْفَ (بِمَوْتِهِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ (بِأَنْ يَقُولَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت) دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ جَازَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى ابْنِي فُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَنَسْلِي وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَهِيَ إرْثٌ بَيْنَ كُلِّ الْوَرَثَةِ مَا دَامَ الِابْنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ صَارَتْ كُلُّهَا لِلنَّسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ مِلْكٌ وَالثُّلُثَ وَقْفٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ تَتَبَّعْ. وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَأَمَّا فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصَدُّقٌ بِمَنَافِعِهِ مُؤَبَّدًا فَصُيِّرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ مُؤَبَّدًا فَيَلْزَمُهُ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ فَاجْعَلُوهَا وَقْفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ لَا تَعْلِيقُ الْوَقْفِ نَفْسِهِ، وَنَصُّ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ وَصِيَّةً. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْتُ أَرْضِي هَذِهِ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بَرِئَ أَوْ مَاتَ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرْضِي بَعْدَ مَوْتِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً جَازَ وَتَصِيرُ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ قَالَ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ سَنَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ أَوْ إضَافَةٍ، وَلَوْ قَالَ وَقَفْتهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ وَفَاتِي مُؤَبَّدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ لَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ هَذَا نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (حَبْسُ الْعَيْنِ) وَإِزَالَةُ مِلْكِ

الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ مُقْتَصِرَةً (عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ اللَّهِ) الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ (تَعَالَى) وَتَقَدَّسَ (عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْعِبَادِ فَيَلْزَمُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ) بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ سَوَاءٌ وُجِدَ أَحَدُ الْقَيْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالْوَقْفِ اسْتِدَامَةَ الْخَيْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ وَيَخْلُصَ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَلَهُ أَنَّ غَرَضَهُ التَّصَدُّقُ بِمَنْفَعَةِ مَالِهِ وَذَا يَقْتَضِي بَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِيهِ وَبَقِيَ تَدْبِيرُهُ بَعْدَهُ فِي نَصْبِ الْقَيِّمِ وَتَوْزِيعِ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْمِلْكِ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فَيُجْعَلُ الْوَقْفُ كَذَلِكَ (بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) أَيْ يَلْزَمُ وَيَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَفْتُ دَارِي هَذِهِ مَثَلًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى التَّسْلِيمِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا) يَلْزَمُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ (مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ) أَيْ الْمَوْقُوفَ (إلَى وَلِيٍّ) لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ إلَى اللَّهِ قَصْدًا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ كَالصَّدَقَاتِ وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ بُخَارَى وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَلَمَّا بَيَّنَ مَسَالِكَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فَرَّعَ عَلَيْهَا. بِقَوْلِهِ (فَلَوْ وَقَفَ) وَقْفًا (عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ بَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا أَوْ رِبَاطًا لِبَنِي السَّبِيلِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ فِي إصْلَاحِ الرِّبَاطِ مَا بُنِيَ فِي الثُّغُورِ لِتَنْزِلَ فِيهِ الْغُزَاةُ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ لِبَنِي السَّبِيلِ قَيْدٌ لِلْأَوَّلَيْنِ لَا لِقَوْلِهِ رِبَاطًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ رِبَاطًا تَدَبَّرْ (أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ) أَيْ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ (إلَّا بِالْحُكْمِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَقُّ الْعَبْدِ بِالْحُكْمِ أَوْ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ لَكِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَوْتِ كَالْعَدَمِ عِنْدَهُ لِضَعْفِهِ فَلِهَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ قِيلَ تَأَمَّلْ، قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ عَدَمَ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْوَاقِفِ وَعَدَمَ جَوَازِ السُّكُونِ فِي الْخَانِ وَعَدَمَ جَوَازِ النُّزُولِ فِي الرِّبَاطِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى، هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ بِالْحُكْمِ يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ وَيَكُونُ مُبَاحًا لِلْعَامَّةِ وَالْوَاقِفُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا إبْهَامَ تَأَمَّلْ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) كَمَا هُوَ أَصْلُهُ إذْ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَزُولُ (إذَا سَلَّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ. وَفِي الْغَايَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ بَابٍ يُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِهِ فَفِي الْخَانِ أَنَّهُ يَحْصُلُ

شروط تمام الوقف

بِالسُّكْنَى وَفِي الرِّبَاطِ بِالنُّزُولِ وَفِي السِّقَايَةِ بِشُرْبِ النَّاسِ وَفِي الْمَقْبَرَةِ بِدَفْنِهِمْ وَيُكْتَفَى إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ وَاحِدٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ انْتَهَى. وَعَنْهُ قَالَ (وَاسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ) وَلَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ طَرِيقًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الِانْتِفَاعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ إلَّا فِي الْغَلَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَّا لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِتُصْرَفَ غَلَّتُهَا إلَى الْحُجَّاجِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَا تُصْرَفُ إلَى الْغَنِيِّ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. [شُرُوط تَمَامِ الْوَقْفِ] (وَشَرَطَ لِتَمَامِهِ) أَيْ لِتَمَامِ الْوَقْفِ بَعْدَ مَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَهُ (ذِكْرُ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَى كَذَا وَكَذَا ثُمَّ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ) بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ لِأَنَّ الْوَقْفَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَا يَقْضِي التَّأْبِيدَ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَقْفَ تَصَدُّقٌ بِالْمَنْفَعَةِ وَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ (وَإِذَا انْقَطَعَ) الْمَصْرِفُ (صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ) وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا

فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ لَكِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ نَقَلَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ قِيلَ التَّأْبِيدُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّأْبِيدِ رِوَايَتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَذِكْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُفَرَّعُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عَلَى قَرَابَتِهِ وَهُمْ يُحْصَوْنَ أَوْ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِي يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَا لَا يُحْصَى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَشَرَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانُونَ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ. (وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُ الْمُشَاعِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ وَالْقَبْضُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ شَرْطٌ عِنْدَهُ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ، وَهَذَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةُ وَأَمَّا مَا لَا تَحْتَمِلُهَا كَالْحَمَّامِ فَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ الشُّيُوعِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الدُّرَرِ وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى. (وَ) صَحَّ (جَعْلُ غَلَّةِ الْوَقْفِ) أَوْ بَعْضِهَا (أَوْ الْوِلَايَةِ لِنَفْسِهِ) أَيْ صَحَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ انْتِفَاعَهُ مِنْ وَقْفِهِ وَتَوْلِيَتَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرٌ فَيُرَاعَى كَالنَّصِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَاقِفِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِلْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُمْ فِي الْفَضْلِ سَوَاءً تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِأَكْبَرِهِمْ سِنًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا فِي مَوْضِعٍ أَقَامَ الْقَاضِي رَجُلًا يَقُومُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ مَا دَامَ الْأَفْضَلُ حَيًّا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا شَرَطَهَا لِأَفْضَلِهِمْ وَاسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدِّيَانَةِ وَالسَّدَادِ وَالْفَضْلِ وَالرَّشَادِ فَالْأَعْلَمُ بِأَمْرِ الْوَقْفِ أَوْلَى، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ صِفَةُ التَّرْجِيحِ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ يَنْتَظِمُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدُ أَفْضَلُ، وَلَوْ وَلَّى الْقَاضِي أَفْضَلَ ثُمَّ حَدَثَ فِي وَلَدِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فَالْوِلَايَةُ إلَيْهِ. (وَ) صَحَّ (جَعْلُ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْغَلَّةِ (أَوْ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْغَلَّةِ (لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَوْ مُدَبَّرِيهِ مَا دَامُوا أَحْيَاءً وَبَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ قِيلَ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا

هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الْغَلَّةِ لِمُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا تَدَبَّرْ. (وَ) صَحَّ (شَرْطُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ) أَيْ بِالْوَقْفِ (غَيْرَهُ) أَيْ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أَرْضًا أُخْرَى (إذَا شَاءَ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ فِيهِ تَحْوِيلَهُ إلَى مَا يَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلِهِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لَا إبْطَالًا فَإِذَا فَعَلَ صَارَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي شَرَائِطِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِثَالِثَةٍ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْقَاضِي بِإِذْنِ السُّلْطَانِ حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى أَنَمَّا تَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَكُونَ الْمَحَلَّةُ الْمَمْلُوكَةُ خَيْرًا مِنْ الْمَحَلَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ قِلَّةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا لِدَنَاءَتِهَا، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَ ثَمَنَهَا إلَى حَاجَةٍ أَوْ يَكُونَ ثَمَنُهَا وَقْفًا لِمَكَانِهَا فَإِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَصِيَّةً فَيُعْتَبَرُ

مِنْ الثُّلُثِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَذْكُورِ فِي وَقْفِ الْمُشَاعِ إلَى هُنَا وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَّةِ لِوَلَدِهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ شَمِلَ الْمُذَكَّرَ وَالْأُنْثَى إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالذُّكُورِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ فَمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ الصُّلْبِيِّ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ وَإِذَا انْتَفَى صُرِفَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا وَلَدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ الْوَقْفِ وَلَدٌ صُلْبِيٌّ بَلْ وَلَدُ ابْنٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَانَتْ الْغَلَّةُ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ كَانَتْ لَهُ، وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْوَلَدِ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ اشْتَرَكَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ ابْنِهِ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ دُخُولَ الْبَنَاتِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ الْآنَ وَلَا يُفَضِّلُ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فِي وَلَدِي لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي فَمَاتَ كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ إلَّا بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا ذَكَرَ الْبُطُونَ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهُ لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلَ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ بِأَنْ يَقُولَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَوْ يَقُولَ عَلَى وَلَدَى ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي أَوْ يَقُولَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَحِينَئِذٍ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْوَاقِفُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ لِأَنَّ النَّسْلَ يَتَضَمَّنُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ الْقَرِيبَ بِحَقِيقَتِهِ وَالْبَعِيدَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ لَفْظَ النَّسْلِ فَقَطْ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فَيَبْقَى قَوْلُهُ بَعْدَ نَسْلٍ بِلَا فَائِدَةٍ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ نَسْلٍ لِلتَّأْكِيدِ قُلْنَا التَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ الْغَوَامِضِ وَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً عَلَى أَوْلَادِي يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَدَبَّرْ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ النِّصْفُ وَاَلَّذِي لِلْمَيِّتِ لِلْفُقَرَاءِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجِّهَ الْقَاضِي إلَى الْآخَرِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا كَمَا أَفْتَى الْبَعْضُ فِي دِيَارِنَا فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَا تُصْرَفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ ثُمَّ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ لَا يَكُونُ نَصِيبُهَا لِابْنِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْوَاقِفِ خَاصَّةً إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ رَدُّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَلَمْ يَقُلْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لَكِنْ شَرَطَ رَدَّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ وَلَوْ مَاتَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَتَرَك وَلَدًا ثُمَّ جَاءَتْ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا وَعَلَى الْمَيِّتِ فَمَا أَصَابَ الْمَيِّتَ مِنْ الْغَلَّةِ كَانَ لِوَلَدِهِ

بِالْإِرْثِ فَيَصِيرُ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ سَهْمُهُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ بِحُكْمِ تَعْيِينِهِ وَسَهْمُ وَلَدِهِ بِالْإِرْثِ كَمَا فِي الْغَرَرِ وَلَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِي يَدْخُلُ الْوَلَدُ الْحَادِثُ بِالنَّسْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي الْمَخْلُوقِينَ وَنَسْلِهِمْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ وَلَدِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ مُحْتَاجٌ كَانَ النِّصْفُ لَهُ وَالْآخَرُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَقَارِبِي أَوْ عَلَى قَرَابَتِي أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِي قَالَ هِلَالٌ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالِدُ الْوَاقِفِ وَلَا جَدُّهُ وَلَا وَلَدُهُ. وَفِي الزِّيَادَاتِ يَدْخُلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي وَعَلَى وَلَدِي الذُّكُورِ مِنْ نَسْلِي يَكُونُ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَعَلَى وَلَدِ كُلِّ ذَكَرٍ مِنْ نَسْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَلَدِ الذُّكُورِ أَوْ وَلَدِ الْإِنَاثِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأُنْثَى الصُّلْبِيَّةِ. (وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ) لِلنُّصُوصِ وَالْآثَارِ (وَكَذَا) صَحَّ وَقْفُ (الْمَنْقُولِ الْمُتَعَارَفِ وَقْفُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) كَمَا صَحَّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَقْصُودًا إذَا تَعَامَلَ النَّاسُ وَقْفَهُ (كَالْفَأْسِ وَالْمُرُو وَالْقَدُّومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ) بِالْكَسْرِ السَّرِيرِ (وَثِيَابِهَا) الَّتِي تُصْنَعُ مِنْ قِطْعَةِ سِتْرِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا يُسْتَرُ بِهَا الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ (وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالْمَصَاحِفِ) جَمْعُ الْمُصْحَفِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِلْقِرَاءَةِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ جَازَ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِيهِ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ (وَالْكُتُبِ) جَمْعُ الْكِتَابِ

(وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ (فِي وَقْفِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) وَالْخَيْلِ (وَالْإِبِلِ فِي سَبِيلِ اللَّه) وَمَا سِوَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِيهِمَا فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ (وَبِهِ) أَيْ يَقُولُ مُحَمَّدٌ (يُفْتِي) لِوُجُودِ التَّعَامُلِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ حَكَى فِي الْمُجْتَبَى الْخِلَافَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَنْقُولِ فَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا جَرَى التَّعَارُفُ بِهِ أَوَّلًا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَلَمَّا جَرَى التَّعَامُلُ فِي وَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي زَمَان زُفَرَ بَعْدَ تَجْوِيزِ صِحَّةِ وَقْفِهِمَا فِي رِوَايَةٍ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ فِي وَقْفِ كُلِّ مَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا يَحْتَاجُ عَلَى هَذَا إلَى تَخْصِيصِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ وَقْفِهِمَا لِمَذْهَبِ زُفَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ أَفْتَى صَاحِبُ الْبَحْرِ بِجَوَازِ وَقْفِهِمَا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَعَنْ زُفَرَ رَجُلٌ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ قَالَ يَجُوزُ قِيلَ لَهُ وَكَيْفَ يَكُونُ، قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُوزَنُ وَيُكَالُ يُبَاعُ فَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، لَوْ قَالَ الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقْفٌ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُفَرِّقَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بُدَّ لَهُمْ فَيَزْرَعُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْفَرْضِ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَمِثْلُ هَذَا أَكْثَرُهُمْ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ نَهَاوَنْدَ. (وَكَذَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْفُهُ) أَيْ وَقْفُ الْمَنْقُولِ (تَبَعًا كَمَنْ وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَهُمْ) أَيْ الْأَكَرَةُ (عَبِيدُهُ) أَيْ عَبِيدُ الْوَاقِفِ (وَسَائِرِ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلِهَذَا دَخَلَ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ مَا كَانَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ دُونَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَمُحَمَّدٍ مَعَهُ فِيهِ وَأَمَّا لَوْ بَنَى عَلَى أَرْضٍ ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ بِدُونِ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ مَوْقُوفَةً عَلَى مَا عَيَّنَ الْبِنَاءَ لَهُ جَازَ إجْمَاعًا وَإِنْ لِجِهَةٍ أُخْرَى فَمُخْتَلِفٌ وَالْمَعْمُولُ بِهِ الْآنَ الْجَوَازُ، وَكَذَا حُكْمُ وَقْفِ الْأَشْجَارِ. وَفِي الْمِنَحِ الْمُتَعَارَفُ فِي دِيَارِنَا وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَكَذَا وَقْفُ الْأَشْجَارِ بِدُونِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِفْتَاءُ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ التَّعَامُلُ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِالتَّعَامُلِ تَعَامُلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا أَجْمَعِينَ لَا تَعَارُفِ الْعَوَامّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَعَلَى هَذَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فِيهِ تَعَامُلٌ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ رَجُلٌ وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى رِبَاطٍ عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا

وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَهُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا قَالُوا لِأَنَّهُ جَرَى بِذَلِكَ التَّعَارُفُ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ التَّعَارُفِ لَا مَا قَالَهُ الْبَعْضُ تَدَبَّرْ. (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ) أَيْ إذَا لَزِمَ الْوَقْفُ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ اللُّزُومِ (فَلَا يُمْلَكُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَصْلًا (وَلَا يُمَلَّكُ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ التَّفْعِيلِ أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِغَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَقْفُ مُشَاعًا وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ يَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ عِنْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِي قِسْمَةِ الْوَقْفِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ غَالِبًا نَظَرًا لِلْوَقْفِ فَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَهُوَ فِي الْوَقْفِ مُمْتَنِعٌ. وَفِي الْإِسْعَافِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا وَقَفَهُ وَقُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ يَسْتَمِرُّ الْبَاقِي وَقْفًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَطْلَقَ الْقَاضِي بَيْعَ الْوَقْفِ الْغَيْرِ الْمُسَجِّلِ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ فَبَاعَ صَحَّ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ يَكُونُ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا بَطَل عَادَ إلَى مِلْكِ وَارِثِ الْوَاقِفِ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ

شَرْعِيٍّ (وَيَبْدَأُ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ) أَيْ مِنْ غَلَّتِهِ (بِعِمَارَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْوَاقِفُ) لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِصْلَاحِ وَالْعِمَارَةِ فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ بِهِ كَالثَّابِتِ نَصًّا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَدِينُ الْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَا يُعَمِّرُهُ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي. وَفِي الْبَحْرِ وَيَسْتَدِينُ لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَالْمُؤَذِّنِ بِإِذْنِ الْقَاضِي لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا لِلْحَصِيرِ وَالزَّيْتِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ اسْتَدَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ لِمَا أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْغَلَّةِ. (إنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ) فَلَوْ فَضَلَ عَنْ الْعِمَارَةِ صُرِفَ أَوَّلًا إلَى وَلَدِهِ الْفَقِيرِ ثُمَّ إلَى قَرَابَتِهِ ثُمَّ إلَى مَوَالِيهِ ثُمَّ إلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ مَنْزِلًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ

لَا يُعْطِي لِأَحَدٍ مِنْ أَقْرِبَائِهِ شَيْئًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ عَلَى) جَمْعٍ أَوْ وَاحِدٍ (مُعَيَّنٍ) وَآخِرُهُ لِلْفُقَرَاءِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ فَالْعِمَارَةُ عَلَى الْمُعَيَّنِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُعَيَّنُ عَنْ الْعِمَارَةِ (أَوْ كَانَ فَقِيرًا) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعِمَارَةِ بِمَالِهِ (آجَرَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ الْقَيِّمُ بِإِذْنِهِ اسْتِحْسَانًا صِيَانَةً لِلْوَقْفِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْوَاقِفَ وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَا يُؤَجِّرُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَمَرَهُ) مِنْ الثُّلَاثِيِّ مِنْ الْعِمَارَةِ لَا مِنْ التَّعْمِيرِ (مِنْ أُجْرَتِهِ) بِقَدْرِ مَا يَبْقَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهَا الْوَاقِفُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَكَذَا إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحُّ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ غَلَّةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ إلَّا بِرِضَاهُ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ (رَدَّهُ) أَيْ الْبَاقِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ

الْبَذْرِ فِي الْمَزْرَعَةِ. (وَنَقْضُ الْوَقْفِ يُصْرَفُ) أَيْ يَصْرِفُهُ الْحَاكِمُ (إلَى عِمَارَتِهِ) أَيْ الْوَقْفِ (إنْ احْتَاجَ) إلَى الْعِمَارَةِ بِالْفِعْلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ بِالْفِعْلِ (حُفِظَ) النَّقْضُ (إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ) إلَى الْعِمَارَةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا. (وَإِنْ تَعَذَّرَ صَرْفُ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ النَّقْضِ إلَيْهَا بِأَنْ لَا يَصْلُحَ (يُبَاعُ) أَيْ يَبِيعُهُ نَحْوُ الْمُتَوَلِّي النَّقْضَ (وَيَصْرِفُ ثَمَنَهُ إلَيْهَا) وَقْتَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّقْضِ (وَلَا يُقْسَمُ) النَّقْضُ (بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَحَقُّهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْعَيْنُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ.

فصل إذا بنى الواقف مسجدا لا يزول ملكه

[فَصْلٌ إذَا بَنَى الْوَاقِف مَسْجِدًا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ] فَصَلِّ (إذَا بَنَى مَسْجِدًا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا قَالَ بَنَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاحَةً زَالَ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِيهَا ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (حَتَّى يَفْرِزَهُ) أَيْ يُمَيِّزَهُ (عَنْ مِلْكِهِ) مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ (بِطَرِيقِهِ) أَيْ مَعَ طَرِيقِ الْمَسْجِدِ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ سَبِيلًا عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ (وَيَأْذَنَ) أَيْ لِكُلِّ النَّاسِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ بِكُلِّ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا فَلَوْ أَذِنَ لِقَوْمٍ أَوْ لِلنَّاسِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً مَثَلًا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيُصَلِّي فِيهِ) وَلَوْ بِلَا أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (وَاحِدٌ) . وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ السُّجُودِ وَيَحْصُلُ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ (. وَفِي رِوَايَةٍ) عِنْدَهُمَا (شَرْطُ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ) جَهْرًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ سِرًّا بِأَنْ كَانَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا اتِّفَاقًا لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِالْجَمَاعَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (وَلَا يَضُرُّ جَعْلُهُ) أَيْ جَعْلُ الْوَاقِفِ (تَحْتَهُ) أَيْ تَحْتَ الْمَسْجِدِ (سِرْدَابًا) هُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ وَغَيْرِهِ (لِمَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. (وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ السِّرْدَابِ (لِغَيْرِ مَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (أَوْ جَعَلَ) الْوَاقِفُ (فَوْقَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (بَيْتًا وَجَعَلَ بَابَهُ) أَيْ بَابَ الْمَسْجِدِ (إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ) أَيْ مَيَّزَهُ عَنْ

مِلْكِهِ. (أَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ) أَيْ كُلَّ النَّاسِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ كُلِّ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكِ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ (عَنْهُ) عَنْ الْمَسْجِدِ (وَلَهُ) أَيْ الْمَالِكِ (بَيْعُهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (فَيُورَثُ) أَيْ عَنْ الْمَالِكِ إذَا مَاتَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ مِلْكِ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَهَذَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ بَنَى بَيْتًا عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لِسُكْنَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ بَنَى عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ هَدْمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ مُسْتَغَلًّا وَلَا مَسْكَنًا، وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَبِهِ يُفْتَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَادَ إلَى الْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ حَشِيشُ الْمَسْجِدِ وَحَصِيرُهُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي آلَاتِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَأْبِيدِ الْمَسْجِدِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكِ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ (بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ مُطْلَقًا) لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. (وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ) عَلَى الْمُصَلِّينَ (وَبِجَنْبِهِ طَرِيقُ الْعَامَّةِ يُوَسَّعُ) الْمَسْجِدُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا لَوْ ضَاقَ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ يُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ كُرْهًا (وَبِالْعَكْسِ) يَعْنِي لَوْ ضَاقَ الطَّرِيقُ وَبِجَنْبِهِ مَسْجِدٌ وَاسِعٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ يُوَسَّعُ الطَّرِيقُ مِنْهُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعَمَلُ بِالْأَصْلَحِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرَ يُعَارِضُ هَذَا التَّعْلِيلَ تَدَبَّرْ (رِبَاطٌ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ يُصْرَفُ وَقْفُهُ إلَى أَقْرَبِ رِبَاطٍ إلَيْهِ) هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلِهَذَا صَوَّرَهُ عَلَى صُورَةِ الِاتِّفَاقِ. وَفِي الْقُنْيَةِ حَوْضٌ أَوْ مَسْجِدٌ خَرِبَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَصْرِفَ

الوقف في المرض

أَوْقَافَهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ. وَفِي الْمِنَحِ وَالْمَسْجِدُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُصَلَّى فِيهِ وَخَرِبَ مَا حَوْلَهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ كَمَا كَانَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا انْتَهَى، هَذِهِ الرَّاوِيَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الدُّرَرِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَمَا حُكِيَ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا أَمَرَّ بِمَزْبَلَةٍ فَقَالَ هَذَا مَسْجِدُ أَبِي يُوسُفَ وَمَرَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى إصْطَبْلٍ فَقَالَ هَذَا مَسْجِدُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَضْعِ الْجَهَلَةِ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الطَّعْنُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. وَفِي الْغَرَرِ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ الْوَقْفِ الْآخَرِ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا فَلَا. [الْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ] (وَالْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ وَقَفَ الْمَرِيضُ دَارِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا صَحَّ بَعْدَ الدَّيْنِ فِي ثُلُثِهِ (وَيُتَّبَعُ) مُضَارِعٌ مَجْهُولٌ مِنْ الِاتِّبَاعِ بِالتَّشْدِيدِ (شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَةِ الْوَقْفِ إنْ وُجِدَ) شَرْطُ الْإِجَارَةِ حَتَّى إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِ سَنَةٍ وَكَانَ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَدَرَّ عَلَى الْوَاقِفِ وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُخَالِفَ شَرْطَهُ وَلَكِنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُؤَجِّرَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْإِجَارَةِ (فَنَخْتَارُ) لِلْفَتْوَى (أَنْ لَا تُؤَجَّرَ الضِّيَاعُ) جَمْعُ ضَيْعَةٍ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا) يُؤَجَّرَ (غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرِ الضِّيَاعِ (أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَأَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي فِي دِيَارِنَا

فَتُؤَجَّرُ بِالْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ آجَرَ الْقَيِّمُ دَارَ الْوَقْفِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ أَوْ الْمُؤَجَّلَةِ عَلَى رَجُلٍ مَثَلًا لَا تُنْزَعُ عَنْ يَدِهِ مَا دَامَ يُؤَدِّي الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ وَيَتَصَرَّفُ كَيْفَ مَا يَشَاءُ فَإِنْ مَاتَ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى السَّوِيَّةِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَلْ يَأْخُذُهَا لِلْوَقْفِ وَيُؤَجِّرُهَا إلَى غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. (وَلَا يُؤَجَّرُ) الْوَقْفُ (إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ) حَتَّى لَوْ آجَرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَأَبٍ آجَرَ مَنْزِلَ صَغِيرِهِ بِدُونِهِ، إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِالْمِثْلِ. وَفِي الْبَحْرِ وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا لَوْ زَادَهَا وَاحِدٌ وَاثْنَانِ تَعَنُّتًا فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْإِيجَارِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (لَا تُنْقَضُ) أَيْ لَا تُفْسَخُ تِلْكَ الْإِجَارَةُ (إنْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ لِكَثِيرَةِ الرَّغْبَةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَجْرُ الْمِثْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ. وَفِي الْمِنَحِ وَأَمَّا إذَا زَادَ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إذَا آجَرَ الْقَيِّمُ دَارَ الْوَقْفِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ آجَرَ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ

وَكَذَا إنْ آجَرَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ. (وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) كَالْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ وَالْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ (أَنْ يُؤَجِّرَ) الْوَقْفَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْوَقْفِ إنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ وَلَوْ غُصِبَ الْوَقْفُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْخُصُومَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي لَكِنْ فِي الْمِنَحِ إذَا كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَسْتَرِمُّ وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَلَّةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَهَذَا فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَأَمَّا الْأَرَاضِي إنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونُ الْخَرَاجُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ (إلَّا بِإِنَابَةٍ) مِنْ الْمُتَوَلِّي (أَوْ وِلَايَةٍ) مِنْ الْوَاقِفِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ

(وَلَا يُعَارُ) الْوَقْفُ (وَلَا يُرْهَنُ) حَتَّى لَوْ سَكَنَ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ. (وَإِنْ غُصِبَ عَقَارُهُ) أَيْ عَقَارُ الْوَقْفِ (يَخْتَارُ وُجُوبَ الضَّمَانِ) يَعْنِي الْمُخْتَارَ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ الضَّمَانُ كَمَا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي غَصْبِ مَنَافِعِ الْوَقْفِ الضَّمَانُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ إذَا سَكَنَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ بِغَيْرِ أَجْرٍ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَى السَّاكِنِ، وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ صِيَانَةً عَنْ أَيْدِي الظَّلَمَةِ وَقَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاقِفِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَيِّمِ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْوَقْفِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَجْرُ

مِثْلِهِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي إنْ اقْتَصَرَ شَيْئًا مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ قِيلَ إنْ كَانَ فِي عَيْنٍ ضَمِنَهَا وَإِنْ كَانَ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا. وَفِي الْقُنْيَةِ انْهَدَمَ الْوَقْفُ فَلَمْ يَحْفَظْ الْقَيِّمُ حَتَّى ضَاعَ نَقْضُهُ يَضْمَنُ اشْتَرَى الْقَيِّمُ مِنْ الدَّهَّانِ دُهْنًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَفْلَسَ الدَّهَّانُ بَعْدُ لَمْ يَضْمَنْ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ فِي خَلْطِ مَالِ الْوَقْفِ بِمَالِهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ أَخَذَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ مِنْ غَلَّتِهِ أَشْيَاءَ ثُمَّ مَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمُسْتَحِقُّ وَأَمَّا إذَا طَالَبَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ ثُمَّ مَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا، هَذَا فِي الْغَلَّةِ أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ ضَامِنًا إذَا مَاتَ بِلَا بَيَانٍ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ عَلَيْهِ غَلَّةَ دَارٍ لَيْسَ لَهُ السُّكْنَى وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ. (وَلَوْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ خَائِنًا تُنْزَعُ مِنْهُ) أَيْ يَعْزِلُ الْقَاضِي الْوَاقِفَ الْمُتَوَلِّي عَلَى وَقْفِهِ

(وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ، شَرَطَ الْوَاقِفُ (أَنْ لَا تُنْزَعَ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَيَبْطُلُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ عَزْلَ الْقَاضِي لِلْخَائِنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَالْإِثْمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ وَلَا شَكَّ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْوَاقِفِ تَكُونُ إذَا شَرَطَهَا لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْغُرَرِ مَرِضَ الْمُتَوَلِّي وَفَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى غَيْرِهِ جَازَ، وَلَوْ مَاتَ الْمُتَوَلِّي بِلَا تَفْوِيضِهَا إلَى غَيْرِهِ فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ الْمُتَوَلِّي إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى الْقَاضِي وَالْبَانِي لِلْمَسْجِدِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْمِ بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّا عَيَّنَهُ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَمَا دَامَ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِلتَّوْلِيَةِ

مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لَا يُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْأَجَانِبِ، أَرَادَ الْمُتَوَلِّي إقَامَةَ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ لَهُ عَامًّا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الدُّرَرِ وَتُقْبَلُ فِيهِ أَيْ فِي الْوَقْفِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ وَإِنْ صَرَّحُوا بِالتَّسَامُعِ بِخِلَافِ سَائِرِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَالنَّسَبِ فَإِنَّهُمْ إذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَجْوِيزِ الْقَبُولِ بِتَصْرِيحِ التَّسَامُعِ حِفْظٌ لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ لِإِثْبَاتِ شَرْطِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ بِالشُّهْرَةِ وَعَلَى شَرَائِطِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُخْتَارُ مَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَبَيَانِ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالتَّسَامُعِ لِتَوَقُّفِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ لَمْ يَسْتَنِدَ إلَى مِلْكٍ شَرْعِيٍّ أَمَّا إذَا اسْتَنَدَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ بَلْ تَجِبُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَسْجِيلِهِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ لَا يُنْزَعُ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى تَسْجِيلِ الْوَقْفِ لَا بِالتَّسَامُعِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ الْغَوَامِضِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ. مُتَوَلٍّ بَنَى فِي

عَرْصَةِ الْوَقْفِ فَهُوَ أَيْ الْبِنَاءُ يَكُونُ لِلْوَقْفِ إنْ بَنَاهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَنَوَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَيْ لِلْمُتَوَلِّي نَفْسِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا بَنِي وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ نَوَى كَوْنَهُ لِلْوَقْفِ كَانَ وَقْفًا كَذَا الْغَرْسُ وَالْغَرْسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ مُطْلَقًا هَذَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي أَمَّا إذَا أَحْدَثَ رَجُلٌ عِمَارَةً فِي الْوَقْفِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالرَّفْعِ إنْ لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ الْبِنَاءَ الْقَدِيمَ وَإِلَّا فَهُوَ الَّذِي ضَيَّعَ مَالَهُ فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مَالَهُ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ لِلْوَقْفِ بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا أَوْ مَبْنِيًّا فِيهِ صَحَّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ أَنَّ قَوَّامُهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ

فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْلَعُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي التَّنْوِيرِ اشْتَرَى الْمُتَوَلِّي بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لَا تَلْحَقُ بِالْمَنَازِلِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَصَحِّ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا وَظِيفَتَهُمَا مِنْ الْوَقْفِ سَقَطَ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى مَعْنَى الصِّلَةِ كَالْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى إمَامِ دَارٍ وَقْفٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأُجْرَةَ حَتَّى مَاتَ فَيَبْنِي إنْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَإِنْ آجَرَهَا الْإِمَامُ لَا يَسْقُطُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. وَفِي الدُّرَرِ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت وَقَفْتهَا أَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَيَّ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ قُبِلَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ. وَفِي الْمِنَحِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ أَوْلَادُ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْحَيُّ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ

الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِي غَيْبٌ وَالْوَقْفُ وَاحِدٌ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ وَلَوْ أَقَامَ أَوْلَادُ الْأَخِ بَيِّنَةً أَنَّ الْوَقْفَ مُطْلَقٌ عَلَيْك وَعَلَيْنَا فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَقْفِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوَّلًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَنْ يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي يَوْمٍ لَا دَرْسَ فِيهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. وَفِي الْحَاوِي إذَا كَانَ مَشْغُولًا بِالْكِتَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ لَوْ اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَزِيدَ فِي وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهُ أَوْ يَنْقُصَ مِنْ وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى نُقْصَانَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ مَنْ يَرَى إدْخَالَهُ وَأَنْ يُخْرِجَ مَنْ يَرَى إخْرَاجَهُ جَازَ ثُمَّ إذَا زَادَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا أَوْ نَقَصَهُ مَرَّةً أَوْ أَدْخَلَ أَحَدًا أَوْ أَخْرَجَ أَحَدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَقَعَ عَلَى فِعْلٍ يَرَاهُ فَإِذَا رَآهُ أَوْ أَمْضَاهُ فَقَدْ انْتَهَى مَا رَآهُ إلَّا لِشَرْطِهِ، وَتَمَامُهُ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ.

باب الخلع

[بَابُ الْخُلْعِ] ِ الْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ النُّشُوزُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَالْخُلْعُ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ هُوَ لُغَةً النَّزْعُ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّرْشِيحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] فَكَأَنَّهُمَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ نَزَعَا لِبَاسَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا بِالضَّمِّ إلَّا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَصِفَتُهُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَمُعَارَضَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَمِينٌ عِنْدَ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَأَلْفَاظُهُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ وَالتَّطْلِيقُ وَالْمُبَايَنَةُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ خَالَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا وَقَالَ خَلَعْت وَشَرْعًا (وَهُوَ الْفَصْلُ عَنْ النِّكَاحِ) الْمُرَادُ بِهِ الصَّحِيحُ فَخَرَجَ بِهِ الْفَاسِدُ وَمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا مِلْكَ فِيهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْكَنْزِ لَكِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ فَصْلٌ عَنْ النِّكَاحِ وَلَيْسَ بِخُلْعٍ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ هَذَا تَفْسِيرٌ لَا تَعْرِيفٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ (أَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِمَالٍ لِيَخْلَعَهَا بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ وَكَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا عَرِيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ وَفِي الْفَتْحِ وَفِي الشَّرْعِ أَخْذُ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِ مَعَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالْفَرْقِ بِخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ وَالْقَيْدِ الزَّائِدِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِنَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ فِيهِ وَبِبَدَلٍ فِيمَا يَلِيه فَالصَّحِيحُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ لَا مُطْلَقًا انْتَهَى لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا عَرِيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ (وَلَا بَأْس بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عِنْدَ ضَرُورَةِ عَدَمِ قَبُولِ الصُّلْحِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِيُصْلَحَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُصْلِحَا جَازَ لَهُ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْخُلْعِ أَوْلَى (وَكُرِهَ) [لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] إنْ نَشَزَ الزَّوْجُ وَكُرِهَ أَخْذُ أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنْ الْمَهْرِ إنْ نَشَزَتْ] تَحْرِيمًا وَقِيلَ تَنْزِيهًا (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَخْذُ شَيْءٍ) مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] (إنْ نَشَزَ) الزَّوْجُ أَيْ كَرِهَهَا وَبَاشَرَ أَنْوَاعَ الْأَذَى. (وَ) كُرِهَ (أَخْذُ أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا) مِنْ الْمَهْرِ (إنْ نَشَزَتْ) الْمَرْأَةُ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا قَبَضَتْهُ مِنْهُ هَذَا عَلَى رِوَايَةٍ الْأَصْلِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا لَكِنَّ اللَّائِقَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ نَاقِصًا مِنْ الْمَهْرِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ الْمَالِ (وَالْوَاقِعُ بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (وَبِالطَّلَاقِ

عَلَى مَالٍ) بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَالٍ كَذَا أَوْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا وَيَقُولَ هُوَ طَلَّقْتُك عَلَيْهِ (بَائِنٌ) إذَا كَانَ بِعِوَضٍ لَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكِنَايَاتِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا إنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ هُنَا لِأَنَّهُ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ طَلَاقًا لَا يُسْمَعُ قَضَاءً لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْخُلْعَ رَجْعِيٌّ وَعَنْهُ فِي قَوْلِ الْقَدِيمِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَسْخٌ بِالنِّكَاحِ (وَيَلْزَمُ الْمَالُ الْمُسَمَّى) فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ (وَمَا صَلُحَ) أَنْ يَكُونَ (مَهْرًا صَلُحَ) أَنْ يَكُونَ (بَدَلًا لِلْخُلْعِ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا فَيَأْخُذُهُ لَا غَيْرُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ فَيَأْخُذُهُ وَسَطًا أَوْ مَجْهُولًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى جَازَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَكَذَا مَا فِي يَدِهَا وَبُطُونِ غَنَمِهَا أَوْ جَارِيَتِهَا مِنْ الْوَلَدِ أَوْ ضُرُوعِ غَنَمِهَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ نَخِيلِهَا مِنْ الثِّمَارِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَيَانُ الْجِنْسِ لَا بَيَانُ الْقَدْرِ فَلَا يَضُرُّ. (وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُلْعِ (يَقَعُ بَائِنًا) لِكَوْنِهِ كِنَايَةً (وَفِي الطَّلَاقِ) الصَّرِيحِ (يَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا شَيْءٍ) أَيْ لَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِيهِمَا (كَمَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِمُقَابَلَتِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى مُتَقَوِّمٌ وَكَذَا الْبُضْعُ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ. وَفِي الْمِنَحِ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الْمَأْخُوذَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا لِأَنَّهَا قَدْ سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَتَصِيرُ غَارَّةً لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ. (أَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَ) الْحَالُ (لَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ تَشْمَلُ مَالَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَا تَغُرُّهُ بِذِكْرِهِ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ وَكَذَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا

فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِي أَوْ مَا فِي شَجَرِي أَوْ نَخْلِي وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ حَالَ قَوْلِهَا فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ. (وَإِنْ قَالَتْ) خَالِعْنِي (عَلَى مَا فِي يَدِيَ مِنْ دَرَاهِمَ وَ) الْحَالُ (لَا شَيْءَ فِي يَدِهَا لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا دِرْهَمٌ تُؤْمَرُ بِإِتْمَامِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَهُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ فِي يَدِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةٌ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ كَانَ حَانِثًا لِأَنَّ مِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَكُونُ صِلَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ كَانَ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ كَانَ صِلَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِيَ دَرَاهِمَ كَانَ الْكَلَامُ مُخْتَلًّا، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ لَا أَشْتَرِي الصَّيْدَ قِيلَ إنَّمَا يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى الْجِنْسِ إذَا كَانَ احْتِمَالُ كُلِّ الْجِنْسِ فِيهِ مُتَصَوَّرًا وَلَا تَصَوُّرَ هُنَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا وَقِيلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ هُنَا زَائِدَةٌ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (وَإِنْ قَالَتْ) خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِيَ (مِنْ مَالٍ) أَوْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَتَاعٍ وَالْحَالُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا (لَزِمَهَا رَدُّ مَهْرِهَا) إنْ كَانَ مَقْبُوضًا أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مَتَى أَطْعَمَتْهُ فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تُسَلِّمْ لَهُ لِفَقْدِهِ وَعَدَمِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ حَيْثُ أَطْعَمَتْهُ فِي مَالٍ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِالْبَدَلِ فَإِذَا فَاتَ الشُّرُوطُ الْمَطْمَعَ فِيهِ زَالَ مِلْكُهُ مَجَّانًا فَيَلْزَمُهَا أَدَاءُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْ رَدِّهِ فَيَلْزَمُهَا رَدُّ قِيمَتِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالِهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَهْرِ، وَإِنْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا مَتَاعَ لَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِهَا الْآبِقِ) صِفَةُ الْعَبْدِ (عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ الْعَبْدُ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (لَا تَبْرَأُ) الْمَرْأَةُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ (وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إنْ أَمْكَنَ) التَّسْلِيمُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ (فَقِيمَتُهُ) لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلِذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ

الشَّرْطُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ) فَتُجْعَلُ الْأَلْفُ ثَلَاثًا كُلُّ ثُلُثٍ بِمُقَابَلَةِ وَاحِدَةٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهَا بِإِزَاءِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا دَفْعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (وَبَانَتْ) لِوُجُوبِ الْمَالِ (وَفِي عَلَى) أَلْفٍ (يَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا شَيْءٍ) أَيْ مَجَّانًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ كَلِمَةُ عَلَى (كَالْبَاءِ) فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى أَنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ، لَهُ كَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا لِلْعِوَضِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَانَ مُبْتَدَأً فَوَقَعَ فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) نَفْسَهَا (وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَالزَّوْجُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ فَلَأَنْ تَرْضَى بِبَعْضِهَا كَانَ أَوْلَى. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ) فِي الْمَجْلِسِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِلْقَبُولِ وَهَذَا مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْوَاقِعُ بِهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ بَائِنٌ، وَلَوْ تَرَكَ هَاهُنَا وَذَكَرَ لُزُومَ الْمَالِ وَالْقَبُولِ ثَمَّةَ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَوْلَى تَأَمَّلْ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت نِصْفَ هَذِهِ التَّطْلِيقَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِالْأَلْفِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَانَ بَاطِلًا. (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ فِي الْأُولَى (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ فِي الثَّانِيَةِ حَالَ كَوْنِهِمَا (مَجَّانًا وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَقْبَلَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَزُفَرُ (لَا) تَطْلُقُ وَلَا يَعْتِقُ (مَا لَمْ يَقْبَلَا) الْأَلْفَ (وَإِذَا قَبِلَا لَزِمَ الْمَالُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَلَك الْأَلْفُ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَقَالَ طَلَّقْتُك عَلَى الْأَلْفِ الَّتِي سَمَّيْتهَا إنْ قَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ وَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا مَجَّانًا عِنْدَهُ لِلْمُخَالَفَةِ وَعِنْدَهُمَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ مُجِيبٌ بِالْوَاحِدَةِ مُبْتَدِئٌ بِالْبَاقِي، وَإِنْ ذَكَرَ الْأَلْفَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ وَإِذَا قَبِلَتْ الْكُلَّ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَطْ وَإِنْ قَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَالْخُلْعُ) كَالطَّلَاقِ

ما يبطل به الخلع

بِمَالٍ (مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تَبْذُلُ مَالًا لِتَسْلَمَ نَفْسُهَا وَفَرَّعَ بِقَوْلِهِ (فَيَصِحَّ رُجُوعُهَا) عَنْ إيجَابِهَا (قَبْلَ قَبُولِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (بَعْدَمَا أَوْجَبَتْ) بِأَنْ قَالَتْ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ اخْتَلِعْنِي عَلَى كَذَا وَكَذَا فَرَجَعَتْ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهِ بَطَلَ الْإِيجَابُ. (وَ) يَصِحُّ (شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) أَيْ شَرْطُ الزَّوْجِ الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ فَلَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ أَوْ طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ جَازَ وَبَطَلَ الْخِيَارُ إنْ رَدَّتْ فِي الثَّلَاثِ وَطَلُقَتْ إنْ لَمْ تَرُدَّ فِيهِ وَلَزِمَ الْبَدَلُ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يَصِحُّ الْخِيَارُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَ الْبَدَلُ. [مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخُلْعُ] (وَيَبْطُلُ) الْخُلْعُ (بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا هِيَ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ غَابَ وَبَلَغَهُ وَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ. (وَ) الْخُلْعُ (يَمِينٌ فِي حَقِّهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ قَبُولِهَا الْمَالَ (فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَمَا أَوْجَبَ) قَبْلَ قَبُولِهَا كَمَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ خِيَارُهُ لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا كَمَا لَا يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ (وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا) بَلْ يَصِحُّ إنْ قَبِلَتْ كَمَا لَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِهَا بَلْ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَيَصِحُّ مِنْهُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْوَقْتِ. (وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ كَجَانِبِهَا) فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِهِ فَتُعْتَبَرُ أَحْكَامُهَا وَيَمِينًا مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ أَحْكَامُ الْيَمِينِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِ الْمَوْلَى فَإِذَا قَالَ الْمَوْلَى لَهُ بِعْت نَفْسَك بِكَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِسْ عَلَيْهِ شَرْطَ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ بَلْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ وَقَبُولِهَا شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَتِمُّ الْيَمِينُ بِلَا قَبُولٍ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْيَمِينِ إقْرَارًا بِالْحِنْثِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ بَلْ هِيَ ضِدَّهُ وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُودَ الشَّرْطِ. (وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ) يَعْنِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ بَلْ قَبِلْت (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ

أحكام المبارأة

الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ يَكُونُ رُجُوعًا فِيهِ فَلَا يُسْمَعُ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ ادَّعَى الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ وَهِيَ تُنْكِرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ بِحَالِهَا وَعَكْسُهُ لَا. [أَحْكَام الْمُبَارَأَةُ] (وَالْمُبَارَأَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَرِيئًا لِلْآخَرِ مِنْ الدَّعْوَى، وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (كَالْخُلْعِ وَيُسْقِطُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ (كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ) الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْخُلْعَ فِي الْفَاسِدِ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ وَقَيَّدَهُ بِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يُسْقِطَانِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ فَرَّعَ فَقَالَ (فَلَا تُطَالِبُ هِيَ بِمَهْرٍ وَلَا نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ مَفْرُوضَةٍ) بِالْقَضَاءِ وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِالذِّكْرِ، وَالسُّكْنَى لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا أَوْ تُعْطِي الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا فَيَصِحُّ إلْزَامُهَا ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا شَرَطَا الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ إنْ وَقَتَّا لِذَلِكَ وَقْتًا كَسَنَةٍ مَثَلًا صَحَّ وَلَزِمَ وَإِلَّا لَا. وَفِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ تُرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الْفَطِيمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ شَهْرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَطَالَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَهُ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ صَحَّ فِي الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ (وَلَا) يُطَالَبُ (هُوَ بِنَفَقَةٍ عَجَّلَهَا وَلَمْ تَمْضِ مُدَّتُهَا) أَيْ مُدَّةِ النَّفَقَةِ الْمُعَجَّلَةِ (وَلَا بِمَهْرٍ سَلَّمَهُ) إلَيْهَا

(وَخُلْعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ) لِأَنَّ جَمِيعَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا يُسْقِطَانِهَا جَمِيعًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةُ (لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ فِيهِمَا) أَيْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمُبَارَأَةِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ فَلْيُطَالَبْ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ. (وَلَوْ خَلَعَ) الْأَبُ (صَغِيرَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا) أَوْ عَلَى مَهْرِهَا (لَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا وَطَلُقَتْ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ خَلَعَتْ الْمَرْأَةُ بِمَالِهَا أَوْ مَهْرِهَا وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْمُرَادُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذْ الْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَبَائِنٌ وَبِالطَّلَاقِ رَجْعِيٌّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهُوَ لَمْ يُجِزْ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِهِ يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ وَقَيَّدَ بِالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ خُلْعُ الصَّغِيرِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ (وَفِي الْكَبِيرَةِ يَتَوَقَّفُ) الْخُلْعُ (عَلَى قَبُولِهَا) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّ. (وَلَوْ خَلَعَ) الْأَبُ (عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ) لِبَدَلِ الْخُلْعِ صَحَّ وَ (لَزِمَهُ) أَيْ الْأَبَ (الْمَالُ وَطَلُقَتْ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى.

(وَلَوْ شَرَطَ) الزَّوْجُ (الْمَالَ عَلَيْهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ (طَلُقَتْ بِلَا شَيْءٍ إنْ قَبِلَتْ) الصَّغِيرَةُ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ بِأَنْ كَانَتْ تَعْقِلُ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِهَا الْمَالَ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ أَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ أَوْ كَانَ الْمُخَالِعُ أَجْنَبِيًّا وَلَمْ يَضْمَنْ (فَلَا تَطْلُقُ) اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ بِدُونِ ذِكْرِ شَيْءٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَبَرِئَ عَنْ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمُعَجَّلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. (وَ) لَوْ خَلَعَ الْمَرِيضَةَ مَرَضَ الْمَوْتِ (يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الْخُرُوجِ.

كتاب البيوع

[كِتَاب الْبُيُوع] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ وَفِيهِ الْيَدُ فَنَزَلَ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْوُجُودِ فَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيمِ وَهِيَ جَمْعُ بَيْعٍ بِمَعْنَى مَبِيعٍ، كَضَرْبِ الْأَمِيرِ. وَالْمَبِيعَاتُ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَجْنَاسٌ مُتَفَاوِتَةٌ أَوْ جَمْعُ الْمَصْدَرِ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ وَيُسَمَّى مُقَايَضَةً أَوْ بِالثَّمَنِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُورُ أَوْ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ وَهُوَ الصَّرْفُ أَوْ دَيْنٍ بِثَمَنٍ وَهُوَ السَّلَمُ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ يُسَمَّى مُسَاوَمَةً أَوْ اُعْتُبِرَ مَعَ زِيَادَةٍ فَهُوَ الْمُرَابَحَةُ أَوْ بِدُونِهَا فَهُوَ التَّوْلِيَةُ أَوْ مَعَ النَّقْصِ فَهُوَ الْوَضْعِيَّةُ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ كَعُلُومٍ فِي جَمْعِ عِلْمٍ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ عَلَى الْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ وَالْإِدْخَالِ فِيهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» . أَيْ لَا يَشْتَرِي عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الشِّرَاءُ لَا الْبَيْعُ وَيَقَعُ غَالِبًا عَلَى إخْرَاجِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَيَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ نَحْوَ بَاعَهُ الشَّيْءَ وَبَاعَهُ مِنْهُ وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ فَيُقَالُ بِعْت الشَّيْءَ وَبِعْت لَك فَهِيَ زَائِدَةٌ وَابْتَاعَ زَيْدٌ الدَّارَ بِمَعْنَى اشْتَرَاهَا وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَيْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَكَذَا الشِّرَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ. وَيَقَعُ غَالِبًا عَلَى إخْرَاجِ الثَّمَنِ عَنْ الْمِلْكِ قَصْدًا. ثُمَّ الْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِصُدُورِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِحُكْمِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَهَذَا كَمَا فِي الْحِسِّيَّاتِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي إيجَادِ السَّرِيرِ إلَى النَّجَّارِ وَهُوَ مِثْلُ الْعَاقِدِ فِي مَسْأَلَتِنَا

وَإِلَى الْآلَةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَإِلَى النَّجْرِ وَهُوَ مِثْلُ إخْرَاجِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ وَإِلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْحِكْمَةِ: إنَّ الْعِلَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، آلِيَّةٍ كَالْفَأْسِ وَمَحَلِّيَّةٍ كَالْخَشَبِ وَفَاعِلِيَّةٍ كَالنَّجَّارِ وَحَالِيَّةٍ كَالنَّجْرِ. وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَسَائِلُ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ عِنْدَ دُخُولِ الْمُفْسِدِ مِنْ حَيْثُ الْأَهْلُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنَّ بِذَلِكَ يَخْتَلِفُ الْأَمْرُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدُ أَهْلًا. وَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عِنْدَ تَوَقُّفِ الْأَهْلِيَّةِ وَكَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَبِالسُّنَّةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَبِالْمَعْقُولِ (الْبَيْعُ) فِي الشَّرْعِ (مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ) لَمْ يَقُلْ بِالتَّرَاضِي لِيَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ مُنْعَقِدٌ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ

قَيْدٌ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ لِإِخْرَاجِ مُبَادَلَةِ رَجُلَيْنِ مَالَهُمَا بِطَرِيقِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً. انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ تَبَرُّعًا مَحْضًا لَا مُبَادَلَةً فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمُبَادَلَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ وَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدٍ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا. (وَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ أَيْ يَحْصُلُ شَرْعًا (بِإِيجَابٍ) هُوَ كَلَامُ أَوَّلِ مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَالَ إنْشَاءِ الْبَيْعِ سُمِّيَ بِالْإِيجَابِ مُبَالَغَةً لِكَوْنِهِ مُوجِبًا أَيْ مُثْبِتًا لِلْآخَرِ خِيَارَ الْقَبُولِ (وَقَبُولٍ) أَيْ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ أَوْ بِسَبَبِهِمَا وَهُوَ كَلَامُ ثَانِي مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِنْ أَرْكَانِهِ فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى الْفَاءِ فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِهِ الْأَرْبَعَةِ: الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ وَالْمَوْقُوفَ وَالْبَاطِلَ. كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْوَكِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي الْأَبِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الْأَبُ إذَا اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَصْلًا فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ فَقَالَ بِعْتُ هَذَا مِنْ وَلَدِي فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ: بِعْت. أَمَّا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ لَا يَكُونُ هُوَ أَصْلًا فِي اللَّفْظِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْمَالَ لِوَلَدِي لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ وَيَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ بِعْتُ. وَمِنْهَا الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ أَوْ يَشْتَرِي مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَمِنْهَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ لِلْقَاضِي بِأَمْرِ الْقَاضِي وَمِنْهَا الْعَبْدُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَضَاءٌ وَقَضَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ فَلَا يَمْلِكُ كَمَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْيَتِيمَةِ مِنْ نَفْسِهِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي كَبِعْت وَاشْتَرَيْت) لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَالشَّرْعُ قَدْ اعْتَبَرَ الْإِخْبَارَ إنْشَاءً فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَلِأَنَّ الْمَاضِيَ إيجَابٌ وَقَطْعٌ وَالْمُسْتَقْبَلَ عِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ وَلِهَذَا انْعَقَدَ بِالْمَاضِي. وَفِي الْقُنْيَةِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ وَبَيَّنَ التَّوْفِيقَ بَيْنَ قَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُضَارِعِ الْحَالَ يَنْعَقِدُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ وَالْوَعْدَ لَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ. وَفِي التُّحْفَةِ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ يَنْعَقِدُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَأَمَّا بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ لَا إلَّا بِالنِّيَّةِ. قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَامَةَ الرِّضَى، وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَالِ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَى وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ الْمَاضِي. فَقَوْلُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ: أَحَدَهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ مَحَلُّهُ مَا إذَا خَلَا عَنْ النِّيَّةِ أَوْ مُرَادُهُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمُصَدَّرُ

بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ) فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَلَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَفَصَّلَ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ أَفَنْدِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فِي حَاشِيَتِهِ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الْمُحِيطِ سَمَاعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ. وَلَوْ سَمِعَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَقَالَ الْبَائِعُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ وَقْرٌ لَمْ يُصَدَّقْ (وَمَا دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُمَا) أَيْ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ أَعْطَيْت أَوْ بَذَلْت أَوْ رَضِيت أَوْ جَعَلْت لَك هَذَا بِكَذَا فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى بِعْت وَقَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَرْت أَوْ قَبِلْت أَوْ فَعَلْت أَوْ أَجَزْت أَوْ أَخَذْت وَقَدْ يَقُومُ الْقَبْضُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. . (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِالتَّعَاطِي) لِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ الرِّضَى وَقَدْ وُجِدَ وَحَقِيقَتُهُ وَضْعُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا قَالُوا وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْطَاءٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ وَيُكْتَفَى بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ مَعَ التَّعَاطِي بِعَدَمِ الرِّضَى. وَفِي الْمِنَحِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَثْبُتُ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَبِهَذَا يَنْتَظِمُ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ. وَفِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ التَّعَاطِي التَّنَاوُلُ وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِعْطَاءَ مِنْ جَانِبٍ وَالْأَخْذَ مِنْ جَانِبٍ لَا الْإِعْطَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ. وَفِي الْكَرْخِيِّ وَبِهِ يُفْتَى وَاكْتَفَى الْكَرْمَانِيُّ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَلَا يَجُوزُ (فِي النَّفِيسِ) كَالْعَبِيدِ وَالْجَوَاهِرِ (وَالْخَسِيسِ) كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْخَسِيسِ دُونَ النَّفِيسِ. (وَلَوْ قَالَ خُذْهُ بِكَذَا فَقَالَ أَخَذْت أَوْ رَضِيت صَحَّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ خُذْهُ أَمْرٌ بِالْأَخْذِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْته مِنْك فَخُذْهُ فَقُدِّرَ الْبَيْعُ اقْتِضَاءً فَيَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ وَفَرَّقَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْقَبُولِ بِنَعَمْ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ الْبَائِعُ بِالْإِيجَابِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ بَدَأَ الْبَائِعُ فَقَالَ بِعْت عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي نَعَمْ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ وَإِنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ جَوَابٌ. (وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَلِلْآخَرِ

أَنْ يَقْبَلَ كُلَّ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْخِطَابِ أَوْ بِالرَّسُولِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَسُولِهِ قُلْ لِفُلَانٍ بِعْت عَبْدِي مِنْهُ بِكَذَا فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ اشْتَرَيْت أَوْ بِالْكِتَابِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَفِيرٌ فَمَجْلِسُهُ كَمَجْلِسِ الْعَقْدِ بِالْخِطَابِ فَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْهُ فَبَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ هُوَ رَجُلٌ آخَرُ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقُلْ بَلِّغْهُ فَبَلَّغَهُ فَقَبِلَ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ اتِّفَاقًا كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَفِي الزَّاهِدَيَّ لَوْ قَالَ بِعْنِي مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَضَرَ الْغَائِبُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ اشْتَرَيْت صَحَّ (أَوْ يَتْرُكُ) كُلَّ الْمَبِيعِ بِعَيْنٍ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ غَيْرُ مُجْبَرٍ فَيَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ فَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ فَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّرَوِّي، وَالْمَجْلِسُ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْتَدُّ بَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ (لَا) يَقْبَلُ آخَرُ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا (بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ كُلَّ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضَهُ بِكُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ صَحَّ التَّفْرِيقُ يَزُولُ الْجَيِّدُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَبْقَى الرَّدِيءُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي يَرْغَبُ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا فَرَّقَ الْبَائِعُ الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ يَتَضَرَّرُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآخَرُ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ قَبُولِهِ فِي الْبَعْضِ وَيَكُونَ الْمَبِيعُ بِمَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ (إلَّا إذَا بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) مِمَّا قَبِلَ الْآخَرُ وَمِمَّا تَرَكَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِالتَّفْرِيقِ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى إيجَابَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَمَّا إذَا كَرَّرَ فِي الْبَيَانِ لَفْظَ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ بِعْت هَذَا بِدِرْهَمٍ وَبِعْت هَذَا بِدِرْهَمٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُكَرِّرْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ لَفْظِ بِعْت عِنْدَهُ وَبِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا (أَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي لَوْ كَانَا قَاعِدَيْنِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا (عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ) ظَرْفٌ لَرَجَعَ وَقَامَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (بَطَلَ الْإِيجَابُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِدُونِ الْقَبُولِ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْمُشْتَرِي فَفِي رُجُوعِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَائِعِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فَفِي رُجُوعِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَمَلُّكُهُ الْمَبِيعَ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوجِبِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ لِلْآخَرِ وَبِأَنَّ حَقَّ

التَّمَلُّكِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالرُّجُوعِ وَلَهُمَا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنْ قِيلَ الصَّرِيحُ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الرُّجُوعُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيجَابَ بَطَلَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّصْرِيحُ بَعْدَهُ وَفِي الْفَتْحِ وَعَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَأَمَّا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ وَلَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَجَابَ عَلَى فَوْرِ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا جَازَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَازِلِ إذَا أَجَابَ بَعْدَمَا مَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ جَازَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَمْشِيَانِ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ الْإِيجَابُ إلَّا فِي مَكَان آخَرَ بِلَا شُبْهَةٍ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ لَا يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ فَفَرَغَ مِنْهَا وَأَجَابَ صَحَّ. وَكَذَا فِي نَافِلَةٍ فَضَمَّ إلَى رَكْعَةِ الْإِيجَابِ أُخْرَى ثُمَّ قَبِلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْمَلَهَا أَرْبَعًا وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ كُوزٌ فَشَرِبَ ثُمَّ أَجَابَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَكْمَلَ لُقْمَةً لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ إلَّا إذَا اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَامَا مُضْطَجِعَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ وَاقِفَيْنِ فَسَارَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْإِيجَابُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَكِنْ يَتَشَاغَلُ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ بَطَلَ الْإِيجَابُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا إنَّ مَا فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ قَوْلِهِ (أَوْ قَامَ أَيُّهُمَا) لَمْ يَقُلْ عَنْ مَجْلِسِهِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْ الْمَجْلِسِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ فِيهِ كَلَامٌ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ بِدُونِ الْقِيَامِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ الْقِيَامِ تَبَدُّلُ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ مُطْلَقًا تَدَبَّرْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ ثُمَّ قَبِلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِالْقُعُودِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا. وَفِي الْقُنْيَةِ رَجُلٌ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ الَّذِي فِي السَّطْحِ بِعْته مِنْك بِكَذَا فَقَالَ اشْتَرَيْت صَحَّ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرَى صَاحِبَهُ وَلَا يَلْتَبِسُ الْكَلَامُ لِلْبُعْدِ وَكَذَا إذَا تَعَاقَدَا وَبَيْنَهُمَا النَّهْرُ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ. (وَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) مِنْ الْمُتَقَاعِدَيْنِ (لَزِمَ الْبَيْعُ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِهِمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ وَلَا إلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ بَعْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (بِلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ) إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُ بِهِ بَلْ لَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَإِنَّ التَّفَرُّقَ عَرَضٌ يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَهُوَ الْأَبْدَانُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَفِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا إضْرَارٌ لِلْآخَرِ فَلَا يَثْبُتُ وَالْخِيَارُ فِيمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْمَقْبُولِ وَتَفَرُّقُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَشْتَرِي لِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ بَيْعِهِمَا» وَهَذَا لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رُكْنٌ مَا وَهِيَ حَالَةُ الْهَيْئَةِ وَقِسْمٌ

وُجِدَ فِيهِ رُكْنَانِ وَقِسْمٌ وُجِدَ فِيهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَنَقُولُ هَذَا الِاسْمُ وَهُوَ كَوْنُهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ صُدُورِ الرُّكْنَيْنِ وَبَعْدَهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ فِي الْأَوَّلِ وَبِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الثَّانِي وَفِيمَا إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ مُرَادًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُرَادًا وَالْآخَرُ مُحْتَمَلٌ لِلْإِرَادَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُطَالَعْ. (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْعِوَضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ) مَبِيعًا كَانَ أَوْ ثَمَنًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْعِوَضِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الثَّمَنِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. وَقَالَ سَعْدِي أَفَنْدِي وَتَقْرِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْوَاضِ الْأَثْمَانُ فَتَأَمَّلْ فِي التَّرْجِيحِ (بِلَا مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ مَعَهَا لَا تُقْضَى إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ وَالْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ فَإِنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِجِنْسِهَا مَثَلًا لَا يَجُوزُ بِالْإِشَارَةِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَا السَّلَمُ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِلَا مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ كَعَشْرَةٍ وَنَحْوِهَا وَصِفَتِهِ كَكَوْنِهِ مِصْرِيًّا أَوْ دِمَشْقِيًّا لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَيُعَرَّى الْعَقْدُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ هَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ وَفِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِمَتَاعٍ عِنْدَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يَعْرِفَا مِقْدَارَهُ جَازَ كَمَا فِي الزَّاهِدِي. (وَ) يَصِحُّ الْبَيْعُ (بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) مَعْنَاهُ إذَا بِيعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهَا قَدْرٌ لِأَنَّهُ لَوْ بِيعَ بِجِنْسِهِ وَجَمَعَهُمَا قَدْرٌ لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ قُيِّدَ بِمَعْلُومٍ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْأَجَلِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْبَائِعُ يُطَالَبُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يَأْبَاهَا فَيَفْسُدُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ، أَوْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اتِّفَاقَا عَلَى قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقُيِّدَ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يَصِحُّ الْأَجَلُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْمِنَحِ لَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا انْصَرَفَ إلَى شَهْرٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ فِي السَّلَمِ وَالْيَمِينُ فِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ أَجَلٌ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي حَلَّ الْمَالُ فَإِنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يُنَجِّزَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلَ. (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَجَلِ سَنَةٍ) غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ (فَمَنَعَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ)

وَلَمْ يُسَلِّمْهُ (حَتَّى مَضَتْ) السَّنَةُ (ثُمَّ سَلَّمَ) الْمَبِيعَ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي (أَجَلُ سَنَةٍ أُخْرَى) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَإِيفَاءِ الثَّمَنِ بِوَاسِطَتِهِ وَكَانَ إلَى سَنَةٍ مَجْهُولًا عَلَى سَنَةٍ مَبْدَؤُهَا قَبْضُ الْمَبِيعِ عُرْفًا مُحَصِّلًا لِفَائِدَةِ التَّأْجِيلِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا أَجَلَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ لِأَنَّهُ أَجَّلَهُ سَنَةً وَقَدْ مَضَتْ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَى رَمَضَانَ. وَفِي الْبَحْرِ عَلَيْهِ أَلْفٌ ثَمَنُ جَعْلِهِ الطَّالِبَ نُجُومًا إنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ حَلَّ الْبَاقِي فَالْأَمْرُ كَمَا شَرَطَا. (وَإِنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ) وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ قَيْدِ وَصْفِ الثَّمَنِ بَعْد أَنْ سَمَّى قَدْرَهُ بِأَنْ قَالَ بِعْته بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا. (فَإِنْ اسْتَوَتْ مَالِيَّةُ النُّقُودِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا (وَرَوَاجُهَا صَحَّ) الْبَيْعُ (وَلَزِمَ مَا قُدِّرَ) مِنْ عَشَرَةٍ وَغَيْرِهِ (مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ) أَيْ مِنْ الْأُحَادِيِّ أَوْ الثُّنَائِيِّ أَوْ الثُّلَاثِيِّ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثَ مِنْ الثَّالِثِ مُتَسَاوِيَاتٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ فَالْمُشْتَرِي يُعْطِي أَيَّ نَوْعٍ يُرِيدُ إذْ لَا نِزَاعَ عِنْدَ عَدَمِ تَفَاوُتِ الْمَالِيَّةِ وَهُوَ الْمَانِعُ فِي الْجَوَازِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رَوَاجًا فَمِنْ الْأَرْوَجِ) أَيْ أَرْوَجِ النُّقُودِ فِي الْبَلَدِ إذْ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ الْمُعَامَلَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ بِبَصْرَةَ بِكَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الثَّمَنُ حَتَّى وُجِدَ الْمُشْتَرِي بِبُخَارَى يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِعِيَارِ بَصْرَةَ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ. (وَإِنْ اسْتَوَى رَوَاجُهَا لَا مَالِيَّتُهَا) بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ (مَا لَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ فَإِذَا بَيَّنَ تَنْدَفِعُ الْجَهَالَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَيَصِحُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا أَوْ تَخْتَلِفَ فِيهِمَا أَوْ تَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الِاسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالصِّحَّةُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ أَيْضًا وَفِيمَا إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الطَّعَامِ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا يَقَعُ فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَكُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَيْلًا) فِي الْكَيْلِيِّ (وَوَزْنًا) فِي الْوَزْنِيِّ وَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِكَيْلِهِ فَهُوَ كَيْلِيٌّ أَبَدًا وَمَا وَرَدَ بِوَزْنِهِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا، وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ

يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ (وَكَذَا) يَصِحُّ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ (جُزَافًا) وَهُوَ الْبَيْعُ بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ (إنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ نِصْفُ الصَّاعِ. (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ (بِإِنَاءٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ) بَيْعُ الْوَزْنِيِّ بِوَزْنِ (حَجَرٍ مُعَيَّنٍ) كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُدْرَى قَدْرُهُ) إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِنَاءُ النُّقْصَانَ، وَالْحَجَرُ التَّفَتُّتَ، كَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ فَإِنْ احْتَمَلَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِوَزْنِ شَيْءٍ يَخِفُّ إذَا جَفَّ كَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَالْحَالَ، وَهَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ نَادِرٌ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا رَوَاهُ حَسَنٌ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي الْبَيْعَ حَالًا فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّفَتُّتُ، وَالْجَافُّ فِي الْحَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَمَلَ التَّفَتُّتَ وَالْجَفَافَ أَوْ لَا إلَّا فِي السَّلَمِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَحْتَمِلُهُمَا فَيَحْتَاجُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقَصْعَةِ وَالْخَزَفِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْقُفَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قُرْبِ الْحَالِ اسْتِحْسَانًا بِالتَّعَامُلِ فِيهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً) وَهِيَ بِالضَّمِّ مَا جُمِعَ مِنْ الطَّعَامِ (كُلَّ صَاعٍ) بَدَلٌ مِنْ صُبْرَةٍ (بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي صَاعٍ) وَاحِدٍ (فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ مَا سَمَّاهُ وَهُوَ الصَّاعُ الْوَاحِدُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالثَّمَنِ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ وَمَا وَرَاءَهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَتَهَا) أَيْ جُمْلَةَ صِيعَانِهَا فِي الْعَقْدِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ صَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَصِحُّ فِي جُمْلَتِهَا لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كِيلَ) مَجْهُولُ كَالَ (أَوْ سُمِّيَ) مَجْهُولُ سَمَّى (جُمْلَتَهَا) أَيْ جُمْلَةَ الصِّيعَانِ (فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْبَيْعِ ظَرْفٌ لِكَيْلٍ وَسَمَّى عَلَى طَرِيقِ

التَّنَازُعِ وَفِي إطْلَاقِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُ مُطْلَقًا أَمَّا فِي كَيْلِهَا وَتَسْمِيَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ فَلِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ فِي ابْتِدَاءِ بَيْعِ الصَّغِيرَةِ وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي ظَنِّهِ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي ظَهَرَ فَلَمَّا انْكَشَفَ الْحَالُ بِكَيْلِهَا أَوْ تَسْمِيَتِهَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَأَمَّا فِي عَدَمِ كَيْلِهَا وَعَدَمِ تَسْمِيَتِهَا فَلِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ اشْتَرَى صُبْرَةً وَانْعَقَدَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَطِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدَةِ مِنْهَا مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ. (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (لَوْ بَاعَ ثَوْبًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ أَطْلَقَ الثَّوْبَ تَبَعًا لِمَا فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ وَقَيَّدَهُ الْعَتَّابِيُّ بِثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ أَمَّا فِي الْكِرْبَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ فِي ذِرَاعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّعَامِ لِأَنَّ التَّبْعِيدَ لَا يَضُرُّهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ فَإِذَا وُجِدَ التَّفَاوُتُ فِي جِنْسِ الثَّوْبِ اُعْتُبِرَ الْحُكْمُ فِي الْكُلِّ تَدَبَّرْ وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ خَشَبَةٍ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ جَانِبٍ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَقْبَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فَسَادُهُ وَلَكِنْ لَوْ قُطِعَ وَسُلِّمَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْأَوْرَاقَ بِأَغْصَانِهَا وَكَانَ مَوْضِعُ قَطْعِهَا مَعْلُومًا وَمَضَى وَقْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ. (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ) كَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْعَبِيدِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْمُتَقَارِبِ كَالْجَوْزِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةِ (يَصِحُّ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ (فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَالْقَطِيعِ وَالثَّوْبِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهَا تَزُولُ بِالْكَيْلِ وَالْعَدِّ وَالزَّرْعِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَانِعًا وَلِأَنَّ قِيَامَ طَرِيقِ الْمَعْرِفَةِ كَقِيَامِ حَقِيقَةِ الْمَعْرِفَةِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا لِتَأْخِيرِ دَلِيلِهِمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالزَّاهِدِي وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ وَضَعْت ضَابِطًا فَقِيهًا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ لِكَلِمَةِ كُلٍّ بَعْدَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ فِي الْمُنَكَّرِ وَأَجْزَائِهِ فِي الْمُعَرَّفِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِفْرَادَ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُعْلَمُ نِهَايَتُهَا فَإِنْ لَمْ تُفْضِ الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ، كَمَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ عَنْهُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا فِي الْمَجْلِسِ فَهِيَ عَلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا كَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ

وَالْكَفَالَةِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الْإِفْرَادُ مُتَفَاوِتَةً لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ كَبَيْعِ قَطِيعٍ كُلِّ شَاةٍ بِكَذَا وَصَحَّ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا كَالصُّبْرَةِ وَالْأَصَحُّ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ عِنْدَهُ كَالصُّبْرَةِ انْتَهَى. (وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فَكِيلَتْ (فَوُجِدَتْ أَقَلَّ) مِنْ الْمِائَةِ عَشَرَةً مَثَلًا (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ الْمِائَةِ فَخُيِّرَ إنْ شَاءَ (أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَقَلَّ) أَيْ التِّسْعِينَ (بِحِصَّتِهِ) بِالْكَسْرِ أَيْ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ وَأَسْقَطَ ثَمَنَ مَا عُدِمَ لِعَدَمِ ضَرَرِهِ مِنْ النُّقْصَانِ (أَوْ فَسَخَ) الْبَيْعَ إنْ شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ رِضَائِهِ بِالْأَقَلِّ (وَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِي الْكَمْيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ قَدْرٌ وَأَصْلٌ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ بَلْ الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مِائَةَ قَفِيزٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ بِلَا خِيَارٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إجْمَاعًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَوْ قَبَضَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا خِيَارٍ لَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَفِي الْمَذْرُوعِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَ أَقَلَّ فَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ (يَأْخُذُ الْأَقَلَّ بِكُلِّ الثَّمَنِ) أَيْ مَجْمُوعِهِ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِإِعْطَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ نَافِعٌ لِلْبَائِعِ لِأَخْذِهِ الثَّمَنَ بِلَا نُقْصَانٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الْمَذْرُوعِ لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ الطُّولِ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ (أَوْ يَفْسَخُ) أَيْ إنْ شَاءَ يَفْسَخُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ حَقِيقَةً إذْ لَمْ يُوجَدْ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ فَيَكُونُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهِ التَّعَاطِي (وَالزَّائِدُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بِلَا زِيَادَةٍ قَضَاءً وَلَيْسَ لَهُ دِيَانَةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بِلَا خِيَارٍ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ فِي الْكَمْيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ صِفَةٌ وَتَبَعٌ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوُجِدَ سَلِيمًا فَالْبَائِعُ لَا يُخَيَّرُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ قَدْرٌ وَأَصْلٌ فَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ لَا يَتَعَيَّبَانِ بِالتَّبْعِيدِ وَمِنْ حَيْثُ الذَّرْعُ وَصْفٌ وَتَبَعٌ فَالذَّرُوعُ يَتَعَيَّبُ بِهِ. وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي أَقَلَّ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إنْ شَاءَ (أَخَذَ الْأَقَلَّ بِحِصَّتِهِ) أَيْ بِحِصَّةِ الْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ هُنَا أَصْلٌ مَقْصُودٌ بِقَوْلِهِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَنَزَلَ كُلُّهُ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ يَتْرُكُهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا لَمْ يُوجَدْ تَامًّا لَا يُوجَدُ الْعَقْدُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَاطِي. (وَكَذَا الزَّائِدُ) أَيْ لَوْ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِ كُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَنَى بِقَوْلِهِ (كُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ)

أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّرِعَانِ الْمُسَمَّاةِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ إلَى غَايَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْتِزَامِ الزَّائِدِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا إلَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بَطَلَ الْبَيْعُ. وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَصَحَّ بَيْعُ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ) أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ (مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ دَارٍ) أَوْ غَيْرِهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مِنْهَا اسْمٌ لِجُزْءٍ شَائِعٍ وَالسَّهْمُ أَيْضًا اسْمٌ لِشَائِعٍ لَا لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَبَيْعُ الشَّائِعِ جَائِزٌ فَيَصِيرُ مَنْ لَهُ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ شَرِيكًا لِمَنْ لَهُ تِسْعُونَ سَهْمًا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ (لَا) يَصِحُّ (بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْهَا) مِنْ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ قَدْرًا وَمَجْهُولٌ مَحَلًّا لِتَفَاوُتِ جَوَانِبِ الدَّارِ فِي الْقِيمَةِ فَصَارَ كَبَيْعِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ جُمْلَةَ الذِّرَاعَانِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ جُمْلَتَهَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَسْهُمِ وَالْأَذْرُعِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ لِأَنَّ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْهَا عُشْرُهَا كَعَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ فَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِأَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ. (وَلَوْ بَاعَ عِدْلًا) عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مِقْدَارِهِ وَمِنْهُ عِدْلُ الْحَمْلِ (عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ) بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَإِذَا هُوَ أَقَلُّ) مِنْ الْمُسَمَّى (أَوْ أَكْثَرُ) مِنْ الْمُسَمَّى (فَسَدَ الْبَيْعُ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِثَمَنِ الْمَعْدُومِ الْمُتَفَاوِتِ فِي الْأَقَلِّ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّ مَا زَادَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِيمَا بَيْنَ الْجُمْلَةِ فَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ وَالتَّعَارُضِ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا نَخْلًا مُثْمِرًا فَوَجَدَ فِيهَا نَخْلَةً لَا تُثْمِرُ فَسَدَ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ بَاعَ عِدْلًا أَوْ غَنَمًا وَاسْتَثْنَى وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَلَوْ بِعَيْنِهِ جَازَ الْبَيْعُ. (وَلَوْ فَصَّلَ الثَّمَنَ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعِدْلَ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ كُلُّ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ (فَكَذَا) يَفْسُدُ الْبَيْعُ (فِي الْأَكْثَرِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدَ عَشَرَ مَثَلًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْعَشَرَةَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الثَّوْبِ الزَّائِدِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ جَيِّدًا أَوْ رَدِيًّا وَلِجَهَالَتِهِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ أَيْضًا مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْأَقَلِّ بِحِصَّتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ تِسْعَةً مَثَلًا لِأَنَّ حِصَّةَ الْمَعْدُومِ مَعْلُومَةٌ وَهُوَ دِرْهَمٌ لِكُلِّ ثَوْبٍ فَتَكُونُ حِصَّةُ الْبَاقِي مَعْلُومَةً أَيْضًا (وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي) إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَفَرُّقِ

فصل فيما يدخل في البيع تبعا بغير تسمية وما لا لا يدخل

الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. (وَإِنْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَخَذَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (الْمُشْتَرِي بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (لَوْ) كَانَ الثَّوْبُ (عَشَرَةً وَنِصْفًا بِلَا خِيَارٍ) لِحُصُولِ النَّفْعِ الْخَالِصِ. (وَ) يَأْخُذُ الثَّوْبَ الْمُشْتَرِي (بِتِسْعَةِ) دَرَاهِمَ (لَوْ) كَانَ الثَّوْبُ (تِسْعَةً وَنِصْفًا بِخِيَارٍ) لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ فَعِنْدَ عَدَمِهِ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُخَيَّرُ) الْمُشْتَرِي (فِي أَخْذِهِ بِأَحَدَ عَشَرَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ عَشَرَةً وَنِصْفًا. (وَ) يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِأَخْذِهِ (بِعَشَرَةٍ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ تِسْعَةً وَنِصْفًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلِهِ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ انْتَقَصَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا وَجَدَهُ عَشَرَةً وَنِصْفًا (بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَفِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا وَجَدَهُ تِسْعَةً وَنِصْفًا (بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدَّرَاهِمِ مُقَابَلَةَ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ قِيلَ هَذَا فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ وَأَمَّا الْكِرْبَاسُ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ وَلَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ فَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ. [فَصَلِّ فِيمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَمَا لَا لَا يَدْخُلُ] ُ وَالْأَصْلُ إنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ عُرْفًا أَوْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ أَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَمَرَافِقِهِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ صَرِيحٍ وَنَعْنِي بِالْقَرَارِ الْحَالَ الثَّانِيَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا وُضِعَ لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ بِالْآخِرَةِ لَيْسَ بِاتِّصَالِ قَرَارٍ وَمَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ مِنْهُ فَهُوَ اتِّصَالُ قَرَارٍ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ (يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِلَا ذِكْرٍ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَكَذَا مِفْتَاحُ غَلْقٍ مُتَّصِلٍ بِبَابِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَهُوَ الْقُفْلُ فَإِنَّهُ وَمِفْتَاحُهُ

لَا يَدْخُلَانِ وَالْبِنَاءُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْمَبْنِيِّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْبَابُ وَالسُّلَّمُ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَالسَّرِيرُ كَالسُّلَّمِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ السُّلَّمُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِدُونِهِ. وَفِي الْمِنَحِ وَيَدْخُلُ الْحَجَرُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّحَى وَكَذَا الْأَعْلَى اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَتْ مُرَكَّبَةً فِي الدَّارِ لَا الْمَنْقُولَةُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى بَيْتَ الرَّحَى بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الشُّرُوطِ أَنَّ لَهُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ قَدْرُ نُحَاسٍ مَوْصُولًا بِالْأَرْضِ وَقِيلَ الْحَجَرُ الْأَعْلَى لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا يَدْخُلُ الْأَشْجَارَ فِي صَحْنِهَا وَالْبُسْتَانُ فِيهَا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الدَّارِ وَمِفْتَحُهُ فِيهَا يَدْخُلُ وَإِنْ أَكْبَرَ أَوْ مِثْلَهَا لَا وَكَذَا تَدْخُلُ الْبِئْرُ الْكَائِنَةُ فِي الدَّارِ وَالْبَكَرَةُ عَلَى الْبِئْرِ وَلَا يَدْخُلُ الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ الْمُعَلَّقَاتُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا قَالَ بِمَرَافِقِهَا. وَفِي التَّبْيِينِ وَثِيَابُ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثِيَابًا مُرْتَفِعَةً إذَا الْعُرْفُ فِيهِمَا جَارٍ عَلَى ثِيَابِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الَّذِي عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى غَيْرَهُ وَخِطَامُ الْبَعِيرِ وَالْحَبْلُ الْمَشْدُودُ فِي عُنُقِ الْحِمَارِ وَالْحِزَامُ وَالْبَرْدَعَةُ وَالْإِكَافُ يَدْخُلُ لِلْعُرْفِ بِخِلَافِ سَرْجِ الدَّابَّةِ وَلِجَامِهَا وَالْحَبْلِ الْمَشْدُودِ عَلَى قَرْنِ الْبَقَرِ وَالْجُلِّ وَفَصِيلِ النَّاقَةِ وَفَلْوِ الرَّمَكَةِ وَجَحْشِ الْأَتَانِ وَالْعُجُولِ وَالْحُمْلَانِ إنْ ذَهَبَ بِهِ مَعَ الْأُمِّ إلَّا مَوْضِعَ الْبَيْعِ دَخَلَ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَإِلَّا فَلَا. (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ) بِلَا ذِكْرِ مُثْمِرَةٍ كَانَتْ الْأَشْجَارُ أَوْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْأَرْضِ لِلْقَرَارِ فَتَدْخُلُ تَبَعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً إلَّا الْيَابِسَةَ فَإِنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَلْعِ فَهِيَ كَالْحَطَبِ الْمَوْضُوعِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فِيهَا أَشْجَارٌ صِغَارٌ تُحَوَّلُ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَتُبَاعُ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ تُقْلَعُ مِنْ أَصْلِهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَفِي الْبَحْرِ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا قُطْنٌ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ وَأَمَّا أَصْلُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْكُرَّاثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فَمَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ وَمَا كَانَ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ مِنْ أُصُولِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَدْخُلُ. وَفِي الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ إنَّ مَا كَانَ لِقَطْعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ كَالثَّمَرِ فَلَا يَدْخُلُ وَمَا لَيْسَ بِقَطْعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَدْخُلُ كَالشَّجَرِ وَشَجَرَةُ الْخِلَافِ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ لَهُ سَاقٌ وَلَا يُقْطَعُ أَصْلُهُ حَتَّى كَانَ شَجَرًا وَأَصْلُ الْآسِ وَالزَّعْفَرَان لِلْبَائِعِ وَالْقَصَبُ فِي الْأَرْضِ كَالثَّمَرِ وَأَمَّا عُرُوقُهَا فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقَوَائِمُ الْخِلَافِ وَالْبَاذِنْجَانِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ جَعَلَ قَوَائِمَ الْخِلَافِ كَالثَّمَرِ بَلَغَ أَوْ لَا انْقَطَعَ أَوْ لَا وَبِهِ يُفْتَى. (وَلَوْ أَطْلَقَ شِرَاءَ شَجَرَةٍ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ بِأَنَّ شِرَاءَهَا لِلْقَطْعِ أَوْ لِلْقَرَارِ (دَخَلَ مَكَانَهَا) أَيْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْأَرْضِ بِمِقْدَارِ غِلَظِهَا فِي الْبَيْعِ

(عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) لِتَضَمُّنِهِ الْقَرَارَ إذْ الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْمُسْتَقَرِّ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا قَرَارَ بِدُونِهَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالشَّجَرَةِ لِفُلَانٍ تَدْخُلُ أَرْضُهَا وَكَمَا لَوْ اقْتَسَمَهَا وَقِيلَ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ سَاقِهَا وَقِيلَ بِقَدْرِ ظِلِّهَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَقِيلَ بِقَدْرِ عُرُوقِهَا الْعِظَامِ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا فَإِنْ عَيَّنَ يَدْخُلُ الْمُعَيَّنُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ دَخَلَ عَيْنُهَا وَلَا غَيْرُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ لِلْقَطْعِ إذْ الْأَرْضُ الْأَصْلُ وَالشَّجَرُ تَبَعٌ فَلَوْ دَخَلَتْ الْأَرْضُ يَصِيرُ الْأَصْلُ تَبَعًا قَيَّدَ بِالْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لِلْقَطْعِ لَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ اتِّفَاقًا وَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلْقَرَارِ دَخَلَتْ مَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْأَرْضِ بِقَدْرِ غِلَظِهَا دُونَ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ الْعُرُوقُ اتِّفَاقًا. (وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ) بِلَا ذِكْرٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ الْمَوْضُوعَ فِي الْبَيْتِ. (وَلَا) يَدْخُلُ (الثَّمَرُ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ إلَّا بِاشْتِرَاطِهِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِ دُخُولِ الزَّرْعِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَدُخُولِ الثَّمَرِ فِي بَيْعِ الشَّجَرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» أَيْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت مَعَ زَرْعِهِ أَوْ مَعَ ثَمَرِهِ فَتَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَوْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً تَدْخُلُ وَإِلَّا لَا. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ذَكَرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ) لِأَنَّهُمَا تَرْجِعُ إلَى مِثْلِ الْمَسِيلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ لَا إلَى الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فِيهَا أَوْ مِنْهَا مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ مَرَافِقِهَا لَا يَدْخُلُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا دَخَلَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الثَّمَرِ الْمَجْذُوذِ أَوْ الزَّرْعِ الْمَحْصُودِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ (وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ) عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الدُّخُولِ (اقْلَعْهُ) أَيْ الزَّرْعَ (وَاقْطَعْهَا) أَيْ الثَّمَرَ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِمَا أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (وَسَلَّمَ الْمَبِيعُ) فَإِنَّ التَّسْلِيمَ لَازِمٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّخْلِيَةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِلْبَائِعِ تَرْكُهَا حَتَّى يَظْهَرَ صَلَاحُ الثَّمَرِ وَيُسْتَحْصَدَ

الزَّرْعُ. (وَكَذَا لَا يَدْخُلُ) فِي بَيْعِ الْأَرْضِ (حَبٌّ بُذِرَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ صِفَةُ حَبٍّ (وَلَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ) أَوْ نَبَتَ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ وَتُعْرَفُ قِيمَتُهُ بِتَقَوُّمِ الْأَرْضِ مَبْذُورَةً وَغَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مَبْذُورَةً أَكْثَرَ عُلِمَ أَنَّهُ صَارَ مُتَقَوِّمًا. (وَإِنْ نَبَتَ) الْبَذْرُ (وَلَمْ تَصِرْ لَهُ قِيمَةٌ) بَعْدُ (دَخَلَ) فِي الْبَيْعِ (وَقِيلَ لَا) يَدْخُلُ وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الصَّوَابَ الدُّخُولُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ وَالْإِسْبِيجَابِيّ وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي غَيْرِ الثَّابِتِ بَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَعْفَنْ أَوْ لَا فَإِنْ عَفِنَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَفَنَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَصَارَ كَجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ. وَفِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ عَدَمَ الدُّخُولِ إلَّا بِالذِّكْرِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ دُخُولَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَحَّحَ عَدَمُ الدُّخُولِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ إلَّا قَبْلَ النَّبَاتِ فَالصَّوَابُ دُخُولُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الثَّمَرُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ. (وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بَدَا صَلَاحُهَا أَوْ لَمْ يَبْدُ) مِنْ الْبُدُوِّ بِالضَّمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الظُّهُورُ (صَحَّ) لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ إمَّا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِبَدَا صَلَاحُهَا لِأَنَّ بَيْعَهَا قَبْلَ الْبُدُوِّ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْمُنْتَفَعِ بِهِ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، وَبَعْدَمَا تَنَاهَتْ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا إذَا أُطْلِقَ، وَأَمَّا بِشَرْطِ التَّرْكِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ سَيَأْتِي فَصَارَ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْبَيْعُ بَعْدَ الظُّهُورِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا أَيْ بِلَا شَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا بِشَرْطِ التَّرْكِ، فَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ الْآنَ أَكْلًا وَعَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَقِيلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ لِعَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْحِيلَةِ فِي جَوَازِهِ بِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ أَنْ يَبِيعَ الْكُمَّثْرَى أَوَّلَ مَا تَخْرُجُ مَعَ الْأَوْرَاقِ فَيَجُوزُ فِيهَا تَبَعًا لِلْأَوْرَاقِ كَأَنَّهُ وَرَقٌ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لَوْ مُطْلَقًا. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَعِنْدَنَا عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ أَنْ يَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ وَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ظُهُورُ النُّضْجِ وَمُبَادِئِ الْحَلَاوَةِ (وَيَقْطَعُهَا الْمُشْتَرِي لِلْحَالِ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي. (وَإِنْ شَرَطَ تَرْكَهَا) أَيْ الثَّمَرَةِ (عَلَى الشَّجَرَةِ) حَتَّى تُدْرَكَ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شُغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ لِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ لِلْمَنْفَعَةِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ إعَارَةٌ فِي بَيْعٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي الْغَايَةِ بِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يُقَالُ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ

وَجَوَابُهُ أَنَّهُ صَفْقَةٌ فَاسِدَةٌ فِي صَفْقَةٍ صَحِيحَةٍ فَفَسَدَتَا جَمِيعًا انْتَهَى هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً وَإِنْ بَاطِلَةً فَلَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ إجَارَةَ النَّخِيلِ بَاطِلَةٌ وَالْبَاطِلُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْدُومِ الْمُضْمَحِلِّ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مُتَضَمِّنًا فَيَلْزَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ لَا تُوجَدَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ تَأَمَّلْ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً أَيْ وَلَوْ كَانَ (بَعْدَ تَنَاهِي عِظَمِهَا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ مَا زَادَ وَحَدَثَ مِنْ التَّرْكِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ مَجْهُولٌ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ يَفْسُدُ فِي الْمُتَنَاهِيَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ. وَفِي الْمُنْتَقَى ضَمَّ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ. وَفِي التُّحْفَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ التَّعَامُلَ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ التَّرْكِ وَإِنَّمَا كَانَ بِالْإِذْنِ بِالتَّرْكِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ (وَكَذَا) يَفْسُدُ (شِرَاءُ الزَّرْعِ) بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قَرَرْنَا. (وَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الثَّمَرَةَ الْغَيْرَ الْمُتَنَاهِيَةَ عَلَى الشَّجَرِ (بِإِذْنِ الْبَائِعِ بِلَا اشْتِرَاطِ) تَرْكِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ (طَابَ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الزِّيَادَةُ) الْحَاصِلَةُ فِي ذَاتِ الثَّمَرَةِ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ. (وَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الثَّمَرَةَ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ الْبَائِعِ (تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهَا) لِحُصُولِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ وَيُعْرَفُ مِقْدَارُ الزَّائِدِ بِالتَّقْوِيمِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَيَوْمَ الْإِدْرَاكِ وَمَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ زَائِدًا. (وَإِنْ) تَرَكَهَا أَيْ الثَّمَرَةَ (بَعْدَمَا تَنَاهَتْ) بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَى أَنْ تُدْرَكَ (لَا يَتَصَدَّقُ) الْمُشْتَرِي (بِشَيْءٍ) لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا صَارَتْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يَتَحَقَّقُ زِيَادَةٌ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَغَيُّرُ وَصْفٍ وَهُوَ مِنْ أَثَرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) الْمُشْتَرِي (الشَّجَرَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا عَنْ التَّرْكِ وَالْقَطْعِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الثَّمَرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ (وَطَابَتْ الزِّيَادَةُ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَالْحَاجَةِ فَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَتَطِيبُ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) الْمُشْتَرِي (الْأَرْضَ لِتَرْكِ الزَّرْعِ) إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ (فَسَدَتْ) الْإِجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْإِدْرَاكُ إذَا تَعَجَّلَ الْحَرُّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إذَا طَالَ الْبَرْدُ (وَلَا تَطِيبُ الزِّيَادَةُ) الْحَاصِلَةُ فِيهَا لِلْخُبْثِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ

الْإِذْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلًا إذْ الْبَاطِلُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْدُومِ الْمُضْمَحِلِّ وَالْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ مُتَضَمِّنًا فَصَارَ الْإِذْنُ مَقْصُودًا وَلَا كَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَا كَانَ مَوْجُودًا بِأَصْلِهِ فَائِتًا بِوَصْفِهِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مُتَضَمِّنًا لِلْإِذْنِ وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يَقْتَضِي فَسَادَ مَا فِي الضِّمْنِ فَيَفْسُدُ الْإِذْنُ فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ. وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ أَثْمَرَتْ) الشَّجَرَةُ (ثَمَرًا آخَرَ) بَعْدَ شِرَاءِ الْمَوْجُودِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) بِتَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ (فَسَدَ الْبَيْعُ) إنْ لَمْ يُحَلِّلْ لَهُ الْبَائِعُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَعَدَمِ التَّمْيِيزِ هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْحَادِثُ بِالْمَوْجُودِ فَإِنْ عُرِفَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَكَذَا إذَا حَلَّلَ لَهُ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَلَوْ) أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ ثَمَرًا آخَرَ (بَعْدَ الْقَبْضِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَا يَفْسُدُ بِالِاخْتِلَاطِ وَلَكِنَّهُمَا (يَشْتَرِكَانِ) فِيهِ لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ (وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِ الْحَادِثِ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَكَذَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْبِطِّيخُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ أَحَدُهَا إذَا خَرَجَ الثِّمَارُ كُلُّهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَحُكْمُهُ مَا مَضَى وَثَانِيهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اتِّفَاقًا وَثَالِثُهَا أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ أَكْثَرَ وَيُجْعَلُ الْمَعْدُومُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ اسْتِحْسَانًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْفَضْلِ يُفْتِيَانِ بِهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بَيْعَ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ وَقَدْ رَأَيْت فِي هَذَا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ الْوَرْدَ لَا يَخْرُجُ جُمْلَةً وَلَكِنْ يَتَلَاحَقُ الْبَعْضُ الْبَعْضَ ثُمَّ جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَخْلَصُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُصُولَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّطَبَةِ لِيَكُونَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ. وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَشِيشِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَيَسْتَأْجِرُ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَعْلَمُ غَايَةَ الْإِدْرَاكِ وَانْقِضَاءَ الْغِرَاسِ فِيهَا لِبَاقِي الثَّمَرِ وَفِي ثِمَارِ الْأَشْجَارِ يَشْتَرِي الْمَوْجُودَ وَيَحِلُّ لَهُ الْبَائِعُ مَا يُوجَدُ فَإِنْ خَافَ أَنْ يَرْجِعَ يَفْعَلُ كَمَا قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْإِذْنِ فِي تَرْكِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ كَانَ مَأْذُونًا فِي التَّرْكِ بِإِذْنٍ جَدِيدٍ فَيَحِلُّ لَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ انْتَهَى. (وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةً) عَلَى شَجَرَةٍ (وَاسْتَثْنَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ الْمَجْذُوذَةَ أَوْ غَيْرَهَا (أَرْطَالًا مَعْلُومَةً صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ بِالْعِبَارَةِ وَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ وَجَهَالَةُ قَدْرِهِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَهُ مُجَازَفَةً جَائِزٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا جَازَ

بَيْعُهُ ابْتِدَاءً يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ كَبَيْعِ صُبْرَةٍ إلَّا قَفِيزًا، وَقَفِيزٌ مِنْ صُبْرَةٍ بِخِلَافِ الْحَمْلِ وَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ابْتِدَاءً (وَقِيلَ لَا) يَصِحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَالطَّحَاوِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ لِجَهَالَةِ الْبَاقِي وَهُوَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ، كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ أَفْسَدَ الْبَيْعَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ لَازِمٌ فِي اسْتِثْنَاءِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الْأَشْجَارِ وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ مُبْطِلَةٌ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنَّ مَا لَا يُفْضِي إلَيْهَا يَصِحُّ مَعَهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَدْ تَرَاضَيَا عَلَى شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَعَلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مُصَحَّحًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْمِنَحِ وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ رِوَايَةَ عَدَمِ الْجَوَازِ هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَحْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا عَنْ الْإِمَامِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. ثُمَّ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا فَإِنْ اسْتَثْنَى جُزْءًا كَرُبْعٍ وَثُلُثٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّمَرُ مَجْذُوذًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا جَازَ وَقَيَّدَ بِالْأَرْطَالِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى رِطْلًا وَاحِدًا جَازَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ) وَالشَّعِيرِ وَالْعَدَسِ حَالَ كَوْنِهِ (فِي سُنْبُلِهِ إنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) وَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ لَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا. (وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْبَاقِلَاءِ) هُوَ بِالْقَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ، أَوْ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ الْحَبُّ الْمَعْرُوفُ (فِي قِشْرِهِ وَالْأُرْزُ وَالسِّمْسِم وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (اللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالتَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ (وَالْجَوْزِ فِي قِشْرِهَا الْأَوَّلِ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْأَعْلَى تَنْصِيصًا عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُجَوِّزُ بَيْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَهُ فِي بَيْعِ السُّنْبُلَةِ قَوْلَانِ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَعَلَى الْبَائِعِ تَخْلِيصُهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَى الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلِلشَّافِعِيِّ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَسْتُورًا بِشَيْءٍ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فَصَارَ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ أَيْ كَبَيْعِ تُرَابِ الْفِضَّةِ بِتُرَابِ الْفِضَّةِ أَوْ بِالْفِضَّةِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُزْهِي وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ» وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بَعْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ قِشْرِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى لَكِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إلْزَامِ الشَّافِعِيِّ بِمَذْهَبِهِ فِي الْمَفْهُومِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا عِنْدَنَا فَيَكُونُ جَوَابًا إلْزَامِيًّا عَلَى مَذْهَبِهِ وَيُسَمَّى جَدَلًا فَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ بِهِ اعْتِرَاضُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ تَأَمَّلْ. (وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ) فِي مِثْلِ الْبُرِّ لِلْكَيَّالِ (وَعَدُّ الْمَبِيعِ)

أَيْ أُجْرَةُ الْعَدِّ فِي مِثْلِ الْغَنَمِ لِلْعَدَّادِ (وَوَزْنُهُ) أَيْ أُجْرَةُ الْوَزْنِ فِي مِثْلِ الْعَسَلِ لِلْوَزَّانِ (وَزَرْعُهُ) أَيْ أُجْرَةُ الذَّرْعِ فِي مِثْلِ الْكِرْبَاسِ وَالْكَتَّانِ لِلذِّرَاعِ (عَلَى الْبَائِعِ) فِيمَا بِيعَ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَالْعَدِّ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ وَكَذَا مَا كَانَ مِنْ تَمَامِهِ قُيِّدَ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ صَبَّ الْحِنْطَةِ فِي الْوِعَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَكَذَا إخْرَاجُ الطَّعَامِ مِنْ السَّفِينَةِ وَكَذَا قَطْعُ الْعِنَبِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا عَلَيْهِ وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ بَاعَهُ جُزَافًا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ إذَا خَلَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَكَذَا قَطْعُ الثَّمَرَةِ إذَا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَصَبُّهَا فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَيْضًا هُوَ الْمُخْتَارُ. (وَأُجْرَةُ نَقْدِ الثَّمَنِ) أَيْ تَمَيُّزُ جَيِّدِهِ عَنْ رَدِيئِهِ (وَوَزْنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَى تَعْيِينِ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَكَذَا مُؤْنَةُ تَمْيِيزِ الْجَيِّدِ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الزَّاهِدِي وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ بِعَيْبِ الزِّيَافَةِ فَإِنَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَأَمَّا أُجْرَةُ نَقْدِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمَدْيُونِ إلَّا إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ الدَّيْنَ ثُمَّ ادَّعَى عَدَمَ النَّقْدِ فَالْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَفِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ) أَيْ بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ (سَلَّمَ هُوَ أَوْ لَا) أَيْ سَلَّمَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْمَبِيعِ إذَا وَقَعَ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ الثَّمَنَ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقَدَّمُ دَفْعُ الثَّمَنِ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي تَعْيِينِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا وَإِنْ غَائِبًا فَلَا يُسَلِّمُ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ عَلَى مِثَالِ الرَّاهِنِ مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْبَيْعُ (مُؤَجَّلًا) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ أَوَّلًا بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَإِنْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّهُ بِالتَّأْجِيلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ. (وَفِي بَيْعِ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ) هَذَا بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ عَلَى مَا مَرَّ (أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ) وَيُسَمَّى هَذَا بَيْعُ الصَّرْفِ (سَلَّمَا مَعًا) تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي الْعَيْنِيَّةِ وَالدَّيْنِيَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا بِالدَّفْعِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ الْمُوجِبِ لِلْبَرَاءَةِ. وَفِي التَّجْرِيدِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَكَذَا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ وَفِي الْأَجْنَاسِ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ التَّسْلِيمِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى صِفَةٍ يَتَأَتَّى فِيهِ النَّقْلُ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ وَأَنْ يَكُونَ مُفْرِزًا، غَيْرَ مَشْغُولٍ بِحَقِّ غَيْرِهِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ الْمَتَاعُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ لَا يُمْنَعُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْمَتَاعِ وَالْبَيْتِ صَحَّ

وَصَارَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ الْقَبْضُ أَنْ يَقُولَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فَاقْبِضْهُ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبَضْته فَلَوْ أَخَذَهُ بِرَأْسِهِ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَقَادَهُ فَهُوَ قَبَضَ دَابَّةً أَوْ بَعِيرًا وَإِنْ كَانَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً فَقَالَ الْمُشْتَرِي تَعَالَ مَعِي أَوْ امْشِ فَخَطَى مَعَهُ فَهُوَ قَبْضٌ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ وَفِي الثَّوْبِ إنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهُ فَاقْبِضْهُ فَقَالَ قَبَضْته فَهُوَ قَبْضٌ وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فِي بَيْتٍ وَدَفَعَ الْبَائِعُ الْمِفْتَاحَ لَهُ وَقَالَ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهَا فَهُوَ قَبْضٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ قَبْضًا وَلَوْ بَاعَ دَارًا غَائِبَةً فَقَالَ سَلَّمْتهَا إلَيْك فَقَالَ قَبَضْتهَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً كَانَ قَبْضًا وَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إغْلَاقِهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَعِيدَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ

باب الخيارات

فَلْيُطَالَعْ وَفِي التَّنْوِيرِ وَجَدَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ. قَبَضَ بَدَلَ الْجِيَادِ زُيُوفًا ثُمَّ عَلِمَ بِهَا يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ إنْ قَائِمَةً وَإِلَّا فَلَا. اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ اتِّفَاقًا. [بَابُ الْخِيَارَاتِ] [خِيَار الشَّرْط] بَابُ الْخِيَارَاتِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْعِلَلُ نَوْعَانِ عَقْلِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَا يَجُوزُ تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهَا كَالسَّوَادِ مَعَ الِاسْوِدَادِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ مَا إذَا وُجِدَ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ وَشَرْعِيَّةٌ كَالْبَيْتِ لِلْحَجِّ وَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ يَجُوزُ تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْ عِلَّتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَانِعَ أَنْوَاعٌ مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَمَا إذَا أَضَافَ الْبَيْعَ إلَى حُرٍّ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ كَمَا إذَا أَضَافَ إلَى مَالِ الْغَيْرِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَقُدِّمَ خِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى أَنْوَاعِهِ لِهَذَا. وَفِي الْبَحْرِ وَالْخِيَارَاتُ فِي الْبَيْعِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ خِيَارًا. خِيَارُ الشَّرْطِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ خِيَارُ الْعَيْبِ خِيَارُ الْغَبْنِ خِيَارُ الْكَمْيَّةِ خِيَارُ الِاسْتِحْقَاقِ خِيَارُ كَشْفِ الْحَالِ خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِهَلَاكِ الْبَعْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِيَارُ إجَازَةِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ خِيَارُ التَّعْيِينِ خِيَارُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ خِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ وَعَدَمِهِ (صَحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ) أَيْ الِاخْتِيَارُ لِلْفَسْخِ أَوْ الْإِجَازَةُ بِسَبَبِ شَرْطِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ فَالْخِيَارُ اسْمٌ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ وَهِيَ بَيْنَ الْفُصَحَاءِ وَالْفُقَهَاءِ شَائِعَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ صَحَّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالصِّحَّةِ شَرْطُ الْخِيَارِ لَا نَفْسُ الْخِيَارِ تَدَبَّرْ (لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُنْفَرِدًا (وَلَهُمَا مَعًا) أَيْ صَحَّ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا فِي مَبِيعٍ أَوْ بَعْضِهِ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِيَّةِ حَيْثُ قَالَ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَبْدًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ جَازَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ هُوَ الظَّرْفُ الْمُتَقَدِّمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأٌ عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} [الأعراف: 168] فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّجَاذُبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ

فِي الْفَتْحِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَدَّرَ مُدَّتُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا (لَا أَكْثَرَ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ يُغْبَنُ فِي الْبَيَّاعَاتِ إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَجْهُهُ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ أَوَّلًا فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَكِنَّهُ جَوَّزَ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مَا فَوْقَهَا. وَفِي الْبَحْرِ وَحِينَ وَرَدَ النَّصُّ بِهِ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ مَانِعًا لَهُ تَقْلِيلًا لِعَمَلِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَمْ نَجْعَلْهُ دَاخِلًا عَلَى أَصْلِ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ بِشَرْطٍ وَالْبَيْعُ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُقَالُ فِيهِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَلِلْخَالِي عَنْهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا (إلَّا إنْ أَجَازَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (فِي الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَكِنْ لَوْ ذَكَرَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَأَجَازَ فِي الثَّلَاثَةِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِ الْأَكْثَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا اعْتِبَارَ لِأَوَّلِهِ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْعَقْدِ فَقِيلَ انْعَقَدَ فَاسِدًا ثُمَّ يَعُودُ صَحِيحًا بِزَوَالِ الْمُفْسِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقِيلَ مَوْقُوفٌ عَلَى إسْقَاطِ الشَّرْطِ فَبِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الرَّابِعِ يَفْسُدُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ يَفْسُدُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إذَا شَرَطَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَوْ سَاعَةً فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ حَيْثُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِشْهَادِ (وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثِ (أَنَّ بَيْنَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّةَ مُدَّةٍ كَانَتْ) طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَجَازَ الْخِيَارَ إلَى شَهْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَقَدْ تَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْأَكْثَرِ فَشَابَهُ التَّأْجِيلَ فِي الثَّمَنِ قَيَّدَ بِمَعْلُومَةٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ قَالَ مُؤَبَّدًا فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتًا فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ. (وَإِنْ اشْتَرَى) شَخْصٌ شَيْئًا (عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ) الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا إذَا نَقَدَهُ فِي الثَّلَاثِ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَتْ فِيهِ الْإِقَالَةُ

فَهُوَ مُفْسِدٌ وَلَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَاعَ نَاقَةً بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا يُفْسِدُهُ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ إلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ أَصْلًا أَوْ ذَكَرَ وَقْتًا مَجْهُولًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا. (وَ) إنْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ (إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّفَكُّرُ وَشَرْطُ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ مُفْسِدٌ فَكَذَا هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ (إلَّا أَنْ يَنْقُدَ فِي الثَّلَاثَةِ) أَيْ اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَقَدَ فِي الثَّلَاثِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي شَرْطِ الْخِيَارِ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةِ) أَيَّامٍ (وَأَكْثَرَ) كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ كَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ لَكِنْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلًا بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطٍ إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ فَجَازَ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مُقْتَضَى النَّهْيِ لَكِنْ يُشْكِلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِتَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَهْرَيْنِ لِعَدَمِ الْأَثَرِ فِي الزِّيَادَةِ مَعَ أَنَّهَا يَجُوزُ تَأَمَّلْ. (وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ) وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَى الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ يُنَافِيهِ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ مِنْ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ وَغَيْرِهَا وَيَصِيرُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ فَيَخْرُجُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَدْخُلُ (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْمُشْتَرِي) سَوَاءٌ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ لَا (فَهَذَا) عِنْدَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي (لَزِمَهُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ لَا يَسْقُطُ

عَنْ الْمَبِيعِ الْهَالِكِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ إمْكَانِ اللُّزُومِ إذْ لَوْ لَزِمَ لَلَزِمَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَذَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ لَا يُبْطِلُ الْمُسَاوِمَةَ فَوَجَبَ الضَّمَانُ بِالْقِيمَةِ إنْ قِيَمِيًّا وَبِالْمِثْلِيِّ إنْ مِثْلِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمِثْلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْأَصْلِ فِي الضَّمَانِ قَيَّدْنَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَا الضَّمَانُ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَ بَعْدَ تَمَامِهَا. (وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ) خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ اتِّفَاقًا لَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي جَانِبِهِ وَيَمْنَعُ خُرُوجَ الثَّمَنِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي مَنْ لَهُ جَانِبٌ مِنْ الْخِيَارِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (لَزِمَ الثَّمَنُ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا قَرُبَ مِنْ الْهَلَاكِ يَكُونُ مَعِيبًا لَا يُمْكِنُ الرَّدُّ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ الْمُوجِبُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ. (وَكَذَا) لَزِمَ الثَّمَنُ (لَوْ تَعَيَّبَ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَكِنْ لَيْسَ بَاقِيًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ يَلْزَمُ وَلَا يَرْتَفِعُ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَمَّا مَا يَجُوزُ ارْتِفَاعُهُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ زَالَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ وَالْعَيْبُ قَائِمٌ لَزِمَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَيْبًا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ نَظِيرًا لَهَلَكَ يُفْهِمُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْهَلَاكُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ قَبَضَهُ أَوْ لَا تَأَمَّلْ. (إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي (لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي) عِنْدَ الْإِمَامِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ عَنْهُ فِي مِلْكِ

شَخْصٍ وَاحِدٍ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَيْ لَا يَصِيرَ سَائِبَةً بِغَيْرِ مَالِكٍ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا. (فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ) هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ وَيَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا. (وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ الزَّوْجَةَ الْمُشْتَرَاةَ بِالْخِيَارِ (فَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُشْتَرِي (رَدُّهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَطْءَ (بِالنِّكَاحِ) أَيْ بِحُكْمِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِبَقَائِهِ لَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ لِعَدَمِهِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا (إلَّا فِي الْبِكْرِ) فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَهَا وَهِيَ يَثْبُتُ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَوْ وَلَدَتْ) تِلْكَ الْمُشْتَرَاةُ أَوْ حَبِلَتْ مِنْهُ (فِي مُدَّتِهِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِالنِّكَاحِ (لَا تَصِيرُ) تِلْكَ الْمُشْتَرَاةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ الزَّوْجَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ لِأَنَّهُ وَلَدٌ وَالْفِرَاشُ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَامِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالنِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ الدَّعْوَةِ تَدَبَّرْ. وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا بَعْدَهُ سَقَطَ الْخِيَارُ اتِّفَاقًا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلَوْ وَلَدَتْ فِي مُدَّتِهِ بِالنِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ) أَرَادَ بِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ (أَوْ) اشْتَرَى (عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ مَلَكْت عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (فَهُوَ حُرٌّ لَا يُعْتَقَانِ فِي مُدَّتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ خِلَافًا لَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ اشْتَرَيْت لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَالْمُنْشِئِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَسَقَطَ الْخِيَارُ فَيُعْتَقُ عِنْدَ هُمْ جَمِيعًا (وَلَا يُعَدُّ حَيْضُ) الْجَارِيَةِ (الْمُشْتَرَاةِ بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ إذَا حَاضَتْ (فِي مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ الْخِيَارِ (مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ) عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ رَدَّتْ) الْجَارِيَةُ (بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَأَجْمَعُوا فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ يُفْسَخُ بِإِقَالَةٍ وَغَيْرِهَا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ قِيَاسًا وَبَعْدَهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَلَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ (الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ) أَيْ أَوْدَعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (عِنْدَهُ) الْبَائِعِ (فَهَلَكَ) فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا (فَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي (لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ)

فَلَا يَثْبُتُ الْإِيدَاعُ بَلْ يَصِيرُ رَدُّهُ لِرَفْعِ الْقَبْضِ فَيَقَعُ الْهَلَاكُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَعِنْدَهُمَا يَهْلَكُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَصَارَ مُودِعًا مَلَكَ نَفْسَهُ فَهَلَاكُهُ فِي يَدِ الْمُودَعِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ هَذَا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ لِلْبَائِعِ فَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَأَوْدَعَهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَقَبَضَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَقَبَضَ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ الْبَائِعَ فَهَلَكَ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا لِصِحَّةِ الْإِيدَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَوْ اشْتَرَى) الْعَبْدُ (الْمَأْذُونُ شَيْئًا بِهِ) أَيْ الْخِيَارِ (فَأَبْرَأهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ) فِي الْمُدَّةِ (يَبْقَى خِيَارُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ الرَّدُّ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (الرَّدُّ) بِالْخِيَارِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْذُونُ (يَلِي عَدَمَ التَّمَلُّكِ) كَمَا لَوْ وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ فَامْتَنَعَ عَنْ الْقَبُولِ وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَكَانَ الرَّدُّ وَالْفَسْخُ مِنْهُ تَمْلِيكًا مِنْ الْبَائِعِ بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ تَبَرُّعٌ وَالْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا. (وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ حِرَابَهُ) أَيْ بِالْخِيَارِ (فَأَسْلَمَ فِي مُدَّتِهِ بَطَلَ شِرَاؤُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (كَيْ لَا يَتَمَلَّكَهَا) أَيْ الْخَمْرَ (مُسْلِمًا بِالْإِجَازَةِ) وَعِنْدَهُمَا بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ هَذَا فِي إسْلَامِ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ وَصَارَ الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ (خِلَافًا لَهُمَا فِي الْجَمِيعِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ اشْتَرَى إلَى هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ قَوْلَهُمَا وَوَجْهَهُمَا عَقِيبَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ. مِنْهَا مَا إذَا تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ فِي بَيْعِ مُسْلِمَيْنِ فِي مُدَّتِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَمَلُّكِهِ وَعِنْدَهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْ رَدِّهِ. وَمِنْهَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَهُوَ سَاكِنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَاسْتَدَامَ سُكْنَاهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَهُوَ كَابْتِدَاءِ السُّكْنَى. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ اسْتِدَامَتُهَا اخْتِيَارٌ عِنْدَهُمَا لِمِلْكِ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ. وَمِنْهَا حَلَالٌ اشْتَرَى ظَبْيًا بِالْخِيَارِ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ وَالظَّبْيُ فِي يَدِهِ يُنْتَقَضُ عِنْدَهُ وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَيْعِ يُنْتَقَضُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَفَسَخَ الْعَقْدَ فَالزَّائِدُ تَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِجَازَةَ (يُجِيزُ) الْبَيْعَ (بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَغَيْبَتِهِ) فِي مُدَّتِهِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِهِ رَاضِيًا وَقْتَ إثْبَاتِ الْخِيَارِ (وَلَا يَفْسَخُ) الْبَيْعَ فِي مُدَّتِهِ (إلَّا بِحَضْرَتِهِ) وَالْمُرَادُ

بِالْحَضْرَةِ عِلْمُ صَاحِبِهِ أَوْ عِلْمُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْفَسْخَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ وَذَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ عِلْمِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ الْمُوَكِّلَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ عَزْلِهِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْخِيَارُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ يَفْسَخُ بِغَيْبَتِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ طَرَفِ صَاحِبِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ وَلَوْ كَانَ بِالْفِعْلِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْوَطْءِ يَجُوزُ بِلَا عِلْمِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ حُكْمِيٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ فِي الْحُكْمِيِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى هَذِهِ الْخِلَافِ وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ (فَإِنْ فَسَخَ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ (وَعَلِمَ بِهِ) الْآخَرُ (فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ) الْبَيْعُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْآخَرُ فِي الْمُدَّةِ بَلْ عَلِمَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ (تَمَّ الْعَقْدُ) لِوُجُودِ الرِّضَى دَلَالَةً حَيْثُ لَمْ يَتِمَّ الْفَسْخُ لَا يُقَالُ إنَّ فِي شَرْطِ الْعِلْمِ ضَرَرًا لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَفِيَ صَاحِبُهُ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِ الْخَبَرُ فِي مُدَّتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا يَحْضُرُهُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ وَكِيلًا يَثِقُ بِهِ حَتَّى إذَا بَدَا لَهُ الْفَسْخُ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَنَصَّبَ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ صَحَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ. (وَيَتِمُّ الْعَقْدُ أَيْضًا بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُورَثُ عَنْهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ لَهُ فِي الْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَنَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّأَمُّلُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ التَّأَمُّلِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَلِيمًا فَكَذَا الْوَارِثُ لَا أَنَّهُ وَرِثَ خِيَارَهُ كَذَا قَالُوا إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ وَهُوَ مَا إذَا غَرَّ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَوَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَقَيَّدَ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ اتِّفَاقًا. (وَكَذَا) يَتِمُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ (بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ أَوْ نَامَ أَوْ سَكِرَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْخِيَارُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَ) يَتِمُّ (بِالْأَخْذِ بِشُفْعَةٍ بِسَبَبِ الْمَبِيعِ) بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فِي مُدَّةٍ وَطَلَبَهَا بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ فَهَذَا الطَّلَبُ رِضًى بِتَمَلُّكِ الدَّارِ الْأُولَى لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ بِهَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْخِيَارِ وَإِجَازَةَ الشِّرَاءِ سَابِقًا إذْ الشُّفْعَةُ لَا تَصِيرُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَقَيَّدْنَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَلَوْ قَالَ وَبِالطَّلَبِ بِشُفْعَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ طَلَبَهَا مُسْقِطٌ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَلِهَذَا قُلْنَا فِي تَصْوِيرِهَا وَطَلَبِهَا بِطَرِيقِ

الشُّفْعَةِ تَدَبَّرْ. (وَ) يَتِمُّ (بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى) مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (كَالرُّكُوبِ لِغَيْرِ الِاخْتِبَارِ) أَيْ الِامْتِحَانِ فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ كَمَا لَوْ رَكِبَهَا لِيَرُدَّهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَعْلِفَهَا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ مَرَّةً لِلِامْتِحَانِ ثُمَّ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَهُوَ رِضًى وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا لَبِسَهُ مَرَّةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ الِاخْتِبَارِ نَظَرٌ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَوْ مِمَّا فِي حُكْمِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّظَرُ تَدَبَّرْ (وَالْوَطْءُ) وَالتَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ (وَالْإِعْتَاقُ وَتَوَابِعُهُ) أَيْ تَوَابِعُ الْإِعْتَاقِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِسْكَانِ وَالْمِرَمَّةِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّجْصِيصِ وَالْهَدْمِ وَرَعِي الْمَاشِيَةِ وَحَلْبِ الْبَقَرَةِ وَمُعَالَجَةِ الدَّابَّةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ دَلِيلُ الْمِلْكِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَوُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ. (وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) عَاقِدًا أَوْ غَيْرَهُ لِعُمُومِ الْغَيْرِ (جَازَ) الشَّرْطُ عِنْدَنَا وَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ كَالثَّمَنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ لِلْغَيْرِ نِيَابَةً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُشْتَرِي اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ جَازَ أَيْضًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَلِيَخْرُجَ اشْتِرَاطُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِغَيْرِهِ صَادِقٌ بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِجِيرَانِهِ إنْ عَدَّ أَسْمَاءَهُمْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (وَأَيُّهُمَا) أَيْ أَيٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْغَيْرِ أَوْ الْبَائِعِ (أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ فَسَخَ) الْبَيْعَ (صَحَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً. (وَإِنْ أَجَازَ) الْبَيْعَ وَاحِدٌ مِمَّنْ شُرِطَ الْخِيَارُ لَهُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْأَجْنَبِيِّ (وَفَسَخَ الْآخَرُ) الْبَيْعَ (اُعْتُبِرَ السَّابِقُ) رَدًّا كَانَ أَوْ إجَازَةً لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَتَصَرُّفُ الْآخَرِ بَعْدَهُ لَغْوٌ. (وَإِنْ كَانَا) أَيْ اللَّفْظَانِ وَهُمَا الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ (مَعًا) أَيْ مُجْتَمَعَيْنِ بِأَنْ أَجَازَ وَاحِدٌ وَفَسَخَ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا (فَالْفَسْخُ) أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ الْفَسْخُ

فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِلْفَسْخِ فَهُوَ تَصَرُّفٌ فِيمَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ فَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتُونِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ وَقِيلَ يُرَجَّحُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ نَقْضًا أَوْ إجَازَةً لِأَنَّ الصَّادِرَ عَنْ نِيَابَةٍ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلصَّادِرِ عَنْ أَصَالَةٍ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ تَفَاسَخَا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْفَسْخِ وَعَلَى إعَادَةِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا جَازَ. (وَلَوْ بَاعَ) شَخْصٌ (عَبْدَيْنِ) مُسَمَّيَيْنِ بِالْقَابِلِ وَالْمَقْبُولِ عَلَى أَنَّهُ (بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (فَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْخِيَارِ بِأَنْ يُقَالَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي الْقَابِلِ مَثَلًا (وَفَصَّلَ ثَمَنَ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ يُقَالَ الْقَابِلُ بِأَلْفٍ وَالْمَقْبُولُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ فَكَانَ الدَّاخِلُ فِيهِ غَيْرَهُ فَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدَّاخِلُ مَعْلُومًا وَثَمَنُهُ مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ إذْ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ وَلَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ إلَّا بِالتَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ الْخِيَارِ أَوْ أَنْ يُفَصِّلَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ أَنْ لَا يُفَصِّلَهُ وَيُعَيِّنَهُ (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَأَمَّا بَيْعُ عَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ فَجَائِزٌ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْ الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاوَتُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ لِأَنَّ ثَمَنَ الْكُلِّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَصِيرُ نِصْفُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَالْجَوَازَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ. (وَيَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ) لِلْمُشْتَرِي (وَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ (عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَيًّا شَاءَ) مِنْ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِأَجْلِهِ وَلَا يُمَكِّنُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ إلَيْهِ إلَّا فِي الْبَيْعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَالْجَهَالَةُ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ بِعَيْنِهَا بَلْ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ فِي الثَّلَاثِ لِتَعَيُّنِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِاشْتِمَالِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فَمَا فَوْقَهَا بَاقٍ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّخْصَةِ بِالْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ. وَفِي الْبَحْرِ يَجُوزُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ كَمَا يَجُوزُ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي (وَيَتَقَيَّدُ تَخْيِيرُهُ بِمُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى الِاخْتِلَافِ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ يَعْنِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمَا ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ مَعَ خِيَارِ التَّعْيِينِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْمَبْسُوطِ قَالُوا وَوَضْعُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ اتِّفَاقٌ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَالْمَبِيعُ وَاحِدٌ) مِنْ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ (فَلَوْ قَبَضَ) الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ بَطَلَ الْبَيْعُ (الْكُلَّ فَهَلَكَ) فِي يَدِهِ (وَاحِدٌ أَوْ تَعَيَّبَ) فِي يَدِهِ وَاحِدٌ (لَزِمَ الْبَيْعُ) بِالثَّمَنِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْهَالِكِ أَوْ الْمُتَعَيِّبِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِالْهَلَاكِ أَوْ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ عِنْدَهُ (وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَمَانَةِ) فِي يَدِهِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ أَحَدُهُمَا وَاَلَّذِي لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ قَبَضَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَا بِطَرِيقِ الْوَثِيقَةِ وَكَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَيَرُدُّهُ. (وَإِنْ هَلَكَ الْكُلُّ) فِي يَدِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (نِصْفُ ثَمَنِ كُلٍّ) إنْ كَانَتْ شَيْئَيْنِ (أَوْ ثُلُثَهُ) إنْ كَانَ ثَلَاثَةً لِشُيُوعِ الْبَيْعِ وَالْأَمَانَةِ مَعَ عَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُتَّفِقًا أَوْ مُخْتَلِفًا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَيَّبَا وَلَمْ يَهْلِكَا حَيْثُ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا لِأَنَّ الْمَعِيبَ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ وَكَذَا التَّعْيِينُ بِخِلَافِ الْهَالِكِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِابْتِدَائِهِ فَلَيْسَ لِتَعْيِينِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْعَيْبَ يَمْنَعُ مِنْ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ التَّعْيِينِ (رَدُّ الْكُلِّ) لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي أَحَدِهِمَا (إلَّا إنْ ضَمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى خِيَارِ التَّعْيِينِ (خِيَارَ الشَّرْطِ) فَحِينَئِذٍ لَهُ رَدُّ الْكُلِّ فِي مُدَّتِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي أَحَدِهِمَا فَيَرُدُّ بِحُكْمِ الْأَمَانَةِ وَفِي الْآخَرِ مُشْتَرٍ قَدْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ وَإِذَا مَضَتْ الْأَيَّامُ بَطَلَ خِيَارُ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُمَا وَبَقِيَ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَيَرُدُّ أَحَدَهُمَا. (وَيُورَثُ خِيَارُ التَّعْيِينِ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فَلِلْوَارِثِ رَدُّ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ كَانَ مَخْصُوصًا بِتَعْيِينِ مِلْكِهِ الْمَخْلُوطِ بِرِضَى صَاحِبِهِ فَكَذَا وَارِثُهُ حَيْثُ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مَخْلُوطًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ. (وَ) يُورَثُ خِيَارُ (الْعَيْبِ) لِأَنَّ الْمُوَرِّثَ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ غَيْرَ مَعِيبٍ فَكَذَا الْوَارِثُ فَلَهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ مَعِيبًا وَهَذَا مَعْنَى

الْإِرْثِ فِيهِمَا فَلَا يُنَافِي مَا قِيلَ أَنَّهُمَا لَا يُورَثَانِ أَيْ بِنَفْسِهِمَا كَيْفَ وَالْإِرْثُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ (لَا) يُورَثُ خِيَارُ (الشَّرْطِ، وَ) خِيَارُ (الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِلْعَاقِدِ بِالنَّصِّ، وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْوَارِثَ وَرِثَ الْمِلْكَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّتِ كَمَا كَانَ فَلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ فِي آخِرِ الْخِيَارَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى تَدَبَّرْ. (وَلَوْ اشْتَرَيَا) أَيْ الرَّجُلَانِ شَيْئًا (عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا) بِالْبَيْعِ بِأَنْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ (لَا يَرُدُّ الْآخَرُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ فَسْخَهُ كَانَ إلْزَامًا عَلَيْهِ لَا بِرِضَاهُ وَفِيهِ إبْطَالٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَقِّهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ حَقُّهُ وَلَهُ إنْ رَدَّ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يُوجِبُ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ أَعْنِي عَيْبَ الشَّرِكَةِ وَخَصَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ يَعْنِي اتِّفَاقًا فَإِنْ قُلْت بَيْعُهُ مِنْهُمَا رَضِيَ مِنْهُ بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ فَهُوَ رَضِيَ بِهِ فِي مِلْكِهِمَا لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ قَيَّدَ بِالْمُشْتَرِيَيْنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدًا وَفِي الْبَيْعِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافُ (خِيَارُ الْعَيْبِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَيَاهُ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ فِيهِ لَا الْآخَرُ. (وَ) خِيَارُ (الرُّؤْيَةِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ ثُمَّ رَآهُ أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ لَا الْآخَرُ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعَيْنِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ إجَازَةً أَوْ رَدًّا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ) . وَفِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَيْ عَبْدٌ حِرْفَتُهُ هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ أَحْيَانًا لَا يُسَمَّى خَبَّازًا (أَوْ كَاتِبٌ فَظَهَرَ) الْعَبْدُ (بِخِلَافِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ خَبَّازٍ أَوْ غَيْرَ كَاتِبٍ (أَخَذَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِكُلِّ الثَّمَنِ) الْمُسَمَّى إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا بَيْتًا أَوْ نَخْلَةً فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً جَازَ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ (أَوْ تَرَكَ) إنْ أَمْكَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ

فصل في خيار الرؤية

مَرْغُوبٌ بِهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَيَثْبُتُ بِفَوَاتِهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَبْدِ دُونَهُ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافُ نَوْعٍ لَا اخْتِلَافُ جِنْسٍ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِعَدَمِهِ بِخِلَافِ شِرَائِهِ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا رِطْلًا أَوْ عَبْدًا يَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مَجْهُولٌ لَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ عَلَى سَبِيلِ الْوَصْفِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا إذَا اشْتَرَى فَرَسًا عَلَى أَنَّهُ هِمْلَاجٌ أَوْ كَلْبًا عَلَى أَنَّهُ صَيُودٌ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، قَيَّدْنَا بِأَنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْمِنَحِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ شَرَطْنَا الْخِيَارَ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ وَالْمُضِيِّ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ. اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَرَدَّ غَيْرَهَا بَدَلَهَا قَائِلًا بِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ فَتَنَازَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ غَيَّرْت وَالْمَبِيعَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي التَّغْيِيرَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ وَجَازَ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ رَدِّهِ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَتْبِهِ وَخَبْزِهِ وَكَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَنَسِيَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ رَدَّهُ عَلَيْهِ. [فَصَلِّ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] ِ (مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْكِفَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْهِمَا مَوْجُودًا كَمَا إذَا اشْتَرَى زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ بُرًّا فِي جَوَالِقَ أَوْ ثَوْبًا فِي كُمٍّ أَوْ شَيْئًا مُسَمًّى مَوْصُوفًا أَوْ مُشَارًا إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ إذْ لَا خِيَارَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِ وَأَمَّا الثَّمَنُ الْعَيْنُ فَفِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ لَهُ أَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولُ الْوَصْفِ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ الْجَوَازَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» . وَفِي الْبَحْرِ وَأَرَادَ بِمَا لَمْ يَرَهُ مَا لَمْ يَرَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ فَصَارَتْ الرُّؤْيَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ وَمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ رُؤْيَةٍ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا وَمَا اشْتَرَاهُ الْأَعْمَى وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَرَى مَا يُذَاقُ فَذَاقَهُ لَيْلًا وَلَمْ يَرَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (رَدُّهُ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ (إذَا رَآهُ

مَا لَمْ يُوجَدْ) مِنْ الْمُشْتَرِي (مَا يُبْطِلُهُ) أَيْ الْخِيَارَ وَفِي الْبَحْرِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مُطْلَقٌ أَوْ مُؤَقَّتٌ فَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ بَعْدَهَا حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً وَقِيلَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَالْعِبْرَةُ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَاهُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (رَضِيَ قَبْلَهَا) أَيْ لَهُ الرَّدُّ إذَا رَآهُ وَإِنْ قَالَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ رَضِيت لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ شَرْعًا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمَا بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَزَالُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَبْطُلُ قَبْلَ وَقْتِهَا وَإِنْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَزُولُ كَمَا سَيَجِيءُ وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ فَجَائِزٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ لِأَنَّ اللُّزُومَ يُفِيدُ تَمَامَ الرِّضَى وَتَمَامُهُ بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَثْبَتَ الْخِيَارَ فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ وَلِقَضَاءِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الشِّرَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ آخِرًا رَجَعَ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِالْمُشْتَرِي كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ. (وَيُبْطِلُ) مِنْ الْإِبْطَالِ (خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ) مِنْ صَرِيحٍ وَدَلَالَةٍ وَضَرُورَةٍ فَمَا يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ لَا يُبْطِلُهَا إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ قَيْدٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى تَدَبَّرْ (مِنْ تَسْبِيبٍ فِي يَدِهِ وَتَعَيُّبٍ) قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِعَيْبٍ لَا يَرْتَفِعُ كَقَطْعِ الْيَدِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ سَلِيمًا فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَرُدَّهُ مَعِيبًا (وَتَعَذُّرٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَيُّبٍ (رَدِّ بَعْضِهِ) بِسَبَبِ هَلَاكِ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ بَعْضَهُ الْبَاقِيَ لَزِمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ (وَتَصَرُّفٌ) مِنْ الْمُشْتَرِي (لَا يَفْسَخُ) صِفَةُ تَصَرُّفٍ (كَالْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ) مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (أَوْ) تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي (يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) أَيْ كَالْبَيْعِ بِغَيْرِ قَيْدِ الْخِيَارِ (وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ) وَالْهِبَةِ بِتَسْلِيمٍ (قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا) لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِبُطْلَانِ الْخِيَارِ فَمَعْنَى الْبُطْلَانِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاحِيَةِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ (وَمَا) أَيْ التَّصَرُّفُ الَّذِي (لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ) أَيْ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ (وَالْهِبَةُ بِلَا تَسْلِيمٍ يَبْطُلُ) خِيَارَ الرُّؤْيَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ (لَا قَبْلَهَا) لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الرِّضَى فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ قَبْلَهَا بَلْ بَعْدَهَا وَهُنَا لَا يُوجَدُ إلَّا الدَّلَالَةُ عَلَى الرِّضَى الْمُجَرَّدِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ فِيهَا تُوجَدُ مَعَ الرِّضَى حُقُوقٌ زَائِدَةٌ، فَيَبْطُلُ بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ

غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فَلَا يُقَالُ مَا لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لَا الشَّرْطِ، وَهَلَاكُ بَعْضِ الْمَبِيعِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ وَيُبْطِلُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُطَالَعْ. (وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الرَّقِيقِ) فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ أَمَةً أَوْ عَبْدًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الرَّقِيقِ وَجْهُهُ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِيهِ تَبَعٌ لِوَجْهِهِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهِ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. (وَ) رُؤْيَةُ وَجْهِ (الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِرُؤْيَةِ وَجْهِهَا حَتَّى يَنْظُرَ إلَى كَفَلِهَا لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَقْصُودٌ مِنْهُ كَالْوَجْهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَاكْتَفَى مُحَمَّدٌ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا اعْتِبَارًا بِالْآدَمِيِّ، وَشَرَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي الْبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ يَكْفِي أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْهُ إلَّا الْحَافِرَ وَالذَّنَبَ وَالنَّاصِيَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ) أَيْ الشَّاة الَّتِي لَحْمُهَا مَقْصُودٌ (لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ) وَهُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَقْصُودُ (وَفِي شَاةِ الْقَنِيَّةِ) هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ لِأَجْلِ النِّتَاجِ (لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً حَلُوبًا فَرَأَى كُلَّهَا وَلَمْ يَرَ ضَرْعَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الضَّرْعَ هُوَ الْمَقْصُودُ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا وَسَائِرِ جَسَدِهَا فَلْيُحْفَظْ. فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ مَا يُوهِمُ الِاقْتِصَارَ عَلَى رُؤْيَةِ ضَرْعِهَا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّرْعِ مَعَ جَمِيعِ جَسَدِهَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَرُؤْيَةُ ظَاهِرِ الثَّوْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا كَافِيَةٌ) لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ يُعْلَمُ حَالُ الْبَقِيَّةِ إذْ لَا تَتَفَاوَتُ أَطْرَافُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا يَسِيرًا (وَرُؤْيَةُ عَلَمِهِ) كَافِيَةٌ (إنْ) كَانَ (مُعَلَّمًا) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ عَلَمِهِ أُطْلِقَ فِي هَذَا، لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَطْوِيًّا هَذَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ بَاطِنُ الثَّوْبِ ظَاهِرَهُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَاطِنِ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ الْبَاطِنَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَلَا يُعْرَفُ كُلُّهُ بِدُونِ نَشْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْجَوَابُ عَلَى مَا قَالَ زُفَرُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ زُفَرَ وَيُرَجِّحَهُ تَأَمَّلْ. (وَرُؤْيَةُ دَاخِلِ الدَّارِ) كَافِيَةٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْبُيُوتِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ (الْفَتْوَى الْيَوْمَ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ

إذَا رَأَى صَحْنَ الدَّارِ أَوْ خَارِجَهَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ لَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِنَّ دُورَهُمْ كَانَتْ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ لَا تَخْتَلِفُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ خَارِجِهَا وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى دَاخِلِهَا لِتَفَاوُتِ بُيُوتُهَا وَمَرَافِقُهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الدُّورِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ بَيْتَانِ شَتْوِيَّانِ وَبَيْتَانِ صَيْفِيَّانِ فَتُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْكُلِّ مَعَ رُؤْيَةِ الصَّحْنِ فَلَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَطْبَخِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْعُلُوِّ إلَّا فِي بَلَدٍ يَكُونُ مَقْصُودًا وَبَعْضُهُمْ اشْتَرَطُوا رُؤْيَةَ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِنَا. وَفِي الْخِزَانَةِ أَنَّ الْفَتْوَى فِي بَيْتِ الْغَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ تَكْفِي رُؤْيَةُ خَارِجِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَفَاوِتٍ وَتَكْفِي فِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ خَارِجِهِ وَرُءُوسُ أَشْجَارِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ قَالُوا لَا بُدَّ فِي الْبُسْتَانِ مِنْ رُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَفِي الْكَرْمِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ عِنَبِ الْكَرْمِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا وَفِي الرُّمَّانِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْحُلْوِ وَالْحَامِضِ. وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنًا فِي زُجَاجَةٍ وَرُؤْيَتُهُ مِنْ خَارِجِ الزُّجَاجَةِ لَا تَكْفِي حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي مَاءٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ فَرُؤْيَتُهُ لَا تَكْفِي عَلَى الصَّحِيحِ. (وَإِنْ رَأَى بَعْضَ الْمَبِيعِ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى بَاقِيَهُ) لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ يَكُونُ إلْزَامًا لِلْبَيْعِ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ وَكَذَا الْإِجَازَةُ فِي الْبَعْضِ لَا يَكُونُ إجَازَةٌ فِي الْكُلِّ وَلَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ فِي الْبَعْضِ وَرَدُّ الْبَاقِي كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَمَا يُعْرَضُ بِالنَّمُوذَجِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهِ) . وَفِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ إنْ كَانَ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ إلَّا بِرُؤْيَةِ الْكُلِّ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِالنَّمُوذَجِ أَوْ مَعْدُودًا مُتَقَارِبًا كَالْجَوْزِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ يُبْطِلُ الْخِيَارَ فِي كُلِّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ وَعَلَيْهِ التَّعَارُفُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ أَرْدَأَ مِنْ النَّمُوذَجِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَغِيبًا تَحْتَ الْأَرْضِ كَالْبَصَلِ وَالثُّومِ بَعْدَ النَّبَاتِ إنْ عُرِفَ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا بَاعَهُ ثُمَّ قَلَعَ مِنْهُ أُنْمُوذَجًا وَرَضِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَيْلًا كَالْبَصَلِ أَوْ وَزْنًا كَالْبَقْلِ بَطَلَ خِيَارُهُ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَهُ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ) لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ لِلْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَمُّ فَلَا بُدَّ مِنْ شَمِّهِ كَالْمِسْكِ. وَفِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ اشْتَرَى نَافِجَةَ مِسْكٍ فَأَخْرَجَ الْمِسْكَ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يُدْخِلُ عَلَيْهِ عَيْبًا ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يُدْخِلْ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَنَظَرُ الْوَكِيلِ

بِالشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ (كَافٍ لَا نَظَرُ الرَّسُولِ) . وَفِي الدُّرَرِ اعْلَمْ أَنَّ هُنَا وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَوَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَرَسُولًا. صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِشِرَاءِ كَذَا أَوْ صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْته وَمَا رَأَيْته وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا قَبَضَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ إذَا قُبِضَ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا بَلْ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ لَا تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّسُولُ (كَالْوَكِيلِ) . وَفِي الْفَرَائِدِ هَذَا سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَعِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ رُؤْيَةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ عَدَمَ إسْقَاطِ رُؤْيَةِ الرَّسُولِ الْخِيَارَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِ الْعَقْدِ وَتَمَامُهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَتَمَامُهَا بِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَصَارَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْمُوَكِّلِ مَعَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ انْتَهَى. هَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَعِنْدَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمَا أَيْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ رُؤْيَتِهِمَا الْخِيَارَ تَأَمَّلْ. (وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ لَكِنْ لَا وَجْهَ لَهُ إذْ يَلْزَمُ أَنْ يَمُوتَ جُوعًا لَوْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا بِشِرَاءِ مَا يُطْعَمُ بِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَعْمَى (الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذْ رَأَى بِالْحَدِيثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْعِنَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَرَهُ سُلِبَ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْإِيجَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَصِيرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ انْتَهَى لَكِنْ إنْ أَرَادَ بِتَصَوُّرِ الْإِيجَابِ وُقُوعَهُ فَغَيْرُ لَازِمٍ إذْ غَايَةُ كَوْنِ التَّقَابُلِ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَيَكْفِي فِيهَا إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْآدَمِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ دَائِمًا فَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّظَرُ (وَيَسْقُطُ بِجَسِّهِ) أَيْ بِجَسِّ الْأَعْمَى (الْمَبِيعَ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ كَالْغَنَمِ مَثَلًا (أَوْ شَمِّهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ

(أَوْ ذَوْقِهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ كَالْعَسَلِ (فِيمَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْجَسِّ أَوْ بِالشَّمِّ أَوْ بِالذَّوْقِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِأَنَّ هَذِهِ تُفِيدُ الْعِلْمَ كَالْبَصِيرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ (وَبِوَصْفِ الْعَقَارِ لَهُ) أَيْ لِلْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِهِ حَتَّى يَسْقُطَ خِيَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا لِقَبْضِهِ لَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ. وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمَسِّ الْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ مَعَ الْوَصْفِ وَإِنْ أَبْصَرَ بَعْدَ الْوَصْفِ وَبَعْدَمَا وَجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى فَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْعِلْمِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَتْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالْجَسِّ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْمَى قَبْلَ شِرَائِهِ وَلَوْ وُجِدَتْ بَعْدَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالْمَذْكُورَاتِ فَيَمْتَدُّ الْخِيَارُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ. (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَشَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى) الثَّوْبَ (الْآخَرَ) فَوَجَدَهُ (مَعِيبًا فَلَهُ أَخْذُهُمَا أَوْ رَدُّهُمَا) أَيْ رَدُّ الثَّوْبَيْنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ رُؤْيَةَ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ (لَا رَدُّ أَحَدِهِمَا) أَيْ لَا رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ إنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًى فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ. (وَمَنْ رَأَى شَيْئًا) قَاصِدًا لِشِرَائِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَرْئِيَّةٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ (ثُمَّ شَرَاهُ) بَعْدَ زَمَانٍ (فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا تَخَيَّرَ) لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلَّمَةً بِأَوْصَافِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا عَلَيْهَا (فَلَا) يَتَخَيَّرُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَبِيعِ قَدْ حَصَلَ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَاصِدًا لِشِرَائِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ رَآهُ لَا لِقَصْدِ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ إذَا رَأَى لَا لِقَصْدِ الشِّرَاءِ لَا يَتَأَمَّلُ كُلَّ التَّأَمُّلِ فَلَمْ يَقَعْ مَعْرِفَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا عَالِمًا بِأَنَّهُ مَرْئِيَّةٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَحِينَئِذٍ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ الرِّضَى بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا إنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَيَّدَ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ كَمَا فِي قَيْدِنَا لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَغَيُّرِهِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَغَيَّرَ وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَتَغَيَّرْ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ بَعِيدَةً فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّغَيُّرِ إلَّا بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ تَطُولَ وَالشَّهْرُ طَوِيلٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ. وَفِي الْفَتْحِ جَعْلُ الشَّهْرِ قَلِيلًا (وَإِنْ) اخْتَلَفَا (فِي الرُّؤْيَةِ) فَقَالَ الْبَائِعُ لَهُ رَأَيْت قَبْلَ

فصل في خيار العيب

الشِّرَاءِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا رَأَيْت أَوْ قَالَ لَهُ رَأَيْت بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ رَضِيت فَقَالَ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ (فَلِلْمُشْتَرِي) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ الْعِلْمُ بِالصِّفَةِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَ الْمَرْدُودِ مَبِيعًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ وَبَقِيَ مِلْكُ الْبَائِعِ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ فِي تَعْيِينِ مِلْكِهِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَالْمُودِعِ وَالْغَاصِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ. (وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلَ زُطِّيٍّ) وَلَمْ يَرَهُ وَقَبَضَهُ وَالْعِدْلُ الْمِثْلُ وَالزُّطُّ جِيلٌ مِنْ الْهِنْدِ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثِّيَابُ الزُّطِّيَّةُ (فَبَاعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعِدْلِ (ثَوْبًا أَوْ وَهَبَ) لِآخَرَ (وَسَلَّمَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ (بِعَيْبٍ لَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْتَنِعَانِ تَمَامَهَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِتَمَامِهَا مَعَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَلَامُنَا فِيهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ ذَلِكَ الثَّوْبُ بِفَسْخٍ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ. [فَصْلٌ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ] ِ أَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ اللُّزُومَ بَعْدَ التَّمَامِ وَإِضَافَةُ الْخِيَارِ إلَى الْعَيْبِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ (مُطْلَقُ الْبَيْعِ) الْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا وَالتَّقْدِيرُ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ مِنْ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ) عَنْ الْعُيُوبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ السَّلَامَةُ وَهِيَ وَصْفٌ مَطْلُوبٌ مَرْغُوبٌ عَادَةً وَعُرْفًا وَالْمَطْلُوبُ عَادَةً كَالشُّرُوطِ نَصًّا (فَلِمَنْ وُجِدَ فِي مَشْرِيِّهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الشِّرَاءِ (عَيْبًا) كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ أَوْ رَآهُ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبٌ عِنْدَ التُّجَّارِ فَقَبَضَهُ وَعَلِمَ بِذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ عَيْبًا بَيِّنًا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ كَالْعَوَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ كَانَ يَخْفَى يُرَدُّ (رَدُّهُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ فَلِمَنْ (أَوْ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمَعِيبَ (بِكُلِّ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ عِنْدَ الْعَقْدِ إلَّا بِوَصْفِ السَّلَامَةِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَتَخَيَّرُ (لَا إمْسَاكُهُ وَنَقْصُ ثَمَنِهِ) أَيْ لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ نُقْصَانِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَثْمَانِ (إلَّا بِرِضَى بَائِعِهِ) أَيْ بِإِمْسَاكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الْمَعِيبَ وَنَقْصِ ثَمَنِهِ وَالْمُرَادُ عَيْبٌ

كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ. (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) الْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ضَابِطَةً كُلِّيَّةً يَعْلَمُ بِهَا الْعُيُوبَ الْمُوجِبَةَ لِلْخِيَارِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَقَالَ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ، وَنُقْصَانُ الْمَالِيَّةِ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ، فَالتَّضَرُّرُ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَتِهِ عُرْفُ أَهْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (فَالْإِبَاقُ) كَالْكِتَابِ لُغَةً الِاسْتِخْفَاءُ وَشَرْعًا اسْتِخْفَاءُ الْعَبْدِ أَوْ الْجَارِيَةِ عَنْ الْمَوْلَى تَمَرُّدًا. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ مِنْ صَغِيرٍ يَعْقِلُ) هُوَ يَأْكُلُ وَيُشْرِبُ وَحْدَهُ (عَيْبٌ) لِفِرَارِهِ عَنْ الْعَمَلِ لِخُبْثٍ فِي طَبْعِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إبَاقَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يُمَيِّزُ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ ضَالٌّ لِحُبِّهِ اللَّعِبَ لَا آبِقَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَيْسَ بِإِبَاقٍ لَوْ فَرَّ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنْ الْعَكْسُ فَإِبَاقٌ. انْتَهَى لَكِنَّ الْأَشْبَهَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلَ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَكَذَا السَّرِقَةُ) وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ سَرِقَةُ صَغِيرٍ يَعْقِلُ عَيْبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقِيلَ دُونَ دِرْهَمٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَفِي غَيْرِ عَاقِلٍ لَا لِأَنَّهَا صَادِرَةٌ بِلَا فِكْرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ غَيْرِهِ لَكِنَّ سَرِقَةَ الْمَأْكُولِ مِنْ الْمَوْلَى لِلْأَكْلِ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ (وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ) مِنْ صَغِيرٍ يَعْقِلُ عَيْبٌ لَكِنْ مِنْ دَاءٍ وَفِي غَيْرِ عَاقِلٍ لَا يُعَدُّ عَيْبًا لِظُهُورِهِ مِنْ ضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَلِعَدَمِ التَّدَارُكِ (وَهِيَ) أَيْ الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ (فِي الْكَبِيرِ عَيْبٌ آخَرُ) ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ) فِي الْفِرَاشِ (فِي صِغَرِهِ) عِنْدَ الْبَائِعِ (ثُمَّ عَاوَدَهُ) أَيْ عَاوَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا (عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أَيْ فِي الصِّغَرِ (رُدَّ بِهِ) أَيْ رَدَّ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ لِكَوْنِهَا عَيْبًا

قَدِيمًا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا صَغِيرًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ فِي الْفِرَاشِ وَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ بِعَيْبٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَلَوْ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ثُمَّ كَبُرَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعْطَى ثَمَنَ النُّقْصَانِ لِزَوَالِ الْعَيْبِ بِالْبُلُوغِ. (وَإِنْ) أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ (عَاوَدَهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا) أَيْ لَا يُرَدُّ بِهِ لِأَنَّ مَا يُعَاوَدُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَكُونُ عَيْبًا آخَرَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. (وَالْجُنُونُ) الْمُطَبَّقُ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ مِنْ سَاعَةٍ (عَيْبٌ) فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ صِغَرِهِ أَوْ كِبَرِهِ (فَلَوْ جُنَّ فِي صِغَرِهِ) عِنْدَ الْبَائِعِ (وَعَاوَدَهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أَيْ فِي صِغَرِهِ (أَوْ فِي كِبَرِهِ رُدَّ بِهِ) لِأَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ إذْ مَعْدِنُ الْعَقْلِ هُوَ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ وَالْجُنُونُ انْقِطَاعُ هَذَا الشُّعَاعِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ قِيلَ يَكْفِي فِي الرَّدِّ جُنُونُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَطْ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِدُونِ الْمُعَاوَدَةِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. (وَالْبَخَرُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالْخَاءُ الْمُعْجَمَةُ نَتْنٌ رَائِحَةِ الْفَمِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ نَتْنُ رَائِحَةِ الْأَنْفِ (وَلِذَفَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ شِدَّةُ الرِّيحِ طَيِّبَةً أَوْ خَبِيثَةً وَمُرَادُهُمْ نَتْنُ الْإِبْطِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ ذَفَرَ إذَا خَبُثَ رَائِحَتُهُ وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ مِنْهُ كَمَا فِي الطَّلَبَةِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الظَّنِّ أَنَّ فِي الْمُغْرِبِ مُرَادَهُمْ مِنْهُ حِدَّةُ الرَّائِحَةِ مُنْتِنَةٌ أَوْ طَيِّبَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ أَرَادَ مِنْهُ الصُّنَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ نَتِنُ الْإِبْطِ عَلَى أَنْ عَدَّ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ مِنْ الْعُيُوبِ عَيْبٌ لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالزِّنَاءُ وَالتَّوَلُّدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَاءِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا فَالْبَخَرُ وَالذَّفَرُ يُخِلُّ بِالْقُرْبِ لِلْخِدْمَةِ وَالزِّنَاءُ بِالِاسْتِفْرَاشِ وَالتَّوَلُّدِ مِنْ الزِّنَاءِ بِطَلَبِ الْوَلَدِ (لَا فِي الْغُلَامِ) أَيْ لَيْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَيْبًا فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الِاسْتِخْدَامُ مِنْ بَعْدُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُخِلُّ بِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْبَخَرُ وَالذَّفَرُ (مِنْ دَاءٍ) وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ لَا يَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ كُلَّ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَخَرُ وَالذَّفَرُ فَاحِشًا بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْقُرْبَ

مِنْ الْمَوْلَى أَوْ يَكُونَ الزِّنَاءُ عَادَةً لَهُ بِأَنْ تَكَرَّرَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الزِّنَاءِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَهُ: أَوْ يَكُونَ الزِّنَاءُ عَادَةً لَهُ لَكَانَ أَوْلَى. قِيلَ إنَّ الْبَخَرَ عَيْبٌ فِي الْأَمْرَدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ كَانَ الْغُلَامُ يُلَاطُ بِهِ مَجَّانًا فَهُوَ عَيْبٌ وَبِالْأَجْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّ مَا ذُكِرَ عَيْبٌ فِي الْعَبْدِ أَيْضًا. (وَالِاسْتِحَاضَةُ عَيْبٌ) لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الدَّمِ عَلَامَةُ الدَّاءِ. (وَكَذَا عَدَمُ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا أَقَلَّ) قَيَّدَ بِسَبْعِ عَشْرَةَ لِأَنَّهُ أَقْصَى زَمَنِ الْبُلُوغِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَهُوَ دَمُ صِحَّةٍ فَإِذَا لَمْ تَحِضْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ دَائِهَا وَلِذَا قَالُوا لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِانْقِطَاعِهِ إلَّا إذَا ذَكَرَ سَبَبَهُ مِنْ دَاءٍ أَوْ حَبَلٍ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهُ بِدُونِهَا لَا يُعَدُّ عَيْبًا وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ إلَى قَوْلِ طَبِيبَيْنِ عَدْلَيْنِ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَعَدَمِ الْحَيْضِ (بِقَوْلِ الْأَمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا (فَتُرَدُّ) الْأَمَةُ (إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَوْلِ الْأَمَةِ (نُكُولُ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ) يَعْنِي إذَا قَالَتْ الْأَمَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ نَكَلَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ تُرَدُّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَ (هُوَ الصَّحِيحُ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ لِضَعْفِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًى وَصَحَّ الْفَسْخُ لِلْعَقْدِ الضَّعِيفِ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ قَالُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمَةِ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَلَوْ ادَّعَى انْقِطَاعَهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَمْ تُسْمَعْ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الثَّانِي وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عِنْدَ الثَّالِثِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ سُئِلَ الْبَائِعُ فَإِنْ صَدَّقَهُ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ عِنْدَهُ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِمْ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. (وَالْكُفْرُ عَيْبٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الِائْتِمَانِ عَلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَمِنْ أَغْرَبِ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةً عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا يَرُدُّهُ حَيْثُ يَكُونُ الْإِسْلَامُ عَيْبًا وَلَا يَكُونُ الْكُفْرُ عَيْبًا. (وَكَذَا الشَّيْبُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَيْبٌ وَكَذَا الشَّمَطُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْبَيَاضِ بِالسَّوَادِ فِي الشَّعْرِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ دَلِيلٌ الدَّاءِ وَفِي أَوَانِهِ دَلِيلُ الْكِبَرِ فَيَصِيرُ عَيْبًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَذَا الصُّهُوبَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ حُمْرَةُ الشَّعْرِ إذَا فَحُشَتْ بِحَيْثُ تَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ. (وَالدَّيْنُ) لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِهِ وَالْغُرَمَاءُ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْمَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ دَيْنَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ لِلْحَالِ أَوْ مُتَأَخِّرًا إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ مَأْذُونًا

أَوْ مَحْجُورًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ الدَّيْنُ الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْإِذْنِ لَا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَى الْعِتْقِ وَلَا الْمَحْجُورُ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ. (وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ) يَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ وَأَمَّا السُّعَالُ الْحَادِثُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّهُ يَزُولُ. (وَالشَّعْرُ وَالْمَاءُ فِي الْعَيْنِ) لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ وَيُورِثَانِ الْعَمَى وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بَلْ كُلُّ مَرَضٍ بِالْعَيْنِ فَهُوَ عَيْبٌ وَمِنْهُ السَّبَلُ وَكَثْرَةُ الدَّمْعِ وَالْغَرَبُ فِي الْعَيْنِ، وَالْعَشِيُّ وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ بِحَيْثُ لَا يُبْصِرُ فِي اللَّيْلِ وَالْعَمَشُ وَالشَّتَرُ وَالْحَوَلُ وَالْحَوَصُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَوَلِ وَالْجَرَبُ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوْ لَا ضَابِطَ الْعَيْبِ ثُمَّ ذَكَرَ عَدَدًا مِنْ الْعُيُوبِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا لِكَثْرَتِهَا فَلَا بَأْسَ بِتَعْدَادِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ. فَمِنْ الْعُيُوبِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الشَّلَلُ وَالشَّمُّ وَالصَّمَمُ وَالْخَرَسُ وَالْعَرَجُ وَالسِّنُّ السَّاقِطَةُ وَالشَّاغِيَةُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْخَضْرَاءُ وَفِي الصَّفْرَاءِ خِلَافٌ وَوَجَعُهَا وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ وَالنَّاقِصَةُ وَالظُّفْرُ الْأَسْوَدُ الْمُنْقِصُ لِلثَّمَنِ وَالْعُسْرُ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْيَسَارِ عَجْزًا وَالثُّؤْلُولُ وَالْحَالُ إنْ كَانَا قَبِيحَيْنِ مُنْقِصَيْنِ وَالْكَذِبُ وَالنَّمِيمَةُ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الذُّنُوبِ وَالنِّكَاحُ وَالْقِمَارُ بِالنَّرْدِ وَنَحْوِهِ وَالْأَمْرَاضُ وَالْكَيُّ وَتَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ وَقِيلَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ لَا فِي الْغُلَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إذَا أَفْرَطَ وَعَدَمُ اسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالْحُمْقُ وَغَيْرُهَا. وَمِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَبْدِ الْعَتَهُ وَالْخَصِيُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُجِدَ فَحْلًا إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ وَالْفَتْقُ وَالْأُدْرَةُ وَعَدَمُ الْخِتَانِ إذَا كَانَ كَبِيرًا وَالرُّعُونَةُ وَاللِّينُ فِي الصَّوْتِ وَالتَّكَسُّرُ فِي الْمَشْيِ إنْ كَثُرَ فَإِنْ قَلَّ لَا وَمَحْلُوقُ اللِّحْيَةِ أَوْ مَنْتُوفُهَا إذَا اشْتَرَى أَمْرَدَ وَالتَّخَنُّثُ بِالْعَمَلِ الْقَبِيحِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ. وَمِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَمَةِ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَالْحَبَلُ وَالْمُغَنِّيَةُ وَعِدَّةُ رَجْعِيٍّ وَالْوِلَادَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ قَبْلَهُ وَثَقْبٌ فِي الْأُذُنَيْنِ إنْ وَاسِعًا وَمُحْتَرِقَةُ الْوَجْهِ لَا يُدْرَى حُسْنُهَا مِنْ قُبْحِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَمِيمَةً أَوْ سَوْدَاءَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا جَمِيلَةٌ وَوَجَدَهَا قَبِيحَةً تُرَدُّ وَكُلُّ عَيْبٍ يُمْكِنُ الْمُشْتَرِي مِنْ إزَالَتِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُرَدُّ بِهِ كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ وَمِنْهَا مَا فِي الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْحَرُونِ وَالْحَزَنِ وَالْجَمْحِ وَالْفَدَعِ وَالصَّكَكِ وَالْفَحَجِ وَالْمَشَشِ وَالدَّخَسِ وَخَلْعِ الرَّأْسِ وَاللِّجَامِ وَالصَّدَفِ وَالشَّدَقِ وَالْعَثْرِ وَالْعَزْلِ وَقِلَّةِ الْأَكْلِ وَمَصِّ لَبَنِهَا جَمِيعًا وَعَدَمِ الْحَلْبِ إنْ كَانَتْ مِثْلُهَا تُشْتَرَى لِلْحَلْبِ وَإِنْ لِلَّحْمِ لَا وَمَا يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ فِي الْمُضَحِّي وَمِمَّا فِي غَيْرِهَا الْهَشِمُ وَالْحَرْقُ وَالْعُفُونَةُ وَكَوْنُ الْحِنْطَةِ مُسَوَّسَةً وَضِيقُ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ لَا كِلَاهُمَا وَالنَّقْبُ الْكَبِيرُ فِي الْجِدَارِ وَكَثْرَةُ بُيُوتِ النَّمْلِ فِي الْكَرْمِ أَوْ كَانَ فِيهِ مَمَرُّ الْغَيْرِ أَوْ مَسِيلُ الْغَيْرِ وَالنَّزُّ وَالسَّبَخُ وَكَوْنُ الْآيَةِ سَاقِطَةً أَوْ الْخَطَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَعَدَمُ مَسِيلٍ

فِي الدَّارِ وَعَدَمُ الشُّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَوْ مُرْتَفِعَةٌ لَا تُسْقَى وَنَجَاسَةُ مَا يُنْقِصُهُ الْغُسْلُ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ فَوَاتَ الْمَشْرُوطِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ. (فَإِنْ ظَهَرَ عَيْبٌ قَدِيمٌ) أَيْ كَائِنٌ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَمَا حَدَثَ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ عَيْبٌ (آخَرُ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ) لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَقُومَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ ثُمَّ يَقُومُ وَهُوَ سَالِمٌ فَإِذَا عُرِفَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (كَثَوْبٍ شَرَاهُ فَقَطَعَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (فَاطَّلَعَ) الْمُشْتَرِي (عَلَى عَيْبٍ وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ) بَلْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ) اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا (بِأَخْذِهِ كَذَلِكَ) أَيْ مَعِيبًا أَوْ مَقْطُوعًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (ذَلِكَ) أَيْ الْأَخْذُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَحِقَهُ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ بِالرِّضَى (حَتَّى لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي) بَعْدَمَا حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ (سَقَطَ رُجُوعُهُ) بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ صَارَ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ إذْ الرَّدُّ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بِالْقَطْعِ بِرِضَى الْبَائِعِ فَكَانَ مُفَوِّتًا لِلرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَهُ ثُمَّ بَاعَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا لَهُ بِالْبَيْعِ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَهُ بِالْخِيَاطَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْبَيْعِ وَبَعْدَ امْتِنَاعِ الرَّدِّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ (فَإِنْ خَاطَ) الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا قَطَعَ (الثَّوْبَ أَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ) قَيَّدَ بِهِ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ ثَابِتَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ يَكُونُ نُقْصَانًا عِنْدَهُ كَالْقَطْعِ وَقَالَا يَكُونُ زِيَادَةً. (أَوْ لَتُّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ سَوِيقًا فَخَلَطَهُ بِسَمْنٍ (ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبُهُ رَجَعَ) عَلَى الْبَائِعِ (بِنُقْصَانِهِ) لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَوْعَانِ مُتَّصِلَةٌ وَهِيَ قِسْمَانِ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ الْأَصْلِ كَالْجَمَالِ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وَمُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ أَيْضًا نَوْعَانِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْفَسْخِ فَإِذَا فَسَخَ تُسَلَّمُ الزِّيَادَةِ لِلْمُشْتَرِي (وَلَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ) قَطْعًا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي لِوُجُودِ الرِّبَا (حَتَّى لَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمِخْيَطَ أَوْ الْمَصْبُوغَ بِالْحُمْرَةِ أَوْ السَّوِيقُ الْمَلْتُوتُ بِالسَّمْنِ (بَعْدَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ) لِأَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ أَصْلًا قَبْلَهُ

فَلَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ وَعَنْ هَذَا إنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ وَفِي الثَّانِي بَعْدَهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيُمْكِنُهُ الرَّدُّ بِرِضَى الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَبِيعُ قَائِمًا عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ وَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَوْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (بِلَا مَالٍ أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ) قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَرْجِعُ (ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ رَجَعَ) بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ انْتِهَاءُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَا خُلِقَ فِي الْأَصْلِ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مُوَقَّتًا إلَى الْإِعْتَاقِ فَكَانَ انْتِهَاءً كَالْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَقَرَّرُ بِانْتِهَائِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ وَالرَّدَّ مُتَعَذَّرٌ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ الْمِلْكِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادُ بِمَنْزِلَتِهِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ لَا يُزِيلَانِ الْمِلْكَ إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ بِهِمَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ. (وَكَذَا) أَيْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ (إنْ ظَهَرَ) عَيْبٌ قَدِيمٌ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ. (وَإِنْ عَتَقَ) الْمَبِيعَ (عَلَى مَالٍ أَوْ قَتْلٍ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ. وَعَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ مِلْكُهُ فَصَارَ كَالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا وَالْكِتَابَةُ كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا مَضْمُونًا وَإِنَّمَا يَسْقُطُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا ضَمِنَهُ السَّيِّدُ فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِهِ عِوَضًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةَ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. (وَكَذَا) لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (لَوْ أَكَلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ) حَالَ كَوْنِهِ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ فَأَكَلَ مَا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ بَاعَ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ كَانَ بِكُلِّ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ (أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ) ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ (لَا يَرْجِعُ) بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا. وَفِي الْمِنَحِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مَا بَقِيَ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ فِي بَعْضٍ دُونَ الْكُلِّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْبَاقِيَ مُطْلَقًا لِأَنَّ رَدَّهُ مُمْكِنٌ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ فِيمَا أَكَلَهُ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَقَدْ اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَا يَرْجِعُ اسْتِحْسَانًا فِي الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى تَخَرَّقَ وَعَنْهُمَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ مَا أَكَلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْمُجْتَبِي لَوْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ غَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى وَإِنْ بَاعَهُ نِصْفَهُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ وَبِهِ يُفْتَى أَيْضًا. وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ ابْنَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ ضَيْفَهُ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ أَطْعَمَ عَبْدَهُ أَوْ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ يَرْجِعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ. وَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا ذَائِبًا وَأَكَلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ كَانَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ أَوْ فُلَّيْقًا فَجَعَلَهُ إبْرَيْسَمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ رَطَبًا وَانْتَقَصَ وَزْنُهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ. (وَإِنْ شَرَى بَيْضًا أَوْ جَوْزًا أَوْ بِطِّيخًا أَوْ قِثَّاءً أَوْ خِيَارًا فَكَسَرَهُ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ قَبْلَ كَسْرِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ (فَوَجَدَهُ فَاسِدًا) بِأَنْ كَانَ مُنْتِنًا أَوْ مُرًّا. (فَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ) فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ صَلَحَ لِأَكْلِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ الدَّوَابِّ (رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ إلَّا أَنَّهُ يَقْبَلُهَا الْبَائِعُ مَكْسُورًا وَيَرُدُّ الثَّمَنَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَصْلًا (فَبِكُلِّ ثَمَنِهِ) أَيْ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ بِخِلَافِ بَيْضِ النَّعَامَةِ إذَا وَجَدَهُ فَاسِدًا بَعْدَ الْكَسْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْقِشْرِ. (وَلَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَهُوَ قَلِيلٌ كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْمِائَةِ صَحَّ الْبَيْعُ) اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ خُلُوِّهِ عَادَةً وَلَا خِيَارَ لَهُ كَالتُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ إلَّا أَنْ يَعُدَّهُ النَّاسُ عَيْبًا فَلَهُ الرَّدُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَلِيلًا بَلْ كَثِيرًا (فَسَدَ) الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ (وَرَجَعَ بِكُلِّ ثَمَنِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِجَمْعِهِ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَقِيلَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا مَكَانَ فَاسِدًا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ مِنْ عَيْبِ الْجَوْزِ قِلَّةَ لُبِّهِ وَسَوَادُهُ تَدَبَّرْ. وَفِي الْفَتْحِ لَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَهُ بَعْضَهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ مُرٌّ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَّعَهُ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَ. وَفِي الْبَحْرِ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ الْبِطِّيخِ أَوْ الرُّمَّانِ أَوْ السَّفَرْجَلِ فَكَسَرَ وَاحِدًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ. وَلَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّ الْبَاقِيَ فَاسِدٌ وَلَوْ وَجَدَ فِي الْمِسْكِ

رَصَاصًا مَيَّزَهُ وَرَدَّهُ بِحِصَّةٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. (وَمَنْ بَاعَ مَا شَرَاهُ) بِآخَرَ (فَرَدَّ عَلَيْهِ) أَيْ بَائِعُ مَا شَرَاهُ (بِعَيْبٍ) أَوْ بِسَبَبِ عَيْبٍ (بِقَضَاءٍ) بَعْدَ قَبْضِهِ (بِإِقْرَارٍ) وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا أُوِّلَ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْكِرْ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ فَإِذَا رَدَّ بِهِ بِلَا قَضَاءٍ لَا يَرُدُّ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْكِرَ إقْرَارَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِالرَّدِّ فَيَرُدُّ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَكُونُ بَيْعًا لِعَدَمِ الرِّضَى كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (أَوْ نُكُولٍ) عَنْ الْيَمِينِ (أَوْ بَيِّنَةٍ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ لِتَنَاقُضِهِ، وَغَايَتُهُ عَلَى أَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ جُحُودٌ نَصًّا بِأَنْ قَالَ بِعْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَإِنَّمَا حَدَثَ عِنْدَك ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ سَاكِتًا وَالْبَيِّنَةُ تَجُوزُ عَلَى السَّاكِتِ وَيَسْتَحْلِفُ السَّاكِتَ أَيْضًا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ مُنْكِرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَوْ قَبِلَهُ بِرِضَاءٍ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ يَرُدُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الرَّمْزِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ. (وَمَنْ قَبَضَ مَا شَرَاهُ ثُمَّ ادَّعَى عَيْبًا لَا يَجُوزُ) الْمُشْتَرِي (عَلَى دَفْعِ ثَمَنِهِ) إلَى الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ (بَلْ يُبَرْهِنُ) الْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لِإِثْبَاتِ الْعَيْبِ بِأَنَّهُ وَجَدَ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَالَ فَإِذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُبَرْهِنَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ بِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ (أَوْ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ قِيَامُ الْعَيْبِ لِلْحَالِ ثُمَّ يَحْلِفُ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ قَالَ) الظَّاهِرُ بِالْوَاوِ (شُهُودِي غُيَّبٌ) جَمْعُ غَائِبٍ (دَفَعَ) الثَّمَنَ (إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ (وَلَزِمَ الْعَيْبَ إنْ نَكَلَ) الْبَائِعُ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ. وَفِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ هُنَا كَلَامٌ فَلْيُرَاجَعْ شُرُوحَهَا. (وَمَنْ ادَّعَى) أَيْ الْمُشْتَرِي (إبَاقَ مَشْرِيِّهِ) أَيْ إبَاقَ الرَّقِيقِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ (يُبَرْهِنُ) الْمُشْتَرِي (أَوَّلًا أَنَّهُ) أَيْ الرَّقِيقَ (أَبَقَ عِنْدَهُ) يَعْنِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي هَذِهِ حَتَّى يُثْبِتَ وُجُودَ الْعَيْبِ عِنْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ

تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ (ثُمَّ يَحْلِفُ بَائِعُهُ) عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ وَيُقَالُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيفِ (بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ) . وَفِي الْمِنَحِ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ انْتَهَى لَكِنْ فِي هَذَا الْوَجْهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا أَبَقَ قَطُّ شَامِلٌ لِلْإِبَاقِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَنْزِلَ مَوْلَاهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ (أَوْ بِاَللَّهِ مَالَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي) الْمُشْتَرِي (أَوْ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ) كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِبَاقَ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ لَا إلَى مَنْزِلِ مَوْلَاهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ عَيْبٌ (لَا) يَحْلِفُ بِأَنْ يُقَالَ (بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ وَبِهِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي (أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَوِّلَ الْبَائِعُ كَلَامَهُ وَيُرِيدُ أَنَّ الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ مَعًا فَيَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي (وَفِي إبَاقِ الْكَبِيرِ) إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ (يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ الرِّجَالُ) لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ. وَفِي الدُّرَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْعِلَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْحَالَةِ شَرْطٌ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ (وَعِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى إبَاقِهِ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (يَحْلِفُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدُ (أَبَقَ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا الْيَمِينُ (وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ) فَقِيلَ يَحْلِفُ وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصْلُحُ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ (فَإِنْ نَكَلَ) الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ (عَلَى قَوْلِهِمَا) ثَبَتَ إبَاقُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. وَ (حَلَفَ ثَانِيًا) لِلرَّدِّ (كَمَا مَرَّ) فَإِنَّ بِنُكُولِهِ ثَبَتَ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي هَذَا فِي الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلْقَاضِي وَلَا يُعْرَفُ أَهِي حَادِثَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَأَمَّا الْعُيُوبُ الَّتِي لَا يَحْدُثُ مِثْلُهَا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَالْعَمَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ لِتَيَقُّنِهِ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَاهُ وَأَثْبَتهُ بِطَرِيقِهِ. (وَلَوْ قَالَ بَائِعُهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ الثَّمَنَ (بِعْتُك هَذَا مَعَ آخَرَ وَقَالَ الْمُشْتَرِي) لَا (بَلْ) بِعْت هَذَا (وَحْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ. (وَكَذَا) يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي (لَوْ اتَّفَقَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَابِضِ. (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً) أَيْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِالْمَقْبُوضِ أَوْ بِالْآخَرِ عَيْبًا رَدَّهُمَا) أَيْ الْعَبْدَيْنِ جَمِيعًا (أَوْ أَخَذَهُمَا) جَمِيعًا (وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ) أَيْ لَيْسَ

لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَقْبُوضَ خَاصَّةً لِأَنَّ الصَّفْقَةَ فِيهِ تَمَّتْ لِتَنَاهِيهَا فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكُلِّ (إلَّا إنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا) لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَحْدَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي عَبْدَيْنِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ كَمَا إذَا اشْتَرَى خُفَّيْنِ وَوَجَدَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى وَالْمَنْفَعَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَيْ ثَوْرٍ وَقَبَضَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا وَقَدْ أَلِف أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً. (وَلَوْ) كَانَ الْمَبِيعُ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَ (وُجِدَ بَعْضُ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ مَعِيبًا بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ كُلَّهُ بِعَيْبِهِ لِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا وَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ اتِّفَاقِيٌّ وَلَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَقِيلَ هَذَا) أَيْ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْكُلِّ أَوْ أَخْذِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وِعَاءَيْنِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ (فَهُوَ كَالْعَبْدَيْنِ) حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي وَجَدَ فِيهِ الْعَيْبَ وَحْدَهُ. (وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ (بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ بِخِلَافِ الثَّوْبِ) قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ فِي الْكُلِّ لِتَفْرِيقِ الصِّفَةِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ خُيِّرَ مِنْ الْقِيَمِيِّ لَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْقِيَمِيِّ كَالثَّوْبِ عَيْبٌ فَيُخَيَّرُ بِخِلَافِ الْمِثْلِيِّ وَفِي شُرُوطِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ شَائِعًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ عِنْدَنَا إنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَإِنْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِ الْمُسْتَحَقِّ. وَقَالَ الْخَصَّافُ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ وَيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ إلَّا بِضَرَرٍ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَالْعَبْدِ، يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى شَيْئَيْنِ فَحُكْمُهُ مَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا فَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى مَقْبُوضٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِتَفْرِيقِ الصِّفَةِ قَبْلَ التَّمَامِ (وَمُدَاوَاةُ) الْمُشْتَرِي (الْمَعِيبِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ وَرُكُوبِهِ) أَيْ رُكُوبُهُ الْمَعِيبَ بَعْدَهَا وَكَذَا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْكِتَابَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ وَاللِّبْسِ وَالسُّكْنَى (رَضِيَ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ بَعْدَ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ رِضًى اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَهُوَ لِلِاخْتِيَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ رِضًى بِالْعَيْبِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَوْعٍ آخَرَ. وَفِي التَّنْوِيرِ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهَا. وَفِي الْغَرَرِ اشْتَرَى جَارِيَةً

وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ تَرُدَّهَا مُطْلَقًا وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ. (وَلَوْ رَكِبَهُ لِرَدِّهِ) عَلَى الْبَائِعِ (أَوْ سَقْيِهِ أَوْ شِرَاءِ عَلَفِهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَلَا) أَيْ لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ قِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًى كَيْفَ مَا كَانَ. وَفِي الْبَحْرِ ادَّعَى عَيْبًا فِي حِمَارٍ فَرَكِبَهُ لِيَرُدَّهُ وَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَرَكِبَهُ جَائِيًا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ رَكِبَ لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا فَهُوَ رِضًى. وَفِي الْفَتْحِ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي السَّفَرِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى حَمْلِهِ حَمَلَهُ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ. (وَلَوْ قُطِعَ) يَدُ الْعَبْدِ (الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي (أَوْ قُتِلَ بِسَبَبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطَعَ وَقَتَلَ عَلَى التَّنَازُعِ كَانَ (عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ) فِي صُورَةِ الْقَطْعِ يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَذَا إذَا قُتِلَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَكِنْ فِي الْقَتْلِ لَا يُرَدُّ بَلْ أَخَذَ الثَّمَنَ (وَقَالَا) لَا يَرُدُّهُ بَلْ (رَجَعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ كَوْنِهِ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ أَوْ قَاتِلًا وَغَيْرَ قَاتِلٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُشْتَرِي (بِالْعَيْبِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ عِنْدَ الشِّرَاءِ (فَلَا) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَ هُمَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُتَعَيَّبٌ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيُضَافُ الْوُجُودُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًى بِهِ، وَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَالرُّجُوعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ نِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا الْعَيْبَ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ حَتْفَ أَنْفِهِ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ كَالِاسْتِحْقَاقِ، قَيَّدَ بِكَوْنِ الْقَطْعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ فَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَبِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَرِيضًا فَمَاتَ مِنْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ عَبْدًا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ فَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ بِهِ رَجَعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ أَيْضًا. وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْبِكْرَ ثُمَّ بَاعَهَا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ النِّكَاحَ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ لَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَ زَوَالُهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) يَعْنِي بَعْدَ وُجُوبِ سَبَبِ الْقَطْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِالْبَيَّاعَاتِ (ثُمَّ قُطِعَ فِي يَدِ) الْمُشْتَرِي (الْأَخِيرِ رَجَعَ الْبَاعَةُ) جَمْعُ بَائِعٍ وَأَصْلُهُ بَيْعَةٍ عَلَى وَزْنِ نَصْرَةِ (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (كَمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ) الْمُشْتَرِي (الْأَخِيرُ عَلَى بَائِعِهِ لَا) يَرْجِعُ (بَائِعُهُ)

أَيْ بَائِعُ الْمُشْتَرِي (عَلَى بَائِعِهِ) كَمَا فِي الْعَيْبِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَخِيرَ لَمْ يَصِرْ حَابِسًا الْمَبِيعَ حَيْثُ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْآخَرُونَ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحَّ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يَعُدَّ الْعُيُوبَ) عِنْدَنَا لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِبْرَاءِ لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَإِنْ تَضَمَّنَ التَّمْلِيكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى تَمْلِيكِ الْمَجْهُولِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَعِنْدَ زُفَرَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ إذَا كَانَ مَجْهُولًا حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْعُيُوبَ وَعَدَّدَهَا صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ عَنْهَا كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرِ الدَّوَانِقِيِّ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ جَارِيَةً. وَفِي مَوْضِعِ الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَوْ غُلَامًا فِي ذَكَرِهِ عَيْبٌ، أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ؟ وَلَمْ يَزَلْ يُعْمَلُ بِهِ هَكَذَا حَتَّى أَقْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ (وَيَدْخُلُ فِي الْبَرَاءَةِ) عَنْ الْعُيُوبِ الْعَيْبُ (الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ الْمُرَادَ لُزُومُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدِ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ إذَا الْمَقْصُودُ هُوَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْعَيْبِ الْمَوْجُودِ لَا عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يَدْخُلُ الْمَعْدُومُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَمَا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا فَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَعَ التَّنْصِيصِ لَا يَصِحُّ فَكَيْفَ يُصَحِّحُهُ وَيُدْخِلُهُ بِلَا تَنْصِيصٍ وَلَكِنْ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُقِيمُ السَّبَبَ وَهُوَ الْعَقْدُ مَقَامَ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَبْرَأهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَهُوَ عَلَى مَا فِي الْبَاطِنِ فِي الْعَادَةِ وَمَا سِوَاهُ مَرَضٌ. اشْتَرَى عَبْدًا فَقَالَ لِمَنْ سَاوَمَهُ إيَّاهُ اشْتَرِهِ فَلَا عَيْبَ بِهِ. فَلَمْ يَتَّفِقْ الْبَيْعُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ السَّابِقُ وَلَوْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ لَا عَوَرَ لَا يَرُدُّهُ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ. قَالَ عَبْدِي هَذَا آبِقٌ فَاشْتَرِهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ وَبَاعَ مِنْ آخَرَ فَوَجَدَهُ الثَّانِي آبِقًا لَا يَرُدُّهُ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْإِقْرَارِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ. بَاعَ عَبْدًا وَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بَرِئْت إلَيْك مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ إلَّا الْإِبَاقَ فَوَجَدَهُ آبِقًا فَلَهُ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ إلَّا إبَاقَهُ فَوَجَدَهُ آبِقًا لَا. مُشْتَرٍ لِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قَالَ: أَعْتِقْ الْبَائِعَ أَوْ دَبِّرْ أَوْ اسْتَوْلِدْ الْأَمَةَ أَوْ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ. حَلَفَ فَإِنْ حَلَفَ قَضَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَالَهُ لِإِقْرَارِهِ بِمَا ذَكَرَ وَرَجَعَ بِالْعَيْبِ إنْ عَلِمَ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَاعَهُ وَهُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ وَأَخَذَهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ. وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِمَشْرِيِّهِ عَيْبًا وَأَرَادَ الرَّدَّ بِهِ فَاصْطَلَحَا

باب البيع الفاسد

عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ الدَّرَاهِمَ إلَى الْمُشْتَرِي جَازَ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ. رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَعَ الْعَيْبِ يُسَاوِي الثَّمَنَ وَإِلَّا لَا. ظَهَرَ عَيْبٌ بِمُشْتَرِي الْغَائِبِ عِنْدَ الْقَابِضِ فَوَضْع الْمَبِيعَ عِنْدَ عَدْلٍ فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا قَضَى بِالرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] ِ أَخَّرَهُ عَنْ الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا مُخَالِفًا لِلدِّينِ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ يَجِبُ رَفْعُهَا وَعَنْوَنَهُ بِهِ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ الْبَاطِلُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَنْوَاعِهِ وَغَيْرُهُ يُذْكَرُ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْفَاسِدُ كَمَا يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ كَذَا يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّحِيحِ فَيُرَادُ مِنْهُ مَا يَعُمُّ الْبَاطِلَ وَهُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَشْمَلَ الصَّحِيحَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ وَلَا وَجْهَ لَهُ تَدَبَّرْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُيُوعَ عَلَى أَنْوَاعٍ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَبَاطِلٌ وَهُوَ ضِدُّهُ وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِوَجْهٍ. وَفَاسِدٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ دُونَ الْوَصْفِ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ لَكِنْ جَاوَرَهُ شَيْءٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَوْقُوفٌ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَلَا يُفِيدُ تَمَامَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ. (بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ) أَيْ بَيْعُ الشَّيْءِ (بِهِ) أَيْ جَعْلُهُ ثَمَنًا بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الْمَيْتَةِ مَثَلًا (بَاطِلٌ كَالدَّمِ) الْمَسْفُوحِ (وَالْمَيْتَةِ) الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لِأَنَّ الْمُنْخَنِقَةَ وَأَمْثَالَهَا مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَالْحُرِّ) لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الْحُرَّ مَالٌ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى اُسْتُرِقَّ السَّارِقُ عَلَى مَا قَالُوا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَكَذَا) يَبْطُلُ (بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ) الْمُطْلَقِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَلِذَلِكَ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ وَكَذَا كَمَا فِي الْإِيضَاحِ. وَفِي الْبَحْرِ وَنَفَاذُ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ ضَعِيفٌ وَفِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ أَظْهَرَ عَدَمَ النَّفَاذِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْفَتْحِ النَّفَاذَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَدَبَّرْ. قَيَّدْنَا بِالْمُطْلَقِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُقَيَّدِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ مُطْلَقًا. (وَكَذَا) يَبْطُلُ (بَيْعُ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ فَسْخِهِ وَفِي بَيْعِهِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ اللَّازِمِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ) الْمُكَاتَبُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا الْجَوَازُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهِ مُتَضَمِّنٌ

تَعْجِيزَ نَفْسِهِ. (وَكَذَا) يَبْطُلُ (بَيْعُ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالثَّمَنِ) وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْبَيْعِ عَيْنُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُنْتَفَعُ بِهَا لَا عَيْنُ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ وَسِيلَةً إلَيْهِ وَلِهَذَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا جُعِلَتْ الْخَمْرُ مَبِيعَةً تَكُونُ مَقْصُودَةً وَفِيهِ إعْزَازٌ وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا وَلِهَذَا يَبْطُلُ بَيْعُهَا. (وَ) كَذَا يَبْطُلُ (بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَذَكِيَّةٍ ضُمَّتْ إلَى مَيْتَةٍ) مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (بَيْنَ ثَمَنِ كُلٍّ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْحُرَّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ وَبِضَمِّهِ إلَى الْقِنِّ جُعِلَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْقِنِّ وَجَعْلُ غَيْرِ الْمَالِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ وَكَذَا الْمَيْتَةُ (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ إنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَعَدِّدَةٌ مَعْنًى بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَالْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ بِالنِّكَاحِ لَكِنَّ التَّنْظِيرَ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ تَأَمَّلْ. (وَصَحَّ) الْبَيْعُ (فِي قِنٍّ ضُمَّ إلَى) مَمْلُوكٍ لَهُ مِنْ (مُدَبَّرٍ) مُطْلَقٍ أَوْ مُقَيَّدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ فَالْمَمْلُوكُ أَعَمُّ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَوْ) ضُمَّ (إلَى قِنِّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْبَائِعِ (بِالْحِصَّةِ) أَيْ صَحَّ بِحِصَّةِ الْقِنِّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْحِصَّةَ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ جَائِزٌ بِالْقَضَاءِ وَبَيْعَ الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ فَدَخَلُوا ابْتِدَاءً فِي الْعَدِّ ثُمَّ خَرَجُوا عَنْهُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِاتِّصَالِ الْحُرِّيَّةِ بِهِمْ مِنْ وَجْهٍ فَصَارَ جَمْعُ الْعَبْدِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ عَبْدَيْنِ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا وَبَيْعُ قِنِّ الْغَيْرِ يَجُوزُ مَوْقُوفًا فَيَصِيرُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ. وَفِي الْحَقَائِقِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ (وَكَذَا) صَحَّ الْبَيْعُ (فِي مِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ فِي الصَّحِيحِ) بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْمِلْكِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ بِحِصَّتِهِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْفَوَائِدِ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ قَرْيَةٍ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْهَا الْمَسَاجِدُ وَالْمَقَابِرُ انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ بِصَرْفِ الْكَلَامِ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ تَدَبَّرْ. (وَبَيْعُ الْعَرَضِ) أَيْ غَيْرِ الثَّمَنِ (بِالْخَمْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ) وَالْأَوْلَى وَبِالْعَكْسِ بِالْوَاوِ أَيْ بَيْعُ الْخَمْرِ بِالْعَرَضِ (فَاسِدٌ) فِي الْعَرَضِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ الْخَمْرَ عِنْدَ الْبَعْضِ مَالٌ وَلَا يُمْلَكُ الْخَمْرُ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي الْخَمْرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ

بيع الطير في الهواء

عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الشَّرْعِ (وَكَذَا بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْعَرَضِ (الْخِنْزِيرِ) فَاسِدٌ فِي الْعَرَضِ بَاطِلٌ فِي الْخِنْزِيرِ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يُذْكَرْ بَيْعُ الْخِنْزِيرِ بِالْعَرَضِ. وَفِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ فَسَدَ لَوْ قُوبِلَ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ أَوْ شَعْرُهُ بِعَيْنٍ سَوَاءٌ بِيعَتْ بِهِ أَوْ بِيعَ بِهَا إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْعَيْنِ مَقْصُودًا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَيْعُ الْأَرْضِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى تَدَبَّرْ. [بَيْع الطَّيْر فِي الْهَوَاء] (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْخُذَ صَيْدًا ثُمَّ يُرْسِلَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ بَيْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا إذَا كَانَ الطَّيْرُ يَطِيرُ وَلَا يَرْجِعُ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَوْدُهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (سَمَكٍ لَمْ يُصَدْ) لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ بُطْلَانَهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ بَيْعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ لَكِنَّ مَحَلَّ وُقُوعِهِ فَاسِدًا إنْ كَانَ بِالْعَرَضِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ، وَلَا إحْرَازَ كَمَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ لِأَنَّ السَّمَكَ الَّذِي لَمْ يُصَدْ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ (أَوْ صِيدَ وَأُلْقِيَ فِي حَظِيرَةٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا بِلَا حِيلَةٍ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ (أَوْ دَخَلَ إلَيْهَا) أَيْ مَسُوقًا إلَى الْحَظِيرَةِ (بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُسَدَّ مَدْخَلُهُ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَفِي الزَّاهِدِيِّ إذَا اجْتَمَعَتْ بِنَفْسِهَا فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ كَيْفَ مَا كَانَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. (وَإِنْ صِيدَ وَأُلْقِيَ فِيهَا) أَيْ فِي الْحَظِيرَةِ (وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ) أَيْ السَّمَكِ (بِلَا حِيلَةٍ صَحَّ) بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لَكِنْ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ الْحَظِيرَةَ أَوْ الْأَرْضَ لِلِاصْطِيَادِ أَمَّا إذَا هَيَّأَهَا لَهُ يَمْلِكُهَا بِلَا خِلَافٍ. [بَيْع الْحَمْل أَوْ النِّتَاج] (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْحَمْلِ أَوْ النِّتَاجِ) . وَفِي الدُّرَرِ جُعِلَ بَيْعُ النِّتَاجِ بَاطِلًا وَبَيْعُ الْحَمْلِ فَاسِدًا لِأَنَّ عَدَمَ الْأَوَّلِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَعَدَمَ الثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالْحَمْلُ بِسُكُونِ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْجَنِينِ وَالنِّتَاجُ حَمْلُ الْحَبَلَةِ وَالْبَيْعُ فِيهِمَا بَاطِلٌ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِهِمَا تَدَبَّرْ. [بَيْع اللَّبَن فِي الضَّرْع] (وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلْغَرَرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِفَاخًا وَلِأَنَّهُ تَنَازُعٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ كَوْنِهِ انْتِفَاخًا يَقْضِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ مَشْكُوكُ الْوُجُودِ فَلَا يَكُونُ مَالًا تَأَمَّلْ. قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمَلْفُوفِ الْمَوْصُوفِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ أَوْ وَصْفُهُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ عَدَمَ وُجْدَانِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْآخَرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَالًا وَالشَّيْءُ يَقْتَضِي الْمَالِيَّةَ وَالِانْتِفَاخُ لَيْسَ بِمَالٍ وَالْقِيَاسُ غَيْرُ جَائِزٍ تَدَبَّرْ. [بَيْع اللُّؤْلُؤ فِي الصَّدَف] (وَكَذَا)

بيع اللحم في الشاة

لَا يَجُوزُ بَيْعُ (اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ) فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِلْغَرَرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا قَدْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْكَسْرُ كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ فِي تَعْلِيلِهِ كَلَامٌ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الَّذِي لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بَاطِلًا تَأَمَّلْ (وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ الْأَسْفَلِ بِغَيْرِ انْقِطَاعٍ فَيَخْتَلِطُ الْغَيْرُ بِالْمَبِيعِ. وَفِي شُرُوحِ الْوِقَايَةِ وَيَعُودُ صَحِيحًا إنْ قُلِعَ انْتَهَى لَكِنْ فِي السِّرَاجِ لَوْ سُلِّمَ الصُّوفُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا تَأَمَّلْ. (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا) فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ بَيْعَ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ لِتَيَسُّرِ التَّسْلِيمِ وَلَا ضَرَرَ بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ وَلَكِنْ يُخَيَّرُ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَا يُجَوِّزُ بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. [بَيْع اللَّحْم فِي الشَّاة] (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الشَّاةِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَهْزُولًا أَوْ سَمِينًا فَيُفْضِي إلَى النِّزَاعِ. (وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (ضَرْبَةِ الْقَانِصِ) وَهُوَ بِالْقَافِ وَالنُّونِ: الصَّائِدُ يَقُولُ بِعْتُك مَا يَخْرُجُ مِنْ إلْقَاءِ هَذِهِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً بِكَذَا وَقِيلَ بِالْغَيْنِ وَالْيَاءِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ نُهِيَ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَهُوَ الْغَوَّاصُ بِأَنْ يَقُولَ أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْته مِنْ اللَّآلِئِ فَهُوَ لَك بِكَذَا وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (جِذْعٍ) يَعْنِي الْجِذْعَ الْمُعَيَّنَ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا فِي الِاصْطِلَاحِ (فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْقَمِيصِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ذَكَرَ قَطْعَهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَقَيَّدْنَا بِالضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْكِرْبَاسِ فَيَجُوزُ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ فِي آجِرٍ مِنْ حَائِطٍ وَذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ دِيبَاجٍ لَا يَجُوزُ مَمْنُوعٌ فِي الْكِرْبَاسِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى كِرْبَاسٍ يَتَعَيَّبُ بِهِ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّبُ فِيهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ) الْمُعَيَّنَ (أَوْ قَطَعَ الذَّارِعَ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَادَ صَحِيحًا) لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ التَّقَرُّرِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ جِلْدَ الْحَيَوَانِ وَذَبَحَهُ وَسَلَّمَهُ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ شَقَّهُ وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ. [بَيْع الْمُزَابَنَة] (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْمُزَابَنَةِ) وَلَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ (مَجْذُوذٍ) أَيْ مَقْطُوعِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا) أَيْ خَرَزًا وَظَنًّا لَا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ كَيْلًا حَقِيقِيًّا لَمْ يَبْقَ مَا عَلَى الرَّأْسِ تَمْرًا بَلْ تَمْرًا مَجْذُوذًا كَاَلَّذِي يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَجْذُوذِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُمَاثَلَةِ تُفْضِي إلَى الرِّبَا وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا. وَفِي الْمِنَحِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ بِمَا سَمِعْت مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالْمُثَلَّثَةِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ

بيع المحاقلة

لِأَنَّ الثَّمَرَ بِالْمُثَلَّثَةِ حَمْلُ الشَّجَرِ رُطَبًا كَانَ أَوْ بُسْرًا أَوْ غَيْرَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رُطَبًا جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِتَمْرٍ. [بَيْع الْمُحَاقَلَة] (وَ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (الْمُحَاقَلَةِ وَهِيَ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ بِبُرٍّ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهَا أَيْضًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ. [بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ] (وَلَا) يَجُوزُ (الْبَيْعُ بِالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ بِأَنْ يَتَسَاوَمَا سِلْعَةً فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ لَوْ لَمَسَهَا) أَيْ السِّلْعَةَ (الْمُشْتَرِي) وَهَذَا بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ (أَوْ وَضَعَ) الْمُشْتَرِي (عَلَيْهَا حَجَرًا) وَهُوَ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ (أَوْ نَبَذَهَا) أَيْ السِّلْعَةَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُشْتَرِي (الْبَائِعُ) وَهَذَا الْبَيْعُ بِالنَّابِذَةِ هَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهِيَ عَنْهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ أَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا حَجَرًا عَنْ قَوْلِهِ أَوْ نَبَذَهَا لَكَانَ النَّشْرُ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ مُشَوَّشًا وَلَا بُدَّ مِنْ نُكْتَةٍ انْتَهَى. الْمُنَاسَبَةُ بِأَنَّ اللَّمْسَ وَالْوَضْعَ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي وَالْمُنَابَذَةَ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ وَلَوْ أَخَّرَهُ لَلَزِمَ الْخَلْطُ وَالتَّفْصِيلُ تَدَبَّرْ. (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ (إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ) الْمُشْتَرِي (أَيَّهمَا شَاءَ) فَيَجُوزُ لِاشْتِرَاطِهِ خِيَارَ التَّعْيِينِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي) جَمْعُ الْمَرْعَى وَلَوْ أُفْرِدَ كَمَا أَفْرَدَ الْبَعْضُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَالْمُرَادُ بِالْمَرْعَى الْكَلَأُ النَّابِتُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ أَوْ فِي أَرْضِ الْبَائِعِ بِدُونِ تَسَبُّبٍ مِنْهُ قَيَّدْنَا بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ سَقَى الْأَرْضَ أَوْ هَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ جَازَ لَهُ بَيْعُ كَلَئِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ حَتَّى لَوْ احْتَشَّهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِهِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» (وَلَا إجَارَتُهَا) أَيْ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمَرْعَى الَّتِي هِيَ الْكَلَأُ لِأَنَّ إجَارَتَهَا تَقَعُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ وَلَوْ عُقِدَتْ عَلَى اسْتِهْلَاكِ عَيْنٍ مَمْلُوكٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا لَا تَجُوزُ وَهَذَا أَوْلَى وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الْمَرْعَى بِالْكَلَأِ وَجَعَلْنَاهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّ بَيْعَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَرَاعِي بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ الْمَرْعَى بِفَتْحِهَا وَهُوَ الرِّعْيُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْكَلَأُ رَطْبًا وَيَابِسًا كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ تَتَبَّعْ. (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (النَّحْلِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ حَيَوَانٌ يَحْدُثُ مِنْهُ الْعَسَلُ (بِلَا كُوَّارَاتٍ) جَمْعُ كُوَّارَةٍ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سَوَّى مِنْ طِينٍ أَوْ خَشَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِمَا يَخْرُجُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ نَفْسُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَالًا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَ كُوَّارَةً فِيهَا عَسَلٌ بِمَا فِيهَا مِنْ النَّحْلِ يَجُوزُ تَبَعًا لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكُوَّارَةِ صَحَّ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ

لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمَتْنِ جَوَازُ بَيْعِ النَّحْلِ إذَا انْضَمَّ مَعَ الْكُوَّارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَسَلٌ مَعَ أَنَّ جَوَازَهُ إذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا فِي التَّبْيِينِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ تَدَبَّرْ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَيَجُوزُ بَيْعُ نَفْسِهِ بِلَا كُوَّارَةٍ إذَا كَانَ مُحَرَّزًا أَيْ مَجْمُوعًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا. (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ) الْبَيْعُ (فِي الدُّودِ إذَا كَانَ مَعَ الْقَزِّ) يَعْنِي إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْقَزُّ يَجُوزُ الْبَيْعُ تَبَعًا لَهُ (وَفِي الْبَيْضِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلَانِ) فِي قَوْلٍ يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضِهِ مُطْلَقًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَجُوزُ بَيْعُهُمَا) لِكَوْنِهِمَا مُنْتَفَعًا بِهِ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) لِلْفَتْوَى. وَفِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي بَيْعِ النَّحْلِ أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلِمَ اخْتَارَ فِي قَوْلِهِ فِي الدُّودِ دُونَ النَّحْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ تَدَبَّرْ. (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْآبِقِ) لِوُرُودِ النَّهْيِ وَلِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ (إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ) أَيْ الْآبِقَ (عِنْدَهُ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ بَيْعُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ انْتَفَى الْعَجْزُ لِكَوْنِهِ مَقْبُوضًا وَصُرِّحَ بِفَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِبُطْلَانِهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا) وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ لِكَوْنِهِ وَقَعَ بَاطِلًا (وَقِيلَ يَنْقَلِبُ) صَحِيحًا وَيَتِمُّ الْعَقْدُ الْمَزْبُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ عَنْ التَّسْلِيمِ كَمَا إذَا أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ هَكَذَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ. (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (لَبَنِ امْرَأَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً (وَلَوْ) لِلْوَصْلِ (بَعْدَ الْحَلْبِ) لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا بَيْعُ نَفْسِ الْأَمَةِ فَحَلَالٌ لِاخْتِصَاصِهِ لِلْحَيِّ وَلَا حَيَاةَ فِي لَبَنِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ اللَّبَنُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوبًا ظَاهِرًا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ فِي ابْنِ الْأَمَةِ) اعْتِبَارًا لِبَيْعِهَا. وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ لَبَنِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْتَضِي الظَّاهِرَ تَأَمَّلْ. وَفِي التَّسْهِيلِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَالِ الْأَمَةِ لَوْ شَرَاهَا بِأَنَّهَا حُبْلَى صَحَّ عِنْدَ الْبَعْضِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ وَصَحَّ بِأَنَّ الْمَبِيعَةَ حَلُوبٌ. (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (شَعْرِ الْخِنْزِيرِ)

لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَيَبْطُلُ لِنَجَاسَتِهِ (وَلَكِنْ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ (لِلْخَرْزِ) وَنَحْوِهِ (ضَرُورَةً) الْخَرْزُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا زَايٌ مُعْجَمَةٌ مَصْدَرُ خَرَزَ الْخُفَّ وَغَيْرَهُ فَيَسْتَعْمِلُهُ الْخَفَّافُ فِي زَمَانِهِمْ وَكَذَا تَسْتَعْمِلُهُ النِّسْوَانُ لِتَسْوِيَةِ الْكَتَّانِ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَعَلَى هَذَا قِيلَ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا بِالْبَيْعِ جَازَ بَيْعُهُ لَكِنَّ الثَّمَنَ لَا يَطِيبُ لِلْبَائِعِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَنْتُوفًا فَالْمَقْطُوعُ يَكُونُ طَاهِرًا (وَيُفْسِدُ) شَعْرُ الْخِنْزِيرِ (الْمَاءَ الْقَلِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ (لَا) يُفْسِدُهُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِدَلِيلِ طَهَارَتِهِ وَلَأَبَى يُوسُفَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تُغَايِرُهَا. (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا مُبْتَذَلًا وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة» الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيَزِيدُ فِي قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَمَا فَعَلَ لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ. تَتَبَّعْ. (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا وَلَيْسَتْ بِمَالٍ لِنَجَاسَتِهَا فَيَبْطُلُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنَّهَا عَارِضَةٌ (وَيَجُوزُ) بَيْعُهَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدِّبَاغِ (وَيُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ الدَّالِّ عَلَيْهِ الْجُلُودُ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ مُؤَنَّثًا وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِكَوْنِهِ طَاهِرًا بَعْدَهُ (وَيُبَاعُ عَظْمُهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ (وَيُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بِعَظْمِهَا. (وَكَذَا عَصَبُهَا وَقَرْنُهَا وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَوَبَرُهَا) لِطَهَارَةِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إذْ لَا حَيَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحِلَّ الْمَوْتُ بِهَا الْقَرْنُ مِنْ الْوَبَرِ وَلَوْ قُدِّمَ عَلَى الصُّوفِ لَكَانَ أَقْرَبَ وَكَذَا لَوْ قُدِّمَ الشَّعْرُ عَلَى الصُّوفِ لَكَانَ أَنْسَبَ. (وَكَذَا) يُبَاعُ (عَظْمُ الْفِيلِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّ الْفِيلَ عِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعَ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الْعَظْمِ وَأَشْبَاهِهِ دُسُومَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ فَهُوَ نَجِسٌ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ نَجَّسَ الْعَيْنَ عِنْدَهُ كَالْخِنْزِيرِ حُرْمَةً وَصُورَةً وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ عُلُوٍّ سَقَطَ) أَيْ يَبْطُلُ بَيْعُ مَوْضِعِ الْعُلُوِّ بَعْدَ سُقُوطِهِ سَوَاءٌ سَقَطَ بَيْتُ السُّفْلِ أَوْ لَا إذْ بَعْدَ انْهِدَامِهِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ التَّعَلِّي وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ فَالْبَيْعُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ فَيَكُونُ لَغْوًا بِخِلَافِ الشُّرْبِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمُفْرَدًا فِي رِوَايَةٍ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِبَعْدِ سُقُوطِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَهُ يَجُوزُ نَظَرًا إلَى الْبِنَاءِ الْقَائِمِ فِيهِ وَإِنْ سَقَطَ الْعُلُوُّ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ

(الْمَسِيلِ وَلَا هِبَتُهُ) لِأَنَّ رَقَبَةَ الْمَسِيلِ مَجْهُولٌ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ مِنْ الْأَرْضِ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ حُدُودَهُ وَمَوْضِعَهُ جَازَ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَسِيلِ التَّسْيِيلَ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ كَانَ حَقَّ التَّعَلِّي وَقَدْ مَرَّ بُطْلَانُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَجْهُولًا بِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ (وَصَحَّا) أَيْ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ (فِي الطَّرِيقِ) لِأَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مَعْلُومٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَمُقَدَّرٌ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ فَيَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ حَقٌّ مَعْلُومٌ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنٍ بَاقٍ وَصَحَّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ. (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ شَخْصٍ عَلَى أَنَّهُ أَمَةٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ) وَكَذَا عَكْسُهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ اخْتِلَافٌ بِالْوَصْفِ لِأَنَّهُمَا وَصْفَانِ فِي الْحَيَوَانِ وَاخْتِلَافُ الْوَصْفِ يُوجِبُ الْخِيَارَ إلَّا الْفَسَادَ كَمَا فِي الْبَهَائِمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ وَمِنْ الْأَمَةِ الِاسْتِخْدَامُ دَاخِلَ الدَّارِ كَالِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِمَا فَبِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ صَارَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. (وَلَوْ بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ صَحَّ وَيُخَيَّرُ) وَجْهُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْأُنْثَى وَالذَّكَرُ يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ فَكَانَ جِنْسًا وَاحِدًا فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّ فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ فِي الْمُسَمَّى إذَا اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ وَالتَّسْمِيَةَ لِإِعْلَامِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الذَّاتِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي التَّعْرِيفِ وَيَحْتَاجُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِيهِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَجْعَلَ الْإِشَارَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّسْمِيَةَ لِلتَّرْغِيبِ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ الْأَعْرَفُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَا) يَجُوزُ (شِرَاءُ مَا بَاعَ) الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ سِلْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ) مِنْ الثَّمَنِ (قَبْلَ نَقْدِ) كُلِّ (الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ دِرْهَمٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ صُورَتُهَا بَاعَ جَارِيَةً مَثَلًا بِأَلْفٍ حَالَّةً أَوْ نَسِيئَةً فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِالْأَقَلِّ فَالْبَيْعُ الثَّانِي فَاسِدٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ

كَمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَعْدَ النَّقْدِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا جَوَازَهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَاعَتْ بِسِتِّمِائَةٍ بَعْدَمَا اشْتَرَتْ بِثَمَانِمِائَةٍ: بِئْسَ مَا شَرَيْت وَاشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حَجَّهُ وَجِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْهُ فِي ضَمَانِهِ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِعَرَضٍ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ وَإِنَّمَا تَرَكَ فَاعِلَ الشِّرَاءِ لِيَشْمَلَ شِرَاءَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَمُكَاتَبِهِ فَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا فِي غَيْرِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَهُ وَكَالَةً عَنْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْبَائِعُ وَمَحَلُّ كَلَامِهِ شِرَاءُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَخَرَجَ شِرَاءُ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَكِيلِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَأَمَّا شِرَاءُ الْبَائِعِ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِيه أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُوصِي فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِمَا بَاعَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا انْتَقَضَ وَتَغَيَّرَ بِعَيْبٍ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ اتِّحَادِ جِنْسِ الثَّمَنِ فَإِنْ اخْتَلَفَ جَازَ مُطْلَقًا وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ هُنَا. (وَكَذَا شِرَاؤُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَا بَاعَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ حَالَ كَوْنِ مَا بَاعَ (مَعَ غَيْرِهِ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَيَصِحُّ فِي الْغَيْرِ بِحِصَّتِهِ) صُورَتُهَا بَاعَ جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَجَارِيَةً أُخْرَى مَعَهَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الشِّرَاءَ فِي الَّتِي لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ صَحِيحٌ وَفِي الْأُخْرَى وَهِيَ الَّتِي بَاعَهَا مِنْهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ ضَرُورَةً وَلَا يَسْرِي الْفَسَادُ لِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَيُقْصَرُ عَلَى مَحَلِّهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ. (وَلَا) يَجُوزُ (شِرَاءُ زَيْتِ) أَيْ دُهْنِ الزَّيْتُونِ (عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ) أَيْ بِشَرْطِ وَزْنِهِ مَعَهُ (، وَ) أَنْ (يَطْرَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الزَّيْتِ (لِكُلِّ ظَرْفٍ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ) كَخَمْسِينَ رِطْلًا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ وَزْنَ الظَّرْفِ فَإِذَا طَرَحَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ رِطْلًا مَثَلًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ إلَّا إذَا عُرِفَ وَزْنُهُ خَمْسُونَ رِطْلًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ (وَإِنْ شَرَطَ طَرْحَ مِثْلِ وَزْنِ الظَّرْفِ يَصِحُّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيه الْعَقْدُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (فِي الظَّرْفِ وَقَدْرِهِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي الظَّرْفُ هَذَا وَهُوَ عَشْرَةُ أَرْطَالٍ وَقَالَ الْبَائِعُ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الظَّرْفِ الْمَقْبُوضِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْرِ الزَّيْتِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ قَابِضٌ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَكَذَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ وَلَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الثَّمَنِ

ثَبَتَ تَبَعًا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الزِّقِّ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ بِهِ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا ثَبَتَ تَبَعًا لِأَنَّ حُكْمَ التَّبَعِ لَا يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ. (وَلَوْ أَمَرَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا صَحَّ) أَيْ يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَبِشِرَائِهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْأَصْلِ لِأَهْلِيَّتِهِ لَا لِنِيَابَتِهِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذْ الْوَكِيلُ نَائِبٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ عَائِدٌ إلَيْهِ فَمُبَاشَرَتُهُ كَمُبَاشَرَتِهِ وَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْمُسْلِمِ فِي بَيْعِهَا وَلَا شِرَائِهَا وَالتَّوْكِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوِلَايَةِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ غَيْرَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأُمِّ يُكْرَهُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ. (وَكَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (لَوْ أَمَرَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ) الَّذِي اصْطَادَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا. (وَلَوْ شَرَى كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَمُصْحَفًا صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِمَا مِنْ مِلْكِهِ) أَيْ مِنْ مِلْكِ الْكَافِرِ دَفْعًا لِلذُّلِّ مِنْ جِهَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إذْلَالًا مِنْ جِهَةِ مَمْلُوكِيَّتِهَا لِلْكَافِرِ قُيِّدَ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمًا لِلْخِدْمَةِ جَازَ اتِّفَاقًا وَلَكِنْ يُكْرَهُ. (وَالْبَيْعُ بِشَرْطٍ يَقْتَضِيه الْعَقْدُ صَحِيحٌ كَشَرْطِ) كَوْنِ (الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي) وَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ لَا يَزِيدُ شَيْئًا بَلْ يُؤَكِّدُ مُوجَبَ الْعَقْدِ. (وَكَذَا) يَصِحُّ (بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَبِيعُ الْمُسْتَحَقُّ لِلنَّفْعِ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا (كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ مِنْك عَلَى أَنْ لَا تَبِيعَهَا أَوْ تُسَيِّبَهَا فِي الْمَرْعَى لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلَا يَحْتَمِلُ الرِّبَا لِعَدَمِ النَّفْعِ الزَّائِدِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ قِيلَ: هَذَا مِثَالٌ لِعَدَمِ النَّفْعِ لِلْعَاقِدَيْنِ مَعَ مَنْفَعَتِهِ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَكِنْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا يَصِحُّ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ لِلْعَقْدِ كَشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مُعَيَّنًا أَوْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ هَذَا لَا يُفْسِدُ بَلْ يُؤَكِّدُ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ يَفْسُدَانِ لِلْمُنَازَعَةِ وَكَذَا يَصِحُّ بِشَرْطٍ يُلَائِمُ الْعَقْدَ لِوُرُودِ النَّصِّ عَلَى جَوَازِهِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ رُخْصَةً وَتَيْسِيرًا. (وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ (بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِي نَفْعٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (أَوْ لِمَبِيعٍ يَسْتَحِقُّ) النَّفْعَ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْبَيْعُ (فَاسِدٌ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ عَرِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا وَكُلُّ عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ الرِّبَا يَكُونُ فَاسِدًا. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ؛ إذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِحَرْفِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْت إنْ كُنْت تُعْطِينِي كَذَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ (كَبَيْعِ عَبْدٍ

عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ) كَبَيْعِ (أَمَةٍ عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا) الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْمُشْتَرِي) بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ (عَادَ الْبَيْعُ صَحِيحًا) اسْتِحْسَانًا (فَتَلْزَمُ) عَلَى الْمُشْتَرِي (الثَّمَنُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَعُودُ) صَحِيحًا (فَتَلْزَمُ) عَلَى الْمُشْتَرِي (الْقِيمَةُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ بِالشَّرْطِ أَعَتَقَ أَوْ لَمْ يُعْتِقْ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا إذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّرْطَ وَإِنْ لَمْ يُلَائِمْ الْعَقْدَ لِذَاتِهِ لَكِنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمِلْكِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُ الْعِتْقُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ فَإِذَا تَلِفَ بِوَجْهٍ آخَرَ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُلَاءَمَةُ فَيَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ تَحَقَّقَتْ الْمُلَاءَمَةُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْجَوَازِ فَيَعُودُ صَحِيحًا. وَفِي الْحَقَائِقِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ (وَكَشَرْطِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ يَسْكُنَهَا) أَيْ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ (أَوْ لَا يُسَلِّمَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَسْكُنُهَا وَلَا يُسَلِّمُهُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ (أَوْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ يُهْدِيَ لَهُ) الْمُشْتَرِي (هَدِيَّةً) هَذِهِ أَمْثِلَةُ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعُ الْبَائِعِ (أَوْ) كَشَرْطِ أَنْ (يَقْطَعَ الْبَائِعُ الثَّوْبَ وَيَخِيطَهُ قَبَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ يَحْذُوَ النَّعْلَ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى جِلْدًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ الْبَائِعُ نَعْلًا لِلْمُشْتَرِي يُقَالُ حَذَا لِي نَعْلًا أَيْ عَمِلَهَا (أَوْ يُشْرِكَهُ) أَيْ النَّعْلَ مِنْ التَّشْرِيكِ وَهُوَ وَضْعُ الشِّرَاكِ عَلَى النَّعْلِ وَهُوَ السَّيْرُ الَّذِي عَنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ هَذِهِ أَمْثِلَةُ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي فَيَفْسُدُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي بَيْعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ (وَيَصِحُّ فِي النَّعْلِ اسْتِحْسَانًا) لِلتَّعَامُلِ لِأَنَّ التَّعَامُلَ يُرَجَّحُ عَلَى الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ إجْمَاعًا عَمَلِيًّا وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا) لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَا) يَجُوزُ (الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ) وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نُزُولِ الشَّمْسِ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ وَابْتِدَاءُ رَبِيعٍ (وَالْمِهْرَجَانِ) وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ نُزُولِ الشَّمْسِ فِي الْمِيزَانِ وَابْتِدَاءُ خَرِيفٍ (وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاقِدَانِ) مِقْدَارَ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ لِأَنَّ النَّيْرُوزَ وَالْمِهْرَجَانَ لَا يَتَعَيَّنَانِ إلَّا بِظَنٍّ وَمُمَارَسَةٍ بِعِلْمِ النُّجُومِ فَرُبَّمَا يَقَعُ الْخَطَأُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَكَذَا صَوْمُ النَّصَارَى وَفِطْرُ الْيَهُودِ يَكُونَانِ مَجْهُولَيْنِ لِأَنَّ النَّصَارَى يَبْتَدِئُونَ وَيَصُومُونَ خَمْسِينَ يَوْمًا

فَيُفْطِرُونَ فَيَوْمُ صَوْمِهِمْ مَجْهُولٌ وَأَمَّا فِطْرُهُمْ بَعْدَ مَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ فَمَعْلُومٌ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ وَلَا فَسَادَ وَالْيَهُودُ يَصُومُونَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ إلَى تَمَامِ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ ثُمَّ يُفْطِرُونَ فَيَوْمُ صَوْمِهِمْ وَفِطْرِهِمْ مَجْهُولٌ لِاخْتِلَافِهِمَا بِاخْتِلَافِ عِدَّةِ شَهْرِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَاقِدَانِ هَذِهِ الْآجَالَ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ. (وَلَا) يَجُوزُ (الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَقْتَ قَطْعِ الزَّرْعِ (وَالدِّيَاسِ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقْتَ وَطْءِ الدَّوَابِّ الْحِنْطَةَ وَغَيْرَهَا (وَالْقِطَافِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ فِيهِ وَقْتَ قَطْعِ الْعِنَبِ مِنْ الْكَرْمِ (وَالْجِزَازِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَقْتَ جَزِّ الصُّوفِ مِنْ ظَهْرِ الْغَنَمِ وَقِيلَ جِزَازُ النَّخْلِ. وَفِي الْهِدَايَةِ بِالزَّايِ وَذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ وَبِالْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ فِي النَّخْلِ (وَقُدُومِ الْحَاجِّ) أَيْ وَقْتَ مَجِيءِ الْحَاجِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ أَوْقَاتِهَا لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ (وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) لِكَوْنِ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ إذْ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى. وَفِي التَّسْهِيلِ وَفِي النَّذْرِ تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ وَلَوْ فَاحِشَةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُهَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، قُيِّدَ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا مُتَفَاحِشَةٌ (فَإِنْ أَسْقَطَ) مِمَّنْ لَهُ الْأَجَلُ (الْأَجَلَ) الْمُفْسِدَ لِلْبَيْعِ (قَبْلَ حُلُولِهِ) أَيْ قَبْلَ مَجِيءِ الْأَجَلِ الْمُفْسِدِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ النِّزَاعُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ مَعَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ إذْ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ فَسَادِهِ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا أَصْلًا وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ لَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَكَذَا لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا) عَنْ هَذِهِ الْآجَالِ (ثُمَّ أَجَّلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ لَا الثَّمَنِ، فَالدَّيْنُ هُنَا فِي التَّحَمُّلِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ بِأَلْفٍ نِصْفَهُ نَقْدًا وَنِصْفَهُ إلَى رُجُوعِهِ مِنْ زَمَسْتَانَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَالْفَتْوَى عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى شَهْرٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَمَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ يَجُوزُ) الْبَيْعُ (إنْ عَلِمَهُ) أَيْ النَّصِيبَ مِنْهَا (الْمُتَعَاقِدَانِ) عِلْمُ مِقْدَارِ نَصِيبِهِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلِمَا أَوْ لَا لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِالْجَهَالَةِ فَلَا تُفْضِي الْمُنَازَعَةَ (وَيَكْفِي عِلْمُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ تَضُرُّهُ لَا الْبَائِعَ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَكَذَا شِرَاءُ الدَّارِ بِفِنَائِهَا فَاسِدٌ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

فصل في قبض المشتري المبيع بيعا باطلا بإذن بائعة

[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة] فَصَلِّ لَمَّا ذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَالْبَاطِلَ ذَكَرَ حُكْمَهُمَا عَقِيبَهُمَا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ أَثَرُهُ وَأَثَرُ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ وُجُودًا وَكَذَا يَتْبَعُهُ ذِكْرًا لِلْمُنَاسَبَةِ (قَبْضُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ لَا يَمْلِكُهُ) لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَبِيعُ الْبَاطِلُ لَا يُعَدُّ مَالًا. وَفِي الْفَرَائِدِ إنَّ قَوْلَهُ (قَبْضُ) لَوْ قُرِئَ عَلَى لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الشَّرْطِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ وَلَوْ قُبِضَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ جَوَابَهُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقْرَأَ مَصْدَرًا مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ مُضَافًا إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ مِنْ التَّفْعِيلِ خَبَرَهُ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَفَاعِلُهُ الْمُسْتَكِنُّ فِيهِ رَاجِعًا إلَى الْقَبْضِ انْتَهَى لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ التَّعَسُّفِ فِيهِ وَالْأَوْلَى قَوْلُهُ يَمْلِكُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا قَبْضُ الْمَبِيعِ بَيْعًا بَاطِلًا إلَى آخِرِهِ تَدَبَّرْ (وَهُوَ) أَيْ الْمَبِيعُ (أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ) فَلَا يُضْمَنُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ (وَمَضْمُونٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (وَقِيلَ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُهُ أَمَانَةً (قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) أَيْ كَوْنُهُ مَضْمُونًا (قَوْلُهُمَا أَخْذًا) أَيْ أَخْذُ صَاحِبِ الْقِيلِ كَوْنَ الْأَوَّلِ قَوْلَهُ وَالثَّانِي قَوْلَهُمَا (مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي مَا لَوْ بِيعَ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَمَاتَ فِي يَدِ مُشْتَرِيه حَيْثُ لَا يُضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقِيلِ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ بَيْعًا بَاطِلًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَقَالَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا. (وَلَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ صَرِيحًا) كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِأَمْرِهِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ (أَوْ دَلَالَةً كَقَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ عَقْدِهِ) وَلَمْ يَنْهَهُ الْبَائِعُ عَنْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (وَكُلُّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ (مِنْ) الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (عِوَضَيْهِ) أَيْ الْبَيْعِ (مَالٌ) خَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ ثَانِيًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ الْبَاطِلَةِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ الْفَاسِدِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَصَرَّحَ بِمَا يُخْرِجُهَا انْتَهَى لَكِنْ هَذَا يَكُونُ جَوَابًا لِمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَلَا يَكُونُ جَوَابًا لِمَا فِي هَذَا الْمَتْنِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ أَوَّلًا حُكْمَ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَاسِدِ فَلَا يُقَالُ هُنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدِ مَا هُوَ الْبَاطِلُ أَوْ أَعَمُّ بَلْ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ (مَلَكَهُ) أَيْ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ بِدُونِ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ السَّبَبَ ضَعِيفٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا لَمْ يَتَقَوَّ بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ، وَقُيِّدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ

اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِذْنَ دُونَ الرِّضَى لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي بَعْضَ أَفْرَادِهِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بَيْعٌ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَلَنَا أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيُفِيدُ الْمِلْكَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِوَاوِ الِاعْتِرَاضِ لَا الْعَطْفِ عَلَى مَلَكَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (لِهَلَاكِهِ) أَيْ وَقْتَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (مِثْلُهُ) أَيْ الْمَبِيعُ (حَقِيقَةً) أَيْ صُورَةً وَمَعْنًى فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ (أَوْ) مِثْلُهُ (مَعْنًى كَالْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ) كَالْحَيَوَانِ وَالْعَرَضِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا رُدَّ بِعَيْنِهِ وَإِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَالْغَضَبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ إلَّا إذَا زَادَتْ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ لَا السِّعْرُ فَإِنَّهُ يُوَافِقُ الشَّيْخَيْنِ فَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرَ الضَّمَانِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ بِلَا عِلْمِ الصَّاحِبِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَإِنَّمَا عِنْدَهُمَا عَلِمَهُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ لَكِنْ فِي الْكَافِي أَنَّهُ شَرْطٌ وَالْأَوْلَى فِي مَكَانِ اللَّامِ كَلِمَةُ عَلَى فَإِنَّ إعْدَامَ الْفَسَادِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَعَلَى هَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى انْتَهَى لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ آخَرُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةَ الْفَسْخِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ مُلِكَ بِالْقَبْضِ تَأَمَّلْ. (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ (مَا دَامَ) الْمَبِيعُ (فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ) أَيْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ أَيْضًا لِقُوَّةِ الْفَسَادِ. (وَإِنْ كَانَ) الْفَسَادُ (لِشَرْطٍ زَائِدٍ كَشَرْطِ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) مَثَلًا (فَكَذَا) يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) وَعَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ مَرَّ آنِفًا فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَكَذَا قَبْلَ الْقَبْضِ تَدَبَّرْ. (وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ) بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي (لَا لِمَنْ عَلَيْهِ الشَّرْطُ) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَوِيٌّ وَالْفَسَادَ ضَعِيفٌ فَمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ يَقْدِرُ أَنْ يُسْقِطَ شَرْطَ الْهَدِيَّةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا لِرَفْعِهِ الْمُفْسِدَ فَإِذَا فَسَخَ مَنْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّ الْغَيْرِ وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا حَقًّا لَهُمَا وَلَا حَقًّا لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ رَضِيَا بِالْعَقْدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنْ يَذْكُرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ لَا يَخْلُو عَنْ رَكَاكَةٍ بَلْ يَلْزَمُ التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ. (وَلَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْبَائِعُ) بَعْدَ الْفَسْخِ (حَتَّى يَرُدَّ ثَمَنَهُ) أَيْ ثَمَنَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ. (فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ) بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ (فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِحَبْسِ مَا اشْتَرَاهُ (حَتَّى يَأْخُذَ

ثَمَنَهُ) فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ حَبْسُ الثَّمَنِ حَتَّى يَأْخُذَ الْمَبِيعَ ذَكَرَ الثَّمَنَ مَقَامَ الْقِيمَةِ لِانْعِدَامِ الْفَسَادِ بِالْفَسْخِ وَلَا يَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي قِسْمَةِ غُرَمَاءِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقَدَّمٌ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَذَا يُقَدَّمُ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى التَّجْهِيزِ وَالْغُرَمَاءِ، فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ الثَّمَنِ بِعَيْنِهَا لَوْ قَائِمَةً وَيَأْخُذُ مِثْلَهَا لَوْ هَالِكَةً، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْبَائِعُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (وَطَابَ لِلْبَائِعِ رِبْحُ ثَمَنِهِ) مِنْ دَرَاهِمِ الْمَبِيعِ أَوْ دَنَانِيرِهِ (بَعْدَ التَّقَابُضِ) أَيْ اشْتِرَاكِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لِتَمَلُّكِهِ وَلَمْ يَطِبْ قَبْلَهُ لِعَدَمِ تَمَلُّكِهِ (لَا) أَيْ لَا يَطِيبُ (لِلْمُشْتَرِي رِبْحُ مَبِيعِهِ فَيَتَصَدَّقُ) الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ بِالرِّبْحِ وُجُوبًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ فَيَتَمَكَّنُ الْخَبَثُ فِيهِ وَالنَّقْدُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَبَثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَهَذَا فِي الْخَبَثِ الَّذِي سَبَّبَهُ فَسَادُ الْمِلْكِ أَمَّا الْخَبَثُ بِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْغَصْبِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ مُطْلَقًا لِأَنَّ عِنْدَهُ شَرْطَ الطِّيبِ الضَّمَانُ وَقَدْ وُجِدَ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَطِيبُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قِيلَ ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ فَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قُلْتُمْ مِنْ عَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ قُلْنَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لِهَذَا الْعَقْدِ شُبْهَتَيْنِ شُبْهَةُ الْغَصْبِ وَشُبْهَةُ الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً اُعْتُبِرَ شُبْهَةُ الْغَصْبِ سَعْيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا تُعْتَبَرُ شُبْهَةُ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَسْرِي الْفَسَادُ إلَى بَدَلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ انْتَهَى. وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْهِدَايَةِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ إنَّمَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مَا مَرَّ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بِوَجْهٍ آخَرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْعُقُودِ الْعُقُودُ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فَحِينَئِذٍ عَدَمُ التَّعَيُّنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّ تَعَيُّنُهُ فِي الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِلَا حَصْرٍ تَدَبَّرْ. وَفِي الْفَرَائِدِ كَلَامُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ يُفِيدُ دَفْعَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّ حَاصِلَ التَّنَاقُضِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ فِيمَا سَبَقَ: الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ التَّعَيُّنَ بِالتَّعْيِينِ فِي حَالَةِ قِيَامِ الثَّمَنِ، وَعَدَمَ التَّعَيُّنِ

فِي حَالَةِ عَدَمِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْجِهَتَانِ انْتَهَى هَذَا وَجْهٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا تَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لَيْسَ بِدَافِعٍ تَدَبَّرْ. (كَمَا طَابَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ فَقَضَى) أَيْ قَضَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَالَ (ثُمَّ تَصَادَقَا) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ الْمُدَّعَى (فَرَدَّ) الْمَالَ (بَعْدَمَا رَبِحَ فِيهِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْمَالَ الْمُؤَدَّى يَكُونُ بَدَلَ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ الْمَرْءُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ حُكْمًا فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي بَائِعًا دَيْنَهُ بِمَا أَخَذَ فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ صَارَ الْمُدَّعِي كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الدَّيْنَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِلْكًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَا فَاسِدٌ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ الْخَبَثُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. (فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِالْقَبْضِ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ. قَيَّدَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ بَيْعًا بَاتًّا صَحِيحًا وَلِغَيْرِ بَائِعِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فَاسِدًا لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ كَانَ نَقْضًا لِلْبَيْعِ هَذَا فِي الْعَقْدِ الَّذِي فَسَادُهُ لَيْسَ بِالْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي كُلَّهَا تُنْتَقَضُ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ (فَاسِدًا) أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ إجَارَةً صَحِيحَةً، وَقِيلَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ كَمُشْتَرٍ (فَاسِدًا) لَهُ الْبَيْعُ (جَائِزًا) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ نَقْضَ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ. (وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا الْعَبْدَ بَعْدَ قَبْضِهِ صَحَّ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَكَذَا تَوَابِعُ الْإِعْتَاقِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ (أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ) أَيْ إذَا وَهَبَهُ الْمُشْتَرِي وَسَلَّمَهُ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ وَصَحَّ (وَسَقَطَ) بِكُلٍّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْهِبَةِ وَبِالتَّسْلِيمِ (حَقُّ الْفَسْخِ) الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ فَنَفَذَ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ الْمَذْكُورَةُ، وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْفَسْخُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ إلَّا وَقَدْ غُلِّبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (قِيمَتُهُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ وَالرَّهْنُ كَالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فَيُثْبِتُ عَجْزَهُ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إلَّا أَنَّهُ يَعُودُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ بِفَكِّهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِالْبَيْعِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ. (وَلَوْ بَنَى) الْمُشْتَرِي (فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا فَاسِدًا أَوْ غَرَسَ فِيهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ الْإِمَامِ رَوَاهُ يَعْقُوبُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ

بيع النجش

(وَقَالَ يَنْقُضُ) الْمُشْتَرِي (الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَيَرُدُّ) الدَّارَ وَالْغَرْسَ، عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا إنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ حَقُّ الْبَائِعِ ثُمَّ أَضْعَفُ الْحَقَّيْنِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الدَّوَامُ وَقَدْ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّسْلِيطُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِبَةِ الْمُشْتَرِي وَبَيْعِهِ فَكَذَا بِبِنَائِهِ. (وَشَكَّ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَتِهِ لِمُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ لُزُومَ قِيمَتِهَا) أَيْ قِيمَةِ الدَّارِ (وَلَمْ يَشُكَّ مُحَمَّدٌ) فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ لُزُومَ قِيمَتِهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ رِوَايَتَهَا عَنْ الْإِمَامِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْبِنَاءِ وَثُبُوتُهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ. وَفِي الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ وَقَفَهُ أَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مَا لَمْ يَبْنِ. وَفِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ. وَأَمَّا إذَا قُضِيَ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ لِلُزُومِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْفُصُولَيْنِ تَبَعًا لِلْعِمَادِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ الْخَصَّافُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا وَوَقَفَهَا وَقْفًا صَحِيحًا وَجَعَلَ آخِرَهَا لِلْمَسَاكِينِ فَقَالَ الْوَقْفُ فِيهَا جَائِزٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْبَائِعِ انْتَهَى. لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ بَاعَ أَرْضًا بَيْعًا فَاسِدًا فَجَعَلَهُ الْمُشْتَرِي مَسْجِدًا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ مَا لَمْ يَبْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ بَنَاهُ بَطَلَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَهَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ مَا لَمْ يَبْنِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا إنَّ مَا فِي الْفُصُولَيْنِ عَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَا قَالَ الْخَصَّافُ عَلَى غَيْرِهَا وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ غَيْرُ صَحِيحٍ تَدَبَّرْ. قِيلَ لَمَّا كَانَ الْمَكْرُوهُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ الْفَاسِدِ وَلَكِنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِهِ أُلْحِقَ بِالْفَاسِدِ وَأَخَّرَهُ عَنْهُ فَقَالَ. [بَيْع النَّجْش] (وَكُرِهَ النَّجْشُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِسُكُونِ الْجِيمِ أَيْضًا إنْ زِيدَ الثَّمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا يُرِدْ الشِّرَاءَ لِتَرْغِيبِ غَيْرِهِ وَيَجْرِي فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنَاجَشُوا» أَيْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا طَلَبَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ الْآخَرُ فِي الثَّمَنِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَمَنَ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الشِّرَاءَ. (وَ) كُرِهَ (السَّوْمُ) أَيْ الِاسْتِشْرَاءُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ (عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) أَيْ اسْتِشْرَاءِ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ (إذَا رَضِيَا) ظَرْفَ السَّوْمِ (بِثَمَنٍ) مَعْلُومٍ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا إلَى الْعَقْدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَهُوَ نَفْيٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فَيُفِيدُ الْمَشْرُوعِيَّةَ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ إذَا رَضِيَا لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ. (وَ) كُرِهَ (تَلَقِّي الْجَلْبِ) أَيْ اسْتِقْبَالُ مَنْ فِي الْمِصْرِ جَلْبًا بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ السُّكُونِ أَيْ مَجْلُوبًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (الْمُضِرِّ) صِفَةُ

التَّلَقِّي (بِأَهْلِ الْبَلَدِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا إذَا لَبَسَ سِعْرُ الْبَلَدِ عَلَى الْوَارِدِينَ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ (بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي طَمَعًا فِي غَلَاءِ الثَّمَنِ زَمَنَ الْقَحْطِ) أَيْ يُكْرَهُ بَيْعُ الْبَلَدِيِّ مِنْ الْبَدْوِيِّ فِي زَمَانِ الْقَحْطِ؛ عَلَفَهُ وَطَعَامَهُ طَمَعًا فِي ثَمَنٍ مُتَجَاوِزٍ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَلِلضَّرَرِ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَأَيْضًا يُكْرَهُ بَيْعُ الْبَلَدِيِّ لِأَجْلِ الْبَدْوِيِّ فِي الْبَلَدِ كَالسِّمْسَارِ فَيُغَالِي السِّعْرَ عَلَى النَّاسِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ لَلَزِمَ الرُّخْصَةَ فِي السِّعْرِ وَلَمْ يَقَعْ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي السِّعْرِ. (اللَّامُ) فِي لِلْبَادِي إمَّا بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْ بِمَعْنَى الْأَجْلِ فَلِهَذَا صُوِّرَ بِوَجْهَيْنِ. قَيَّدَ نَقْلَهُ فِي زَمَنِ الْقَحْطِ لِأَنَّهُ فِي الرُّخْصِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. (وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِوَاجِبِ السَّعْيِ إذَا قَعَدَا لِلْبَيْعِ أَوْ وَقَفَا لَهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ إلَيْهَا وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُشْكِلٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ النِّدَاءُ الْأَوَّلُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ (لَا) يُكْرَهُ (بَيْعٌ مَنْ زَيَّدَ) هَذَا تَصْرِيحٌ لِمَا عُلِمَ ضِمْنًا لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ إذَا رَضِيَا بِثَمَنٍ فَإِذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا فَلَا كَمَا مَرَّ آنِفًا (وَصَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ النَّجْشُ إلَى هُنَا لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الِانْعِقَادَ. (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَوْ كَبِيرًا) أَحَدُهُمَا (وَصَغِيرًا) آخَرَ لِلَّذَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ) وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِمَمْلُوكَيْنِ (كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «وَوَهَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا فَعَلْتَ بِالْغُلَامَيْنِ؟ فَقَالَ بِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَدْرِكْ أَدْرِكْ وَيُرْوَى اُرْدُدْ اُرْدُدْ» وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَبِالْكَبِيرِ الْكَبِيرُ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الرَّحْمَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَقَدْ أُوعِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُومٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِدُونِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ) أَيْ لَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ) هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ إيحَاشِ الصَّغِيرِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَكِنْ يَأْثَمُ الْبَائِعُ لِارْتِكَابِهِ

باب الإقالة

الْمَنْهِيَّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ) حَيْثُ قَالَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيهَا وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا (فِي رِوَايَةٍ) عَنْهُ. (وَ) يَفْسُدُ (فِي الْجَمِيعِ فِي) رِوَايَةٍ (أُخْرَى) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِدْرَاكِ وَالرَّدِّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ فَيَنْفُذُ وَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لَهُ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِهِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ (فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ) لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ فِي الصَّغِيرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَكَمَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ يُكْرَهُ فِي الْقِيمَةِ فِي الْمِيرَاثِ وَالْغَنَائِمِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا وَأَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَلَا يُكْرَهُ. [بَاب الْإِقَالَة] ُ الْخَلَاصُ عَنْ خَبَثِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ لَمَّا كَانَ بِالْفَسْخِ كَانَ لِلْإِقَالَةِ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ بِهِمَا فَأَعْقَبَ ذِكْرَهَا إيَّاهُمَا وَهِيَ لُغَةً الرَّفْعُ مُطْلَقًا مِنْ الْقَلِيلِ لَا مِنْ الْقَوْلِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ بِدَلِيلِ قِلْتُ الْبَيْعَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَثَرَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا وَكُلُّ مَا هُوَ حَقُّهُمَا يَمْلِكَانِ رَفْعَهُ بِحَاجَتِهِمَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْعًا رَفْعُ عَقْدِ الْبَيْعِ غَيْرِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ (تَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ) هَذَا بَيَانُ رُكْنِهِمَا وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالَّانِ عَلَيْهَا وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِمُسْتَقْبَلٍ وَالْآخَرُ بِمَاضٍ كَأَقِلْنِي فَقَدْ أَقَلْتُك عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَالنِّكَاحِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِمَا عَنْ الْمُضِيِّ كَالْبَيْعِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَوْلَ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ وَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِمَا لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ جَعَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فَلِهَذَا عَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ (وَتَتَوَقَّفُ) الْإِقَالَةُ (عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ) فَكَمَا يَصِحُّ قَبُولُهَا فِي مَجْلِسِهَا نَصًّا بِالْقَوْلِ يَصِحُّ قَبُولُهَا دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَلَوْ فَعَلَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (كَالْبَيْعِ) لَوْ قَبِلَ الْآخَرُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَمَا صَدَرَ عَنْهُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ لَا تَتِمُّ الْإِقَالَةُ (وَهِيَ) أَيْ الْإِقَالَةُ (بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ إجْمَاعًا) فَيَجِبُ بِالْإِقَالَةِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً وَتَقَايَلَا فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ لِكَوْنِهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي غَيْرِهِمَا وَهُوَ الشَّفِيعُ، وَيَجِبُ التَّقَابُضُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ السَّابِقُ صَرْفًا، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ إذَا اشْتَرَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ رُدَّ بِالْبَيْعِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَاسْتَرَدَّ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ

فِي حَقِّ الْفَقِيرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَزَادَ صَاحِبُ الْمِنَحِ إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِي يَد الْبَائِعِ فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْهُوبًا فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبَ لَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ. وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ وَكَانَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَالْمَمْلُوكِ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي. (وَفِي حَقِّهِمَا) أَيْ حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ (بَعْدَ الْقَبْضِ فَسْخٌ) لِلْعَقْدِ إنْ أَمْكَنَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ وَالْبَيْعُ عَنْ الثَّبَاتِ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْبَيْعِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَمَعْنَوِيٌّ إذْ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ جِنْسًا وَوَصْفًا وَقَدْرًا وَيَبْطُلُ مَا شَرَطَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالتَّأْجِيلِ وَلَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَيَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ قَبْلَ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَبَطَلَ وَيَصِحُّ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ بِلَا إعَادَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَجَازَ هِبَةُ الْمَبِيعِ مِنْهُ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ. (فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا) بِأَنْ زَادَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً أَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي غَيْرِ الْمُقَايَضَةِ (بَطَلَتْ) الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ هَذَا إذَا تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَمَالِكٍ وَهِيَ (بَيْعٌ) فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَوْ زَادَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً تَجُوزُ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِعِوَضٍ مَالِيٍّ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ الْمُجَرَّدَةِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) جَعْلُهَا بَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ أَوْ كَانَتْ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُقَايَضَةِ (فَفَسْخٌ) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ أَوْ يَحْتَمِلُهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) جَعْلُهَا فَسْخًا وَبَيْعًا بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فِي غَيْرِ الْمُقَايَضَةِ (بَطَلَتْ) الْإِقَالَةُ عِنْدَهُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَالْفَسْخُ يَكُونُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَقَدْ سَمَّيَا خِلَافَهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَزُفَرَ (فَسْخٌ) إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَقَلَّ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ يُقَالُ اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) جَعْلُهَا فَسْخًا بِأَنْ تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ جِنْسِ الْأَوَّلِ (فَبَيْعٌ) حَمْلًا عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَلِهَذَا صَارَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ

وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) جَعْلُهَا بَيْعًا وَفَسْخًا بِأَنْ تَقَايَلَا فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْأَوَّلِ (بَطَلَتْ) الْإِقَالَةُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ يَكُونُ فَسْخًا عِنْدَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ لَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ كَانَ فَسْخًا فَكَذَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْبَعْضِ. وَفِي النِّهَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا ذَكَرَ الْفَسْخَ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَلَوْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُفَاسَخَةِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ أَوْ الرَّدِّ لَا يُجْعَلُ بَيْعًا اتِّفَاقًا إعْمَالًا بِمُقْتَضَى مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ. (وَ) الْإِقَالَةُ (قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ فِي النَّقْلِيِّ وَغَيْرِهِ) أَيْ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْعَقَارِ بَيْعٌ) جَدِيدٌ إذْ لَا مَانِعَ فِي جَعْلِهَا بَيْعًا فِيهِ وَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا مَرَّ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ الْفُرُوعِ بِقَوْلِهِ. (فَلَوْ شَرَطَ فِيهَا) أَيْ الْإِقَالَةِ (أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافَ الْجِنْسِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَزِمَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الشَّرْطُ فَاسِدًا وَلَغْوًا دُونَ الْإِقَالَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَتَصِحُّ بِالسُّكُوتِ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَيَجِبُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ لِلْوَقْفِ أَوْ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لِلْوَقْفِ أَوْ لِلصَّغِيرِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَقْفِ وَحَقِّ الصَّغِيرِ (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الشَّرْطُ لَوْ) كَانَتْ الْإِقَالَةُ (بَعْدَ الْقَبْضِ) وَتُجْعَلُ الْإِقَالَةُ (بَيْعًا) جَدِيدًا لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فَجَعْلُهَا بَيْعًا مُمْكِنٌ فَإِذَا زَادَ أَوْ شَرَطَ خِلَافَ الْجِنْسِ كَانَ قَاصِدًا الْبَيْعَ. (وَإِنْ شَرَطَ أَقَلَّ) مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (مِنْ غَيْرِهِ، تَعَيَّبَ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي (لَزِمَ) الثَّمَنُ (الْأَوَّلُ أَيْضًا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُجْعَلُ بَيْعًا وَيَصِحُّ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ. (وَإِنْ تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَشَرَطَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى الْعَيْبِ (صَحَّ الشَّرْطُ اتِّفَاقًا) فَيَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيُجْعَلُ الْحَطُّ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْإِقَالَةُ (بَعْدَ وِلَادَةِ الْمَبِيعَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَبِيعَةَ إذَا زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً تَكُونُ الْإِقَالَةُ بَاطِلَةً عِنْدَهُ، أَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُتَّصِلَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا تَمْنَعُ الْإِقَالَةَ عِنْدَهُ (خِلَافُهَا لَهُمَا) لِأَنَّ الْبَيْعَ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَصْلُ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا تُجْعَلُ بَيْعًا (وَلَا يَمْنَعُهَا) أَيْ الْإِقَالَةَ (هَلَاكُ الثَّمَنِ بَلْ) يَمْنَعُهَا (هَلَاكُ الْمَبِيعِ) لِأَنَّهَا رَفْعُ الْبَيْعِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَلِهَذَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ هَلَاكِ الثَّمَنِ (وَهَلَاكُ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الْمَبِيعِ (يَمْنَعُ) الْإِقَالَةَ (بِقَدْرِهِ) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَفِي التَّنْوِيرِ

باب المرابحة والتولية

وَإِذَا هَلَكَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمُفَاوَضَةِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي مِنْهُمَا وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْهَالِكِ إنْ قِيَمِيًّا وَمِثْلُهُ إنْ مِثْلِيًّا. تَقَايَلَا فَأَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ تَبْطُلُ. وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْإِقَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنِ التَّرْكِ. وَتَصِحُّ إقَالَةُ الْإِقَالَةِ فَلَوْ تَقَايَلَا الْمَبِيعَ ثُمَّ تَقَايَلَاهَا أَيْ الْإِقَالَةَ ارْتَفَعَتْ وَعَادَ عَقْدُ الْإِقَالَةِ لَا إقَالَةِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْبَيْعُ مِنْ الْبُيُوعِ اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ وَمَا يَرْفَعُهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَغَيْرِهِمَا (الْمُرَابَحَةُ بَيْعُ مَا شَرَاهُ) . وَفِي الدُّرَرِ بَيْعُ مَا مَلَكَهُ لَمْ يَقُلْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي لِيَتَنَاوَلَ مَا إذَا ضَاعَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى مَا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرَاءٌ (بِمَا شَرَاهُ بِهِ) أَيْ بِمِثْلِ مَا قَامَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ بَلْ مِثْلُهُ فَهَذَا عُلِمَ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحًا (وَزِيَادَةً) عَلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَسَبَبُ جَوَازِ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً تَعَامُلُ النَّاسِ بِلَا نَكِيرٍ، وَاحْتِيَاجُ الْغَبِيِّ إلَى الذَّكِيِّ مَعَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ. (وَالتَّوْلِيَةُ) مَصْدَرُ وَلَّى غَيْرَهُ إذَا جَعَلَهُ وَالِيًا. وَفِي الشَّرْعِ (بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَا مَلَكَهُ (بِهِ) أَيْ بِمِثْلِ مَا قَامَ عَلَيْهِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَا شَرَاهُ وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ صَارَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فَلَا يُمْكِنُ الْبَيْعُ بِهِ وَفِيهِ أَيْضًا اشْتِبَاهٌ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ أُجْرَةَ الصَّبْغِ وَغَيْرِهِ تُضَمُّ إلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ الثَّانِي مِثْلًا لَهُ فِي الْمِقْدَارِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ لَكَانَ أَوْلَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكْلِيفِ تَدَبَّرْ. (بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ) وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَيْعُهُ بَيْعُ الْعَرَضِ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ وَالتَّوْلِيَةَ لَا تَجُوزَانِ فِي بَيْعِ الصَّرْفِ، وَعِلَّةُ جَوَازِ الْبَيْعِ تَوْلِيَةً مَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِّنِي أَحَدَهُمَا» أَيْ بِعْهُ بِالتَّوْلِيَةِ. (وَالْوَضِيعَةُ بَيْعُهُ بِأَنْقَصَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَامَ عَلَيْهِ مَبْنَاهَا عَلَى الْأَمَانَةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْتَمِنُ الْبَائِعَ فِي خَبَرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ التَّنَزُّهُ عَنْ الْخِيَانَةِ وَالتَّجَنُّبُ عَنْ الْكَذِبِ لِئَلَّا يَقَعَ الْمُشْتَرِي فِي غُرُورٍ (وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْوَضِيعَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مِثْلِيًّا) كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَأَشْيَاءَ مُتَفَاوِتَةٍ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَوَاهِرِ يَكُونُ مُرَابَحَةً بِالْقِيمَةِ وَهُوَ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا لَا يُمْكِنُ

حَقِيقَةً فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً إلَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يُرَابِحُهُ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالْبَدَلِ مِنْ الْبَائِعِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ (أَوْ) كَانَ (فِي مِلْكِ مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ وَ) يَكُونُ (الرِّبْحُ مَعْلُومًا) لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِثْلِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي وَالرِّبْحُ مِثْلِيٌّ مَعْلُومٌ انْتَهَى. وَفِي الْبَحْرِ وَتَقْيِيدُ الرِّبْحِ بِالْمِثْلِيِّ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى عَيْنٍ قِيمَتُهُ مُشَارٌ إلَيْهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَوْ بِرِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ " ده يازده " أَيْ بِرِبْحِ مِقْدَارِ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَحَدَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عِشْرِينَ كَانَ الرِّبْحُ دِرْهَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ كَانَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. (وَيَجُوزُ أَنْ يَضُمَّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقِصَارَةِ وَالصِّبْغِ) سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ غَيْرَهُ (وَالطِّرَازِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ زَايٌ: عَلَمُ الثَّوْبِ (وَالْفَتْلِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَا يُصْنَعُ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ أَوْ كَتَّانٍ (وَالْحَمْلِ) أَيْ أُجْرَةُ حَمْلِ الْمَبِيعِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بَرًّا أَوْ بَحْرًا (وَسَوْقِ الْغَنَمِ وَالسِّمْسَارِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتِهِ كَالصِّبْغِ وَالْحَمْلِ يُلْحَقُ بِهِ وَمَا لَا فَلَا، وَقَيَّدَ بِالْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ لَا يَضُمُّهُ وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ بِهِبَةٍ أَوْ بِإِعَارَةٍ وَكَذَا يَضُمُّ تَجْصِيصَ الدَّارِ وَطَيَّ الْبِئْرِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ وَالْقَنَاةِ وَالْمُسَنَّاةِ وَالْكِرَابِ وَكَشَنْحِ الْكُرُومِ وَسَقْيَهَا وَالزَّرْعَ وَغَرْسَ الْأَشْجَارِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ يُضَمُّ طَعَامُ الْمَبِيعِ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً فَلَا يُضَمُّ، وَكِسْوَتُهُ وَكِرَاهُ وَأُجْرَةُ الْمَخْزَنِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ. وَأَمَّا أُجْرَةُ السِّمْسَارِ وَالدَّلَّالُ فَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى عَدَمِ الضَّمِّ فِي الْأَوَّلِ وَلَا تُضَمُّ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. وَهُوَ تَسَامُحٌ فَإِنَّ أُجْرَةَ الْأَوَّلِ تُضَمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الدَّلَّالِ قِيلَ لَا تُضَمُّ وَالْمَرْجِعُ الْعُرْفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (لَكِنْ يَقُولُ) بَعْدَ ضَمِّ أُجْرَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا لَا) يَقُولُ (اشْتَرَيْته) بِالْإِجْمَاعِ تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا إذَا قَوَّمَ الْمَوْرُوثَ وَنَحْوَهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا رَقَّمَ عَلَى الثَّوْبِ شَيْئًا وَبَاعَهُ بِرَقْمِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِرَقْمِهِ كَذَا (وَلَا يَضُمُّ نَفَقَتَهُ) أَيْ نَفَقَةَ نَفْسِهِ أَيْ الْبَائِعِ (وَلَا) يَضُمُّ (أَجْرَ الرَّاعِي وَالطَّبِيبِ وَالْمُعَلِّمِ وَبَيْتِ الْحِفْظِ) لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِإِلْحَاقِهِ، أَطْلَقَ فِي التَّعْلِيمِ فَشَمِلَ تَعْلِيمَ الْعَبْدِ صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ شِعْرًا أَوْ غِنَاءً أَوْ عَرَبِيَّةً. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٍ ظَاهِرٍ يُلْحِقُهُ بِرَأْسِ الْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلِذَا لَا يُلْحَقُ أُجْرَةُ الرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ وَجُعْلِ الْآبِقُ لِنُدْرَتِهِ وَالْحَجَّامَةِ وَالْخَتَّانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَكَذَا لَا يُضَمُّ مَهْرُ الْعَبْدِ

وَلَا يُحَطُّ مَهْرُ الْأَمَةِ لَوْ زَوَّجَهَا وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ فِي الطَّرِيقِ بِطَرِيقِ الظُّلْمِ لَا يُضَمُّ إلَّا فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. (فَإِنْ ظَهَرَ لِلْمُشْتَرِي خِيَانَةُ) الْبَائِعِ (فِي الْمُرَابَحَةِ) إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ (خُيِّرَ) الْمُشْتَرِي (فِي أَخْذِهِ بِكُلِّ ثَمَنِهِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى (أَوْ تَرْكِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ إنْ أَمْكَنَ التَّرْكُ. (وَ) إنْ ظَهَرَ الْخِيَانَةُ (فِي التَّوْلِيَةِ يَحُطُّ) أَيْ الْمُشْتَرِي (مِنْ ثَمَنِهِ قَدْرَ الْخِيَانَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَطُّ (الْقِيَاسُ فِي الْوَضِيعَةِ) يَعْنِي إذَا خَانَ خِيَانَةً يَنْفِي الْوَضِيعَةَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ خِيَانَةً يُوجَدُ الْوَضِيعَةُ مَعَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَهُ مَا سَمَّاهُ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا بَقِيَ تَوْلِيَةً لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَنْقَلِبُ مُرَابَحَةً بِخِلَافِ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْمُسَمَّى لَا يَلْزَمُ الِانْقِلَابُ بَلْ مُرَابَحَةٌ كَمَا كَانَتْ فَاعْتُبِرَ الْمُسَمَّى مَعَ الْخِيَارِ فِي خِيَانَةِ الْمُرَابَحَةِ لِفَوْتِ الرِّضَى وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي خِيَانَةِ التَّوْلِيَةِ لِئَلَّا تَنْقَلِبَ مُرَابَحَةً فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ فِي خِيَانَةِ التَّوْلِيَةِ. (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (قَدْرَ الْخِيَانَةِ مَعَ حِصَّتِهَا) أَيْ حِصَّةِ الْخِيَانَةِ (مِنْ الرِّبْحِ فِي الْمُرَابَحَةِ) مَثَلًا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَيَحُطُّ مِنْ الرِّبْحِ مَا يُقَابِلُ قَدْرَ الْخِيَانَةِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشْرَةَ دِرْهَمًا إذْ لَفْظُ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ أَصْلٌ فَيَبْتَنِي عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِتَحَقُّقِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ التَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ) بَيْنَ أَخْذِهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَتَرْكِهِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ إذْ الثَّمَنُ الْمُبْتَنَى عَلَى شِرَائِهِ مَجْهُولٌ وَالثَّمَنُ الْمُسَمَّى مَعْلُومٌ وَالْمَعْلُومُ أَوْلَى مِنْ الْمَجْهُولِ فَاعْتُبِرَ فِيهِمَا الْمُسَمَّى إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الرِّضَى. (فَلَوْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ بَعْدَ ظُهُورِ الْخِيَارِ فِي الْمُرَابَحَةِ (قَبْلَ الرَّدِّ) إلَى الْبَائِعِ (أَوْ امْتَنَعَ الْفَسْخُ) بِحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ (لَزِمَ كُلُّ الثَّمَنِ) الْمُسَمَّى وَسَقَطَ الْخِيَارُ (اتِّفَاقًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَلْزَمُهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةٌ بِتَسْلِيمِ الْفَائِتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ. انْتَهَى. وَفِي الْكَافِي وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنٍ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي إقَامَةِ الْقِيمَةِ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي التَّحَالُفِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا إنَّ قَوْلَهُ اتِّفَاقًا لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ تَدَبَّرْ. (وَمَنْ شَرَى شَيْئًا بِعَشْرَةٍ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ شَرَاهُ) هَذَا الثَّوْبَ (ثَانِيًا بِعَشْرَةٍ يُرَابِحُ عَلَى خَمْسَةٍ) يَعْنِي يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ. (وَإِنْ شَرَاهُ ثَانِيًا بِخَمْسَةٍ لَا يُرَابِحُ) يَعْنِي إذَا اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ الثَّمَنَ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُرَابِحُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ الثَّمَنَ كَمَا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْأُولَى لِأَنَّ الْأَخِيرَ عَقْدٌ

مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ ثَالِثٌ بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ بَاعَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَلَهُ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبٍ وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أَخَذَهُ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فِيهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْثَقُ وَمَا قَالَاهُ أَرْفَقُ (وَإِنْ اشْتَرَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَ مِنْ سَيِّدِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ اشْتَرَى الْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ مَثَلًا وَبَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ (يُرَابِحُ) السَّيِّدُ فِي الْأُولَى وَالْعَبْدُ فِي الثَّانِيَةِ (عَلَى عَشَرَةٍ) فَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِعَشَرَةٍ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّهِ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ. وَالْمُكَاتَبُ كَالْمَأْذُونِ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ بَلْ كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ لَهُ كَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ كَذَلِكَ وَخَالَفَاهُ فِيمَا عَدَا الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَدْيُونِ اتِّفَاقِيٌّ لِيُعْلَمَ حُكْمَ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي اكْتِسَابِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَيْسَ بِاتِّفَاقِيٍّ بَلْ لِتَحَقُّقِ الشِّرَاءِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَالشِّرَاءُ الثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ تَدَبَّرْ. هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ أَمَّا إنْ بَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ أَوْ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ بَيَّنَ أَنَّهُمَا اشْتَرَيَا مِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ بَيْعُهُمْ مُرَابَحَةً كَمَا فِي النُّقَايَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لَكَانَ أَوْلَى. (وَالْمُضَارِبُ بِالنِّصْفِ لَوْ شَرَى) بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا (بِعَشَرَةٍ وَبَاعَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يُرَابِحُ رَبَّ الْمَالِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) فَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ هَذَا عِنْدَنَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ بِهَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَفِدْ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ مَعَ شُبْهَةِ الْعَدَمِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَجُعِلَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ وَلَا بَيْعُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ لِانْعِدَامِ الرِّبْحِ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ إذَا بِيعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذْ الْبَيْعُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ يَشْتَرِي مَالَهُ بِمَالِهِ (وَيُرَابِحُ) مَنْ يُرِيدُ الْمُرَابَحَةَ (بِلَا بَيَانٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ أَمَّا بَيَانُ نَفْسِ الْعَيْبِ الْقَائِمِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ غَاشًّا لَهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» كَمَا فِي الْبَحْرِ. (لَوْ اعْوَرَّتْ الْمَبِيعَةُ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِ الْمَبِيعَةِ (أَوْ وُطِئَتْ وَهِيَ)

وَالْحَالُ أَنَّهَا (ثَيِّبٌ) وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ مَوْلَاهَا أَوْ غَيْرَهُ، وَلِذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ قَرْضُ فَأْرٍ) أَيْ قَطْعُ فَأْرٍ (أَوْ حَرْقُ نَارٍ) لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ قَائِمٌ إذْ الْفَائِتُ وَصْفٌ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا فَاتَ بِلَا صُنْعِهِ وَلِذَا لَوْ فَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ أَخْذُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكُهُ وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ. وَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ الْبَيَانُ لِأَجْلِ النُّقْصَانِ فِي صُورَةِ الِاعْوِرَارِ أَمَّا فِي صُورَةِ وَطْءِ الثَّيِّبِ فَلَا خِلَافَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ بِتَغْيِيرِ السِّعْرِ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ، بِالْأَوْلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ غَلَائِهِ وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُهَا) بِمُبَاشَرَةِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ فَقَأَهَا الْمَوْلَى أَوْ الْأَجْنَبِيُّ بِأَمْرِ الْمَوْلَى أَوْ بِدُونِهِ (أَوْ وُطِئَتْ وَهِيَ بِكْرٌ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ مَوْلَاهَا أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ تَكَسَّرَ الثَّوْبُ مِنْ طَيِّهِ وَنَشْرِهِ لَزِمَ الْبَيَانُ) أَيْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ حَيْثُ احْتَبَسَ عِنْدَهُ جُزْءَ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْعُذْرَةُ وَالْعَيْنُ لِأَنَّ إزَالَةَ الْعُذْرَةِ وَإِخْرَاجَ الْعَيْنِ عِنْدَ كَوْنِهَا فِي مِلْكِهِ فَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَاقِي بِكُلِّ الثَّمَنِ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً إذْ الْأَوْصَافُ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ صَارَ بِهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا إذَا فَقَأَهَا الْأَجْنَبِيُّ فَيَجِبُ الْبَيَانُ، أَخَذَ أَرْشَهَا أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَقَأَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانَ الْأَرْشِ وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْأَرْشِ سَبَبٌ لِأَخْذِ الْأَرْشِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ فَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ يَقُولُ وَأَخْذُ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِمُبَاشَرَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ إذَا فَقَأَ بِفِعْلِ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. (وَإِنْ اشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ وَرَابَحَ بِلَا بَيَانٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ نَسِيئَةً وَبَاعَهُ بِرِبْحِ وَاحِدٍ حَالًّا وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي خِيَانَتَهُ يَصِيرُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَهُ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ احْتِيَاطًا فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا (فَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَ كُلُّ ثَمَنِهِ) الْمُسَمَّى إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا وِلَايَةُ الرَّدِّ وَلَا رَدَّ مَعَ الْإِتْلَافِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّلَفِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْإِتْلَافِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ التَّلَفِ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَكَذَا التَّوْلِيَةُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ وَوَلَّاهُ بِلَا بَيَانٍ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْخِيَانَةَ خُيِّرَ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ قَوْلُهُ وَكَذَا التَّوْلِيَةُ إلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ لِلْمُرَابَحَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فِي التَّوْلِيَةِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.

فصل في بيان البيع قبل قبض المبيع

(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِصَفْقَةٍ كُلًّا بِخَمْسَةٍ كُرِهَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ بِلَا بَيَانٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ مَعَ ثَوْبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْجَيِّدَ قَدْ يُضَمُّ إلَى الرَّدِيءِ لِتَرْوِيجِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يُكْرَهُ، قَيَّدَ بِثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى لَوْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِصَفْقَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَا بِصَفْقَتَيْنِ يَجُوزُ أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكُلًّا بِخَمْسَةٍ إذْ لَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِخَمْسَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالزَّائِدِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَقَيْدُ (الْمُرَابَحَةِ) لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهَا فِي الْحُكْمِ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا. (وَمَنْ وَلَّى) أَيْ بَاعَ شَيْئًا بِالتَّوْلِيَةِ (بِمَا قَامَ عَلَيْهِ) أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَلَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرِيه قَدْرَهُ) بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ. (وَإِنْ عَلِمَهُ) أَيْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَدْرَهُ (فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ) بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَا رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُفْتَى بِالرَّدِّ إنْ غَرَّهُ وَإِلَّا لَا وَتَصَرُّفُهُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْهُ. [فَصَلِّ فِي بَيَان الْبَيْع قَبْل قبض الْمَبِيع] فَصَلِّ بَيَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجْهُ إيرَادِ الْفَصْلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَوَجْهُ ذِكْرِهِ فِي بَابِهَا لِلِاسْتِطْرَادِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهَا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْبَيْعِ الْمُجَرَّدِ (لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ) «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ هِبَتِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَإِقْرَاضِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا كِتَابَةُ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَوْقُوفَةٌ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ نَقَدَهُ نَفَذَتْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بَلْ كُلُّ عَقْدٍ تَقَبَّلَ النَّقْضَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَجَائِزٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْآبِقِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا. وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ شَامِلٌ لِلْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَقُيِّدَ بِالْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَهْرًا أَوْ مِيرَاثًا أَوْ بَدَلَ الْخُلْعِ أَوْ الْعِتْقِ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصْلُ أَنَّ عِوَضَ مِلْكٍ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَمَا لَا فَجَائِزٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَيَصِحُّ فِي الْعَقَارِ) أَيْ يَصِحُّ بَيْعُ عَقَارٍ لَا يُخْشَى هَلَاكُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَلَا غَرَرَ فِيهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ

بِالْعَقَارِ نَادِرٌ حَتَّى إذَا تُصُوِّرَ هَلَاكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ النَّهْرِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عُلُوًّا فَعَلَى هَذَا لَوْ قُيِّدَ بِلَا يُخْشَى هَلَاكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ. وَالْغَرَرُ الْمَنْهِيُّ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِهِ عَمَلًا بِدَلَائِلِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصِّحَّةِ دُونَ النَّفَاذِ وَاللُّزُومِ لِأَنَّ النَّفَاذَ وَاللُّزُومَ مَوْقُوفَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ رِضَى الْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يَقْبَلُ النَّقْضَ إذَا فَعَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَلِلْبَائِعِ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْضَ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَمَنْ اشْتَرَى كَيْلِيًّا كَيْلًا) أَيْ بِشَرْطِ الْكَيْلِ (لَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) ثَانِيًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا ابْتَعْت فَاكْتَلْ وَإِذَا بِعْت فَكِلْ» وَلِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الْكَيْلِ الْأَوَّلِ إذْ رُبَّمَا يَنْقُصُ أَوْ يَزِيدُ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ فَيَصِيرُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامًا فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ لِكَوْنِهِ رِبَوِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مُجَازَفَةً لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَسَادَ الْبَيْعِ وَنَصَّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى فَسَادِهِ. وَفِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ أَكَلَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ بِلَا كَيْلٍ لَا يُقَالُ أَنَّهُ أَكَلَهُ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَكَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ أَثِمَ لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْكَيْلِ وَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ أَصْلًا فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ بَيْعًا فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا فَمَلَكهَا فَأَكَلَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إذَا أَكَلَهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: أَكَلَ حَرَامًا (وَكَفَى كَيْلُ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِهِ وَتَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ وَ (هُوَ الصَّحِيحُ) رَدٌّ لَمَّا قِيلَ شُرِطَ كَيْلَانِ: كَيْلُ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي وَكِيلُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ قُيِّدَ بِبَعْدِ الْعَقْدِ وَبِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ إذَا كَالَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ كَافِيًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْكَيْلِيِّ (الْوَزْنِيُّ وَالْعَدَدِيُّ) غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَيْ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَأْكُلُهُ حَتَّى يَزِنَهُ أَوْ يَعُدَّهُ ثَانِيًا وَيَكْفِي إنْ وَزَنَهُ أَوْ عَدَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي. وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ اشْتَرَى الْمَعْدُودَ عَدًّا كَالْمَوْزُونِ لِحُرْمَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْمَذْرُوعِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ تَدَبَّرْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُمَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ الْوَزْنِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ بَيْعِ التَّعَاطِي أَمَّا هُوَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى وَزْنِ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا وَإِنْ صَارَ بَيْعًا بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْوَزْنِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لَا الْمَذْرُوعُ) أَيْ لَا يَحْرُمُ بَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ إعَادَةِ الذَّرْعِ بَعْضَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذِّرَاعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ وَاحْتِمَالُ النَّقْصِ إنَّمَا يُوجِبُ خِيَارَهُ وَقَدْ أُسْقِطَ بِبَيْعِهِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرِ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا وَإِنْ سَمَّى فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَذْرَعَ. (وَصَحَّ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ) بِبَيْعٍ وَهِبَةٍ

وَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَتَمْلِيكٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ أَوْ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ حَتَّى لَوْ بَاعَ إبِلًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِكُرٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَهُ شَيْئًا آخَرَ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ قَائِمٌ وَالْمَانِعُ وَهُوَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ مُنْتَفٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ أَيْ فِي النُّقُودِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ الْمُدَّعَى عَامٌّ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَمَا مَرَّ وَالدَّلِيلُ وَهُوَ انْتِفَاءُ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بِالتَّعْيِينِ فَيَكُونُ الدَّلِيلُ أَخَصَّ مِنْ الْمُدَّعَى تَدَبَّرْ (وَالْحَطُّ مِنْهُ) أَيْ صَحَّ حَطُّ الْبَائِعِ بَعْضَ الثَّمَنِ وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا وَالْإِسْقَاطُ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ مَا يُقَابِلُهُ فَيَثْبُتُ الْحَطُّ فِي الْحَالِ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حَطَّ كُلِّ الثَّمَنِ غَيْرُ مُلْتَحِقٍ بِالْعَقْدِ اتِّفَاقًا. (وَ) صَحَّ (الزِّيَادَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الثَّمَنِ (حَالَ قِيَامِ الْمَبِيعِ) إنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ زَادَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ حَتَّى تَفَرَّقَا بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى الْبَائِعِ هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ (لَا بَعْدَ هَلَاكِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذْ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ تَغَيَّرَ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ كَبُرٍّ طُحِنَ أَوْ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْمَبِيعِ كَعَبْدٍ دُبِّرَ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إذْ ثُبُوتُهَا مَلْحُوظٌ فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ وَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ التَّقَابُلُ فِيهِ. (وَكَذَا) صَحَّ (الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ) أَوْ لَزِمَ الْبَائِعَ دَفْعُهَا إنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي حَقِّهِ وَمِلْكِهِ وَيَلْتَحِقُ بِالْعَقْدِ فَيَصِيرُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ بَعْدَ هَلَاكِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا إذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ عَرَضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ زَادَ الْمُشْتَرِي عَرَضًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَهَلَكَ الْعَرَضُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي ثَلَاثَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلزِّيَادَةِ هُنَا قِيَامُ الْمَبِيعِ فَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَهَا هُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْكَافِي أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ تَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُغَيِّرُ الْعَقْدَ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ فَتَسْتَدْعِي قِيَامَ الْعَقْدِ وَقِيَامُهُ بِقِيَامِ الْمَبِيعِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ إنَّمَا تَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا وَلَا تَجُوزُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا فَبَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ مُنَافَاةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْفِيقِ. (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِكُلِّ ذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِكُلِّ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالزَّائِدِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْحَقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ مُسْتَحِقٌّ الْمَبِيعَ

أَوْ الثَّمَنَ فَالِاسْتِحْقَاقُ يَتَعَلَّقُ جَمِيعَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَزِيدِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الزَّائِدُ صِلَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَدَارَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُسْتَحِقُّ مُجَرَّدَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَهُ أَخَذَهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَأَثْبَتَهُ أَخَذَهُ وَكَذَا إنْ ادَّعَى الزِّيَادَةَ فَقَطْ، ثُمَّ إنَّ حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ يَظْهَرُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (فَيُرَابِحُ وَيُوَلِّي) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وَعَلَى إلْحَاقِهِمَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ (عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَزِيدَ وَعَلَى مَا بَقِيَ إنْ حَطَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مُلْتَحِقٌ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَتُعْتَبَرُ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فَصْلِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ وَفَصْلِ الْحَطِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْإِلْحَاقِ بِالْأَصْلِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْكُلِّ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفِي الزِّيَادَةِ إبْطَالُهُ وَلَيْسَ لَهُمَا إبْطَالُهُ. (وَمَنْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ كَذَا) أَيْ مِائَةً مَثَلًا (مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ أَخَذَ) أَيْ مَوْلَى الْعَبْدِ (الْأَلْفَ مِنْ زَيْدٍ وَالزِّيَادَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الضَّامِنِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَشْرُوطَةَ جُعِلَتْ مِنْ الْأَصْلِ الْمُقَابِلِ لِلْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ بَعْضَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ الثَّمَنِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَالْأَلْفُ عَلَى زَيْدٍ) لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْعَبْدِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْمُقَابِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ. فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِبَارَتُهُ صَرِيحَةٌ بِالضَّمَانِ قُلْنَا مَبْنَى الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ سِوَى الْأَلْفِ فَالضَّمَانُ إذَنْ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالثَّمَنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَفَارِيعِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَفِي ذِكْرِهَا فَائِدَةُ جَوَازِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا وَلِهَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَقَدْ أَصَابَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بَلْ أَوْرَدَهَا بَعْدَ السَّلَمِ. (وَكُلُّ دَيْنٍ أُجِّلَ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ صَحَّ تَأْجِيلُهُ) وَإِنْ كَانَ حَالًّا فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ سَوَاءٌ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُوَقَّتًا وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ بَطَلَ التَّأْخِيرُ فَيَكُونُ حَالًّا. وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّأْجِيلِ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (إلَّا الْقَرْضَ) اسْتَثْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ وَصَحَّ تَأْجِيلُهُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ لِكَوْنِهِ إعَارَةً وَصِلَةً فِي الِابْتِدَاءِ وَمُعَاوَضَةً فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَرْضُ الْمَجْحُودُ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَفَصَّلَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ مَسْأَلَةَ الْقَرْضِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَقَالَ الْقَرْضُ هُوَ عَقْدٌ مَخْصُوصٌ يَرِدُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ مِثْلِيٍّ لِرَدِّ مِثْلِهِ وَصَحَّ فِي مِثْلِيٍّ لَا فِي غَيْرِهِ فَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَذَا مَا يُكَالُ

باب الربا

أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ مُتَقَارِبًا فَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ جَوْزٍ وَبَيْضٍ وَلَحْمٍ اسْتَقْرَضَ طَعَامًا بِالْعِرَاقِ فَأَخَذَهُ صَاحِبُ الْقَرْضِ بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِالْعِرَاقِ يَوْمَ اقْتَرَضَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ اخْتَصَمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعِرَاقِ فَيَأْخُذَ طَعَامَهُ. وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الطَّعَامَ بِبَلَدٍ فِيهِ الطَّعَامُ رَخِيصٌ فَلَقِيَهُ الْمُقْرِضُ فِي بَلَدٍ فِيهِ الطَّعَامُ غَالٍ فَأَخَذَهُ الطَّالِبُ بِحَقِّهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَطْلُوبَ وَيُؤْمَرُ الْمَطْلُوبُ بِأَنْ يُوَثِّقَ بِهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ طَعَامَهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي اسْتَقْرَضَ فِيهِ. اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ صَاحِبُ الْقَرْضِ عَلَى تَأْخِيرِهِ إلَى مَجِيءِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْقِيمَةِ وَيَمْلِكُ الْمُسْتَقْرِضُ الْقَرْضَ بِنَفْسِ الْقَبْضِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. أَقْرَضَ صَبِيًّا فَاسْتَهْلَكَهُ الصَّبِيُّ لَا يَضْمَنُهُ وَكَذَا الْمَعْتُوهُ وَلَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ قَبْلَ الْعِتْقُ وَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ. اسْتَقْرَضَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ فَأَتَاهُ الْمُقْرِضُ بِهَا فَقَالَ الْمُسْتَقْرِضُ أَلْقِهَا فِي الْمَاءِ فَأَلْقَاهَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، وَالْقَرْضُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْفَاسِدُ فِيهَا لَا يُبْطِلُهُ وَلَكِنَّهُ يَلْغُو شَرْطُهُ رَدَّ شَيْءٍ آخَرَ فَلَوْ اسْتَقْرَضَ الدَّرَاهِمَ الْمَكْسُورَةَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ صَحِيحًا كَانَ بَاطِلًا وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا قَبَضَ. (إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ) فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَى يَعْنِي إذَا أَوْصَى أَنْ يُقْرَضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَيَلْزَمُ وَلَا يُطَالِبُ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ وَالْوَصِيَّةُ يُتَسَامَحُ فِيهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَتَلْزَمُ. (وَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ مُتَفَاحِشِ) الْجَهَالَةِ (كَهُبُوبِ الرِّيحِ) وَنُزُولِ الْمَطَرِ مَثَلًا (وَيَصِحُّ فِي الْمُتَقَارِبِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ) كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ. [بَاب الربا] (بَابُ الرِّبَا) وَجْه مُنَاسَبَتِهِ لِلْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَهَذِهِ حَرَامٌ وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ اسْمٌ مِنْ الرَّبْوِ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ فَلَامُهُ وَاوٌ وَلِذَا قِيلَ فِي النِّسْبَةِ رِبَوِيٌّ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الرِّبَا الْفَضْلُ وَالزِّيَادَةُ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْفَضْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فَضْلٌ مَخْصُوصٌ فَلِذَا عَرَّفَهُ شَرْعًا بِقَوْلِهِ (هُوَ فَضْلُ مَالٍ) أَيْ فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ أَيْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ عَلَى قَفِيزَيْ بُرٍّ لَا يَكُونُ رِبَا (خَالٍ) ذَلِكَ الْفَضْلُ (عَنْ عِوَضٍ) قَيَّدَ بِهِ لِيَخْرُجَ بَيْعُ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ فَإِنَّ لِلثَّانِي فَضْلًا عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ يُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ يُبَاعَ كُرُّ بُرٍّ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ

علة الربا

(شُرِطَ) جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ صِفَةٌ لِفَضْلِ مَالٍ أَيْ شُرِطَ ذَلِكَ الْفَضْلُ (لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ الْبَائِعَيْنِ أَوْ الْمُقْرِضَيْنِ أَوْ الرَّاهِنَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا شُرِطَ لِغَيْرِهِمَا. وَفِي الْإِصْلَاحِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ قَدْ يَكُونُ وَكِيلًا وَقَدْ يَكُونُ فُضُولِيًّا وَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي انْتَهَى لَكِنَّ عَقْدَ الْوَكِيلِ عَقْدٌ لِلْمُوَكِّلِ وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمَالِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْدِيلِ تَدَبَّرْ (فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ) قَيَّدَ بِهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ هِبَةٍ بِعِوَضٍ زَائِدٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا شُرِطَ فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ وَاللِّبْسِ وَأَكْلِ الثَّمَرِ فَإِنَّ الْكُلَّ رِبًا حَرَامٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. [عِلَّة الربا] (وَعِلَّتُهُ) لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي يَلْزَمُ عِنْدَ فَوَاتِهَا الرِّبَا وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْعِلَّةُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَرَجَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُهُ وَالسَّبَبُ وَالْعَلَامَةُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا بِالْوَاسِطَةِ (الْقَدْرُ) لُغَةً كَوْنُ شَيْءٍ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَشَرْعًا التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُوجِبِ لِلْمُمَاثَلَةِ الصُّورِيَّةِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ (وَالْجِنْسُ) أَيْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْعِوَضَيْنِ فَالْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْوَصْفَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أَيْ بِيعُوا مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَأُعْرِبَ بِإِعْرَابِهِ، وَمِثْلٌ خَبَرُهُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ صُرِفَ الْوُجُوبُ إلَى رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] حَيْثُ صُرِفَ الْإِيجَابُ إلَى الْقَبْضِ فَصَارَ شَرْطًا لِلرَّهْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى مَعًا وَالْقَدْرُ يَسْوَى الصُّورَةَ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ الرِّبَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» (فَحَرُمَ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ الْقَدْرَ وَالْجِنْسَ (بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِجِنْسِهِ) كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مِثْلًا (مُتَفَاضِلًا) لِوُجُودِ الرِّبَا فِي ذَلِكَ (أَوْ نَسِيئَةً) أَيْ بِأَجَلٍ لِمَا فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْفَضْلِ إذْ النَّقْدُ خَيْرٌ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (غَيْرَ مَطْعُومٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَهُ الطُّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ لِعَمَلِ الْعِلَّةِ عَمَلَهَا حَتَّى لَا تَعْمَلَ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَهُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ (كَالْجَصِّ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ (وَالْحَدِيدِ) مِنْ الْمَوْزُونَاتِ وَالطُّعْمُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا (وَحَلَّ) بَيْعُ ذَلِكَ (مُتَمَاثِلًا بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ مُتَفَاضِلًا غَيْرَ مُعَيَّرٍ) أَيْ بِغَيْرِ عِيَارٍ (كَحِفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ) لِانْتِفَاءِ جَرَيَانِ الْكَيْلِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحِفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِلشَّرْعِ

بِمَا دُونَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ يَبْلُغُ حَدَّ نِصْفِ الصَّاعِ أَوْ أَكْثَرَ وَالْآخَرُ لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (وَبَيْضَةٌ بِبَيْضَتَيْنِ وَتَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِعْيَارِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إمَّا لِقِلَّتِهِ كَالْحِفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عَدَدِيًّا لَا يُبَاعُ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ كَالْبَيْضَةِ وَالْبَيْضَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ وَالْجَوْزَتَيْنِ يَحِلُّ الْبَيْعُ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْقَدْرِ وَالْمِعْيَارِ فَلَا يُوجَدُ الْمُسَاوَاةُ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ الْفَضْلُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحِلُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ الطُّعْمُ مَعَ عَدَمِ الْمَخْلَصِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فَيَحْرُمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْحُرْمَةُ. (فَإِنْ وُجِدَ الْوَصْفَانِ) أَيْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ (حَرُمَ الْفَضْلُ) كَقَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ. (وَ) حَرُمَ (النَّسَأُ) وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي كَقَفِيزَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا نَسِيئَةٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ. (وَإِنْ عُدِمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَّا) أَيْ الْفَضْلُ وَالنَّسَأُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ الْمُحَرِّمَةِ إذْ الْأَصْلُ الْجَوَازُ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضٍ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ. (وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ حَلَّ التَّفَاضُلُ) كَمَا إذَا بِيعَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ الْفَضْلُ فَإِنَّ أَحَدَ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْكَيْلُ مَوْجُودٌ هُنَا دُونَ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَهُوَ الْجِنْسِيَّةُ، وَإِنْ بِيعَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ أَيْضًا لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ مَوْجُودَةٌ دُونَ الْقَدْرِ (لَا النَّسَأُ) أَيْ لَا يَحِلُّ النَّسَأُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَلَوْ بِالتَّسَاوِي وَذَلِكَ لِأَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ لَكِنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَكِنَّهَا أَدْوَنُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ فَفِي النَّسِيئَةِ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُرَجِّحًا لِتِلْكَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَحِلُّ وَفِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ لَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ أَدْوَنُ مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَأَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ. ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَصِحُّ سَلَمُ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ) لِوُجُودِ الْجِنْسِ وَالنَّسَإِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَلَا) سَلَمُ (بُرٍّ فِي شَعِيرٍ) لِوُجُودِ الْقَدْرِ مَعَ النَّسَأِ. (وَشَرَطَ التَّعْيِينَ وَالتَّقَابُضَ) فِي الْمَجْلِسِ (فِي الصَّرْفِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءً وَهَاءً» مَعْنَاهُ خُذْ يَدًا بِيَدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ كَنَّى بِهَا عَنْهُ لِأَنَّهَا آلَتُهُ (وَ) شَرَطَ (التَّعْيِينَ فَقَطْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ عَقْدِ الصَّرْفِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ عَيْنًا حَتَّى لَوْ بَاعَ بُرًّا بِبُرٍّ بِعَيْنِهِمَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِمِثْلِهِ إذْ التَّفَاضُلُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا قُلْنَا عَيْنًا إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَنَا فَلِعَدَمِ الْعَيْنِيَّةِ

وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ يَدًا بِيَدٍ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ الْقَبْضُ فَيُوجَدُ فِي الْقَبْضِ الْأَوَّلِ مَزِيَّةٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَالثَّوْبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَتَرَتَّبُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَيُّنِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ لِمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ كَذَا وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتًا فِي مَالٍ عُرْفًا بِخِلَافِ النَّقْدِ وَالْأَجَلِ. (وَمَا نُصَّ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ كَيْلِيٌّ أَبَدًا كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَوْ) إنْ نُصَّ (عَلَى تَحْرِيمِهِ) أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ (وَزْنًا فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (تُعُورِفَ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّ النَّصَّ قَاطِعٌ وَأَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا (حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ كَغَيْرِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ) مِنْ الْبُرِّ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَادَةَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْنَا ذَلِكَ فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَكَانِ الْعُرْفِ وَقَدْ تَبَدَّلَ فَيَتَبَدَّلُ حُكْمُهُ. وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَبَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَمَاثِلًا وَزْنًا) لِأَنَّ الْبُرَّ كَيْلِيٌّ شَرْعًا لَا وَزْنِيٌّ (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) لِأَنَّ الذَّهَبَ وَزْنِيٌّ لَا كَيْلِيٌّ وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ. (وَجَازَ بَيْعُ فَلْسٍ مُعَيَّنٍ بِفَلْسَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) بَيْعُ الْفَلْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا فِي الْبَيْعِ مُعَيَّنًا الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا وَالثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ الثَّالِثُ عَكْسُ الثَّانِي الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكُلُّ فَاسِدٌ سِوَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ. وَلَهُمَا

أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا وَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَطَلَتْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِخِلَافِ النُّقُودِ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ) وَكَذَا بِالْغَزْلِ كَيْفَ مَا كَانَ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُنْقَضُ لِيَعُودَ غَزْلًا أَوْ قُطْنًا وَالْكِرْبَاسُ الثِّيَابُ مِنْ الْمُلْحَمِ وَالْجَمْعُ كَرَابِيسُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقُطْنَ بِغَزْلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ. وَفِي الْحَاوِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ بَاعَ قُطْنًا غَيْرَ مَحْلُوجٍ بِمَحْلُوجٍ جَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ غَيْرَ الْمَحْلُوجِ بِحَبِّ الْقُطْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي الْقُطْنِ. (وَ) يَجُوزُ (بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ اللَّحْمِ (بِحَيَوَانِ جِنْسِهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْحَيَوَانِ) لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ وَالْبَاقِي (مِنْ اللَّحْمِ) بِمُقَابَلَةِ السِّقْطِ كَالْجِلْدِ وَالْكَرِشِ وَالْأَمْعَاءِ وَالطِّحَالِ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً فَكَذَا مُتَفَاضِلًا كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ لَحْمُهُ بِمَالٍ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ اللَّحْمِ وَمَالِيَّتُهُ مُعَلَّقَةٌ بِالذَّكَاةِ فَيَكُونُ جِنْسًا آخَرَ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ قُيِّدَ بِاللَّحْمِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدَ الشَّاتَيْنِ الْمَذْبُوحَتَيْنِ الْغَيْرِ الْمَسْلُوخَتَيْنِ بِالْأُخْرَى جَازَ اتِّفَاقًا بِأَنْ يَجْعَلَ لَحْمَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجِلْدِ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَتَا مَسْلُوخَتَيْنِ يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا وَزْنًا وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْعُ اللَّحْمِ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) لَا مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَبِهِ تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْفَضْلِ بِمَا إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ وَإِلَّا لَا تَجُوزُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَالِ فِي دُخُولِهِ الْكَيْلَ لِأَنَّهُ مُنْكَبِسٌ وَمُمْتَلِئٌ جِدًّا. وَقَوْلُهُ كَيْلًا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَزْنِ لِأَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَعَنْ الْجُزَافِ وَإِشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. (لَا) يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ (بِالسَّوِيقِ) أَيْ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ وَالدَّقِيقُ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ غَيْرِ مَقْلِيَّةٍ (أَصْلًا) أَيْ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْمَقْلِيَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ. وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ وَالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَكِنْ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ) بِالرُّطَبِ مُتَمَاثِلًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ (بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ مُتَمَاثِلًا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ مُتَجَانِسَانِ بِالذَّاتِ لَا بِالصِّفَاتِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ»

وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسْ عَلَى زَعْمِ الْمُخَالِفِ يَجُوزُ أَيْضًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ (خِلَافًا لَهُمَا) لِانْتِقَاصِ الرَّطْبِ بِالْجَفَافِ وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. (وَكَذَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْبُرِّ رَطْبًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ (أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ، وَ) بَيْعُ (التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مُنْقَعَيْنِ بِمِثْلِهِمَا مُتَسَاوِيًا) حَالٌ مِنْ الْجَمِيعِ يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ رَطْبًا أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ وَبَيْعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مُنْقَعَيْنِ بِمِثْلِهِمَا مُتَسَاوِيًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ حَالَ الْمَبِيعِ مُعْتَبَرٌ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَتَرَكَ أَبُو يُوسُفَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ تَحَقُّقُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَكَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ؟ فَقِيلَ نَعَمْ قَالَ لَا» فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْقِيَاسِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ حَيَوَانٍ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ غَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) نَقْدًا. (وَكَذَا اللَّبَنُ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَلَنَا أَنَّ الْأُصُولَ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الذَّكْوَةِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهَا وَقَيَّدْنَا بِالنَّقْدِ لِأَنَّ بَيْعَهُ نَسِيئَةً غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ. (وَالْجَامُوسُ مَعَ الْبَقَرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْمَعْزُ مَعَ الضَّأْنِ وَالْبُخْتُ مَعَ الْعِرَابِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالْجَامُوسِ مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ بِدَلِيلِ الضَّمِّ فِي الذَّكَاةِ لِلتَّكْمِيلِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ كَشَعْرِ الْمَعْزِ وَصُوفِ الضَّأْنِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ بِالصِّفَةِ؟ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْزُونٍ عَادَةً فَلَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْمَقْصُودِ أَوْ بِتَبَدُّلِ الصِّفَةِ. وَفِي الْفَتْحِ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ لِأَنَّهُ يُوزَنُ فِي عَادَةِ أَهْلِ مِصْرَ بِعَظْمِهِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الدَّقَلِ) نَقْدًا (مُتَفَاضِلًا) لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُتَغَايِرَانِ كَأَصْلِهِمَا (وَكَذَا شَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهَا مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ الضَّأْنِ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَالصُّوَرِ وَالْمَقَاصِدِ. (وَ) يَجُوزُ بَيْعُ (الْخُبْزِ بِالْبُرِّ أَوْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا) لِعَدَمِ التَّجَانُسِ لِأَنَّ الْخُبْزَ وَزْنِيٌّ أَوْ عَدَدِيٌّ، وَالْبُرَّ كَيْلِيٌّ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَجْمَعْهَا قَدْرٌ وَكَذَا بَيْعُ الْخُبْزِ بِالدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ التَّجَانُسِ فَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرِّبَا هَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً سَوَاءٌ كَانَ خُبْزًا أَوْ بُرًّا أَوْ دَقِيقًا فَيَجُوزُ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْبُرِّ نَسِيئَةً عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أُسْلِمَ مَوْزُونًا فِي مَكِيلٍ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ قِيلَ يُفْتَى بِهِ وَيَجُوزُ فِي صُورَةِ كَوْنِ

الْخُبْزِ نَسِيئَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ وَقِيلَ بِهِ يُفْتَى وَعَنْ هَذَا قَالَ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَحَدُهُمَا نَسِيئَةٌ بِهِ يُفْتَى) لِلتَّعَامُلِ. وَفِي الْحَاوِي وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ. (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ) إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا (إلَّا مُتَسَاوِيًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» . (وَكَذَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (الْبُسْرِ بِالتَّمْرِ) إلَّا مُتَسَاوِيًا لِإِطْلَاقِ التَّمْرِ عَلَى الْبُسْرِ. (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ مُطْلَقًا) أَيْ لَا مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ) فِي صُورَةِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِهِ (وَالشَّيْرَجُ) فِي صُورَةِ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِهِ (أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) وَفِيهِ اللَّفُّ وَالنَّشْرُ الْمُرَتَّبُ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي (لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرِ) بِفَتْحِ الثَّاءِ ثُفْلُ كُلِّ شَيْءٍ يُعْصَرُ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ الْأُولَى: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزَّيْتَ الَّذِي فِي الزَّيْتُونِ أَكْثَرُ لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ مِنْ الدُّهْنِ وَالثُّفْلِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْلَمَ التَّسَاوِيَ لِخُلُوِّ الثُّفْلِ عَنْ الْعِوَضِ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْفَضْلَ الْمُتَوَهَّمَ كَالْمُتَحَقَّقِ احْتِيَاطًا وَعِنْدَ زُفَرَ جَازَ لِأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْفَسَادُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي فَمَا لَمْ يُعْلَمْ لَا يَفْسُدُ، وَيَجُوزُ الْبَيْعُ فِي صُورَةٍ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزَّيْتَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ لِيَكُونَ الْفَضْلُ بِالثُّفْلِ وَكُلُّ شَيْءٍ بِثُفْلِهِ قِيمَةٌ إذَا بِيعَ بِالْخَالِصِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ كَبَيْعِ الْجَوْزِ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنِ بِسَمْنِهِ وَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَا يُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ أَصْلًا) أَيْ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ مِنْ حَيْثُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْغِلَظِ وَالدِّقَّةِ وَمِنْ حَيْثُ الْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ) اسْتِقْرَاضُهُ (وَزْنًا) لِإِمْكَانِ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ لَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ (وَبِهِ يُفْتَى) وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا) لِلتَّعَارُفِ وَالتَّعَامُلِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْفَتْحِ وَأَنَا أَرَى قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنَ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ وَأَرْفَقَ. (وَلَا رِبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا فَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَعِنْدَهُمَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُ لِمَوْلَاهُ بِأَنْ كَانَ مَدْيُونًا سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمَوْلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَيُقَرَّرُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فَيَصِيرُ الْحُكْمُ كَحُكْمِ سَائِرِ الْبُيُوعِ وَلِذَا لَمْ يُفَصِّلْ تَدَبَّرْ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ جَرَى بَيْنَهُمَا. (وَلَا) رِبَا بَيْنَ (الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ

باب الحقوق والاستحقاق

الْحَرْبِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ فِي دَارِهِمْ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِعَقْدِ الْأَمَانِ قَالَ فِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ الرِّبَا عِنْدَ الْإِمَامِ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمَنْ آمَنَ ثَمَّةَ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُ مَالِ الْحَرْبِيِّ بِرِضَاهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ رِبًا جَرَى بَيْنَ مُسْلِمِينَ فَحَرُمَ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ الْعِصْمَةِ مَمْنُوعٌ أَلَا يُرَى أَنَّ الْغَانِمِينَ لَمْ يَمْلِكُوا مَا فِي يَدِ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ إذَا ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا يَكُونُ بِرِضَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوا مَا فِي يَدِ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا قَهْرًا لَا بِالرِّضَى فَاقْتَرَفَا تَدَبَّرْ. [بَابُ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ] ِ كَانَ مِنْ حَقِّ مَسَائِلِ الْحُقُوقِ أَنْ تُذْكَرَ فِي الْفَصْلِ الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ الْهِدَايَةِ كَمَا الْتَزَمَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَرْتِيبَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ تَوَابِعُ فَيَلِيقُ ذِكْرُهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْمَتْبُوعِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ مَسَائِلَ الْحُقُوقِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي بَابٍ آخَرَ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُمَا فِي بَابٍ وَلَيْتَ شِعْرِي لِمَ تَرَكَ أُسْلُوبَهُ؟ وَالْحُقُوقُ جَمْعُ حَقٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْبَاطِلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَقَّ الشَّيْءُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ إذَا وَجَبَ وَثَبَتَ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَرَافِقِ الدَّارِ حُقُوقُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ (يَدْخُلُ الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ فِي بَيْعِ الدَّارِ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَنَحْوَهُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ مِنْ الْحَائِطِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ وَالْعُلُوُّ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَكَذَا الْكَنِيفُ دَاخِلٌ فِيمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا عَادَةً وَكَذَا يَدْخُلُ بِئْرُ الْمَاءِ وَالْأَشْجَارُ الَّتِي فِي صَحْنِهَا وَالْبُسْتَانُ الدَّاخِلُ وَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا يَدْخُلُ لِأَنَّهَا يُعَدُّ مِنْ الدَّارِ عُرْفًا وَالْكَنِيفِ الْمُسْتَرَاحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبِنَايَةِ الدَّارُ لُغَةً اسْمٌ لِقِطْعَةِ أَرْضٍ ضُرِبَتْ لَهَا الْحُدُودُ وَمُيِّزَتْ عَمَّا يُجَاوِرُهَا بِإِدَارَةِ خَطٍّ عَلَيْهَا فَبُنِيَ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ الْبَعْضِ لِيُجْمَعَ فِيهَا مَرَافِقُ الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِرْوَاحِ وَمَنَافِعُ الْأَبْنِيَةِ لِلْإِسْكَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْأَحْجَارِ وَالتُّرَابِ أَوْ بِالْخِيَامِ وَالْقِبَابِ (وَلَا) تَدْخُلُ (الظُّلَّةُ) فِي بَيْعِ الدَّارِ الظُّلَّةُ وَالسَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ

وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ فِي السِّكَّةِ وَمِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الصِّحَاحِ الظُّلَّةُ بِالضَّمِّ كَهَيْئَةِ الصُّفَّةِ. وَفِي الْمُغْرِبِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ السُّدَّةَ الَّتِي تَكُونُ فَوْقَ الْبَابِ لَكِنْ عَمَّمَ فِي الْإِصْلَاحِ فَقَالَ أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ فِي السِّكَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مِفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ أَوْ لَا وَمَنْ وَهِمَ أَنَّهَا السُّدَّةُ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ فَقَدْ وَهِمَ انْتَهَى (إلَّا بِذِكْرِ كُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا) أَيْ لِلدَّارِ (أَوْ بِمَرَافِقِهَا) أَيْ بِذِكْرِ مَرَافِقِهَا وَهِيَ حُقُوقُهَا أَيْ بِعْتُهَا لَك بِمَرَافِقِهَا (أَوْ بِكُلِّ) حَقٍّ (قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا) فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الظُّلَّةُ فِي بَيْعِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ) أَيْ الظُّلَّةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا (إنْ كَانَ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ) لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ، وَلَهُ أَنَّ الظُّلَّةَ تَابِعَةٌ لِلدَّارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ أَحَدِ طَرَفَيْهَا عَلَى بِنَاءِ الدَّارِ وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ طَرَفِهَا الْآخَرِ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهَا فَلَا تَدْخُلُ بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَتَدْخُلُ بِذِكْرِهَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلَوْ كَانَ خَارِجُ الدَّارِ مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنْ الدَّارِ عَادَةً. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْأَعْظَمُ فِيمَا بَاعَ بَيْتًا أَوْ دَارًا بِمَرَافِقِهِمَا لِأَنَّ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ مَرَافِقِهِمَا. (وَلَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي شِرَاءِ مَنْزِلٍ إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ) أَيْ إلَّا أَنْ يَقُولَ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ كُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ إذْ تَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى بِنَوْعِ قُصُورٍ بِانْتِفَاءِ مَنْزِلِ الدَّوَابِّ فِيهِ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ (وَلَا) يَدْخُلُ الْعُلُوُّ (فِي شِرَاءِ بَيْتٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ذَكَرَ كُلَّ حَقٍّ) وَنَحْوَهُ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا فِيهِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ. وَفِي الْكَافِي إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ بَاعَ بِاسْمِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَنْزِلِ أَوْ الدَّارِ وَالْأَحْكَامُ تُبْتَنَى عَلَى الْعُرْفِ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ وَفِي كُلِّ مِصْرٍ عُرْفُ أَهْلِهِ. (وَلَا) يَدْخُلُ (الطَّرِيقُ) فِي بَيْعِ مَا لَهُ طَرِيقٌ. (وَ) لَا يَدْخُلُ (الْمَسِيلُ) فِي بَيْعِ مَا لَهُ مَسِيلٌ. (وَ) لَا يَدْخُلُ (الشُّرْبُ) فِي بَيْعِ مَا لَهُ شِرْبٌ (إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَابِعَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا بِدُونِ الْمَبِيعِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ مَسِيلُ الْمَاءِ وَالنَّهْرِ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَشِرْبُ الْأَرْضِ وَمَاؤُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ الشِّرْبُ أَصْلًا فِي مَوْضِعٍ يُتَعَارَفُ بَيْعُ الْأَرْضِ بِلَا شِرْبٍ، وَطَرِيقُ الدَّارِ عَرْضُهُ عَرْضُ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مَدْخَلُهَا وَطُولُهُ مِنْهُ إلَى الشَّارِعِ أَوْ هُوَ أَعَمُّ، وَمِنْ طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَوْ سَدَّ الطَّرِيقَ الْقَدِيمَ لَمْ يَدْخُلْ بِذِكْرِهِ فَالطَّرِيقُ إلَى الشَّارِعِ الْعَامِ وَإِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَمَا

فصل في بيان أحكام الاستحقاق

فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَخِيرَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِهَا بِخِلَافِ الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ (وَتَدْخُلُ) هَذِهِ الْأَشْيَاءُ (فِي الْإِجَارَةِ بِدُونِ ذِكْرِ) نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ الْمُؤَجِّرُ بِدُونِهَا وَمِثْلُهَا الرَّهْنُ وَالصَّدَقَةُ الْمَوْقُوفَةُ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَا يَدْخُلُ مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ إذَا كَانَ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَلَا مَسْقَطُ الثَّلْجِ فِيهِ. [فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِحْقَاق] ِ (الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ) إلَى الْغَيْرِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّعَدِّي أَنَّهُ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهَا عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَافَّةِ فِي عِتْقٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ (وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا) يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ دَعْوَى (الْحُرِّيَّةِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ إذْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَسَقَطَا، غَيْرَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالطَّلَاقَ وَالنَّسَبَ مَبْنَاهُ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى الْعُلُوقِ وَالطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ يَنْفَرِدُ بِهِمَا الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فَيَخْفَى عَلَيْهِمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (فَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ مَبِيعَةٌ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْبَيِّنَةِ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً وَالْإِقْرَارِ حُجَّةً قَاصِرَةً يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهُ. وَفِي الْكَافِي وَلَدَتْ لَوْ بِاسْتِيلَادٍ (فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ، تَبِعَهَا وَلَدُهَا) فِي كَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا وَمِلْكًا لِمَنْ بَرْهَنَ (إنْ كَانَ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (وَقَضَى بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (أَيْضًا) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأَصْلِ لِلْمُسْتَحَقِّ وَلَمْ يَعْرِفْ الزَّوَائِدَ أَوْ فِي يَدِ آخَرَ غَائِبٍ لَمْ تَدْخُلْ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهَا عَنْ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ تَقْيِيدُهُ بِأَنْ كَانَ فِي يَدِهِ (وَقِيلَ يَكْفِي الْقَضَاءُ بِالْأُمِّ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَيَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِهَا) أَيْ بِالْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ (لِرَجُلٍ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا) فَيَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ

الْأَمَةَ لَا وَلَدَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا يَوْمئِذٍ فَثَبَتَ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ بَقِيَتْ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمُخْبِرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْخَبَرِ وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّكُولَ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ إنَّمَا لَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِي الْإِقْرَارِ إذْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقَرُّ لَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوَلَدِ بَلْ زَوَائِدُ الْمَبِيعِ كُلُّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ انْتَهَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَالَهُ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ. (وَإِنْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ) أَيْ لِرَجُلٍ يَطْلُبُ شِرَاءَ عَبْدٍ (اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ) لِفُلَانٍ (فَاشْتَرَاهُ) أَيْ الرَّجُلُ. الْعَبْدَ بِنَاءً عَلَى كَلَامِهِ (فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ وَإِذَا هُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ) غَائِبًا كَانَ (مَكَانُهُ مَعْلُومًا لَا يَضْمَنُ) الْعَبْدُ (الْآمِرُ) لِوُجُودِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ الْبَائِعُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَكَانُهُ مَعْلُومًا (ضَمِنَ) أَيْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ ضَمِنَ سَلَامَةَ نَفْسِهِ وَالْمُشْتَرِي اعْتَمَدَ عَلَى أَمْرِهِ وَإِقْرَارِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ إذْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فَيُجْعَلُ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغَرَرِ وَالضَّرَرِ (وَرَجَعَ) الْعَبْدُ (عَلَى الْبَائِعِ) بِالثَّمَنِ (إذَا حَضَرَ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ فَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ اشْتَرِنِي أَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الْعَتَّابِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ. (وَإِنْ قَالَ ارْتَهِنِّي) فَأَنَا عَبْدٌ فَارْتَهَنَهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ (فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَكَانُهُ مَعْلُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يُشْرَعْ مُعَاوَضَةً وَمُوجِبُ الضَّمَانِ هُوَ الْغُرُورُ فِي الْمُعَاوَضَةِ. (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ) فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ (فَصُولِحَ) مِنْ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ (عَلَى شَيْءٍ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي (فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الدَّارِ (فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ قَلَّ فَمَا دَامَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَرْجِعْ. (وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الدَّارِ الَّتِي ادَّعَاهَا (رُدَّ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي (كُلُّ الْعِوَضِ) لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّهُ أَخَذَ عَمَّا لَا يَمْلِكُهُ فَيَرُدُّهُ (وَفُهِمَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورِ (صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ الْمَجْهُولِ) عَلَى مَعْلُومٍ وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْحِ. وَفِي الْمِنَحِ اُسْتُفِيدَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الثَّانِي أَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى

لِصِحَّتِهِ هُوَ دُونَهَا حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، قَيَّدَ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَدْرًا مَعْلُومًا كَرُبُعِهَا لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْهُ رَجَعَ بِحِسَابِ مَا اُسْتُحِقَّ وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ بِالْأُولَى فَقَدْ قَصَّرَ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (ادَّعَى كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الدَّارِ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ كَمِائَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْهَا (رَدَّ) أَيْ الْمُدَّعِي (حِصَّةَ مَا يُسْتَحَقُّ وَلَوْ) كَانَ الْمُسْتَحَقُّ (بَعْضًا) مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مِائَةٍ وَقَعَ عَنْ كُلِّ الدَّارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِحِسَابِهِ مِنْ الْعِوَضِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي وَلَوْ زَائِدَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى كُلَّهَا فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْكُلُّ رَدَّ الْمُدَّعِي حِصَّةَ مَا يَسْتَحِقُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَرُدُّ حِينَئِذٍ كُلَّ الْعِوَضِ كَمَا مَرَّ آنِفًا بَلْ الْمُرَادُ هَهُنَا رَدُّ الْمُدَّعِي حِصَّةَ مَا يُسْتَحَقُّ لَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضًا تَدَبَّرْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَ الْفُضُولِيِّ بِلَا فَصْلٍ فَقَالَ (وَلِمَنْ بَاعَ فُضُولِيٌّ) هُوَ نِسْبَةٌ إلَى فُضُولٍ جَمْعُ الْفَضْلِ أَيْ الزِّيَادَةُ. وَفِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ غَلَبَ جَمْعُهُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ فُضُولٌ بِلَا فَضْلٍ ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيه فُضُولِيٌّ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَيْسَ وَكِيلًا وَفَتْحُ الْفَاءِ خَطَأٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (مِلْكَهُ) مَفْعُولُ بَاعَ (أَنْ يَفْسَخَهُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ لِمَنْ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (أَنْ يُجِيزَهُ) يَعْنِي يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ بِالشَّرَائِطِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ إنْ شَاءَ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَمَّا شَرْطُ بَقَاءِ الْبَائِعِ فَلِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَالَ حَيَاتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَمَّا بَقَاءُ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَلْزَمُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (وَ) بِشَرْطِ بَقَاءِ (الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَبِيعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ قَائِمًا

أَنْ لَا يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِحَيْثُ يُعَدُّ شَيْئًا آخَرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ هَلَاكِهِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ مِنْ بَقَائِهِ وَعَدَمِهِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ثُمَّ رَجَعَ. وَقَالَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُعْلَمْ بَقَاؤُهُ (وَ) بِشَرْطِ بَقَاءِ (الْمَالِكِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إجَازَةُ الْوَارِثِ، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَيَنْعَقِدُ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَسَخَهُ بَلْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيْثُ يَسْقُطُ عَنْهُ مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ رُجُوعُ حُقُوقِ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَثَبَتَ لِلْفُضُولِيِّ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ إحْرَازًا لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ لَهُ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَرْضَى بِتَصَرُّفٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ النَّفْعُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلَةٌ كُلُّهَا وَقَيْدُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوَّلِ مُسْتَدْرَكٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ تَتَبَّعْ. (وَكَذَا) بِشَرْطِ (بَقَاءِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ) الثَّمَنُ (عَرَضًا) لِأَنَّ الْعَرَضَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ وَبِهَذَا يُفْهَمُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ دَيْنًا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا يَحْتَاجُ إلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ فَلَا وَجْهَ بِالْحَصْرِ إلَى أَرْبَعَةٍ كَمَا قِيلَ تَدَبَّرْ (وَإِذَا أَجَازَ) الْمَالِكُ عِنْدَ قِيَامِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ جَازَ الْبَيْعُ (فَالثَّمَنُ الْعَرَضُ مِلْكٌ لِلْفُضُولِيِّ) أَيْ إنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْفُضُولِيِّ وَإِجَازَةُ الْمَالِكِ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَرَضُ مُتَعَيِّنًا كَانَ شِرَاءً مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ إنْ وَجَدَ نَفَاذًا فَيَكُونُ مِلْكًا وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَلْ تَأْثِيرُ إجَازَتِهِ فِي النَّقْدِ لَا فِي الْعَقْدِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ يَجِبُ عَنْ الْفُضُولِيِّ (مِثْلُ الْبَيْعِ لَوْ) كَانَ (مِثْلِيًّا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا (فَقِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْبَدَلُ لَهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْغَيْرِ مُسْتَقْرِضًا لَهُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا بِمَالِ الْغَيْرِ وَاسْتِقْرَاضُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا (وَغَيْرُ الْعَرَضِ) يَعْنِي إنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ دَيْنًا غَيْرَ عَرَضٍ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ وَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِغَيْرِ عَيْنِهِمَا فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ حَالَ بَقَاءِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ الْبَيْعُ وَهُوَ الثَّمَنُ (مِلْكٌ لِلْمُجِيزِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ) بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ (وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ) دَفْعًا لِلْحُقُوقِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ. (وَصَحَّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرَى) اسْمُ مَفْعُولٍ أَوْ فَاعِلٌ صِلَتُهُ (مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أُجِيزَ الْبَيْعُ) يَعْنِي لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ

ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ صَحَّ الْعِتْقُ اسْتِحْسَانًا عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ عِنْدَ إجَارَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ لِاسْتِحَالَةِ الْمِلْكِ الْبَاتِّ وَالْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ. (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ) أَيْ يَدُ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأُجِيزَ) أَيْ أَجَازَ الْمَالِكُ (الْبَيْعَ فَأَرْشُهُ) أَيْ أَرْشُ يَدِ الْعَبْدِ (لَهُ) أَيْ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبَيْعِ كَالْكَسْبِ وَالْوَلَدِ وَالْعُقْرِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَرْشِ جَمِيعِ جِرَاحَاتِهِ فَذِكْرُ الْيَدِ مِثَالٌ وَهُوَ لَا يُخَصُّ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَلْيُطَالَعْ (وَيَتَصَدَّقُ) الْمُشْتَرِي (بِمَا زَادَ) مِنْ أَرْشِ الْيَدِ (عَلَى نِصْفِ ثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وُجُوبًا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَأَرْشُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ مَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فِيمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وُجُوبًا وَلَوْ رُدَّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِالزَّائِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ وَوَزَّعَ فِي الْكَافِي فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَفِيمَا زَادَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ أَقَامَ) الْمُشْتَرِي (بَيِّنَةً) بَعْدَ مَا ادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَقَرَّ قَبْلَ الْبَيْعِ بِأَنِّي أَبِيعُ بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهُ أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ بِأَنِّي بِعْتُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِعَدَمِ أَمْرِ الْبَيْعِ (عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ) الْفُضُولِيِّ (أَوْ السَّيِّدِ) حَالَ إرَادَةِ رَدَّ الْعَبْدِ عَلَى الْإِقْرَارِ (بِعَدَمِ الْأَمْرِ) بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ (وَأَرَادَ) الْمُشْتَرِي (رَدَّهُ) أَيْ الْعَبْدِ (لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ بِالتَّنَاقُضِ إذْ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ مِنْهُمَا بِصِحَّتِهِ وَنَفَاذِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُبْتَنَى إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَإِذَا بَطَلَتْ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ بِلَا أَمْرٍ أَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ. (وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ) الْفُضُولِيُّ (بِذَلِكَ) أَيْ عَدَمِ أَمْرِ رَبِّ الْعَبْدِ (عِنْدَ الْقَاضِي فَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (رَدُّهُ) إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ فَيَتَّفِقَانِ فَيُنْتَقَضُ فِي حَقِّهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ

باب السلم

فِي عِبَارَتِهِ لَا فِي حَقِّ رَبِّ الْعَبْدِ إنْ كَذَّبَهُمَا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَهُ فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ يُطَالِبُ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي لِبَرَاءَتِهِ بِالتَّصَادُقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى بَرَاءَةِ الْوَكِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا مِنْ فُضُولِيٍّ وَأَدْخَلَهَا) الْمُشْتَرِي (فِي بِنَائِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفُضُولِيِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا. وَفِي الْبَحْرِ يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ حُكْمُ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى وَأَرَادَ بِالدَّارِ الْعَرْصَةَ بِقَرِينَةِ أَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ. [بَابُ السَّلَمِ] ِ لَمَّا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَلَكِنْ شُرِطَ فِيهِ الْقَبْضُ كَالصَّرْفِ أَخَّرَهُمَا وَقَدَّمَهُ عَلَى الصَّرْفِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّرْفِ قَبْضُهُمَا. وَفِي السَّلَمِ قَبْضُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعِ بَيْعٍ يُعَجَّلُ فِيهِ الثَّمَنُ. قِيلَ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَعَرَّفَهُ أَوَّلًا بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ الْجَهَلَةِ، فَاسْتَمَرَّ النَّقْلُ عَلَى هَذَا التَّحْرِيفِ. انْتَهَى. وَعَنْ هَذَا قَالَ (هُوَ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ) لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. وَفِي الدُّرَرِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] الْآيَةَ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ السَّلَمَ وَالْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَتَأْجِيلَهُ بَعْدَ الْحُلُولِ، وَالسُّنَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَبِالْإِجْمَاعِ وَيَأْبَاهُ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ لَكِنَّهُ تُرِكَ لِمَا ذُكِرَ وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْعِزِّ الْحَنَفِيَّ قَالَ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ هَكَذَا لَمْ يُرْوَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، انْتَهَى. [مَا يَصِحّ فِيهِ السَّلَم] (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ) أَيْ جَوْدَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ) أَيْ مِقْدَارُهُ أَعَمُّ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَفِي الْبَحْرِ: السَّلَمُ فِي الْعِنَبِ الْفُلَانِيِّ فِي وَقْتِ كَوْنِهِ حِصْرِمًا لَا يَصِحُّ وَالسَّلَمُ فِي التُّفَّاحِ الشَّامِيِّ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ يَصِحُّ

لِأَنَّهُ يُسَمَّى تُفَّاحًا (لَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ تُبْتَنَى عَلَيْهَا كَثِيرُ مَسَائِلِ السَّلَمِ. فَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ بَعْضِهَا لِتَعْرِفَ بَاقِيَهَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا فَقَالَ مُفَرِّعًا بِمَا عَلَيْهَا (فَيَصِحُّ) السَّلَمُ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ شَرَعَ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَصْلَيْنِ بِالْفَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ تَفْصِيلِيَّةً، تَدَبَّرْ (فِي الْمَكِيلِ) كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (وَالْمَوْزُونِ) كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ (سِوَى النَّقْدَيْنِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا لِأَنَّهُمَا مَوْزُونَةٌ وَلَكِنَّهُمَا غَيْرُ مُثَمَّنَيْنِ بَلْ خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا. (وَ) يَصِحُّ (فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ (كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا) لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ يُهْدَرُ عُرْفًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عَدَدًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ كَيْلًا؛ فَعِنْدَنَا يَجُوزُ كَيْلًا وَمَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا وَعَنْهُ مَنْعُهُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ وَإِنَّمَا جَازَ كَيْلًا عِنْدَنَا لِوُجُودِ الضَّبْطِ فِيهِ. قَيَّدَ بِالْمُتَقَارِبِ - وَمِنْهُ الْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشُ وَالتِّينُ - لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَفَاوِتَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا تَفَاوَتَتْ مَالِيَّتُهُ مُتَفَاوِتٌ، كَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ إلَّا إذَا ذَكَرَ ضَابِطًا غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفِ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا وَوَزْنًا. وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي فَتَاوَى الْأَفْطَسِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ فِي الْجَوْزِ كَيْلًا، وَفِي الْبَيْضِ وَزْنًا. انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ مُخَالَفَةُ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا تَدَبَّرْ. (وَكَذَا) فِي (الْفُلُوسِ) أَيْ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِيهَا لَيْسَتْ خِلْقِيَّةً، وَإِنَّمَا الْجَوَازُ فِيهَا بِالِاصْطِلَاحِ فَلِلْعَاقِدِينَ إبْطَالُهَا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ الْجَوَازُ، وَإِذَا بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ الْعَدِّ إلَى الْوَزْنِ لِلْعُرْفِ، إلَّا أَنْ يُهْدِرَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ فِي دِيَارِنَا فِي زَمَانِنَا، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَدَدِيَّةً فِي دِيَارِنَا أَيْضًا. انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ الظَّاهِرِ فَلِهَذَا قَالَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَدَبَّرْ. (وَفِي اللَّبِنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ: وَهُوَ الطُّوبُ الْأَحْمَزَ، وَشَرَطَ فِي الْخُلَاصَةِ ذِكْرَ الْمَكَانِ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ اللَّبِنُ (وَالْآجُرِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ اللَّبِنُ إذَا طُبِخَ (إذَا سُمِّيَ مِلْبَنٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ قَالِبُهُمَا (مَعْلُومٌ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقَلَّ. (وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي الْمَذْرُوعِ كَالثَّوْبِ إنْ بُيِّنَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَرُقْعَتُهُ) أَيْ غِلَظُهُ وَرِقَّتُهُ. وَفِي الْمِنَحِ: وَصِفَتُهُ أَيْ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ مُرَكَّبٍ مِنْهُمَا - وَهُوَ الْمُلْحَمُ - أَوْ حَرِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَصَنْعَةٌ كَعَمَلِ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ. قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَيْرَ الْحَرِيرِ إذْ لَوْ كَانَ حَرِيرًا لَا بُدَّ

أَيْضًا مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ. (وَ) يَصِحُّ (فِي السَّمَكِ الْمَلِيحِ) أَيْ الْقَدِيدِ بِالْمِلْحِ (وَزْنًا وَنَوْعًا مَعْلُومَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ، وَبَيَانِ نَوْعِهِ. (وَكَذَا الطَّرِيُّ فِي حِينِهِ فَقَطْ) أَيْ يَصِحُّ فِي سَمَكٍ طَرِيٍّ حِينَ يُوجَدُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ حَتَّى كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَزْنًا وَنَوْعًا (وَلَا يَجُوزُ) السَّلَمُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَلِيحِ وَالطَّرِيِّ (عَدَدًا) لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ السَّمَكَ لَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ لَا طَرِيًّا وَلَا مَلِيحًا لِأَنَّهُ لَحْمٌ فَصَارَ كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ. وَفِي الْإِيضَاحِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّمَكَ الصِّغَارَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيِّ وَالْمَلِيحِ. (وَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي الْحَيَوَانِ) طَائِرًا أَوْ غَيْرَهُ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْصُوفًا لِإِمْكَانِ الضَّبْطِ بِمَعْرِفَةِ النَّوْعِ وَاللَّوْنِ وَالْوَصْفِ وَالسِّنِّ (وَأَطْرَافِهِ) كَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ (وَلَا فِي جُلُودِهِ عَدَدًا) لِكَوْنِ التَّفَاوُتِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَاحِشًا، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ فِي الرُّءُوسِ وَالْجُلُودِ عَدَدًا لِلتَّقَارُبِ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا لِقَيْدِ عَدَدًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَدَدِيٌّ فَحَيْثُ لَمْ يَجُزْ عَدَدًا لَمْ يَجُزْ وَزْنًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُوزَنُ عَدَدًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ بَيَّنَ لِلْجُلُودِ ضَرْبًا مَعْلُومًا يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ حِينَئِذٍ. (وَلَا) يَصِحُّ (فِي الْحَطَبِ حُزَمًا، وَ) لَا (الرَّطْبَةِ جُرَزًا) لِأَنَّ هَذَا مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبُيِّنَ طُولُهُ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ وَلَوْ قُيِّدَ الْوَزْنُ فِي الْكُلِّ صَحَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَا) يَصِحُّ (فِي الْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ) بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُنَظَّمُ، لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ إلَّا صِغَارَ اللُّؤْلُؤِ لَوْ كَانَتْ تُبَاعُ وَزْنًا فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا لِأَنَّ الصِّغَارَ إنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (فِي اللَّحْمِ طَرِيًّا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَصِحُّ إذَا وُصِفَ مَوْضِعٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) . وَفِي الْبَحْرِ وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا بُيِّنَ جِنْسُهُ وَنَوْعُهُ وَسِنُّهُ وَمَوْضِعُهُ وَصِفَتُهُ وَقَدْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ كَالْأَلْيَةِ وَالشَّحْمِ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كِبَرِ الْعَظْمِ وَصِغَرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَفِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ. وَفِي الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ قِيلَ لَا خِلَافَ فَمَنَعَ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا أُطْلِقَ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ، وَقَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَّا وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ صَحَّ اتِّفَاقًا. (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِكَيْلٍ أَوْ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ) قَيْدٌ لِلْكَيْلِ وَالذِّرَاعِ (لَا يُدْرَى قَدْرُهُ) أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ الصَّاعِ وَالذِّرَاعِ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ فَيَقَعُ النِّزَاعُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ (حَالًّا) قُيِّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُدْرَ قَدْرُهُ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعْلُومَيْ الْمِقْدَارِ جَازَ (وَلَا) يَجُوزُ (فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ أَوْ تَمْرِ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ) إذْ رُبَّمَا تَعْرِضُهُمَا

شرط جواز السلم

آفَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ، قَيَّدَ بِقَرْيَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامِ وِلَايَةٍ يَجُوزُ، لِأَنَّ وُصُولَ الْآفَةِ لِطَعَامِ كُلِّ الْوِلَايَةِ نَادِرٌ، وَهَذَا إذَا نُسِبَ إلَى قَرْيَةٍ لِيُؤَدِّيَ مِنْ طَعَامِهَا، وَأَمَّا إذَا نُسِبَ إلَيْهَا لِبَيَانِ وَصْفِ الطَّعَامِ فَالسَّلَمُ جَائِزٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَلَا) يَجُوزُ (فِيمَا لَا يَبْقَى) فِي الْأَسْوَاقِ وَالْبُيُوتِ (مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ حَلَّ الدَّيْنُ أَيْ إلَى حِينِ حُلُولِ الْأَجَلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسْلِفُوا فِي الْأَثْمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» ، وَلِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَحِلَّ، إذْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَيَلْزَمُ التَّسْلِيمُ، وَالِاحْتِمَالُ فِي هَذَا الْعَقْدِ مُلْحَقٌ بِالْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ إنْ وُجِدَ وَقْتَ الْحُلُولِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِمْرَارُ. [شَرْط جَوَازِ السَّلَم] (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً الْأَوَّلُ (بَيَانُ الْجِنْسِ كَبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، وَ) الثَّانِي بَيَانُ (النَّوْعِ كَسَقِيَّةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مَسْقِيَّةٍ وَهِيَ مَا تُسْقَى سَيْحًا (أَوْ بَخْسِيَّةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ مَا تُسْقَى بِالْمَطَرِ نِسْبَةً إلَى الْبَخْسِ؛ لِأَنَّهَا مَبْخُوسَةُ الْحَظِّ مِنْ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيْحِ غَالِبًا. (وَ) الثَّالِثُ بَيَانُ (الصِّفَةِ كَجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَ) الرَّابِعُ بَيَانُ (الْقَدْرِ نَحْوُ كَذَا رِطْلًا أَوْ كَيْلًا بِمَا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ) فَلَا يُجْعَلُ مِثْلُ الزِّنْبِيلِ كَيْلًا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَيُجْعَلُ مِثْلُ قِرْبَةِ الْمَاءِ كَيْلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلتَّعَامُلِ. (وَ) الْخَامِسُ بَيَانُ (أَجَلٍ مَعْلُومٍ) إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَلِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً لِلْفُقَرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ لِيَقْدِرَ عَلَى التَّحْصِيلِ وَالتَّتْمِيمِ وَالْإِيصَالِ وَالتَّسْلِيمِ. (وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ (شَهْرٌ فِي الْأَصَحِّ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ، وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ، بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ: حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا يُمْكِنُ فِيهِ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَفِي الْفَتْحِ وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ، وَكَذَا مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ، كُلُّ هَذَا تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ، انْتَهَى، وَفِي الْبَحْرِ هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَصِحَّ وَيُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي شَهْرٍ فَيُؤَدِّي التَّقْدِيرُ بِهِ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَجَلِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، انْتَهَى هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَ التَّقْدِيرُ مَخْصُوصًا بِالشَّهْرِ

لَا بِالزِّيَادَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ أَقَلُّ بَيَانِ الْأَجَلِ لَا أَكْثَرُهُ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ إلَى آخِرِهِ، لِأَنَّهُ إنْ حُصِّلَ فِي الشَّهْرِ فَبِهَا وَإِنْ لَمْ يُحَصَّلْ فِيهِ وَاتَّفَقَا عَلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ جَازَ بِلَا مَانِعٍ، تَدَبَّرْ. (وَ) السَّادِسُ بَيَانُ (قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا) أَيْ وَشَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ وَإِنْ كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (فَلَا يَجُوزُ فِي جِنْسَيْنِ بِلَا بَيَانِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ لِأَنَّ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ فَيَقْسِمُ الْمِائَةَ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ تُعْرَفُ بِالظَّنِّ فَتَكُونُ مَجْهُولَةً حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَصِحُّ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ (وَلَا) يَجُوزُ السَّلَمُ (بِنَقْدَيْنِ بِلَا بَيَانِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ) كَمَا فِي الْوِقَايَةِ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي عَشَرَةِ أَقْفُزِ بُرٍّ لَمْ تَجُزْ عِنْدَهُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَذْكُورَةَ إذَا لَمْ تُعْلَمْ وَزْنًا يَلْزَمُ عَدَمُ بَيَانِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا عُلِمَ وَزْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ، وَيَبْطُلُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ لِلْجَهَالَةِ وَلِكَوْنِ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةً، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ قَالُوا: لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ أَحَدِهِمَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ غَيْرُ الْمُبَيَّنِ رَأْسَ الْمَالِ، وَأَمَّا فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ فَلِكَوْنِ الظَّاهِرِ أَنَّ غَيْرَ الْمُبَيَّنِ هُوَ حِصَّةُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ، انْتَهَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ بَيَانَ الْحِصَّةِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَيَانُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى. تَأَمَّلْ. (وَ) السَّابِعُ بَيَانُ (مَكَانِ إيفَائِهِ) أَيْ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (إنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الثِّقَلُ (وَمُؤْنَةٌ) كَالْحِنْطَةِ، قِيلَ: مَا لَا يُحْمَلُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ مَجَّانًا، وَقِيلَ: مَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا) لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ. وَلَهُ أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ قَدْ يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يَجِدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدَّهُ، وَلَا يَتَّفِقُ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ، وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ، وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقَّقِ لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي. وَفِي الْبَحْرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ لِلْإِمَامِ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فَيَنْدَفِعُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِانْتِقَادَ شَرْطٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ بَيَانُ

(مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيُوفِيهِ فِي مَكَانِ عَقْدِهِ) عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ مَكَانُهُ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرُ فِيهِ؛ فَيَصِيرُ نَظِيرَ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ وَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ، وَلِلْإِمَامِ أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَمَا فِي الصِّفَةِ: وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ مِنْ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ (الثَّمَنُ) الْمُؤَجَّلُ الَّذِي لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ كَمَا إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِمُدِّ حِنْطَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ إيفَاءِ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِيفَاءِ مَكَانُ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكُلِّ (وَالْأُجْرَةُ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ بِالذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ فِي إجَارَةِ الدَّارِ مَوْضِعُ الدَّارِ لِلْإِيفَاءِ وَمَوْضِعُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِي إجَارَةِ الدَّابَّةِ (وَالْقِسْمَةُ) بِأَنْ اقْتَسَمَا دَارًا، وَجَعَلَا مَعَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ. (وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ) وَلَا مُؤْنَةَ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهِمَا (يُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبُيُوعِ، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَاتِ يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِ، وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا قِيلَ: لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ اتِّفَاقًا قَيْدٌ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَيَانِ الْإِيفَاءِ وَتَعْيِينِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ؛ فَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِيفَاءَ حَيْثُ شَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، تَدَبَّرْ، قِيلَ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْإِيفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ إذْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَوْ قُلَّةِ الْجِبَالِ يُوفِيهِ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ مِنْ مَكَانِ الْعَقْدِ. وَفِي التَّنْوِيرِ: شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَدِينَةٍ فَكُلُّ مَحَلَّاتِهَا سَوَاءٌ فِي الْإِيفَاءِ حَتَّى لَوْ أَوْفَاهُ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا بَرِئَ. (وَ) الثَّامِنُ (قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَوْ غَيْرَ نَقْدٍ بِالتَّخْلِيَةِ (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) أَيْ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْبَدَنِ لِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَلَا يَضُرُّ الْقَبْضُ بَعْدَ مَشْيِهِمَا فَرْسَخًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ نَوْمِهِمَا، وَالِافْتِرَاقُ أَنْ يَتَوَارَى أَحَدُهُمَا

صَاحِبَهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ رَبُّ السَّلَمِ بَيْتَهُ لِإِخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَغِبْ عَنْ عَيْنِ صَاحِبِهِ لَا يَكُونُ افْتِرَاقًا. (شَرْطُ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا بِدُونِهِ، ثُمَّ يَفْسُدُ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ فَلَوْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُفْسِدٌ لِلسَّلَمِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ. وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ تِسْعًا أُخَرَ فَلْيُطَالَعْ. (فَلَوْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ (أَسْلَمَ) رَجُلٌ إلَى آخَرَ (مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي كُرٍّ بَطَلَ) السَّلَمُ (فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَقَطْ) سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إلَيْك مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، ثُمَّ جَعَلَا مِائَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَقَاصَّا بِالدَّيْنِ، أَوْ مُقَيَّدًا بِأَنْ أَسْلَمْتُ إلَيْك فِي مِائَةٍ نَقْدٍ وَمِائَةٍ دَيْنٍ لِي عَلَيْكَ وَسَوَاءٌ أُضِيفَ إلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا أَوْ لَا وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ الْقَبْضِ. وَإِنَّمَا قَالَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ نَقَدَ الْكُلَّ مِنْ مَالِهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ جَائِزًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ بِالنَّقْدِ فِي الْمَجْلِسِ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ. وَعِنْدَ زُفَرَ السَّلَمُ بَاطِلٌ فِي الْكُلِّ لِسَرَيَانِ الْفَسَادِ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ وَقَبْلَ قَبْضِ رَبِّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ (بِشَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلِرَأْسِ الْمَالِ شَبَهٌ بِالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي التَّوْلِيَةِ تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ وَفِي الشَّرِكَةِ تَمْلِيكُ بَعْضِهِ بِعِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ. وَصُورَةُ الشَّرِكَةِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ: أَعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَكَ. وَصُورَةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْت الْمُسْلَمَ إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَكَ وَإِنْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ غَيْرِهِمَا. (وَلَا) يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ (شِرَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ التَّقَابُلِ) فِي عَقْدِ السَّلَمِ الصَّحِيحِ بَعْدَ وُقُوعِهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ» أَيْ لَا تَأْخُذْ إلَّا مَا أَسْلَمْتَ فِيهِ حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكِ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ عَمَلًا بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ حَقَّ رَبِّ السَّلَمِ أَخْذَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ، وَأَخْذَ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا، ثُمَّ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِئَلَّا يَصِيرَ قَابِضًا حَقَّ غَيْرِهِ فَكَذَا بَعْدَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ. وَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ رَبِّ السَّلَمِ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيَاسًا بِاعْتِبَارِ سَائِرِ الدُّيُونِ. (وَلَوْ اشْتَرَى) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (كُرًّا، وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الْكُرِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْبَائِعِ (قَضَاءً) أَيْ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ مِنْ الْكُرِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ (لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ

صَفْقَتَانِ: السَّلَمُ وَهَذَا الشِّرَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْكَيْلَانِ (وَلَوْ أَمَرَ مُقْرِضَهُ بِذَلِكَ صَحَّ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا لَا سَلَمًا فَاشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ كُرًّا مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَرَ مُقْرِضَهُ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْكَيْلَ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ تَقْدِيرًا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا. (وَكَذَا لَوْ أَمَرَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (رَبَّ سَلَمِهِ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الْكُرِّ مِنْهُ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ مُسْلَمٍ إلَيْهِ (ثُمَّ) بِقَبْضِهِ ثَانِيًا (لِنَفْسِهِ) أَيْ لِنَفْسِ رَبِّ السَّلَمِ (فَاكْتَالَهُ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ (لِأَجْلِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، ثُمَّ) اكْتَالَهُ (لِنَفْسِهِ صَحَّ) لِاجْتِمَاعِ الْكَيْلَيْنِ. (وَلَوْ اكْتَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي ظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ رَبِّ السَّلَمِ (وَهُوَ) وَالْحَالُ أَنَّهُ (غَائِبٌ لَا يَكُونُ قَبْضًا) لِأَنَّ فِي السَّلَمِ لَمْ يَصِحُّ أَمْرُ رَبِّ السَّلَمِ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ فَأَمْرُهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَهُ فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ جَعَلَ مِلْكَهُ فِي ظَرْفٍ اسْتَعَارَهُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ. قَيَّدَ بِغَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَكَالَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ يَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ. (وَلَوْ اكْتَالَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ طَعَامًا وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ظَرْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي الظَّرْفِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ (كَانَ قَبْضًا) لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلْعَيْنِ بِالشِّرَاءِ، فَأَمْرُهُ صَادَفَ مِلْكَهُ فَيَكُونُ قَابِضًا بِوَضْعِهِ فِي ظَرْفِهِ، وَكَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا فِي إمْسَاكِ الظَّرْفِ فَجُعِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ كَالْمُوَكِّلِ. (بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَالَهُ) الْبَائِعُ (فِي ظَرْفِ نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ مُسْتَعِيرًا ظَرْفَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ فَلَا يَتِمُّ بِلَا قَبْضٍ فَلَا يَصِيرُ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاقِعًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (أَوْ) اكْتَالَهُ (فِي نَاحِيَةِ بَيْتِهِ) أَيْ بَيْتِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْتَ وَنَوَاحِيَهُ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا. (وَلَوْ اكْتَالَ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي) بِأَنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ كُرًّا بِعَقْدِ السَّلَمِ وَكُرًّا مُعَيَّنًا بِالْبَيْعِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْكُرَّيْنِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي (إنْ بَدَأَ) الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (بِالْعَيْنِ كَانَ قَبْضًا) أَيْ كَانَ الْمُشْتَرِي - هُوَ رَبُّ السَّلَمِ - قَابِضًا لَهُمَا. أَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ. وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ (وَإِنْ بَدَأَ) الْبَائِعُ (بِالدَّيْنِ فَلَا) يَكُونُ قَابِضًا لَهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ. أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ. وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا عِنْدَهُ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ مَعَ أَنَّ الْخَلْطَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبِدَايَةَ بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ رِضَاهُ حَتَّى يَكُونَ شَرِيكًا لَهُ (وَعِنْدَهُمَا صَحَّ قَبْضُ الْعَيْنِ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِالشَّرِكَةِ) فِي الْمَخْلُوطِ. (وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَخَصَّهُ قَاضِي خَانْ

بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَدَأَهَا بِالدَّيْنِ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُمَا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ ضَرُورَةَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ إذْ الْخَلْطُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ رَجُلٌ كُرًّا وَدَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَهُ لِيَكِيلَهُ فِيهَا فَفَعَلَ - وَهُوَ غَائِبٌ - لَمْ يَكُنْ قَبْضًا كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَلَوْ) (أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ) مِنْ بُرٍّ مَثَلًا أَيْ جَعَلَ أَمَةً رَأْسَ الْمَالِ فِي اشْتِرَاءِ كُرٍّ بِعَقْدِ السَّلَمِ (وَقُبِضَتْ) الْأَمَةُ أَيْ قَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (ثُمَّ تَقَايَلَا) عَقْدَ السَّلَمِ (فَمَاتَتْ) أَيْ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قَبْلَ رَدِّهَا) أَيْ الْأَمَةِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ (بَقِيَ التَّقَايُلُ) عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهَلَاكِهَا (وَتَجِبُ) عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قِيمَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ (يَوْمَ قَبَضَهَا) أَيْ الْأَمَةَ. (وَلَوْ مَاتَتْ) الْأَمَةُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ (ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّ التَّقَايُلُ) أَيْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِقَالَةِ بَقَاءُ الْعَقْدِ، وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ تَقَابَضَا، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا أَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ يَوْمُ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَالْغَصْبِ. (وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ) وَهِيَ بَيْعُ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ (فِي الْوَجْهَيْنِ) هُوَ الْمَوْتُ بَعْدَ التَّقَايُلِ وَالتَّقَايُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، فَفِي الْبَاقِي يُعْتَبَرُ الْمَبِيعَةُ وَفِي الْهَلَاكِ الثَّمَنِيَّةُ (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) أَيْ إذَا اشْتَرَى أَمَةً بِأَلْفٍ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْأَمَةُ وَلَا يَبْقَى الْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِانْعِدَامِ مَحَلِّهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّنْوِيرِ: تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ فَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ. (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ عَاقِدَيْ السَّلَمِ بَيَانَ الْأَجَلِ أَوْ) ادَّعَى (اشْتِرَاطَ الرَّدَاءَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْنَا التَّأْجِيلَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْنَا طَعَامًا رَدِيًّا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْتَرِطْ (فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِمَا) أَيْ لِمُدَّعِي الْأَجَلِ وَالرَّدَاءَةِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيهِمَا رَبَّ السَّلَمِ أَوْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي الصِّحَّةَ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ إذْ الظَّاهِرُ شَاهِدٌ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مَعْصِيَةٌ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. (وَقَالَا لِلْمُنْكِرِ إنْ كَانَ) الْمُنْكِرُ (رَبَّ السَّلَمِ فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) أَيْ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا إذَا ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ التَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَجَلُ (أَوْ) كَانَ الْمُنْكِرُ (الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فِي) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الرَّدَاءَةُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا

فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً بِأَنْ يُنْكِرَ مَا يَضُرُّهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ أَوْ غَيْرَهَا. وَفِي التَّنْوِيرِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ بَرْهَنَ قُبِلَ، وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ، وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ لِإِنْكَارِهِ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ. (وَالِاسْتِصْنَاعُ) لُغَةً طَلَبُ الْعَمَلِ، مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْنِ وَشَرْعًا بَيْعُ مَا يَصْنَعُهُ عَيْنًا فَيَطْلُبُ فِيهِ مِنْ الصَّانِعِ الْعَمَلَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا فَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ كَانَ إجَارَةً لَا اسْتِصْنَاعًا، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعٍ كَخَفَّافٍ مَثَلًا: اصْنَعْ لِي مِنْ مَالِكِ خُفًّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِعِشْرِينَ (بِأَجَلٍ) مَعْلُومٍ كَأَنْ يَقُولَ شَهْرًا مَثَلًا (سَلَمٌ) فَيُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُهُ (فَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ تُعُورِفَ) الِاسْتِصْنَاعُ فِيهِ (أَوْ لَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّلَمَ بِالْأَجَلِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا، وَالِاسْتِصْنَاعُ بِالْأَجَلِ فِي عُرْفِهِمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ ضُرِبَ الْأَجَلُ فِيمَا تُعُورِفَ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَيُحْفَظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَإِنْ ضُرِبَ فِيمَا لَا يُتَعَارَفُ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ لِتَعَذُّرِ، جَعْلِهِ اسْتِصْنَاعًا، وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ اُسْتُصْنِعَ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ عَنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَا يَصِيرُ سَلَمًا بِالْإِجْمَاعِ، وَحُكِيَ عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ، وَإِنْ ذَكَرَ الصَّانِعُ فَسَلَمٌ، وَقِيلَ إنْ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةٍ تُمَكِّنُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ فَاسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَلَمٌ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ. (، وَ) الِاسْتِصْنَاعُ (بِلَا أَجَلٍ) مَعْلُومٍ (يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا فِيمَا تُعُورِفَ فِيهِ كَخُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَانِي (وَهُوَ بَيْعٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَصْنَعَ فِيهِ الْمَعْدُومَ يُجْعَلُ مَوْجُودًا حُكْمًا كَطَهَارَةِ الْمَعْذُورِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ لِلتَّعَامُلِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَقَدْ اسْتَصْنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا وَمِنْبَرًا فَصَارَ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ بِأَجْرٍ فَإِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ، وَإِنْ أَبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهُ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْمُكْثِ وَمَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ مَجْهُولٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِسَقَّاءٍ: أَعْطِنِي شَرْبَةَ مَاءٍ بِفَلْسٍ أَوْ احْتَجَمَ بِأَجْرٍ (لَا عِدَةً) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَائِلًا: إذَا جَاءَ مَفْرُوغًا عَنْهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَلِذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ بَيْعًا لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، وَهُمَا لَا يُجْرَيَانِ فِي الْمُوَاعَدَةِ. وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ بَيْعًا بِقَوْلِهِ (فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ) وَلَوْ كَانَ عِدَةً لَمْ يُجْبَرْ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَصْنِعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَمْرِهِ

مسائل شتى في البيع

وَلَوْ كَانَ عِدَةً لَجَازَ رُجُوعُهُ (وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) أَيْ عَمَلُ الصَّانِعِ. وَقَالَ الْبَرْدَعِيُّ: عَمَلُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَيْنُ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ وَالْجِنْسِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنَ - لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ - لَا الْعَمَلَ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ الْعَيْنَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَتَى) الصَّانِعُ (بِمَا صَنَعَهُ) قَبْلَ الْعَقْدِ (غَيْرُهُ أَوْ بِمَا صَنَعَهُ هُوَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ) أَيْ الْمُسْتَصْنِعُ الْعَيْنَ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمُسْتَصْنَعُ بِفَتْحِ النُّونِ (لِلْمُسْتَصْنِعِ) بِكَسْرِ النُّونِ (بِلَا اخْتِيَارِهِ) وَرِضَاهُ (فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّانِعِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنَعِ بِفَتْحِ النُّونِ (قَبْلَ رُؤْيَتِهِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَلَا يَصِحُّ) الِاسْتِصْنَاعُ بِلَا أَجَلٍ (فِيمَا لَمْ يَتَعَارَفْ) هُوَ فِيهِ (كَالثَّوْبِ) يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثِيَابًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إذْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّعَامُلُ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ السَّلَمِ. وَفِي الْبَحْرِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى مُذَهِّبٍ لِيُذَهِّبَهُ بِذَهَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرَاهُ الذَّهَبَ أُنْمُوذَجًا مِنْ الْأَعْشَارِ وَالْأَخْمَاسِ وَرُءُوسِ الْآيِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ، فَأَمَرَهُ رَبُّ الْمُصْحَفِ أَنْ يُذَهِّبَهُ كَذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اسْتَصْنَعَ رَجُلًا فِي شَيْءٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَصْنُوعِ، فَقَالَ الْمُسْتَصْنِعُ: لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُك وَقَالَ الصَّانِعُ فَعَلْتُ، قَالُوا: لَا يَمِينَ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّك اسْتَصْنَعْتَ إلَيَّ فِي كَذَا كَذَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ. [مَسَائِل شَتَّى فِي الْبَيْع] (مَسَائِلُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ مَسَائِلُ (شَتَّى) جَمْعُ شَتِيتٍ وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ، وَعَبَّرَ فِي التَّنْوِيرِ بِالْمُتَفَرِّقَاتِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَشَتَّتَتْ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِيهَا إذَا اُسْتُذْكِرَتْ سُمِّيَتْ بِهَا مُتَفَرِّقَاتٍ مِنْ أَبْوَابِهَا أَوْ مَنْثُورَةً عَلَى أَبْوَابِهَا. (يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ عُلِّمَتْ) الْكَلْبُ وَالْفَهْدُ وَالسِّبَاعُ (أَوْ لَا) عِنْدَنَا لِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِهِمْ حِرَاسَةً أَوْ اصْطِيَادًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً كَالْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الْأَسَدِ - إذَا كَانَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَيُصَادُ بِهِ -: إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَالِاصْطِيَادَ بِهِ لَا يَجُوزُ

وَالْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلَانِ التَّعْلِيمَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ لِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَيَكُونُ الْمُتْلِفُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَأَمَّا اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ لِحِفْظِ الزَّرْعِ أَوْ الْمَوَاشِي أَوْ الْبُيُوتِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقِرْدِ، وَكُرِهَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْفِيلُ كَالْهِرَّةِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشِرَاءُ السِّبَاعِ جَائِزٌ، وَلَحْمِهَا لَا، وَبَيْعُ الْفِيلِ جَائِزٌ. وَفِي التَّنْجِيسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى جَوَازُ بَيْعِ لَحْمِ الْمَذْبُوحِ مِنْ السِّبَاعِ، وَكَذَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي إطْعَامِ سِنَّوْرَةٍ، بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَفِي التَّخْصِيصِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ جَوَازِ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَدَوَابِّ الْبَحْرِ غَيْرَ السَّمَكِ كَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ، لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَدُورُ مَعَ حِلِّ الِانْتِفَاعِ وَحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ بَيْعَ الْحَيَّةِ يَجُوزُ إذَا اُنْتُفِعَ بِهَا لِلْأَدْوِيَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَدْرَكَةٌ بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَبَيْعُ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ كَالسَّقَنْقُورِ وَجُلُودِ الْخَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. (وَالذِّمِّيُّ فِي الْبَيْعِ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَالْمُسْلِمِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ مَا يَحِلُّ لَنَا يَحِلُّ لَهُمْ وَأَنَّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِي الْعُقُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ» (إلَّا فِي) بَيْعِ (الْخَمْرِ فَإِنَّهَا) أَيْ الْخَمْرَ (فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ (كَالْخَلِّ) فِي حَقِّنَا. (وَ) إلَّا فِي (الْخِنْزِيرِ) فَإِنَّهُ (فِي حَقِّهِ كَالشَّاةِ) فِي حَقِّنَا، وَفِي الْبَحْرِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَإِنَّهُ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا شَرْعًا لَهُمْ فَكَانَ مَالًا فِي حَقِّهِمْ. وَعَنْ الْبَعْضِ حُرْمَتُهُمَا ثَابِتَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ فِي الْحُرُمَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْ بَيْعِهِمَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُمَا وَيَتَمَوَّلُونَ بِهِمَا وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ. (وَمَنْ زَوَّجَ مَشْرِيَّتَهُ) لِآخَرَ (قَبْلَ قَبْضِهَا جَازَ) لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ، فَيُجْعَلُ التَّصَرُّفُ بِالتَّزْوِيجِ فِي الْبَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ فِي عَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ بِمِثْلِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذْ هُوَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (فَإِنْ وُطِئَتْ) أَيْ إنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا (كَانَ) الْوَاطِئُ (قَابِضًا لَهَا) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الزَّوْجُ (فَلَا) يَكُونُ قَابِضًا؛ إذْ بِمُجَرَّدِ التَّزْوِيجِ لَا يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَقَّقَ

وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّعْيِيبِ الْحَقِيقِيِّ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي الْحَقِيقِيِّ اسْتِيلَاءً عَلَى الْمَحَلِّ وَبِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَا كَذَلِكَ الْحُكْمِيُّ فَافْتَرَقَا. وَفِي التَّنْوِيرِ فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي الْمُخْتَارِ. (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا) مَنْقُولًا (فَغَابَ) الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ (غَيْبَةً مَعْرُوفَةً) بِأَنْ عُلِمَ مَكَانُهُ فَأَقَامَ بَائِعُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ (لَا يُبَاعُ) ذَلِكَ الشَّيْءُ (فِي دَيْنِ بَائِعِهِ) أَيْ لَمْ يَبِعْهُ الْقَاضِي فِي دَيْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيْعِهِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ. (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) غَيْبَةً (مَعْرُوفَةً) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ وَطَلَبَ بَيْعَهُ بِثَمَنِهِ (يُبَاعُ فِيهِ) أَيْ فِي الثَّمَنِ (إذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْغَائِبِ (إذَا لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ) الْغَائِبُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِبَ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ، وَنَظَرُهُمَا فِي بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَصِلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ وَيَبْرُؤُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَالْمُشْتَرِي أَيْضًا يُبْرِئُ ذِمَّتَهُ مِنْ دَيْنِهِ وَمِنْ تَرَاكُمِ نَفَقَتِهِ، فَإِنَّهُ إذَا انْكَشَفَ الْحَالُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْقَضَاءِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنَّمَا هِيَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي يَدِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ لِلْغَائِبِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ فَيَظْهَرُ الْمِلْكُ لِلْغَائِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَقِّهِ كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَالْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ يُمْسَكُ لِلْغَائِبِ وَإِنْ نَقَصَ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا ظَفِرَ. وَقَيَّدْنَا بِالْمَنْقُولِ احْتِرَازًا عَلَى الْعَقَارِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ) بِأَنْ اشْتَرَاهُ رَجُلَانِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَلِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُ الْمَبِيعِ وَحَبْسُهُ) أَيْ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَنْ شَرِيكِهِ (إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ حَتَّى يَنْقُدَ) شَرِيكُهُ (حِصَّتَهُ) لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْمُضْطَرُّ يَرْجِعُ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَوْ حَبَسَ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَانَ مَقْطُوعًا فِيمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ، وَيَصِيرُ غَاصِبًا بِهِ فَهَلَكَ بِالْقِيمَةِ. قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ دَفْعُهُ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ. (وَإِنْ اشْتَرَى) شَيْئًا (بِأَلْفِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَهُمَا) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (نِصْفَانِ) أَيْ يَجِبُ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ مِنْ الذَّهَبِ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ مِنْ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الصِّفَةِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ. (وَإِنْ قَالَ: بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ

وَالْفِضَّةِ، فَمِنْ الذَّهَبِ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ وَمِنْ الْفِضَّةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ) أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِإِضَافَةِ الْأَلْفِ الْمُبْهَمِ إلَيْهِمَا فَيُصْرَفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثُلُثُ الْكُرِّ، وَهَكَذَا فِي الْمُعَامَلَاتِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الْفَتْحِ فِي الدَّرَاهِمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ، وَيَجِبُ كَوْنُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُتَعَارَفُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ فِي اسْمِ الدِّرْهَمِ مَا يُوزَنُ سَبْعَةً، وَالْمُتَعَارَفُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الْآنَ كَالشَّامِ وَالْحِجَازِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وَزْنَ رُبُعٍ وَقِيرَاطٍ مِنْ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ، وَأَمَّا فِي عُرْفِ مِصْرَ لَفْظُ الدِّرْهَمِ يَنْصَرِفُ الْآنَ إلَى وَزْنِ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ مِنْ الْفُلُوسِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالْفِضَّةِ فَيَنْصَرِفَ إلَى دَرَاهِمَ بِوَزْنِ سَبْعَةٍ فَإِنَّ مَا دُونَهُ ثَقُلَ أَوْ خَفَّ يُسَمُّونَهُ نِصْفَ فِضَّةٍ. (وَمَنْ قَبَضَ زَيْفًا بَدَلَ جَيِّدٍ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ) أَيْ بِالزَّيْفِ (فَأَنْفَقَهُ أَوْ هَلَكَ فَهُوَ قَضَاءٌ) وَبَرِئَ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ الزَّيْفِ لِأَخْذِ الْجَيِّدِ إيجَابٌ لَهُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُ هَذَا التَّكْلِيفِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّ الزَّيْفَ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ وَالْهَلَاكِ يَنُوبُ مَنَابَ حَقِّهِ الْجَيِّدِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرُدُّ مِثْلَ الزَّيْفِ وَيَقْتَضِي الْجَيِّدَ) لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ يُرَاعَى مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ رِعَايَتُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ فِي الْوَصْفِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ فَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى الرَّدِّ بِمِثْلِ زَيْفِهِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ وَقَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ قَوْلُهُ الْأَنْسَبُ لِلْفَتْوَى. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَلِمُحَمَّدٍ فِيهِ قَوْلَانِ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَيَّدَ بِالْإِتْلَافِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَائِمًا يَرُدُّهُ وَيَسْتَرِدُّ الْجَيِّدَ عِنْدَهُمْ، وَقَيَّدَ بِغَيْرِ عَالِمٍ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ عِنْدَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافٍ. (وَإِنْ فَرَّخَ طَيْرٌ أَوْ بَاضَ فِي أَرْضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا (أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ) فِيهَا أَيْ تَسَتَّرَ وَمَعْنَاهُ دَخَلَ فِي الْكِنَاسِ وَهُوَ مَوْضِعُ الظَّبْيِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِي أَرْضٍ فَتَكَسَّرَ رِجْلُهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَهُوَ يَكُونُ لِلْكَاسِرِ لَا لِلْآخِذِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْفَرْخِ وَالْبَيْضِ وَالظَّبْيِ (لِمَنْ أَخَذَهُ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ إلَّا إذَا هَيَّأَ أَرْضَهُ لِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَرِيبًا مِنْ الصَّيْدِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ لَوْ مَدَّ يَدَهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى، تَدَبَّرْ. (وَكَذَا صَيْدٌ تَعَلَّقَ بِشَبَكَةٍ مَنْصُوبَةٍ لِلْجَفَافِ) لَا لِلِاصْطِيَادِ يَعْنِي يَكُونُ هُوَ لِلْآخِذِ (أَوْ دَخَلَ) الصَّيْدُ (دَارًا) يَكُونُ أَيْضًا لِلْآخِذِ (وَدِرْهَمٌ أَوْ سُكَّرٌ نُثِرَ فَوَقَعَ) الدِّرْهَمُ أَوْ السُّكَّرُ (عَلَى ثَوْبِ) أَحَدٍ (فَإِنْ أَعَدَّهُ) أَيْ الثَّوْبَ (صَاحِبُهُ)

أَيْ صَاحِبُ الثَّوْبِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِوُقُوعِ الدِّرْهَمِ أَوْ السُّكَّرِ عَلَيْهِ (أَوْ كَفَّهُ) أَيْ جَمَعَ الثَّوْبَ إلَى نَفْسِهِ (بَعْدَ السُّقُوطِ) عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْهُ (أَوْ أَغْلَقَ بَابَ الدَّارِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَلَكَهُ) أَيْ صَارَ لَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ (وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ أَخْذُهُ) إذْ بِالْإِعْدَادِ وَالْكَفِّ يَظْهَرُ أَنَّهُ طَالِبٌ الْأَخْذَ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ إنْ أَغْلَقَ الْبَابَ عَلَى الصَّيْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَصِرْ آخِذُهُ مَالِكًا لَهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ (كَمَا لَوْ عَسَّلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ) أَيْ جَعَلَ عَسَلَهُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ (أَوْ نَبَتَ فِيهَا شَجَرٌ أَوْ اجْتَمَعَ تُرَابٌ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ) فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكَهُ تَبَعًا وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ. إنَّهُ مَهَّدَ هُنَا قَاعِدَةً كُلِّيَّةً فَقَالَ (وَمَا) أَيْ الَّذِي (لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَيُبْطِلُهُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ) أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْكَنْزِ. الْأَوَّلُ (الْبَيْعُ) فَإِذَا بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ اسْتِخْدَامَهُ شَهْرًا مَثَلًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. وَمَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ كَانَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ لَا يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكَاتِ، وَيَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَذَا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوِلَايَاتِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ وَكَذَا التَّحْرِيضَاتُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. . (وَ) الثَّانِي (الْإِجَارَةُ) بِأَنْ آجَرَ دَارِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ، أَوْ آجَرَهُ إيَّاهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ. (وَ) الثَّالِثُ (الْقِسْمَةُ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِأَحَدِهِمْ وَالْعَيْنُ لِلْبَاقِينَ فَهِيَ فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى الْإِقْرَارِ فِي الْمُبَادَلَةِ. (وَ) الرَّابِعُ (الْإِجَازَةُ) بِأَنْ بَاعَ فُضُولِيٌّ عَبْدَهُ، فَقَالَ: أَجَزْته بِشَرْطِ أَنْ تُقْرِضَنِي أَوْ تُهْدِيَ إلَيَّ أَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ لِأَنَّهَا بَيْعٌ مَعْنًى كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِإِجَازَةِ الْبَيْعِ بَلْ كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إذَا انْعَقَدَ مَوْقُوفًا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إجَازَتِهِ بِالشَّرْطِ حَتَّى النِّكَاحِ. (وَ) الْخَامِسُ (الرَّجْعَةُ) بِأَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ: رَاجَعْتُكِ عَلَى أَنْ تُقْرِضِينِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرَةً بِابْتِدَائِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ ابْتِدَائِهِ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَخَطَأٌ صَرِيحٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَفُصِّلَ كُلَّ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ. لَكِنْ يُفَرَّقُ

بَيْنَ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا رِضَى الزَّوْجَةِ وَلَا شُهُودٌ وَلَا مَهْرٌ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ عَوْدُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا طَلَّقَ الْأَمَةَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ. تَدَبَّرْ (وَ) السَّادِسُ (الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ) أَيْ بِمَالٍ بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تُسْكِنَنِي فِي الدَّارِ سَنَةً مَثَلًا لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَيْعًا (وَ) السَّابِعُ (الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) بِأَنْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا، أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَرْتَدَّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا عُلِّقَ بِكَائِنٍ كَمَا قَالَ الْمَدْيُونُ: دَفَعْتُ إلَى فُلَانٍ فَقَالَ إنْ كُنْتَ دَفَعْتَ إلَيْهِ فَقَدْ أَبْرَأْتُك صَحَّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِأَمْرٍ كَائِنٍ، وَفِي الْبَحْرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَوْتِ الدَّائِنِ صَحِيحٌ إلَّا إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ وَارِثًا، وَعَلَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ. (وَ) الثَّامِنُ (عَزْلُ الْوَكِيلِ) بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: عَزَلْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَ إلَيَّ شَيْئًا، أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا فَإِنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَكِنْ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَقَدْ بَطَلَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الشَّرْطُ لَمْ يَتَرَتَّبْ وُجُودُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَهُوَ جَوَابٌ بِعَيْنِهِ عَمَّا يُورَدُ فِي الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا، تَدَبَّرْ. (وَ) التَّاسِعُ (الِاعْتِكَافُ) بِأَنْ قَالَ اعْتَكَفْتُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي، أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ. وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْبَحْرِ: وَعِنْدِي أَنَّ ذِكْرَهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ كَوْنِهِ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمِنْ كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ أَمَّا الثَّانِي فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ، ثُمَّ دَخَلَ فَعَلَيْهِ اعْتِكَافُ شَهْرٍ عِنْدَ عُلَمَائِنَا فَإِذَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَمْ يَبْطُلْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ وَيَبْطُلُ بِفَاسِدِهِ، وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَقَالَ: وَتَعْلِيقُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ، وَقَدْ نَاقَضَ الْكَمَالُ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ جَعَلَ إيجَابَ الِاعْتِكَافِ مِمَّا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَعَزَاهُ إلَى الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ هُوَ الْمَنْذُورُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ يُطْلَبُ مِنْ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ. لَكِنْ إنَّ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَمَا لَا يَصِحُّ هُوَ مَعَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ هُوَ الِاعْتِكَافُ نَفْسُهُ لَا النَّذْرُ بِهِ بَلْ النَّذْرُ بِهِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَيَتَرَتَّبُ لُزُومُهُ عَلَى تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَلَا يُفْسِدُهُ كَالنَّذْرِ بِسَائِرِ

الْعِبَادَاتِ الَّذِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ كَمَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ ذَكَرُوا بُعَيْدَ هَذَا أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ النَّذْرِ بِهِ فَافْتَرَقَا، تَدَبَّرْ. (وَ) الْعَاشِرُ (الْمُزَارَعَةُ) بِأَنْ قَالَ: زَارَعْتُك أَرْضِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ. (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ (الْمُعَامَلَةُ) وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ بِأَنْ قَالَ: سَاقَيْتُك شَجَرِي أَوْ كَرْمِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا، أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ أَيْضًا. (وَ) الثَّانِيَ عَشَرَ (الْإِقْرَارُ) بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَقْرَضَنِي كَذَا، أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجُحُودِ أَوْ دَعْوَى الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِّ. (وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ (الْوَقْفُ) بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ دَارِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ أَيْضًا. وَفِي الْبَحْرِ وَفِي الْجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ؛ فَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ وَلَدِي فَدَارِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَجَاءَ وَلَدُهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا. (وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ (التَّحْكِيمُ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُحَكِّمَانِ: إذَا أَهَلَّ شَهْرٌ، أَوْ قَالَا لِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ: إذَا أُعْتِقْتَ أَوْ أَسْلَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عِنْدَهُ بِشَرْطٍ، وَإِضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ كَالْوَكَالَةِ وَالْقَضَاءِ، وَلَهُ أَنَّ التَّحْكِيمَ تَوْلِيَةٌ صُورَةً وَصُلْحٌ مَعْنًى فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صُلْحٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ يَصِحُّ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شَارِحِي الْكَنْزِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ. (وَمَا) أَيْ الَّذِي (لَا يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ) وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَيْئًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلُ (الْقَرْضُ) بِأَنْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُبَادَلَةِ الْمَالِيَّةِ، وَالْعُقُودُ كُلُّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَتَعْلِيقُ الْقَرْضِ حَرَامٌ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ. (وَ) الثَّانِي (الْهِبَةُ) بِأَنْ قَالَ: وَهَبْتُ لَك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهَا لِي. (وَ) الثَّالِثُ (الصَّدَقَةُ) بِأَنْ قَالَ: تَصَدَّقْت عَلَيْك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي جُمُعَةً مَثَلًا. (وَ) الرَّابِعُ (النِّكَاحُ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَكِ مَهْرٌ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَ) الْخَامِسُ (الطَّلَاقُ) بِأَنْ قَالَ طَلَّقْتُكِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي. (وَ) السَّادِسُ (الْخُلْعُ) بِأَنْ قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي الْخِيَارُ مُدَّةً سَمَّاهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ. (وَ) السَّابِعُ (الْعِتْقُ) بِأَنْ قَالَ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ. (وَ)

الثَّامِنُ (الرَّهْنُ) بِأَنْ قَالَ رَهَنْت عِنْدَك عَبْدِي بِشَرْطِ أَنْ أَسْتَخْدِمَهُ. (وَ) التَّاسِعُ (الْإِيصَاءُ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ إلَيْك عَلَى شَرْطِ أَنْ تَتَزَوَّجَ ابْنَتِي. (وَ) الْعَاشِرُ (الْوَصِيَّةُ) بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي إنْ أَجَازَ فُلَانٌ، ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِثَالُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يَصْدُقُ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَمَعَ الصِّحَّةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَفْسُدُ لَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِهِ وَهُنَا يَجُوزُ فَلَمْ يَفْسُدْ. تَدَبَّرْ. (وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ (الشَّرِكَةُ) بِأَنْ قَالَ: شَارَكْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَنِي كَذَا. (وَ) الثَّانِيَ عَشَرَ (الْمُضَارَبَةُ) بِأَنْ قَالَ: ضَارَبْتُك فِي أَلْفٍ عَلَى النِّصْفِ فِي الرِّبْحِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مِثَالٌ لِتَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ لِلْعَيْنِيِّ دَلِيلٌ عَلَى كَسَلِهِ وَعَدَمِ تَصَفُّحِ كَلَامِهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الْأَبْوَابِ لَكَانَ أَنْسَبَ، انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْوَصِيَّةِ، تَدَبَّرْ. (وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ (الْقَضَاءُ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ: وَلَّيْتُك قَضَاءَ مَكَّةَ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا تُعْزَلَ أَبَدًا. (وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ (الْإِمَارَةُ) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ: وَلَّيْتُك إمَارَةَ الشَّامِ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا تَرْكَبَ. (وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ (الْكَفَالَةُ) بِأَنْ قَالَ: كَفَلْتُ غَرِيمَك إنْ أَقْرَضْتَنِي كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ مِثَالٌ لِتَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ انْتَهَى وَالْجَوَابُ قَدْ مَرَّ، تَدَبَّرْ. (وَ) السَّادِسَ عَشَرَ (الْحَوَالَةُ) بِأَنْ قَالَ: أَحَلْتُك عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْجِعَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّوَى. (وَ) السَّابِعَ عَشَرَ (الْوَكَالَةُ) بِأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك إنْ أَبْرَأْتَنِي عَمَّا لَك، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ مِثَالُ تَعْلِيقِهَا بِالشَّرْطِ انْتَهَى وَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ، تَدَبَّرْ. (وَ) الثَّامِنَ عَشَرَ (الْإِقَالَةُ) بِأَنْ قَالَ: أَقَلْتُك عَنْ هَذَا الْبَيْعِ إنْ أَقْرَضْتنِي كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقَالَةِ بِالشَّرْطِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ لَمْ تَفْسُدْ، وَوَجَبَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مِثَالُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فَمِثَالُ تَعْلِيقِهَا، انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ قَدْ مَرَّ مِرَارًا. (وَ) التَّاسِعَ عَشَرَ (الْكِتَابَةُ) بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ تُقَابِلَ فُلَانًا أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَعْمَلَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَأَمَّا إذَا كَانَ دَاخِلًا بِأَنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْبَدَلِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَ) الْعِشْرُونَ (إذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ: أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ إلَى شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ بَلْ هُوَ إسْقَاطٌ، وَالْإِسْقَاطَاتُ لَا تَتَوَقَّفُ. (وَ) الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ (دَعْوَةُ الْوَلَدِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى: إنْ كَانَ لِهَذِهِ الْأَمَةِ حَمْلٌ فَهُوَ مِنِّي لِأَنَّ النَّسَبَ

كتاب الصرف

مِمَّا يُتَكَلَّفُ وَيُحْتَاطُ فِي ثُبُوتِهِ. (وَ) الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ (الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) بِأَنْ صَالَحَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا الْقَاتِلَ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ يُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَيَسْقُطُ الدَّمُ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الشَّرْطَ وَكَذَا الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِهِ (وَ) الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ (الْجِرَاحَةُ) بِأَنْ صَالَحَ عَنْهَا بِشَرْطِ إقْرَاضِ شَيْءٍ أَوْ إهْدَائِهِ. وَقَيَّدَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِاَلَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ فَإِنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَنْ الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِيهَا الْأَرْشُ كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا كَانَ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ يَكُونُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. (وَ) الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ (عَقْدُ الذِّمَّةِ) بِأَنْ قَالَ الْإِمَامُ لِحَرْبِيٍّ يَطْلُبُ عَقْدَ الذِّمَّةِ: ضَرَبْتُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ مَثَلًا فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ كَمَا لَا يَخْفَى مِثَالٌ لِتَعْلِيقِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِالشَّرْطِ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ اعْتَرَضَ الْعَيْنِيَّ مِرَارًا فَغَفَلَ عَنْهُ. تَأَمَّلْ (وَ) الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ (تَعْلِيقُ الرَّدِّ بِعَيْبٍ) بِأَنْ يُقَالَ: إنْ وَجَدْت بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَرُدُّهُ عَلَيْك إنْ شَاءَ فُلَانٌ مَثَلًا (أَوْ بِخِيَارِ شَرْطٍ) وَهُوَ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ أَيْ، وَتَعْلِيقُ الرَّدِّ بِهِ بِأَنْ قَالَ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ: رَدَدْتُ الْبَيْعَ أَوْ قَالَ أَسْقَطْتُ خِيَارِي إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَاطِلٌ وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ صَحَّ مَا شُرِطَ، وَمَثَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ أَرُدَّ هَذَا الثَّوْبَ الْمَعِيبَ الْيَوْمَ عَلَيْك فَقَدْ رَضِيتُ بِالْعَيْبِ، وَلِلثَّانِي بِقَوْلِهِ لَوْ قَالَ: أَبْطَلْت خِيَارِي إذَا جَاءَ غَدٌ انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ بَطَلَ خِيَارُهُ إذَا جَاءَ غَدٌ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَحْرِ يَبْطُلُ الشَّرْطُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، تَدَبَّرْ. (وَ) السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ (عَزْلُ الْقَاضِي) بِأَنْ قَالَ الْخَلِيفَةُ: لِلْقَاضِي عَزَلْتُك عَنْ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ مَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا لَا تَصِحُّ، وَاقْتَصَرَ مِنْ الْقَاعِدَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لَكِنْ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ: وَالْغَرَرُ وَمَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: الْإِجَارَةُ، وَفَسْخُهَا، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْوَكَالَةُ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْوَقْفُ، وَمَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ عَشَرَةٌ الْبَيْعُ، وَإِجَارَتُهُ، وَفَسْخُهُ، وَالْقِسْمَةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالْهِبَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكَاتٌ فَلَا تَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ. [كِتَاب الصَّرْف]

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بِالْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ ظَاهِرٌ (هُوَ) لُغَةً النَّقْلُ وَالزِّيَادَةُ وَشَرْعًا هُوَ (بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ) أَيْ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ (تَجَانُسًا) كَبَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ (أَوْ لَا) كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِنَا مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّنْعَةِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَيْعُهُ صَرْفٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ. (وَشُرِطَ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّرْفِ أَيْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ) بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ قَامَا وَذَهَبَا مَعًا فَرْسَخًا مَثَلًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا فِي مَجْلِسِ الصَّرْفِ أَوْ نَامَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، ثُمَّ تَقَابَضَا، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ إذْ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ وَالْقِيَامُ دَلِيلُهُ، وَالْمُعْتَبَرُ افْتِرَاقُ الْعَاقِدَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ رَسُولًا فَقَالَ: بِعْتُك الدَّنَانِيرَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَك عَلَيَّ، وَقَالَ: قَبِلْتُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسِلِ لَا بِالرَّسُولِ وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَصَحَّ بَيْعُ الْجِنْسِ بِغَيْرِهِ) يَعْنِي الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (مُجَازَفَةً وَبِفَضْلٍ) إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ فَلَا يَضُرُّهُ الْجُزَافُ وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ (لَا بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْجِنْسِ (بِجِنْسِهِ) لَا مُجَازَفَةً وَلَا بِفَضْلٍ (إلَّا مُتَسَاوِيًا) لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» ، وَالْفَضْلُ رِبًا وَفِي الْمُجَازَفَةِ احْتِمَالُ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْأَوْصَافِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ وَالتِّبْرِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ. وَفِي الْبَحْرِ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ بِيعَ) الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ (مُجَازَفَةً، ثُمَّ عُلِمَ التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ) وَإِلَّا فَلَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهُ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا عُرِفَ التَّسَاوِي بِالْوَزْنِ جَازَ سَوَاءٌ

كَانَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: بِيعَ الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ مُجَازَفَةً فَإِنْ عَلِمَا تَسَاوِيَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَبَعْدَهُ لَا، عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ قَدْ تَقَدَّمَتْ آنِفًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْرَارِ، فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ فَسَادُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ فَإِنْ بِيعَ أَيْ الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً، ثُمَّ عُلِمَ التَّسَاوِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، تَدَبَّرْ. (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي سَلْبِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشُّبُهَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَاشْتَرَى بِهَا) أَيْ بِالْفِضَّةِ (ثَوْبًا قَبْلَ قَبْضِهَا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْوَاجِبِ فِي بَدَلَيْ الصَّرْفِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الصَّرْفِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّ مَا دَخَلَهُ الْبَاءُ أَوْلَى بِالثَّمَنِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَثْمَانِ الْجَعْلِيَّةِ لَا فِي الْأَثْمَانِ خِلْقِيَّةً، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ. (وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا مَعَ طَوْقٍ) مِنْ فِضَّةٍ (قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (وَنَقَدَ) الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا (فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ قَبْضَ ثَمَنِ الصَّرْفِ وَاجِبٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَقَبْضَ ثَمَنِ الْأَمَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَالظَّاهِرُ هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ. (وَلَوْ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي مَعَهَا طَوْقٌ (بِأَلْفَيْنِ أَلْفٍ نَقْدٍ وَأَلْفٍ نَسِيئَةٍ فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الصَّرْفِ بَاطِلٌ، وَفِي الْمَبِيعِ جَائِزٌ فَيُصْرَفُ الْأَجَلُ إلَى الْأَمَةِ دُونَ الطَّوْقِ؛ إذْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبُطْلَانِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ قَيَّدَ بِتَأْجِيلِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَوْ أُجِّلَ الْكُلُّ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَفْسُدُ فِي الطَّوْقِ دُونَ الْأَمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ اشْتَرَى سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ) أَيْ تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا (بِمِائَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى (وَنَقَدَ خَمْسِينَ فَهِيَ حِصَّةُ الْحِلْيَةِ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُبَيِّنْ) الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ يَجِبُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْوَاجِبَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَمْ يَنْوِهِ (أَوْ قَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُشْتَرِي " خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا ": خُذْ بَعْضًا مِنْ ثَمَنِ مَجْمُوعِهِمَا، وَثَمَنُ الْحِلْيَةِ بَعْضُ ثَمَنِ الْمَجْمُوعِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْجَوَازِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ خُذْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ ثَمَنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ الْحَالُ كَذَلِكَ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الِاثْنَيْنِ، وَإِرَادَةِ الْوَاحِدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ بِهِ لِلْإِمْكَانِ، وَهُنَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُبَيِّنَ وَيَقُولَ: خُذْ هَذَا، نِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَجْعَلَ الْكُلَّ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ، وَفِيهِمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ عَنْ الْحِلْيَةِ لِحُصُولِ مُرَادِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْبَحْرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا

إلَى الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ لِأَنَّ التَّرَجُّحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ أَوْ الْإِضَافَةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ بِكَوْنِ الْمَدْفُوعِ بِثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي بَيَانِ جِهَتِهِ. وَفِي السِّرَاجِ لَوْ قَالَ: هَذَا الَّذِي عَجَّلْته حِصَّةُ السَّيْفِ كَانَ عَنْ الْحِلْيَةِ وَجَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ تَبَعًا، وَلَوْ قَالَ: هَذَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ وَالْجِفْنِ خَاصَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَأَزَالَ الِاحْتِمَالَ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ، انْتَهَى، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا قَالَ: مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ، وَلَمْ يَقُلْ خَاصَّةً فَيُوَافِقُ مَا فِي السِّرَاجِ، وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّمَا قَالَ خَاصَّةً وَحِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَالَ خُذْ هَذَا عَنْ النَّصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ، انْتَهَى. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِائَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِخَمْسِينَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لِلرِّبَا، وَإِنْ بَاعَهُ بِفِضَّةٍ لَمْ يَدْرِ وَزْنَهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَفِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَفِي وَاحِدٍ يَجُوزُ وَهُوَ مَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ أَزْيَدُ مِمَّا فِي الْحِلْيَةِ لِيَكُونَ مَا كَانَ قَدْرُهَا مُقَابِلًا لَهَا، وَالْبَاقِي فِي مُقَابَلَةِ النَّصْلِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهَا جَازَ كَيْفَ مَا كَانَ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحِلْيَةِ مَعَ السَّيْفِ بَلْ الْمُرَادُ إذَا جَمَعَ مَعَ الصَّرْفِ غَيْرَهُ فَإِنَّ النَّقْدَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ صَرْفًا بِانْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْمُزَرْكَشِ وَالْمُطَرَّزِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ بَيْعَهُ بِجِنْسِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ، وَالْأَوْلَى بَيْعُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ، انْتَهَى. (وَإِنْ تَفَرَّقَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (بِلَا قَبْضِ) شَيْءٍ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي السَّيْفِ دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْحِلْيَةِ. (وَإِنْ تَخَلَّصَ) السَّيْفُ عَنْ الْحِلْيَةِ (بِلَا ضَرَرٍ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَالطَّوْقِ وَالْأَمَةِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّصْ بِلَا ضَرَرٍ (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي السَّيْفِ وَالْحِلْيَةِ لِأَنَّ حِصَّةَ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى افْتَرَقَا فَسَدَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ الضَّرَرِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ، وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَإِنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ) بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ (وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا) قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي (صَحَّ) الْعَقْدُ (فِيمَا قُبِضَ فَقَطْ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ (وَالْإِنَاءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ وَقَعَ عَلَى كُلِّهِ أَوَّلًا، ثُمَّ طَرَأَ الْفَسَادُ عَلَى مَا لَمْ يُقْبَضْ وَهُوَ لَا يَشِيعُ عَلَى مَا وُجِدَ فِيهِ الْقَبْضُ فَحَصَلَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْكُلِّ بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يَلْزَمْ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ صَفْقَةَ الصَّرْفِ تَمَّتْ بِالتَّقَابُضِ وَلَوْ فِي الْبَعْضِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ هَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ

(وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْإِنَاءِ (أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ أَوْ رَدَّهُ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فِي الْإِنَاءِ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَيَتَخَيَّرُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ بِصُنْعِهِ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ قَبْلَ نَقْدِ كُلِّ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ فَسْخِ الْحَاكِمِ الْعَقْدَ جَازَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ، وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِهِ دُونَ الْمُجِيزِ. أَطْلَقَ فِي الْخِيَارِ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ قِطْعَةِ نُقْرَةٍ) وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (اشْتَرَاهَا أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ بِلَا خِيَارٍ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِي النُّقْرَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ الِانْتِقَاصُ بِالتَّبْعِيضِ فَلَمْ يَتَضَرَّرْ الْمُشْتَرِي بِالشَّرِكَةِ فِيهَا، هَذَا لَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ قَبْضِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ نَظِيرُ النُّقْرَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ لَا تُعَدُّ عَيْبًا. (وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ) اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا بِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ فَيُقَابَلُ الدِّرْهَمَانِ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا. (وَ) صَحَّ أَيْضًا (بَيْعُ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ) بِأَنْ يُجْعَلَ كُرَّا بُرٍّ بِكُرِّ شَعِيرٍ، وَكُرَّا شَعِيرٍ بِكُرِّ بُرٍّ، وَلَوْ صُرِفَا إلَى جِنْسِهِ فَسَدَ وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَ) صَحَّ (بَيْعُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ) بِأَنْ يُجْعَلَ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِدِرْهَمٍ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عُلِمَتْ مِمَّا قَبْلَهَا لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْجِنْسَانِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بَلْ إنْ كَانَا فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ. (وَ) صَحَّ (بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةٍ) لِلتَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا. وَفِي الْإِصْلَاحِ قَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ هُنَا مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الرِّبَا وَرَدَدْنَاهَا إلَى بَابِهَا. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَالَ قَدْ شُرِطَ التَّمَاثُلُ فِي الصَّرْفِ فِرَارًا عَنْ الْفَضْلِ الْمُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَذَكَرَ مَسْأَلَةَ بَيْعِ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ وَبَيْعِ كُرِّ بُرٍّ وَبَيْعِ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ فِي الصَّرْفِ، لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْجَوَازِ لَا فِي بَابِ الرِّبَا لِكَوْنِ مَبْنَاهُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. (وَ) صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ (بَيْعُ دِينَارٍ بِعَشَرَةٍ هِيَ) أَيْ الْعَشَرَةُ (عَلَيْهِ) وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَجِبْ بِعَقْدٍ بَلْ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَسَقَطَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ سَقَطَ (أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ صَحَّ اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا إنْ بَاعَ الدِّينَارَ مِمَّنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَكِنْ لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ بَلْ إلَى عَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بِكَوْنِهَا عَلَيْهِ (إنْ دَفَعَ الدِّينَارَ وَيَتَقَاصَّانِ الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ) وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ

وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ اسْتِبْدَالًا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاصَّا انْفَسَخَ الْأَوَّلُ وَانْعَقَدَ صَرْفٌ آخَرُ مُضَافًا فَتَثْبُتُ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً، كَمَا لَوْ جُدِّدَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا أَمَّا إذَا كَانَ لَاحِقًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ ثَوْبًا مِنْهُ بِعَشَرَةٍ وَتَقَاصَّا. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَتَقَاصَّانِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إنْ دَفَعَ فَيَقْتَضِي سُقُوطَ نُونِ التَّثْنِيَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتِئْنَافٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، وَلَوْ قَالَ " وَتَقَاصَّا " بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لَكَانَ أَسْلَمَ، تَدَبَّرْ. (وَمَا غَالِبُهُ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ حُكْمًا، إذْ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ لِلْغَالِبِ لِأَنَّ الْغِشَّ الْقَلِيلَ لَا يُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدِّرْهَمِيَّةِ، وَالدِّينَارَ عَنْ الدِّينَارِيَّةِ لِأَنَّ النُّقُودَ الْمُسْتَعْمَلَةَ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَخْلُو مِنْهُ، ثُمَّ فَرَّعَ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِ) أَيْ بِغَالِبِ الْفِضَّةِ أَوْ بِغَالِبِ الذَّهَبِ (وَلَا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَجْمُوعِ مَا فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ: فَلَا يَجُوزُ (وَلَا) يَجُوزُ (اسْتِقْرَاضُهُ إلَّا وَزْنًا) كَمَا فِي الْجِيَادِ (وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغِشُّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْغِشِّ إلَّا بِضَرَرٍ (فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ) لَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إذْ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَبَيْعُهُ) أَيْ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغِشُّ (بِالْخَالِصِ عَلَى وُجُوهِ حِلْيَةِ السَّيْفِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ زِيَادَةُ الْخَالِصَةِ مَعْلُومَةً يَجُوزُ الْبَيْعُ لَوْ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَتَكُونُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْغِشِّ هُوَ النُّحَاسُ وَغَيْرُهُ عَلَى مِثَالِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْخَالِصَةُ مِثْلَ مَا فِي الْمَغْشُوشِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَقَلُّ فَلَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ حُكْمُ حِلْيَةِ السَّيْفِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ (بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ (بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَمَتَى شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ اُعْتُبِرَ فِي النُّحَاسِ لِعَدَمِ التَّمَيُّزِ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ، هَذَا إذَا عُرِفَ أَنَّ الْفِضَّةَ تَجْتَمِعُ عِنْدَ إذَابَةِ الْمَغْشُوشَةِ وَلَا تَحْتَرِقُ، أَمَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهَا تَحْتَرِقُ وَتَهْلِكُ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ النُّحَاسِ الْخَالِصِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا. (وَ) يَصِحُّ (التَّبَايُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَزْنًا) إنْ كَانَ يَرُوجُ وَزْنًا (أَوْ عَدَدًا) إنْ كَانَ يَرُوجُ عَدَدًا (أَوْ بِهِمَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ كَانَ يَرُوجُ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) مَا دَامَ يَرُوجُ (لِكَوْنِهِ ثَمَنًا) بِالِاصْطِلَاحِ فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ. (وَلَوْ اشْتَرَى بِهِ) أَيْ بِاَلَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ وَهُوَ نَافِقٌ (فَكَسَدَ) قَبْلَ النَّقْدِ (بَطَلَ الْبَيْعُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ ثَبَتَتْ لَهَا بِعَارِضِ الِاصْطِلَاحِ فَإِذَا كَسَدَتْ رَجَعَتْ

إلَى أَصْلِهَا وَلَمْ تَبْقَ ثَمَنًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ لِبَقَائِهِ بِلَا ثَمَنٍ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ - إنْ كَانَ قَائِمًا - وَمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا (وَقَالَا لَا يَبْطُلُ) الْبَيْعُ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَالْكَسَادُ عَرَضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ دُونَ الذِّمَّةِ وَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِكَسَادِهِ تَجِبُ قِيمَتُهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتَجِبُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ (يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْبَيْعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْمَغْصُوبِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَ) قِيمَتُهُ (آخِرَ مَا تُعُومِلَ بِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ لِأَنَّ التَّحَوُّلَ مِنْ رَدِّ الْمُسَمَّى إلَى قِيمَتِهِ إنَّمَا صَارَ بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمُهُ. وَحَدُّ الْكَسَادِ أَنْ تُتْرَكَ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَإِنْ كَانَتْ يَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ لَكِنَّهُ يَتَعَيَّبُ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ أَوْ فِي الْبُيُوتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيمَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ غَلَبَ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَيُطَالَبُ بِنَقْدِ ذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ. (وَمَا لَا يَرُوجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي غَلَبَ غِشُّهُ كَالرَّصَاصَةِ وَالسَّتُّوقَةِ (يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ وَهُوَ الِاصْطِلَاحُ وَيَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ. تَتَبَّعْ. (وَالْمُتَسَاوِي الْغِشُّ كَمَغْلُوبِهِ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ) فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِهِ وَلَا إقْرَاضُهُ إلَّا بِالْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْخَالِصَ فِيهِ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَلَمْ يَصِرْ مَغْلُوبًا فَيَجِبُ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ شَرْعًا، وَإِذَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْمُبَايَعَةِ كَانَ بَيَانًا لِقَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيُعْطِيهِ مِثْلَهُ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا لَمْ يَتَعَيَّنْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَكَذَا فِي الصَّرْفِ) يَعْنِي: الْمُتَسَاوِي الْغِشُّ كَمَغْلُوبِهِ فِي الصَّرْفِ أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا (وَقِيلَ كَغَالِبِهِ) أَيْ كَغَالِبِ الْغِشِّ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَلَوْ بَاعَهُ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ الْفِضَّةُ لِأَنَّهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ تَتَعَيَّنْ) لِأَنَّهَا أَحْوَالٌ مَعْلُومَةٌ وَصَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَجَازَ بِهَا الْبَيْعُ فَوَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ كَالنَّقْدَيْنِ وَلَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عَيَّنَهَا كَالنَّقْدِ، إلَّا إذَا قَالَ: أَرَدْنَا تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَفَسَدَ الْبَيْعُ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ صَرَّحَاهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْعَامَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا

كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ كَسَدَتْ) أَيْ اشْتَرَى بِهَا شَيْئًا فَكَسَدَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ (فَالْخِلَافُ كَمَا فِي كَسَادِ الْمَغْشُوشِ) يَعْنِي يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الْخِلَافَ. وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَسْرَارِ الْبُطْلَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ سِوَى خِلَافِ زُفَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ جَوَابٌ فَحَاصِلُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَسَادِ الْمَغْشُوشَةِ وَكَسَادِ الْفُلُوسِ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِنَّ غَالِبَةَ الْغِشِّ الْحُكْمُ فِيهَا لِلْغَالِبِ وَهُوَ النُّحَاسُ مَثَلًا فَلَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْفُلُوسِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ. (وَلَوْ اسْتَقْرَضَهَا) أَيْ الْفُلُوسَ (فَكَسَدَتْ يَرُدُّ مِثْلَهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَيَرُدُّ عَيْنَهَا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْمَرْدُودَ فِي الْقَرْضِ جُعِلَ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا، وَإِلَّا يَلْزَمُ مُبَادَلَةُ جِنْسٍ بِجِنْسٍ نَسِيئَةً، وَإِنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الرَّوَاجُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيمَتَهَا) أَيْ قِيمَةَ الْفُلُوسِ (يَوْمَ الْقَرْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ يُعْلَمُ بِلَا كُلْفَةٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْرِضِ لِأَنَّ قِيمَتَهَا يَوْمَ الِانْقِطَاعِ أَقَلُّ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا إلَى الْمُفْتِي لِأَنَّ يَوْمَ الْكَسَادِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِحَرَجٍ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ النَّافِقَةِ مَا لَمْ تُعَيَّنْ) لِأَنَّهَا سِلْعَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا. (وَمَنْ اشْتَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ أَوْ دَانِقٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا سُدُسُ الدِّرْهَمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى نِصْفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فُلُوسٍ أَوْ قِيرَاطٍ) وَهُوَ نِصْفُ الدَّانِقِ (فُلُوسٍ جَازَ الْبَيْعُ) عِنْدَنَا وَكَذَا بِثُلُثِ دِرْهَمٍ أَوْ رُبُعِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ دَانِقٍ أَوْ قِيرَاطٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفُلُوسِ فَقَوْلُهُ مِنْ الْفُلُوسِ بَيَانٌ لِمَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ التَّبَايُعَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مُتَعَارَفٌ فِي الْقَلِيلِ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا دُونَ الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلْعُرْفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَلَوْ دَفَعَ إلَى صَيْرَفِيٍّ) وَهُوَ مَنْ يُمَيِّزُ الْجَوْدَةَ مِنْ الرَّدَاءَةِ (دِرْهَمًا وَقَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا) أَيْ مَا ضُرِبَ مِنْ الْفِضَّةِ مَا يُسَاوِي وَزْنَ نِصْفِ دِرْهَمٍ (إلَّا حَبَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْفَسَادَ قَوِيٌّ فِي الْبَعْضِ وَهُوَ قَوْلُهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً لِتَحَقُّقِ الرِّبَا لِأَنَّهُ بَاعَ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا وَزْنَ الْحَبَّةِ فَيَسْرِي إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ وَهُوَ الْفُلُوسُ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ (وَعِنْدَهُمَا صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْفُلُوسِ) وَبَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِضَّةَ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ

كتاب الكفالة

وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلَوْ كَرَّرَ أَعْطِنِي صَحَّ فِي الْفُلُوسِ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ لَمَّا كَرَّرَ صَارَ عَقْدَيْنِ، وَفِي الثَّانِي رِبًا، وَفَسَادُ أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ. وَفِي الْمِنَحِ قَالَ أَبُو النَّصْرِ الْأَقْطَعُ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ فَاسِدٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ فِي الْفُلُوسِ، فَاسِدٌ فِي قَدْرِ النِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا تَضَمَّنَتْ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ. وَفِي الْفَتْحِ اعْتِرَاضٌ وَجَوَابٌ. فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِهِ) أَيْ بِالدِّرْهَمِ (نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ) قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ: قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ يَجُوزُ فِي فُلُوسٍ الْجَرُّ صِفَةً لِدِرْهَمٍ، وَالنَّصْبُ صِفَةً لِنِصْفِ، وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْجَرِّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلنِّصْفِ، وَالْجَرُّ عَلَى الْجِوَارِ (وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً صَحَّ فِي الْكُلِّ وَالنِّصْفِ) وَالْأَوْلَى بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ (إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَالْفُلُوسُ بِالْبَاقِي) لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُثَمَّنَ وَلَمْ يَقْسِمْهُ عَلَى أَجْزَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً فِي مُقَابَلَةِ مِثْلِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ نِصْفٍ وَحَبَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ. وَفِي التَّنْوِيرِ: وَالْأَمْوَالُ ثَلَاثَةٌ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ النَّقْدَانِ صَحِبَتْهُ الْبَاءُ أَوْ لَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا وَمَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْبَاءُ فَثَمَنٌ، وَإِلَّا فَمَبِيعٌ وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً أُلْحِقَتْ بِالثَّمَنِ، وَإِلَّا فَبِالسِّلْعَةِ، وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الثَّمَنِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَحُكْمُ الْمَبِيعِ خِلَافُ الثَّمَنِ فِي الْكُلِّ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ. [كِتَاب الْكِفَالَة] ِ عَقَّبَ الْبُيُوعَ بِذِكْرِ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْبِيَاعَاتِ غَالِبًا، وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ انْتِهَاءً فَنَاسَبَ ذِكْرُهَا عَقِيبَ الْبُيُوعِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ، وَ (هِيَ) فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ، وَقُرِئَ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَنَصْبِ زَكَرِيَّا أَيْ جَعَلَهُ كَافِلًا لَهَا وَضَامِنًا لِمَصَالِحِهَا. وَفِي الشَّرْعِ (ضَمُّ ذِمَّةٍ) أَيْ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ (إلَى ذِمَّةٍ) أَيْ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ (فِي الْمُطَالَبَةِ) ، وَفِي الْمِنَحِ: وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ وَالْمَكْفُولَ عَنْهُ صَارَا مَطْلُوبَيْنِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَحَدِهِمَا هُوَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْأَصِيلِ الْمَالُ وَمِنْ الْكَفِيلِ إحْضَارُ النَّفْسِ، وَلَفْظُ الْمُطَالَبَةِ بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُهُمَا هَذَا عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ، وَجَزَمَ الْمَوْلَى مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ، وَالْكَفِيلُ قَدْ الْتَزَمَهُ، إذَا عَلِمْتَ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ الدُّرَرِ فِي مُطَالَبَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ

أركان الكفالة

تَشْمَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِنَّمَا اخْتَرْت تَعْرِيفًا صَحِيحًا مَتْنًا وَلَا لِجَمِيعِ الْأَقْسَامِ صَرِيحًا، وَلَا صَرَاحَةَ فِيمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمِنَحِ عَنْ الْمَوْلَى الْمِسْكِينِ بَلْ عَلَى طَرِيقِ الشُّمُولِ وَالتَّصْرِيحِ أَوْلَى فِي التَّعْرِيفِ، تَدَبَّرْ. (لَا فِي الدَّيْنِ) كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُ (هُوَ) أَيْ كَوْنُهُ ضَمَّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ (الْأَصَحُّ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَالِ تَصِحُّ بِالنَّفْسِ، وَلَا دَيْنَ ثَمَّةَ وَكَمَا تَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا يَثْبُتْ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ صَارَ الدَّيْنُ الْوَاحِدُ دَيْنَيْنِ وَقَلَبَ الْحَقِيقَةَ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَلْبِ الْحَقَائِقِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ انْقِلَابٌ وَاحِدٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ وَالْمُمْكِنِ إلَى الْآخَرِ، وَالدَّيْنُ فِعْلٌ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ هَهُنَا تَمْلِيكُ مَالٍ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ الْمَوْلَى أَخِي فِي حَاشِيَتِهِ: تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ يُعْطِي عَدَمَ صِحَّةِ الثَّانِي مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى صِيغَةِ التَّفْضِيلِ صِحَّتُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلْغَى مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ فِي شَرْحِ الْغُرَرِ، انْتَهَى. هَذَا مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَصَحَّ فِي مَعْنَى الصَّحِيحِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ الصَّحِيحِ، تَدَبَّرْ. (وَلَا تَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَكِنَّ الْعَبْدَ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا بَيَانُ أَهْلِهَا. [أَرْكَان الْكِفَالَة] وَأَمَّا رُكْنُهَا فَإِيجَابٌ وَقَبُولٌ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ. وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ، وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ صَحِيحًا، وَحُكْمًا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ نَفْسًا أَوْ مَالًا. وَالْمُدَّعِي مَكْفُولٌ لَهُ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَكْفُولٌ عَنْهُ، وَالنَّفْسُ أَوْ الْمَالُ مَكْفُولٌ بِهِ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَاحِدٌ. [أَنْوَاع الْكِفَالَة] (وَهِيَ) الْكَفَالَةُ (ضَرْبَانِ) كَفَالَةٌ (بِالنَّفْسِ، وَ) كَفَالَةٌ (بِالْمَالِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، إذْ عِنْدَهُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي قَوْلٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ لَهُ حَيْثُ لَا يَنْقَادُ لَهُ بَلْ يُمَانِعُهُ، وَيُدَافِعُهُ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهَا، لَا يُقَالُ: لَا غُرْمَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ لِأَنَّا نَقُولُ

الْغُرْمُ لُزُومُ ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُ، أَوْ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَكَفَّلُ بِنَفْسِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ، وَأَيْضًا إلْزَامُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُلْتَزَمٍ عَلَيْهِ غَالِبًا كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَلْفَ حَجَّةٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ أَلْفَ سَنَةٍ. (فَالْأُولَى) أَيْ كَفَالَةُ النَّفْسِ (تَنْعَقِدُ بِكَفَلْت بِنَفْسِهِ وَبِرَقَبَتِهِ وَنَحْوِهَا) أَيْ نَحْوِ الرَّقَبَةِ (مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ) جَمِيعِ (الْبَدَنِ) عُرْفًا كَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالرُّوحِ وَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعُنُقِ وَالْعَيْنِ وَالْفَرْجِ - إذَا كَانَتْ امْرَأَةً - بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ (أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ كَنِصْفِهِ أَوْ عُشْرِهِ) أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ أَوْ نَحْوِهَا لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا. وَفِي السِّرَاجِ وَلَوْ أَضَافَ الْجُزْءَ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ: كَفَلَ لَك نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. (وَ) تَنْعَقِدُ (بِضَمِنْتُهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ ضَمِنْتُ لَك فُلَانًا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَاهُ (أَوْ هُوَ عَلَيَّ) لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْإِلْزَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُلْتَزِمٌ تَسْلِيمَهُ (أَوْ إلَيَّ) لِأَنَّ إلَيَّ بِمَعْنَى عَلَيَّ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَيْ يَتِيمًا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» وَرُوِيَ عَلَيَّ لِكَوْنِهِمَا بِمَعْنًى (أَوْ أَنَا زَعِيمٌ) لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ (أَوْ قَبِيلٌ بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قَبَالَةً لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ. (لَا) تَنْعَقِدُ (بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَالظَّاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْهُمَا وَبِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى يَجْتَمِعَا أَوْ يَلْتَقِيَا وَيَكُونَ كَفِيلًا إلَى الْغَايَةِ، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ بَيَانِ الْمَضْمُونِ هَلْ هُوَ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ. قَيَّدَ بِالْمَعْرِفَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ تَعْرِيفَهُ، أَوْ عَلَيَّ تَعْرِيفُهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لِوَجْهِهِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُعَرِّفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ: مَعْرِفَةُ فُلَانٍ عَلَيَّ، قَالُوا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ " فُلَانٌ آشناء منست أَوْ آشناست " صَارَ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ عُرْفًا، وَبِهِ يُفْتَى فِي الْمُضْمَرَاتِ (وَصَحَّ أَخْذُ كَفِيلَيْنِ وَأَكْثَرَ) لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَالَةِ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ، فَالْتِزَامُ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ الثَّانِيَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّوَثُّقُ، وَأَخْذُ كَفِيلٍ آخَرَ وَآخَرَ زِيَادَةٌ فِي التَّوَثُّقِ فَصَحَّتْ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى وَكَذَا الثَّالِثَةُ فَمَا فَوْقَهَا. (وَيَجِبُ فِيهَا) أَوْ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى الْكَفِيلِ (إحْضَارُ مَكْفُولٍ بِهِ) وَهُوَ النَّفْسُ (إذَا طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ) وَهُوَ الْمُدَّعِي وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ)

أَيْ إنْ لَمْ يُحْضِرْ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ بِغَيْرِ عَجْزٍ (حُبِسَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى يَظْهَرَ مَطْلُهُ، لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمَطْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَمَّا إذَا أَنْكَرَهَا، وَثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، قَالَ الْخَصَّافُ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ عَجْزٍ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ فَلَا حَبْسَ بَلْ يُلَازِمُهُ الطَّالِبُ. (وَإِنْ عَيَّنَ) أَيْ الْكَفِيلُ (وَقْتَ تَسْلِيمِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ بِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (ذَلِكَ) أَيْ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ (إذَا طَالَبَهُ) الْمَكْفُولُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ كَذَلِكَ (فَإِنْ سَلَّمَهُ) إلَيْهِ (قَبْلَ) مَجِيءِ (ذَلِكَ) الْوَقْتِ (بَرِئَ) الْكَفِيلُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ الْمَكْفُولُ لَهُ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ إلَّا مَرَّةً وَقَدْ أَتَى بِهِ. وَفِي الْمِنَحِ إذَا كَفَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ كَفِيلًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى، وَإِذَا قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ مِنْ الْيَوْمِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ صَارَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ خَرَجَ عَنْهَا. وَلَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى عَشَرَةٍ فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ فَأَنَا بَرِيءٌ، قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا لَا فِيهَا وَلَا بَعْدَهَا. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا. وَهَذَا حِيلَةٌ لِمَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الْكَفَالَةُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَصِيرَ كَفِيلًا. وَفِي الْوَاقِعَاتِ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ غَابَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَعَلِمَ مَكَانَهُ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ، وَإِيَابِهِ) وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَرَادَ الْكَفِيلُ السَّفَرَ إلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (فَإِنْ مَضَتْ) الْمُدَّةُ (وَلَمْ يُحْضِرْهُ) مَعَ إمْكَانِ الْإِحْضَارِ (حَبَسَهُ) الْحَاكِمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (وَإِنْ غَابَ) الْمَكْفُولُ بِهِ (وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَعَلَى هَذَا الْتَجَأَ إلَى بَابِ الْجَائِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطَالَبَ بِهِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ إمَّا بِتَصْدِيقِ الطَّالِبِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَا بَيِّنَةَ، فَقَالَ الْكَفِيلُ: لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ: تَعْرِفُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ خَرْجَةٌ مَعْلُومَةٌ لِلتِّجَارَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ. وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ أُرِيدَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ وَلَا تَبْطُلُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَاعَدَةٌ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ إلَيْنَا الْمُرْتَدَّ، وَإِلَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ مِنْ الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يَغِيبَ الْآخَرُ. (وَتَبْطُلُ) الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ (بِمَوْتِ الْكَفِيلِ) لِحُصُولِ الْعَجْزِ الْكُلِّيِّ عَنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَوَارِثُهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا

لَكِنْ فِي السِّرَاجِ نَقْلًا عَنْ الْكَرْخِيِّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَيُطَالَبُ وَرَثَتُهُ بِإِحْضَارِهِ (وَ) تَبْطُلُ بِمَوْتِ (الْمَكْفُولِ بِهِ) لِامْتِنَاعِ التَّسْلِيمِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ (عَبْدًا) إنَّمَا قَالَ هَذَا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ مُطَالَبٌ بِهِ وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ نَفْسَ الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ (دُونَ مَوْتِ الْمَكْفُولِ لَهُ بَلْ يُطَالِبُ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيُّهُ الْكَفِيلَ) أَيْ إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَيُسَلِّمُهُ الْكَفِيلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى بَعْضِهِمْ بَرِئَ مِنْهُمْ خَاصَّةً، وَلِلْبَاقِينَ مُطَالَبَتُهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا، فَلِوَصِيِّهِمْ مُطَالَبَتُهُ، فَإِنْ سَلَّمَهُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ بَرِئَ فِي حَقِّهِ، وَلِلْآخَرِ مُطَالَبَتُهُ. وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَيَبْرَأُ) الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ (إذَا سَلَّمَهُ) أَيْ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ (حَيْثُ تُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ) كَمَا إذَا سَلَّمَهُ فِي مِصْرَ، سَوَاءٌ قَبِلَهُ الطَّالِبُ أَوْ لَا. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَقُلْ: إذَا دَفَعْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ) لِأَنَّ مُوجَبَ الدَّفْعِ إلَيْهِ الْبَرَاءَةُ فَتَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ، عَلَيْهَا كَالْمَدْيُونِ إذَا سَلَّمَ الدَّيْنَ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا إذَا قَالَ: سَلَّمْته إلَيْك بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ أَوْ لَا إنْ طَلَبَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ (وَ) يَبْرَأُ (بِتَسْلِيمِ وَكِيلِ الْكَفِيلِ أَوْ رَسُولِهِ) لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ (وَبِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَفَالَتِهِ) هَذَا قَيْدٌ فِي الْجَمِيعِ يَعْنِي لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الْمَكْفُولُ: سَلَّمْتُ نَفْسِي إلَيْك مِنْ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ كَالْمَكْفُولِ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عَنْهَا، وَإِلَّا لَا يَبْرَأُ كَمَا فِي الْمِنَحِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِتَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ نَفْسَهُ، تَدَبَّرْ. هَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ طَلَبٍ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ طَلَبِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْته بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمِنَحِ التَّفْصِيلُ، تَأَمَّلْ. قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِ الْكَفِيلِ، وَقَالَ: سَلَّمْتُ إلَيْك عَنْ الْكَفِيلِ، فَإِنْ قَبِلَ الطَّالِبُ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَإِنْ سَكَتَ لَا (فَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ) أَيْ فِي سُوقِ الْمِصْرِ (قَالُوا: يَبْرَأُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِنُصْرَةِ أَعْوَانِ الْحَاكِمِ (وَالْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ) سَوَاءٌ كَانَ فِي سُوقِ ذَلِكَ الْمِصْرِ أَوْ فِي سُوقِ مِصْرٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ، وَلِمُعَاوَنَةِ الْفَسَقَةِ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ وَالْفِرَارِ، فَالتَّقْلِيدُ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي مُفِيدٌ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى بِقَوْلِ زُفَرَ. (وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ لَا يَبْرَأُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ، أَوْ يَعْرِفُ ذَلِكَ الْقَاضِي حَادِثَتَهُ فَلَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ فِي مِصْرٍ آخَرَ (وَيَبْرَأُ عِنْدَ الْإِمَامِ) إنْ كَانَ فِيهِ

سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ، وَكَانَتْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِمِصْرٍ لِإِمْكَانِ اخْتِصَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ فِي الْبَلَدِ، وَسَلَّمَهُ فِي الرَّسَاتِيقِ صَحَّ إنْ كَانَ فِيهَا حَاكِمٌ. وَقَالَ الْعَلَاءُ التَّاجِرِيُّ وَالْبَدْرُ الطَّاهِرُ: لَا يَصِحُّ، قَالَ: وَجَوَابُهُمَا أَحْسَنُ، لِأَنَّ أَغْلَبَ قُضَاةِ رَسَاتِيقِ خَوَارِزْمَ ظَلَمَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ، انْتَهَى. هَذَا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَأَكْثَرُ قُضَاةِ مِصْرَ مِثْلُ قُضَاةِ رَسَاتِيقِ خَوَارِزْمَ أَصْلَحَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - بِلُطْفِهِ وَكَرَمِهِ. (وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ فِي السَّوَادِ) أَيْ فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حَاكِمٌ (لَا يَبْرَأُ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ. (وَكَذَا) لَا يَبْرَأُ (إنْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ) قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي سِجْنِ حَاكِمٍ آخَرَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي سِجْنِ قَاضٍ وَقَعَ مُخَاصَمَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَبْرَأُ عَنْ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْجُونًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَادِرٌ عَلَى الْإِحْضَارِ لِلْخُصُومَةِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى السِّجْنِ (فَإِنْ كَفَلَ) رَجُلٌ (بِنَفْسِهِ) أَيْ الْمَدْيُونِ بِمَالِ كَذَا (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (إنْ لَمْ يُوَافِ) أَيْ إنْ لَمْ يَأْتِ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ لَهُ (بِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. يُقَالُ: وَافَاهُ أَيْ أَتَاهُ مِنْ الْوَفَاءِ، عَدَّى الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِالْبَاءِ عَلَى مَا هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْبَعْضِ (غَدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ الْمَالِ عِنْدَنَا لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ، إذْ الْكَفَالَةُ تُشْبِهُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً بِاعْتِبَارِ الِالْتِزَامِ إذْ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ وَتُشْبِهُ الْبَيْعَ انْتِهَاءً بِاعْتِبَارِ الرُّجُوعِ، فَيَكُونُ مُبَادَلَةَ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَإِنْ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِغَيْرِ مُلَائِمٍ مِثْلِ هُبُوبِ الرِّيحِ لَمْ تَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَإِنْ بِمُلَائِمٍ مُتَعَارَفٍ مِثْلِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ كَالنَّذْرِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ لَيْسَ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بَلْ فِي وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ إيجَابُ الْمَالِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَجُوزُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (مَاتَ) الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْحُضُورِ فَيَضْمَنُ الْكَفِيلُ الْمَالَ، إذْ يَثْبُتُ بِمَوْتِهِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْحُضُورِ يَضْمَنُ وَارِثُهُ الْمَالَ، وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ يُطَالِبُ وَارِثُهُ (وَلَا يَبْرَأُ) الْكَفِيلُ (مِنْ كَفَالَةِ النَّفْسِ) بِوُجُودِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَهَا، وَلَا تَنَافِيَ كَمَا لَوْ كَفَلَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا عَجَزَ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ، ثُمَّ مَضَى الْغَدُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ الْمَالَ، لِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ الْمَالِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ وَقَدْ وُجِدَ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا تَقْيِيدُ صَاحِبِ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الْغَدِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، تَتَبَّعْ. وَفِي التَّنْوِيرِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُوَافَاةِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ، وَالْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْكَفِيلِ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مِائَةَ دِينَارٍ بَيَّنَهَا) أَيْ بَيَّنَ صِفَتَهَا عَلَى وَجْهٍ تَصِحُّ الدَّعْوَى، بِأَنَّهَا سُلْطَانِيَّةٌ، أَوْ إفْرِنْجِيَّةٌ (أَوْ لَمْ يُبَيِّنْهَا

فَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ بِهِ (غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ، فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا لَزِمَهُ الْمِائَةُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَمَّا عَرَّفَ الْمَالَ بِاللَّامِ حَيْثُ قَالَ: فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْعَهْدُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَالِ الَّذِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُ عَنْ احْتِمَالِ مَالِ الرِّشْوَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالَ الْمُدَّعَى فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ تَحَرُّزًا عَنْ حِيلَةِ خَصْمِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ قَبْلَ الْكَفَالَةِ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ بَيَّنَ بَعْدَهَا يَلْتَحِقُ الْبَيَانُ إلَى الْمُجْمَلِ، فَصَارَ كَمَا كَانَ الْمَالُ مُبَيَّنًا عِنْدَ الدَّعْوَى قَبْلَ الْكَفَالَةِ، فَحِينَئِذٍ تَبَيَّنَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأُخْرَى، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي الْبَيَانِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الْكَفَالَةِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قِيلَ: عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَالَ، وَلَمْ يَقُلْ: الْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيَانِ الْمُدَّعِي الْمَالَ وَعَدَمِ بَيَانِهِ، وَقِيلَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّعِي لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى، فَلَمْ يُسْتَوْجَبْ إحْضَارُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا، فَعَلَى هَذَا إنْ بَيَّنَ تَكُونُ الْكَفَالَةُ صَحِيحَةً، وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اخْتِلَافًا، فَلْيُطَالَعْ. (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ بِالنَّفْسِ فِي حَدٍّ وَقِصَاصٍ) يَعْنِي لَوْ طَلَبَ مُدَّعِي الْقِصَاصِ أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ كَفِيلًا لِنَفْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَيِّنَةَ فَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ كُلِّهَا عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِيثَاقِهَا بِالْكَفَالَةِ (فَإِنْ سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ) أَيْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِعْطَاءِ كَفِيلٍ بِلَا طَلَبٍ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ (صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِلطَّالِبِ فَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لَهُ (وَقَالَا: يُجْبَرُ فِي الْقِصَاصِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ (وَحَدِّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِعْطَاءِ يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ مَعَهُ لَا بِالْحَبْسِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْجَبْرِ هُنَا عِنْدَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْبَعْضُ حَدَّ السَّرِقَةِ بِهِمَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ لِأَنَّهَا خَالِصَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَمُنْدَرِئَاتٌ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَبْرِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ لِلِاسْتِيثَاقِ فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - بِالِاتِّفَاقِ، وَيُجْبَرُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ عَلَى الْإِعْطَاءِ، وَالْجُرُوحِ بِهِ لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمَالُ وَكَذَا يُجْبَرُ فِي التَّعْزِيرِ. (فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَسْتُورَانِ) أَيْ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَسَادُهُمَا (فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ حُبِسَ وَكَذَا) يُحْبَسُ (إنْ شَهِدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ) يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحَبْسَ هُنَا لِلتُّهْمَةِ وَالتُّهْمَةَ تَثْبُتُ بِإِحْدَى شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ الْعَدَدُ فِي الْمَسْتُورِ أَوْ الْعَدَالَةُ فِي الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ غَايَةُ عُقُوبَةٍ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمُدَّعِي عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا ادَّعَاهُ وَلَا عَلَى إثْبَاتِ التُّهْمَةِ

حَتَّى قَامَ الْقَاضِي عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ (خِلَافًا لَهُمَا فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةٍ يُحْبَسُ وَلَا يَكْفُلُ كَمَا بَيَّنَّاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ يَكْفُلُ وَلَا يُحْبَسُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقَذْفِ أَوْ الْقَوَدِ بِالْحُجَّةِ التَّامَّةِ (وَصَحَّ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْخَرَاجِ) إذْ الْإِمَامُ وَظَّفَهُ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عَلَى مَا يَرَاهُ بَدَلًا عَنْ مَنْفَعَةِ حِفْظِ الْمَالِ، فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالْخَرَاجِ - هُوَ الْمَالُ - بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الدُّيُونِ الْمُطْلَقَةِ لِسُقُوطِهَا بِالْمَوْتِ. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَقَالَ: (وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ صَحِيحَةٌ وَلَوْ) كَانَ الْمَالُ (مَجْهُولًا إذَا كَانَ) ذَلِكَ الْمَالُ (دَيْنًا صَحِيحًا) وَصِحَّتُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَصَحَّتْ مَعَ جَهَالَةِ الْمَالِ لِبِنَائِهَا عَلَى التَّوَسُّعِ فَإِنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، فَيُحْتَمَلُ فِيهَا جَهَالَةُ الْمَالِ بَعْدَ أَنْ كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا. وَالدَّيْنُ الصَّحِيحُ: الدَّيْنُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَسَيَأْتِي. وَفِي الْإِصْلَاحِ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِبْرَاءِ مَا يَعُمُّ الْحُكْمِيَّ، وَهُوَ أَنْ يُفْعَلَ فَلَا يَلْزَمَهُ سُقُوطُ الدَّيْنِ، فَلَا يَرُدَّ النَّقْضُ بِدَيْنِ الْمَهْرِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا بِمُطَاوَعَتِهَا لِابْنِ زَوْجِهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِبْرَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ. وَفِي الْمِنَحِ: وَمِمَّا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْكَفَالَةُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ غَيْرِ الْمُسْتَدَانَةِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِالطَّلَاقِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَجَابَ عَنْ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُخِذَ فِيهِ بِالِاسْتِحْسَانِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا بِالْقِيَاسِ، وَقَيَّدَ بِجَهَالَةِ الْمَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ جَهَالَةِ الْأَصِيلِ وَالْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ. (بِتَكَفَّلْتُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: صَحِيحَةٌ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ فُلَانٍ (بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ، هَذَا نَظِيرُ مَا كَانَ مَعْلُومًا (أَوْ بِمَا لَك عَلَيْهِ) أَيْ بِاَلَّذِي ثَبَتَ لَك عَلَيْهِ أَيْ فُلَانٍ، هَذَا نَظِيرُ مَا كَانَ مَجْهُولًا (أَوْ) تَكَفَّلَ (بِمَا يُدْرِكُك) أَيْ يَلْحَقُك (فِي هَذَا الْبَيْعِ) مِنْ ضُمَامِ الدَّرَكِ، وَهُوَ ضُمَامُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، أَوْ ضَمَانُ الْمَبِيعِ إنْ لَحِقَهُ آفَةٌ، فَالْمَكْفُولُ بِهِ مَجْهُولٌ لِاحْتِمَالِ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، فَيَضْمَنُ الْكَفِيلُ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ. وَفِي السِّرَاجِ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ أَوَّلًا فَإِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ الْمَبِيعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ ظَهَرَ حُرًّا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ أَيَّهُمَا شَاءَ. (وَكَذَا) تَصِحُّ (لَوْ عَلَّقَهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ) أَيْ بِشَرْطٍ مُوَافِقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ مَجَازًا (كَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَقِّ، نَحْوُ مَا بَايَعْتَ فُلَانًا) أَيْ إنْ بِعْتَ شَيْئًا مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِلثَّمَنِ لَا مَا اشْتَرَيْتَهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِلْمَبِيعِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ، فَمَا شَرْطِيَّتُهُ، كَمَا بَعْدَهُ وَهَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَ: إذَا بِعْتَهُ شَيْئًا فَهُوَ عَلَيَّ فَبَاعَهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ

لَزِمَ الْكَفِيلَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّ حَرْفَ إذَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِخِلَافِ كُلَّمَا وَمَا، وَمِثْلُ إذَا مَتَى وَإِنْ. وَلَوْ رَجَعَ الْكَفِيلُ عَنْ هَذَا الضَّمَانِ قَبْلَ أَنْ يُبَايِعَهُ، وَنَهَاهُ عَنْ مُبَايَعَتِهِ، ثُمَّ بَايَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: مَا بَايَعْتَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بَايِعْ فُلَانًا عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَك مِنْ خُسْرَانٍ فَعَلَيَّ، لَمْ يَصِحَّ (أَوْ مَا غَصَبَك) أَيْ إنْ غَصَبَ مِنْك فُلَانٌ فَعَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ: إنْ غَصَبَ فُلَانٌ ضَيْعَتَك فَأَنَا ضَامِنٌ، لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ (أَوْ مَا ذَابَ) أَيْ ثَبَتَ أَوْ وَجَبَ مِنْ الذَّوْبِ (لَك عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ فَعَلَيَّ (أَوْ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ) جَوَابُ الْجَمِيعِ: أَيْ إنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مُسْتَحِقٌّ فَعَلَيَّ الثَّمَنُ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْمَبِيعِ شَرْطَ وُجُوبِ الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِ، وَجَازَ التَّعْلِيقُ بِهِ لِمُلَاءَمَتِهِ الشَّرْطَ (وَكَشَرْطِ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ) فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ زَيْدٌ (الْمَكْفُولُ عَنْهُ) فَإِنَّ قُدُومَهُ سَبَبٌ مُوصِلٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ، قَيَّدَ بِكَوْنِ زَيْدٍ مَكْفُولًا عَنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا كَانَ التَّعْلِيقُ بِهِ كَمَا فِي هُبُوبِ الرِّيحِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَكَشَرْطِ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ إنْ غَابَ) زَيْدٌ الْمَكْفُولُ عَنْهُ (عَنْ الْبَلَدِ) فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ غَيْبَتَهُ سَبَبٌ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ فَهَذِهِ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهَا، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ حَتَّى لَوْ قَالَ: مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ، أَوْ بَايَعَك، أَوْ قَتَلَك فَأَنَا كَفِيلٌ لَك عَنْهُ، أَوْ مَنْ غَصَبْتَهُ أَنْتَ أَوْ قَتَلْتَهُ فَأَنَا كَفِيلٌ لَهُ عَنْك لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ يَسِيرَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْتُ لَك بِمَا لَك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، فَالتَّعْيِينُ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ عَلَّقَهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ) أَيْ بِالشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمُلَاءَمَةِ (كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ، أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ فَمَا عَلَى فُلَانٍ عَلَيَّ (بَطَلَ) الشَّرْطُ. (وَكَذَا إنْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا آجِلًا) كَمَا إذَا قَالَ: كَفَلْتُ بِكَذَا إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ مَجِيءِ الْمَطَرِ بَطَلَ التَّأْجِيلُ (فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ) عَلَى الْكَفِيلِ (حَالًّا) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ

بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا آجِلًا، إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَفِي التَّبْيِينِ: وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ التَّعَسُّفِ بَلْ إذَا تَأَمَّلْت حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ لَك أَنَّ السُّؤَالَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا آجِلًا فَقَطْ فَحَاصِلُهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ، وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ أَيْضًا، وَكَذَا التَّأْجِيلُ إذَا جَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا آجِلًا فَإِنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا. لَا يُقَالُ: إنَّهُ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ التَّأْجِيلَ مَجَازًا أَيْ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ، وَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ، تَدَبَّرْ. (وَلِلطَّالِبِ مُطَالَبَةُ أَيٍّ شَاءَ مِنْ كَفِيلِهِ وَأَصِيلِهِ) أَيْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْمُطَالَبَةِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ إذْ هِيَ تُنْبِئُ عَنْ الضَّمِّ كَمَا مَرَّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الذِّمَّةِ الْأُولَى لَا الْبَرَاءَةَ (إلَّا إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَتَكُونُ حَوَالَةً كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي مَجَازًا لَا لِلْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي. (وَلَوْ طَالَبَ) الطَّالِبُ (أَحَدَهُمَا) كَانَ (لَهُ مُطَالَبَةُ الْآخَرِ) بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ، لِأَنَّ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَقْتَضِيهِ مَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ (فَإِنْ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ) الطَّالِبُ (عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْأَلْفُ الْكَفِيلَ، لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَلَا يَكُونُ قَوْلُ الطَّالِبِ حُجَّةً عَلَيْهِ كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ. (وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ) الطَّالِبُ (صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ. (وَ) صُدِّقَ (الْأَصِيلُ فِي إقْرَارِهِ بِأَكْثَرَ) مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْكَفِيلُ (عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً) لَا عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَقَيَّدَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَا ذَابَ أَيْ حَصَلَ لَك عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا ثَبَتَ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَالٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ، أَمَّا لَوْ أَبَى الْأَصِيلُ الْيَمِينَ فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي فَلَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ كَفَلَ بِلَا أَمْرِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ (لَا يَرْجِعُ) الْكَفِيلُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ (بِمَا أَدَّى عَنْهُ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ بِغَيْرِ رُجُوعٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَجَازَهَا)

أَيْ الْكَفَالَةَ (الْمَكْفُولُ عَنْهُ) بِعَدَمِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَزِمَتْهُ وَنَفَذَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ، هَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَمَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ) عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ، مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَ أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ جَيِّدًا فَأَدَّى رَدِيئًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ رُجُوعَهُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى لِأَنَّ مِلْكَ الدَّيْنِ بِالْأَدَاءِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ، فَلْيُرَاجَعْ، وَمَعْنَى الْأَمْرِ أَنْ يَشْتَمِلَ كَلَامُهُ عَلَى لَفْظَةِ " عَنِّي " كَأَنْ يَقُولَ: اُكْفُلْ عَنِّي أَوْ اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ فَلَوْ قَالَ: اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ لِيَرْجِعَ أَوْ لِطَلَبِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْأَمْرِ أَمْرُ مَنْ يَصِحُّ أَمْرُهُ شَرْعًا؛ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ إذَا أَدَّى كَفِيلُهُمَا بِالْأَمْرِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الصَّبِيِّ مُطْلَقًا (وَلَا يُطَالِبُهُ) أَيْ لَا يُطَالِبُ كَفِيلٌ أَصِيلًا بِمَالٍ (قَبْلَ الْأَدَاءِ) إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْمُطَالَبَةِ هُوَ التَّمَلُّكُ، وَلَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَيَمْلِكُهُ بَعْدَهُ فَيَرْجِعُ (فَإِنْ لُوزِمَ) الْكَفِيلُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ (مُلَازَمَتُهُ) أَيْ مُلَازَمَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ. (وَإِنْ حُبِسَ) الْكَفِيلُ (فَلَهُ حَبْسُهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ لِأَنَّ مَا لَحِقَ كَانَ لِأَجْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمِثْلِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ لِلْمَطْلُوبِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا يُلَازِمْهُ وَلَا يَحْبِسْهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَيَسْتَحِيلُ بَقَاؤُهَا بِلَا دَيْنٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْكَفِيلَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَبْرَأُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَبْرَأُ إجْمَاعًا لِأَنَّ تَعَدُّدَ الدَّيْنِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ حُكْمِيٌّ فَيَسْقُطُ بِأَدَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (أَوْ أَخَّرَ) الطَّالِبُ (عَنْهُ) أَيْ الْأَصِيلِ بِأَنْ أَجَّلَ دَيْنَهُ (بَرِئَ الْكَفِيلُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَتَأَخَّرَ) الدَّيْنُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَفِيلِ يَعْنِي يَتَأَخَّرُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ وَهِيَ تَبَعٌ لِلدَّيْنِ فَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ وَتَتَأَخَّرُ بِتَأْخِيرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ ابْتِدَاءً حَيْثُ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ دُونَ الْكَفِيلِ. وَفِي السِّرَاجِ: وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْأَصِيلِ الْبَرَاءَةَ فَإِنَّ رَدَّهَا ارْتَدَّتْ، وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمَوْتُ الْأَصِيلِ كَقَبُولِهِ. وَفِي الْقُنْيَةِ بَرَاءَةُ

الْأَصِيلِ إنَّمَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ إذَا كَانَتْ بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْحَلِفِ فَلَا. (وَإِنْ أَبْرَأَ) الطَّالِبُ (الْكَفِيلَ أَوْ أَخَّرَ) الدَّيْنَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَفِيلِ (لَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْأَصِيلِ، إذْ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأُصُولَ لَا تَتْبَعُ الْفُرُوعَ فِي الْوَصْفِ وَلَا يَلْزَمُ عَكْسُ الْمَوْضُوعِ (فَإِنْ كَفَلَ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ مُؤَجِّلًا إلَى وَقْتٍ) أَيْ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا) لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْكَفِيلِ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ) الطَّالِبَ (عَنْ أَلْفٍ عَلَى مِائَةٍ بَرِئَا) أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْرَأُ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ فَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، ثُمَّ بَرِئَا جَمِيعًا عَنْ الْمِائَةِ بِأَدَاءِ الْكَفِيلِ (وَرَجَعَ) الْكَفِيلُ (بِهَا) أَيْ بِالْمِائَةِ (فَقَطْ) عَلَى الْأَصِيلِ (إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) إذْ بِالْأَدَاءِ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَاسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ بِالْإِبْرَاءِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَلَا يَمْلِكُهُ الْكَفِيلُ فَلَا يَرْجِعُ. (وَإِنْ صَالَحَ) الْكَفِيلُ الطَّالِبَ (عَنْ الْأَلْفِ بِجِنْسٍ آخَرَ) كَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِ (رَجَعَ) الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ (بِالْأَلْفِ) كُلِّهِ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ يَكُونُ مُبَادَلَةً فَيَصِيرُ الْأَلْفُ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ فَيَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَيَرْجِعُ بِكُلِّهِ عَلَيْهِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَلْفَ فِي الْأَصْلِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ وَثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ حِينَ أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْهُ فَيَصِحُّ تَمْلِيكُ الطَّالِبِ الدَّيْنَ الْأَلْفَ مِنْ الْكَفِيلِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكَذَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ مِنْ الْكَفِيلِ بِالْهِبَةِ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ، وَوَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ فَقَبَضَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ فَيَصِيرُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَعَ الْكَفِيلِ مُسَلَّطًا عَلَى الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ. (وَإِنْ صَالَحَ) الْكَفِيلُ (عَنْ مُوجَبِ الْكَفَالَةِ) وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ عَنْ شَيْءٍ بِشَرْطِ إبْرَاءِ الْكَفِيلِ خَاصَّةً (بَرِئَ هُوَ) أَيْ الْكَفِيلُ فَقَطْ (دُونَ الْأَصِيلِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ عَنْ الْكَفَالَةِ يَصِيرُ فَسْخًا لِكَفَالَتِهِ لَا إسْقَاطًا لِأَصْلِ الدَّيْنِ. (وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بِالْأَمْرِ: بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ) الْكَفِيلُ (عَلَى أَصِيلِهِ) لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ فَيَرْجِعُ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ مِنْهُ أَوْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ بَرَاءَةُ الْمَطْلُوبِ لِلطَّالِبِ لِإِقْرَارِهِ كَالْكَفِيلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَكَذَا) رَجَعَ الْكَفِيلُ عَلَى أَصِيلِهِ (فِي) قَوْلِ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ (بَرِئْتَ) دُونَ إلَيَّ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بَرَاءَةً، ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَإِلَيْهِ الْإِيفَاءُ دُونَ الْإِبْرَاءِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَكُونُ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى - وَهُوَ الْإِبْرَاءُ - وَلَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِالشَّكِّ (وَفِي) قَوْلِ الطَّالِبِ لِلْكَفِيلِ (أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ) الْكَفِيلُ إلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا يَنْتَهِي إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِالْإِسْقَاطِ

فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْإِيفَاءِ قَبْلَ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا. (وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ حَاضِرًا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمَلُ حَتَّى فِي بَرِئْتَ إلَيَّ لِاحْتِمَالِ: إنِّي أَبْرَأْتُك مَجَازًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَرِئْتَ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ فِي الصَّكِّ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَفَلَ بِهَا كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَقَوْلِهِ بَرِئْتَ إلَيَّ بِقَضِيَّةِ الْعُرْفِ؛ فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الصَّكَّ يُكْتَبُ عَلَى الطَّالِبِ بِالْبَرَاءَةِ إذَا حَصَلَتْ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يَثْبُتُ الصَّكُّ عَلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْكِتَابَةُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ عُرْفًا، وَلَا عُرْفَ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ) بِالْمَالِ (بِالشَّرْطِ) مِثْلُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فَجَاءَ غَدٌ، لَا يَبْرَأُ عَنْهَا إذْ شَرْطُهُ بَاطِلٌ وَكَفَالَتُهُ جَائِزَةٌ (كَسَائِرِ الْبَرَاءَاتِ) لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالتَّمْلِيكَاتُ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِكَوْنِهِ قِمَارًا، هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إنَّ تَمْلِيكَ الْمُطَالَبَةِ كَتَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فِيهِ ظَاهِرٌ إذْ الْمَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ، وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ وَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ، قِيلَ: الْمُرَادُ الشَّرْطُ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ لِلطَّالِبِ فِيهِ أَصْلًا كَدُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءِ الْغَدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ: الْكَفِيلُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ لَوْ قَالَ: إنْ وَافَيْتُك غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ، فَوَافَاهُ غَدًا يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ جَوَّزُوا تَعْلِيقَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ بِاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ يَجُوزُ أَوْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْبَعْضِ بِتَعْجِيلِ الْبَعْضِ يَجُوزُ كَمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَرِوَايَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ، وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شَرْعًا (مِنْ الْكَفِيلِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ إمْكَانِ إيجَابِهِمَا عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الْعُقُوبَةِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الِاسْتِدْرَاكُ بِمَا مَرَّ كَمَا قِيلَ (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْبَيْعِ) فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ بِعَيْنِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ

(وَالْمَرْهُونِ) بَعْدَ الْقَبْضِ (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إلَّا بِدَفْعِهِ أَوْ دَفْعِ بَدَلِهِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الضَّمِّ، فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَا دَامَ قَائِمًا وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ، وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ إذَا هَلَكَ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ، وَكَذَا الْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَعْيُنِهَا وَتَسْلِيمِهَا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَضْمُونَةً عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا. (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِدَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحٍ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا صَحِيحًا (حُرٌّ كَفَلَ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (أَوْ عَبْدٌ) ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ كَفَالَةَ الْعَبْدِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ثُبُوتُ هَذَا الدَّيْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحَلُّ الْكِتَابَةِ فَخَصَّهُ. (وَكَذَا بَدَلُ السِّعَايَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِهَا، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى حُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِالْحَمْلِ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) مُسْتَأْجَرَةٍ لِلْحَمْلِ (أَوْ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ مُسْتَأْجَرٍ لِلْخِدْمَةِ) لِعَجْزِ الْكَفِيلِ عَنْ تَسْلِيمِ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّهَا مِلْكُ الْغَيْرِ، وَلَوْ حَمَّلَ دَابَّةً أُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إذْ لَوْ حَمَّلَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الدَّابَّةِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فَيَثْبُتُ الْعَجْزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ (بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ) لِعَدَمِ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْحَمْلِ إذْ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْحَمْلُ لَا الْغَيْرُ وَالْغَرَضُ هُوَ الْأَجْرُ. (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَلَ عَنْهُ لِلْغُرَمَاءِ رَجُلٌ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِالضَّرُورَةِ إذْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَلَا كَفِيلًا بِهِ، وَالْكَفَالَةُ بِالسَّاقِطِ لَا تَجُوزُ، وَجَوَازُ التَّبَرُّعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي حَقِّ الدَّائِنِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي حَيَاتِهِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَبَقِيَ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى مَنْ تَبَرَّعَ بِقَضَائِهِ يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ

مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارٌ، فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ.» (وَلَا) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ كَفَلَ بِالنَّفْسِ أَوْ الْمَالِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ مَعَ غَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ الطَّالِبِ (إذَا بَلَغَهُ) خَبَرُ الْكَفَالَةِ (فَأَجَازَ) كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ وَلَهُمَا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالْمَوْجُودُ شَطْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ عَنْ الطَّالِبِ فُضُولِيٌّ فَإِنَّهُ تَصِحُّ وَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْهَا قَبْلَ إجَازَتِهِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَغَيْرِهِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَبُولَ الطَّالِبِ بِخُصُوصِهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، وَأَمَّا أَصْلُ الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ فَشَرْطُ الصِّحَّةِ، فَعَلَى هَذَا: إنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ " الطَّالِبِ " لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ. وَفِي الدُّرَرِ الْفَتْوَى عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَفِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ: وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمْ عِنْدَ الْمَحْبُوبِيِّ وَالنَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَلِهَذَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، تَدَبَّرْ. قَيَّدَ بِالْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الْكَفَالَةِ حَالَ غَيْبَةِ الطَّالِبِ تَجُوزُ إجْمَاعًا. (فَإِنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ: تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ فَكَفَلَ) الْوَارِثُ (مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ جَازَ اتِّفَاقًا) ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ الطَّالِبَ غَائِبٌ وَلَا يَتِمُّ الضُّمَامُ إلَّا بِقَوْلِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُسَاوَمَةِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (وَلَوْ قَالَهُ) أَيْ الْمَرِيضُ هَذَا الْقَوْلَ (لِأَجْنَبِيٍّ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ) فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ تَنْزِيلًا لِلْمَرِيضِ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِلَا الْتِزَامٍ وَكَانَ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَتَمَامِهِ، وَفِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ. (وَتَجُوزُ) الْكَفَالَةُ (بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ فِي الْأَعْيَانِ، لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ: وَلَا تَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا (كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) أَيْ عَلَى طَلَبِهِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ إذْ الْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ (وَالْمَغْصُوبِ) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ عَيْنًا قَائِمًا

فصل دفع الأصيل المال إلى كفيله

فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ إحْضَارُهَا، وَتَسْلِيمُهَا، وَقِيمَتُهَا إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ مُسْتَهْلَكًا فَالْمَضْمُونُ قِيمَتُهُ (وَالْمَبِيعِ) بَيْعًا (فَاسِدًا) لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا هَلَكَ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. (وَ) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَرْهُونِ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُسْتَأْجَرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (إلَى الْمُسْتَأْجِرِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَمْكَنَ الْتِزَامُهُ فَصَارَ نَظِيرَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَائِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَإِنْ هَلَكَ يَبْرَأُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَ) تَجُوزُ الْكَفَالَةُ (بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ. [فَصَلِّ دَفْعِ الْأَصِيل الْمَال إلَى كَفِيلِهِ] فَصَلِّ (وَلَوْ دَفَعَ الْأَصِيلُ الْمَالَ إلَى كَفِيلِهِ) لِيَدْفَعَهُ إلَى الطَّالِبِ (قَبْلَ دَفْعِ الْكَفِيلِ إلَى الطَّالِبِ لَا يَسْتَرِدُّهُ) أَيْ لَا يَسْتَرِدُّ الْأَصِيلُ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ، فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَرَفَعَهَا إلَى السَّاعِي، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا أَدَّى بِنَفْسِهِ يَسْتَرِدُّ مِنْ الْكَفِيلِ مَا أَخَذَهُ وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ، وَأَعْطِ الطَّالِبَ فَلَا يَسْتَرِدُّ، لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ لِتَمَحُّضِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ حَقَّهُ مِنْهُ فَأَنَا أَقْضِيك الْمَالَ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ لَمْ يَكُنْ رِسَالَةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِ الْمَدْفُوعِ لِلْقَابِضِ، وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْفَاضِلُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ، لِأَنَّهُ مَحْضُ أَمَانَةٍ فِي يَدِهِ مُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى، تَدَبَّرْ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّ بِالْكَفَالَةِ صَارَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ دَيْنٌ لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ، وَلِذَا لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ مِنْهُ رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ جَازَ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْكَفِيلُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَنْهُ صَحَّ حَتَّى لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ، فَثَبَتَ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَمَا رَبِحَ فِيهِ الْكَفِيلُ فَلَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ يَعْنِي أَنَّ الرِّبْحَ الَّذِي حَصَلَ فِي هَذَا الْمَالِ بِمُعَامَلَةِ الْكَفِيلِ حَلَالٌ طَيِّبٌ لَهُ (وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَضَى الدَّيْنَ هُوَ أَوْ قَضَى الْأَصِيلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

يَطِيبُ لَهُ (وَرَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الرِّبْحِ (إلَى الْمَطْلُوبِ أَحَبُّ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ شَيْئًا يَتَعَيَّنُ كَالْبُرِّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ بُرٍّ، فَقَبَضَهُ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَالرِّبْحُ لِلْكَفِيلِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هُوَ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. قَيَّدَ بِمَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ رِبْحَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يُسْتَحَبُّ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهَلْ يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ إذَا رَدَّهُ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ؟ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنْ كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا طَابَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ. (وَلَوْ أَمَرَ الْأَصِيلُ كَفِيلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ عَلَيْهِ) أَيْ يَشْتَرِيَ (ثَوْبًا) بِطَرِيقِ الْعِينَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (فَفَعَلَ) الْكَفِيلُ (فَالثَّوْبُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ) الَّذِي حَصَلَ لِلْبَائِعِ يَكُونُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَفِيلِ لَا الْآمِرِ، بَيَانُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ بِطَرِيقِ الْعِينَةِ، مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَأْبَى عَنْهُ وَيَبِيعُ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْلًا نَسِيئَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَحَمَّلَ خَمْسَةً، سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا ضَمَانٌ لِمَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ، وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَكَذَا الثَّمَنُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِجَهَالَةِ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ، وَكَيْفَ مَا كَانَ فَالْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْكَفِيلُ، وَالرِّبْحُ أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ صَوَّرَ لِلْعِينَةِ صُورَةً أُخْرَى وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُقْرِضُ وَالْمُسْتَقْرِضُ بَيْنَهُمَا ثَالِثًا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَبِيعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الثَّوْبَ بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَبِيعُهُ مِنْ الثَّالِثِ بِعَشَرَةٍ، وَيُسَلِّمُ الثَّوْبَ إلَيْهِ، ثُمَّ يَبِيعُ الثَّالِثُ الثَّوْبَ مِنْ الْمُقْرِضِ بِعَشَرَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْهُ عَشَرَةً وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ فَيَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ. وَإِنَّمَا تَوَسَّطَا بِثَالِثٍ احْتِرَازًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْمُومٌ، اخْتَرَعَهُ أَكَلَةُ الرِّبَا وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ فَقَالَ «إذَا تَبَايَعَتْهُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذُلِّلْتُمْ وَظَفِرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» وَقِيلَ، وَإِيَّاكَ وَالْعِينَةَ فَإِنَّهَا لَعِينَةٌ، انْتَهَى. لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَصْوِيرِهَا بِقَوْلِهِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، قَالُوا يَشْتَرِي مِنْ الْمَدْيُونِ شَيْئًا بِتِلْكَ الْعَشَرَةِ فَيَقْبِضُ، ثُمَّ يَبِيعُ مِنْ الْمَدْيُونِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ إلَى سَنَةٍ فَيَقَعُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْحَرَامِ، وَمِثْلُ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْدَادِ الصُّوَرِ الْأُخَرِ: وَهَذِهِ الْحِيَلُ هِيَ الْعِينَةُ

الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي: بَيْعُ الْعِينَةِ فِي زَمَانِنَا خَيْرٌ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي فِي أَسْوَاقِنَا، انْتَهَى، لَكِنَّ التَّحَرُّزَ أَوْلَى. (وَمَنْ كَفَلَ لِآخَرَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ أَوْ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ، فَغَابَ الْغَرِيمُ فَبَرْهَنَ الطَّالِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنَّ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ أَلْفًا لَا يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ مُقْضًى أَوْ مَالٌ يُقْضَى بِهِ لَا غَيْرُ، لِأَنَّ ذَابَ بِمَعْنَى وَجَبَ وَلَمْ يَجِبْ هُنَا لِلطَّالِبِ عَلَى الْغَائِبِ مَالٌ شَرْعًا، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّ بِالْإِقْرَارِ لَا يَثْبُتُ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ بَلْ بِالْقَضَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الطَّالِبُ لِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْمَالِ فِي دَعْوَاهُ وَلَا فِي إقَامَتِهِ حَتَّى لَوْ تَعَرَّضَ، وَقَالَ: قَدَّمْتُ الْمَطْلُوبَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي، وَأَقَمْتُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَلْفٍ وَقَضَى لِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ يُقْضَى بِأَلْفٍ عَلَى الْكَفِيلِ وَعَلَى الْغَائِبِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْكَفِيلُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (وَلَوْ بَرْهَنَ) الطَّالِبُ (أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ) الْغَائِبِ (أَلْفًا وَهَذَا كَفِيلُهُ) بِهَذَا الْمَالِ (بِأَمْرِهِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ مُعْتَبَرَةٌ. الْأَوَّلُ أَنَّ الْكَفَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا الْمَالِ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِأَنَّهُ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَلْ هُوَ مَالٌ مُطْلَقٌ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ تَمْتَازُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذْ الْمَكْفُولُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي. وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنَّهَا بِأَمْرِ الْأَصِيلِ إذْ الْأَمْرُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ فَهِيَ لَا تَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْكَفِيلِ لَا يَتَضَمَّنُ الْقَضَاءَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ عَلَا أَمْرُهُ قُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَقَطْ) لَا عَلَى الْأَصِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ فَإِنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَالِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ كَانَ زَعْمُهُ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ بَلْ الْمُدَّعِي ظَالِمٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ قُلْنَا: الشَّرْعُ كَذَّبَهُ فَبَطَلَ زَعْمُهُ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْإِثْبَاتُ عَلَى الْحَاضِرِ مُتَضَمِّنًا لَهُ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ أَصَالَةً إذْ التَّعَدِّي إلَى الْغَائِبِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ ضَرُورِيٌّ. وَفِي الْكِفَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهَذَا طَرِيقُ مَنْ أَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ. (وَضَمَانُ الدَّرَكِ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ تَسْلِيمٌ) أَيْ تَصْدِيقٌ مِنْ الْكَفِيلِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْبَائِعِ (فَتَبْطُلُ) مِنْ الْإِبْطَالِ (دَعْوَى الضَّامِنِ) عَلَى الْمُشْتَرِي (الْمَبِيعَ) مَفْعُولُ دَعْوَى (بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ تَرْغِيبٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الِابْتِيَاعِ، وَالتَّرْغِيبُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِلتَّنَاقُضِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ مِنْهُ وَهُوَ فَرْضُ صِحَّةِ دَعْوَاهُ لِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَلَا يُفِيدُ (وَكَذَا) .

يَكُونُ تَسْلِيمًا وَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَ هَذَا (لَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ) عَلَى الْبَيْعِ (وَخَتَمَ) أَيْ وَضَعَ خَاتَمَهُ عَلَى عَادَةِ السَّلَفِ (عَلَى صَكٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِكَتَبَ وَخَتَمَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (كَتَبَ فِيهِ) صِفَةُ " صَكٍّ " (بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ) بَاعَ (بَيْعًا بَاتًّا) نَافِذًا، إذْ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مِلْكِهِ فَالدَّعْوَى لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ تَنَاقُضٌ، فَلَا تُسْمَعُ، وَقُلْنَا عَلَى عَادَةِ السَّلَفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَهُ بَعْدَ كِتَابَةِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الصَّكِّ خَوْفًا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّزْوِيرِ؛ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مَخْتُومًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ، وَفِي الْفَتْحِ الْخَتْمُ أَمْرٌ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا فِي زَمَانِنَا، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي صَكٍّ بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ عَنْ قَيْدِ الْمِلْكِيَّةِ وَكَوْنِهِ نَافِذًا لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا بَلْ تُسْمَعُ بَعْدَهُ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْحَادِثَةَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْمِنَحِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَهَا) أَيْ شَهَادَتَهُ (عَلَى إقْرَارِ الْعَاقِدَيْنِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ (وَضَمَانُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ بَاطِلٌ) يَعْنِي إذَا بَاعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ ثَوْبًا بِأَمْرِهِ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ لَا يَصِحُّ. (وَكَذَا ضَمَانُ الْمُضَارِبِ الثَّمَنَ لِرَبِّ الْمَالِ) بَاطِلٌ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِنَفْسِهِ؛ إذْ حُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَلَا يُفِيدُ ضَمَانُهُمَا بِخِلَافِ مَنْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ كَالْوَكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ إنْ ضَمِنَ الْمَهْرَ، وَالْمَأْمُورِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ إنْ ضَمِنَ الثَّمَنَ، وَالرَّسُولِ بِالْبَيْعِ إنْ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُمْ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ. (وَ) كَذَا (ضَمَانُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ) حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعَاهُ (صَفْقَةً وَاحِدَةً) بَاطِلٌ يَعْنِي لَوْ بَاعَ رَجُلَانِ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مِنْ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَأَدَّى إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَذَا بَاطِلٌ (وَصَحَّ) ضَمَانُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ (لَوْ بِصَفْقَتَيْنِ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا تَعَدَّدَتْ فَمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِعُقْدَةٍ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَرَدَّ الْآخَرَ صَحَّ (وَضَمَانُ الدَّرَكِ) صَحِيحٌ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ الْمَضْمُونُ مَعْلُومًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَصَحَّ (وَ) ضَمَانُ (الْخَرَاجِ) صَحِيحٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْخَرَاجَ الْمُوَظَّفَ وَخَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُوَظَّفِ، وَهُوَ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَنَفَى صِحَّةَ الضَّمَانِ

بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالرَّهْنُ كَالْكَفَالَةِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالدَّرَكِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ جَائِزَةٌ دُونَ الرَّهْنِ، انْتَهَى. لَكِنَّ التَّخْصِيصَ وَاجِبٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَوْ رَهَنَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِخَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ تَأَمَّلْ. وَلَوْ اكْتَفَى فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ " وَصَحَّ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ بِالْخَرَاجِ " لَكَانَ أَخْصَرَ، تَدَبَّرْ. (وَ) ضَمَانُ (الْقِسْمَةِ صَحِيحٌ) خَبَرٌ لِكُلٍّ مِنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ وَالْخَرَاجِ وَالْقِسْمَةِ، قِيلَ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا النَّوَائِبُ الْآتِيَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ، تَدَبَّرْ. وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ الدِّيوَانِيَّةُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ غَيْرُ رَاتِبٍ بَلْ يَلْحَقُهُ أَحْيَانًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقِسْمَةِ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَعْنَاهَا إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ فَضَمِنَهَا إنْسَانٌ صَحَّ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا، ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُهُمَا قَسْمَ الْآخَرِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ. (وَكَذَا ضَمَانُ النَّوَائِبِ) . وَفِي الصِّحَاحِ: النَّائِبَةُ الْمُصِيبَةُ، وَاحِدَةُ نَوَائِبِ الدَّهْرِ، وَفِي اصْطِلَاحِهِمْ، قِيلَ: أَرَادُوا بِهَا مَا يَكُونُ بِحَقٍّ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَقٍّ وَعَنْ هَذَا قَالَ (سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ) الْمُشْتَرَكِ (وَأُجْرَةِ الْحَارِسِ) وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهَا جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصِيلِ (أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ) الَّتِي فِي زَمَانِنَا تَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَفِي جَوَازِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ، مِنْهُمْ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ لِأَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ أَوْ الدَّيْنِ وَهُنَا لَا مُطَالَبَةَ وَلَا دَيْنَ شَرْعِيَّيْنِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَاهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجُوزُ، مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ لِأَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ مِثْلُ سَائِرِ الدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا، وَالْعِبْرَةُ لِلْمُطَالَبَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِالْتِزَامِهَا، فَالْمُطَالَبَةُ الْحِسِّيَّةُ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِذَا قُلْنَا: مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْعَدْلِ يُؤْجَرُ، وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِالْأَخْذِ ظَالِمًا وَقُلْنَا مَنْ قَضَى نَائِبَةً عَنْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالْفَتْوَى عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا كَالدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. (وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ بَاطِلٌ) لِاشْتِبَاهِ الْمُرَادِ بِهَا لِإِطْلَاقِهَا عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَى حُقُوقِهِ، وَعَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا قَبْلَ الْبَيَانِ فَتَبْطُلُ لِلْجَهَالَةِ. (وَكَذَا ضَمَانُ الْخَلَاصِ) بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هِيَ صَحِيحَةٌ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ - إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ - وَرَدِّ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الْمَعْنَى وَالْإِمَامُ فَسَّرَهَا بِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ لَا مَحَالَةَ وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْهُ، وَلَوْ ضَمِنَ تَخْلِيصَ الْمَبِيعِ أَوْ رَدَّ الثَّمَنَ جَازَ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ وَهُوَ تَسْلِيمُهُ - إنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ

باب كفالة الرجلين والعبدين

أَوْ رَدُّهُ إنْ لَمْ يُجِزْ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى التَّفْسِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ فَقَطْ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ ضَمِنْته إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الطَّالِبُ بَلْ) ضَمِنْته (حَالًا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ وَفِي الْإِقْرَارِ) يَعْنِي مَنْ قَالَ لِآخَرَ: لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ (لِلْمُقَرِّ لَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفِيلَ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ فَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَالطَّالِبُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَالْمُقِرُّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ هُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى شَهْرٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَكَذَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَلَا يُؤْخَذُ ضَامِنُ الدَّرَكِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ مَا لَمْ يُقْضَ بِثَمَنِهِ عَلَى بَائِعِهِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْتَقِضُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ. وَفِي التَّنْوِيرِ: قَالَ لِآخَرَ: اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ، فَسَلَكَهُ وَأُخِذَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأُخِذَ مَالُك فَأَنَا ضَامِنٌ، ضَمِنَ. [بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ كَفَالَةِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ كَفَالَةَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ طَبْعًا فَأُخِّرَ وَضْعًا. (دَيْنٌ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِآخَرَ بِأَنْ اشْتَرَيَا مِنْهُ ثَوْبًا، وَ (كَفَلَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ (عَنْ صَاحِبِهِ) جَازَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، إذْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ أَصِيلًا وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَفِيلًا (فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ نِصْفَهُ (لَا يَرْجِعُ بِهِ) أَيْ بِمَا أَدَّى (عَلَى الْآخَرِ) أَيْ عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِنْ عَيَّنَ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّ وُقُوعَ الْأَدَاءِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ أَصَالَةً أَوْلَى مِنْ وُقُوعِهِ كَفَالَةً؛ إذْ الْأَوَّلُ دَيْنٌ مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وَالثَّانِي مُطَالَبَةٌ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ صَاحِبُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ نَائِبُهُ، وَأَدَاءُ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ (إلَّا إذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ) فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ كَفَالَةً فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ. (وَلَوْ كَفَلَا) أَيْ الِاثْنَانِ (بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ) بِالتَّعَاقُبِ (وَكَفَلَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا بِهِ) أَيْ بِجَمِيعِ الْمَالِ (عَنْ صَاحِبِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَيَكْفُلُ عَنْهُ اثْنَانِ، كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ، ثُمَّ كَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا لَزِمَهُ بِالْكَفَالَةِ إذْ الْكَفَالَةُ بِالْكَفِيلِ جَائِزَةٌ (فَمَا أَدَّاهُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ) قَلِيلًا كَانَ الْمُؤَدَّى أَوْ كَثِيرًا، إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَلَا رُجْحَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْكَفَالَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى بِالْمُطَالَبَةِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ

(أَوْ) رَجَعَ هُوَ (بِكُلِّهِ) أَيْ بِكُلِّ مَا أَدَّاهُ (عَلَى الْأَصِيلِ) ابْتِدَاءً (لَوْ) كَفَلَ (بِأَمْرِهِ) إذَا كَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْجَمِيعِ فَلَا يُؤْتَى إلَى الدَّوْرِ هَذَا إذَا كَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ، وَأَمَّا إذَا كَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ، ثُمَّ كَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ كَفَلَا عَلَى الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ، ثُمَّ كَفَلَ عَنْ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ، أَوْ كَفَلَ كُلٌّ بِالْجَمِيعِ مُتَعَاقِبًا، ثُمَّ كَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ لِمُغَايَرَةِ جِهَةِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الِاثْنَيْنِ (فَلَهُ) أَيْ لِلطَّالِبِ (أَخْذُ) الْكَفِيلِ (الْآخَرِ بِكُلِّهِ) أَيْ بِكُلِّ الْمَالِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَفِيلٌ بِالْكُلِّ عَنْ الْأَصِيلِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ. (وَلَوْ فُسِخَتْ الْمُفَاوَضَةُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ شَيْئًا، ثُمَّ فُسِخَتْ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا (فَلِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ مَنْ شَاءَ مِنْ شَرِيكَيْهَا) أَيْ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ (بِكُلِّ دَيْنِهِ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ. قَيَّدَ بِالْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّ شَرِيكَ الْعِنَانِ لَا يُؤَاخَذُ عَنْ شَرِيكِهِ لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ بَلْ الْوَكَالَةَ كَمَا مَرَّ فِي الشَّرِكَةِ (وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ) أَيْ بِمَا أَدَّى (عَلَى الْآخَرِ مَا لَمْ يَزِدْ بِهِ عَلَى النِّصْفِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ) بِأَنْ قَالَ الْمَوْلَى: كَاتَبْتُكُمَا عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَا (وَكَفَلَ كُلٌّ) مِنْ الْعَبْدَيْنِ (عَنْ صَاحِبِهِ صَحَّ) الْعَقْدُ (وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّ فِيهِ كَفَالَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ أَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا تَعَاقَبَتْ كِتَابَتُهُمَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَلِهَذَا قَالَ بِعَقْدٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الْمَالِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَحَقِّ نَفْسِهِ، وَعِتْقُ الْآخَرِ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَاتَبْتُكُمَا بِأَلْفٍ: إنْ أَدَّيْتُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: إنْ أَدَّيْتَ الْأَلْفَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَكُونُ عِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ الْأَلْفِ، وَلَا يَحْصُلُ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ نِصْفِهِ؛ إذْ الشَّرْطُ يُقَابِلُ الْمَشْرُوطَ جُمْلَةً، وَلَا يُقَابِلُهُ أَجْزَاءً فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى كُلًّا مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا الْكَفَالَةِ، فَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَ وَعَتَقَ الْآخَرُ تَبَعًا لَهُ، كَمَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ انْتَفَى الْمُسَاوَاةُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " وَكَفَلَ " لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُمَا مَعًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ فَلَوْ زَادَ عَلَى أَنَّهُمَا إنْ ادَّعَيَا عِتْقًا وَإِنْ عَجَزَ أَرَادَ فِي الرِّقِّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَالَةَ فَعِنْدَنَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْتِقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ الْمُكَاتَبَيْنِ

فِيمَا إذَا كَاتَبَهُمَا، وَشَرَطَ كَفَالَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ (قَبْلَ الْأَدَاءِ صَحَّ) عِتْقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ الْمَالُ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ، وَمَا بَقِيَ وَسِيلَةٌ فَيَسْقُطُ، وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتَيْهِمَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا احْتِيَالًا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ، وَإِذَا جَاءَ الْعِتْقُ اُسْتُغْنِيَ عَنْ الِاحْتِيَالِ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتَيْهِمَا فَلِهَذَا يَنْتَصِفُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ الْآخَرِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآخَرِ (أَصَالَةً أَوْ مِنْ الْمُعْتَقِ كَفَالَةً، وَيَرْجِعُ الْمُعْتَقُ فَقَطْ بِمَا أَدَّى عَلَى صَاحِبِهِ) أَيْ إنْ أَخَذَ الْمَوْلَى حِصَّةَ الْآخَرِ مِنْ الْمُعْتَقِ رَجَعَ الْمُعْتَقُ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ مُؤَدًّى عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ أَخَذَ الْآخَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعْتَقِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ، لَا يُقَالُ: أَخْذُ الْمُعْتَقِ بِالْكَفَالَةِ تَصْحِيحٌ لِلْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَالْبَاقِي بَعْضُ ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الثُّبُوتِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَلَوْ كَانَ) (عَلَى عَبْدٍ مَالٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ) صِفَةُ " مَالٌ "، أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ) وَهُوَ دَيْنٌ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ بَلْ فِي حَقِّهِ يُؤَاخَذُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَالٍ لَزِمَهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ اسْتِقْرَاضٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ (فَكَفَلَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْمَالِ (رَجُلٌ كَفَالَةً مُطْلَقَةً) عَنْ قَيْدِ الْحُلُولِ أَوْ التَّأْجِيلِ (لَزِمَ الْكَفِيلَ حَالًّا) لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَى الْعَبْدِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَقَبُولِ ذِمَّتِهِ، إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ بِعُسْرَتِهِ، إذْ هَذِهِ الدُّيُونُ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ أَوْ مُفْلِسٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ حَالًّا بَلْ مُؤَجَّلًا (وَإِذَا أَدَّى) الْكَفِيلُ مَا عَلَى الْعَبْدِ (لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ) إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ كَانَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَا الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ. (وَلَوْ) (ادَّعَى رَقَبَةَ عَبْدٍ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ) الْمَكْفُولُ بِرَقَبَتِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي (فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً (أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (لَهُ) أَيْ مِلْكُهُ (ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْ ذِي الْيَدِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي غَصْبَ الْعَبْدِ عَلَى ذِي الْيَدِ؛ وَالْكَفَالَةُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا جَائِزَةٌ فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ رَدُّ الْعَيْنِ فَإِنْ هَلَكَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ وَبِنُكُولِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْكَفِيلُ بِنَفْسِهِ. (وَلَوْ كَفَلَ سَيِّدٌ عَنْ عَبْدِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ) كَفَلَ (عَبْدٌ غَيْرُ مَدْيُونٍ) قَيَّدَ بِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَفَالَةِ فَإِنَّ كَفَالَةَ الْمَدْيُونِ عَنْ مَوْلَاهُ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ (عَنْ سَيِّدِهِ) بِأَمْرِهِ (فَعَتَقَ) الْعَبْدُ (فَأَيٌّ) مِنْ السَّيِّدِ أَوْ الْعَبْدِ (أَدَّى) الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ (لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَوْجِبُ

كتاب الحوالة

دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الرِّقُّ قَدْ زَالَ، قُلْنَا: وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ الْتِزَامِ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بَرَاءَةً مُقَيَّدَةً بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ، وَالْمُفْرَدُ مُقَدَّمٌ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ، وَحُرُوفُهَا كَيْفَ مَا تَرَكَّبَتْ دَارَتْ عَلَى مَعْنَى النَّقْلِ وَالزَّوَالِ. وَقِيلَ: هِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْإِحَالَةِ، يُقَالُ: أَحَلْتُ زَيْدًا بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ، وَلِذَا قِيلَ لِلْمَدْيُونِ مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ، وَلِلدَّائِنِ مُحَالٌ وَمُحْتَالٌ، وَلِمَنْ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ مُحَالٌ عَلَيْهِ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ، وَلِلدَّيْنِ مُحَالٌ بِهِ وَمُحْتَالٌ بِهِ، لَكِنْ تُرِكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ مُحْتَالٌ فِي مُحِيلٍ فِرَارًا عَنْ الْتِبَاسِهِ الْمَفْعُولَ مِنْ بَابِهِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْبَعْضُ بِإِلْحَاقٍ لَهُ إلَى الْمَفْعُولِ، وَقَالَ مُحْتَالٌ لَهُ، قِيلَ: هُوَ لَغْوٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّلَةِ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ (هِيَ) أَيْ الْحَوَالَةُ (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) أَيْ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهَا هَلْ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ جَمِيعًا أَوْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. [مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ] (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ) أَمَّا الصِّحَّةُ فَبِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» أَيْ إذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ، وَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَأَمَّا اخْتِصَاصُهَا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّ الْحَوَالَةَ نَقْلٌ حُكْمِيٌّ وَالدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ لِلدَّيْنِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ النَّقْلَ أَمَّا الْعَيْنُ كَالثَّوْبِ فَحِسِّيٌّ فَلَا يَقْبَلُ النَّقْلَ الْحُكْمِيَّ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ الْحِسِّيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْتَالِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: أَحَالَ عَلَيْهِ مِائَةً مِنْ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (بِرِضَى) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ (الْمُحْتَالِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ وَالذِّمَمَ مُتَفَاوِتَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ

يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى رِضَاهُ إذَا كَانَ الْمُحَالُ بِهِ دَيْنَ الْمُحِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ. قَيَّدَ بِرِضَاهُمَا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ إكْرَاهِ أَحَدِهِمَا وَأَرَادَ مِنْ الرِّضَى الْقَبُولَ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ أَحَالَ إلَى غَائِبٍ فَقَبِلَ بَعْدَمَا عَلِمَ صَحَّتْ وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ لَهُ الْحَوَالَةَ (وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ رِضَى الْمُحِيلِ أَيْضًا) كَمَا لَا بُدَّ مِنْ رِضَى الْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَحْرِ: رِضَى الْمُحِيلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ وَشَرْطِ الْقُدُورِيِّ، وَإِنَّمَا شَرَطَهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَاتِ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ، قِيلَ: وَعَلَى هَذَا تَكُونُ فَائِدَةُ اشْتِرَاطِهِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ، وَقِيلَ: لَعَلَّ مَوْضُوعَ مَا ذُكِرَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ إسْقَاطًا لِمُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمُحِيلِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ إحَالَةٌ وَهِيَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَى وَهُوَ وَجْهُ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ. وَالثَّانِي احْتِيَالٌ يَتِمُّ بِدُونِ إرَادَةِ الْمُحِيلِ بِإِرَادَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَرِضَاهُ وَهُوَ وَجْهُ رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ وَعَلَى هَذَا اشْتِرَاطُهُ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِنَاءً عَلَى إيفَاءِ الْحَقِّ حَقَّهُ فَلَهُ إيفَاؤُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ غَيْرِ قَسْرٍ عَلَيْهِ بِتَعْيِينِ بَعْضِ الْجَهَالَةِ، أَوْ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي انْتَهَى. (، وَإِذَا تَمَّتْ) الْحَوَالَةُ (بَرِئَ الْمُحِيلُ) مِنْ الدَّيْنِ (بِالْقَبُولِ) أَيْ بِقَبُولِ الْمُحْتَالِ الْحَوَالَةَ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَبْرَأُ اعْتِبَارًا بِالْكَفَالَةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ تَوَثُّقٍ بِحَقٍّ وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُبْنَى عَلَى وَفْقِ الْمَعَانِي، فَمَعْنَى الْحَوَالَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ. قَوْلُهُ مِنْ الدَّيْنِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ لَا الدَّيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ آنِفًا وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَرَاءَةً مَوْقُوفَةً، وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ مِنْ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَحَالَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ الْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ لَا يَحْبِسُ الرَّهْنَ، وَلَوْ أَحَالَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ بِصَدَاقِهَا لَمْ تَحْبِسْ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ فِي الثَّلَاثَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ قَالَ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الزِّيَادَاتِ عَكْسُهُ، وَقَوْلُهُ بِالْقَبُولِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ (فَلَا يَأْخُذُ الْمُحْتَالُ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ مِنْ تَرِكَةِ الْمُحِيلِ الدَّيْنَ إذَا مَاتَ الْمُحِيلُ (لَكِنْ يَأْخُذُ كَفِيلًا مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ مَخَافَةَ التَّوَى) أَيْ الْهَلَاكِ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ) .

الْمُحْتَالُ (إلَّا إذَا تَوِيَ حَقُّهُ) فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ» وَلِأَنَّ بَرَاءَتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ السَّلَامَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْد التَّوَى بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ. وَفِي الْبَحْرِ: وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ بَاقِيَةً أَمَّا إذَا فُسِخَتْ الْحَوَالَةُ فَإِنَّ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّ حُكْمَهَا يَنْتَهِي بِفَسْخِهَا وَبِالتَّوَى، وَقَوْلُهُ وَبِالتَّوَى مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُحِيلُ هُوَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ: رَجُلٌ أَحَالَ رَجُلًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ، ثُمَّ إنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ أَحَالَهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ بَرِئَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَوِيَ الْمَالُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ لَا يَعُودُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ (وَهُوَ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا) بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عَيْنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلًا (أَوْ إنْكَارِهِ) أَيْ إنْكَارِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (الْحَوَالَةَ وَحَلِفِهِ) أَيْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِلْمُحْتَالِ وَالْمُحِيلِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْحَوَالَةِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ التَّوَى فِي الْحَقِيقَةِ (وَعِنْدَهُمَا بِتَفْلِيسِ الْقَاضِي إيَّاهُ) أَيْ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ (أَيْضًا) لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ، وَقَطْعُهُ عَنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَهُمَا كَعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَبِالْجُحُودِ. قَيَّدْنَا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ كَفِيلًا لِأَنَّ وُجُودَ الْكَفِيلِ يَمْنَعُ مَوْتَهُ مُفْلِسًا عَلَى مَا فِي الزِّيَادَاتِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَمْنَعُ، وَإِنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَخَذَ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْمَالِ كَفِيلًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا لَا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، سَوَاءٌ كَفَلَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَالْكَفَالَةُ حَالَّةٌ أَوْ مُؤَجَّلَةٌ، أَوْ كَفَلَ حَالًّا، ثُمَّ أَجَّلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ كَفِيلٌ وَلَكِنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ أَوْ رَهَنَ بِهِ رَهْنًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ، وَالثَّمَنُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ مُفْلِسًا فَالْقَوْلُ لِلْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ. (وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (بِالدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ) يَعْنِي إذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ صَحَّ، لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ (وَيَبْرَأُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ) عَنْ الْحَوَالَةِ (بِهَلَاكِهَا) كَالزَّكَاةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالنِّصَابِ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ الْتَزَمَ الْأَدَاءَ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ قَدْ هَلَكَتْ أَمَانَةً، وَأَيْضًا يَبْرَأُ الْمُودَعُ عَنْ الْحَوَالَةِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ الْمُودَعَةُ فَيَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ. (وَبِالْمَغْصُوبَةِ) أَيْ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي غَصَبَهَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحِيلِ (وَلَا يَبْرَأُ بِهَلَاكِهَا) أَيْ لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِهَلَاكِ الْمَغْصُوبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْحَوَالَةَ لِأَنَّهُ فَاتَ إلَى خَلَفٍ - وَهُوَ الضَّمَانُ - وَالْخَلَفُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ وَكَانَ الْمَغْصُوبُ قَائِمًا مَعْنًى فَلَا يَبْطُلُ وَأَمَّا إذَا اُسْتُحِقَّ

الْمَغْصُوبُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ وَصَلَ إلَى مَالِكِهِ فَهُوَ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْغَاصِبِ عَنْ الضَّمَان. (وَإِذَا قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ لَا يُطَالِبُ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَطْلُبُ الْمُحِيلُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الدَّيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ تَتَضَمَّنُ تَوْكِيلَ الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، أَوْ مَا عِنْدَهُ، وَيَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ؛ فَلَا يَطْلُبُ الْمُحِيلُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحْتَالِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُحْتَالِ، كَالرَّاهِنِ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَضْمَنَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ لِلْمُحْتَالِ إنْ دَفَعَ إلَى الْمُحِيلِ (مَعَ أَنَّ الْمُحْتَالَ أُسْوَةٌ لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحِيلِ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُحْتَالِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُحْتَالُ أُسْوَةً لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ أُسْوَةٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي بِيَدِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ، وَالدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لِلْمُحْتَالِ بِعَقْدِ الْحَوَالَةِ لَا يَدًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا رَقَبَةً؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَا وُضِعَتْ لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلنَّقْلِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَيَمْلِكُ الْمَرْهُونَ يَدًا وَحَبْسًا، فَيَثْبُتُ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِالْمَرْهُونِ - شَرْعًا - لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ. وَقَالَ زُفَرُ: الْمُحْتَالُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّ الدَّيْنَ صَارَ لَهُ بِالْحَوَالَةِ كَالْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ. (وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ) الْحَوَالَةُ (بِشَيْءٍ) مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُحِيلِ (الْمُطَالَبَةُ) مِنْ الْمُحْتَالِ بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ، وَيَقْدِرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْمُحِيلِ، إذْ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّ الْمُحْتَالِ بِمَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ بَلْ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَفِي ذِمَّتِهِ سَعَةٌ، فَغَايَةُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَدَاءُ دَيْنِ الْمُحْتَالِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَيَّدَةً أَوْ مُطْلَقَةً (بِأَخْذِهِ) أَيْ الْمُحِيلِ (مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) مِنْ الدَّيْنِ (أَوْ عِنْدَهُ) مِنْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ أَمَّا فِي الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَأَمَّا فِي الْمُقَيَّدَةِ فَلِأَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ قَدْ دَفَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ فَيَضْمَنُهُ لِلْمُحْتَالِ وَيَرْجِعُ إلَى الْمُحِيلِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ. (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمِثْلِ مَا أَحَالَ بِهِ فَقَالَ: أَحَلْتُ بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَا يُقْبَلُ بِلَا حُجَّةٍ) أَيْ لَا يُسْمَعُ قَوْلُ الْمُحِيلِ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَحَلْتُ بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك حِينَ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحِيلِ مِثْلَ مَا أَحَالَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، إذْ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْكَرَ الدَّيْنَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَوَالَةِ وَقَبُولَهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَلَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ لَهُ دَيْنًا، إذْ الْحَوَالَةُ تَجُوزُ بِدُونِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَلْ يُسْمَعُ طَلَبُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ - هُوَ أَدَاءُ الدَّيْنِ بِأَمْرِهِ - (وَلَوْ طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَ فَقَالَ: أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَا يُقْبَلُ بِلَا حُجَّةٍ) أَيْ لَا يُسْمَعُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ لِلْمُحِيلِ: أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك حِينَ طَلَبَ الْمُحِيلُ مِنْ الْمُحْتَالِ مَا قَبَضَهُ

حكم السفتجة

إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْمُحِيلَ أَنْكَرَ الدَّيْنَ، إذْ إقْرَارُهُ بِالْحَوَالَةِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَكَالَةِ بِمَعْنَى نَقْلِ التَّصَرُّفِ بَلْ يُسْمَعُ طَلَبُ الْمُحِيلِ كَطَلَبِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْوَكِيلِ مَا قَبَضَهُ. وَفِي التَّنْوِيرِ: أَدَّى الْمَالَ فِي الْحَوَالَةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ عَقْدِهَا. [حُكْم السَّفْتَجَة] (وَتُكْرَهُ السَّفْتَجَةُ) بِضَمِّ السِّينِ وَالتَّاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَبِفَتْحِ التَّاءِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ تَعْرِيبُ سفته وَمَعْنَاهَا الْمُحْكَمُ (وَهِيَ الْإِقْرَاضُ) أَيْ أَنْ يُقْرِضَ إلَى تَاجِرٍ مَثَلًا قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ (لِسُقُوطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ) ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَاضَ فِي مَعْنَى حَوَالَةِ الصَّدِيقِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَوْ لِأَنَّهُ حَوَالَةُ الطَّرِيقِ إلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يُحِيلُهُ بِالْأَدَاءِ إلَى الصَّدِيقِ. [كِتَابُ الْقَضَاءِ] ِ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ يَقَعُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالدُّيُونِ عَقَّبَهَا بِمَا يَقْطَعُهَا وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي، أَضَافَ الْكِتَابَ إلَى الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ بَيَانَ الْقَضَاءِ مَقْصُودٌ، وَبَيَانَ الْأَدَبِ مَتْبُوعٌ، وَالْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، فَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مَصْدَرُ قَضَيْت بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا حَكَمْت، وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ، وَقَضَى أَيْ حَكَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وَبِمَعْنَى الْإِبْلَاغِ وَبِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: 66] أَيْ أَنْهَيْنَاهُ إلَيْهِ وَأَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ وَبِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَيُقَالُ: اسْتَقْضَى فُلَانًا أَيْ صَيَّرَهُ قَاضِيًا. وَفِي الشَّرْحِ هُوَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ أَوْ قَوْلٌ مُلْزِمٌ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَفِيهِ مَعَانِي اللُّغَةِ جَمِيعًا، فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِالْحُكْمِ وَأَخْبَرَهُ بِهِ وَفَرَغَ عَنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا وَقَدَّرَ مَا عَلَيْهِ وَمَا لَهُ وَأَقَامَ قَضَاهُ مَقَامَ صُلْحِهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَمَحَاسِنُهُ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْعِبَادُ وَخَرِبَ الْبِلَادُ وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ، وَالْحَاكِمُ نَائِبُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي أَرْضِهِ فِي إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وَلِأَجْلِهِ بُعِثَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَكَانَ عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَلِهَذَا قَالَ (الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ مِنْ أَقْوَى الْفَرَائِضِ وَأَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ) بَعْدَ

الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -، ثُمَّ هُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: وَاجِبٌ وَهُوَ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ وَلَا يُوجَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ أَدَّى إلَى تَضْيِيعِ الْحُكْمِ، فَيَكُونَ قَبُولُهُ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْصَافَ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ. وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهُ لَكِنْ هُوَ أَصْلَحُ وَأَقْوَمُ بِهِ. وَمُخَيَّرٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَالْقِيَامِ بِهِ. وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ وَأَقْوَمُ بِهِ. وَحَرَامٌ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْهُ وَعَدَمَ الْإِنْصَافِ فِيهِ فِي بَاطِنِهِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى بِمَا لَا يَعْرِفُهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ رِزْقَهُ وَكِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ أَهْلِهِ وَأَعْوَانِهِ وَمَنْ يُمَوِّنُهُمْ يَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْعَامَّةِ فَلَوْلَا الْكِفَايَةُ رُبَّمَا يَطْمَعُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، وَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَعْطَى شُرَيْحًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. (وَأَهْلُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلْزَامٌ إذْ الشَّهَادَةُ مُلْزِمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ عَلَى الْخَصْمِ. (وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (شَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لَهُ) أَيْ لِلْقَضَاءِ (وَيَصِحُّ تَقْلِيدُهُ) أَيْ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ أَيْ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَى كَبِيرَةٍ أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَضَاءَ الْمَسْتُورِ صَحِيحٌ بِلَا قُبْحٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَبِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُقَلَّدَ) الْفَاسِقُ الْقَضَاءَ إذْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِوَاسِطَةِ فِسْقِهِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ كَانَ الْمُقَلِّدُ آثِمًا (كَمَا يَصِحُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِ) أَيْ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا، وَلَكِنَّهُ يَنْفُذُ. وَفِي الدُّرَرِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ (وَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ) شَهَادَتُهُ وَفِي الشُّمُنِّيِّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهِمَا مُتَعَذَّرٌ فِي عَصْرِنَا لِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْعَدْلِ، فَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا، قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ وَكَذَا الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَتَعْلِيقُ عَزْلِ الْقَاضِي بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ كَتَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ قَاضِيَانِ، كُلٌّ عَلَى مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ

الصَّحِيحُ. (وَلَوْ فَسَقَ) الْقَاضِي (الْعَدْلُ) بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الزِّنَاءِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ (يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ) أَيْ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْمِعْرَاجِيَّةِ يَحْسُنُ عَزْلُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَا يَنْعَزِلُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شُرِطَ التَّقْلِيدُ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ فَسَقَ الْقَاضِي، ثُمَّ تَابَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ كَمَا إذَا عَمِيَ، ثُمَّ أَبْصَرَ، وَكَذَا إذَا ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ أَسْلَمَ. قَيَّدَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ. وَفِي الْبَحْرِ: الْوَالِي إذَا فَسَقَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ وَلَوْ حَكَمَ الْوَالِي بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ. (وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا) أَيْ بِمَالٍ دَفَعَهُ لِتَوْلِيَتِهِ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْفُذْ، وَبِهِ يُفْتَى إذْ الْإِمَامُ لَوْ قُلِّدَ بِرِشْوَةٍ أَخَذَهَا هُوَ أَوْ قَوْمُهُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ كَقَضَائِهِ بِرِشْوَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ أَخَذَ قَوْمُهُ - وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ - هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ أَمْ لَا؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ " وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ " يَقْتَضِي جَوَازَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا لَوْ ارْتَشَى وَكِيلُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ ارْتَشَى بِنَفْسِهِ، وَإِنْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَعَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّ مَا قَبَضَ، تَتَبَّعْ. قَيَّدَ بِالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْقَاضِي الرِّشْوَةَ وَقَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى بِالْإِجْمَاعِ وَحَكَى فِي الْفُصُولِ فِيهِ اخْتِلَافًا فَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا، وَقِيلَ: يَنْفُذُ فِيهِمَا. وَفِي الْبَحْرِ قَضَى، ثُمَّ ارْتَشَى، أَوْ ارْتَشَى، ثُمَّ قَضَى أَوْ ارْتَشَى وَلَدُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ ابْنُهُ يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ. الْقَاضِي الْمُوَلَّى أَخَذَ الرِّشْوَةَ، ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ لِيَحْكُمَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ، أَوْ أَخَذَ أُجْرَةَ مِثْلِ الْكِتَابَةِ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِشْوَةٍ لِمَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتْبَةِ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرِ وَعِنْدَهُمَا لِكُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ لَكِنْ لَحِقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ مِثْلُ ذَلِكَ فَفِيهِ خَمْسَةٌ أَيْضًا. وَفِي الْخِزَانَةِ وَمَا قِيلَ: فِي الْأَلْفِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَةٌ، لَا نَقُولُ بِهِ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِفِقْهِ أَصْحَابِنَا وَأَيُّ مَشَقَّةٍ لِلْكَاتِبِ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ مَشَقَّتِهِ وَبِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي صَنْعَتِهِ أَيْضًا كَمَا يُسْتَأْجَرُ الْحَكَّاكُ وَالنَّقَّابُ بِأَجْرٍ كَثِيرٍ فِي مَشَقَّةٍ قَلِيلَةٍ، وَأُجْرَةُ كِتْبَةِ الْقَبَالَةِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا دُفِعَ إمَّا دُفِعَ لِلتَّوَدُّدِ، وَهُوَ حَلَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِمَّا لِصَيْرُورَتِهِ قَاضِيًا وَهُوَ حَرَامٌ مِنْهُمَا، وَإِمَّا لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ وَكَذَا إذَا طَمِعَ

فِي مَالِهِ فَرَشَاهُ بِبَعْضِ الْمَالِ، وَإِمَّا لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ الْوَالِي فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ حَرَامًا فَحَرَامٌ عَلَى الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَحَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ إنْ اشْتَرَطَ وَحَلَالٌ لِلدَّافِعِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَوِّيَ أَمْرَهُ وَأَعْطَاهُ بَعْدَمَا يُسَوِّي اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ بِرٌّ وَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ فَيَحِلُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَالرِّشْوَةُ لَا تُمْلَكُ وَلِذَا يَلْزَمُ الِاسْتِرْدَادُ. (وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا) لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَرًا عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْخَطَأِ (وَقِيلَ لَا) يَصْلُحُ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَالَ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ قَالَ: الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا - وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ -، وَعَلَى امْتِنَاعِهِ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا فَإِنْ جَهِلَ اجْتِهَادَهُ دُونَ عَدَالَتِهِ فَالْمُخْتَارُ مَنْعُ اسْتِفْتَائِهِ بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِهِ إذْ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ. وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْمُفْتِي لَا مِنْ الْقَاضِي إذْ لَا بُدَّ لِلْقَضَاءِ مِنْ صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَحَكَمْتُ، وَأَلْزَمْتُ، أَوْ صَحَّ عِنْدِي، أَوْ ثَبَتَ، أَوْ ظَهَرَ عِنْدِي، أَوْ عَلِمْتُ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَظًّا) مِنْ الْفَظَاظَةِ وَهِيَ خُشُونَةُ الْقَوْلِ (غَلِيظًا) أَيْ شَدِيدًا فِي الْكَلَامِ مُتَفَاحِشًا (جَبَّارًا) أَيْ مُتَكَبِّرًا مُقْبِلًا بِغَضَبٍ (عَنِيدًا) أَيْ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ دَفْعُ الْفَسَادِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِعَيْنِهَا فَسَادٌ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ) الْقَاضِي (مَوْثُوقًا بِهِ) أَيْ مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ (فِي دِينِهِ) بِالِاحْتِرَازِ عَنْ الْحَرَامِ (وَعَفَافِهِ) لِأَنَّهُ مَلَاكُ الدِّينِ (وَعَقْلِهِ) لِأَنَّهُ مَدَارُ التَّكْلِيفِ (وَصَلَاحِهِ) لِأَنَّ فِي ضِدِّهِ الْفَسَادَ (وَفَهْمِهِ) لِيَفْهَمَ الْفَسَادَ وَالْخُصُومَةَ (وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ) وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَقْرِيرًا عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ (وَالْآثَارِ) وَهِيَ مَا يُرْوَى عَنْ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (وَوُجُوهِ الْفِقْهِ) أَيْ طُرُقِهِ قَالَ الْمَوْلَى مِسْكِينٌ: إنَّ الْفِقْهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اسْمٌ لِعِلْمٍ خَاصٍّ فِي الدِّينِ لَا لِكُلِّ عِلْمٍ وَهُوَ عِلْمٌ بِالْمَعَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمُقْتَضَيَاتِهَا، وَإِشَارَتِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَبَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى. وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَفَحَّصَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّيَ مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَانَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» . وَفِي الْأَشْبَاهِ «فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ بِإِعْطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ» ، لَكِنْ فِي زَمَانِنَا تَوْجِيهُ الْقَضَاءِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِقِلَّتِهِ أَوْ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ حَتَّى اُبْتُلِيتُ بِأَنْ أُوَلِّيَ

الْقَضَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْأَمْرُ فَلَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُوَلِّيَ الْأَحَقَّ وَالْأَوْلَى، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنِّي وَعَنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (وَكَذَا الْمُفْتِي) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ. (وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) فِي الْقَاضِي وَالْمُفْتِي، لَا الْجَوَازِ، هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا وَتَسْهِيلًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِي ذُكِرَ فِي الْمُفْتِي وَلَا يُفْتِي إلَّا الْمُجْتَهِدُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُجْتَهِدِ فَقِيلَ: أَنْ يَعْلَمَ الْكِتَابَ بِمَعَانِيهِ، وَالسُّنَّةَ بِطُرُقِهَا، وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمٌ بِهِ يَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ مِنْهُمَا مِنْ الْعَامِّ، وَالْخَاصِّ، وَالْمُشْتَرَكِ، وَالْمُؤَوَّلِ، وَالنَّصِّ، وَالظَّاهِرِ، وَالنَّاسِخِ، وَالْمَنْسُوخِ، وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَالْقِيَاسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُهُ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَلَا لِبَعْضِهِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ بَلْ أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهَا فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّبَحُّرُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ لُغَةً، وَإِعْرَابًا، وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ فَيَكْفِيهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَدِلَّتِهِمْ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ لَهُمْ وَيَدْخُلُ فِي السُّنَّةِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَقِيسُ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ عُرْفِ النَّاسِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ. فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي. وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ - تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي - نَحْوِ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ الْمَشْهُورِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّةِ الْهُدَى تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ خُيِّرَ الْمُفْتِي، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا إلَّا إذَا اصْطَلَحَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْآخَرِ فَيَتْبَعُهُمْ كَمَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ زُفَرَ فِي مَسَائِلَ. وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَلَا يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَإِذَا اخْتَلَفَ يَتْبَعُ مُفْتِيَانِ قَوْلَ الْأَفْقَهِ. وَفِي الْمِنَحِ، وَإِنْ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ كَالْقَضَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ صَاحِبَيْهِ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ. وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهِمَا يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَيَجُوزُ لِلشَّابِّ الْفَتْوَى إذَا كَانَ حَافِظًا لِلرِّوَايَاتِ وَاثِقًا عَلَى الدِّرَايَاتِ مُحَافِظًا عَلَى الطَّاعَاتِ

مُجَانِبًا لِلشَّهَوَاتِ، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَالْجَاهِلُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا. (فَيَصِحُّ تَقْلِيدُ الْجَاهِلِ) عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ (وَيَخْتَارُ) الْمُقَلِّدُ (الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى) لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْقَضَاءِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَالْجَاهِلِ وَمَا قَالَهُ كَانَ أَحْوَطَ فِي زَمَانِهِ وَفِي زَمَانِنَا، الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قُلْنَا لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ سُدَّ بَابُ الْقَضَاءِ انْتَهَى. (وَكُرِهَ التَّقَلُّدُ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ وَالْعَجْزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ) أَيْ كُرِهَ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ لِخَوْفِ الْجَوْرِ أَوْ عَدَمِ إقَامَةِ الْعَدْلِ لِعَجْزِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ أَوْ الْعَجْزَ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَكْفِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالتَّقَلُّدِ (لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَدَاءِ فَرْضِهِ) لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - تَقَلَّدُوهُ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ مُطْلَقًا بِلَا إجْبَارٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ دُعِيَ لِلْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى حُبِسَ وَجُلِدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا حَتَّى قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ تَقَلَّدْتَ لَنَفَعْتَ النَّاسَ، فَنَظَرَ إلَيْهِ شِبْهَ الْمُغْضَبِ، فَقَالَ: لَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَقْطَعَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً لَكُنْتُ أَقْدَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَحْرُ عَمِيقٌ، وَالسَّفِينَةُ وَثِيقٌ، وَالْمَلَّاحُ عَالِمٌ، فَقَالَ الْإِمَامُ كَأَنِّي بِك قَاضِيًا وَذَكَرَ الْبَزَّازِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ أَقْوَالًا حَاصِلُهَا أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْبَلْ الْقَضَاءَ، وَمَاتَ عَلَى الْإِبَاءِ، وَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَحَسَّ بِمَوْتِهِ وَسَجَدَ فَخَرَجَتْ رُوحُهُ سَاجِدًا سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ وَزَادَ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ فَتَوَّجَهُ وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَقَعَ أَنَّهُ جِيءَ بِجِنَازَتِهِ فَازْدَحَمَ النَّاسُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى دَفْنِهِ إلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ يُصَلُّونَ عَلَى قَبْرِهِ الشَّرِيفِ عِشْرُونَ، وَحُرِّرَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ خَمْسُونَ أَلْفًا. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ رُخْصَةٌ طَمَعًا فِي إقَامَةِ الْعَدْلِ بِحَدِيثِ " عَدْلُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ " وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ بِالْحَقِّ وَرُبَّمَا يَظُنُّ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ إلَّا بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ وَلَعَلَّ غَيْرَهُ لَا يُعِينُهُ. (وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ) أَيْ لِلْقَضَاءِ أَوْ تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ لَهُ (فُرِضَ عَلَيْهِ) صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ، يَعْنِي إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَوْمٌ صَالِحُونَ لَهُ فَامْتَنَعُوا عَنْهُ أَثِمُوا كُلُّهُمْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ السُّلْطَانُ فَصْلَ الْقَضَايَا (وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ وَلَا يَسْأَلُهُ) أَيْ مَنْ صَلَحَ لِلْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْأَلَهُ بِلِسَانِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» أَيْ يُلْهِمُهُ الرُّشْدَ وَيُوَفِّقُهُ لِلصَّوَابِ وَكَذَا لَا يَسْأَلُهُ الْإِمَارَةَ. (وَيَجُوزُ تَقَلُّدُهُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ) أَيْ الظَّالِمِ

لِأَنَّ عُلَمَاءَ السَّلَفِ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ أَظْلَمُ زَمَانِهِ (وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ) وَهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي نَوْبَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ: إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا، قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْمُتَغَلِّبُ إذَا وَلَّى رَجُلًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ وَقَضَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ خَالَفَ أَبْطَلَهُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ التَّقَلُّدُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يَصِحُّ وَبِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا يَنْعَزِلُ قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ سُلْطَانُ الْعَدْلِ ثَانِيًا لِأَنَّ الْبَاغِيَ صَارَ سُلْطَانًا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ الْجَائِرِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ، أَيْ يَجُوزُ تَقَلُّدُهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ الْجَائِرُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ. (وَإِذَا تَقَلَّدَ) أَحَدٌ الْقَضَاءَ بَعْدَ عَزْلِ الْآخَرِ (يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرُهَا) مِنْ الصُّكُوكِ وَكِتَابِ نَصْبِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ، لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ وَالْأُخَرَ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي، إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنْ كَانَ الْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا إشْكَالَ فِي وَضْعِهِ فِي يَدِ الْقَاضِي الْجَدِيدِ وَكَذَا مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ اُتُّخِذَتْ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا (وَيَبْعَثُ) الْقَاضِي الْجَدِيدُ (أَمِينَيْنِ) مِنْ ثِقَاتِهِ وَهُوَ أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي (يَقْبِضَانِهَا) أَيْ الْخَرَائِطَ (بِحَضْرَةِ الْمَعْزُولِ أَوْ أَمِينِهِ، وَيَسْأَلَانِهِ) أَيْ الْمَعْزُولَ (شَيْئًا فَشَيْئًا) لِلْكَشْفِ لَا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ (وَيَجْعَلَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ عَلَى حِدَةٍ) فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُسَخِ السِّجِلَّاتِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نَصِيبِ الْأَوْصِيَاءِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نُسَخِ الْأَوْقَافِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الصُّكُوكِ يَجْمَعَانِ فِي خَرِيطَةٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلتَّنَاوُلِ (وَيَنْظُرُ) الْقَاضِي الْجَدِيدُ (فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ - وَالْمُرَادُ الْمَحْبُوسُ فِي سِجْنِ الْقَاضِي - فَيَبْعَثُ الْقَاضِي ثِقَةً يُحْصِيهِمْ فِي السِّجْنِ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ وَسَبَبَ حَبْسِهِمْ وَمَنْ حَبَسَهُمْ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِالْحَقِّ (بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " أَلْزَمَهُ " الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَلْزَمَهُ الْحَبْسَ أَيْ أَدَامَ حَبْسَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) فَلَوْ قَالَ: حَبَسْتُهُ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كُنْتُ حَكَمْتُ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَعَلَّلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ

نَفْسِهِ (وَإِلَّا يُنَادِي عَلَيْهِ) أَيَّامًا فَإِنْ حَضَرَ أَحَدٌ وَادَّعَى - وَهُوَ عَلَى إنْكَارِهِ - ابْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا تَأَنَّى فِي ذَلِكَ أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي (ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ لَكِنْ (بَعْدَمَا اسْتَظْهَرَ فِي أَمْرِهِ) . وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يُخَلِّيهِ حَتَّى يَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي فَيُنَادِي شَهْرًا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أَطْلَقَهُ (وَيَعْمَلُ) أَيْ يَعْمَلُ الْقَاضِي الْجَدِيدُ (فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ) الَّتِي وَضَعَهَا الْمَعْزُولُ فِي أَيْدِي الْأُمَنَاءِ (بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ) لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ. قَيَّدَ بِغَلَّاتِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ إذَا جَحَدَهُ الْوَارِثُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَلَوْ قَالَ الْمَعْزُولُ: إنَّ هَذَا وَقْفُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ سَلَّمْتُهُ إلَى هَذَا وَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ وَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْقَاضِي وَذِي الْيَدِ إنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا إذَا أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْزُولِ بِإِقْرَارِهِ، ثَبَتَ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لِلْمَعْزُولِ سَابِقًا فَصَحَّ إقْرَارُ الْمَعْزُولِ كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ حَالًّا، لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ حَقِيقَةً يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودَعِهِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُودِعِ إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ، وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِالْإِقْرَارِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ فَلْيُرَاجَعْ. (وَيَجْلِسُ) الْقَاضِي (لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) بِهَيْئَةٍ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ جَلَسَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ لَا لِعِبَادَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَلَسَ فِيهِ لِلْحُكْمِ وَقَالَ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْحُكْمِ الْحَدِيثَ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْقَضَاءُ عِبَادَةً فَلَا مَنْعَ لِحُضُورِ الْمُشْرِكِ فِيهِ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي ظَاهِرِهِ، وَالْحَائِضُ تُمْنَعُ عَنْ الدُّخُولِ لَكِنْ تُقْطَعُ خُصُومَتُهَا فِي بَابِ الْمَسْجِدِ (وَالْجَامِعُ أَوْلَى) مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ، هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ وَسَطَ الْبَلَدِ، وَإِلَّا فَيَخْتَارُ الْوَسَطَ مِنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ. (وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ وَأَذِنَ) لِلنَّاسِ (فِي الدُّخُولِ) فِيهَا إذْنًا عَامًّا وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ (فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، وَيُجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ، وَتُبْعِدُ عَنْهُ الْأَعْوَانَ لِأَنَّهُ أَهْيَبُ وَلَا يَحْكُمُ وَهُوَ مَاشٍ أَوْ قَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِشَيْءٍ آخَرَ، وَتُجُوِّزَ أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ، وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ مُسْتَوِيَ الْجُلُوسِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْعِدَ مَعَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَحْوَالِ الْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يُشَاوِرُهُ عِنْدَ الْخُصُومِ بَلْ يُخْرِجُهُمْ أَوْ يُبْعِدُهُمْ، ثُمَّ يُشَاوِرُهُ. وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ

وَيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ قَضَائِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْفَعَ لِشِكَايَتِهِ لِلنَّاسِ وَنِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ جَارَ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَسْمَعْ يُخِلَّ فَرُبَّمَا تُفْسِدُ الْعَامَّةُ عِرْضَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنَّهُ إذَا اخْتَصَمَ إلَيْهِ إخْوَانٌ أَوْ بَنُو الْأَعْمَامِ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ فَيُدَافِعَهُمْ قَلِيلًا كَيْ يَصْطَلِحُوا لِأَنَّ الْقَضَاءَ، وَلَوْ بِحَقٍّ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَضَى الْقَاضِي بِحَقٍّ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْقَضِيَّةَ ثَانِيًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُفْرَضُ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي. (وَلَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي (هَدِيَّةً) وَلَوْ قَلِيلَةً لِأَنَّ قَبُولَهَا يُؤَدِّي إلَى مُرَاعَاةِ الْمُهْدِي فَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي يَتَأَذَّى بِالرَّدِّ يَقْبَلُهَا وَيُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (إلَّا) أَيْ لَهُ أَنْ لَا يَرُدَّهَا (مِنْ قَرِيبِهِ) وَهُوَ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لِأَنَّ فِي رَدِّهَا عَلَيْهِمْ قَطْعِيَّةَ رَحِمٍ وَهِيَ حَرَامٌ (أَوْ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ) قَبْلَ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا) أَيْ لِلْقَرِيبِ أَوْ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ (خُصُومَةٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَادَةِ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا خُصُومَةٌ أَوْ زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ يَرُدُّهَا كُلَّهَا فِي الْأَوَّلِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِي الثَّانِي، وَقَيَّدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ. وَفِي الْبَحْرِ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ حَاكِمِ بَلَدِهِ وَاقْتَصَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَلَى مَنْ وَلَّاهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ (وَيَحْضُرُ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ) لِعَدَمِ كَوْنِهَا لِلْقَضَاءِ إلَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْعَامَّةِ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ (لَا الْخَاصَّةَ) لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقَرِيبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَا إذَا جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ بِهَا أَوْ لَمْ تَجْرِ. وَفِي الْكَافِي: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْمُضَيِّفِ قَرَابَةٌ يُجِيبُهُ بِلَا خِلَافٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ (وَهِيَ) الدَّعْوَةُ الْخَاصَّةُ (مَا لَا يُتَّخَذُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ) الْقَاضِي فَإِنْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَحْضُرْهَا لَا يَتْرُكُهَا فَعَامَّةٌ، وَقِيلَ: إنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَعَامَّةٌ، وَإِلَّا فَخَاصَّةٌ، وَقِيلَ: دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ عَامَّةٌ وَمَا سِوَاهُمَا خَاصَّةٌ (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَفِي الْحَدِيثِ «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ حُقُوقٍ إذَا دَعَاهُ يُجِيبُهُ، وَإِذَا مَرِضَ يَعُودُهُ، وَإِذَا مَاتَ يَحْضُرُهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ يَنْصَحُهُ، وَإِذَا عَطَسَ يُشَمِّتُهُ» وَهُوَ لَا يَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ لَكِنْ لَا يَمْكُثُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنِ الْمَرِيضُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدَهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعُودَ. (وَيَتَّخِذُ مُتَرْجِمًا وَكَاتِبًا عَدْلًا) لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ وَيَجْلِسُ نَاحِيَةً عَنْ الْقَاضِي حَيْثُ يَرَاهُ حَتَّى لَا يُخْدَعُ بِالرِّشْوَةِ (وَيُسَوِّي) الْقَاضِي (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ جُلُوسًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُتَرَبِّعَيْنِ وَلَا مُقْعِيَيْنِ وَلَا مُحْتَبِيَيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَهُمَا

قَدْرُ ذِرَاعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَا أَصْوَاتَهُمَا، وَتَقِفُ أَعْوَانُ الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ التَّقَدُّمِ، أَطْلَقَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَشَمِلَ السُّلْطَانَ وَالشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذِّمِّيَّ وَالْعَبْدَ وَالْحُرَّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَجْلَسَهُمَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَى الْقَاضِي فَتَفُوتُ التَّسْوِيَةُ، وَكَذَا لَوْ أَجْلَسَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ جَانِبَ الْيَمِينِ أَفْضَلُ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى خَاصَمَ السُّلْطَانُ مَعَ رَجُلٍ فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ، وَيُجْلِسَ خَصْمَ السُّلْطَانِ فِيهِ، وَيَقْعُدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى. وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَقْتَ مَوْتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي لَا أَمِيلُ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى بِالْقَلْبِ إلَّا فِي خُصُومَةِ النَّصْرَانِيِّ مَعَ الرَّشِيدِ وَلَمْ أُسَوِّ بَيْنَهُمَا وَقَضَيْتُ عَلَى الرَّشِيدِ، ثُمَّ بَكَى (وَإِقْبَالًا وَنَظَرًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْجُلُوسِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ» ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ التَّسْوِيَةِ كَسْرَ قَلْبِ الْآخَرِ (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ لَا يُكَلِّمُ الْقَاضِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ سِرًّا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَلَا بِرَأْسِهِ وَلَا بِعَيْنِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ (وَلَا يُضِيفُهُ) أَيْ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ (دُونَ الْآخَرِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُمَا مَعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَلَا يَضْحَكُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى أَحَدِهِمَا (وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا يَتَلَطَّفُ بِهِ (وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُهْمَةٌ وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَلِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ الْقَلْبِ لِلْآخَرِ. (وَيُكْرَهُ تَلْقِينُهُ) أَيْ تَلْقِينُ الْقَاضِي (الشَّاهِدَ بِقَوْلِهِ أَتَشْهَدُ بِكَذَا) لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَسْتَفِيدُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي زِيَادَةَ عِلْمٍ فَتُوجَدُ إعَانَتُهُ وَهِيَ تُهْمَةٌ (وَاسْتَحْسَنَهُ) أَيْ التَّلْقِينَ (أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ أَعْلَمُ مَكَانَ أَشْهَدُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ نَوْعُ رُخْصَةٍ عِنْدَهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ، وَالْعَزِيمَةُ فِيمَا قَالَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تُهْمَةٍ. وَفِي الْفَتْحِ: وَظَاهِرُ الْجَوَابِ تَرْجِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْقُنْيَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ، وَأَمَّا إفْتَاءُ الْقَاضِي فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يُفْتِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ. قَيَّدَ بِالشَّاهِدِ: الْبَيَانُ أَنَّهُ لَا يُلَقِّنُ الْمُدَّعِيَ بِالْأَوْلَى وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ لِيُعْلِمَاهُ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (وَلَا يَبِيعُ) الْقَاضِي (وَلَا يَشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: وَلَا فِي غَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَسَاهَلُونَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ، هَذَا إذَا كَانَ يُكْفَى الْمَئُونَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يُعَامِلُ مَنْ بِجَانِبِهِ، وَإِلَّا لَا يُكْرَهُ وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْمَدْيُونِ أَوْ الْمَيِّتِ لَا يُكْرَهُ (وَلَا يُمَازِحُ) لِإِذْهَابِهِ هَيْبَةَ الْقَضَاءِ (فَإِنْ عَرَضَ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ غَضَبٌ

فصل في الحبس

أَوْ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ أَوْ حَاجَةٌ) بِشَرْبَةٍ (كَفَّ عَنْ الْقَضَاءِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» . وَفِي رِوَايَةٍ «وَهُوَ شَبْعَانُ» وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّفَكُّرِ، وَهَذِهِ الْأَعْرَاضُ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّفَكُّرِ فَلَا يُؤْمَنُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَطَأِ وَيُكْرَهُ لَهُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ يَوْمَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْجُوعِ، وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ بِطُولِ الْجُلُوسِ وَيَقْعُدُ طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَإِذَا طَمِعَ فِي إرْضَاءِ الْخُصُومِ رَدَّهُمَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ ظُلْمٌ. وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ يَأْثَمُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَيُعَزَّرُ وَيُكَفَّرُ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ افْتِرَاضَ الْقَضَاءِ بَعْدَ تَوَفُّرِ شَرَائِطِهِ. (، وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ فَإِنْ شَاءَ قَالَ لَهُمَا) أَيْ لِلْخَصْمَيْنِ (مَا لَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ) وَالسُّكُوتُ أَحْسَنُ كَيْ لَا يَكُونَ تَهْيِيجًا لِلْخُصُومَةِ وَقَدْ قَعَدَ لِقَطْعِهَا (وَإِذَا تَكَلَّمَ أَحَدُهُمَا أَسْكَتَ الْآخَرَ) لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا جُمْلَةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَهْمِ. [فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ] فَصَلِّ لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَتَعَلَّقَ بِهِ أَحْكَامٌ أَفْرَدَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي وَطَلَبَ) الْمُدَّعِي (حَبْسَ خَصْمِهِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَحْبِسُهُ) أَيْ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ (إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَبَى) فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ لِظُهُورِ الْمُمَاطَلَةِ. (وَإِنْ ثَبَتَ) أَيْ الْحَقُّ الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَوْ دَانِقًا (بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ) إنْ طَلَبَ الْخَصْمُ حَبْسَهُ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِالْإِنْكَارِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: يَحْبِسُهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ (وَقِيلَ لَا) يُحْبَسُ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ رُبَّمَا تَعَلَّلَ بِهِ، وَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ إلَّا السَّاعَةَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصِفَةُ الْحَبْسِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِهِ فِرَاشٌ وَلَا طَاقٌ وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ إلَّا أَقَارِبَهُ وَجِيرَانَهُ وَلَا يَمْكُثُونَ عِنْدَهُ طَوِيلًا وَلَا يَخْرُجُ لِجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَلَا لِجَمَاعَةٍ وَلَا لِحَجِّ فَرْضٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ وَلَوْ بِكَفِيلٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ يَخْرُجُ بِالْكَفِيلِ لِجِنَازَةِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا يَخْرُجُ لِمَوْتِ قَرِيبِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ. وَفِي رِوَايَةٍ يَخْرُجُ وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُجَهِّزُهُ، وَلَا يُضْرَبُ الْمَحْبُوسُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ فَيُضْرَبُ، وَلَا يُغَلُّ إلَّا إذَا خِيفَ أَنَّهُ يَفِرُّ فَيُقَيِّدُهُ، وَلَا يُجَرَّدُ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً، وَتَعْيِينُ مَكَانِ الْحَبْسِ لِلْقَاضِي إلَّا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي مَكَانًا آخَرَ (فَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ مَا لَزِمَهُ

بَدَلَ مَالٍ) وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِ (كَالثَّمَنِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأُجْرَةَ الْوَاجِبَةَ لِأَنَّهَا ثَمَنُ الْمَنَافِعِ، وَشَمِلَ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَمَا عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِإِقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَشَمِلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْقَرْضِ) لِثُبُوتِ غَنَائِهِ بِحُصُولِ الْمَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ (أَوْ) لَزِمَهُ (بِالْتِزَامِهِ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ) قَيَّدَ بِالْمُعَجَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي الْمُؤَجَّلِ وَيُصَدَّقُ فِي الْإِعْسَارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْأَصْلِ لَا يُصَدَّقُ فِي الصَّدَاقِ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ مُؤَجَّلِهِ وَمُعَجَّلِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (وَالْكَفَالَةِ) إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الِالْتِزَامِ دَلِيلُ الْيَسَارِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَتَمَكَّنُ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْ حَبْسِ الْكَفِيلِ وَالْأَصِيلِ وَكَفِيلِ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجَّحَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ، مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ وَلَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ وَكَذَا يُقَدَّمُ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، وَقِيلَ الْقَوْلُ لِلْمَدْيُونِ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ لِلدَّائِنِ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ يُحْكَمُ بِالزِّيِّ إلَّا فِي الْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (لَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) أَيْ لَا يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ فِيمَا سِوَى تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ كَبَدَلِ الْغَصْبِ، وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالنَّفَقَةِ، وَإِعْتَاقِ الْإِمَاءِ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَبَدَلِ الْكِتَابَاتِ إنْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْفَقْرَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّ الْعُسْرَةُ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ الْغَنَاءُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ (إلَّا إذَا بَرْهَنَ خَصْمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا وَيَحْبِسُهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ حِينَئِذٍ (مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ (مَالٌ لَأَظْهَرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ) وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّخْصِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْمَالِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ شَهْرٍ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ حَتْمًا (وَقِيلَ) يَحْبِسُهُ (شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: حَلِّفْهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ إعْسَارَهُ فَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ بِطَلَبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يَحْبِسُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْغَنَاءِ قُدْرَةٌ الْآنَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَوْ كَانَ لِلْمَحْبُوسِ مَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ يُطْلِقُهُ بِكَفِيلٍ، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي عُسْرَةً لَكِنْ لَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ يَتَقَاضَى غَرِيمَهُ فَإِنْ حَبَسَ غَرِيمَهُ الْمُوسِرَ لَا يَحْبِسُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُ الْمَدْيُونَ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا غَائِبًا أَوْ مَحْبُوسًا مُوسِرًا، وَأَنَّهُ يُطْلِقُهُ إذَا عَلِمَ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الْمَحْبُوسِ بَعْدَ حَبْسِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ قَامَتْ عَلَى إعْسَارِهِ أَطْلَقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ

إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطِهِ. وَالصُّغْرَى: فِي الْعَدْلِ الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ: إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِهَا حُضُورُ رَبِّ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا سَمِعَهَا وَأَطْلَقَهُ بِكَفِيلٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ) أَيْ لِلْمَحْبُوسِ (مَالٌ) بَعْدَ سُؤَالِهِ عَنْهُ (خَلَّى سَبِيلَهُ) أَيْ خَلَّى الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ، لِأَنَّ عُسْرَتَهُ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ فَاسْتَحَقَّ النَّظَرَ إلَى الْمَيْسَرَةِ لِلْآيَةِ، فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا (إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ خَصْمُهُ عَلَى يَسَارِهِ) بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَالِ (فَيُؤَبِّدَ حَبْسَهُ) لِظُهُورِ أَنَّهُ يُصِرُّ عَلَى ظُلْمِهِ مِنْ مَنْعِ حَقِّ أَخِيهِ فَيُجَازَى بِتَأْبِيدِ حَبْسِهِ (وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى إعْسَارِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ، عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ إلَّا إذَا قَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَانٍ عَلَى عُسْرَةٍ فَتُقْبَلُ، لِأَنَّ الْعَسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ عَارِضٌ أَيْضًا فَيُخَلِّيهِ الْقَاضِي بِلَا كَفِيلٍ إلَّا فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَالِ الْوَقْفِ وَمَالِ الْغَائِبِ فَلَا يُطْلِقُهُ إلَّا بِكَفِيلٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَ الْقَاضِي الْمَحْبُوسَ لِإِفْلَاسِهِ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مَالًا وَادَّعَى أَنَّهُ مُوسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْلَمَ غِنَاهُ. (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ لِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَلَا يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَلَكِنْ لَا تَسْقُطُ إنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ (لَا وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ وَلَدِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَهُ بِشَيْءٍ، وَهُوَ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَامْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِ وَلَدِهِ، وَقُلْنَا لَا يُحْبَسُ فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَّا بَاعَهُ لِلْقَضَاءِ كَبَيْعِهِ مَالَ الْمَحْبُوسِ الْمُمْتَنِعِ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَقَارِهِ كَمَنْقُولِهِ. وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ: أَبِيعُ عَرَضِي وَأَقْضِي دَيْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَوْ لَهُ عَقَارٌ يَحْبِسُهُ وَلْيَبِعْهُ، وَيَقْضِي الدَّيْنَ وَلَوْ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ. قَيَّدَ بِدَيْنِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُحْبَسُ بِدَيْنِ أَصْلِهِ، وَيُحْبَسُ الْقَرِيبُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (إلَّا إنْ أَبَى) الْوَالِدُ (مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلَدِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْبَسُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ قَصَدَ إهْلَاكَهُ فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُ، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ لِدَيْنِ

الْمَوْلَى، وَالْمَوْلَى يُحْبَسُ بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَيُحْبَسُ بِدَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ مَرِضَ) الْمَحْبُوسُ (فِي الْحَبْسِ لَا يُخْرَجُ) مِنْ الْحَبْسِ (إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَبْسِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِيُضْجِرَ قَلْبَهُ فَيَتَسَارَعَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَبِالْمَرَضِ يَزْدَادُ ضَجَرُهُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ فِيهِ (أُخْرِجَ) مِنْ الْحَبْسِ بِكَفِيلٍ لِئَلَّا يَهْلِكَ كَمَا لَوْ مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُخْرِجُهُ، وَالْهَلَاكُ فِي السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ (وَلَا يُمَكَّنُ الْمُحْتَرِفُ مِنْ اشْتِغَالِهِ) بِالْحِرْفَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْحَبْسِ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَقِيلَ: لَا يُمْنَعُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ عَسَى تَكُونُ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يُؤَاجِرُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ آجَرَهُ وَأَدَّى دَيْنَهُ بِمَا سِوَى قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ (وَيُمَكَّنُ مِنْ وَطْءِ جَارِيَتِهِ إنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي السِّجْنِ (خَلْوَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي السِّجْنِ مَوْضِعُ سُتْرَةٍ لِأَنَّ اقْتِضَاءَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ كَاقْتِضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ، وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ، انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ وُصُولِ امْرَأَتِهِ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ. (وَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ) لِلْحَبْسِ عَلَى الِاخْتِلَافِ (وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) هَذَا تَكْرَارٌ لَكِنْ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ (بَلْ يُلَازِمُونَهُ) لِأَنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ إلَى زَمَانِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيفَاءِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَيُلَازِمُونَهُ كَيْ لَا يُخْفِيَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكْتَسِبُ فَوْقَ حَاجَتِهِ الدَّارَّةِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ فَضْلَ كَسْبِهِ (وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ) تَفْسِيرٌ لِلْمُلَازَمَةِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَدُورُونَ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ) بِلَا اخْتِيَارِهِ أَوْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي (وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ فِي الْقُوَّةِ لَكِنَّ الْمَدْيُونَ لَوْ آثَرَ أَحَدَ الْغُرَمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَهُ ذَلِكَ (وَالْمُلَازَمَةُ أَنْ يَدُورُوا مَعَهُ حَيْثُ دَارَ فَإِنْ دَخَلَ دَارِهِ) لَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ، وَ (جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ) إلَى أَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ. (وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (لَا يُلَازِمُهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ (بَلْ يَبْعَثُ امْرَأَةً) أَمِينَةً (تُلَازِمُهَا وَقَالَا إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ إذَا حَكَمَ بِإِفْلَاسِهِ (يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) أَيْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا مُلَازَمَتَهُ (إلَى أَنْ يُبَرْهِنُوا أَنَّ لَهُ مَالًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ

فصل في كتاب القاضي

وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنُوا إلَى آخِرِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْعَسَارِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا. [فَصْلٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي] وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا لِقَاضِيَيْنِ كَانَ مُرَكَّبًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ وَالْبَسِيطُ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ، وَتَرَكَ قَوْلَهُ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لِأَنَّ هَذَا الْفَصْلَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ بَيَّنَ فِيهِ السِّجِلَّ وَالْمَحْضَرَ وَالصَّكَّ وَالْوَثِيقَةَ (إذَا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ) أَيْ الْقَاضِي (بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِمْ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَشَرْطِ الْحُكْمِ، وَهُوَ حُضُورُ الْخَصْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ الْحَاضِرِ مَنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مُسَخَّرًا، وَهُوَ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ تَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْكِتَابِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْخَصْمَ حَاضِرٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى غَائِبٍ لَا يَحْكُمُ وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالذَّاتِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَكَتَبَ) الْقَاضِي (بِالْحُكْمِ) لِئَلَّا يَنْسَى الْوَاقِعَةَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا، وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (وَهُوَ) أَيْ كِتَابُ الْحُكْمِ (السِّجِلُّ) الْحُكْمِيُّ لِأَنَّهُ سَجَّلَهُ أَيْ أَحْكَمَهُ بِالْحُكْمِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: السِّجِلُّ كِتَابُ الْقَاضِي، وَسَجَّلَ الْقَاضِي بِالتَّشْدِيدِ قَضَى وَحَكَمَ وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ فِي السِّجِلِّ. وَفِي الْبَحْرِ فَالسِّجِلُّ الْحُجَّةُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي، وَلَكِنَّ هَذَا، وَفِي عُرْفِنَا السِّجِلُّ كِتَابٌ كَبِيرٌ يُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي وَمَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى) الْخَصْمِ الـ (غَائِبِ) بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ وَيُشْتَرَطُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَسِيرَةُ السَّفَرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيمَا لَا يُرْجَعُ فِي يَوْمِهِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لَا يُحْكَمُ) لِعَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَنَا وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يُنَفِّذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ، وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ حَنَفِيًّا فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ لِقَوْلِهِ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيًّا كَمَا سَيَأْتِي (بَلْ يَكْتُبُ) الْقَاضِي (بِهَا) أَيْ بِالشَّهَادَةِ إلَى قَاضٍ يَكُونُ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ (لِيَحْكُمَ) الْقَاضِي (الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) عَلَى وَجْهِ الْخَصْمِ كَيْ لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ (وَهُوَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِهِ ظَاهِرٌ (وَالْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ (وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ

فِي الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا، وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهَا وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ، إذَا كَانَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَوْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ مَجْلِسَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ عَمَّا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْقَاضِي فَكَيْفَ بِالْكِتَابِ وَفِيهِ شُبْهَةُ التَّزْوِيرِ، إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَالْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ إلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِحْسَانًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَّزَهُ لِذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ (وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ مَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَيَصِيرُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ، وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا قِيلَ فِيهِ شُبْهَةُ التَّبْدِيلِ وَالتَّزْوِيرِ وَهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبُهَاتِ (كَالدَّيْنِ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ (وَالْعَقَارِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يُعْرَفُ بِالتَّحْدِيدِ (وَالنِّكَاحِ) سَوَاءٌ ادَّعَى الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ، وَكَذَا الطَّلَاقُ إنْ ادَّعَتْ عَلَى الزَّوْجِ (وَالنَّسَبِ) مِنْ قِبَلِ الْحَيِّ أَوْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَبِيلَةِ (وَالْغَصْبِ) إذْ فِيهِ يَلْزَمُ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَيْنٌ (وَالْأَمَانَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا كَالْمَغْصُوبَيْنِ حُكْمًا قَيَّدَهُمَا بِالْمَجْحُودَتَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَجْحُودَتَيْنِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي، وَكَذَا الشُّفْعَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْوَفَاةُ وَالْوِرَاثَةُ وَالْقَتْلُ الَّذِي يُوجِبُ الْمَالَ لِأَنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا يُعْرَفُ بِالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَالْبَعْضَ الْآخَرَ يُعْرَفُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ فِي الْعَيْنِ الْمَنْقُولِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَنَحْوِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَغْلِبُ فِيهِ لَا فِي الْأَمَةِ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ (وَ) رُوِيَ (عَنْ مُحَمَّدٍ قَبُولُهُ فِي كُلِّ مَا يُنْقَلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ) . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الثَّانِي، وَعَمَلُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ عَلَى التَّجْوِيزِ فِي الْكُلِّ لِلْحَاجَةِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ وَيَذْكُرَ نَسَبَهُمَا) بِأَنْ يَقُولَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَعْلُومُ الْخَمْسَةُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَإِنْ شَاءَ قَالَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ (وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ) الْكِتَابُ (مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) حَتَّى لَا يُبْطَلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَقْرَؤُهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ الْكِتَابَ (عَلَى مَنْ يُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ)

لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَيُعْلِمُهُمْ بِمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ إنْ لَمْ يَقْرَأْ إذْ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (وَتَكُونُ أَسْمَاؤُهُمْ) أَيْ أَسْمَاءُ شُهُودِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا أَنْسَابُهُمْ (دَاخِلَةً) فِي كِتَابِهِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ: وَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ، وَذَلِكَ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا، وَبِذِكْرِ الْحَقِّ فِيهِ، وَبِذِكْرِ شُهُودِ الْأَصْلِ وَأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ لِأَجْلِ التَّمْيِيزِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا يَكْتَفِي بِاسْمِهِ الْمَشْهُورِ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي دَاخِلِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ، قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا الْعُنْوَانُ يُكْتَبُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيُعْمَلُ بِهِ. وَفِي الدُّرَرِ وَيَكْتُبُ تَارِيخَ الْكِتَابِ وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ التَّارِيخَ لَا يَقْبَلُهُ (وَيَخْتِمُهُ) أَيْ الْكَاتِبُ (بِحَضْرَتِهِمْ) أَيْ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ (وَيَحْفَظُوا) أَيْ الشُّهُودُ (مَا فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ (وَيُسَلِّمُهُ) أَيْ الْكِتَابَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الشُّهُودِ دَفْعًا لِتُهْمَةِ التَّغْيِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَأَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (سِوَى إشْهَادِهِمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا. قِيلَ إذَا كَانَ الْكِتَابُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي يُفْتِي بِأَنَّ الْخَتْمَ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الشُّهُودِ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَاخْتَارَ) الْإِمَامُ (السَّرَخْسِيُّ قَوْلَهُ) أَيْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا (وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ) يَعْنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ اُبْتُلِيَ بِقَضَاءٍ وَعَايَنَ مَا فِيهِ قَالَ فِيهِ مِثْلَ مَا قَالَا وَلَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَعَايَنَ بِمَا فِيهِ قَالَ: جَمِيعُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ تَسْهِيلًا عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قَالَا (وَإِذَا وَصَلَ) الْكِتَابُ (إلَى) الْقَاضِي (الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) أَيْ لَا يَأْخُذُ الْكِتَابَ إلَّا وَقْتَ حُضُورِ الْخَصْمِ لِأَنَّهُ لِإِلْزَامِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُضُورَهُ شَرْطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْكِتَابِ لَا شَرْطُ قَبُولِ الْكِتَابِ. (وَ) إلَّا (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَأَيْضًا كِتَابُ الْقَاضِي مُلْزِمٌ إذْ يَجِبُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِهِ وَلَا إلْزَامَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانِ) بْنِ (فُلَانٍ الْقَاضِي) وَالْجُمْلَةُ مَفْعُولُ قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ الْكِتَابَ إلَى الْمُدَّعِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ (قَرَأَهُ عَلَيْنَا) وَأَخْبَرَنَا بِهِ (وَخَتَمَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ) كُلُّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَذْهَبِ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَكْفِي شَهَادَةُ (أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ) الْقَاضِي (وَخَتْمُهُ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولُوا قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَسَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ) فَيَكْفِيهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ شُهُودِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُمْ

يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ إذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ كَوْنَهُ كِتَابَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى الشُّهُودِ (فَإِذَا شَهِدُوا) سَوَاءٌ عَلَى مَا قَالَاهُ أَوْ عَلَى مَا قَالَهُ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (فَتَحَهُ) أَيْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ تَجْوِيزِ الْفَتْحِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْكِتَابِ وَالْخَتْمِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يُخَالِفُ شَهَادَتَهُمْ رَدَّهُ (وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْخَصْمُ: لَسْت بِفُلَانٍ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْقَبِيلَةِ اثْنَيْنِ بِهَذَا النَّسَبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ، وَعَزْلِهِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ) إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَا بِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ كَالْجُنُونِ وَالْفِسْقِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ كَالْعَزْلِ وَالْإِخْرَاجِ حُكْمًا لِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الرَّعَايَا، فَكِتَابُهُ لَا يُقْبَلُ كَخِطَابِهِ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ بَعْدَمَا قَرَأَ الْكِتَابَ لَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ مَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ الْوُصُولِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَقْضِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (، وَ) يَبْطُلُ (بِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ) وَعَزْلِهِ (إلَّا إنْ كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ) أَيْ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّ الْغَيْرَ صَارَ تَبَعًا لِلْمَعْرُوفِ لِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ، عَلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا لِعَدَمِ التَّعْرِيفِ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ (لَا) يَبْطُلُ (بِمَوْتِ الْخَصْمِ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى وَارِثِهِ) أَيْ وَارِثِ الْخَصْمِ الْمُتَوَفَّى فَإِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَكَذَا يَنْفُذُ عَلَى وَصِيِّهِ سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ قَبْلَ مَوْتِ الْخَصْمِ أَوْ بَعْدَهُ، أَطْلَقَ الْخَصْمَ فَشَمِلَ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَإِذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَحَلِّهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ) مِنْ غَيْرِ شَاهِدٍ حَتَّى إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ زَيْدًا غَصَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ عَنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي، وَهَذَا جَوَابُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ. وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ لِأَبِي الْمَكَارِمِ وَهَلْ يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ نَعَمْ إذَا عَلِمَ فِي مِصْرِهِ حَالَ قَضَائِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا، وَقَالَ: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَفِي حُدُودٍ - هِيَ حَقُّ اللَّهِ - كَحَدِّ الزِّنَاءِ وَالشُّرْبِ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَفِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ يَقْضِي بِهِ، وَإِذَا عَلِمَ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ قَبْلَ قَضَائِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ فَحَضَرَ مِصْرَهُ، ثُمَّ رُفِعَتْ الْحَادِثَةُ إلَيْهِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ الْعِلْمِ، وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ

فصل قضاء المرأة في غير حد وقود

عَلَى قَوْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَاضِيًا عَلَى الرُّسْتَاقِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ عَلِمَ بِحَادِثَةٍ فِي مِصْرٍ فَعُزِلَ، ثُمَّ أُعِيدَ فَعِنْدَهُ لَا يَقْضِي وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي. [فَصَلِّ قَضَاء الْمَرْأَة فِي غَيْر حَدّ وقود] فَصَلِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إذَا كَانَ سِجِلًّا اتَّصَلَ بِهِ قَضَاؤُهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إمْضَاؤُهُ إذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فَإِنَّ الرَّأْيَ لَهُ فِي التَّنْفِيذِ وَالرَّدِّ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى بَيَانِ تَعْدَادِ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ بِذِكْرِ أَصْلٍ يَجْمَعُهَا، وَهَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ذَلِكَ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ. (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ) فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَكِنْ أَثِمَ الْمُوَلِّي لَهَا لِلْحَدِيثِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) إذْ لَا يَجْرِي فِيهَا شَهَادَتُهَا، وَكَذَا قَضَاؤُهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَوْ قَضَتْ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْخُنْثَى فَيَصِحُّ بِالْأَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ لِشُبْهَةِ الْأُنُوثَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَا يُسْتَخْلَفُ قَاضٍ) عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ خَلِيفَتِهِ وَلَوْ مَرِيضًا. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّهُ نَافِذٌ فَلَا يُبْطِلُهُ حَاكِمٌ اعْتِبَارًا بِالْحُكْمِ (إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) الِاسْتِخْلَافُ بِأَنْ قِيلَ مِنْ قِبَلِ الْمُقَلِّدِ: وَلِّ مَنْ شِئْتَ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ بِالْإِذْنِ دَلَالَةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَلَوْ جُعِلَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ كَانَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْقَضَاءِ تَقْلِيدًا وَعَزْلًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْخَلِيفَةُ إذَا أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ثُمَّ وَثُمَّ، فَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمَأْمُورُ بِالِاسْتِخْلَافِ رَجُلًا فَقَضَى لِلْقَاضِي الَّذِي اسْتَنَابَهُ أَوْ وَلِيَهُ مُسْتَنِيبُهُ جَازَ قَضَاؤُهُ وَيَقْضِي النَّائِبُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَ الْأَصْلِ، وَعَكْسُهُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِكَلَامِ النَّائِبِ، أَمَّا النَّائِبُ يَقْضِي بِكَلَامِ الْقَاضِي إذَا أَخْبَرَهُ (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْجُمُعَةِ) فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا فِي الِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً، وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ (وَإِذَا اسْتَخْلَفَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ) الِاسْتِخْلَافُ (فَنَائِبُهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ صَارَ نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ: اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ (وَلَا) يَنْعَزِلُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (بَلْ هُوَ نَائِبُ الْأَصْلِ) حَقِيقَةً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي انْعَزَلَ بِمَوْتِهِ كَمَا فِي هِدَايَةِ النَّاطِفِيِّ وَلَمْ يَنْعَزِلْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَإِلَى أَنَّ قَاضِيَ أَمِيرِ النَّاحِيَةِ انْعَزَلَ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ حَيْثُ لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي كَمَا لَا يَنْعَزِلُ أُمَرَاؤُهُ. وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ: وَنَائِبُ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ نَائِبُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَفِي الْمُحِيطِ: إذَا عُزِلَ السُّلْطَانُ انْعَزَلَ نَائِبُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ

الْقَاضِي حَيْثُ لَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ هَكَذَا قِيلَ وَلَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي إذَا عُزِلَ السُّلْطَانُ مَا لَمْ يَصِلْ الْخَبَرُ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَائِبِهِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي إذَا قَالَ: عَزَلْتُ نَفْسِي أَوْ أَخْرَجْتُ نَفْسِي وَسَمِعَ السُّلْطَانُ يَنْعَزِلُ، وَإِلَّا لَا، وَقِيلَ لَا يَنْعَزِلُ أَصْلًا لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ (وَغَيْرُ الْمُفَوَّضِ) إلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ (إنْ قَضَى نَائِبُهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ) قَضَى (بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ) الْأَصِيلُ عِنْدَ اسْتِمَاعِهِ (جَازَ) قَضَاؤُهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ وُجِدَ (كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) أَيْ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاشَرَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَ عَمَلَهُ جَازَ. (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ قَاضٍ آخَرَ فِي أَمْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ) قِيلَ هُوَ زَمَانُ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي الْأَصَحِّ (أَمْضَاهُ) الْقَاضِي الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُخَالِفًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَتَى لَاقَى مُجْتَهَدًا فِيهِ يَنْفُذُ وَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ لِأَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِالْقَضَاءِ بِهِ، وَلَا يُنْقَضُ بِمَا دُونَهُ (إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ) كَالْقَضَاءِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا إذْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ} [الأنعام: 121] كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُمَثَّلَ الْقَضَاءُ بِتَقْدِيمِ الْوَارِثِ عَلَى الْمَدْيُونِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ نَافِذٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ) كَالْقَضَاءِ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَةَ بِنِكَاحِ الثَّانِي بِلَا وَطْءٍ، إذْ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ (أَوْ الْإِجْمَاعَ) كَالْقَضَاءِ بِحِلِّ مُتْعَةِ النِّسَاءِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى فَسَادِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِفَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَاتَّفَقَ وُقُوعُ قَضَائِهِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي تَنْفِيذُهُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ - يَعْنِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ، انْتَهَى. فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ قُضَاةَ زَمَانِنَا غَالِبًا لَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِمَذَاهِبِهِمْ فَضْلًا عَنْ عِلْمِهِمْ بِمَذَاهِبِ بَقِيَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ خِلَافُ الْبَعْضِ) كَالْحُكْمِ بِجَوَازِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لِأَنَّ هَذَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَكِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنْكَرُوا وَرَدُّوا عَلَيْهِ. قِيلَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يُعْتَبَرُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَلِّ فِي مُقَابَلَةِ اتِّفَاقِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ رُبَّمَا خَالَفَ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ، وَلَمْ يَقُولُوا نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْكُمْ، يُقَالُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ خِلَافٌ، وَفِي الْأُصُولِ اخْتِلَافٌ فَافْتَرَقَا، وَذَلِكَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ إذَا خَالَفَهُمْ إنْ جَوَّزُوا لَهُ يَكُونُ اخْتِلَافًا، وَإِنْ لَمْ يُجَوِّزُوا

يَكُونُ خِلَافًا. وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَدَبِ: لَوْ قَضَى فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ يَجُوزُ وَفِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ، أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُعْتَبَرٌ كَالْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَفِ، وَأَرَادَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا، وَلَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ الْخِلَافُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَوْلِ الْمَهْجُورِ لِكَوْنِهِ مُقَابِلًا لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ الْخِلَافُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ مُقَرِّرٍ، وَالِاخْتِلَافُ قَوْلٌ بِدَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ، وَقِيلَ الْخِلَافُ مِنْ آثَارِ الْبِدْعَةِ، وَالِاخْتِلَافُ مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ. (وَالْقَضَاءُ بِحِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ يَنْفُذُ ظَاهِرًا) أَيْ فِيمَا بَيْنَنَا (وَبَاطِنًا) أَيْ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِشَهَادَةِ زُورٍ إذَا اُدُّعِيَ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ) مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْإِقَالَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالنَّسَبِ، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِشَهَادَةِ الزُّورِ) وَإِنْ نَفَذَ ظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ فَرَّعَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ بِهِ حَلَّ لَهَا تَمْكِينُهُ) أَيْ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةَ زُورٍ، وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَحَلَّ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ الْوَطْءِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ - قَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي، فَقَالَ عَلِيٌّ: شَاهِدَاك زَوَّجَاك، وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِقَوْلِهَا مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ كَوْنِ الشُّهُودِ زُورًا بِدَلَالَةِ الْقِصَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ مُكَلَّفٌ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَيَجِبُ التَّعْدِيلُ عَلَيْهِ، إذْ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ مُتَعَذِّرٌ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْكُفَّارِ وَالْعَبِيدِ، وَالْحُكْمِ عَلَى نِكَاحِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ، إذْ الْوُقُوفُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُمْكِنٌ وَلَا يَلْزَمُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي إنْشَاءِ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ وَكَذَا لَا يَلْزَمُ حُضُورُ الِاثْنَيْنِ فِي خُصُوصِ النِّكَاحِ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الْقَضَاءِ ثَبَتَ اقْتِضَاءً لَا صَرِيحًا فَلَا تُرَاعَى شَرَائِطُهُ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ فِي الظَّاهِرِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْبَاطِنِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَأَثِمَ الشَّاهِدَانِ إثْمًا عَظِيمًا، وَلَا بُدَّ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ زِيَادَةِ قَيْدٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَحَلِّ مَانِعٌ لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ فِيمَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إنْشَائِهِ أَصْلًا لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشُهُودِ زُورٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُطَلِّقْهَا لَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَحِلُّ لَهُ وَلَا يَحِلُّ لِلثَّانِي إذَا عَلِمَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ سِرًّا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي (وَفِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ (لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا اتِّفَاقًا) لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْإِنْشَاءِ

فِي نَفْسِ الْمِلْكِ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا فِي الصَّرِيحِ كَمَنْ ادَّعَى أَمَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْتهَا مَثَلًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ. (وَالْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ) وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ (نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا) (لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ (وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَنْفُذُ لَوْ) قَضَى (نَاسِيًا. وَفِي الْعَمْدِ رِوَايَتَانِ) عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ. وَفِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ، فَفِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْفَتْحِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى، وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ إنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ سَمَاعِهَا وَلَوْ سَمِعَهَا وَقَضَى لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الْحَادِثَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَضِيَّةٍ فِي عَصْرٍ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي عَصْرٍ آخَرَ هَلْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَهُ يَرْتَفِعُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَكُونُ الْخِلَافُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ. (وَلَا يَقْضِي) الْقَاضِي أَيْ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ (عَلَى غَائِبٍ) وَلَا يَقْضِي لَهُ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ لَمْ تَعْمَلْ إلَّا إذَا سَلِمَتْ عَنْ الطَّعْنِ، وَالطَّاعِنُ غَائِبٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَضَى لِلْغَائِبِ أَوْ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ خَصْمٍ حَاضِرٍ، قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَلِذَا فَسَّرْنَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِقَوْلِهِمْ إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي نَفَاذِهِ، فَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ، وَقِيلَ يَنْفُذُ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْفَتْحِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ، قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ، وَنَحْنُ نُفْتِي بِعَدَمِ النَّفَاذِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، لَكِنْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي شَافِعِيًّا يَرَاهُ أَوْ حَنَفِيًّا لَا يَرَاهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقٍّ لَمْ يَرَاهُ لِاجْتِمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ، وَلَوْ كَانَ أَعَمَّ لَزِمَ هَدْمُ مَذْهَبِنَا (إلَّا بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ أَيْ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا لَهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ) وَأَبِيهِ، وَوَصِيِّ الْمَيِّتِ، وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْغَائِبِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ بِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ (أَوْ شَرْعًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَقِيقَةً أَيْ بِإِقَامَةِ الشَّرْعِ عَنْهُ (كَوَصِيٍّ نَصَّبَهُ

الْقَاضِي) كَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَيِّتًا وَلَهُ صَغِيرٌ قَدْ نَصَّبَ لَهُ وَصِيًّا (أَوْ حُكْمًا) لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ (بِأَنْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا) لَازِمًا (لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ) مِنْ نَحْوِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا ادَّعَى دَارًا عَلَى حَاضِرٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ إنْ صَدَّقَهُ الْحَاضِرُ لَا يُسَلِّمُهَا الْقَاضِي إلَى الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهَذَا حِيلَةٌ لِدَفْعِ دَعْوَى الْخَارِجِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْحَاضِرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَيْهِ قَضَى الْقَاضِي بِهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا وَلِذَا لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، فَالْحَاضِرُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْهُ حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ شُفْعَةَ دَارٍ بِشِرَائِهِ مِنْ الْغَائِبِ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْكَفَالَةَ بِأَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ كَذَا وَهَذَا كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَمْرِهِ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِأَمْرِهِ لَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى قَاذِفِهِ، فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا عَبْدٌ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَعْتَقَك مَوْلَاك، وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ قَضَى عَلَيْهِمَا أَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَالِكَ الْغَائِبَ أَعْتَقَهُ تُقْبَلُ وَيَقْضِي عَلَيْهِمَا، وَهِيَ حِيلَةُ إثْبَاتِ الْعِتْقِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَوْ قَالَ الْقَاذِفُ: إنَّ أُمَّ الْمَقْذُوفِ أَمَةُ فُلَانٍ وَقَدْ قَذَفَهُ بِابْنِ الزَّانِيَةِ، فَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ أُمَّهُ بِنْتُ فُلَانٍ الْقُرَيْشِيَّةُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْحَدِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالنَّسَبِ أَيْضًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ أُمِّهِ بِنْتَ فُلَانٍ الْقُرَيْشِيَّةَ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا أَمَةً لِجَوَازِ أَنَّ أُمَّهَا أَمَةٌ فَتَكُونُ أَمَةً تَبَعَةً لِلْأُمِّ، تَدَبَّرْ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِمَا (فَإِنْ كَانَ) مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ وَالْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ (شَرْطًا) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ (لَا يَصِحُّ) وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ، هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ لِجَامِعِ التَّوَقُّفِ، وَأَطْلَقَ ذِكْرَ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِي الْكَافِي إنَّ الْأَصَحَّ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ إنْ تَضَمَّنَ ضَرَرَ الْغَائِبِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ السَّبَبِ قَالَ قَاضِي خَانْ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْهُ فَهُوَ كَالسَّبَبِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ امْرَأَتَهُ بِدُخُولِ فُلَانٍ الدَّارَ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدُّخُولِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا. وَفِي الْمِنَحِ: وَأَمَّا حِيلَةُ إثْبَاتِ طَلَاقِ الْغَائِبِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ فَكُلُّهَا الضَّعْفُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ. فَمِنْهَا حِيلَةُ الْكَفَالَةِ بِمَهْرِهَا مُعَلَّقَةً بِطَلَاقِهِ. وَمِنْهَا دَعْوَاهَا كَفَالَةً بِنَفَقَةِ الْعِدَّةِ مُعَلَّقَةً بِالطَّلَاقِ وَمَعَ هَذَا لَوْ حَكَمَ بِحُرْمَةٍ نَفَذَ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ. (وَيُقْرِضُ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ) وَكَذَا مَالُ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ مَتَى شَاءَ، مَعَ حُصُولِ مَنْفَعَةِ الْحِفْظِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ (وَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْحَقِّ) أَيْ يَكْتُبُ الصَّكَّ

فصل في التحكيم

لِذِكْرِ الْحَقِّ مَخَافَةَ النِّسْيَانِ لِكَثْرَةِ الِاشْتِغَالِ قَالَهُ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ انْتِصَابَ " ذِكْرَ الْحَقِّ " عُلِمَ لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا لَهُ لِيَكْتُب وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ ذِكْرَ الْحَقِّ عَلَمٌ لِلصَّكِّ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ الْإِقْرَاضُ (لِلْوَصِيِّ) بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِحْصَالِ حَتَّى لَوْ أَقْرَضَ يَضْمَنُ (وَلَا لِلْأَبِ فِي الْأَصَحِّ) . وَفِي الْمِنَحِ: وَفِي الْأَبِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا كَالْوَصِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخِزَانَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ كَالْقَاضِي فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إقْرَاضِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إقْرَاضُهُ لِلضَّرُورَةِ كَخَوْفٍ وَنَهْبٍ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّنْوِيرِ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْجَوْرِ فَالْغُرْمُ عَلَى الْقَاضِي فِي مَالِهِ إنْ قَضَى بِذَلِكَ مُتَعَمِّدًا، وَأَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قَضَى خَطَأً فَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ. [فَصْلٌ فِي التَّحْكِيمِ] ِ هَذَا مِنْ فُرُوعِ الْقَضَاءِ، وَتَأْخِيرُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ أَدْنَى مَرْتَبَةً مِنْ الْقَاضِي لِاقْتِصَارِ حُكْمِهِ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. (وَلَوْ حَكَّمَ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ (الْخَصْمَانِ مَنْ يَصْلُحُ قَاضِيًا) بِكَوْنِهِ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ لَمْ يَصِحَّ، وَتُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَوَقْتَ الْحُكْمِ فَلَوْ حَكَّمَا عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ حَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَلَوْ حَكَّمَ الذِّمِّيَّانِ ذِمِّيًّا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِمْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَكَّمُ مَعْلُومًا فَلَوْ حَكَّمَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِلْجَهَالَةِ (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا صَحَّ) الْحُكْمُ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا، وَرَضِيَا بِهِ لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا (وَنَفَذَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمَحْكُومِ (عَلَيْهِمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ) لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ. (وَ) نَفَذَ (إخْبَارُهُ) أَيْ إخْبَارُ الْمُحَكَّمِ (بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) بِأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا: قَدْ أَقْرَرْتَ عِنْدِي لِهَذَا بِهَذَا بِكَذَا وَقَضَيْتُ عَلَيْك. (وَ) نَفَذَ إخْبَارُهُ (بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ) بِأَنْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا: قَامَتْ عَلَيْك بَيِّنَةٌ فَعُدِّلَتْ عِنْدِي فَحَكَمْتُ لِذَلِكَ (حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْعَدَالَةِ مُقَيِّدٌ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ حَكَمْتُ مَثَلًا فَيَصِيرُ الْإِخْبَارُ قَبْلَ الِانْعِزَالِ بِالْحُكْمِ، وَتَقُومُ مَقَامَ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْقُضَاةِ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ بِحُكْمِهِ لِانْقِضَاءِ وِلَايَتِهِ كَالْقَاضِي الْمَعْزُولِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخَصْمَيْنِ (أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ حُكْمِهِ) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَزْلُهُ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ كَمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُضَارَبَةٍ وَشَرِكَةٍ وَوَكَالَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ بِالْتِمَاسِ الطَّالِبِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى، ثُمَّ عُزِلَ لَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ.

مسائل شتى من كتاب القضاء

(وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ (إلَى قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي نَقْضِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ - يَرَى خِلَافَهُ - نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ (نَقَضَهُ) أَيْ لَمْ يُمْضِهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ فَلَمْ يُلْزِمْ الْقَاضِيَ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ. (وَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِي حَدٍّ) إذْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (وَقَوَدٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَةَ دَمِهِمَا فَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهِمَا لِتَوَقُّفِ حُكْمِهِ عَلَى صِحَّةِ تَحْكِيمِهِمَا، وَقِيلَ: إنَّ حُكْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِيفَاءُ بِالصُّلْحِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِالصُّلْحِ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِمَا (وَيَصِحُّ) التَّحْكِيمُ (فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ) وَغَيْرِهَا الَّذِي هُوَ الثَّابِتُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَالُوا) أَيْ مَشَايِخُنَا (وَلَا يُفْتَى بِهِ) أَيْ بِالتَّحْكِيمِ (دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ) . وَفِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ " لَا يُفْتَى بِهِ ": لَا يُكْتَبُ عَلَى الْفَتْوَى أَوْ لَا يُجَابُ بِاللِّسَانِ بِالْحِلِّ، وَإِنَّمَا يَسْكُتُ الْمُفْتِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ: نَكْتُمُ هَذَا الْفَصْلَ وَلَا نُفْتِي بِهِ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِقَوْلِهِ بِلَا يَحِلُّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ، انْتَهَى. (وَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَأٍ فَحَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَنْفُذُ) لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُحَكِّمَيْنِ وَلَا يَنْفُذُ إذًا فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ مَا رَضُوا بِحُكْمِهِ كَمَا لَوْ حَكَّمَا فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي بِتَحْكِيمِهِ. قَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهِ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ مَالِهِ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِهَا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَوْلِيَاءِ قُومُوا فَدُوهُ» (وَلَا يَصِحُّ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ وَلَا الْمُوَلَّى) أَيْ الْقَاضِي مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ (لِأَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَا (وَوَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَزَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِحُكْمِهِ لَهُمْ (وَيَصِحُّ) حُكْمُهُمَا (عَلَيْهِمْ) كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ لَهُمْ وَتَجُوزُ عَلَيْهِمْ (وَيَصِحُّ لِمَنْ وَلَّاهُ وَعَلَيْهِ) لِأَنَّ مَنْ جَازَ شَهَادَتُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ جَازَ قَضَاؤُهُ لَهُ وَعَلَيْهِمْ. [مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَاب الْقَضَاء] مَسَائِلُ شَتَّى جَمْعُ شَتِيتٍ أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَهُوَ هُنَا مَرْفُوعٌ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ لِلْمَسَائِلِ، وَالْمَسَائِلُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَإِذَا قُلْتَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ شَتَّى نَصَبْتَ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ (لَيْسَ لِذِي سُفْلٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السُّفْلِ (عُلُوٌّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتِدَ) أَيْ لَا يَدُقَّ وَتَدًا (فِي سُفْلِهِ أَوْ يَنْقُبَ كُوَّةً) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَهِيَ الطَّاقَةُ،. وَفِي الدِّيوَانِ بِالْفَتْحِ الرَّوْزَنَةُ. وَفِي الْبَحْرِ بِفَتْحِ الْكَافِّ نَقْبُ الْبَيْتِ وَيُجْمَعُ

عَلَى كُوًى بِالْكَسْرِ وَقَدْ تُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ، وَيُسْتَعَارُ لِمَفَاتِيحِ الْمَاءِ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْجَدَاوِلِ. وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْجَمْعَ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ (بِلَا رِضَى ذِي الْعُلُوِّ وَلَا لِذِي الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ) أَوْ يَضَعَ جِذْعًا لَمْ يَكُنْ قَبْلُ أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا بِلَا رِضَى ذِي سُفْلٍ عِنْدَ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَسْبَابِ الضَّرَرِ فَيَمْنَعُهُ الْقَاضِي (وَعِنْدَهُمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ (فِعْلُ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِلَا رِضَى الْآخَرِ) إذْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ (وَقِيلَ: قَوْلُهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ) أَيْ لِقَوْلِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْنَعُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ إذْ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: لَا بَلْ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ وَهُوَ فِي مَحَلِّ وُقُوعِ الشَّكِّ، فَمَا لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ضَرَرِهِ كَوَضْعِ مِسْمَارٍ صَغِيرٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَمَا فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ كَفَتْحِ الْبَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ اتِّفَاقًا، وَمَا يُشَكُّ فِي التَّضَرُّرِ بِهِ كَدَقِّ الْوَتَدِ فِي الْجِدَارِ أَوْ السَّقْفِ فَعِنْدَهُمَا لَا يُمْنَعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ، وَالْإِطْلَاقُ يُعَارِضُهُ الرِّضَى فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلُوِّ مِنْ تَوْهِينِ الْبِنَاءِ أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ كَالْجِدَارِ وَالسَّقْفِ فَكَذَا نَقْضُهُ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ قِيَاسٌ وَهَلْ يُمْنَعُ صَاحِبُ الْعُلُوِّ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلُوِّ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَمْ لَا لَا يَمْلِكُ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ يَمْلِكُ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ، وَيَبْنِي عَلَيْهِ عُلُوَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالسُّكْنَى حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا. (وَلَيْسَ لِأَهْلِ زَائِغَةٍ) أَيْ سِكَّةٍ (مُسْتَطِيلَةٍ) صِفَةٌ لِزَائِغَةٍ أَيْ طَوِيلَةٍ (تَنْشَعِبُ) أَيْ تَتَفَرَّعُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الزَّائِغَةِ الْمُسْتَطِيلَةِ (مُسْتَطِيلَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ) إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَا لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُ طَرِيقِ الزَّائِغَةِ الْمُسْتَطِيلَةِ (فَتْحُ بَابٍ) فِي حَائِطِ دَارِهِمْ (فِي) السِّكَّةِ (الْمُنْشَعِبَةِ) لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ السِّكَّةِ الْمُنْشَعِبَةِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهَا بِأَجْزَائِهَا، فَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى فَتْحَ بَابٍ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ طَرِيقًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَيُحْدِثَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيهَا فَيُمْنَعَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لِلرِّيحِ أَوْ الضَّوْءِ فَلَا يُمْنَعَ (وَفِي النَّافِذَةِ) الْمُنْشَعِبَةِ (وَمُسْتَدِيرَةٍ) هِيَ الَّتِي (لَزِقَ طَرَفَاهَا) يَعْنِي سِكَّةً فِيهَا اعْوِجَاجٌ حَتَّى بَلَغَ عِوَجُهَا رَأْسَ السِّكَّةِ، وَالسِّكَّةُ غَيْرُ نَافِذَةٍ (لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى (ذَلِكَ) أَيْ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمُنْشَعِبَةِ، أَمَّا النَّافِذَةُ فَلِأَنَّ الْمُرُورَ حَقُّ الْعَامَّةِ وَهُمْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَأَمَّا الْمُسْتَدِيرَةُ الَّتِي وُصِلَ طَرَفَاهَا بِهَا فَلِأَنَّهَا سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا فَكَانَ الصَّحْنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ حَتَّى لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْمُسْتَدِيرَةِ تَكُونُ

الشُّفْعَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ، قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ مِثْلَ نِصْفِ دَائِرَةٍ أَوْ أَقَلَّ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى بَابًا فِيهَا لِكَوْنِهَا سِكَّةً عَلَى حِدَةٍ. (وَمَنْ ادَّعَى هِبَةً فِي وَقْتٍ) يَعْنِي ادَّعَى رَجُلٌ شَيْئًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا (فَسُئِلَ بَيِّنَةً) أَيْ فَسَأَلَهُ الْقَاضِي بَيِّنَةً لِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَقَالَ) الْمُدَّعِي (جَحَدَنِي) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْ) الْمُدَّعِي (ذَلِكَ) أَيْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ (فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الْهِبَةِ. (وَلَوْ) بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْهِبَةِ (لَا يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهَا - أَيْ الدَّارَ مَثَلًا - وَقْفٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ أَوَّلًا، ثُمَّ ادَّعَى الْوَقْفَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْفِيقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ: وَهَبَ لِي مُنْذُ شَهْرٍ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مِلْكُ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْهِبَةِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَ وَقْتِ الْهِبَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُجْعَلَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ قَوْلَهُ " جَحَدَنِي الْهِبَةَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيقِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا اشْتَرَى جَارِيَتَهُ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ وَتَرَكَ هُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (خُصُومَتَهُ حَلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (وَطْؤُهَا) أَيْ وَطْءُ الْجَارِيَةِ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِإِقْرَارِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الشِّرَاءَ كَانَ جُحُودُهُ لِلْبَيْعِ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، إذْ الْفَسْخُ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْجُحُودُ إنْكَارُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَبِهَذِهِ الْمُشَابَهَةِ جُعِلَ الْجُحُودُ مَجَازًا عَنْ الْفَسْخِ، لِمَا فِي التَّنْوِيرِ: جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ فَلَوْ جَحَدَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ ادَّعَاهُ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةِ) دَرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ (وَادَّعَى أَنَّهَا) أَيْ الْعَشَرَةَ (زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَقَعُ عَلَيْهِمَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا (لَا) يُصَدَّقُ (إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ) لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا تَقَعُ عَلَيْهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا يُصَدَّقُ إنْ كَانَ الْبَيَانُ مِنْهُ مَفْصُولًا وَصُدِّقَ إنْ كَانَ الْبَيَانُ مِنْهُ مَوْصُولًا (وَلَا) يُصَدَّقُ (إنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ أَوْ حَقِّهِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِوَصْفِ التَّمَامِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْتُ دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ اسْتَوْفَى، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ زُيُوفًا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ

لِإِمْكَانِ التَّأْوِيلِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ - إنْ كَانَ مَوْصُولًا - صَحِيحٌ فِي الْكُلِّ، وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمَفْصُولِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَثْنَى كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ فَصَحَّ مَوْصُولًا، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا مِائَةً، أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ جِيَادٍ، فَقَدْ أَقَرَّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا قَالَ: إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ إلَّا دِينَارًا كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا كَمَا فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ، تَدَبَّرْ. (وَالزَّيْفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) لِلْقُصُورِ فِي الْجَوْدَةِ إلَّا أَنَّهُ مَقْبُولٌ بَيْنَ التُّجَّارِ (وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا) كَمَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ لِلرَّدَاءَةِ، وَمَقْبُولَةٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ (وَالسَّتُّوقَةُ مَا غَلَبَ غِشُّهُ) أَيْ ظَاهِرُهَا فِضَّةٌ، وَوَسَطُهَا نُحَاسٌ أَوْ رَصَاصٌ وَهُوَ مُعَرَّبُ ستويه. قَيَّدَ بِدَعْوَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ مَاتَ فَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ تُقْبَلْ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ أَوْ الْغَصْبِ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَارِثُ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعْضَهُ رِبًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ قُبِلَ بُرْهَانُهُ. (وَمَنْ) (قَالَ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ) أَوْ قَالَ بَلْ هُوَ لَك أَوْ لِفُلَانٍ (ثُمَّ قَالَ) لَهُ (فِي مَجْلِسِهِ) ذَلِكَ (نَعَمْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ) (لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِلَا حُجَّةٍ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالثَّانِيَ دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْخَصْمِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَ مَنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرَيْتَ مِنِّي هَذَا، ثُمَّ صَدَّقَهُ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعَمِلَ التَّصْدِيقُ أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ يَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ أَوْرَدَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ، فَلْيُطَالَعْ. (وَمَنْ قَالَ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا: مَا كَانَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَبَرْهَنَ) الْمُدَّعَى (عَلَيْهِ بِهِ فَبَرْهَنَ هُوَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ بُرْهَانُهُ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُودِ، وَكَذَا الْإِبْرَاءُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا. وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ، يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ، وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ظَاهِرًا، ثُمَّ يُقْضَى كَمَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ لَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْقِصَاصِ، ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ، وَكَذَا فِي دَعْوَى الرِّقِّ بِأَنْ ادَّعَى عُبُودِيَّةَ شَخْصٍ فَأَنْكَرَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ، ثُمَّ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعْتَاقَهُ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ. (وَإِنْ زَادَ عَلَى إنْكَارِهِ: وَلَا أَعْرِفُك) أَوْ لَا رَأَيْتُك أَوْ لَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ أَوْ مُخَالَطَةٌ أَوْ مَا اجْتَمَعْتُ مَعَك فِي مَكَان (فَلَا) يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ كَلَامَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُعَامَلَةٌ مِنْ غَيْرِ

فصل في القضاء بالمواريث

مَعْرِفَةٍ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ وَالْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذِي بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فِي النَّهَارِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ لَكِنْ فِي الْإِصْلَاحِ كَلَامٌ يُمْكِنُ جَوَابُهُ، تَتَبَّعْ. (وَلَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بَيْعَ أَمَتِهِ مِنْهُ وَأَرَادَ رَدَّهَا) أَيْ رَدَّ الْأَمَةِ (بِعَيْبٍ فَأَنْكَرَ) الْآخَرُ الْبَيْعَ (فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْبَيْعِ) مِنْهُ (وَ) بَرْهَنَ (الْمُنْكِرُ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَا يُسْمَعُ بُرْهَانُ الْمُنْكِرِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تُعْتَبَرُ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيُقْتَضَى وُجُودُ الْعَقْدِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ بَاعَهَا وَكِيلُهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْعَيْبِ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُطَالَعْ، وَفِي التَّنْوِيرِ: أَقَرَّ بِبَيْعِ عَبْدِهِ مِنْ فُلَانٍ، ثُمَّ جَحَدَهُ صَحَّ. (وَذِكْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ صَكٍّ) أَيْ مَنْ كَتَبَ صَكَّ الشِّرَاءِ مَثَلًا وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ مَا أَدْرَكَ فُلَانًا مِنْ دَرَكٍ فَعَلَيَّ خَلَاصُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ وَذِكْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ وَكَتْبُ لِأَنَّ الْكَتْبَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ كَالذِّكْرِ فِي الْحُكْمِ أَوْ " كَتَبَ " ذِكْرُ إقْرَارٍ عَلَى نَفْسِهِ وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ مَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (يَبْطُلُ كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ الصَّكِّ عِنْدَ الْإِمَامِ قِيَاسًا لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِهِ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فِي أَثْنَائِهِ أَمَّا لَوْ تَرَكَ فُرْجَةً فَقَالُوا لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ (وَعِنْدَهُمَا) يَبْطُلُ (آخِرُهُ) أَيْ مَا يَلِيهِ (فَقَطْ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ إذْ الصَّكُّ لِلِاسْتِيثَاقِ وَلَوْ صُرِفَ إلَى الْكُلِّ يَكُونُ لِلْإِبْطَالِ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً مُتَّصِلًا بِهَا فَإِنَّهُ لِلْكُلِّ، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا فَإِلَى الْأَخِيرِ. [فَصْلٌ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ] ِ ذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ تَتَعَلَّقَانِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَمْرٍ فِي وَقْتٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ (مَاتَ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ) وَلِي اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ (وَقَالَ وَارِثُهُ بَلْ) أَسْلَمْتِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا مِيرَاثَ لَكِ (فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ لَا قَوْلُهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَالظَّاهِرُ بِلَا حُجَّةٍ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ. (وَكَذَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ) النَّصْرَانِيَّةُ (أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِهِ) وَلِي اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ (وَقَالَ الْوَارِثُ بَلْ) أَسْلَمْتِ (بَعْدَهُ) وَلَيْسَ لَك الْمِيرَاثُ، يَعْنِي يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَارِثِ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ

الْحَالُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ، أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَإِخْبَارِ الْآحَادِ كَثِيرًا مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَإِنْ قَالَ الْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (هَذَا ابْنُ مُودِعِي) بِكَسْرِ الدَّالِ (الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ) أَيْ لِلْمُودِعِ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ هَذَا الِابْنِ، قَيَّدَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَلَا أَدْرِي أَمَاتَ أَمْ لَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِقَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ (دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الِابْنِ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ. قَيَّدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْبُنُوَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَخِ بِشَرْطِ عَدَمِ الِابْنِ، لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَيَّدَ بِالْوَارِثِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَصِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ قَالَ) الْمُودَعُ (لِآخَرَ) بَعْدَ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ (هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ) وَقَالَ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ غَيْرِي (قُضِيَ لِلْأَوَّلِ) لَا لِلثَّانِي لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الْكَذِبِ انْقَطَعَ يَدُ الْمُقِرِّ عَنْ الْوَدِيعَةِ فَلَا عِبْرَةَ لِإِقْرَارِهِ لِلثَّانِي لِكَوْنِهِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ضَمَانَ الْمُودَعِ لِلثَّانِي فَفِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودَعُ هُنَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودَعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي قُلْنَا هَذَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ رِضَى الْقَاضِي، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَلَوْ قُسِمَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشَهَادَةٍ لَمْ يَقُولُوا) أَيْ الشُّهُودُ (فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ (لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا) آخَرَ (أَوْ غَرِيمًا آخَرَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ (كَفِيلٌ وَهُوَ) أَيْ أَخْذُ الْكَفِيلِ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي كَمَا فَعَلَهُ الْبَعْضُ (احْتِيَاطُ ظُلْمٍ) أَيْ مَيْلٍ عَنْ سَوَاءِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا يَكْشِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ. وَفِي الْغَايَةِ أَيْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَسْبَقُ الْأَئِمَّةِ وَأَصْحَابَهُ يَبْرَأُ عَنْ مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ حَيْثُ قَالُوا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ) لِأَنَّ فِي التَّكْفِيلِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ وُجُودَ آخَرَ مَوْهُومٌ، فَلَا يُؤْخَذُ الثَّابِتُ قَطْعًا لَهُ، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ فِي الثَّانِي وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِعَدَمِ التَّكْفِيلِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَا غَرِيمَ

لَهُ آخَرُ اتِّفَاقًا. (وَمَنْ ادَّعَى) عَلَى آخَرَ (عَقَارًا إرْثًا لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ) الْمُدَّعَى (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ (دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُدَّعِي (نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ مَا ادَّعَاهُ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ (وَتُرِكَ بَاقِيهِ) أَيْ تُرِكَ نِصْفُهُ الْبَاقِي وَهُوَ نَصِيبُ الْغَائِبِ (مَعَ ذِي الْيَدِ بِلَا أَخْذِ كَفِيلٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الْيَدِ. (وَلَوْ) كَانَ ذُو الْيَدِ (جَاحِدًا) دَعْوَاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، هَذَا ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ وَأَيْضًا فِي صُورَةِ الْجُحُودِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعَرُّضُ بِلَا خَصْمٍ كَمَا إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَا يُنَازِعُهُ بِلَا خَصْمٍ وَقَدْ ارْتَفَعَ جُحُودُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، إذْ الْقَضِيَّةُ صَارَتْ مَعْلُومَةً فَلَا يَجْحَدُ بَعْدَهُ فَيَصِيرُ جُحُودُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ خَائِنًا بِهِ، وَلِأَنَّ يَدَ الْجَاحِدِ يَدُ ضَمَانٍ وَيَدَ الْغَيْرِ أَمَانَةٌ، فَالْيَدُ الْأُولَى لِلْحِفْظِ أَوْلَى (وَقَالَا) إنْ لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا فَكَذَا (إنْ كَانَ جَاحِدًا أُخِذَ) أَيْ أَخَذَ الْقَاضِي (النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الْيَدِ (وَوُضِعَ عِنْدَ أَمِينٍ) حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ فَلَا نَظَرَ فِي تَرِكَتِهِ (وَفِي الْمَنْقُولِ يُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذِي الْيَدِ (بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ، فَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ كِتْمَانِ الْمَنْقُولِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ بَيْعِ الْعَقَارِ (وَقِيلَ) هَذَا (عَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ يُتْرَكُ نِصْفُهُ الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَدِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ نَفْسَهُ بِكَفِيلٍ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَقِيلَ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ لِجُحُودِهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لَوْ مُقِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغَائِبِ (نَصِيبُهُ بِدُونِ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إعَادَتِهَا، وَإِلَى الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَتَنَصَّبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ عَنْهُ، وَكَذَا يَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَهُ فِيمَا عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اخْتِلَافًا وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ، وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي الْفَتْحِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَغَيْرُهُ سَهْوٌ، انْتَهَى. (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ) أَيْ الثُّلُثُ يَقَعُ (عَلَى كُلِّ مَالٍ لَهُ) لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِي الْكُلِّ، وَكَذَا هِيَ. (وَلَوْ قَالَ: مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ صَدَقَةٌ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ) كَالنَّقْدَيْنِ، وَمَالِ السَّوَائِمِ، وَأَمْوَالِ التِّجَارَاتِ، بَلَغَ النِّصَابَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ

مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا وَلَا شَرَائِطُهَا فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بَعْدَهُ بِقَدْرِ هَذَا عِنْدَنَا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ اسْتِوَاؤُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِعَبْدِهِ، إذْ الشَّرْعُ صَرَفَ الصَّدَقَةَ إلَى الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ لَا إلَى كُلِّ الْمَالِ، وَكَذَا يَنْصَرِفُ إيجَابُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ بِالْمِيرَاثِ فَتَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي النَّذْرِ (أَرْضُ الْعُشْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِكَوْنِ مَصْرِفِهَا مَصَارِفَ الزَّكَاةِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْعُشْرِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمَئُونَةِ، وَكَذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْأَوْقَافِ، وَضَمَّ الْإِمَامُ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَدْخُلُ الْخَرَاجِيَّةُ لِتَمَحُّضِهَا لِلْمَئُونَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الشَّخْصِ (مَالٌ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ (أَمْسَكَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ قَدْرَ (قُوتِهِ) أَيْ قُوتِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ (فَإِذَا أَصَابَ) بَعْدَ ذَلِكَ (مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ) لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا مَا أَوْجَبَهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ، وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ، وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ. قَيَّدَ بِالْمَالِ وَالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَيْءٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْوَصِيُّ بِالْإِيصَاءِ (فَهُوَ وَصِيٌّ) حَتَّى لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِغَيْرِ عِلْمٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِهِ (بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ) أَيْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ وَلِذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْمُوَكِّلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَتْ بِاسْتِخْلَافٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ، فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ (وَقُبِلَ فِي الْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ خَبَرُ فَرْدٍ، وَإِنْ) كَانَ ذَلِكَ الْفَرْدُ (فَاسِقًا) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ خَبَرُ عَدْلٍ بَلْ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا مُمَيِّزًا إذْ لَيْسَ فِيهَا إلْزَامٌ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنْ شَاءَ يَسْتَوْفِي (لَا) يُقْبَلُ (فِي الْعَزْلِ مِنْهُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى التَّوْكِيلِ لَكِنْ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَهُ " مِنْهُ " وَاكْتَفَى فِي الْعَزْلِ أَيْ لَا يُقْبَلُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ، تَدَبَّرْ. (إلَّا خَبَرُ عَدْلٍ) أَيْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ فَاسِقَيْنِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ (أَوْ مَسْتُورَيْنِ) وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ وَثُبُوتُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ خَبَرِ الْفَاسِقَيْنِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ

وَبِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ نَفَذَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْعَزْلُ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ التَّوْكِيلِ فِي أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْإِخْبَارِ بِالْعَزْلِ خَبَرُ فَرْدٍ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ شُرِطَ فِي الْعَزْلِ وَالنَّصْبِ عَدْلَانِ. (وَكَذَا الْخِلَافُ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ (فِي إخْبَارِ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ) يَعْنِي لَوْ أَخْبَرَ بِهِ فَاسِقٌ لِلسَّيِّدِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى خَطَأً فَبَاعَ أَوْ أَعْتَقَ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا (وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ) يَعْنِي: الشَّفِيعُ إذَا سَكَتَ بَعْدَمَا أَخْبَرَ فَاسِقٌ بِالْبَيْعِ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلشُّفْعَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ (وَالْبِكْرِ) الْبَالِغِ (بِالتَّزْوِيجِ) يَعْنِي إذَا أَخْبَرَ فَاسِقٌ الْبِكْرَ الْبَالِغَ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ لَا تَصِيرُ رَاضِيَةً بِالنِّكَاحِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَمُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِخْبَارٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْبَرَ بِالشَّرَائِعِ فَاسِقٌ لَا يُؤَاخَذُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَحَدِ وَصْفَيْ الشَّهَادَةِ، وَلَهُ أَنَّ فِيهَا إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ. أَمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ الْخَصْمِ وَرَسُولِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا، وَالرَّسُولُ يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا اتِّفَاقًا صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا) لِرَجُلٍ (لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ لِأَجْلِ دُيُونِهِمْ (وَأَخَذَ الْمَالَ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ الثَّمَنَ (فَضَاعَ) عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ (وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ) وَنُزِعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي (لَا يَضْمَنُ) الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَيْ لَا يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْبَحْرِ: أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُك أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ. أَمَّا إذَا قَالَ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ (وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لَهُمْ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا يُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ. (وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (الْوَصِيُّ لِأَجْلِهِمْ) أَيْ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي) لَهُ بِالْبَيْعِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ (ثُمَّ اُسْتُحِقَّ) الْعَبْدُ (أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَصِيِّ (وَضَاعَ الْمَالُ) أَيْ ثَمَنُ الْعَبْدِ (رَجَعَ الْمُشْتَرِي) بِالثَّمَنِ (عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ الَّذِي نَصَّبَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصِيُّ يَرْجِعُ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِغَيْرِهِ وَلَحِقَهُ

بِسَبَبِهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ. وَفِي الْبَحْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِأَمْرِ الْقَاضِي اتِّفَاقِيٌّ وَلِيُعْلَمَ حُكْمُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِالْأَوْلَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَأَمْرُ الْقَاضِي وَعَدَمُ أَمْرِهِ سَوَاءٌ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَخْرَجَ الْقَاضِي الثُّلُثَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُعْطِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ مِنْ مَالِ الْفُقَرَاءِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ. (وَلَوْ قَالَ لَك قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ: قَضَيْتُ عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ الْقَطْعِ أَوْ الضَّرْبِ فَافْعَلْهُ وَسِعَك فِعْلُهُ) وَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ، وَتَصْدِيقُهُ طَاعَةٌ لَهُ، وَقَوْلُ مِثْلِ هَذَا الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ آخِرًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ، وَالتَّدَارُكُ لَا يُمْكِنُ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهِ. وَفِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَبِهِ يُفْتَى لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا، وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُرَاجَعْ. (وَكَذَا) وَسِعَك فِعْلُهُ (فِي) الْقَاضِي (الْعَدْلِ غَيْرِ الْعَالِمِ إنْ اُسْتُفْسِرَ فَأَحْسَنَ تَفْسِيرَهُ) أَيْ لَوْ قَالَ قَاضٍ جَاهِلٌ عَادِلٌ يَلْزَمُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ فَإِنْ أَحْسَنَ تَفْسِيرَ قَضَائِهِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: اسْتَقْصَيْتُ الْمُقَرَّ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَحَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ يَسَعُ لَك فِعْلُ مَا أَمَرَ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ تَفْسِيرَهُ (فَلَا) يَسَعُ لَك فِعْلُ مَا أَمَرَ بِهِ لِخَطَئِهِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ (وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ غَيْرِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا لِتُهْمَةِ الْخِيَانَةِ بِفِسْقِهِ (مَا لَمْ يُعَايِنْ سَبَبَ الْحُكْمِ) أَيْ يُعَايِنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا لِلْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِشَخْصٍ: أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتُهَا إلَى فُلَانٍ قَضَيْتُ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْأَلْفِ (عَلَيْك أَوْ قَالَ: قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ فَقَالَ) ذَلِكَ الشَّخْصُ (بَلْ أَخَذْتَهَا) أَيْ تِلْكَ الْأَلْفَ (أَوْ قَطَعْتَ) يَدِي (ظُلْمًا) مُتَعَلِّقٌ بِأَخَذْتَ وَقَطَعْتَ عَلَى التَّنَازُعِ (وَاعْتَرَفَ) ذَلِكَ الشَّخْصُ (بِكَوْنِ ذَلِكَ) أَيْ الْأَخْذِ أَوْ الْقَطْعِ (حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ وِلَايَةِ الْقَاضِي (صُدِّقَ الْقَاضِي وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِكَوْنِ الْأَخْذِ فِي حَالِ قَضَائِهِ، فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ، هُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَظْلِمُ فِي قَضَائِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الْيَمِينُ يَصِيرُ خَصْمًا، وَقَضَاءُ الْخَصْمِ لَا يَنْفُذُ فَتُعَطَّلُ أُمُورُ النَّاسِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقُبِلَ وُجُوبًا قَوْلُ قَاضٍ عُزِلَ قَضَيْتُ أَنَا بِهَذَا الْعَقَارِ لِزَيْدٍ مَثَلًا لِفَقْدِ التُّهْمَةِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَضَيْت أَنَا بِهَذَا الْعَقَارِ لِزَيْدٍ أَنَّ الْمَقْضِيَّ أَوْ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَعْلُومَانِ، وَإِلَّا لَا يُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَعَلَى هَذَا لَمْ يُقْبَلْ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي شَيْءٍ مَا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. (وَلَوْ قَالَ) ذَلِكَ الشَّخْصُ لِلْقَاضِي (فَعَلْتُهُ قَبْلَ وِلَايَتِك أَوْ بَعْدَ عَزْلِك، وَادَّعَى الْقَاضِي فِعْلَهُ فِي) زَمَانِ

كتاب الشهادات

(وِلَايَتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مَتَى اعْتَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا صَحَّتْ إضَافَةُ الْأَخْذِ إلَى حَالَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ حَالَةَ الْقَضَاءِ مَعْهُودَةٌ، وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلضَّمَانِ فَصَارَ الْقَاضِي بِالْإِضَافَةِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ، وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا. وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ، وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ: مَتَى وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْإِسْنَادِ يُحَكَّمُ الْحَالُ (وَالْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ إنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ كَدَعْوَى الْقَاضِي ضَمِنَ) الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ (هُنَا) أَيْ فِيمَا قَالَ الْمُدَّعِي فَعَلْتَهُ قَبْلَ وِلَايَتِك أَوْ بَعْدَ عَزْلِك (لَا) يَضْمَنُ (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بِكَوْنِ ذَلِكَ حَالَ وِلَايَتِهِ، أَيْ إذَا أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَدَفْعَهُ صَحِيحٌ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِهِ كَفِعْلِهِ مُعَايِنًا، وَلَوْ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ. وَفِي التَّنْوِيرِ: صَبَّ شَخْصٌ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْد الشُّهُودِ، وَقَالَ الصَّابُّ: كَانَتْ الدُّهْنُ نَجِسَةً، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَالْقَوْلُ لِلصَّابِّ، وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلًا وَقَالَ قَتَلْتُهُ لِرِدَّتِهِ أَوْ لِقَتْلِهِ أَبِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] ِ أَخَّرَهَا عَنْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا كَالْوَسِيلَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَشُرُوطُهَا كَثِيرَةٌ تَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: إنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ. وَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ. وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْهَا عَشْرُ شَرَائِطَ عَامَّةٌ وَمِنْهَا سَبْعَةُ شَرَائِطَ خَاصَّةٌ. وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ؛ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ، وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِلَا طَلَبٍ، انْتَهَى. هَذَا لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِدُونِ الطَّلَبِ مُطْلَقًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ فَإِنْ دَعَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَجِدْ شَاهِدًا يُتِمُّ بِهِ مُدَّعَاهُ، وَذَلِكَ الشَّاهِدُ حَاضِرٌ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ فَهَذَا فِيهِ طَلَبٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا ادَّعَى عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا وَهُوَ يَطْلُبُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِحَقِّهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ. وَمَحَاسِنُهَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] . وَرُكْنُهَا

اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ بِهَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً مُلْزِمَةً لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالشَّهَادَةُ فِي اللُّغَةِ خَبَرٌ قَاطِعٌ، وَقَدْ شَهِدَ كَعَلِمَ وَكَرُمَ، وَقَدْ يُسَكَّنُ هَاؤُهُ، وَشَهِدَهُ كَسَمِعَهُ شُهُودًا حَضَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَقَوْمٌ شُهُودٌ أَيْ حُضُورٌ، وَشَهِدَ لَهُ بِكَذَا شَهَادَةً أَيْ أَدَّى مَا عِنْدَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ، وَالْجَمْعُ شُهَّدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ. وَفِي التَّبْيِينِ: هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحُسْبَانٍ هَذَا فِي اللُّغَةِ؛ فَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ، وَسُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (هِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ (إخْبَارٌ) شَرْعِيٌّ (بِحَقٍّ) أَيْ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِلْغَيْرِ) أَيْ حَصَلَ لِغَيْرِ الْمُخْبِرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ بِهِ لِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا دَعْوَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ لِنَفْسِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَكَذَا دَعْوَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِخْبَارٍ لِلْغَيْرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا ظُنَّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عَلَى الْغَيْرِ) فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ إذْ هُوَ إخْبَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَاءِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِمَا (عَنْ مُشَاهَدَةٍ لَا عَنْ ظَنٍّ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ حَيْثُ قَالَ: «إذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ» . وَفِي الْعِنَايَةِ، وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْفِقْهِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ صَادِقٍ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، فَالْإِخْبَارُ كَالْجِنْسِ يَشْمَلُهَا وَالْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ، وَقَوْلُهُ " صَادِقٍ " يُخْرِجُ الْكَاذِبَةَ وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ يُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ غَيْرَ الشَّهَادَاتِ، انْتَهَى. وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي: أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَمَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ (لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّحَمُّلِ إذَا طُلِبَ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّحَمُّلِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلتَّحَمُّلِ بِأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ (وَيُفْتَرَضُ أَدَاؤُهَا) أَيْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ (بَعْدَ التَّحَمُّلِ إذَا طُلِبَتْ) الشَّهَادَةُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّاهِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْإِبَاءِ وَالْكِتْمَانِ لَكِنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضًا قَطْعًا كَفَرِيضَةِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْكِتْمَانِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِهِ بَلْ آكَدُ وَلِهَذَا أَسْنَدَ الْإِثْمَ إلَى الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ وَهُوَ الْقَلْبُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ الْإِسْنَادِ إلَى كُلِّهِ فَقَوْلُهُ أَبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْصَرْتُهُ، وَإِسْنَادُهُ

إلَى أَشْرَفِ الْجَوَارِحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بَعْدَ الْكُفْرِ، ثُمَّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَجِبُ إذْ كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ إلَى الْقَاضِي وَيَرْجِعَ بَعْدَهُ فِي يَوْمِهِ هَذَا إلَى مَنْزِلِهِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا، وَلَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ عَلَى مَرْكَبِ الْمُدَّعِي، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَبَضَ دَيْنَهُ أَوْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْقَتْلِ (إلَّا أَنْ يَقُومَ الْحَقُّ بِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّكِّ سِوَاهُ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ الْحَقُّ فَحِينَئِذٍ لَا يُفْتَرَضُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَضِيعُ بِامْتِنَاعِهِ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. ، وَفِي الدُّرَرِ، ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ - مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ لَا يَأْثَمُ، وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ أَخَّرَ الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ بَعْدَ الطَّلَبِ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ، ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ. (وَسَتْرُهَا) أَيْ سَتْرُ الشَّهَادَةِ (فِي الْحُدُودِ أَفْضَلُ) مِنْ أَدَائِهَا يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُظْهِرَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْفَسَادِ أَوْ قِلَّتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتُرَهَا، وَهُوَ أَحْسَنُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» . وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَقَّنَ الْمُقِرَّ بِالزِّنَاءِ لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ فَشُهِرَ وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً، وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] فَذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ، فَلْيُطَالَعْ. (وَيَقُولُ) الشَّاهِدُ (فِي) شَهَادَةِ (السَّرِقَةِ) أَشْهَدُ أَنَّهُ (أَخَذَ) مَالَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَرْكُ الْوَاجِبِ (لَا سَرَقَ) لِلتَّحَرُّزِ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ وَضَيَاعِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَاعْتُبِرَ فِي السَّرِقَةِ السَّتْرُ مَعَ الشَّهَادَةِ. وَحُكِيَ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُفَ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَخْذَ مَالِهِ مِنْ بَيْتِهِ فَأَقَرَّ بِالْأَخْذِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَوْا بِقَطْعِ يَدِهِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِالْأَخْذِ، فَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ سَرَقَ، فَأَقَرَّ بِهَا فَأَفْتَوْا بِالْقَطْعِ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالُوا لَهُ: لِمَ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ أَوَّلًا بِالْأَخْذِ ثَبَتَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ الْقَطْعُ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِمَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ. (وَشُرِطَ لِلزِّنَاءِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) مِنْ الشُّهُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلَفْظُ أَرْبَعَةٍ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأُورِدَ: إنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عَدَمُ جَوَازِ الْأَقَلِّ أَجَابَ

الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَوْرَدَ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا مُبِيحَةٌ وَتِلْكَ مَانِعَةٌ، وَالتَّقْدِيمُ لِلْمَانِعِ، وَجْهُ هَذَا الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ - تَعَالَى - يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْعَدَ بِالْعَذَابِ لِمَنْ أَحَبَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ. (وَ) شُرِطَ (لِلْقِصَاصِ وَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ) وَكَذَا لِإِسْلَامِ كَافِرٍ ذَكَرٍ، وَرِدَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (رَجُلَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا شَهَادَةَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَتِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. (وَ) شُرِطَتْ (لِلْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ، وَهُوَ الْوَاحِدُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ امْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ بَقِيَ الْعَدَدُ مُعْتَبَرًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ، وَقَالَ: فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا إذَا تَأَيَّدَتْ الشَّهَادَةُ بِالْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: هِيَ بِكْرٌ يُؤَجِّلُ الْقَاضِي فِي الْعِنِّينِ سَنَةً لِأَنَّ شَهَادَتَهَا تَأَيَّدَتْ بِالْأَصْلِ هُوَ الْبَكَارَةُ، وَلَوْ قَالَتْ: هِيَ ثَيِّبٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمُؤَيِّدِ، وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا ثَيِّبٌ يُحَلَّفُ الْبَائِعُ لِيَنْضَمَّ نُكُولُهُ إلَى قَوْلِهِنَّ، وَالْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فَيُحَلَّفُ الْبَائِعُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِقَوْلِهِنَّ لَا يُحَلَّفُ الْبَائِعُ بَلْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ نَتِيجَةً لِثُبُوتِ الْعَيْبِ وَثُبُوتُ الْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ مُثْبِتٌ لِلرَّدِّ لَا لِلتَّحْلِيفِ؟ قُلْتُ مَعْنَاهُ الْعَيْبُ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ فِي حَقِّ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَحَقِّ التَّحْلِيفِ حَتَّى إنَّهُنَّ لَوْ لَمْ يَقُلْنَ: إنَّهَا ثَيِّبٌ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ. (وَكَذَا) شَرْطُ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (لِاسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ) عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (لَا) فِي حَقِّ (الْإِرْثِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ (وَعِنْدَهُمَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لَهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ صَوَّتَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً، فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَ) شُرِطَ (لِغَيْرِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ (رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ؛ وَامْرَأَتَانِ مَالًا كَانَ)

الْحَقُّ (أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالرَّضَاعِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) وَالرَّجْعَةِ وَاسْتِهْلَاكِ صَبِيٍّ لِلْإِرْثِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا، كَالْأَجَلِ، وَشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ، وَلَكِنْ قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ خَطَرِهَا فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ. وَالْأَصْلُ قَبُولُ شَهَادَتِهِنَّ لِوُجُودِ مَا تَبْتَنِي أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ، وَمَا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ مِنْ قِلَّةِ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَعٍ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ. الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ، وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي مَبْدَأِ فِطْرَتِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ تَحْصِيلَ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَيَتَهَيَّأُ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ بِالْمُفَكِّرَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّ تَحَصُّلَ النَّظَرِيَّاتِ الْمَفْرُوغِ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ، وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمُسْتَفَادِ وَلَيْسَ هُوَ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحْصِيلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالتَّنْبِيهِ، إنْ شِئْتَ قُلْتَ فَإِنَّهُ لَوْ كُنَّ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُنَّ نَاقِصَاتُ الْعَقْلِ، الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَيْضًا بِهِ فَتَأَمَّلْ، انْتَهَى. (وَشُرِطَ لِلْكُلِّ الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ (وَالْإِسْلَامُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الذِّمِّيَّ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ مَحْمُولٌ فِيمَا إذَا شَهِدَ الْكَافِرُ عَلَى مِثْلِهِ (وَالْعَدَالَةُ) وَهِيَ كَوْنُ حَسَنَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَهِيَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا فِي دِينِهِ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الِاجْتِنَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَتَرْكَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إنْ كَانَ وَجِيهًا ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الْخَلِيفَةُ مِنْ الْقَضَاءِ الْفَاسِقَ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفُذُ

الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ. (وَ) شُرِطَ (لَفْظُ الشَّهَادَةِ) أَيْ لَفْظُ أَشْهَدُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِوُرُودِ عِبَارَةِ النَّصِّ كَذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَشَدَّ (فَلَا تَصِحُّ) الشَّهَادَةُ (لَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ) مَكَانَ أَشْهَدُ مُخَالِفًا لِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَطَهَارَةِ الْمَاءِ وَالْمَوْتِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ الْوَاقِعُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ (وَلَا يَسْأَلُ قَاضٍ عَنْ شَاهِدٍ) كَيْفَ هُوَ (بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ) عِنْدَ الْإِمَامِ عَمَلًا بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» فَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ يَسْأَلُ الْقَاضِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ (إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) فَإِنَّهُ يَسْأَلُ الْقَاضِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ فِيهِمَا طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُحْتَالُ لِإِسْقَاطِهِمَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِمَا (وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ سِرًّا وَعَلَنًا) وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى الْحُجَّةِ، وَهِيَ شَهَادَةُ الْعَدَمِ، قِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لِأَنَّ عَصْرَهُ مَشْهُورٌ بِالْخَيْرِ لِكَوْنِهِ قَرْنًا ثَالِثًا وَعَصْرَهُمَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ قَرْنًا رَابِعًا إذْ فَشَا فِيهِ الْكَذِبُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى فِي زَمَانِنَا) لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَكْثَرُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَيَحِلُّ السُّؤَالُ عَلَى قَوْلِهِمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُلْتَقَطِ ": الْقَاضِي إذَا عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُمْ (وَيَجْزِي الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ) فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَمِينًا إلَى الْمُعَدِّلِ الْعَدْلِ وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ اسْمُ الشَّاهِدِ وَنَسَبُهُ وَمَحَلَّتُهُ وَمَسْجِدُهُ فَيَسْأَلُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ فَإِذَا عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ: هُوَ عَدْلٌ، فَإِذَا عَرَفَهُمْ بِالْفِسْقِ يَكْتُبُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، أَوْ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ السِّرِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ بِالْفِسْقِ يَكْتُبُ هُوَ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّهُ إلَى الْقَاضِي سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيَنْخَدِعَ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فِي مَجْلِسِهِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ (وَيَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ) أَنْ يُقَالَ (هُوَ عَدْلٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِنَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ (وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ أَوْ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا مَعَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لَكِنْ أَخْطَأَ) فِي شَهَادَتِهِ (أَوْ نَسِيَ) كَيْفِيَّةَ الْوَقْعَةِ هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ

يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ، وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا، وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ، وَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْخَصْمَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ بِمَا إذَا كَانَ لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ صَحَّ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ قَالَ) الْخَصْمُ (هُوَ عَدْلٌ صَدْقٌ) أَيْ عَادِلٌ صَادِقٌ (ثَبَتَ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يَجُوزُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ. (وَيَكْفِي الْوَاحِدُ لِتَزْكِيَتِهِ السِّرَّ، وَالتَّرْجَمَةِ، وَالرِّسَالَةِ إلَى الْمُزَكِّي) يَعْنِي يَصْلُحُ الْوَاحِدُ أَنْ يَكُونَ مُزَكِّيًا لِلشَّاهِدِ، وَمُتَرْجِمًا عَنْ الشَّاهِدِ، وَرَسُولًا مِنْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ التَّائِبِ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ (وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ) لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ الِاثْنَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تُبْتَنَى عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَمَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ بِتَزْكِيَةِ الْوَاحِدِ فَإِنْ رَضِيَ فَجَازَ إجْمَاعًا هَذَا فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ أَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ يُشْتَرَطُ جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَلِذَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ السِّرِّ) وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَيُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَاءِ أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

فصل في بيان أنواع ما يتحمله الشاهد

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ] فَصَلِّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ وَهُوَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ مَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ بِلَا إشْهَادٍ وَالثَّانِي مَا لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ فَشَرَعَ فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ (يَشْهَدُ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ) مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ (أَوْ رَآهُ) مِنْ الْمُبْصِرَاتِ (كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ) مِثَالُ مَا كَانَ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ) مِثَالُ مَا كَانَ مِنْ الْمُبْصِرَاتِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُشْهَدْ) مِنْ الْأَفْعَالِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتُ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ (وَيَقُولُ اشْهَدْ) أَنَّهُ بَاعَ، أَوْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقِيٍّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الثَّمَنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ (لَا) يَقُولُ (اشْهَدْنِي) فِيمَا لَا إشْهَادَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فَيَكُونُ كَذِبًا. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ إذَا النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمَسْلَكِ وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فَسَّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَقَالُوا إذَا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ إقْرَارَهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا حَالَ مَا أَقَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِرُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ الْمَرْأَةُ إذَا حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا فَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَقَدْ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ إنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً إذْ يُمْكِنُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ إذَا سَمِعَ أَدَاءَهَا) أَيْ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ مَنْ سَمِعَ الشَّهَادَةَ سَوَاءٌ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ غَيْرُ ثَابِتٍ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْقَاضِي فَيَسْتَلْزِمُ التَّحْمِيلَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ حَيْثُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ (أَوْ إشْهَادِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا) أَيْ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ مَنْ سَمِعَ إشْهَادَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ (مَا لَمْ يَشْهَدْ هُوَ) أَيْ شَاهِدُ الْأَصْلِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ تَوْضِيحُهُ قَالَ شَاهِدٌ لِشَخْصٍ

اشْهَدْ مِنِّي أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا فَسَمِعَ آخَرُ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْإِشْهَادِ غَيْرُ ثَابِتِ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْمِيلَ وَالْإِنَابَةَ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَهُ بِالْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ سَمِعَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ حَلَّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ. (وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَلَا قَاضٍ وَلَا رَاوٍ بِخَطِّهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ وَلَا لِلْقَاضِي إذَا وَجَدَ دِيوَانَهُ مَكْتُوبًا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ وَلَا يُحْفَظُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ، أَوْ قَضِيَّةً قَضَاهَا أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنْ يُمْضِيَ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَلَا لِلرَّاوِي إذَا وَجَدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ، أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوُهُ أَنْ يَرْوِيَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ، أَوْ الْقَضِيَّةَ، أَوْ الرِّوَايَةَ قِيلَ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْقَضَاءَ وَالرِّوَايَةَ لَا يَحِلُّ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَلَا عِلْمَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ (وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ) كُلٌّ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالرِّوَايَةِ (إنْ كَانَ) الْخَطُّ (مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ) وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ حِينَئِذٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ حِينَئِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ فَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَطُّ مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ، أَوْ لَا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إنْ كَانَ مَحْفُوظًا فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافُ مُطْلَقٌ فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَجَوَّزَ مُحَمَّدٌ فِي الْكُلِّ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلرَّاوِي وَالْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَجَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي السِّرَاجِ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمِنَحِ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ. (وَلَا يَشْهَدُ) أَحَدٌ (بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَلَوْنَاهُ آنِفًا (إلَّا النَّسَبَ) بِأَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ، أَوْ أَخُوهُ (وَالْمَوْتَ) بِأَنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ (وَالنِّكَاحَ) بِأَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ (وَالدُّخُولَ) بِأَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ دَخَلَ بِهَا (وَوِلَايَةَ الْقَاضِي) بِأَنَّ فُلَانًا قَدْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ الْإِمَامِ (وَأَصْلَ الْوَقْفِ) بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ هَذِهِ الضَّيْعَةَ مَثَلًا هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى الْمِلْكِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي آخَرِ الْوَقْفِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ لِمُعَايَنَةِ أَصْحَابِهَا وَهُمْ خَوَاصُّ النَّاسِ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ فِيهِمَا بِالتَّسَامُعِ لَتَعَطَّلَتْ أَحْكَامُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ أَصْلُ الْوَقْفِ

احْتِرَازٌ عَنْ شَرَائِطِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْوَقْفِ أَنَّهَا تُقْبَلُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى أَصْلِهِ لَا عَلَى شَرَائِطِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَتَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ وَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ الْمُخْتَارُ أَنْ لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنْ تُقْبَلَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ الْوَقْفِ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهَا بِهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ وَاخْتَلَفَ الْفَحْلَانِ فِي نَقْلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِتْقِ فَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ قَبُولِهَا فِيهِ إجْمَاعًا وَنَقَلَ أُسْتَاذُهُ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَنْقُولِ فِي الْوَلَاءِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ فِيهِمَا وَمِنْ ذَلِكَ الْمَهْرُ فَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ بِهِ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ (مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدْلَيْنِ، أَوْ عَدْلٍ وَعَدْلَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نِصَابٍ يُفِيدُ نَوْعَ الْعِلْمِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُهُ إذَا أَخْبَرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْكُلِّ وَأَمَّا الَّذِي يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لَفْظِهَا وَشُرِطَتْ فِي الْعِنَايَةِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالُوا وَالِاكْتِفَاءُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ مَا لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامَّةِ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الْخَبَرِ (وَفِي الْمَوْتِ يَكْفِي الْعَدْلُ وَلَوْ) كَانَتْ (أُنْثَى هُوَ الْمُخْتَارُ) كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ تِلْكَ الْحَالَةَ فَلَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا إلَّا وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْمَوْتِ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ كَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُخْبِرِ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمَوْتِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ هِيَ إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ إلَّا وَاحِدٌ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ مَاذَا يَصْنَعُ قَالُوا يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَدْلًا مِثْلَهُ وَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَوْتِهِ فَيَشْهَدُ هُوَ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا (وَيَشْهَدُ مَنْ رَأَى جَالِسًا مَجْلِسَ الْقَضَاءِ) حَالَ كَوْنِ الْجَالِسِ (يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخُصُومُ أَنَّهُ قَاضٍ) أَيْ يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ الرَّاعِي عَلَى أَنَّ الْجَالِسَ قَاضٍ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ (وَ) يَشْهَدُ (مَنْ رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ مَعًا) فِي بَيْتٍ (وَبَيْنَهُمَا انْبِسَاطُ الْأَزْوَاجِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ) أَيْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ عَقْدَ النِّكَاحِ وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالرُّؤْيَةِ لَكِنْ ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَ) يَشْهَدُ (مَنْ رَأَى شَيْئًا سِوَى الْآدَمِيِّ فِي يَدِ مُتَصَرِّفٍ) عُرِفَ بِوَجْهِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ (فِيهِ تَصَرُّفُ الْمُلَّاكِ أَنَّهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُتَصَرِّفِ (إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ)

أَيْ قَلْبِ الرَّائِي (ذَلِكَ) أَيْ كَوْنَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ أَسْبَابَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَلِكِ إذْ هِيَ مَرْجِعُ الدَّلَالَةِ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَيَكْتَفِي بِهَا. وَفِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْكُلِّ وَبِهِ نَأْخُذُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا انْتَهَى. وَمِنْ ثَمَّةَ قَيَّدَهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ فَلَوْ رَأَى دُرَّةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ، أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لَهُ بِمُجَرَّدِ يَدِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (وَالْآدَمِيَّ) أَيْ لَوْ رَأَى شَيْئًا وَهُوَ آدَمِيٌّ (إنْ عَلِمَ رِقَّهُ، أَوْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ مُمَيِّزًا (فَكَذَلِكَ) يَعْنِي يَحِلُّ لِلرَّائِيَّ فِي يَدِ مُتَصَرِّفٍ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَكُونُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَدَ لَهُ فَثَبَتَ يَدُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَصَارَ كَالْمَتَاعِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ رِقَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّائِي أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا عَلَى نَفْسِهِمَا تَدْفَعُ يَدَ الْغَيْرِ عَنْهُمَا فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالثَّبَاتِ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَلَوْ أَخْبَرَاهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ عَنْ سَمَاعٍ، أَوْ مُعَايَنَةِ يَدٍ لَمْ يَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ سَهْو انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِهِ قَضَاءً مُحْكَمًا مُبْرَمًا بِحَيْثُ لَوْ ادَّعَى الْخَصْمُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَرَّحَ قُبَيْلَ هَذَا بِأَنَّهُ يَقْضِي بِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ مَا دَامَ خَصْمُهُ لَا حُجَّةَ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ فَسَّرَ) الشَّاهِدُ (لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ) فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ بِأَنْ يَقُولَ إنِّي أَشْهَدُ عَلَى هَذَا بِالِاسْتِمَاعِ (أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ) بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِي يَدِهِ (لَا يَقْبَلُهَا) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ إلَّا فِي الْوَقْفِ وَالْمَوْتِ فَتُقْبَلُ لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الْوَقْفِ تُقْبَلُ وَإِنْ فَسَّرَهَا وَفِي النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ أَيْضًا وَإِنْ فَسَّرَهَا فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْمَوْتِ إنْ كَانَ مَشْهُورًا وَإِنْ فَسَّرَهَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ انْتَهَى. لَكِنْ إذَا أُسْنِدَ إلَى مَنْ يُوثَقُ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الزَّاهِدِيِّ شَهِدَا فِيمَا يَصِحُّ بِالشُّهْرَةِ وَقَالَا لَمْ نُعَايِنْ وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ عِنْدَنَا تُقْبَلُ (وَمَنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ زَيْدٍ، أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ (وَهُوَ) أَيْ حُضُورُ دَفْنِ زَيْدٍ، أَوْ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ (عِيَانٌ) لِلْمَوْتِ حُكْمًا حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا.

باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل

[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ وَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَحَالُّ الشَّهَادَةِ وَالْمَحَالُّ شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ الشَّهَادَةُ لَا مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ يُقَالُ قَبِلْتُ الْقَوْلَ حَمَلْتُهُ عَلَى الصِّدْقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمِنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ: شَهَادَةُ الْفَاسِقِ وَهُوَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِيَيْنِ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى، أَوْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ، أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ، أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَعَكْسُهُ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ، وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ انْتَهَى. فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ انْتَهَى. (لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يُسْمَعُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِشَبَهِهَا بِنَغْمَةٍ أُخْرَى. وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ تُقْبَلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ؛ لِأَنَّهُ فِي السَّمَاعِ كَالْبَصِيرِ. وَفِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَزَاهُ إلَى النِّصَابِ جَازَ مَا بِهِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ انْتَهَى. لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ مُخْتَارٌ وَإِنَّمَا قَالَ. وَفِي النِّصَابِ: وَشَهَادَةُ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَمَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي الدَّيْنِ وَالْعَقَارِ (فِيمَا إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرًا) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالدَّيْنِ وَالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ، وَالدَّيْنُ يُعْرَفُ بِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَصْفِ، وَالْعَقَارُ بِالتَّحْدِيدِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إذَا تَحَمَّلَهَا بَصِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَهَا أَعْمَى لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُجْمَعِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ اتِّفَاقُ غَيْرِ مَالِكٍ وَإِلَّا فَعِنْدَهُ مَقْبُولَةٌ قِيَاسًا عَلَى قَبُولِ رِوَايَتِهِ تَدَبَّرْ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَقَدْ بَطَلَتْ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ فَسَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا، أَوْ غَابُوا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغِيبَةِ مَا بَطَلَتْ انْتَهَى. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي نَفْسِ قَضَاءِ الْقَاضِي لِلْعَمَى الْعَارِضِ لِلشَّاهِدِ بَعْدَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ حُجَّةٌ. (وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمَمْلُوكِ) سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ

أَوْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ (وَالصَّبِيَّ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا (إلَّا إنْ تَحَمَّلَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (حَالَ الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَهُمَا أَهْلٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا تَحَمَّلَهَا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّاهَا تُقْبَلُ وَكَذَا الزَّوْجُ إذَا تَحَمَّلَهَا لِامْرَأَتِهِ فَأَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمَتَى رُدَّتْ الشَّهَادَةُ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيُّ. وَفِي النِّصَابِ إذَا شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصِّغَرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصِّغَرِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَالتَّمْيِيزُ مَكَانُ الصِّغَرِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى وَفِيمَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الْمَمْلُوكِ وَيَحْكُمَ بِهِ وَإِنْ حَكَمَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي قَالَ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيهِمَا فَيَكُونَانِ مُجْتَهِدًا فِيهِمَا تَتَبَّعْ. (وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ) أَيْ لِقَذْفِهِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَابَ) عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وقَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ وَمَا قَبْلَهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى فَإِذَا صَارَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إلَى مَا قَبْلَهُ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ فَلْيُرَاجَعْ؛ وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ قَبْلَ الْحَدِّ تُقْبَلُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَعَنْ الْإِمَامِ سُقُوطُهَا يُضْرَبُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ أَيْضًا سُقُوطُهَا بِضَرْبِ وَاحِدٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْبَلُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] إذْ الِاسْتِثْنَاءُ مَتَى يَعْقُبُ كَلِمَاتٍ مَعْطُوفَاتٍ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فِسْقُهُ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ لَكِنْ رَدُّ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَدٌّ لَا لِلْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ لَكَانَ، أَوْلَى تَدَبَّرْ (إلَّا إنْ حُدَّ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ) فَتُقْبَلُ عَلَى الْكَافِرِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ شَهَادَةٌ أُخْرَى حَدَثَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ بِسَبَبِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ. (وَلَا) تُقْبَلُ (الشَّهَادَةُ لِأَصْلِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَلَا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَدُّ صَحِيحًا

أَوْ فَاسِدًا (وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْلُو مِنْ تَمَكُّنِ التُّهْمَةِ؛ وَلِهَذَا تُقْبَلُ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ عَلَى ابْنِهِ لِابْنِ ابْنِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَطْلَقَ الْفَرْعَ فَشَمِلَ الْوَلَدَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الْمُلَاعِنِ لِأُصُولِهِ، أَوْ هُوَ لَهُ، أَوْ لِفُرُوعِهِ لِثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ وَأَبِيهَا وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلِامْرَأَةِ ابْنِهِ (وَعَبْدِهِ) أَيْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ (وَمُكَاتَبِهِ) لِكَوْنِهِ عَبْدًا رَقَبَةً. (وَ) لَا تُقْبَلُ (مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ بِلَا فَرْقٍ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ مِنْهَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَا وَقْتَ التَّحَمُّلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ فِي الْعِدَّةِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا شَهَادَتُهَا لَهُ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ ثَلَاثٍ لَكَانَ، أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِنَفْسِهِ فَلَوْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْمُخَنَّثِ الَّذِي يَفْعَلُ الرَّدَى) لِارْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُخَنَّثِ هُوَ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ بِاخْتِيَارِهِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرُ خِلْقَةً فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْبَحْرِ الْمُخَنِّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُتَكَسِّرِ فِي أَعْضَائِهِ الْمُتَلَيِّنِ فِي كَلَامِهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ لِوَاطَةً (وَ) لَا شَهَادَةُ (النَّائِحَةِ) فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ بِلَا أَجْرٍ (وَالْمُغَنِّيَةِ) لِارْتِكَابِهِمَا الْحَرَامَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةُ وَالْمُغَنِّيَةُ قَيَّدْنَا بِمُصِيبَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ نَاحَتْ فِي مُصِيبَتِهَا تُقْبَلُ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّغَنِّي التَّغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ التَّغَنِّي لَمْ يُسْقِطْ الْعَدَالَةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْعَدُوِّ بِسَبَبِ دُنْيَا عَلَى عَدُوِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَيَظْهَرُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ عَدَاوَتُهُ أَمَّا إذَا شَهِدَ لِمَنْفَعَتِهِ قُبِلَتْ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِسْقِهِ مِنْ عَدَاوَتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى تَرْكِهَا. وَفِي الْقُنْيَةُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا، أَوْ يَجْلِبْ بِهَا مَنْفَعَةً، أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ

عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ الْمُسْكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إذْ بِالْإِدْمَانِ وَالْإِعْلَانِ يَظْهَرُ فِسْقُهُ هَذَا إذَا شَرِبَ عَلَى اللَّهْوِ أَمَّا إذَا شَرِبَ لِلتَّدَاوِي فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةِ لِكَوْنِ الْحُرْمَةِ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالُوا إنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ عِنْدَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، أَوْ خَرَجَ سَكْرَانَ فَيَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِدْمَانِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ بِأَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الشُّرْبُ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ غَيْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شَارِبَهَا مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ قَطْرَةً فَلَا حَاجَةَ لِإِبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى الْإِدْمَانِ وَلَا إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْخِصَافَ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ إدْمَانٍ وَمُحَمَّدٌ شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِسُقُوطِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَتَمَامُ التَّحْقِيقِ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِشِدَّةِ غَفَلْته وَإِصْرَارِهِ عَلَى نَوْعِ لَهْوٍ؛ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَنْظُرُ إلَى الْعَوْرَاتِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ فِسْقٌ فَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ الْحَمَامَ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَلَا يُطَيِّرُهَا فَلَا تَزُولُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ. (أَوْ) يَلْعَبُ (بِالطُّنْبُورِ) لِكَوْنِهِ مِنْ اللَّهْوِ وَالْمُرَادُ مِنْ الطُّنْبُورِ كُلُّ لَهْوٍ يَكُونُ شَنِيعًا بَيْنَ النَّاسِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا كَضَرْبِ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ بِأَنْ يَرْقُصُونَ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ (، أَوْ يُغْنِي لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى الْكَبِيرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَلْ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بِعُمُومِ الْمَنْعِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا مَنَعَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي عُرْسٍ، أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَفَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا. (أَوْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ) مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمُقَامَرَةِ أَوْ تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ (، أَوْ يُقَامِرُ بِالشَّطْرَنْجِ، أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الشِّطْرَنْجِ لِظُهُورِ

الْفِسْقِ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ وَكَذَا بِالْمُقَامَرَةِ أَمَّا بِدُونِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْعَدَالَةَ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِإِبَاحَتِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ إذَا كَانَ لِإِحْضَارِ الذِّهْنِ وَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ حِلَّهُ. وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ يَنْظُرُ إلَى لَاعِبِهِ مِنْ غَيْرِ لَعِبٍ أَيَجُوزُ فَقَالَ لَنْ يَصِيرَ فَاسِقًا، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ، أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ الْقِمَارُ وَفَوْتُ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارُ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبُ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ النَّرْدِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَلَا تَسَاهُلَ فِي تَرْكِهَا. (، أَوْ يُرْتَكَبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ) أَيْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ لِوُجُودِ تَعَاطِيه بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ وَذَا دَلِيلُ قِلَّةِ دِيَانَتِهِ فَلَعَلَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى الشَّهَادَةِ زُورًا كَمَا فِي الْكَافِي. وَفِي الدُّرَرِ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ سِرًّا لَكِنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِارْتِكَابِ مَا يُحَدُّ بِهِ لَيْسَ ارْتِكَابُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَدَّ بِهِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِظْهَارِهِ وَاطِّلَاعِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ. وَفِي الْبَحْرِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْحَثُّ عَلَيْهَا كَبِيرَةٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ وَقَيَّدَ السَّرَخْسِيُّ بِمَا إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ تَمَنِّيه الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّكَّاكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، الصَّحِيحُ قَبُولُهَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالرَّقَّاصِ وَالْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا إلَّا أَحْيَانًا وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ وَاَلَّذِي أَخَّرَ الْفَرْضَ بَعْدِ وُجُوبِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَكَذَا تَارِكُ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا تَارِكُ الصَّلَاةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ السِّجْنِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ. وَفِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ انْتَهَى. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي زَمَانِنَا شَهَادَةُ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَعَصِّبُونَ. (، أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا)

لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْ يَأْخُذُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْأَخْذُ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ التُّجَّارَ قَلَّمَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِهَارِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (، أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا إزَارٍ) ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ (، أَوْ يَفْعَلُ مَا يَسْتَخِفُّ بِهِ كَالْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ تَارِكُ الْمُرُوءَةِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَأْكُلُ غَيْرَ السُّوقِيِّ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْمُبَاحَاتِ الْقَادِحَةِ فِي الْمُرُوءَةِ كَصُحْبَةِ الْأَرَاذِلِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ وَإِفْرَاطِ الْمَزْحِ وَالْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مِنْ نَحْوِ الدِّبَاغَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْحِجَامَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ الصَّحِيحُ الْقَبُولُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ (أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ) وَاحِدٍ مِنْ (السَّلَفِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَزَادَ فِي الْفَتْحِ الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قَالَ، أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْقُطُ بِسَبِّ مُسْلِمٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَيَّدَ بِالْإِظْهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَمَهُ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ) وَلِسَائِرِ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ (وَمَحْرَمِهِ رَضَاعًا، أَوْ مُصَاهَرَةً) كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَمَيِّزَةٌ بَيْنَهُمْ وَلَا بُسُوطَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ. (وَ) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ عَلَى الْكَفَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِقَادُهُمْ مُؤَدِّيًا إلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ مُعْتَقَدُهُمْ غَيْرُ مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ كَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقَةً عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ

شَهَادَةُ كُلِّهَا لِاشْتِدَادِ فِسْقِهِمْ وَلَنَا أَنَّ فِسْقَهُمْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَمْ يُوقِعْهُمْ فِي هَذَا الْهَوَى إلَّا تَدَيُّنُهُمْ فَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ، أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي (إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) هُمْ قَوْمٌ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ اسْتِحْلَالَ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَتُمَكَّنَ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ عَلَى ذِمِّيٍّ آخَرَ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا مِلَّةً) كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إذْ الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا تُقْبَلُ إنْ تَخَالَفَا اعْتِقَادًا وَفِي الْغَرَرِ وَتُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ، أَوْ عَلَى حُرٍّ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ بِلَا عَكْسٍ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ) ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ لَا بِالْمُسْتَأْمَنِ (دُونَ عَكْسِهِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى مِثْلِهِ إنْ كَانَا مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ) حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُنْقَطِعَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَتَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى. (وَ) تُقْبَل شَهَادَةُ (عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ) أَيْ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْذِبُ لِدِينِهِ كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ) أَيْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً بِلَا إصْرَارٍ عَلَيْهَا (إنْ اجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ) أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ اجْتِنَابُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ فَلَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مَرَّاتٍ قَبْلَ شَهَادَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدِّينِ (وَغَلَبَ صَوَابُهُ) عَلَى خَطَئِهِ أَيْ كَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّئَاتِهِ مِمَّنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ مُعْتَادًا لِلصِّدْقِ مُجْتَنِبًا عَنْ الْكَذِبِ صَحِيحَ الْمُعَامَلَةِ فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مُؤَدِّيًا لِلْأَمَانَةِ قَلِيلَ اللَّهْوِ وَالْهَذَيَانِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَغُرَّنَّكُمْ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ فِي صَلَاتِهِ اُنْظُرُوا إلَى حَالِهِ عِنْدَ دِرْهَمِهِ وَدِينَارِهِ أَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِمَا فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ انْتَهَى. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْأَقْلَفِ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْخِتَانِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً عِنْدَنَا أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ قَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ بِأَنْ يَتْرُكَهُ لِعُذْرٍ كَالْكِبَرِ، أَوْ خَوْفِ الْهَلَاكِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ عَنْ السُّنَّةِ، أَوْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَلَا تُقْبَلُ فَالْإِمَامُ لَمْ يُقَدِّرْ وَقْتَ الْخِتَانِ بِوَقْتٍ وَغَيْرُهُ مِنْ وَقْتِ

الْوِلَادَةِ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقِيلَ إلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْخَصِيِّ) فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ ظُلْمًا كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا وَكَذَا الْأَقْطَعُ إذَا كَانَ عَدْلًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَوَلَدِ الزِّنَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِسْقَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَالْخُنْثَى) إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا يُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ (وَالْعُمَّالِ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ عُمَّالُ السُّلْطَانِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ كَالْخَرَاجِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ فَتُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ. وَفِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخُ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضَمَانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِمُعْتَقِهِ) وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَقَدْ قَبِلَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ جَدُّ سِيبَوَيْهِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ عَتِيقَهُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ تُقْبَلْ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى الثَّمَنِ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ وَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا لِمَوْلَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَشَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ كَشَهَادَتِهِمَا بِالْإِيفَاءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَالْمُعْتَبَرُ حَالَ الشَّاهِدِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا) وَقْتُ (التَّحَمُّلِ) كَمَا بَيَّنَّاهُ. (وَلَوْ شَهِدَا) أَيْ ابْنَا الْمَيِّتِ (أَنَّ أَبَاهُمَا، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَزَيْدٌ يَدَّعِيه) أَيْ الْإِيصَاءُ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي أَيْ الْوَصِيُّ يَرْضَى انْتَهَى. لَكِنَّ الدَّعْوَى تَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِطَرِيقِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ تَدَبَّرْ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا. (وَإِنْ أَنْكَرَ) ذَلِكَ الْوَصِيُّ (فَلَا) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ. (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ) أَيْ زَيْدًا بِقَبْضِ دَيْنِهِ، أَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ (لَا تُقْبَلُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (ادَّعَاهُ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ

لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ بِتَعْيِينِهِمَا فَشَهَادَتُهُمَا تَصِيرُ لِنَفْعِهِمَا إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَاضَعَا مَعَ الْوَكِيلِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَصِيِّ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْحَاجَةِ فَبِشَهَادَتِهِمَا، أَوْلَى وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا مَنْ يَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَكَالَةِ أَيْ وَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَإِنْ ادَّعَاهَا بِالتَّأْنِيثِ لَكَانَ أَظْهَرَ. (وَلَوْ شَهِدَ دَايِنَا مَيِّتٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا (أَنَّهُ) أَيْ الْمَيِّتَ (أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَهُوَ) أَيْ زَيْدٌ (يَدَّعِيه) أَيْ الْإِيصَاءَ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَا بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ شَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِدِينٍ عَلَى الْمَيِّتِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَشْهَدُ بِالدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا شَرِكَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ إذَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بِدَيْنِهِ يُشْرِكُهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ فَصَارَ كُلٌّ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَكَذَا لَوْ شَهِدَ مَدْيُونَاهُ) أَيْ لَوْ شَهِدَ مَدْيُونَا مَيِّتٍ أَنَّ الْمَيِّتَ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنِينَ قَصَدَا مَنْ يُؤَدِّي حَقَّهُمَا وَالْمَدْيُونِينَ قَصَدَا الْبَرَاءَةَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ (أَوْ) شَهِدَ (مَنْ أَوْصَى لَهُمَا) بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه (أَوْ) شَهِدَ (وَصِيَّاهُ) بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ، أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يَدَّعِيه قُبِلَتْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ الْجَوَازَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَرَادَا نَصْبَ مَنْ يُوَصِّلُ حَقَّهُمَا فِي الْأُولَى وَنَصْبَ مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي الثَّانِيَةِ فَالنَّفْعُ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا فَلَا تُقْبَلُ لَا يُقَالُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوِصَايَةِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَوْتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لِلْمُوَكَّلِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ ثُمَّ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، أَوْ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ صَغِيرًا لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ بَالَغَا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ

فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي غَيْرِ مِيرَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ انْتَهَى. (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) حَالَ كَوْنِهَا مُشْتَمِلَةً (عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ) أَيْ جَارِحِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَرْحِ مِنْ دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِذَا يُقَالُ لَهُ الْجَرْحُ الْمُفْرَدُ (وَهُوَ) أَيْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ (مَا يَفْسُقُ بِهِ) شَاهِدُ الْمُدَّعِي الْمُعَدَّلُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ لَا سِيَّمَا إذَا جُرِحَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُسْمَعُ وَيُحْكَمُ بِهِ وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَصَّافِ (مِنْ غَيْرِ إيجَابِ حَقٍّ لِلشَّرْعِ) كَوُجُوبِ الْحَدِّ (أَوْ لِلْعَبْدِ) كَوُجُوبِ الْمَالِ فَلَوْ، أَوْجَبَهُ تُقْبَلُ (نَحْوُ) أَنْ يَشْهَدُوا (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (فَاسِقٌ، أَوْ آكِلُ رِبًا وَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ) ، أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ فِي وَقْتِ، أَوْ زَانٍ فِي وَقْتٍ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزُورِ أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ، أَوْ الْعَبْدِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَلِذَا قَيَّدْنَا بِالْمُعَدَّلِ وَغَيْرِ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ، أَوْ الْعَبْدِ كَمَا فِي الدُّرَرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ كَمَا فِي الْغَرَرِ لَكَانَ، أَوْلَى. (وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ) أَيْ بِفِسْقِ شُهُودِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا أَظْهَرُوا الْفَاحِشَةَ بَلْ حَكَوْا عَنْهُ وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السِّتْرِ وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِسْقُ فَلَا تُقْبَلُ. (وَ) تُقْبَلُ (عَلَى أَنَّهُمْ) أَيْ الشُّهُودَ (عَبِيدٌ) ، أَوْ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ (أَوْ) أَنَّهُمْ (مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ، أَوْ) أَنَّهُمْ (شَارِبُو خَمْرٍ) الْآنَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ كَمَا مَرَّ وَكَذَا تُقْبَلُ عَلَى أَنَّهُمْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا، أَوْ زَنَوْا بِالنِّسْوَةِ بِلَا تَقَادُمٍ مَا لَمْ يَزُلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي (أَوْ) أَنَّهُمْ (قَذَفَةٌ) لِفُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِيه فَإِنَّ الْكُلَّ يُوجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَهُوَ الرِّقُّ فِي الْعَبْدِ وَالْحَدُّ فِي الْبَاقِي (أَوْ) أَنَّهُمْ (شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي) شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ وَالْمُدَّعِي مَالًا لِوُجُودِ التُّهْمَةِ كَمَا إذَا شَهِدَ وَلَدُ الْمُدَّعِي، أَوْ وَالِدُهُ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (اسْتَأْجَرَهُمْ لَهَا) ، أَوْ لِلشَّهَادَةِ (بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ) أَيْ الْأَجْرَ (مِمَّا عِنْدَهُ) أَيْ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي عِنْدَهُ فَيَكُونُ مَا مَوْصُولَةٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مَالِي عِنْدَهُ أَيْ مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ الْجَرْحُ بِنَاءً

باب الاختلاف في الشهادة

عَلَيْهِ (أَوْ) أَنَّهُمْ عَلَى (أَنِّي صَالَحْتهمْ بِكَذَا) مِنْ الْمَالِ (وَدَفَعْته) أَيْ الْمَالَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الشُّهُودِ (عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ) بِهَذَا الْبَاطِلِ (فَشَهِدُوا) فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا الْمَالَ عَلَى أَنَّهُمْ أَخْصَامٌ فِي ذَلِكَ (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ) أَيْ لَمْ يَزُلْ عَنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي (حَتَّى قَالَ، أَوْهَمْت بَعْضَ شَهَادَتِي) مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ فِي بَعْضِ شَهَادَتِي (قُبِلَ إنْ كَانَ عَدْلًا) وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ قَبُولُ شَهَادَتِهِ لَا قَبُولُ قَوْلِهِ: أَوْهَمَتْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ، أَوْهَمَتْ أَيْ أَخْطَأْت بِنِسْيَانٍ مَا كَانَ بِحَقٍّ عَلَى ذِكْرِهِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِمِثْلِهِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ وَاضِحًا فَيُقْبَلُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ عَدْلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ: أَوْهَمْت؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الزِّيَادَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بِتَلْبِيسٍ وَخِيَانَةٍ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ؛ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ إذَا اتَّحَدَ لَحِقَ الْمُلْحَقُ بِأَصْلِ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ وَعَلَى هَذَا إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ، أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ شُبْهَةٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ أَصْلًا مِثْلُ أَنْ يَدَعَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَفِي الدُّرَرِ إذَا تَذَكَّرَ لَفْظًا بَعْدَمَا شَهِدَ فِي شَهَادَتِهِ فَذَكَرَهُ يُقْبَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْرَحْ عَنْ مَكَانِهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْمُنَاقَضَةِ وَأَنَّهُ شَرْطٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ. [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] ِ تَأْخِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ عَنْ اتِّفَاقِهَا مِمَّا يَقْتَضِيه الطَّبْعُ لِكَوْنِ الِاتِّفَاقِ أَصْلًا وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا يُعَارِضُ الْجَهْلَ وَالْكَذِبَ فَأَخَّرَهُ وَضْعًا لِلتَّنَاسُبِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (شَرْطُ مُوَافَقَةِ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا وَالشَّرْطُ تَوَافُقُهُمَا فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْغَصْبَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَمَا فِي الْوِقَايَةِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطُ مُوَافَقَةِ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى كَاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى مُخَالِفٌ لِمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ تَدَبَّرْ ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ (فَلَوْ ادَّعَى دَارًا شِرَاءً، أَوْ إرْثًا وَشَهِدَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ رُدَّتْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَيَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فِيهِ فَصَارَا غَيْرَيْنِ

(وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا وَشَهِدَا بِمُلْكٍ بِسَبَبٍ كَالشِّرَاءِ، أَوْ الْإِرْثِ (تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ فَلَمْ تُخَالِفْ شَهَادَتُهُمَا الدَّعْوَى لِلْمُطَابِقَةِ مَعْنًى. (وَكَذَا شَرْطُ اتِّفَاقِ الشَّاهِدِينَ لَفْظًا وَمَعْنًى) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ الْمَثْنَى فَمَا لَمْ يَتَّفِقَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ مُطْلَقًا وَالْمُوَافَقَةُ الْمُطْلَقَةُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا غَيْرُ وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدِينَ الْأَخِيرِينَ فِيهَا مَعْنًى ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ (فَلَا تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، أَوْ مِائَةٍ، أَوْ طَلْقَةٍ وَ) شَهِدَ (الْآخِرُ بِأَلْفَيْنِ، أَوْ بِمِائَتَيْنِ، أَوْ بِطَلْقَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ لَفْظًا وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْأَقَلِّ بِالتَّضَمُّنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخِرُ أَنَّهُ قَالَ أَنْتَ بَرِيَّةٌ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ وَإِنْ اتَّفَقَ الْمَعْنَى كَمَا لَوْ ادَّعَى غَصْبًا، أَوْ قَتْلًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخِرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا فِي كُلِّ قَوْلٍ جُمِعَ مَعَ فِعْلٍ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَفَعَ لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا وَشَهِدَ الْآخِرُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا لَا يُجْمَعُ؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ) أَيْ عَلَى الْأَلْفِ، أَوْ الْمِائَةِ، أَوْ الطَّلْقَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْأَكْثَرِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَقَلِّ مَعْنًى مِنْ غَيْرِ قَدْحٍ وَلَوْ ادَّعَى الْأَقَلَّ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُكَذِّبٌ لِشَاهِدِ الْأَكْثَرِ وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ) أَيْ أَلْفًا وَمِائَةً (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا (عَلَى الْأَلْفِ اتِّفَاقًا) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ بِالْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ قَيَّدَ بِدَعْوَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْأَقَلَّ بِأَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْأَلْفَ، أَوْ سَكَتَ عَنْ دَعْوَى الْمِائَةِ الزَّائِدَةِ لَا تُقْبَلُ لِظُهُورِ تَكْذِيبِهِ الشَّاهِدَ فِي الْأَكْثَرِ إلَّا إذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ بِأَنْ قَالَ كَانَ أَصْلُ حَقِّي أَلْفًا وَمِائَةً وَلَكِنْ أَبْرَأَتْ الْمِائَةَ عَنْهَا، أَوْ اسْتَوْفَيْت قُبِلَتْ لِلتَّوْفِيقِ

(وَكَذَا مِائَةٌ وَمِائَةٌ وَعَشَرَةٌ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخِرُ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٌ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ عَلَى مِائَةٍ اتِّفَاقًا. (وَ) كَذَا (طَلْقَةٌ وَطَلْقَةٌ وَنِصْفٌ) أَيْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِطَلْقَةٍ وَنِصْفٌ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا عَلَى طَلْقَةٍ إنْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مَرْكَبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا عَطْفٌ. وَفِي الْبَحْرِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْآخَرُ عَلَى عَشَرَةٍ وَخَمْسَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَل. (وَلَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ، أَوْ بِقَرْضِ أَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ (قَضَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَلْفِ (كَذَا) أَيْ خَمْسَمِائَةٍ مَثَلًا (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا (عَلَى الْأَلْفِ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ (لَا) تُقْبَلُ (عَلَى الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ (مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ (آخَرُ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ شَهَادَتُهُ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ (وَيَنْبَغِي) أَيْ يَجِبُ (لِمَنْ عَلِمَهُ) أَيْ عَلِمَ قَضَاءَ بَعْضِهِ (أَنْ لَا يَشْهَدَ) بِالْأَلْفِ كُلِّهَا (حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِهِ) أَيْ بِمَا قَبَضَ كَيْ لَا يَكُونُ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ. (وَلَوْ شَهِدَا بِقَتْلِهِ) أَيْ بِقَتْلِ شَخْصٍ (زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَ) شَهِدَ (آخَرَانِ بِقَتْلِهِ) أَيْ بِقَتْلِ ذَلِكَ الشَّخْصِ (إيَّاهُ) أَيْ زَيْدًا (فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (بِكُوفَةَ رُدَّتَا) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَا مَجَالَ لِلتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَتَكَرَّرُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ، أَوْ الْآلَةِ الَّتِي قُتِلَ بِهَا رُدَّتَا أَيْضًا قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِمْ الْقَاتِلَ بِذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ، أَوْ مَكَانَيْنِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ بِإِحْدَى شَهَادَتَيْنِ (أَوْ لَا بَطَلَتْ) الشَّهَادَةُ (الْأَخِيرَةُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ عَلَى الْأُخْرَى بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا تُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ. (وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (فِي لَوْنِهَا) أَيْ فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ أَطْلَقَ اللَّوْنَ فَشَمِلَ جَمِيعَ الْأَلْوَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْ قَالَ أَحَدُهُمَا حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ صَفْرَاءُ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ (قُطِعَ) أَيْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَقُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَيْسَ فِي صُلْبِ الشَّهَادَةِ وَلِذَا لَوْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ اللَّوْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مَعَ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ فِي اللَّيَالِي غَالِبًا وَيَكُونُ التَّحَمُّلُ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَشَابَهُ عَلَيْهِمَا اللَّوْنَانِ، أَوْ يَجْتَمِعَانِ بِأَنْ يَكُونَ السَّوَادُ مِنْ جَانِبٍ فَأَحَدُهُمَا يَرَاهُ وَالْبَيَاضُ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ يَرَاهُ. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ احْتِيَالٌ فِي إيجَابِ الْحَدِّ وَالْأَصْلُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمَا قِيلَ فِي دَفْعِهِ أَنَّهُ صِيَانَةٌ لِلْحُجَّةِ عَنْ التَّعْطِيلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ ضَرُورَةً ضَعِيفٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَوْ قِيلَ يَثْبُتُ الْمَالُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ لَكَانَ، أَوْفَقَ لِلْأُصُولِ

أَقْرَبُ إلَى الْعُقُودِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) أَيْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ ذَكَرًا وَالْآخَرُ قَالَ أُنْثَى (لَا) يُقْطَعُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَطَابُقِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَعْنَى لِاخْتِلَافِهِمَا فِي جِنْسَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَا يُقْطَعُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا اخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا وَفِيمَا اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْبَيْضَاءَ غَيْرُ السَّوْدَاءِ فَكَانَا سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى وَاحِدٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ قِيلَ هَذَا اخْتِلَافٌ فِيمَا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ فَإِذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ، أَوْ بَيْضَاءَ فَاخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا كَمَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَرْوَزِيِّ وَالْهَرَوِيِّ فِي سَرِقَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ أَحَدَهُمَا (وَفِي الْغَصْبِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَا بِغَصْبِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا (لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ غَالِبًا عَلَى قُرْبٍ مِنْهُ فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمَا. وَفِي التَّنْوِيرِ وَفِي الْعَيْنِ تُقْبَلُ (وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالشِّرَاءِ، أَوْ الْكِتَابَةِ بِأَلْفٍ) مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا. (وَ) شَهِدَ (الْآخَرُ) بِالشِّرَاءِ، أَوْ الْكِتَابَةِ (بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ رُدَّتْ) شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ، أَوْ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ أَقَلَّ الْمَالَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا قَرَّرْنَاهُ. (وَكَذَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ قَوَدٍ وَالرَّهْنُ وَالْخُلْعُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَالْقَاتِلُ) فِي الثَّانِيَةِ (وَالرَّاهِنُ) فِي الثَّالِثَةِ (وَالْمَرْأَةُ) فِي الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقْصِدُونَ إثْبَاتَ الْمَالِ بَلْ إثْبَاتَ الْعَقْدِ، وَهُوَ مُخْتَلِفٌ فَلَا تُقْبَلُ. (وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ) أَيْ الْمَوْلَى فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ فِي الصُّلْحِ عَنْ قَوَدٍ وَالْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ وَالزَّوْجُ فِي الْخُلْعِ بِأَنْ يَدَّعِيَ مَوْلَى الْعَبْدِ أَنِّي أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْعَبْدُ: عَلَى أَلْفٍ، أَوْ ادَّعَى وَلِيُّ الْقِصَاصِ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْقَاتِلُ: عَلَى أَلْفٍ وَكَذَا الْبَاقِيَانِ (كَانَ كَدَعْوَى الدَّيْنِ) فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى أَلْفٍ إذَا ادَّعَى أَلْفًا وَمِائَةً بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا ادَّعَى أَلْفَيْنِ لَا تُقْبَلُ عِنْده خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ ادَّعَى الْأَقَلَّ مِنْ الْمَالَيْنِ تُعْتَبَرُ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ مِنْ التَّوْفِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالسُّكُوتِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَفِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنُ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَانَتْ دَعْوَاهُ غَيْرَ مُفِيدَةٍ فَكَانَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ يُقْضَى بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ إجْمَاعًا، وَفِي الْعِنَايَةِ وَالدُّرَرِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ (وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَوَّلِ الْمُدَّةِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْإِجَارَةِ

فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ، أَوْ أَكْثَرِهِمَا (وَكَالدَّيْنِ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَثَبَتَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ وَهُوَ الْأَقَلُّ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْآجِرُ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ اعْتِرَافٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا اعْتَرَفَ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ، أَوْ اخْتِلَافِهِمَا وَهَذَا إنْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ وَإِنَّ الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُهُ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَإِنْ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فَيُؤْخَذُ الْمُسْتَأْجِرُ بِاعْتِرَافِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (وَفِي النِّكَاحِ تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (بِأَلْفٍ) إذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ بِالْأَلْفِ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ وَمِنْ حُكْمِ التَّابِعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ وَلِذَا لَا يَبْطُلُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ وَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْحَلُّ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِهِ فَيَبْقَى الْمَهْرُ مَالًا مُنْفَرِدًا وَقَضَى بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ (وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ دَعْوَى الْأَقَلِّ، أَوْ الْأَكْثَرِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبَيْنَ كَوْنِ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجِ، أَوْ الزَّوْجَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ هُوَ النِّكَاحُ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَهْرِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَلُزُومُ إكْذَابِ شَاهِدِ الْأَكْثَرِ عِنْدَ دَعْوَى الْأَقَلِّ لَا يَضُرُّ فِي ثُبُوتِ النِّكَاحِ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا (وَقَالَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (رُدَّتْ) الشَّهَادَةُ (فِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ إذْ النِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ فَالْعَمَلُ بِالِاسْتِحْسَانِ، أَوْلَى وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَالدَّيْنِ وَالْقَرْضِ وَالْبَرَاءَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَرِّ فِي شَهَادَةِ الْإِرْثِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْوَارِثُ عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيهِ وَشَهِدَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَجُرَّ الْمِيرَاثَ حَقِيقَةً (بِأَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لِلْمُدَّعِي) ، أَوْ حُكْمًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَاتَ وَهَذَا مِلْكُهُ، أَوْ فِي يَدِهِ) وَتَصَرُّفِهِ أَمَّا إنْ قَالَ إنَّهُ كَانَ لِابْنِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ الْجَرِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ)

فَإِنَّهُ قَالَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِلَا جَرٍّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُوَرِّثِ مِلْكُ الْوَارِثِ لِكَوْنِ الْوِرَاثَةِ خِلَافَةً وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَلْمُوَرِّثِ شَهَادَةً بِهِ لِلْوَارِثِ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ يَتَجَدَّدُ فِي الْأَعْيَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَجَدَّدْ فِي حَقِّ الدُّيُونِ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْوَارِثِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُوَرَّثَةِ وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُوَرِّث الْفَقِيرِ، وَالْمُتَجَدِّدُ يَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ لِئَلَّا يَكُونَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُثْبَتًا لَكِنْ يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى قِيَامِ يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِي عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يُسَوِّيَ أَسْبَابَهُ وَيُبَيِّنَ مَا كَانَ مِنْ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكَهُ فَجَعَلَ الْيَدَ عِنْدَ الْمَوْتِ دَلِيلَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالدُّرَرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَلَا بُدَّ مَعَ الْجَرِّ الْمَذْكُورِ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ الْوِرَاثَةِ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَخُوهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ الشَّاهِدِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ قَالَ: لَا وَارِثَ لَهُ بِأَرْضِ كَذَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَذِكْرُ اسْمِ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ وَوَارِثُهُ وَلَمْ يُسَمَّ الْمَيِّتُ تُقْبَلُ بِدُونِ اسْمِ الْمَيِّتِ (فَإِنْ قَالَ) الشَّاهِدُ (كَانَ هَذَا الشَّيْءُ لِأَبِ الْمُدَّعِي أَعَارَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ قُبِلَتْ) الشَّهَادَةُ (بِلَا جَرٍّ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ يَدُ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ شَهِدَ بِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي مُنْذُ كَذَا) وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ عِنْدَ الدَّعْوَى (رُدَّتْ) شَهَادَتُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ. (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ قُبِلَتْ) فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ إلَّا الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ فَإِنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى يَدِ مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَلَا يَمْلِكُ الْقَضَاءَ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ وَبِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ وَعَنْ هَذَا قَالَ: وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِمَا مَرَّ. (وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ. (وَكَذَا) يُؤْمَرُ بِدَفْعِهِ (لَوْ شَهِدَا بِإِقْرَارِهِ) أَيْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ.

باب الشهادة على الشهادة

[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] ِ لَا يَخْفَى حُسْنُ تَأْخِيرِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأُصُولِ (تُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ اسْتِحْسَانًا فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ كَالْأَمْوَالِ وَالْوَقْفِ عَلَى الصَّحِيحِ إحْيَاءً لَهُ وَصَوْنًا عَنْ انْدِرَاسِهِ وَالتَّعْزِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَقَضَاءُ الْقَاضِي وَكِتَابُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (فِي غَيْر حَدٍّ وَقَوَدٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَكَرَّرَتْ) مَرَّتَيْنِ، أَوْ مَرَّاتٍ أَيْ تَجُوزُ فِي دَرَجَاتٍ ثُمَّ فَثَمَّ كَمَا تَجُوزُ فِي دَرَجَةٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِيهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهَا لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ لَأَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ؛ وَلِهَذَا جُوِّزَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ أَيْ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ إلَّا أَنَّ فِيهَا شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ، أَوْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِجِنْسِ الشُّهُودِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِهَا أَيْضًا (وَشَرَطَ لَهَا) أَيْ لِهَذِهِ الشَّهَادَةِ (تَعَذُّرَ حُضُورِ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلُ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَضِيَّةِ لِأَدَائِهَا بِأَحَدٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ (بِمَوْتٍ) أَيْ بِمَوْتِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ الْأَصْل إذَا مَاتَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَرْعِهِ فَيُشْتَرَطُ حَيَاةُ الْأَصْلِ (أَوْ مَرَضٍ) أَيْ يَكُونُ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ بِهِ حُضُورَ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُخَدَّرَةً وَهِيَ الَّتِي لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ، وَلَوْ خَرَجَتْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، أَوْ لِلْحَمَّامِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا إذَا حُبِسَ الْأَصْلُ فِي سِجْنِ الْوَالِي وَأَمَّا فِي سِجْنِ الْقَاضِي فَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا

فِي السِّرَاجِ فَعَلَى هَذَا إنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِحَصْرٍ (أَوْ سَفَرٍ) شَرْعِيٍّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا تَمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ بِلَا مِرْيَةٍ فَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ بِحَيْثُ لَوْ حَضَرَ الْأَصْلُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ أَمْكَنَهُ الْبَيْتُوتَةُ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ تُقْبَلْ وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُضْمَرَاتِ قَالُوا الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمَصْرِ. (وَ) شَرْطٌ (أَنْ يَشْهَدَ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ اثْنَانِ) ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ (لَا) يَشْتَرِطُ (تَغَايُرَ فَرْعَيْ الشَّاهِدَيْنِ) بَلْ يَكْفِي الْفَرْعَانِ لِلْأَصْلَيْنِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ شَهِدَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ آخَرَ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ تُقْبَلُ عِنْدَنَا لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ ذَكَرَهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالتَّغَايُرِ وَلَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ الْفَرْعِ أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرَعَيْنَ قَامَا مَقَامَ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَصَارَا كَالْمَرْأَتَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْكَنْزِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْحَاوِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ سَهْوٌ وَمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِتَمَامِ النِّصَابِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهَا رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (وَصِفَتُهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (أَنْ يَقُولَ) الشَّاهِدُ (الْأَصْلُ) أَيْ أَصْلُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ التَّحْمِيلِ مُخَاطِبًا لِلْفَرْعِ (اشْهَدْ) عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمْرٌ مِنْ الثَّلَاثِي فَلَوْ أَشْهَدَ رَجُلًا وَهُنَاكَ رَجُلٌ يَسْمَعُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ (عَلَى شَهَادَتِي) فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (أَنِّي أَشْهَدُ بِكَذَا) أَيْ بِأَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْجُمْلَةُ بَدَلٌ مِنْ الْمَجْرُورِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى شَهَادَتِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ لَهُ الشَّهَادَةُ وَقَيَّدَ بِعَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِشَهَادَتِي لَمْ تَجُزْ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا سَمِعَاهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ قَوْلِهِ إلَى أَنَّ سُكُوتَ الْفَرْعِ عِنْدَ تَحَمُّلِهِ يَكْفِي لَكِنْ لَوْ قَالَ: لَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ شَاهِدًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ

عِنْده (وَيَقُولُ) الشَّاهِدُ (الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَشْهَدُ) عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي) مَاضٍ مِنْ الْأَفْعَالِ (عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ) أَمْرٌ مِنْ الثَّلَاثِي (عَلَى شَهَادَتِي بِهِ) أَيْ بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْفَرْعِ وَذِكْرِ الْفَرْعِ شَهَادَةَ الْأَصْلِ وَذِكْرِ التَّحْمِيلِ وَلَهَا لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا بِأَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ أَشْهَدُ بِكَذَا، أَوْ أَنَا أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَيَقُولُ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي وَقْتَ أَدَائِهِ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَمَرَنِي بِأَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ، أَوْ أُقَصِّرُ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا وَيَقُولُ الْفَرْعُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي اللَّيْثِ وَالْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ الْأَوْسَطَ لِمَا قَالُوا خَيْرُ الْأُمُورِ، أَوْسَاطُهَا (وَيَصِحُّ تَعْدِيلُ الْفَرْعِ أَصْلَهُ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ نَاقِلٌ عِبَارَةَ الْأَصْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَبِالنَّقْلِ يَنْتَهِي حُكْمُ النِّيَابَةِ فَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا فَيَصِحُّ تَعْدِيلُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفُرُوعَ مَعْرُوفُونَ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَعَدَّلُوا الْأُصُولَ وَأَنْ يُعَرِّفَهُمْ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ تَعْدِيلَ أُصُولِهِمْ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ عَدْلًا فَلَوْ خَرِسَ، أَوْ فَسَقَ، أَوْ عَمِيَ، أَوْ ارْتَدَّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ فَرْعِهِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ غَابَ كَذَا سَنَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ بَقَاؤُهُ عَلَى عَدَالَتِهِ قُبِلَتْ شَهَادَةُ فَرْعِهِ إنْ كَانَ الْأَصْلُ رَجُلًا مَشْهُورًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. (وَ) يَصِحُّ تَعْدِيلُ (أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ) الْفَرْعَيْنِ الَّذِي هُوَ عَدْلٌ عِنْدَ الْقَاضِي الْفَرْعَ (الْآخَرَ) الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَدَّلُ لِيَصِيرَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مَنْفَعَةٌ لِنَفْسِهِ فَيُتَّهَمَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُغْنٍ عَنْ السَّابِقِ وَشَامِلٌ لِتَعْدِيلِ الْأَصْلِ فَرْعَهُ إذَا حَضَرَ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِنْ سَكَتَ) أَيْ الْفَرْعُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ تَعْدِيلِ الْأَصْلِ (جَازَ وَنَظَرَ) أَيْ نَظَرَ الْقَاضِي (فِي حَالِهِ) أَيْ حَالِ الْأَصْلِ كَمَا لَوْ حَضَرَ الْأَصْلُ بِنَفْسِهِ وَيُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ الْأَصْلِ غَيْرُ الْفَرْعِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ مَسْتُورًا (وَإِنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ تُقْبَلُ) شَهَادَةُ فَرْعِهِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْفَرْعِ هُوَ النَّقْلُ لَا التَّعْدِيلُ إذْ يَخْفَى عَلَيْهِ عَدَالَتُهُ (. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْفَرْعُ عَدَالَةَ الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ فَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِهِ. (وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ) قَبْلَ الْحُكْمِ (بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ)

أَيْ الْإِشْهَادَ بِأَنْ قَالُوا لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا، أَوْ غَابُوا ثُمَّ شَهِدَ الْفُرُوعُ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَتَقَرُّرُ الْأَصْلِ عَلَى شَهَادَتِهِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشْهَدَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ نَهَاهُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ قَيَّدَ بِالْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سُئِلَ فَسَكَتَ لَمْ يَبْطُلْ الْإِشْهَادُ وَقَيَّدْنَا بِقَبْلِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ بِعَدَمِ الْحُكْمِ لَمْ تَبْطُلْ لِمَا قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ وَمُرَادُهُ مِنْ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ: عَدَمُ قَبُولِهَا وَأَمَّا الْحُكْمُ الْوَاقِعُ قَبْلَ الْإِنْكَارِ فَلَا يَبْطُلُ. (وَإِنْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ) أَنَّهَا أَقَرَّتْ لِفُلَانٍ بِكَذَا (وَقَالَا) أَيْ الْفَرْعَانِ (أَخْبَرَانَا) أَيْ الْأَصْلَانِ (أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا) أَيْ الْفُلَانَةَ (وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِامْرَأَةٍ) مُنْكِرَةٍ (لَمْ يَدْرِيَا) الْفَرْعَانِ (أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ (هِيَ) أَيْ الْفُلَانَةُ (أَمْ لَا قِيلَ لَهُ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي قَدْ ثَبَتَ لَك الْحَقُّ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا نَقَلَا كَلَامَ الْأُصُولِ كَمَا تَحَمَّلَا وَقَوْلُهُمَا لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا لَا يُوجِبُ جَرْحًا فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْرِفَا فَقَدْ عَرَفَهَا الْأُصُولُ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةٍ لِكَوْنِهَا عَامَّةً إذْ عَدَدُهُمْ لَا يُحْصَى وَلِذَا قَالَ لَهُ (هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا هِيَ) ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ أَنَّهَا لَهَا. (وَكَذَا فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ) وَهُوَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لِكَمَالِ دِيَانَتِهِ وَوُفُورِ وِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِالنَّقْلِ، وَإِنَّمَا صَوَّرَهَا فِي الْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ لِغَلَبَةِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْمَرْأَةِ (فَإِنْ قَالَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ وَالنَّقْلِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ (التَّمِيمِيَّةُ لَا يَجُوزُ) قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النِّسْبَةِ غَيْرُ تَامَّةٍ فِي التَّعْرِيفِ لِكَوْنِهَا عَامَّةً مَعَ كَوْنِهَا فِي امْرَأَةٍ (حَتَّى يَنْسِبَاهَا إلَى فَخِذِهَا) وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ يَعْنِي عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْجَدِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ الْعَامَّةِ كَالنِّسْبَةِ إلَى بَنِي تَمِيمٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ قَبَائِلُ كَثِيرُونَ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ (وَالتَّعْرِيفُ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ) وَالْفَخِذِ (أَوْ بِنِسْبَةٍ خَاصَّةٍ) ثُمَّ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (وَالنِّسْبَةُ إلَى الْمِصْرِ، أَوْ الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ عَامَّةٌ وَإِلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ خَاصَّةٌ) . وَفِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْحَاضِرِ وَفِي الْغَائِبِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْبَابِ لَا تَكْفِي عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ خِلَافًا لِلثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَنْسِبْ إلَى الْجَدِّ وَنَسَبَهُ إلَى الْأَبِ الْأَعْلَى كَتَمِيمِيٍّ، أَوْ نَجَّارِيٍّ، أَوْ إلَى الْحِرْفَةِ لَا إلَى الْقَبِيلَةِ وَالْجَدِّ لَا تَكْفِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا أَنَّ مَعْرُوفًا بِالصِّنَاعَةِ تَكْفِي وَإِنْ نَسَبَهَا إلَى زَوْجِهَا تَكْفِي وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ.

باب الرجوع عن الشهادة

[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] ِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا قَبْلَهُ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ خَلَاصًا عَنْ عِقَابِ الْكَبِيرَةِ وَتَرْجَمَ بِالْبَابِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ أَبْوَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ رَفْعًا لِلشَّهَادَةِ لَكِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَهَا كَدُخُولِ النَّوَاقِضِ فِي الطَّهَارَةِ قِيلَ رُكْنُهُ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ، أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت بِهِ، أَوْ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَلَوْ أَنْكَرَهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَنْ هَذَا قَالَ (لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الشَّهَادَةِ (إلَّا عِنْدَ قَاضٍ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ، أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِهِ فَيَخْتَصُّ الرُّجُوعُ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَاضِي (فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا) أَيْ رُجُوعَ الشَّاهِدَيْنِ (عِنْدَ غَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي (لَا يَحْلِفَانِ) أَيْ الشَّاهِدَانِ إذَا أَرَادَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ التَّحْلِيفَ (وَلَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ) أَيْ بُرْهَانُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رُجُوعِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا (بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا (وُقُوعَهُ) أَيْ وُقُوعَ الرُّجُوعِ (عِنْدَ قَاضٍ) آخَرَ غَيْرَ الَّذِي كَانَ قَضَى بِالْحَقِّ (وَتَضْمِينُهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وُقُوعُهُ أَيْ تَضْمِينُ الْقَاضِي الْمَالَ (إيَّاهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَحْلِفَانِ إنْ أَنْكَرَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَقَرَّ بِرُجُوعٍ بَطَل؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ إنْشَاءً لِلْحَالِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ ادَّعَى رُجُوعَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَدَّعِ الْقَضَاءَ بِالرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إلَّا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ (فَإِنْ رَجَعَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ (قَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَحْكُمُ) الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا إذْ لَا قَضَاءَ بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ لَكِنْ يُعَزَّرُ الشَّاهِدُ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ رَجَعَا عَنْ بَعْضِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَا بِدَارٍ وَبِنَائِهَا، أَوْ بِأَتَانٍ وَوَلَدِهَا ثُمَّ رَجَعَا فِي الْبِنَاءِ وَالْوَلَدِ لَمْ يَحْكُمْ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ فَسَّقَ نَفْسَهُ وَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ تُرَدُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ. (وَإِنْ) رَجَعَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ (لَا يَنْقُضُ) الْقَاضِي حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ قَدْ تَأَكَّدَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنَاقِضُهُ الثَّانِي وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَ مَا شَهِدَ فِي الْعَدَالَةِ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مُعَزِّيًا إلَى الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الرَّاجِعِ فَإِنْ كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلُ مِنْ حَالِهِ وَقْتَ

الشَّهَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ بِرُجُوعِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِثْلُ حَالِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ، أَوْ دُونَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَشْهُودُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لِمُخَالَفَةِ مَا نَقَلُوهُ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ عَدَمُ تَضْمِينِهِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ فِي نَقْلِهِ مُنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلَ الْبَابِ بِالضَّمَانِ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ مِثْلُ مَا فِي الْخِزَانَةِ لَكِنَّهُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ أُسْتَاذِهِ حَمَّادٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَتَّى لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ هُوَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ تَأَمَّلْ (وَضُمِّنَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (مَا أَتْلَفَاهُ بِهَا) أَيْ بِالشَّهَادَةِ لِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالضَّمَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسَبُّبِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ قُلْنَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَهُوَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ إلَى الْقَضَاءِ وَفِي إيجَابِهِ صَرْفُ النَّفْسِ عَنْ تَقَلُّدِهِ وَتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَاضٍ فَاعْتُبِرَ التَّسَبُّبُ وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ (إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي مُدَّعَاهُ دَيْنًا كَانَ، أَوْ عَيْنًا) ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِالْقَبْضِ يَتَحَقَّقُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِلْزَامِ الدَّيْنِ وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْكَنْزَ وَالْهِدَايَةَ فِي تَقْيِيدِهِ وَهُوَ مُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَخَالَفَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى فِي إطْلَاقِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا بِالضَّمَانِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ مَرْجُوعٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ عَيْنًا فَلِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلُ عَدَمِ انْحِصَارِ تَضْمِينِ الشَّاهِدِ فِي رُجُوعِهِ فَلْيُرَاجَعْ (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِ فِي دَعْوَى حَقٍّ بَعْدَ الْقَضَاءِ (ضَمِنَ) الرَّاجِعُ (نِصْفًا) إذْ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقُومُ نِصْفُ الْحُجَّةِ فَبِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى الشَّهَادَةِ تَبْقَى الْحُجَّةُ فِي النِّصْفِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ ضَمَانُ مَا لَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ فِيهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْعِبْرَةُ) فِي بَابِ الضَّمَانِ (لِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْمَشْهُودِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْعِبْرَةُ لِمَنْ رَجَعَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمْ (لَا لِمَنْ رَجَعَ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ بَقِيَ اثْنَانِ يَبْقَى كُلُّ الْحَقِّ وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ يَبْقَى النِّصْفُ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ

فَقَالَ (فَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةُ) رِجَالٍ بِحَقٍّ (وَرَجَعَ وَاحِدٌ) عَنْ شَهَادَتِهِ (لَا يَضْمَنُ) الرَّاجِعُ شَيْئًا لِبَقَاءِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ) بَعْدَ رُجُوعِ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَعَلَى هَذَا إنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ رَجَعَ تَعْقِيبِيَّةٌ (ضَمِنَا) أَيْ الرَّاجِعَانِ (نِصْفًا) مِنْ الْمَقْبُوضِ لِبَقَاءِ نِصْفِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الرَّاجِعُ الثَّانِيَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ أُضِيفَ إلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّلَفَ مُضَافٌ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ رُجُوعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ الْمَانِعُ بِرُجُوعٍ آخَرَ ظَهَرَ أَثَرُهُ. (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُمَا (ضَمِنَتْ) الرَّاجِعَةُ (رُبُعًا) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. (وَإِنْ رَجَعَتَا) أَيْ الْمَرْأَتَانِ (ضَمِنَتَا نِصْفًا) لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ ثَمَانٍ) مِنْهُنَّ (لَا يَضْمَنَّ) عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبَةِ (شَيْئًا) لِبَقَاءِ النِّصَابِ وَهُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْعَشْرِ (فَإِنْ رَجَعَتْ) امْرَأَةٌ (أُخْرَى) بَعْدَ رُجُوعِ الثَّمَانِ مِنْ الْعَشْرِ (ضَمِنَ) النِّسْوَةُ (التِّسْعُ رُبْعًا) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ كَمَا مَرَّ. (وَإِنْ رَجَعَ) النِّسْوَةُ (الْعَشْرُ) دُونَ الرَّجُلِ (ضَمِنَّ) صِيغَةُ جَمْعِ مُؤَنَّثٍ غَائِبَةٍ (نِصْفًا) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَإِنْ رَجَعَتْ فِي الْمَحَلَّيْنِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ وَضَمِنَ التِّسْعُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَضَمِنَتْ فَنَقُولُ يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَقَالَ نِسْوَةٌ} [يوسف: 30] وَوَجْهُهُ بَيِّنٌ فِي التَّفَاسِيرِ فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ) أَيْ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ (فَعَلَى الرَّجُلِ سُدُسٌ) أَيْ سُدُسُ الْحَقِّ (وَعَلَيْهِنَّ) أَيْ عَلَى النِّسَاءِ (خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتْ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَعَشْرُ نِسْوَةٍ كَخَمْسَةٍ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ يَكُونُ أَسْدَاسًا فَعَلَى الرَّجُلِ غُرْمُ السُّدُسِ هُوَ حِصَّةُ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْعَشْرِ وَعَلَيْهِنَّ غُرْمُ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ (وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ (نِصْفٌ وَعَلَيْهِنَّ) أَيْ عَلَى النِّسَاءِ (نِصْفٌ) ؛ لِأَنَّ الْعَشْرَ مِنْ النِّسَاءِ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَكُنَّ نِصْفَ النِّصَابِ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يَكُونُ نِصْفَ النِّصَابِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ فَيَكُونُ الْغُرْمُ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَفِي التَّبْيِينِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَثَمَانُ نِسْوَةٍ مِنْهُنَّ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسْوَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيُجْعَلُ الرَّاجِعَاتُ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ

بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ انْتَهَى. لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ نِصْفَ الْمَالِ وَلَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ نِصْفُ الْمَالِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ اخْتَارَ قَوْلَهُمَا فَلَا سَهْوَ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ فَرَجَعُوا فَالْغُرْمُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ بَلْ هِيَ بَعْضُ الشَّاهِدِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ (وَلَا يَضْمَنُ رَاجِعٌ شَهِدَ بِنِكَاحٍ بِمَهْرٍ مُسَمًّى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمَرْأَةِ (أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الزَّوْجِ، الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا، أَوْ نِكَاحًا، أَوْ نَحْوَهُمَا لَمْ يَضْمَنْ الشُّهُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يُعَادِلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يُعَادِلُهُ فَبِقَدْرِ الْعِوَضِ لَا ضَمَانَ بَلْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِلَا عِوَضٍ أَصْلًا وَجَبَ ضَمَانُ الْكُلِّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ جَاحِدَةٌ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَقُضِيَ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مِقْدَارَ مَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ أَتْلَفَا الْبُضْعَ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ لَا يَعْدِلُهُ لَكِنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ ضَرُورَةَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ يُقَدَّرُ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَقَدْ صَارَ مُتَقَوِّمًا إظْهَارًا لِخَطَرِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ) يَعْنِي إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْمُسَمَّى، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا الْمَهْرَ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ بَيَّنَّا الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى ضَمِنَا الزِّيَادَةَ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِ الْمَهْرِ، أَوْ بَعْضِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا لَهَا (وَلَا) يَضْمَنُ (مَنْ شَهِدَ بِطَلَاقٍ بَعْدَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا إتْلَافَ (وَيَضْمَنُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الْمَهْرِ) إنْ كَانَ مُسَمًّى، أَوْ الْمُتْعَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا ضَمَانًا عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ، أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ؛ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَيُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ وَكَانَ وَاجِبًا بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالثَّانِي لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ وَفِي التَّنْوِيرِ. وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا فَضَمَانُ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرَ وَلَوْ كَانَ

ذَلِكَ بَعْدَ وَطْءٍ، أَوْ خَلْوَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ (وَفِي الْبَيْعِ) يَضْمَنُ (مَا نَقَصَ عَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ) وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ وَإِنْ شَهِدَا بِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ لَوْ شَهِدَا بِشِرَائِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ ضَمِنَا مَا زَادَ عَلَيْهَا كَذَا صَرَّحُوا فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَلَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وَلَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ كَمَا فِي الْغَرَرِ لَكَانَ أَظْهَرَ، وَأَوْلَى تَدَبَّرْ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الشُّهُودُ قِيمَتَهُ حَالًّا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَأَيَّامًا اخْتَارَ بَرِئَ الْآخَرُ (وَفِي الْعِتْقِ) يَضْمَنُ (الْقِيمَةَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ، أَوْ مُعْسِرَيْنِ لِإِتْلَافِهِمَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِمَا بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَتَحَوَّلُ بِالضَّرُورَةِ إذْ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَطْلَقَ الْعِتْقَ فَانْصَرَفَ إلَى الْعِتْقِ بِلَا مَالٍ فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَقَضَى ثُمَّ رَجَعَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَلْفَ وَرَجَعَا عَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَوَلَاءُ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالتَّنْوِيرِ وَفِي التَّدْبِيرِ ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ وَفِي الْكِتَابَةِ يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ إلَيْهِمَا وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي الِاسْتِيلَادِ يَضْمَنَانِ نُقْصَانَ قِيمَةِ الْأَمَةِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ وَضَمِنَ الشَّاهِدَانِ قِيمَتَهَا لِلْوَرَثَةِ (وَفِي الْقِصَاصِ) يَضْمَنُ (الدِّيَةَ فَقَطْ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ بَكْرًا فَاقْتَصَّ زَيْدٌ ثُمَّ رَجَعَا تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَنَا لَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ وُجِدَ بِاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ فِيهِ لِاقْتِدَارِهِ عَلَى الْعَفْوِ أَيْضًا وَلَمْ يَكُونَا سَبَبًا بِالْقَتْلِ فَلِرَائِحَةِ السَّبَبِيَّةِ وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ وَهِيَ مَانِعَةٌ عَنْ الْقَوَدِ لَا عَنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ فِيهِ فَيَكُونُ سَبَبًا يُضَافُ إلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُقْتَصُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصَّانِ لِوُجُودِ الْقَتْلِ تَسْبِيبًا كَالْمُكْرَهِ. (وَيَضْمَنُ الْفَرْعُ إنْ رَجَعَ) أَيْ يَضْمَنُ شُهُودُ الْفَرْعِ بِالرُّجُوعِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ وَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ (لَا الْأَصْلُ إنْ قَالَ) الْأَصْلُ (مَا أَشْهَدْته) أَيْ الْفَرْعَ (عَلَى شَهَادَتِي) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُضَفْ إلَيْهِمْ بَلْ إلَى الْفَرْعِ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ. (وَلَوْ قَالَ) الْأَصْلُ (أَشْهَدْته) أَيْ الْفَرْعَ (وَغَلِطْت ضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأَصْلِ

فَكَأَنَّ الْأَصْلَ حَضَرَ وَشَهِدَ عِنْدَ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَ (لَا) يَضْمَنُ (عِنْدَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَقَعْ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ بَلْ بِشَهَادَةِ الْفَرْعِ وَقَوْلُهُ غَلِطْت اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ قَالَ رَجَعْت عَنْهَا فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا عِنْدَهُمَا (وَإِنْ رَجَعَ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ) جَمِيعًا بَعْدَ الْحُكْمِ (ضَمِنَ الْفَرْعُ فَقَطْ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَحْصُلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْفَرْعِ فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْ الْفَرِيقَيْنِ) مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (شَاءَ) أَيْ إنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفَرْعِ مِنْ وَجْهٍ وَشَهَادَةِ الْأَصْلِ مِنْ وَجْهٍ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمْ فِي التَّضْمِينِ (وَقَوْلُ الْفَرْعِ: كَذَبَ) فِعْلٌ مَاضٍ (أَصْلِيٌّ، أَوْ غَلِطَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) يَعْنِي بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا أَمْضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْقَضُ بِقَوْلِهِمْ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ. (وَإِنْ رَجَعَ الْمُزَكِّي عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنَ) أَيْ ضَمِنَ الْمُزَكِّي بِالرُّجُوعِ عَنْ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بَعْدَ أَنْ زَكَّاهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِالتَّزْكِيَةِ يَكُونُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ مَعْنًى فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا، أَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا قَالَ الْمُزَكِّي أَخْطَأْت فِيهَا فَلَا ضَمَانَ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قُيِّدَ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِمْ عَبِيدًا لَكَانَ أَوْلَى وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالُوا إنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَكَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا (وَلَا يَضْمَنُ شَاهِدُ الْإِحْصَانِ بِرُجُوعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ مُحْصَنٍ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ. (وَلَوْ رَجَعَ شَاهِدُ الْيَمِينِ وَشَاهِدُ الشَّرْطِ ضَمِنَ شَاهِدُ الْيَمِينِ خَاصَّةً) يَعْنِي إذَا شَهِدَا أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ وُجِدَ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ جَمِيعُهُمْ يَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْعِلَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ وَلَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَانَ مَانِعًا وَهُمْ أَثْبَتُوا زَوَالَ الْمَانِعِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ لَا إلَى زَوَالِ الْمَانِعِ. (وَلَوْ رَجَعَ شَاهِدُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ شَاهِدُ الشَّرْطِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ (وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا) بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا، أَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ، أَوْ مَوْتِهِ فَجَاءَ حَيًّا، أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا

كتاب الوكالة

وَلَيْسَتْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ (شُهِّرَ) فَقَطْ (وَلَا يُعَزَّرُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ (وَعِنْدَهُمَا يُوجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ) . وَفِي الْكَافِي اعْلَمْ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً اتَّصَلَ ضَرَرُهَا بِمُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَعْزِيرِهِ فَقَالَ الْإِمَامُ تَعْزِيرُهُ تَشْهِيرُهُ فَقَطْ وَقَالَا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا الْقَاضِيَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانَ يُشَهِّرُ بِأَنْ يَبْعَثَهُ إلَى سُوقِهِ، أَوْ إلَى قَوْمِهِ لِإِفْشَاءِ قَبَاحَتِهِ وَهَذَا التَّشْهِيرُ لَا يَخْفَى عَلَى الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَكَانَ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ احْتِجَاجًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا تَقْلِيدًا لِشُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ بِدَلَالَةِ التَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالتَّسْخِيمِ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] ِ مُنَاسَبَتُهَا لِلشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ فِي مَعَاشِهِ إلَى التَّعَاضُدِ وَالشَّهَادَةِ مِنْهُ فَكَذَا الْوَكَالَةُ وَهِيَ لُغَةً بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلتَّوْكِيلِ مِنْ وَكَّلَهُ بِكَذَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْأَمْرَ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَقِيلَ هِيَ الْحِفْظُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَالتَّوْكِيلُ صَحِيحٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَشَرْعًا (هِيَ) أَيْ الْوَكَالَةُ (إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامُ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ) وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا ثَبَتَ بِأَدْنَى التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الْحِفْظُ فِيمَا إذَا قَالَ وَكَّلْتُك بِمَالِي فَلَوْ قَالَ فِي تَصَرُّفٍ جَائِزٍ مَعْلُومٍ لَكَانَ، أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا يَشْمَلُ الْجَائِزَ وَالْمَعْلُومَ وَغَيْرَهُمَا كَمَا فِي الْمِنَحِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ تَدَبُّرٍ (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْوَكَالَةِ (كَوْنُ الْمُوَكِّلِ) اسْمُ فَاعِلٍ (مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ لِلْمُفِيدِ مِنْ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيُقَدِّرَهُ قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيلُ حَاصِلًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ فَكَوْنُ الْمُوَكِّلِ مَالِكًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ الْوَكِيلَ

شروط الوكالة

لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ هَذَا التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى. لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَقَادِرًا عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَارِضِ النَّهْيِ فَلَا يَلْزَمُ مَا قِيلَ تَدَبَّرْ. [شُرُوط الْوَكَالَة] (وَ) شَرْطُهَا أَيْضًا كَوْنُ (الْوَكِيلِ) مِمَّنْ (يَعْقِلُ الْعَقْدَ) وَيَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمَبِيعِ وَجَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالشِّرَاءَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ وَالْيَسِيرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ وَفَرْقُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ انْتَهَى. لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ هُوَ الْمُمَيِّزُ مُطْلَقًا فَلَا يُرَدُّ تَدَبَّرْ (وَيَقْصِدُهُ) أَيْ يَقْصِدُ الْوَكِيلُ ثُبُوتَ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُصُولَ الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ فَلَا يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ لَا فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَعَدَمِهِ وَعَدَمِ وُقُوعِهِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَلِذَا تَرَكَهُ فِي الْكَنْزِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ يَقْصِدُهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِلُ وَالْعَطْفُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَصْدِ يُعْلَمُ كَمَالُ الْعَقْلِ تَدَبَّرْ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ الْمَعْتُوهَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ لَمْ يُرَجِّحْ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ، وَإِلَى أَنَّ عِلْمَ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ لِمَنْ يَشْتَرِطُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ جَازَ خِلَافًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْحُرِّ الْبَالِغِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَاقِلِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْمَجْنُونِ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ مُطْلَقًا وَصَبِيٍّ يَعْقِلُ بِنَحْوِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ وَصَحَّ تَوْكِيلُهُ بِمَا يَنْفَعُهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَبِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ ضَرَرٍ وَنَفْعٍ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ إنْ مَأْذُونًا وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ (أَوْ الْمَأْذُونِ) وَالْمُرَادُ بِالْمَأْذُونِ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَالْعَبْدُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَيْ يَصِحُّ تَوْكِيلُ كُلٍّ مِنْهُمَا (حُرًّا) مَفْعُولُ تَوْكِيلٍ (بَالِغًا، أَوْ مَأْذُونًا) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ أَهْلٌ لَهُ (أَوْ) تَوْكِيلُهُمَا (صَبِيًّا عَاقِلًا، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورَيْنِ) قَيْدٌ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ أَهْلٌ لِلْعِبَارَةِ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَكَذَا الْعَبْدُ حَتَّى يَصِحَّ طَلَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِمَا بَلْ إلَى مُوَكِّلِهِمَا إذْ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ فَالصَّبِيُّ لِقُصُورِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَأْذُونَيْنِ بِحَيْثُ تَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ، أَوْ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَرَجَعَ بِهِ

عَلَى الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا (بِكُلِّ مَا) كَوْنُهُ مَوْصُوفَةٌ، أَوْلَى مِنْ الْمَوْصُولَةِ وَالظَّرْفُ لِلتَّوْكِيلِ أَيْ صَحَّ التَّوْكِيلُ لِكُلِّ عَقْدٍ (يَعْقِدُهُ هُوَ) أَيْ الْمُوَكَّلُ (بِنَفْسِهِ) أَيْ مُسْتَبِدًّا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَازِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَشْكُلُ بِتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ، أَوْ الذِّمِّيِّ ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْلِمًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ، أَوْ شِرَائِهَا وَبِالتَّوْكِيلِ بِبَيْعِ الْمُسْلِمِ وَالِاسْتِقْرَاضِ كَمَا ظُنَّ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ كَافِيَةٌ لِلْأَوَّلِينَ وَالثَّالِثُ مُسْتَثْنًى بِقَرِينَةِ الْآتِي وَالرَّابِعُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِوَجْهٍ آخَرَ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا. (وَ) صَحَّ التَّوْكِيلُ (بِإِيفَاءِ كُلِّ حَقٍّ وَبِاسْتِيفَائِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى طَرِيقِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ بِالضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ بِالْإِيفَاءِ دَفْعُ مَا عَلَيْهِ وَبِالِاسْتِيفَاءِ الْقَبْضُ (إلَّا فِي حَدٍّ) كَقَذْفٍ، أَوْ سَرِقَةٍ (وَقَوَدٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِمَا (مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ وَجَبَ لِي عَلَى فُلَانٍ حَدٌّ، أَوْ قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ، أَوْ الطَّرَفِ فَوَكَّلْتُك أَنْ تَطْلُبَهُ مِنْهُ فَقَبِلَ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَهُمَا بِدُونِ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ بَاطِلٌ لِسُقُوطِهِمَا بِالشُّبْهَةِ وَعِنْدَ حُضُورِهِ يَجُوزُ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِمَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهِمَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي نَفْسِ التَّوْكِيلِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْكِيلِ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ لَهُ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صَحَّ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَاءِ التَّعْزِيرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ فِي الْقَوَدِ وَإِنْ غَابَ الْمُوَكِّلُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ. (وَ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ بِالضَّرُورَةِ (بِشَرْطِ رِضَى الْخَصْمِ) فَلَوْ رَضِيَ قَبْلَ سَمَاعِ الْحَاكِمِ الدَّعْوَى ثُمَّ رَجَعَ جَازَ رُجُوعُهُ وَإِنْ بَعْدَهُ لَا. وَفِي الْعِنَايَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِدُونِ رِضَى الْخَصْمِ قَالَ الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَى الْخَصْمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ هُوَ الْمُدَّعِي، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَى الْخَصْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (لِلُزُومِهَا) فَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَلْزَمُ التَّوْكِيلُ بِلَا رِضَى الْخَصْمِ فَتَرْتَدُّ الْوَكَالَةُ بِرَدِّ الْخَصْمِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ) مَعَ وُجُودِ الْمَرَضِ (حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ) وَكَذَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الدَّعْوَى (أَوْ غَائِبًا مَسَافَةَ سَفَرٍ) أَيْ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (أَوْ مَرِيدًا لِلسَّفَرِ) يَعْنِي إذَا قَالَ: أَنَا أُرِيدُ السَّفَرَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ بِلَا رِضَى الْخَصْمِ طَالِبًا كَانَ الْمُوَكِّلُ، أَوْ مَطْلُوبًا فَلَا تَرْتَدُّ بِرَدِّ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِالِانْقِطَاعِ

عَنْ مَصَالِحِهِ لَكِنْ لَا يُصَدَّقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بَلْ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي حَالِهِ وَعِدَّةِ أَيَّامِ سَفَرِهِ، أَوْ يَسْأَلُ عَنْ رُفَقَائِهِ (أَوْ) يَكُونُ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً (مُخَدَّرَةً غَيْرَ مُعْتَادَةِ الْخُرُوجِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ) سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ ثَيِّبًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِحَقِّهَا لِحَيَائِهَا فَلَزِمَ تَوْكِيلُهَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا مُخَدَّرَةً إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَوْسَاطِ فَالْقَوْلُ لَهَا أَيْضًا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَسَافِلِ فَلَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ شَاهِدٍ لَهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحَيْضُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْمِنَحِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لَا يَرْضَى بِالتَّأْخِيرِ وَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِهِ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا وَأَمَّا حَيْضُ الطَّالِبِ فَهُوَ عُذْرٌ مُطْلَقًا وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ، أَوْ يُرْسِلَ إلَيْهَا ثَانِيًا لِيَرْفَعَ الْخُصُومَةَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فَلَا وَجْهَ لِعَدِّهِ مِنْ الْأَعْذَارِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ تُعَدَّ الْجَنَابَةُ وَالْكُفْرُ مِنْ الْأَعْذَارِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُمَا مِنْهَا تَأَمَّلْ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَا يُشْتَرَطُ رِضَى الْخَصْمِ) فَيَلْزَمُ بِلَا رِضَاهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَى غَيْرِهِ كَالتَّوْكِيلِ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَلَهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ خُصُومَةً وَآكَدُ إنْكَارًا فَيَتَضَرَّرُ بِهِ خَصْمُهُ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالْحَوَالَةِ بِالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ عَلِمَ مِنْ الْوَكِيلِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِخَصْمِهِ يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ خَصْمِ الْمُوَكِّلِ التَّعَنُّتَ فِي الْإِبَاءِ مِنْ قَبُولِ التَّوْكِيلِ يَعْمَلُ بِقَوْلِ صَاحِبِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ. (وَحُقُوقُ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَبَيْعٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ بِعْت هَذَا الشَّيْءَ مِنْك وَلَا يَقُولُ بِعْته مِنْك مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ وَكَذَا غَيْرُهُ (وَإِجَارَةٍ) وَاسْتِئْجَارٍ (وَصُلْحٍ عَنْ إقْرَارٍ) دُونَ إنْكَارٍ كَمَا سَيَأْتِي (تَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ مُوَكِّلِهِ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِكَلَامِهِ وَنَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَرَاعَيْنَا جِهَةَ أَصَالَتِهِ فِي تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَدَمَ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ فَهُوَ لَغْوٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَابِعَةٌ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَكَذَا تَوَابِعُهُ وَاعْتُبِرَهُ بِالرَّسُولِ وَبِالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْوَكِيلُ صَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا. (مَحْجُورًا) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَتَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ: الْمَأْذُونُ لَهُ إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ تَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ سَوَاءٌ

بَاعَهُ حَالًّا، أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ حَالٍّ لَزِمَتْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَاهُ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ بِالثَّمَنِ لِيَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مَا اشْتَرَاهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَلَوْ لَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ لَكَانَ مُلْتَزِمًا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ مُسْتَوْجِبًا مِثْلَهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ انْتَهَى. ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْصِيلِ الْحُقُوقِ فَقَالَ (فَيُسْلِمُ) الْوَكِيلُ (الْمَبِيعَ) إلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ (وَيَتَسَلَّمُهُ) أَيْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ عَنْ الْبَائِعِ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ (وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ) أَيْ ثَمَنَ مَبِيعِهِ فِي الْبَيْعِ (وَيُطَالَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ فِيمَا اشْتَرَى (وَيُرْجَعُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ مَا بَاعَ (وَيُخَاصِمُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ (فِي عَيْبِ مُشْرِيه وَيُرَدُّ) إلَى بَائِعِهِ (بِهِ) أَيْ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ (إنْ لَمْ يُسْلِمْهُ إلَى مُوَكِّلِهِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَا) يَرُدُّهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ (وَيُخَاصِمُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ (فِي عَيْبِ مَبِيعِهِ، وَ) يُخَاصِمُ (فِي شُفْعَتِهِ) أَيْ شُفْعَةِ مَا بَاعَ (إنْ كَانَ) الْمَبِيعُ (فِي يَدِهِ) بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُخَاصِمُ فِي الشُّفْعَةِ. (وَكَذَا شُفْعَةُ مُشْرِيه) يَعْنِي يُخَاصِمُ الْوَكِيلَ فِي شُفْعَةِ مَا اشْتَرَى بِالْوَكَالَةِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ (وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً) إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَخْلُفُ عَنْ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ كَمَا أَنَّ الرِّقَّ يَتَّهِبُ وَيَصْطَادُ إذْ الْمَوْلَى يَخْلُفُ عَنْ الْعَبْدِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِلَا مُهْلَةٍ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَعْتِقُ قَرِيبُ وَكِيلٍ شَرَاهُ) وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ مَنْكُوحَةٍ شَرَاهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ قَرِيبَهُ وَمَنْكُوحَتَهُ لِعَدَمِ تَقَرُّرِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَفَسَادَ النِّكَاحِ يَقْتَضِيَانِ تَقَرُّرَ الْمِلْكِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا التَّفْرِيعِ أَثَرُ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ لَا يَعْتِقُ بِالِاتِّفَاقِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ الْخِلَافِ تَدَبَّرْ (وَحُقُوقُ عَقْدٍ يُضِيفُهُ) الْوَكِيلُ (إلَى مُوَكِّلِهِ) مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى مُوَكِّلِهِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَالْمُرَادُ مِنْ قَرِيبِهِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الشِّرَاءَ إلَى مُوَكِّلِهِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَفْظُ الْإِضَافَةِ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ مُخْتَلِفٌ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِمَا سَفِيرٌ أَيْ حَاكٍ حِكَايَةَ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا يَقَعُ لِلْوَكِيلِ (وَصَلُحَ عَنْ إنْكَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ فِدَاءُ يَمِينٍ لِلْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لِمَا فِي الْإِصْلَاحِ هَذَا الصُّلْحُ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْوَكِيلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى

الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ عَرَفْت اخْتِلَافَ الْمُرَادِ مِنْ الْإِضَافَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَافْتَرَقَ الصُّلْحَانِ فِي الْإِضَافَةِ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ إنْكَارٍ فِي الْإِضَافَةِ مَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا فِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ بَاشَا وَالدُّرَرِ تَتَبَّعْ. (وَ) صُلْحٌ عَنْ (دَمٍ عَمْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ سَفِيرٌ (وَكِتَابَةٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَإِعَارَةٍ وَإِيدَاعٍ وَرَهْنٍ وَإِقْرَاضٍ) وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِقْرَاضَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُضِيفُ هَذِهِ الْعُقُودَ إلَى مُوَكِّلِهِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُعَامَلَةِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعُقُودِ فِيهَا إلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُطَالَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ) مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ (وَلَا) يُطَالَبُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ (وَكِيلُ الْمَرْأَةِ بِتَسْلِيمِهَا) أَيْ تَسْلِيمِ الْمَرْأَةِ إلَى الزَّوْجِ إذْ يَلْزَمُ سُقُوطُ مَالِكِيَّتِهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالسَّاقِطُ يَتَلَاشَى مَعَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ فَلَا يَخْلُو عَنْ الْمَالِكِيَّةِ لِنَفْسِهَا (وَلَا) يُطَالَبُ وَكِيلُ الْخُلْعِ (بِبَدَلِ الْخُلْعِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ سَفِيرٌ فِيهِ (وَلِلْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْمُوَكِّلِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَالْوَكِيلُ أَصْلٌ فِي الْحُقُوقِ وَلِذَا لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ الْآخَرَ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ التَّوْكِيلِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُوَكِّلِ مُوَكِّلُ وَكِيلٍ بِبَيْعٍ لَيْسَ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورَيْنِ لِمَا مَرَّ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ دَفْعَ الثَّمَنِ إلَى الْوَكِيلِ فَاسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ لَمْ يُنْفِذْ الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ بَاعَ الْقَاضِي الْجَارِيَةَ بِالثَّمَنِ إذَا رَضِيَا وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ دَفَعَهُ) أَيْ إنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوَكِّلِ (صَحَّ) دَفْعُهُ وَلَوْ مَعَ نَهْيِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا فِي الصَّرْفِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا عِنْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ فَالْعَقْدُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بِحُضُورِهِ (وَلَا يُطَالِبُهُ الْوَكِيلُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَلِلْمُشْتَرِي إلَى هُنَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَعَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ تَفْرِيعَاتِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. (وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي بَاعَهُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ وَهَذَا حِيلَةٌ لِلْوُصُولِ إلَى دَيْنٍ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ. (وَكَذَا) تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِهِ (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (عَلَى الْوَكِيلِ دَيْنٌ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِكَوْنِهِ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ عِنْدَهُمَا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ (وَ) لَكِنَّهُ (يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ) فِي فَصْلِ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَهُمَا كَمَا يَضْمَنُهُ فِي فَصْلِ الْإِبْرَاءِ. (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ)

باب الوكالة بالبيع والشراء

أَيْ دَيْنُ الْمُشْتَرِي (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ (فَالْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ لَا غَيْرَ. [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] ِ أَفْرَدَهُمَا بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِمَا وَقَدَّمَ الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ يُنْبِئُ عَنْ إزَالَتِهِ وَالْإِزَالَةُ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ (لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ يَشْمَلُ أَجْنَاسًا كَالرَّقِيقِ وَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ) لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لُغَةً وَعُرْفًا لِلْخَيْلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا وَكَذَا الثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ؛ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا وَكَذَا الرَّقِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي بَنِي آدَمَ وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (أَوْ) بِشِرَاءِ شَيْءٍ يَشْمَلُ (مَا هُوَ كَالْأَجْنَاسِ كَالدَّارِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (بَيْنَ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفُ لَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ (فَإِنْ سَمَّى نَوْعَ الثَّوْبِ كَالْهَرَوِيِّ) مَثَلًا (جَازَ وَكَذَا إنْ سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ) جَازَ سَوَاءٌ ثَمَنًا، أَوْ لَا بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ بَيْنَ ثَمَنِ الدَّارِ، أَوْ الْمَحَلَّةِ) يَعْنِي إنْ وُكِّلَ بِشِرَاءِ دَارٍ وَبَيَّنَ ثَمَنَهَا وَمَحَلَّتَهَا جَازَ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الْكَنْزِ الدَّارَ كَالْعَبْدِ مُوَافِقًا لِقَاضِي خَانْ لَكِنْ شَرَطَ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ بَيَانَ الْمَحَلَّةِ وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالثَّوْبِ فَقَالَ وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْحِمَالِ وَالْبُلْدَانِ فَتَعَذَّرَ الِامْتِثَالُ وَإِنْ سُمِّيَ ثَمَنُ الدَّارِ وَوُصِفَ جِنْسُ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ مَعْنَاهُ نَوْعُهُ انْتَهَى. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَالدَّارُ مُلْحَقَةٌ بِالْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ قَالَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَالِّ انْتَهَى. وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ لَا تَتَفَاحَشُ انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ قَوْلَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الدَّارِ وَلِهَذَا عَطَفَ بِأَوْ فَقَالَ: أَوْ بَيْنَ ثَمَنِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَهَالَةَ الدَّارِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَهَالَةُ النَّوْعِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلْيُحْمَلْ عِبَارَةُ كُلٍّ مِنْ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ تَتَبَّعْ.

(أَوْ بَيْنَ جِنْسِ الرَّقِيقِ كَالْعَبْدِ وَنَوْعِهِ كَالتُّرْكِيِّ) يَعْنِي إذَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ تُرْكِيٍّ مَثَلًا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ مَنْفَعَةُ الْجِمَالِ كَأَنَّهُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنْ بَيَّنَ نَوْعَهُ كَالتُّرْكِيِّ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (أَوْ) بَيَّنَ (ثَمَنًا يُعَيِّنُ نَوْعًا) ، أَوْ نَوْعَ الْعَبْدِ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ كَذِكْرِ النَّوْعِ فِي تَقْلِيلِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَيَلْحَقُ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لِامْتِنَاعِ الِامْتِثَالِ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ تَرْكُ الصِّفَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ يُعَيِّنُ نَوْعًا؛ لِأَنَّ النَّوْعَ صَارَ مَعْلُومًا بِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ كَالشَّاةِ وَالْبَقَرِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ وَإِلَى أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ نَوْعًا، أَوْ لَا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ لِهَذَا الثَّمَنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (أَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: ابْتَعْ لِي) أَيْ اشْتَرِ لِي (مَا رَأَيْت) . وَفِي الْفَرَائِدِ وَفِي عَطْفِ قَوْلِهِ، أَوْ عَمَّمَ صُعُوبَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ، أَوْ بَيَّنَ جِنْسَ الرَّقِيقِ وَلَا كَوْنَهُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ سُمِّيَ نَوْعُ الثَّوْبِ جَازَ وَفَصَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَوْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يُعَمِّمَ لَكَانَ أَسْلَمَ وَأَظْهَرَ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ وَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ، أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولُ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيه يَكُونُ مُمْتَثِلًا انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ سُمِّيَ إلَى هُنَا أَيْ إنْ خُصِّصَ جَازَ عِنْدَ الْبَيَانِ، أَوْ عَمَّمَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، أَوْ أَنْ يَكُونَ، أَوْ بِمَعْنَى أَلَا أَنْ كَقَوْلِهِمْ لَأُلْزِمَنَّك، أَوْ تُعْطِينِي حَقِّي أَيْ إلَّا أَنْ تُعْطِيَنِي حَقِّي. (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ) يَعْنِي: دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي طَعَامًا يَشْتَرِي الْبُرَّ وَدَقِيقَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُرِنَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ عُرْفًا وَلَا عُرْفَ لِلْأَكْلِ فَيَبْقَى عَلَى الْوَضْعِ. وَفِي الْعِنَايَةِ هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِنَّ سُوقَ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا عِنْدَهُمْ يُسَمَّى سُوقَ الطَّعَامِ وَأَمَّا فِي عُرْفِ غَيْرِهِمْ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُعْتَادَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ أَيْ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ دُونَ الْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا دَفَعَ إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِلَا دَفْعٍ لَهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَثُرْت الدَّرَاهِمُ، أَوْ قَلَّتْ (وَقِيلَ) يَقَعُ

(عَلَى الْبُرِّ فِي كَثِيرِ الدَّرَاهِمِ، وَ) يَقَعُ (عَلَى الْخُبْزِ فِي قَلِيلِهَا، وَ) يَقَعُ (عَلَى الدَّقِيقِ فِي وَسَطِهَا) قِيلَ الْقَلِيلُ مِثْلُ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالْمُتَوَسِّطُ مِثْل أَرْبَعَةٍ إلَى خَمْسَةٍ، أَوْ سَبْعَةٍ فَالسَّبْعَةُ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَفِي مُتَّخَذِ الْوَلِيمَةِ) أَيْ طَعَامِ الْعُرْسِ وَالْمُتَّخَذُ بِالْفَتْحِ اسْمُ زَمَانٍ يَقَعُ (عَلَى الْخُبْزِ بِكُلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ، أَوْ تَوَسَّطَتْ، أَوْ قَلَّتْ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ فِي الْكُلِّ الْعُرْفُ. (وَصُحِّحَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَيْنٍ) أَيْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (بِدَيْنٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (عَلَى الْوَكِيلِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ اشْتَرِ لِي هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا بِأَلْفٍ لِي عَلَيْك فَاشْتَرَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْآمِرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ يَهْلِكُ مَالُ الْآمِرِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينُ الْبَائِعِ وَفِي تَعْيِينِ الْبَائِعِ تَوْكِيلُهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوَّلًا لِأَجْلِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُوجَدُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ مَدْيُونَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ بِمَرَمَّةِ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ (وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ) أَيْ لَوْ قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ: اشْتَرِ لِي بِالْأَلْفِ عَلَيْك عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالتَّوْكِيلُ بَاطِلٌ حَتَّى (إنْ) اشْتَرَى، وَ (هَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ نَفَذَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُوَكِّلِ. (وَإِنْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَ هُوَ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ فِي الْمُعَيَّنِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ، أَوْ لَا (وَهَلَاكُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُوَكِّلِ (إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ) ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ، أَوْ عَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ وَلَهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِقَبْضِ الْعَيْنِ مِنْهَا، أَوْ الدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ، أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْ الْمَدْيُونِ بِالْإِبْرَاءِ مَثَلًا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ إعْطَاءُ مِثْلِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ وَالْإِسْقَاطَ فِي حُكْمِ الْأَخْذِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الِاسْتِهْلَاكِ ظَاهِرٌ وَلِذَا قَيَّدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَمَا فِي تَعْلِيلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُطَالَعْ. وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَ بِقَبْضِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْوَصْفُ عَرَضٌ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ (وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافِ (إذَا أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ (أَنْ يُسْلِمَ مَا عَلَيْهِ، أَوْ يَصْرِفَهُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك

إلَى فُلَانٍ فِي كَذَا صَحَّ اتِّفَاقًا وَلَوْ قَالَ: إلَى مَنْ شِئْت فَعَلَى الْخِلَافِ وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ وَمَنْ يَعْقِدُ عَقْدَ الصَّرْفِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ مَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا لَا يَجُوزُ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ تَأَمُّلٌ. (وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدًا لِيَشْتَرِيَ نَفْسَهُ) أَيْ نَفْسَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (مِنْ سَيِّدِهِ) بِأَنْ قَالَ فُلَانٌ لِعَبْدٍ اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ سَيِّدِك بِأَلْفٍ مَثَلًا (فَإِنْ قَالَ) الْعَبْدُ الْمَأْمُورُ لِسَيِّدِهِ (بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ) بِأَلْفٍ (فَبَاعَ) السَّيِّدُ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ لَأَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ وَيَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ نَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمَالِيَّةِ فَإِذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ شِرَاؤُهُ لِلِامْتِثَالِ فَيَقَعُ لِلْآمِرِ. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) الْعَبْدُ (لِفُلَانٍ عَتَقَ) الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الِامْتِثَالُ لِلْآمِرِ وَالْآخَرُ هُوَ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَبَقِيَ التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت وَإِنْ وَقَعَ لِلْعَبْدِ يُكْتَفَى بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْت بَعْدَ قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِمَا لَا عَلَى الْآمِرِ. (وَإِنْ وَكَّلَ الْعَبْدُ غَيْرَهُ لِيَشْتَرِيَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ لِلسَّيِّدِ: اشْتَرَيْته) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدَ (لِنَفْسِهِ فَبَاعَ) السَّيِّدُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ (عَتَقَ) الْعَبْدُ (عَلَى السَّيِّدِ وَوَلَاؤُهُ) أَيْ وَلَاءُ الْعَبْدِ (لَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِهِ الْعَبْدَ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى. (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِنَفْسِهِ) عِنْدَ اشْتِرَائِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (لِلْوَكِيلِ) لِكَوْنِ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فَيَقَعُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (ثَمَنُهُ) أَيْ ثَمَنُ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ عَاقِدًا (وَمَا أَعْطَاهُ الْعَبْدُ) لِلْوَكِيلِ (لِأَجْلِ الثَّمَنِ لِلْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَإِذَا قَالَ الْوَكِيلُ: لِمَنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا فَمَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ عِنْدِي (وَقَالَ الْمُوَكِّلُ) لَا بَلْ (اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجِبْ (دَفَعَ الثَّمَنَ) إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الثَّمَنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ وُجِدَ دَفَعَ الثَّمَنَ (فَلِلْوَكِيلِ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَالْقَوْلُ لِلْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقَدْ أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَغَيْرُهُ إنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَهُوَ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ لَا لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا، أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَالْمَخْبَرُ بِهِ فِي التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْإِشْهَادِ فَيُصَدَّقُ إنْ كَانَ مَيِّتًا، وَالْحَالُ إنَّ الثَّمَنَ مَنْقُودٌ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَقَدْ ادَّعَى

الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مَحَلًّا لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ بِهِ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْته لَك وَقَالَ الْآمِرُ: بَلْ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَصَحَّ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَهُ أَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَاصِرَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَصِّلَ تَدَبَّرْ. (وَلِلْوَكِيلِ) بِالشِّرَاءِ (طَلَبُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُوَكِّلِ) إذَا اشْتَرَى وَقَبَضَ الْمَبِيعَ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَدْفَعْهُ) أَيْ الثَّمَنَ (إلَى الْبَائِعِ) إذْ يَجْرِي بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً، وَلِهَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ بَائِعًا مِنْ مُوَكِّلِهِ حُكْمًا فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ مِنْ مُوَكِّلِهِ سَوَاءٌ دَفَعَهُ إلَى بَائِعِهِ، أَوْ لَا (وَحُبِسَ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ) أَيْ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حُبِسَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ؛ لَأَنْ يَقْبِضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ تَجْرِي بَيْنَهُمَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَحَقُّ الْحَبْسِ يَسْقُطُ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بِنَقْدٍ ثُمَّ أَجَّلَهُ الْبَائِعُ كَانَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَالَبَةُ حَالًّا (فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ عَلَى الْآمِرِ) أَيْ إنْ هَلَكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ يَهْلِكُ عَلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ (وَلَا يَسْقُطُ ثَمَنُهُ) أَيْ ثَمَنُ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ فَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ (وَإِنْ) هَلَكَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ (بَعْدَ حَبْسِهِ) أَيْ حَبْسِ الْوَكِيلِ إيَّاهُ (سَقَطَ) الثَّمَنُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ وَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَالرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ رَهْنٌ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ، وَهُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ قُلْنَا يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ، كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ بِهَلَاكِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ الْفَضْلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ. (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَيْنٍ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ) وَلَا لِمُوَكِّلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْحِلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفَسَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلتَّعْلِيلِ الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ نَاوِيًا، أَوْ مُتَلَفِّظًا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا بَاشَرَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (فَإِنْ شَرَاهُ بِخِلَافِ جِنْسِ مَا سَمَّى) الْمُوَكَّلُ لَهُ (مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ) بِأَنْ شَرَاهُ بِالْعُرُوضِ، أَوْ بِالْحَيَوَانِ (وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَنُقِدَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا بِمَا إذَا سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَ عَنْهُ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا فِيمَا إذَا زَادَ لَا فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا فَزَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ وَصَفَ لَهُ بِصِفَةٍ وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ. (وَكَذَا) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ (إنْ أَمَرَ) الْوَكِيلُ (غَيْرَهُ فَشَرَاهُ الْغَيْرُ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِغَيْبَتِهِ) أَيْ بِغَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحْضُرَ رَأْيُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ. (وَإِنْ شَرَاهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (فَلِلْمُوَكِّلِ) أَيْ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُ رَأْيُهُ حِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِيَ، أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ حَضَرَ رَأْيُهُ (وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ هُوَ) أَيْ الشِّرَاءُ (لِلْوَكِيلِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ شَيْئًا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إذْ الْأَصْلُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ (إلَّا إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ) بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت: بِهَذَا الْأَلْفِ، وَهُوَ مَالُ الْآمِرِ (أَوْ أَطْلَقَ) الْعَقْدَ بِأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْت فَقَطْ (وَنَوَى) الشِّرَاءَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَفِي الْهِدَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ، أَوْ يَشْتَرِيه بِمَالِ الْمُوَكِّلِ دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَيْ فِي النَّقْدِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَيْ الْجَوَابُ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِ الْوَكِيلِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا، أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا تُصَادِفُهُمَا بِهِ تَحْتَمِلُ النِّيَّةَ لِلْآمِرِ وَفِيمَا قُلْنَاهُ

حُمِلَ حَالُهُ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ وَالتَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ انْتَهَى. (وَيُعْتَبَرُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ لَا الْمُوَكِّلِ) فَيَبْطُلُ عَقْدُهُمَا بِمُفَارَقَةِ الْوَكِيلِ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ إذْ الْقَبْضُ لِلْعَاقِدِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَاقِدٍ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ لَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ ضَعِيفٌ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ أَصْلًا فِي الْحُقُوقِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ فِيهِمَا لَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهُ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسِلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ. (وَلَوْ قَالَ) الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ (بِعْنِي هَذَا لِزَيْدٍ) أَيْ لِأَجْلِهِ (فَبَاعَ ثُمَّ أَنْكَرَ) الْمُشْتَرِي (كَوْنَ زَيْدٍ أَمَرَ) بَعْدَ إقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ (فَلِزَيْدٍ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْمَبِيعِ جَبْرًا (إنْ لَمْ يُصَدِّقْ إنْكَارَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَكِيلِ بِعْنِي هَذَا لِزَيْدٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ لِلتَّنَاقُضِ (فَإِنْ صَدَّقَهُ) أَيْ زَيْدٌ إنْكَارَهُ بِأَنْ قَالَ لَمْ آمُرْهُ بِالشِّرَاءِ (لَا يَأْخُذُهُ) زَيْدٌ (جَبْرًا) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ (فَإِنْ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجَدُ بَيْنَهُمَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ وَلَوْ فُضُولِيًّا كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي فَصَارَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي. (وَمَنْ وَكَّلَ بِشِرَاءِ رِطْلِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَشَرَى رِطْلَيْنِ بِدِرْهَمٍ مِمَّا) أَيْ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي (يُبَاعُ رِطْلٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ) فِي هَذَا الْبَيْعِ (مُوَكِّلَهُ) مِنْ اللَّحْمِ (رِطْلٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) عَنْ الْإِمَامِ قَيَّدَ بِمِمَّا يُبَاعُ رِطْلٌ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى لَحْمًا لَا يُبَاعُ رِطْلٌ بِدِرْهَمٍ بَلْ أَقَلَّ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَاقِعًا لِلْوَكِيلِ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (الرِّطْلَانِ بِالدِّرْهَمِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَفَعَلَ الْمَأْمُورُ وَزَادَهُ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ رِطْلٍ مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَ شِرَاءُ رِطْلٍ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ رِطْلٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَا بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ لَهُ قِيلَ إنَّ مُحَمَّدًا هُنَا مَعَ الْإِمَامِ فِي قَوْلِ قَيَّدَ بِالْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِيَمِيَّاتِ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الدَّرَاهِمِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَلَوْ بِعَرْضٍ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ إجْمَاعًا. (وَلَوْ وَكَّلَ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِمَا) بِلَا ذِكْرِ ثَمَنِهِمَا (فَشَرَى) الْمَأْمُورُ لِلْآمِرِ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِنُقْصَانٍ (جَازَ) عَنْ الْآمِرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَذَا لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّرَاءِ إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَهُوَ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ بِالْمُتَعَارَفِ وَالْمُتَعَارَفُ فِيمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِنُقْصَانٍ. (وَكَذَا

إنْ وَكَّلَ بِشِرَائِهِمَا) أَيْ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِمَا (بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَشَرَى) الْمَأْمُورُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ (بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْأَلْفِ (أَوْ بِأَقَلَّ) مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَكَانَ أَمْرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةٌ، وَبِأَقَلَّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ فَوَقَعَ عَنْ الْآمِرِ. (وَإِنْ) شَرَى (بِأَكْثَرَ) مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ (لَا) يَجُوزُ أَيْ لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى شَرٍّ قُلْت الزِّيَادَةُ، أَوْ كَثُرَتْ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَجُوزُ) الشِّرَاءُ بِأَكْثَرَ (أَيْضًا) كَمَا يَجُوزُ بِنِصْفِهِ، أَوْ أَقَلَّ (إنْ كَانَ) شِرَاؤُهُ (مِمَّا يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْآخَرَ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يَشْتَرِي بِمِثْلِهَا الْبَاقِيَ لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ (فَإِنْ شَرَى) الْوَكِيلُ الْعَبْدَ (الْآخَرَ بِمَا بَقِيَ) مِنْ الثَّمَنِ (قَبْلَ) وُقُوعِ (الْخُصُومَةِ) بَيْنَهُمَا (جَازَ اتِّفَاقًا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ شِرَاءُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ (فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ عَيْنٍ) أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ (شَرَيْته) أَيْ الْعَبْدَ (بِأَلْفٍ وَقَالَ الْمُوَكِّلُ) : بَلْ شَرَيْته (بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُمَا بُرْهَانٌ (فَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ) الْمُوَكِّلُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ (الْأَلْفَ صُدِّقَ الْوَكِيلُ إنْ سَاوَى) قِيمَةُ الْعَبْدِ (الْأَلْفَ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِي ضَمَانَ نِصْفِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْأَلْفَ بَلْ يُسَاوِي نِصْفَهُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِلَا خُلْفٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِالْأَلْفِ وَالْمَأْمُورُ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَالْأَمْرُ يَتَنَاوَلُ مَا يُسَاوِيه فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ خَمْسَمِائَةٍ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا) أَيْ دَفَعَ الْمُوَكِّلُ الْأَلْفَ إلَى الْوَكِيلِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا (فَإِنْ سَاوَى) قِيمَةُ الْعَبْدِ (نِصْفَهَا) أَيْ نِصْفَ الْأَلْفِ (صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ) بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ خَالَفَ الْأَمْرَ. (وَإِنْ سَاوَاهَا) أَيْ إنْ سَاوَى قِيمَةَ الْأَلْفِ (تَحَالَفَا) ؛ لِأَنَّ الْمُؤَكِّلَ هُنَا كَالْبَائِعِ وَالْوَكِيلُ كَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ فَيَجِبُ التَّحَالُفُ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ (وَالْعَبْدُ لِلْمَأْمُورِ) فِي الصُّورَتَيْنِ. (وَكَذَا فِي مُعَيَّنٍ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَشَرَاهُ وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ: اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ لِي، وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ الْمَأْمُورُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَقَالَ الْآمِرُ: بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُمَا بُرْهَانٌ يَلْزَمُهُ التَّحَالُفُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ نَكَلَا فَلِلْوَكِيلِ وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا فَلِمَنْ نَكَلَ (وَلَا عِبْرَةَ لِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ) الْمَأْمُورِ (فِي الْأَظْهَرِ) قِيلَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَفِي الْكَافِي

فصل في بيان أحكام من يجوز للوكيل أن يعقد معه ومن لا يجوز

وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا تَحَالُفَ هُنَا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِشِرَائِهِ بِمِائَةٍ فَقَالَ الْمَأْمُورُ: بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْعَبْدُ لِلْمَأْمُورِ فَإِنْ بَرْهَنَا قُدِّمَ بُرْهَانُ الْمَأْمُورِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ أَخِيهِ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ فَقَالَ الْآمِرُ لَيْسَ هَذَا بِأَخِي فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَى الْوَكِيلِ لِزَعْمِ أَنَّهُ أَخٌ الْمُوَكِّلِ وَعَتَقَ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. [فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام مِنْ يَجُوز لِلْوَكِيلِ أَنْ يَعْقِد مَعَهُ وَمنْ لَا يَجُوز] ُ (لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، أَوْ الشِّرَاءِ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَةٌ لَهُ) كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَزَوْجِهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَيِّدِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَشَرِيكِهِ فِيمَا يَشْتَرِكَانِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَجُوزُ) الْعَقْدُ (بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ إذْ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةٌ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَكَذَا حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ وَلَهُ أَنَّ مَوَاضِعَ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ، وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً فَصَارَ بَيْعًا مِنْ نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَدَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَّا إذَا أَطْلَقَ الْمُوَكِّلُ بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ مِمَّنْ شِئْت فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ كَمَا يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهَا بِغَبَنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ) مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ (بِمَا قَلَّ) مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ غَبْنًا فَاحِشًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مُعْتَادٌ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى النَّقْدِ وَبِالْكَثِيرِ مِنْ الْقِيمَةِ (أَوْ كَثُرَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ بَدَلٍ فَإِنَّ الْقِلَّةَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ اسْتِطْرَادِيًّا كَمَا قِيلَ. (وَ) كَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (بِالْعَرْضِ) سَوَاءٌ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ مِنْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ وَقَدْ وُجِدَ بِهِ خَالِيًا عَنْ التُّهْمَةِ فَيَجُوزُ (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ (إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِالنُّقُودِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا بِالْعَرْضِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ لِدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَتَتَقَيَّدُ بِمَوَاقِعِ الْحَاجَةِ وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِالنُّقُودِ، وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِزَمَانِ الْحَاجَةِ

وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا لَوْ صَدَرَ مِنْ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ الْمُقَايَضَةُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ اسْمِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ: وَبَيْعُ الْمُضَارِبِ وَالْمُفَاوِضِ وَشَرِيكِ الْعِنَانِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَمَّا بَيْعُ الْوَلِيِّ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لَا يَصِحُّ بِالْأَقَلِّ إلَّا بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ) إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ خَالِيًا عَنْ التُّهْمَةِ فَيَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَجَلِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِنَقْدِ الْبَلَدِ حَالًّا فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ وَإِنَّمَا قَيْدُنَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَلْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يَجُوزُ كَالْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَتْ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَهُ لَهَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدُ. وَفِي الْمِنَحِ وَبِهِ يُفْتَى وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَالَ: بِعْهُ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ نَسِيئَةً كَمَا فِي النُّتَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى الْحَاجَةِ انْتَهَى. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: بِعْهُ إلَى أَجَلٍ فَبَاعَهُ بِالنَّقْدِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَ) يَجُوزُ (بَيْعُ نِصْفِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ) كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ وَعِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوز لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ قَبْلَ نَقْضِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ وَإِلَّا يَجُوزُ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ إذْ لَيْسَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ أَصْلًا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَلِذَا قُلْنَا كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ. (وَ) يَجُوزُ (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ (بِالثَّمَنِ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا) لِلِاسْتِيثَاقِ (فَلَا يَضْمَنُ) الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ وَالْقِيمَةَ لِلرَّاهِنِ (إنْ تَوَى) أَيْ هَلَكَ (مَا عَلَى الْكَفِيلِ) مِنْ الثَّمَنِ (أَوْ ضَاعَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تُوَثَّقُ بِهِ وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهُمَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمِنَحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَهُوَ حَوَالَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ قَبُولُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمُهُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَالدَّيْنُ قَدْ سَقَطَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ

مِثْلَ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ رَهْنًا فَضَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُوَكِّلِ شَيْءٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ انْتَهَى. . (وَلَوْ وَهَبَ) الْوَكِيلُ (الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، أَوْ حَطَّ مِنْهُ) أَيْ بَعْضَ الثَّمَنِ (جَازَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فِي الْحَالِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ) كُلٌّ مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا أَمْرَ لَهُ فِيمَا فَعَلَ وَلَمْ يَجُزْ وَلَهُمَا أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ، وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مِنْ حُقُوقِهِ فَيَمْلِكُهَا وَدَفْعُ الضَّرَرِ حَاصِلٌ بِتَضْمِينِهِ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. (وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَجَّلَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (أَوْ قَبِلَ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (حَوَالَةً) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ فِي الْأَصْلِ قِيلَ يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فَلِذَا قَالَ وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ أَجَّلَهُ. (وَلَوْ أَقَالَهُ) الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ (صَحَّ) عَقْدُ الْإِقَالَةِ (وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَلَزِمَ) الثَّمَنُ (الْوَكِيلَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فَيَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ قَيَّدْنَا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ اتِّفَاقًا هَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَقَالَهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْوَكِيلِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَأَحَالَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِيَأْخُذَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَقَالَ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ لِلْمُوَكِّلِ فَيَبْقَى الثَّمَنُ لِلْمُوَكِّلِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَمَّا كَانَتْ عِنْدَهُ بَيْعًا صَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا مِنْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَكَانَ الْوَكِيلُ مَدْيُونًا لِلْمُشْتَرِي مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. (وَ) يَجُوزُ (بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِهَا، وَهِيَ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي يُتَغَابَنُ بِهَا (مَا يَقُولُ بِهِ مُقَوِّمٌ) بِأَنْ قَوَّمَهُ عَدْلٌ مَثَلًا بِعَشَرَةٍ وَعَدْلٌ آخَرُ بِتِسْعَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ مُقَوِّمٍ وَقَدَّرُوهُ فِي الْعُرُوضِ بِزِيَادَةِ نِصْفٍ فِي الْعَشَرَةِ وَفِي الْحَيَوَانِ بِدِرْهَمٍ، وَفِي الْعَقَارِ بِدِرْهَمَيْنِ فَهُوَ الْغَبَنُ الْيَسِيرُ فَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَقَدْرٌ فِي الْعُرُوضِ " ده نيم " وَفِي الْحَيَوَانِ " ده يازده " وَفِي الْعَقَارِ " ده دوازده ") هَذَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ كَالْعَبْدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمِ مُقَوِّمٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ حَتَّى إذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ شَيْئًا قَلِيلًا كَالْفِلْسِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ قَوْلَهُ وَهُوَ مَا يُقَوِّمُ بِهِ مُقَوِّمٌ بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ سِعْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (لَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ بِالْغَبَنِ الْفَاحِشِ لِجَوَازِ اشْتِرَائِهِ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَلَاءِ ثَمَنِهِ يُحَوِّلُهُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذِهِ التُّهْمَةُ لَا تُوجَدُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ

وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِالْمُخَالَفَةِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَكَانَتْ التُّهْمَةُ بَاقِيَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ تَتَبَّعْ. (وَلَوْ وُكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (وَقَالَا لَا يَجُوزُ) بَيْعُهُ بِمَا يَتَعَيَّبُ بِالشَّرِكَةِ كَالْعَبْدِ لَا بِمَا لَا يَتَعَيَّبُ كَالْبُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا مَرَّ (إلَّا إنْ بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَيْ قَبْلَ الِاخْتِصَامِ إلَى الْقَاضِي وَنَقَضَ الْقَاضِي الْبَيْعَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِعَوْدِهِ إلَى الْوِفَاقِ (وَهُوَ) أَيْ جَوَازُهُ إنْ بَاعَ الْبَاقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ (اسْتِحْسَانٌ) عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ أَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُ نِصْفِ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ جَازَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِيهَا وَهُوَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى تُذْكَرُ بِلَا خِلَافٍ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فَذَكَرَهَا لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَهَا فِيمَا سَبَقَ وَذَكَرَهَا هُنَا جَمِيعًا كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ وُكِّلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (إلَّا إنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ كَانَ مَوْرُوثًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَيْعِ صَادَفَ مِلْكَهُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ إطْلَاقُهُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُ الْوَكِيلَ مُطْلَقًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ بِشِرَاءِ نِصْفٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا بَعْدَ شِرَائِهِ فَبِهَذَا ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ شِرَاءُ النِّصْفِ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ تَأَمَّلْ. (وَلَوْ رَدَّ الْبَيْعَ) أَيْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (عَلَى الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي (رَدَّهُ) الْوَكِيلُ (عَلَى آمِرِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ الْبَيِّنَةِ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ حِينَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، أَوْ إقْرَارِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الْقَاضِي (فِيمَا) أَيْ فِي عَيْبٍ (لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْوَكِيلُ مُضْطَرِبٌ فِي النُّكُولِ لِبُعْدِ الْعَيْبِ عَنْ عِلْمِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ مُمَارَسَتِهِ الْبَيْعَ فَلَزِمَ الْآمِرَ فَكَذَا بِإِقْرَارِهِ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى هَذِهِ الْحِجَجِ ثُمَّ إنَّ اشْتِرَاطَهَا فِيمَا كَانَ تَارِيخُ الْبَيْعِ مُشْتَبِهًا عَلَى الْقَاضِي، أَوْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ، أَوْ الْأَطِبَّاءُ فَإِنَّ قَوْلَهُنَّ وَقَوْلَ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيَفْتَقِرُ إلَى إحْدَى هَذِهِ الْحُجَجِ لِلرَّدِّ حَتَّى لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي تَارِيخَ الْبَيْعِ وَالْعَيْبُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يَحْدُثُ أَصْلًا كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ لَا حَاجَةَ إلَى الْحُجَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى

الْمُوَكِّلِ وَلَا الْخُصُومَةُ مَعَهُ كَمَا فِي عَامَّةِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ (وَكَذَا) يَرُدُّ الْوَكِيلُ عَلَى الْآمِرِ (فِيمَا) أَيْ فِي عَيْبٍ (يَحْدُثُ مِثْلُهُ) فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ (إنْ) كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي (بِبَيِّنَةٍ، أَوْ نُكُولٍ) عَنْ يَمِينٍ لِمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. (وَإِنْ) كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي (بِإِقْرَارِ) الْوَكِيلِ (فَلَا) يَرُدُّهُ عَلَى آمِرِهِ (وَلَزِمَ الْوَكِيلَ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَيَظْهَرُ حَقُّ الْمُقِرِّ دُونَ غَيْرِهِ وَالْوَكِيلُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ السُّكُوتُ وَالنُّكُولُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ فَيَلْزَمُهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِنُكُولٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ بِالتَّرَاضِي فَيَكُونُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْمُوَكِّلُ غَيْرُهُمَا. (وَلَوْ بَاعَ) الْوَكِيلُ (بِنَسِيئَةٍ) أَيْ إلَى أَجَلٍ (وَقَالَ الْمُوَكِّلُ أَمَرْتُك بِالنَّقْدِ وَقَالَ) الْوَكِيلُ: لَا (بَلْ أَطْلَقْت) أَيْ أَمَرْتنِي بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالنَّقْدِ (صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ) مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآمِرِ وَلَا مُسَاعَدَةَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَأْمُورُ (وَفِي الْمُضَارَبَةِ) صُدِّقَ (الْمُضَارِبُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ فَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَالْمُضَارِبُ فِي نَوْعٍ آخَرَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلِينَ وَحْدَهُ فِيمَا وُكِّلَا بِهِ) لِعَدَمِ رِضَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِرَأْيِهِمَا مَعًا وَفِي الْمِنَحِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى الْأَصَحِّ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الشُّمُنِّيِّ خِلَافُ مَا فِي الْمِنَحِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ حَاضِرٌ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ زَالَ عَقْلُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ تَتَبَّعْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: وَكَّلْتُ أَحَدَكُمَا بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ فَإِنَّ الْآخَرَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارِيَةً وَوَقَعَ شِرَاؤُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَانَتْ الْجَارِيَتَانِ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (إلَّا فِي خُصُومَةٍ) فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ لِإِفْضَائِهِ الشَّغَبَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا خَاصَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُشْتَرَطْ حَضْرَةُ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِسَمَاعِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلِكِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحَضْرَةِ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مُبَاشَرَةِ رَأْيِ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَ

أَحَدُهُمَا بِدُونِ رَأْيِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي ابْنِ مَلِكٍ عَلَى الرَّأْيِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْعَامَّةِ وَهُوَ، أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الضَّعْفِ تَدَبَّرْ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ) . وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ وَرَدِّ عَيْنٍ لَكَانَ، أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنْ يُمْكِنُ بِأَنَّ رَدَّ عَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ دَاخِلٌ فِي رَدِّ وَدِيعَةٍ حُكْمًا وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا تَدَبَّرْ. قَيَّدَ بِالرَّدِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبْضُ بِدُونِ صَاحِبِهِ (وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا عِوَضَ فِيهِمَا) وَكَذَا تَعْلِيقٌ بِمَشِيئَةِ الْوَكِيلِينَ وَتَدْبِيرٌ وَتَسْلِيمُ هِبَةٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَيُعْتَبَرُ الْمَثْنَى فِيهِ كَالْوَاحِدِ هَذَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعِتْقِ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهَا بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَقَيَّدَ بِلَا عِوَضٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِعِوَضٍ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا إلَّا إذَا أَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ، أَوْ الْوَكِيلُ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ وَالْوِصَايَةَ وَالْمُضَارَبَةَ وَالْقَضَاءَ وَالتَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ سَوَاءٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ. (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ إذْ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ رَأْيِ غَيْرِهِ لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ فِي الْآرَاءِ (إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ) لِتَحَقُّقِ رِضَائِهِ (أَوْ بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ (اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِإِطْلَاقِهِ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِهِ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّنْوِيرِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: إلَّا فِي دَفْعِ زَكَاةٍ وَفِي قَبْضِ دَيْنٍ بِمَنْ فِي عِيَالِهِ وَعِنْدَ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ بِدُونِ الْإِذْنِ جَائِزٌ فِيهَا (فَإِنْ أَذِنَ) الْمُوَكِّلُ بِالتَّوْكِيلِ (فَوَكَّلَ) الْوَكِيلُ غَيْرَهُ (كَانَ) الْوَكِيلُ (الثَّانِي وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي) ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَنْعَزِلُ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي (وَلَا) يَنْعَزِلُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ: يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ عَزْلَهُ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ اعْمَلْ بِرَأْيِك انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَأْمُورٌ بِإِعْمَالِ رَأْيِهِ وَقَدْ عَمِلَ بِأَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فَتَمَّ الْأَمْرُ فَلَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اصْنَعْ مَا شِئْت؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَيَمْلِكُ الْعَزْلَ تَدَبَّرْ. (وَيَنْعَزِلَانِ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي (بِمَوْتِ) الْمُوَكِّلِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِمَوْتِهِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ (وَإِنْ وَكَّلَ) الْوَكِيلُ غَيْرَهُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُوَكِّلِ (فَعَقَدَ) الْوَكِيلُ (الثَّانِي بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ (جَازَ) عَقْدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِهِ وَقَدْ حَضَرَ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَضْرَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ

باب الوكالة بالخصومة والقبض

وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْوَكِيلِ، أَوْ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّ حَضْرَةَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا تَكْفِي وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْعِبَارَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: فَأَجَازَهُ مَكَانَ قَوْلِهِ بِحَضْرَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَكَذَا لَوْ عَقَدَ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِغَيْبَتِهِ) أَيْ بِغِيبَةِ الْأَوَّلِ (فَأَجَازَهُ) أَيْ أَجَازَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَقْدَهُ جَازَ، وَلَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ فَعَقَدَ الثَّانِي بِحَضْرَتِهِ، أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ جَازَ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ كَمَا بُيِّنَ قُبَيْلَهُ تَدَبَّرْ. قَيَّدَ بِالْعَقْدِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ وَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، أَوْ طَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ وَكَذَا الْإِبْرَاءُ وَالْخُصُومَةُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (أَوْ كَانَ) الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (قَدْ قَدَّرَ الثَّمَنَ) لِلثَّانِي فَعَقَدَ الثَّانِي بِغَيْبَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ، أَوْ مُكَاتَبٍ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ طِفْلِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، وَلَا تَزْوِيجُهُ) لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِمَا بِالرِّقِّ. (وَكَذَا الْكَافِرُ فِي حَقِّ طِفْلِهِ الْمُسْلِمِ) لِانْتِفَاءِ وِلَايَتِهِ بِالْكُفْرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّهِ يُقَالُ حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الذِّمِّيِّ دَلَالَةً وَلِذَا بَيَّنَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَقِيلَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ بِالِاتِّفَاقِ لِتَرَدُّدِ الْمِلَّةِ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِنْ قُتِلَ لَا. [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] ِ أَخَّرَ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَقَعُ بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ لِمُطَالَبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (لِلْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ الْقَبْضُ) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ، وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ (خِلَافًا لَزُفَرَ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ بِهِ وَكِيلًا بِهَا إذْ يَخْتَارُ الْمُوَكِّلُ لِلْقَبْضِ آمَنَ النَّاسِ وَلِلْخُصُومَةِ أَلَجَّ النَّاسِ (وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَفْتَى بِذَلِكَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي وَسَمَرْقَنْدَ وَغَيْرِهِمْ وَلِذَا أَشَارَ إلَى خِلَافِ زُفَرَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ لِقُوَّةِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. وَفِي التَّنْوِيرِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا أَبَى لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي وَغَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ (الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَبِ مِثْلُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا يُقَالُ اقْتَضَيْت حَقِّي أَيْ قَبَضْته فَإِنَّهُ مُطَاوِعٌ قَضَى إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ

وَالْفَتْوَى عَلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْغَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِتَقَاضِي الدَّيْنِ يَمْلِكُ الْقَبْضَ اتِّفَاقًا فِي جَوَابِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَكِنْ فَتْوَى الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ انْتَهَى. وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ فِي زَمَانِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ اهـ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ عَدَمُ فَهْمِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ: وَالْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّقَاضِي بِدُونِ الْقَبْضِ فَيَلْزَمُ التَّأَمُّلُ فِي قَوْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ مُصَرَّحٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَلَا خِلَافَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِذَلِكَ فِي بَلَدٍ كَانَ مِنْ الْعُرْفِ بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّ الْمُتَقَاضِيَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الدَّيْنَ تَوْكِيلًا بِالْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا تُدْبِر. وَفِي التَّنْوِير وَرَسُول الْقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ لَا الْخُصُومَةَ إجْمَاعًا وَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْقَبْضَ وَكِيلُ الْمُلَازَمَةِ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَكِيلُ الصُّلْحِ وَكَذَا عَكْسُهُ. (وَلِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَبْضِ يَعْرِفُ الْخُصُومَةَ وَيَهْتَدِي إلَى الْمُحَاكَمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الرِّضَى مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ نَفْسِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلِذَا قُلْنَا أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِلْكُ الْمَطْلُوبِ حَقِيقَةً وَبِالْقَبْضِ يَتَمَلَّكُهُ بَدَلًا عَنْ الدَّيْنِ فَيَكُونُ وَكِيلًا فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ وَلَا ذَلِكَ إلَّا بِالْخُصُومَةِ وَثَمَرَتُهُ مَا إذَا أَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ تُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّنْوِيرِ أَمَرَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَأَنْ لَا يَقْبِضَهُ إلَّا جَمِيعًا فَقَبَضَهُ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ عَلَى الْأَمْرِ وَلِلْآمِرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَرِيمِ بِكُلِّهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْغَرِيمِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ فَضَاعَ مِنْ الْوَكِيلِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُقَضَّى عَلَيْهِ عَلَى الْوَكِيلِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. (وَلِلْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْأَخْذِ اتِّفَاقًا) حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَلَّمَهَا تُقْبَلُ وَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَأَمَّا بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُصُومَةُ. (وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) أَيْ لَهُ الْخُصُومَةُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَخْذِ الْوَاهِبِ الْعِوَضِ تُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الرُّجُوعُ (أَوْ بِالْقِسْمَةِ) يَعْنِي لِلْوَكِيلِ بِالْقِسْمَةِ الْخُصُومَةُ حَتَّى إذَا وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلًا بِأَنْ يُقَاسِمَ مَعَ شَرِيكِهِ فَأَقَامَ الشَّرِيكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ نَصِيبَهُ تُقْبَلُ (أَوْ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ) حَتَّى إذَا أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ تُقْبَلُ. (وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ) يَعْنِي لَهُ الْخُصُومَةُ وَأَمَّا قَبْلَ مُبَاشَرَتِهِ

الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ تَقْتَضِي حُقُوقًا وَهُوَ أَصْلٌ فِيهَا فَيَكُونُ خَصْمَهَا فِيهَا. (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ الْخُصُومَةُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ بِقَبْضِ عَيْنِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَجْهٌ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ عَبْدٍ أَنَّ مُوَكِّلَهُ بَاعَهُ مِنْهُ تُقْصَرُ يَدُ الْوَكِيلِ) عَنْهُ (وَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ فَيَلْزَمُ) عَلَى ذِي الْيَدِ (إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى مَنْ لَا يَكُونُ خَصْمًا وَالْقِيَاسُ فِيهِ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَى الْوَكِيلِ لِعَدَمِ قَبُولِ حُجَّةِ ذِي الْيَدِ لِقِيَامِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَلَمْ يُعْتَبَرُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ خَصْمٌ فِي حَقِّ قَصْرِ يَدِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبْضِ فَتُقْتَصَرُ يَدُهُ فَتُقَامُ الْحُجَّةُ ثَانِيًا عَلَى الْبَيْعِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمُ (كَمَا تُقْصَرُ يَدُ الْوَكِيلِ بِنَقْلِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْعَبْدِ) يَعْنِي إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمَا إلَى مَوْضِعٍ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ اسْتِحْسَانًا فِي قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ عَنْهُمَا حَتَّى يُحْضِرَ مُنْكِرًا (وَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لَوْ بَرْهَنَا) أَيْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (بِلَا حُضُورِ الْمُوَكِّلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا أَقَامَا حُجَّةً عَلَى وَكِيلٍ غَيْرِ خَصْمٍ، وَلِذَا وَجَبَ إعَادَتُهَا لَوْ حَضَرَ مُوَكِّلُهُ بِخِلَافِ قَصْرِ الْيَدِ. (وَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي) بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (صَحِيحٌ) سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِالْقَبْضِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِ الْحَقِّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَهُ ذَلِكَ الْوَكِيلُ صَحَّ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَبِأَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ صَحَّ وَصَارَ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ صَارَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ. وَفِي الصُّغْرَى لَوْ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ بِحَضْرَةِ الطَّالِبِ صَحَّ وَإِلَّا لَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَّهُ أَيْضًا يَصِحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ صَحَّ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فِي الظَّاهِرِ لَوْ مَوْصُولًا وَفِي الْأَقْضِيَةِ وَمَفْصُولًا أَيْضًا (لَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) أَيْ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَشَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ يَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَ مَقَامُ الْوَكِيلِ نَفْسَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي، وَكَذَا وَكِيلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ، وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهَا؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْكِيلَ صَحِيحٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا فَيَضْمَنُ الْإِقْرَارَ وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ كَذَا يَمْلِكُ وَكِيلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ جَوَابَ الْخَصْمِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذْ وَرَاءَ مَجْلِسِهِ يُفْضِي

إلَى الْمُجَادَلَةِ وَالْمُجَاذَبَةِ وَهُوَ لَمْ يُوَكِّلْ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ وَكِيلًا (لَكِنْ لَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ، هَذَا اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي؛ فَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ عَقِيبَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ تَدَبَّرْ. (أَنَّهُ أَقَرَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ) أَيْ لَا يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُنَاقَضَةِ؛ وَلِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ (كَالْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يَصِحُّ) إقْرَارُهُمَا (وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ (الْمَالَ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا لِلصَّغِيرِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَدَّقَهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي الْمَالَ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً نَظَرِيَّةً وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْفَظَ مَالَهُ وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْسَنِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ حِفْظًا وَلَا يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ وَيُنَصَّبُ وَصِيٌّ آخَرُ وَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ لَوْ ثَبَتَ. (وَلَا) يَصِحُّ (تَوْكِيلُ رَبِّ الْمَالِ كَفِيلَهُ بِقَبْضِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ وَكَّلَ الْمُحْتَالُ الْمُحِيلَ بِقَبْضِهِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ؛ وَلِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ؛ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا يُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَتَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْعِنَايَةِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي التَّنْوِيرِ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا كَفَلَ صَحَّ وَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَكَذَا كُلُّ مَا صَحَّتْ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ تَقَدَّمَتْ كَفَالَتُهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ. (وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِمَنْ قَالَ أَنَا وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ خَالِصُ حَقِّهِ إذَا الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا (فَإِنْ صَدَّقَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ) فِيهَا أَيْ إذَا حَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَ الْوَكِيلَ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةِ فَلَا كَلَامَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ (أُمِرَ) أَيْ أُمِرَ الْغَرِيمُ (بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ إنْ لَمْ نُجِرْ الِاسْتِيفَاءَ حَالَ قِيَامِهِ (وَرَجَعَ) الْغَرِيمُ (بِهِ) أَيْ بِمَا دَفَعَهُ (عَلَى الْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَهْلَكْ فِي يَدِهِ) أَيْ رَجَعَ الْغَرِيمُ بِهِ إنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبَضَهُ وَيَأْخُذَ مَا يَجِدُهُ وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ حُكْمًا بِأَنْ اسْتَهْلَكَهُ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بِبَقَاءِ بَدَلِهِ. (وَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ (لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ فِيمَا هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ فَيَكُونُ أَمِينًا وَهُوَ لَا يَكُون ضَمِينًا؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي أَخْذِ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ (إلَّا إنْ كَانَ قَدْ ضَمِنَهُ

عِنْدَ دَفْعِهِ) فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِمِثْلِ مَا دَفَعَهُ قِيلَ رُوِيَ ضَمِنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَبِعَدَمِهِ فَالْمَعْنَى بِالتَّشْدِيدِ إلَّا إذَا إنْ جَعَلَ الْغَرِيمُ الْوَكِيلَ ضَامِنًا بِأَنْ قَالَ عِنْدَ دَفْعِهِ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ وَكَالَتَك وَأَخَذَ مِنِّي ثَانِيًا فَأَنْتَ ضَامِنٌ بِهَذَا الْمَالِ فَقَالَ: أَنَا ضَامِنٌ وَبِعَدَمِ التَّشْدِيدِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ بِأَنْ قَالَ عِنْدَ دَفْعِهِ إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ وَأَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا فَإِنِّي ضَامِنٌ بِهَذَا الْمَالِ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ كَفِيلًا بِمَالٍ قَبَضَهُ الدَّائِنُ الْمُنْكِرُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الضَّمَانِ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ جَائِزٌ لَا بِمَالٍ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ وَالْأَمَانَاتُ لَا تَجُوزُ بِهَا الْكَفَالَةُ وَظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ حَالَةَ الْهَلَاكِ إلَّا إذَا ضَمِنَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ قَبَضْت مِنْك عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُك مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُصَدِّقٍ وَكَالَتَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مُكَذِّبًا أَوْ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ لَهُ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ فَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ. وَفِي التَّنْوِيرِ فَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ هَلَاكَهُ أَوْ دَفَعَهُ لِمُوَكِّلِهِ صَدَقَ بِحَلِفِهِ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ (وَمَنْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ بِقَبْضِ الْأَمَانَةِ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ إقْرَارٌ بِمَالِ الْغَيْرِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ لَا بِالدَّفْعِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَكَذَا) أَيْ مِثْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحُكْمِ (لَوْ صَدَّقَهُ فِي دَعْوَى شِرَائِهَا مِنْ الْمَالِكِ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ مَالِكِهَا وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ إقْرَارًا بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي أَنَّ الْمَالِكَ مَاتَ وَتَرَكَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (مِيرَاثًا لَهُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَلَوْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَاخِرِ الْقَضَاءِ فَكَانَ ذِكْرُهَا هُنَا تَكْرَارًا تَدَبَّرْ. (وَلَوْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ اسْتِيفَاءَ الدَّائِنِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الدَّائِنِ (أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) أَيْ أُمِرَ الْغَرِيمُ بِدَفْعِ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَالِاسْتِيفَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَلَا يُؤَخَّرُ الْحَقُّ وَقَدْ جَعَلُوا دَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ لِرَبِّ الدَّيْنِ جَوَابًا لِلْوَكِيلِ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ وَإِلَّا لَمَا اُشْتُغِلَ بِذَلِكَ كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْ الدَّائِنِ وَادَّعَى الْإِيفَاءَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَكَمَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعِي ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ تَسْلِيمٌ لِلْحُدُودِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ اسْتِيفَاءَ مُوَكِّلِهِ) الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَالنَّائِبُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْحَلِفُ خِلَافًا لَزُفَرَ (بَلْ يَتْبَعُ) الْغَرِيمُ بَعْدَمَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ (رَبَّ الدِّينِ

باب عزل الوكيل

وَيَسْتَحْلِفُهُ) أَيْ رَبُّ الدِّينِ (أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى) إنْ حَلِفَ بَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ نَكَلَ بَطَلَ الْحُكْمُ فَيَسْتَرِدُّ فِيهِ مَا قَبَضَ. (وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى وَكِيلٍ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إنْ مُوَكَّلَهُ رَضِيَ بِهِ) أَيْ بِالْعَيْبِ (لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ قَبْلَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّائِنِ أَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَاكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عَنْ نُكُولِهِ وَهَهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ عِنْدَهُمَا لَبَطَلَانِ الْقَضَاءِ وَقِيلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْفَصْلَيْنِ. وَفِي الْمِنَحِ فَلَوْ رَدَّهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ وَصَدَّقَهُ عَلَى الرِّضَى كَانَتْ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَمَنْ دَفَعَ إلَيْهِ) رَجُلٌ (آخَرُ عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ (يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِهِ (عَشَرَةً) أُخْرَى (مِنْ عِنْدِهِ فَهِيَ بِهَا) أَيْ الْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلُ الشِّرَاءِ وَحُكْمُهُ كَذَلِكَ قِيلَ، هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمَرَهُ، وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ، وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَيَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ فَلَا يُدْخِلَانِهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ دَرَاهِمَهُ مَعَ بَقَاءِ دَرَاهِمَ الْمُوَكِّلِ وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ، هَذَا إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ الدَّافِعِ قَائِمَةً وَقْتَ شِرَائِهِ النَّفَقَةَ وَكَانَ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَيْهَا أَوْ يُطْلِقُ لَكِنْ يَنْوِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَشَرَةِ نَفْسِهِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَصِيٌّ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ، وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ أَيْ الْوَصِيُّ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُطَوِّعًا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ. [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] ِ وَجْهُ تَأْخِيرِهِ ظَاهِرٌ (لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ) عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ (إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالتَّوْكِيلِ (حَقُّ الْغَيْرِ كَوَكِيلِ الْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْخَصْمِ) فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فَيَصِيرُ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَمَالِ الْوَقْفِ وَفِيهِ

إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَكَالَتُهُ بِالشَّرْطِ ثُمَّ عَزْلَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ بَطَلَ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ (وَيَتَوَقَّفُ انْعِزَالُهُ) أَيْ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ (عَلَى عِلْمِهِ) أَيْ عِلْمِ الْوَكِيلِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَصَرُّفُهُ) أَيْ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِانْعِزَالِهِ (صَحِيحٌ) ؛ لِأَنَّ فِي انْعِزَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ إضْرَارًا بِهِ إذْ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فَتَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ بِدُونِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِلَا عِلْمٍ مِنْهُ إلَّا فِي قَوْلٍ عَنْهُمْ وَلَوْ جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ: لَمْ أُوَكِّلْك لَا يَكُونُ عَزْلًا إلَّا أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أُوَكِّلُك بِشَيْءٍ وَيَثْبُتُ الْعَزْلُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِمُشَافَهَةٍ كَقَوْلِهِ عَزَلْتُك وَأَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ وَبِكِتَابَتِهِ وَإِرْسَالِهِ رَسُولًا عَدْلًا أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إذَا قَالَ الرَّسُولُ الْمُوَكِّلُ أَرْسَلَنِي إلَيْك لِأُبْلِغَك عَزْلَهُ إيَّاكَ عَنْ وَكَالَتِهِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ بِالْعَزْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ. وَفِي الدُّرَرِ قَالَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي فَإِنَّهُ إذَا عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بَلْ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَهَذَا يُسَمَّى وَكِيلًا دَوْرِيًّا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي لَا يَكُونُ مَعْزُولًا بَلْ كُلَّمَا عُزِلَ كَانَ وَكِيلًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْمُنَجَّزَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصْلُحُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مَلَكَ عَزْلَهُ إنْ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمَدْيُونِ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِحَضْرَتِهِ لَا إلَّا إذَا عَلِمَ بِهِ الْمَدْيُونُ فَلَوْ دَفَعَ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ إلَى الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِهِ يَبْرَأُ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ) ، هَذَا أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْوَكِيلِ هُنَا فَائِدَةٌ تَرَكْته لَكِنْ يُمْكِنُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ مَاتَ فَحَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِوَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْمُوَكِّلِ فِي رِوَايَةٍ وَلِوَصِيِّ الْقَاضِي فِي أُخْرَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَفِيهِ فَائِدَةٌ (وَجُنُونِهِ) أَيْ جُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا جُنُونُ الْوَكِيلِ (مُطْبِقًا) أَيْ مُسْتَوْعِبًا (وَحَدُّهُ) أَيْ حَدُّ الْمُطْبِقِ (شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (وَحَوْلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي قَوْلٍ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعَادَاتِ حَتَّى الزَّكَاةِ فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا. (وَ) تَبْطُلُ (بِلَحَاقِهِ) أَيْ لَحَاقِ الْمُوَكِّلِ (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ وَإِنْ قَتَلَ أَوْ لَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُ اللَّحَاقِ فَلَوْ عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا

وَلَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ حُكِمَ ثُمَّ عَادَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الْمِنَحِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ أَنَّ كُلَّ وَكَالَةٍ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ إلَّا إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِ الْمُرْتَهَنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَكَذَا) تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ (بِعَجْزِ مُوَكِّلِهِ) حَالَ كَوْنِ الْمُوَكِّلِ (مُكَاتَبًا) أَيْ إذَا وَكَّلَ مُكَاتَبٌ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ مَثَلًا ثُمَّ صَارَ رَقِيقًا بِعَجْزِهِ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ وَكَالَةُ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا أَمْرِهِ (وَحَجْرُهُ) أَيْ حَجْرُ الْمُوَكِّلِ حَالَ كَوْنِهِ عَبْدًا (مَأْذُونًا) وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مُوَكِّلَهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا فَصَلَ بِكَذَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْعَامِلِ الْبَعِيدِ لَا لِمَا ظَنَّ أَنَّ فِي مَا بَعْدَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ عِلْمَ الْوَكِيلِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَوْ الْمَأْذُونَ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِالتَّقَاضِي أَوْ الْخُصُومَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَكَالَتُهُ بِالْعَجْزِ أَوْ الْحِجْرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُوَكِّلْ صَرِيحًا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِسَبَبِ (افْتِرَاقِ) ، هَذَيْنِ (الشَّرِيكَيْنِ) عَنْ الشَّرِكَةِ أَيْ يَثْبُتُ عَزْلُ الْوَكِيلِ بِافْتِرَاقِهِمَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْوَكِيلِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعِلْمُ شَرْطٌ لِلْعَزْلِ الْحَقِيقِيِّ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا إذَا افْتَرَقَا بِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الضِّمْنِيَّةُ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَتَصَرُّفِ) هُوَ بِالْجَرِّ أَيْ وَكَذَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَصَرُّفِ (الْمُوَكَّلِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ) تَصَرُّفًا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ بَيْعِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ زَوَّجَ أَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا بِنَفْسِهِ لَعَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ضَرُورَةً حَتَّى أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَالْعِدَّةُ قَائِمَةٌ بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ لِإِمْكَانِ تَنْفِيذِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْمِنَحِ وَتَعُودُ الْوَكَالَةُ إذَا عَادَ إلَى الْمُوَكِّلِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَإِنْ رُدَّ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي هِبَةِ شَيْءٍ ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ

كتاب الدعوى

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ ثُمَّ آجَرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ دَارِهِ ثُمَّ بَنَى فِيهَا فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لَا التَّخْصِيصِ، وَالْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ أَوْ بَقِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُعْتَذِرٍ بِأَنْ يُوقِعَ الثَّانِيَ فِي الْعِدَّةِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. لَكِنْ فِي قَوْلِهِ أَوْ بَقِيَ شَيْئَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَادَ، وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْعَوْدِ وَلَا عَوْدَ فِي صُورَةِ بَقَاءِ الْأَثَرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ بِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ وَبِتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إلَى آخِرِهِ تَدَبَّرْ. (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ) مِنْ الْجُنُونِ وَاللَّحَاقِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْعَجْزِ وَافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ وَتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ (عِلْمُ الْوَكِيلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ لِلْعَزْلِ الْقَصْدِيُّ لَا لِلْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ فِي الْكَافِي مَسْأَلَةٌ تَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ فِي الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. [كِتَابُ الدَّعْوَى] لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ لِأَجْلِ الدَّعْوَى ذَكَرَ الدَّعْوَى عَقِيبَ الْوَكَالَةِ هِيَ وَاحِدَةُ الدَّعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ الْفَتْحُ أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ الْكَسْرُ أَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا. وَفِي الْكَافِي يُقَالُ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَزَيْدٌ الْمُدَّعِي وَعَمْرٌو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمَالُ الْمُدَّعَى. وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ وَالْمَصْدَرُ الِادِّعَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ دَعَا وَالدَّعْوَى عَلَى وَزْنِ فَعْلَى اسْمٌ مِنْهُ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا يُنَوَّنُ يُقَالُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَالدَّعْوَى فِي الْحَرْبِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ بِالْفُلَانِ انْتَهَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (هِيَ) أَيْ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَ الْمُسَالَمَةِ أَوْ الْمُنَازَعَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ ادَّعَى إذَا أَضَافَ الشَّيْءَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ لِي وَمِنْهُ دَعْوَى الْوَلَدِ. وَفِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقِيلَ هِيَ فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ. وَفِي الشَّرْعِ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ بِقَوْلِهِ (إخْبَارٌ) عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (بِحَقٍّ) مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ شَرْطٌ (لَهُ) أَيْ لِلْمُخْبِرِ (عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ الْمُخْبِرِ الْحَاضِرِ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ وَشَرْطُهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي وَحُضُورُ خَصْمٍ

وَمَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعِي وَكَوْنُهَا مُلْزِمَةٌ وَكَوْنُ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِالْحُضُورِ لِكَوْنِ حُضُورِ مَجْلِسِ الْقَاضِي مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِ الدَّعْوَى وَهِيَ مُطَالَبَةُ حَقٍّ عِنْدَ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ وَلِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ بِلَا تَكَلُّفِ الدَّعْوَى الصَّادِرَةِ عَنْ صَاحِبِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ دَعْوَى صَحِيحَةٌ حَتَّى يَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ غِبَّ الِاسْتِشْهَادِ؛ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ الصَّادِرَةِ إلَى آخِرِهِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِحَاضِرٍ وَأَمَّا عَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا وَشَرْطُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ تَأَمَّلْ. (وَالْمُدَّعِي) شَرْعًا (مِنْ لَا يُجْبَرُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ (عَلَى) هَذِهِ (الْخُصُومَةِ) أَيْ الْمُخَاصَمَةِ وَطَلَبِ الْحَقِّ فَلَا يُشْكِلُ بِمَا كَانَ فِيهِ مُخَاصِمًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا إذَا قَالَ قَضَيْت الدَّيْنَ بَعْدَ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى هَذِهِ الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ يُجْبَرُ) عَلَى هَذِهِ الْخُصُومَةِ وَالْجَوَابِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا مَعْنًى وَلَوْ مُدَّعِيًا صُورَةً وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُنْكِرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ الِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي فَلَا يُشْكِلُ بِوَصِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى فِيمَا إذَا أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْخُصُومَةِ لِلْيَتِيمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا عَرَّفَهُمَا بِذَلِكَ وَعَدْلَ عَمَّا يَقْتَضِي التَّعْرِيفُ إشَارَةً إلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِيهِمَا فَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُهُ وَهَذَا حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي، هَذَا الْمَتْنِ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ: وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ كَانَ عَامًا صَحِيحًا كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ لَهُ بِمَا هُوَ حُكْمُهُ انْتَهَى وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُ هَذَا وَلِذَا يُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ مُدَّعِي النُّبُوَّةَ وَلَا يُقَالُ لِرَسُولِنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِلَا حُجَّةٍ إذْ بِقَوْلِهِ هُوَ لِي يَكُونُ لَهُ عَلَى مَا كَانَ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ قِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْأَمْرُ الْحَادِثُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ كَالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ انْتَهَى. إذْ لَا يَعْرِضُ عَلَى مَنْ لَهُ الْيَدُ حَقَّ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ كَمَا لَا يَعْرِضُ الْوُجُودَ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا حَادِثًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا أَصْلِيًّا انْتَهَى لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْحَادِثِ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا إلَى الدَّلِيلِ فِي ظُهُورِهِ وَوُجُودِهِ وَبِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ عَدَمُ كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَصْلًا فَالْمُودَعُ الَّذِي يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمُودِعِ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً وَكَذَا لَا يَكُونُ الْمُودِعُ بِإِنْكَارِهِ الرَّدَّ مُنْكِرًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ يَدَّعِي شَغْلَ ذِمَّةِ الْمُودِعِ مَعْنًى وَكَذَا الْمُودَعُ بِادِّعَائِهِ الرَّدَّ يُنْكِرُ الشَّغْلَ

مَعْنًى لِيُفْرِغَ ذِمَّتَهُ عَنْ الضَّمَانِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ فِيمَا أَنْكَرَهُ مَعْنًى مِنْ الضَّمَانِ لِكَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيُصَدَّقُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ إذْ الِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (وَلَا تَصِحّ الدَّعْوَى إلَّا بِذِكْرِ شَيْءٍ) أَيْ قَوْلِ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (عُلِمَ جِنْسُهُ) أَيْ جِنْسُ ذَلِكَ الدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا (وَقَدْرُهُ) مِثْلَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ كُرًّا قِيلَ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ ذِكْرِهِ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إذْ هُوَ يُعْرَفُ بِهِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْخَصْمِ بِالْمَجْهُولِ عِنْدَ قِيَامِ الْبُرْهَانِ مُتَعَذِّرٌ وَكَذَا الشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ صُورَةَ الدَّعْوَى بِلَا عَجْزٍ عَنْ تَقْرِيرِهَا لَا تُسْمَعُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الدَّعْوَى عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ فَكَتَبَ فَتُسْمَعُ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ (فَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى (دَيْنًا) أَيْ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ (ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى إجْبَارُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إيفَاءِ حَقِّ الْمُدَّعِي وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ إلَّا إذَا طَالَبَهُ بِهِ فَامْتَنَعَ. (وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى عَيْنًا (نَقْلِيًّا) أَيْ مَنْقُولًا (ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ (فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْتَمِلُ الْعَقَارَ أَيْضًا فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمَنْقُولِ بِهَذَا الْحُكْمِ. وَفِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ بَاشَا جَوَابٌ عَنْ طَرَفِ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَاعْتِرَاضٌ عَلَيْهِ فَلْيُطَالَعْ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (يُطَالِبُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ (وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهَا) أَيْ يُكَلَّفُ إحْضَارَ الْعَيْنِ مَنْقُولَةً (إنْ أَمْكَنَ) الْإِحْضَارُ (لِيُشَارَ إلَيْهَا) إي إلَى الْعَيْنِ (عِنْدَ الدَّعْوَى، وَ) عِنْدَ (الشَّهَادَةِ أَوْ الْحَلِفِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ، وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ عَلَى رِوَايَةٍ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ يَذْكُرُ قِيمَتَهَا يُغْنِي عَنْهُ تَدَبَّرْ. وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ خِلَافًا لَهُمَا ثُمَّ قَالَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شَرَطَ لَأُحْضِرَتْ وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ فِي لَوْنِهَا ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا وَالْقِيمَةُ كَافِيَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ تَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَنْقُولَاتِ بِأَنْ كَانَتْ

هَالِكَةً أَوْ غَائِبَةً (يَذْكُرُ قِيمَتَهَا) لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ وَالْقِيمَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ أَمَّا إذَا ادَّعَى قِيمَةَ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ قَالَ الْعِمَادِيُّ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ شَرَطَ التَّفْصِيلَ وَبَعْضُهُمْ اكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنًا كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي فَإِنْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا كَانَ الْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ فَلَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْقِيمَةِ فَلَا يَصِحُّ إذَا بَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً كَانَ أَوْلَى. وَفِي التَّبْيِينِ فَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى سَرِقَةً لَيَعْلَمَ أَنَّ السَّرِقَةَ كَانَتْ نِصَابًا فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْجَامِعِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَفِي دَعْوَى الْإِيدَاعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ لَا وَفِي الْغَصْبِ إنْ كَانَ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْغَصْبِ وَإِلَّا لَا وَفِي دَعْوَى الْمِثْلِيَّاتِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَسَبَبِ الْوُجُودِ (وَفِي الْعَقَارِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْقُولِ، وَلَكِنْ يَذْكُرُ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ لَكِنْ سُؤَالُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بَاقٍ عَلَى مَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَيَزِيدُهُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْخِزَانَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ انْتَهَى. لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي تَتَبَّعْ. (وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ) أَيْ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقَارِ (بِتَصَادُقِهِمَا) أَيْ لَا تَثْبُتُ بِتَصَادُقِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِهِ (بَلْ) تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ (بِبَيِّنَةٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ عَايَنُوا فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ قَالُوا سَمِعْنَا ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ (أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي) أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَقَارِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْعِلْمِ بَلْ تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ أَنَّ الْيَدَ تَصِحُّ بِالْإِقْرَارِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْعِلْمِ. وَفِي الْبَحْرِ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَقُولُوا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يُفْتَى بِالْقَبُولِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ يُقْضَى فِي الْمَنْقُولِ لَا فِي الْعَقَارِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ

فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْعِلْمِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ بَلْ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَقَارِ أَمَّا دَعْوَى الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ الْيَدِ (وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقَارِ (مِنْ ذِكْرِ الْبَلَدِ وَالْمَحَلَّةِ) . وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بَلْدَةً فِيهَا الْعَقَارُ ثُمَّ الْمُحَلَّةَ ثُمَّ السِّكَّةَ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ بِالْأَخَصِّ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ. (وَ) لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ (الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَأَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا) أَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ (وَنِسْبَتِهِمْ إلَى الْجَدِّ) لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا (وَفِي الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ يَكْتَفِي بِذِكْرِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ (فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ صَحَّ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ الطُّولَ يُعْرَفُ بِذِكْرِ الْحَدَّيْنِ وَالْعَرْضِ بِأَحَدِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ بِثَلَاثَةٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَكْتَفِي الِاثْنَانِ وَقِيلَ الْوَاحِدُ. (وَإِنْ ذَكَرَهُ) أَيْ الْحَدَّ الرَّابِعَ (وَغَلَطَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ الرَّابِعِ (لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهِ. وَفِي الْمِنَحِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْغَلَطُ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ أَنِّي غَلِطْت فِيهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ (وَإِذَا صَحَّتْ) أَيْ إذَا جَازَتْ وَقَامَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِرِعَايَةِ مَا سَبَقَ (سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ دَعْوَاهُ لِيَتَّضِحَ وَجْهُ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِف الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَقُولَ خَصْمُك ادَّعَى عَلَيْك كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَقُولُ (فَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ الْخَصْمُ (حَكَمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَصْمِ أَنْ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي صِدْقِهِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ الْقَاضِي وَلِذَا قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ فَإِنْ أَقَرَّ فَبِهَا وَلَمْ يَقُلْ حَكَمَ. (وَإِنْ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ إنْكَارًا صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَمَا إذَا قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّهُ إنْكَارٌ عِنْدَهُمْ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ إقْرَارٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَقِرَّ فَغَلَطٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكُمْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُجِيبَ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَلِذَا أَفْتَيْت بِأَنَّهُ يُحْبَسُ إلَّا أَنْ يُجِيبَ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. (سَأَلَ) الْقَاضِي (الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) فِي دَعْوَاهُ (فَإِنْ أَقَامَهَا) أَيْ إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ أَوْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَظْهَرُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ وَيُفْصَلُ بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا بَلْ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا (حَلَّفَ) أَيْ حَلَّفَ الْقَاضِي (الْخَصْمَ)

وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ) أَيْ طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةً فَقَالَ: لَا وَقَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ فَقَالَ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» فَصَارَ الْيَمِينُ حَقًّا لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ قَيَّدَ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَذَا لَيْسَ بِتَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ حَقُّ الْقَاضِي فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَإِلَّا يَحْلِفُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَحْلِفُ قَبْلَ طَلَبِهِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا فِي مَسَائِلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِالْعَيْبِ وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَّفَ لَك زَوْجُك شَيْئًا وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ وَالْمُسْتَحِقُّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ (فَإِنْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ) أَيْ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَلِفِ تُقْبَلُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ» ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَ الْيَمِينِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ تَحْضُرْ؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلُ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَطَلَ حُكْمُ الْحَلِفِ فَلَا عِبْرَةَ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (مَرَّةً) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ (أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ) مِنْ خَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ نُكُولٌ حُكْمُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السِّرَاجِ (فَقَضَى) أَيْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ (بِالنُّكُولِ) أَيْ بِسَبَبِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ (صَحَّ) ذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ كَوْنُهُ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لِأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ، هَذَا الْجَانِبُ عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ فِي نُكُولِهِ (وَعَرَضَ الْيَمِينَ) عَلَيْهِ (ثَلَاثًا) أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ (ثُمَّ الْقَضَاءُ) عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِهِ (أَحْوَطُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْظَارِ وَلَا عِبْرَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ أَحْلِفُ قُبَيْلَ الْحُكْمِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَاتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ وَبِدُونِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْمُجْتَبَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْخَصَّافُ: لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ اسْتَمْهَلَهُ بَعْدَ الْعَرْضِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ

الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَرْجِيحًا. وَفِي الْبَحْرِ وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى. (وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ) إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُرَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفَ قَضَى لَهُ وَإِلَّا لَا. (وَلَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخِرِ تَرُدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ قَضَى لَهُ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ كَائِنٌ كَالْمُتَوَاتِرِ وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ غَرِيبٌ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ بِهِ إلَى زَمَانِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ لَا يَنْفُذُ. (وَلَا يَحْلِفُ فِي نِكَاحٍ) أَيْ نَفْسِ النِّكَاحِ أَوْ الرِّضَى بِهِ أَوْ الْأَمْرِ بِهِ فَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِلَا بَيِّنَةَ نِكَاحًا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَرَجْعَةٍ) بِأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعِدَّةِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهَا فَإِنْ ادَّعَى الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَفَيْءٍ وَإِيلَاءٍ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ الْأَوْلَى كَمَا فِي سَائِرِ الْمُتُونِ وَفَيْءٍ إيلَاءٍ بِدُونِ الْوَاوِ أَيْ فِي الرُّجُوعِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ فَاءَ وَرَجَعَ إلَيْهَا فِي مُدَّتِهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَإِنْ اخْتَلَفُوا قَبْلَ الْمُدَّةِ ثَبَتَ الْفَيْءُ بِقَوْلِهِ (وَاسْتِيلَادٍ) أَيْ طَلَبُ وَلَدٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدٌ مِنْ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى أَوْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ لَكِنْ فِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَمْ يُتَصَوَّرْ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهَا بَعْدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَمْ يَدَّعِ النَّسَبَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصْوِيرُهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَرِقٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ رِقُّهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ سَيِّدُهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (وَنَسَبٍ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ، هَذَا وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ هُوَ يُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ (وَوَلَاءٍ) سَوَاءٌ كَانَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ أَوْ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِأَنْ يَدَّعِي أَحَدٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْمَجْهُولِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ مُعْتَقُهُ أَوْ مَوْلَاهُ فَلَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ جَعَلَهُ بَذْلًا وَإِبَاحَةً صِيَانَةً عَنْ الْكَذِبِ الْحَرَامِ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَحْلِفُ) ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ فِي إنْكَارِهِ إذْ لَوْ كَانَ صَادِقًا لَأَقْدَمَ عَلَيْهِ وَلَمَا كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا فَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَيُسْتَحْلَفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ لَا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي حَتَّى إنْ نَكَلَ يَقْضِي بِالنُّكُولِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى)

كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ مُعَلِّلًا بِعُمُومِ الْبَلْوَى. وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ مُتَعَنِّتًا يَأْخُذُ الْقَاضِي بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ مَظْلُومًا بِقَوْلِهِ. (وَلَا) يُسْتَحْلَفُ (فِي حَدٍّ) اتِّفَاقًا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ أَوْ غَالِبِ حَقِّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِيهِ مَغْلُوبٌ فَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ قَذْفَهُ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَهُ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ) أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا قَذْفًا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ مَعَ شُبْهَةٍ (وَالسَّارِقُ يَحْلِفُ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ إرَادَةِ أَخْذِ الْمَالِ وَيَقُولُ فِيهِ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك، هَذَا الْمَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ يَقُولُ فِي جَوَابِهِ إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ يَقُولُ لَهُ دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَادَّعِ الْمَالَ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (ضَمِنَ) الْمَالَ (وَلَا يُقْطَعُ) ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ مَعَ شُبْهَةٍ فَيَعْمَلُ فِي الضَّمَانِ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ وَالْمَالِ تُقْبَلُ فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ. (وَيَحْلِفُ الزَّوْجُ إنْ ادَّعَتْ) الزَّوْجَةُ (طَلَاقًا) بِلَا بَيِّنَةٍ لَهَا عَلَيْهِ (قَبْلَ الدُّخُولِ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْمَالُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ) الزَّوْجُ (نِصْفَ الْمَهْرِ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَهْرُ تَامًّا، وَيَبْقَى أَمْرُ الطَّلَاقِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ نِصْفُ الْمَهْرِ مَسْتُورًا فَكَشْفُهُ أَوْلَى مَعَ أَنَّ لُزُومَ الْحَلِفِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحْلَفَهُ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى (وَكَذَا) يَحْلِفُ (فِي النِّكَاحِ إنْ ادَّعَتْ) الْمَرْأَةُ (مَهْرَهَا) وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَلَوْ نَكَلَ يَلْزَمُ الْمَهْرُ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ النَّفَقَةَ بِالنِّكَاحِ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ نَكَلَ يَلْزَمُ النَّفَقَةُ دُونَ النِّكَاحِ (وَفِي النَّسَبِ) أَيْ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ (إنْ ادَّعَى حَقًّا كَإِرْثٍ وَنَفَقَةٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخُوهُ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قَضَى بِالْمَالِ وَالنَّفَقَةِ لَا النَّسَبِ إنْ كَانَ النَّسَبُ نَسَبًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ (وَغَيْرِهِمَا)

كَالْحَجْرِ بِأَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ، وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَالِهَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَنَكَلَ ثَبَتَ حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَكَذَا الْعِتْقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ: لَهُ أَنَا أَخُوك فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى مَا يَدَّعِي بِالْإِجْمَاعِ (وَفِي الْقِصَاصِ) أَيْ يَحْلِفُ جَاحِدُ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ بِالِاتِّفَاقِ (فَإِنْ نَكَلَ فِي) دَعْوَى (النَّفْسِ) لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بَلْ (حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ) فَيُقْتَصَّ مِنْهُ (أَوْ يَحْلِفَ) فَيُطْلَقَ عَنْ الْحَبْسِ وَإِلَّا يُحْبَسُ أَبَدًا. (وَ) إنْ نَكَلَ (فِيمَا دُونَهَا) أَيْ النَّفْسِ (يُقْتَصُّ) مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا أُبِيحَ قَطْعُهَا لِلْحَاجَةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطْعَهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِأَمْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى وَإِذَا سَلَكَ بِالْأَطْرَافِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ يَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ كَمَا يَجْرِي فِي الْأَمْوَالِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ مِنْ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَزِمَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ بِالنُّكُولِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ قَوَدَ الطَّرَفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَدَبَّرْ. (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْأَرْشَ فِيهِمَا) أَيْ فِي صُورَتَيْ دَعْوَى النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَيُمْتَنَعُ فِي الطَّرَفِ بِمَا فِيهِ شُبْهَةُ الْقِصَاصِ كَمَا فِي النَّفْسِ فَيَجِبُ الْمَالُ فِيهِمَا لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ خُصُوصًا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَصُّ فِيهِمَا بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أُصُولِهِمْ (فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ) فِي الْمِصْرِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ لَا يَحْلِفُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ فَإِذَا طَالَبَهُ يُجِيبُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ ثُبُوتَ الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَمَعَ الْإِمَامِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى، هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ تَدَبَّرْ. قَيَّدَنَا بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَقُدِّرَتْ الْغَيْبَةُ بِمَسِيرَةِ السَّفَرِ. وَفِي الْمِنَحِ وَحُضُورُهَا فِي الْمِصْرِ، وَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَقُولُ الْمُدَّعِي: لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودٌ لِي غُيَّبٌ

أَوْ مَرْضَى. وَفِي الْبَحْرِ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَطَلَبَ يَمِينَهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْمِ ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي فَلَهُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا (وَيَكْفُلُ) مِنْ التَّكْفِيلِ (بِنَفْسِهِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ كَيْ لَا يَغِيبَ فَيُضَيِّعَ حَقَّهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْفُلَ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفًا ثِقَةً وَلَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ وَحَانُوتٌ مِلْكًا لَهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَصَحَّ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا وَوَكِيلًا وَإِنْ أَعْطَاهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لَيُحْضِرَهَا وَلَا يُغَيِّبُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْفُلُهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُدَّعِي وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي جَاهِلًا بِالْخُصُومَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَا يَكْفُلُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِهِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ، هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إلَى جُلُوسِ الْقَاضِي مَجْلِسًا آخَرَ وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْحَقِيرِ وَكَذَا بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ وَالْكَثِيرِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْخَصْمَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُخْفِي نَفْسَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ يَحْلِفُ فَإِذَا حَضَرَ بَعْدَمَا حَلَفَ نَقْبَلُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْبَحْرِ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِلَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يَقْضِي بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤَجِّلُ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ (فَإِنْ أَبَى) عَنْ إعْطَاءِ الْكَفِيلِ (لَازَمَهُ) مِقْدَارَ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ (وَدَارَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْغَرِيمِ (حَيْثُ دَارَ) تَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ. وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الصُّغْرَى رَأَيْت فِي زِيَادَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ بِمُلَازَمَةِ مَدْيُونِهِ فَلِلْمَدْيُونِ أَنْ لَا يَرْضَى عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَجَعَلَهُ فَرْعًا لِمَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَى الْخَصْمِ لَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الدَّعْوَى وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ يَتَصَرَّفُ وَالْمُدَّعِي يَدُورُ مَعَهُ وَإِذَا انْتَهَى الْمَطْلُوبُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَهْلِهِ بَلْ يَدْخُلُ الْمَطْلُوبُ إلَى أَهْلِهِ وَالْمُلَازِمُ عَلَى بَابِ دَارِهِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَطْلُوبُ (غَرِيبًا يُكْفَلُ أَوْ يُلَازَمُ قَدْرَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) إلَى أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ يَمْنَعُهُ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي، هَذَا

الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا فَإِنْ بَرْهَنَ فِي الْمَجْلِسِ فَبِهَا وَإِلَّا يُحَلِّفُهُ إنْ شَاءَ أَوْ يَدَعُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ (وَقِيلَ أَنَّ إلَخْ الْخَصْمَ صَحَّ) الْيَمِينُ (بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (فِي زَمَانِنَا) لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا حَتَّى لَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ وَإِنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ. وَفِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. (وَتُغَلَّظُ) الْيَمِينُ (بِذَكَرِ صِفَاتِهِ تَعَالَى) أَيْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ، هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك، هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ (إنْ شَاءَ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَتَجَاسَرُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَتُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ وَالِاخْتِيَارُ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظ إلَى الْقَاضِي يَزِيدُ فِيهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُصُ مَا شَاءَ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ (وَيَحْتَرِزُ مِنْ التَّكْرَارِ) أَيْ يَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ وَإِلَّا لَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا وَلَوْ لَمْ تُغَلَّظْ جَازَ وَقِيلَ لَا تُغَلَّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَقِيلَ تُغَلَّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ (لَا) تُغَلَّظُ (بِزَمَانٍ) عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ فِي أَوَّلِ الْجُمُعَةِ أَوْ آخِرِهَا أَوْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرُ الْمُدَّعِي (أَوْ مَكَان) بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا زَائِدَةٌ عَلَى النَّصِّ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ بِهِمَا انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَلَا يُشْرَعُ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ أَنْ تُغَلَّظُ بِهِمَا أَيْضًا إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ وَلِعَانٍ وَمَالٍ عَظِيمٍ (وَيَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَ) يَحْلِفُ (النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ

عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فَتُؤَكَّدُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمَا (وَ) يُحَلَّفُ (الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ النَّارَ تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ فَتُؤَكَّدُ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مُعَظَّمًا لِيُفِيدَ فَائِدَةَ الْيَمِينِ، وَقِيلَ إنَّ الْمَجُوسِيَّ حُلِّفَ بِاَللَّهِ لَا غَيْرَ كَمَا لَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الشَّمْسَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى يُشْعِرُ تَعْظِيمَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظَّمَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَظَّمَةٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا. (وَ) يَحْلِفُ (الْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ) فَحَسْبُ إذْ يُقِرُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ الْعَالَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] هَكَذَا قَالُوا. وَفِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّهْرِيَّةَ مِنْهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ أَنَّ الدَّهْرِيَّ هُوَ مَنْ يَقُولُ بِقَدَمِ الدَّهْرِ وَبِإِسْنَادِ الْحَوَادِثِ إلَيْهِ وَيَقُولُونَ: إنَّ مَبْدَأَ الْمُمْكِنَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قِيلَ فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ اعْتِقَادِهِمْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمُ دَلَالَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الدَّهْرِيَّةَ يَعْتَقِدُونَ الدَّهْرَ الْقَدِيمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ اعْتِقَادِهِمْ تَأَمَّلْ. (وَلَا يَحْلِفُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ (فِي مَعَابِدِهِمْ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهَا وَالْقَاضِي مَمْنُوعٌ عَنْ أَنْ يَحْضُرَهَا وَكَذَا أَمِينُهُ؛ لِأَنَّهَا مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ. وَفِي الْبَحْرِ وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَيَحْلِفُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى الْحَاصِلِ) ، هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَالسَّبَبِ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ إمَّا إنْ كَانَ مِمَّا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي بِالتَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِهِ فَقَالَ (فَفِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ) : تَحْلِفُ (بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ) فِي الْحَالِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (أَوْ نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) إذَا ادَّعَتْ النَّفَقَةَ فَلَوْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ كَانَ الْمِثَالُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي التَّحْلِيفِ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَحْلِفُ كَمَا مَرَّ (وَفِي الطَّلَاقِ) بِاَللَّهِ (مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ) إذَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ فَلَوْ ادَّعَتْ رَجْعِيًّا حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَّ الْحَاصِلَ فِي الظَّاهِرِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ سَبَبَ الْحَاصِلِ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ فِعْلِ الْعَقْدِ يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ فِعْلٍ آخَرَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَفِي الْغَصْبِ) بِاَللَّهِ (مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الْمَغْصُوبِ (وَفِي الْوَدِيعَةِ) بِاَللَّهِ (مَالَهُ، هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَدَك وَلَا شَيْءَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي فِي يَدَك (وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ) . وَفِي الِاخْتِيَارِ وَيُحَلِّفُهُ فِي الدَّيْنِ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ وَالْقَرْضِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدَّى الْبَعْضَ

أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْجَمِيعِ (لَا) يَحْلِفُ (عَلَى السَّبَبِ نَحْوُ) أَنْ يَقُولَ فِي الْبَيْعِ (بِاَللَّهِ مَا بِعْته) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا أَوْ أَبَانَهَا وَلَا يَحْلِفُ فِي الطَّلَاقِ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا وَلَا يَحْلِفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْته لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ غَصَبَ ثُمَّ سَلَّمَ أَوْ مَلَكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ وَلَا يَحْلِفُ فِي الْوَدِيعَةِ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعْتُك، هَذَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُودَعهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ عَلَى السَّبَبِ فَلَوْ حَلَفَ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ مَثَلًا عَلَى نَفْيِ الْبَيْعِ يَكُونُ كَاذِبًا، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ الْعَائِدِ إلَى مِلْكِهِ بِالْإِقَالَةِ، وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُسْتَوْفَى لِحَقِّ الْمُدَّعِي فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مُوَافَقَةٌ لِدَعْوَاهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَبُ إلَّا عِنْدَ تَعْرِيضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لِلْقَاضِي لَا تُحَلِّفْنِي فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ شَيْئًا ثُمَّ يُقِيلُهُ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاصِلِ قِيلَ يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأَى الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَ) وَالْأَنْسَبُ بِالْوَاوِ (فِي الْحَلِفِ عَلَى الْحَاصِلِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُدَّعِي حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ إجْمَاعًا) رِعَايَةً لِجَانِبِهِ (كَدَعْوَى الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ، وَالْخَصْمُ لَا يَرَاهُمَا) أَيْ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ، وَمَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْك إذْ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ عَلَيْك وَبِاَللَّهِ لَا تَجِبُ عَلَيْكِ النَّفَقَةُ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي لَا يُقَالُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِبُطْلَانِ الشُّفْعَةِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْقَاضِي مِنْ الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا وَالْأَوْلَى بِالضَّرَرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِعَارِضِ السُّقُوطِ وَالْمُدَّعِي بِالْأَصْلِ حَيْثُ أَثْبَتَ حَقَّهُ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ. (وَكَذَا) يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إجْمَاعًا (فِي سَبَبٍ لَا يَرْتَفِعُ) بِرَافِعٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدَّعِي الْعِتْقَ) أَيْ الْعِتْقَ الْوَاقِعَ فِي إسْلَامِهِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَيَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ لِيُوَافِقَ الْيَمِينُ الدَّعْوَى وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ يُقْتَلُ وَالْهَرَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ نَادِرٌ إلَّا أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَمِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى حَائِطِهِ خَشَبَةً أَوْ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ أَجْرَى مِيزَابًا عَلَى سَطْحِهِ أَوْ فِي دَارِهِ

باب التحالف في الدعوى

أَوْ رَمَى تُرَابًا فِي أَرْضِهِ أَوْ شَقَّ فِي أَرْضِهِ نَهْرًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَرْتَفِعُ (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الْكَافِرِ وَالْأَمَةِ) فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ حُرٌّ أَوْ مَا هِيَ حُرَّةٌ الْآنَ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَمَةِ بِالرِّدَّةِ وَاللَّحَاقِ وَالسَّبِيِّ وَعَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللَّحَاقِ وَالسَّبِيِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (وَمَنْ وَرِثَ شَيْئًا) مِنْ عَيْنٍ عَلِمَ ذَلِكَ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَوْ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَوْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَادَّعَاهُ آخَرُ) وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَارِثِ (حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عِلْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ لَهُ لَا عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْلَمُ بِمَا صَنَعَهُ الْمُوَرِّثُ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَارِثُ الدَّيْنِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ وَالْأَوَّلُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ وَقَاضِي خَانْ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مِيرَاثًا حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ مِنْ كَوْنِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ شَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَعَلَى الْبَتَاتِ) أَيْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ عَبْدُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْبَتَاتُ الْقَطْعُ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ نَفْيٌ أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَيْئًا يَتَّصِلُ بِالْحَالِفِ كَمَا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ أَوْ مَا سَرَقَ فِي يَدِي وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ فَالتَّحْلِيفِ يَرْجِعُ عَلَى مَا ضَمِنَ الْبَائِعُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ وَإِذَا ادَّعَى سَبْقَ الشِّرَاءِ يَحْلِفُ خَصْمُهُ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ (عَلَى شَيْءٍ صَحَّ) الِافْتِدَاءُ وَالصُّلْحُ إنْ رَضِيَ بِهِ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَعْطَى شَيْئًا لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ إذْ لَوْ حَلَفَ لِوُقُوعٍ عَلَى الْقِيلِ وَالْقَالِ إذْ النَّاسُ بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِذَا افْتَدَى صَانَ عِرْضَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» بِمَعْنَى ادْفَعُوا وَامْتَنِعُوا (وَلَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ مِنْهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ مَالًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ أَسْقَطَهُ أَيْ الْيَمِينَ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْحَلِفِ أَوْ تَرَكْته عَلَيْهِ أَوْ وَهَبْته لَا يَصِحُّ وَلَهُ التَّحْلِيفُ. [بَابُ التَّحَالُف فِي الدَّعْوَى] بَابُ التَّحَالُفِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الِاثْنَيْنِ إذْ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا)

أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بِأَلْفٍ وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِأَلْفَيْنِ مَثَلًا (أَوْ) فِي قَدْرِ (الْمَبِيعِ) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت عَبْدًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي عَبْدَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ فِي الْجِنْسِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى، هَذَا لَوْ حَذَفَ الْقَدْرَ لَكَانَ أَشْمَلَ (أَوْ فِيهِمَا) أَيْ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ بِعْت عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ (حَكَمَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ يَحْكُمُ الْقَاضِي لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَانِبَ الْآخَرَ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا إذْ هِيَ مُتَعَدِّيَةٌ حَتَّى تُوجِبَ الْقَضَاءَ فَلَا يُعَارِضُهَا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى. (وَإِنْ بَرْهَنَا) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِمَا ادَّعَاهُ (فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) أَيْ يَحْكُمُ لِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصٌ عَنْ الْمُعَارِضِ أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَحُجَّةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ الْأَكْثَرِ وَحُجَّةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ الْأَكْثَرِ أَوَّلًا فَيَحْكُمُ بِعَبْدَيْنِ لِلْمُشْتَرِي وَبِأَلْفَيْنِ لِلْبَائِعِ. (وَإِنْ عَجَزَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (عَنْ) إقَامَةِ (الْبُرْهَانِ قِيلَ لَهُمَا إمَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُكُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَهَذَا وَجْهٌ فِي طَرِيقِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَ) وَالْأَنْسَبُ بِالْوَاوِ (أَحَدُهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِنْ قَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ قِيَاسِيٌّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاسْتِحْسَانِيٌّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ بَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيُكْتَفَى بِحَلِفِهِ لَكِنْ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ أَنَّ التَّحَالُفَ يَصِحُّ قَبْلَ قَبْضِ الْبَيْعِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَبِيعِ وَلَا يَصِحُّ بَعْدَ قَبْضِهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ تَتَبَّعْ. وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقُلْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحَالُفِ عَدَمُ رِضَى وَاحِدٍ لَا عَدَمُ رِضَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى، هَذَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا إلَى آخِرِهِ لَيْسَ بِوَارِدٍ تَدَبَّرْ. (وَبُدِئَ) يَبْدَأُ الْقَاضِي (بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَوْ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَأَبَى يُوسُفَ آخِرًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَاهُمَا إنْكَارًا؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ هُوَ الْبَادِي بِالْإِنْكَارِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: أَوَّلًا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، هَذَا إذَا كَانَ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَإِنْ كَانَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ فَالْقَاضِي مُخَيَّرٌ لِلِاسْتِوَاءِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَفِي الْمُقَايَضَةِ)

أَيْ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ يَبْدَأُ الْقَاضِي (بِأَيِّهِمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يَضُمُّ الْإِثْبَاتَ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ وُضِعَتْ لِلنَّفْيِ كَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ. (وَمَنْ نَكَلَ) مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ) بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا بَذْلٌ وَإِمَّا إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ فَبِتَقْوِيَةِ الْقَضَاءِ يَكُونُ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ. (وَإِنْ حَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قِطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ بَقِيَ بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي فَاسِدِ الْبَيْعِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا وَلَوْ فَسَدَ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَقَيَّدَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسَخُهُ بِدُونِ طَلَبِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا لَا يَكْفِي كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَا تَحَالُفَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي قَدْرِهِ خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (شَرْطِ الْخِيَارِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي وُجُودِهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ أَوْ فِي مُدَّتِهِ (أَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ) أَوْ كُلَّهُ أَيْ لَا تَحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَدَّيْت بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ (وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ لَا فِي الثَّمَنِ كَمَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فَحَسْبُ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ (وَلَا) تَحَالُفَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (بَعْدَ هَلَاكِ) كُلِّ (الْمَبِيعِ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَحَالَفَا عَلَى الْقَائِمِ عِنْدَهُمْ (وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا وَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَهُ وَكَانَ الثَّمَنُ مَقْبُوضًا يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَالشَّافِعِيِّ (يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ) الْعَقْدُ (وَتَلْزَمُ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقًّا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيَتَحَالَفَانِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهَلَاكُهُ شَامِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ زِيَادَتِهِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ أَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً فَإِنَّهُ

لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا وَيَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُ فَيُفْسَخُ عَلَى الْعَيْنِ فِي الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالسَّمْنِ وَعَلَى الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي مُتَّصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَعَلَى الْقِيمَةِ فِي الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالثَّمَرِ وَأَمَّا فِي مُنْفَصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالْكُسْبِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ عَلَى الْعَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَهُوَ) أَيْ الْمَبِيعُ (قَائِمٌ) يَعْنِي لَوْ تَغَيَّرَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ، وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ مَعَ الْعَيْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ. (وَلَا) تَحَالُفَ (بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَعَبْدَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: الثَّمَنُ أَلْفٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ مَشْرُوطٌ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَبِيعِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ فُقِدَ الشَّرْطُ بَلْ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ زِيَادَةَ الثَّمَنِ (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا وَيَجْعَلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالْعَقْدُ كَأَنَّهُ عَلَى الْقَائِمِ فَقَطْ فَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْقَائِمِ فَيَتَحَالَفَانِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى قَوْلِهِ لَا تَحَالُفَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اُخْتُلِفَ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ الْحَيِّ وَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ وَمَعْنَى لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَكَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَتَحَالَفَا كَمَا هُوَ مُخْتَارُهُمْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَنْ الْهَالِكِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ الْحَيَّ فَقَدْ صَدَقَ الْمُشْتَرِي وَارْتَفَعَ الْخُصُومَةُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَخْذَ الْبَائِعِ الْحَيَّ وَفِي تَقْدِيرِهِ تَعَسُّفٌ (وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ) أَيْ حَلَفَا لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ التَّحَالُفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيلَ يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ لَا الْهَالِكِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ فِيهِ لَا فِي الثَّانِي، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ يَكُونُ صَادِقًا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفٍ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا كَانَ صَادِقًا وَكَذَا الْبَائِعُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بِعْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يُفِيدُ التَّحَالُفُ بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ وَيَقُولُ أَوَّلًا بِاَللَّهِ

مَا اشْتَرَيْتهمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ وَإِنْ حَلَفَ يُحَلَّفْ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتهمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِمَا الْمُشْتَرِي إنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ، وَالْعَقْدُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْهَالِكِ عِنْدَهُ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا، وَيُفْسَخُ فِيهِمَا وَيُرَدُّ الْقَائِمُ مَعَ قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى (وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ إذَا اخْتَلَفَا (فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتَلْزَمُ قِيمَتُهُ) أَيْ الْهَالِكِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِمَا مَرَّ. (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا) أَيْ قِيمَةُ الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ (فِي الِانْقِسَامِ) أَيْ انْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا (يَوْمَ الْقَبْضِ) فَإِنْ اسْتَوَيَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقِيمَتَانِ يَوْمَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ عَنْهُ حِصَّةُ الْقَائِمِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَتَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْهَالِكِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فِيهِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْقَائِمِ أَلْفٌ، وَقَالَ الْبَائِعُ: عَلَى عَكْسِهِ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِدَعْوَاهُ يَسْتَبْقِي مَا كَانَ وَاجِبًا وَالْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ يُسْقِطُ مَا كَانَ وَاجِبًا وَكَانَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ. (وَإِنْ بَرْهَنَا) عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ (فَبُرْهَانُهُ) أَيْ بُرْهَانُ الْبَائِعِ (أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ إقَالَةِ الْبَيْعِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي كَانَ الثَّمَنُ أَلْفًا وَقَالَ الْبَائِعُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا (تَحَالَفَا وَعَادَ الْبَيْعُ) الْأَوَّلُ حَتَّى يَكُونَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِقَالَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا (إنْ لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَحَالَفَا فِي إقَالَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ بِالْحَدِيثِ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ وَأُجِيبَ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ ثَبَتَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ وَمُنْكِرٍ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ التَّحَالُفُ مَعْقُولًا فَوَجَبَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا قِسْنَا الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَارِثُ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْقِيمَةُ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَعَنْ، هَذَا قَالَ. (وَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَا (فَلَا تَحَالُفَ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا. (وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ) لَا يَتَحَالَفَانِ (فَالْقَوْلُ) مَعَ يَمِينِهِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (فِيهِ)

أَيْ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ (فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ دِرْهَمٌ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ دِرْهَمَانِ (أَوْ الْمَنْفَعَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ شَهْرٌ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَانِ (أَوْ فِيهِمَا) أَيْ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ: آجِرَتُك الدَّارَ شَهْرًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: اسْتَأْجَرْتهَا شَهْرَيْنِ بِدِرْهَمٍ (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) إذْ الْإِجَارَةُ مَقِيسَةٌ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فِي الْإِجَارَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي إيرَادِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْأَمْرُ فِي فَسْخِهَا فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ قَائِمًا تَقْدِيرًا (وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ) لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وُجُوبَ مَا يَدَّعِيهِ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الزِّيَادَةِ. (وَ) بُدِئَ (بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ لَوْ) اخْتَلَفَا (فِي الْمَنْفَعَةِ) لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وُجُوبَ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُحَلِّفُ أَوَّلًا مَنْ يَدَّعِي أَوَّلًا إنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا يُحَلِّفُ مِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ (وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّكُولِ (وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ قُبِلَ) بُرْهَانُهُ وَإِنْ بَرْهَنَا (فَحُجَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ) أَوْلَى لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الْمَنْفَعَةِ وَحُجَّةُ الْمُؤَجِّرِ) أَوْلَى لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الْأُجْرَةِ) نَظَرًا إلَى إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَتُقْبَلُ حُجَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي فَضْلٍ يَدَّعِيهِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَنَّ مُدَّتَهَا شَهْرٌ بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَنَّ مُدَّتَهَا شَهْرَانِ بِخَمْسَةٍ فَيَقْضِي بِعَشْرَةٍ لِلْمُؤَجِّرِ وَشَهْرَيْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ. (وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَتَحَالَفَانِ) اتِّفَاقًا (وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ الْإِجَارَةُ هُنَا عَلَيْهِ إذْ هَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عَلَى أَصْلِهِمَا بِخِلَافِ مَا فِي صُورَةِ الْمَقِيسِ حَيْثُ وُجِدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْبَيْعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هُنَا، وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَلَا قِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ أَنْ لَا عَقْدَ، وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ. (وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ (يَتَحَالَفَانِ) فِيمَا بَقِيَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (وَتُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمَنَافِعِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ غَيْرِ مَقْبُوضٍ يَتَحَالَفَانِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مَعْقُودٌ

بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي بَعْضِهِ بِالْهَلَاكِ تَعَذَّرَ فِي كُلِّهِ ضَرُورَةً (وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ الْيَمِينِ (فِيمَا مَضَى) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ بِمَا يَدَّعِيهِ الْمُؤَجِّرُ مِنْ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ (فِي قَدْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) بَعْدَمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ (لَا يَتَحَالَفَانِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْحُقُوقِ الْمُلَازِمَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْبَيْع (وَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ) مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ لَكِنْ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قَدْرِ مَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ عَتَقَ وَكَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَالَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ) الْكِتَابَةُ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي بَدَلِ عَقْدٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ) أَهْلِ (الْبَيْتِ) وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ هُنَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِمَّا حَصَلَ مِنْهُ كَالْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدٍ (فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ الْيَمِينِ (فِيمَا صَلَحَ لَهَا) أَيْ مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ عَادَةً كَالدِّرْعِ وَالْأَسْوِرَةِ وَالْخِمَارِ وَالْمُلَاءَةِ وَالْخَلْخَالِ وَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَبِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ (وَلَهُ) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ (فِيمَا صَلَحَ لَهُ) كَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُتُبِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَانِعَةٌ أَوْ بَائِعَةٌ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ النِّسَاءِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يَقْضِي لِلزَّوْجِ (أَوْ) فِيمَا صَلَحَ (لَهُمَا) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيمَا اخْتَصَّ بِهِمَا كَالْمَنْزِلِ وَالْفُرُشِ وَالرَّقِيقِ وَالْأَوَانِي وَالْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ. وَفِي الْبَحْرِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْتَ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يَقْضِي بِبَيِّنَتِهَا؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مَعْنًى أَطْلَقَ الزَّوْجَيْنِ فَشَمَلَ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْمُسْلِمَ مَعَ الذِّمِّيَّةِ وَالْحَرْبِيَّ وَالْمَمْلُوكَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي وَالصَّغِيرَيْنِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ يُجَامِعُ وَشَمَلَ اخْتِلَافُهُمَا حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ مِلْكًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْيَدِ لَا لِلْمِلْكِ. وَفِي الْقُنْيَةِ افْتَرَقَا وَفِي بَيْتِهَا جَارِيَةٌ نَقَلْتهَا مَعَ نَفْسِهَا وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ ثَابِتَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ انْتَهَى وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يَصْلُحُ لَهُمَا لَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَيَّدَ بِاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ نِسَاءِ الزَّوْجِ دُونَهُ فَإِنَّ مَتَاعَ

النِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَا فِي بَيْتِ كُلِّ امْرَأَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلَا يَشْتَرِك بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، هَذَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ (وَبَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَ وَارِثُهُ مَعَ الْحَيِّ وَالْجَوَابُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى مَا مَرَّ (الْقَوْلُ فِي الْمُحْتَمِلِ) أَيْ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا (لِلْحَيِّ) مَعَ الْيَمِينِ أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَيِّتِ فَبَقِيَتْ يَدُ الْحَيِّ بِلَا مُعَارِضٍ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيمَا صَلَحَ لَهُمَا (فِي الزَّائِدِ عَلَى جِهَازِ مِثْلِهَا وَفِي جِهَازِ مِثْلِهَا لَهَا) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ إذَا كَانَتْ حَيَّةً (أَوْ لِوَرَثَتِهَا) بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْ يَدْفَعُ فِي الْمُشْكِلِ إلَى الزَّوْجَةِ أَوْ إلَى وَارِثِهَا مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِوَارِثِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الزَّوْجِ وَلِذَا يَأْخُذُ الْبَاقِيَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لِظَاهِرِهِ وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ فِي الْمُشْكِلِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا يَكُونُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي غَيْرِ مَتَاعِ الْمَيِّتِ وَكَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْكِلَ بَيْنَهُمَا وَعَنْهُمَا أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ كَذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّ الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ مَيِّتًا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ لَهُ إلَّا مَا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنَّ الْمَتَاعَ لِصَاحِبِ الْمَيِّتِ إلَّا مَا عَلَى الرَّجُلِ مِنْ الثِّيَابِ فَهَذِهِ مُثَمَّنَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى أَوْ مَسْبَعَتُهُ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ ابْنَتِهِ أَنَّ الْجِهَازَ كَانَ عَارِيَّةً لَهَا وَالزَّوْجُ أَنَّهَا كَانَ مِلْكًا فَقَالُوا لِلْأَبِ عَلَى الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ الْعُرْفُ بِدَفْعِ الْجِهَازِ مِلْكًا لَا عَارِيَّةً فَالْقَوْلُ لَهَا وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا وَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَابْنُهُ فِيمَا فِي الْبَيْتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ الْأَبُ فِي عِيَالِ الِابْنِ فِي بَيْتِهِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلِابْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ فِي بَيْتِ الْأَبِ وَعِيَالُهُ فَمَتَاعُ الْبَيْتِ لِلْأَبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ إسْكَافِيٌّ وَعَطَّارٌ فِي آلَاتِ الْأَسَاكِفَةِ وَآلَاتِ الْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (مَمْلُوكًا) سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَحْجُورًا (فَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْمَتَاعِ (لِلْحُرِّ فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى (وَلِلْحَيِّ) مِنْهُمَا (فِي الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْحَيِّ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي عَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لِلْحُرِّ مُطْلَقًا لَكِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلُ الْعَامَّةِ فَاقْتَفَى أَصْحَابُ الْمُتُونِ أَثَرَهُ، هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ

فصل في بيان أحكام دفع الدعاوى

كَالْحُرِّ) ؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ حَتَّى لَوْ اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا كَانَ مَحْجُورًا حَيْثُ يَقْضِي لِلْحُرِّ لَا لِلْعَبْدِ وَقَوْلُهُ الْكُلُّ مُشِيرٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مُطْلَقِ الْمَتَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى لَكِنْ فِي الْحَقَائِقِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَمْتِعَةِ الْمُشْكِلَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي التَّنْوِيرِ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الطَّلَاقِ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ صَارَ بِيَدِهِ غُلَامٌ وَعَلَى عُنُقِهِ بَدْرَةٌ، وَذَلِكَ بِدَارِهِ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ عُرِفَ بِالْيَسَارِ وَادَّعَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ فَهُوَ لِلْمَعْرُوفِ بِالْيَسَارِ، وَكَذَا كَنَّاسٌ فِي مَنْزِلِ الرَّجُلِ وَعَلَى عُنُقِهِ قَطِيفَةٌ يَقُولُ هِيَ لِي وَادَّعَاهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ رَجُلَانِ فِي سَفِينَةٍ بِهَا دَقِيقٌ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ السَّفِينَةَ وَمَا فِيهَا وَأَحَدُهُمَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الدَّقِيقِ وَالْآخَرُ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ مَلَّاحٌ فَالدَّقِيقُ لِلَّذِي يُعْرَفُ بِبَيْعِهِ وَالسَّفِينَةُ لِمَنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ مَلَّاحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ. [فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام دَفْعِ الدَّعَاوَى] فَصَلِّ أَحْكَامِ دَفْعِ الدَّعَاوَى (قَالَ ذُو الْيَدِ) فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِهِ أَنَّ (هَذَا الشَّيْءَ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ أَعَارَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ رَهَنِّيهِ أَوْ غَصَبْته مِنْهُ) أَيْ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ (وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (انْدَفَعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ شَرْعًا، وَالْآخَرُ دَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهَذَا مَقْبُولٌ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا تَسْقُطُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ فِي إدْخَالِ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ بِلَا رِضَاهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَسْقُطُ الْخُصُومَةُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدَ خُصُومَةٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْحِيَلِ) جَمْعُ حِيلَةٍ (لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ (وَبِهِ يُؤْخَذُ) وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ مَالَ الْغَيْرِ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعُ سِرًّا إلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُغَيِّبَ، وَيَقُولَ لَهُ أُودَعَهُ عِنْدِي بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ قَصْدًا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ. (وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ أُودَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مَنْ أُودَعَهُ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ قَوْلِ الشُّهُودِ (نَعْرِفُهُ) أَيْ الْمُودِعَ (بِوَجْهِهِ) لَوْ رَأَيْنَاهُ (لَا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ حَيْثُ تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ.

(عِنْدَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَقَعُ عَلَى الْغَائِبِ لِيَشْتَرِطَ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ وَإِنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْمُدَّعِي بِالدَّفْعِ عَنْ ذِي الْيَدِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ وَهُوَ أَثْبَتُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ مَعْرُوفًا كَانَ بِالْحِيلَةِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَى ذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالْحَوَالَةِ عَلَى رَجُلٍ يُمْكِنُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَعْرُوفُ بِالْوَجْهِ لَا يَكُونُ مَعْرُوفًا فَصَارَ، هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشُّهُودِ لَا نَعْرِفُهُ أَصْلًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِمُخَمَّسَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى لِلِاشْتِمَالِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ كَمَا تَرَى؛ أَوْ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ وَدِيعَةٌ وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْقَابِلَةِ لِهَذَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَرْضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الطَّالِبُ بِالْبُرْهَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَد الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ. وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَسْكَنَنِي فِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالصُّوَرُ عَشَرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ الْمُخَمَّسَةَ بِالْأَقْوَالِ. (وَلَوْ قَالَ) ذُو الْيَدِ (اشْتَرَيْته مِنْهُ) أَيْ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ (لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ لِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ خُصُومَةِ لِاعْتِرَافِهِ سَبَبَ الْمَلِكِ، وَهُوَ الشِّرَاءَ. (وَكَذَا) لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ (لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي سَرَقْتَهُ) بِتَاءِ الْخِطَابِ (أَوْ غَصَبْته مِنِّي) فَقَالَ ذُو الْيَد أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ. (وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ الْغَائِبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ الْيَدِ غَصَبْته مِنِّي صَارَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَفِيهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِانْتِفَاءِ يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. (وَكَذَا) لَا تَنْدَفِعُ (إنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (سُرِقَ مِنِّي) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ اسْتِحْسَانًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ بَلْ عَلَى مَجْهُولٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُو الْيَدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءً لِلْحَدِّ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سَرَقْته مِنِّي بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَوْ قَضَى

باب دعوى الرجلين

عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ فَقَطْ. وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي مِنْ فُلَانٍ تَنْدَفِعُ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى مَقَالَتِهِ الْأُولَى يَجْعَلُهُ خَصْمًا، وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ لِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ زَيْدٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ هُوَ) أَيْ زَيْدٌ (انْدَفَعَتْ) الْخُصُومَةُ (بِلَا حُجَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا اعْتَرَفَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَصْلِ لِغَيْرِهِمَا فَيَكُونُ وُصُولُهُ إلَى صَاحِبِ الْيَدِ مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ الْبَائِعِ فَلَا تَكُونُ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ (إلَّا إذَا بَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) فَحِينَئِذٍ لَا تَنْدَفِعُ وَتَصِحُّ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَيِّنَةً كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ. وَفِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِتَلَقِّي الْيَدِ مِنْ الْغَائِبِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ وَتَقْيِيدُهُ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ اتِّفَاقِيٌّ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ، وَزَعَمَ ذُو الْيَدِ أَنَّ، هَذَا الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُصُولِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّ صَاحِبَ الْيَدِ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانُ دَعْوَى الْغَصْبِ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ بِزَعْمِ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِحْسَانِ انْتَهَى. [بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْوَاحِدِ ذَكَرَ دَعْوَى مَا زَادَ عَلَيْهِ وَالْوَاحِدُ قَبْلَ مَا زَادَ (لَا تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا مِلْكِي وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ مِلْكِهِ (وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُطْلَقِ (أَحَقُّ) بِالِاعْتِبَارِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَحَقُّ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ وَلَنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعِي بِوَجْهٍ وَذُو الْيَدِ لَهُ مِلْكٌ عَلَيْهِ بِالْيَدِ فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ بِكَثْرَةِ ثُبُوتِهَا إلَّا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ مَعَ الْمِلْكِ فِعْلًا كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي قَيَّدَ بِالْمُطْلَقِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُقَيَّدِ بِالسَّبَبِ، وَهَذَا إنْ وَقَّتَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتَا بِاتِّفَاقٍ (بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ ثَالِثٍ مُنْكِرٍ بَعْدَ ادِّعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ (قَضَى بِهِ) أَيْ بِهَذَا الشَّيْءِ (لَهُمَا) بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ عِنْدَنَا لِقَبُولِ الشَّرِكَةِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِنَاقَةٍ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ

لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ فِي وَقْتٍ كَانَ الْقِمَارُ فِيهِ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَسَخَتْ بِحُرْمَةِ الْقِمَارِ إذْ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ قِمَارٌ وَكَذَا تَعْيِينُ الْمُسْتَحَقِّ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَلِلْقَاضِي ثَمَّةُ وِلَايَةِ التَّعْيِينِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَإِنَّمَا يَقْرَعُ لِتُطَيِّبْ الْقُلُوبِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ) بَرْهَنَا (عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ سَقَطَا) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَإِذَا تَهَاتَرَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَا مُرَجِّحَ وَإِذَا تَهَاتَرَا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِيَانِ حَيَّيْنِ وَالْمَرْأَةُ أَمَّا لَوْ بَرْهَنَا عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَيَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (لِمَنْ صَدَّقَتْهُ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ مَنْ كَذَّبَتْهُ بِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (فَإِنْ أَرَّخَا) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ لِنِكَاحِهَا وَكَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا سَابِقًا (فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) بِهَا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ لِلسَّابِقِ إذْ عَقْدُ اللَّاحِقِ وَبُرْهَانُهُ بَاطِلٌ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا ذَكَرَ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ أَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهَا لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (وَإِنْ أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ (لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْبُرْهَانِ فَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (لَهُ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ (فَإِنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ) أَيْ الَّذِي لَمْ تَقِرَّ لَهُ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ (قَضَى لَهُ) أَيْ لِلْمُبَرْهِنِ لِقُوَّةِ الْبُرْهَانِ فَإِنْ بَرْهَنَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى. (وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا) عَلَى نِكَاحِهَا (فَقَضَى لَهُ) بِالنِّكَاحِ (ثُمَّ بَرْهَنَ الْآخَرُ) عَلَى أَنَّهُ نَكَحَهَا (لَا يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ إذْ لَا يُنْقَضُ شَيْءٌ بِمِثْلِهِ وَهَهُنَا صَارَ الْأَوَّلُ أَقْوَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (إلَّا) وَقْتَ (إنْ أَثْبَتَ) ذَلِكَ الْآخَرُ بِالْبَيِّنَةِ (سَبَقَهُ) أَيْ سَبَقَ نِكَاحُهُ إيَّاهَا عَلَى نِكَاحِ الْأَوَّلِ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَتَيَقُّنِ الْخَطَأِ فِي الْأَوَّلِ. (وَكَذَا لَا يُقْبَلُ بُرْهَانُ خَارِجٍ عَلَى) زَوْجٍ (ذِي يَدٍ) عَلَى امْرَأَةٍ (نِكَاحُهُ ظَاهِرٌ) بِنَقْلِهَا إلَى بَيِّنَةٍ أَوْ بِالدُّخُولِ مَعَهُ (إلَّا إنْ أَثْبَتَ) الْخَارِجُ (سَبْقَهُ) أَيْ سَبْقَ نِكَاحِهِ عَلَى نِكَاحِ ذِي الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ لِمَا مَرَّ (وَإِنْ بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ آخَرَ) أَيْ مِنْ ذِي يَدٍ بِلَا تَارِيخٍ (فَكُلٌّ نِصْفُهُ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ

الشَّيْءِ (بِنِصْفِ ثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ شَاءَ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ (أَوْ تَرَكَهُ) أَيْ تَرَكَ النِّصْفَ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ فَيَتَخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَغَيُّرِ شَرْطِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ يُقْرِعُ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ قُلْنَا أَنَّ الْمَحَلَّ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِزَيْدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَمَمْلُوكًا لِعَمْرٍو عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوسَ الْمُحَاطَ لِلشُّهُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ هُنَاكَ صَادِقٌ بِأَنْ يُعَايِنَ السَّبَبَ مِنْ الرَّجُلَيْنِ وَلَا يَعْلَمَانِ سَبْقَ أَحَدِهِمَا (وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا) نِصْفَهُ (بَعْدَمَا قَضَى لَهُمَا لَا يَأْخُذُ) الْمُدَّعِي (الْآخَرَ كُلَّهُ) ؛ لِأَنَّ بِالْقَضَاءِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ كُلٍّ فِي النِّصْفِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ يَأْخُذُ كُلَّهُ لِإِثْبَاتِ بُرْهَانِهِ اشْتِرَاءَ الْكُلِّ بِلَا مُزَاحِمٍ لِلْقَضَاءِ (فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ أَوْ تَارِيخٌ فَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ التَّارِيخِ (أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ إذْ قَبْضُ الْقَابِضِ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَزْمَانِ، وَهُوَ الْحَالُ مَعَ أَنَّ قَبْضَ الشَّيْءِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ شِرَائِهِ فَصَارَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا مِنْ شِرَاءِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَبِالتَّارِيخِ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَلِي إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي خَارِجَيْنِ تَنَازَعَا فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ أَثْبُت بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، وَهُوَ الْآنَ فِي يَدِ الْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ انْتَهَى. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا انْتَهَى. (وَإِنْ أَرَّخَا فَالسَّابِقُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ وَلِلْآخِرِ تَارِيخٌ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ بِهِ ثُمَّ لَا يَقْضِي بَعْدَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا إذَا انْتَفَى الْمِلْكُ مِنْهُ (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ) مَعَ قَبْضٍ (وَصَدَقَةٍ مَعَ قَبْضٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، هَذَا إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَلَوْ أَرَّخَا وَاتَّحَدَ الْمُمَلَّكُ فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا مِنْهُمَا أَحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُمَلِّكُ فَأَيُّهُمَا سَوَاءٌ فِي صُورَةِ التَّارِيخِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلِّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ

بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَا لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ وَفِيهِ تَقَدُّمُ الْأَقْوَى، وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالْمُؤَرَّخَةُ أَوْلَى قَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا خَارِجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلْخَارِجِ إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهُوَ لِلْأَسْبَقِ، وَإِنْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلَا تَرْجِيحَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهِيَ لَهُ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ (سَوَاءٌ) بِالِاتِّفَاقِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا تَبَرُّعًا وَأَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارَ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ، وَهَذَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبَحْرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ وَالْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا أَرَّخَا قَدَّمَ الْأَسْبَقَ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا، وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ أَوْلَى، وَكَذَا إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ كِلَاهُمَا هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ أَحَدُهُمَا هِبَةً وَالْآخَرُ صَدَقَةً فَمَا لَمْ يَذْكُرْ الشُّهُودُ الْقَبْضَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ ذَكَرُوا الْقَبْضَ وَلَمْ يُؤَرِّخُوا أَوْ أَرَّخُوا تَارِيخًا وَاحِدًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهَا فَلَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يَقْضِي لَهُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ، هَذَا الشَّيْءَ اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَيْدًا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الشَّيْءِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَالْمَهْرَ سَوَاءٌ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ الْمَنْقُودِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ الشِّرَاءُ أَوْلَى) فَيَقْضِي لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ (وَعَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حُجَجُ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّرَاءَ سَابِقًا إذْ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى. وَفِي الْمِنَحِ اعْتِرَاضٌ عَنْ طَرَفِ صَاحِبِ الْفُصُولَيْنِ وَجَوَابٌ عَنْ طَرَفِ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ. (وَالرَّهْنُ مَعَ الْقَبْضِ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ) بِلَا عِوَضٍ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقَبْضِ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا مَقْبُوضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُؤَرِّخَا فَمُدَّعِي الرَّهْنِ أَوْلَى اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْهِبَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى (فَإِنْ كَانَتْ)

أَيْ الْهِبَةُ (بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ) أَيْ الْهِبَةُ (أَوْلَى) مِنْ الرَّهْنِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ انْتِهَاءً فَيَكُونُ عَقْدُهَا عَقْدُ زَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ مَعْنًى وَصُورَةً بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً، هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ إذَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَيَقْضِي لَهُ. (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذُكِرَتْ وَإِعَادَتُهَا هُنَا لِأَجْلِ ذِكْرِ التَّارِيخِ (أَوْ شِرَاءٍ مُؤَرَّخٍ مِنْ وَاحِدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِشِرَاءِ (غَيْرِ ذِي الْيَدِ) احْتَرَزَ بِهَذَا عَمَّا بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهَا (فَالسَّابِقُ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا إذَا تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ عَلَى تَخْرِيجِ صَاحِبِ الْأَمَالِي وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَمُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا هُوَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ وَ) بَرْهَنَ (الْآخَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشِّرَاءِ (مِنْ بَكْرٍ) وَاتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ حَتَّى يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِ وَمِلْكُ بَائِعِهِ مُطْلَقٌ بِلَا تَارِيخٍ فَصَارَ مَا إذَا حَضَرَ الْبَائِعُ فَادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَيَكُونُ بَيْنَ الْخَارِجَيْنِ لِاسْتِوَاءِ تَارِيخِهِمَا. (وَكَذَا لَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ شَخْصٍ وَ) بَرْهَنَ خَارِجٌ (آخَرُ عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ مِنْ غَيْرِهِ وَ) بَرْهَنَ خَارِجٌ (آخَرُ عَلَى الْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِ وَ) بَرْهَنَ خَارِجٌ (آخَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْقَبْضِ مِنْ رَابِعٍ قَضَى بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا) سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمْ أَوْ مَعَ بَعْضِهِمْ تَارِيخٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمِلْكَ لِمُمَلِّكِيهِمْ وَذَلِكَ تَارِيخٌ فِيهِ وَلَا يُقَدِّمُ الْأَقْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَذُو الْيَدِ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ (فَهُوَ) أَيْ ذُو الْيَدِ (أَوْلَى) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ) . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَلَى مَا قَالَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِيهِ تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَيَسْتَوِي فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَقَامَاهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ تَدْفَعُ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي وَقْتِ التَّارِيخِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ قَيَّدَ بِسَبْقِ تَارِيخِ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا

أَوْ أُرِّخَتْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى. (وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ كَانَتْ الْيَدُ لَهُمَا) وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ فَكَأَنَّهُمَا أَقَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجٌ وَذُو يَدٍ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَوَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْخَارِجُ أَوْلَى) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (ذُو الْوَقْتِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ وَصَارَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ إذَا أُرِّخَ أَحَدُهُمَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ وَلَا دَفْعَ هَهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ. (وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَوْ الْخَارِجُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأُرِّخَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ (فَهُمَا سَوَاءٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي وَقَّتَ أَوْلَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الَّذِي أَطْلَقَ أَوْلَى) وَعَلَّلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ وَرُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّارِيخَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ وَالْإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْأَوَّلِيَّةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالتَّيَقُّنِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ التَّارِيخَ يُضَامُهُ احْتِمَالُ عَدَمِ التَّقَدُّمِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ صَاحِبِ التَّارِيخِ انْتَهَى. لَكِنْ صُوَرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ فِي أَيْدِيهِمَا فَذَكَرَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ إلَى آخِرِهِ فَقَالَ فِي عَقِبِهِ فَعَلَى، هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا انْتَهَى. قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنْ قَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَالْآخَرُ عَلَى مُطْلَقٍ الْمِلْكُ سَقَطَ التَّارِيخُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ صَاحِبُ الْوَقْتِ أَوْلَى انْتَهَى. فَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ مُخَالَفَةُ الْمُصَنِّفِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ تَتَبَّعْ. (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجٌ وَذُو يَدٍ عَلَى النِّتَاجِ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً (فَذُو الْيَدِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا قَامَتَا عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلِيّ الْيَدِ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ؛ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ يَسْتَوْعِبُ كُلَّ تَارِيخٍ فَلَا يُفِيدُ ذِكْرَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا اتَّحَدَ التَّارِيخَانِ أَوْ اخْتَلَفَا مَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي ذِي الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَجْهٌ لِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى لِذِي الْيَدِ بِنَاقَةٍ بَعْدَمَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ. (وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ آخَرَ وَعَلَى النِّتَاجِ

عِنْدَهُ) أَيْ لَوْ تَلَقَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ فَكَانَ هُنَاكَ بَائِعَانِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَ مَنْ تَلَقَّى مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى النِّتَاجِ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِهِ لِذِي الْيَدِ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ قَدْ حَضَرَا وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَّةَ لِصَاحِبِ الْيَدِ كَذَلِكَ هَهُنَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ النِّتَاجِ (أَوْلَى) أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ صَرِيحًا فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ وَالْآخَرُ لَمْ يَتَلَقَّ مِنْهُ وَأَوَّلِيَّتُهُ تَثْبُتُ دَلَالَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا مَعَ الصَّرِيحِ. (وَكَذَا لَوْ كَانَا خَارِجِينَ) فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوَّلًا لِمَا بَيَّنَّا. (وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِذِي الْيَدِ ثُمَّ بَرْهَنَ ثَالِثٌ عَلَى النِّتَاجِ قَضَى لَهُ) أَيْ لِلثَّالِثِ (إلَّا أَنْ يُعِيدَ ذُو الْيَدِ بُرْهَانَهُ) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ مَا قَامَتْ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي وَإِنَّمَا قَامَتْ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَصِرْ الثَّالِثُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ (كَمَا لَوْ بَرْهَنَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى النِّتَاجِ يَقْبَلُ وَيَنْقُضُ الْقَضَاءَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ وَالْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَبَرْهَنَا فَقَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ بِالْمِلْكِ ثُمَّ إنَّ ذَا الْيَدِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ قَطْعًا فَكَانَ الْقَضَاءُ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِهِ كَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ فَقَطْ عَلَى النِّتَاجِ وَقَضَى لَهُ ثُمَّ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ يَقْضِي لَهُ وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ وَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ نِتَاجًا أَيْضًا، وَلَمْ يُبَرْهِنَا حَتَّى حَكَمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي بِالنِّتَاجِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النِّتَاجِ لَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ أَوْ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ عَلَى النِّتَاجِ انْتَهَى. (وَكُلُّ سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ فِي الْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ ذُو الْيَدِ (فَهُوَ مِثْلُ النِّتَاجِ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ النِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ (كَنَسْجِ ثِيَابٍ لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً) كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ نَسَجَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ نَسْجُهُ وَكَمَا إذَا ادَّعَتْ غَزْلَ قُطْنٍ أَنَّهُ مِلْكُهَا غَزَلَتْهُ بِيَدِهَا (وَكَحَلَبِ اللَّبَنِ) فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ أَيْضًا فَإِذَا ادَّعَى لَبَنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ حَلَبَهُ مِنْ شَاتِه (وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ) بِأَنْ ادَّعَى جُبْنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ (وَاللُّبَدِ) بِأَنْ ادَّعَى لِبْدًا بِأَنَّهُ صَنَعَهُ مِنْ الصُّوفِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ (وَالْمِرْعِزَّى) وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْمَعْزِ (وَجَزِّ الصُّوفِ) بِأَنْ ادَّعَى صُوفًا مَجْزُوزًا أَنَّهُ مِلْكُهُ جَزَّهُ مِنْ شَاتِه وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى ذُو الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (وَمَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ كُلُّ

سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ (بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) لَا يُلْحَقُ بِالنِّتَاجِ (كَنَسْجِ الْخَزِّ) وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبِرِّهِ خَزًّا فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْخَزَّ وَالصُّوفَ وَالشَّعْرَ إذَا بَلَى يُنْقَضُ وَيُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يُنْسَجُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَا الْيَدِ نَسَجَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ الْخَارِجُ وَنَقَضَهُ ثُمَّ نَسَجَهُ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ (وَكَالْبِنَاءِ) فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى ثُمَّ يَنْهَدِمُ ثُمَّ يُبْنَى (وَالْغَرْسِ) ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ يُغْرَسُ غَيْرَ مَرَّةٍ (وَزِرَاعَةِ الْبُرِّ وَالْحُبُوبِ) ؛ لِأَنَّ الْبُرَّ قَدْ يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُغَرْبَلُ التُّرَابُ فَيُمَيَّزُ الْبُرُّ مِنْهُ ثُمَّ يُزْرَعُ ثَانِيًا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ وَكَذَا كُلُّ مَا يُزْرَعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِذَا ادَّعَى ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ مِنْ خَزِّهِ أَوْ ادَّعَى دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ بَنَاهَا أَوْ ادَّعَى غَرْسًا أَنَّهُ مِلْكُهُ غَرْسَهُ أَوْ حِنْطَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ زَرْعَهَا أَوْ حَبًّا آخَرَ مِنْ الْحُبُوبِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى ذُو الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ لِمَا مَرَّ (وَمَا أَشْكَلَ) بِحَيْثُ لَا يَتَيَقَّنُ بِالتَّكَرُّرِ وَعَدَمِهِ (رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ (جُعِلَ كَالْمُطْلَقِ) أَيْ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بَيِّنَةٌ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ كَمَا رَوَيْنَا فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصْلِ. (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَذُو يَدٍ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فِي زَيْدٍ وَادَّعَاهُ بَكْرٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ زَيْدٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ (فَهُوَ) أَيْ ذُو الْيَدِ (أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ وَإِنْ كَانَ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ فَذُو الْيَدِ يَتَلَقَّى الْمَلِكَ مِنْهُ وَلَا تَنَافِي فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ. (وَإِنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ (عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا تَهَاتَرَتَا) أَيْ سَقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ (وَتُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْد مُحَمَّدٍ) إنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا (يَقْضِي) بِالْبَيِّنَتَيْنِ (لِلْخَارِجِ) لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا يَجْعَلُ ذَا الْيَدِ مُشْتَرِيًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يَعْكِسُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَكَذَا، هَذَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ أَرَّخَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ (فِي الْعَقَارِ بِلَا ذِكْرِ قَبْضٍ وَتَارِيخُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ قَضَى لِذِي الْيَدِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ مِنْ ذِي الْيَدِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) قَضَى (لِلْخَارِجِ) إذْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَيَجْعَلُ الْخَارِجَ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَجَعَلَ

الْخَارِجَ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ بَائِعَهُ وَهُوَ ذُو الْيَدِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ انْتَهَى. (وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا قَضَى لِذِي الْيَدِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بَاعَهُ عَلَى بَائِعِهِ بَعْدَمَا قَبَضَهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ. (وَإِنْ كَانَ وَقْتُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ قَضَى لِلْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ) فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ذَوِي الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْكَافِي وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ قَالُوا حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ إنْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ عِنْدَ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ سَابِقًا فَهُوَ أَحَقُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَابِقًا بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا بِأَنْ أَرَّخَا مُوَافِقًا أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَصْلًا أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبُ يَدٍ أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَارِجًا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْ فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ إلَّا إذَا تَلَقَّيَا مِنْ وَاحِدٍ وَأَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ أَحَقُّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ يَدٍ وَالْآخَرُ خَارِجًا فَالْخَارِجُ أَحَقُّ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي التَّارِيخِ إلَّا إذَا ادَّعَيَا مَعَ الْمِلْكِ فِعْلًا بِأَنْ قَالَ هُوَ عَبْدِي أَعْتَقْته أَوْ دَبَّرْته فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ هُوَ عَبْدِي كَاتَبْته فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ لِكَوْنِهِمَا خَارِجَيْنِ إذْ لَا بُدَّ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ فَإِذَا عَقَدَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُعْتِقًا يَدًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لَا يُعْرَفُ عِتْقُهُ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ عَبْدِي كَاتَبْته وَقَالَ الْآخَرُ دَبَّرْته أَوْ أَعْتَقْته فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ يَكُونُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ، هَذَا فِي الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فِي الْمُطْلَقِ أَمَّا فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ فَإِنَّ ذِكْرَ الْخَارِجِ وَذُو الْيَدِ سَبَبًا وَاحِدًا وَتَلَقَّيَا مِنْ وَاحِدٍ فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ وَإِنْ تَلَقَّيَا مِنْ اثْنَيْنِ فَالْخَارِجُ أَحَقُّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي التَّارِيخِ وَإِنْ ذَكَرَا سَبَبَيْنِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَنْظُرُ إلَى قُوَّةِ السَّبَبِ انْتَهَى. (وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ) ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَنَا بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ إذْ شَهَادَتُهُمَا لَيْسَتْ أَقَلَّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ فِي إثْبَاتِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحُكْمِ فَالْكَثْرَةُ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ؛ وَلِهَذَا لَا تُرَجَّحُ الْآيَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى وَلَا الْخَبَرُ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِقُوَّةٍ فِيهِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ مِنْ الْآحَادِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُفَسِّرًا وَالْآخَرُ مُحْتَمِلًا فَيُرَجَّحُ الْمُفَسِّرُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ لِقُوَّةِ وَصْفٍ فِيهِ وَقِيلَ يَقْضِي لِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ أَمِيلُ إلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَكَذَا لَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الشَّاهِدِ أَصْلُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِذِي حَدٍّ فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ خَارِجَيْنِ نِصْفَ دَارٍ وَالْآخَرُ كُلَّهَا) وَبَرْهَنَا عَلَى ذَلِكَ (فَالرُّبْعُ لِلْأَوَّلِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) لِلْأَوَّلِ (الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ اعْتَبَرَ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ صَاحِبَ الْكُلِّ فِي النِّصْفِ فَسَلَّمَ لَهُ النِّصْفَ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا

فصل في التنازع بالأيدي

فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصِّفُ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبَعُ وَهُمَا اعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ، هَذَا هُوَ الْعَوْلُ وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ فَصَاحِبُ الْكُلِّ لَهُ ثُلُثَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيَضْرِبُ الثُّلُثَيْنِ فِي الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ لَهُ ثُلُثٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيَضْرِبُ الثُّلُثَ فِي الدَّارِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثُلُثَ الدَّارِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْكُسُورِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ الثُّلُثَ فِي السِّتَّةِ يَكُونُ مَعْنَاهُ ثُلُثَ السِّتَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ. وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِنْ كَانَتْ) الدَّارُ (فِي يَدَيْهِمَا فَكُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الدَّارِ (لِمُدَّعِي الْكُلَّ نِصْفٌ بِقَضَاءٍ وَنِصْفٌ بِلَا قَضَاءٍ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى مُدَّعِي النِّصْفَ مُنْصَرِفَةٌ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِتَكُونَ يَدُهُ يَدَ مُحِقَّةٍ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ فَمُدَّعِي النِّصْفَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ فَسَلَّمَ النِّصْفَ لِمُدَّعِي الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَبَقِيَ مَا فِي يَدِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ إذْ لَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى وَاجْتَمَعَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ كُلَّهَا وَآخَرُ ثُلُثَهَا وَآخَرُ نِصْفَهَا وَبَرْهَنُوا فَهِيَ مَقْسُومَةٌ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَوْلِ وَبَيَانُهُ فِي الْكَافِي فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ وَأَرَّخَا قَضَى لِمَنْ وَافَقَ سِنُّهَا تَارِيخَهُ) لِرُجْحَانِهِ بِشَهَادَةِ الْحَالِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ. (وَإِنْ أَشْكَلَ) أَيْ سِنُّهَا بِأَنْ لَا يُوَافِقَ التَّارِيخَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ (فَلَهُمَا) أَيْ يَقْضِي لَهُمَا لِعَدَمِ رُجْحَانِ أَحَدِ الْبُرْهَانَيْنِ. (وَإِنْ خَالَفَهُمَا) أَيْ خَالَفَ السِّنُّ التَّارِيخَيْنِ مَعًا (بَطَلَا) أَيْ الْبُرْهَانَانِ لِظُهُورِ كَذِبِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي التَّبْيِينِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بَلْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا إنْ كَانَا خَارِجَيْنِ أَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يَقْضِي بِهَا لِذِي الْيَدِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُ الْخَارِجَيْنِ عَلَى غَصْبِ شَيْءٍ وَالْآخَرُ عَلَى وَدِيعَتِهِ اسْتَوَيَا) ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ يَصِيرُ غَاصِبًا وَبُرْهَانُ الْوَدِيعَةِ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ صَاحِبِ يَدٍ. [فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُقُوعِ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ شَرَعَ فِي وُقُوعِهِ بِظَاهِرِ الْيَدِ لِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى؛ وَلِهَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْيَدِ فَقَالَ (لَابِسُ الثَّوْبِ أَوْلَى مِنْ الْآخِذِ بِكُمِّهِ وَالرَّاكِبُ أَحَقُّ مِنْ الْآخِذِ بِاللِّجَامِ وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَحَقُّ مِنْ الرَّدِيفِ) أَيْ لَوْ تَنَازَعَا ثَوْبًا أَحَدُهُمَا لَابِسٌ وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ وَغَيْرِهِ مِنْ

الْأَطْرَافِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ فَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ الْآخِذِ فِي كَوْنِهِ صَاحِبَ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ وَمُسْتَعْمِلٌ وَكَذَا أَوْ تَنَازَعَا أَحَدُهُمَا رَاكِبًا وَالْآخَرُ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالرَّاكِبُ أَوْلَى فِي كَوْنِهِ ذَا يَدٍ إذْ تَصَرُّفُهُ أَقْوَى. وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبٌ بِسَرْجِهَا وَالْآخَرُ رَدِيفُهُ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ يَدِهِ وَقِيلَ هِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ (وَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ عَلَيْهَا) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَعَلَيْهَا حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَلْآخَرُ كُوزٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ ذَا يَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا فِيهَا وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْحِمْلِ إنْ كَانَا حَمَلَاهَا وَتَنَازَعَا كَمَا لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ، وَإِذَا أَقَامَا بَيِّنَةً فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَبَيِّنَةُ مَنْ كَانَ فِي حُكْمٍ خَارِجٍ أَوْلَى لِمَا مَرَّ مِرَارًا. (وَالرَّاكِبَانِ بِلَا سَرْجٍ أَوْ) رَاكِبَانِ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّرْجِ (سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِذَنَبِهَا وَالْآخَرُ مُمْسِكًا بِلِجَامِهَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِهَا لِمَنْ يُمْسِكُ لِجَامَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّجَامِ غَالِبًا إلَّا الْمَالِكُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالذَّنَبِ. (وَكَذَا الْجَالِسُ عَلَى الْبِسَاطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ سَوَاءٌ) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا قَاعِدٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِيَدٍ فَاسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْيَدِ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَصِيرُ بِهِمَا غَاصِبًا لَا بِالْجُلُوسِ وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا (وَمَنْ مَعَهُ) أَيْ وَكَذَا إنْ كَانَ (ثَوْبٌ) فِي يَدِ رَجُلٍ (وَطَرَفُهُ مَعَ آخَرَ) حَيْثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ يَدُ أَحَدِهِمَا فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَمْسِكٌ بِالْيَدِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ اسْتِمْسَاكًا وَمِثْلُ تِلْكَ لَا يُوجِبُ الرُّجْحَانَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ، هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ هِيَ الْيَدُ وَالزِّيَادَةُ هِيَ الِاسْتِعْمَالُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ بِخِلَافِ جَالِسَيْ الدَّارِ تَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا لَا بِطَرِيقِ التَّرْكِ وَلَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ (وَالْحَائِطُ) وَهُوَ الْجِدَارُ (لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (أَوْ اتَّصَلَ بِبِنَائِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ) اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ اتِّصَالُ جِدَارٍ بِجِدَارٍ بِحَيْثُ يَتَدَاخَلُ لِبَنَاتِ هَذَا الْجِدَارِ فِي لِبَنَاتِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْنَيَانِ لِيُحِيطَا مَعَ جِدَارَيْنِ آخَرَيْنِ بِمَكَانٍ مُرَبَّعٍ وَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَكُونَ سَاجُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبًا فِي الْآخَرِ وَأَمَّا إذَا نُقِبَ وَأُدْخِلَ فَلَا يَكُونُ مُرَبَّعًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا بِاتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْبِيعٍ لِعَدَمِ الْمُدَاخَلَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا (لَا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ) وَهِيَ خَشَبَاتٌ تُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيُلْقَى عَلَيْهَا التُّرَابُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَكَذَا الْبَوَارِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَضْعًا إذْ الْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهَا بَلْ هِيَ لِلتَّسْقِيفِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِيِّ كَمَا فِي

الدُّرَرِ (بَلْ الْجَارَانِ فِيهِ سَوَاءٌ) يَعْنِي إذَا تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِهَا بِخِلَافِ الْجُذُوعِ. (وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ) مِنْ الرَّجُلَيْنِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (ثَلَاثَةُ جُذُوعٍ فَبَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهَا فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ (وَلَا تَرْجِيحَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ غَالِبًا فَصَارَ الثَّلَاثُ كَالنِّصَابِ لَهُ. (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ) جُذُوعٍ (وَلِلْآخَرِ أَقَلُّ فَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ (لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ) اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ فَيَسْتَوِيَانِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ حُجَّةٌ نَاقِصَةٌ إذْ لَا يُبْنَى الْحَائِطُ فِيمَا دُونَهُ وَالْحُجَّةُ النَّاقِصَةُ لَا تَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْكَامِلَةِ (وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ خَشَبِهِ) بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَنَا بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يَصْلُحُ بِالدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الرِّوَايَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ أَوْ لَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْإِجْذَاعِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ جِذْعِهِ مَشْغُولٌ بِجِذْعِهِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْحَائِطَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَجْذَاعِ وَلِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مَا تَحْتَ جِذْعِهِ يُرِيدُ بِهِ حَقَّ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِ جِذْعٍ أَوْ جِذْعَيْنِ عَادَةً وَإِنَّمَا يُنْصَبُ لَهُ أُسْطُوَانَةٌ فَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِالْمِلْكِ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ أَصَحُّ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ) كَانَ (لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ فَلِذِي الِاتِّصَالِ) أَيْ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ أَوْلَى (وَلِلْآخَرِ) ؟ أَيْ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ (حَقُّ الْوَضْعِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِهَذَا الِاتِّصَالِ كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ فَالْقَضَاءُ بِبَعْضِهِ يَصِيرُ قَضَاءً بِكُلِّهِ ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ وَضْعُ جُذُوعِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّصَالُ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ (وَقِيلَ لِذِي الْجُذُوعِ) أَيْ صَاحِبِ الْجُذُوعِ أَوْلَى وَرَجَّحَ السَّرَخْسِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِأَنَّ لَهُ تَصَرُّفًا فِي الْحَائِطِ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَيْدِي فِي الْحَائِطِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ، وَاتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ، وَوَضْعُ جُذُوعٍ وَمُحَاذَاةِ بِنَاءٍ فَأَوْلَاهُمْ صَاحِبُ التَّرْبِيعِ ثُمَّ صَاحِبُ جُذُوعٍ ثُمَّ صَاحِبُ الْمُحَاذَاةِ (وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّارِ (فِي حَقِّ سَاحَتِهَا) أَيْ السَّاحَةُ نِصْفَانِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا وَالتَّوَضُّؤُ وَكَسْرُ

باب دعوى النسب

الْحَطَبِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَصَارَتْ نَظِيرَ الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الشُّرْبِ حَيْثُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمَا. (وَلَوْ ادَّعَيَا أَرْضًا كُلٌّ) مِنْهُمَا يَدَّعِي (أَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضُ (فِي يَدِهِ وَبَرْهَنَا) كَذَلِكَ (قَضَى بِيَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي (فَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (أَوْ كَانَ) أَحَدُهُمَا (لَبِنٌ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ لَبِنًا (أَوْ بَنَى) فِيهَا (أَوْ حَفَرَ) فِيهَا (قَضَى بِيَدِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْبَاقِيَةِ فَلِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ قَالَ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا بَدَلَ أَوْ كَانَ لَبِنٌ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَقْصَرُ تَدَبَّرْ. وَمَنْ (فِي يَدِهِ صَبِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ (قَالَ أَنَا حُرٌّ) وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ (فَالْقَوْلُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْبَالِغِ (وَإِنْ قَالَ) ، هَذَا الصَّبِيُّ (أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ) وَهُوَ غَيْرُ ذِي الْيَدِ (فَهُوَ عَبْدٌ لِذِي الْيَدِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا لِفُلَانٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِقْلَالٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ عَبْدًا لِذِي الْيَدِ لَا لِلْخَارِجِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْإِقْرَارَ بِالرِّقِّ ضَرَرٌ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَكَذَا مَنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ يَدٍ عَلَى نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فَلَوْ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ كِبَرِهِ لَا يُقْبَلُ بِلَا حُجَّةٍ) أَيْ لَوْ كَبُرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَلَا يُنْقَضُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. [بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ شَرَعَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَهَمَّ ذِكْرًا فَقَدَّمَهُ (وَلَدَتْ مَبِيعَةٌ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ) قَمَرِيَّةٍ (مُنْذُ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ) أَيْ الْوَلَدَ (الْبَائِعُ) أَيْ بَائِعُ الْمَبِيعَةِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُهُ) فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِدَعْوَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي لِتَيَقُّنِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي مِلْكِهِ مَعَ دَعْوَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِالْبَيْعِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَبِيعَةِ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَا تُبَاعُ إلَّا مَرَّةً كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ فَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ مُذْ بِيعَتْ وَقَدْ مَلَكَهَا سَنَتَيْنِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا بِيعَتْ مَرَّتَيْنِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي (وَهِيَ) أَيْ الْجَارِيَةُ (أُمُّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ

بِيَقِينٍ (وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ) لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَةَ (وَيَرُدُّ الثَّمَنَ) لِعَدَمِ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي. (وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (ادَّعَاهُ) أَيْ النَّسَبَ (الْمُشْتَرِي مَعَ دَعَوْتِهِ) أَيْ الْبَائِعُ (أَوْ) ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي (بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِكَوْنِ أَصْلِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إذْ أَصْلُ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَسْبَقُ، هَذَا عِنْدَنَا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ لَمَّا اتَّصَلَ بِمِلْكِهِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ شَهَادَةً ظَاهِرَةً حَيْثُ إنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا مَعَ أَنَّ النَّسَبَ مَبْنَاهُ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ دَعْوَةٌ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهَا أَمَتُهُ وَبِالدَّعْوَةِ يَكُونُ مُنَاقِضًا وَإِذَا بَطَلَتْ دَعْوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَإِعْتَاقِهِ إذْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَكَحَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا (وَكَذَا) يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ (لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْبَائِعُ (بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ أَوْ عِتْقِهَا) أَيْ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ وَلَدَتْ لَلْأَقَلِّ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ هُوَ الْوَلَدُ لَا الْأُمُّ وَلِذَا تُضَافُ الْأُمُّ إلَيْهِ وَيُقَالُ أُمُّ الْوَلَدِ وَتَسْتَفِيدُ الْأُمُّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا فَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَتُهَا وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى فَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ بَعْدَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهِ لَا فِي حَقِّ الْأُمِّ فَلَا تَصِيرُ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ إنْ صَحَّتْ فِي حَقِّ الْأُمِّ بَطَلَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ (وَيَرُدُّ حِصَّتَهُ) أَيْ حِصَّةَ الْوَلَدِ (مِنْ الثَّمَنِ فِي الْعِتْقِ) أَيْ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتَيْ الْوَلَدِ وَالْأُمِّ وَيَرُدُّ مَا أَصَابَ الْوَلَدُ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ دُونَ مَا أَصَابَ الْأُمَّ مَعَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ. (وَ) يَرُدُّ (كُلَّ الثَّمَنِ فِي الْمَوْتِ) عِنْدَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي (وَقَالَا) يَرُدُّ (حِصَّتَهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعِتْقِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَيَضْمَنُهَا فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَكُونُ رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتُهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَوْتِ لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بِرَدِّ كُلِّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى، هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِمَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَة وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتُهَا بِالِاتِّفَاقِ وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ

فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤْخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ بِحِصَّتِهَا أَيْضًا كَمَا فِي الْكَافِي. (وَلَوْ ادَّعَاهُ) الْبَائِعُ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ (أَوْ عِتْقِهِ رُدَّتْ) دَعْوَاهُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَا بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ. (وَلَوْ وَلَدَتْ) الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ (لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ وَأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) مُنْذُ بِيعَتْ (إنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) الدَّعْوَةَ (فَالْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَأُمِّيَّتُهَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي (فَلَا يَثْبُتُ) النَّسَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ تُوجَدْ الْحُجَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ فَإِذَا صَدَّقَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ. (وَإِنْ) وَلَدَتْ (لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) مُنْذُ بِيعَتْ (لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعَلَوِيِّ بِمِلْكِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ (فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) الْبَائِعَ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ (وَحُمِلَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ وَلَا يُعْتَقُ الْوَلَدُ) وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِحُدُوثِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا يَسْتَنِدُ عَلَى مَا قَبْلَهُ حَتَّى لَزِمَ بُطْلَانُ بَيْعِهِ، وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ لِبَائِعِهِ بِمِلْكِ نِكَاحٍ بِأَنْ مَلَكَهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَاسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ. (وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْعُلُوقُ أَيْضًا عِنْدَهُ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيهِ مِنْ آخَرَ (صَحَّتْ دَعْوَتُهُ) وَيَكُونُ هُوَ ابْنُهُ (وَرُدَّ بَيْعُ مُشْتَرِيهِ) ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ الْوَلَدَ (الْمُشْتَرِي أَوْ كَاتَبَ) الْمُشْتَرَى (أُمَّهُ أَوْ رَهَنَ) الْوَلَدَ أَوْ أُمَّهُ (أَوْ آجَرَ) الْوَلَدَ أَوْ أُمَّهُ (أَوْ زَوَّجَهَا) أَيْ الْأُمَّ (ثُمَّ كَانَتْ الدَّعْوَةُ صَحَّتْ) أَيْ دَعْوَتُهُ (وَنُقِضَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ يَحْتَمِل النَّقْضَ فَيُنْتَقَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدَّعْوَةُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْضَ عَلَى مَا مَرَّ. (وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ وَلَدًا عِنْدَهُ فَأَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ) التَّوْأَمَ (الْآخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) إذْ ثُبُوتُ

نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسَبَ الْآخَرِ، هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي وَلَا يُنْتَقَضُ بَيْعُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (وَمَنْ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ) لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ (لَوْ قَالَ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ) أَوْ هُوَ ابْنُ عَبْدِ فُلَانٍ الْغَائِبِ (ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَا يَكُونُ ابْنَهُ) أَيْ ابْنُ ذِي الْيَدِ. (وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَبَقِيَ، فَتُمْتَنَعُ دَعْوَتُهُ وَإِذَا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَدْرِ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبَهُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمْ (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ إنْ جَحَدَ) زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ، وَهُوَ ابْنُ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يُرِيدُ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ. وَفِي الدُّرَرِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ، هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي يَصِحُّ إذْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ مِنِّي تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُقِرِّ وَالْمَقَرِّ لَهُ أَمَّا حَقُّ الْمَقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَإِذْ قَالَ لَيْسَ، هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْيُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ وَإِذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمَّا بِغَيْرِ التَّصْدِيقِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ لَكِنْ إذْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ ثُمَّ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ الْإِقْرَارَ أَقَامَ الِابْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ إنِّي ابْنُهُ تُقْبَلُ وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ ابْنِي مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جُزْؤُهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ. (وَلَوْ كَانَ) الصَّبِيُّ (فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ رِقَّهُ وَ) ادَّعَى (الْكَافِرُ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ الْكَافِرِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ أَيْنَمَا كَانَ وَالتَّرْجِيحُ يَسْتَدْعِي التَّعَارُضَ وَلَا تَعَارَضَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لِلصَّبِيِّ وَاجِبٌ وَنَظَرُهُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَوْفَرُ؛ لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ حَالًا وَشَرَفُ الْإِسْلَامِ مَآلًا إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي عَكْسِهِ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا وَحِرْمَانُهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ اكْتِسَابُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُطَالَعْ. قِيلَ مُسْلِمٌ أَيْضًا حَالًا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَا عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ، هَذَا إذَا ادَّعَيَا مَعًا، وَإِنْ سَبَقَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَإِنْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِمُسْلِمٍ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ حَالًا. (وَلَوْ كَانَ) الصَّبِيُّ (فِي يَدِ زَوْجَيْنِ فَزَعَمَ) الزَّوْجُ (أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ) الزَّوْجَةُ (أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُهُمَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا ثُمَّ يُرِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ. وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّبِيِّ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ مُعَبِّرٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ. (وَلَوْ اسْتَوْلَدَ مُشْتَرَاتَهُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَادَّعَاهُ (ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ) الْأَمَةُ بِدَعْوَى مُسْتَحِقٍّ (فَالْوَلَدُ حُرٌّ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الشِّرَاءِ أَيُّ سَبَبٍ كَانَ كَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ.

كتاب الإقرار

وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ فَاسْتُحِقَّتْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ، وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَكَانَ أَشْمَلَ (وَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ وَرَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا (يَوْمَ الْخُصُومَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْمَنْعِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ) قَبْلَ الْخُصُومَةِ إذْ بَعْدُ الْخُصُومَةِ يُغَرَّمُ لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ فِيهِ (فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ (وَتَرِكَتُهُ لَهُ) أَيْ تَكُونُ تَرِكَةُ الْوَلَدِ مِيرَاثًا لِأَبِيهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِكَوْنِهِ حُرَّ الْأَصْلِ إذْ الْوَلَدُ فِي حَيَاتِهِ أَحَقُّ بِمَالِهِ فَيَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ. (وَإِنْ قَتَلَهُ الْأَبُ غُرِّمَ قِيمَتُهُ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ مِنْ الْأَبِ بِقَتْلِهِ. (وَكَذَا إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَبِ (فَأَخَذَ دِيَتَهُ) أَيْ أَخَذَ الْأَبُ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ كَسَلَامَتِهِ وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ فَيُغَرَّمُ قِيمَتُهُ كَمَا إذْ كَانَ حَيًّا (وَيَرْجِعُ) الْمُشْتَرِي (بِقِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ الَّتِي ضَمِنَهَا (وَبِالثَّمَنِ) أَيْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ (عَلَى بَائِعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْمَبِيعِ إذْ الْغُرُورُ يَشْمَلُ سَلَامَةَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ (لَا) يَرْجِعُ (بِالْعُقْرِ) الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمُسْتَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِسَلَامَتِهِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ أَيْضًا وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَاسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا. وَفِي الدُّرَرِ ادَّعَى الْعُصُوبَةَ وَبَيَّنَ النَّسَبَ وَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّسَبَ بِخِلَافِهِ إنْ قَضَى بِالْأَوَّلِ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَإِلَّا تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِهِ أَيْ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ كَانَ دَفْعًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْأَوَّلِ لَا بَعْدَهُ لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ادَّعَى مِيرَاثًا بِالْعُصُوبَةِ فَدَفَعَهُ أَنْ يَدَّعِيَ خَصْمُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ إقْرَارَهُ مَفْعُولُ يَدَّعِي بِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُصٌ انْتَهَى. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ مُنَاسَبَتُهُ بِالدَّعْوَى لِأَنَّ حَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَائِرٌ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَإِلَى الْإِقْرَارِ أَقْرَبُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي حَالِ الْمُسْلِمِ الصِّدْقُ (وَهُوَ) - لُغَةً - الْإِثْبَاتُ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ قَرَارًا إذَا قَامَ وَثَبَتَ، وَمِنْهُ ثَابِتُ الْقَدَمِ لِمَنْ قَرَّ، وَيُقَالُ: أَقَرَّهُ إقْرَارًا إذَا أَقَامَهُ هَذَا فِي الْحِسِّيِّ، وَأَمَّا فِي الْقَوْلِ يُقَالُ: أَقَرَّ بِهِ إذَا أَظْهَرَ بِالْقَوْلِ، - وَشَرْعًا - (إخْبَارٌ) أَيْ إعْلَامٌ بِالْقَوْلِ

فَلَوْ كَتَبَ أَوْ أَشَارَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا كَتَبَ إلَى الْغَائِبِ: أَمَّا بَعْدُ فَلَهُ كَذَا، فَإِنَّهُ كَالْقَوْلِ شَرْعًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بِحَقٍّ) أَيْ بِمَا يَثْبُتُ، وَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنٍ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا دَخَلَ مِنْ حَقِّ التَّغْرِيرِ وَنَحْوِهِ (لِآخَرَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُخْبِرِ عَلَى الْمُخْبِرِ، أَمَّا لِنَفْسِهِ عَلَى آخَرَ فَهُوَ دَعْوَى، وَلِآخَرَ عَلَى آخَرَ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ مِنْ أَنَّ التَّعْرِيفَ مَنْقُوضٌ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَلَامٌ لِنِيَابَتِهِ مَنَابَهُ شَرْعًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْقُولِ. وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ. وَرُكْنُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُقِرُّ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا (وَلَا يَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (إلَّا لِمَعْلُومٍ) أَيْ لِشَخْصٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا،. وَفِي الْمِنَحِ: وَأَمَّا جَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ فَمَانِعَةٌ مِنْ صِحَّتِهِ إنْ تَفَاحَشَتْ كَلِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ عَلَيَّ كَذَا، وَإِلَّا كَلِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ كَذَا لَا. وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَهُ وَفِي الدُّرَرِ: وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْبُعْدَ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ، وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ (ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ) أَيْ الْمُخْبَرِ بِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَيْهِ (لَا إنْشَاؤُهُ) أَيْ لَا إثْبَاتُ الْمُقَرِّ بِهِ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إنْ أَخَذَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْإِثْبَاتِ عَنْ النَّفْيِ وَجَمَعَهُمَا مُبَالَغَةً فِي رَدِّ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ الْإِقْرَارَ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ إشَارَةً إلَى أَنَّ تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَإِنْ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَلَوْ رَدَّهُ ثُمَّ أَعَادَ إقْرَارَهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِ حُكْمِ الْإِقْرَارِ ظُهُورَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا إنْشَاءَهُ بِقَوْلِهِ. (فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ) وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ إنْشَاءً لَمَا صَحَّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَصْلُحُ لَهُ تَمْلِيكُ الْخَمْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَقَرَّ بِخَمْرٍ لِلْمُسْلِمِ يَصِحُّ وَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إذَا طَلَبَ اسْتِرْدَادَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِخَمْرٍ مُسْتَهْلَكٍ لِمُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ بَدَلُ الْخَمْرِ. (لَا) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ مُكْرَهًا) لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَإِعْتَاقَهُ وَاقِعَانِ عِنْدَنَا. (وَإِذَا أَقَرَّ حُرٌّ) وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَأْذُونُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَالْمَهْرِ لِوَطْءِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا التِّجَارَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (مُكَلَّفٌ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ كَمَا هُوَ

مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْغَصْبِ دُونَ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ لِدُخُولِ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ تَحْتَ الْإِذْنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالنَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ مُطْلَقًا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ إلَّا إذَا أَقَرَّ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ سَكِرَ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ كَالشُّرْبِ مُكْرَهًا، وَكَذَا شُرْبُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (بِحَقٍّ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ كَشَيْءٍ وَحَقٍّ) أَيْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ (صَحَّ) إقْرَارُهُ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي أَوْ جَرَحَ جِرَاحَةً لَا يَدْرِي أَرْشَهَا. (وَلَزِمَهُ) فِيمَا أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ (بَيَانُ الْمَجْهُولِ) حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيَانِهِ (بِمَالِهِ قِيمَةً) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ كَحَبَّةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرُّجُوعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ ثُمَّ عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ أَوْ الْجَارِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا لِأَنَّهُ بَيَانٌ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ (مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ) مِمَّا بَيَّنَهُ الْمُقِرُّ بِلَا بُرْهَانٍ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ بِمَجْهُولٍ، وَأُرِيدَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتُّحْفَةِ. (وَفِي) قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ (مَالٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ مِنْ الْكُسُورِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ عَادَةً، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. (وَ) لَزِمَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ (مَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ مِمَّا بَيَّنَ بِهِ فِضَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا) لِأَنَّ النِّصَابَ عَظِيمٌ يُجْعَلُ صَاحِبُهُ غَنِيًّا، هَذَا قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا مَالٌ عَظِيمٌ حَتَّى تُقْطَعَ بِهَا الْيَدُ وَيُسْتَبَاحَ الْبُضْعُ، قِيلَ: الْأَصَحُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ، وَالْكَثِيرَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمٍ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ مُتَعَارِضٌ، فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ، وَفِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ الْعَشَرَةُ عَظِيمَةٌ، فَيُرْجَعُ إلَى حَالِ الْمُقِرِّ (وَمِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ لَزِمَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ إبِلًا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ عَظِيمٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ. وَفِي الْمِنَحِ: وَإِنْ قَالَ غَصَبْت إبِلًا كَثِيرَةً أَوْ بَقَرًا كَثِيرَةً أَوْ غَنَمًا كَثِيرَةً يَنْصَرِفُ إلَى أَقَلِّ نِصَابٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالثَّلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ وَعِنْدَهُ يُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ (وَمِنْ الْبُرِّ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِأَنَّهُ الْمُقَدَّرُ بِالنِّصَابِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ يُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِمَّا بَيَّنَ إلَى هُنَا

لَا يَخْلُو عَنْ التَّشَوُّشِ يَظْهَرُ لَك عِنْدَ التَّأَمُّلِ. (وَمِنْ غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ النِّصَابِ) فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ النِّصَابِ قِيمَةً فِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ، لِأَنَّ قَدْرَ قِيمَتِهِ عَظِيمٌ أَيْضًا. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَ) لَزِمَ فِي لَهُ عَلَيَّ (أَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ) مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ فَسَّرَهُ بِهِ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. (وَ) فِي (دَرَاهِمَ ثَلَاثَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ (وَ) فِي (دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ عَشَرَةٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ (وَعِنْدَهُمَا نِصَابٌ) وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ مُكْثِرٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ: عَلَيَّ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ عِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى النِّصَابِ وَعِنْدَهُ إلَى الْعَشَرَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ، فَعِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ مَالٌ نَفِيسٌ أَوْ كَرِيمٌ أَوْ خَطِيرٌ أَوْ جَلِيلٌ، قَالَ النَّاطِفِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَكَانَ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ يَلْزَمُهُ مِائَتَانِ. (وَ) لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (كَذَا دِرْهَمًا) لَزِمَ (دِرْهَمٌ) لِأَنَّ " كَذَا " مُبْهَمٌ وَ " دِرْهَمًا " تَفْسِيرٌ لَهُ. وَفِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ، وَأَقَلُّ الْعَدَدِ اثْنَانِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا، وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدَّرَاهِمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ، وَلَوْ ذَكَرَهُ بِالْخَفْضِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ عَظِيمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ تَامٌّ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ قَدْ يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْوَزْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْوَزْنُ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. (وَ) لَوْ قَالَ - بِلَا وَاوٍ -: لَهُ عَلَيَّ (كَذَا كَذَا) دِرْهَمًا لَزِمَ (أَحَدَ عَشَرَ) دِرْهَمًا لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدَيْنِ بِالْإِضَافَةِ، وَهُوَ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. (وَإِنْ ثَلَّثَ) أَيْ قَالَ - بِلَا وَاوٍ -: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا (فَكَذَلِكَ) أَيْ يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي أَلْفَاظِ الْعَدَدِ فَحُمِلَ الْأَخِيرُ عَلَى التَّكْرَارِ أَوْ التَّأْكِيدِ. (وَ) لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (كَذَا وَكَذَا) بِحَرْفِ الْعَطْفِ لَزِمَ (أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا لِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِ الْمُفَسِّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، فَالْأَوَّلُ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَالزِّيَادَةُ تَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ (وَإِنْ ثَلَّثَ) لَفْظَ كَذَا (بِالْوَاوِ زِيدَ مِائَةٌ) أَيْ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ مَعَ الْوَاوِ. (وَإِنْ رَبَّعَ) لَفْظَ كَذَا مَعَ تَثْلِيثِ الْوَاوِ (زِيدَ أَلْفٌ) عَلَى مِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَرْبَعِ أَعْدَادٍ مَعَ

الْوَاوِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ دُونَ الْأَكْثَرِ إذْ الْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ، وَلَوْ خَمَّسَ يُزَادُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَلَوْ سَدَّسَ يُزَادُ مِائَةُ أَلْفٍ، وَلَوْ سَبَّعَ يُزَادُ أَلْفُ أَلْفٍ، وَكُلَّمَا زَادَ عَدَدًا مَعْطُوفًا بِالْوَاوِ زِيدَ عَلَيْهِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ. (وَبِشِرْكٍ فِي عَبْدٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ: لَهُ شِرْكٌ فِي هَذَا الْعَبْدِ (فَهُوَ نِصْفٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الشِّرْكَ بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّسْوِيَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ) لِأَنَّ الشِّرْكَ يَجِيءُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فَعَلَيْهِ بَيَانُهُ بِمَا شَاءَ. وَفِي التَّسْهِيلِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (وَقَوْلُهُ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي إقْرَارٌ بِدَيْنٍ) أَيْ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: لَهُ قِبَلِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْوُجُوبِ، وَلَفْظُ " قِبَلِي " يُسْتَعْمَلُ فِي الضَّمَانِ كَمَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ. وَفِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (فَإِنْ وَصَلَ بِهِ) أَيْ قَالَ الْمُقِرُّ - بِلَا تَرَاخٍ -: (وَهُوَ وَدِيعَةٌ صُدِّقَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَضْمُونُ حِفْظَهُ، وَالْمَالُ مَحَلَّهُ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ مَجَازًا، فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْمِنَحِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِهِ مُتَّصِلًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا (وَإِنْ فَصَلَ لَا) يُصَدَّقُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ. (وَ) لَوْ قَالَ (عِنْدِي أَوْ) قَالَ (مَعِي أَوْ) قَالَ (فِي بَيْتِي أَوْ فِي صُنْدُوقِي أَوْ كِيسِي) فَهُوَ (إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ) لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَحَلٌّ لِلْعَيْنِ لَا لِلدَّيْنِ، إذْ الدَّيْنُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ، وَالْعَيْنُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَالْأَمَانَةُ أَدْنَاهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ " عِنْدَ " لِلظَّرْفِ، وَ " مَعَ " لِلْقِرَانِ، وَمَا عَدَاهُمَا لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ مِنْ خَصَائِصِ الْعَيْنِ، وَلَا يُحْتَمَلُ الدَّيْنُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَلَوْ قَالَ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا: اتَّزِنْهَا) أَمْرٌ مَعْنَاهُ خُذْ بِالْوَزْنِ الْوَاجِبِ لَك عَلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَّثَ الضَّمِيرَ مَعَ أَنَّ الْأَلْفَ مِنْ الْعَدَدِ اعْتِبَارًا لِلدَّرَاهِمِ (أَوْ انْتَقِدْهَا أَوْ أَجِّلْنِي بِهَا أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا، أَوْ أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا، أَوْ وَهَبْتَهَا لِي، أَوْ تَصَدَّقْتَ بِهَا عَلَيَّ، أَوْ أَحَلْتُك بِهَا فَقَدْ أَقَرَّ) الْأَلِفَ لِأَنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْمُدَّعَى فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهَا، إلَّا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ أَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ قَالَ مُسْتَهْزِئًا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ (وَبِلَا ضَمِيرٍ لَا) أَيْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهَا كَمَا إذَا قَالَ: اتَّزِنْ أَوْ انْتَقِدْ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ حِينَئِذٍ عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ بِإِعَادَةِ الْخِطَابِ لِيُفِيدَ الْكَلَامَ، فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا، وَلَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً يُجْعَلُ جَوَابًا، وَمَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلْبِنَاءِ أَوْ يَصْلُحُ لَهُمَا فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ ذَكَرَ هَاءَ الْكِنَايَةِ يَصْلُحُ جَوَابًا لَا ابْتِدَاءً، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْهَاءَ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا، أَوْ يَصْلُحُ جَوَابًا، أَوْ ابْتِدَاءً، فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّكِّ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك

أَلْفٌ، فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا، وَلَوْ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ الْأَخْرَسِ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: أَعْطِنِي ثَوْبَ عَبْدِي هَذَا، فَقَالَ نَعَمْ، كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ لَهُ. وَلَوْ قَالَ: أَعْطِنِي سَرْجَ دَابَّتِي هَذِهِ، أَوْ لِجَامَهَا، أَوْ افْتَحْ بَابَ دَارِي أَوْ جَصِّصْهَا، فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا لِأَنَّ كَلِمَةَ " نَعَمْ " لَا تَسْتَقِلُّ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْجَوَابِ كَيْ لَا يَصِيرَ لَغْوًا. وَفِي الْمِنَحِ: رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَقْرَضْتُك مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: لَا أَعُودُ بِهَا، أَوْ قَالَ: لَا أَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ إقْرَارٌ وَلَوْ قَالَ: مَا اسْتَقْرَضْتُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاك، أَوْ قَالَ: مِنْ أَحَدٍ غَيْرِك، أَوْ قَالَ: مَا اسْتَقْرَضْتُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَك، أَوْ قَالَ: مَا اسْتَقْرَضْتُ مِنْ أَحَدٍ بَعْدَك لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُخَاطَبُ فِي جَوَابِهِ: بَلَى، فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِالْأَلْفِ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: هُوَ حَالٌّ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ حَالَ كَوْنِ الدَّيْنِ (حَالًّا) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقًّا فِيهِ، فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِلَا حُجَّةٍ دُونَ الدَّعْوَى، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمِلْكِ لَا الْإِجَارَةِ (وَحُلِّفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْأَجَلِ) لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ مُؤَجَّلًا مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي التَّنْوِيرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ فَكَذَّبَهُ فِي صِفَتِهَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ أَيْ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ، كَإِقْرَارِ الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ. (وَلَوْ قَالَ) لَهُ (عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ) فَيَلْزَمُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا؛ لِوُقُوعِ دِرْهَمٍ تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ الْمُبْهَمَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. (وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَةٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ يَلْزَمُهُ مِائَةُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ. (وَلَوْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (مِائَةٌ وَثَوْبٌ أَوْ) قَالَ لَهُ عَلَيَّ (مِائَةٌ وَثَوْبَانِ لَزِمَهُ تَفْسِيرُ الْمِائَةِ) فَيَلْزَمُهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فِي الْأُولَى وَثَوْبَانِ فِي الثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّهُمَا مُبْهَمَةٌ، وَالثَّوْبُ عَطْفٌ عَلَيْهَا لَا تَفْسِيرٌ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لَمْ يُوضَعْ لِتَفْسِيرِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الِاكْتِفَاءِ كَمَا فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ. (وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْكُلُّ ثِيَابٌ) فَيَلْزَمُهُ أَثْوَابٌ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ، وَذَكَرَ عَقِيبَهُمَا مُمَيِّزًا بِلَا وَاوٍ؛ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ كَعَدَدٍ وَاحِدٍ بِالِاقْتِرَانِ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ) وَهِيَ وِعَاءٌ مِنْ خُوصٍ وَغَيْرِهِ، وَيُقَالُ وِعَاءٌ لِلتَّمْرِ مَنْسُوجٌ مِنْ قَصَبٍ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: الْقَوْصَرَّةُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وِعَاءُ التَّمْرِ يُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ قَوْصَرَّةً مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ (لَزِمَاهُ) أَيْ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ مَعًا، لِأَنَّ غَصْبَ الشَّيْءِ الْمُتَعَدِّدِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ، وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْجَوَالِقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: غَصَبْت مِنْ قَوْصَرَّةٍ أَوْ مِنْ سَفِينَةٍ أَوْ مِنْ جَوَالِقَ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلِانْتِزَاعِ

فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ. (أَوْ) أَقَرَّ (بِخَاتَمٍ، لَزِمَهُ الْحَلْقَةُ وَالْفَصُّ) لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ، وَلِهَذَا يَدْخُلُ الْفَصُّ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ. (أَوْ) أَقَرَّ (بِسَيْفٍ فَالنَّصْلُ) أَيْ لَزِمَهُ حَدِيدُهُ (وَالْجِفْنُ) أَيْ غِلَافُهُ (وَالْحَمَائِلُ) وَهِيَ عِلَاقَةُ السَّيْفِ، لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ. (أَوْ) أَقَرَّ (بِحَجَلَةٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (فَالْكِسْوَةُ) أَيْ لَزِمَهُ الْكِسْوَةُ (وَالْبَعِيدَانِ) لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا، لِأَنَّهُ بَيْتٌ مُزَيَّنٌ بِالْأَسِرَّةِ وَالثِّيَابِ وَالسُّتُورِ، وَقِيلَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ وَثِيَابٍ اسْمُهُ خركاه وأوتاق. (وَإِنْ) أَقَرَّ (بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ فَقَطْ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ غَصْبَ الْإِصْطَبْلِ لَا يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ إمْكَانِ النَّقْلِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ تَابِعًا لَهَا، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُهُمَا لِأَنَّ غَصْبَ غَيْرِ الْمَنْقُولِ يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ. (وَ) إنْ أَقَرَّ (بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ ظَرْفٌ لِلثَّوْبِ. (وَكَذَا) إنْ أَقَرَّ (بِثَوْبٍ فِي ثَوْبٍ) لَزِمَهُ الظَّرْفُ كَالْمَظْرُوفِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَظْرُوفِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ ظَرْفِهِ. (وَإِنْ) أَقَرَّ (بِثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا، لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ وَالْوَسَطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] بِمَعْنَى بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ فَلَمْ تَثْبُتْ الظَّرْفِيَّةُ، وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِوَاحِدٍ عَادَةً، وَالْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالْمُمْتَنِعِ حَقِيقَةً، فَيُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ قَالَ: غَصَبْت سَرْجًا عَلَى فَرَسٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِغَصْبِ سَرْجٍ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْفَرَسِ بَيَانًا لِلْمَحَلِّ. (وَ) لَزِمَهُ (أَحَدَ عَشَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُلَفَّ الثَّوْبُ النَّفِيسُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: حِنْطَةً فِي جَوَالِقَ. وَفِي التَّبْيِينِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ: غَصَبْت كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابِ حَرِيرٍ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عُرْفًا. (وَلَوْ قَالَ) لَهُ (عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (نَوَى الضَّرْبَ) الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحِسَابِ، لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ خَمْسَةٌ مَضْرُوبَةٌ وَالْخَمْسَةُ إذَا ضُرِبَتْ بِخَمْسَةٍ تَكْثُرُ أَجْزَاؤُهَا لِأَنَّ عَيْنَهَا تَكْثُرُ وَتَبْلُغُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ. وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (وَبِنِيَّةِ " مَعَ " لَزِمَهُ عَشَرَةٌ) أَيْ لَوْ قَالَ: أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، إذْ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ. (وَفِي قَوْلِهِ: عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ) فِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا، لَكِنَّ الْأُولَى تَدْخُلُ هُنَا بِالضَّرُورَةِ، لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأُولَى (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ (عَشَرَةٌ) لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً، إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ، فَوُجُودُهُ بِوُجُوبِهِ فَتَدْخُلُ الْغَايَتَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ اعْتَبَرَ الْحَدَّيْنِ الْخَارِجَيْنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ بَعْضَ الْغَايَاتِ يَدْخُلُ وَبَعْضَهَا لَا فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ قَالَ لَهُ

مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْجِدَارِ إلَى هَذَا الْجِدَارِ فَلَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ) بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِهِ بِلَا انْضِمَامِ شَيْءٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَيَّ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إلَى الْعَشَرَةِ إذْ لَيْسَ لِلْبَيْنِ وُجُودٌ مُسْتَقِلٌّ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْوَاحِدِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. (وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَمْلِ) الْمُحْتَمَلِ وُجُودُهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، بِأَنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ شَاةٍ لِرَجُلٍ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالِاتِّفَاقِ بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ (وَحَمْلٍ عَلَى الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ) بَيَانُهُ أَنْ يُوصِيَ زَيْدٌ حَمْلَ جَارِيَتِهِ أَوْ شَاتِهِ لِبَكْرٍ، وَمَاتَ، وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لِبَكْرٍ. (وَ) صَحَّ الْإِقْرَارُ (لِلْحَمْلِ إنْ بَيَّنَ) الْمُقِرُّ (سَبَبًا صَالِحًا) يُتَصَوَّرُ لِلْحَمْلِ (كَإِرْثٍ) بِأَنْ قَالَ: إنَّ مُوَرِّثَ الْحَمْلِ مَاتَ فَوَرِثَهُ الْحَمْلُ، وَاسْتَهْلَكْت مِنْ مَالِ الْمُوَرِّثِ أَلْفًا مَثَلًا (أَوْ وَصِيَّةٍ) بِأَنْ قَالَ: إنَّ مُوَرِّثِي أَوْصَى فِي حَيَاتِهِ بِحَمْلِ فُلَانَةَ أَلْفًا مَثَلًا، لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ الْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ (فَإِنْ وَلَدَتْ) الْحَامِلُ وَلَدًا (حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ أَقَرَّ فَلَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ (مَا أَقَرَّ بِهِ) الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِيَقِينٍ. (وَإِنْ) وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ (حَيَّيْنِ فَلَهُمَا) أَيْ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَفِي الْإِرْثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأُمَّ لَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا اسْتَحْقَقَ الْوَلَدُ مَا أُقِرَّ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْبَطْنِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً بَلْ ذَاتَ زَوْجٍ فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَسْتَحْقِقْ. (وَإِنْ) وَلَدَتْ وَلَدًا (مَيِّتًا فَلِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ) أَيْ يُرَدُّ الْمَالُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِمَا. (وَإِنْ فَسَّرَ بِبَيْعٍ أَوْ إقْرَاضٍ) أَيْ إنْ فَسَّرَ الْمُقِرُّ الْإِقْرَارَ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ بِأَنْ قَالَ: إنَّهُ بَاعَ مِنِّي هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا، أَوْ أَقْرَضَنِي، أَوْ وَهَبَ مِنِّي كَذَا، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ الْجَنِينِ (أَوْ أَبْهَمَ) الْمُقِرُّ (الْإِقْرَارَ) بِلَا بَيَانِ سَبَبٍ أَصْلًا بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا (يَكُونُ لَغْوًا) أَيْ يَكُونُ إقْرَارُهُ لَغْوًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ وُجُوهَ فَسَادِهِ أَكْثَرُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِقْرَاضِ، وَالْهِبَةُ مِنْ وُجُوهِ جَوَازِهِ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْجَوَازِ مُتَعَذَّرٌ، إذْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ سَبَبًا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَيَّنَ الْفَسَادُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْحُجَجِ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالْحَمْلِ عَلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَالْإِقْرَارُ لِلرَّضِيعِ صَحِيحٌ، وَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ حَقِيقَةً كَالْإِقْرَاضِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ عَارِيَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ مُسْتَهْلِكَةٌ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (لَزِمَهُ الْمَالُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَالْإِخْبَارَ لَا يَقْبَلُ الْخِيَارَ، وَزَادَ صَاحِبُ الْمِنَحِ قَوْلَهُ: وَإِنْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا عِبْرَةَ بِتَصْدِيقِهِ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِعَقْدِ بَيْعٍ وَقَعَ

باب الاستثناء وما في معناه

بِالْخِيَارِ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقَرِّ لَهُ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ بِسَبَبِ كَفَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَفِي الْغَرَرِ: اشْهَدَا عَلَى أَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ، وَآخَرَانِ فِي آخَرَ، لَزِمَ أَلْفَانِ. الْأَمْرُ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ، قِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَقِيلَ حِصَّتُهُ لَكِنَّ الْفَتْوَى فِي زَمَنِنَا بِالْأَوَّلِ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَقَرَّ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْإِقْرَارِ يُحَلَّفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَسَائِلَ شَتَّى وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ: إنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا. وَفِي الْمِنَحِ: إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ: لَيْسَ هَذَا لِي أَوْ لَيْسَ مِلْكِي، أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ، أَوْ لَيْسَ لِي فِيهِ حَقٌّ، أَوْ مَا كَانَ لِي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ حِينَمَا قَالَ ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ أَحَدٌ، فَقَالَ ذُو الْيَدِ: هُوَ لِي صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهَذَا التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ. أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهُ صَحَّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ. طَلَبُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَطَلَبُ الصُّلْحِ عَنْ الْمُدَّعَى يَكُونُ إقْرَارًا " أَبْرَأَنِي عَنْ الدَّعْوَى " لَيْسَ بِإِقْرَارٍ " أَبْرَأَنِي عَنْ هَذَا الْمَالِ " إقْرَارٌ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مُحَالٍ بَاطِلٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ. [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ] ُ لَمَّا ذَكَرَ مُوجَبَ الْإِقْرَارِ بِلَا تَغَيُّرٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجَبِهِ مَعَ التَّغْيِيرِ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا لِلسَّابِقِ كَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ: تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ، وَنَفْيٌ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ هَذَا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ إخْرَاجًا لَمَا صَحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الرُّجُوعَ وَالرَّفْعَ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَشُرِطَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَّا إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ لِضَرُورَةِ نَفَسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الِاتِّصَالَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. وَالنِّدَاءُ بَيْنَهُمَا لَا يَضُرُّ كَقَوْلِهِ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ - يَا فُلَانُ - إلَّا عَشَرَةً بِخِلَافِ لَك أَلْفٌ - فَاشْهَدُوا - إلَّا كَذَا وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَدُّ فَاصِلًا، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَثْنَى مُنْفَصِلًا عَنْ إقْرَارِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَالرُّجُوعُ عَنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ (صَحَّ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَوْ) كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ (مُتَّصِلًا) بِإِقْرَارِهِ (وَلَزِمَهُ بَاقِيهِ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعَ الْجُمْلَةِ أَيْ الصَّدْرِ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا " مَعْنَى قَوْلِهِ " عَلَيَّ تِسْعَةٌ "، سَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْأَكْثَرِ لِوُرُودِهِمَا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ اسْتِثْنَاءُ

الْأَكْثَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ. وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَلَا يُمْنَعُ صِحَّةً إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِطَرِيقِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يُقَسَّمُ أَوْ مِمَّا يُقَسَّمُ حَتَّى إذَا قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهُ أَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَيْهِ صَحَّ. (وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ) وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا فَيَلْزَمُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيَانًا لِكَلَامِهِ بَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهِ، وَذَا غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: مُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي تَنْوِيرِهِ: وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ وَلَوْ فِيمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَوَصِيَّةٍ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ، وَإِنْ بِغَيْرِهِمَا كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ، أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا - وَهُمْ الْكُلُّ - صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَفْصِيلُهُ مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إنَّمَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ بِعَيْنِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِهِ فَصَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا - وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ - فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَكُونُ لِزَيْدٍ شَيْءٌ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رُجُوعٌ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ كُلَّ الْكَلَامِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. (وَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ وَاسْتَثْنَى أَحَدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَبَعْضَ الْآخَرِ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ، فَاسْتِثْنَاءُ كُرٍّ وَقَفِيزٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ " إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ " اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ لَفْظًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَإِذَا كَانَ كَلَامًا مُتَّصِلًا كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ مُتَّصِلًا فَيَصِحُّ. وَلَهُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُرِّ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَكَانَ لَغْوًا فَكَانَ قَاطِعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهَا بِتَقْدِيمِ الْكُرِّ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْقَفِيزَ بِأَنْ قَالَ: إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْقَفِيزِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْفَاصِلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ بَلْ يَلْزَمُ التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضَ أَحَدِهِمَا) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ، أَوْ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ (أَوْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ أَوْ كُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ (صَحَّ اتِّفَاقًا) فِي الصُّورَتَيْنِ لِعَدَمِ تَحَلُّلِ الْقَاطِعِ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ " إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ " اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ مُفِيدٌ فَلَا يَكُونُ قَاطِعًا فَصَحَّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَلَوْ اسْتَثْنَى كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا مِنْ دَرَاهِمَ) بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ بُرٍّ، أَوْ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا مِائَةَ جَوْزٍ (صَحَّ بِالْقِيمَةِ) اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَلَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الْقَفِيزِ، أَوْ الدِّينَارِ، أَوْ الْجَوْزِ لِأَنَّ

الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، إذْ الْمُقَدَّرَاتُ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى وَلَوْ أَجْنَاسًا صُورَةً؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَكَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعَنْ هَذَا قَالَ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الصَّدْرِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ. (وَلَوْ اسْتَثْنَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (شَاةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَارًا بَطَلَ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُفِيدُ الِاتِّحَادَ الْجِنْسِيَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الثَّمَنِيَّةِ وَلَوْ مَعْنًى. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ لِتَحَقُّقِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَيُطْرَحُ قَدْرُ قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى وَلَزِمَهُ الْبَاقِي. وَفِي التَّنْوِيرِ: وَإِذَا اسْتَثْنَى عَدَدَيْنِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الشَّكِّ كَانَ الْأَقَلُّ مُخْرَجًا، نَحْوُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً، أَوْ خَمْسِينَ فَيَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا يَثْبُتُ أَكْثَرُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا شَيْئًا، أَوْ قَلِيلًا، أَوْ بَعْضًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ وَتَمَامُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِهِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَمَنْ وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " بَطَلَ إقْرَارُهُ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إبْطَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَبَطَلَ قَبْلَ انْعِقَادِهِ لِلْحُكْمِ وَتَعْلِيقٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ فِي الْعِنَايَةِ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إمَّا إبْطَالٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ، أَوْ تَعْلِيقٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ فَتَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. (وَكَذَا إنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْرَفُ مَشِيئَتُهُ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ) أَيْ: إنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّهُ لَا نَعْرِفُ مَشِيئَتَهُمْ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. وَفِي الْبَحْرِ، وَكَذَا بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ، وَكَذَا كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ وَلَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى أَجَلٍ، كَأَنْ قَالَ: إنْ حَلَفْت فَلَكَ مَا ادَّعَيْت بِهِ وَإِنْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَتَنْجِيزٌ، كَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ مِتّ لَزِمَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ دَعْوَى الْأَجَلِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ لِلْحَالِ وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا) بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَالْبِنَاءُ لِنَفْسِي (كَانَا) أَيْ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ جَمِيعًا (لِلْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَاخِلٌ فِي إقْرَارٍ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ فَلَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ مِنْ الدَّارِ كَاسْتِثْنَاءِ ثُلُثِهَا، لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الدَّارِ فَصَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْهَا. (وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ (بِنَاؤُهَا لِي وَالْعَرْصَةُ) أَيْ الْبُقْعَةُ

(لَهُ كَانَ) الْحُكْمُ أَوْ الْإِقْرَارُ (كَمَا قَالَ) بِأَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ لَهُ وَالْعَرْصَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ إلَيَّ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّارِ فَيَتْبَعُهَا الْبِنَاءُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ، وَالْأَرْضُ لِعَمْرٍو حَيْثُ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ (وَفَصُّ الْخَاتَمِ، وَنَخْلُ الْبُسْتَانِ كَبِنَائِهَا) ، وَكَذَا طَوْقُ الْجَارِيَةِ لِأَنَّ دُخُولَ الْفَصِّ فِي الْخَاتَمِ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَكَذَا دُخُولُ النَّخْلِ فِي الْبُسْتَانِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: الْحُقَّةُ لِفُلَانٍ وَالْفَصُّ لِي وَالْأَرْضُ لَهُ وَالنَّخْلُ لِي يَصِحُّ. (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ) دِرْهَمٍ (مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) اشْتَرَيْته مِنْهُ (لَمْ أَقْبِضْهُ) أَيْ الْعَبْدَ، الْجُمْلَةُ صِفَةُ عَبْدٍ (فَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ بِأَنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي شِرَائِهِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ (قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ: سَلِّمْ) الْعَبْدَ إلَى الْمُقِرِّ (وَتَسَلَّمْ) أَمْرٌ مِنْ التَّفَعُّلِ، أَيْ: خُذْ ثَمَنَهُ مِنْهُ (إنْ شِئْت) فَإِنْ سَلَّمَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ الْمُعَيَّنَ بِأَنْ يُحْضِرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَلْزَمُ عَلَى الْمُقِرِّ أَلْفٌ بِهَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ عَلَى صِفَةٍ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَبْدَ إلَى الْمُقِرِّ لَا يَلْزَمُهُ أَلْفٌ إجْمَاعًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ. أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ هُنَا. وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ: الْقِنُّ قِنُّك مَا بِعْته وَإِنَّمَا بِعْتُك قِنًّا غَيْرَهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ: الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُكَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَى الْمُقِرِّ شَيْءٌ. وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ: الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُكَهُ، وَأَنَا بِعْتُك غَيْرَهُ، وَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ، وَهُوَ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ، فَلْيُرَاجَعْ. (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ) أَيْ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي عَدَمِ قَبْضِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (الْأَلْفُ وَلَغَا قَوْلُهُ لَمْ أَقْبِضْهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ لَا مَوْصُولًا وَلَا مَفْصُولًا، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ سَبَبَ الْوُجُوبِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَلَوْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَا يُصَدَّقُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إنْ وَصَلَ صُدِّقَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ عَلَى مَا مَرَّ آنِفًا، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَهُوَ حَرَامٌ أَوْ رِبًا، فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَلَالًا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: زُورًا أَوْ بَاطِلًا إنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ، أَوْ أَقْرَضَنِي وَهِيَ) أَيْ الْأَلْفُ (زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ) أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ (لَزِمَهُ الْجِيَادُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ أَوْ الْقَرْضَ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّفْسِيرُ بِضِدِّهَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارِهِ

وَصَلَ أَوْ فَصَلَ (وَقَالَا يَلْزَمُهُ مَا قَالَ إنْ وَصَلَ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ) اتِّفَاقًا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَغْصِبُ بِمَا يَجِدُهُ وَيُودِعُ بِمَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا بَلْ بَيَانًا لِلنَّوْعِ فَصُدِّقَ مُطْلَقًا. (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَهِيَ (سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ فَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ) لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، إلَّا أَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَكَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْلِ. (وَلَوْ قَالَ غَصَبْت ثَوْبًا وَجَاءَ بِمَعِيبٍ) أَيْ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ (صُدِّقَ) الْمُقِرُّ مَعَ الْحَلِفِ إنْ لَمْ يُثْبِتْ الْخَصْمُ سَلَامَتَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالسَّلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ. (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ مِائَةً صُدِّقَ إنْ وَصَلَ، وَإِلَّا لَزِمَ الْأَلْفُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَجُوزُ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا. (وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ: (أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ) فِي يَدِي مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ (وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ) : بَلْ (أَخَذْتَهَا) مِنِّي حَالَ كَوْنِهَا (غَصْبًا ضَمِنَ) الْمُقِرُّ مَا أَقَرَّ بِأَخْذِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ - وَهُوَ الْأَخْذُ - ثُمَّ إنَّهُ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ - وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ - وَالْآخَرُ يُنْكِرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْآخِذِ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الضَّمَانِ، فَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَقْدَ وَذَلِكَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. (وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ: (بَدَلَ " أَخَذْتُ " أَعْطَيْتَنِي لَا يَضْمَنُ) الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ بَلْ أَقَرَّ بِالْإِعْطَاءِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (وَلَوْ قَالَ: غَصَبْت هَذَا الشَّيْءَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو فَهُوَ) أَيْ الشَّيْءُ (لِزَيْدٍ وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (قِيمَتُهُ لِعَمْرٍو) لِأَنَّ قَوْلَهُ " مِنْ زَيْدٍ " إقْرَارٌ لَهُ ثُمَّ قَوْلُهُ لَا رُجُوعَ عَنْهُ فَلَا يُقْبَلُ وَقَوْلُهُ " بَلْ لِعَمْرٍو " إقْرَارٌ مِنْهُ لِعَمْرٍو وَقَدْ اسْتَهْلَكَهُ بِالْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِعَمْرٍو. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ أَلْفَانِ يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَوْ: قَالَ غَصَبْته عَبْدًا أَسْوَدَ لَا بَلْ أَبْيَضَ لَزِمَهُ عَبْدٌ أَبْيَضُ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا لَا بَلْ مَرْوِيًّا لَزِمَاهُ، وَكَذَا لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ كُرُّ شَعِيرٍ لَزِمَاهُ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ لَزِمَهُ الْمَالَانِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا بَلْ خَمْسُمِائَةٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ " لَا بَلْ " مَتَى تَخَلَّلَتْ بَيْنَ الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ لَزِمَاهُ وَكَذَلِكَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ

اثْنَيْنِ فَإِذَا كَانَ وَاحِدًا، وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ لَزِمَ أَكْثَرُ الْمَالَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الِاخْتِيَارِ، فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ، أَوْ الْوَدِيعَةُ الَّتِي عِنْدَ فُلَانٍ هِيَ لِفُلَانٍ فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ، وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْمُقِرِّ وَلَكِنْ لَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بَرِئَ. (وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ: (هَذَا) الشَّيْءُ (كَانَ) لِي (وَدِيعَةً عِنْدَك فَأَخَذْته وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ لِي دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ - قَائِمًا - وَقِيمَتِهِ - هَالِكًا - ثُمَّ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ إنْ قَدَرَ. (وَإِنْ قَالَ آجَرْت فَرَسِي أَوْ ثَوْبِي هَذَا فُلَانًا فَرَكِبَهُ) أَيْ الْفَرَسَ (أَوْ لَبِسَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (وَرَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْفَرَسَ أَوْ الثَّوْبَ (عَلَيَّ) ، وَقَالَ فُلَانٌ: بَلْ هُمَا لِي (أَوْ أَعَرْته أَوْ أَسْكَنْته دَارِي ثُمَّ رَدَّهَا) أَيْ الدَّارَ (عَلَيَّ صُدِّقَ) يَعْنِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ فَيَكُونُ الْيَدُ عَدَمًا فِيمَا عَدَا الضَّرُورَةَ، فَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالْيَدِ لَا يَكُونُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِمَا مَقْصُودَةٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا إقْرَارًا لَهُمَا بِالْيَدِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (الْقَوْلُ) مَعَ يَمِينِهِ (لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ اعْتَرَفَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَهُ دُونَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ ثُمَّ يُقِيمُ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ بَيِّنَةً إنْ قَدَرَ. (وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ: (خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا ثُمَّ قَبَضْته مِنْهُ وَادَّعَاهُ الْآخَرُ) أَيْ قَالَ: الثَّوْبُ ثَوْبِي (فَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ) أَيْ يُصَدَّقُ الْقَابِضُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عِنْدَهُمَا (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي الْأَسْرَارِ: الِاخْتِلَافُ، إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ أَوْ الثِّيَابُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وِفَاقًا. (وَلَوْ قَالَ) لَهُ: (اقْتَضَيْت) أَيْ قَبَضْت (مِنْ فُلَانٍ أَلْفًا كَانَتْ لِي عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَضْته أَلْفًا ثُمَّ أَخَذْتهَا مِنْهُ، وَأَنْكَرَ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ لَهُ) فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ اقْتِضَاءً بِحَقِّهِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَإِذَا أَقَرَّ بِالِاقْتِضَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا يُبْرِئُهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَهُوَ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ مُقَاصَّةً، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. (وَلَوْ قَالَ زَرَعَ فُلَانٌ هَذَا الزَّرْعَ أَوْ بَنَى هَذِهِ الدَّارَ أَوْ غَرَسَ هَذَا الْكَرْمَ لِي اسْتَعَنْت بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ (وَادَّعَى فُلَانٌ ذَلِكَ) أَيْ قَالَ: الْمِلْكُ مِلْكِي وَفَعَلْتُ ذَلِكَ لِنَفْسِي لَا بِالْإِعَانَةِ لَك وَلَا بِأَجْرٍ مِنْك كَمَا زَعَمْت (فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ) لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ فِعْلٍ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مِلْكٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَصَارَ كَمَا قَالَ: خَاطَ لِي الْخَيَّاطُ قَمِيصِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ قَبَضْته مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْيَدِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مِنْهُ وَقَدْ يَخِيطُ ثَوْبًا فِي يَدِ

باب إقرار المريض

الْمُقِرِّ كَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ: إنَّ هَذَا اللَّبَنَ، أَوْ هَذَا السَّمْنَ، أَوْ، هَذَا الْجُبْنَ مِنْ بَقَرَةِ فُلَانٍ، أَوْ هَذَا الصُّوفَ مِنْ غَنَمِهِ، أَوْ هَذَا التَّمْرَ مِنْ نَخْلَتِهِ، وَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ لَهُ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الشَّيْءِ إقْرَارٌ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. [بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] ِ أَقَرَّهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَحْكَامٍ لَيْسَتْ لِلصَّحِيحِ، وَأَخَّرَهُ لِأَنَّ الْمَرَضَ بَعْدَ الصِّحَّةِ (دَيْنُ صِحَّتِهِ) أَيْ الْمَرِيضِ (وَمَا لَزِمَهُ) أَيْ الْمَرِيضَ (فِي مَرَضِهِ) أَيْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ) كَبَدَلِ مَا مَلَكَهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ، وَعَايَنَهُمَا الشُّهُودُ أَوْ أَهْلَكَ مَالًا أَوْ تَزَوَّجَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَعَايَنَهُمَا النَّاسُ (سَوَاءٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا عُلِمَ سَبَبُهُ انْتَفَى التُّهْمَةُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ فَصَارَ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي مَرَضِهِ (وَيُقَدَّمَانِ) أَيْ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَرَضِهِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ (عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ) وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ وَدِيعَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الدَّيْنَانِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ عَقْلٍ، وَالذِّمَّةُ قَابِلَةٌ لِلْحُقُوقِ فِي الْحَالَيْنِ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ تَعَلَّقَ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فِي أَوَّلِ مَرَضِهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ قَضَائِهِ عَنْ مَالٍ آخَرَ، فَالْإِقْرَارُ فِيهِ صَادَفَ حَقَّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ فَكَانَ مَحْجُورًا عَنْهُ وَمَدْفُوعًا بِهِ (وَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ بِسَبَبٍ مَعْلُومٍ، وَدَيْنِ الْمَرَضِ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ، فَالْكُلُّ إفْرَادِيٌّ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ) ، وَإِنْ أَحَاطَ الدُّيُونُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ مَالِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ لَكِنْ تُرِكَ بِالْأَثَرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِدَيْنٍ جَازَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ، وَالْأَثَرُ فِي مِثْلِهِ كَالْخَبَرِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ فَلَا يُتْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَصَارَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَقَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَتَكْفِينِهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (غَرِيمًا) مِنْ الْغُرَمَاءِ (بِقَضَاءِ دَيْنِهِ) أَيْ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ إعْطَاءَ مَهْرٍ وَإِيفَاءَ أَجْرِهِ، لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَ فِي مَرَضِهِ أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِيهِ وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ تَحَاصَّا وَصَلَ أَوْ فَصَلَ. وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ بِوَدِيعَةٍ تَحَاصَّا، وَعَلَى الْقَلْبِ الْوَدِيعَةُ أَوْلَى. ، وَإِقْرَارُهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ مَعَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ قَبْضِ الثَّمَنِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ كَالدَّيْنِ وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِهِ إنْ كَانَ دَيْنَ الصِّحَّةِ يَصِحُّ

مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ دَيْنَ الْمَرَضِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ لَا يَصِحُّ وَإِلَّا نَفَذَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا فِي إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَنَافِذٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَإِبْرَاؤُهُ مَدْيُونَهُ - وَهُوَ مَدْيُونٌ - غَيْرُ جَائِزٍ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ شَيْءٌ صَحِيحٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. وَفِي الْمِنَحِ قَالَتْ فِيهِ: لَيْسَ لِي عَلَى زَوْجِي مَهْرٌ، أَوْ قَالَ فِيهِ: لَمْ يَكُنْ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَدَّعُوا عَلَيْهِ شَيْئًا فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الدِّيَانَةِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِقْرَارُ وَلَوْ أَقَرَّ الِابْنُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى وَالِدِهِ شَيْءٌ مِنْ تَرِكَةِ أُمِّهِ صَحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ وَهَبَهُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَالِهِ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَلَا) يَصِحُّ (إقْرَارُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (لِوَارِثِهِ) عِنْدَهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَصَحِّ: يَصِحُّ لِأَنَّهُ إظْهَارُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ لِأَجْنَبِيٍّ وَبِوَارِثٍ آخَرَ وَبِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ لِلْوَارِثِ. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ» وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ) أَيْ الْمَرِيضَ (بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ أَقَرُّوا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فَيَلْزَمُهُمْ. وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى وَارِثِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَقِيَّةُ، وَكَذَا لَوْ رَجَعَ فِيمَا وُهِبَهُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ قَبَضَ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ وَرَهَنَهُ عِنْدَهُ، أَوْ اسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِعَبْدِ وَارِثِهِ، وَلَا مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ مِلْكًا أَوْ حَقًّا، وَلَوْ صَدَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ لِلْوَارِثِ، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ بَرِئَ ثُمَّ مَاتَ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَقَرَّ فِيهِ لِوَارِثِهِ يُؤْمَرُ فِي الْحَالِ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْوَارِثِ فَإِذَا مَاتَ يَرُدُّهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: تَصَرُّفَاتُ الْمَرِيضِ نَافِذَةٌ، وَإِنَّمَا تُنْقَضُ بَعْدَ الْمَوْتِ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (أَحَاطَ) إقْرَارُهُ أَيْ اسْتَغْرَقَ (بِمَالِهِ) لِمَا بَيَّنَّا. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ (وَبَطَلَ إقْرَارُهُ) لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى زَمَانِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ زَمَانَ الْإِقْرَارِ فَبَطَلَ

إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - فِي الْأَصَحِّ - وَمَالِكٍ لَا يَبْطُلُ إذَا لَمْ يُتَّهَمْ. (وَإِنْ أَقَرَّ) الْمَرِيضُ (لِأَجْنَبِيَّةٍ) أَيْ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ) لَهَا. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَحْصُلُ التُّهْمَةُ وَلَنَا أَنَّهُ أَقَرَّ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سَبَبُ التُّهْمَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِسَبَبٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: وَالْعِبْرَةُ لِكَوْنِهِ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ، إلَّا إذَا صَارَ وَارِثًا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَالتَّزْوِيجِ بَعْدَ عَقْدِ الْمُوَالَاة. وَفِي التَّنْوِيرِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ إذَا زَالَ حَجْبُهُ وَصَارَ غَيْرَ مَحْجُوبٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ. أَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى ابْنَتِهِ الْمَيِّتَةِ عَشَرَةٌ قَدْ اسْتَوْفَيْتهَا وَلِلْمُقِرِّ ابْنٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَهُ وَتَرَكَ وَارِثًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ. (وَلَوْ أَوْصَى لَهَا) أَيْ لِأَجْنَبِيَّةٍ شَيْئًا (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَتَبْطُلُ. (وَلَوْ وَهَبَهَا) أَيْ لِأَجْنَبِيَّةٍ شَيْئًا (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَا رُجُوعَ) هَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ قَالُوا فِي هَذَا الْمَحَلِّ: إنَّ الْهِبَةَ الْمَذْكُورَةَ بَاطِلَةٌ كَالْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى لَهَا أَوْ وَهَبَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى، وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ قَدْ نَطَقَ بِالْحَقِّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ نَكَحَهَا بَعْدَهَا، وَغَفَلَ هَهُنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ طَرَفِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " فَلَا رُجُوعَ " لِبُطْلَانِهِ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ بَاطِلَةً لَا يَجْرِي عَلَيْهَا الرُّجُوعُ فَذَكَرَ عَدَمَ الرُّجُوعِ، وَأَرَادَ الْبُطْلَانَ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ أَقَرَّ لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِيهِ أَيْ فِي الْمَرَضِ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ، هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا. (وَإِنْ أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِغُلَامٍ) أَيْ وَلَدٍ فَيَشْمَلُ الْبِنْتَ (مَجْهُولِ النَّسَبِ) فِي بَلَدٍ هُوَ فِيهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ " مَجْهُولِ النَّسَبِ " فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ، لَكِنْ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنْ يُجْهَلَ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ فَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهُ فِيهِ فَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ (يُولَدُ) صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ لِغُلَامٍ أَوْ حَالٌ مِنْهُ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا الْغُلَامِ (لِمِثْلِهِ) أَيْ لِمِثْلِ هَذَا الْمَرِيضِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَنِصْفٍ، وَالْمَرْأَةُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِتِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ (ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (الْغُلَامُ) إنْ كَانَ الْغُلَامُ مُعَبِّرًا، لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا الشَّرْطُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِلَا تَصْدِيقِهِ أَيْضًا يُعْتَبَرُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ (يَثْبُتُ نَسَبُهُ) أَيْ الْغُلَامِ (مِنْهُ) أَيْ الْمُقِرِّ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْمُقِرُّ فِي حَالَةِ الْإِقْرَارِ (مَرِيضًا وَشَارَكَ) الْغُلَامُ (الْوَرَثَةَ) الْمَعْرُوفَةَ فِي الْمِيرَاثِ

لِأَنَّهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ (وَصَحَّ إقْرَارُ الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الِابْنِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (وَالزَّوْجَةِ) أَيْ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجَةِ بِشَرْطِ خُلُوِّهَا عَنْ زَوْجٍ، وَعِدَّتِهِ، وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَ الْمُقِرِّ أُخْتُهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا (وَالْمَوْلَى) أَيْ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْعَتَاقَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُقِرِّ (وَشُرِطَ تَصْدِيقُ هَؤُلَاءِ) لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ لَا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ - وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ - أَوْ عَبْدًا لَهُ فَثَبَتَ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. (وَكَذَا) يَصِحُّ (إقْرَارُ الْمَرْأَةِ) بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا (لَكِنْ شُرِطَ فِي إقْرَارِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (بِالْوَلَدِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ أَيْضًا) كَمَا أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَلَدِ شَرْطٌ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، وَالْحَقَّ لَهُ فَإِذَا صَدَّقَهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ هَذَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْهُ، وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَادَّعَتْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ إقْرَارُهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا (أَوْ شَهَادَةُ قَابِلَةٍ) بِوِلَادَتِهِ مِنْهَا لِأَنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ (وَصَحَّ تَصْدِيقُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ) لِبَقَاءِ النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ (إلَّا تَصْدِيقَ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِعَلَائِقِهِ فِي جَانِبِهِ، إذْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا عِنْدَنَا، فَالتَّصْدِيقُ مِنْهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَوْ بِاعْتِبَارِ إرْثٍ، لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إذَا صَحَّ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّصْدِيقِ بِاعْتِبَارِ إرْثٍ سَيَحْدُثُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ عَلَائِقَ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي جَانِبِهَا وَلِذَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهَا حَتَّى يَبْقَى مِلْكُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهَا الْمَهْرُ وَالْإِرْثُ مِنْهُ وِفَاقًا. (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَصِحُّ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ، وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ، وَالتَّكْذِيبُ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ فَصَحَّ التَّصْدِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِتَصَادُقِهِمَا فَيَرِثُ مِنْهَا وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِهَا تُقْبَلُ. (وَإِنْ أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِنَسَبٍ غَيْرِ الْوِلَادِ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَا يَثْبُتُ) النَّسَبُ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ

عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْحَضَانَةِ، وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا (وَيَرِثُهُ) أَيْ يَرِثُ هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمُقِرِّ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ (وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَلَوْ) كَانَ (بَعِيدًا) لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِشَيْئَيْنِ: بِالنَّسَبِ فَفِيهِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ فَفِيهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْمُقِرِّ. (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ) وَهُوَ يُصَدِّقُهُ (شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ) لِأَنَّ الْمِيرَاثَ حَقُّهُ فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَفِي ثُبُوتِهِ تَحْمِيلُهُ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ. (وَلَوْ كَانَ لِأَبِيهِمَا الْمَيِّتِ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ نِصْفَهُ، فَالنِّصْفُ الْبَاقِي لِلْآخَرِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ) يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ، وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَأَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَهُ، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْمُكَذِّبِ نِصْفُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُونَ عَلَى زَعْمِهِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَاسْتَغْرَقَ نَصِيبَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ أَخَاهُ فِي الْخَمْسِينَ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ

كتاب الصلح

الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى زَعْمِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا زَادَ عَلَى خَمْسِينَ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمُكَذِّبِ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ. وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِي غَرَرِهِ حُرَّةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِآخَرَ فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا صَحَّ فِي حَقِّ زَوْجِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى تُحْبَسَ وَتُلَازَمَ وَعِنْدَهُمَا لَا. مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ، وَلَهَا زَوْجٌ وَأَوْلَادٌ مِنْهُ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ صَحَّ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ النِّكَاحُ، وَأَوْلَادٌ حَصَلَتْ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ أَحْرَارٌ مَجْهُولُ النَّسَبِ حَرَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ، وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ حَتَّى صَارَ رَقِيقًا لَهُ دُونَ إبْطَالِ الْعِتْقِ حَقًّا، بَقِيَ مُعْتَقُهُ حُرًّا فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ يَرِثُهُ وَارِثُهُ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ، وَإِلَّا فَالْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ الْعَتِيقُ فَإِرْثُهُ لِعَصَبَةِ الْمُقِرِّ. [كِتَابُ الصُّلْحِ] ِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إيرَادِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنَّ إنْكَارَ الْمُقِرِّ سَبَبٌ لِلْخُصُومَةِ وَهِيَ تَسْتَدْعِي الصُّلْحَ، هُوَ - لُغَةً - اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ الْمُسَالَمَةُ، خِلَافُ الْمُخَاصَمَةِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ ضِدِّ الْفَسَادِ. وَفِي الشَّرْعِ (هُوَ) أَيْ الصُّلْحُ (عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ)

مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهِ، وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الْمَوْضُوعَانِ لَهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَفِي الْعِنَايَةِ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا، وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَقَالَ: وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ، وَطَلَبَ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: فَعَلْت، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُ الْعَقْلُ لَا الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ وَصَحَّ مِنْ صَبِيٍّ مَأْذُونٍ إنْ عُرِّيَ عَنْ ضَرَرٍ بَيِّنٍ، وَمِنْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ وَمُكَاتَبٍ، وَشُرِطَ أَيْضًا كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ مَعْلُومًا، إنْ كَانَ يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ، وَكَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ، مَعْلُومًا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ أَوْ مَجْهُولًا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ، أَوْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ. (وَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (مَعَ إقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَسُكُوتٍ) مِنْهُ بِأَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ (وَإِنْكَارٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عَرَّفَهُ بِاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا وَحَرَّمَ حَلَالًا» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ، لِأَنَّهُمَا صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فَكَانَ رِشْوَةً وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا بِتَأْوِيلٍ آخَرَ: أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ. وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الصُّلْحُ بِالْإِقْرَارِ (كَالْبَيْعِ) فِي أَحْكَامِهِ (إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ) أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ عَقَارٍ أَوْ عَلَى عَقَارٍ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْمَبِيعِ فَلِلشَّفِيعِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ) بِأَنْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَبْدًا مَثَلًا فَوَجَدَ الْمُدَّعِي فِيهِ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ (وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ) بِأَنْ لَمْ يَرَ الْمُصَالِحُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَقْتَ الصُّلْحِ ثُمَّ رَآهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِ (وَالشَّرْطِ) بِأَنْ يُصَالِحَ عَلَى شَيْءٍ فَشَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ (وَتُفْسِدُهُ) أَيْ الصُّلْحَ (جَهَالَةُ الْبَدَلِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ لَا تُفْسِدُهُ (جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ يَسْقُطُ، وَجَهَالَةُ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ كَكَوْنِ مَعْلُومِيَّةِ الْبَدَلِ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) فِي صُلْحٍ مَعَ إقْرَارٍ (بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ) اُسْتُحِقَّ (كُلُّهُ رَجَعَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي (بِكُلِّ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ) صُورَتُهُ: ادَّعَى زَيْدٌ دَارًا مَثَلًا فِي يَدِ عَمْرٍو فَأَقَرَّ عَمْرٌو وَصَالَحَ زَيْدًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ الْمِائَةُ فِي يَدِ زَيْدٍ

وَالدَّارُ فِي يَدِ عَمْرٍو، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الدَّارِ مَثَلًا أَوْ كُلُّهَا يَرْجِعُ عَمْرٌو عَلَى زَيْدٍ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي الْأُولَى وَبِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْغَيْرِ مُرَتَّبٍ، وَأَمَّا تَصْوِيرُ صَاحِبِ الدُّرَرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَا يُوَافِقُ مَتْنَهُ بَلْ الصَّوَابُ مَا صَوَّرْنَاهُ يُتْبَعُ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْبَدَلِ أَوْ كُلُّهُ رَجَعَ) الْمُدَّعِي - وَهُوَ زَيْدٌ - عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ عَمْرٌو (بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ بَعْضِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ، فَأَيُّهُمَا أُخِذَ مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ، إنْ كُلًّا فَبِالْكُلِّ وَإِنْ بَعْضًا فَبِالْبَعْضِ. (وَإِنْ وَقَعَ) الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ (عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ اُعْتُبِرَ) هَذَا الصُّلْحُ (إجَارَةً) صُورَتُهُ: ادَّعَى رَجُلٌ شَيْئًا وَاعْتَرَفَ بِهِ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّتِهِ مَعْلُومَةً، أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبِهِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ زِرَاعَةِ أَرْضِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي، وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَهَذَا الصُّلْحُ كَذَلِكَ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوْقِيتُ) لَكِنَّ هَذَا فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى سَنَةٍ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيفُ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ، أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ، أَوْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَيَبْطُلُ) الصُّلْحُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمُتَصَالِحَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَا يَبْطُلُ بِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَعُودُ إلَى الدَّعْوَى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ فَيَرْجِعُ فِي دَعْوَاهُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ الْمُدَّعِي يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَبْطُلُ فِيمَا يُتَفَاوَتُ فِيهِ كَلُبْسِ الثِّيَابِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ. (وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ الصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ (مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ كَانَ عِوَضًا عَمَّا يَدَّعِيهِ (وَفِدَاءُ الْيَمِينِ وَقَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُفْتَرٍ وَمُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ، وَإِنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ لِئَلَّا يُحَلَّفَ وَلِتُقْطَعَ الْخُصُومَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاعْتِبَارِ شَخْصَيْنِ كَالنِّكَاحِ: مُوجَبُهُ الْحِلُّ فِي الْمُتَنَاكِحَيْنِ، وَالْحُرْمَةُ فِي أُصُولِهِمَا فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَزْعُمُ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ صُولِحَ عَنْهَا) أَيْ الدَّارِ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعَ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ، صُورَتُهُ: ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارِهِ فَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَأْخُذُهَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِ وَيُعْطِي الْمَالَ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ زَعْمُ الْمُدَّعِي لِأَنَّ

الْمَرْءَ لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِزَعْمِهِ (وَتَجِبُ) الشُّفْعَةُ (فِي دَارٍ صُولِحَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدَّارِ فِيمَا ادَّعَى مَالًا عَلَى آخَرَ فَسَكَتَ، أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ بِدَفْعِ الدَّارِ بَدَلَهُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ مَالِهِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ (وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْمُدَّعَى كُلًّا أَوْ بَعْضًا) فِي صُورَةِ الصُّلْحِ مَعَ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ (يَرُدُّ الْمُدَّعِي) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا (حِصَّتَهُ) أَيْ مَا اُسْتُحِقَّ (مِنْ الْبَدَلِ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ بَذَلَ الْعِوَضَ لِدَفْعِ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي، فَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ عَدَمُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَيَرْجِعُ) الْمُدَّعِي (بِالْخُصُومَةِ) مَعَ الْمُسْتَحَقِّ (فِيهِ) أَيْ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ بَعْضًا كَانَ أَوْ كُلًّا (وَمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْبَدَلِ بَعْضًا أَوْ كُلًّا يَرْجِعُ الْمُدَّعِي إلَى دَعْوَاهُ فِي قَدْرِهِ) أَيْ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ أَيْ رَجَعَ الْمُدَّعِي إلَى الدَّعْوَى فِي الْكُلِّ إنْ اُسْتُحِقَّ الْكُلُّ، وَفِي قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ إنْ اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَتْرُكْ الدَّعْوَى إلَّا لِيَسْلَمَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَجَعَ بِالْبَدَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعْتُك هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: اشْتَرَيْت حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَهَلَاكُ الْبَدَلِ) أَيْ بَدَلِ الصُّلْحِ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) إلَى الْمُدَّعِي كَاسْتِحْقَاقِهِ أَيْ كَاسْتِحْقَاقِ بَدَلِ الصُّلْحِ، فَيَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّ هَلَاكَ الْبَدَلِ فِي الْبَيْعِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ، فَكَذَا هَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالنَّقْدَيْنِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ (فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ، وَفِي فَصْلِ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ فَفِي الْإِقْرَارِ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَفِي الْإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى. (وَلَوْ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ دَارٍ يَدَّعِيهَا) يَعْنِي: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْهَا (لَا يَصِحُّ) الصُّلْحُ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ لِلُزُومِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ عِوَضًا عَنْ نَفْسِهِ، إذْ الْبَعْضُ دَاخِلٌ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ، وَلِأَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ فَيَكُونُ عَلَى طَلَبِهِ فِي بَاقِي الدَّارِ، إذْ الْإِسْقَاطُ لَا يَقَعُ عَنْ الْأَعْيَانِ لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالدُّيُونِ. (وَحِيلَتُهُ) أَيْ حِيلَةُ جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ (أَنْ يَزِيدَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فِي الْبَدَلِ شَيْئًا) فَيَصِيرَ الزَّائِدُ عَنْ الْبَاقِي (أَوْ يُبْرَأَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ أَيْ يُبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ

فصل في حكم الصلح عن وعلى مجهول

أَيْ يُبْرِئَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي: أَبْرَأْتُك أَوْ بَرِئْتَ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ الدَّارِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ جَائِزٌ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. [فَصَلِّ فِي حُكْم الصُّلْح عَنْ وَعَلَى مجهول] فَصَلِّ (يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ مَجْهُولٍ) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى مَعْلُومٍ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالصُّلْحُ عَلَى أَرْبَعَةٍ أَوْجُهٍ: عَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ، وَعَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ وَهُمَا جَائِزَانِ. وَعَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ، وَعَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُمَا فَاسِدَانِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ يَكُونُ إسْقَاطًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى عِلْمِهِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَلْيُطَالَعْ. (فَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ، فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ صُلْحُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ (وَ) عَنْ دَعْوَى (الْمَنْفَعَةِ) كَأَنْ يَدَّعِيَ فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً مِنْ صَاحِبِهَا، فَجَحَدَ الْوَارِثُ أَوْ أَقَرَّ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ، جَازَ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ جَائِزٌ، فَكَذَا الصُّلْحُ، لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْ الْجِنْسِ، بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا التَّصْوِيرِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ، وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ صَالَحَ لَمْ يَجُزْ

كَمَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةِ جَائِزٌ كَصُلْحِ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْمُؤَجِّرِ عِنْدَ إنْكَارِهِ الْإِجَارَةَ، أَوْ مِقْدَارَ الْمُدَّةِ الْمُدَّعَى بِهَا، أَوْ الْأُجْرَةَ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ إذَا صَالَحُوا الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى مَالٍ مُطْلَقًا، وَالْمَنَافِعِ - إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهَا - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَا إنْ اتَّحَدَ انْتَهَى. (وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى (الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ) مِنْ الْقَتْلِ. (وَ) فِي (مَا دُونَهَا) مِنْ نَحْوِ شَجِّ الرَّأْسِ وَقَطْعِ الْيَدِ (عَمْدًا) كَانَتْ الْجِنَايَةُ (أَوْ خَطَأً) أَمَّا الْعَمْدُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ أَيْ مَنْ أُعْطِيَ لَهُ بَدَلَ أَخِيهِ الْمَقْتُولِ شَيْءٌ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ فَالصُّلْحُ كَانَ عَنْ الْمَالِ لَكِنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ عَلَى أَخْذِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا، إلَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِأَخْذِ مَقَادِيرِهَا فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِزِيَادَةٍ جَازَ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ لَا مُوجَبَ لَهُ فِي الْمَالِ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِهَا جَازَ كَيْفَ مَا كَانَ لِعَدَمِ الرِّبَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ. (وَ) يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا (عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدُهُ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (وَكَانَ عِتْقًا بِمَالٍ) فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَصَحَّ (وَلَا وَلَاءَ) لَهُ (عَلَيْهِ) لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقْبَلَ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ، هَذَا إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ الرِّقَّ، أَمَّا إذَا صَالَحَهُ بِإِقْرَارِهِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ. (وَ) صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ (دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ وَكَانَ خُلْعًا) مُطْلَقًا فِي زَعْمِهَا إنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ يَكُونُ خُلْعًا فِي زَعْمِهِ وَدَفْعًا فِي زَعْمِهَا وَلَا تَلْزَمُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا قَضَاءً فَإِنْ أَقَامَ عَلَى التَّزْوِيجِ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ تُقْبَلْ (وَيَحْرُمُ) أَخْذُ الْمَالِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي (دِيَانَةً إنْ كَانَ مُبْطِلًا) فِي دَعْوَاهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَيَكُونَ تَمْلِيكًا عَلَى طَرِيقِ الْهِبَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَلَوْ صَالَحَهَا بِمَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالنِّكَاحِ) جَازَ وَتُجْعَلُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ، لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا (وَلَا يَجُوزُ إنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ النِّكَاحَ (الْمَرْأَةُ) هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ صَرَّحَ بِهِ الزَّاهِدِيُّ وَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً، فَالزَّوْجُ لَا يُعْطِي الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَلَا شَيْءَ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَلَمْ يَصِحَّ. (وَقِيلَ يَجُوزُ) وَجْهُهُ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلُ الصُّلْحِ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا. (وَلَا) يَصِحُّ الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْحَدِّ) مِنْ الْحُدُودِ

فَلَوْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ بَطَلَ الصُّلْحُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ قَاذِفَ الْمُحْصَنِ أَوْ الْمُحْصَنَةِ فَصَالَحَهُ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا حَقُّ الْمُرَافِعِ (وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ) كَصُلْحِ وَاحِدٍ عَنْ حَقِّ الْعَامَّةِ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إلَى الطَّرِيقِ، نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ وَيَضَعُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَيْسَتْ مِنْ تِجَارَتِهِ وَلِذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَيْعًا فَلَا يَمْلِكُ اسْتِخْلَاصًا بِمَالِ الْمَوْلَى، إلَّا أَنَّ وَلِيَّ الْقَتْلِ لَا يَقْبَلُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلْحَالِ، وَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ. (بِخِلَافِ صُلْحِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ (عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا) جَازَ صُلْحُهُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بَيْعًا وَاسْتِخْلَاصًا. (وَإِنْ صَالَحَ) الْغَاصِبُ (عَنْ مَغْصُوبٍ - تَلِفَ - بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ (جَازَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا - قِيمَتُهُ أَلْفٌ -، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ جَازَ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ) مِنْ قِيمَتِهِ (إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ) النَّاسُ (فِيهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقِيمَةِ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا رِبًا، وَلَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْأَكْثَرِ كَانَ اعْتِيَاضًا فَلَا يَكُونُ رِبًا. (وَإِنْ) صَالَحَ عَنْهُ (بِعَرْضٍ صَحَّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ لَا (اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ صَالَحَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَوْلَى. قَيَّدَ بِكَوْنِ الصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ حَالًا وَقَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ (وَصَالَحَ) الشَّرِيكَ (عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (بَطَلَ الْفَضْلُ) بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ دُونَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا (وَإِنْ) صَالَحَهُ (بِعَرْضٍ صَحَّ كَيْفَ مَا كَانَ لِمَا مَرَّ) أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، قَيَّدَ الْمُعْتِقَ بِقَوْلِهِ مُوسِرًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَا تَلْزَمُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بَلْ تَلْزَمُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَتُهُ كَمَا مَرَّ. (وَيَجُوزُ صُلْحُ الْمُدَّعِي بِمَالٍ يَدْفَعُهُ إلَى الْمُنْكِرِ لِيُقِرَّ لَهُ) بِالْعَيْنِ، صُورَتُهُ: رَجُلٌ ادَّعَى عَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ لِيَعْتَرِفَ لَهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ كَالْبَيْعِ، وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ

كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَلَى بَعْضِ دَيْنٍ يَدَّعِيهِ) عَلَى آخَرَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ (يَلْزَمُ) أَيْ الْبَدَلُ (الْمُوَكِّلَ لَا الْوَكِيلَ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقَوَدِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ، وَالصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ، فَالْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ (إلَّا إنْ ضَمِنَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ (وَبَدَلُ مَا) أَيْ بَدَلُ صُلْحٍ (هُوَ كَبَيْعٍ) بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مَعَ إقْرَارٍ (يُلْزِمُ) الْبَدَلَ (الْوَكِيلَ) لَا الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ أَصِيلٌ، وَفِي الْمُعَاوَضَةِ الْإِسْقَاطِيَّةِ سَفِيرٌ، قَيَّدْنَا مَعَ إقْرَارٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصُّلْحُ مَعَ إنْكَارٍ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَمَا فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَيْفَ وَالصُّلْحُ عَنْ فَرَسٍ بِفَرَسٍ جَائِزٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَحَّ مَعَ إقْرَارٍ كَبَيْعٍ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ أَوْ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ أَوْ أَفْضَلُ وَرِبًا، تَدَبَّرْ. (وَإِنْ صَالَحَ فُضُولِيٌّ) أَيْ صَالَحَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ بِلَا أَمْرٍ (وَضَمِنَ) الْفُضُولِيُّ (الْبَدَلَ، أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ) أَيْ إلَى مَالِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفِي، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا (أَوْ أَشَارَ إلَى عَرْضٍ أَوْ نَقْدٍ بِلَا إضَافَةٍ) بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ (أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ (وَسَلَّمَ) الْقَدْرَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ إلَى الْمُدَّعِي (صَحَّ) الصُّلْحُ أَمَّا إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةَ، وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ، وَأَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى مَالِهِ فَلِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ الْتَزَمَ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ، وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ فَلِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِلتَّسْلِيمِ بِشَرْطٍ، فَيَتِمُّ بِهِ الصُّلْحُ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ وَسَلَّمَ فَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَيْهِ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لَهُ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ (وَكَانَ) الْفُضُولِيُّ (مُتَبَرِّعًا) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِلَا إذْنِ الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ (وَلَمْ يُسَلِّمْ تَوَقَّفَ) أَيْ صَارَ الصُّلْحُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ (فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ) الصُّلْحُ (وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ) لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ بِاخْتِيَارِهِ هَذَا اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يَنْفُذُ عَلَى الْمُصَالِحِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ، إلَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ (بَطَلَ) الصُّلْحُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ لَا، وَالْبَدَلُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، لِأَنَّ الْمُصَالِحَ هُنَا - وَهُوَ الْفُضُولِيُّ - لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالصُّلْحِ. ادَّعَى وَقْفِيَّةَ أَرْضٍ عَلَى آخَرَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي عَلَى

باب الصلح في الدين

دَعْوَاهُ، فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ عَنْهُ جَازَ الصُّلْحُ، وَطَابَ لَهُ لَوْ صَادَقَا، وَقِيلَ لَا. كُلُّ صُلْحٍ بَعْدَ صُلْحٍ فَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَكَذَا الصُّلْحُ بَعْدَ الشِّرَاءِ. أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ - عَنْ إنْكَارٍ - أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ قَبْلَ الصُّلْحِ: لَيْسَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ حَقٌّ، فَالصُّلْحُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَهُ: مَا كَانَ لِي قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقٌّ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَالصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ يَصِحُّ، وَعَنْ الْبَاطِلَةِ لَا، وَقِيلَ: اشْتِرَاطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْحِ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ الصُّلْحُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَفْعًا لِلنِّزَاعِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَقِيلَ لَا. طَلَبُ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِخِلَافِ طَلَبِ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ. صَالَحَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي عَنْ عَيْبٍ وَظَهَرَ عَدَمُ ذَلِكَ الْعَيْبِ، أَوْ زَالَ الْعَيْبُ بَطَلَ الصُّلْحُ. [بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ] ِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ (الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ) مِثْلُ الْبَيْعِ نَسِيئَةً وَمِثْلُ الْإِقْرَاضِ (عَلَى بَعْضِ جِنْسِهِ) كَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ (أَخْذٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَإِسْقَاطٌ لِبَاقِيهِ) لِأَنَّ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ (لَا مُعَاوَضَةٌ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الرِّبَا ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ صَالَحَ) الْمَدْيُونُ دَائِنَهُ (عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ) فِي ذِمَّتِهِ (عَلَى مِائَةٍ حَالَّةٍ) بِإِسْقَاطِ مَا فَضَلَ هُوَ تِسْعُمِائَةٍ (أَوْ) عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ (عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ) بِإِسْقَاطِ وَصْفِ الْحُلُولِ فَقَطْ هُوَ حَقٌّ لَهُ كَالْفَضْلِ (صَحَّ) الصُّلْحُ. (وَكَذَا) صَحَّ لَوْ صَالَحَ (عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى مِائَةٍ زُيُوفٍ) بِإِسْقَاطِ مَا فَضَلَ، وَإِسْقَاطِ وَصْفِ الْجَوْدَةِ مَعًا، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمُبْدَلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِكَوْنِهِ مُدَايَنَةً لَا مُعَاوَضَةً. (وَلَا يَصِحُّ) لَوْ صَالَحَ (عَنْ دَرَاهِمَ) حَالَّةٍ (عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ) إلَى شَهْرٍ، سَوَاءٌ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْخِيرِ فَتَعَيَّنَتْ الْمُعَاوَضَةُ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا. (أَوْ) صَالَحَهُ (عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ بِإِزَاءِ مَا حُطَّ عَنْهُ، وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ، وَهُوَ حَرَامٌ. (أَوْ) صَالَحَهُ (عَنْ أَلْفٍ سُودٍ) جَمْعُ أَسْوَدَ أَيْ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ مِنْ نُقْرَةٍ سَوْدَاءَ مَغْلُوبَةِ الْغِشِّ (عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا) لِأَنَّهُ مِنْ دَرَاهِمَ سُودٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِيضَ فَقَدْ صَالَحَ عَلَى مَا لَا يَسْتَحِقُّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، وَكَانَ مُعَاوَضَةَ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ، وَهُوَ رِبًا بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ، وَهُوَ أَجْوَدُ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ حَالٍّ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ

أَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ بِيضٍ عَلَى أَلْفٍ سُودٍ جَازَ بِشَرْطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ أَوْ أَدْوَنَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا وَوَقْتًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَهُوَ إسْقَاطٌ، وَإِذَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْهُ فَمُعَاوَضَةٌ. (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ صَحَّ) لِأَنَّهُ يُجْعَلُ إسْقَاطًا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَلِلدَّرَاهِمِ إلَّا مِائَةً، وَتَأْجِيلًا لِلْمِائَةِ الَّتِي بَقِيَتْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادًا. (وَإِنْ قَالَ مَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ: أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الْأَلْفِ (عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ بَاقِيهِ فَفَعَلَ) مَنْ عَلَيْهِ الْأَلْفُ ذَلِكَ بِأَنْ قَبِلَ، وَأَدَّى إلَيْهِ فِي الْغَدِ النِّصْفَ (بَرِئَ) عَنْ النِّصْفِ الْبَاقِي بِالِاتِّفَاقِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ غَدًا بِالنِّصْفِ (فَلَا يَبْرَأُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ يَبْرَأُ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ النِّصْفُ السَّاقِطُ أَبَدًا، لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَدَاءَ عِوَضًا عَنْ الْإِبْرَاءِ نَظَرًا إلَى كَلِمَةِ عَلَى، وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَعَدَمِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ، وَأَنَّهُ غَرَضٌ صَالِحٌ حَذَرًا مِنْ إفْلَاسِهِ أَوْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَا هُوَ الْأَنْفَعُ مِنْ تِجَارَةٍ رَابِحَةٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ دَفْعِ حَبْسٍ، فَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ بَطَلَ الْإِبْرَاءُ، وَكَلِمَةُ عَلَى تَحْتَمِلُ الشَّرْطَ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُعَاوَضَةِ، تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَعَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ مَا ذُكِرَ. وَالثَّانِي قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى نِصْفِهِ عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَدْفَعْ غَدًا النِّصْفَ فَالْأَلْفُ عَلَيْك لَا يَبْرَأُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ إجْمَاعًا) يَعْنِي إنْ قَبِلَ، وَأَدَّى إلَيْهِ النِّصْفَ فِي الْغَدِ بَرِئَ عَنْ الْبَاقِي، وَإِلَّا فَالْكُلُّ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَتَى بِتَصْرِيحِ التَّقْيِيدِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَطَلَ. وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: أَبْرَأْتُك مِنْ نِصْفِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي نِصْفَهُ غَدًا بَرِئَ) جَوَابُ إنْ (مِنْ نِصْفِهِ أَعْطَى) النِّصْفَ فِي الْغَدِ (أَوْ لَمْ يُعْطِ) لِأَنَّ الدَّائِنَ أَطْلَقَ الْبَرَاءَةَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَدَاءَ الَّذِي لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فَبَقِيَ احْتِمَالُ كَوْنِ الْأَدَاءِ شَرْطًا، وَهُوَ مَشْكُوكٌ هُنَا لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا مُؤَخَّرًا عَنْ الْبَرَاءَةِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ شَرْطًا فَبَقِيَ الْبَرَاءَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَيَصِيرُ الْأَدَاءُ وَعَدَمُهُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ فِي حَقِّ الْبَرَاءَةِ بِخِلَافِ الْأَدَاءِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا فِي الْبَرَاءَةِ لِذِكْرِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ اتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَالرَّابِعُ قَوْلُهُ (وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَدِّ إلَيَّ نِصْفَهُ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ بَاقِيهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ) لِلْأَدَاءِ وَقْتًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا لَا يَكُونُ الْأَدَاءُ غَرَضًا صَحِيحًا لِأَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَدْيُونِ فِي مُطْلَقِ الْأَزْمَانِ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْإِبْرَاءُ، فَحُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْغَدِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْخَامِسُ قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ فَأَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ إذَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت) إلَيَّ نِصْفَهُ

فصل في الدين المشترك والتخاريج

فَأَنْتَ بَرِيءٌ (لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَدَّى) نِصْفَهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ. (وَمَنْ قَالَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (سِرًّا لِرَبِّ دَيْنِهِ: لَا أُقِرُّ لَك حَتَّى تُؤَخِّرَ) أَيْ الدَّيْنَ (عَنِّي أَوْ تَحُطَّ) عَنِّي (بَعْضَهُ فَفَعَلَ) رَبُّ الدَّيْنِ التَّأْخِيرَ أَوْ الْحَطَّ (جَازَ) أَيْ التَّأْخِيرُ، وَالْحَطُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ بَعْدَ التَّأْخِيرِ، وَلَا مِنْ مُطَالَبَةِ مَا حَطَّ فِي الْحَطِّ أَبَدًا. (وَإِنْ أَعْلَنَ) مَا قَالَهُ سِرًّا (لَزِمَهُ) أَيْ جَمِيعُ الدَّيْنِ (لِلْحَالِ) أَيْ بِلَا تَأْخِيرٍ إنْ أَخَّرَ، وَلَا حَطٍّ إنْ حَطَّ. [فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالتَّخَارِيجِ] ِ (إنْ صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ الدَّيْنِ) فِي دَيْنٍ (عَنْ نِصْفِهِ) أَيْ الدَّيْنِ - وَهُوَ نَصِيبُهُ - (عَلَى ثَوْبٍ فَلِشَرِيكِهِ) الْخِيَارُ إنْ شَاءَ (أَنْ يَتَّبِعَ الْمَدْيُونَ بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الدَّيْنِ لِبَقَاءِ حِصَّتِهِ فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ الثَّوْبِ) مِنْ شَرِيكِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ، لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ دَيْنِهِ (إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ) أَيْ الشَّرِيكُ (لَهُ الْمُصَالِحَ رُبُعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الثَّوْبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ ثُمَّ هَهُنَا قَيْدَانِ. الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ دَيْنًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ ثَوْبًا، وَالْمُرَادُ خِلَافُ جِنْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ. (وَإِنْ قَبَضَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ شَارَكَهُ شَرِيكُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الَّذِي قَبَضَهُ، إذَا لَمْ يُشَارِكْهُ تَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ (وَاتَّبَعَا) أَيْ رَجَعَا الشَّرِيكَانِ عَلَى (الْغَرِيمِ) أَيْ الْمَدْيُونِ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ، وَاخْتَارَ مُتَابَعَةَ الْغَرِيمِ، ثُمَّ تَوِيَ نَصِيبُهُ بِأَنْ مَاتَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَقْبُوضَةِ بَلْ يَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ. (وَإِنْ) لَمْ يُصَالِحْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَلْ (اشْتَرَى) مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ (بِنَصِيبِهِ) مِنْ الدَّيْنِ (شَيْئًا) فَالْآخَرُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ (ضَمَّنَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ، وَالْمُنَازَعَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالْمُسَامَحَةِ

فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ دَفْعَ رُبُعِ الدَّيْنِ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ تَمَامَ نِصْفِ الدَّيْنِ فَلِذَا خَيَّرْنَاهُ (أَوْ اتَّبَعَ الْغَرِيمَ) إنْ شَاءَ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنْ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ. (وَمَنْ أَبْرَأَ) أَحَدُهُمَا ذِمَّةَ الْمَدْيُونِ (عَنْ نَصِيبِهِ أَوْ قَاصَّ الْغَرِيمَ بِدَيْنٍ سَابِقٍ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُودِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ دَيْنُهُ قِصَاصًا بِهِ (لَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ) شَيْئًا فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إتْلَافٌ لَا قَبْضٌ، وَالرُّجُوعُ يَكُونُ فِي الْمَقْبُوضِ لَا فِي الْمُتْلَفِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّيْنَيْنِ إذَا الْتَقَيَا قِصَاصًا أَنْ يَصِيرَ الْأَوَّلُ مَقْضِيًّا بِالثَّانِي، وَالْمُشَارَكَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الِاقْتِضَاءِ. (وَإِنْ أَبْرَأَ) أَحَدُهُمَا (عَنْ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ نَصِيبِهِ (قُسِّمَ الْبَاقِي عَلَى سِهَامِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْسَةِ، وَلِلسَّاكِتِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَشَرَةِ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَإِنْ أَجَّلَ) أَحَدُهُمَا (نَصِيبَهُ لَا يَصِحُّ) التَّأْجِيلُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَهُمَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْهِدَايَة. وَفِي النِّهَايَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ حَيْثُ ذُكِرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَذَلِكَ سَهْلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ لِمُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ. (وَبَطَلَ صُلْحُ أَحَدِ رَبَّيْ السَّلَمِ) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي سَلَمٍ (عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ قِسْمَةِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ (أَيْضًا) كَمَا خَالَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ فَإِذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى حِصَّتِهِ جَازَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا شُرِطَ عَلَى دَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِبْدَالِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَفِي التَّنْوِيرِ: صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ سَلَمٍ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ فَإِنْ أَجَازَهُ الْآخَرُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ وَبَطَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ - وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ -: وَبَطَلَ إلَى آخِرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَاطِلٍ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَيَبْطُلُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ انْتَهَى. (وَإِنْ أَخْرَجَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَنْ عَرْضٍ) هِيَ التَّرِكَةُ (أَوْ) أَخْرَجُوهُ عَنْ (عَقَارٍ) هِيَ التَّرِكَةُ (بِمَالٍ) أَعْطَوْهُ لَهُ (أَوْ) أَخْرَجُوهُ (عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ) أَيْ عَنْ ذَهَبٍ هُوَ التَّرِكَةُ بِفِضَّةٍ دَفَعُوهَا إلَيْهِ أَوْ عَنْ فِضَّةٍ - هِيَ التَّرِكَةُ - بِذَهَبٍ دَفَعُوهُ إلَيْهِ (أَوْ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ النَّقْدَيْنِ (بِهِمَا) أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ أَيْضًا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ (صَحَّ) هَذَا الصُّلْحُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا (قَلَّ الْبَدَلُ

أَوْ كَثُرَ) صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا لِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ التَّخَارُجِ أَثَرُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ صَالَحَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رُبُعِ الثُّمُنِ - وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ - عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (وَعَنْ نَقْدَيْنِ) وَهُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (وَغَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ، مِثْلُ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ، أَرَادَ أَنَّ التَّرِكَةَ إنْ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى هَذِهِ الْأَجْنَاسِ فَأَخْرَجُوهُ (بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ) يَعْنِي دَفَعُوا إلَيْهِ إمَّا فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا (لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ الَّذِي أَعْطَوْهُ (أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ) لِيَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ، وَالزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ حَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا تَجُوزُ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ، لِأَنَّ التَّرِكَةَ أَعْيَانٌ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا تَجُوزُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فِيمَا يُقَابِلُ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ (وَإِنْ) صَالَحُوا (بِعَرْضٍ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (جَازَ مُطْلَقًا) لِعَدَمِ الرِّبَا. (وَإِنْ) كَانَ (فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَخْرَجُوا) أَيْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ (لِيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ الصُّلْحُ) لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَبَطَلَ ثُمَّ تَعَدَّى الْبُطْلَانُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بَيَّنَ حِصَّتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ حِيَلًا فَقَالَ (فَإِنْ شَرَطُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (بَرَاءَةَ الْغُرَمَاءِ مِنْ نَصِيبِهِ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ الْمُصَالِحِ (صَحَّ) الصُّلْحُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ وَتَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ ضَرَرٌ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ - حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ - وَنَوْعُ نَفْعٍ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْمُصَالِحِ حَقٌّ فِيمَا عَلَى الْمَدْيُونِ فَإِذَا وُجِدَ الضَّرَرُ مَعَ النَّفْعِ فِي مَحَلٍّ لَا يُعَدُّ مِثْلُ هَذَا الضَّرَرِ ضَرَرًا فَتَصِيرُ هَذِهِ الْحِيلَةُ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْبَعْضِ. (وَكَذَا) صَحَّ الصُّلْحُ (إنْ قَضَوْا) أَيْ تَعَجَّلُوا قَضَاءَ (حِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ الْمُصَالِحِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (تَبَرُّعًا) ثُمَّ تَصَالَحُوا عَمَّا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَقْرَضُوهُ) أَيْ أَقْرَضَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْمُصَالِحَ (قَدْرَهَا) أَيْ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ (وَأَحَالَهُمْ) أَيْ أَحَالَ الْمُصَالِحُ الْوَرَثَةَ (بِهِ) أَيْ بِالْقَرْضِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُمْ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) وَهُمْ يَقْبَلُونَ الْحَوَالَةَ (وَصَالَحُوهُ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَنْ غَيْرِ الدَّيْنِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا صَحَّ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَا وَجْهَ مِنْهُ أَنْ يَبِيعُوا كَفًّا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ثُمَّ يُحِيلُهُمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ أَوْ يُحِيلُهُمْ ابْتِدَاءً

مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ لِيَقْبِضُوهُ ثُمَّ يَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ. (وَفِي صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْ تَرِكَةٍ هِيَ أَعْيَانٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ اخْتِلَافٌ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ الْمَجْهُولَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ، فَاحْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا) أَيْ التَّرِكَةَ (غَيْرُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (إذَا كَانَتْ كُلُّهَا) أَيْ كُلُّ التَّرِكَةِ (فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ) أَيْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ قَائِمَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ، فَالْجَهَالَةُ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فِي الْمُصَالِحِ وَلَا يَعْرِفُهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، إذْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. (وَبَطَلَ الصُّلْحُ، وَالْقِسْمَةُ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) لِلتَّرِكَةِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْوَارِثُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَارِثُ الدَّيْنَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ أَوْ يَضْمَنَ أَجْنَبِيٌّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ. (وَإِنْ) كَانَ الدَّيْنُ (غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَالِحَ قَبْلَ قَضَائِهِ) أَيْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِحَاجَتِهِ إلَى تَقَدُّمِ الْقَضَاءِ. (وَلَوْ فَعَلَ) وَصَالَحَ (قَالُوا يَجُوزُ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ وَالدَّائِنُ قَدْ يَكُونُ غَائِبًا فَتَضَرَّرَ الْوَرَثَةُ بِالتَّوَقُّفِ عَلَى مَجِيئِهِ، وَالدَّائِنُ لَا يَتَضَرَّرُ لِأَنَّ عَلَى الْوَرَثَةِ قَضَاءَ دَيْنِهِ (وَالْقِسْمَةُ تَجُوزُ قِيَاسًا) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ فَتُقَسَّمُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ (لَا) تَجُوزُ (اسْتِحْسَانًا) وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ تَمَلُّكَ الْوَارِثِ، إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ قَبْلَ قَضَائِهِ (وَقِيلَ: الْقِيَاسُ أَنْ يُوقَفَ الْكُلُّ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ (وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُوقَفَ قَدْرُ الدَّيْنِ وَيُقَسَّمَ الْبَاقِي) لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ. وَفِي التَّنْوِيرِ: وَإِذَا أَخْرَجُوا وَاحِدًا فَحِصَّتُهُ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ غَيْرَ الْمِيرَاثِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ لَهُ مِمَّا وَرِثُوهُ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، وَالْمُوصَى لَهُ كَوَارِثٍ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ. صَالَحُوا أَحَدَهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ لَمْ يَعْلَمُوهَا هَلْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصُّلْحِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا أَيْ الْقَوْلَيْنِ: لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ.

كتاب المضاربة

[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] ِ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ فِي التِّجَارَةِ، وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ هَذَا الْعَقْدَ مُقَارَضَةً وَقِرَاضًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَقْطَعُ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْعَامِلِ، وَأَصْحَابُنَا اخْتَارُوا لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِلنَّصِّ. وَفِي الشَّرْعِ (هِيَ) أَيْ الْمُضَارَبَةُ (شَرِكَةٌ) فِي (الرِّبْحِ) بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْته مُضَارَبَةً أَوْ مُعَامَلَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ لَك مِنْ الرِّبْحِ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَقُولَ الْمُضَارِبُ: قَبِلْت، فَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ رُكْنٌ، وَالظَّرْفُ لِلشَّرِكَةِ (بِمَالٍ مِنْ جَانِبٍ) - وَهُوَ جَانِبُ رَبِّ الْمَالِ - (وَعَمَلٍ مِنْ جَانِبٍ) آخَرَ وَهُوَ جَانِبُ الْمُضَارِبِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا؛ فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ غَنِيٍّ بِالْمَالِ غَبِيٍّ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَبَيْنَ مُهْتَدٍ فِي التَّصَرُّفِ صِفْرِ الْيَدِ عَنْ الْمَالِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِتَنْتَظِمَ مَصْلَحَةُ الْغَبِيِّ وَالذَّكِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَبُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُبَاشِرُونَهُ فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهِ، وَتَعَامَلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (وَالْمُضَارِبُ أَمِينٌ) ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَالْوَثِيقَةِ. وَالْحِيلَةُ فِي أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْعَمَلِ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا عَمِلَ وَرَبِحَ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ الْقَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ أَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ هَلَكَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ، وَهُوَ الْعَامِلُ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ حِيلَةً أُخْرَى، فَلْيُطَالَعْ. (فَإِذَا تَصَرَّفَ) الْمُضَارِبُ فِي الْمَالِ (فَوَكِيلٌ) لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَالْوَكِيلِ (فَإِنْ رَبِحَ) مِنْهُ (فَشَرِيكٌ) لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.

(وَإِنْ خَالَفَ) الْمُضَارِبُ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ (فَغَاصِبٌ) وَلَوْ أَجَازَ بَعْدَهُ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَصَارَ غَاصِبًا، فَيَضْمَنُ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ - وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. (وَإِنْ شَرَطَ كُلَّ الرِّبْحِ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (فَمُسْتَقْرِضٌ) فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ كُلِّ الرِّبْحِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ رَأْسُ الْمَالِ مِلْكًا لَهُ، لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ، وَاشْتِرَاطُهُ لَهُ يُوجِبُ تَمْلِيكَهُ رَأْسَ الْمَالِ اقْتِضَاءً. (وَإِنْ شَرَطَ) كُلَّ الرِّبْحِ (لِرَبِّ الْمَالِ فَمُسْتَبْضِعٌ) حَيْثُ يَكُونُ عَامِلًا لِرَبِّ الْمَالِ بِلَا بَدَلٍ، وَعَمَلُهُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فَكَأَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا. (وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُضَارَبَةُ بِشَيْءٍ (فَأَجِيرٌ) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَمَا شَرَطَهُ لَهُ كَالْأُجْرَةِ عَلَى عَمَلِهِ، وَمَتَى فَسَدَتْ ظَهَرَ مَعْنَى الْإِجَارَةِ فَلَا رِبْحَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلَمَّا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَجْرُ مِثْلِهِ) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أَجْرَ لَهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ. (وَلَا يُزَادُ) أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ (عَلَى) قَدْرِ (مَا شُرِطَ لَهُ) مِنْ الرِّبْحِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُضَارِبُ (الْمَالَ) بِالْهَلَاكِ (فِيهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يَضْمَنُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِمَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالتِّبْرِ وَالْفَلْسِ النَّافِقِ، لَكِنْ فِي الْكُبْرَى أَنَّ فِي الْمُضَارَبَةِ بِالتِّبْرِ رِوَايَتَيْنِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمَا تَصِحُّ بِالْفَلْسِ، وَلَمْ تَصِحَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ دَفَعَ عَرْضًا وَقَالَ: بِعْهُ وَاعْمَلْ فِي ثَمَنِهِ مُضَارَبَةً) فَقَبِلَ (أَوْ قَالَ: اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ) مِنْ الدَّيْنِ (وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً) فَقَبِلَ (جَازَتْ أَيْضًا) كَمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أُضِيفَتْ إلَى ثَمَنِ الْعَرْضِ وَهُوَ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أُضِيفَتْ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ، وَالدَّيْنُ إذَا قُبِضَ صَارَ عَيْنًا فَيَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ: اقْبِضْ دَيْنِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً، فَعَمِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ كُلَّهُ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ: فَاعْمَلْ بِهِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا بِالْوَاوِ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَلَا يَكُونُ مَأْذُونًا بِالْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْكُلِّ

بِخِلَافِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ فَإِنَّهُ يَكْفِي قَبْضُ الْبَعْضِ كَذَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ، لَكِنْ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَاءَ كَالْوَاوِ فِي هَذَا الْحُكْمِ نَظَرٌ، لِأَنَّ ثُمَّ يُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَالتَّرَاخِيَ، وَالْفَاءَ يُفِيدُ التَّعْقِيبَ وَالتَّرْتِيبَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِذْنُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ يَثْبُتُ عَقِيبَهُ بِخِلَافِ الْوَاوِ فَإِنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمُقَارَنَةٍ وَلَا تَرْتِيبٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا نَسِيئَةً ثُمَّ بِعْهُ وَاعْمَلْ بِثَمَنِهِ مُضَارَبَةً، فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَعَمِلَ فِيهِ جَازَ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْغَاصِبِ، أَوْ الْمُسْتَوْدَعِ، أَوْ الْمُبَعَّضِ: اعْمَلْ بِمَا فِي يَدِك مُضَارَبَةً جَازَ. (وَشُرِطَ تَسْلِيمُ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ بِلَا يَدٍ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) لِأَنَّ تَخْلِيَةَ الْمَالِ لِلْعَامِلِ وَاجِبٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ مَعَهُ لَفَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ (عَاقِدًا كَانَ) رَبُّ الْمَالِ (أَوْ غَيْرَ عَاقِدٍ كَالصَّغِيرِ إذَا عَقَدَهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (وَلِيُّهُ) أَيْ وَلِيُّ الصَّغِيرِ، وَشَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتٌ لَهُ، وَبَقَاءُ يَدِهِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُضَارِبِ (وَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا عَقَدَهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةَ (الْآخَرُ) أَيْ إذَا دَفَعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَ شَرِيكِهِ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ عَمَلُ الْمَالِكِ لَا الْعَاقِدِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ الْأَبُ الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ وَشَرَطَ عَمَلَ نَفْسِهِ جَازَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَأْخُذَا مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً بِأَنْفُسِهِمَا فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَوْ دَفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ عَمَلَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْوَصِيَّ إذَا دَفَعَ مَالَ الصَّغِيرِ إلَى نَفْسِهِ مُضَارَبَةً جَازَ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْعَلُ لِأَمْثَالِهِ كَمَا قَالَهُ الطَّرْطُوسِيُّ. (وَ) شُرِطَ (كَوْنُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) أَيْ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ حَتَّى يَكُونَ الرِّبْحُ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ أَثْلَاثًا أَوْ مُنَصَّفًا وَنَحْوَهُمَا، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ فَلَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ مُسَمَّاةٌ تَبْطُلُ فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَشُرِطَ كَوْنُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَكَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا تَسْمِيَةً أَوْ إشَارَةً (فَتَفْسُدُ) الْمُضَارَبَةُ (إنْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ بِالشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَقِيَتْ مَنَافِعُهُ مُسْتَوْفَاةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ فَسَادَهَا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَبِعَكْسِهِ فَلِلْمُضَارِبِ (وَكُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ) كَشَرْطِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا سَنَةً أَوْ، دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا سَنَةً (يُفْسِدُهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ الرِّبْحِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَالْبَعْضَ أُجْرَةَ دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ وَلَا يَعْلَمُ حِصَّةَ الْعَمَلِ

حَتَّى تَجِبَ حِصَّتُهُ وَتُسْقِطَ مَا أَصَابَ مَنْفَعَةَ الدَّارِ (وَمَا) أَيْ كُلُّ شَرْطٍ (لَا) يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ (فَلَا) يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ (وَ) لَكِنْ (يَبْطُلُ الشَّرْطُ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ حِصَّةِ الْعَمَلِ، إذْ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ مُقَابَلٌ بِعَمَلِهِ لَا غَيْرُ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ (كَشَرْطِ الْوَضِيعَةِ) وَهِيَ الْخُسْرَانُ (عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّ الْخُسْرَانَ جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ غَيْرَ رَبِّ الْمَالِ لَكِنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَلَا الْجَهَالَةَ فِيهِ فَلَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ كَالْهِبَةِ. (وَلِلْمُضَارِبِ فِي مُطْلَقِهَا) أَيْ مُطْلَقِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ؛ يَزِدْ عَلَيْهِ (أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُوَكِّلَ بِهِمَا) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (وَيُسَافِرَ) بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بَرًّا وَبَحْرًا، وَلَوْ دَفَعَ الْمَالَ فِي بَلَدِهِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسَافِرُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ الْإِمَامِ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ فِي بَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يُسَافِرُ سَفَرًا مَخُوفًا يَتَحَامَى النَّاسُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِمْ. (وَيُبْضِعَ) مِنْ الْإِبْضَاعِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ مَالًا يَعْمَلُ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ (وَيُودِعَ وَيَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ وَيُؤَاجِرَ وَيَسْتَأْجِرَ وَيَحْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ. (وَلَوْ أَبْضَعَ) الْمُضَارِبُ (لِرَبِّ الْمَالِ صَحَّ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ) أَيْ بِالْإِبْضَاعِ (الْمُضَارَبَةُ) وَقَالَ زُفَرُ: تَفْسُدُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ حِينَئِذٍ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِيهِ فَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا لَهُ، وَلَنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ صَارَ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يُضَارِبَ) مَالَ الْمُضَارَبَةِ لِآخَرَ (إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ) صَرِيحًا (أَوْ بِقَوْلِهِ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ إلَّا بِقَوْلِ الْأَصِيلِ اعْمَلْ بِرَأْيِك، بِخِلَافِ الْإِبْضَاعِ وَالْإِيدَاعِ لِأَنَّهُمَا دُونَ الْمُضَارَبَةِ لَا مِثْلُهَا فَيَتَضَمَّنُهُمَا. (وَلَا) أَيْ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يُقْرِضَ أَوْ يَسْتَدِينَ) بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (أَوْ يَهَبَ أَوْ يَتَصَدَّقَ) ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ التَّعْمِيمُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ صَنِيعِهِمْ إذْ الرِّبْحُ الْمَقْصُودُ عِنْدَهُمْ لَا يَحْصُلُ بِهَا (إلَّا بِتَنْصِيصٍ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّصَدُّقِ فَحِينَئِذٍ مَلَكَهَا، وَفَرَّعَ عَلَى الِاسْتِدَانَةِ بِقَوْلِهِ. (فَإِنْ شَرَى بِمَالِهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ (بَزًّا) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ثِيَابُ الْكَتَّانِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (وَقَصَرَهُ) أَيْ غَسَلَهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ مِنْ قَصَرَ

يَقْصُرُ بِالضَّمِّ قَصْرًا وَقَصَارَةً، أَوْ مِنْ قَصَّرَ الثَّوْبَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَمَعَهُ فَغَسَلَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ حَمَلَهُ) مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخِرِهِ (بِمَالِهِ) أَيْ بِمَالِ الْمُضَارِبِ لَا بِمَالِهَا (فَهُوَ) أَيْ الْمُضَارِبُ (مُتَبَرِّعٌ) فَلَا يَرْجِعُ بِمَالِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ عَلَى الْمَالِ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ فَلَوْ قَصَرَ بِالنَّشَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبْغِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (الْخَلْطُ بِمَالِهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَالصَّبْغُ) بِمَالِهِ (إنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّبْغِ أَنْ يَصْبُغَهُ أَحْمَرَ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ زِيَادَةً فِيهِ بِخِلَافِ السَّوَادِ فَإِنَّهُ نُقْصَانٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ الْإِمَامَيْنِ وَسَكَتَ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ، تَتَبَّعْ. (فَلَا يَضْمَنُ) الْمُضَارِبُ (بِهِ) أَيْ بِالْخَلْطِ وَلَا بِالصَّبْغِ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " اعْمَلْ بِرَأْيِك " يَتَضَمَّنُهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا (وَيَصِيرُ) الْمُضَارِبُ (شَرِيكًا) لِرَبِّ الْمَالِ (بِمَا زَادَ الصَّبْغُ) فِيهِ (وَحِصَّتُهُ) أَيْ حِصَّةُ قِيمَةِ الصَّبْغِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (إذَا بِيعَ) الْمَصْبُوغُ (وَحِصَّةُ الثَّوْبِ) الْأَبْيَضِ (فِي) مَالِ (الْمُضَارَبَةِ) حَتَّى إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ أَلْفًا وَمَصْبُوغًا أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ كَانَ الْأَلْفُ لِلْمُضَارَبَةِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ لِلْمُضَارِبِ بَدَلَ مَالِهِ، وَهُوَ الصَّبْغُ بِخِلَافِ الْقَصَارَةِ وَالْحَمْلِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ، فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ قُيِّدَتْ) الْمُضَارَبَةُ (بِبَلَدٍ) مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: دَفَعْته مُضَارَبَةً فِي الْكُوفَةِ مَثَلًا (أَوْ سِلْعَةٍ) أَيْ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ: دَفَعْته مُضَارَبَةً فِي الْكِرْبَاسِ مَثَلًا (أَوْ وَقْتٍ) مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَالَ: دَفَعْته مُضَارَبَةً بِالصَّيْفِ مَثَلًا (أَوْ مُعَامِلٍ مُعَيَّنٍ) بِأَنْ قَالَ: دَفَعْته مُضَارَبَةً لِفُلَانٍ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يَتَجَاوَزَ) مِمَّا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ، لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ، وَفِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ التِّجَارَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَشْخَاصِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا شَرَطَ الْمَالِكُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ أَوْ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا أَوْ مَا لَا يَعُمُّ وُجُودُهُ لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ (كَمَا) لَا يَتَعَدَّى الشَّرِيكُ (فِي الشَّرِكَةِ) عَمَّا عَيَّنَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بِشَيْءٍ مِنْهَا (فَإِنْ تَجَاوَزَ) الْمُضَارِبُ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ أَوْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ أَوْ بَاعَ مَعَ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمُخَالَفَةِ وَكَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ (وَالرِّبْحُ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ، وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ، ثُمَّ قِيلَ: يَضْمَنُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْبَلَدِ لِوُجُودِ الْمُخَالَفَةِ وَقِيلَ بَلْ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَشْرِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إلَى الْبَلَدِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنْ عَادَ زَالَ الضَّمَانُ فَصَارَ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ (فَإِنْ قَالَ لَهُ) أَيْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْمُضَارِبِ (عَامِلْ أَهْلَ الْكُوفَةِ أَوْ) عَامِلْ (الصَّيَارِفَةَ فَعَامَلَ فِي الْكُوفَةِ غَيْرَ أَهْلِهَا) أَيْ الْكُوفَةِ (أَوْ صَارَفَ) أَيْ عَامَلَ مُعَامَلَةَ الصَّرْفِ (مَعَ غَيْرِ

الصَّيَارِفَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا) فَيَجُوزُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَوَّلِ التَّقْيِيدُ بِالْمَكَانِ، وَفَائِدَةَ الثَّانِي التَّقْيِيدُ بِالنَّوْعِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ عُرْفًا لَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَكَذَا) لَا يَكُونُ مُخَالِفًا (لَوْ قَالَ اشْتَرِ فِي سُوقِهَا) أَيْ الْكُوفَةِ (فَاشْتَرَى فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ سُوقِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَمَاكِنَ الْمِصْرِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي السِّعْرِ وَالنَّقْدِ وَالْأَمْنِ فَيَجُوزُ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا تَشْتَرِ فِي غَيْرِ السُّوقِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَوْ اشْتَرَاهُ فِي غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ، وَالْوِلَايَةُ إلَى الْمَالِكِ. وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ، فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ قَالَ) الْمَالِكُ لِلْمُضَارِبِ (خُذْ هَذَا الْمَالَ، تَعْمَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (فِي الْكُوفَةِ) مَرْفُوعًا أَوْ مَجْزُومًا (أَوْ) خُذْ هَذَا الْمَالَ (فَاعْمَلْ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (فِيهَا) أَيْ الْكُوفَةِ (أَوْ خُذْهُ) أَيْ الْمَالَ الْمُضَارَبَ (بِالنِّصْفِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكُوفَةِ (فَهُوَ تَقْيِيدٌ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " تَعْمَلُ بِهِ " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ خُذْهُ، وَالْكَلَامُ الْمُبْهَمُ إذَا تَعَقَّبَهُ تَفْسِيرٌ كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّفْسِيرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فَاعْمَلْ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ، وَاَلَّذِي وَصَلَ الْكَلَامَ الْمُبْهَمَ وَتَعَقَّبَهُ كَانَ تَفْسِيرًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّ " فِي " لِلظَّرْفِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْبَلْدَةُ ظَرْفًا إذَا حَصَلَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ فِيهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (بِخِلَافِ خُذْهُ) أَيْ الْمَالَ مُضَارَبَةً (وَاعْمَلْ بِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَقْيِيدٍ حَتَّى لَا يَضْمَنَ فِي الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ إذَا كَانَتْ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ فَتَكُونُ مَشُورَةً لَا شَرْطًا لِلْأَوَّلِ. وَالضَّابِطُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءً أَوْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ، كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَقَامَ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُبْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ وَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً كَمَا فِي اللَّفْظِ الْأَخِيرِ. (وَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِنَسِيئَةٍ) مُعَارَفَةً عِنْدَ التُّجَّارِ كَسَنَةٍ أَوْ دُونَهَا (مَا لَمْ يَكُنْ إجْلَالًا يَبِيعُ إلَيْهِ التُّجَّارُ) كَعِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَبِيعُ بِنَسِيئَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ يُوجِبُ قَصْرَ يَدِ الْمُضَارِبِ عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ دَفْعِهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَلَنَا أَنَّ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الرِّبْحِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالنَّسِيئَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالنَّقْدِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ بَاعَ) الْمُضَارِبُ (بِنَقْدٍ ثُمَّ أَخَّرَ) أَيْ الثَّمَنَ (صَحَّ إجْمَاعًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ

ثُمَّ يَبِيعَ نَسِيئَةً وَلَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ ثُمَّ الْبَيْعَ بِالنَّسَأِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (فِي التِّجَارَةِ) . وَفِي رِوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّفْعِ مُضَارَبَةً. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً مِنْ مَالِهَا) أَيْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ، مَعَ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ بِالتِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ، وَإِنْ كَانَ اكْتِسَابًا بِجِهَةٍ أُخْرَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ إذْ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْمَهْرَ وَسُقُوطَ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْءُ جَارِيَةِ الْمُضَارَبَةِ رَبِحَ أَوْ لَا وَأَذِنَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَا) يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ) أَيْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعِتْقُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ كَاشْتِرَاءِ ابْنِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بِسَبَبِ الْيَمِينِ كَقَوْلِهِ: إنْ مَلَكْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ حُصُولَ الرِّبْحِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ بِالْعِتْقِ، فَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ يُنَافِيهِ (فَإِنْ شَرَى) الْمُضَارِبُ بِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ (كَانَ) الشِّرَاءُ (لَهُ) أَيْ لِنَفْسِ الْمُضَارِبِ وَيَضْمَنُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (لَا لَهَا) أَيْ لَا يَكُونُ لِلْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ نَافِذٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ. (وَلَا) يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ (أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُضَارِبِ (إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ) لِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ، وَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ بِسَبَبِهِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَضَى بَيَانُهُ فِي الْعِتْقِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الرِّبْحِ هُنَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي جُمْلَةِ رَأْسِ الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَالُ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَأَعْتَقَهُمَا الْمُضَارِبُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ رِبْحٌ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَحَّ وَضَمِنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مِنْهُمَا وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا كَمَا فِي الْمِنَحِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (ضَمِنَ) أَيْ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ مُشْتَرًى لِنَفْسِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمَالِ (رِبْحٌ صَحَّ) شِرَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْمُضَارَبَةِ فَيَصِحُّ (فَإِنْ حَدَثَ رِبْحٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ) بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ حَتَّى صَارَتْ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (عَتَقَ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا قَرِيبَهُ (وَلَا يَضْمَنُ) لِرَبِّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهِ لِعَدَمِ صُنْعِهِ فِي زِيَادَتِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ (بَلْ يُسْعَى الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ (فِي) قِيمَةِ (نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ) مِنْهُ لِاحْتِبَاسِ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ

باب المضارب يضارب مع آخر

عِنْدَهُ. (وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِالنِّصْفِ أَمَةً بِأَلْفٍ، وَقِيمَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ (أَلْفٌ) فَوَطِئَهَا (فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَادَّعَاهُ) أَيْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْوَلَدَ حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا) أَيْ فِي حَالِ يَسَارِهِ (فَصَارَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ (أَلْفًا وَنِصْفَهُ) أَيْ خَمْسَمِائَةٍ (اسْتَسْعَاهُ) أَيْ الْغُلَامَ إنْ شَاءَ (رَبُّ الْمَالِ فِي أَلْفٍ وَرُبُعِهِ) أَيْ رُبُعِ الْأَلْفِ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ (أَوْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ الْغُلَامَ) إنْ شَاءَ (فَإِذَا قَبَضَ) رَبُّ الْمَالِ (الْأَلْفَ) مِنْ الْغُلَامِ (ضَمِنَ الْمُدَّعِي) أَيْ الْمُضَارِبُ (نِصْفَ قِيمَةِ الْأَمَةِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُضَارِبِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُلِدَ مِنْ النِّكَاحِ بِأَنْ زَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَهُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، لَكِنْ لَا تُقَيَّدُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَنَا لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا يَنْفُذُ دَعْوَتُهُ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ فَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ، ثُمَّ ظَهَرَ الرِّبْحُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ السَّابِقُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ، وَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ كَمَا إذَا أَخْبَرَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إخْبَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا كَمَا فِي الدُّرَرِ هَذَا. [بَابٌ الْمُضَارِب يُضَارِب مَعَ آخِر] بَابٌ يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ (الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ) مَعَ آخَرَ، مُضَارَبَةُ الْمُضَارِبِ مُرَكَّبَةٌ فَلِهَذَا أَخَّرَهَا عَنْ الْمُفْرَدِ (فَإِنْ ضَارَبَ الْمُضَارِبُ) أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً (بِلَا إذْنٍ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ (مَا لَمْ يَعْمَلْ) الْمُضَارِبُ (الثَّانِي) فِي الْمَالِ فَإِذَا عَمِلَ ضَمِنَ الدَّافِعُ رِبْحَ الثَّانِي أَوَّلًا (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) عَنْ الْإِمَامِ (وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ لَا يَضْمَنُ بِالْعَمَلِ أَيْضًا مَا لَمْ يَرْبَحْ) أَيْ الثَّانِي. وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ، تَصَرَّفَ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَالَهُ إلَى غَيْرِهِ بِلَا أَمْرٍ فَيَضْمَنُ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْإِيدَاعِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِنَفْسِهِ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ فَيُقَامُ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ حُصُولِهِ فِي صَيْرُورَةِ الْمَالِ مَضْمُونًا بِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ

الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً (وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ فَاسِدَةً فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْأَوَّلِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (رَبِحَ) الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا تَثْبُتُ الْمُضَارَبَةُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا شَرَطَا لَهُ (وَحَيْثُ ضَمِنَ) أَيْ حَيْثُ لَزِمَ الضَّمَانُ بِعَمَلِ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِالرِّبْحِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ (فَلِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ) بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا (فِي الْمَشْهُورِ) مِنْ الرِّوَايَةِ، أَيْ: خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُضَارِبَ الْأَوَّلَ رَأْسَ مَالِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لِقَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبْحَ وَلَا يُضَمِّنَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ كَالْمُودَعِ، وَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ، وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَيَطِيبُ لِلثَّانِي مَا رَبِحَ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَلَا خَبَثَ فِي الْعَمَلِ، وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ خَبَثٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فِي إيدَاعِ الْمُودَعِ) أَيْ يُضَمَّنُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَلَا يُضَمَّنُ الثَّانِي عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يُضَمَّنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُضَمَّنُ وَعِنْدَهُمَا يَتَخَيَّرُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لِلْإِمَامِ أَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ كَانَ يَقْبِضُهُ لِنَفْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا، أَمَّا الْمُضَارِبُ الثَّانِي فَيَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا. (وَإِنْ أَذِنَ) رَبُّ الْمَالِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ بِالدَّفْعِ إلَى آخَرَ (بِالْمُضَارَبَةِ فَضَارَبَ) الْمُضَارِبُ (بِالثُّلُثِ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ قِيلَ لَهُ) أَيْ وَكَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ: (مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، أَوْ) مَا رَزَقَ اللَّهُ (فَلِي نِصْفُهُ أَوْ مَا فَضَلَ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (فَنِصْفَانِ) فَعَمِلَ الثَّانِي وَرَبِحَ (فَنِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَثُلُثُهُ لِلثَّانِي) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي (وَسُدُسُهُ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً لِأَنَّهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَقَدْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَقَدْ جَعَلَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَهُ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ شَيْئًا، فَيَبْقَى لِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَيَطِيبُ ذَلِكَ لِكُلِّهِمْ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّهُ بِالْمَالِ وَهُمَا بِالْعَمَلِ. (وَإِنْ دَفَعَ) الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (بِالنِّصْفِ) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَنِصْفُهُ) أَيْ الرِّبْحِ (لِرَبِّ الْمَالِ وَنِصْفُهُ لِلثَّانِي) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي (وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ الرِّبْحِ فَانْصَرَفَ شَرْطُ الْأَوَّلِ النِّصْفَ لِلثَّانِي إلَى نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي بِالشَّرْطِ، وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ

لَمْ يَبْقَ لَهُ. (وَإِنْ شَرَطَ) الْأَوَّلُ (لِلثَّانِي الثُّلُثَيْنِ) أَيْ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (فَكَمَا شَرَطَ) يَعْنِي لِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ لِلْمُضَارِبِ وَلِلثَّانِي الثُّلُثَانِ (وَيَضْمَنُ) الْمُضَارِبُ (الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسًا) أَيْ سُدُسَ الرِّبْحِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ النِّصْفَ لِنَفْسِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَحَقَّ الْمُضَارِبُ الثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ بِشَرْطِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ شَرْطَهُ فَيَغْرَمَ لَهُ قَدْرَ السُّدُسِ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ لِالْتِزَامِهِ بِالْعَقْدِ. (وَإِنْ كَانَ قِيلَ لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ يَعْنِي قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ: (مَا رَزَقَك اللَّهُ - تَعَالَى - أَوْ مَا رَبِحْتَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَدَفَعَ) الْمُضَارِبُ لِآخَرَ مُضَارَبَةً (بِالثُّلُثِ) فَعَمِلَ الثَّانِي وَرَبِحَ (فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (ثُلُثُهُ) لِأَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ مَشْرُوطٌ لِلثَّانِي، وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ ثُلُثَانِ وَهُوَ مَرْزُوقٌ لِلْأَوَّلِ، فَنِصْفُ الثُّلُثَيْنِ هُوَ الثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى مَا شَرَطَ وَلَا يَبْقَى لِلْأَوَّلِ إلَّا الثُّلُثُ، وَيَطِيبُ لَهُمْ أَيْضًا. (وَإِنْ دَفَعَ) الْمُضَارِبُ لِآخَرَ مُضَارَبَةً (بِالنِّصْفِ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (فَلِلثَّانِي نِصْفُ) الرِّبْحِ (وَلِكُلٍّ مِنْ) الْمُضَارِبِ (الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ رُبُعُ) الرِّبْحِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إلَّا النِّصْفَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ شَرَطَ) الْمُضَارِبُ (لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ ثُلُثًا) مِنْ الرِّبْحِ (لِيَعْمَلَ) الْعَبْدُ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ (وَ) شَرَطَ (لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثًا) مِنْ الرِّبْحِ (وَلِنَفْسِهِ ثُلُثًا صَحَّ) ذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ وَالتَّسْلِيمَ مِنْ الْمَالِكِ سَوَاءٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً فَيَكُونُ مُنْفَرِدًا خُصُوصًا إذَا كَانَ مَأْذُونًا، وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ إذْنٌ لَهُ فَيَكُونُ حِصَّتُهُ لِلْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِلَّا فَهُوَ لِغُرَمَائِهِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى. قَوْلُهُ مَعَهُ عَادِيٌّ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ. قَيَّدَ بِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُضَارِبِ لَوْ شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شُرِطَ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ وَلَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ شُرِطَ عَمَلُهُ أَوْ لَا وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْعَاقِدِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَهَا الْمَأْذُونُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ، وَشَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِحَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَقَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ عَمَلِ الْعَبْدِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ مُفْسِدٌ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ عَمَلِ الْمُضَارِبِ مَعَ مُضَارَبَةِ أَوْ عَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَ الثَّانِي وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ لِلْحَجِّ أَوْ فِي الرِّقَابِ لَمْ يَصِحَّ، وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ شَرَطَ لِمَنْ شَاءَ الْمُضَارِبُ فَإِنْ شَاءَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ صَحَّ، وَإِنْ شَاءَ لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَتَبْطُلُ) الْمُضَارَبَةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ بِمَوْتِ الْمَالِكِ

أَوْ الْمُضَارِبِ لِكَوْنِهَا وَكَالَةً وَهِيَ تَبْطُلُ بِهِ وَلَا يُوَرَّثُ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِلِحَاقِ رَبِّ الْمَالِ) بِدَارِ الْحَرْبِ حَالَ كَوْنِهِ (مُرْتَدًّا) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - إذَا حُكِمَ بِلُحُوقِهِ مِنْ يَوْمِ ارْتَدَّ وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَمْ يَتَصَرَّفْ الْمُضَارِبُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَالِ إلَّا إذَا كَانَ مَتَاعًا أَوْ عُرُوضًا فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِيهِ جَائِزٌ حَتَّى يُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ. قَيَّدَ بِلُحُوقِهِ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ لُحُوقِهِ مُسْلِمًا فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِلُحُوقِهِ أَمَّا إذَا حُكِمَ فَلَا تَعُودُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَتْقَانِيِّ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ: تَعُودُ سَوَاءٌ حُكِمَ بِلِحَاقِهِ أَوْ لَا. (لَا) تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ (بِلِحَاقِ الْمُضَارِبِ) إجْمَاعًا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ إنَّمَا تَتَوَقَّفُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّوَقُّفِ فِي أَمْلَاكِهِ، وَلَا مِلْكَ لِلْمُضَارِبِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (وَلَا يَنْعَزِلُ) الْمُضَارِبُ (بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ رَبِّ الْمَالِ إيَّاهُ (مَا لَمْ يَعْلَمْ) الْمُضَارِبُ (بِهِ) أَيْ بِالْعَزْلِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِعَزْلِهِ (فَإِنْ عَلِمَ) الْمُضَارِبُ بِعَزْلِهِ (وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (بَيْعُهَا) أَيْ الْعُرُوضِ مُطْلَقًا لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الرِّبْحِ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِالنَّقْدِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا) أَيْ فِي ثَمَنِ الْعُرُوضِ الَّتِي بَاعَهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ لِلضَّرُورَةِ لِيَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ النَّقْدِ وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ حَقًّا فِي الرِّبْحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ كَانَ) مَالُ الْمُضَارَبَةِ (نَقْدًا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ مَالِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ حِينَ أَعْلَمَهُ بِعَزْلِهِ (لَا يَتَصَرَّفُ) الْمُضَارِبُ (فِيهِ) أَيْ النَّقْدِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَهُوَ مَعْزُولٌ (وَإِنْ) كَانَ الْمَالُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (تَبْدِيلُهُ بِجِنْسِهِ) أَيْ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَهُوَ مَعْزُولٌ وَمَعَهُ دَنَانِيرُ لَهُ بَيْعُهَا بِالدَّرَاهِمِ (اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ جِنْسِهِ فَكَانَ لَهُ تَبْدِيلُهُ بِجِنْسِهِ ضَرُورَةً. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُبَدِّلُ لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ. (وَلَوْ افْتَرَقَا) أَيْ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ بِالْفَسْخِ (وَ) كَانَ (فِي الْمَالِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُضَارِبَ (الِاقْتِضَاءُ) أَيْ مُطَالَبَةُ الدَّيْنِ شَرْعًا (إنْ كَانَ)

فصل في المتفرقات

فِيهِ (رِبْحٌ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَجْرَ فَعَلَيْهِ عَمَلُ الطَّلَبِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ (فَلَا) يَلْزَمُ الِاقْتِضَاءُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ (وَيُوَكِّلُ) الْمُضَارِبُ (الْمَالِكَ بِهِ) أَيْ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْعَاقِدُ، وَحُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِ الْمَالِكَ فِي الطَّلَبِ إذَا امْتَنَعَ كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يَدْفَعُ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ عَقَدَ مَعَهُ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ. (وَكَذَا) أَيْ مِثْلُ هَذَا حُكْمُ (سَائِرِ الْوُكَلَاءِ) فَإِنَّهُمْ إذَا امْتَنَعُوا عَنْ الِاقْتِضَاءِ يُوَكِّلُونَ الْمُلَّاكَ (، وَالْبَيَّاعُ) مَنْ بَاعَ النَّاسَ بِأَجْرٍ (وَالسِّمْسَارُ) بِالْكَسْرِ: الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ (يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاقْتِضَاءِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْإِجْبَارِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِأُجْرَةٍ عَادَةً فَجُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا التَّقَاضِي وَالِاسْتِيفَاءُ، لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِمَا بَدَلُ عَمَلِهِمَا فَصَارَ كَالْمُضَارِبِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ. (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ صُرِفَ إلَى الرِّبْحِ أَوَّلًا) دُونَ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ أَصْلٌ فَيَنْصَرِفُ الْهَالِكُ إلَى التَّابِعِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ إلَى الْعَفْوِ ابْتِدَاءً (فَإِنْ زَادَ) الْهَالِكُ (عَلَى الرِّبْحِ لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ) لِكَوْنِهِ أَمِينًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ لَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ فِي الْوَدِيعَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَالْمَالُ مَضْمُونٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الضَّمَانِ فِي الْكُلِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ فِيهَا. (فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ) أَيْ الْمُضَارِبُ وَالْمَالِكُ الرِّبْحَ (وَفُسِخَتْ) الْمُضَارَبَةُ (ثُمَّ عُقِدَتْ) الْمُضَارَبَةُ جَدِيدًا (فَهَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ) فِي يَدِ الْمُضَارِبِ (لَا يَتَرَادَّانِ) أَيْ الْمُضَارِبُ وَالْمَالِكُ (الرِّبْحَ) الْمَقْسُومَ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ، وَثُبُوتُ الثَّانِيَةِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ. (وَإِنْ اقْتَسَمَاهُ مِنْ غَيْرِ فَسْخِ) ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (تَرَادَّاهُ) أَيْ الْمُضَارِبُ وَالْمَالِكُ الرِّبْحَ الْمَقْسُومَ (حَتَّى يَتِمَّ رَأْسُ الْمَالِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ فَلَا يَسْلَمُ بِدُونِ سَلَامَةِ الْأَصْلِ (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ) مِنْ الرِّبْحِ بَعْدَمَا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ (اقْتَسَمَاهُ) أَيْ مَا فَضَلَ لِأَنَّهُ رِبْحٌ. (وَإِنْ لَمْ يَفِ) أَيْ رِبْحُ مَا هَلَكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ. [فَصْلٌ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ] ِ (وَلَا يُنْفِقُ الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهَا) أَيْ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (فِي مِصْرِهِ) الَّذِي

وَلَدَ فِيهِ (أَوْ فِي مِصْرٍ اتَّخَذَهُ دَارًا) أَيْ وَطَنًا إذْ لَا يَحْتَبِسُ فِيهِ لِعَمَلِ الْمُضَارَبَةِ بَلْ يَسْكُنُ فِيهِ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ قَيَّدَ بِاتَّخَذَهُ وَطَنًا لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مِصْرٍ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ وَطَنًا فَنَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. (وَلَا) يُنْفِقُ (فِي) الْمُضَارَبَةِ (الْفَاسِدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ (فَإِنْ سَافَرَ) الْمُضَارِبُ لِلتِّجَارَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ (فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ مِنْ مَالِهَا) أَيْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَالزَّوْجَةِ، فَإِذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِهِ فَتَجِبُ مُؤْنَتُهُ الرَّاتِبَةُ فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُ هَذَا الْإِنْفَاقِ فِي عُرْفِهِمْ إسْرَافًا. (وَكَذَا كِسْوَتُهُ) بِالْمَعْرُوفِ (وَرَكُوبُهُ شِرَاءً وَاسْتِئْجَارًا) ، وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الَّتِي يَرْكَبُهَا فِي سَفَرِهِ، وَحَوَائِجُهُ وَالرَّكُوبُ بِالْفَتْحِ الْمَرْكُوبُ. (وَكَذَا أُجْرَةُ خَادِمِهِ) أَيْ خَابِزُهُ وَطَابِخُهُ وَغَاسِلُ ثِيَابِهِ وَعَامِلُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ (وَفِرَاشٌ يَنَامُ عَلَيْهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ، وَخَادِمُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ ثَمَنُ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِثْلُ الْحُرْضِ وَالصَّابُونِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. (وَ) كَذَا (الدَّهْنُ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بِمَعْنَى الْأَدْهَانِ (فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الدَّهْنِ كَالْحِجَازِ، وَكَذَا أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ وَدَهْنُ السِّرَاجِ وَالْحَطَبِ وَإِنَّمَا قُلْنَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الثِّيَابِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَلَكِنْ فِي عَادَةِ التِّجَارَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَزْدَادَ رَغَبَاتُ النَّاسِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ وَلَا يَعُدُّونَهُمْ فِي عِدَادِ الْمَفَالِيسِ (وَضَمِنَ) الْمُضَارِبُ (مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الْعَادَةِ) لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ. (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (فِي مِصْرِهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُنْفِقُ الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهَا فِي مِصْرِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ لَكَانَ أَحْصَرَ (كَالدَّوَاءِ) ، فَإِنَّهُ مِنْ مَالِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النَّفَقَةِ دَائِمَةٌ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ، وَقَدْ لَا يَمْرَضُ فَلَا يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ فَيَكُونُ مِنْ مَالِهِ كَزَوْجَةٍ يَكُونُ دَوَاؤُهَا مِنْ مَالِهَا. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الدَّوَاءَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا بِهِ فَيَصِيرُ كَالنَّفَقَةِ (وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ كِسْوَةٍ وَغَيْرِهَا) كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ (إذَا قَدِمَ) مِنْ السَّفَرِ إلَى مَسْكَنِهِ (إلَى رَأْسِ الْمَالِ) لِانْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ بِانْتِهَاءِ السَّفَرِ (وَمَا دُونَ السَّفَرِ كَسُوقِ الْمِصْرِ) فِي كَوْنِ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ (إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْدُوَ وَيَبِيتَ فِي أَهْلِهِ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَتَّجِرُونَ فِي أَسْوَاقِ الْمِصْرِ وَيَبِيتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ مَعَ أَنَّ ذَهَابَهُمْ وَإِيَابَهُمْ لِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِمْ لَا لِلْغَيْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَغْدُوَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ (فَكَالسَّفَرِ) فِي كَوْنِ نَفَقَتِهِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا فِي مَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَهُ قَدْ صَارَ لِلْمُضَارَبَةِ يَقِينًا (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَبْضِعِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا) أَيْ مِنْ مَالِ الْبِضَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ

فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَلَا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ. (وَيُؤْخَذُ مَا أَنْفَقَهُ الْمُضَارِبُ مِنْ الرِّبْحِ أَوَّلًا) يُرِيدُ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَرَبِحَ يَأْخُذُ الْمَالِكُ مِنْ الرِّبْحِ مِقْدَارَ مَا أَنْفَقَهُ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِيُكْمِلَ رَأْسَ الْمَالِ (وَمَا فَضَلَ) مِنْ الرِّبْحِ (قُسِمَ) بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مَصْرُوفَةً إلَى الرِّبْحِ لَا إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرْبَحْ تَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. (وَإِنْ سَافَرَ) الْمُضَارِبُ (بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ) أَوْ خَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ (أَوْ) سَافَرَ (بِمَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَنْفَقَ بِالْحِصَّةِ) أَيْ تُوَزَّعُ النَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مِنْ الْمَالِ. (وَإِنْ بَاعَ) الْمُضَارِبُ (مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ مُرَابَحَةً حَسِبَ مَا أَنْفَقَهُ) أَيْ الْمُضَارِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَتَاعِ (مِنْ) أُجْرَةِ (حَمْلٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ التُّجَّارِ بِضَمِّهِ كَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَقَالَ قَامَ عَلِيٌّ بِكَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَتَعَارَفَ التُّجَّارُ إلْحَاقَهَا إلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَكَذَا يَضُمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ مَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِيهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ اعْتَقَدَهُ التُّجَّارَ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (لَا) يَحْسِبُ (نَفَقَةَ نَفْسِهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ فِي سَفَرِهِ إذَا بَاعَ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ. (وَلَوْ شَرَى مُضَارِبٌ بِالنِّصْفِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ بَزًّا وَبَاعَهُ) أَيْ الْبَزَّ (بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا عَبْدًا فَضَاعَا) أَيْ الْأَلْفَانِ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (قَبْلَ نَقْدِهِمَا) أَيْ أَلْفَيْنِ (يَغْرَمُ الْمُضَارِبُ رُبْعَهُمَا) أَيْ رُبْعَ الْأَلْفَيْنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ (وَ) يَغْرَمُ (الْمَالِكُ الْبَاقِيَ) وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا صَارَ أَلْفَيْنِ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَرُبْعُهُ لِلْمُضَارِبِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْمَالِكِ، ثُمَّ إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ ثَمَنِ الْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْعَبْدِ فَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمَالِكِ (وَرُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (لِلْمُضَارَبَةِ) ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَنَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا (وَرَأْسُ الْمَالِ) وَهُوَ جَمِيعُ مَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ (أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَرَّةً أَلْفًا وَأُخْرَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (وَلَا يَبِيعُهُ) أَيْ الْمُضَارِبُ الْعَبْدَ (مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ) وَلَا يَقُولُ: قَامَ عَلِيٌّ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ إذْ الشِّرَاءُ وَقَعَ بِأَلْفَيْنِ فَلَا تُضَمُّ الْوَضِيعَةُ الَّتِي وَقَعَتْ بِسَبَبِ الْهَلَاكِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ (فَلَوْ بِيعَ) الْعَبْدُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ ذَلِكَ (بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ) بَعْدَ رَفْعِ الْمُضَارِبِ حِصَّتَهُ وَهِيَ

الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ رُبْعَ الْعَبْدِ كَانَ رُبْعُهُ مِلْكَهُ خَاصَّةً فَالْأَلْفُ رُبْعُهُ لِكَوْنِ ثَمَنِهِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ مِنْهَا رَأْسَ الْمَالِ وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ (وَالرِّبْحُ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَالْمَالِكِ فَتَكُونُ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ. (وَلَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ لَا يَبِيعُهُ) الْمُضَارِبُ الْعَبْدَ (مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ) وَلَا يَقُولُ قَامَ عَلِيٌّ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَيَكُونُ بَيْعُ مَالِهِ بِمَالِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ. (وَلَوْ اشْتَرَى مُضَارِبٌ بِالنِّصْفِ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا يَعْدِلُ) أَيْ تُسَاوِي قِيمَتُهُ (أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ) ذَلِكَ الْعَبْدُ (رَجُلًا) قَتْلًا (خَطَأً) فَأُمِرَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، فَإِذَا دَفَعَا الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ انْتَهَتْ الْمُضَارَبَةُ بِهَلَاكِ مَالِهِمَا بِالدَّفْعِ بِلَا دَلِيلٍ، وَكَذَا إنْ فَدَيَا خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا خُرُوجُ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ فَلِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِي الْعَبْدِ بِالْفِدَاءِ فَصَارَ كَالْقِسْمَةِ وَأَمَّا خُرُوجُ حِصَّةِ الْمَالِكِ فَلِسَلَامَةِ الْحِصَّةِ مِنْهُ بِضَمَانِ الْفِدَاءِ (فَرُبْعُ الْفِدَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَبَاقِيهِ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (عَلَى الْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا فَكَذَا الْفِدَاءُ (وَإِذَا فُدِيَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ يَعْنِي إذَا فَدَيَا صَارَ الْعَبْدُ لَهُمَا وَلَكِنْ (خَرَجَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ) فَبَقِيَ أَرْبَاعًا (فَيَخْدُمُ) الْمُضَارِبَ (يَوْمًا وَالْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ بِحُكْمِ الْفِدَاءِ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ، وَلَوْ اخْتَارَ رَبُّ الْمَالِ الدَّفْعَ وَاخْتَارَ الْمُضَارِبُ الْفِدَاءَ مَعَ ذَلِكَ فَلَهُ الْفِدَاءُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا جَنَى خَطَأً لَا يَدْفَعُ بِهَا حَتَّى يَحْضُرَ الْمُضَارِبُ وَالْمَالِكُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِرْثُ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا لَا غَيْرُ لَا يَدْفَعُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ لِلدَّفْعِ دُونَ الْفِدَاءِ إلَّا إذَا أَبَى الْمُضَارِبُ الدَّفْعَ وَالْفِدَاءَ، وَقِيمَتُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَلِرَبِّ الْمَالِ دَفْعُهُ لِتَعَيُّنِهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَفِدَاءُ الْحَاضِرِ كَانَ مُتَطَوَّعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ فَلِهَذَا كَانَ إلَيْهِمَا. (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا وَهَلَكَ الْأَلْفُ قَبْلَ نَقْدِهِ) أَيْ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْبَائِعِ (دَفَعَ الْمَالِكُ الثَّمَنَ) يَعْنِي أَلْفًا آخَرَ (ثُمَّ) إذَا جَهَّزَ الْمَالِكُ أَلْفًا آخَرَ لِيَدْفَعَهُ، وَهَلَكَتْ قَبْلَ النَّقْدِ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَقْدًا آخَرَ (وَثُمَّ) كَذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى حَتَّى يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْأَمَانَةِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ (وَجَمِيعُ مَا دَفَعَ) الْمَالِكُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ (رَأْسُ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ دُونَ اسْتِيفَاءٍ

لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانَةِ يُنَافِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَضْيِيعُ حَقِّ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِرَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ هَلَاكِ الثَّمَنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ اسْتِيفَاءً فَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَرَّةً أُخْرَى. (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ أَلْفَانِ فَقَالَ) الْمُضَارِبُ لِرَبِّ الْمَالِ (دَفَعْت إلَيَّ أَلْفًا وَرَبِحْتُ أَلْفًا، وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ دَفَعْت إلَيْك أَلْفَيْنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) . وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي الرِّبْحَ وَالشَّرِكَةَ فِيهِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَقْبُوضِ، وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ لِلْقَابِضِ وَلَوْ ضَمِينًا اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا، فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ. (وَلَوْ اخْتَلَفَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي رَأْسِ الْمَالِ (فِي قَدْرِ الرِّبْحِ فَلِمَالِكٍ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ فَضْلٍ قُبِلَتْ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَادَةَ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ فِي دَعْوَاهُ الزِّيَادَةَ فِي الرِّبْحِ. (وَلَوْ قَالَ: مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ قَدْ رَبِحَ فِيهَا) الْجُمْلَةُ حَالٌ، أَوْ صِفَةُ أَلْفٍ (هِيَ مُضَارَبَةُ زَيْدٍ، وَقَالَ زَيْدٌ بَلْ بِضَاعَةٌ) أَبْضَعْته لَك (فَالْقَوْلُ لِزَيْدٍ) ؛ لِأَنَّ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَقْوِيمَ عَمَلِهِ أَوْ شَرْطًا مِنْ جِهَتِهِ أَوْ الشَّرِكَةَ فِي مَالِهِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ: هِيَ قَرْضٌ وَقَالَ زَيْدٌ) : بَلْ (بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ) يَكُونُ الْقَوْلُ لِزَيْدٍ وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ وَالْبَيِّنَةُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَمْلِيكَ الرِّبْحِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْقَرْضَ وَالْمُضَارِبُ الْمُضَارَبَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ وَهُوَ يُنْكِرُ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلضَّمَانِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ) لِرَبِّ الْمَالِ (أَطْلَقْتَ وَقَالَ الْمَالِكُ عَيَّنْتُ نَوْعًا) مِنْ التِّجَارَةِ (فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ، وَالتَّخْصِيصُ يَصِيرُ لِعَارِضِ الشَّرْطِ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ مَنْ أَقَامَهَا، فَإِنْ أَقَامَاهَا، فَإِنْ وَقَّتَا وَقْتًا قَبْلَ صَاحِبِهَا يَقْضِي بِالْمُتَأَخِّرَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا أَوْ وَقَّتَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ وَقَّتَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى قَضَى بِبَيِّنَةِ رَبِّ الْمَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ (نَوْعًا) مُغَايِرًا لِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ (فَلِلْمَالِكِ) أَيْ الْقَوْلُ لِلْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى التَّخْصِيصِ، وَالْإِذْنُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ، وَلَوْ وَقَّتَ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ آخَرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَيَلْزَمُهَا نَفْيُ الضَّمَانِ فَأَقَامَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ

كتاب الوديعة

اللَّازِمَ مَقَامَ الْمَلْزُومِ. وَفِي الْمِنَحِ وَإِنْ لَمْ يُوَقِّتَا، أَوْ وَقَّتَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ وَقَّتَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَدَّعِي الْعُمُومَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. [كِتَاب الْوَدِيعَة] ِ لَا خَفَاءَ فِي اشْتِرَاكِهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيُخْتَمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيُكْتَبُنَّ مَعَ الْغَافِلِينَ» أَيْ عَنْ تَرْكِهَا يُقَالُ لَهُ مُودَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ وَلِتَارِكِهَا مُودِعٌ بِكَسْرِهَا. وَفِي الشَّرِيعَةِ (الْإِيدَاعُ تَسْلِيطُ الْمَالِكِ غَيْرَهُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ) صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ انْفَتَقَ زِقُّ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ فَقَدْ الْتَزَمَ حِفْظَهُ دَلَالَةً، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَمْ يَذُقْ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ (الْوَدِيعَةُ مَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ لِلْحِفْظِ) مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ: أَوْدَعْتُك هَذَا الْمَالَ أَوْ كِنَايَةً كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ: أَعْطِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ رَجُلٌ: أَعْطِنِيهِ فَقَالَ: أَعْطَيْتُك فَهَذَا عَلَى الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ أَوْ فِعْلًا كَمَا لَوْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَهُوَ إيدَاعٌ أَمَّا لَوْ قَالَ: لَمْ أَقْبَلْهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا يُعَارَضُ بِالصَّرِيحِ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُودَعِ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ: قَبِلْتهَا وَنَحْوِهِ، أَوْ دَلَالَةً كَمَا لَوْ سَكَتَ عِنْدَ وَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ وَضَعَ كِتَابَهُ عِنْدَ قَوْمٍ فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ ضَمِنُوا إذَا ضَاعَ، وَإِنْ قَامَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ ضَمِنَ الْأَخِيرُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلْحِفْظِ فَتَعَيَّنَ الضَّمَانُ، وَلِهَذَا لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الْحَمَّامِ بِمَرْأَى الثِّيَابِيِّ كَانَ إيدَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَكُونُ الْحَمَّامِيُّ مُودَعًا مَا دَامَ الثِّيَابِيُّ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْحَمَّامِيُّ مُودَعٌ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْخَانِ: أَيْنَ أَرْبِطُهَا فَقَالَ هُنَاكَ كَانَ إيدَاعًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَبِسَ ثَوْبًا بِمَرْأَى الثِّيَابِيِّ فَظَنَّ الثِّيَابِيُّ أَنَّهُ ثَوْبُهُ، فَإِذَا هُوَ ثَوْبُ الْغَيْرِ ضَمِنَ هُوَ الْأَصَحُّ. وَلَوْ نَامَ الْحَمَّامِيُّ وَسُرِقَ الثَّوْبُ إنْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ الطَّيْرَ الْآبِقَ فِي الْهَوَاءِ وَالْمَالَ السَّاقِطَ فِي الْبَحْرِ

لَا يَصِحُّ. وَكَوْنُ الْمُودَعِ مُكَلَّفًا شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحِفْظِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا فَاسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا ضَمِنَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ كَانَ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ ضَمِنَ عَاقِلَةَ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ، وَخُيِّرَ مَوْلَى الْعَبْدِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ، وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَوُجُوبُ أَدَائِهِ عِنْدَ طَلَبِ مَالِكِهِ وَشَرْعِيَّةُ الْإِيدَاعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهَا وَبِالسُّنَّةِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُودِعُ وَيُسْتَوْدَعُ» وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ قَبُولَ الْوَدِيعَةِ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» (وَهِيَ) أَيْ الْوَدِيعَةُ (أَمَانَةٌ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ خَاصَّةٌ وَالْأَمَانَةَ عَامَّةٌ، وَحَمْلُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ صَحِيحٌ دُونَ الْعَكْسِ كَمَا يُقَالُ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ وَلَا يُقَالُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ فَالْوَدِيعَةُ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبِ إنْسَانٍ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ، وَفِي الْوَدِيعَةِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ، وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ بَعْدَ الْخِلَافِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَاهُمَا الْقَصْدُ وَفِي الْأُخْرَى عَدَمُهُ كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ لَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ قَصْدٍ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَالْأَمَانَةُ مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَوْنُهَا بِلَا اعْتِبَارِ قَصْدٍ لَا إنَّ عَدَمَ الْقَصْدِ مُعْتَبَرٌ فِيهَا حَتَّى يَلْزَمَ التَّبَايُنُ بَلْ هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ، وَالْأَمَانَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْقَصْدِ وَبِغَيْرِهِ تَدَبَّرْ وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ التَّسْلِيطُ عَلَى الْحِفْظِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعَقْدِ، وَالْأَمَانَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمَانَةَ مُبَايِنَةٌ لِلْوَدِيعَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْحِفْظِ فِعْلُ الْمُودِعِ، وَهُوَ الْمَعْنَى، وَالْأَمَانَةُ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ فَيَكُونَانِ مُتَبَايِنَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْوَدِيعَةُ مَا تُتْرَكُ عِنْدَ الْأَمِينِ كَمَا فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ. (فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ (بِالْهَلَاكِ)) سَوَاءٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْ لَا هَلَكَ مَعَهَا لِلْمُودَعِ شَيْءٌ أَوْ لَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَلِأَنَّ شَرْعِيَّتَهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، وَلَوْ ضَمِنَهَا الْمُودَعُ امْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَعْطِيلُ الْمَصَالِحِ ، وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ، وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الدُّرَرِ فَقَالَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُودَعُ مُجْهِلًا أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَتُضْمَنُ، وَكَذَا الْأُمَنَاءُ أَيْ كُلُّ أَمِينٍ مَاتَ مُجْهِلًا لِحَالِ الْأَمَانَةِ يَضْمَنُ إلَّا مُتَوَلِّيًا أَخَذَ الْغَلَّةَ، وَمَاتَ مُجْهِلًا، وَسُلْطَانًا أَوْدَعَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ وَمَاتَ مُجْهِلًا أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ، وَقَاضِيًا أَوْدَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَمَاتَ مُجْهِلًا بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ انْتَهَى لَكِنَّ الْأَوْلَى الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَوْدَعَ

بَعْضَ الْغَنِيمَةِ بَعْضَ النَّاسِ لَكِنَّ الِانْحِصَارَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا يَلِيقُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْأَبُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْوَارِثُ مُجْهِلًا مَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ مُجْهِلًا لِمَا أُودِعَ عِنْدَهُ مَحْجُورًا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ. (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (بِنَفْسِهِ) فِي دَارِهِ، وَمَنْزِلِهِ وَحَانُوتِهِ، وَلَوْ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً (وَعِيَالِهِ) مِنْ زَوْجَتِهِ، وَوَلَدِهِ وَوَالِدَيْهِ وَأَجِيرِهِ لِلْمُسَاكَنَةِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ حَفِظَتْ الزَّوْجَةُ الْوَدِيعَةَ بِزَوْجِهَا فَضَاعَتْ لَا تَضْمَنُ الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّهُ سَاكِنٌ مَعَهَا بِلَا نَفَقَةٍ مِنْهَا وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَيْهِ، وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ دُونَ الْأَجِيرِ الْمُيَاوَمَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَشْهَبَ الْمَالِكِيِّ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ وَشَرْطُ كَوْنِ مَنْ فِي عِيَالِهِ أَمِينًا، فَلَوْ دَفَعَ إلَى زَوْجَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ أَمِينَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِذَلِكَ أَوْ تَرَكَهَا فِي بَيْتِهِ الَّذِي فِيهِ وَدَائِعُ النَّاسِ، وَذَهَبَ فَضَاعَتْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُودَعِ (السَّفَرُ بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ) عَنْ الْمَالِكِ (وَالْخَوْفِ) عَلَى الْوَدِيعَةِ بِالْإِخْرَاجِ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ أَمِينًا لَا يَقْصِدُ أَحَدٌ بِسُوءٍ غَالِبًا فِيهِ، وَلَوْ قَصَدَهُ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرُفْقَتِهِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُطْلَقٌ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: احْفَظْهَا فِي هَذَا الْمِصْرِ وَلَا تُخْرِجْهَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ سَفَرًا لَهُ بُدٌّ مِنْهُ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ سَفَرًا لَا بُدَّ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَرْكُهَا فِي أَهْلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَيَضْمَنُ لَوْ سَافَرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ إجْمَاعًا (خِلَافًا لَهُمَا فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ صَاحِبِهَا أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَقَيَّدُ لَكِنْ قِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهَا بَعِيدًا كَانَ أَوْ قَرِيبًا فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ. (فَإِنْ حَفِظَهَا) أَيْ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ (بِغَيْرِهِمْ) أَيْ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ فَضَاعَتْ (ضَمِنَ) الْمُودَعُ أَوْ ذَلِكَ الْغَيْرُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرٍ، وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْمُودَعُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ، وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ. وَفِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ هَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ (إلَّا إذَا خَافَ) الْمُودَعُ (الْحَرْقَ) بِأَنْ وَقَعَتْ نَارٌ الْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي دَارِهِ فَخَافَ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ (أَوْ) خَافَ (الْغَرَقَ)

كَذَلِكَ (فَدَفَعَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (إلَى جَارِهِ) فِي صُورَةِ الْحَرْقِ (أَوْ) دَفَعَهَا (إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى) فِي صُورَةِ الْغَرَقِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ دَلَالَةً وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: امْرَأَةٌ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ وَعِنْدَهَا وَدِيعَةٌ فَدَفَعَتْهَا إلَى جَارَةٍ لَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ وَفَاتِهَا بِحَضْرَتِهَا أَحَدٌ مِنْ عِيَالِهَا لَا يَضْمَنُ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى، وَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا بِأَنْ وَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَفِي الْمِنَحِ إنْ ادَّعَى الْمُودَعُ التَّسْلِيمَ إلَى جَارِهِ أَوْ إلَى فُلْكٍ آخَرَ صُدِّقَ إنْ عُلِمَ وُقُوعُهُ أَيْ الْغَرَقِ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَا يُصَدَّقُ. (فَإِنْ طَلَبَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (رَبُّهَا فَحَبَسَهَا) أَيْ حَبَسَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ. (وَ) الْحَالُ (هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (صَارَ غَاصِبًا) فَيَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِمَنْعِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ بَعْدَهُ فَيَضْمَنُهَا بِحَبْسِهِ عَنْهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَرَدَّهَا فَقَالَ لَمْ أَقْدِرْ أَنْ أَحْضُرَ هَذِهِ السَّاعَةَ فَتَرَكَهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرْكِ صَارَ مُودِعًا ابْتِدَاءً وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَرَدَّهَا فَقَالَ: اُطْلُبْهَا غَدًا فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ: هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ: اُطْلُبْهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ وَقْتَ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يَرُدَّهَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ بِأَنْ كَانَ مَدْفُونًا مَعَ مَالِهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَكَذَا) يَضْمَنُ إنْ هَلَكَتْ (لَوْ) طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَ (جَحَدَهُ) أَيْ جَحَدَ عِنْدَ مَالِكِهَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ بِقَرِينَةِ مُقَابِلِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَحْدِهَا عِنْدَ غَيْرِهِ (إيَّاهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ بِأَنْ قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْجُحُودِ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَبِ ارْتَفَعَ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ فَصَارَ غَاصِبًا بَعْدَهُ (بِخِلَافِ جَحْدِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (عِنْدَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُودَعِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ، وَلَنَا أَنَّ إنْكَارَهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ كَانَ لِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ طَمَعِ طَامِعٍ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ حَضْرَتِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَك لِيَشْكُرَ عَلَى حِفْظِهَا فَجَحَدَهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِلَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَهَا مِنْهُ أَوْ بَاعَهَا لَهُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا، ثُمَّ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِلَى أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مَنْقُولًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَقَارًا لَا يَضْمَنُ بِالْجُحُودِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبَحْرِ هَذَا إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَكَانِهَا وَقْتَ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ مَكَانِهَا حَالَ جُحُودِهِ فَهَلَكَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: وَلَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ ادَّعَى رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَبَرْهَنَ عَلَى الرَّدِّ قَبْلَ بُرْهَانِهِ وَبَرِئَ

مِنْهَا قَبْلَ الْجُحُودِ، وَقَالَ: غَلِطْت فِي الْجُحُودِ أَوْ نَسِيت أَوْ ظَنَنْت أَنِّي دَفَعْتهَا، وَأَنَا صَادِقٌ فِي قَوْلِي لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي، فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُقْبَلُ فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ لَوْ قَالَ: لَمْ يَسْتَوْدِعْنِي، ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ وَالْهَلَاكَ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، ثُمَّ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ يُصَدَّقُ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ خَلَطَهَا) أَيْ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ (بِمَالِهِ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ إنْ خَلَطَهَا بِإِذْنِهِ كَانَ شَرِيكًا فِيهَا (بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ، فَإِنْ) خَلَطَهَا (بِجِنْسِهَا) كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَائِعِ وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ فِي الْمَائِعِ (ضَمِنَ) الْمُودَعُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا، وَإِذَا ضَمِنَهَا مَلَكَهَا (وَانْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْوَدِيعَةِ (فِي الْمَائِعِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ) لَكِنْ قَالُوا: لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ قَيَّدَ بِكَوْنِ الْمُودَعِ هُوَ الْخَالِطَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مَنْ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَلَا يَضْمَنُ أَبُوهُ لِأَجْلِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَعِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَائِعِ لِلْمَالِكِ أَنْ يُشْرِكَهُ إنْ شَاءَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ آخَرَ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ وُصُولُ الْمَالِكِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ حُكْمًا بِالْقِسْمَةِ إذْ الْقِسْمَةُ فِيمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ إفْرَازٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَلَهُ أَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْمَالِكِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ حَقِيقَةً فَيَنْقَطِعُ مِلْكُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَخْلُوطِ، وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ بِمُوَصِّلَةٍ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ بَلْ وَسِيلَةٌ إلَى الِانْقِطَاعِ ضَرُورَةً. (وَكَذَا) لِلْمَالِكِ أَنْ يُشْرِكَهُ (فِي الْمَائِعِ) إنْ شَاءَ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ فِيهِ) اعْتِبَارًا لِلْغَائِبِ إجْزَاءً. وَفِي التَّسْهِيلِ اعْتِرَاضٌ فَلْيُطَالَعْ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْخَلْطِ بِالْجِنْسِ لَا يَضْمَنُ (وَإِنْ) خَلَطَهَا (بِغَيْرِ جِنْسِهَا كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ وَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ ضَمِنَ) الْمُودَعُ (وَانْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِهْلَاكٌ حَقِيقَةً فَيُوجِبُ الضَّمَانَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ خَلَطَ عَلَى وَجْهٍ تَتَمَيَّزُ لَمْ يَضْمَنْ. (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ) الْوَدِيعَةُ بِمَالِ الْمُودَعِ (بِلَا صُنْعِهِ) أَيْ الْمُودَعِ (اشْتَرَكَا) أَيْ الْمُودِعُ وَالْمُودَعُ (إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَلَمْ يُوجَدْ وَكَانَتْ شَرِكَةَ مِلْكٍ فَالْهَالِكُ مِنْ مَالِهِمَا فَلَمْ يَضْمَنْ. (وَإِنْ تَعَدَّى) الْمُودَعُ (فِيهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (بِأَنْ كَانَتْ) الْوَدِيعَةُ (ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ) فَهَلَكَتْ (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مَعْنًى (فَإِنْ أَزَالَ التَّعَدِّيَ) بِأَنْ تَرَكَ اللُّبْسَ أَوْ الرُّكُوبَ أَوْ الِاسْتِخْدَامَ سَلِيمًا (زَالَ الضَّمَانُ) ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَزُولُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ بِالتَّعَدِّي فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَلَنَا أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا يُنَافِيهِ وَالِاسْتِعْمَالُ لَا يُنَافِي الْإِيدَاعَ، وَلِذَا صَحَّ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ مَعَ الِاسْتِعْمَالِ ابْتِدَاءً، فَإِذَا زَالَ عَادَ حُكْمُ الْعَقْدِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى التَّعَدِّي حَتَّى لَوْ نَزَعَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ لَيْلًا

وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ نَهَارًا، ثُمَّ سُرِقَ لَيْلًا لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ. وَفِي الْمِنَحِ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي الْعَوْدِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ (بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ) لِلْعَيْنِ إذَا تَعَدَّيَا، ثُمَّ أَزَالَاهُ يَزُولُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُمَا كَانَ لِأَنْفُسِهِمَا لِاسْتِيفَائِهِمَا الْمَنَافِعَ عَنْهَا فَبِإِزَالَةِ التَّعَدِّي عَنْ الْعَيْنِ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ، فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ حُكْمًا لِكَوْنِهِ عَامِلًا لَهُ فِي الْحِفْظِ خِلَافًا لِزُفَرَ اعْتِبَارًا الْوَدِيعَةِ. (وَكَذَا) زَالَ الضَّمَانُ (لَوْ أَوْدَعَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا) لِمَا مَرَّ. (وَإِنْ أَنْفَقَ) الْمُودَعُ (بَعْضَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (فَهَلَكَ الْبَاقِي ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ فَقَطْ) وَلَا يَضْمَنُ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِقَدْرِ الْخِيَانَةِ، وَقَدْ خَانَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ فِي الْإِنْفَاقِ بِيَمِينِهِ. (وَإِنْ رَدَّ مِثْلَهُ وَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ) ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ مَالَ غَيْرِهِ بِمَالِهِ فَيَكُونُ اسْتِهْلَاكًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ شَرَكَهُ، وَإِنْ شَاءَ يَضْمَنُ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فَقَطْ، قَيَّدَ بِالْإِنْفَاقِ وَرَدِّ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ لِيُنْفِقَهُ فِي حَاجَتِهِ فَرَدَّهُ إلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ ضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (فَرَبِحَ يَتَصَدَّقُ بِهِ) أَيْ بِالرِّبْحِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ) الرِّبْحُ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ أَوْ سَلَّمَ عَيْنَهَا بِأَنْ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَدَفَعَ إلَى مَالِكِهَا وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ بُيِّنَ فِي الْبَيْعِ. (وَإِنْ أَوْدَعَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ شَيْئًا لَا يَدْفَعُ) الْوَاحِدُ (إلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ إلَى أَحَدِ الِاثْنَيْنِ (حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ الْآخَرِ) ، فَإِنْ دَفَعَ ضَمِنَ نِصْفَهُ إنْ هَلَكَ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرَ مِثْلِيٍّ فِي الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّفْعَ يُوجِبُ الْقِسْمَةَ، وَالْمُودَعُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ لَا بِالْقِسْمَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) فِي الْمِثْلِيِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ غَالِبٌ كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ غَالِبٌ، وَلِذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ فِيهِ وَيَجُوزُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ حَتَّى لَوْ خَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَأْمُرْهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ إلَيْهِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ قِسْمَةً اتِّفَاقًا حَتَّى إذَا هَلَكَ الْبَاقِي رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخِذِ بِحِصَّتِهِ وَإِلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْهَا إذَا ظَفِرَ بِهَا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ وَارْتَكَبَ الْمَمْنُوعَ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَإِنْ أَوْدَعَ) وَاحِدٌ (عِنْدَ اثْنَيْنِ مَا يُقْسَمُ) أَيْ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (اقْتَسَمَاهُ) أَيْ الْمُودَعَانِ (وَحَفِظَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (حِصَّتَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى

حِفْظِهِمَا وَحِفْظِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلنِّصْفِ دَلَالَةً، وَالثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ (فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا) كُلَّهُ (إلَى الْآخَرِ ضَمِنَ الدَّافِعُ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَكَذَا الْمُرْتَهِنَانِ وَالْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فِعْلَ الِاثْنَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يَقْبَلُ التَّجَزِّي تَنَاوَلَ الْبَعْضَ لَا الْكُلَّ، فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ إلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِهِ يَضْمَنُ (لَا) يَضْمَنُ (الْقَابِضُ) ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ (وَعِنْدَهُمَا لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (حِفْظُ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْوَدِيعَةِ (بِإِذْنِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ الْآخَرَ وَلَا يَضْمَنُهُ. (وَإِنْ) كَانَ مَا أُودِعَ عِنْدَ الِاثْنَيْنِ (مِمَّا لَا يُقْسَمُ) أَيْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ كَالْعَبْدِ أَوْ مِمَّا يَتَعَيَّبُ بِالْقِسْمَةِ كَالثَّوْبِ (حَفِظَهُ) أَيْ مَا لَا يُقْسَمُ (أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِثُبُوتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي الْكُلِّ. (وَإِنْ نَهَى) أَيْ نَهَى الْمَالِكُ الْمُودَعَ (عَنْ دَفْعِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (إلَى عِيَالِهِ فَدَفَعَ) الْمُودَعُ (إلَى مَنْ) نَهَاهُ، وَكَانَ (لَهُ مِنْهُ بُدٌّ) وَعَدَمُ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ كَدَفْعِهِ الْخَاتَمَ إلَى عَبْدِهِ مَعَ أَنَّ لَهُ أَهْلًا سِوَاهُ (ضَمِنَ) إنْ هَلَكَ. (وَإِنْ) دَفَعَهَا (إلَى مَنْ لَا بُدَّ) أَيْ لَا فِرَاقَ (لَهُ مِنْهُ كَدَفْعِ الدَّابَّةِ إلَى عَبْدِهِ، وَ) كَدَفْعِ (شَيْءٍ يَحْفَظُهُ النِّسَاءُ إلَى زَوْجَتِهِ لَا يَضْمَنُ) إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ مِمَّا يُحْفَظُ بِيَدِهِ أَوْ بِأَيْدِي عِيَالِهِ فِي بَيْتِهِ فَنَهْيُ الْمَالِكِ يُعْتَبَرُ إنْ كَانَ النَّهْيُ مُفِيدًا وَإِلَّا يُعْتَبَرُ الْحِفْظُ الْمَطْلُوبُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا تَدْفَعْ إلَى فُلَانٍ مِنْ عِيَالِك، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ سِوَاهُ لَمْ يَصِحَّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّفْعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ غَيْرُهُ فَدَفَعَهُ إلَى مَنْ نُهِيَ عَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ ضَمِنَ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَوْ كَانَ الْآخَرُ دُونَ الْأَوَّلِ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِنْ أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الْمَالِكُ الْمُودَعَ (بِحِفْظِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (فِي بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارِ) الْمُودَعِ (فَحَفِظَهَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ حَفِظَ الْمُودَعُ فِي بَيْتٍ آخَرَ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَكَانَتْ بُيُوتُ الدَّارِ مُسْتَوِيَةً فِي الْحِفْظِ (لَا يَضْمَنُ) الْمُودَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَلَا يُعْتَبَرُ الشَّرْطُ (إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ (خَلَلٌ ظَاهِرٌ) بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْبَيْتَانِ عَظِيمَةً، وَالْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنْ الْحِفْظِ فِيهِ مَكْشُوفٌ يُتَخَوَّفُ مِنْهُ، فَإِنَّ الشَّرْطَ مُعْتَبَرٌ حِينَئِذٍ فَيَضْمَنُ لِكَوْنِ الْمُعَيَّنِ أَحْرَزَ مِنْ الْآخَرِ. (وَإِنْ أُمِرَ بِحِفْظِهَا فِي دَارٍ فَحَفِظَ فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الدَّارِ (ضَمِنَ) لِتَفَاوُتِ الدَّارَيْنِ فِي الْأَغْلَبِ فَيُقَيَّدُ بِأَمْرِهِ. (وَلَوْ أَوْدَعَ الْمُودَعُ) غَيْرَهُ (فَهَلَكَتْ) الْوَدِيعَةُ (ضَمِنَ) الْمُودَعُ (الْأَوَّلُ فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ إذْ بِالدَّفْعِ لَا يَكُونُ ضَمِينًا مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ، فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ اللَّازِمَ بِالْتِزَامٍ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِهِ

وَالثَّانِي مُدَاوِمٌ عَلَى الْحِفْظِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فِي هَلَاكِ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ (وَعِنْدَهُمَا) ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (ضَمِنَ أَيًّا شَاءَ) أَيْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِي التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَائِنٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الثَّانِي بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَالثَّانِيَ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَإِنْ ضَمِنَ) الْمَالِكُ الْمُودَعَ (الثَّانِيَ رَجَعَ) أَيْ الثَّانِي (عَلَى الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ (لَا) يَرْجِعُ (بِالْعَكْسِ) أَيْ ضَمِنَ الْمَالِكُ الْمُودَعَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أُودِعَ مِلْكَ نَفْسِهِ. (وَلَوْ أَوْدَعَ الْغَاصِبُ) الْمَغْصُوبَ عِنْدَ غَيْرِهِ (ضَمِنَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (أَيًّا شَاءَ) مِنْ الْغَاصِبِ وَمُودَعِهِ (إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي التَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ، فَكَذَا بَقَاءً، ثُمَّ مُودَعُ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُودِعَ غَاصِبٌ فَضَمِنَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. (وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ بِأَخْذِ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ اتِّفَاقًا (شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ) أَيْ أَتْلَفَ الْعَبْدُ ذَلِكَ الشَّيْءَ (ضَمِنَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. (وَإِنْ) أَوْدَعَ (عِنْدَ صَبِيٍّ) يَعْقِلُ (فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا) لَا حَالٌّ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ اسْتَحْفَظَ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلِ الْتِزَامِ الْحِفْظِ أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ أَصْلًا فَصَارَ الْمَالِكُ كَأَنَّهُ أَذِنَ بِإِتْلَافِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَالْتِزَامُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى نَظَرًا فَلَا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَصَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا فَيَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا مَرَّ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنَانِ) أَيْ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ (لِلْحَالِّ) فَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَحْجُورِيَّتَهما فِي الْأَقْوَالِ فَقَطْ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَا عَيْنًا قَبْلَ الْإِيدَاعِ يَضْمَنَانِ هَذَا بِإِتْلَافِهِمَا، أَمَّا لَوْ تَلِفَتْ فِي أَيْدِيهِمَا لَا يَضْمَنَانِ اتِّفَاقًا، وَلَوْ أَتْلَفَا مَا أُودِعَ عِنْدَ الْأُبَابِ، وَالْمَوْلَى يَضْمَنَانِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا عِنْدَ صَبِيٍّ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُحِيطِ ظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا بَلْ الْخِلَافُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِقْرَاضُ وَالْإِعَارَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدُ الْوَدِيعَةَ إلَى مِثْلِهِ) أَيْ إلَى عَبْدٍ مَحْجُورٍ (فَهَلَكَتْ) عِنْدَ الثَّانِي (ضَمِنَ الْأَوَّلُ) أَيْ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْعَبْدَ الدَّافِعَ (بَعْدَ الْعِتْقِ) فَلَا يُضَمِّنُ الثَّانِيَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ضَمَّنَ أَيُّهُمَا شَاءَ لِلْحَالِّ) أَيْ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِي التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتْلِفٌ بِالدَّفْعِ، وَالثَّانِيَ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهِ بِلَا إذْنٍ كَمَا مَرَّ آنِفًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ فَبَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي إيدَاعِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ. (وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَلِلْحَالِّ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ فِعْلٍ

كتاب العارية

بِقَبْضِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَزِمَهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا دَفَعَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ إلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ وَدِيعَةً وَضَاعَ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ قَبْلَ الْعِتْقِ اتِّفَاقًا. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الثَّانِيَ يُضَمَّنُ بَعْدَ الْعِتْقِ. (وَمَنْ مَعَهُ أَلْفُ) دِرْهَمٍ (فَادَّعَى كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ اثْنَيْنِ إيدَاعَهَا) أَيْ الْأَلْفِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مَنْ ادَّعَى (فَنَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (لَهُمَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ بَعْدَ أَنْ اسْتَحْلَفَاهُ (فَهِيَ) أَيْ الْأَلْفُ (لَهُمَا) لِلِاثْنَيْنِ (وَضَمِنَ لَهُمَا) أَيْ لِلِاثْنَيْنِ (مِثْلَهَا) أَيْ مِثْلَ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا صَحِيحَةٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قَضَى بِهِ لِمَنْ نَكَلَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا قَضَى بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلْفٌ أُخْرَى لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ أَيُّهُمَا شَاءَ بِالتَّحْلِيفِ، وَالْأَوْلَى الْقُرْعَةُ وَفِي التَّحْلِيفِ لِلثَّانِي يَقُولُ: بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الْعَيْنُ لَهُ وَلَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوْلَى ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهَا لَهُ فَلَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ بِهَا لِلثَّانِي فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ لَكَانَ صَادِقًا. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ: أَوْدَعَنِيهَا أَحَدُكُمَا، وَلَا أَدْرِي أَيُّكُمَا، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَخْذِهَا بَيْنَهُمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الصُّلْحِ وَإِلَّا فَإِنْ ادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ أَخْذَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ قَطَعَ دَعْوَاهُمَا، وَإِنْ نَكَلَ فَكَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْأَلْفُ لِهَذَا وَلِهَذَا. وَفِي التَّنْوِيرِ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا، وَقَالَ: ادْفَعْهَا الْيَوْمَ إلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَدْفَعْهَا حَتَّى ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: احْمِلْ إلَيَّ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ: افْعَلْ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ قَالَ لِلْمُودَعِ: ادْفَعْ الْوَدِيعَةَ إلَى فُلَانٍ فَقَالَ: دَفَعْت، وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ وَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ صُدِّقَ الْمُودَعُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ قَالَ: ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ. وَفِي الْمِنَحِ قَالَ: لَا أَدْرِي دُفِنَتْ فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَضْمَنُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الدَّفْنِ لَكِنَّهُ سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمَكَانِ الْمَدْفُونِ فِيهِ لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْعُدَّةِ إذَا دَفَنَ الْوَدِيعَةَ فِي الْأَرْضِ إنْ جَعَلَ هُنَاكَ عَلَامَةً لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ وَفِي الْمَفَازَةِ يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَاب الْعَارِيَّةِ] ِ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكًا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْأَمَانَةِ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ الْمَخْصُوصَةُ بِالْأَعْيَانِ وَمُسْتَعْمَلَةٌ فِي تِلْكَ الْمَنَافِعِ وَرَدَّهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْمُشْتَقَّاتِ اسْتَعَارَهُ مِنْهُ فَأَعَارَهُ وَاسْتَعَارَهُ الشَّيْءَ عَلَى حَذْفِ مِنْ وَقِيلَ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَيْبٌ وَعَارٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْجَوْهَرُ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَرَدَّ الرَّاغِبُ

وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَارَ يَائِيٌّ وَالْعَارِيَّةَ وَاوِيَّةٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا أَنْفُسُهُمْ بِهِ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا، وَقِيلَ هِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ مَوْضُوعٌ بِلَا نِسْبَةٍ كَالدُّرْدِيِّ وَالْكُرْسِيِّ، وَهِيَ مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ بِلَا تَشْدِيدٍ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً، وَلِنَفْسِهِ نَوْبَةً، وَقِيلَ هِيَ اسْمُ الْعَيْنِ الْمُعَارِ، وَشَرِيعَةً (هِيَ) أَيْ الْعَارِيَّةُ بِمَعْنَى الْإِعَارَةِ لِلْعَارِيَّةِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِمَا أُعِيرَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ حَمْلُ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِ (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) مِنْ عَيْنٍ مَعَ بَقَائِهَا احْتِرَازٌ عَنْ قَرْضِ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ، وَعَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (بِلَا بَدَلٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْإِجَارَةِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ، وَتَبْطُلُ بِالنَّهْيِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَبْطُلُ بِهِ كَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ مَلَكَ الْمَنَافِعَ مَلَكَ إجَارَتَهَا، وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ إذْ فِيهَا لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ الْمُدَّةِ، وَلَنَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْعَرِيَّةِ هِيَ الْعَطِيَّةُ مِنْ الثِّمَارِ؛ وَلِذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُعِيرَتْ لِلتَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظَةِ الْإِبَاحَةِ، وَالنَّهْيُ لَيْسَ إبْطَالًا لِلْمِلْكِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بَلْ يَمْنَعُ عَنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالِاسْتِرْدَادِ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ الْمُسْتَعِيرَ الْمَنَافِعَ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُعِيرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَهْلُ فِيهَا لَيْسَ بِمُضِرٍّ لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَى النِّزَاعِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَحْظَةٍ، وَالْمَنَافِعُ قَابِلَةٌ لِلتَّمْلِيكِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا مُسْتَحَبَّةً، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ أَوْ وَاجِبَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْبُعْدِ. وَشَرْطُهَا قَابِلِيَّةُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَسَبَبُهَا مَا مَرَّ مِنْ التَّعَاضُدِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ الْمَدَنِيُّ بِالطَّبْعِ، وَمَحَاسِنُهَا النِّيَابَةُ عَنْ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُحْتَاجِ كَالْقَرْضِ فَلِهَذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ (وَلَا تَكُونُ) الْعَارِيَّةُ (إلَّا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِعَارَةَ نَوْعَانِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَالْحَقِيقَةُ: إعَارَةُ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ، وَالْمَجَازُ إعَارَةُ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونَاتِ فَتَكُونُ إعَارَةً صُورَةً وَقَرْضًا مَعْنًى، وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَإِعَارَةُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا فَاقْتَضَى إعَارَتَهَا تَمْلِيكُهَا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى ضَرَرًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ (إلَّا إذَا عَيَّنَ انْتِفَاعًا يُمْكِنُ رَدُّ الْعَيْنِ بَعْدَهُ)

أَيْ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ لِيُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا صَارَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا. (وَتَصِحُّ) الْعَارِيَّةُ (بِأَعَرْتُكَ) أَيْ جَعَلْتهَا عَارِيَّةً لَك لِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِيهَا لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ أَرْكَانَهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَشَرْطَهَا الْقَبْضُ (وَمَنَحْتُك) هَذَا الثَّوْبَ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُك؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ إذًا أَصْلُهُ إعْطَاءُ الشَّيْءِ لِآخَرَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ يَرُدُّهُ فَرُوعِيَ أَصْلُهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ هِبَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ (وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي) هَذِهِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا قَارَنَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ كَالْبُرِّ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ عَيْنِهِ، وَإِذَا قَارَنَ إلَى مَا لَا يُطْعَمُ كَالْأَرْضِ يُرَادُ بِهِ أَخْذُ غَلَّتِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ (وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا دَابَّتَهُ إذَا أَعَارَهُ إيَّاهَا، وَإِذَا وَهَبَهُ إيَّاهَا، فَإِذَا نَوَى أَحَدُهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَكَانَ عَارِيَّةً. وَفِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ كَلَامٌ تَتَبَّعْ (وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ، وَهُوَ الْعَارِيَّةُ (إذَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ الْإِطْعَامِ وَالْحَمْلِ وَالْإِخْدَامِ (الْهِبَةَ) . فَإِذَا نَوَى أَحَدَهَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَمَا مَرَّ (وَدَارِي لَك سُكْنَى) أَيْ مِنْ جِهَةِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ دَارِي مُبْتَدَأٌ وَلَك خَبَرُهُ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَك يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَقَوْلُهُ: سُكْنَى مُحْكِمٌ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ مُعَيِّنٌ لِلثَّانِي بِحُكْمِ التَّفْسِيرِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً (أَوْ) دَارِي لَك (عُمْرِي سُكْنَى) فَعُمْرِي مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْمَرْتُهَا لَك عُمْرِي وَالْعُمْرَى جَعْلُ الدَّارِ لِأَحَدٍ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ وَتَخْصِيصٌ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعَارِيَّةِ. (وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ (مَتَى شَاءَ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْقَلِبْ إجَارَةً وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ أَمَةً لِتُرْضِعَ ابْنَهُ فَأَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا صَارَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ خَادِمَتِهِ إلَى أَنْ يُفْطَمَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ فَأَعَارَهُ إيَّاهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكِرَاءِ أَوْ الشِّرَاءِ كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَجْرُ مِثْلِ الْفَرَسِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَبَ صَاحِبُهُ إلَى أَدْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ كِرَاءً أَوْ شِرَاءً. (وَلَوْ هَلَكَتْ) الْعَارِيَّةُ (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ (فَلَا ضَمَانَ) ، وَلَوْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي التَّبْيِينِ. وَالْعَارِيَّةُ إذَا اشْتَرَطَ فِيهَا الضَّمَانَ يَضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ، وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ جَزَمَ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَعِرْنِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَى، وَهَذَا

إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْغَيْرِ، فَإِنْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا ضَمِنَهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يَمْلِكُ وَالِدُ الصَّغِيرِ إعَارَةَ مَالِ وَلَدِهِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعَارَتْ شَيْئًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ فَهَلَكَ إنْ كَانَ شَيْئًا دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَمَا يَكُونُ فِي أَيْدِيهِنَّ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا فِي الْفَرَسِ وَالثَّوْرِ فَيَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمَرْأَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَتْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ لَا، وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَمَانِ الرَّدِّ. (وَلَا تُؤَجَّرُ) الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْإِجَارَةِ، وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ فَوْقَهُ (وَلَا تُرْهَنُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُودِعَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (كَالْوَدِيعَةِ) أَيْ كَمَا لَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ الْوَدِيعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا (فَإِنْ آجَرَهَا) أَيْ آجَرَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ (فَتَلِفَتْ) أَيْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ (ضَمَّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ) أَيْ الْمُعِيرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ يُضَمِّنُ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِتَعَدِّيهِ أَوْ يُضَمِّنُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِلْكَ الْمُعِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَإِنْ ضَمَّنَ) أَيْ الْمُعِيرُ (الْمُؤَجَّرَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَرْجِعُ) بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى أَحَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ عَلَى الْمُؤَجَّرِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُسْتَأْجِرُ (أَنَّهُ) أَيْ أَنَّ مَا اسْتَأْجَرَهُ (عَارِيَّةٌ) عِنْدَ مُؤَجَّرِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ مُؤَجِّرِهِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ غُرُورٌ وَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْغَصْبِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يُعِيرَ) مَا اسْتَعَارَهُ إنْ كَانَ (مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ كَالْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ) وَالِاسْتِخْدَامِ وَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمَالِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ غَيْرُ مُفِيدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ إبَاحَتَهَا غَيْرُهُ، وَلَنَا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَهَا كَمَا مَرَّ (لَا مَا يَخْتَلِفُ) بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ (كَالرُّكُوبِ) أَيْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ (إنْ عَيَّنَ) الْمُعِيرُ (مُسْتَعْمِلًا) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْعَسْكَرِيِّ لَا يَكُونُ كَرُكُوبِ السُّوقِيِّ، وَلُبْسَ الْقَصَّابِ لَيْسَ كَلُبْسِ الْبَزَّازِ. (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْمُعِيرُ مُسْتَعْمِلًا (جَازَ أَيْضًا) كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً حِينَئِذٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ) الْمُنْتَفِعُ بِفِعْلِ الْمُسْتَعِيرِ (فَإِنْ تَعَيَّنَ) الْمُنْتَفِعُ بِفِعْلِهِ (لَا يَجُوزُ) لَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَفَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ

رَكِبَ هُوَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (إرْكَابُ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَرْكَبَ) الْمُسْتَعِيرُ (غَيْرَهُ) فَ (لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ) يَعْنِي مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ أَوْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَيَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُرَكِّبَ غَيْرَهُ وَأَيًّا فَعَلَ مِنْ الْحَمْلِ أَوْ حَمْلِ الْغَيْرِ مِنْ الرُّكُوبِ أَوْ الْإِرْكَابِ فَقَدْ تَعَيَّنَ الْعَمَلُ فَلَيْسَ بَعْدَ حَمْلِهِ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ، وَلَا عَكْسُ هَذَا وَإِلَّا ضَمِنَ، وَكَذَا حُكْمُ الْإِرْكَابِ بَعْدَ الرُّكُوبِ وَعَكْسِهِ لِتَعَيُّنِ الرُّكُوبِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِرْكَابِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بَعْدَ الْإِرْكَابِ وَيَرْكَبَ بَعْدَ الرُّكُوبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (وَإِنْ قُيِّدَتْ) الْإِعَارَةُ (بِنَوْعٍ أَوْ وَقْتٍ) أَيْ قَيَّدَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِنَوْعٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ فُلَانٌ مُعَيَّنٌ أَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ بِشَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ مَثَلًا (أَوْ بِهِمَا) أَيْ قَيَّدَهَا بِالنَّوْعِ وَالْوَقْتِ جَمِيعًا (ضَمِنَ) الْمُسْتَعِيرُ (بِالْخِلَافِ) فِي وَاحِدٍ مِنْهَا (إلَى شَهْرٍ فَقَطْ) فَلَمْ يَضْمَنْ بِالْخِلَافِ إلَى مِثْلٍ أَوْ خَيْرٍ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: احْمِلْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهَا أَوْ دُونَهَا فِي الضَّرَرِ كَحَمْلِ مِثْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إذْنٌ بِمَا يُسَاوِيهِ، وَبِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تُعْتَبَرُ الْمَنْفَعَةُ وَالضَّرَرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: احْمِلْ عَلَيْهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشْرَةَ أَقْفِزَةِ بُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ لَمْ يَرْضَ بِالشَّيْءِ الثَّقِيلِ فَيَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي النَّوْعِ وَالْوَقْتِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ بِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ. وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَأَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَبُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمِنَحِ وَجَعَلَ الْفَتْوَى فِي السِّرَاجِيَّةِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُودَعُ أَوَّلًا تُودَعُ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ تَمَلَّكَ الْإِعَارَةَ، أَمَّا فِيمَا لَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ، وَفِي مَسَافَةِ الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ أَوْ فِي الْوَقْتِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُعِيرِ مَعَ يَمِينِهِ. (وَتَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ غَرْسِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ، وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا فَكَذَا إعَارَتُهَا بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُعِيرِ (أَنْ يَرْجِعَ) عَنْ الْعَارِيَّةِ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ (مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ (وَيُكَلِّفُهُ) أَيْ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ (قَلْعَهُمَا) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ أَرْضَ الْمُعِيرِ بِهِمَا فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهِ إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَا تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ حَيْثُ

لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِسَبَبِ الْقَلْعِ (إنْ لَمْ يُوَقِّتْ) الْعَارِيَّةَ إذْ الْمُسْتَعِيرُ بَنَى وَغَرَسَ فِي مَحَلٍّ كَانَ لِغَيْرِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ فَاعْتَرَفَ بِنَفْسِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ مِنْ الْمُعِيرِ وَعْدٌ. (وَإِنْ وَقَّتَ) الْمُعِيرُ وَقْتًا مُعَيَّنًا (وَرَجَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ (كُرِهَ لَهُ) أَيْ لِلْمُعِيرِ (ذَلِكَ) الرُّجُوعُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ (وَضَمِنَ) الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ (مَا نَقَصَ) مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (بِالْقَلْعِ) بِأَنْ يَقُومَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ يَعْنِي إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إلَى وَقْتِ الْمَضْرُوبِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَإِذَا قَلَعَ فِي الْحَالِ يَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ بِثَمَانِيَةِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَرَّهُ بِالتَّوْقِيتِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ وَالْإِطْلَاقَ فِيهَا سَوَاءٌ لِبُطْلَانِ التَّأْجِيلِ فِي الْعَوَارِيِّ (وَقِيلَ يَضْمَنُ) الْمُعِيرُ (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ (وَيَتَمَلَّكُهُ) أَيْ الْمُعِيرُ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا، وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلِلْمُسْتَعِيرِ قَلْعُهُ) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (بِلَا تَضْمِينٍ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِهِ) أَيْ بِالْقَلْعِ (كَثِيرًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ نُقْصَانِ الْأَرْضِ كَثِيرًا بِالْقَلْعِ (الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ) بَيْنَ ضَمَانِ نُقْصَانِهِمَا وَضَمَانِ قِيمَتِهِمَا لَا لِلْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَ مَقْلُوعَةٍ مَنْقُوضَةٍ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ قَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ لَا يَقْلَعُ إلَّا بِرِضَى صَاحِبِهَا، وَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَلْعَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْنَ قَلْعِهِ، وَبَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْكَنْزِ حَيْثُ جَعَلَا لَهُ تَضْمِينَ مَا نَقَصَهُ الْقَلْعُ لَا تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَإِنْ أَعَارَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لِلزَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّضْرِيرَ بِالْمُؤَمَّنِ حَرَامٌ (حَتَّى يَحْصُدَ) الزَّرْعَ بَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَيْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَةُ أَرْضِهِ مَجَّانًا (وَقَّتَ) الْمُعِيرُ (أَمْ لَا) يُوَقِّتُ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَكَانَ فِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ، وَأَيْضًا فِي الْقَلْعِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ، وَفِي التَّرْكِ تَأْخِيرُ حَقِّ تَصَرُّفِ الْمُعِيرِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ ضَرَرًا فَيَصِيرُ إلَى الثَّانِي. (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ، وَ) أُجْرَةُ رَدِّ (الْمُسْتَأْجَرِ الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ وَالْمَغْصُوبِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُؤَجَّرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْغَاصِبِ)

أَمَّا الْمُسْتَعَارُ فَلِأَنَّ رَدَّهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَارِيَّةَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَتَكُونُ أُجْرَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجَرُ فَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ لِمَنْفَعَةِ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ سُلِّمَ لَهُ فَلَا يَكُونُ رَدُّهُ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ رَدِّهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ حِفْظِهَا عَائِدَةٌ لَهُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَكَانَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَغْصُوبُ فَلِأَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى يَدِ مَالِكِهَا كَمَا كَانَتْ فَتَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا. وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الْمُعِيرِ. (وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ) الْمُسْتَعَارَةَ (إلَى إصْطَبْلِ رَبِّهَا) أَيْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ (أَوْ) رَدَّ (الْعَبْدَ) الْمُسْتَعَارَ (أَوْ الثَّوْبَ) الْمُسْتَعَارَ (إلَى دَارِ مَالِكِهِ بَرِئَ) عَنْ الضَّمَانِ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمْ إلَى أَصْحَابِهِمْ، وَإِنَّمَا ضَيَّعَهُمْ تَضْيِيعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ) ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ فِيهَا فَلَا تَكُونُ إزَالَتُهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْمُودِعُ فَلَا يَبْرَأُ أَيْضًا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا؛ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ إذْ لَوْ رَضِيَ بِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ. (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً بَرِئَ) إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِيَالِ الْمُسْتَعِيرِ وَلَهُ رَدُّهَا بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ. (وَكَذَا إنْ رَدَّهَا) أَيْ الدَّابَّةَ (مِنْ أَجِيرِ رَبِّهَا) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً (أَوْ) مَعَ (عَبْدِهِ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ إذَا هَلَكَتْ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ (يَقُومُ) حَالٌ مِنْ أَجِيرٍ لَا صِفَةُ عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ نَكِرَةٌ (عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ لَا) يَقُومُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَائِمًا إلَّا أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ رِضَى الْمَالِكِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ مَوْجُودًا (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً) ، فَإِنَّهُ إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ الْعِيَالِ فَلَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِهِ فَيَضْمَنُ إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْوُصُولِ. (وَ) بِخِلَافِ (رَدِّ شَيْءٍ نَفِيسٍ) كَعُقَدِ اللَّآلِئِ (إلَى دَارِ مَالِكِهِ) ، فَإِنَّهُ إنْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَلْزَمُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا فِي الْعُرْفِ. (وَيَكْتُبُ مُسْتَعِيرُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَدْ أَطْعَمْتنِي أَرْضَكَ لَا أَعَرْتَنِي) أَيْ إذَا أُعِيرَتْ الْأَرْضُ لِلزِّرَاعَةِ وَأَرَادَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا يَكْتُبُ إنَّك قَدْ أَطْعَمْتَنِي أَرْضَك وَلَا يَكْتُبُ قَدْ أَعَرْتَنِي عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْأَرْضِ لَا يُطْعَمُ، وَإِنَّمَا يُطْعَمُ مَا يُحَصَّلُ مِنْهَا بِخِلَافِ

كتاب الهبة

الْإِعَارَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِلْبِنَاءِ (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَكْتُبُ الْإِعَارَةَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعٌ لِهَذَا الْعَقْدِ، وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ أَوْلَى، وَإِذَا أُعِيرَتْ الْأَرْضُ سُكْنَى لَا لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ إنَّك أَعَرْتَنِي أَرْضَك بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي التَّنْوِيرِ ادَّعَى إيصَالَ الْأَمَانَةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ كَالْمُودَعِ ادَّعَى الرَّدَّ وَالْوَكِيلِ وَالنَّاظِرِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاةِ مُسْتَحِقِّهَا، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا فِي الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ قَبَّضَهُ وَدَفَعَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. [كِتَاب الْهِبَة] ِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَبَيْنَهَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ، وَهِيَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ كَذَلِكَ، وَهِيَ لُغَةً التَّفَضُّلُ عَلَى الْغَيْرِ بِمَا يَنْفَعُهُ، وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] . وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّهَا فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ الشَّيْءِ إلَى الْغَيْرِ بِمَا يَنْفَعُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] انْتَهَى، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَيَتَعَدَّى إمَّا بِاللَّامِ نَحْوُ وَهَبْته لَهُ وَحَكَى أَبُو عُمَرَ وَهَبْتُكَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَالُوا بِحَذْفِ اللَّامِ مِنْهُ، وَإِمَّا بِمِنْ نَحْوُ وَهَبْته مِنْك عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي دَقَائِقِ النَّوَوِيِّ فَظُنَّ مِنْ الْمُطَرِّزِيِّ أَنَّهُ خَطَأٌ، وَمِنْ التَّفْتَازَانِيِّ أَنَّهُ عِبَارَةُ الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الشَّرِيعَةِ (هِيَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ) هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْهِبَةِ الْمُحَصَّنَةِ الْعَارِيَّةِ عَنْ شَرْطِ الْعِوَضِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعٌ انْتِهَاءً فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ وَالْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يُنْتَقَضُ التَّعْرِيفُ بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ مَا ارْتَكَبَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَاعْتِرَاضُ بَعْضٍ عَلَيْهِ تَدَبَّرْ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ عَيْنُ الْمَالِ لَا الْعَيْنُ الْمُطْلَقُ بِقَرِينَةِ التَّمْلِيكِ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالتَّمْلِيكِ هُوَ

شروط صحة الهبة

التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَهَبْت لِإِنْشَاءِ الْهِبَةِ حَالًا كَبِعْت فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: هِيَ تَمْلِيكُ مَالٍ لِلْحَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ لَا يَكُونُ مَالًا تَدَبَّرْ. فَخَرَجَتْ عَنْ هَذَا التَّعْرِيفِ الْإِبَاحَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ إسْقَاطٌ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَهِيَ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ وَصُنْعٌ مَحْمُودٌ مَحْبُوبٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَقَبُولُهَا سُنَّةٌ، «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ هَدِيَّةَ الْعَبْدِ» وَقَالَ «فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ طَعَامٌ لَقَبِلْت، وَلَوْ دُعِيت إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْت» ، وَإِلَيْهَا أَيْ الْإِجَابَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا} [النساء: 4] أَيْ مَسْرُورًا مَرِيئًا أَيْ رَاضِيًا عَلَى الْأَكْلِ وَهِيَ نَوْعَانِ تَمْلِيكٌ وَإِسْقَاطٌ، وَعَلَيْهِمَا الْإِجْمَاعُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ، وَسَبَبُهَا إرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْوَاهِبِ دُنْيَوِيٌّ كَالْعِوَضِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ وَالْمَحَبَّةِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأُخْرَوِيٌّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ إذْ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. [شُرُوط صِحَّة الْهِبَة] وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا فِي الْوَاهِبِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْمِلْكُ وَفِي الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا غَيْرَ مَشَاعٍ مُمَيِّزًا غَيْرَ مَشْغُولٍ، وَحُكْمُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَدَمُ صِحَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا وَأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا سَيَأْتِي. [أَرْكَان الْهِبَة] وَرُكْنُهَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ: (وَتَصِحُّ) الْهِبَةُ (بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ وَقِيَامُ الْعَقْدِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِنَّمَا حَنِثَ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدَمُ إظْهَارِ الْجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ الْإِظْهَارُ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْهِبَةِ عَقْدٌ تَامٌّ، وَالْقَبُولُ لَيْسَ بِرُكْنٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَبْضُ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ؛ وَلِذَا لَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَعَلَّ الْحَقَّ هَذَا، فَإِنَّ فِي التَّأْوِيلَاتِ التَّصْرِيحَ بِالْهِبَةِ غَيْرُ لَازِمٍ؛ وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ وَضَعَ مَالَهُ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ مِلْكًا لِلرَّافِعِ جَازَ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْقَبُولَ كَمَا يَكُونُ بِالصَّرِيحِ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ فَيَكُونُ أَخْذُهُ قَبُولًا دَلَالَةً. (وَتَتِمُّ) الْهِبَةُ (بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ) ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْمُرَادُ هُنَا نَفْيُ الْمِلْكِ لَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا بِدُونِ الْقَبْضِ ثَابِتٌ خِلَافًا لِمَالِكٍ، فَإِنَّ عِنْدَهُ لَيْسَ الْقَبْضُ بِشَرْطِ الْهِبَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: هِبَةُ الشَّاغِلِ تَجُوزُ، وَهِبَةُ الْمَشْغُولِ لَا تَجُوزُ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ اشْتِغَالَ الْمَوْهُوبِ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ مِثَالُهُ: وَهَبَ جِرَابًا فِيهِ طَعَامٌ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ وَهَبَ طَعَامًا فِي جِرَابٍ جَازَتْ وَاشْتِغَالُ الْمَوْهُوبِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْوَاهِبِ هَلْ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَعَارَ دَارًا مِنْ إنْسَانٍ

ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ غَصَبَ مَتَاعًا وَوَضَعَهُ فِي الدَّارِ، ثُمَّ وَهَبَ الْمُعِيرُ الدَّارَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الدَّارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُعِيرَ هُوَ الَّذِي غَصَبَ الْمَتَاعَ وَوَضَعَهُ فِي الدَّارِ، ثُمَّ وَهَبَ الْمُعِيرُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ كَانَتْ الْهِبَةُ تَامَّةً وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَهَبَ دَارًا وَسَلَّمَ، وَفِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَا لَيْسَ بِهِبَةٍ فَلَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ، وَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهَا، وَزَوْجُهَا أَيْضًا سَاكِنٌ فِيهَا جَازَتْ الْهِبَةُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ قَابِضًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَتَاعَهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ دَارًا، وَالدَّارُ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ جَازَتْ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَالْأَبُ سَاكِنُهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ فِي الْمَنْقُولِ مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ وَفِي الْعَقَارِ أَيْضًا مَا يُنَاسِبُهُ، فَأَخْذُ مِفْتَاحِ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ قَبْضٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَ الصُّنْدُوقَ لَا يَكُونُ قَبْضًا فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ. وَفِي الْفُصُولَيْنِ هِبَةُ الْمَرِيضِ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذْ الْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَكِنَّهَا هِبَةٌ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ. (فَإِنْ قَبَضَ) الْمَوْهُوبُ (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْهِبَةِ (بِلَا إذْنٍ) صَرِيحٍ مِنْ الْوَاهِبِ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَبْضَ كَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ مِنْهُ يَكُونُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبُولِ. (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَرَادَ بِهِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ (لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ) الصَّرِيحِ فَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ؛ لِأَنَّا أَثْبَتْنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ، وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَكَذَا مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا إذَا نَهَى عَنْ الْقَبْضِ صَرِيحًا، فَإِنَّ التَّسْلِيطَ مَوْجُودٌ لَكِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَبْضُ أُجِيبُ بِأَنَّهُ إذَا نَهَاهُ صَرِيحًا لَا تَعْمَلُ الدَّلَالَةُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَعْمَلُ بِمُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ فَلِهَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْحَاصِلُ إنَّهُ إذَا أَذِنَ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَيَمْلِكُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَلَوْ نَهَى عَنْ الْقَبْضِ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ قِيَاسًا، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ إنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْقَبْضُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ غَائِبًا فَذَهَبَ وَقَبَضَ، فَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَجُوزُ هَذَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلَاتِ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ وَضْعَ مَالِهِ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ مِلْكًا لِلرَّافِعِ إذْنٌ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً فَيَجُوزُ فَلَا مُخَالَفَةَ أَصْلًا تَدَبَّرْ. (وَتَنْعَقِدُ) الْهِبَةُ (بِوَهَبْتُ) أَيْ بِقَوْلِهِ: وَهَبْت؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ. وَفِي الْفَرَائِدِ

قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَمَالَ إلَى أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِوَهَبْتُ إلَى آخِرِهِ: وَمَالَ إلَى أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ فَقَطْ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فَعَلَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ أَوَّلًا الرُّكْنَ فَقَالَ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَلْفَاظَ الْإِيجَابِ فَقَالَ: وَتَنْعَقِدُ بِوَهَبْتُ إلَى آخِرِهِ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ تَدَبَّرْ (وَنَحَلْت) لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ (وَأَعْطَيْت وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ) ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا نُسِبَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يَكُونُ هِبَةً كَمَا مَرَّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ: هَبْنِي هَذَا الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ فَقَالَ: وَهَبْت وَسَلَّمَ إلَيْهِ جَازَ، وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَضْرِبُونَ الطُّنْبُورَ فَقَالَ لَهُمْ: هَبُوا هَذَا مِنِّي فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَكَسَرَهُ فَقَالُوا: يَا شَيْخُ خَدَعْتَنَا انْتَهَى. وَشَمَلَ مَا لَوْ قَالَ لِقَوْمٍ: قَدْ وَهَبْت جَارِيَتِي هَذِهِ لِأَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ شَاءَ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ مَلَكَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا بِقَوْلِهِ: أَذِنْت لِلنَّاسِ جَمِيعًا فِي تَمْرِ نَخْلِي مَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَبَلَغَ النَّاسَ فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا يَمْلِكُهُ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْمُنْتَقَى، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَقَالَةُ الْوَاهِبِ لَا يَكُونُ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى لَكِنْ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَالَهُ فِي طَرِيقٍ لِيَكُونَ مِلْكًا لِلرَّافِعِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ بَلَغَتْهُ الْمَقَالَةُ أَوْ لَا تَأَمَّلْ (وَكَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ) ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا، وَقَالَ: أَلْبِسْ نَفْسَك فَفَعَلَ يَكُونُ هِبَةً، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فَقَالَ: أَنْفِقْهَا يَكُونُ قَرْضًا (وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهُوَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَلِأَنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ فَثَبَتَ الْهِبَةُ، وَيَبْطُلُ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ؛ وَلِذَا لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ صَرِيحًا يَبْطُلُ شَرْطُهُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك أَوْ حَيَاتَهُ، أَوْ أَعْمَرْتُكَ دَارِي هَذِهِ حَيَاتَك أَوْ أَعْطَيْتهَا حَيَاتَك، أَوْ وَهَبْت هَذَا الْعَبْدَ حَيَاتَك، فَإِذَا مِتَّ فَهُوَ لِي، وَإِذَا مِتُّ فَهُوَ لِوَرَثَتِي فَهَذَا تَمْلِيكٌ صَحِيحٌ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ (وَجَعَلْته لَك عُمْرِي) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّمْلِيكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: مَلَّكْتُك هَذَا الشَّيْءَ إلَى آخِرِ عُمْرِي (وَدَارِي لَك) حَالَ كَوْنِهَا (هِبَةً تَسْكُنُهَا) ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي لَك لِلتَّمْلِيكِ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ: تَسْكُنُهَا مَشُورَةٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ: هَذَا الطَّعَامُ لَك تَأْكُلُهُ (وَبِنِيَّتِهَا) أَيْ بِنِيَّةِ الْهِبَةِ (فِي حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْهِبَةِ مَجَازًا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ النِّيَّةُ كَمَا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ. (وَإِنْ قَالَ: دَارِي لَك) حَالَةَ كَوْنِهَا (هِبَةً سُكْنَى) لِمَا مَرَّ أَنَّ سُكْنَى تَمْيِيزٌ فَتَصِيرُ تَفْسِيرًا لِمَا قَالَهُ لِكَوْنِهِ مُحْكَمًا فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَتَكُونُ عَارِيَّةً (أَوْ) دَارِي لَك حَالَ كَوْنِهَا (سُكْنَى هِبَةً) ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَمْلِيكَ مَنْفَعَةٍ

(أَوْ) دَارِي لَك حَالَ كَوْنِهَا (نُحْلَى) عَلَى وَزْنِ حُبْلَى الْعَطِيَّةُ (سُكْنَى) فَتَقْدِيرُ نَحَلْتهَا نِحْلَةً سُكْنَى فَسُكْنَى يَرْفَعُ الْإِبْهَامَ (أَوْ) دَارِي لَك حَالَ كَوْنِهَا (سُكْنَى صَدَقَةً) فَسُكْنَى يُقَرِّرُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ (أَوْ) دَارِي لَك حَالَ كَوْنِهَا (صَدَقَةً عَارِيَّةً) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَمْيِيزٌ فَيَصِيرُ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهُ (أَوْ) دَارِي لَك (عَارِيَّةً هِبَةً) أَيْ دَارِي لَك بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ حَالَ كَوْنِ مَنَافِعِهَا لَك؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعَارِيَّةِ صَرِيحٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ (فَعَارِيَّةً) أَيْ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَكُونُ عَارِيَّةً لَا هِبَةً. (وَتَصِحُّ هِبَةُ مَشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْسَمَ بِمَعْنَى لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَصْلًا كَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَلَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ جِنْسِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ (لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ هِبَةُ (مَا) أَيْ مَشَاعٍ (يَحْتَمِلُهَا) أَيْ الْقِسْمَةَ عَلَى وَجْهٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَمَا قَبْلَهَا كَالْأَرْضِ وَالثَّوْبِ وَالدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِشَرِيكِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ كَمَالُهُ وَالْمَشَاعُ لَا يَقْبَلُ الْقَبْضَ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ فَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ الْكَامِلُ فَاكْتَفَى بِالْقَبْضِ الْقَاصِرِ ضَرُورَةً، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ خِلَافًا لِلْبَيْعِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِيهَا، وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: الْهِبَةُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَتَجُوزُ فِي الْمَشَاعِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالشُّيُوعِ الْمَانِعِ الشُّيُوعَ الْمُقَارِنَ لِلْعَقْدِ لَا الطَّارِئَ كَأَنْ يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهَا، أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ قُيِّدَ بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الدُّرَرِ اعْتِرَاضٌ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَلْيُرَاجَعْ (فَإِنْ قَسَمَ) أَيْ أَفْرَزَ الْجُزْءَ الْمَوْهُوبَ الْمَشَاعَ (وَسَلَّمَ) إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ (صَحَّ) الْعَقْدُ لِحُصُولِ الشَّرْطِ بَعْدَ رَفْعِ الشُّيُوعِ، وَهُوَ كَمَالُ الشُّيُوعِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذَ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْمِنَحِ: هِبَةُ الْمَشَاعِ إذَا فَسَدَتْ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنْ قَبَضَ الْجُمْلَةَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنَّ لَفْظَ الْفَتْوَى آكَدُ مِنْ لَفْظِ التَّصْحِيحِ كَمَا أَفَادَهُ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ دَقِيقٍ فِي بُرٍّ وَ) هِبَةُ (دُهْنٍ فِي سِمْسِمٍ، وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ، وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (طُحِنَ) الْبُرُّ (أَوْ اُسْتُخْرِجَ الدُّهْنُ) مِنْ السِّمْسِمِ وَالسَّمْنُ مِنْ اللَّبَنِ (وَسُلِّمَ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ وَقْتَ الْهِبَةِ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ إذْ هُوَ مَحَلٌّ لَهُ حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْعَقْدَ. (وَهِبَةُ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ وَنَخْلٍ وَزَرْعٍ فِي أَرْضٍ وَتَمْرٍ فِي نَخْلٍ كَهِبَةِ الْمَشَاعِ) ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ

لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ كَالشَّائِعِ حَتَّى إذَا فُصِلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَسُلِّمَتْ صَحَّتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ وَسَلَّمَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ احْتِمَالًا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ. وَفِي الْكَافِي لَوْ وَهَبَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ وَتَمْرًا فِي شَجَرٍ وَأَمَرَهُ بِالْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ بَعْدَ الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ. (وَهِبَةُ شَيْءٍ هُوَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ تَتِمُّ بِلَا تَجْدِيدِ قَبْضٍ) لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْهِبَةِ، وَهُوَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْوَاجِبَ بِالْهِبَةِ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَيَنُوبُ عَنْهُ كُلُّ قَبْضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ مَضْمُونٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَيَلْزَمُهُ قَبْضٌ جَدِيدٌ، وَفِي إطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ أَوْ مَضْمُونَةٌ، وَلَوْ وَدِيعَةً كَأَنَّهُ بَعْدَ الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْمَالِكِ فَاعْتُبِرَتْ يَدُ الْحَقِيقَةِ. (وَهِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلِهِ تَتِمُّ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ. (وَإِنْ) كَانَ (الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْأَبِ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَا لَكِنْ يَلْزَمُ الْإِشْهَادُ، وَعَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ جُحُودِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ (أَوْ) فِي (يَدِ مُودَعِهِ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ (إلَّا إنْ كَانَ) الْمَوْهُوبُ (فِي يَدِ غَاصِبٍ) أَيْ لَوْ غَصَبَ عَبْدَهُ مَثَلًا غَاصِبٌ فَوَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ الْأَبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِتَفْوِيتِ الْيَدِ (أَوْ) فِي يَدِ (مُبْتَاعٍ بَيْعًا فَاسِدًا) أَيْ لَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا تَجُوزُ (أَوْ) فِي يَدِ (مُتَّهَبٍ) مَعْنَاهُ لَوْ وَهَبَ لِآخَرَ بِلَا عِوَضٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَوْ فِي يَدِ مُرْتَهِنٍ مَكَانَ مُتَّهَبٍ يَعْنِي لَوْ رَهَنَ لِآخَرَ، ثُمَّ وَهَبَ لِطِفْلِهِ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَتَبَّعْ. (وَالصَّدَقَةُ فِي ذَلِكَ كَالْهِبَةِ) وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّدَقَةِ هُنَا التَّصَدُّقُ لِابْنِهِ فَقَطْ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ فَعَلَى هَذَا تَفْسِيرُ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُطْلَقًا لَيْسَ بِشَيْءٍ تَتَبَّعْ. (وَالْأُمُّ كَالْأَبِ) فِي أَنَّ هِبَتَهَا لِطِفْلِهَا تَتِمُّ بِالْعَقْدِ (عِنْدَ غَيْبَتِهِ) أَيْ الْأَبِ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَتَفْسِيرُهَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ (أَوْ مَوْتِهِ) أَيْ الْأَبِ (وَعَدَمِ وَصِيِّهِ إنْ كَانَ الطِّفْلُ فِي عِيَالِهَا) ؛ لِأَنَّ لِلْأُمِّ وِلَايَةَ الْحِفْظِ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ غَيْبَةِ الْأَبِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ مَوْتِهِ وَعَدَمِ وَصِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ حُضُورِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَا يَكُونُ لِلْأُمِّ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي حِجْرِهَا. (وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُ الطِّفْلَ) كَالْعَمِّ وَالْأَخِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَحْضُ نَفْعٍ لِلطِّفْلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَتَسْلِيمُهُ فِي حَرْفِهِ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ النَّافِعُ بِتَمْلِيكِهِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ. (وَهِبَةُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ) أَيْ لِلطِّفْلِ (تَتِمُّ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الطِّفْلِ (لَوْ) كَانَ (عَاقِلًا) أَيْ مُمَيِّزًا يَعْقِلُ التَّحْصِيلَ، وَلَوْ أَبُوهُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ يَلْحَقُ بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَفِي الْبَحْرِ

مَنْ وَهَبَ لِصَغِيرٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَرَدَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ قَبُولُهُ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ التَّعْوِيضُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَيَبِيعُ الْقَاضِي مَا وُهِبَ لِلصَّغِيرِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ. (وَ) تَتِمُّ أَيْضًا (بِقَبْضِ أَبِيهِ) حَالَ صِغَرِهِ (أَوْ جَدِّهِ أَوْ وَصِيِّ أَحَدِهِمَا) أَيْ بِقَبْضِ وَصِيِّ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّ الْجَدِّ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ وِلَايَةً عَلَى الْيَتِيمِ أَمَّا الْأَبُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْجَدِّ وَالْوَصِيِّ فَلِقِيَامِهِمْ مَقَامَ الْأَبِ (أَوْ) بِقَبْضِ (أُمِّهِ إنْ) كَانَ الطِّفْلُ (فِي حِجْرِهَا) لِمَا مَرَّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيُبَاحُ لِلْوَالِدَيْنِ أَنْ يَأْكُلَا مِنْ الْمَأْكُولِ الْمَوْهُوبِ لِلصَّغِيرِ فَأَفَادَ أَنَّ غَيْرَ الْمَأْكُولِ لَا يُبَاحُ لَهُمَا إلَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ، وَأَشَارَ إلَى مَا عُلِمَ أَنَّ مَا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ أَمَّا لَوْ اتَّخَذَ الْأَبُ وَلِيمَةً لِلْخِتَانِ فَأَهْدَى النَّاسَ هَدَايَا وَوَضَعُوا بَيْنَ يَدَيْ الْوَلَدِ، فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ تَصْلُحُ لِلصَّبِيِّ مِثْلُ ثِيَابِ الصِّبْيَانِ أَوْ بِشَيْءٍ يَسْتَعْمِلُهُ الصِّبْيَانُ فَالْهَدِيَّةُ لِلصَّبِيِّ وَإِلَّا يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْأَبِ أَوْ مَعَارِفِهِ فَهُوَ لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْأُمِّ أَوْ مَعَارِفِهَا فَهُوَ لِلْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي يَقُولُ عِنْدَ الْهَدِيَّةِ: هَذَا لِلصَّبِيِّ أَمْ لَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْمُهْدِي هَذَا لَهُ أَوْ لَهَا، وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ لِزِفَافِ بِنْتِهِ كَمَا مَرَّ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطَايَا، وَالْعَدْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْطِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْمَوَارِيثِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ دُونَ الْكَسْبِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَضِّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى جَوَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَنْ كَانَ عَالِمًا مُتَأَدِّبًا وَلَا يُعْطِي مِنْهُمْ مَنْ كَانَ فَاسِقًا فَاجِرًا (أَوْ) بِقَبْضِ (أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ) وَيَحْجُرُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ يَدًا مُعْتَبَرَةً حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ فَيَمْلِكُ النَّفْعَ فِي حَقِّهِ (أَوْ) تَتِمُّ (بِقَبْضِ زَوْجِ الطِّفْلَةِ لَهَا) أَيْ لِلطِّفْلَةِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ بَعْدَ الزِّفَافِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ زُفَّتْ الصَّغِيرَةُ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَقَبَضَ الْهِبَةَ مِنْهُ، وَلَوْ قَبَضَهُ الْأَبُ أَيْضًا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَاشْتِرَاطُ الزِّفَافِ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعُولُهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ الزِّفَافِ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ قَبْضُ الزَّوْجِ قَبْلَ الزِّفَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعُولُهَا قَبْلَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْلَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُجَامِعُ مِثْلَهَا فِي الصَّحِيحِ. (وَصَحَّ هِبَةُ اثْنَيْنِ لِوَاحِدٍ دَارًا) ؛ لِأَنَّهَا سُلِّمَتْ جُمْلَةً وَقُبِضَتْ جُمْلَةً فَلَا شُيُوعَ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هِبَةَ الِاثْنَيْنِ لِلِاثْنَيْنِ لَا تَجُوزُ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْوَاحِدِ لِلِاثْنَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ، وَالْقَبْضُ فِي الْمَشَاعِ لَا يَتَحَقَّقُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: رَجُلٌ وَهَبَ

باب الرجوع عن الهبة

مِنْ رَجُلَيْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ وَلَيْسَتْ بِبَاطِلَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَإِذَا قَبَضَا ثَبَتَ لَهُمَا الْمِلْكُ عَلَى قَوْلٍ وَبِهِ يُفْتِي كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْفَسَادُ لَا الْبُطْلَانُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ دِرْهَمًا صَحِيحًا تَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ مَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَغْشُوشَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ فَيَكُونُ مِمَّا يُقْسَمُ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ لِلرَّجُلَيْنِ لِلشُّيُوعِ. (وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (عَلَى فَقِيرَيْنِ وَهِبَتُهَا) أَيْ هِبَةُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (لَهُمَا) أَيْ الْفَقِيرَيْنِ (وَلَا تَصِحَّانِ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّصَدُّقُ بِعَشَرَةٍ وَلَا هِبَتُهَا (لِغَنِيَّيْنِ) هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ جَعَلَ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرَيْنِ صَدَقَةً، وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ هِبَةً، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي حُكْمٍ حَيْثُ أَجَازَ الصَّدَقَةَ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْفَقِيرُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ اثْنَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى ثُلُثَ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ، وَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَغْنِيَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَا يَجُوزُ فِي الْأَصْلِ سِوَى بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِي الْبَاقِينَ، فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ الصَّدَقَةُ عَلَى غَنِيَّيْنِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا الْهِبَةَ مِنْ شَخْصٍ جَائِزَةٌ فَالصَّدَقَةُ أَوْلَى. [بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَة] بَابُ الرُّجُوعِ عَنْهَا أَيْ عَنْ الْهِبَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُوهَبِ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ الرُّجُوعُ صَحِيحًا، وَقَدْ يَمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فَيَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ: (يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا) أَيْ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ مَعَ إسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرُّجُوعِ بِأَنْ قَالَ: أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ الرُّجُوعِ (كُلًّا أَوْ بَعْضًا) مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا لِلْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي لِوَلَدِهِ وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ عَنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَهُ فَلِهَذَا قَيَّدْنَا بِبَعْدِ الْقَبْضِ، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَوْهُ أَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَسْتَبِدُّ بِالرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ إلَّا الْوَالِدُ، فَإِنَّ لَهُ

أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِ ابْنِهِ. (وَيُكْرَهُ) أَيْ الرُّجُوعُ تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَدْ وَصْفَ الرُّجُوعَ بِالْقُبْحِ، وَكَذَا الْحَدَّادِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ وَلَا يُقَالُ لِلْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَيَمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّجُوعِ (حُرُوفُ دَمْعٍ خُزُقَةٍ) أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ شَعْرٍ قِيلَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَهْ ... يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خُزُقَهْ وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ اثْنَيْ عَشَرَ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ كَانَ زَوْجَهَا أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَعَوَّضَهَا، وَقَالَ: خُذْ هَذَا عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا، أَوْ جَزَاءً عَنْهَا أَوْ مُكَافَأَةً عَنْهَا أَوْ فِي مُقَابِلِهَا، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ زَادَ فِيهَا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً بِأَنْ كَانَ عَبْدًا صَغِيرًا فَكَبِرَ، أَوْ كَانَ مَهْزُولًا فَسَمِنَ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَخَاطَهُ أَوْ صَنَعَهُ صُنْعًا يَزِيدُ أَوْ غَيَّرَهُ بِأَنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ، أَوْ كَانَ لَبَنًا فَاتَّخَذَهُ جُبْنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْمِشَاطَةَ، تِسْعَةُ أَشْيَاءَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ وَلَدَتْ الْمَوْهُوبَةُ يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ أَوْ أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ يَرْجِعُ فِي الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ أَوْ كَانَ ثَوْبًا قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ أَوْ كَانَ دَارًا فَانْهَدَمَ شَيْءٌ مِنْهَا أَوْ وَهَبَ لِبَنِي عَمِّهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لِوَرَثَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ عَقِبَهُ فَلِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ أَوْ وَهَبَ لِأَخِيهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ عَبْدًا يَرْجِعُ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ أَوْ اسْتَحَقَّ الْهِبَةَ يَرْجِعُ فِي الْعِوَضِ انْتَهَى، ثُمَّ شَرَعَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ بِالْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَالدَّالُ) مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ (الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ) بِالْمَوْهُوبِ (كَالْبِنَاءِ) عَلَى الْأَرْضِ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ لَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ مِنْ تِلْكَ الْقِطْعَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا وَهَبَ أَرْضًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِيهَا بِنَاءً بَطَلَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ زَالَ عَادَ حَقُّ الرُّجُوعِ (وَالْغَرْسِ) . وَفِي الْمِنَحِ: رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ أَنْبَتَتْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى فِيهَا بَيْتًا أَوْ دُكَّانًا كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (وَالسَّمْنِ) بِأَنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ هُزَالًا فَسَمِنَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَّصِلَةِ عَنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ (لَا الْمُنْفَصِلَةِ) كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبْلِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ أَوَّلًا غَيْرُ مَانِعٍ لِمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا وَلَدَتْ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا، فَإِذَا جُعِلَتْ وَلَمْ تُرَدَّ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ انْتَهَى. لَكِنْ يُخَالِفُ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ

جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً تَتَبَّعْ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ شَيْءٌ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَكَالْجَمَالِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصِّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ لِلْعَيْنِ، وَكَذَا إذَا زَادَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيمَةِ كَمَا إذَا طَالَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَاحْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ عِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ وَهَبَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ الْفِدَاءَ، وَلَوْ عَلَّمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ زِيَادَةً فِي الْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَرَوَى الْخِلَافَ فِي الْعَكْسِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ فَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ عَلَّمَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ، أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ انْتَهَى هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي التَّبْيِينِ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّبْيِينِ أَشَارَ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَيُرْوَى الْخِلَافُ فِي الْعَكْسِ تَدَبَّرْ. وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ تُرَدُّ الْهِبَةُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعُقْرُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَمَّا مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِخُرُوجِ الْمَوْهُوبِ عَنْ مِلْكِهِ وَانْتِقَالِهِ إلَى وَارِثِهِ، وَأَمَّا مَوْتُ الْوَاهِبِ فَلِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ مِنْهُ، وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ وَالنَّصُّ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْمَنِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لَهَا كَالْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ أَذِنَ لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا. (وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ الْمُضَافُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْهِبَةِ (إذَا قَبَضَ) الْوَاهِبُ الْعِوَضَ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (نَحْوُ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا عَنْهَا) أَيْ عَنْ هِبَتِك (أَوْ) خُذْهُ (فِي مُقَابَلَتِهَا) أَيْ مُقَابَلَةِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِهِ عِوَضًا أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضٌ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ) التَّعْوِيضُ (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ جَازَ الْعِوَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَسَقَطَ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَلَوْ كَانَ التَّعْوِيضُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعَوِّضِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ شَرِيكَهُ سَوَاءٌ

كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا قَالَ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ (فَلَوْ لَمْ يُضِفْ) أَيْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ: خُذْ عِوَضَ هِبَتِك يَكُونُ فِعْلُهُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَا تَعْوِيضًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ (فَلِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ) . وَفِي الْمَبْسُوطِ هَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِيهَا الرِّبَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِقَطْعِ الرُّجُوعِ. (وَالْخَاءُ الْخُرُوجُ) أَيْ خُرُوجُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ (عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَإِنْ تَبَدَّلَ الْمِلْكُ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَلَوْ ضَحَّى الشَّاةَ الْمَوْهُوبَةَ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا، وَصَارَتْ لَحْمًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ أَيْ الْإِحْسَانُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ (وَقْتَ الْهِبَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَوْ وَهَبَ، ثُمَّ نَكَحَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً وَقْتَ الْهِبَةِ (لَا) يَرْجِعُ (لَوْ وَهَبَ، ثُمَّ أَبَانَ) لِوُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ الْمَانِعَةِ وَقْتَ الْهِبَةِ. (وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا صِلَةُ الرَّحِمِ، وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الرُّجُوعِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَلَا يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَرِيبُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، ثُمَّ فَسَّرَ الْقَرَابَةَ بِقَوْلِهِ: (فَلَا رُجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) مِنْ الْوَاهِبِ، وَإِنْ وَهَبَ لِمَحْرَمٍ بِلَا رَحِمٍ كَأَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ بِلَا مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمِّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ، وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى، وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَا أَيْ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا أَيْ فِي الْهِبَةِ لِلْوَاهِبِ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ. (وَالْهَاءُ هَلَاكُ الْمَوْهُوبِ) ، فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ (وَالْقَوْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْهَلَاكِ (قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ: هِيَ هَذِهِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ هَذِهِ كَمَا يَحْلِفُ الْوَاهِبُ

أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَيْسَ بِأَخِيهِ إذَا ادَّعَى الْأَخُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَفِي الزِّيَادَةِ قَوْلُ الْوَاهِبِ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ ازْدِيَادَ مَا فِي يَدِهِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً وَأَنْكَرَهَا الْوَاهِبُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ. (وَلَوْ عَوَّضَ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعِوَضِ عِوَضٌ عَنْ نِصْفِ الْهِبَةِ فَلَمَّا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ نِصْفَ الْهِبَةِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ) الْوَاهِبُ (بِشَيْءٍ حَتَّى يَرُدَّ بَاقِيَهُ) أَيْ بَاقِيَ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ أَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَمَا جَازَ لِلرِّبَا، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيُسْقِطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا مَرَّ آنِفًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ كُلِّ الْعِوَضِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كُلُّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ إذْ عِنْدَهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْهُوبِ. (وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْكُلَّ رَجَعَ بِالْكُلِّ فِيهِمَا) أَيْ لَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَبِمِثْلِهِ إنْ هَالِكًا، وَهُوَ مِثْلِيٌّ وَبِقِيمَتِهِ إنْ قِيَمِيًّا، وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْعِوَضِ حَيْثُ يَرْجِعُ فِي كُلِّ الْهِبَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَا إنْ هَالِكَةً، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَزْدَادَ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ، وَقَدْ ازْدَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (وَلَوْ عَوَّضَ عَنْ نِصْفِهَا) أَيْ الْهِبَةِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ (أَنْ يَرْجِعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ خَصَّ النِّصْفَ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الشُّيُوعُ فِي الْهِبَةِ لَكِنَّهُ طَارَ فَلَا يَضُرُّهُ. وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْعِوَضَ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ هُوَ الْمَشْرُوطُ فِي عَقْدِ الْهِبَةِ أَمَّا إذَا عَوَّضَهُ بَعْدَهُ فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرَهُ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقَةٌ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ دَقِيقَ الْحِنْطَةِ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْهَا، وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ عَوَّضَهُ وَلَدَ أَحَدِ جَارِيَتَيْنِ مَوْهُوبَتَيْنِ وُجِدَ بَعْدَ الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ خَرَجَ نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ الْهِبَةِ (عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ الْمَوْهُوبِ لَهُ (فَلَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ (أَنْ يَرْجِعَ بِمَا لَمْ يَخْرُجْ) عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ الِامْتِنَاعُ بِقَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي كُلِّ الْهِبَةِ فَفِي النِّصْفِ أَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا لَمْ يُعَوِّضْ. (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ) عَنْ الْهِبَةِ (إلَّا بِتَرَاضٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (أَوْ حُكْمِ قَاضٍ) بِالرُّجُوعِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى الْعَامَّةِ وَلِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا كَالرِّدَّةِ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذْ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الثَّوَابَ وَالتَّحَبُّبَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَرْجِعُ لِحُصُولِ الْمَرَامِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعِوَضَ، وَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِلْزَامِ وَالْقَضَاءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَصِحُّ بِدُونِهِمَا، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ. (فَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) الْعَبْدَ

الْمَوْهُوبَ (بَعْدَ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ نَفَذَ) إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَى فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ قَبْلَهَا. (وَلَوْ مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ عَنْ الْوَاهِبِ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (فَهَلَكَ) الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إلَّا إذَا طَلَبَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَمَنَعَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ لِمَنْعِهِ طَلَبَهُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَبَيْنَ الْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَهُوَ) أَيْ الرُّجُوعُ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعَ التَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي (فَسْخٌ) لِعَقْدِ الْهِبَةِ (مِنْ الْأَصْلِ) ، أَوْ إعَادَةٌ لِلْمِلْكِ الْقَدِيمِ (لَا هِبَةٌ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) وَعِنْدَ زُفَرَ الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي عَقْدٌ جَدِيدٌ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ. وَلَنَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا لِحَقِّ الْفَسْخِ، فَإِذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ لَا ابْتِدَاءً لِعَقْدٍ جَدِيدٍ، ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ) أَيْ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ لَا فِي عَوْدِهِ إلَى الْمِلْكِ الْقَدِيمِ. (وَصَحَّ) أَيْ الرُّجُوعُ (فِي الْمَشَاعِ) الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ وَهَبَ دَارًا وَرَجَعَ فِي نِصْفِهَا، وَلَوْ كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لَمَا صَحَّ فِي الْمَشَاعِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ. (وَإِنْ تَلِفَ الْمَوْهُوبُ) عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ (فَاسْتَحَقَّ) مُسْتَحِقٌّ (فَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) قِيمَتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ (لَا يَرْجِعُ عَلَى وَاهِبِهِ) بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَبَرُّعٌ، وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ عَامِلٌ لَهُ، وَبِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَالْإِعَارَةُ كَالْهِبَةِ هُنَا كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. (وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةُ ابْتِدَاءٍ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ (فَشَرْطُ الْقَبْضِ فِي الْعِوَضَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ لِمَا مَرَّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاهِبٌ مِنْ وَجْهٍ (وَمَنْعُهَا) أَيْ الْهِبَةِ (الشُّيُوعَ) فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ لَا تَصِحُّ (بَيْعُ انْتِهَاءٍ) أَيْ فِي انْتِهَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ التَّقَابُضِ (فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ) إذَا كَانَ عَقَارًا كَمَا مَرَّ (وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَشَرْطُ وَفِي قَوْلِهِ فَتَثْبُتُ نَتِيجَةُ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْكَلَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَيْعٌ مُطْلَقًا أَيْ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِبَدَلٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ بَيْعًا، وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ فَيُجْرِي فِيهِ أَحْكَامَ الْهِبَةِ وَانْتِهَاؤُهُ مُعْتَبَرًا بِمَعْنَاهُ فَيُجْرِي فِيهِ أَحْكَامَ الْبَيْعِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأْخِيرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ وَمِنْ حُكْمِ الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَقَدْ يَنْقَلِبُ الْهِبَةُ الْبَيْعَ بِالتَّعْوِيضِ هَذَا إذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى بِأَنْ يُقَالَ: وَهَبْتُك ذَا عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا إذْ لَوْ قَالَ

فصل في بيان أحكام مسائل متفرقة في الهبة

وَهَبْتُك بِكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْحَقَائِقِ وَالْغَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرْفُ الشَّرْطِ كَلِمَةَ إنْ بِأَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك كَذَا إنْ كَانَ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بَاطِلَةً كَالْبَيْعِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَة فِي الْهِبَة] فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ) وَهَبَهَا (عَلَى) شَرْطِ (أَنْ يَرُدَّهَا) أَيْ يَرُدَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْأَمَةَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاهِبِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُعْتِقَهَا أَوْ) عَلَى أَنْ (يَسْتَوْلِدَهَا) أَيْ يَتَّخِذَ الْأَمَةَ أُمَّ وَلَدٍ (صَحَّتْ الْهِبَةُ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ، وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ حَقِيقَةً فَتَصِحُّ فِيهِمَا، وَفِي الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ جَائِزٌ، وَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ. (وَ) بَطَلَ (الشَّرْطُ) فِي الصُّوَرِ الْبَاقِيَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالتَّمْلِيكِ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَالْهِبَةُ لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ. (وَكَذَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ (لَوْ وَهَبَ دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاهِبِ (بَعْضَهَا) أَيْ الدَّارِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّارِ، وَاعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَمَّا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا انْتَهَى، وَأَجَابَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِأَنْ نَخْتَارَ الشِّقَّ الْأَوَّلَ، وَقَوْلُهُ: فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا كَمَا عَرَفْت مِنْ الْمَبَاحِثِ السَّابِقَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى لَكِنْ إنَّ مَا جَعَلَ مَبْنَى الْجَوَابِ مِنْ كَوْنِ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ شَرْطًا فَاسِدًا مُوَافِقٌ لِلْخَانِيَةِ فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ إنْفَاقِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى الْوَاهِبِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَمِّ الْعِوَضَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي عِوَضًا مَجْهُولًا، وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَلَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ فِي عِبَارَةِ الْعِوَضِ مَظِنَّةَ الصِّحَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنَّ الْأَوْلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا وَلَا يَكُونَ عِوَضًا لِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَصَرِيحٌ بِالْعِوَضِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ. (وَلَوْ دَبَّرَ الْحَمْلَ، ثُمَّ وَهَبَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ

إلَى مَوْتِهِ فَصَارَ كَهِبَةِ الْمُشَاعِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْحَمْلَ (ثُمَّ وَهَبَهَا) أَيْ الْأَمَةَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ فِي الْوَلَدِ وَالْهِبَةِ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ فَلَمْ تَشْتَغِلْ الْأَمَةُ غَيْرَ حَضَانَةِ الْوَلَدِ. (وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَالدَّيْنُ لَك أَوْ) قَالَ: (فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (أَوْ) قَالَ: (إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ) أَيْ الدَّيْنِ (فَالْبَاقِي) أَيْ النِّصْفُ الْآخَرُ (لَك أَوْ) قَالَ لَهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ (فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي (فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَيَبْطُلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ أَبْرَأْتُك عَنْهُ، وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ: إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِك هَذَا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي أَوْ قَالَتْ: مَهْرِي عَلَيْك صَدَقَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَتَعْلِيقٌ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا مِتُّ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك جَازَ وَيَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعْمَرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ (حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهُوَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ» ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَلِوَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ الْعُمْرَى بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ، فَإِذَا مَاتَ رُدَّتْ) الدَّارُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاهِبِ بَطَلَ شَرْطُ الرَّدِّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَا مَرَّ. (وَالرُّقْبَى) بِضَمِّ الرَّاءِ (بَاطِلَةٌ) ، فَإِنْ قَبَضَهَا كَانَتْ عَارِيَّةً (فِي يَدِهِ) هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَالْعُمْرَى) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا» وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِرْقَابِ مَعْنَاهُ رَقَبَةُ دَارِي لَك، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ بِالشَّكِّ فَتَكُونُ عَارِيَّةً، ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِهَا بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ قَبْلَك فَلَكَ ذَلِكَ، وَإِنْ مِتَّ قَبْلِي فَلِي) فَيَتَرَقَّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مَوْتَ صَاحِبِهِ. وَفِي التَّنْوِيرِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ مَتَاعًا، وَبَعَثَتْ لَهُ أَيْضًا، ثُمَّ افْتَرَقَا بَعْدَ الزِّفَافِ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ، وَأَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ وَأَرَادَتْ أَيْضًا يَسْتَرِدُّ كُلٌّ مَا أَعْطَى لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبَعَثَ هَدَايَا إلَيْهَا وَعُوِّضَتْ الْمَهْرَ

كتاب الإجارة

لِهَدَايَا عِوَضًا لِلْهِبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هِبَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِوَضًا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَرِدَّ. (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مِثْلُهَا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (لَا تَصِحُّ) الصَّدَقَةُ (بِدُونِ الْقَبْضِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَقْبُوضَةً كَالْهِبَةِ (وَلَا) تَصِحُّ فِي مَشَاعٍ (يُقَسَّمُ) أَنْ يَحْتَمِلَ الْقِسْمَةَ كَسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا هُوَ الثَّوَابُ دُونَ الْعِوَضِ. (وَلَوْ) كَانَتْ الصَّدَقَةُ (لِغَنِيٍّ) اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ: كَانَتْ هِبَةً وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: صَدَقَةً فَالْقَوْل لِلْوَاهِبِ. وَفِي الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ، وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْمَوْلَى سَعْدِي جَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَا) رُجُوعَ (فِي الْهِبَةِ لِفَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِغَنِيٍّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ (لَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ هِبَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَمْلُوكَهُ لَا يَصِيرُ لِغَيْرِهِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ. (وَإِنْ قَالَ: مَا يَنْسُبُ إلَيَّ أَوْ مَا يَعْرِفُ لِي) فُلَانٌ (فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّمْلِيكُ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّهُ مِلْكٌ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدَيَّ فَيَكُونُ إقْرَارًا. وَفِي التَّنْوِيرِ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِبْرَاؤُهُ عَنْهُ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ. وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى لَمَّا سَأَلْته عَمَّنْ كَتَبَ قِصَّةً إلَى السُّلْطَانِ وَسَأَلَ مِنْهُ تَمْلِيكَ أَرْضٍ مَحْدُودَةٍ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِالتَّوْقِيعِ فَكَتَبَ كَاتِبُ السُّلْطَانِ عَلَى ظَهْرِ الْقِصَّةِ: إنِّي جَعَلْت الْأَرْضَ مِلْكًا لَهُ هَلْ تَصِيرُ الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ: الْقِيَاسُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ عَنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُقِيمَ السُّؤَالُ بِالْقِصَّةِ مَقَامَ حُضُورِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ بِالتَّوْقِيعِ تَمَلَّكَ. [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] ِ عَقَّبَهُ بِالْهِبَةِ تَرَقِّيًا مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ أَقْوَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرَ آجَرَ زَيْدٌ يَأْجُرُ بِالضَّمِّ أَيْ صَارَ أَجِيرًا إلَّا أَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِيجَارِ الْمَصْدَرُ يُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ الْبَعْضِ فَيُقَالُ: آجَرْت إجَارَةً أَيْ أَكْرَيْتُهَا وَلَمْ يَجِئْ مِنْ فَاعِلٍ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَذَا فِي الرِّضَى. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْإِجَارَةُ فِعَالَةٌ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ وَآجَرَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ لَا أَفْعَلَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَارَ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ، وَالْمُضَارِعُ يُؤَاجِرُ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ الْمُؤَاجِرُ وَعِنْدَ الْخَلِيلِ أَجَرْت زَيْدًا مَمْلُوكِي أُوجِرُهُ إيجَارًا وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَ

وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَمْ يَقُلْ مُؤَاجِرٌ، فَإِنَّهُ غَلَطٌ وَمُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضِعٍ قَبِيحٍ، وَقَدْ جَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي مُقَدِّمَةِ الْأَدَبِ كَوْنَ آجَرَهُ الدَّارَ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ مَعًا. وَفِي الْإِصْلَاحِ (هِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (بَيْعُ مَنْفَعَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ عَيْنٍ (مَعْلُومَةٍ) جِنْسًا وَقَدْرًا (بِعِوَضٍ) مَالِيٍّ أَوْ نَفْعٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَسُكْنَى دَارٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى لِلرِّبَا (مَعْلُومٍ) قَدْرًا وَصِفَةً فِي غَيْرِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (دَيْنٍ) أَيْ مِثْلِيٍّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ (أَوْ عَيْنٍ) أَيْ قِيَمِيٍّ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمَا فَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالنِّكَاحُ، فَإِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لَا تَمْلِيكُهَا. وَفِي الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ تَمْلِيكُ نَفْعٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِتَنَاوُلِهِ الْفَاسِدَةَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبِالشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُ النَّفْعِ وَالْعِوَضِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ صَحِيحًا وَمَا اُخْتِيرَ هَهُنَا تَعْرِيفٌ لِلْأَعَمِّ انْتَهَى لَكِنَّ الْمَقْصُودَ قَيَّدَ الْبَدَلَيْنِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ بِالْجَهَالَةِ عَنْ التَّعْرِيفِ وَنَبَّهَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّرْعِ هِيَ الْإِجَارَةُ الْغَيْرُ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ وَجَعَلَ ذِكْرَ الْمَعْلُومِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ الْآتِي، وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ تَارَةً إلَى آخِرِ تَدَبُّرٍ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْدُومٌ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى مَا سَيُوجَدُ لَا يَصِحُّ لَكِنَّهُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمَةٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهَا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَقَوْلُهُ قَوْله تَعَالَى: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ. وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ، وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لِارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ يُوهِمُ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْمَوْلَى سَعْدِي عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُتَأَمَّلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ هُوَ ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، فَإِذَا حَصَلَ الِارْتِبَاطُ بِإِقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ يَتَحَقَّقُ الِانْعِقَادُ فَمَا مَعْنَى الِانْعِقَادِ سَاعَةً فَسَاعَةً بَعْدَ ذَلِكَ تَدَبَّرْ وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِجَارَةِ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِقَلِيلٍ مِنْ الْبَدَلِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا وَحَمَّامٍ يَغْتَسِلُ فِيهَا وَإِبِلٍ يَحْمِلُ أَثْقَالَهُ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهُ إلَّا بِمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ وَشَرْطُهَا مَعْلُومِيَّةُ الْبَدَلَيْنِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ

وَالْقَبُولُ بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ وَهَبْتُك مَنَافِعَهَا. وَتَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، وَشَرْطُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَتَيْنِ، وَحُكْمَا وُقُوعِ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا مَرَّ. وَفِي الْمِنَحِ: وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قَدْ يَجْعَلُونَ لِكُلِّ سَنَةٍ دَانِقًا وَقَدْ يَجْعَلُونَ فُلُوسًا وَفِي غَيْرِ الطَّوِيلَةِ الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت: مُفَادُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي انْتَهَى. (وَمَا صَلَحَ ثَمَنًا) فِي الْبَيْعِ (صَلَحَ أُجْرَةً) فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بِثَمَنِ الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَمُرَادُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ، فَإِنَّ الْعَيْنَ يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْمُقَايَضَةِ فَتَصْلُحُ أُجْرَةً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ انْصَرَفَتْ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ مُخْتَلِفَةً فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا، فَإِنْ بَيَّنَ جَازَ وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ قَوْلُهُ وَمَا صَلَحَ ثَمَنًا صَلَحَ أُجْرَةً لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى صَلَحَ أُجْرَةً مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا كَالْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا وَتَصْلُحُ أُجْرَةً إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ، وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا. (وَتَفْسُدُ) الْإِجَارَةُ (بِالشُّرُوطِ) كَالْبَيْعِ (وَيَثْبُتُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ. (وَ) خِيَارُ (الرُّؤْيَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا. (وَ) خِيَارُ (الْعَيْبِ) سَوَاءٌ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ (وَتُقَالُ) الْإِجَارَةُ (وَتُفْسَخُ) كَمَا فِي الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَمَّا ذَكَرَ فِي التَّعْرِيفِ مَعْلُومِيَّةَ الْمَنْفَعَةِ احْتَاجَ إلَى مَا بِهِ تَكُونُ مَعْلُومَةً فَقَالَ (وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ تَارَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى) أَيْ كَإِجَارَةِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى (وَالزِّرَاعَةِ) أَيْ كَأُجْرَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ (فَتَصِحُّ) إجَارَتُهَا (مُدَّةً مَعْلُومَةً أَيَّ مُدَّةً كَانَتْ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ فَأَفَادَ أَنَّهَا تَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ لَا يَعِيشُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ إلَى مِثْلِهَا عَادَةً وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلَّفْظِ، وَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّوْقِيفَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ تَوْقِيتٌ فَيَكُونُ مُتْعَةً وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَيَقَّنِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَصَارَتْ الْإِجَارَةُ مُؤَبَّدَةً مَعْنًى، وَالتَّأْبِيدُ يُبْطِلُهَا فَأَفَادَ أَنَّهَا تَجُوزُ مُضَافَةً كَمَا لَوْ قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا وَلِلْمُؤَجِّرِ بَيْعُهَا الْيَوْمَ وَتَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ إلَى الْغَدِ، ثُمَّ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لِلْآجِرِ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ. وَفِي رِوَايَةٍ جَازَ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمُضَافَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. (وَفِي الْوَقْفِ يَتْبَعُ

شَرْطَ الْوَاقِفِ) ؛ لِأَنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ (فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) الْوَاقِفُ فِي إجَارَتِهِ مُدَّةً بَلْ سَكَتَ عَنْهَا (فَالْفَتْوَى أَنْ لَا يُزَادَ فِي) إجَارَةِ (الْأَرَاضِيِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَفِي) إجَارَةِ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْأَرَاضِيِ أَنْ لَا يُزَادَ (عَلَى سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ أَفْتَى الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الضِّيَاعِ وَعَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي غَيْرِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فَلَوْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ لَمْ تَصِحَّ وَقِيلَ تَصِحُّ وَتُفْسَخُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا قَبْلَهَا ذُكِرَتْ فِي الْوَقْفِ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَكْرَارِهَا، وَالْحِيلَةُ فِي الزِّيَادَةِ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا مُتَفَرِّقَةً كُلَّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً بِكَذَا فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا وَالْبَاقِي غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَلِمُتَوَلِّي الْوَقْفِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ فِي الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ إذَا خَافَ بُطْلَانَ الْوَقْفِ لِعِلَّةٍ مَذْكُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ طَوِيلَةً بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْجَوَازِ إذَا كَانَتْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ دَعْوَى الْمِلْكِ بِمُرُورِ الزَّمَانِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ بِعُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا جَوَّزَهَا الْبَعْضُ تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ انْتَهَى، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي الزِّيَادَةِ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ آجَرَ النَّاظِرُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ. وَفِي الْبَحْرِ مُتَوَلِّي أَرْضِ الْوَقْفِ آجَرَهَا بِغَيْرِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ مُسْتَأْجِرَهَا تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قِيلَ إنْ اسْتَأْجَرَ دَارَ الْوَقْفِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ يَجُوزُ، وَإِنْ غَلَا أَجْرُ مِثْلِهَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيُجَدِّدُ ثَانِيًا وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى سَنَةٍ فَغَلَا السِّعْرُ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ يَفْسَخُ الْعَقْدَ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيُجَدِّدُ ثَانِيًا فِيمَا بَقِيَ بِخِلَافِ الْكَرْمِ الْمُسْتَأْجَرِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهُ فِي رَأْسِ السَّنَةِ. (وَ) الْمَنْفَعَةُ (تَارَةً تُعْلَمُ بِذِكْرِ الْعَمَلِ كَصَبْغِ الثَّوْب وَخِيَاطَتِهِ) أَيْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ الثَّوْبَ الَّذِي يَصْبُغُ، وَلَوْنَ الصِّبْغِ بِأَنَّهُ أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ، وَقَدْرَ الصِّبْغِ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ، وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْمَخِيطِ (وَحَمْلِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ عَلَى دَابَّةٍ مَسَافَةً مَعْلُومَةً) لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ حَتَّى لَوْ خَلَا عَنْهُمَا فَهِيَ فَاسِدَةٌ، وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ إجَارَةِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَوْضِعِ. (وَ) الْمَنْفَعَةُ (تَارَةً) تُعْلَمُ (بِالْإِشَارَةِ كَنَقْلِ هَذَا) الطَّعَامِ (مَثَلًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ مَا يَنْقُلُهُ مَعَ مَوْضِعٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا. (وَالْأُجْرَةُ) فِي الْإِجَارَةِ (لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ) أَيْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا

عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلِذَا يُقَامُ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمَنْفَعَةِ كَمَا يُقَامُ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ مُؤَجَّلًا مُوَقَّتًا عَلَى تَحَقُّقِ أَحَدِ الْأُمُورِ الْآتِي ذِكْرُهَا. وَعَنْ هَذَا وَقَالَ (بَلْ) تُسْتَحَقُّ (بِالتَّعْجِيلِ) هُوَ (أَوْ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعِتْقِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، فَإِذَا عَجَّلَ أَوْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ فَقَدْ أَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ، فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ مِنْ التَّبَدُّلِ لِلتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى (أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا إذْ الْعَقْدُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ (أَوْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ. (فَتَجِبُ) الْأُجْرَةُ (لَوْ قَبَضَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الدَّارَ وَلَمْ يَسْكُنْهَا) أَيْ الدَّارَ (حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ نَفْسِ الْمَنْفَعَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ تَسْلِيمُ مَحَلِّهَا مَقَامَهَا إذْ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَثْبُتُ بِهِ. وَفِي النَّوَازِلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَرْكَبْهَا إنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلَّةٍ فِي الدَّابَّةِ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ فِيهَا فَلَا أَجْرَ. (وَتَسْقُطُ) الْأُجْرَةُ (بِالْغَصْبِ) إلَّا إذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُ الْغَاصِبِ مِنْ الدَّارِ بِشَفَاعَةٍ وَحِمَايَةٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (بِقَدْرِ فَوْتِ التَّمَكُّنِ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ غَاصِبٌ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ غَصَبَ فِي بَعْضِهَا سَقَطَتْ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِالْغَصْبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ خِلَافًا لِقَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَنْفَسِخُ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِلْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَمُرَادُهُ مِنْ الْغَصْبِ هَهُنَا الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَيْنِ لَا حَقِيقَتُهُ إذْ الْغَصْبُ لَا يَجْرِي فِي الْعَقَارِ عِنْدَنَا قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُؤَجِّرُ الْغَصْبَ، وَأَعَادَهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى دَعْوَاهُ بِحُكْمِ الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ السَّاكِنَ فِي الدَّارِ حَالَ الْمُنَازَعَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ وَفِي تَنْوِيرِهِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ أَيْ سَلَّمَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتٌ يَرْغَبُ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَقْتٌ كَذَلِكَ أَيْ يَرْغَبُ فِيهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ دُونَ وَقْتٍ كَمَا فِي بُيُوتِ مَكَّةَ وَمِنًى خُيِّرَ فِي قَبْضِ الْبَاقِي وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا سَكَنَ دَارًا مُعَدَّةً لِلْغَلَّةِ أَوْ زَرَعَ أَرْضًا مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْقُنْيَةِ تَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي الْمِصْرِ مَعَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

الدَّارِ تَسْلِيمٌ لِلدَّارِ حَتَّى تَجِبَ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ وَتَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ فِي السَّوَادِ لَيْسَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ، وَإِنْ حَضَرَ الْمِصْرَ وَالْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ. (وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلِرَبِّ الدَّابَّةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ تَسْلِيمُهُ، وَلَوْ خُطْوَةً أَوْ سَكَنَ سَاعَةً إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا اسْتِحْسَانًا وَقَدَّرْنَا بِيَوْمٍ وَمَرْحَلَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ إلَّا إذَا بَيَّنَ زَمَانَ الطَّلَبِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيُوقَفُ الْمُؤَجَّرُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ. وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَوَّلًا. (وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) إذْ قَبْلَهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْبَعْضِ فَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلْأَجْرِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّجْرِيدِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا خَاطَ الْبَعْضُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ كَمَا إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ بِمَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى. وَفِي التَّنْوِيرِ ثَوْبٌ خَاطَهُ الْخَيَّاطُ بِأَجْرٍ فَفَتَقَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الثَّوْبِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخَيَّاطُ هُوَ الْفَاتِقَ لِلثَّوْبِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ. (وَلِلْخَبَّازِ) طَلَبُ الْأَجْرِ (بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ) مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ وَفِي إطْلَاقِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِإِخْرَاجِ الْبَعْضِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ (فَإِنْ احْتَرَقَ) الْخُبْزُ (قَبْلَ الْإِخْرَاجِ) مِنْ التَّنُّورِ (سَقَطَ الْأَجْرُ) سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي بَيْتِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ هَذَا جِنَايَةُ يَدِهِ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ، فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْوِقَايَةِ، فَإِنْ احْتَرَقَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَقَبْلَهُ لَا وَلَا غُرْمَ فِيهِمَا. وَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَيْ فِي الِاحْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْمَنْقُولِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْفُحُولِ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ وَصَاحِبِ الْغَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاحْتِرَاقِ فِي الْوِقَايَةِ مَا لَا يَكُونُ بِصُنْعِهِ، وَفِي الْغَايَةِ مَا يَكُونُ بِصُنْعِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْفَصْلَيْنِ عَلَى الْخَبَّازِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ مِنْهُ فِيهِمَا هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا قِيلَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَقَطْ لَا فِيمَا إذَا احْتَرَقَ قَبْلَهُ تَتَبَّعْ. وَعَنْ هَذَا قَالَ: (وَإِنْ) احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ

(فَلَا) يَسْقُطُ (إنْ) كَانَ يَخْبِزُ (فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِوَضْعِهِ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ مَنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْإِخْرَاجِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ (وَلَا ضَمَانَ) فِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ ضَمَّنَهُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَلَهُ الْأَجْرُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ. وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهُوَ مُجْرَى عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا مِثْلَ دَقِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ. (وَلِلطَّبَّاخِ لِلْوَلِيمَةِ) طَلَبُ الْأَجْرِ (بَعْدَ الْغَرْفِ) أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي الْقِصَاعِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوَلِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا عُرْفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، فَإِنْ أَفْسَدَ الطَّبَّاخُ أَوْ أَحْرَقَهُ أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلطَّعَامِ، وَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ أَوْ الطَّبَّاخُ الْبَيْتَ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ بِهَا أَوْ يَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَلِضَارِبِ اللَّبِنِ) عَلَى وَزْنِ الْكَلِمِ أَيْ لِلَّذِي يَتَّخِذُ اللَّبِنَ مِنْ الطِّينِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ (بَعْدَ إقَامَتِهِ) أَيْ إقَامَةِ اللَّبِنِ عَنْ مَحَلِّهِ عِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ فَسَدَ بِالْمَطَرِ قَبْلَهَا فَلَا أَجْرَ لَهُ (وَقَالَا بَعْدَ تَشْرِيحِهِ) ، وَهُوَ جَعْلُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى لَوْ فَسَدَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَبْلَ النَّقْلِ فَلَا أَجْرَ لَهُ إذْ لَا يُؤْمَنُ الْفَسَادُ قَبْلَهُ وَلَهُ أَنَّ الْفَرَاغَ هُوَ الْإِقَامَةُ، وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ لَبَّنَ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُسَلِّمَهُ، وَذَلِكَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْعُرْفُ فِي دِيَارِنَا عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ. (وَمَنْ) كَانَ (لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ) (كَصَبَّاغٍ) يُظْهِرُ لَوْنًا فِي الثَّوْبِ (وَقَصَّارٍ يُقَصِّرُ بِالنَّشَا وَالْبَيْضِ) هَذَا فِي دِيَارِ الشَّامِ لِيُظْهِرَ الْبَيَاضَ الْمَسْتُورَ، وَكَذَا حُكْمُ قَصَّارٍ يُقَصِّرُ بِالْمَاءِ الصَّافِي وَالرَّمَادِ كَمَا فِي دِيَارِنَا كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (حَبْسُهَا) أَيْ الْعَيْنِ (لِلْأَجْرِ) أَيْ لِأَجْلِ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا. وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِهِ. وَلَنَا أَنَّ اتِّصَالَ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصِّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ، وَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَالرِّضَى لَا يَثْبُتُ مَعَ الِاضْطِرَارِ هَذَا إذَا كَانَ حَالًّا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ هَذَا إذَا عَمِلَ فِي دُكَّانِهِ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ (فَإِنْ حَبَسَهَا) لِلْأَجْرِ (فَضَاعَتْ)

الْعَيْنُ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْحَبْسِ (وَلَا أَجْرَ) لَهُ إذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا: إنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمِنَهُ مَصْبُوغًا، وَلَهُ الْأَجْرُ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ تَقْدِيرًا؛ لِوُصُولِ قِيمَتُهُ إلَيْهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَارَ مُسَلَّمًا حَقِيقَةً (أَوْ غَيْرَ مَصْبُوغٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ. (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَيْنِ (كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ وَغَاسِلِ الثَّوْبِ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (حَبْسُهَا) أَيْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَهُوَ عَرَضٌ، وَلَا لَهُ أَثَرٌ يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ، وَلَوْ حَبَسَهَا ضَمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَتَهَا مَقْبُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ (بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ) ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ عَلَى الْجُعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالْهَلَاكِ فَأَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ (وَإِذَا أَطْلَقَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الْعَمَلَ لِلصَّانِعِ) وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَمَلِهِ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) كَمَا إذَا أَمَرَ أَنْ يَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ فَاللَّازِمُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ سَوَاءٌ أَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِعَانَةِ غَيْرِهِ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ إطْلَاقٌ لَا تَقْيِيدٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ. (وَإِنْ قَيَّدَهُ بِعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ: خُطَّهُ بِيَدِك (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ، وَلَوْ غُلَامَهُ أَوْ أَجِيرَهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ يَكُونُ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ) مِنْ مَوْضِعٍ (فَوَجَدَ بَعْضَهُمْ) أَيْ بَعْضَ الْعِيَالِ (قَدْ مَاتَ فَأَتَى بِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْعِيَالِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ (أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ هَذَا إذَا كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابِلًا بِجُمْلَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانُوا مَعْلُومِينَ وَإِلَّا فَكُلُّهُ لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْخُلَاصَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعْلُومِينَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. (وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ لِإِيصَالِ طَعَامٍ إلَى زَيْدٍ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا) أَوْ لَمْ يَجِدْهُ (فَرَدَّهُ) أَيْ الطَّعَامَ (فَلَا أَجْرَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَمْلُ الطَّعَامِ وَإِيصَالُهُ إلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَمْلِ إلَى الْبَصْرَةِ وَقَدْ أَوْفَى بِهِ، وَجَنَى فِي رَدِّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِجِنَايَتِهِ حَقُّهُ مِنْ أُجْرَتِهِ. (وَكَذَا) لَوْ اسْتَأْجَرَ (لِإِيصَالِ كِتَابٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى زَيْدٍ (فَرَدَّهُ)

باب ما يجوز من الإجارة وما لا يجوز

أَيْ الْكِتَابَ (لِمَوْتِهِ) أَيْ زَيْدٍ أَوْ غَيْبَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَجْرُ ذَهَابِهِ هُنَا) أَيْ لَهُ الْأَجْرُ لِلذَّهَابِ فِي نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَقْلُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ لَكِنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَقَدْ نَقَضَهُ فَسَقَطَ الْأَجْرُ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ لَا مَعَ الْإِمَامِ لَكِنْ يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. (وَلَوْ تَرَكَهُ) أَيْ الْكِتَابَ (هُنَاكَ لِلْوَرَثَةِ) ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى وَصِيِّهِ (فَلَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ، وَهَذَا إذَا شَرَطَ الْمَجِيءَ وَإِلَّا وَجَبَ كُلُّ الْأُجْرَةِ لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُوَصِّلْهُ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِيصَالُ. [بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ] ُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ وَشُرُوطِهَا وَوَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَذْكُرْ مَا يَعْمَلُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْجَهَالَةِ كَالْأَرْضِ، وَالثِّيَابِ، فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ، وَالْعَمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَلَهُ الْوُضُوءُ، وَالِاغْتِسَالُ وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَكَسْرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِحَائِطِهِ، وَالدَّقُّ الْمُعْتَادُ الْيَسِيرُ وَأَنْ يَدُقَّ فِيهِ وَتَدًا وَيَرْبِطَ الدَّوَابَّ فِي مَوْضِعٍ مُعْتَادٍ لَهُ وَيُسْكِنَهَا مَنْ أَحَبَّ سَوَاءٌ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُدْخِلَ دَابَّتَهُ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بَعْدَمَا سَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدَ الْعَقْدِ: اسْتَأْجَرْتُ هَذِهِ الدَّارَ لِلسُّكْنَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا غَيْرَ السُّكْنَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (سِوَى مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ كَالْحِدَادَةِ، وَالْقِصَارَةِ، وَالطَّحْنِ) مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُوهِنُ الْبِنَاءَ، وَالْمُرَادُ رَحَى الثَّوْرِ وَالْمَاءِ لَا رَحَى الْيَدِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ النَّصْبِ فِيهِ وَلَوْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ، وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَإِنْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ كَانَ

الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. (وَ) صَحَّ (اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ إنْ بَيَّنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مَا يَزْرَعُ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِاسْتِئْجَارِهَا لِلزِّرَاعَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا يَتَفَاوَتُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ (أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ) فِيهَا (مَا شَاءَ) كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ، وَالطَّرِيقُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعَيْنِ رَبِيعِيًّا وَخَرِيفِيًّا. وَفِي التَّنْوِيرِ آجَرَهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ لَا تَجُوزُ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدُ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُضَافَةً إلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ بِغَيْرِ حَقٍّ صَحَّتْ. (وَ) صَحَّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ (لِلْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ) أَيْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْعٌ مَقْصُودٌ بِالْإِجَارَةِ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ) أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَوِيلَةٍ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرَ (أَنْ يَقْلَعَهُمَا) أَيْ الْبِنَاءَ، وَالْغَرْسَ (وَيُسْلِمَهَا) أَيْ الْأَرْضَ حَالَ كَوْنِهَا (فَارِغَةً) عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يَتْرُكَا إلَيْهَا، وَفِي تَرْكِهَا عَلَى الدَّوَامِ ضَرَرٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَوَجَبَ الْقَلْعُ. وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا وَبَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِي الْبَحْرِ، وَبِهَذَا تُعْلَمُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ (الْمُؤَجِّرُ) وَهُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ (قِيمَةَ ذَلِكَ) أَيْ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ (مَقْلُوعًا) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمَا (بِرِضَى صَاحِبِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ. (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ (فَبِدُونِ رِضَاهُ) أَيْ يَغْرَمُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ بِدُونِ رِضَى صَاحِبِهِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَغْرَمُ بِرِضَاهُ إنْ كَانَتْ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ وَمَعْرِفَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، وَالشَّجَرِ وَيُقَوِّمَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَهُ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا (أَوْ يَرْضَيَا) عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ أَيْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَكِنَّ رِضَى الْمُؤَجِّرِ يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ إلَى رِضَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا قَالُوا فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (بِتَرْكِهِ) أَيْ بِتَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ عَلَى الْأَرْضِ (فَيَكُونُ الْبِنَاءُ

وَالْغَرْسُ لِهَذَا) أَيْ لِلْمُؤَجَّرِ (وَالْأَرْضُ لِهَذَا) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ (وَالرَّطْبَةُ) فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَكَذَا الْكُرَّاثُ وَنَحْوُهُمَا (كَالشَّجَرِ) فِي الْقَطْعِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إذْ لَيْسَ لِانْتِهَائِهِمَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ) عَلَى الْأَرْضِ (بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُوجَدُ فِي التَّأْخِيرِ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ بِخِلَافِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ، وَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْلَى مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً وَيَلْحَقُ بِالْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَعِيرُ فَيُتْرَكُ إلَى إدْرَاكِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ مُطْلَقًا. (وَ) صَحَّ (اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ وَ) اسْتِئْجَارُ (الثَّوْبِ لِلُّبْسِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُؤَجِّرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّكُوبَ أَوْ اللُّبْسَ بِمَعْنَى أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ وَيُلْبِسَ مَنْ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّاكِبِ، وَاللَّابِسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَاجَةِ (فَإِذَا رَكِبَ) الدَّابَّةَ (أَوْ لَبِسَ) الثَّوْبَ (هُوَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْسُهُ (أَوْ أَرْكَبَ) الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ (أَوْ أَلْبَسَ) الثَّوْبَ (غَيْرَهُ تَعَيَّنَ) مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ (فَلَا يَسْتَعْمِلُهُ غَيْرُهُ) فَصَارَ كَالنَّصِّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَفِي الْبَحْرِ وَإِذَا تَكَارَى قَوْمٌ مُشَاةٌ إبِلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَارِيَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ عَيَّ مِنْهُمْ فَهُوَ فَاسِدٌ (وَإِنْ قَيَّدَ) الْمُؤَجِّرُ (بِرَاكِبٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ لَابِسٍ) مُعَيَّنٍ (فَخَالَفَ ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ، وَاللُّبْسِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الضَّمَانِ مُمْتَنِعٌ. (وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ) فِي كَوْنِهِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ مَعَ الْمُخَالَفَةِ، وَالتَّقْيِيدِ (وَمَا لَا يُخْتَلَفُ بِهِ) أَيْ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ (فَتَقْيِيدُهُ) أَيْ تَقْيِيدُ الْمُؤَجِّرِ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ (هَدْرٌ فَلَوْ شَرَطَ) الْمُؤَجِّرُ (سُكْنَى وَاحِدٍ) بِعَيْنِهِ فِي إجَارَةِ الدَّارِ (جَازَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فِي السُّكْنَى وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ

وَالْقِصَارَةِ فَهُوَ خَارِجٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَاللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ضَرْبِهِ وَنَصْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ. (وَإِنْ سَمَّى مَا يَحْمِلُ عَلَى الدَّابَّةِ نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ) يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (حَمْلُ مِثْلِهِ أَوْ) مَا (أَخَفُّ) مِنْهُ فِي الضَّرَرِ (كَالشَّعِيرِ، وَالسِّمْسِمِ لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا (مَا هُوَ أَضَرُّ) مِنْهُ (كَالْمِلْحِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُقَدَّرَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ كُرَّ حِنْطَةٍ لِغَيْرِهِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِحَمْلِ كُرِّ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَهُ حَمْلُ كُرِّ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْجِنْسِ كَيْفَ مَا كَانَ لِلْمُخَالَفَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقَيُّدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَلَا فَائِدَةَ هُنَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَحَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ الْقُطْنِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْبُرِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي هَذَا أَيْضًا عَدَمَ الضَّمَانِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ أَوْ الْقُطْنِ مِثْلُ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا وَزْنًا وَبِهِ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (وَإِنْ سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْقُطْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا) ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا أَكْثَرَ. (وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا سَمَّى فَعَطِبَتْ) الدَّابَّةُ (ضَمِنَ قَدْرَ الزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ تُطِيقُ مَا حَمَّلَهَا) ؛ لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مِائَةَ مَنٍّ، وَزَادَ عَلَيْهِ عِشْرِينَ مَنًّا يَضْمَنُ سُدُسَ الدَّابَّةِ وَأَشَارَ بِالزِّيَادَةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَلَوْ حَمَلَ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْمُسَمَّى وَجَبَ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَإِلَى أَنَّهُ حَمَلَ الزِّيَادَةَ مَعَ الْمُسَمَّى مَعًا فَلَوْ حَمَلَ الْمُسَمَّى وَحْدَهُ ثُمَّ حَمَلَ الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا حَمَّلَهَا (فَكُلَّ الْقِيمَةِ) لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ هَذَا إذَا حَمَّلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ أَمَّا إذَا حَمَّلَهَا صَاحِبُهَا بِيَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ حَمَّلَا مَعًا وَجَبَ النِّصْفُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَوْ حَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ جُوَالِقًا وَحْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَجْعَلُ حَمْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْأَجْرِ إذَا هَلَكَ. وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ لَا يُقَالُ: كَيْفَ اجْتَمَعَ الْأَجْرُ، وَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَةِ الْحَمْلِ الْمُسَمَّى، وَالضَّمَانُ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَجْرِ إذَا سَلِمَتْ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ الْمُسَمَّى فَقَطْ أَمَّا إذَا حَمَّلَهُ الْحَمَّالُ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ فَلَا كَلَامَ، وَأَمَّا إذَا حَمَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ زَائِدًا عَلَى الْمُسَمَّى فَمَنَافِعُ الْغَصْبِ لَا تَضْمَنُ عِنْدَنَا، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَمِّلُ الْمُسْتَأْجِرُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى إلَّا بِرِضَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَرَى الْمُكَارِي

جَمِيعَ مَا يُحَمِّلُهُ انْتَهَى (وَفِي الْإِرْدَافِ يَضْمَنُ النِّصْفَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا اسْتَأْجَرَ الدَّابَّةَ لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ نِصْفَ قِيمَتِهَا (وَلَا عِبْرَةَ بِالثِّقَلِ) ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْعَالِمِ بِالْفُرُوسِيَّةِ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ ثَقُلَ وَرُكُوبُ غَيْرِ الْعَالِمِ أَضَرُّ، وَإِنْ خَفَّ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ حَمْلَهُمَا يَضْمَنْ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَقَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ وَقَيَّدَ بِالْإِرْدَافِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ، وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ كَبَحَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ مِنْ كَبَحْت الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا إذَا رَدَّهَا، وَهُوَ أَنْ يَجْذِبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا تَجْرِيَ (أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ) أَيْ هَلَكَتْ (ضَمِنَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (فِيمَا هُوَ مُعْتَادٌ) ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ فِي السَّيْرِ مُعْتَادٌ فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ. وَفِي الْعِنَايَةِ إنْ ضَرْبَهُ لِلدَّابَّةِ يَكُونُ تَعَدِّيًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ قَيَّدَ بِالْكَبْحِ؛ لِأَنَّ بِالسَّوْقِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا. (وَإِنْ تَجَاوَزَ بِهَا) أَيْ بِالدَّابَّةِ (مَكَانًا سَمَّاهُ) فَعَطِبَتْ (ضَمِنَ) قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا (وَلَا يَبْرَأُ) عَنْ الضَّمَانِ (بِرَدِّهَا) أَيْ الدَّابَّةِ (إلَى مَا سَمَّاهُ) أَيْ إلَى مَكَان سَمَّاهُ. (وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (اسْتَأْجَرَهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا فِي الْأَصَحِّ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ كَالْمُودِعِ، وَلَنَا أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَتْ يَدَ الْمَالِكِ وَلَا بُدَّ مِنْ الرَّدِّ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَدِّي، وَبِالْعَوْدِ لَا يَكُونُ رَادًّا لَهَا إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ، فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ، فَإِذَا عَادَ الْمُودِعُ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا اسْتَأْجَرَ ذَاهِبًا فَقَطْ لَا جَائِيًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ انْتَهَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَضْمَنُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْإِطْلَاقُ أَصَحُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: التَّقْيِيدُ أَصَحُّ. (وَإِنْ نَزَعَ سَرْجَ الْحِمَارِ) الَّذِي اكْتَرَاهُ بِسَرْجٍ (وَأَسْرَجَهُ بِمَا يُسْرَجُ بِهِ مِثْلُهُ) فَهَلَكَتْ (لَا يَضْمَنُ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمَاثِلُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَهُ إذْنُ الْمَالِكِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ أَسْرَجَهُ أَوْ أَوْكَفَهُ بِمَا لَا يُسْرَجُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَسْرَجَهُ (أَوْ بِمَا لَا يُوكَفُ بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْكَفَهُ (مِثْلُهُ) فَهَلَكَتْ (ضَمِنَ) جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا. (وَكَذَا إنْ أَوْكَفَهُ بِمَا يُوكَفُ بِهِ مِثْلُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ مَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ السَّرْجُ وَهُوَ الْحَمْلُ وَأَثَرُهُ يُخَالِفُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَسِطُ انْبِسَاطَ السَّرْجِ فَكَانَ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ خِلَافًا إلَى جِنْسِ غَيْرِ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ الْمُسَمَّى فَيَضْمَنُ الْكُلَّ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ

لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِإِكَافٍ فَأَوْكَفَهَا بِإِكَافٍ مِثْلِهِ أَوْ أَسْرَجَهَا مَكَانَ الْإِكَافِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عُرْيَانَةً فَأَسْرَجَهَا وَرَكِبَهَا ضَمِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا: إذَا اسْتَأْجَرَهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ الْمُسْتَكْرِي مِنْ الْأَشْرَافِ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْكَافِي الضَّمَانُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى (وَقَالَا: يَضْمَنُ قَدْرَ مَا زَادَ وَزْنُهُ عَلَى السَّرْجِ فَقَطْ) حَتَّى لَوْ كَانَ وَزْنُ الْإِكَافِ ضِعْفَ وَزْنِ السَّرْجِ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِانْعِدَامِ الْإِذْنِ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ، وَالْجَوَابُ قَدْ مَرَّ آنِفًا. وَفِي الْعِنَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمَضْمُونِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ مَا زَادَ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا أَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ، وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ بِحِسَابِهِ فِي الثِّقَلِ، وَالْخِفَّةِ حَتَّى إذَا كَانَ وَزْنُ السَّرْجِ مَنَوَيْنِ، وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا. (وَإِنْ سَلَكَ الْحَمَّالُ طَرِيقًا غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَمَّالِ (إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ الطَّرِيقَانِ) ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ. (وَإِنْ تَفَاوَتَا) أَيْ الطَّرِيقَانِ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ أَعْسَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ مِنْ الطَّرِيقِ الْآخَرِ (أَوْ كَانَ) الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ (مِمَّا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ لَك عَدَمُ فَهْمِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَفَاوُتَ الطَّرِيقَيْنِ يُغْنِي عَنْهُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّكَلُّفِ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ تَبَعٌ قَيَّدَ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ لَا ضَمَانَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْحَمَّالُ إذَا نَزَلَ فِي مَفَازَةٍ وَتَهَيَّأَ لَهُ الِانْتِقَالُ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَتَّى فَسَدَ الْمَتَاعُ بِمَطَرٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ إذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ، وَالْمَطَرُ غَالِبًا (أَوْ حَمَلَهُ) أَيْ حَمَلَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ (فِي الْبَحْرِ) إذَا قَيَّدَنَا بِالْبَرِّ (فَتَلِفَ) الْمَتَاعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (ضَمِنَ) الْحَمَّالُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ أَمَّا إذَا تَفَاوَتَا أَوْ لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَظَاهِرٌ، وَإِذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَلِخَطَرِ الْبَحْرِ، وَنُدْرَةِ السَّلَامَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مِمَّا يَسْلُكُ النَّاسُ أَوْ لَا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَيَّدَ بِالْبَرِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ لَا ضَمَانَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (وَإِنْ بَلَّغَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: السَّمَاعُ بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ إنْ بَلَّغَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي اشْتَرَطَ وَيَجُوزُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَتَاعِ أَيْ إذَا بَلَغَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَهُ الْأَجْرُ) أَيْ لِلْحَمَّالِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ

باب الإجارة الفاسدة

وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأَجْرِ، وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. (وَإِنْ عَيَّنَ زَرْعَ بُرٍّ فَزَرَعَ رَطْبَةً) أَيْ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا رَطْبَةً (ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ) ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْبُرِّ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ (وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا فَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَإِنْ زَرَعَ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا، وَفِي الْمِنَحِ مَا ذَكَرَ هَهُنَا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ وَوُجُوبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْوَقْفِ أَوْ لِلْيَتِيمِ أَوْ أَعَدَّهَا صَاحِبُهَا لِلِاسْتِغْلَالِ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ. (وَإِنْ أُمِرَ بِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ قَمِيصًا فَخَاطَهُ قَبَاءً خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ) أَيْ الثَّوْبِ (وَبَيْنَ أَخْذِ الْقَبَاءِ وَدَفْعِ أَجْرِ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُ الْقَمِيصَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْأَتْرَاكَ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ كَانَ مُوَافِقًا مِنْ وَجْهٍ مُخَالِفًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْوِفَاقِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْخِلَافِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَحْصُلْ (لَا يُزَادُ عَلَى مَا سَمَّى) كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَمَا إذَا شَقَّهُ وَجُعِلَ قَبَاءً خِلَافًا لِلْإِسْبِيجَابِيِّ فِي الثَّانِي حَيْثُ أَوْجَبَ فِيهِ الضَّمَانَ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْكُلِّ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ (وَكَذَا) خُيِّرَ الْمَالِكُ (لَوْ أَمَرَ بِقَبَاءٍ فَخَاطَ سَرَاوِيلَ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ وَصَارَ كَمَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَهٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَكَذَا هَهُنَا (وَقِيلَ يَضْمَنُهُ هُنَا بِلَا خِيَارٍ) لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ. [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] ِ وَجْهُ التَّأْخِيرِ عَنْ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرٌ (يَجِبُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (أَجْرُ الْمِثْلِ لَا تُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) الْمَعْلُومُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ ضَرُورَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالتَّسْمِيَةِ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا تَجِبُ زِيَادَةُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْأَعْيَانِ لَيْسَ

بِضَرُورِيٍّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْمُسَمَّى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْمُرَهَا أَوْ يَرُمَّهَا وَقَالُوا: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ سَكَنَهَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ الْعَقْدُ فِي شَهْرٍ) وَاحِدٍ (فَقَطْ) وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " كُلَّ " لِلْعُمُومِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَالْوَاحِدُ مُعَيَّنٌ فَيَصِحُّ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِمَحْضَرِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ لَا: يُفْسَخُ إلَّا بِمَحْضَرِ صَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ الشُّهُورِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُعَيَّنَ كُلَّ الْأَشْهُرِ بِأَنْ يَقُولَ: آجَرْتُهَا عَشَرَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تُعْلَمُ الْمُدَّةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّهْرِ (سَاعَةً صَحَّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي سَكَنَ سَاعَةً لِحُصُولِ رِضَاهُمَا بِذَلِكَ (وَسَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ) أَيْ لَا يَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ إخْرَاجُهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ إلَّا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِهِ لِتَرَاضِيهِمَا فِي أَوَّلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَقَاؤُهُ) أَيْ بَقَاءُ حَقِّ الْفَسْخِ (فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ، وَيَوْمِهَا، وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَفِي اعْتِبَارِ أَوَّلِ الشَّهْرِ نَوْعُ حَرَجٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي سَاعَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ: فَسَخْت فِي رَأْسِ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ لَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِيمَا عَجَّلَ. (وَإِنْ آجَرَهَا) أَيْ الدَّارَ (سَنَةً بِكَذَا صَحَّ، وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (لَمْ يُبَيِّنْ قَسَّطَ كُلَّ شَهْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَتَصِحُّ وَتُقَسَّمُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (مَا سَمَّى) إنْ وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ بِأَنْ يَقُولَ: مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَثَلًا (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهُ (فَوَقْتُ الْعَقْدِ) هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ

كَالْأَجَلِ، وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ كَانَ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (حِينَ يُهَلُّ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ بِمَعْنَى يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِينِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ دُونَ لَيْلِهِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (تُعْتَبَرُ) السَّنَةُ كُلُّهَا (بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ كَانَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ (فَبِالْأَيَّامِ) أَيْ فَتُعْتَبَرُ الْأَيَّامُ فِي الشُّهُورِ بِالْعَدَدِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَهِلَّةِ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ لَمَّا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الثَّانِي لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهِ نَقَصَ الثَّانِي أَيْضًا فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ) أَيْ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ (بِالْأَيَّامِ، وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُورِ اعْتِبَارُهَا بِالْأَهِلَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الشُّهُورِ الْمُتَخَلِّلَةِ، وَتَعَذَّرَ بِالْأَوَّلِ فَيُكْمِلُ بِالْأَيَّامِ الشَّهْرَ الْآخَرَ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ (فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ الْإِمَامِ فِي أُخْرَى، وَكَذَا الْعِدَّةُ) ، فَإِنَّ الْإِيقَاعَ إذَا كَانَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْعِدَّة بِالْأَهِلَّةِ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيُعْتَبَرُ شَهْرٌ وَاحِدٌ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيَجُوزُ أَخْذُ) الْحَمَّامِيِّ (أُجْرَةَ الْحَمَّامِ) لِلتَّوَارُثِ، وَالتَّعَارُفِ قَالَ: «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» فَلَا تُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ؛ لِأَنَّهُ شَرُّ بَيْتٍ بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ اتِّخَاذَهُ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو اجْتِمَاعُهُنَّ عَنْ فِتْنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ لِلرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَ) يَجُوزُ أَخْذُ (الْحَجَّامِ) أُجْرَتَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ فَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ مِنْ الْحَرَامِ السُّحْتِ كَسْبَ الْحَجَّامِ» مَنْسُوخًا بِمَا رُوِيَ (لَا) يَجُوزُ (أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) هُوَ أَنْ يُؤَاجِرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» بِمَعْنَى أَخْذِ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَسْبِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِلْإِحْبَالِ، وَالْإِنْزَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ

مَوْهُومٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ. (وَلَا) يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (عَلَى الطَّاعَاتِ) . وَفِي شَرْحِ الْوَافِي، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ (كَالْأَذَانِ، وَالْحَجِّ، وَالْإِمَامَةِ) ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالْغَزْوِ (وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ وَقِرَاءَتِهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَقَعُ عَلَى الْعَامِلِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ» أَيْ عَلِّمُوا وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ عَلَى الْإِمَامَةِ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْأَذَانِ (أَوْ الْمَعَاصِي) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي (كَالْغِنَاءِ، وَالنَّوْحِ، وَالْمَلَاهِي) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ. وَفِي شَرْحِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالطَّبْلِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى قِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ. وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ أَوْ الْعُرْسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِيهَا (وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِالْجَوَازِ) أَيْ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى الْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ) ، وَالْأَذَانِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى تَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَانْقَطَعَتْ الْعَطِيَّاتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّمَا يُعَلِّمُونَ الْحِسْبَةَ وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا، فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا: الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَلَا يُرَى أَنَّ «النِّسَاءَ كُنَّ تَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ» وَكَانَ

ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي النِّهَايَةِ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ تَتَبَّعْ، وَفِي الْمَجْمَعِ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْفِقْهِ، وَالْإِمَامَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالرَّوْضَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. (وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ) وَهُوَ الصَّبِيُّ أَوْ وَلِيُّهُ (عَلَى دَفْعِ مَا سَمَّى) مِنْ الْأَجْرِ (وَيُحْبَسُ بِهِ) أَيْ بِالْأَجْرِ الَّذِي سَمَّى. (وَ) يُجْبَرُ (عَلَى) دَفْعِ (الْحَلْوَةِ الْمَرْسُومَةِ) الْحَلْوَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَدِيَّةٌ تُهْدَى إلَى الْمُعَلِّمِينَ عَلَى رُءُوسِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إهْدَاءُ الْحَلَاوَى وَهِيَ لُغَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ وَشَرْطٌ يُؤْمَرُ بِإِرْضَائِهِ الْمُعَلِّمَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ الْحِرْفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ تَجُوزُ. وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَا تَجُوزُ، فَإِنْ بَيَّنَ لِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا جَازَتْ الْإِجَارَةُ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى تَعَلَّمَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِذَلِكَ وَقْتًا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ إنْ تَعَلَّمَ الْوَلَدُ، وَالْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَلَا أَجْرَ لَهُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ اُسْتُؤْجِرُوا لِحَمْلِ جِنَازَةِ مُسْلِمٍ أَوْ لِغُسْلِ مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ مَنْ يُغَسِّلُهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَلَا أَجْرَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ إنَاسٌ غَيْرُهُمْ فَلَهُمْ الْأَجْرُ، وَفِي النُّتَفِ إجَارَةُ السُّفُنِ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالْآخَرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ إنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهِيَ فِي الْبَحْرِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْبَحْرِ وَيُعْطِبَهُ أَجْرَ مِثْلِهَا، وَكَذَا إجَارَةُ الْخِيَامِ، وَالْفُسْطَاطِ جَائِزَةٌ وَلَهُ أَنْ يَنْصِبَ ذَلِكَ كَمَا يَنْصِبُ النَّاسُ، فَإِنْ احْتَرَقَ فِي الشَّمْسِ أَوْ فَسَدَ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَطَرِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ تَخَرَّقَ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ أَوْ خِلَافٍ فَلَا ضَمَانَ، وَكَذَا إجَارَةُ الْأَسْلِحَةِ جَائِزَةٌ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. (وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ) سَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعُرُوضِ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الدَّارِ مَثَلًا إنَّمَا هِيَ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْمَشَاعِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الشُّيُوعِ الشُّيُوعُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَنْهُ يُفْسِدُهَا (إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَشَاعًا بِالْإِجْمَاعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُجْتَمِعٌ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُ الشُّيُوعُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ أَصْلًا، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ) إجَارَةُ الْمَشَاعِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ آجَرَ نَصِيبَهُ شَرِيكَهُ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَمْلِيكٍ فَيَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُلَّ ثُمَّ يَفْسَخَ

فِي النِّصْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُهَا كَمَا مَرَّ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ. وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَالشُّرُوحِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَإِنْ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَحَّ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا طَارِئٌ. (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ) وَهِيَ مُرْضِعَةٌ (بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ كَإِجَارَةِ الْبَقَرِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَإِجَارَةِ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَقَدْ جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ فِي الْإِعْصَارِ بِلَا نَكِيرٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ هِيَ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَالْإِيضَاحِ وَأَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقِيلَ: عَقْدٌ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ (وَكَذَا) يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا (بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الظِّئْرِ شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: لَا يَجُوزُ قِيَاسًا لِلْجَهَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَبَيَّنَ ذِرَاعَهَا جَازَ إجْمَاعًا وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُدْفَعُ الطَّعَامُ عِوَضًا عَنْهَا، وَلَوْ بَيَّنَ جِنْسَ الطَّعَامِ وَوَصْفَهُ وَقَدْرَهُ جَازَ أَيْضًا، وَفِي الطَّعَامِ لَا يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ (وَعَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الظِّئْرِ (غَسْلُ الصَّبِيِّ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ) عَنْ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ لَا عَنْ الْوَسَخِ (وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ) بِالْمَضْغِ أَوْ الطَّبْخِ (وَدَهْنُهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ جَعْلُ الصَّبِيِّ مُطْلًى بِالدُّهْنِ بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَلَيْهَا عُرْفًا، وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الظِّئْرِ (ثَمَنُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (بَلْ هُوَ) أَيْ ثَمَنُ طَعَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَا غَسَلَ بِهِ ثِيَابَهُ مِنْ الصَّابُونِ وَنَحْوِهِ (وَأَجْرُهَا) أَيْ أَجْرُ الظِّئْرِ (عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ) أَيْ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ (عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ، وَالِدَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَوْ مَاتَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَعَلَى الْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهَا تَبْطُلُ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ، وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَبِنَاءٌ عَلَى مَا هُوَ عُرْفُ الْكُوفَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ) أَيْ أَرْضَعَتْ الظِّئْرُ الصَّبِيَّ بِمَعْنَى أَوْجَرَتْهُ فَقَوْلُهُمْ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ (فِي الْمُدَّةِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ (بِلَبَنِ شَاةٍ) فِي فَمِهِ (أَوْ غَذَّتْهُ) مِنْ التَّغْذِيَةِ (بِطَعَامٍ) وَمَضَتْ الْمُدَّةُ (فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ

الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ وَهُوَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَرَ الصَّبِيُّ بِلَبَنِ الظِّئْرِ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِرْضَاعُ، وَالْعَمَلُ دُونَ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ، وَالتَّرْبِيَةِ، وَالْحَضَانَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنْ جَحَدَتْهُ الظِّئْرُ فَالِاعْتِبَارُ لِيَمِينِهَا وَلِبَيِّنَتِهِمْ، وَإِنْ أَقَامَ كُلَّ بَيِّنَةٍ فَبَيِّنَتُهَا وَهَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَمَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ نَفْسِهَا فَلَوْ اكْتَفَى بِالنَّفْيِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ النَّفْيَ فِيهَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْغُرَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ (وَلِزَوْجِهَا) أَيْ لِزَوْجِ الظِّئْرِ (وَطْؤُهَا) إذَا أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ (لَا) وَطْؤُهَا (فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) إذَا مَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ الْوَطْءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَمْنَعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ بَلْ أَذِنَ فِيهِ جَازَ (وَلَهُ) أَيْ لِزَوْجِ الظِّئْرِ (فَسْخُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ) الْإِجَارَةُ (بِرِضَاهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ تَشِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ (إنْ) كَانَ (نِكَاحُهُ) أَيْ نِكَاحُ الزَّوْجِ (ظَاهِرًا) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ شُهُودٌ صِيَانَةً لِحَقِّهِ (لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ (إنْ أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ (بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ (وَلِأَهْلِ الطِّفْلِ فَسْخُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (إنْ مَرِضَتْ) الظِّئْرُ (أَوْ حَبِلَتْ) ؛ لِأَنَّ الْحُبْلَى، وَالْمَرِيضَةَ تَضُرُّ بِالصَّغِيرِ، وَكَذَا تَفْسَخُ الْمُرْضِعَةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا، وَكَذَا تَفْسَخُ إذَا تَقَيَّأَ لَبَنَهَا أَوْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ فَاجِرَةً ثَابِتًا فُجُورُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ صَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ الْكَافِرَةِ، وَالْفَاجِرَةِ لَكِنْ نُهِيَ عَنْ إرْضَاعِ الْحَمْقَاءِ نَوْعَ مُخَالَفَةٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفَاجِرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فُجُورُهَا أَوْ يُرَادَ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ فَقَطْ، وَكَذَا تُفْسَخُ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا، وَلَهَا أَيْضًا فَسْخُهَا إذَا كَانَتْ تَتَأَذَّى مِنْهُمْ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَلَا تَفْسَخُ بِمَوْتِ أَبِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ مَوْتِ الصَّبِيِّ أَوْ الظِّئْرِ، فَإِنَّهَا انْتَقَضَتْ، وَلَوْ سَافَرَتْ هِيَ وَأَهْلُ الصَّبِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ. (وَفَسَدَ اسْتِئْجَارُ حَائِكٍ لِيَنْسِجَ لَهُ غَزْلًا بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْغَزْلِ أَوْ ثُلُثِهِ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (حِمَارٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ طَعَامًا) إلَى بَيْتِهِ (بِقَفِيزٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ بِأَنْ جَعَلَ الْقَفِيزَ أُجْرَتَهُ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (ثَوْرٍ

لِيَطْحَنَ لَهُ بُرًّا بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ) أَيْ دَقِيقِ ذَلِكَ الْبُرِّ أَمَّا فَسَادُ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَصَارَ فِي مَعْنَى «قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ قَالَ قَاضِي خَانْ يَجُوزُ النَّسْجُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ (وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْكُلِّ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا فَسَدَتْ وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهُ بِخَطِّ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ حَامِلًا طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَبِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمِنَحِ إشْكَالٌ وَجَوَابٌ إنْ شِئْت فَارْجِعْ. وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِأُجْرَةِ نِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى حَيْثُ اشْتَرَكَ هَذَا إذَا احْتَطَبَ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَ الْآخَرُ، وَأَمَّا إذَا احْتَطَبَا جَمِيعًا فَهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ. وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَصِيدَ لَهُ أَوْ يَحْتَطِبَ، فَإِنْ وَقَّتَ جَازَ وَإِلَّا لَا إلَّا إذَا عَيَّنَ الْحَطَبَ وَهُوَ مِلْكُهُ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ الْيَوْمَ قَفِيزًا بِدِرْهَمٍ فَسَدَ) الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ذَكَرَهُ فِيهِ أَمْرَيْنِ يَحْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَالْوَقْتُ فَالْعَمَلُ يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْأَجْرَ إلَى الْمُؤَجِّرِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَالْوَقْتُ يَنْفَعُ الْأَجِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا رُجْحَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كِلَيْهِمَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْمَلَ مُسْتَغْرِقًا لِهَذَا الْيَوْمِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَادَةً (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هَذِهِ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يَفْرَغْهُ فِي الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ. (وَلَوْ قَالَ: فِي الْيَوْمِ) أَيْ بِكَلِمَةِ فِي (صَحَّ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلَ وَهُوَ الْمَعْلُومُ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فِي، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا) مِنْ كَرَبَ الْأَرْضَ إذَا أَصْلَحَهَا بِالْمِحْرَاثِ مِنْ بَابِ

نَصَرَ (وَيَزْرَعَهَا أَوْ) اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ (يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) الِاسْتِئْجَارُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالْكِرَابِ، وَالسَّقْيِ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَهَا (عَلَى أَنْ يُثَنِّيَهَا) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّ الْأَرْضَ مَكْرُوبَةً تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ نَفْعِ الْكِرَابِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَسَبَبُ الْفَسَادِ بَقَاءُ النَّفْعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَتُوجَدُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ كَرَبَ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ الْأَرْضُ تُخْرِجُ الزَّرْعَ بِكَرْبِهَا مَرَّةً، وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ بِكَرْبِهَا مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ بَقَاءِ أَثَرِ التَّثْنِيَةِ، وَكَذَا لَا تَفْسُدُ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِعَدَمِ مَنْفَعَةِ التَّثْنِيَةِ (أَوْ) اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ (يُكْرِيَ نَهْرَهَا) أَيْ يَحْفِرَ أَنْهَارَهَا الْعِظَامَ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ بِخِلَافِ الْجَدَاوِلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُسَرْقِنَهَا) أَيْ يَجْعَلَ السِّرْقِينَ عَلَيْهَا وَهُوَ الزِّبْلُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ لَهُ السِّرْجِينُ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الرِّيعُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالسَّرْقَنَةِ أَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً (لَا يَصِحُّ) الِاسْتِئْجَارُ فِي الْكُلِّ لِمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (الِاسْتِئْجَارُ لِلزِّرَاعَةِ) أَيْ لِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ (بِزِرَاعَةِ) أَرْضٍ أُخْرَى بِأَنْ جُعِلَتْ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ الْأُخْرَى أُجْرَةً بِهَا (وَلِلرُّكُوبِ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا (بِرُكُوبِ) دَابَّةٍ أُخْرَى لِيَرْكَبَهَا الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهَا (وَلِلسُّكْنَى) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ لِيَسْكُنَهَا (بِسُكْنَى) دَارٍ أُخْرَى لِيَسْكُنَهَا الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهَا (وَلِلُّبْسِ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ثَوْبٍ لِيَلْبَسَهُ (بِلُبْسِ) ثَوْبٍ آخَرَ لِيَلْبَسَهُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهِ وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَذَا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الدُّرَرِ كَلَامٌ إنْ شِئْت فَلْيُطَالَعْ ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَرِيكَهُ أَوْ حِمَارَهُ) أَيْ حِمَارَ شَرِيكِهِ (لِحَمْلِ طَعَامٍ هُوَ) أَيْ الطَّعَامُ (لَهُمَا لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ) الَّذِي سَمَّاهُ وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْآخَرَ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْمَشْرُوطَ عَنْهُ (كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّاهِنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ. وَفِي الْمِنَحِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فَدَخَلَ الْآجِرُ مَعَ بَعْضِ أَصْدِقَائِهِ الْحَمَّامَ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْحَمَّامِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ)

فصل أحكام الأجير وأنواعه

رَجُلٌ (أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُهَا لَا يَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لِلزِّرَاعَةِ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلَفٌ فَبَعْضُهُ أَقَلُّ ضَرَرًا بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَا يُعْلَمُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَيُفْضِيَ إلَى الْفَسَادِ هَذَا (إنْ لَمْ يُعَمِّمْ) الْمُؤَجِّرُ أَمَّا إنْ عَمَّمَ بِأَنْ يَقُولُ: عَلَى أَنْ تَزْرَعَ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْهُ (فَإِنْ زَرَعَهَا) بِلَا ذِكْرِ الزِّرَاعَةِ أَوْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا (وَمَضَى الْأَجَلُ عَادَ) الْعَقْدُ (صَحِيحًا وَلَهُ) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ (الْمُسَمَّى) مِنْ الْأُجْرَةِ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ وَانْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مَجِيئِهِ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعُودُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا فَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَعُودُ صَحِيحًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ مُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ الْكُتُبِ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ الْمُعْتَادَ) أَيْ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ عَلَى مِثْلِهِ (فَنَفَقَ) أَيْ هَلَكَ فِي الطَّرِيقِ (لَا يَضْمَنُ) الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. (وَإِنْ بَلَغَ) الْحِمَارُ مَعَ الْحَمْلِ (مَكَّةَ) شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ (الْمُسَمَّى) مِنْ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلْجَهَالَةِ، فَإِذَا حَمَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَكَارَى دَابَّةً إلَى فَارِسَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ فَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَخَوَارِزْمَ، وَالشَّامَ وَفَرْغَانَةَ وَسُغْدَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَهِنْدَ وَالْخُطَا، وَالدَّشْتَ، وَالرُّومَ، وَالْيَمَنَ اسْمٌ لِلْوِلَايَةِ وَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَبَلْخِي وَجُرْجَانِيَّةَ وَهَرَاةَ وَأُوزَجَنْدَ اسْمُ الْبَلْدَةِ وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بُخَارَى اسْمَ الْوِلَايَةِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُوَ اسْمُ الْوِلَايَةِ إذَا بَلَغَ الْأَدْنَى لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُسَمَّى، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُوَ اسْمُ الْبَلَدِ إذَا وَصَلَ الْبَلَدَ يَلْزَمُ الْبَلَاغُ إلَى مَنْزِلِهِ. (وَإِنْ اخْتَصَمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ (قَبْلَ الزَّرْعِ) فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرِ الزَّرْعِ (وَ) قَبْلَ (الْحَمْلِ) فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْحِمَارِ (نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ لِلْفَسَادِ) لِبَقَائِهِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَبِالْحَمْلِ فِي هَذَا فَلَوْ اخْتَصَمَا بَعْدَ الزَّرْعِ أَوْ الْحَمْلِ لَا يَقْضِي بِنَقْضِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَلَا يَنْدَفِعُ الْفَسَادُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إلَّا بِمُضِيِّ الْأَجَلِ أَوْ بِالْبُلُوغِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ لِمَا بَعْدَهُ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ. وَفِي التَّنْوِيرِ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَنْفَعَةِ تَجُوزُ إذَا اخْتَلَفَا وَإِذَا اتَّحَدَا لَا. [فَصَلِّ أَحْكَام الْأَجِير وَأَنْوَاعه] فَصَلِّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَهِيَ

الضَّمَانُ، وَالْأَجِيرُ نَوْعَانِ مُشْتَرَكٌ وَخَاصٌّ، وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ (. الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَقَطْ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْغُرَرِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدٍ أَوْ يَعْمَلُ لَهُ غَيْرَ مُؤَقِّتٍ أَوْ مُؤَقِّتًا بِلَا تَخْصِيصٍ. وَفِي الْقُدُورِيِّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَالْخَاصَّ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ أَنَّ بَعْضَ الْأُجَرَاءِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرِّفِ وَقِيلَ: قَوْلُهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مُفْرَدٌ، وَالتَّعْرِيفُ بِالْمُفْرَدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا بِالْمِثَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ عَلَى التَّعْرِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفِي كَوْنِهِ مُفْرَدًا لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَوْجُهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ لِيَسْلَمَ عَنْ النَّقْضِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (وَلَا يَسْتَحِقُّ) الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ (الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ) وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُعَوِّضَيْنِ فَمَا لَمْ يَسْلَمْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ الْعَمَلُ لَا يَسْلَمُ لِلْأَجِيرِ الْعِوَضُ وَهُوَ الْأَجْرُ (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْأَجِيرِ (أَمَانَةٌ لَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ) الْمَتَاعُ مِنْ غَيْرِ فَعَلَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ قِيَاسًا سَوَاءٌ هَلَكَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ، وَالْغَصْبِ أَوْ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ الْحِفْظُ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَلِذَا لَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْإِجَارَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ أَوْ الْوَصْفِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مَقْصُودٌ حَتَّى يُقَابِلَهُ الْأَجْرُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ) عَلَيْهِ (ضَمَانَهُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الضَّمَانِ (يُفْتَى) . وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ. وَفِي الْمِنَحِ وَقَدْ جَعَلَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ (وَعِنْدَهُمَا) . وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (يَضْمَنُ إنْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْهَلَاكِ (كَالْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ) التَّحَرُّزُ عَنْهُ (كَالْمَوْتِ) حَتْفَ أَنْفِهِ

(وَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ) لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْوُلَاةِ، وَالْقُضَاةِ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، وَإِنْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا (وَيَضْمَنُ مَا) أَيْ الَّذِي (تَلِفَ بِعَمَلِهِ) أَيْ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (اتِّفَاقًا كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ) أَيْ دَقِّ الْقَصَّارِ (وَزَلَقِ الْحَمَّالِ) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُزَاحَمَةِ النَّاسِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ مِنْ زَلَقِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّثْبِيتَ فِي الْمَشْيِ (وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي) الْحِمْلَ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ بِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّوْثِيقَ فِي شَدِّ الْحَبْلِ (وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا) ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّفِينَةَ لَوْ غَرِقَتْ مِنْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ السَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمُصْلِحُ دُونَ الْمُفْسِدِ فَكَانَ هُوَ الْمَأْذُونَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ عَمَلًا جَاوَزَ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَجَّامِ أَوْ عَمَلًا لَا يُعْتَادُ فِيهِ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ لَكِنَّ مَا فِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ بِأَنْ تَخَرَّقَ بِدَقِّهِ أَوْ عَصْرِهِ يَضْمَنُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْبَزَّاغِ، وَالْحَجَّامِ، فَإِنَّ الْبَزَّاغَ وَنَحْوَهُ لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ أَوْ لَا تَدَبَّرْ (لَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِهِ) أَيْ بِغَرَقِ السَّفِينَةِ (الْآدَمِيَّ) مِنْ مَدِّهَا (مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ) ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْجِنَايَةِ، وَمَا يَجِبُ بِهَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا يَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْقَوْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ قِيلَ: هَذَا الْكَلَامُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ (وَلَا يَضْمَنُ فَصَّادٌ وَلَا بَزَّاغٌ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ

لَيْسَ بِالْوُسْعِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ هَذَا كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرِئَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَهُوَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ، وَالْأَقَلُّ بِالْهَلَاكِ وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ. سُئِلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ فَصَّادٍ جَاءَ إلَيْهِ غُلَامٌ وَقَالَ: افْصِدْ لِي فَفَصَدَهُ فَصْدًا مُعْتَادًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ السَّبَبِ قَالَ: يَضْمَنُ الْفَصَّادُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَصَدَ نَائِمًا وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فِي سَيَلَانِ الدَّمِ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. (وَلَوْ انْكَسَرَ دَنٌّ مِنْ طَرِيقِ الْفُرَاتِ) ذَكَرَ الْفُرَاتَ لِلشُّهْرَةِ بِالْوَفْرَةِ، وَالزِّيَادَةُ بِلَا فَائِدَةٍ (فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ) أَيْ الْحَمَّالَ (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الدَّنِّ الَّتِي تَقُومُ (فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ) ضَمِنَ قِيمَتَهُ (فِي مَكَانِ كَسْرِهِ وَلَهُ) أَيْ الْحَمَّالِ (الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّ السُّقُوطَ بِالْعِثَارِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِهِ، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْحَمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى أَصْلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَ) ثَانِي النَّوْعَيْنِ (الْأَجِيرُ الْخَاصُّ) وَهُوَ (مَنْ يَعْمَلُ لِوَاحِدٍ) قَيَّدَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ: عَمَلًا مُؤَقَّتًا بِالتَّخْصِيصِ، وَقَالَ: فَوَائِدُ الْقُيُودِ عُرِفَتْ مِمَّا سَبَقَ (وَيُسَمَّى أَجِيرَ وَحْدٍ) أَيْضًا (وَيَسْتَحِقُّ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ (الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ) أَيْ الْأَجْرَ (مُدَّتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مَعَ التَّمَكُّنِ بِالْإِجْمَاعِ (كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) الْغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (سَنَةً أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) لِهَذَا الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهِ وَذَكَرَ الْعَمَلَ لِصَرْفِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ. وَفِي شَرْحِ الْوَافِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا أَنْ يَقُولَ: وَلَا تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ أَجِيرَ وَحْدٍ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرُ وَحْدٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَتَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي. وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِيَعْمَلَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ بَعْدَمَا خَرَجَ الْأَجِيرُ إلَى الصَّحْرَاءِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يُوجَدْ لِمَكَانِ الْعُذْرِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْمَرْغِينَانِيُّ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ، وَفِي الْمِنَحِ. وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ

النِّصْفِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَقَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يَنْزُوَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ حَمْلٌ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ نَزَا عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ ثُمَّ الرَّاعِي إذَا كَانَ أَجِيرَ وَحْدٍ فَمَاتَتْ مِنْ الْأَغْنَامِ وَاحِدَةٌ حَتَّى لَا يَضْمَنَ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهَا؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ انْتَهَى، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجَوْهَرَةِ مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا كَمَا لَا يَخْفَى (وَلَا يَضْمَنُ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ (مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ يُسْرَقَ مِنْهُ أَوْ غَابَ أَوْ غُصِبَ (أَوْ بِعَمَلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ الْكَثِيرَةَ مِنْ النَّاسِ فَلَا يُوجَدُ الْعَجْزُ وَالتَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْمَأْذُونِ كَانْكِسَارِ الْقَدُومِ أَوْ تَخَرُّقِ الثَّوْبِ عِنْدَ الْعَمَلِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ الْكَثِيرَةَ مِنْ الْخَلْقِ طَمَعًا فِي الْأَجْرِ فَيَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْمِنَحِ الرَّاعِي إذَا خَلَطَ الْغَنَمَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ لَا يَضْمَنُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي تَعْيِينِ الدَّوَابِّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ يَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهَا. وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ قَوْلُ الرَّاعِي، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَغْنَامِ يَوْمَ الْخَلْطِ، فَإِنْ دَفَعَ غَنَمَ رَجُلٍ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهَا فَاسْتَهْلَكَهَا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ، وَأَقَرَّ الرَّاعِي بِذَلِكَ ضَمِنَ الرَّاعِي، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاعِي عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ كَانَ الرَّاعِي أَقَرَّ وَقْتَ الدَّفْعِ أَنَّهَا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. وَلَوْ نَدَّتْ بَقَرَةٌ مِنْ الْبَاقُورَةِ فَخَافَ الْبَقَّارُ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَهَا يَضِيعُ الْبَاقِي كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يَتْبَعَهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ إنْ كَانَ الرَّاعِي خَاصًّا، وَإِنْ مُشْتَرَكًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ. وَفِي التَّنْوِيرِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَّلَ عَنْ الطَّرِيقِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ: بَقَّارٌ تَرَكَ الْبُقُورَ مَعَ صَبِيٍّ لِحِفْظِهِنَّ فَهَلَكَتْ بَقَرَةٌ وَقْتَ السَّقْيِ بِآفَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ قُدْرَةُ الْحِفْظِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا يَضْمَنُ، وَلَوْ جَاءَ الْبَقَّارُ لَيْلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ رَدَّ الْبَقَرَةَ وَأَدْخَلَهَا الْقَرْيَةَ فَطَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَجِدْهَا ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ أَيَّامٍ فِي قُرَى الْجَبَّانَةِ قَدْ عَطِبَتْ قَالُوا: إنْ كَانَ الْعُرْفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الْبَقَّارَ يُدْخِلُ الْبُقُورَ فِي الْقَرْيَةِ وَلَمْ يَطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يُدْخِلَ كُلَّ بَقَرَةٍ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَقَّارِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَقَرَةَ فِي الْقَرْيَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجِيرِ) أَيْ جَعْلُهُ مُتَرَدِّدًا (بَيْنَ نَفْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَأَيُّهُمَا وُجِدَ لَزِمَ مَا سَمَّى لَهُ نَحْوُ) لَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ: (إنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ) فَأَيَّ عَمَلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْأَجْرُ قَدْ يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ يَرْتَفِعُ الْجَهْلُ. وَعِنْدَ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ

لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِلْحَالِّ (وَ) كَذَا لَوْ قَالَ لِلصَّبَّاغِ: (إنْ صَبَغْتَهُ بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ وَبِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ) هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ لِمَا مَرَّ. (وَ) كَذَا لَوْ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: (إنْ سَكَنْتَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَبِدِرْهَمٍ فِي الشَّهْرِ أَوْ) إنْ سَكَنْتَ (فِي هَذِهِ) الدَّارِ (فَبِدِرْهَمَيْنِ وَ) كَذَا لَوْ قَالَ: (إنْ رَكِبْتَهَا إلَى الْكُوفَةِ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ) إنْ رَكِبْتَهَا (إلَى وَاسِطَ فَبِدِرْهَمَيْنِ) قِيلَ: فِيهِ احْتِمَالُ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذُكِرَتْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْكُلِّ أَوْ قَوْلَ الْإِمَامِ خَاصَّةً. (وَكَذَا يَصِحُّ لَوْ رُدِّدَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ بِأَنْ قَالَ: إنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا أَوْ رُومِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا (لَا) يَصِحُّ (بَيْنَ أَرْبَعَةِ) أَشْيَاءَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَإِذَا وُجِدَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ. (وَلَوْ قَالَ) لِلْخَيَّاطِ: (إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ) إنْ خِطْتَهُ (غَدًا فَنِصْفِهِ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ الدِّرْهَمُ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ) لَكِنْ (لَا يُجَاوِزُ) أَيْ الْمِثْلُ (نِصْفَ دِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ الْقُدُورِيُّ: هِيَ الصَّحِيحَةُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ دُونَ التَّوْقِيتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ هُنَا نَقْصُ الْأَجْرِ لَوْ أَخَّرَ الْفِعْلَ إلَى الْغَدِ فَتَبْقَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي تَسْمِيَتَانِ إحْدَاهُمَا دِرْهَمٌ، وَالْأُخْرَى نِصْفٌ، وَالتَّسْمِيَتَانِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مُفْسِدَةٌ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ قَالَ: خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ إذْ لَوْ كَانَ لِلتَّأْقِيتِ يَفْسُدُ الْعَقْدَانِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَيَصِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَأَجِيرًا خَاصًّا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ بَلْ يَكُونُ لِلتَّعْلِيقِ فَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عَلَى مَا مَرَّ، وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. (وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ) حَتَّى إذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَإِذَا خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ فَوُجِدَتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَقْتَيْنِ التَّسْمِيَةُ مَقْصُودَةً فَصَارَا عَقْدَيْنِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ كَالرُّومِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ. وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّوْسِيعِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ. (وَلَوْ قَالَ: إنْ سَكَّنْتَ) بِالتَّشْدِيدِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَنْت بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ عَطَّارًا أَوْ حَدَّادًا حَالًا وَيَكُونُ الْمَعْنَى إنْ سَكَنْتَ هَذَا الْحَانُوتَ حَالَ كَوْنِك عَطَّارًا أَوْ حَالَ كَوْنِك حَدَّادًا (هَذَا الْحَانُوتَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ) سَكَنْتَ (حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ

بَيْن عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَمَلِ تَرْتَفِعُ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ، وَالْأَجْرَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (، وَكَذَا الْخِلَافُ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ. (لَوْ قَالَ: إنْ ذَهَبْتَ بِهَذِهِ الدَّابَّةِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (إلَى الْحِيرَةِ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ جَاوَزْتَهَا) أَيْ الْحِيرَةَ مُنْتَهِيًا (إلَى الْقَادِسِيَّةِ فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ قَالَ: إنْ حَمَلْتِ عَلَيْهَا إلَى الْحِيرَةِ كُرَّ شَعِيرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ حَمَلْت كُرَّ بُرٍّ فَبِدِرْهَمَيْنِ) فَالْعَقْدُ جَائِزٌ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، وَكَذَا الْأَجْرُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ. (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُسَافِرَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ بِلَا اشْتِرَاطِهِ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي خِدْمَةِ السَّفَرِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ فَانْصَرَفَ إلَى الْحَضَرِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَةٍ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ إلَّا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ وَقْتَ الْإِجَارَةِ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ وَعُرِفَ بِذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَلَوْ سَافَرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَبْدِ الْمُتَأَجَّرِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ إذَا هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلِمَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ، وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا فَعَمِلَ) الْعَبْدُ (وَأَخَذَ الْأَجْرَ لَا يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ) أَيْ لَا يَسْتَرِدُّ الْمُسْتَأْجِرُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحِيحَةٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى فَبَعْدَ الْفَرَاغِ رِعَايَةُ حَقِّهِ فِي الصِّحَّةِ وَوُجُوبِ الْأَجْرِ لَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِانْعِدَامِ إذْنِ الْمَوْلَى وَقِيَامِ الْحَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ فَالْأَجْرُ لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلسَّيِّدِ وَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى، وَإِذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. (وَلَوْ آجَرَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ نَفْسَهُ) لِآخَرَ (فَأَكَلَ غَاصِبُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (أَجْرَهُ لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا أَخَذَ مِنْ الْأَجْرِ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ فَأَتْلَفَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ آجَرَهُ الْغَاصِبُ فَأَخَذَ أَجْرَهُ فَأَتْلَفَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ رَدِّهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ تَصَدُّقِهِ وَهُوَ أَوْلَى لِتَطَرُّقِ خَبَثٍ فِيهِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ

أَكَلَ مَالَ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْتَبَرُ صَحِيحَةً بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَكُونُ الْأَجْرُ رَاجِعًا إلَى مَوْلَاهُ (وَمَا وَجَدَهُ) مِنْ الْأَجْرِ (سَيِّدُهُ) فِي يَدِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ (أَخَذَهُ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ (وَقَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ (صَحِيحٌ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَيَخْرُجُ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ عُهْدَةِ الْأُجْرَةِ بِالْأَدَاءِ إلَى الْعَبْدِ. (وَلَوْ آجَرَ) رَجُلٌ (عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ) آجَرَ (شَهْرًا بِأَرْبَعَةِ) دَرَاهِمَ (وَشَهْرًا بِخَمْسَةِ) دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُمَا (صَحَّ) الْعَقْدُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ وَ (الْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا بِالْجَوَازِ فَيَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلِ ضَرُورَةً. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ مَرِضَ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ، وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ أَوْ آبِقٌ وَاخْتَلَفَا (فَادَّعَى) الْمُسْتَأْجِرُ (وُجُودَهُ) أَيْ وُجُودَ الْمَرَضِ أَوْ الْإِبَاقِ (أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَ) ادَّعَى (الْمَوْلَى وُجُودَهُ قُبَيْلَ الْإِخْبَارِ بِسَاعَةٍ حُكِّمَ الْحَالُ) أَيْ يُجْعَلُ الْحَالُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ: (فَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (حَاضِرًا) وَقْتَ الدَّعْوَى فِي صُورَةِ الْإِبَاقِ (أَوْ صَحِيحًا) فِي صُورَةِ الْمَرَضِ (صُدِّقَ الْمَوْلَى) وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا أَوْ صَحِيحًا وَقْتَ الدَّعْوَى (فَالْمُسْتَأْجِرُ) أَيْ يُصَدَّقُ الْمُسْتَأْجِرُ وَيُحْكَمُ بِأَنَّ مَرَضَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ. (وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي انْقِطَاعِ مَاءِ الرَّحَى وَجَرَيَانِهِ) أَيْ: وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: مَاءُ الطَّاحُونَةِ كَانَ جَارِيًا فِي الْمُدَّةِ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: لَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إنْ كَانَ جَارِيًا وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ وَبَيْتَهَا وَمَتَاعَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَانْقَطَعَ الْمَاءُ سَقَطَ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ الْإِجَارَةَ حَتَّى عَادَ الْمَاءُ لَزِمَتْهُ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الِانْقِطَاعِ يُحَكَّمُ الْحَالُ. (وَلَوْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْتَهُ أَصْفَرَ، وَقَالَ الصَّانِعُ: أَمَرْتنِي بِمَا صَنَعْتُ صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الثَّوْبِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، أَلَا يَرَى لَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ. (وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْقَمِيصِ، وَالْقَبَاءِ) بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً. وَقَالَ الْخَيَّاطُ: قَمِيصًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ (فَإِنْ حَلَفَ) رَبُّ الثَّوْبِ (ضَمِنَ الصَّانِعُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ) أَيْ صَاحِبُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْحَلِفِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ (وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى) عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ

باب فسخ الإجارة

بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ. (وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: عَمِلْتَ لِي بِلَا أَجْرٍ، وَقَالَ الصَّانِعُ: بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَلَا يُنْكِرُ الضَّمَانَ، وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْقِيَاسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ: الْقَوْلُ لِلصَّانِعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) الْقَوْلُ (لِلصَّانِعِ إنْ كَانَ حَرِيفًا) أَيْ مُعَامِلًا (لَهُ) بِأَنْ سَبَقَ بَيْنَهُمَا أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ يَلْزَمُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ بِأَجْرٍ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ فِي الِاسْتِحْسَانِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) الْقَوْلُ (لِلصَّانِعِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَمَلِهِ بِالْأَجْرِ) ؛ لِأَنَّهُ فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِ الْأَجْرِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَجَوَابُ الْإِمَامِ عَنْ اسْتِحْسَانِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَهُنَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. [بَاب فَسْخ الْإِجَارَة] ِ) وَجْهُ التَّأْخِيرِ عَمَّا قَبْلَهُ ظَاهِرٌ إذَا الْفَسْخُ يَعْقُبُ الْعَقْدَ لَا مَحَالَةَ (تُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (بِعَيْبٍ فَوَّتَ) صِفَةِ عَيْبٍ (النَّفْعَ كَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ أَوْ) مَاءِ (الرَّحَى) ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ فَيَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ الْإِبَاقَ فِي الْعَبْدِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْآجِرَ لَوْ بَنَاهَا أَيْ بَعْدَ الْخَرَابِ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ وَلَا لِلْآجِرِ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ لَكِنَّهُ أَيْ الْعَقْدَ يُفْسَخُ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَى، وَالْبَيْتُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَفِي التَّبْيِينِ: فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ. وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَزَرَعَهَا، وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لِيَسْقِيَهَا فَهَلَكُ الزَّرْعُ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِشِرْبِهَا أَوْ بِغَيْرِ شِرْبِهَا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ لِفَوَاتِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: إنْ انْقَطَعَ مَاءُ الزَّرْعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى فَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ انْقَطَعَ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُرْجَى مِنْهُ السَّقْيُ فَالْأَجْرُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَاءُ لَكِنْ سَالَ الْمَاءُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَتَهَيَّأَ بِهِ الزِّرَاعَةُ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَانْقَطَعَ الْمَاءُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُسْقَى مِنْ مَاءِ الْأَنْهَارِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِمَاءِ السَّمَاءِ فَانْقَطَعَ الْمَطَرُ (أَوْ أَخَلَّ) عَطْفٌ عَلَى فَوَّتَ (بِهِ) أَيْ بِالنَّفْعِ يَعْنِي الْعَيْبَ لَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُخِلُّ بِهِ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ (كَمَرَضِ الْعَبْدِ وَدَبَرِ الدَّابَّةِ) الدَّبَرَةُ وَاحِدَةُ الدَّبَرِ

بِالْفَتْحِ جِرَاحَةٌ تَحْدُثُ فِي ظَهْرِهَا مِنْ ثِقَلِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِهِ أَيْضًا. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا إلَى الرِّضَى فِي الْفَسْخِ بِعَيْبٍ لِفَوَاتِ النَّفْعِ بِتَمَامِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَى بِالْعَيْبِ الَّذِي يُخِلُّ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِفَوَاتِ النَّفْعِ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ (فَلَوْ انْتَفَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِهِ) أَيْ بِالْمُسْتَأْجَرِ (مَعِيبًا) وَرَضِيَ بِالْعَيْبِ (أَوْ أَزَالَ الْمُؤَجِّرُ عَيْبَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ) أَيْ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لِحُصُولِ الرِّضَى، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُهُ كَامِلًا. وَفِي الْمِنَحِ: وَعِمَارَةُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرِ وَتَطْيِينُهَا وَإِصْلَاحُ الْمِيزَابِ وَمَا كَانَ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُهَا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرَهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَآهَا لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ، وَإِصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ، وَالْبَالُوعَةِ، وَالْمَخْرَجِ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بِلَا جَبْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ، فَإِنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ إصْلَاحِ الْمُسْتَأْجَرِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَالرُّؤْيَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَتُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (بِالْعُذْرِ) عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ النَّفْعُ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَيَكُونُ الْعُذْرُ فِيهَا كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْإِجَارَةِ وَاقِعٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ بِمَنْزِلَتِهَا عِنْدَهُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فَلَا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ بَلْ تُفْسَخُ بِالْعَيْبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ (وَهُوَ) أَيْ الْعُذْرُ (الْعَجْزُ عَنْ الْمُضِيِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ إلَّا بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ (كَقَلْعِ سِنٍّ سَكَنَ وَجَعُهُ) أَيْ السِّنِّ (بَعْدَمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ) أَيْ لِقَلْعِ السِّنِّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ لَزِمَ قَلْعُ سِنٍّ صُحِّحَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ (وَطَبْخٍ لِوَلِيمَةٍ مَاتَتْ عَرُوسُهَا بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ لِلطَّبْخِ لَهَا) أَيْ لِوَلِيمَتِهَا (أَوْ) طَبْخٍ لِوَلِيمَةٍ (اخْتَلَعَتْ) عَرُوسُهَا بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ لِلطَّبْخِ لَهَا، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِتْلَافِ مَالِهِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ (وَكَذَا) تُفْسَخُ (لَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَتَّجِرَ) فِيهِ (فَذَهَبَ مَالُهُ) أَيْ مَالُ

الْمُسْتَأْجِرِ وَأَفْلَسَ (أَوْ آجَرَ شَيْئًا فَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُؤَجِّرَ (دَيْنٌ لَا يَجِدُ قَضَاءَهُ) أَيْ قَضَاءَ دَيْنِهِ (إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَهُ) مِنْ دَارٍ أَوْ دُكَّانٍ (وَلَوْ) وَصَلْيَةٌ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِ الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ يَلْزَمُهُ الْحَبْسُ لِأَجْلِهِ حَيْثُ لَا يُقَدِّرُ مَالًا سِوَاهُ وَهُوَ ضَرَرٌ زَائِدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالْعَقْدِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ لَا تُفْسَخُ. (أَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فِي الْمِصْرِ أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْمِصْرِ (فَسَافَرَ) الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْخِدْمَةُ الْمُطْلَقَةُ فَضْلًا عَنْ الْمُقَيَّدَةِ بِالْمِصْرِ، وَفِي مَنْعِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ السَّفَرِ ضَرَرٌ لَمْ يُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا لَكَانَ أَخْصَرَ وَشَمَلَ لِلْمِصْرِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (أَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ مِنْهُ) أَيْ ظَهَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ قَصْدِهِ سَفَرَ الْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ طَلَبَ غَرِيمٍ لَهُ فَحَضَرَ أَوْ التِّجَارَةَ فَافْتَقَرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ. (وَلَوْ بَدَا لِلْمُكَارِي مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ (فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِدَ وَيَبْعَثَ تِلْمِيذًا أَوْ أَجِيرًا. (وَلَوْ مَرِضَ) الْمُكَارِي (فَهُوَ عُذْرٌ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِهِ مِثْلَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْرَضْ (دُونَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْفَتْوَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فَقَدَّمَهَا. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطٌ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ) لَا لِغَيْرِهِ (عَبْدًا يَخِيطُ لَهُ) أَيْ لِلْخَيَّاطِ (فَأَفْلَسَ) الْخَيَّاطُ (فَهُوَ عُذْرٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ (بِخِلَافِ خَيَّاطٍ يَخِيطُ بِالْأَجْرِ) ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِ الْخَيْطُ، وَالْمِخْيَطُ، وَالْمِقْرَاضُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ فِيهِ (وَبِخِلَافِ تَرْكِهِ) أَيْ الْخَيَّاطِ (الْخِيَاطَةَ لِيَعْمَلَ فِي الصَّرْفِ) حَيْثُ لَا يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الدُّكَّانِ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ (وَبِخِلَافِ بَيْعِ مَا آجَرَهُ) ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ لِلْفَسْخِ بِدُونِ لُحُوقِ دَيْنٍ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا يَسْتَوْفِيهَا وَالْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ. وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ: وَهَلْ يَجُوزُ

الْبَيْعُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فِي الْكِفَايَةِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَدْرِ الشَّهِيدِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ تَنْتَقِضُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي. وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا انْفَسَخَتْ وَإِلَّا يَفْسَخُهَا الْحَاكِمُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَعْمَلَ الْخِيَاطَةَ فَتَرَكَهُ) أَيْ عَمَلَ الْخِيَاطَةِ (لِعَمَلٍ آخَرَ فَعُذْرٌ) تَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ عَبْدًا لِيَخِيطَهُ فَتَرَكَ الْخِيَاطَةَ لِعَمَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ ثَمَّةَ شَخْصَانِ فَأَمْكَنَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْفَرَائِدِ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْآخَرَ فِيهِ مَكَانَ عَمَلِ الْخِيَاطَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تُعْمَلُ فِيهِ الْخِيَاطَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ عَمَلٌ آخَرُ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ عَادَةً فَيَلْزَمُ الْعُذْرُ. (وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا ثُمَّ أَرَادَ السَّفَرَ) فَهُوَ عُذْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ عَنْ السَّفَرِ، وَفِيهِ ضَرَرُ تَعْطِيلِ مَصَالِحِ السَّفَرِ أَوْ إلْزَامُ الْأَجْرِ بِدُونِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ عَقَارًا ثُمَّ سَافَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ إذَا الْمُسْتَأْجِرُ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُؤَجِّرِ. (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَسْخِ (بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ أَحَدٍ مِنْ الْآجِرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا كَالْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ، وَالْإِجَارَاتِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَقْدُ السَّابِقُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فَيَنْتَقِضُ (عَقْدُهَا لِنَفْسِهِ) فَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَنْ أَحَدٍ أَيْ حَالُ كَوْنِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ قَدْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ صِفَةٌ لِعَدَمِ تَعَرُّفِهِ بِالْإِضَافَةِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي ؛ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ (فَإِنْ عَقَدَهَا) أَيْ الْإِجَارَةَ (لِغَيْرِهِ فَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِمَوْتِهِ (كَالْوَكِيلِ) يَعْقِدُهَا لِمُوَكِّلِهِ (وَالْوَصِيِّ) ، وَكَذَا الْأَبُ، وَالْقَاضِي يَعْقِدُهَا لِمَحْجُورِهِ (وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ) يَعْقِدُهَا لِلْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ

مسائل منثورة في الإجارة

وَالْمُسْتَأْجِرَ بَاقِيَانِ فَلَا يَلْزَمُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِانْعِدَامِ الِانْتِقَالِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ وَبَقِيَتْ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ. وَقَالَ زُفَرُ: تَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَشَاعِ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الشُّيُوعِ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي بَقَائِهِ [مَسَائِل مَنْثُورَة فِي الْإِجَارَة] مَسَائِل مَنْثُورَة أَيْ هَذِهِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى أَبْوَابِ الْإِجَارَةِ قَدْ تَدَارَكَهَا وَجَمَعَهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ (وَلَوْ أَحْرَقَ) الْمُسْتَأْجِرُ (حَصَائِدَ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ) وَهِيَ جَمْعُ حَصِيدَةٍ وَهِيَ مَا يُحْصَدُ مِنْ الزَّرْعِ، وَالنَّبْتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ (فَاحْتَرَقَ) بِسَبَبِهِ (شَيْءٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ فَوَقَعَ إنْسَانٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (إنْ كَانَتْ الرِّيحُ هَادِئَةً) حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ ثُمَّ تَحَرَّكَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ، وَالْهَادِئَةُ مِنْ هَدَأَ بِالْهَمْزَةِ أَيْ سَكَنَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَادِنَةً مِنْ هَدَنَ أَيْ سَكَنَ. (وَإِنْ) كَانَتْ الرِّيحُ (مُضْطَرِبَةً ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ فَأَفْضَى إلَيْهَا فَجُعِلَ كَمُبَاشِرٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْهَادِئَةِ، وَالْمُضْطَرِبَةِ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. وَفِي التَّنْوِيرِ بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ تَنُّورًا أَوْ دُكَّانًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَاحْتَرَقَ بِهِ بَعْضُ بُيُوتِ الْجِيرَانِ أَوْ الدَّارِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ بَنَى بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ مَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْحَدَّادُ الْحَدِيدَ مِنْ الْكُورِ فِي دُكَّانِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى الْعَلَاةِ وَضَرَبَهُ بِمِطْرَقَةٍ وَخَرَجَ شَرَارُ النَّارِ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَضْرِبْهُ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الرِّيحُ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا يَحْتَمِلُهُ الْأَرْضُ فَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ ضَمِنَ. (وَلَوْ أَقْعَدَ خَيَّاطٌ أَوْ صَبَّاغٌ فِي حَانُوتِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ صَحَّ) هَذَا الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدُّكَّانِ قَدْ يَكُونُ ذَا جَاهٍ وَحُرْمَةٍ وَلَا يَكُونُ حَاذِقًا فِي الْعَمَلِ فَيُقْعِدَ عِنْدَهُ حَاذِقًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَكِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْبَلُ الْعَمَلَ بِالْوَجَاهَةِ، وَالْآخَرُ يَعْمَلُ بِالْحَذَاقَةِ فَبِذَلِكَ تَنْتَظِمُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْكَسْبِ قِيلَ: لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْعَمَلِ عَنْ الْآخَرِ، فَإِذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا الْعَمَلَ، وَالْآخَرُ يَعْمَلُ

يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ، وَالتَّقَبُّلُ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذِهِ مِنْ بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ لَيْسَ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ الْمَارُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ بَلْ مُرَادُهُ بِهَا هَهُنَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَقَبُّلُ الْعَمَلِ بِالْوَجَاهَةِ يُرْشِدُك إلَيْهِ قَوْلُهُ: هَذَا بِوَجَاهَتِهِ يَقْبَلُ، وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ وَيُمْكِنُ بِوَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ تَغْلِيبًا لِجِهَةِ الْوَجَاهَةِ عَلَى جِهَةِ الْعَمَلِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا تَأَمَّلْ. (وَكَذَا) صَحَّ (لَوْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ) يَقْعُدَانِ فِيهِ (إلَى مَكَّةَ) اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرَّاكِبُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَالْمَحْمَلُ تَابِعٌ وَمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ تَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ فَلِهَذَا قَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ بَيْنَ النَّاسِ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِجَهَالَتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْمَحْمَلَ فَهُوَ أَجْوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِحُصُولِ الرِّضَى. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ الْجَمَلَ (لِحَمْلِ زَادٍ فَأَكَلَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّادِ فِي الطَّرِيقِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (رَدُّ عِوَضِهِ) أَيْ عِوَضِ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حَمْلٌ مَعْلُومٌ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَظْهَرِ لَا يَرُدُّهُ، وَلَوْ شَرَطَ رَدَّهُ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَهُ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ. (وَلَوْ قَالَ لِغَاصِبِ دَارِهِ: فَرِّغْهَا) أَيْ الدَّارَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تُفَرِّغْ (فَأَجْرُهَا كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَلَمْ يُفَرِّغْ) الْغَاصِبُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ مَكَثَ فِيهَا أَيَّامًا (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْمُسَمَّى) أَيْ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْأَجْرِ لِوُجُودِ الِالْتِزَامِ بِسَبَبِ عَدَمِ التَّفْرِيعِ (فَإِنْ جَحَدَ الْغَاصِبُ مِلْكَهُ) أَيْ كَوْنَ الدَّارِ مِلْكَ مَنْ يَدَّعِيهَا (أَوْ لَمْ يَجْحَدْ لَكِنْ قَالَ: لَا أُرِيدُهَا) أَيْ الدَّارَ (بِالْأَجْرِ فَلَا) عَلَيْهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا بِالْإِجَارَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (بَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ جَحْدِهِ) أَيْ بَعْدَ جَحْدِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُفِيدُ فِي حَقِّ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ لَكِنْ قَالَ لَهُ: لَا أُرِيدُ بِالْإِقْرَارِ الْأَجْرَ لِعَدَمِ رِضَاهُ صَرِيحًا بِالْإِجَارَةِ (وَمَنْ آجَرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَكْثَرَ) مِنْ الْأَجْرِ الْأَوَّلِ (يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ

مَا لَمْ يَقْبِضْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا طَابَ الْفَضْلُ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ الْمَوْلَى خُسْرو: جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْأَجِيرَ مِنْ غَيْرِ مُؤَجِّرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُؤَجِّرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ تَمْلِيكُ الْمَالِكِ، وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْغُرَرِ وَكَّلَهُ لِاسْتِئْجَارِ دَارٍ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ كَذَا إنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبَضَ الْوَكِيلُ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآمِرُ، وَإِنْ طَلَبَ الْآمِرُ وَأَبَى لِيُعَجِّلَ لَا يَرْجِعُ. (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ) حَالَ كَوْنِهَا (مُضَافَةً) إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ آجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا إلَى سَنَةٍ هَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهَا يَقَعُ مُضَافًا؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهَا يَتَجَدَّدُ بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فَوُقُوعُ الْمُقَيَّدِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ عِنْدَهُ كَالْعَيْنِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْعَيْنِ. (وَكَذَا) يَصِحُّ (فَسْخُهَا) أَيْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ كَمَا إذَا قَالَ: فَاسَخْتُك هَذِهِ الْإِجَارَةَ رَأْسَ الشَّهْرِ الْآتِي، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُهُ فَقَدْ فَاسَخْتُكَ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: جَازَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي الْعِمَادِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا. (وَ) كَذَا تَصِحُّ (الْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ كَمَا إذَا قَالَ: دَفَعْتُ إلَيْك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْأَشْجَارَ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ الْعَمَلِ فِيهَا بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إجَارَةٌ (وَ) كَذَا (الْمُضَارَبَةُ) كَمَا إذَا دَفَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى فُلَانٍ وَقَالَ بَعْدَ مَا صَارَتْ بِالْعَشَرَةِ عِشْرِينَ: اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُضَارِبًا إلَّا عِنْدَ صَيْرُورَتِهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا (وَالْوَكَالَةُ) كَمَا إذَا قَالَ: بِعْ عَبْدِي غَدًا، فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَّا بَعْدَ الْغَدِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَزْلِ قَبْلَهُ وَصَحَّ الرُّجُوعُ إجْمَاعًا بِشَرْطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ (وَالْكَفَالَةُ) بِأَنْ قَالَ: مَا ثَبَتَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا (وَالْإِيصَاءُ) أَيْ جَعْلُ الْغَيْرِ وَصِيًّا بِأَنْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَأَنْتَ وَصِيٌّ فِيمَا أَخْلُفُ إذْ الْإِيصَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحَالِ إلَّا إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْوَكَالَةِ (وَالْوَصِيَّةُ) بِأَنْ قَالَ: فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَهُ (وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ) كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقَضَاءِ (وَالطَّلَاقُ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَجِيءَ (وَالْعِتْقُ) بِأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (وَالْوَقْفُ) كَمَا إذَا قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ غَدًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَتَصِحُّ الْعَارِيَّةُ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ مُضَافَيْنِ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْهَا وَقَدْ صَحَّ تَعْلِيقُ الْمُزَارَعَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فَسْخُ كُلٍّ مِنْهَا

كتاب المكاتب

غَيْرَ الْإِجَارَةِ مُضَافًا انْتَهَى. (لَا) يَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ (الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ وَفَسْخِهِ، وَالْقِسْمَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ وَإِبْرَاءِ الدَّيْنِ) حَالَ كَوْنِهِ مُضَافًا إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي التَّنْوِيرِ فَسْخُ الْعَقْدِ بَعْدَ تَعْجِيلِ الْبَدَلِ فَلِلْمُعَجِّلِ حَبْسُ الْبَدَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَالَ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ اسْتَأْجَرَ مَشْغُولًا وَفَارِغًا صَحَّ فِي الْفَارِغِ فَقَطْ الْمُسْتَأْجَرُ فَاسِدًا إذَا أَجَازَ صَحِيحًا جَازَتْ وَقِيلَ لَا. وَفِي الْغُرَرِ: الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي. [كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] ِ أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ يَعْنِي قَوْلَنَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَقَوْلُنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ خَرَجَ بِهِ النِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ قِيلَ: الْأَنْسَبُ أَنْ يُذْكَرَ عَقِيبَ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ، وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكٌ لِشَخْصٍ وَمَنْفَعَةٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ الْعَرَضِيَّاتِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْلَى سَعْدِيٍّ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ، وَالْمُكَاتَبُ هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ كَاتَبَ مُكَاتَبَةً، وَالْمَوْلَى مُكَاتِبٌ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْكَتْبِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَمِنْهُ كَتَبْت الْقَرْيَةَ إذَا أَحْرَزْتُهَا، وَالْكَتِيبَةُ هِيَ الطَّائِفَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ الْجَيْشِ، وَالْكِتَابُ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَبْوَابَ، وَالْفُصُولَ، وَالْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْحُرُوفَ وَيُسَمَّى هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ (الْكِتَابَةُ) فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَتَبَ. وَفِي الشَّرْعِ (تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَدِ (فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ (فِي الْمَآلِ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَتَحَرَّرُ رَقَبَةً إلَّا إذَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا فِي الْحَالِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ جِهَةِ الْيَدِ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الضَّمَانُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ وَلِهَذَا قِيلَ الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ، وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ، ثُمَّ شَرْطُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ قَائِمًا بِالْمَحَلِّ وَأَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ، وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ

الْكِتَابَةِ عَاجِلًا، وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا. وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ أَخَصَّ بِنَفْسِهِ وَكَسْبِهِ مِنْ مَوْلَاهُ وَأَلْفَاظُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (فَمَنْ كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (صَغِيرًا يَعْقِلُ) قَيَّدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْقِلْ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَبُولِ، وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ (بِمَالٍ حَالٍّ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْبَدَلَ عَقِيبَ الْعَقْدِ (أَوْ) بِمَالٍ (مُؤَجَّلٍ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّهُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ (أَوْ) بِمَالٍ (مُنَجَّمٍ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا مِنْ الْبَدَلِ الْأَوْلَى بِالْوَاوِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَكَوْنُ بَدَلِهَا مُنَجَّمًا وَمُؤَجَّلًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا تَدَبَّرْ (فَقِبَلَ) : الْمَمْلُوكُ ذَلِكَ (صَحَّ) الْعَقْدُ عِنْدَنَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] الْآيَةَ فَتَنَاوَلَتْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَالِّ، وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْمُنَجَّمِ، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ وَكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الطَّلَبُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالْبَدَلُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَوَهُّمَ الْقُدْرَةِ كَافٍ هُنَا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَدْيُونًا لِلْغَيْرِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا مُنَجَّمًا وَأَقَلُّهُ نَجْمَانِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ لَكِنَّ قَيْدَ التَّأْجِيلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَرُدَّ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَالْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ أَمْرَ إيجَابٍ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَلْغَى الشَّرْطَ إذْ هُوَ مُبَاحٌ بِدُونِهِ، وَأَمَّا نالندبية فَمُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا قِيلَ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ لَوْ فَعَلَهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَا اخْتَرْنَاهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى: إذَا أَدَّيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ التَّصْرِيحِ كَمَا فِي الْبَيْعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا يَجِبُ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ حَطُّ رُبُعِ الْبَدَلِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ) الْمَوْلَى: (جَعَلْتُ عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا) أَيْ مُتَفَرِّقًا عَلَى النَّجْمِ (أَوَّلُهَا) أَيْ أَوَّلُ النُّجُومِ (كَذَا) مِنْ الدِّرْهَمِ (وَآخِرُهَا كَذَا) مِنْهَا (فَإِذَا أَدَّيْتَهُ) أَيْ الْأَلْفَ (فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْتَ فَقِنٌّ) أَيْ فَأَنْتَ قِنٌّ عَلَى حَالِك (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ ذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ مُكَاتَبًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْكِتَابَةَ وَجْهُ

الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي، وَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ مُفَسَّرًا فَيَنْعَقِدُ بِهِ قِيلَ قَوْلُهُ جَعَلْتُ عَلَيْك يَحْتَمِلُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَيَحْتَمِلُ الضَّرِيبَةَ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا تَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْكِتَابَةِ إلَّا بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزْتَ فَقِنٌّ حَثًّا لِلْعَبْدِ عَلَى الْأَدَاءِ. (وَلَوْ قَالَ) الْمَوْلَى: (إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ تَعْلِيقٌ) يَعْنِي يَكُونُ إعْتَاقًا بِالْمَالِ لَا بِالْمُكَاتَبَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ الْكِتَابَةُ حَتَّى يُجْعَلَ تَفْسِيرًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَقَدْ تَخْلُو الْكِتَابَةُ عَنْهُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ تَفْسِيرًا لَهَا فَلَا يَكُونُ مُكَاتَبًا (وَقِيلَ مُكَاتَبَةٌ) وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّيْسِيرِ، وَذَلِكَ فِي الْمَالِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إلَّا بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا فِي الْكِتَابَةِ (وَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ يَدِ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ، وَالسَّفَرِ (دُونَ مِلْكِهِ) أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى لِمَا رَوَيْنَاهُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ أَتْلَفَ) الْمَوْلَى (مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمُكَاتَبِ (ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فِي مَالِ كَسْبِهِ. (وَكَذَا) ضَمِنَهُ (إنْ وَطِئَ) الْمَوْلَى (الْمُكَاتَبَةَ) أَيْ يَغْرَمُ الْعُقْرَ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ نَفْسِهَا (أَوْ جَنَى) الْمَوْلَى (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ (أَوْ عَلَى وَلَدِهَا) أَيْ يَغْرَمُ الْمَوْلَى أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَهَا وَلِوَلَدِهَا لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا فِي حَقِّهَا وَوَلَدِهَا. (وَإِنْ كَاتَبَهُ) أَيْ إنْ كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ (عَلَى قِيمَتِهِ) بِأَنْ قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى قِيمَتِك (فَسَدَتْ) الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الْقِيمَةِ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ (فَإِنْ أَدَّاهَا) أَيْ الْقِيمَةَ (عَتَقَ) الْعَبْدُ لِكَوْنِهَا بَدَلًا مَعْنًى. (وَكَذَا تَفْسُدُ) الْكِتَابَةُ (لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ (يَتَعَيَّنُ) صِفَةُ عَيْنٍ (بِالتَّعْيِينِ) كَالثَّوْبِ، وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ مِلْكِ الْغَيْرِ. وَعَنْ الْإِمَامِ يَجُوزُ إنْ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِأَنْ يَمْلِكَهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَهِيَ لِغَيْرِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَيَتَعَلَّقُ بِدَرَاهِمَ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لَا بِدَرَاهِمِ الْغَيْرِ فَيَجُوزُ (أَوْ عَلَى مِائَةِ) دِينَارٍ (وَيَرُدُّ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ (عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ) أَيْ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِأَنْ قَالَ: أَدِّ إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْعَبْدِ

مِنْ الْمِائَةِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمُجَانَسَةُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ قِيمَتِهِ وَلَكِنَّهَا مَجْهُولَةٌ لِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فِيهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجُوزُ) الْكِتَابَةُ (وَتُقَسَّمُ الْمِائَةُ عَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ وَقِيمَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ فَيَسْقُطُ قِسْطُ الْعَبْدِ) أَيْ حِصَّتُهُ (وَالْبَاقِي) مِنْ الْمِائَةِ بَعْدَ حِصَّتِهِ (بَدَلُ الْكِتَابَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِائَةً وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ خَمْسِينَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسِينَ يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَدَاءُ خَمْسِينَ وَيَسْقُطُ خَمْسُونَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَتَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى عَبْدٍ فَكَذَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ هَذَا فِي عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ حَتَّى لَوْ شَرَطَهُ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا مُعَيَّنًا صَحَّ اتِّفَاقًا. (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُسْلِمُ) عَبْدَهُ (بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَسَدَ) الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحَانِ لِلْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى ذِمِّيًّا، وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ (فَإِنْ أَدَّاهُ) أَيْ إنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ (عَتَقَ) الْعَبْدُ (وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ أَتَى بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ الْخَمْرَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ صُورَةً وَيَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ مَعْنًى. وَعَنْ الطَّرَفَيْنِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْتَهَا إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ (، وَالْكِتَابَةُ عَلَى مَيِّتَةٍ أَوْ دَمٍ بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا عِنْدَ أَحَدٍ (فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى) لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْكِتَابَةِ بِبُطْلَانِهَا فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ (فِي) الْكِتَابَةِ (الْفَاسِدَةِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ، وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ لِئَلَّا يُبْطِلَ حَقَّهُ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ أَوْلَى لَهُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلَا تَنْقُصُ) الْقِيمَةُ (عَنْ الْمُسَمَّى) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ (وَتُزَادُ) الْقِيمَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَمَّى إنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَيْهِ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَا مَرَّ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي الْفَاسِدَةِ هُوَ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ وَقِيلَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَاتَبَ: عَبْدَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ أَبَدًا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ، فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ أَلْفٍ لَا تَنْقُصُ، وَإِنْ زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِمَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ الْمُسَمَّى لَا تَنْقُصُ مِنْهُ، وَإِنْ

باب تصرف المكاتب

زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ. (وَصَحَّتْ) الْكِتَابَةُ (عَلَى حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ فَقَطْ) كَالْعَبْدِ، وَالْفَرَسِ (لَا وَصْفُهُ) كَالْجَيِّدِ، وَالرَّدِيءِ وَلَا بُدَّ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ النَّوْعَ بِأَنْ يَقُولَ: وَلَا نَوْعُهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِدُونِ ذِكْرِ النَّوْعِ كَالتُّرْكِيِّ، وَالْهِنْدِيِّ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَمُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَتَقَعُ الْكِتَابَةُ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ فَحُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ فَالْجَهَالَةُ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ لَا تَضُرُّ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ (وَلَزِمَ) الْمُكَاتَبَ (الْوَسَطُ) أَيْ الْحَيَوَانُ الْوَسَطُ (أَوْ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَالْعَيْنُ أَصْلُ تَسْمِيَةٍ، وَالْقِيمَةُ أَصْلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِهَا فَاسْتَوَيَا فَيُخَيَّرُ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ مَا أَدَّى. (وَصَحَّ كِتَابَةُ كَافِرٍ عَبْدَهُ الْكَافِرَ بِخَمْرٍ مُقَدَّرٍ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا قَالَ: مُقَدَّرٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مُقَدَّرَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: إنَّهُ قَدْ يُذَكَّرُ (وَأَيٌّ) مِنْ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ (أَسْلَمَ فَلِلسَّيِّدِ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ (بِأَدَاءِ عَيْنِهَا) أَيْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَسَلَامَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ الْآخَرِ لِلْآخَرِ، وَإِذَا أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ أَيْضًا لِتَضَمُّنِ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ إذْ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي الرَّمْزِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتُّمُرْتَاشِيّ لَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ أَدَّى الْقِيمَةَ يَعْتِقُ. وَفِي الْغُرَرِ وَصَحَّتْ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ وَالْأَجْرِ بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. [بَابُ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ] (لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيُسَافِرَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْبَدَلِ إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ عَدَمَهُ) أَيْ عَدَمَ سَفَرِ الْمُكَاتَبِ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ شَرْطًا مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَيُزَوِّجَ أَمَتَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ بِأَخْذِ الْمَهْرِ، وَالْخَلَاصِ عَنْ نَفَقَتِهَا. (وَ) لَهُ أَنْ (يُكَاتِبَ عَبْدَهُ) أَوْ أَمَتَهُ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهَا اكْتِسَابًا بِأَخْذِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَيْضًا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ بَلْ هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ، وَالْبَيْعُ يُزِيلُ قَبْلَ وُصُولِهِ. وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ

لِأَنَّ الْمَآلَ هُوَ الْعِتْقُ، وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ الثَّانِي بَدَلَ الْكِتَابَةِ (بَعْدَ عِتْقِ) الْمُكَاتَبِ (الْأَوَّلِ فَوَلَاؤُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي (لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَهْلًا بَعْدَ الْعِتْقِ. (وَإِنْ) أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثَّانِي بَدَلَ الْكِتَابَةِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ (فَلِلسَّيِّدِ) أَيْ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ جَعْلِ الْمُكَاتَبِ مُعْتِقًا لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ الْإِعْتَاقَ فَيَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ وَلَوْ أَدَّى الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا، وَالْوَلَاءُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ أَدَّيَا مَعًا فَوَلَاؤُهُمَا لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ أَصْلًا. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ وَيَجُوزُ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِأَجْلِهِ فَإِذَا أَذِنَ جَازَ (وَلَا) أَنْ (يَهَبَ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (وَلَا يَتَصَدَّقُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ أَيْضًا (إلَّا بِيَسِيرٍ) مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ (وَلَا يَكْفُلُ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ أَوْ فِي النَّفْسِ بِأَمْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ (وَلَا يُقْرِضُ وَلَا يُعْتِقُ، وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِمَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ (وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لَهُ وَنَقْصٌ لِمَالِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ شَاغِلًا لِرَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ (وَلَا يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ فَلَا يَمْلِكُهُ. (، وَالْأَبُ، وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ) الَّذِي تَحْتَ حَجْرِهِمَا (كَالْمُكَاتَبِ) فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَكِتَابَةِ رَقِيقِ الصَّغِيرِ لَا عَلَى إعْتَاقِهِ عَلَى مَالٍ وَلَا بَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا تَزْوِيجِ عَبْدِهِ (وَلَا يَمْلِكُ) الْعَبْدُ (الْمَأْذُونُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (تَزْوِيجُ أَمَتِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ) شَرِكَةَ عِنَانٍ وَمُفَاوَضَةٍ لَهُمَا أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ التِّجَارَةَ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُقَابِلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَمْلِكُونَهُ، وَلَهُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ قَرِيبَهُ وِلَادًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَيَدْخُلُونَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا لَهُ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ثُمَّ الْوَالِدَانِ، وَعَنْ هَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً يَسْعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَإِلَّا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ فِي الرِّقِّ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا. (وَلَوْ اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرَ الْوِلَادِ) كَالْأَخِ وَابْنِهِ، وَالْعَمِّ وَابْنِهِ

(لَا يَدْخُلُ) فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَالْمُكَاتَبُ فَقِيرٌ كَاسِبٌ، وَهَذِهِ الْقُدْرَةُ تَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ لَا فِي غَيْرِهَا وَلِذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ، وَالْوَالِدَيْنِ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ الْكَسْبَ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَخِ، وَالْعَمِّ فَتَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ لَا عَلَى الْكَاسِبِ الْفَقِيرِ (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلِذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَوْ اشْتَرَى بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ لَا يُكَاتَبُ وَلَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَبِالْإِذْنِ يَصِحُّ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُذْكَرُ فِي الْعَتَاقِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَاهُمَا لَكَانَ أَخَصْرَ. (وَإِنْ اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (أُمَّ وَلَدِهِ) أَيْ امْرَأَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِلْغَيْرِ (مَعَ وَلَدِهَا) مِنْهُ (دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْكِتَابَةِ) تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ كَمَا مَرَّ (وَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّهُ فِي امْتِنَاعِ الْبَيْعِ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَا تَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا فَجَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ كَيْفَ مَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَتِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْوَلَدُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ أُمِّ الْوَلَدِ (جَازَ بَيْعُهَا) لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي كِتَابَتِهِ قِيَاسًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا كَسَبَهُ الْمُكَاتَبُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجِزَ، فَإِنْ أَدَّى الْكُلَّ يَتَقَرَّرُ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ يَتَقَرَّرُ لَهُ لِلْمَوْلَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَهُوَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ (خِلَافًا لَهُمَا) ، فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ (وَوَلَدُهُ) أَيْ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ (مِنْ أَمَتِهِ يَدْخُلُ فِي كِتَابَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّعْوَةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ (وَكَسْبُهُ) أَيْ كَسْبُ الْوَلَدِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَمْلُوكِهِ وَكَانَ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ. (وَلَوْ زَوَّجَ) الْمُكَاتَبُ (أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا) أَيْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ الْعَبْدَ، وَالْأَمَةَ (فَوَلَدَتْ) الْأَمَةُ (يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَكَسْبُهُ) أَيْ كَسْبُ الْوَلَدِ (لَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْكِتَابَةِ، وَالرِّقِّ كَمَا مَرَّ فِي الْعَتَاقِ حَتَّى لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ. (وَلَوْ نَكَحَ) أَيْ تَزَوَّجَ (مُكَاتَبٌ بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ) مِنْ الْمُكَاتَبِ (فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِوَلَدِهَا (فَوَلَدُهَا عَبْدٌ) ، وَكَذَا إنْ وَلَدَتْ مِنْ عَبْدٍ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِكَوْنِهِ مَوْلُودًا مِنْ الْمَمْلُوكَيْنِ فَيَكُونُ رَقِيقًا إذْ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَتَرَكْنَا هَذَا فِي وَلَدِ الْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ حَقَّ

الْمَوْلَى مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ، وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى الْعِتْقِ هَكَذَا ذَكَرُوا هُنَا لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، فَإِنَّ دَيْنَ الْعَبْدِ إذَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ أَذِنَ فِيهِ الْمَوْلَى يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ، وَالْمَوْضُوعُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الدَّيْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَلْزَمُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَذِنَ بِالتَّزَوُّجِ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهَا حُرَّةً لَا مُطْلَقًا فَالْمَغْرُورُ حِينَئِذٍ هُوَ الْعَبْدُ فَلَا يُوجِبُ أَنْ يَلْزَمَ عَلَى الْمَوْلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَ كَوْنِ ابْنِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَلَا غُنْمَ لِلْمَوْلَى حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الرَّقِيقِ، وَوَلَدُ الْحُرِّ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْحُرِّ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَلْحَقُ بِوَلَدِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ بِالْقِيَاسِ، وَالدَّلَالَةِ تَدَبَّرْ. (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (حُرٌّ) بِالْقِيمَةِ (وَتُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُكَاتَبِ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ (بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ، وَهُوَ الْغُرُورُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ فَيَلْحَقُ بِوَلَدِ الْحُرِّ، وَالْمَغْرُورِ إلَّا أَنَّ قِيمَتَهُ تُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَلَدُهَا حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يُعْطِيهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ التَّزَوُّجُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُعْطِيهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِمَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةَ لَهُ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ الْمُصَنِّفَ التَّفْصِيلُ تَتَبَّعْ. (وَإِنْ وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً بِمِلْكٍ) أَيْ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ فَوَطِئَهَا (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالِهَا مَعَ الْإِذْنِ لِيُفْهَمَ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ الْأَمَةُ (أَخَذَ مِنْهُ) أَوْ مِنْ الْمُكَاتَبِ (عُقْرَهَا فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَى الْعِتْقِ. (وَكَذَا إنْ شَرَاهَا) أَيْ شَرَى الْمُكَاتَبُ أَمَةً شِرَاءً (فَاسِدًا فَوَطِئَهَا فَرُدَّتْ) بِحُكْمِ الْفَسَادِ أُخِذَ مِنْهُ عُقْرُهَا فِي الْحَالِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إلَى الْعِتْقِ (، وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ الْمُكَاتَبُ الْأَمَةَ (بِنِكَاحٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَاسْتُحِقَّتْ (لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) الْعُقْرُ (إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ، وَالْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَظْهَرْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ فِي شَيْءٍ فَلَا تَنْتَظِمُهُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْعُقْرَ ثَبَتَ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ، وَالْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ إذْنًا بِالْوَطْءِ وَالْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَكُونُ الْعُقْرُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى انْتَهَى. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى

فصل إذا ولدت المكاتبة من مولاها

سُقُوطِ الْحَدِّ وَسُقُوطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشِّرَاءِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِيمَا سَبَقَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ انْتَهَى لَكِنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ إذْنًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَا كَانَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَطْءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ لَكِنَّ سَبَبَهُ الَّذِي هُوَ الشِّرَاءُ مِنْهَا وَتَنْزِيلُ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ الْمُسَبَّبِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَهُمْ تَأَمَّلْ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمُكَاتَبِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (الْمَأْذُونُ) لَهُ (فِي التِّجَارَةِ) قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ ثَيِّبًا أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِكْرًا يُؤْخَذُ بِالْعُقْرِ حَالًا، وَكَذَا لَوْ نَكَحَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ يُؤْخَذُ بِالْمَهْرِ فِي الْحَالِ. [فَصَلِّ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَة مِنْ مَوْلَاهَا] فَصَلِّ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ مَوْلَاهَا) فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ (مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ) إنْ شَاءَتْ (عَجَّزَتْ) مِنْ التَّعْجِيزِ (نَفْسَهَا) مَفْعُولُ عَجَّزَتْ؛ لِأَنَّهُ تَلَقَّتْهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ: عَاجِلَةٌ بِبَدَلٍ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ، وَآجِلَةٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيُّهُمَا شَاءَتْ (وَهِيَ) أَيْ الْمُكَاتَبَةُ (أُمُّ وَلَدِهِ) سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ إذَا ادَّعَى أَوْ كَذَّبَتْهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا وَلَهَا حَقُّ الْمِلْكِ، وَالْحَقِيقَةُ رَاجِحَةٌ فَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى جَارِيَةَ ابْنِهِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الِابْنِ (وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ وَمَضَتْ عَلَيْهَا (أَخَذَتْ) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ مَوْلَاهُ (عُقْرَهَا) أَيْ مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِنَفْسِهَا بِالْكِتَابَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ نَفْسِهَا. (وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى) بَعْدَ مُضِيِّهَا عَلَى الْكِتَابَةِ (عَتَقَتْ) بِالِاسْتِيلَادِ (وَسَقَطَ عَنْهَا الْبَدَلُ) ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا بَطَلَتْ وَانْتَفَتْ الْفَائِدَةُ فِي إبْقَائِهَا؛ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مَجَّانًا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ. (وَإِنْ مَاتَتْ) الْمُكَاتَبَةُ (وَتَرَكَتْ مَالًا أُدِّيَتْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (كِتَابَتُهَا وَمَا بَقِيَ) مِنْ الْمَالِ (مِيرَاثٌ لِابْنِهَا) لِثُبُوتِ عِتْقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ قِيلَ لَوْ قَالَ لِوَلَدِهَا لَكَانَ أَشْمَلَ لِلْبِنْتِ انْتَهَى لَكِنَّ الِابْنَ يَأْخُذُ جَمِيعَ الْمَالِ وَلَيْسَتْ الْبِنْتُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ النِّصْفَ، وَالْآخَرُ لِلْمَوْلَى، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا يَأْخُذُ الْجَمِيعَ وَهُوَ الِابْنُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَمَا بَقِيَ أَيْ مَجْمُوعُ مَا بَقِيَ تَأَمَّلْ. (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ مَنْ تَلِدُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ (بِلَا دَعْوَةٍ بَلْ هُوَ مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ (فِي الْحُكْمِ) لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا، وَإِنْ حَرُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى إذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا، وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا كَسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِي وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ أُمِّهِ. (وَإِنْ كَاتَبَ) شَخْصٌ (مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ صَحَّ) مَا فَعَلَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمَوْلَى (عَتَقَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ الْمُكَاتَبَةُ (مَجَّانًا) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ، وَالْبَدَلُ وَجَبَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ وَيَسْلَمُ لَهَا الْأَوْلَادُ، وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ (وَالْمُدَبَّرُ) الْمُكَاتَبُ (يَسْعَى) بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى (فِي) جَمِيعِ (بَدَلِ كِتَابَتِهِ) إنْ شَاءَ (أَوْ) يَسْعَى فِي (ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ) الْمَوْلَى يَمُوتُ (مُعْسِرًا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا فَالْإِنْسَانُ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ مَجَّانًا فَيَبْقَى الْبَدَلُ جَمِيعًا فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ الرَّقَبَةِ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ يَصِيرُ كُلُّ الْأَلْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدَةِ الْبَاقِيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَابَلُ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ لَا بِثُلُثَيْهَا إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُرِّيَّةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى مِنْ الْأَقَلِّ مِنْ الْبَدَلِ أَوْ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) لِكَوْنِ الْأَقَلِّ نَافِعًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ أَوْ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ مَجَّانًا فَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا تَسْقُطُ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ مِنْ الْبَدَلِ فَصَارَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فَالْخِيَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَرْعُ التَّجَزُّؤِ وَعَدَمُ الْخِيَارِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ لِمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَبَطَلَ كِتَابَتُهُ. (وَإِنْ دَبَّرَ) الْمَوْلَى (مُكَاتَبَهُ صَحَّ) التَّدْبِيرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطِ الْمَوْتِ (وَمَضَى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْكِتَابَةِ إنْ شَاءَ (أَوْ عَجَّزَ) التَّعْجِيزَ (نَفْسَهُ وَصَارَ مُدَبَّرًا) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى (فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْكِتَابَةِ (فَمَاتَ سَيِّدُهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُعْسِرًا يَسْعَى) الْمُدَبَّرُ (فِي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ أَوْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ مُتَجَزِّئٌ فَيَسْقُطُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الثُّلُثُ فَيَخْتَارُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ (وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَخْتَارُ أَقَلَّ الدَّيْنَيْنِ ضَرُورَةً فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ تَجَزُّئِهِ أَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ) لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ (وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ. (وَإِنْ كُوتِبَ) الْعَبْدُ (عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَالَحَ عَلَى نِصْفِهِ

حَالًّا صَحَّ) الصُّلْحُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ بِالْمَالِ الْحَالِّ عَنْ الْآجِلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا وَبِهِ قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ كَمَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِالْأَجَلِ دُونَ وَجْهٍ آخَرَ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ دُونَ وَجْهٍ آخَرَ فَاسْتَوَيَا فِي كَوْنِهِمَا مَالًا وَغَيْرَ مَالٍ. (وَإِنْ مَاتَ مَرِيضٌ) وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَانَ (كَاتَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ) فَكَاتَبَهُ (عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَلَا مَالَ لَهُ) أَيْ لِلْمَرِيضِ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْعَبْدِ (وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) ذَلِكَ (أَدَّى الْعَبْدُ) الْمُكَاتَبُ (ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا، وَ) أَدَّى (الْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ) أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِهِ (أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمُبْدَلِ فَيَصِيرُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْبَدَلِ وَلِذَا يَكُونُ عِتْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِأَدَاءِ الْكُلِّ فَلَا يَجُوزُ فِي قَدْرِ الثُّلُثَيْنِ مِنْهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) إنْ شَاءَ (يُؤَدِّي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) وَهِيَ أَلْفٌ (لِلْحَالِّ، وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا) ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ لَهُ التَّأْجِيلُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَيَجُوزُ التَّرْكُ فَيَصِحُّ بِالتَّأْخِيرِ. (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ) إلَى سَنَةٍ (وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ يُجِيزُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لِلْحَالِّ أَوْ رُدَّ إلَى الرِّقِّ اتِّفَاقًا) يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا حَصَلَتْ فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا أَيْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ فِي الْإِسْقَاطِ وَالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الثُّلُثُ لَمْ يَبْقَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لَا فِي حَقِّ الْإِسْقَاطِ وَلَا فِي التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَمِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ الْكِتَابَةِ (الْبَيْعُ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارِهِ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: أَدِّ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ حَالًّا، وَالثُّلُثُ إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ، وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ كَاتَبَ حُرٌّ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى) الْحُرُّ الْأَلْفَ (عَنْهُ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ) الْحُرُّ (بِهِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا إذْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ: كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ شَرَطَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتُ إلَيْك فَهُوَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَكَاتَبَ الْمَوْلَى ثُمَّ أَدَّى الْحُرُّ الْأَلْفَ يَعْتِقُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَبِحُكْمِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْكِتَابَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى قَبُولِ الْغَائِبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ صِحَّةُ أَدَاءِ الْحُرِّ الْقَابِلِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْدُومٌ، وَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ الْغَائِبِ فِيمَا يُصَيِّرُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ. (وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ) حِينَ بُلُوغِ الْكَلَامِ إلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْحُرِّ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (مُكَاتَبٌ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ، وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا قَبْلَ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبِلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحُرِّ فَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْمُكَاتَبِ

لِوُجُودِ الْحُرِّيَّةِ قِيلَ: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لَا أَقْبَلُهُ ثُمَّ أَدَّى الْقَابِلُ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ. (وَإِنْ كَاتَبَ) الْمَوْلَى (عَبْدًا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ آخَرَ غَائِبٍ) بِأَنْ قَالَ الْحَاضِرُ لِمَوْلَاهُ: كَاتِبْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ الْحَاضِرُ (صَحَّ) عَقْدُ الْكِتَابَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا وَيَتَوَقَّفَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً فَجَعَلَ نَفْسَهُ أَصِيلًا وَالْغَائِبَ تَبَعًا فَيَصِحُّ كَأَمَةٍ كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ (وَقَبُولُ الْغَائِبِ وَرَدُّهُ لَغْوٌ) إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِي حَقِّهِ (وَيُؤْخَذُ الْحَاضِرُ بِكُلِّ الْبَدَلِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْبَدَلِ عَلَيْهِ (وَلَا يُؤْخَذُ الْغَائِبُ بِشَيْءٍ) مِنْ الْبَدَلِ لِكَوْنِ الْعَقْدِ نَافِذًا عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَوْ اكْتَسَبَ الْغَائِبُ شَيْئًا لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرَ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْغَائِبَ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَاضِرَ أَوْ مَاتَ سَقَطَتْ حِصَّةُ الْحَاضِرِ وَأَدَّى الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًا وَإِلَّا رُدَّ قِنًّا (وَأَيُّهُمَا) أَيْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَهُمَا الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ (أَدَّى) بَدَلَ الْكِتَابَةِ (أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) أَيْ عَلَى قَبُولِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهَا أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ يُجْبِرُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ (وَعَتَقَا) أَيْ الْحَاضِرُ، وَالْغَائِبُ جَمِيعًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِمَا وَهُوَ أَدَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ) بِمَا أَدَّى إلَى الْمَوْلَى مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ أَدَّى بِغَيْرِ أَمْرِهِ. (وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُمَا مَعًا) أَيْ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً إنْ أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا إلَى الرِّقِّ وَلَا يَعْتِقَانِ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَاحِدَةٌ، وَشَرْطُهَا فِيهِمَا مُعْتَبَرٌ وَأَيُّهُمَا أَدَّى أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَعَتَقَا (وَلَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا) أَيْ الْعَبْدَانِ (لِاثْنَيْنِ) أَيْ لِرَجُلَيْنِ وَكَاتَبَاهُمَا كَذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبٌ لِحِصَّتِهِ يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّيِّدَيْنِ إنَّمَا اسْتَوْجَبَ الْبَدَلَ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَيُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي مَمْلُوكِهِ لَا فِي مَمْلُوكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَاهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَلَوْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا) فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَرُدَّ إلَى الرِّقِّ أَمَّا بِتَصَالُحِهِمَا أَوْ رَدَّهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ (ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ الْكُلَّ عَتَقَا) جَمِيعًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ الْأُولَى لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَنْسَبَ تَدَبَّرْ. (وَإِنْ كَاتَبَتْ أَمَةٌ عَنْهَا وَعَنْ)

باب كتابة العبد المشترك بين الاثنين

وَلَدَيْنِ (صَغِيرَيْنِ لَهَا جَازَ) الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا إذَا قَبِلَتْ الْأَمَةُ (وَأَيُّ) وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ الْأُمُّ، وَالِابْنَانِ (أَدَّى أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ وَعَتَقُوا) ؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ نَفْسَهَا أَصْلًا فِي الْكِتَابَةِ وَأَوْلَادَهَا تَبَعًا وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمَا يُؤَدِّيَانِهِ فِي الْحَالِ فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمَا وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ) بِشَيْءٍ لِكَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِالْأَدَاءِ وَمُتَبَرِّعًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ. [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ] ِ ذَكَرَ كِتَابَةَ الْمُشْتَرَكِ بَعْدَ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُفْرَدِ. (وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ لِلْآخِرِ أَنْ يُكَاتِبَ حِصَّتَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ (بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ (وَيَقْبِضَ الْبَدَلَ) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ (فَفَعَلَ) الْمَأْذُونُ أَيْ كَاتَبَ الشَّرِيكُ الْمَأْذُونُ (وَقَبَضَ الْبَعْضَ) أَيْ بَعْضَ الْبَدَلِ (فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ) عَنْ أَدَاءِ بَاقِيهِ (فَالْمَقْبُوضُ) مِنْ الْبَدَلِ (لِلْقَابِضِ خَاصَّةً) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُتَجَزِّئَةٌ عَلَى قَوْلِهِ لِإِفَادَتِهَا الْحُرِّيَّةَ يَدًا فَيَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَى نَصِيبِهِ وَدَالًّا عَنْ إذْنٍ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِهِ عَلَى الْقَابِضِ فَيَكُونُ كُلُّ الْمَقْبُوضِ لَهُ (وَقَالَا) هُوَ مُكَاتَبٌ (بَيْنَهُمَا) وَمَا أَدَّى فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا كَالْحُرِّيَّةِ فَيَكُونُ الْقَابِضُ أَصِيلًا فِي بَعْضِ مَقْبُوضِهِ وَوَكِيلًا فِي بَعْضِهِ لِشَرِيكِهِ فَيَصِيرُ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَجْزِ كَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا قَبْلَ الْعَجْزِ (أَمَةٌ) مُشْتَرَكَةٌ (لِرَجُلَيْنِ كَاتَبَاهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْوَلَدَ (ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ) أَيْ بِوَلَدٍ آخَرَ (فَادَّعَاهُ) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ فَعَجَزَتْ) الْأَمَةُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ (فَهِيَ) أَيْ الْأَمَةُ (أُمُّ وَلَدِ) الشَّرِيكِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَكَوْنِ اسْتِيلَادِهِ غَيْرَ مُتَجَزٍّ، إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَتَقْصُرُ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَكَذَا دَعْوَةُ الْآخَرِ صَحِيحَةٌ فِي وَلَدِهَا الثَّانِي مَا دَامَتْ الْأَمَةُ بَاقِيَةً عَلَى الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ، ثُمَّ إنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا جُعِلَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بِسَبَبِ الْعَجْزِ وَقَعَ وَطْءُ الْآخَرِ حَقِيقَةً فِي أُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ وَظَهَرَ أَنَّ كُلَّ الْأَمَةِ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الِانْتِقَالِ وَلِتَقَدُّمِ وَطْئِهِ (وَضَمِنَ) الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَمَلَّك نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ (وَ) ضَمِنَ (نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَضَمِنَ الثَّانِي) لِلْأَوَّلِ (تَمَامَ عُقْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً. (وَ) ضَمِنَ (قِيمَةَ الْوَلَدِ) الثَّانِي (وَهُوَ) أَيْ

الْوَلَدُ الثَّانِي (ابْنُهُ) أَيْ ابْنُ الثَّانِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ وَحُرٌّ بِالْقِيمَةِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَأَيُّهُمَا) أَيْ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (دَفَعَ الْعُقْرَ إلَيْهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ (قَبْلَ الْعَجْزِ جَازَ) دَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ ظَهَرَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) كُلُّ الْأَمَةِ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ حِينَ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا أَمْكَنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِيلَادَ الْمُكَاتَبَةِ غَيْرُ مُتَجَزٍّ وَالتَّكْمِيلُ مُمْكِنٌ بِسَبَبِ فَسْخِ الْكِتَابَةِ بِالِاسْتِيلَادِ فِيمَا لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ فَيَنْتَقِلُ نَصِيبُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَنْتَقِلُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ بِالْعَجْزِ وَ (لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ) الثَّانِي (مِنْ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي صَادَفَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ (وَلَا يَضْمَنُ) الثَّانِي (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَهِيَ شُبْهَةُ أَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ بَيْنَهُمَا (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْوَلَدِ (كَأُمِّهِ) يَعْنِي يَكُونُ تَابِعًا لِأُمِّهِ فِي الِاسْتِيلَادِ (وَيَضْمَنُ تَمَامَ الْعُقْرِ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَعْرَى عَنْ أَحَدِ الْغَرَامَتَيْنِ وَالْحَدُّ مُنْدَرِئٌ لِلشُّبْهَةِ فَتَحَقَّقُ الْغَرَامَةُ (وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ) لِلْآخَرِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ التَّمَلُّكِ. (وَ) يَضْمَنُ (الْأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا (وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْبَدَلِ) أَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآخَرِ فِي نِصْفِ الرَّقَبَةِ نَظَرًا إلَى الْعَجْزِ وَفِي نِصْفِ الْبَدَلِ نَظَرًا إلَى الْأَدَاءِ فَلِلتَّرَدُّدِ يَلْزَمُ أَقَلُّهُمَا لِتَيَقُّنِهِ وَإِذَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ عِنْدَهُمَا قَبْلَ الْعَجْزِ فَكُلُّهَا مُكَاتَبَةٌ لِلْأَوَّلِ بِنِصْفِ الْبَدَلِ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَبِكُلِّ الْبَدَلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ (وَلَوْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِي) الْأَمَةَ الْمُكَاتَبَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَعْدَ اسْتِيلَادِ الْأَوَّلِ (بَلْ دَبَّرَهَا فَعَجَزَتْ) عَنْ الْكِتَابَةِ (بَطَلَ التَّدْبِيرُ) بِالِاجْتِمَاعِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَمَلَّك نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالْعَجْزِ مِنْ وَقْتِ وَطْئِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْ تَمَلَّك كُلَّهَا بِالِاسْتِيلَادِ قَبْلَ الْعَجْزِ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَالتَّدْبِيرُ يَقَعُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْأَمَةُ (أُمُّ وَلَدِ الْأَوَّلِ) لِزَوَالِ الْكِتَابَةِ الْمَانِعَةِ بِالْعَجْزِ وَلِلُزُومِ اسْتِكْمَالِ الِاسْتِيلَادِ (وَالْوَلَدُ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ لِصِحَّةِ دَعْوَتِهِ (وَضَمِنَ) الْأَوَّلُ لِشَرِيكِهِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِتَمَلُّكِهِ بِالِاسْتِيلَادِ (وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِوُقُوعِ الْوَطْءِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ. (وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْمُكَاتَبَةَ الْمُشْتَرَكَةَ حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا فَعَجَزَتْ) عَنْ الْكِتَابَةِ (ضَمِنَ الْمُعْتِقُ) لِشَرِيكِهِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا وَيَرْجِعُ) الْمُعْتِقُ (بِهِ)

باب العجز والموت

أَيْ بِمَا ضَمِنَهُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ لِأَنَّ السَّاكِتَ عَنْ التَّحْرِيرِ يُضَمِّنُ الْمُحَرِّرَ وَهُوَ أَيْضًا يُضَمِّنُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا إذْ بِالْعَجْزِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ الْقُنْيَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا (وَإِنْ لَمْ تَعْجِزْ) الْأَمَةُ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ حَالَ كَوْنِ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا (فَلَا ضَمَانَ) عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ بِالْإِعْتَاقِ لَمْ يَتَغَيَّرْ نَصِيبُ السَّاكِتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ مُتَجَزٍّ عِنْدَهُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُوسِرُ وَتَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْمُعْسِرِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا يَعْتِقُ الْكُلُّ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَسْعَى الْأَمَةُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِعْتَاقِ يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا ضَمِنَهُ لِلْمُدَبِّرِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ يَعْنِي لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ شَاءَ (أَوْ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ خُيِّرَ الْمُدَبِّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَإِنْ عُكِسَا) أَيْ إنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ (فَالْمُدَبِّرُ) بِالْكَسْرِ (يُعْتِقُ أَوْ يَسْتَسْعِي) وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَتَدْبِيرُ أَحَدِهِمَا يَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ لَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ الْآخَرِ فَتَثْبُتُ لَهُ خِيرَةُ الْإِعْتَاقِ وَالتَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَإِعْتَاقُهُ يُقْتَصَرُ عَلَى نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يَفْسُدُ بِهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلَهُ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ صَادَفَ الْمُدَبَّرَ، ثُمَّ قِيلَ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ تُعْرَفُ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَقِيلَ يَجِبُ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَعِنْدَهُمَا إنْ دَبَّرَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا (وَعِتْقُ الْآخَرِ لَغْوٌ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ صَادَفَهُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ قِنٌّ. (وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ) لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ (لَوْ) كَانَ (مُوسِرًا أَوْ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لَوْ) كَانَ (مُعْسِرًا) ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْإِعْتَاقِ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُمَا (وَتَدْبِيرُ الْآخَرِ لَغْوٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَعَتَقَ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَهُوَ يَعْتَمِدُهُ. [بَابُ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ] ِ أَيْ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى. تَأْخِيرُ بَابِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمٍ) أَيْ مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ وَظِيفَةٍ مَقْطُوعَةٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِمَا مَرَّ أَنْ النَّجْمَ فِي الْأَصْلِ: الطَّالِعُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ ثُمَّ الْوَظِيفَةُ الَّتِي تُؤَدَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ رُجِيَ لَهُ حُصُولُ مَالٍ) بِأَنْ كَانَ لِهَذَا الْمُكَاتَبِ

عَلَى آخَرَ دَيْنٌ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا أَوْ مَالٌ يُرْجَى قُدُومُهُ (لَا يُعَجِّلُ الْحَاكِمُ بِتَعْجِيزِهِ وَيُمْهَلُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدْيُونِ الْمُقِرِّ لِلْقَضَاءِ وَكَشَرْطِ الْخِيَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُرْجَ لَهُ حُصُولُ مَالٍ (عَجَّزَهُ) الْحَاكِمُ (وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ إنْ طَلَبَ سَيِّدُهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ) أَيْ بِرِضَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا يُفْسَخُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَى كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ كَمَا فِي الْكَافِي وَلِلْمَوْلَى حَقُّ الْفَسْخِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِلَا رِضَى الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ حَقُّ الْفَسْخِ أَيْضًا فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ رِضَى الْمَوْلَى كَمَا فِي التَّنْوِيرِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَجَّزُ) أَيْ لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعَجْزِهِ (مَا لَمْ يَتَوَالَ عَلَيْهِ نَجْمَانِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ وَالْأَثَرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَرَدَّهُ إلَى الرِّقِّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْيِينُ الْمُسَمَّى عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ قَدْ فَاتَ فَوَجَبَ تَخْيِيرُهُ كَمَا لَوْ تَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَابِلَةٌ لِلْفَسْخِ، وَالْإِخْلَالُ بِالنَّجْمِ الْوَاحِدِ إخْلَالٌ بِمَا هُوَ غَرَضُ الْمَوْلَى مِنْ الْكِتَابَةِ فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَفَوَاتِ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. وَفِي الْمُضْمِرَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا (وَإِذَا عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ (عَادَتْ) إلَيْهِ (أَحْكَامُ رِقِّهِ) لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ (وَمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الِاكْتِسَابِ (لِمَوْلَاهُ) إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ (وَيَحِلُّ) مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (أَصْلُهُ مِنْ صَدَقَةٍ) وَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مَصْرِفًا لِلصَّدَقَةِ زَكَاةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ زَمَانَ الْأَخْذِ وَالْمُكَاتَبُ قَدْ أَخَذَهُ صَدَقَةً وَهُوَ مِنْ الْمَصَارِفِ وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ أَخْذًا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ هِيَ لَك صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» كَمَا مَرَّ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَا فَرْقَ عَلَى الصَّحِيحِ بَيْنَ مَا إذَا أَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَجَزَ أَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْأَدَاءِ. وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ. (وَإِنْ مَاتَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ إنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ (لَا تُفْسَخُ) الْكِتَابَةُ (وَيُؤَدَّى بَدَلُهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ (مِنْ مَالِهِ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ) أَجْزَاءِ (حَيَاتِهِ وَيُورَثُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ إذْ الْمُعَاوَضَةُ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ

هُوَ سَبَبُ الْأَدَاءِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَسْتَنِدُ الْأَدَاءُ إلَى مَا قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ أَدَاءُ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ، وَلِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ يُقَامُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ وَهِيَ الْأَدَاءُ فَيَكُونُ الْمَوْلَى مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ الْبَعْضُ إنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَفْسَخُ الْكِتَابَةَ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ كَمَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَافِيًا وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَيُعْتَقُ أَوْلَادُهُ الَّذِينَ شَرَاهُمْ) فِي كِتَابَتِهِ (أَوْ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ شَرَاهُمْ وَوُلِدُوا عَلَى التَّنَازُعِ حَتَّى لَوْ وُلِدُوا قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَا يَتْبَعُونَ وَلَا يُعْتَقُونَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا صِغَارًا وَعَنْ هَذَا قَالَ (أَوْ) أَوْلَادُهُ الَّذِينَ (كُوتِبُوا مَعَهُ تَبَعًا) بِأَنْ يَكُونُوا صِغَارًا (أَوْ قَصْدًا) بِأَنْ يَكُونُوا كِبَارًا وَلَكِنْ كُوتِبُوا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الصِّغَارَ يَتْبَعُونَ الْأَبَ فِي الْكِتَابَةِ، وَالْكِبَارَ يُجْعَلُونَ مَعَ الْأَبِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَعْتِقُونَ وَيَرِثُونَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ وَالْوَلَدُ مُكَاتَبَيْنِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَعْتِقُ مِنْ وَقْتِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْكِتَابَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً) أَيْ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ (وَلَهُ وَلَدٌ وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ سَعَى) الْوَلَدُ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ كَمَا كَانَ يَسْعَى أَبُوهُ (عَلَى نُجُومِهِ) أَيْ عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ الْمُقَسَّطَةِ (فَإِذَا أَدَّى) الْوَلَدُ الْكِتَابَةَ (حُكِمَ بِعِتْقِهِ) أَيْ بِعِتْقِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ فَيُعْتَقُ بِعِتْقِهِ (وَعِتْقُ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) يَعْنِي فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ (وَالْوَلَدُ الْمُشْرَى) أَيْ الْوَلَدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُكَاتَبُ فِي كِتَابَتِهِ وَمَاتَ (إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ) الْبَدَلَ (حَالًّا أَوْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ لَكِنَّهُ إذَا أَدَّى فِي الْحَالِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَأَنَّ الْكِتَابَةَ بَاقِيَةٌ وَأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ الْوَلَدُ الْمُشْرَى (كَالْأَوَّلِ) أَيْ كَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِكَوْنِهِ مُكَاتَبًا بِتَبَعِيَّةِ الْأَبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَفِي التَّنْوِيرِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَرِثَهُ ابْنُهُ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا مِنْ) امْرَأَةٍ (حُرَّةٍ وَ) تَرَكَ (دَيْنًا عَلَى النَّاسِ فِيهِ وَفَاءٌ) بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ (فَجَنَى الْوَلَدُ فَقَضَى) الْقَاضِي أَيْ قَضَى الْقَاضِي (بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا عَنْهَا. (وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَ) مَوَالِي (الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ) أَيْ قَضَى الْقَاضِي بِالْوَلَاءِ (لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِعَجْزِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوَلَاءِ مَقْصُودٌ؛ وَذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَانْتِقَاضِهَا فَإِنَّهَا إذَا فُسِخَتْ مَاتَ عَبْدًا وَاسْتَقَرَّ الْوَلَاءُ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِذَا بَقِيَتْ وَاتَّصَلَ بِهَا الْأَدَاءُ مَاتَ حُرًّا وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَهَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ مَا يُلَاقِيهِ الْقَضَاءُ وَلِهَذَا كَانَ تَعْجِيزًا وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا مَاتَ

الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ أَوْ عَنْ وَلَدِ فَأَدَّاهَا، أَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ أَوْ لَا عَنْ وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ قَالَ الْإِسْكَافُ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَقْضِ بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. (وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ) حَالَ كَوْنِهِ (جَاهِلًا بِجِنَايَتِهِ فَعَجَزَ) الْعَبْدُ عَنْ الْكِتَابَةِ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ (دَفَعَ) الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ فَدَى) الْعَبْدَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ لِجِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا لَكِنَّ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ لِلدَّفْعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ. (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ فَعَجَزَ) مِنْ الْكِتَابَةِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا، وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَلَوْ) عَجَزَ (بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ (بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ (فَهُوَ) أَيْ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ (دَيْنٌ) عَلَيْهِ (وَيُبَاعُ) الْعَبْدُ (فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ هَذَا عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ وَالزَّوَالِ فَيَكُونُ الْمَانِعُ مُتَرَدِّدًا فَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَى أَوْ بِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بِلَا تَوَقُّفٍ وَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ قَائِمٌ وَقْتَ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ. وَفِي الدُّرَرِ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً لَزِمَتْهُ وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُسْتَحِقَّةٌ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِاكْتِسَابِهِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ. (وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ حَقٌّ لِلْمُكَاتِبِ وَكَذَا سَبَبُهُ حَقٌّ لَهُ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَالْأَجَلِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ (وَيُؤَدِّي) الْمُكَاتَبُ (الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ) أَيْ إلَى وَرَثَةِ سَيِّدِهِ (عَلَى نُجُومِهِ) ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَهُوَ الْحَقُّ الْمَطْلُوبُ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمُكَاتَبَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي مَجْلِسٍ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ (لَا يَنْفُذُ) عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إذْ الْمُكَاتَبُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ كَمَا لَا يُمْلَكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ

كتاب الولاء

مِنْ الْبَدَلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقِيلَ يُعْتَقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ. (وَإِنْ أَعْتَقُوهُ) أَيْ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (كُلُّهُمْ عَتَقَ) الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ (مَجَّانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقَ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِلْعِتْقِ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ كُلِّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. وَفِي التَّنْوِيرِ مُكَاتَبٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ فَمَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. كَاتَبَا عَبْدًا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَا يُعَجِّزُهُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَا. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] ِ أَوْرَدَ كِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ زَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لُغَةً الْقَرَابَةُ وَشَرْعًا قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ الْمُتَابَعَةُ؛ لِأَنَّ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ إرْثًا يُوَالِي وُجُودَ الشَّرْطِ وَكَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَقِيلَ الْوَلَاءُ وَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ النُّصْرَةُ وَالْحُجَّةُ بِالْعِتْقِ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ بِالْعَقْدِ وَالْوَعْدِ وَلَوْ كَافِرًا فَالْوَلَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ النُّصْرَةِ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَيَرِثُهُ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِرْثِ. وَفِي التَّنْوِيرِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّنَاصُرِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ بِوَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَمِنْ آثَارِهِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» يَعْنِي أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ ذَكَرًا كَانَ السَّيِّدُ أَوْ أُنْثَى فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَلِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ سَبَبُ هَذَا الْوَلَاءِ الْإِعْتَاقُ وَالْأَصَحُّ أَنْ سَبَبَهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَلَا يُقَالُ وَلَاءُ الْإِعْتَاقِ وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ بِالسَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ مَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ مَوْلًى لَهُ وَلَا إعْتَاقَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجَدُ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ لَا مَحَالَةَ وَتَخْصِيصُهُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِتَدْبِيرٍ) بِأَنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَمَاتَ وَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ (أَوْ اسْتِيلَادٍ) بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً وَمَاتَ عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ (أَوْ كِتَابَةٍ) بِأَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَأَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ (أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِلْكِ قَرِيبٍ) بِأَنْ يَمْلِكَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْوَلَاءُ فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لِلسَّيِّدِ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إنَّمَا تُعْتَقَانِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ قُلْنَا صُورَتُهُ أَنْ يَرْتَدَّ السَّيِّدُ وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُحْكَمَ بِعِتْقِ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مُدَبَّرُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ فِي جَمِيعِ الْمَوَادِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَوْلَى ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ فِي الْمُكَاتَبِ الَّذِي أَدَّى الْبَدَلَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ إلَى الْوَرَثَةِ وَكَذَا فِي الْعَبْدِ الْمُوصِي بِشِرَائِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَغَيْرِهِمَا تَدَبَّرْ (وَلَغَا شَرْطُهُ لِغَيْرِهِ

أَوْ سَائِبَةٍ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَشَرَطَ الْوَلَاءَ لِغَيْرِهِ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا وَلَا وَلَاءَ بَيْنَهُمَا وَيَرِثُهُ غَيْرُهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ وَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مَقَامَ النَّصِّ سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ تَتَبَّعْ. (وَمَنْ أَعْتَقَ) أَمَةً (حَامِلًا مِنْ زَوْجٍ قِنٍّ) لِلْغَيْرِ (فَوَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْحَامِلُ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا (لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لَهُ) أَيْ لِمَوْلَى الْأُمِّ (لَا يَنْتَقِلُ) وَلَاءُ الْحَمْلِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ إلَى مَوْلَى الْأَبِ إنْ أَعْتَقَهُ أَبُوهُ (أَبَدًا) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أُعْتِقَتْ وَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْحَمْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَتَقَ حَمْلُهَا مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَوَالِيهَا الْوَلَاءُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَدَيْنِ (تَوْأَمَيْنِ أَحَدُهُمَا) أَيْ وِلَادَةُ أَحَدِهِمَا (لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا) أَيْ مِنْ نِصْفِ السَّنَةِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُمَا لِمَوْلَى الْأُمِّ أَبَدًا بِلَا نَقْلٍ عَنْهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ إنْ أَعْتَقَ الْأَبُ؛ لِأَنَّ التَّوْأَمَيْنِ مَخْلُوقَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَيُعْتِقَانِ مَعًا بِالْإِعْتَاقِ الْمَزْبُورِ لَوْ كَانَ مَا بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ. (وَإِنْ وَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْمَزْبُورَةُ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا (لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ (فَوَلَاؤُهُ) أَيْ الْوَلَدُ (لَهُ) أَيْ لِمَوْلَى الْأُمِّ (أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ (لَكِنْ إنْ أَعْتَقَ الْأَبُ) وَالْوَلَدُ حَيٌّ (جَرَّهُ) أَيْ جَرَّ الْإِعْتَاقُ الْوَلَاءَ (إلَى مَوَالِيهِ) أَيْ يَجُرُّ الْأَبُ وَلَاءَ ابْنِهِ مِنْ مَوْلَى الْأُمِّ إلَى قَوْمِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ ثُمَّ النَّسَبُ مِنْ الْآبَاءِ وَكَذَا الْوَلَاءُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ بِالْعِتْقِ فَيَنْتَقِلُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَإِنْ مَاتَ مَوْلَى الْأَبِ قَبْلَ الْوَلَدِ بَعْدَ إعْتَاقِ الْأَبِ لَا يَكُونُ مَوْلَى الْأُمِّ وَارِثًا بِذَلِكَ الْوَلَاءِ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ (وَلَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُونَ عَلَيْهِمْ بِمَا عَقَلُوا عَنْهُ قَبْلَ الْجَرِّ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِقَوْمِ

الْأَبِ مُقْصَرًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْعِتْقُ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ. (وَلَوْ تَزَوَّجَ عَجَمِيٌّ) حُرُّ الْأَصْلِ (لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْ لَا مُعْتَقَةً) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَقَةَ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ وَمَا وَقَعَ فِي الْقُدُورِيِّ وَهُوَ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ. اتِّفَاقِيٌّ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَجَمِ (فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِيهَا) أَيْ مَوَالِي الْأُمِّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْوَلَدِ (حُكْمُ أَبِيهِ) فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أَبِيهِ لَا مَوَالِيهَا؛ لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَشْرَفَ لِكَوْنِهِ أَقْوَى وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَلَهُمَا أَنْ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ وَالنَّسَبُ بَيْنَ الْعَجَمِيِّينَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا تَفَاخُرَ لَهُمْ بِهِ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ وَالضَّعِيفُ لَا يُعَارِضُ الْقَوِيَّ قُيِّدَ بِعَجَمِيٍّ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أَبِيهِ اتِّفَاقًا لِشَرَفِ نَسَبِهِ وَقَيَّدْنَا بِحُرِّ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ فَالنِّسْبَةُ إلَى قَوْمِ الْأَبِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا وَالتَّرْجِيحُ لِجَانِبِ الْأَبِ وَقُيِّدَ بِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْلَى عَتَاقَةٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أَبِيهِ اتِّفَاقًا وَفَصَّلَ صَاحِبُ الدُّرَرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْتَقَ حَامِلًا إلَى آخِرِهِ فَلَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ عِنْدَ كَوْنِهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَيُوَافِقُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّكْمِلَةِ وَمُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ كَوْنِ الْأُمِّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَأَمَّا مَا فِي الْمُنْيَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْمُخَالَفَةَ لَكِنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا حُقِّقَ فِي الدُّرَرِ وَذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى ثُبُوتِهِ عِنْدَ كَوْنِ الْأُمِّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً وَمِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ مِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى عَلَى الثُّبُوتِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَى خِلَافِهِ وَالْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ أَفْتَى أَوَّلًا عَلَى الثُّبُوتِ ثُمَّ رَجَعَ وَأَفْتَى عَلَى خِلَافِهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ كَمَا فَصَّلَ فِي حَاشِيَةِ عَزْمِي زَادَهْ عَلَى الدُّرَرِ وَمُوجِبُ مَا يَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ عَدَمُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَتَفَرَّعُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَى ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُهُ فِي الْوَلَدِ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَلْبَتَّةَ وَإِذَا كَانَتْ حُرَّةً أَصْلِيَّةً كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمِلْكُ عَلَى الْوَلَدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ أَنَّ لَفْظَ حُرِّ الْأَصْلِ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ عَدَمِ جَرْيِ الرِّقِّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ مَعَ جَرْيِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى الْأَصْلِ أَبَدًا وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا نِزَاعَ فِي الثُّبُوتِ وَمَرْجِعُ مَسَائِلِ الْوَلَاءِ إلَى هَذِهِ الصُّوَرِ وَهِيَ أَنَّ الْوَلَدَ إمَّا أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَقَةً حَالَ الْحَمْلِ مِنْ قِنٍّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ رَقِيقًا أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ حُرَّ الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا أَوْ لَا فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ فَفِي الْأُولَى وَالْخَامِسَةِ لَا وَلَاءَ أَصْلًا وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ الْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأُمِّ وَفِي الرَّابِعَةِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَفِي السَّادِسَةِ لِقَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ الْمُصَنَّفِ مَنْ

أَعْتَقَ حَامِلًا إلَى آخِرِهِ دَلَالَةٌ إلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَفِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ إلَى آخِرِهِ إلَى الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَفِي قَوْلِهِ لَوْ تَزَوَّجَ أَعْجَمِيٌّ إلَى الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ تَتَبَّعْ. (وَالْمُعْتَقُ) عَصَبَةٌ سَبَبِيَّةٌ (مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ) وَهُوَ مَنْ لَا فَرَضَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى (مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَكَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ثُمَّ) مَاتَ (الْمُعْتَقُ) وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ (فَإِرْثُهُ) أَيْ إرْثُ الْمُعْتَقِ (لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ (فَيَكُونُ) إرْثُهُ (لِابْنِهِ) أَيْ ابْنِ السَّيِّدِ (دُونَ أَبِيهِ لَوْ اجْتَمَعَا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ أَقْرَبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَبِي يُوسُفَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِيهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ) وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِهِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كُلَّهُ أَثَرُ الْمِلْكِ فَيُلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ مَالًا وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا كَانَ لِأَبِيهِ سُدُسُ مَالِهِ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ فَكَذَا إذَا تَرَكَ وَلَاءً وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرَ الْمِلْكِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ الْمُعْتِقِ وَحْدَهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلِابْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ تَرَكَ جَدَّ الْمُعْتِقِ وَأَخَاهُ فَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. (وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الْقُرْبِ) كَمَا إذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَيْ أَخَوَيْ مُعْتِقِهِ (تَسْتَوِي الْقِسْمَةُ) لِاسْتِوَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ الْحَدِيثَ) أَيْ اقْرَأْ الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ وَآخِرُهُ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِنَّ أَوْ مُعْتِقِ مُعْتِقِهِنَّ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي شَرْح الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا الْمَرْوِيُّ عَنْ جَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَا خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ ثَمَّةَ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ لَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ مُعْتِقِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتُوضَعُ تَرِكَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَفْتَى بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ الْمَالِ انْتَهَى. وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا مَلَكَ الذِّمِّيُّ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ كَالنَّسَبِ وَلَوْ أُعْتِقَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ

فصل ولاء المولاة

الْحَرْبِ عَبْدًا حَرْبِيًّا لَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَإِنْ خَلَّاهُ عَتَقَ وَلَا وَلَاءَ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثَمَّةَ وَأَعْتَقَهُ بِالْقَوْلِ عَتَقَ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ. [فَصَلِّ وَلَاء المولاة] فَصَلِّ هَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ثَانِي نَوْعَيْ الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ظَاهِرٌ (وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ سَبَبُهُ الْعَقْدُ) وَلِهَذَا يُضَافُ إلَى مُوَالَاةٍ وَهِيَ الْعَقْدُ وَالْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ إضَافَةُ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ كَمَا يُضَافُ الْوَلَاءُ إلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ (فَلَوْ أَسْلَمَ عَجَمِيٌّ) مَجْهُولُ النَّسَبِ وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ عَجَمِيًّا لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبِ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا شَرَطْنَا كَوْنَهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مَجْهُولِ النَّسَبِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتُّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ فَيَقْبَلُ الْآخَرُ فَذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَلَى أَنْ يَرِثَهُ) أَيْ الرَّجُلُ إذَا مَاتَ هُوَ. (وَ) أَنْ (يَعْقِلَ) الرَّجُلُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَيْ يُؤَدِّي الْجِنَايَةَ عَنْهُ إذَا جَنَى (أَوْ وَالَى غَيْرَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَى غَيْرَهُ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ (إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقًا) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْتَقًا لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ لِقُوَّةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَكَذَا يَصِحُّ لَوْ وَالَى صَبِيٌّ عَاقِلٌ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِأَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ أَوْ كَاتَبَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ إذَا صَدَرَ عَنْهُ عَقْدُهَا بِالْإِذْنِ كَمَا لَوْ وَالَى الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ سَيِّدِهِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ. (وَ) إذَا صَحَّ يَكُونُ (عَقْلُهُ) أَيْ جِنَايَتُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَوَالَاهُ أَوْ الَّذِي وَالَاهُ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ (وَارِثُهُ لَهُ) أَيْ مِيرَاثُهُ لِلَّذِي وَالَاهُ إذَا مَاتَ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ) مِنْ النَّسَبِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَابِلُ لِلْمُوَالَاةِ (مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) ؛ لِأَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَرِثُونَ بِالْقَرَابَةِ وَهِيَ أَقْوَى وَآكَدُ مِنْ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْوَلَاءُ يَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ يَرِثُ مَعَهُمَا لِأَنَّهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْأَجَانِبِ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَذَا حَقَّهُمَا صَارَ الْبَاقِي خَالِيًا عَنْ الْوَارِثِ فَيَكُونُ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ أَصْلًا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ وَلِهَذَا لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَهُمْ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] إلَى آخِرِهِ وَنُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصَّفْقَةُ لَا الْقِسْمُ إذْ الْعَادَةُ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ

كتاب الإكراه

وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ (وَمَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) أَوْ عَنْ وَلَدِهِ (فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَالَى (أَنْ يَفْسَخَهُ) أَيْ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ (قَوْلًا) بِأَنْ قَالَ فَسَخْت عَقْدَ الْمُوَالَاةِ مَعَك؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَكُونُ لَازِمًا (بِحَضْرَتِهِ) أَيْ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاقِعٌ مِنْهُمَا فَلَا يَفْسَخُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ (وَفِعْلًا مَعَ غَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ (بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ) بِأَنْ وَلَّى رَجُلًا آخَرَ فَيَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ مَعَ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حُضُورُ صَاحِبِهِ لِثُبُوتِ الِانْفِسَاخِ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ الثَّانِي مَعَ الْآخَرِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ وَكُلٌّ مِنْ الْفَسْخَيْنِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ (وَبَعْدَ أَنْ عَقَلَ) الْأَعْلَى (عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ لَا يَفْسَخُهُ) أَيْ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ (هُوَ) أَيْ الْأَسْفَلُ (وَلَا وَلَدُهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَلِلْأَعْلَى أَيْضًا) أَيْ كَالْأَسْفَلِ (أَنْ يَبْرَأَ عَنْ وَلَائِهِ) أَيْ الْأَسْفَلِ (بِمَحْضَرِهِ) أَيْ الْأَسْفَلِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ. (وَلَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ فَوَالَتْ) رَجُلًا بِشُرُوطِهَا (أَوْ أَقَرَّتْ بِالْوَلَاءِ) أَيْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِفُلَانٍ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مَجْهُولَ النَّسَبِ) أَيْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (أَوْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ كَذَلِكَ) أَيْ كَانَ الصَّغِيرُ مَجْهُولَ النَّسَبِ كَذَلِكَ صَحَّ إقْرَارُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَ (تَبِعَهَا فِيهِ) أَيْ تَبِعَ الْوَلَدُ أُمَّهُ فِي الْوَلَاءِ وَيَصِيرَانِ مَوْلَى فُلَانٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَيَكُونُ نَفْعُهَا مَحْضًا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ الْمَجْهُولِ النَّسَبِ فَتَمْلِكُهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مُعْتَقُ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ أَصْلًا أَوْ قَالَ لَا بَلْ وَالَيْتنِي فَأَقَرَّ الْمُقِرُّ لِغَيْرِهِ فَالْوَلَاءُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ. [كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] ِ قِيلَ الْمُوَالَاةُ تَغْيِيرُ حَالِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى عَنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَالٍ لِمَوْلَى الْأَسْفَلِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى حِلِّهِ كَمَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ تَغْيِيرُ حَالِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ فَكَانَ مُنَاسِبًا أَنْ يَذْكُرَ الْإِكْرَاهَ عَقِيبَ الْمُوَالَاةِ (هُوَ) لُغَةً مَصْدَرُ أَكْرَهَهُ إذَا حَمَلَهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ وَالْكَرْهُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ مِنْهُ (فِعْلٌ يُوقِعُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ يَفُوتُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (رِضَاهُ) أَيْ رِضَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَطْ بِدُونِ فَسَادِ اخْتِيَارِهِ كَالْحَبْسِ مَثَلًا (أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ) مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ الرِّضَى أَيْضًا كَالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ مَثَلًا. وَفِي الدُّرَرِ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَى مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَفْسُدُ أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ

فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَى غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَهُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضًى أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الرِّضَى فَقَطْ وَالْقِسْمَ الثَّانِيَ الرِّضَى مَعَ الِاخْتِيَارِ. وَقَالَ فِي الْإِصْلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ فَمَنْ وَهَمَ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ قَسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ فَقَدْ وَهَمَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ الرِّضَى وَهَذَا صَحِيحٌ قِيَاسًا وَأَمَّا اسْتِحْسَانًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هُدِّدَ بِحَبْسِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلَا بِالْبَيْعِ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ إكْرَاهًا اسْتِحْسَانًا فَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَنْفُذُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً (مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْإِكْرَاهِ بِقِسْمَيْهِ لِصَحِيحِ الِاخْتِيَارِ وَفَاسِدِهِ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَخَطَرٍ وَرُخْصَةٍ وَمَرَّةً يَأْثَمُ وَمَرَّةً يُثَابُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْإِكْرَاهِ مُطْلَقًا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَغَلِّبٍ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا إكْرَاهَ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُدْرَةِ مَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَزَمَانَهُمَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ كُلِّ مُتَغَلِّبٍ لِفَسَادِ زَمَانِهِمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَسَوْقُهُ لِلَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ مَعَ تَهْدِيدٍ. (وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (وُقُوعَ ذَلِكَ) أَيْ مَا هَدَّدَ بِهِ الْحَامِلُ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُوقِعُهُ وَالْحَامِلُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا أَوْ حُكْمِيًّا كَمَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَرَسُولُهُ حَاضِرٌ خَافَ الْفَاعِلُ مِنْهُ خَوْفَ الْمُرْسَلِ وَأَمَّا إذَا غَابَ الرَّسُولُ أَيْضًا فَلَا إكْرَاهَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُهُ) أَيْ كَوْنُ الْمُكْرَهِ (مُمْتَنِعًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (عَنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إذْ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا لِفَوَاتِ رُكْنِهِ وَهُوَ فَوْتُ الرِّضَى كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُسْتَدْرِكٌ (لِحَقِّهِ) أَيْ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ إتْلَافِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أَوْ أَجْرٍ أُخْرَوِيٍّ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ آخَرَ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ يُعْدِمُ

الرِّضَى لِامْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ (وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا نَفْسًا أَوْ عُضْوًا) مِنْ الْأَعْضَاءِ (أَوْ مُوجِبًا عَمَّا يُعْدِمُ الرِّضَى) ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ شَرِيفًا يَغْتَمُّ بِكَلَامٍ خَشِنٍ فَيُعَدُّ مِثْلُ هَذَا فِي حَقِّهِ إكْرَاهًا إذْ هُوَ أَشَدُّ لَهُ مِنْ أَلَمِ الضَّرْبِ وَمَنْ كَانَ رَذِيلًا فَلَا يَغْتَمُّ إلَّا بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ أَوْ بِحَبْسٍ شَدِيدٍ فَلَا يُعَدُّ الضَّرْبُ مَرَّةً بِسَوْطٍ وَلَا الْحَبْسُ سَاعَةً بَلْ يَوْمًا فِي حَقِّهِ إكْرَاهًا لِكَوْنِ الْأَشْخَاصِ مُتَفَاوِتِينَ وَلِذَا قَيَّدَ مَا يُوجِبُ الْغَمَّ بِإِعْدَامِ الرِّضَى. وَفِي الْمِنَحِ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ شَرْعًا كَالْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ وَالذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ) مَالِهِ (أَوْ شِرَاءِ) سِلْعَةٍ (أَوْ إجَارَةِ) دَارٍ (أَوْ إقْرَارٍ) أَيْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ (بِقَتْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأُكْرِهَ بِأَنْ قَالَ افْعَلْهُ وَإِلَّا أَقْتُلْك (أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِنَحْوِ (ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ) أَوْ قَيْدٍ مُؤَبَّدٍ (خُيِّرَ) الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهُ (بَيْنَ الْفَسْخِ) أَيْ فَسْخِ الْعَقْدِ الصَّادِرِ وَيَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ وَهُوَ الرِّضَى بِالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ مُلْجِئًا أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ (وَالْإِمْضَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَالْإِقْرَارَ يُثْبِتُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ وَيَمْنَعُ النَّفَاذَ الَّذِي لَا يَكُونُ فِيهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ هَذَا النَّفَاذَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْدِ بِالطَّوْعِ. (وَيَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْمُشْتَرِي مِلْكًا فَاسِدًا إنْ قَبَضَهُ) أَيْ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ إنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَنَا أَنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ وَهُوَ الرِّضَى بَعْدَ وُجُودِ الرُّكْنِ فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ جَعَلُوا بَيْعَ الْوَفَاءِ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْت هَذَا الْعَيْنَ مِنْك بِدَيْنٍ لَك عَلَيَّ عَلَى أَنِّي مَتَى قَضَيْت دَيْنِي فَهُوَ لِي وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ رَهْنًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ يَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّهُ عِنْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَائِعُ لَا يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ بَيْعًا جَائِزًا مُفِيدًا لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْبَيْعُ. وَفِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَعْضُهُمْ جَعَلُوهُ بَيْعًا بَاطِلًا. وَفِي الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ الْجَارِيَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا شَرْطَ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَسَدَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَوْ تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِالْوَفَاءِ أَوْ تَلَفَّظَا بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ وَالْحَالُ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْ فِي زَعْمِهِمَا هَذَا الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ غَيْرِ لَازِمٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا وَإِنْ ذَكَرَا الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْمِيعَادِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي (صَحَّ إعْتَاقُهُ) لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ وَكَذَا تَصَرُّفُهُ فِيهِ تَصَرُّفًا

لَا يُمْكِنُهُ نَقْضُهُ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَقَبَضَ) الْمُكْرَهُ (الثَّمَنَ) مِنْ الْمُشْتَرِي (أَوْ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ) لِلْمُشْتَرِي حَالَ كَوْنِهِ (طَوْعًا) أَيْ طَائِعًا قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَيْنِ (إجَازَةً) بِالْبَيْعِ إذْ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَى (لَا فِعْلُهُمَا كَرْهًا) أَيْ إنْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ مُكْرَهًا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَى (وَلَا دَفَعَ الْهِبَةَ طَوْعًا بَعْدَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا) أَيْ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ طَوْعًا لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرِهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا مُجَرَّدُ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا بِدُونِ التَّسْلِيمِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ فِيهَا دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ وَالْإِكْرَاهُ فِي الْبَيْعِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ فِيهِ دَاخِلًا فِي الْإِكْرَاهِ فَافْتَرَقَا. (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ مُشْتَرٍ غَيْرِ مُكْرَهٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ الْمُكْرَهِ لِكَوْنِ الْعَقْدِ فَاسِدًا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ (وَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُ أَيٍّ شَاءَ مِنْ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (وَالْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخْلًا فِي هَلَاكِ مَالِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالذَّاتِ وَوَاحِدٌ آخَرُ بِالْوَاسِطَةِ (فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ) بِالْكَسْرِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ لِدَفْعِ مَالِ الْمَالِكِ إلَى الْمُشْتَرِي (رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا لَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ (وَإِنْ ضَمَّنَ) الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِيَ) الْأَوَّلَ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِالْقِيمَةِ (بَعْدَمَا تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتُ) بِأَنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ وَبَاعَ آخَرُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ وَثُمَّ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ بِأَخْذِهِ الْمَالَ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَانَ آلَةً لِلْبَائِعِ وَلِذَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُكْرَهِ الَّذِي كَانَ وَاسِطَةً وَآلَةً لِلْبَائِعِ (نَفَذَ كُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بَعْدَ شِرَائِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلِلْبَائِعِ الْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَأَيُّهُمْ ضَمَّنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتُ الَّتِي بَعْدَهُ وَ (لَا مَا) أَيْ لَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ الَّذِي (وَقَعَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الضَّمَانِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَبْلَ التَّضْمِينِ حَتَّى يَمْلِكَهُ. (وَإِنْ أَجَازَ) الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ (عَقْدًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْبَيَّاعَاتِ (جَازَ مَا قَبْلَهُ) أَيْ مَا قَبْلَ هَذَا الْعَقْدِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا جَازَ مَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَارَةِ فَعَادَ الْكُلُّ إلَى الْجَوَازِ وَفِي الضَّمَانِ يَثْبُتُ الْمُسْتَنَدُ إلَى حِينِ الْقَبْضِ لَا مَا قَبْلَهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرَكِ (اسْتِرْدَادُهُ) أَيْ الثَّمَنَ (إذَا فُسِخَ) الْبَيْعُ (لَوْ) كَانَ الثَّمَنُ (بَاقِيًا) فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْمُكْرَهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِكَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَقِيبَ قَوْلِهِ لَا فِعْلُهُمَا كَرْهًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكَانَ أَنْسَبَ تَتَبَّعْ. (وَضَرْبُ سَوْطٍ وَحَبْسُ يَوْمٍ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) فَإِنَّهُ

لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدِمُ الرِّضَى وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ (إلَّا فِيمَنْ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ (يَسْتَضْرِبُهُ) أَيْ بِضَرْبِ سَوْطٍ وَحَبْسِ يَوْمٍ (لِكَوْنِهِ ذَا مَنْصِبٍ) فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَى. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهٌ مَا يَجِيءُ بِهِ الِاهْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ وَفِي الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ وَلَكِنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ. (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ) أَكْلِ (دَمٍ) وَوَقَعَ فِي الْإِصْلَاحِ أَوْ شُرْبِ دَمٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مِنْ الْمَشْرُوبِ لَا مِنْ الْمَأْكُولِ لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا فِيمَا إذَا كَانَ جَامِدًا أَوْ مَشْرُوبًا فِيمَا إذَا كَانَ سَائِلًا تَدَبَّرْ (أَوْ) أَكْلِ (لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى (شُرْبِ خَمْرٍ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَا يَحِلُّ) لِلْمُكْرَهِ (التَّنَاوُلُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إكْرَاهًا مُلْجِئًا إذْ لَا يُضْطَرُّ بِمِثْلِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِمْ التَّحَمُّلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَأَضْرِبَنَّ عَلَى عَيْنَيْك أَوْ ذَكَرِك. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ وَالْقَيْدِ الْمُؤَبَّدِ لَا يُوجِبُ الْإِكْرَاهَ إذَا لَمْ يُمْنَعُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ إلَى تَلَفِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَإِنَّمَا يُوجِبَانِ غَمًّا وَالتَّنَاوُلُ لِلْمُحَرَّمِ لِإِزَالَةِ الْغَمِّ لَا يَحِلُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَوْ كَانَ ذَا تَنَعُّمٍ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ بِالْحَبْسِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِالْحَبْسِ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفَ غَمًّا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ عَيْنِهِ بِظُلْمَةِ الْمَكَانِ يَحِلُّ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَجْعَلْ الْحَبْسَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ الْمُكْثُ الْمُجَرَّدُ إكْرَاهًا أَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فَهُوَ إكْرَاهٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَا حَبْسٌ مُجَرَّدٌ. (وَإِنْ) أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ حَلَّ) تَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُلْجِئٌ بِهِمَا وَحُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ فَمُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] (وَيَأْثَمُ) الْمُكْرَهُ (بِصَبْرِهِ عَلَى التَّلَفِ إنْ عَلِمَ الْإِبَاحَةَ) ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ مُبَاحٍ وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَهْلَكَةٍ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) أَيْ كَمَا يَكُونُ آثِمًا بِالصَّبْرِ فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَالْجُوعِ فَأَتْلَفَ نَفْسَهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا أَثِمَ إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ رَجَوْنَا أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيمَا فِيهِ خَفَاءٌ. (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ رُخِّصَ لَهُ إظْهَارُهُ) أَيْ إظْهَارُ الْكُفْرِ أَوْ غَيْرِهِ (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) أَيْ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ عَقِيدَتُهُ فَإِنَّ «الْمُشْرِكِينَ أَكْرَهُوا عَمَّارًا فَأَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ إنْ عَادَ الْكُفَّارُ بِالْإِكْرَاهِ فَعُدْ إلَى اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ فِيمَا أَجْرَيْته عَلَى لِسَانِك وَنَزَلَ فِي حَقِّهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً

فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ (وَيُؤْجَرُ بِالصَّبْرِ عَلَى التَّلَفِ) «؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ صَبَرَ حِينَ اُبْتُلِيَ حَتَّى صُلِبَ وَلَمْ يُظْهِرْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ فَإِذَا بَدَّلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ شَهِيدًا. وَفِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَا رُخْصَةَ) عَلَى إجْرَاءِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ بِمُلْجِئٍ. (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (رُخِّصَ) الْإِتْلَافُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ (وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَكْلِ وَالتَّكَلُّمِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَصْلُحُ آلَةً وَإِلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُكْرِهِ إنَّمَا يَسَعُهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُكْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ إنْ ظَفَرَ يَفْعَلُ مَا يُوعِدُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِنْجَاءُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ النَّاسِ عِنْدَ غِيبَةِ الْآمِرِينَ وَتَعَلُّلَهُمْ بِأَمْرِهِمْ وَالْخَوْفَ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ لَيْسَ بِعُذْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِ الْآمِرِ. (أَوْ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ قَتْلِ غَيْرِهِ (أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ) بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (لَا يُرَخَّصُ) لَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ لَا يُبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ وَفِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ يُرَخَّصُ لَهَا الزِّنَاءُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ إذَا أُكْرِهَتْ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ إنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ الْعُضْوَ بِالْكُرْهِ (فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لِكَوْنِهِ حَامِلًا وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ كَالسَّيْفِ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا) يَجِبُ (قِصَاصٌ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدَّ مُضَافٌ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَإِلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ فَهُوَ كَالدَّافِعِ إلَى الْقَتْلِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدِّيَةُ مِنْ مَالِهِمَا إذْ الْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهَا فِي الْعَمْدِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقْتَصُّ مِنْ الْفَاعِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا لَا عَلَى الْمُكْرِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكَوْنِ الْفَاعِلِ مُبَاشِرًا وَالْحَامِلِ سَبَبًا. (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَرَدَّى) أَيْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ فَفَعَلَ) أَيْ تَرَدَّى (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ

(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ) الدِّيَةُ (فِي مَالِهِ) أَيْ فِي مَالِ الْمُكْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَتْلَ الْحَاصِلَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُكْرِهِ (الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُثْقَلِ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ عِنْدَهُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ (وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى تَرَدٍّ) أَيْ عَلَى سُقُوطٍ مِنْ مَكَان عَالٍ (أَوْ اقْتِحَامِ نَارٍ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى إدْخَالِ نَفْسِهِ فِي نَارٍ (أَوْ مَاءٍ وَكُلٌّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (مُهْلِكٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ (الْخِيَارُ فِي الْإِقْدَامِ) عَلَيْهِ (وَالصَّبْرِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْإِهْلَاكِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي زَعْمِهِ (وَقَالَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ) أَيْ يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ فَعَلَى الْمُكْرِهِ قِصَاصٌ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْإِلْقَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي إلْقَاءِ نَفْسِهِ قُيِّدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِالْعَصَا لَيْسَ لَهُ الْإِقْدَامُ اتِّفَاقًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ كُلٌّ مُهْلِكٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ الْإِقْدَامُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَلَوْ وَقَعَتْ نَارٌ فِي سَفِينَةٍ) فَكَانَ بِحَيْثُ (إنْ صَبَرَ احْتَرَقَ وَإِنْ أَلْقَى نَفْسَهُ) فِي الْمَاءِ (غَرِقَ فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْإِلْقَاءِ (عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ مَعَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ وَعِلَّةُ الطَّرَفَيْنِ قَدْ مَرَّتْ قُبَيْلَهُ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذَكَرَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ. (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ) امْرَأَتِهِ (أَوْ عَتَاقِ) عَبْدِهِ (أَوْ تَوْكِيلٍ بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَفَعَلَ أَيْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ وَكَّلَ بِهِمَا فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ أَوْ طَلَّقَ (نَفَذَ) ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ فَقَدْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ فَعَلَى هَذَا مَا وَقَعَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَقَعَ إلَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ فَوَكَّلَ يَجْرِي عَلَى الْقِيَاسِ لَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ تَدَبَّرْ (وَيَرْجِعُ) الْمُكْرَهُ (بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) الْمُعْتَقِ (عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ فِي صُورَةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ نَظَرًا إلَى الْإِتْلَافِ لَا إلَى تَكَلُّمِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ بَلْ يُضَافُ إلَيْهِ وَلِذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُكْرَهِ لَا لِلْحَامِلِ فَيَضْمَنُهُ لِإِتْلَافِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَبْلَ هَذَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَرْجِعُ

الْمُكْرَهُ بِالْقِيمَةِ لِحُصُولِ الْعِوَضِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ. وَفِي التَّجْرِيدِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَعَلَهُ حُرًّا إنْ مَلَكَهُ فَفَعَلَ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ أَلْفٍ وَبَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِشَيْءٍ. (وَكَذَا) يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ فِي صُورَةِ التَّطْلِيقِ (بِنِصْفِ الْمَهْرِ) إذَا سَمَّى أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ إذَا لَمْ يُسَمِّ (لَوْ) كَانَ (الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَصْلُحُ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ لَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ الْمُتْعَةِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا كَالِارْتِدَادِ أَوْ تَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ كَرْهًا وَكَانَ هَذَا تَقْرِيرًا لِلْمَالِ فَيُضَافُ التَّقْرِيرُ إلَى الْحَامِلِ فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ (وَلَا رُجُوعَ) عَلَيْهِ (لَوْ) كَانَ الطَّلَاقُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ هُنَا تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ وَالدُّخُولُ لَيْسَ بِصُنْعٍ مِنْ الْمُكْرَهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ عَتَقَ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرَهُ شَيْئًا وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَدْ كَانَ جَعَلَهَا طَالِقًا إنْ تَزَوَّجَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَغَرِمَ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ بِشَيْءٍ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ حُرًّا فَفَعَلَ ثُمَّ مَلَكَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ شِرَاءٍ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْرَمْ الَّذِي أَكْرَهَهُ شَيْئًا وَلَوْ وَرِثَ مَمْلُوكًا ضَمِنَ الَّذِي أَكْرَهَهُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا. (وَصَحَّ يَمِينُ الْمُكْرَهِ) بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمَعَاصِي (وَ) صَحَّ (نَذْرُهُ) أَيْ نَذْرُ الْمُكْرَهِ بِكُلِّ طَاعَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا. (وَ) صَحَّ (ظِهَارُهُ) أَيْ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ هُوَ تَشْبِيهُ امْرَأَتِهِ بِظَهْرِ أُمِّهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْإِكْرَاهُ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُكْرَهُ عَلَى الْحَامِلِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (بِمَا غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ) إذْ لَا مَطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا. (وَ) صَحَّ (رَجْعَتُهُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ (وَإِيلَاؤُهُ) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ (وَفَيْؤُهُ) أَيْ بِاللِّسَانِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَنْفُذُ مَعَ الْهَزْلِ يَنْفُذُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَ) كَذَا يَصِحُّ (إسْلَامُهُ) أَيْ إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ رَجَّحْنَا الْإِسْلَامَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ فِي الِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي الْمَتْنِ. (لَكِنْ لَا قَتْلَ فِيهِ لَوْ ارْتَدَّ) بَعْدَ الْإِسْلَامِ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَتْلِ وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ وَكُفْرَهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ (وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ) أَيْ إبْرَاءُ الْمُكْرَهِ دَيْنَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ أَوْ عَنْ كِفْلِ مَدْيُونِهِ لِكَوْنِهِمَا مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ فَالْفَاعِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْكُرْهِ يَصِيرُ مُخَيَّرًا

وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (وَلَا) تَصِحُّ (رِدَّتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي إظْهَارِ الْكُفْرِ إذَا أُكْرِهَ بِالْمُلْجِئِ (فَلَا تَبِينُ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الرِّدَّةِ (امْرَأَتُهُ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا إذَا أُكْرِهَ بِالْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِغَيْرِهِ فَقَطْ صَحَّتْ رِدَّتُهُ فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ. (فَإِنْ ادَّعَتْ) الْمَرْأَةُ (تَحَقُّقَ مَا أَظْهَرَهُ وَادَّعَى) الْمُكْرَهُ (أَنَّ قَلْبَهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ صُدِّقَ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفِرْقَةِ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ. . (وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَاءِ فَفَعَلَ) الْمُكْرَهُ (حُدَّ مَا لَمْ يُكْرِهُهُ السُّلْطَانُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَالزِّنَاءُ لَا يُوجَدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ (وَعِنْدَهُمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَتَحَقَّقُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ أَوَّلًا فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ إكْرَاهٌ مُلْجِئٌ كَمَا فِي زَمَانِنَا يَجْرِي عَلَى حُكْمِهِ بِلَا نَكِيرٍ. وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلَنَا أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَيْدٌ يَكُونُ طَبْعًا لَا طَوْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ وَالصَّبِيِّ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّ مَدَارَ الْجَوَابِ هُنَا لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْخِلَافُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ قَرَّرَهُ الزَّاهِدِيُّ حَيْثُ قَالَ إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الزِّنَاءِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الِانْتِشَارِ فَكَانَ طَوْعًا فَيَجِبُ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَصْلِ مُعْتَبَرٌ بَلْ عَلَى زُفَرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ. وَفِي التَّنْوِيرِ أَكْرَهُهُ الْقَاضِي لِيُقِرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ أَوْ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَقُطِعَتْ يَدَهُ أَوْ قُتِلَ إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَوْصُوفًا بِالصَّلَاحِ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاضِي

كتاب الحجر

وَإِنْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا وَبِالْقَتْلِ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَهُ صَحَّ وَالْحِيلَةُ لَهُ فِيهِ مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي فَإِذَا قَالَ الظَّالِمُ بِعْ جَارِيَتَك وَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهَا الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ بِأَخْذِهِ إذَا نَوَى وَقْتَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا يَضْمَنْ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ. [كِتَابُ الْحَجْرِ] ِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُزِيلُ سَبَبَ الْوِلَايَةِ وَالرِّضَى وَسَبَبُ تَأْخِيرِ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ (هُوَ) فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيُّ مَنْعٍ كَانَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] أَيْ لِذِي عَقْلٍ وَفِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعٍ حُكْمِيٍّ كَالنَّهْيِ إلَّا أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْحَجْرِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِحَالٍ فِي الْبَيْعِ وَفِي النَّهْيِ يُفِيدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْحَجْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَكَذَا يُفَرَّقُ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ هُوَ الْمَنْعُ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَالنَّهْيَ هُوَ الْمَنْعُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَفِي الشَّرْعِ (مَنْعُ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْحُكْمِيَّاتِ دُونَ الْحِسِّيَّاتِ، وَنُفُوذُ الْقَوْلِ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرَدُّ وَلَا يُقْبَلُ وَالْفِعْلُ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إذَا وَقَعَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ مَنْعُ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ (وَأَسْبَابُهُ) أَيْ الْحَجْرِ (الصِّغَرُ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَأَنْ يَكُونَ عَدِيمَ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ فَالضَّرَرُ مُحْتَمَلٌ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْجُنُونُ) . وَفِي الدُّرَرِ فَإِنْ عَدِمَ الْإِفَاقَةَ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلَطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ (وَالرِّقُّ) لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرُ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّهِ فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَّفَ الْبَشَرَ بِالْإِنْعَامِ بِالْعَقْلِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ الْهَوَى وَالْعَقْلَ وَجَعَلَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الْهَوَى وَفِي الْبَهَائِمِ الْهَوَى دُونَ الْعَقْلِ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ عَلَى هَوَاهُ كَانَ أَفْضَلَ خَلْقِهِ لِمَا يُقَاسِي مِنْ مُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمَنْ غَلَبَ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ أَرْدَى مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ ذَوِي النُّهَى حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ أَئِمَّةَ

الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِالرَّدَى كَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ وَالصِّغَرِ وَجَعَلَ تَصَرُّفَ الصَّغِيرِ وَالْمَعْتُوهِ غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كَيْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِمْ الضَّرَرُ بِاحْتِيَالِ بَعْضِ مَنْ يُعَامِلُهَا وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْهُ وَلُطْفًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ أَوْ سَيِّدٍ) لِمَا قَرَّرَنَا قُبَيْلَهُ هَذَا لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَلَوْ قَالَ وَسَيِّدٍ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى. (وَلَا) يَصِحُّ (تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ لِعَدَمِ عَقْلِهِ قَيَّدَ بِالْمَغْلُوبِ أَيْ الْمُسْتَغْرِقِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ (وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ (وَهُوَ يَعْقِلُهُ) أَيْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ (فَوَلِيُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَهُ) أَيْ الْعَقْدَ (أَوْ يَفْسَخَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِهِ مَصْلَحَةٌ فَيُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ الْمَوْلَى إنْ رَأَى فِيهِ ذَلِكَ كَعَقْدِ الْأَجْنَبِيِّ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمَحْجُورِينَ (شَيْئًا فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ (ضَمَانُهُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْجُورِينَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَفْعَالِ. (وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ) وَلَوْ قَالَ وَالْمَجْنُونِ بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى (وَلَا) يَصِحُّ (إعْتَاقُهُمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِأَقْوَالِهِمَا حُكْمٌ وَكَذَلِكَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا إعْتَاقُهُمَا (وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِنُقْصَانِ عَقْلِهِمَا أَوْ عَدَمِهِ. (وَصَحَّ طَلَاقُ الْعَبْدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَالْمُكَاتَبُ إلَّا الطَّلَاقَ» . (وَ) صَحَّ (إقْرَارُهُ) أَيْ إقْرَارُ الْعَبْدِ (فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَأَهْلًا (لَا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ) لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ (بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَوْلَى لِمَا أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَإِذَا أَعْتَقَ زَالَ الْمَانِعُ هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا سَفِيهًا مَحْجُورًا اسْتَقْرَضَ مَالًا فَيُعْطِي صَدَاقَ الْمَرْأَةِ صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ الْمَرْأَةَ وَصَرَفَ الْمَالَ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلُ الِالْتِزَامِ. (وَإِنْ) أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مُبْقٍ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَفِي حَقِّ الدَّمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. (وَلَا يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ) أَيْ لَا يُحْجَرُ حُرٌّ عَاقِلٌ بَالِغٌ عَنْ التَّصَرُّفِ بِسَبَبِ سَفَهٍ هُوَ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ لِخِفَّةِ عَقْلِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْغَفْلَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مُبَذِّرًا) لِأَنَّهُ

مُخَاطَبٌ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَإِبْطَالُ قُدْرَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إهْدَارِ آدَمِيَّتِهِ وَهَذَا أَضَرُّ مِنْ ضَرَرِ الْإِتْلَافِ (وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) وَهُوَ لَا يُنْفِقُ مَالَهُ فِيمَا يَحِلُّ وَلَا يُمْسِكُ عَمَّا يَحْرُمُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ (لَا يُسْلَمُ إلَيْهِ مَالُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الصِّبَا فَلَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا (مَا لَمْ يَبْلُغْ سِنُّهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ) سَنَةً (فَإِذَا بَلَغَهَا دُفِعَ إلَيْهِ) مَالُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا السِّنَّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الرُّشْدُ إلَّا نَادِرًا وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ لِلْغَلَبَةِ (وَإِنْ تَصَرَّفَ) السَّفِيهُ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (نَفَذَ) تَصَرُّفُهُ لِعَدَمِ الْحَجْرِ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ مَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ تَصَرُّفُ السَّفِيهِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ بِسَبَبِ سَفَهٍ فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إذْ لَا يَجْرِي الْحَجْرُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] إذْ الْأَمْرُ بِالدَّفْعِ عِنْدَ إينَاسِ الرُّشْدِ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّشْدِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هِيَ السَّفَهُ فَبَقِيَ الْمَنْعُ مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ بَاقِيَةً فَلَا يَكُونُ لِلزَّمَانِ دَخْلٌ هُنَا وَفِي التَّنْوِيرِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ بَاعَ) الْمَحْجُورُ (لَا يَنْفُذُ) بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عِنْدَهُمَا وَفَائِدَةُ الْحَجْرِ عَدَمُ النَّفَاذِ. (وَإِنْ) كَانَ (فِيهِ) أَيْ فِي بَيْعِهِ (مَصْلَحَةٌ) بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ رَابِحًا وَكَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فِي بَدْءٍ (أَجَازَهُ الْحَاكِمُ) وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا أَوْ لَمْ يَبْقَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ فِيهِ مَصْلَحَةً أَجَازَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَإِنْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) عَبْدًا (نَفَذَ) عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ وَالْعِتْقُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَنْفُذُ مِنْ السَّفِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا الطَّلَاقُ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ (وَسَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ) أَيْ إذَا نَفَذَ عِنْدَهُمَا فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي رَدِّ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ

إنَّمَا يَجِبُ حَقًّا لِمُعْتِقِهِ وَالسِّعَايَةُ مَا عُهِدَ وُجُوبُهَا فِي الشَّرْعِ إلَّا لِحَقِّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ. (وَإِنْ دَبَّرَ) عَبْدَهُ (صَحَّ) تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُدَبَّرِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمَوْلَى (قَبْلَ رُشْدِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُؤْنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ (سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا) ؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَاقَاهُ مُدَبَّرًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلَدَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا فَإِنْ مَاتَ سَعَتْ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا كَالْمَرِيضِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي. (وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ) أَيْ تَزَوُّجُ السَّفِيهِ مُلَابِسًا (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَإِنَّمَا صَحَّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السَّفَهُ مَعَ أَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّتِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ أَنَّ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِقْدَارُ النِّصَابِ مِنْ الْمَهْرِ لَا قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ تَدَبَّرْ (وَإِنْ سَمَّى أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ) ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِالتَّسْمِيَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْمَالِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَتُخْرَجُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْأَفْعَالِ (زَكَاةُ مَالِ السَّفِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى (وَيُنْفَقُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِهِ (عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) مِنْ أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَسَائِرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ هَؤُلَاءِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ حَقًّا لِقَرِيبِهِ وَالسَّفَهُ لَا يَبْطُلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقَّ النَّاسِ (وَيَدْفَعُ الْقَاضِي قَدْرَ الزَّكَاةِ) مِنْ مَالِهِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى السَّفِيهِ (لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ) لِيَصْرِفَهَا إلَى مَصْرِفِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِيتَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةٍ (وَيُوَكَّلُ) أَيْ الْقَاضِي (أَمِينًا إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا) كَيْ لَا يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِ الْمَصْرِفِ وَيُسَلِّمَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِفِعْلِ الْأَمِينِ (فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْحَجَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ. وَفِي الْفَرَائِضِ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْمُصْلِحِ وَغَيْرِ السَّفِيهِ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ (وَلَا) يُمْنَعُ (مِنْ عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ كَالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَيُمَكَّنُ

مِنْهَا احْتِيَاطًا وَكَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَسُوقَ الْبَدَنَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ وَإِنْ جَنَى فِي إحْرَامِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ جِنَايَةً تَجُوزُ فِيهَا الصَّوْمُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ عَنْ أَذًى وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بَلْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةً لَا يَجْرِي فِيهِ الصَّوْمُ كَالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالتَّطَيُّبِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ التَّكْفِيرِ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَالًا وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ تَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُصْلِحًا (وَتُدْفَعُ نَفَقَتُهُ) أَيْ نَفَقَةُ السَّفِيهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (إلَى ثِقَةٍ) مِنْ الْحُجَّاجِ (يُنْفِقُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّفِيهِ (فِي الطَّرِيقِ) بِالْمَعْرُوفِ (لَا) تُدْفَعُ (إلَيْهِ) كَيْ لَا يُبَذِّرَ وَلَا يُسْرِفَ. (وَتَصِحُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّفِيهِ (الْوَصِيَّةُ بِالْقُرَبِ) جَمْعُ قُرْبَةٍ (وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ) مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِثْلَ وَصَايَا النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي إشَارَةٍ إلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَا يَسْتَقْبِحُهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَنْفُذُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَيُحْجَرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ) هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ بِأَنْ عَلَّمَ الْمَرْأَةَ الِارْتِدَادَ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا وَبِأَنْ عَلَّمَ الرَّجُلَ أَنْ يَرْتَدَّ لِتَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ ثُمَّ يُسْلِمُ وَلَا يُبَالِي أَنْ يُحَرِّمَ حَلَالًا وَيُحِلَّ حَرَامًا (وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ) وَهُوَ الَّذِي يَسْقِي النَّاسَ فِي أَمْرَاضِهِمْ دَوَاءً مُخَالِفًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَيُفْسِدُ أَبْدَانَ الْمُسْلِمِينَ (وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ) ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكِرَاءَ أَوَّلًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ الْجِمَالَ وَالظَّهْرَ وَيَدْفَعَ إلَى بَعْضِ دُيُونِهِ فَيَعُوقَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَحْوِ الْحَجِّ وَالْغَزْوِ (اتِّفَاقًا) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مَنْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ إذْ الْمُفْتِي الْمَاجِنُ يُفْسِدُ عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ يُهْلِكُ أَبْدَانَهُمْ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ يُتْلِفُ أَمْوَالَهُمْ فَيُحْجَرُ هَؤُلَاءِ عَنْ عَمَلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَمْرٍ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَلَا يُحْجَرُ عَلَى فَاسِقٍ) سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا (وَمُغَفَّلٍ إذَا كَانَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مُصْلِحًا لِمَالِهِ) ؛ لِأَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا كَانَ لِلنَّظَرِ لَهُ صِيَانَةً وَالْفَاسِقُ يُصْلِحُ مَالَهُ فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الدَّفْعَ بِعِلْمِ رُشْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ أَقَلُّهُ كَافِيًا فَالْمُرَادُ هُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ لَا فِي الدِّينِ بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِلَّا يَلْزَمْ الرُّشْدُ وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ مُوجِبًا لِلْحَجْرِ لَكَانَ حَجْرُ الْكَافِرِ أَوْلَى بِهِ وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُمْنَعُ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ وَلِذَا لَا يَكُونُ الْفَاسِقُ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. وَفِي الْمَنْحِ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا حَجَرَ عَلَى مُفْسِدٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَطْلَقَهُ وَرَفَعَ عَنْهُ الْحَجْرَ

فَأَجَازَ مَا صَنَعَ جَازَ إطْلَاقُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ كَانَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الثَّانِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَضَى وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَطْلَقَهُ الثَّانِي صَحَّ إطْلَاقُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّالِثِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّذَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ بِالْحَجْرِ وَكَذَا لَا يُحْجَرُ مَنْ لَهُ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ مَالَهُ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ فَيَغْبِنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ الْقَاضِي عَنْ التَّصَرُّفِ شَفَقَةً لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَتْنِ بَلْ أَتَى بِصُورَةِ الِاتِّفَاقِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ السَّفِيهِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ أَوْ لِعَدَمِ اعْتِنَاءِ قَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَتَبَّعْ. (وَلَا) يُحْجَرُ (عَلَى مَدْيُونٍ) وَإِنْ طَلَبَ الْحَجْرَ غُرَمَاؤُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ يُبْطِلُ أَهْلِيَّتَهُ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَهُوَ شَنِيعٌ لَا يُرْتَكَبُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا بِبَيْعِ الْقَاضِي مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمَدْيُونِ (فِيهِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِيهِ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالنَّصِّ فَيَكُونُ بَاطِلًا (بَلْ يَحْبِسُهُ) أَيْ الْقَاضِي لِبَيْعِ مَالِهِ (أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ) أَيْ الْمَالَ (هُوَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (بِنَفْسِهِ) فَيَكُونَ الْجِنْسُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا لِأَجْلِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْبَيْعِ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مُتَعَيَّنٍ بَلْ يَكُونُ بِالِاسْتِيهَابِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْقَضَاءِ بِبَيْعِ مَالِهِ الْمَوْجُودِ أَظْهَرُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ وَسَبَبُ الْحَبْسِ الْمُمَاطَلَةُ وَالظُّلْمُ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ وَامْتِنَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ (مَالُهُ) أَيْ مَالُ الْمَدْيُونِ (مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ) كَالدَّرَاهِمِ (أَدَّاهُ) أَيْ الدَّيْنَ (الْحَاكِمُ مِنْهُ) مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ الْأَخْذَ بِلَا رِضَى الْمَدْيُونِ عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ فَالْقَاضِي إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا يَلْزَمُهُ حَجْرُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْقَاضِي إعَانَةٌ (وَيَبِيعُ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ اسْتِحْسَانًا) بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَبِيعُ الدَّرَاهِمَ لِلدَّنَانِيرِ وَلَا الدَّنَانِيرَ لِلدَّرَاهِمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الصُّورَةِ وَلَا يُؤْخَذُ رَبُّ الدَّيْنِ جَبْرًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الِاتِّحَادُ فِي الثَّمَنِيَّةِ وَلِذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَدْيُونِ (إنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) الْحَجْرَ عَلَيْهِ (وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ) الَّذِي يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ. (وَ) يُمْنَعُ مِنْ (الْإِقْرَارِ) أَيْ إقْرَارِ الدَّيْنِ بِغَيْرِهِمْ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ إنَّمَا جَوَّزَاهُ نَظَرًا لَهُ وَفِي هَذَا الْحَجْرِ نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَسَاهُ يُلْجِئُ مَالَهُ فَيَفُوتُ حَقُّهُمْ وَمَعْنَى قَوْلِهِمَا وَمَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْمَنْعُ لِحَقِّهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ) أَيْ مَالَ الْمَدْيُونِ

الْحَاضِرِ لِيُؤَدِّيَ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا لَا يَبِيعُ مَالَهُ اتِّفَاقًا (إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَيَقْسِمُهُ) أَيْ يَقْسِمُ ثَمَنَهُ (بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ) إذْ الْإِيفَاءُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَبِإِبَائِهِ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ كَجُبٍّ فَإِنَّ الْمَجْبُوبَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ كَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ حَالَ حَجْرِهِ) بِمَالٍ (لَزِمَهُ) ذَلِكَ الْمَالُ (بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ لَا فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَمَّا حَجَر لِلْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِمَا فِي يَدِهِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَارَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَلَا يُزَاحِمُ لَكِنْ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ وَتَبَرُّعَاتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْقَائِمِ لَا بِالْمُسْتَفَادِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا لِغَيْرِهِمْ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهِ (وَيُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَزَوْجَتِهِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ لِأَنَّ حَاجَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي بَيْعِ مَالِهِ لِامْتِنَاعِهِ) عَنْ الْبَيْعِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَيُبَاعُ النُّقُودُ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ إذَا كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي بَيْعِ مَالِهِ فَأَيٌّ يُبَاعُ أَوَّلًا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ وَيُبَاعُ النُّقُودُ أَوَّلًا (ثُمَّ) يُبَاعُ (الْعُرُوض ثُمَّ الْعَقَارُ) وَقِيلَ يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ ثُمَّ مَا لَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ مِنْهُ ثُمَّ بَيْعِ الْعَقَارِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ لِلْمَدِينِ كَمَا يَنْظُرُ لِلْمُدَايِنِ فَيَبِيعُ مَا كَانَ أَنْظَرَ إلَيْهِ وَبَيْعُ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ أَنْظَرُ لَهُ (وَيُتْرَكُ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ (دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ) وَيُبَاعُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ بِهِ كِفَايَةً (وَقِيلَ) يُتْرَكُ لَهُ (دَسْتَانِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقَالُوا إذَا كَانَ لِلْمَدِينِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيَكْتَفِي بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ فَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّجَمُّلِ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَقْضِي بِبَعْضِ الثَّمَنِ الدَّيْنَ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَكْفِيهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعُ رَجُلٍ شَرَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّجُلِ فَقَبَضَهُ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِإِذْنِهِ وَالْمَتَاعُ قَائِمٌ بِيَدِهِ (فَرَبُّ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَتَاعِ فَيَبِيعُ وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ كُلُّهُ حَالًّا وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَعْضُهُ حَالًّا فَيَقْسِمُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْحَالِ ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ شَارَكَهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَصِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدْنَا الْقَبْضَ بَعْدَ الشِّرَاءِ

فصل في بيان أحكام البلوغ

بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَفْلَسَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ وَحُبِسَ الْمَبِيعُ بِالثَّمَنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَائِعُ أَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُلُوغِ] ِ (يُحْكَمُ بِبُلُوغِ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ الْإِنْزَالِ أَوْ الْإِحْبَالِ) أَيْ بِجَعْلِ الْمَرْأَةِ حُبْلَى (وَبِبُلُوغِ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ أَوْ الِاحْتِلَامِ أَوْ الْحَبَلِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَذَا لَا يَكُونُ بِلَا إنْزَالٍ مِنْهَا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْإِنْزَالَ فِي الْجَارِيَةِ قِيلَ وَجْهُ عَدَمِ الذِّكْرِ فِيهَا أَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُعْلَمُ مِنْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الصَّبِيِّ وَفِي الدُّرَرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ حَقِيقَةً وَلَكِنْ غَيْرُهُ مِمَّا ذَكَرَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ فَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَامَةً عَلَى الْبُلُوغِ وَفِي التَّسْهِيلِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ هُوَ الِاحْتِلَامُ مَعَ الْإِنْزَالِ فَحِينَئِذٍ يُغْنِي ذِكْرُ الِاحْتِلَامِ. وَفِي الْفَرَائِدِ فِي عَدَمِ كَوْنِ الْحَيْضِ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ كَلَامٌ تَدَبَّرْ. انْتَهَى. لَكِنْ يُمْكِنُ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُوجَدُ إلَّا مِمَّنْ تَحْبَلُ عَادَةً وَذَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِنْزَالِ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ الْحُكْمِ بِبُلُوغِهِمَا (فَإِذَا تَمَّ لَهُ) أَيْ لِلْغُلَامِ (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً) يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ. (وَ) إذَا تَمَّ (لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] وَأَشُدُّ الْغُلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَمَنْ تَبِعَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَقِيلَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَوَجَبَ أَنْ يَدُورَ الْحُكْمُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلِاحْتِيَاطِ إلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ أَسْرَعُ فِي بُلُوغِهَا مِنْ الْغُلَامِ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إذَا تَمَّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ يُفْتَى) ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِيهِمَا غَالِبًا (وَأَدْنَى مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ (لَهُ) أَيْ لِلْغُلَامِ (ثَنَتَا عَشْرَ سَنَةً وَلَهَا) أَيْ لِلْجَارِيَةِ أَدْنَى الْمُدَّةِ (تِسْعُ سِنِينَ) كَذَا ذَكَرُوا وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا أَوْ بِالتَّتَبُّعِ (وَإِذَا رَاهَقَا) أَيْ قُرْبًا بِالْبُلُوغِ (وَقَالَا) قَدْ (بَلَغْنَا صُدِّقَا) فِي دَعْوَاهُمَا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمَا الظَّاهِرُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ صَبِيٌّ

كتاب المأذون

أَقَرَّ أَنَّهُ بَالِغٌ وَقَاسَمَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا قُبِلَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا وَيُعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَلِمُ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَكْذِبُ ظَاهِرًا وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ بَعْدَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَحْتَلِمُ مِثْلُهُ إذَا أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَكَانَا) أَيْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ (كَالْبَالِغِ حُكْمًا) أَيْ أَحْكَامُهُمَا حُكْمُ الْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمَا بِالضَّرُورَةِ. [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] ِ إيرَادُ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ إذْ الْإِذْنُ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَجْرِ وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْلَامِ وَفِي الشَّرْعِ (الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ) الثَّابِتِ شَرْعًا (وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ حَقُّ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَعْتُوهِ أَوْ حَقُّ مَوْلَى عَبْدٍ وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى تَخْصِيصِ الْإِسْقَاطِ بِحَقِّ مَوْلَى الْعَبْدِ هُنَا وَهُوَ التَّصَرُّفُ وَالْخِدْمَةُ لِمَوْلَاهُ إذْ هَذَا الْحَقُّ يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَسْقَطَ الْمَوْلَى حَقَّهُ هَذَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ إلَى الِاكْتِسَابِ بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ لِيَتَعَلَّقَ حَقُّ مَنْ يُعَامِلُهُ بِذِمَّتِهِ وَلَا يَقْدِرُ إلَى دَفْعِ يَدِ مَوْلَاهُ عَمَّا اكْتَسَبَهُ كَالْحُرِّ فَيَأْخُذُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ. وَفِي الدُّرَرِ وَالْإِذْنُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إذْنُ الْعَبْدِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ بِالرِّقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا عَلَى الْعَبْدِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ فَيَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ لِأَهْلِيَّتِهِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي إذْنُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لَهُمَا (ثُمَّ يَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ) بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ (بِأَهْلِيَّتِهِ) الْقَدِيمَةِ فَقَوْلُهُ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ مَعْنَاهُ إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْ الْعَبْدِ فَعُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ يَنْفَكُّ قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ فَقَوْلُهُ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ فَكُّ الْحَجْرِ (فَلَا يَلْزَمُ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ تَصَرُّفِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ (سَيِّدَهُ عُهْدَتُهُ) أَيْ عُهْدَةُ التَّصَرُّفِ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الثَّمَنُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ لَا لِسَيِّدِهِ وَالْوَكِيلُ عَكْسُ هَذَا إذَا الثَّمَنُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَا مِنْ الْوَكِيلِ. (وَلَا يَتَوَقَّتُ) الْإِذْنُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان (فَلَوْ أَذِنَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (يَوْمًا) وَنَحْوَهُ مِنْ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ وَاللَّيْلِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ أَوْ مَكَانًا (فَهُوَ مَأْذُونٌ دَائِمًا إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّتُ

فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ قُلْت بَقَاءُ وِلَايَةِ الْحَجْرِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الرِّقِّ فَكَانَ فِي الْحَجْرِ امْتِنَاعٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْإِذْنِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَتَخَصَّصُ) بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ (فَإِذَا أُذِنَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَانَ مَأْذُونًا فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ) حَتَّى لَوْ أُذِنَ بِشِرَاءِ الْخَزِّ وَنُهِيَ عَنْ شِرَاءِ الْبَزِّ كَانَ إذْنًا بِشِرَاءِ الْبَزِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُهْتَدِيًا إلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ الْخَزِّ وَالسَّيِّدُ عَالِمٌ بِهِ فَإِنْ قُلْت إنَّهُ أَزَالَ الْحَجْرَ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ خَاصٍّ قُلْت نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الرِّضَى بِتَعْطِيلِ مَنَافِعِهِ مُطْلَقًا وَالتَّخْصِيصُ لَغْوٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ الْإِذْنُ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْكِيلٍ وَإِبَانَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمَوْلَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. (وَيَثْبُتُ) الْإِذْنُ (صَرِيحًا) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك بِالتِّجَارَةَ (وَدَلَالَةً بِأَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ) وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَسُكُوتُهُ إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِخِلَافِ سُكُوتِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ لَكِنْ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةُ الْإِذْنِ وَوَسِيلَةُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ) بَيْعًا (صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا) . وَفِي التَّبْيِينِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا لَهُ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنْ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا لَهُ هُوَ أَنَّ سُكُوتَ الْمَالِكِ فِيمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ الْمَوْلَى لَا يَصِيرُ إذْنًا فِي حَقِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ لَا فِي حَقِّ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِ ذَلِكَ الْعَبْدِ فِي بَابِ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا وَيَرْشُدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَيَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ لَا فِيمَا يَبِيعُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا فِي الدُّرَرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ تَتَبَّعْ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَى وَالسَّخَطَ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَلَنَا أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِذَلِكَ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ. (وَلِلْمَأْذُونِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ (إذْنًا عَامًا لَا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ) شِرَاءِ (طَعَامِ الْأَكْلِ أَوْ) شِرَاءِ (ثِيَابِ الْكِسْوَةِ) يَعْنِي لِلْعَبْدِ الَّذِي قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِشِرَاءِ طَعَامِ الْأَكْلِ أَوْ ثِيَابِ الْكِسْوَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَيْضًا بِنَوْعٍ

مِنْ التِّجَارَةِ (أَنْ يَبِيعَ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (وَيَشْتَرِيَ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَالطَّعَامِ، وَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ وَلَوْ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ لَتَضَرَّرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إذَا قَالَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ أَيْ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ أَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ بِعْهُ أَوْ قَالَ لَهُ آجِرْ نَفْسَك مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ صَارَ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْعُقُودِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا لِلْكِسْوَةِ أَوْ آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ فِي عَمَلِ كَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَقَدْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ اسْتِخْدَامًا فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لِلِاسْتِخْدَامِ صَارَ مَأْذُونًا وَإِنْ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا غَصَبَ الْعَبْدُ مَتَاعًا وَأَمَرَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنَّهُ صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْ يَجْعَلَ اسْتِخْدَامًا لَا لِلسَّيِّدِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (وَيُوَكِّلُ بِهِمَا) أَيْ لَهُ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَلَعَلَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكُلِّ فَيَحْتَاجُ إلَى مُعِينٍ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُسْلِمَ) أَيْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ رَبَّ السَّلَمِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَقْبَلَ السَّلَمَ) أَيْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُرْهِنَ وَيَرْتَهِنَ) ؛ لِأَنَّهُمَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ (وَيُزَارِعَ) أَيْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَيَأْخُذَهَا مُزَارَعَةً لِأَنَّهَا مِنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَشْتَرِيَ بَذْرًا يَزْرَعُهُ) ؛ لَأَنْ يَرْبَحَ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُشَارِكَ عِنَانًا) ؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ وَلَيْسَ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهَا كَفَالَةٌ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَسْتَأْجِرَ) الْأَجِيرَ وَالْبَيْتَ وَغَيْرَهُمَا (وَيُؤَجِّرَ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (نَفْسَهُ) فَإِنَّ إجَارَةَ نَفْسِهِ بَيْعُ مَنَافِعِهِ وَلَيْسَ كَبَيْعِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَنْتَظِمُهُ الْإِذْنُ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُضَارِبَ) أَيْ يَأْخُذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً (وَيَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً) ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَ يَكُونُ مُسْتَأْجِرًا وَإِنْ أَخَذَ يَكُونُ مُؤَجِّرًا نَفْسَهُ وَهُمَا مِنْ التِّجَارَةِ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُبْضِعَ) أَيْ يَدْفَعَ الْمَالَ بِضَاعَةً يَعْنِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَّجِرَ بِهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ لَهُ. (وَ) لَهُ أَنْ (يُعِيرَ وَ) لَهُ أَنْ (يُقِرَّ بِدَيْنٍ) إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ الْإِقْرَارُ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ فَيَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ الْمُعَامَلَةِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَا هَذَا إذَا كَانَ إقْرَارُهُ فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ قُدِّمَ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ فَقَطْ وَإِذَا أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ وَوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ بَطَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (الْوَدِيعَةٍ) لِأَنَّ الْإِيدَاعَ وَقَبُولَ الْوَدِيعَةِ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ فَلَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهَا (وَغَصْبٍ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مُفَاوَضَةٌ فَيَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ فَلَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ. (وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ فَيَصِحُّ عَقْدُهُ بِالْفَاحِشِ وَلَوْ نُهِيَ عَنْ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ

الْفَاحِشِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِذْنِ الِاسْتِرْبَاحُ وَالْعَقْدُ بِالْفَاحِشِ إتْلَافٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فَلَا يَجُوزُ قَيْدٌ بِالْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. (وَلَوْ حَابَى) الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَيْ بَاعَ شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمُحَابَاةُ الْغَبْنُ بِالرِّضَى (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَأْذُونِ (دَيْنٌ) فَيَنْفُذُ وَإِنْ زَادَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ (وَإِنْ كَانَ) عَلَيْهِ دَيْنٌ (فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ) بَعْدَ الدَّيْنِ يَعْنِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ أَوَّلًا فَمَا بَقِيَ يَكُونُ الْمُحَابَاةُ مِنْ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَارِثِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ إلَّا أَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْإِذْنِ فَصَارَ كَالْوَارِثِ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ) شَيْءٌ بَعْدَ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ (أَدَّى الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ أَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ) أَيْ يُقَالُ لَهُ أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَأَرْدُدْ الْبَيْعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا وَإِنْ مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى كَتَصَرُّفِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَأْذُونِ (أَنْ يُضَيِّفَ مُعَامِلَهُ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ بَيْنَ التُّجَّارِ لِاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَتَّخِذَ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ لَا الْكَثِيرَةَ وَذَا بِقَدْرِ الْمَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبِعَشْرَةٍ يَسِيرَةٌ وَلَوْ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فِي يَدِهِ فَبِدَانَقٍ كَثِيرَةٌ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) قَدْرَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ أَكْثَرَهُ مِنْ الْعَادَةِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ (بِعَيْبٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَيْبٍ ظَهَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ قُيِّدَ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُطُّ بِدُونِهِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. (وَ) لَهُ أَنْ (يَأْذَنَ لِرَقِيقِهِ فِي التِّجَارَةِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تِجَارَةٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ يَصِحُّ إذْنُهُ لِلْعَبْدِ فِيهَا كَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُضَارِبِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي وَشَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ وَالْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (لَا أَنْ يَتَزَوَّجَ) أَيْ لَيْسَ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلَا أَنْ يَتَسَرَّى جَارِيَةً اشْتَرَاهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفِقْهِ (أَوْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ) ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى. (وَكَذَا) لَا يُزَوِّجُ (أَمَتَهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا تَحْصِيلُ مَالٍ بِإِسْقَاطِ النَّفَقَةِ وَإِيجَابِ الْمَهْرِ فَيَصِيرُ كَإِجَارَتِهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ التِّجَارَةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْهَا (وَلَا أَنْ يُكَاتِبَ) رَقِيقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ (أَوْ يُعْتِقَ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِمَالٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فَوْقَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ هَذَا لَا يَمْلِكْ الْأَعْلَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُرٍّ فَلَا يَمْلِكُ التَّحْرِيرَ وَهَذَا إذَا لَمْ يُجِزْ الْمَوْلَى فَإِنْ أَجَازَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَازَ وَكَذَا

إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَهُمَا لَكِنْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِلْغُرَمَاءِ (أَوْ يُقْرِضَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (أَوْ يَهَبَ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ (أَوْ يُهْدِيَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْإِهْدَاءُ (إلَّا) إهْدَاءُ الشَّيْءِ (الْيَسِيرِ مِنْ الطَّعَامِ) كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ لَا الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (وَالْمَحْجُورُ لَا يُهْدِي الْيَسِيرَ أَيْضًا) لِعَدَمِ الْإِذْنِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى إلَى) الْعَبْدِ (الْمَحْجُورِ قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ) عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ (لِلْأَكْلِ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِعَدَمِ ظُهُورِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَوْلَى (بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ (قُوتَ شَهْرٍ) لِمَا فِي أَكْلِهِمْ حِينَئِذٍ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لِلْمَوْلَى (قَالُوا وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِالْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ) بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ مِنْ قِبَلِهِ عَادَةً وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا لِمُنَاسِبَةٍ هِيَ كَوْنُهَا مَأْذُونَةً عَادَةً وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَالصَّدَقَةِ. (وَمَا لَزِمَ الْمَأْذُونُ مِنْ الدَّيْنِ بِسَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا) أَيْ فِي حُكْمِ التِّجَارَةِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) نَظِيرٌ لِلتِّجَارَةِ قِيلَ صُورَةُ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنْ يَبِيعَ وَيَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ وَيَهْلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ (وَإِجَارَةٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَغَصْبٍ وَجَحْدِ أَمَانَةٍ وَعُقْرِ أَمَةٍ شَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَاسْتُحِقَّتْ) نَظِيرٌ لِمَا هُوَ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ قِيلَ صُورَةُ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالْإِجَارَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَأْذُونُ الْأُجْرَةَ مُعَجَّلًا ثُمَّ يَهْلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ يُسْتَحَقَّ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ (يَتَعَلَّقُ) ذَلِكَ الدَّيْنُ (بِرَقَبَتِهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَوْلَاهُ بَعْدَ الدَّيْنِ كَانَ بَاطِلًا فَقِيلَ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ وَقِيلَ إنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ يَصِحُّ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ فَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَيُبَاعُ) فِيهِ أَيْ يَبِيعُ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ أَوْ نَائِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ (إنْ لَمْ يَفْدِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (الْمَوْلَى) . وَقَالَ زُفَرُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ لَا بِالرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ لَا فِي التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ إذْنِهِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ قَدْ كَانَ بِخِلَافِ دَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ لِجِنَايَةٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْإِذْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَعَنْ أَحْمَدَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ مَوْلَاهُ وَلَنَا أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْإِذْنِ وَكُلُّ دَيْنٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَحَلٍّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ وَأَقْرَبُ الْمَحَالِّ إلَيْهِ نَفْسُهُ فَصَارَ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ ضَرَرِ النَّاسِ (وَيَقْسِمُ) الْقَاضِي (ثَمَنَهُ) أَيْ ثَمَنَ الْعَبْدِ (وَمَا فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمَأْذُونِ (مِنْ كَسْبِهِ) بَيْنَ الْغُرَمَاءِ (بِالْحِصَصِ) أَيْ بِمِقْدَارِ نَصِيبِ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ فَيَتَحَاصَصُونَ

فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي التَّرِكَةِ (سَوَاءٌ) كَانَ (كَسْبُهُ) أَيْ كَسْبُ الْمَأْذُونِ مَا فِي يَدِهِ (قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ) وَحَاصِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ كَسْبُهُ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ بِالْمُبَايَعَةِ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَأْذُونِ فِي بَيْعِ كَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ وَلَا حُضُورُ مَوْلَاهُ (وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَهُ مَا اقْتَسَمَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهُ (يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) وَلَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ إذْ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْقَلِيلِ الْعَاجِلِ بِالْبَيْعِ وَالْكَثِيرِ الْآجِلِ بِالسِّعَايَةِ لَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَا فِي الطَّلَبِ مِنْ الْمَوْلَى لِانْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِ بِهِ (وَمَا أَخَذَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَسْبِهِ (قَبْلَ) ظُهُورِ (الدَّيْنِ لَا يُسْتَرَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ حِينَ كَانَ فَارِغًا عَنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَخَلَصَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَخْذُ غَلَّةِ) أَيْ أُجْرَةِ (مِثْلِهِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ غَلَّةٍ بَعْدَ وُجُودِ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ الدَّيْنِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي أَخْذِهِ الْغَلَّةَ مَنْفَعَةٌ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ عَلَيْهِمْ بَابُ الِاكْتِسَابِ (وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى غَلَّةِ مِثْلِهِ (لِلْغُرَمَاءِ) لِعَدَمِ ضَرُورَةٍ فِيهِ وَتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ. (وَيَنْحَجِرُ الْمَأْذُونُ) غَيْرُ الْمُدَبَّرِ (إنْ أَبَقَ) لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَكَذَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَبْقَى مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ فَلَا يُنَافِي دَوَامَهُ وَهَلْ يَعُودُ الْإِذْنُ إنْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَذِنَ الْآبِقُ لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إذْنُهُ كَإِذْنِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذْنُهُ بِهِ وَفَصَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَقَدْ صَحَّ الْإِذْنُ وَإِلَّا فَلَا (أَوْ مَاتَ سَيِّدُهُ أَوْ جُنَّ مُطْبَقًا أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُرْتَدًّا) عَلِمَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَأَمَّا الْجُنُونُ فَلِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَهْلِيَّةَ وَأَمَّا اللَّحَاقُ فَلِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا (أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ يَصِيرُ مَحْجُورًا إنْ حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ حَجَرْتُك عَنْ التَّصَرُّفِ أَوْ بِإِيصَالِ خَبَرِ الْحَجْرِ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَأْذُونُ حَجْرَ نَفْسِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الضَّرَرِ هُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ (وَعَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلُ سُوقِهِ) أَيْ سُوقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ إلَّا الْعَبْدُ فَيَكْفِي عِلْمُهُ حَجْرَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حَجْرُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.

(وَ) تَنْحَجِرُ (الْأَمَةُ) الْمَأْذُونَةُ (إنْ اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا) عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى النَّاسِ لِتُعَامِلَ مَعَهُمْ فَيَكُونُ الِاسْتِيلَادُ إحْصَانًا دَالًّا عَلَى الْحَجْرِ عَادَةً إلَّا إذَا أَذِنَهَا صَرِيحًا وَهُوَ يَتَفَوَّقُ دَلَالَةً. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا اعْتِبَارًا لِلْبَقَاءِ بِالِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (لَا) تَنْحَجِرُ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ (إنْ دَبَّرَهَا) الْمَوْلَى وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ الْحَجْرِ (وَيَضْمَنُ) الْمَوْلَى (الْقِيمَةَ فَقَطْ لِلْغَرِيمِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِهِمَا مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ الْمَحْبُوسَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا وَبِالْبَيْعِ يَقْضِي حَقَّهُمْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ. (وَإِقْرَارُهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ وَهُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ (بَعْدَ الْحَجْرِ بِدَيْنٍ أَوْ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ) لِغَيْرِهِ (أَوْ غَصْبٌ) مِنْهُ (صَحِيحٌ) فَيَقْضِي مِمَّا فِي يَدِهِ لَا مِنْ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ بَلْ مِنْ كَسْبِ مَوْلَاهُ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْإِذْنُ وَقَدْ زَالَ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْيَدُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَبُطْلَانُ الْيَدِ حُكْمًا بِالْحَجْرِ فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْإِكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ وَإِقْرَارُهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِهَا. (وَإِنْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ) أَيْ دَيْنُ الْمَأْذُونِ (رَقَبَتَهُ مَا فِي يَدِهِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ مَا فِي يَدِهِ) مِنْ اكْتِسَابِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِمَّا فِي يَدِهِ لَا يَصِحُّ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَمْلِكُ) السَّيِّدُ مَا فِي يَدِهِ (فَيَصِحُّ عِتْقُهُ) فِي عَبْدِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَحِلُّ وَطْءُ الْمَأْذُونَةِ وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ وَالْعِتْقُ وَعَدَمُهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَلَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا مَعَهُ لَعَتَقَ وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الرَّقِيقِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُ مَا مَعَهُ لَمْ يَضْمَنْ. (وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ) دَيْنُهُ رَقَبَتَهُ (صَحَّ) إعْتَاقُ عَبْدِهِ (اتِّفَاقًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ دَيْنٍ قَلِيلٍ فَلَوْ جُعِلَ مَانِعًا لَا يَبْقَى الِانْتِفَاعُ بِكَسْبِهِ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ مِنْ الْإِذْنِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ هَذَا الْمَأْذُونِ (مِنْ سَيِّدِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَصِحُّ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ (بِأَقَلَّ) مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ يَسِيرًا لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ أَمَّا لَوْ كَانَ دَيْنُهُ أَقَلَّ بِحَيْثُ لَا يُحِيطُ فَجَازَ بَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَبِيعُ مِنْ سَيِّدِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إزَالَةِ الْغَبْنِ وَبَيْنَ نَقْضِ الْبَيْعِ وَيَبِيعُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ

لَا الْفَاحِشِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْكَافِي. (وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ سَيِّدِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَأْذُونِ (بِمِثْلِهَا) أَيْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِالْأَقَلِّ مِنْهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِ عَبْدِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَيَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيِّ وَعِنْدَهُمَا جَوَازُ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ عَلَى الْفَائِدَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الثَّمَنِ وَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَفَادَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (لَا) يَصِحُّ (بِأَكْثَرَ) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ (فَلَوْ بَاعَ) الْمَوْلَى مِنْهُ (بِأَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ (يَحُطُّ) الْمَوْلَى (الزَّائِدَ) عَنْ الْقِيمَةِ (أَوْ يَنْقُصُ الْبَيْعُ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ) كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَإِنْ أَسْقَطَ الْمُحَابَاةَ وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَإِنْ سَلَّمَ سَيِّدُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَبْدِ (الْمَبِيعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ سَقَطَ) عَنْ ذِمَّةِ هَذَا الْمَأْذُونِ (الثَّمَنُ) أَيْ ثَمَنُ مَبِيعٍ بَاعَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا سَلَّمَ الْمَبِيعَ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ إلَّا فِي الدَّيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَيَبْطُلُ الثَّمَنُ أَيْضًا فَيَخْرُجُ مَجَّانًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا حَيْثُ يَكُونُ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْعَيْنِ بِالْعَقْدِ فَمَلَكَهُ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْعَبْدِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (حَتَّى يَأْخُذَ ثَمَنَهُ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى لِلْمَوْلَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَلِذَا يَكُونُ أَخَصَّ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (وَيَضْمَنُ السَّيِّدُ) لِلْغُرَمَاءِ (بِإِعْتَاقِهِ) الْعَبْدَ (الْمَأْذُونَ) حَالَ كَوْنِهِ (مَدْيُونًا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَمِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَأْذُونِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ضَمِنَ سَيِّدُهُ لِلْغُرَمَاءِ الْقِيمَةَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِرَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَيْسَ إلَّا فِيهِ وَقَدْ وَصَلُوا إلَيْهِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ (وَمَا زَادَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى قِيمَتِهِ طُولِبَ بِهِ مُعْتَقًا) أَيْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُطَالِبُوهُ بَعْدَ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُوبِ سَبَبِهِ وَالْمَوْلَى لَمْ يُتْلِفْ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِلَّا طُولِبَ بَعْدَ عِتْقِهِ قِيلَ الْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمُعْتَقَ بِالدَّيْنِ وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ. (وَإِنْ بَاعَهُ) الْمَوْلَى (وَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ (مَدْيُونٌ مُسْتَغْرِقٌ) بِرَقَبَتِهِ (وَغَيَّبَهُ مُشْتَرِيهِ) أَيْ جَعَلَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ غَائِبًا (فَلِلْغُرَمَاءِ إجَازَةُ بَيْعِهِ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ) أَيْ إنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ أَجَازُوا الْبَيْعَ

وَأَخَذُوا ثَمَنَ الْعَبْدِ وَحِينَئِذٍ لَا يُضَمِّنُونَ أَحَدًا الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ (أَوْ تَضْمِينُ أَيٍّ شَاءُوا مِنْ السَّيِّدِ أَوْ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِبَيْعِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَغَيَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْعَبْدِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُبْطِلُوا الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دُيُونَهُمْ (فَإِنْ ضَمَّنُوا السَّيِّدَ) أَيْ إنْ اخْتَارُوا تَضْمِينَ قِيمَتِهِ إيَّاهُ (ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِقَضَاءٍ (بِعَيْبٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَيْبٍ بَعْدَمَا ضَمَّنَهُ الْغُرَمَاءُ قِيمَتَهُ (رَجَعَ) الْمَوْلَى (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْغُرَمَاءِ (بِالْقِيمَةِ وَعَادَ حَقُّهُمْ) أَيْ الْغُرَمَاءِ (فِي الْعَبْدِ) لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ زَالَ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ وَإِنْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالتَّرَاضِي إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِمْ رَجَعُوا بِهِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. (وَإِنْ بَاعَهُ) الْمَوْلَى (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (أَعْلَمَ) الْمُشْتَرِيَ (بِكَوْنِهِ مَدْيُونًا فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَصِلْ ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ رَقَبَتِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَةٌ فَالْأَوَّلُ تَامٌّ مُؤَخَّرٌ وَالثَّانِي نَاقِصٌ مُعَجَّلٌ وَبِالْبَيْعِ تَفُوتُ هَذِهِ الْخِيرَةُ فَلِهَذَا لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ. (وَإِنْ وَصَلَ) ثَمَنُهُ إلَيْهِمْ (وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِوُصُولِ حَقِّهِمْ إلَيْهِمْ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ وَالثَّمَنُ لَا يَفِي بِدَيْنِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ دَيْنُهُمْ مُؤَجَّلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِطَلَبِهِمْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِأَجْلِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ يَفِي بِدَيْنِهِمْ (فَإِنْ غَابَ الْبَائِعُ) بَعْدَ بَيْعِ الْمَوْلَى الْمَأْذُونِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي (فَالْمُشْتَرِي لَيْسَ خَصْمًا لَهُمْ إنْ أَنْكَرَ) الْمُشْتَرِي (الدَّيْنَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ خَصْمٌ وَيَقْضِي لَهُمْ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا لِكُلِّ مَنْ يُنَازِعُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَقَدْ قَامَ بِهِمَا فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَوَهَبَهَا وَسَلَّمَهَا وَغَابَ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إجْمَاعًا. (وَمَنْ قَالَ) عِنْدَ قُدُومِهِ مِصْرًا (أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَاشْتَرَى وَبَاعَ) سَاكِتًا عَنْ إذْنِهِ وَحَجْرِهِ أَوْ سَاكِتًا (فَحُكْمُهُ كَالْمَأْذُونِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالْجَوَازُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِذْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ أَوْ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ وَإِقْدَامَهُ

فصل في بيان حكم الصبي والمعتوه

عَلَيْهِ كَالْحُرِّ دَلِيلُ الْإِذْنِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الرَّقَبَةِ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِذْنِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمَأْذُونَ إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إذْ الدَّيْنُ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ وَالضَّرَرَ لَيْسَ مِنْ جَانِبِهِ فَيُطَالَبُ الدَّيْنُ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ (مَا لَمْ يُقِرَّ سَيِّدُهُ بِإِذْنِهِ) يَعْنِي إذَا حَضَرَ الْمَوْلَى وَأَقَرَّ بِإِذْنِهِ أَوْ أَثْبَتَ الْغَرِيمُ إذْنَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَوْلَى فَيُبَاعُ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ] ِ (تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إنْ نَفَعَ) بِلَا ضَرَرٍ أَصْلًا (كَالْإِسْلَامِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ صَحَّ بِلَا إذْنٍ) أَيْ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ لِكَوْنِهِ أَهْلًا وَلَوْ عَلَى الْقُصُورِ. (وَإِنْ ضَرَّ) أَيْ إنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ ضَارًّا (كَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَلَا) يَصِحُّ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (بِإِذْنٍ) لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ فِيهِ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ (وَإِنْ احْتَمَلَهُمَا) أَيْ النَّفْعَ وَالضَّرَّ (كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ صَحَّ بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ (لَا بِدُونِهِ) أَيْ الْإِذْنِ عَلَّقَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ وَلِذَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ (فَإِذَا أَذِنَ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْأَبِ (أَوْ وَصِيُّ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ وَصِيِّ الْأَبِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّرْتِيبُ؛ لِأَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ وَتَرْتِيبُهُ أَبُوهُ مَا دَامَ حَيًّا حَاضِرًا وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَصِيُّهُ الْمُخْتَارُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ جَدُّهُ هُوَ أَبٌ الْأَبِ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ وَصِيُّ وَصِيِّهِ (أَوْ الْقَاضِي)

كتاب الغصب

أَيْ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ دُونَ الْأُمِّ وَوَصِيِّهَا وَصَاحِبِ الشَّرْطِ (فَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ هَذَا الصَّبِيِّ (حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِنَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ وَيَكُونُ مَأْذُونًا لِسُكُوتِ الْوَلِيِّ حِينَ يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (بِشَرْطِ أَنْ يَعْقِلَ كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ جَالِبًا لَهُ) أَيْ لِلْمِلْكِ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ وَأَنْ يَقْصِدَ الرِّبْحَ وَيَعْرِفَ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ (فَلَوْ أَقَرَّ) الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ بِالتِّجَارَةِ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ (بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَلِيِّهِ أَوْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهِ التِّجَارَةُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَا يُعَامِلُهُ النَّاسُ (أَوْ إرْثِهِ) أَيْ بِمَا وَرِثَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ (صَحَّ) إقْرَارُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ ارْتَفَعَ بِالْإِذْنِ فَصَارَ كَالْبَالِغِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْإِرْثِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِمَا مَعَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْمُوَرِّثِ (وَالْمَعْتُوهُ) الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ) فِيمَا مَرَّ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَفِي التَّبْيِينِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (وَصَحَّ إذْنُ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي لِعَبْدِ الْيَتِيمِ) ؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَصَرُّفًا فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْإِذْنَ مِنْهُ. [كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ) وَكَانَ الْمُنَاسِبُ إيرَادَهُ تِلْوَ كِتَابِ الْحَجْرِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ لَكِنْ عَارَضَهُ أَنَّ إيرَادَ الْمَأْذُونِ بَعْدَ الْحَجْرِ أَدْخَلُ فِي الْمُنَاسَبَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ فَأَوْرَدَهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ هُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى أَخْذِ الْحُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُتَقَوَّمُ يُقَالُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَصَبْته عَلَيْهِ وَقَدْ يُسَمَّى الْمَغْصُوبُ غَصْبًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. وَفِي الشَّرْعِ (هُوَ) أَيْ الْغَصْبُ (إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ) أَيْ الَّتِي لَهَا حَقٌّ (بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ) فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ لَا بِخِفْيَةٍ وَهَذِهِ الْقُيُودُ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا فِي مَالٍ بِمَنْزِلَةِ جِنْسٍ لِكَوْنِهِ شَامِلًا مَعَ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ مَيْتَةٍ وَحُرٍّ وَقَوْلُنَا مُتَقَوِّمٌ احْتِرَازٌ عَنْ خَمْرٍ مُسْلِمٍ وَقَوْلُنَا مُحْتَرَمٌ احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَقَوْلُنَا قَابِلٌ لِلنَّقْلِ احْتِرَازٌ عَنْ الْعَقَارِ فَإِنَّ غَصْبَهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُ الْغَصْبُ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ لَا غَيْرُ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إثْبَاتُ يَدٍ مُبْطِلَةٍ لَا غَيْرُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ مَضْمُونَةٌ

وَقَوْلُنَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ احْتِرَازٌ عَنْ أَخْذِهِ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِذْنِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَقَوْلُنَا لَا بِخِفْيَةٍ احْتِرَازٌ عَنْ السَّرِقَةِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ (فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ) أَيْ عَبْدِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَحَمْلُ الدَّابَّةِ) أَيْ دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (غَصْبٌ) لِوُجُودِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِمَا (لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ) ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ إذْ الْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ وَقَدْ بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ آخِذًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْجُلُوسُ أَيْضًا غَصْبٌ (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْغَصْبِ (الْإِثْمُ إنْ عَلِمَ) أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ غَصْبٌ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَالُهُ فَالضَّمَانُ وَلَا إثْمَ إذْ الْخَطَأُ مَرْفُوعٌ (وَوُجُوبُ رَدِّ عَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ (فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) أَيْ غَصْبِ الْغَاصِبِ إيَّاهَا لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ (إنْ كَانَتْ) الْعَيْنُ (بَاقِيَةً) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُرَدَّ» أَيْ يَجِبُ عَلَى الْيَدِ الْغَاصِبِ رَدُّ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُرَدَّ فَإِذَا رُدَّتْ سَقَطَ وُجُوبُ الرَّدِّ (وَالضَّمَانُ لَوْ هَلَكَتْ) أَيْ الْعَيْنُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَسَوَاءٌ هَلَكَ أَوْ أَهْلَكَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَقَصْدِهِ (فَفِي الْمُثْلَى) وَهُوَ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ مُتَعَدٍّ بِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِنَحْوِ التُّرَابِ وَالصَّابُونِ فَإِنَّهُ قِيَمِيٌّ (كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) أَيْ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ (يَجِبُ مِثْلُهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَاجِبَ ضَمَانُ جَبْرٍ وَالْجَبْرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ الْمِثْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَأَكْمَلُ وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مَخْلَصٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْقِيمَةِ وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ قَاصِرًا. وَكَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ وَالْمَالِكُ لَا يَدْرِي

أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي الْإِطْعَامِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ (فَإِنْ انْقَطَعَ الْمِثْلُ) عَنْ أَيْدِي النَّاسِ (تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) وَالْقَضَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ نَوْعَانِ كَامِلٌ وَهُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى فَصَارَ أَصْلًا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَقَاصِرٌ وَهُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى هُوَ الْقِيمَةُ وَضَمَانُ الْقَاصِرِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا مَعَ احْتِمَالِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ خَلَفًا عَنْهُ وَلَا يَنْقَطِعُ الِاحْتِمَالُ بِالِانْقِطَاعِ وَلَكِنْ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ وَلِذَا لَوْ صَبَرَ الْمَالِكُ إلَى مَجِيءٍ أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْمِثْلِ الْكَامِلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ التُّحْفَةِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الْغَصْبُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْآنَ كَاَلَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا ضَبْطَ لَهُ. (وَفِي الْقِيَمِيِّ كَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ) كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ. (وَ) الْمُثْلَى الْمَخْلُوطِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ نَحْوُ الْبُرِّ (الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ) وَالْمَوْزُونِ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةِ بِحَيْثُ تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ بِجَعْلِهِ نَادِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ كَالْقُمْقُمِ وَالْقِدْرِ وَالْإِبْرِيقِ (تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا لِتَفَاوُتِهَا اُعْتُبِرَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُ مِثْلَهُ صُورَةً. وَفِي الْمِنَحِ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَسَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ أُخِذَتْ فِي الْغَرَقِ وَأَلْقَى الْمَلَّاحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي الْمَاءِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا سَاعَتَئِذٍ. وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ صَبَّ مَاءً فِي طَعَامٍ فَأَفْسَدَهُ وَزَادَ فِي كَيْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ قَبْلَ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ طَعَامًا مِثْلَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهُ إلَى مَكَان فَإِنْ نَقَلَهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَصْبٌ وَهُوَ مِثْلِيٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْحِنْطَةُ بِغَيْرِ نَقْلٍ. (فَإِنْ ادَّعَى) الْغَاصِبُ (الْهَلَاكَ) أَيْ هَلَاكَ الْمَغْصُوبِ (حُبِسَ) ذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ مُقِرٌّ بِالْغَصْبِ فَإِذَا أَنْكَرَ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْحَبْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (حَتَّى يَعْلَمَ) وَيَظُنَّ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ مَوْكُولَةٍ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي (أَنَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ يَقْضِي) أَيْ يَقْضِي الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (بِالْبَدَلِ) أَيْ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ أَيْ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِ وَبِالْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَادَّعَى الْمَالِكُ الْهَلَاكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَقَامَا الْبُرْهَانَ فَبُرْهَانُ الْغَاصِبِ أَوْلَى هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى وَفِي الْمِنَحِ الْغَاصِبُ

أَوْ الْمُودَعُ الْمُتَعَدِّي إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَالْمَالِكُ يَقُولُ قِيمَتَهُ كَذَا دِرْهَمًا وَهُوَ لَا يُصَدِّقُهُ وَلَا يُقِرُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيمَةِ وَيَقُولُ لَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ النُّكُولِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِهِ مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَةَ ثَوْبِهِ مِائَةٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ كَانَ الْغَاصِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ وَسَلَّمَ الْقِيمَةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الثَّوْبَ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ. (وَالْغَصْبُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْقَلُ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ غَصَبَ عَقَارًا) هُوَ مَالُهُ أَصْلٌ وَقَرَارٌ كَالضَّيْعَةِ وَالدَّارِ (فَهَلَكَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ هُدِمَ الْبِنَاءُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (لَا يَضْمَنُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ هُوَ النَّقْلُ بَلْ يُرَدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ الْيَدِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ تَزُولُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَبْعَدَ الْمَالِكَ عَنْ الْمَوَاشِي حَتَّى تَلِفَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِكِ بِالتَّبْعِيدِ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْمَوَاشِي (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجْرِي الْغَصْبُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ فِيهِ يَكُونُ بِمَا يُمْكِنُ لَا بِالنَّقْلِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا وَزُفَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ يُفْتَى فِي الْوَقْفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمِنَحِ الْفَتْوَى فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ بِالضَّمَانِ. وَقَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ وَعِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ أَيْ إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَهُ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِأَنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالدَّارِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا (وَمَا نَقَصَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَقَارِ (بِفِعْلِهِ كَسُكْنَاهُ) أَيْ سُكْنَى الْغَاصِبِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ (وَزَرْعِهِ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (ضَمِنَهُ) أَيْ النُّقْصَانَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إتْلَافٌ وَإِهْلَاكٌ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلضَّمَانِ الْإِتْلَافُ فِي يَدِهِ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ إنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ بَلْ يَنْظُرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَيَضْمَنُ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ (وَيَأْخُذُ) الْغَاصِبُ (رَأْسَ مَالِهِ) وَهُوَ الْبَذْرُ وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ (وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ حَتَّى إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةَ أَكْرَارٍ وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرُ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرُ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ)

فصل غير الغاصب ما غصبه بالتصرف فيه

أَيْ بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ مِنْ الْفَائِتِ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لَهُ مِلْكًا خَبِيثًا وَحَرَامًا لِخُبْثِ السَّبَبِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ. (وَكَذَا لَوْ اسْتَغَلَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ) أَيْ لَوْ آجَرَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ وَأَخَذَ غَلَّتَهُ (فَنَقَصَهُ الِاسْتِغْلَالُ أَوْ آجَرَ) الْمُسْتَعِيرُ (الْمُسْتَعَارَ وَنَقَصَ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (وَمَا فَضَلَ مِنْ الْغَلَّةِ وَالْأُجْرَةِ تَصَدَّقَ بِهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. (وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَرَبِحَ وَهُمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ) كَالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا (تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ) وَلَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ (أَيْضًا) أَيْ كَخِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. (وَإِنْ كَانَا) أَيْ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْوَدِيعَةُ (لَا يَتَعَيَّنَانِ) كَالنَّقْدَيْنِ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَشَارَ) الْمُتَصَرِّفُ (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى دَرَاهِمِ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (وَنَقَدَهُمَا فَكَذَلِكَ) لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. (وَإِنْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِمَا وَنَقَدَهُمَا) أَيْ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا وَنَقَدَ غَيْرَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ) إطْلَاقًا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِمَا وَلَا إلَى غَيْرِهِمَا بَلْ قَالَ اشْتَرَيْت بِدِرْهَمٍ. (وَ) لَكِنْ (نَقَدَهُمَا) أَيْ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (طَابَ لَهُ الرِّبْحُ اتِّفَاقًا قِيلَ وَبِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الطِّيبِ فِي الْأُولَى وَبِالطِّيبِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ (يُفْتَى) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَهَذَا قَوْلُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ. وَفِي الدُّرَرِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ مَشَايِخِنَا (أَنَّهُ لَا طِيبَ مُطْلَقًا) يَعْنِي فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا لِإِطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعَيْنِ (وَلَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ جَارِيَةً تَعْدِلُ أَلْفَيْنِ فَوَهَبَهَا أَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ) وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. [فَصَلِّ غَيْر الْغَاصِب مَا غَصْبه بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ] فَصَلِّ (وَإِنْ غَيَّرَ مَا غَصَبَهُ) بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بِأَنْ صَارَ الْعِنَبُ مَثَلًا زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا فَالْمَالِكُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ يَأْخُذُهُ وَإِنْ شَاءَ يَتْرُكُهُ وَيُضْمَنُهُ (فَزَالَ) بِذَلِكَ التَّغْيِيرُ (اسْمُهُ) أَيْ اسْمُ الْمَغْصُوبِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا

فَقَطْ فَإِنَّ مِلْكَ مَالِكِهَا لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ الْمُجَرَّدِ إذَا لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا بِهِ حَيْثُ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ شَاةٌ مَشْوِيَّةٌ مَعَ أَنَّهَا تَخْلُفُ الْمَذْبُوحَةَ فِي الْحُكْمِ (وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ) أَيْ أَكْثَرُ مَقَاصِدِهِ احْتِرَازٌ عَنْ دَرَاهِمَ فَسَبَكَهَا بِلَا ضَرْبٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ زَالَ اسْمُهُ لَكِنْ يَبْقَى أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَلِذَا لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زَوَالُ الِاسْمِ مُغْنِيًا عَنْ اسْمِ الْمَنَافِعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ قَصَدَ تَنَاوُلَهُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَنَحْوَهَا يَزُولُ بِالطَّحْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَ زَالَ اسْمُهُ مُغْنٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ بَلْ هُوَ عَدَمُ اطِّلَاعٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَا نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (ضَمِنَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (وَمَلَكَهُ) بِتَقَرُّرِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الْغَصْبُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَوْ أَبَى الْمَالِكُ عَنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَأَرَادَ أَخْذَ الْمُغَيَّرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ حَكَى عَنْ الْإِمَامِ مُفْتِي الثَّقَلَيْنِ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَمَشَايِخِنَا عَلَى قَضِيَّةِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا عِنْدَ تَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ بِالضَّمَانِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ أَدَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الْعَيْنِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُهُ. (وَلَا يَحِلُّ انْتِفَاعُهُ) أَيْ انْتِفَاعُ الْغَاصِبِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَغْصُوبِ الْمُغَيَّرِ (قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ الْحِلُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَقَوْلُ الْحَسَنِ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ بِكَسْبِهِ وَالْمِلْكُ مُبِيحٌ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَتْحًا لِبَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ لَكِنْ جَازَ لِلْغَاصِبِ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ كَالْمَقْبُوضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَشَاةٍ ذَبَحَهَا وَطَحَنَهَا أَوْ شَوَاهَا أَوْ قَطَّعَهَا وَبُرٍّ طَحَنَهُ أَوْ زَرَعَهُ وَدَقِيقٍ خَبَزَهُ وَعِنَبٍ أَوْ زَيْتُونٍ عَصَرَهُ) قَيْدٌ لِلْعِنَبِ وَالزَّيْتُونِ (وَقُطْنٍ غَزَلَهُ وَغَزْلٍ نَسَجَهُ وَحَدِيدٍ جَعَلَهُ سَيْفًا وَصُفْرٍ جَعَلَهُ آنِيَةً وَسَاجَةٍ)

بِالْجِيمِ وَهُوَ مُفْرَدُ سَاجٍ وَهُوَ شَجَرٌ عَظِيمٌ صُلْبٌ قَوِيٌّ يَنْبُتُ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَهِيَ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْجَارِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي بِنَاءِ الدُّورِ وَأَبْوَابِهَا وَأَسَاسِهَا وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهَا وَالسَّاجَةُ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَصْلِ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَيُهْدَمُ لِلرَّدِّ كَمَا إذَا بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (أَوْ لَبِنَةً بَنَى عَلَيْهَا) وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَمْثِيلَاتٌ لِلْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ تَغَيُّرُهَا ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا السَّاجَةَ وَأَمَّا لِغَيْرِهَا فِيهَا فَلِأَنَّهَا كَانَتْ نَقْلِيَّةٌ وَالْآنَ صَارَتْ مِنْ الْعَقَارِ وَلِذَا اُسْتُحِقَّ بِالشُّفْعَةِ فَيَكُونُ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ وَمُتَغَيِّرًا مِنْ وَجْهٍ وَالتَّغَيُّرُ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ السَّاجَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (وَإِنْ جَعَلَ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ) جَعَلَ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ (آنِيَةً لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَجْعُولَ (وَهُوَ لِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ) فِي مُقَابَلَةِ الْجَعْلِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصَّنْعَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا لَا قِيمَةَ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ حُلِيًّا فَكَسَرَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ لَا يَضْمَنُ (وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِتَبَدُّلِ الِاسْمِ بِالصَّنْعَةِ. (فَإِنْ ذَبَحَ) الْغَاصِبُ (الشَّاةَ) بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَالْمَالِكُ) يُخَيَّرُ (إنْ شَاءَ طَرَحَهَا) أَيْ الشَّاةَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا) أَيْ الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ (أَوْ أَخَذَهَا) أَيْ الشَّاةَ (وَضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا) أَيْ الشَّاةِ بِذَبْحِهَا لِوُجُودِ نُقْصَانِ بَعْضِ مَنَافِعِهَا كَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ دُونَ بَعْضٍ إذْ لَحْمُهَا مُنْتَفَعٌ بِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهَا) أَيْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ كَالذَّبْحِ فِي الْحُكْمِ فَلَهُ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ فِي الذَّبْحِ (أَوْ قَطَعَ طَرَفَ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ أَيْضًا بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهَا وَتَرْكِهَا لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهَا لَكِنْ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَاتِ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعَبْدِ حَيْثُ يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَعَ أَخْذِهِ انْتَهَى. وَفِي الْفَرَائِدِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَارِ الْفَتَاوَى وَشُرُوحِ الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا وَبَعْضُهُمْ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا قَالَ أَوْ قَطَعَ طَرَفَ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ انْتَهَى لَكِنَّ التَّسْوِيَةَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَقَطْ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ ذَبَحَ حِمَارَ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنْ ذَبَحَ حِمَارَ غَيْرِهِ

فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُمْسِكَ الْحِمَارَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ كُلَّ الْقِيمَةِ فَلَا يُمْسِكُ الْمَذْبُوحَ وَإِنْ قَتَلَهُ قَتْلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ الدَّابَّةَ وَيُضَمَّنُ النُّقْصَانَ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَطْعِ طَرَفِ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ الدَّابَّةُ الَّتِي يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَا بَقِيَ قِيمَةً لِمَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ النَّوَادِرِ إذَا قَطَعَ أُذُنَ الدَّابَّةِ أَوْ ذَنَبَهَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَطَعَ طَرَفَ دَابَّةٍ غَيْرِ مَأْكُولَةٍ وَلَمْ يَقُلْ يَدَ دَابَّةٍ أَوْ رِجْلَهَا وَكَذَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ إنِّي أُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَلَوْ سَلَّمَ الْجِلْدَ إلَيْهِ إنْ كَانَ لِجِلْدِهَا ثَمَنٌ تَتَبَّعْ. (أَوْ خَرَقَ الثَّوْبَ) أَيْ يُخَيَّرُ أَيْضًا لَوْ خَرَقَ ثَوْبَ الْغَيْرِ (خَرْقًا فَاحِشًا يُفَوِّتُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ خَرْقًا (بَعْضَ الْعَيْنِ وَبَعْضَ نَفْعِهِ) لَا كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَوَّتَ كُلَّ النَّفْعِ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ هَذَا تَفْسِيرُ الْخَرْقِ الْفَاحِشِ عَنْ الصَّحِيحِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَاحِشَ هُوَ الْمُسْتَأْصِلُ لِلثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوْبَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْخَرْقِ وَلَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ وَعَزَاهُ إلَى الْحَلْوَانِيِّ قُلْت. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالصَّحِيحِ مَا حَدَّهُ مُحَمَّدٌ لَهُ وَهُوَ أَنْ يَفُوتَ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسٌ مِنْ مَنَافِعِهِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَقِيلَ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْخَيَّاطِينَ وَقِيلَ إنْ كَانَ طُولًا فَفَاحِشٌ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا فَيَسِيرٌ وَالْكُلُّ فِي الْمِنَحِ (وَفِي) خَرْقٍ (يَسِيرٍ نَقَصَهُ) أَيْ نَقَصَ الْخَرْقُ الثَّوْبَ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ يَسِيرٍ (وَلَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ النَّفْعِ يُضَمِّنُ) الْخَارِقَ (نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ لِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ. (وَمَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ) أَوْ غَرَسَ فِيهَا شَجَرًا (أُمِرَ) الْبَانِي وَالْغَارِسُ (بِالْقَلْعِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَالرَّدِّ) أَيْ رَدِّ الْأَرْضِ إلَى الْمَالِكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصَفَ الْعِرْقَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ وَهُوَ الظُّلْمُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ صَامَ نَهَارُهُ وَقَامَ لَيْلُهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ. (وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ لَهُ) أَيْ لِلْغَاصِبِ (قِيمَتَهُمَا) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (مَأْمُورًا بِقَلْعِهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْقَلْعِ ثُمَّ بَيَّنَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِمَا بِقَوْلِهِ (فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا شَجَرٍ أَوْ بِنَاءٍ) بِمِائَةٍ مَثَلًا (وَتُقَوَّمُ مَعَ أَحَدِهِمَا) بِمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ) فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ أُجْرَةَ الْقَلْعِ هِيَ دِرْهَمٌ فَيَبْقَى مِائَةٌ وَتِسْعَةُ دَرَاهِمَ (فَيَضْمَنُ) الْمَالِكُ (الْفَضْلَ)

هُوَ التِّسْعَةُ قَالَ الْمَشَايِخُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَلَا يُقَالُ لِلْغَاصِبِ اقْلَعْ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ وَرُدَّ الْأَرْضَ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْأَرْضِ فَيَمْلِكُهَا بِالضَّمَانِ وَبِهِ يُفْتِي بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ وَبِهِ يُفْتِي الْبَعْضُ فِي زَمَانِنَا سَدًّا لِبَابِ الظُّلْمِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْفًا فَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَالرَّدِّ مُطْلَقًا. وَفِي التَّبْيِينِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيَضْمَنَ قِيمَةَ الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ وَكَبِرَ فِيهَا وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قَدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ. (وَإِنْ صَبَغَ) الْغَاصِبُ (الثَّوْبَ) الَّذِي غَصَبَهُ (أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ) الَّذِي غَصَبَهُ (بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ) بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (قِيمَةَ ثَوْبِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (أَبْيَضَ) أَيْ أَخَذَ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ؛ لِأَنَّهُ مُتْلَفٌ مِنْ وَجْهٍ. (وَ) ضَمَّنَهُ (مِثْلَ سَوِيقِهِ) لِكَوْنِهِ مِثْلِيًّا وَتَرَكَ مَا غَصَبَهُ الْغَاصِبُ لَهُ (أَوْ أَخَذَهُمَا) أَيْ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَالسَّوِيقَ (وَضَمِنَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) فِي الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِغَصْبِهِ وَصَبْغِهِ لَا يَسْقُطُ حُرْمَةُ مَالِهِ وَيَجِبُ صِيَانَتُهُمَا مَا أَمْكَنَ وَذَا فِي إيصَالِ مَعْنَى مَالِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَإِيفَاءِ حَقِّ الْآخَرِ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا مِنْ التَّخْيِيرِ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْغَسْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَلِّمُهُ وَإِنْ انْتَقَصَ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ. (وَإِنْ صَبَغَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (أَسْوَدَ ضَمَّنَهُ) أَيْ الْمَالِكُ (قِيمَتَهُ أَبْيَضَ أَوْ أَخَذَهُ بِلَا رَدِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الصَّبْغَ بِالسَّوَادِ (نَقْصٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا الْأَسْوَدُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ) أَيْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا (اخْتِلَافُ زَمَانٍ) فَإِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِهِ كَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَنْ لُبْسِ السَّوَادِ وَفِي زَمَانِهِمَا بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فَأَجَابَ كُلٌّ عَلَى مَا شَاهَدَهُ وَفِي التَّنْوِيرِ رَدَّ غَاصِبُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ يُبَرَّأُ عَنْ ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ فَأَدَّى الْقِيمَةَ إلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ قَبْضُهُ الْقِيمَةَ مَعْرُوفًا غَصَبَ شَيْئًا ثُمَّ غَصَبَهُ آخَرُ مِنْهُ فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الضَّمَانِ مِنْ الْأَوَّلِ وَبَعْضَهُ مِنْ الثَّانِي لَهُ ذَلِكَ الْإِجَازَةُ لَا تَلْحَقُ الْإِتْلَافَ فَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا فَقَالَ الْمَالِكُ أَجَزْت أَوْ رَضِيت لَمْ يُبَرَّأْ مِنْ الضَّمَانِ كَسَرَ الْغَاصِبُ الْخَشَبَ فَاحِشًا لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ كَسَرَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ الرُّجُوعُ.

فصل في بيان مسائل تتصل بمسائل الغصب

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ] ِ (وَإِنْ غَيَّبَ مَا غَصَبَهُ) أَيْ إنْ جَعَلَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ غَائِبًا (وَضَمِنَ قِيمَتَهُ) لِلْمَالِكِ (مَلَكَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ هَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ الْبَدَلَ بِكَمَالِهِ فَيَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْبَدَلَ وَإِلَّا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَلَا تُوجَدُ الْعَدَالَةُ بَلْ يَقَعُ الضَّرَرُ فَيَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمُبْدَلَ كَمَا مَلَكَ الْمَالِكُ الْبَدَلَ تَحْقِيقًا لِلْعَدَالَةِ بَيْنَهُمَا وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَرِيبَ الْغَاصِبِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ مَحْظُورٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ (مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) وَكُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا فَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَكُونُ نَاقِصًا فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتُسَلَّمُ لَهُ الْأَكْسَابُ) لِلتَّبَعِيَّةِ (دُونَ الْأَوْلَادِ) لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُمْ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الْأَكْسَابِ أَلَّا يُرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ مُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَلَا يَكُونُ أَكْسَابُهُمَا مُدَبَّرًا وَمُكَاتَبًا. (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ) عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا (لِلْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ مَالِكُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ) الَّتِي ادَّعَاهَا فَإِنْ أُقِيمَتْ حُجَّتُهَا وَجَبَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُ الْغَاصِبِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَثْبَتَهُ بِالْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِمْ وَأَقَامَ الْغَاصِبُ حُجَّةَ الْقِلَّةِ لَمْ تُقْبَلْ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفِي الزِّيَادَةَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْمُودِعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْمِنَحِ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُودِعُ الْمُتَعَدِّي إذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَالْمَالِكُ يَقُولُ قِيمَتُهُ كَذَا دِرْهَمًا وَهُوَ لَا يُصَدِّقُهُ وَلَا يُقِرُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيمَةِ وَيَقُولُ لَا أَعْرِفُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ النُّكُولِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ أَمْ لَا الْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ جَارِيَةً لَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيءَ بِهَا أَوْ يَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُرَاجَعْ. (فَإِنْ ظَهَرَ) الْمَغْصُوبُ الْغَائِبُ (وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ) أَيْ حَالَ كَوْنِ قِيمَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ الْغَاصِبُ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ ضَمِنَهُ) الْغَاصِبُ (بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بِبُرْهَانِهِ أَوْ بِالنُّكُولِ) أَيْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ

(فَهُوَ) أَيْ الْمَغْصُوبُ (لِلْغَاصِبِ وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ لِادِّعَائِهِ هَذَا الْقَدْرَ وَيَنْفُذُ بَيْعُ الْغَاصِبِ ضِمْنَ الْقِيمَةِ بَعْدَ بَيْعِهِ. (وَإِنْ ضَمِنَهُ) الْغَاصِبُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ (فَالْمَالِكُ) بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ) أَيْ أَجَازَ بِأَنْ رَضِيَ بِالْبَدَلِ وَتَرَكَ الْمَغْصُوبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ (أَوْ) إنْ شَاءَ (أَخَذَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ الظَّاهِرَ مِنْ الْغَاصِبِ (وَرَدَّ عِوَضَهُ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ عَيْنِهِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَادِّعَاءَهُ الزِّيَادَةَ فَيَصِيرُ أَخْذُهُ لِضَرُورَتِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمِنَهُ أَوْ أَقَلُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ مَا إذَا ضَمِنَهُ بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ مَالِيَّةُ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ عَلَى الْهَلَاكِ عِنْدَ الْآخَرِ) أَيْ لَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَالِكِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ هَلَكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ (فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى) عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْغَصْبِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنَّ الْغَاصِبَ يَدَّعِي زَوَالَهُ وَالْمَالِكَ يُنْكِرُهُ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ تَكُونُ أَوْلَى. وَفِي الْمَجْمَعِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ بَيِّنَةَ الْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مُثَبِّتَةٌ لِلضَّمَانِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْإِمَامِ شَيْءٌ. وَفِي الْجَوَاهِرِ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ وَمَاتَ عِنْدَهُ وَشَهِدَ شُهُودُ الْغَصْبِ أَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِ الْمَالِكِ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ وَلَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ هُوَ أَوْ الْعَبْدُ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصْبَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْهُ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ لَمْ تُقْبَلْ. (وَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ) قِيمَتَهُ (نَفَذَ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْغَاصِبِ. (وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَضَمِنَهُ) بَعْدَهُ (لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا كَمَا مَرَّ وَهُوَ يَكْفِي لِنَفَاذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ مِنْ الْمَأْذُونِ دُونَ عِتْقِهِ. (وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ مَا لَمْ يَتَعَدَّ) الْغَاصِبُ (فِيهَا) أَيْ فِي الزَّوَائِدِ (أَوْ يَمْنَعُهَا بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ إيَّاهَا) أَيْ الزَّوَائِدَ (سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالْحُسْنِ وَالسِّمَنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَحُكْمُهَا هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مُطْلَقًا لِوُجُودِ حَدِّ الْغَصْبِ لِمَا مَرَّ هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فَحَسْبُ عِنْدَهُ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ إخْرَاجُ الْعَيْنِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا إذَا وُجِدَ مَا يُفَوِّتُ حَقَّهُ كَالتَّعَدِّي وَالْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ

حَدُّ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُزِيلًا عَلَى الْمَالِكِ يَدَ التَّصَرُّفِ وَالِانْتِفَاعِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنَافِعُ غَصْبِ الْوَقْفِ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيِّ. (وَإِنْ نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ) أَيْ إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ الَّتِي حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَدًا وَنَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ (ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (نُقْصَانَهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ. (وَ) لَكِنْ (يُجْبَرُ) النُّقْصَانُ (بِقِيمَةِ الْوَلَدِ) قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَكَيْفَ يُجْبَرُ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ كَمَا لَوْ جَزَّ صُوفَ شَاةِ الْغَيْرِ وَنَبَتَ آخَرُ فَلَا يُفِيدُ اتِّحَادَ سَبَبِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوِلَادَةُ؛ لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ فَوَاتَ جُزْءٍ مِنْ مَالِيَّةِ الْأُمِّ وَحُدُوثِ مَالِيَّةِ الْوَلَدِ فَإِذَا صَارَ مَالًا انْعَدَمَ ظُهُورُ النُّقْصَانِ بِهِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ (أَوْ) يُجْبَرُ (بِالْغُرَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَلَدِ لِكَوْنِهَا قَائِمَةً مَقَامَهُ لِوُجُوبِهَا بَدَلًا عَنْهُ (إنْ وَقَّتَ) قَيْدٌ لِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَالْغُرَّةِ مَعًا أَيْ يُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ وَيَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءً بِهِ يَسْقُطُ بِحِسَابِهِ وَكَذَا يُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالْغُرَّةِ أَنَّ فِيهَا وَفَاءً بِهِ وَيَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءٌ يَسْقُطُ بِحِسَابِهِ أَيْضًا. (وَلَوْ زَنَى) الْغَاصِبُ (بِأَمَةٍ غَصَبَهَا) فَحَبِلَتْ (فَرَدَّهَا) أَيْ الْأَمَةَ (حَامِلًا فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ) عِنْدَ الْمَالِكِ (بِهَا) أَيْ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فِي نَفْسِهَا (ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهَا يَوْمَ عُلُوقِهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا انْعَقَدَ فِيهَا مِنْ الْعُلُوقِ هُوَ سَبَبُ التَّلَفِ فَلَا يُوجَدُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي غَصَبَهَا كَمَا إذَا جَنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَقُتِلَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ (بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) يَعْنِي لَوْ أَخَذَهَا مُكْرَهَةً فَزَنَى بِهَا فَرَدَّهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ وَمَاتَتْ لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ دِيَتَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى ضَمَانُ الْغَصْبِ بَعْدَ فَسَادِ الرَّدِّ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا) أَيْ كَالْحُرَّةِ بَلْ يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَبَلِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّلَفِ هُوَ الْوِلَادَةُ فِي يَدِ الْمَالِكِ بَعْدَ صِحَّةِ الرَّدِّ مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّدِّ وَلَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ بِالْحَبَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نُقْصَانُ الْعَيْبِ. (وَلَوْ رَدَّهَا مَحْمُومَةً) أَيْ لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحُمَّتْ ثُمَّ رَدَّهَا مَحْمُومَةً (فَمَاتَتْ لَا يَضْمَنُ) الْغَاصِبُ إلَّا نُقْصَانَ الْحُمَّى اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ بِزَوَالِ الْقُوَى وَأَنَّهُ يَزُولُ بِتَرَادُفِ الْآلَامِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا كَانَ عِنْدَهُ دُونَ الزِّيَادَةِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا مِنْ أَهْلِهِ فَمَرِضَ وَمَاتَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ آفَةِ السَّمَاءِ وَلَوْ عَقَرَهُ سَبُعٌ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ وَفِي نُسْخَةٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ. (وَكَذَا لَوْ زَنَتْ) الْأَمَةُ الْمَغْصُوبَةُ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْغَاصِبِ (فَرَدَّهَا) أَيْ الْأَمَةَ (فَجُلِدَتْ) فِي يَدِ الْمَالِكِ (فَمَاتَتْ مِنْهُ)

أَيْ مِنْ الْجَلْدِ لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ إلَّا نُقْصَانَ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ عِنْدَهُ لَا سَبَبُ الْمَوْتِ وَهُوَ الْجَلْدُ. (وَلَا يَضْمَنُ) الْغَاصِبُ (مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ سَوَاءٌ سَكَنَهُ) أَيْ فِيمَا غَصَبَهُ (أَوْ عَطَّلَهُ) أَيْ جَعَلَهُ مُعَطَّلًا هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَضْمَنُ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَضْمُونَةٌ بِالْعُقُودِ كَالْأَعْيَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَضْمَنُ الْأَجْرَ فِي السُّكْنَى لَا فِي التَّعْطِيلِ وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَكَمَا بِوُجُوبِ قِيمَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ وَحُرِّيَّتِهِ وَرَدِّ الْجَارِيَةِ مَعَ عُقْرِهَا عَلَى الْمَالِكِ وَلَمْ يَحْكُمَا بِوُجُوبِ أَجْرِ مَنَافِعِ الْجَارِيَةِ وَالْأَوْلَادِ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَطْلُبُ جَمِيعَ حَقِّهِ وَأَنَّ الْمَغْرُورَ كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا مَعَ الْأَوْلَادِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَهُ لَمَا سَكَتَا عَنْ بَيَانِهِ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمَا وَلِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالدَّرَاهِمِ لِانْعِدَامِ الْبَقَاءِ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا يَكُونُ تَقَوُّمُهَا لِذَاتِهَا بَلْ لِضَرُورَةٍ عِنْدَ وُرُودِ الْعَقْدِ وَلَا عَقْدَ هُنَا وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ بِالِاسْتِعْمَالِ فَيَضْمَنُ لِاسْتِهْلَاكِهِ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ (إلَّا فِي الْوَقْفِ) وَكَذَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ ذَكَرَهُ صَدْرُ الْقُضَاةِ وَيُصَيِّرُ الدَّارَ مُعَدَّةً لِلِاسْتِئْجَارِ إذَا بَنَاهَا لِذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهَا لِذَلِكَ أَوْ تُؤَاجَرُ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى الْوَلَاءِ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُسْتَعْمِلِ بِكَوْنِهَا مُعَدَّةً حَتَّى يَجِبَ الْأَجْرُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْمِنَحِ فَقَالَ إلَّا إذَا سَكَنَهَا بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ يَعْنِي: مَنَافِعُ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ مَضْمُونَةٌ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ السُّكْنَى بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ كَبَيْتٍ سَكَنَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ إذَا سَكَنَهُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَبَةِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْقُوفًا لِلسُّكْنَى أَوْ لِلِاسْتِغْلَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَكَذَا السُّكْنَى بِتَأْوِيلِ الْعَقْدِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ سُكْنَى الْمُرْتَهِنِ بِتَأْوِيلِ عَقْدِ الرَّهْنِ انْتَهَى. (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (خَمْرَ الْمُسْلِمِ أَوْ خِنْزِيرَهُ بِالْإِتْلَافِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْعِبْرَةُ لِجَانِبِ الْمُتْلِفِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُتْلَفِ (وَضَمِنَ) الْمُتْلِفُ (الْقِيمَةَ فِيهِمَا لَوْ كَانَا) أَيْ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ (لِذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ التَّقَوُّمِ أَيْضًا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ لِكَوْنِهِ تَابِعًا فِي الْأَحْكَامِ لَنَا. (وَإِنْ أَتْلَفَ ذِمِّيٌّ خَمْرَ ذِمِّيٍّ ضَمِنَ مِثْلَهَا) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَمَا قُضِيَ لَهُ بِمِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ فَكَانَ بِإِسْلَامِهِ مُبَرِّئًا لَهُ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَا وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ الطَّالِبُ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا وَفِي التَّنْوِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا أَيْ الْخَمْرَ مِنْ الذِّمِّيِّ وَشَرِبَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (لِذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْتَقِدُ تَمَوُّلَهَا. (وَلَا) ضَمَانَ (بِإِتْلَافِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ

عَمْدًا وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (لِمَنْ يُبِيحُهُ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ وَالْخَصْمُ مُؤْمِنٌ بِهِ فَتَثْبُتُ وِلَايَةُ الْمُحَاجَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِ الضَّمَانُ وَلَا عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَنْعَقِدُ صَحِيحًا. (وَإِنْ غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَهَا) أَيْ صَيَّرَهَا خَلًّا (بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) كَالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ أَوْ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ (أَخَذَهَا الْمَالِكُ بِلَا شَيْءٍ) لِأَنَّ التَّخْلِيلَ بِمَا ذُكِرَ تَطْهِيرٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَلَا يُوجِبُ الْمَالِيَّةَ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (فَلَوْ أَتْلَفَهَا) أَيْ الْخَمْرَ الَّتِي تَصِيرُ خَلًّا (الْغَاصِبُ) قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَالِكِ (ضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ وَاجِبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَإِذَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ خَلَفًا عَنْهُ (لَا) يَضْمَنُ (لَوْ تَلِفَتْ) بِلَا صُنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّفْوِيتُ. (وَإِنْ خَلَّلَ) الْغَاصِبُ الْخَمْرَ (بِإِلْقَاءِ مِلْحٍ) ذِي قِيمَةٍ وَنَحْوِهِ (مَلَكَهَا) أَيْ الْخَمْرَ الَّتِي تَصِيرُ خَلًّا (وَلَا شَيْءَ) لِلْمَالِكِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً وَالْمِلْحَ مَثَلًا مُتَقَوِّمٌ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ (وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُهَا الْمَالِكُ إنْ شَاءَ وَيَرُدُّ قَدْرَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ) هَكَذَا ذَكَرُوهُ كَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمِلْحَ مَائِعًا لِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَكُونُ اخْتِلَاطُ الْمَائِعِ بِالْمَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ عِنْدَهُمَا (فَلَوْ أَتْلَفَهَا الْغَاصِبُ لَا يَضْمَنُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِمَا سَيَأْتِي فِي دَبْغِ الْجِلْدِ. (وَإِنْ خَلَّلَهَا بِإِلْقَاءِ خَلٍّ مَلَكَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَلَوْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْخَمْرَ الْغَيْرَ الْمُتَقَوِّمَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ أَرَاقَهَا وَالْخَلْطُ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ. (وَكَذَا) مَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ تَخَلَّلَتْ مِنْ سَاعَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مِنْ سَاعَتِهَا بَلْ بَعْدَ زَمَانٍ (فَالْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا) . وَفِي التَّبْيِينِ وَعِنْدَهُمَا إنْ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَإِنْ صَارَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ الْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْ الْخَمْرَ فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ خَلَطَ الْخَلَّ بِالْخَلِّ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يُهْلِكُ وَقِيلَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ فِيهَا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ حِينٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ إنَّمَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ إذَا كَانَ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَهَا قَدْ تَعَذَّرَ وُجُوبُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا يُضْمَنُ بِإِتْلَافٍ فَصَارَ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إجْمَاعًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ انْتَهَى. (وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ) كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ (أَخَذَهُ الْمَالِكُ بِلَا شَيْءٍ) إذْ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ وَكَانَتْ الدِّبَاغَةُ إظْهَارًا لِلْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فَصَارَتْ كَغَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ (فَلَوْ أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا) اتِّفَاقًا (وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ) ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ

وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ صَنْعَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ فَلَا تَفَرَّدَ عَنْهُ وَإِذَا صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَذَا صِفَتُهُ. (وَإِنْ دَبَغَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْجِلْدَ الْمَصْبُوغَ (بِمَا لَهُ قِيمَةٌ) كَالْعَفْصِ وَالْقَرَظِ (يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ وَيَرُدُّ مَا زَادَ الدَّبْغُ) ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِيهِ فَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يُقَوَّمَ مَدْبُوغًا وَذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَيَرُدُّ) الْمَالِكُ إلَى الْغَاصِبِ (فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا) كَمَا فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ (وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ) أَيْ الْجِلْدَ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ مُتَقَوِّمٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ بِالْجُعْلِ. (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ (لَا يَضْمَنُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْجِلْدِ الْمَذْكُورِ قَدْ حَصَلَ بِمَالِ الْغَاصِبِ وَصُنْعِهِ فَقَامَ حَقُّهُ فِيهِ وَلِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَهُ الدِّبَاغُ لِمَا مَرَّ أَنَّ صَنْعَتَهُ مُتَقَوِّمَةٌ لِإِنْفَاقِهِ فِيهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَصَارَ الْجِلْدُ تَابِعًا لَهَا فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا قَبْلَ الدِّبَاغَةِ ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ إذْ الْمَالُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ فَكَذَا التَّابِعُ غَيْرُ مَضْمُونٍ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ. وَفِي الْبَاقَانِيِّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ لَكِنْ دَفَعَهُ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَلْيُرَاجَعْ (وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُهُ مَدْبُوغًا إلَّا قَدْرَ مَا زَادَ الدَّبْغُ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِلْمَالِكِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (وَلَوْ تَلِفَ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا) لِعَدَمِ صُنْعِهِ. (وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا أَوْ أَرَاقَ لَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (سَكَرًا) بِفَتْحَتَيْنِ اسْمٌ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ (أَوْ مُنَصَّفًا) هُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ وَغَلَا وَاشْتَدَّ (ضَمِنَ قِيمَتَهُ) صَالِحًا (لِغَيْرِ لَهْوٍ) فَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ الْخَشَبَ الصَّالِحَ لِلِاسْتِعْمَالِ وَكَذَا الْبَاقِي وَفِي السَّكَرِ وَنَحْوِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَالِحًا لِكَوْنِهِ خَلًّا وَغَيْرَهُ (وَيَصْلُحُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ لَهُ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَإِنْ صَلَحَتْ بِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ (وَقَالَا لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَيَبْطُلُ تَقَوُّمُهَا وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى)

لِفَسَادِ الزَّمَانِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْبَيْتَ يُهْدَمُ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ وَأَنْوَاعَ الْفَسَادِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ وَبِإِرَاقَةِ الْعَصِيرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْفِسْقَ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ الَّذِي يُضْرَبُ لِلَّهْوِ فَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ أَوْ طَبْلُ الْحَاجِّ أَوْ طَبْلُ الصَّيْدِ أَوْ الدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ أَوْ يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَةُ فِي الْبَيْتِ فَيَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ بِالْإِتْلَافِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. (وَمَنْ غَصَبَ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهَا) بِالِاتِّفَاقِ لِتَقَوُّمِهَا وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ سِوَى التَّوْطِئَةِ وَالْمُنَاسَبَةِ لِقَوْلِهِ (وَلَوْ) غَصَبَ (أُمَّ وَلَدٍ) فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا عِنْدَهُ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِتَقَوُّمِهَا عِنْدَهُمَا وَبِقَوْلِهِمَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَلَوْ شَقَّ الزِّقَّ لِإِرَاقَةِ الْخَمْرِ) الَّتِي فِيهِ (لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ الْإِرَاقَةُ إلَّا بِالشَّقِّ فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِيهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) هُوَ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْإِرَاقَةَ مُمْكِنَةٌ بِدُونِ الشَّقِّ فَيَضْمَنُ الزِّقَّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. (وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ) حَلَّ (رِبَاطَ دَابَّتِهِ) أَيْ دَابَّةِ غَيْرِهِ (أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَهَا) أَيْ إصْطَبْلَ دَابَّةِ الْغَيْرِ (أَوْ) فَتَحَ (قَفَصَ طَيْرِ) غَيْرِهِ (فَذَهَبَ) الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ الطَّيْرُ عَقِيبَ ذَلِكَ الْفِعْلِ هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّلَفِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٌ وَهُوَ ذَهَابُ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَطَيَرَانِ الطُّيُورِ وَاخْتِيَارُهُمْ صَحِيحٌ وَتَرْكُهُمْ مِنْهُمْ مُتَصَوَّرٌ وَالِاخْتِيَارُ لَا يَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ الْعَقْلِ فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ التَّسْبِيبِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الدَّابَّةِ وَالطَّيْرِ) ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ ذِي الْعَقْلِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الطَّيْرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ فِي الطَّائِرِ سَوَاءٌ طَارَ مِنْ فَوْرِهِ أَوْ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ طَارَ؛ لِأَنَّ الطَّائِرَ مَجْبُولٌ عَلَى النِّفَارِ قَيَّدْنَا بِالذَّهَابِ عَقِيبَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ ذَهَبَ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ وَفِي الِاخْتِيَارِ ذَهَبَتْ دَابَّةُ رَجُلٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِغَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهَا فَأَفْسَدَتْ زَرْعَ رَجُلٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِاخْتِيَارِهَا، وَفِعْلُهَا هَدَرٌ، وَإِنْ أَرْسَلَهَا ضَمِنَ. رَجُلٌ وَجَدَ فِي زَرْعِهِ أَوْ دَارِهِ دَابَّةً فَأَخْرَجَهَا فَهَلَكَتْ أَوْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةُ الْإِخْرَاجِ وَإِنْ سَاقَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ ضَمِنَ. (وَلَا) ضَمَانَ (عَلَى مَنْ سَعَى إلَى السُّلْطَانِ بِمَنْ يُؤْذِيه وَلَا يَنْدَفِعُ) عَنْهُ (إلَّا بِالسَّعْيِ) وَالرَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْإِيذَاءِ عَنْ نَفْسِهِ حَقُّهُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِمَا أَخَذَهُ السُّلْطَانُ أَمَّا لَوْ كَانَ دَفْعُ الْإِيذَاءِ مُمْكِنًا بِلَا سِعَايَةٍ فَسَعَى إلَيْهِ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ (أَوْ) لَا ضَمَانَ لِلسَّاعِي (بِمَنْ يَفْسُقُ وَلَا يَمْتَنِعُ لِنَهْيِهِ) أَيْ السَّاعِي لِوُجُوبِ دَفْعِ الْمُنْكَرَاتِ بِمَا أَمْكَنَ

كتاب الشفعة

(وَلَا) ضَمَانَ (عَلَى مَنْ قَالَ لِسُلْطَانٍ) الَّذِي (قَدْ يَغْرَمُ وَقَدْ لَا يَغْرَمُ أَنَّ فُلَانًا وَجَدَ مَالًا) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَقُولُ قَوْلِ (فَغَرَّمَهُ شَيْئًا) لَا يَضْمَنُ السَّاعِي لِانْتِفَاءِ التَّسْبِيبِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِتَوَسُّطِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. (وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ) أَيْ عَادَةُ السُّلْطَانِ (أَنْ يُغَرِّمَ أَلْبَتَّةَ ضَمِنَ) السَّاعِي لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ. (وَكَذَا) ضَمِنَ السَّاعِي (لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ زَجْرًا لَهُ وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ (يُفْتَى) لِكَثْرَةِ السُّعَاةِ فِي زَمَانِنَا وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لَا يَضْمَنُ السَّاعِي لِمَا مَرَّ وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ مَاتَ السَّاعِي لِلْمُسْعَى بِهِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْخُسْرَانِ مِنْ تَرِكَتِهِ. (وَلَوْ أَطْعَمَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مَالِكُهُ بَرِئَ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُعْلِمْهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ أَنَّهُ طَعَامُهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَصَلَ إلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُهُ ثَانِيًا وَكَذَا فِيمَا إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ مَالِكُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَفِي الْغَرَرِ أَمَرَ شَخْصٌ عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ قَالَ اُقْتُلْ نَفْسَك فَفَعَلَ وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ قِيمَتُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ، اسْتَعْمَلَ عَبْدَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إنِّي حُرٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] ِ تَنَاسَبَ الْكِتَابَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْضِي إلَى تَمَلُّكِ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَّا أَنَّ الْغَصْبَ يَصْلُحُ شَيْئًا لِتَمَلُّكِ مَالٍ وَالشُّفْعَةُ لَا تَجْرِي إلَّا فِي الْعَقَارِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْغَصْبَ مَعَ كَوْنِهِ عُدْوَانًا (هِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ لُغَةً فُعْلَةٌ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ هَذَا الشَّيْءُ وَتْرًا فَشَفَعْته بِآخَرَ أَيْ جَعَلْته زَوْجًا لَهُ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِمِلْكٍ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا فِعْلٌ وَمِنْ لُغَةِ الْفُقَهَاءِ بَاعَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا أَيْ تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمِنْهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الْفَائِزِينَ. وَفِي الشَّرْعِ (تَمَلُّكُ الْعَقَارِ)

وَهُوَ الضَّيْعَةُ وَقِيلَ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ وَضَيْعَةٍ وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعُلْوِ دُونَ الْمَنْقُولِ كَالشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ مَنْقُولٍ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيهِ إلَّا بِتَبَعِيَّةٍ لِعَقَارٍ كَالدَّارِ وَالْكَرْمِ وَالرَّحَى وَالْبِئْرِ وَغَيْرِهَا (عَلَى مُشْتَرِيه بِمَا) أَيْ بِاَلَّذِي أَيْ بِالثَّمَنِ الَّذِي (قَامَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (جَبْرًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجَبْرُ وَمَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ أَوْصَافٍ كَالتَّمَلُّكِ وَعَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَقِيلَ هِيَ ضَمُّ بُقْعَةٍ مُشْتَرَاةٍ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ بِسَبَبِ الشِّرْكَةِ أَوْ الْجِوَارِ وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَسَبَبُهَا اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْهُ عَلَى الدَّوَامِ بِسَبَبِ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُعَامَلَةِ مِنْ حَيْثُ إعْلَاءُ الْجِدَارِ وَإِيقَادُ النَّارِ وَمَنْعُ ضَوْءِ النَّهَارِ وَإِثَارَةُ الْغُبَارِ وَإِيقَافُ الدَّوَابِّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يُضَادُّهُ كَمَا قِيلَ أَضْيَقُ السُّجُونِ مُعَاشَرَةُ الْأَضْدَادِ وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ عَقَارًا سُفْلًا كَانَ أَوْ عُلْوًا احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا وَأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَقْدَ مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَرُكْنُهَا أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا مَعَ شَرْطِهَا وَحُكْمُهَا جَوَازُ الطَّلَبِ عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَصِفَتُهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَأٍ حَتَّى يَثْبُتَ بِهَا مَا يَثْبُتُ بِالشِّرَاءِ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ. (وَتَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ وِلَايَةُ الشُّفْعَةِ (بَعْدَ الْبَيْعِ) الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ انْقَطَعَ فِيهِ حَقٌّ لِمَالِكٍ. (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) وَالطَّلَبِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ سَاعَةً قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ حَقَّهَا ضَعِيفٌ مُتَزَلْزِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ وَالْإِشْهَادِ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَشْهَدَ اسْتَقَرَّ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ. (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًى) وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَتُمْلَكُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْأَخْذِ بِالرِّضَا كَمَا فِي الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لِيَمْلِكَ الْعَقَارَ الْمَشْفُوعَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ تَأَمَّلْ. (وَإِنَّمَا تَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (لِلْخَلِيطِ) وَهُوَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ (فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْخَلِيطُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (أَوْ) وُجِدَ وَلَكِنْ (سَلَّمَ) الشُّفْعَةَ (فَلِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْ (وَالطَّرِيقِ الْخَالِصَيْنِ) ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَنَهْرٍ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) أَيْ أَصْغَرُ السُّفُنِ مِثَالٌ لِلشِّرْبِ الْخَاصِّ (وَطَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ) مِثَالٌ لِلطَّرِيقِ الْخَاصِّ

حَتَّى إذَا كَانَا عَامَّيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِمَا الشُّفْعَةَ فَالنَّهْرُ الْعَامُّ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ كَدِجْلَةَ وَفُرَاتَ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ الْخَاصُّ مَا يَتَفَرَّقُ مَاؤُهُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَلَا يَبْقَى إذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ الْأَرَاضِيِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مَنْفَذٌ وَالْعَامُّ مَا يَتَفَرَّقُ وَيَبْقَى وَلَهُ مَنْفَذٌ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ شُرَكَاؤُهُ لَا يُحْصُونَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يُحْصَى مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ مِائَةٍ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ عَشَرَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ. (ثُمَّ) تَثْبُتُ بَعْدَ الطَّرِيقِ (لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ) أَيْ لِجَارٍ لَهُ عَقَارٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَكُونُ وَقْفًا أَوْ إجَارَةً أَوْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِيهَا لِمَا فِي التَّجْرِيدِ لَا شُفْعَةَ فِي الْوَقْفِ وَلَا بِجِوَارِهِ (وَلَوْ بَابَهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى) وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَلَوْ وَصْلِيَّةٌ لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ بَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى بِدُونِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَابُهُ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ فَلَا يَكُونُ جَارًا مُلَاصِقًا فَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ هُوَ الَّذِي دَارُهُ عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ بَلْ بِالشِّرْكَةِ فِي الْبُقْعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ» وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَارُ الدَّارِ حَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ» فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَتَثْبُتُ. (وَمَنْ) مُبْتَدَأٌ (لَهُ جُذُوعٌ عَلَى حَائِطِهَا) أَيْ حَائِطِ الدَّارِ (أَوْ) مَنْ لَهُ (شِرْكَةٌ فِي خَشَبَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (جَارٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَكُونُ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ جَارًا مُلَاصِقًا. (وَإِنْ) كَانَ شَرِيكًا (فِي نَفْسِ الْجِدَارِ فَشَرِيكٌ) يُقَدَّمُ عَلَى الْخَلِيطِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ انْتَهَى فَيَلْزَمُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ الْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ لَا الْبِنَاءُ الْمُجَرَّدُ تَدَبَّرْ. (وَهِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِ الشُّفَعَاءِ (لَا السِّهَامِ) أَيْ سِهَامِ مِلْكِهِمْ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ اتِّصَالُ الْمِلْكِ لَا قَدْرُهُ وَالتَّرْجِيحُ لِقُوَّةِ الْعِلَّةِ لَا لِلْكَثْرَةِ وَلِذَا قُسِّمَ عَلَى التَّنْصِيفِ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ نِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَكَذَا دَارٌ لَهُ جَارَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ وَثَانِيهِمَا مِنْ جَانِبٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يُقْضَى بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ لَا بِقَدْرِ الرُّءُوسِ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ. وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ أَخْذُ نَصِيبِ التَّارِكِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ

غَائِبًا يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَإِذَا أَسْقَطَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الْبَعْضِ وَتَرْكَ الْبَاقِي لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَمْ يَصِحَّ وَسَقَطَ حَقُّهُ بِهِ. (فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ) أَيْ الْعَقَارِ الْمَشْفُوعِ (يُشْهِدُ) مِنْ الْأَفْعَالِ (فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ) أَيْ الشَّفِيعُ عَلَى (أَنَّهُ يَطْلُبُهَا) سَوَاءٌ عَلِمَ بِسَمْعٍ الْبَيْعَ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِسَمْعِ الْكَلَامِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ أَوْ بِإِخْبَارِ شَخْصٍ بِأَنَّ فُلَانًا بَاعَ دَارِهِ بِلَفْظٍ يُفْهِمُ طَلَبَهَا كَطَلَبْتُ الشُّفْعَةَ أَوْ أَنَا طَالِبٌ لَهَا أَوْ أَطْلُبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى وَالْمُعْتَبَرُ الطَّلَبُ دُونَ الْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِلْإِثْبَاتِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الطَّلَبِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشُّهُودِ ثُمَّ اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَبَعْضِ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلتَّأَمُّلِ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يُشْتَرَطُ عَلَى فَوْرِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ سَاعَةً تَبْطُلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَشَايِخُ بَلْخِي وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمِنَحِ وَقِيلَ تَبْطُلُ إنْ سَكَتَ أَدْنَى سُكُوتٍ حَتَّى وَلَوْ أَخْبَرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمُشْتَرِي وَبِالثَّمَنِ (وَيُسَمَّى) أَيْ الطَّلَبُ فِي الْمَجْلِسِ (طَلَبُ مُوَاثَبَةٍ) أَيْ مُسَارَعَةٍ مِنْ الْوُثُوبِ سُمِّيَ بِهِ لِيَدُلَّ عَلَى غَايَةِ التَّعْجِيلِ (ثُمَّ يَشْهَدُ عِنْدَ الْعَقَارِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلشُّفْعَةِ (أَوْ) يَشْهَدُ (عَلَى الْمُشْتَرِي) وَلَوْ غَيْرَ ذِي يَدٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَطْلُبُ مِنْك الشُّفْعَةَ فِي دَارٍ اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ حُدُودُهَا كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالشِّرْكَةِ فِي الدَّارِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ بِالْجِوَارِ بِدَارٍ حُدُودُهَا كَذَا فَسَلِّمْهَا لِي فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَ الدَّارَيْنِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الثُّبُوتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّ تَبَيُّنَ هَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ أَبْعَدِ هَؤُلَاءِ مَعَ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَذَهَبَ الْآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُشْهِدُ عِنْدَ الْأَقْرَبِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (أَوْ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَيْسَ بِذِي يَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِشْهَادَ يَصِحُّ عِنْدَهُ اسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ كَلِمَةً ثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ لَمْ يَكُنْ عَلَى فَوْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْأَكْثَرِ بَلْ مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ (فَيَقُولُ اشْتَرَى فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ) قَبْلَهُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ (وَأَنَا أَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَيُسَمَّى) هَذَا الطَّلَبُ (طَلَبَ تَقْرِيرٍ وَإِشْهَادٍ) وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْإِشْهَادِ لِلتَّقْرِيرِ (ثُمَّ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ فَيَقُولُ اشْتَرَى فُلَانٌ دَارَ

كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِسَبَبِ كَذَا) قِيلَ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الشَّفِيعِ فِي الْجِوَارِ لَا فِي الشَّفِيعِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (فَمُرْهُ) أَيُّهَا الْقَاضِي (بِالتَّسْلِيمِ إلَيَّ) حَقِّي بِالرَّدِّ أَوْ بِتَرْكِ الدَّاخِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنِي فَالتَّسْلِيمُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَقْتَضِي الْقَبْضَ بَلْ يُوجَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ هَذَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَطَلَبَ الْخُصُومَةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَيُسَمَّى) هَذَا الطَّلَبُ (طَلَبَ خُصُومَةٍ وَتَمْلِيكٍ) فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا لَا يُحْكَمُ لَهُ بِدُونِ طَلَبِهِ. (وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِهِ) أَيْ بِتَأْخِيرِ طَلَبِ الْأَخْذِ (مُطْلَقًا) بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (الْفَتْوَى) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ بِالطَّلَبِ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَدَمِ قَاضٍ يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فِي بَلَدِهِ لَا يَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَهُ إلَى مَجْلِسِ حُكْمٍ يَبْطُلُ لِتَرْكِهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْأَخْذِ. وَفِي رِوَايَةٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَقِيلَ يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّفِيعُ (إنْ أَخَّرَهُ) أَيْ طَلَبَ الْخُصُومَةِ (شَهْرًا بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ) الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ قَالَ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى إذَا أَخَّرَ شَهْرًا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (وَإِذَا ادَّعَى) الشَّفِيعُ (الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ هَلْ هِيَ مِلْكٌ لِلشَّفِيعِ أَوْ لَا (فَإِنْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِمِلْكِ مَا يَشْفَعُ بِهِ) أَوْ أَنْكَرَ فَحَلَفَ (أَوْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ بِمِلْكِيَّتِهِ) بِأَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ (أَوْ) أَنْكَرَ وَ (بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ (سَأَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُشْتَرِي (عَنْ الشِّرَاءِ) فَيَقُولُ لَهُ اشْتَرَيْت أَمْ لَا (فَإِنْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِهِ) أَيْ بِالشِّرَاءِ (أَوْ) أَنْكَرَ فَحَلَفَ أَوْ (نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا ابْتَاعَ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ) الشَّفِيعُ (عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّفْعَةُ أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) يَعْنِي أَنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ إنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ هَذَا الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَيَّ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي شُرُوحِ الْكَنْزِ. وَفِي التَّنْوِيرِ مَنْ لَمْ يَرَ الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ كَالشَّافِعِيِّ طَلَبَهَا عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَاهُ (قَضَى) أَيْ الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي أَوَّلًا عَنْ الْمُدَّعِي عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرَ وَمُحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ فَإِذَا

فصل اختلاف الشفيع والمشتري في الثمن

بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ تَمَّتْ دَعْوَاهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ كَمَا فِي الْمَتْنِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لُزُومَ الثَّمَنِ عَلَى الشَّفِيعِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا قَبْلَهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ مُفْلِسًا فَتَوَى الْمَالَ عَلَى الْمُشْتَرِي (فَإِذَا قَضَى لَهُ لَزِمَ إحْضَارُهُ) أَيْ الثَّمَنِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ اللُّزُومِ (وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الدَّارِ لِقَبْضِهِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الدَّارِ لِقَبْضِ ثَمَنِهِ فَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ حَبَسَ الْقَاضِي الشَّفِيعَ بِالْإِبَاءِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ وَالْمُشْتَرِيَ نَزَلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ بَعْدَمَا أَمَرَ) الْقَاضِي (بِأَدَائِهِ) إجْمَاعًا لِتَأَكُّدِ الشُّفْعَةِ بِالْقَضَاءِ. (وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُحِقَّةً أَصَالَةً فَكَانَ خَصْمًا كَالْمَالِكِ. (وَ) لَكِنْ (لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ) أَيْ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْبَائِعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي (حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ حُضُورِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَاحِبُ يَدٍ، وَلِلْآخَرِ مِلْكًا (وَيَقْضِي بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَيَجْعَلُ الْعُهْدَةَ) أَيْ يَجْعَلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَصِيرُ أَجْنَبِيًّا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا. (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ لِلشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَهُ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي (مَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُوَكِّلِ) فَإِذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُوَكِّل لَا يَبْقَى لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا بَعْدَهُ. (وَلِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَيْبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ وَلَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي وَبِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِإِسْقَاطِ الْمُشْتَرِي. [فَصَلِّ اخْتِلَاف الشَّفِيع وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَن] فَصَلِّ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الْأَخْذِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَلَا يَتَخَالَفَانِ. (وَإِنْ بَرْهَنَا) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ (فَلِلشَّفِيعِ) أَيْ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ صِدْقُ الْبَيِّنَتَيْنِ

بِجَرَيَانِ الْعَقْدِ مَرَّتَيْنِ فَيُجْعَلَانِ مَوْجُودَيْنِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَحَقُّ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. (وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَ) ادَّعَى (الْبَائِعُ) ثَمَنًا (أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ (أَخَذَهُ) أَيْ الْعَقَارَ (الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ) سَوَاءٌ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْعَقَارَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الْبَائِعِ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْحَطُّ عَنْهُ حَطٌّ عَنْ الشَّفِيعِ (وَبِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ) أَيْ أَخْذِ الشَّفِيعِ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ وَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الثَّمَنَ فِي حَالٍ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيَانِ فِيهِ فَقُبِلَ بَيَانُهُ وَإِنْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ أَخَذَهَا بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءٍ بِالثَّمَنِ أَوَّلًا صَارَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَأْخُذُهَا بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا (وَإِنْ عُكِسَا) أَيْ ادَّعَى الْبَائِعُ ثَمَنًا وَالْمُشْتَرِي أَقَلَّ مِنْهُ (فَبَعْدَ الْقَبْضِ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) أَيْ لَوْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ (يَتَحَالَفَانِ) وَيَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ (وَأَيٌّ) مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (اُعْتُبِرَ قَوْلُ صَاحِبِهِ) فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَدَّعِيه الْآخَرُ. (وَإِنْ حَلَفَا فَسْخَ الْبَيْعَ) أَيْ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا (وَيَأْخُذُهُ) أَيْ الْعَقَارَ (الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَإِنْ حَطَّ) الْبَائِعُ (عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ يَأْخُذُهُ) أَيْ الْعَقَارَ (الشَّفِيعُ بِالْبَاقِي) مِنْ الثَّمَنِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي حَطٌّ عَنْ الشَّفِيعِ أَيْ حَطٌّ يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا أَثَرَ لِلْحَطِّ بَلْ عَلَيْهِ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى. (وَإِنْ حَطَّ) الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (الْكُلَّ) أَيْ كُلَّ الثَّمَنِ (يَأْخُذُهُ) الشَّفِيعُ (بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ الثَّمَنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلدِّهْلَوِيِّ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَإِنْ حَطَّ) الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي (النِّصْفَ) أَيْ نِصْفَ الثَّمَنِ (ثُمَّ) حَطَّ (النِّصْفَ) الْآخَرَ (يَأْخُذُ) الشَّفِيعُ (بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَطَّ النِّصْفَ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ النِّصْفُ فَلَمَّا حَطَّ النِّصْفَ الْآخَرَ كَانَ حَطًّا لِلْجَمِيعِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ. (وَإِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ) بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ (لَا تَلْزَمُ الشَّفِيعَ الزِّيَادَةُ) أَيْ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّفِيعِ فَتَكْلِيفُ الزِّيَادَةِ إبْطَالُ حَقِّهِ. (وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا لَزِمَ الشَّفِيعَ مِثْلُهُ) أَيْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْمَبِيعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. (وَإِنْ) كَانَ الثَّمَنُ (قِيَمِيًّا فَقِيمَتُهُ) أَيْ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِالْقِيمَةِ فِي

شِرَاءِ دَارٍ بِثَوْبٍ أَوْ فَرَسٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدٍ بِقِيمَةٍ لِآخَرَ فِي شِرَاءٍ بِعَقَارٍ لِتَحَقُّقِ الْبَدَلِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَلِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ. (وَإِنْ كَانَ) الثَّمَنُ (مُؤَجَّلًا) بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ (أَخَذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ يَطْلُبُ) الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ (فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. وَفِي الْهِدَايَةِ فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ (وَيَأْخُذَ) الشَّفِيعُ الْعَقَارَ (بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ) لِكَوْنِ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا. وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ بِهِ وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَإِنَّمَا يُؤَجَّلُ بِالشَّرْطِ وَلَا شَرْطَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ (وَلَا يَتَعَجَّلُ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْحَالِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ لَهُ بِالشَّرْطِ فَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ الزَّائِدَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ لِيَحِلَّ الْأَجَلُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِذَاتِهِ بَلْ لِلْأَخْذِ وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ فِي الْحَالِ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ. (وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ الذِّمِّيُّ بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مُقْتَضًى بِالصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْخَمْرُ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ كَالشَّاةِ فَيَأْخُذُ الْأَوَّلَ بِالْمِثْلِ وَالثَّانِيَ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَأْخُذُهَا بِالْقِيمَةِ. (وَ) يَأْخُذُ الشَّفِيعُ (الْمُسْلِمُ بِالْقِيمَةِ فِيهِمَا) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَأَمَّا الْخَمْرُ فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهَا فَالْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ إنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالرُّجُوعِ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ أَوْ فَاسِقٍ تَابَ وَفِيمَا فِي الْفَرَائِدِ مِنْ أَنَّهُ بَقِيَ صُورَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ بِخِنْزِيرٍ وَكَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا لَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَهَا كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ بُيِّنَ آنِفًا أَنَّ الْمُسْلِمَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ وَكَذَا يَأْخُذُ الذِّمِّيُّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ فَلَا وَجْهَ عَلَى مَا قَالَهُ تَأَمَّلْ. (وَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي) عَلَى الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ (أَوْ غَرَسَ) فِيهَا فَحُكِمَ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَتِهَا) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (مَقْلُوعَيْنِ) وَالْمُرَادُ بِقِيمَتِهِمَا مَقْلُوعَيْنِ قِيمَتُهُمَا مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ (كَمَا فِي الْغَصْبِ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ فَارِغَةً بِكُلِّ الثَّمَنِ بِدُونِهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكَلِّفُهُ بِالْقَلْعِ بَلْ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ إذَا بَنَى وَغَرَسَ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي

شِرَاءً فَاسِدًا وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَكَذَا الْمُشْتَرِي فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ وَلِهَذَا لَا يُكَلَّفُ قَلْعَ الزَّرْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ عِوَضُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَلَا يُقَدَّرُ ضَرَرًا وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ ظَهَرَ تَعَلُّقُ حَقٍّ مُتَأَكِّدٍ لِلْغَيْرِ هُوَ الشَّفِيعُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ فَيَأْمُرُ الشَّفِيعَ بِالنَّقْصِ كَالْغَاصِبِ إذَا بَنَى لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِتَقَدُّمِ حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ وَلِذَا يَنْقُضُ الشَّفِيعُ بَيْعَ الْمُشْتَرِي وَهِبَتَهُ وَجَعْلَهُ مَسْجِدًا وَمَقْبَرَةً وَجُعِلَ تَصَرُّفُهُ كَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ فِي حَقِّ النَّقْضِ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْمَسْجِدَ وَيَنْبُشَ الْمَوْتَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ) الْأَرْضُ (بَعْدَمَا بَنَى الشَّفِيعُ أَوْ غَرَسَ رَجَعَ) الشَّفِيعُ (عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَقَطْ) يَعْنِي لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ مَعْنَاهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ عَلَيْهِ وَكَانَ كَالْمُشْتَرِي وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا. (وَإِنْ جَفَّ الشَّجَرُ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (أَوْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) بَعْدَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ نَقْضٍ أَوْ خَشَبٍ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ (يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ) وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُتْلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ. (وَإِنْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ أَخَذَ الشَّفِيعُ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا) مِنْ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَصَدَ الْإِتْلَافَ فَيَلْزَمُ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ وَنَقْصُ الْأَجْنَبِيِّ كَنَقْضِ الْمُشْتَرِي (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (أَخْذُ النَّقْضِ) بَلْ هُوَ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ مَفْصُولًا وَمَنْقُولًا. (وَإِنْ شَرَى الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ مَعَ شَجَرٍ مُثْمِرٍ) بِأَنْ شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ (أَوْ غَيْرِ مُثْمِرٍ فَأَثْمَرَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الشِّرَاءِ (أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مَعَ الثَّمَرِ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ بِالِاتِّصَالِ خِلْقَةً صَارَ تَبَعًا مِنْ وَجْهٍ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا (فَإِنْ جَذَّهُ) أَيْ قَطَعَ الثَّمَرَ وَاجْتَنَاهُ (الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَقْتَ الْأَخْذِ حَيْثُ صَارَ مَفْصُولًا عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُهُ (وَيَأْخُذُ مَا سِوَاهُ) أَيْ مَا سِوَى الثَّمَرِ (بِالْحِصَّةِ فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِثَمَرِهَا فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ الثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَبِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا أَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَيْ يَأْخُذُ الْأَرْضَ

باب ما تجب فيه الشفعة ومالا تجب

وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ عِنْدَ الْأَخْذِ فِي الْمَبِيعِ إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَفِي التَّنْوِيرِ قَضَى الشُّفْعَةَ لِلشَّفِيعِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُهَا الطَّلَبَ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ وَقْتَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ اتِّفَاقًا. [بَاب مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَة وَمَالًا تجب] (بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَالَا) تَجِبُ (وَمَا يُبْطِلُهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ ذَكَرَ تَفْصِيلَهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْوُجُوبِ مُجْمَلًا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَعْدَ الْإِجْمَالِ (إنَّمَا تَجِبُ) أَيْ تَثْبُتُ (الشُّفْعَةُ قَصْدًا فِي عَقَارٍ) إنَّمَا قَالَ قَصْدًا لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقَارِ كَالثَّمَرِ وَالشَّجَرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَقَوْلُهُ (مُلِّكَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ صِفَةُ عَقَارٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ (بِعِوَضٍ) عَمَّا إذَا مُلِّكَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا بِقَوْلِهِ (هُوَ مَالٌ) عَمَّا إذَا مُلِّكَ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالٍ كَالْمَهْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَكُنْ قِسْمَتُهُ كَرَحًى وَحَمَّامٍ وَبِئْرٍ) وَبَيْتٍ صَغِيرٍ لَا يُنْتَفَعُ إذَا قُسِّمَ عِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ لَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تُقَسَّمُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا فِيمَا يُقَسَّمُ. (فَلَا تَجِبُ) الشُّفْعَةُ (فِي عَرْضٍ وَفُلْكٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَقَارٍ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي السَّفِينَةِ (وَبِنَاءٍ وَشَجَرٍ بِيعَا) صِفَةُ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ (بِدُونِ الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ وَإِنْ بِيعَا مَعَ الْأَرْضِ تَجِبُ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ (وَلَا) تَجِبُ (فِي إرْثٍ وَصَدَقَةٍ) ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُمَا لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ (وَهِبَةٍ بِلَا عِوَضٍ مَشْرُوطٍ) فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ عُوِّضَ دَارًا أُخْرَى لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْوِيضَ تَبَرُّعٌ لَا عِوَضٌ حَقِيقَةً عَنْ الْهِبَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْعِوَضَ تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ انْتِهَاءٍ كَمَا مَرَّ فِي الْهِبَةِ وَأَمَّا إذَا وَهَبَ لَهُ هِبَةً ثُمَّ عَوَّضَ عَنْهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَمَا بِيعَ) أَيْ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ بِيعَ (بِخِيَارِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ (أَوْ) بِيعَ الْعَقَارُ (بَيْعًا فَاسِدًا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى عَقَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهَا وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ سَبِيلًا مِنْ فَسْخِهِ (مَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْفَسْخِ) فَإِنْ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْبَائِعِ بِأَنْ أُسْقِطَ الْخِيَارُ أَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَإِنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَلَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي عَقَارٍ (فِيمَا قُسِّمَ بَيْنَ

الشُّرَكَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَلَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ (أَوْ) لَا تَجِبُ فِي عَقَارٍ (جُعِلَ أُجْرَةً) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِدَارٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ عِوَضَ الْأُجْرَةِ (أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ) بِأَنْ خَالَعَهَا عَلَى دَارٍ دَفَعَهَا إلَيْهَا (أَوْ) بَدَلَ (عِتْقٍ) بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى دَارِ فُلَانٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ (أَوْ) بَدَلَ (صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ) جُعِلَ (مَهْرًا) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ وَلَا مِثْلٍ لَهَا حَتَّى يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ بِهِ هَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ وَكَذَا تَقَوُّمُ الدَّمِ لِضَرُورَةِ الصِّيَانَةِ عَنْ الْهَدَرِ وَمَا يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّى عَنْ مَوْضِعِهَا فَلَا تَكُونُ مُتَقَوِّمَةً فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَهُوَ إزَالَةُ مَالِيَّةٍ فَكَيْفَ يُقَوَّمُ الْمَالُ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَعْوَاضَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمْ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قُوبِلَ بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ مَا جُعِلَ بَدَلًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ (مَالٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ فَلَا شُفْعَةَ فِي التَّبَعِ كَمَا لَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ (وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ) الشُّفْعَةُ (فِي حِصَّةِ الْمَالِ) حَيْثُ كَانَ فِيهَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ. (وَلَا) تَثْبُتُ (فِيمَا صُولِحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعَقَارِ (بِإِنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ بَقِيَ الدَّارُ فِي يَدِهِ فَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِسُكُوتٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَذَلَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَقَطْعًا لِشَغَبِ خَصْمِهِ كَمَا إذَا أَنْكَرَ صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهَا بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَتَجِبُ فِيمَا صُولِحَ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَقَارِ (بِأَحَدِهِمَا) وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا صَالَحَ عَلَى الدَّارِ بِإِقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيُعَامَلُ بِزَعْمِهِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا إنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي تَدَبَّرْ. (وَلَا) تَجِبُ شُفْعَةٌ (فِيمَا سُلِّمَتْ شُفْعَتُهُ ثُمَّ رُدَّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ بِخِيَارِ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَالشُّفْعَةُ فِي الْمَبِيعِ لَا فِي الْفَسْخِ قَوْلُهُ بِقَضَاءٍ قَيْدٌ لِلرَّدِّ بِعَيْبٍ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ. (وَمَا رُدَّ بِهِ) أَيْ بِعَيْبٍ (بِلَا قَضَاءٍ أَوْ بِالْإِقَالَةِ تَجِبُ) الشُّفْعَةُ (فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَقَدْ قَصَدَا وَالْفَسْخُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ لِوُجُودِ حَدِّ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَالشَّفِيعُ ثَالِثٌ وَمُرَادُهُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ فُسِخَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ كَلَامٌ وَفِي التَّسْهِيلِ جَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ إنْ شِئْت. وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْفَسَخَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. (وَتَجِبُ) الشُّفْعَةُ (فِي الْعُلْوِ وَحْدَهُ وَ) تَجِبُ (فِي السُّفْلِ بِسَبَبِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْعُلْوِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلْوِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ أَمَّا إذَا كَانَ طَرِيقُ الْعُلْوِ فِي السُّفْلِ فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ بِالطَّرِيقِ لَا مِنْ حَقِّ

الْقَرَارِ؛ لِأَنَّ شِرْكَةَ الطَّرِيقِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ. (وَ) تَجِبُ الشُّفْعَةُ (فِيمَا بِيعَ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ بِالِاتِّفَاقِ وَالشُّفْعَةُ تُبْتَنَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الْمَبِيعَةِ بِالْخِيَارِ فَالشُّفْعَةُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا) أَمَّا الْبَائِعُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الدَّارِ عِنْدَ هَذَا الْبَائِعِ لِلْبَائِعِ فَإِذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَخْذِ مُخْتَارًا لِلْبَيْعِ فَيَصِيرُ إجَازَةً فَيَلْزَمُ وَيَمْلِكُ بِهِ الْمَبِيعَ وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَكْفِي اسْتِحْقَاقَهُ الشُّفْعَةَ كَالْمَأْذُونِ أَوْ الْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتَكُونُ) الشُّفْعَةُ (إجَازَةً) وَإِسْقَاطًا لِلْخِيَارِ (مِنْ الْمُشْتَرِي) فِي حَقِّ مَبِيعِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِ الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَرَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِأَخْذِ مَا بِيعَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ فَكَيْفَ بِدَلَالَتِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَلِشَفِيعِ) الدَّارِ (الْأُولَى أَخْذُهَا) أَيْ أَخْذُ الْأُولَى (مِنْهُ) يَعْنِي إذَا حَضَرَ شَفِيعُ الدَّارِ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّفِيعَ أَوْلَى مِنْ الْمُشْتَرِي (لَا أَخْذُ الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِطَرِيقِ الشُّفْعَةِ لِانْعِدَامِ مِلْكِهِ فِي الْأُولَى حِينَ بِيعَتْ الثَّانِيَةُ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا بِالشُّفْعَةِ. (وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ مَا) أَيْ الدَّارِ الَّتِي (بِيعَتْ) بَيْعًا (فَاسِدًا فَشَفِيعُهَا) أَيْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ (الْبَائِعُ إنْ بِيعَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا (فَإِذَا قَبَضَ) الْمُشْتَرِي (بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ (لَا تَبْطُلُ) الشُّفْعَةُ أَيْ إنْ سَلَّمَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ لَهُ بِهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْمَشْفُوعَةِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْحُكْمِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِ الْأُولَى عَنْ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِجَنْبِهَا بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ بَيْعُهَا بَعْدَ قَبْضِهِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ قَبْلَهُ. (وَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي) الْمَبِيعَةَ فَاسِدًا (فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي) لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ (فَإِنْ اسْتَرَدَّ الْبَائِعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي (الْمَبِيعَةَ) بِحُكْمِ الْفَسَادِ (قَبْلَ الْحُكْمِ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ (وَإِنْ) اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ (بَعْدَ الْحُكْمِ) لَهُ (بَقِيَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا حِينَ كَانَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ. (وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ) لِلْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي السَّبَبِ وَفِي الْحِكْمَةِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي الذِّمِّيِّ وَالصَّغِيرِ. (وَكَذَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ سَوَاءٌ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (فِي مَبِيعِ السَّيِّدِ كَالْعَكْسِ)

فصل فيما تبطل به الشفعة

أَيْ لِلْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ شُفْعَةٌ فِي مَبِيعِ السَّيِّدِ كَمَا لِلسَّيِّدِ شُفْعَةٌ فِي مَبِيعِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِمَا لَيْسَ مِلْكَ مَوْلَاهُمَا قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ حَالَ كَوْنِهِ مَدْيُونًا دَيْنًا مُحِيطًا بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبُهُ فِيمَا بَاعَهُ سَيِّدُهُ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا وَكَذَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِسَيِّدِهِ فِيمَا بَاعَهُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ مِلْكٌ لَهُ لَا لِمَوْلَاهُ قِيلَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ مَالَهُ وَرَقَبَتَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ يُقَالُ الْإِحَاطَةُ هُنَا قَيْدٌ لَازِمٌ لِظُهُورِ حَقِّ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِمَوْلَاهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بِيعَ لَهُ انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ وَحَمَلَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي تَدَبَّرْ. [فَصَلِّ فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَة] فَصَلِّ (وَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ) أَيْ كُلِّ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ بَعْضِهَا إلَى الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَبْلَهُ لَا يُبْطِلُهَا أَمَّا تَسْلِيمُهُ الْكُلَّ فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَأَمَّا الْبَعْضَ فَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ كَمَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ الْبَعْضَ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَلَا يَتَجَزَّأُ إسْقَاطًا فَيَكُونُ ذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّسْلِيمُ (مِنْ الْوَكِيلِ) وَالْمُرَادُ مِنْ الْوَكِيلِ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا سُكُوتُهُ إعْرَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْوَكِيلُ بِالشُّفْعَةِ إنَّمَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ أَصْلًا وَلَوْ أَقَرَّ هَذَا الْوَكِيلُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِأَنَّهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَهِيَ مَسْأَلَةُ إقْرَارِ الْوَكِيلِ وَمَوْضِعُهَا فِي الْوَكَالَةِ. (وَ) تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ (بِتَرْكِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ) (التَّقْرِيرِ) حِينَ عُلِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، وَتَرْكُ الطَّلَبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. (وَ) تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ (بِالصُّلْحِ) أَيْ صُلْحِ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ (عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقٍّ لَيْسَ بِمَالٍ فَسَقَطَ حَقُّهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّفِيعِ (رَدُّهُ) أَيْ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ مُتَقَرِّرًا فِي الْمَحَلِّ وَهُوَ مُجَرَّدُ التَّمَلُّكِ الْغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ رِشْوَةً. (وَكَذَا) تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (لَوْ بَاعَ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ الْإِسْقَاطِ مَجَازًا فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ وَبِخِلَافِ

الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مِلْكٍ فِي الْمَحَلِّ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ ذَلِكَ) أَيْ تَرَكَ الْفَسْخَ بِأَلْفٍ (فَاخْتَارَتْهُ) أَيْ اخْتَارَتْ الزَّوْجَ (بَطَلَ خِيَارُهَا وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقَابِلْهُ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ فَلَا يَكُونُ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ فَلَا يَحِلُّ. (وَتَبْطُلُ) الشُّفْعَةُ (بِبَيْعِ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ بَيْعِ الْعَقَارِ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْحَالَيْنِ وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ. (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِمَوْتِ الشَّفِيعِ) قَبْلَ الْأَخْذِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَالْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِي حُقُوقٍ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ حَقُّ التَّمْلِيكِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالشَّفِيعِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ (لَا) تَبْطُلُ (بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي) لِوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ. (وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ) صُورَتَهُ وَكُلُّ صَاحِبِ الدَّارِ شَفِيعُهَا بِبَيْعِهَا فَبَاعَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ (أَوْ بِيعَ لَهُ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ بَاعَ دَارَ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَهُ (أَوْ ضَمِنَ) الشَّفِيعُ (الدَّرَكَ) عَنْ الْبَائِعِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ بِضَمَانِهِ لَهُ الدَّرَكَ ضَمِنَ لَهُ أَنْ يُحَصِّلَ لَهُ الدَّارَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرْكِهِ لِلشُّفْعَةِ وَفِي أَخْذِهِ بِهَا إبْطَالُ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجِبُ (أَوْ سَاوَمَ الْمُشْتَرِي بَيْعًا أَوْ إجَارَةً) أَوْ طَلَبَ الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَهُ عَقْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ. (وَتَجِبُ) الشُّفْعَةُ (لِمَنْ ابْتَاعَ) قِيلَ بَيَانُهُ لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي شَفِيعَ الدَّارِ بِشِرَائِهَا فَاشْتَرَى فَلَهُ الشُّفْعَةُ (أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ) بَيَانُهُ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا بِدَارٍ أُخْرَى كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ مِنْ الْأَصِيلِ أَوْ وَكِيلِهِ فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُوبِهَا فِي الثَّانِي. (وَلَوْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ أَنَّهَا) أَيْ الدَّارَ الَّتِي تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ لَهُ (بِيعَتْ بِأَلْفِ) دِرْهَمٍ (فَسَلَّمَ) الشَّفِيعُ لِأَجْلِ الِاسْتِكْثَارِ (ثُمَّ بَانَ) أَيْ ظَهَرَ (أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ) مِنْ الْأَلْفِ (أَوْ) ظَهَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ (بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ كَانَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ ظَاهِرًا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلتَّيْسِيرِ وَعَدَمِ الرِّضَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْأَخْذِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. (وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ) أَوْ أَكْثَرُ (فَلَا) شُفْعَةَ لَهُ أَمَّا عَدَمُ الشُّفْعَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ الَّذِي بَلَغَهُ أَوْ أَكْثَرُ فَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ

الْقِيمَةُ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ. وَأَمَّا عَدَمُ الشُّفْعَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فِي حَقِّ الثَّمَنِيَّةِ وَلِهَذَا يَضُمُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ الشُّفْعَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَزُفَرَ. وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا جَازَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ تَتَبَّعْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِأَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إنْ قَلَّ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. (وَلَوْ قِيلَ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (الْمُشْتَرِي فُلَانٌ فَسَلَّمَ) الشُّفْعَةَ (فَبَانَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ فُلَانٍ (فَلَهُ الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِجِوَارِهِ لَا بِجِوَارِ غَيْرِهِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ. (وَلَوْ) قِيلَ لَهُ الْمُشْتَرِي فُلَانٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ (بَانَ أَنَّهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (هُوَ) أَيْ فُلَانٌ (مَعَ غَيْرِهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي حِصَّةِ الْغَيْرِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ. (وَلَوْ بَلَغَهُ) أَيْ الشَّفِيعَ (بَيْعُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ) الشُّفْعَةَ (فَظَهَرَ بَيْعُ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ النِّصْفَ وَكَانَ حَقُّهُ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَالْكُلُّ غَيْرُ النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ إسْقَاطُهُ إسْقَاطًا لِلْكُلِّ وَعَلَّلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِضَرَرِ الشِّرْكَةِ وَلَا شِرْكَةَ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ هَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ فِي الْجَارِ دُونَ الشَّرِيكِ وَالْأَوَّلُ يَسْتَقِيمُ فِيهِمَا وَأَمَّا إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ بِشِرَاءِ النِّصْفِ لَا شُفْعَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ وَقِيلَ لَهُ الشُّفْعَةُ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحِيلَةِ فِيهَا فَقَالَ (وَإِنْ بَاعَهَا) أَيْ الدَّارَ (إلَّا ذِرَاعًا) أَيْ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ (مِنْ طُولِ) الْجِدَارِ الَّذِي يَلِي (جَانِبَ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ بِالْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِالْتِزَاقِ. (وَإِنْ اشْتَرَى مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّارِ (سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ شَرَى بَاقِيهَا) أَيْ بَاقِي الدَّارِ (فَالشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي الْبَاقِي فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ الْأَوَّلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا وَالْبَاقِي بِالدِّرْهَمِ فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ جَزَّأَ قَلِيلًا كَالْعُشْرِ أَوْ أَقَلَّ مَثَلًا. (وَإِنْ ابْتَاعَهَا) أَيْ إنْ اشْتَرَى الدَّارَ (بِثَمَنٍ) كَثِيرٍ كَأَلْفٍ (ثُمَّ دَفَعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الثَّمَنِ (ثَوْبًا) يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ مَثَلًا (أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ لَا بِقِيمَةِ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَعُمُّ الشَّرِيكَ وَالْجَارَ لَكِنْ فِيهِ ضَرَرُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ يَبْقَى كُلُّ الثَّمَنِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُبَاعَ بِالدِّرْهَمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ الْمَشْفُوعَةُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ

فَيَجِبُ رَدُّ الدِّينَارِ لَا غَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ وَأَسْهَلُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الدُّورِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ إمَّا بِالْوَزْنِ أَوْ الْإِشَارَةِ مَعَ قَبْضِهِ فُلُوسٍ أُشِيرَ إلَيْهَا وَجَهِلَ قَدْرَهَا وَضَيَّعَ الْفُلُوسَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَمَجْهُولٌ حَالَ الشُّفْعَةِ فَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تَمْنَعُ الشُّفْعَةَ. (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِهَا) أَيْ الشُّفْعَةِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِلَا رِضَاءٍ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَإِنْ تَضَرَّرَ الْغَيْرُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (يُفْتَى قَبْلَ وُجُوبِهَا) وَإِنْ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَمَكْرُوهَةٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قِيلَ لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنْ لَا تُكْرَهَ فِي الشُّفْعَةِ دُونَ الزَّكَاةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا حِيلَةَ لِإِسْقَاطِ الْحِيلَةِ لِمَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَطَلَبْنَاهَا كَثِيرًا فَلَمْ نَجِدْهَا. (وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حِصَّةِ بَعْضِ الْمُشْتَرِينَ لَا حِصَّةِ بَعْضِ الْبَائِعِينَ) يَعْنِي اشْتَرَى جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِي وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ بِأَنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَقَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ بَلْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَأْخُذُ الْبَعْضَ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَبِعَيْبِ الشِّرْكَةِ. وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْقُدَ الْجَمِيعُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِينَ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَتْ يَدُ الْبَائِعِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ سَمَّى لِلْكُلِّ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاخْتِلَافِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ لِلْعَاقِدِ دُونَ الْمَالِكِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلِلْجَارِ أَخْذُ بَعْضٍ مُشَاعٍ بِيعَ فَقُسِّمَ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (وَقَعَ فِي غَيْرِ جَانِبِهِ) يَعْنِي اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ دَارٍ غَيْرِ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَخَذَ الشَّفِيعُ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِحُكْمٍ أَوْ بِالتَّرَاضِي إذْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مِنْ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ

كتاب القسمة

الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضُهُ الشَّفِيعُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ وَهُمَا شَفِيعَانِ ثُمَّ جَاءَ شَفِيعٌ ثَالِثٌ بَعْدَمَا اقْتَسَمَا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ. وَفِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِ بِالْقِسْمَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَبْقَى فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ. (وَلِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فِي مَبِيعِ سَيِّدِهِ وَبِالْعَكْسِ) هَذَا مُسْتَدْرَكٌ لِمَا سَبَقَ قُبَيْلَ الْفَصْلِ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَهَا فِيمَا سَبَقَ مُقَيَّدَةً بِهَذَا الْقَيْدِ وَاكْتَفَى تَدَبَّرْ. (وَصَحَّ تَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهَا شُفْعَةَ الصَّغِيرِ وَالصَّبِيِّ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَهُ فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ بَيْعًا لِلصَّبِيِّ صَحَّ رَدُّهُ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ بِسُكُوتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْأَقَلِّ الَّذِي لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ) . وَفِي الْكَافِي إذَا سَلَّمَ الْأَبُ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ وَالشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ فَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ التَّسْلِيمَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ لِإِزَالَةٍ عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ بِمَالِهِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَفِي التَّبْيِينِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ. . [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] ِ عَقَّبَ بِالشُّفْعَةِ مَعَ اشْتِمَالِ كُلٍّ عَلَى الْمُبَادَلَةِ تَرَقِّيًا مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى لِجَوَازِهَا وَوُجُوبِ الْقِسْمَةِ فِي الْجُمْلَةِ (هِيَ) أَيْ الْقِسْمَةُ لُغَةً بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ الِاقْتِسَامِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ أَوْ مِنْ التَّقْسِيمِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ لَكِنَّ الْأَنْسَبَ بِمَا يَأْتِي مِنْ لَفْظِ الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ قَسَّمَهُ بِالْفَتْحِ أَيْ جَزَّأَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الشَّرِيعَةِ (جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ) أَيْ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ وَسَبَبُ الْقِسْمَةِ طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِهِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الطَّلَبُ لَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ وَرُكْنُهَا هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ وَالذَّرْعِ وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ بِالْقِسْمَةِ فَإِنْ فَاتَتْ بِهَا لَا تُقَسَّمُ جَبْرًا كَالْبِئْرِ وَالرَّحَى وَالْحَمَّامِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا أَدَّتْ إلَى فَوَاتِهَا لَمْ يُجْبَرْ وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَلَى حِدَةٍ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

بَاشَرَهَا فِي الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَجَرَى التَّوَارُثُ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَتَشْتَمِلُ) أَيْ الْقِسْمَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْ الْقِيَمِيَّاتِ (عَلَى) مَعْنَى (الْإِفْرَازِ) وَهُوَ أَخْذُ عَيْنِ حَقِّهِ (وَالْمُبَادَلَةِ) وَهِيَ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْ حَقِّهِ (وَالْإِفْرَازُ) وَهُوَ التَّمْيِيزُ (أَغْلَبُ) أَيْ أَرْجَحُ (فِي الْمِثْلِيَّاتِ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا ثُمَّ فَرَّغَ بِقَوْلِهِ (فَيَأْخُذُ الشَّرِيكُ حَظَّهُ) أَيْ نَصِيبَهُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ (حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ) فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهِ. (وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ رَاجِعٌ إلَى الْمِثْلِيِّ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمِثْلِيَّاتِ (فَاقْتَسَمَاهُ فَلِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مُرَابَحَةً) وَتَوْلِيَةً (بِحِصَّةِ ثَمَنِهِ) وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ هَذَا. وَفِي الِاخْتِيَارِ فَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ كَانَ لَهُ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لِشَرِيكِهِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ وُصُولَ مِثْلِ حَقِّهِ إلَيْهِ كَوُصُولِ عَيْنِ حَقِّهِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ. (وَالْمُبَادَلَةُ) أَيْ الْإِعْطَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (أَغْلَبُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ مِنْ الْعَقَارِ وَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا (فَلَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَهُمَا (وَلَا يَبِيعُ) حِصَّتَهُ (مُرَابَحَةً بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ الْقِسْمَةِ) وَلَوْ كَانَتْ إفْرَازًا جَازَ (وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْقِسْمَةِ (فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ (بِطَلَبِ الشَّرِيكِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ) فَحَسْبُ لِمَعْنَى الْإِفْرَازِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ (لَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ لَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِهِ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُبَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّ مَا يُوَفِّيهِ لَيْسَ عَيْنَ حَقِّهِ بَلْ هُوَ عِوَضُ حَقِّهِ فَيَلْزَمُ مِنْ الرِّضَا وَلَوْ تُوَقَّفُوا عَلَيْهَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ بِدُونِ الْمُبَادَلَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ كَمَا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ. (وَنُدِبَ لِلْقَاضِي نَصْبُ) رَجُلٍ (قَاسِمٍ) يَكُونُ (رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْعَامَّةِ كَالْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُقَاتِلَةِ فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِمَصَالِحِهِمْ كَنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ (لِيَقْسِمَ بِلَا) أَخْذِ (أَجْرٍ) مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ لِلْأَنَامِ وَأَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ لَمْ يُنَصِّبْ قَاسِمًا رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النَّصْبَ غَيْرُ وَاجِبٍ حَتَّى يَجِبَ النَّصْبُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ وَأَنْ لَا يُنَصِّبَ فَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْ (يُنَصِّبُ قَاسِمًا يَقْسِمُ) بَيْنَ النَّاسِ (بِأَجْرٍ) عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ؛ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَتْ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً حَتَّى لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ (يُقَدِّرُهُ) أَيْ أَجْرَ الْمِثْلِ (لَهُ) أَيْ لِلْقَاسِمِ (الْقَاضِي) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَتَحَكَّمَ

بِالزِّيَادَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَجْرَ هُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ وَقِيلَ يُقَدَّرُ الْأَجْرُ بِرُبْعِ الْعُشْرِ كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْعَامَّةِ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (وَهُوَ) أَيْ أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِ الْمُتَقَاسِمِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ كَتَمْيِيزِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ فِي الْمَشَقَّةِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ السِّهَامِ) ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ. (وَأُجْرَةُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عَلَى قَدْرِ السِّهَامِ إجْمَاعًا إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ (لِلْقِسْمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مُقَابِلُ الْعَمَلِ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا بِالتَّمْيِيزِ. (وَإِنْ) كَانَ (لَهَا) أَيْ لِلْقِسْمَةِ (فَعَلَى الْخِلَافِ) حَيْثُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ السِّهَامِ. (وَيَجِبُ كَوْنُهُ) أَيْ الْقَاسِمِ (عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقُضَاةِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ فَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْأَمَانَةُ وَالْعِلْمُ بِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِتَمَامٍ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْعَدَالَةِ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ. كَمَا قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا. (وَلَا يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَا يُعَيِّنُ الْقَاضِي قَاسِمًا وَاحِدًا لِلْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَكَّمُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ (وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامُ) جَمْعُ قَاسِمٍ (لِيَشْتَرِكُوا) أَيْ يَمْنَعَهُمْ الْقَاضِي مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَيْ لَا تَصِيرَ الْأُجْرَةُ غَالِيَةً بِتَوَاكُلِهِمْ وَعِنْدَ عَدَمِ الشِّرْكَةِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَيْهِ خِيفَةَ الْفَوْتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَصَحَّ الِاقْتِسَامُ بِأَنْفُسِهِمْ) بِالتَّرَاضِي (بِلَا أَمْرِ الْقَاضِي) لِوِلَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. (وَيُقَسِّمُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ) كَالْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرِ الْقَاضِي) أَيْ نَصْبِ الْقَاضِي لَهُ مَنْ يَقْسِمُ. قَوْلُهُ وَيَقْسِمُ إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ لَكِنْ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَصَحَّتْ بِرِضَا الشُّرَكَاءِ إلَّا عِنْدَ صِغَرِ أَحَدِهِمْ وَلَا نَائِبَ عَنْهُ وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ جُنُونِ أَحَدِهِمْ. (وَلَا يُقَسَّمُ عَقَارٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الشُّرَكَاءُ إرْثَ الْعَقَارِ عَنْ زَيْدٍ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ (مَا لَمْ يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ وَالْقِسْمَةُ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّ الْعَقَارَ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بِنَفْسِهِ (وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ) بِاعْتِرَافِهِمْ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ لِيَقْتَصِرَ الْحُكْمُ

بِالْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى شَرِيكٍ لَهُمْ آخَرَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ (وَغَيْرُ الْعَقَارِ يُقَسَّمُ إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْحِفْظِ كَمَا مَرَّ. (وَكَذَا الْعَقَارُ الْمُشْتَرَى) يُقَسَّمُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُقَسَّمُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْمِلْكُ لِلْغَيْرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَالْمَذْكُورُ مُطْلَقُ مِلْكِهِ) أَيْ يُقَسَّمُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ فَيَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فَيَجُوزُ. (وَإِنْ بَرْهَنَا) أَيْ أَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً (أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا) وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ (لَا يَقْسِمُ حَتَّى يُبَرْهِنَا) أَيْ حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَقَارَ مِلْكٌ (لَهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالْمَذْكُورُ مُطْلَقُ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَشَرَطَ هُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ قَصْدُ الشَّيْخِ تَعْيِينَ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَتَقَعُ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةً يُتَحَاشَى عَنْهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ انْتَهَى. (وَلَوْ بَرْهَنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالْعَقَارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ صَبِيٌّ قُسِّمَ) الْعَقَارُ بَيْنَهُمْ بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَالْهِدَايَةِ. وَفِي الْعِنَايَةِ قِيلَ هَذَا سَهْوٌ وَالصَّحِيحُ فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ لَكَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِ الطِّفْلِ أَوْ الْغَائِبِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُقَسَّمُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْمُثَنَّى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَارِثَانِ وَأَقَامَا لَكِنَّهُ مُلْتَبِسٌ انْتَهَى هَذِهِ الْقَرِينَةُ وَقَعَتْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ لَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَبَرْهَنُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ تَدَبَّرْ (وَنَصْبُ وَكِيلٍ) لِلْغَائِبِ (أَوْ وَصِيٍّ) لِلصَّبِيِّ (لِقَبْضِ) الْوَكِيلِ (حِصَّةَ الْغَائِبِ أَوْ) لِقَبْضِ الْوَصِيِّ حِصَّةَ (الصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا نَظَرًا لِلْغَائِبِ وَالصَّبِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يُقَسِّمُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَقَارِ الْغَائِبِ (أَوْ) كَانَ (فِي يَدِ مُودِعِهِ أَوْ) كَانَ (فِي يَدِ الصَّغِيرِ لَا يُقَسَّمُ) ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الطِّفْلِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا وَأَمِينُ الْخَصْمِ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ فِيمَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ هُنَا أَوْ لَا. (وَكَذَا) لَا يُقَسِّمُ (لَوْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ) وَبَرْهَنَ عَلَى الْمَوْتِ وَالْعَدَدُ وَالْبَاقِي غَائِبٌ عَنْ النَّظَرِ أَوْ صَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ (أَوْ كَانُوا مُشْتَرَيْنَ وَغَابَ أَحَدُهُمْ) أَيْ لَا يَقْسِمُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا

عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ فِيهِ مِلْكُ خِلَافِهِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَصَحَّ الْقَضَاءُ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الشِّرَاءِ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ فَلَا يُقْبَلُ وَلَا يُقْضَى. (وَإِذَا انْتَفَعَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ الشُّرَكَاءِ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ) ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ وَكَانَتْ حَتْمًا لَازِمًا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا. (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ) بِالْقِسْمَةِ كَالْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ (لَا يَقْسِمُ إلَّا بِرِضَاهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ. وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهُ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (وَإِنْ انْتَفَعَ الْبَعْضُ) لِكَثْرَةِ نَصِيبِهِ (دُونَ الْبَعْضِ) بَلْ تَضَرَّرَ لِقِلَّةِ حَظِّهِ (قَسَمَ بِطَلَبِ ذِي النَّفْعِ) ؛ لِأَنَّهُ طَالِبُ تَكْمِيلِ مَنْفَعَةِ مِلْكٍ (لَا بِطَلَبِ الْآخَرِ) وَ (هُوَ الْأَصَحُّ) هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الْقِسْمَةِ حَيْثُ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ. وَفِي الدُّرَرِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ الْخَصَّافُ عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ ضَرَرَ صَاحِبِهِ وَصَاحِبَ الْقَلِيلِ يَرْضَى بِضَرَرِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ أَيَّهمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ قَسَمَ الْقَاضِي قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمِنَحِ يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ عَامَّةُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا كُتُبُ الْأُصُولِ وَهِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا مَعَ مُعَارَضَتِهَا لَهَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. (وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) أَيْ يَقْسِمُ الْقَاضِي عُرُوضًا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا بِطَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ جَبْرًا لِوُجُودِ الْمُعَادَلَةِ بِالْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ (وَلَا يَقْسِمُ) الْقَاضِي (الْجِنْسَيْنِ) بِإِعْطَاءِ (بَعْضِهِمَا فِي بَعْضٍ) لِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَكُونُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ مُعَاوَضَةً وَلَا بُدَّ فِيهَا عَنْ التَّرَاضِي وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. (وَلَا) يَقْسِمُ الْقَاضِي (الْجَوَاهِرَ) مُطْلَقًا لِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ لِتَفَاوُتِهَا قِيمَةً وَقِيلَ لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ لَا يَقْسِمُ الْجَوَاهِرَ إنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ. (وَلَا) يَقْسِمُ (الْحَمَّامَ وَلَا الْبِئْرَ وَلَا الرَّحَى وَلَا الثَّوْبَ الْوَاحِدَ وَلَا الْحَائِطَ بَيْنَ دَارَيْنِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ إلَى هُنَاكَ أَيْ إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِمْ. (وَكَذَا) لَا يَقْسِمُ (الرَّقِيقَ) لَا بِرِضَاهُمْ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ فَصَارَ كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْغَنَمِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَلَهُ أَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ لِمَعَانِيهَا الْبَاطِنَةِ مُتَعَذِّرٌ وَلَا وُقُوفَ عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فَلَا يَقْسِمُ إلَّا بِتَرَاضٍ بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَبِخِلَافِ الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالْعَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا

إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يَقْسِمُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقَسَّمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ. (وَالدُّورُ) الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّهَا (فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ يَقْسِمُ كُلَّ) وَاحِدَةٍ (عَلَى حِدَتِهِ) إلَّا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا قِسْمَةُ فَرْدٍ لَا قِسْمَةُ جَمْعٍ؛ لِأَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِوُجُوهِ السُّكْنَى وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا نَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى فَيُوجَدُ فُحْشُ التَّفَاوُتِ بِاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ وَالسُّوقِ (وَقَالَا إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ جَازَ) أَنْ يَقْسِمَ هَذَا عَلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً وَنَظَرًا إلَى أَصْلِ السُّكْنَى وَأَجْنَاسٌ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى فَكَانَ أَمْرُهَا مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي إنْ شَاءَ قَسَمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْسِمْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْأَقْرِحَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ أَوْ الْكَرْمُ الْمُشْتَرَكَةُ (وَفِي مِصْرَيْنِ يُقَسَّمُ كُلٌّ عَلَى حِدَتِهِ اتِّفَاقًا) فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ أَحَدُهُمَا بِالرَّقَّةِ وَالْأُخْرَى بِالْبَصْرَةِ قُسِّمَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَكَذَا) لَا يُقَسَّمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى (دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ) فِي مِصْرٍ بَلْ يُقَسَّمُ عَلَى الِانْفِرَادِ بِالِاتِّفَاقِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ هُنَا جِنْسَيْنِ وَذَكَرَ فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ أَنَّ إجَارَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا هُنَالِكَ عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ مَنْفَعَتِهِمَا وَهِيَ السُّكْنَى. وَفِي الْكَافِي أَنَّ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشُّبْهَةُ لَا النَّازِلُ عَنْهَا وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يَكُونَ مِنْ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْكِتَابِ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَحَاشِيَتِهِ لِمَوْلَى سَعْدِيٍّ جَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَالْبُيُوتُ فِي مُحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي مَحَلَّاتٍ يَجُوزُ قِسْمَةُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ) ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْبُيُوتِ يَسِيرٌ (وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَاصِقَةُ) بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ (كَالْبُيُوتِ) أَيْ يَجُوزُ قِسْمَةُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ. (وَ) الْمَنَازِلُ (الْمُتَبَايِنَةُ) بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ (كَالدُّورِ) أَيْ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ بَلْ يُقَسَّمُ كُلُّ مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارٍ أَوْ مَحَالَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ فِي السُّكْنَى لَكِنْ دُونَ الدَّارِ وَفَوْقَ الْبَيْتِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِنْ تَلَازَقَتْ فَقِسْمَةُ فَرْدٍ وَإِلَّا فَقِسْمَةُ جَمْعٍ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِذَا قُسِّمَتْ الدَّارُ تُقَسَّمُ الْعَرْصَةُ بِالذِّرَاعِ وَالْبِنَاءُ بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَضَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ تَحْقِيقًا لِلْمُعَادَلَةِ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى أَوْ فِي الْمَعْنَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الصُّورَةِ.

فصل في كيفية القسمة

[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] (وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ) عَلَى قِرْطَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ (مَا يَقْسِمُهُ) لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ وَإِصَابَتُهُ (وَيُعَدِّلُهُ) أَيْ يُسَوِّي مَا قَسَمَهُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ (وَيُذَرِّعُهُ) أَيْ يُذَرِّعُ مَا قَسَمَهُ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ بِأَنْ يُصَوِّرَ الذُّرْعَانَ عَلَى ذَلِكَ الْقِرْطَاسِ بِقَلَمِ الْجَدْوَلِ فَيَكُونُ كُلُّ ذِرَاعٍ فِي ذِرَاعٍ بِشَكْلِ لَبِنَةٍ (وَيُقَوِّمُ بِنَاءَهُ) إذْ التَّقْوِيمُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ (وَيَفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ يَكْمُلُ وَلِارْتِفَاعِ النِّزَاعِ هَذَا مَا هُوَ الْأَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَ وَلِذَا يَجُوزُ تَرْكُهُ (وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ) جَمْعُ نَصِيبٍ (بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ) وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَهَلُمَّ جَرًّا (وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ) أَيْ أَسَامِي الشُّرَكَاءِ وَيَجْعَلُهَا بِطَاقَاتٍ وَيَطْوِي كُلَّ بِطَاقَةٍ وَيَجْعَلُهَا شِبْهَ الْبُنْدُقَةِ وَيُدْخِلُهَا فِي طُنَّيْنِ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَدْلُكُهَا ثُمَّ يَجْعَلُهَا فِي وِعَاءٍ أَوْ فِي كُمِّهِ ثُمَّ يُخْرِجُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (وَيُقْرِعُ) لِتَطْيِيبِ الْمَقْلُوبِ (فَالْأَوَّلُ لِمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا وَالثَّانِي لِمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا وَالثَّالِثُ لِمَنْ خَرَجَ ثَالِثًا) إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى الْقُرْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَيَبْدَأُ الْقِسْمَةَ مِنْ أَيِّ طَرَفٍ كَانَ فَإِنْ جَعَلَ الطَّرَفَ الشَّرْقِيَّ أَوَّلًا يَجْعَلُ مَا يَلِيه ثَانِيًا ثُمَّ مَا يَلِيه ثَالِثًا فَيُخْرِجُ الْقُرْعَةَ الْمَكْتُوبَةَ فَيُعْطِي السَّهْمَ لِمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِيهَا أَوَّلًا وَالثَّانِي لِمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ ثَانِيًا وَالثَّالِثُ ثَالِثًا بِلَا حَاجَةٍ إلَى إخْرَاجِ قُرْعَةٍ إذْ بَقِيَ لَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ بِلَا مُنَازِعٍ هَذَا فِي السِّهَامِ الْمُتَسَاوِيَةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ مَثَلًا نِصْفٌ وَلِلثَّانِي سُدُسٌ وَلِلثَّالِثِ ثُلُثٌ فَيَجْعَلُ السِّهَامَ سِتَّةً فَإِنْ خَرَجَ فِي الْقُرْعَةِ الْأُولَى اسْمُ مَنْ لَهُ الثُّلُثُ اتِّفَاقًا فَلَهُ السَّهْمَانِ أَحَدُهُمَا هُوَ الْمُلَقَّبُ بِالْأَوَّلِ فِي طَرَفٍ شَرْقِيٍّ وَالْآخَرُ مَا يَلِيه تَتْمِيمًا لِحَقِّهِ ثُمَّ إنْ خَرَجَ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْمُ مَنْ لَهُ النِّصْفُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ عَلَى الِاتِّصَالِ فَيَبْقَى سَهْمٌ وَاحِدٌ لِمَنْ لَهُ السُّدُسُ بِلَا إخْرَاجِ قُرْعَةٍ وَالْقُرْعَةُ هُنَا لِإِزَالَةِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ الْقَسَّامِ أَوْ الْقَاضِي فِي إعْطَاءِ كُلٍّ سِهَامَهُ لَا فِي أَصْلِ الِاقْتِسَامِ فَمَعْنَى الْقِمَارِ يَسْقُطُ عَنْ الِاعْتِبَارِ. (وَلَا تَدْخُلُ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَأَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلَّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ وَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا تَجُوزُ قِسْمَةُ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْسِمُ الْكُلَّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إذَا كَانَ أَرْضًا وَبِنَاءً لِتَعَذُّرِ التَّعْدِيلِ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْأَرْضَ بِالْمِسَاحَةِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْمَسْمُوحَاتِ فَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ

أَجْوَدَ أَوْ وَقَعَ لَهُ الْبِنَاءُ يَرُدُّ عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ حَتَّى يُسَاوِيهِ فَيُدْخِلُ الدَّرَاهِمَ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي مُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ فَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَا يُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ بِأَنْ لَا تَفِيَ الْأَرْضُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ فِي مُقَابَلَةِ الْفَضْلِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ وَأَوْفَقُ لِلْأُصُولِ. (فَإِنْ وَقَعَ مَسِيلُ) مَاءٍ (أَوْ طَرِيقُ) الْمُرُورِ (لِأَحَدِهِمْ فِي نَصِيبِ آخَرَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَشْتَرِطْ) ذَلِكَ (فِي الْقِسْمَةِ صُرِفَ) الْمَسِيلُ أَوْ الطَّرِيقُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآخَرِ (إنْ أَمْكَنَ) صَرْفُهُ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَطْعُ الِاشْتِرَاكِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهُ عَنْهُ (فُسِخَتْ) الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِاخْتِلَالِهَا وَتُسْتَأْنَفُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ. (وَيَقْسِمُ) الْقَاضِي (سَهْمَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ بِسَهْمٍ مِنْ السُّفْلِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَقْسِمُ (سَهْمًا بِسَهْمٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْسِمُ بِالْقِيمَةِ) كَمَا إذَا كَانَ عُلْوٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَسُفْلُهُ لِرَجُلٍ أَوْ سُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلْوُهُ لِآخَرَ وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ الْإِمَامُ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلْوِ وَالْعُلْوَ لَا يَبْقَى بَعْدَ فَنَاءِ السُّفْلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُحْسَبُ ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعٍ مِنْ الْعُلْوِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ السُّكْنَى وَقَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَوَّمُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَيَقْسِمُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ فَفِي الصَّيْفِ يَخْتَارُ الْعُلْوَ وَفِي الشِّتَاءِ السُّفْلَ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ قِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَهُ فِي زَمَانِهِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الِاخْتِلَافُ فِي السَّاحَةِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَيُقَسَّمُ بِالْقِيمَةِ اتِّفَاقًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (الْفَتْوَى) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (فَإِنْ أَقَرَّ) وَالْأَوْلَى بِالْوَاوِ (أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ بِالِاسْتِيفَاءِ) أَيْ بِأَخْذِ تَمَامِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمَقْسُومِ (ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ نَصِيبِهِ مِنْهُ) وَقَعَ (فِي يَدِ صَاحِبِهِ) غَلَطًا بَعْدَمَا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ (لَا يُصَدَّقُ) قَوْلُهُ (إلَّا بِحُجَّةٍ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى تُخَالِفُ إقْرَارَهُ السَّابِقَ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى قَالُوا يُحْمَلُ دَعْوَى الْغَلَطِ عَلَى فَسْخِ الْقِسْمَةِ لِيَكُونَ وَجْهًا لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى فِعْلِ الْقَاسِمِ فِي إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ انْتَهَى وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْهِدَايَةِ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِالْبَيِّنَةِ حَيْثُ قَالَ إنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةً اسْتَخْلَفَ الشُّرَكَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ هَذِهِ الدَّعْوَى بِالنُّكُولِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ أَيْضًا إذْ لَا نِزَاعَ فِيهِ بَلْ يُمْنَعُ قَوْلُ مَنْ نَازَعَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحُجَّةِ إقْرَارُ الْخَصْمِ أَوْ نُكُولُهُ لَا غَيْرُ لِكَوْنِ الدَّعْوَى عَلَى التَّنَاقُصِ وَقَالَ صَاحِبُ

الْإِصْلَاحِ إلَّا بِحُجَّةٍ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَنُكُولِهِ عَلَى التَّعْمِيمِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمَيْنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمِينَ (فِيهَا) أَيْ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِمَا فَأَوْرَثَتْ التُّهْمَةَ وَهَذَا إذَا تَقَاسَمَا مَجَّانًا وَلَا يَجُرَّانِ لَهُمَا نَفْعًا قَالَ الطَّحَاوِيُّ إذَا اقْتَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. (وَإِنْ قَالَ) أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ (قَبَضْته) أَيْ حَقِّي (ثُمَّ أَخَذَ) صَاحِبِي (بَعْضَهُ) مِنِّي بَعْدَمَا قَبَضْته وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ (حَلَفَ خَصْمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَفِي التَّسْهِيلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي أَنَّ الْخَصْمَ يَحْلِفُ فِيهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ دَعْوَاهُ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. (وَإِنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَصَابَنِي) مِنْ ذَلِكَ (كَذَا) إلَى كَذَا (وَلَمْ يُسَلِّمْ) مَا أَصَابَنِي مِنْ حَقِّي (إلَيَّ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ) الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ. وَفِي الْفَرَائِدِ نَقْلًا عَنْ التَّسْهِيلِ هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا وَأَجَابَ هُنَا أَنَّهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ لِلتَّنَاقُضِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ. (وَلَوْ ادَّعَى) أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ (غَبْنًا) فِي الْقِسْمَةِ (لَا يُعْتَبَرُ كَالْبَيْعِ) أَيْ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِدَعْوَى الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي (إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ) الْقَاضِي (وَالْغَبْنُ فَاحِشٌ فَتُفْسَخُ) الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بَطَلَتْ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي تَبْطُلُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ الْكَافِي وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ مُعَيَّنٍ مِنْ نَصِيبِ الْبَعْضِ لَا تَنْفَسِخُ) الْقِسْمَةُ اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ (وَيَرْجِعُ) الْبَعْضُ (بِقِسْطِهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ) كَمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَقُسِمَتْ فَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمَا بَيْتٌ هُوَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا اسْتَحَقَّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ. (وَكَذَا) لَا تَنْفَسِخُ (فِي الشَّائِعِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَنْفَسِخُ) الْقِسْمَةُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْإِفْرَازِ بِاسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرَوَى أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (وَفِي بَعْضٍ مُشَاعٍ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ إجْمَاعًا) لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ

فصل في المهايأة

الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الْمُسْتَحِقُّ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ. (وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ مُحِيطٌ) بِمَالِهِ (نُقِضَتْ) الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ. (وَكَذَا) تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ (لَوْ) ظَهَرَ دَيْنٌ لَكِنَّهُ (غَيْرُ مُحِيطٍ) بِمَالِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ (إلَّا إذَا بَقِيَ بِلَا قِسْمَةٍ مَا يَفِي بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ فِي إيفَاءِ حَقِّهِمْ. (وَلَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ ذِمَمَ الْوَرَثَةِ مِنْ دُيُونِهِمْ (أَوْ أَدَّاهُ) أَيْ الدِّينَ (الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهِمْ لَا تُنْقَضُ) الْقِسْمَةُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا أَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِكَوْنِ الْمَقْسُومِ مُشْتَرَكًا. [فَصْلٌ فِي الْمُهَايَأَةِ] ِ (وَتَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ) عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الِانْتِفَاعِ وَهِيَ لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ التَّهْيِئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ رَضِيَ بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا وَقِيلَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ التَّهَايُؤِ فَكَأَنَّهُ يَتَهَايَأُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ فَرَاغِ صَاحِبِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالتَّهَايُؤِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجْمَعُ الْمَنَافِعَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي يَجْمَعُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَجْرِي فِيهِ جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْقِسْمَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُهَا وَشَرْعًا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا لَكِنَّهَا جَازَتْ اسْتِحْسَانًا بِالْإِجْمَاعِ. (وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْمُهَايَأَةِ إذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ (فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَتَجُوزُ وَتُجْبَرُ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ بِأَنْ (يَسْكُنَ هَذَا) الشَّرِيكُ (بَعْضًا) أَيْ بَعْضَ الدَّارِ (وَهَذَا) الشَّرِيكُ (بَعْضًا) آخَرَ مِنْ الدَّارِ (أَوْ هَذَا) يَسْكُنُ فِي (عُلْوِهَا وَهَذَا) فِي (سُفْلِهَا) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ بِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْقِيتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْتَقِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَ) تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ (فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ يَسْكُنُ هَذَا شَهْرًا وَهَذَا شَهْرًا وَلَهُ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (الْإِجَارَةُ) أَيْ إجَارَةُ مَا أَصَابَهُ (وَأَخْذُ الْغَلَّةِ فِي نَوْبَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ وَقَدْ مَلَكَهَا فَلَهُ اسْتِغْلَالُهَا. (وَ) تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ (فِي عَبْدٍ) وَاحِدٍ (يَخْدُمُ) الْعَبْدُ (هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ هَهُنَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ

وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَتَّفِقَا لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ فَإِنْ اخْتَارَاهُ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرِعُ فِي الْبِدَايَةِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ. (وَ) تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ (فِي عَبْدَيْنِ يَخْدُمُ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ (وَ) يَخْدُمُ الْعَبْدُ (الْآخَرُ) الشَّرِيكَ الْآخَرَ لَا إشْكَالَ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ جَبْرًا وَاخْتِيَارًا فَكَذَا مَنْفَعَتُهُمْ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَخْدُمُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الطَّعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ وَلِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الطَّعَامِ وَكَثْرَتِهَا فِي الْكِسْوَةِ فَإِنَّ وَقَّتَ شَيْئًا مِنْ الْكِسْوَةِ مَعْرُوفًا جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَصْفِ يَنْعَدِمُ التَّفَاوُتُ أَوْ يَقِلُّ. (وَ) جُوِّزَ (فِي دَارَيْنِ يَسْكُنُ هَذَا) الشَّرِيكُ (هَذِهِ) الدَّارَ (وَ) يَسْكُنُ (هَذَا) الشَّرِيكُ الْآخَرُ الدَّارَ (الْأُخْرَى) وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَجْرِيَ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِيهَا لَا تَتَفَاوَتُ فَيَجُوزُ وَيُجْبَرُ مِنْهُمَا وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَقَارِبَةِ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ وَقَدْ قِيلَ لَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ أَصْلًا لَا بِالْجَبْرِ وَلَا بِالتَّرَاضِي. (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ التَّهَايُؤُ (فِي دَابَّةٍ) يَرْكَبُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا (أَوْ دَابَّتَيْنِ) هَذَا هَذِهِ وَهَذَا الْأُخْرَى (إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبَيْنِ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَحْذَقَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَتَحَمَّلُهَا (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ. (وَيَجُوزُ) التَّهَايُؤُ (فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ) يَسْتَغِلُّهَا هَذَا الشَّهْرَ أَوْ يَأْخُذُ غَلَّتَهَا وَهَذَا شَهْرًا وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا (أَوْ دَارَيْنِ هَذَا هَذِهِ) يَعْنِي هَذَا الشَّرِيكُ يَسْتَغِلُّهَا هَذِهِ الدَّارَ وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا (وَهَذَا) الشَّرِيكُ الْآخَرُ يَسْتَغِلُّ الدَّارَ (الْأُخْرَى) وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ (لَا فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ (وَمَا زَادَ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ) مِنْ الْغَلَّةِ عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ (مُشْتَرَكٌ) لِتَحَقُّقِ التَّعْدِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيمَا وَقَعَ عَلَى التَّهَايُؤِ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا تَضُرُّهُ زِيَادَةُ الِاسْتِغْلَالِ مِنْ بَعْدُ (لَا فِي الدَّارَيْنِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ جَائِزٌ أَيْضًا فِي

كتاب المزارعة

ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ فَضَلَ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يَشْتَرِكَانِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَالْإِفْرَازُ رَاجِحٌ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ فَرْضًا وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَوْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ فَلِذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْفَضْلِ. (وَ) يَجُوزُ التَّهَايُؤُ (فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدَيْنِ هَذَا هَذَا) أَيْ يَسْتَغِلُّ هَذَا الشَّرِيكُ هَذَا الْعَبْدَ وَيَأْخُذُ غَلَّتَهُ (وَهَذَا الْآخَرَ) أَيْ يَسْتَغِلُّ الشَّرِيكُ الْآخَرَ وَيَأْخُذُ غَلَّتَهُ (وَلَا يَجُوزُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاوُتِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ يَجُوزُ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهِ عَيْنًا وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَقَايَسَانِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ (وَعَلَى هَذَا) الْخِلَافِ (الدَّابَّتَانِ) حَيْثُ مَنَعَ الْإِمَامُ الْمُهَايَأَةَ فِي بَغْلَتَيْنِ مَثَلًا وَجَوَّزَهَا صَاحِبَاهُ لِمَا ذُكِرَ. (وَلَا تَجُوزُ) الْمُهَايَأَةُ (فِي ثَمَرِ شَجَرٍ أَوْ لَبَنِ غَنَمٍ أَوْ أَوْلَادِهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّهَايُؤِ بِخِلَافِ لَبَنِ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَتَانِ مُشْتَرِكَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَئَا أَنْ تُرْضِعَ إحْدَاهُمَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا وَالْأُخْرَى وَلَدَ الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ ابْنِ آدَمَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى الْمَنَافِعِ وَالْحِيلَةُ فِي الثِّمَارِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ثُمَّ يَبِيعَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَتَجُوزُ) الْمُهَايَأَةُ (فِي عَبْدٍ وَدَارٍ عَلَى السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا تَجُوزُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَوْلَى. (وَكَذَا) تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ (فِي كُلِّ مُخْتَلِفَيْ الْمَنْفَعَةِ) كَسُكْنَى الدَّارِ وَزَرْعِ الْأَرْضِ وَكَذَا الْحَمَّامُ وَالدَّارُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْمُهَايَأَةِ. (وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَضَ لَاسْتَأْنَفَهُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْضِ ثُمَّ الِاسْتِئْنَافِ. (وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ بَطَلَتْ) الْمُهَايَأَةُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ أَقْوَى فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ. [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] ِ لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَهَا وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ زَارَعَ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْحَبِّ وَنَحْوِهِ فِي الْأَرْضِ. وَفِي الشَّرْعِ (هِيَ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) وَيُسَمَّى الْمُخَابَرَةُ وَالْمُحَاقَلَةُ

وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقِرَاحُ (وَهِيَ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (فَاسِدَةٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ» وَالْمُخَابَرَةُ هِيَ الزِّرَاعَةُ عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالتَّخْصِيصُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ لِلْعَادَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِهِمَا إذْ الْفَسَادُ ثَابِتٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَلِذَا قِيلَ فِي التَّعْرِيفِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ وَالْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَجِدُ أَرْضًا وَلَا مَا يَعْمَلُ بِهِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى جَوَازِهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ كَالْمُضَارَبَةِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا (يُفْتَى) لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ (قَالَ) الْإِمَامُ (الْحَصِيرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الَّذِي فَرَّعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى أُصُولِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْمُزَارَعَةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ التَّفْرِيغُ بَعْدَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ وَعَلَى أُصُولِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَهَا (لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ) فِيهَا (بِقَوْلِهِ) لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا وَتَعَامُلِهِمْ بِهَا. (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُزَارَعَةِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهَا (صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الرَّيْعُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ كَوْنِهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ. (وَ) يُشْتَرَطُ (أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ. (وَ) يُشْتَرَطُ (تَعَيُّنُ الْمُدَّةِ) لِتَصِيرَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ ذُكِرَ وَقْتٌ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَكَذَا ذِكْرُ مُدَّةٍ لَا يَعِيشُ أَحَدُهُمَا إلَى مِثْلِهَا غَالِبًا وَجَوَّزَهُ بَعْضٌ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهَا بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّةِ جَائِزَةٌ وَتَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. (وَ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (رَبِّ الْبَذْرِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ. (وَ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (جِنْسِهِ) أَيْ الْبَذْرِ لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا إذْ الْأَجْرُ بَعْضُ الْخَارِجِ. (وَ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (نَصِيبِ الْآخَرِ) أَيْ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. (وَ) يُشْتَرَطُ (التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ نَظِيرَ الْمُضَارَبَةِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَالَ إلَيْهِ حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُفَوِّتُ بِهِ التَّخْلِيَةَ وَهُوَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ. (وَ) يُشْتَرَطُ (الشِّرْكَةُ فِي الْخَارِجِ) بَعْدَ حُصُولِهِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَهُوَ الشِّرْكَةُ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ إجَارَةً فِي الِابْتِدَاءِ وَشِرْكَةً فِي الِانْتِهَاءِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ (فَتَفْسُدُ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (إنْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (قُفْزَانٌ) جَمْعُ قَفِيزٍ (مُعَيَّنَةٌ) لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الشِّرْكَةِ عِنْدَ إخْرَاجِ الْأَرْضِ مِقْدَارًا

مَذْكُورًا أَوْ قَلِيلًا فَحِينَئِذٍ لَا يُوجَدُ عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ فِيمَا يَخْرُجُ عَلَى الشُّيُوعِ (أَوْ) شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا (مَا يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) وَكَوْنُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِانْقِطَاعِ الشِّرْكَةِ بِأَنْ لَا يُحَصِّلَ حَبَّةً إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ مَذْكُورٍ (كَالْمَاذِيَانَاتِ) جَمْعُ مَاذِيَانِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمُ مِنْ جَدْوَلٍ (وَالسَّوَّاقِي) جَمْعُ سَاقِيَّةٍ وَهِيَ فَوْقَ الْجَدْوَلِ دُونَ النَّهْرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَيَكُونُ الْمَاذِيَانُ وَالسَّاقِيَّةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْرُجَ إلَّا مِنْهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ. (أَوْ) شَرَطَ (أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ الْبَذْرِ) لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَكَوْنَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا (أَوْ) شَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ (الْخَرَاجِ وَيَقْسِمَ مَا يَبْقَى) مِنْ قَدْرِ الْبَذْرِ أَوْ قَدْرِ الْخَرَاجِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي الْجَمِيعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا قَدْرُ الْبَذْرِ أَوْ الْخَرَاجُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْخَرَاجِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَإِنْ اشْتَرَطَا رَفْعَهُ لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ. (أَوْ) شَرَطَ (أَنْ يَكُونَ التِّبْنُ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَبُّ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْحَبُّ سِوَى التِّبْنِ فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ الشِّرْكَةِ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْحَبُّ (أَوْ يَكُونَ الْحَبُّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنُ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ يَكُونَ التِّبْنُ بَيْنَهُمَا وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا) بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ. (وَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ الْحَبِّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنِ لِرَبِّ الْبَذْرِ أَوْ شَرَطَ دَفْعَ الْعُشْرِ) أَيْ عُشْرِ الْخَارِجِ وَالْأَرْضُ عُشْرِيَّةٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا (صَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ أَمَّا الْأُولَى فَيَجُوزُ الشِّرْكَةُ لِوُجُودِهَا فِي الْمَقْصُودِ وَلِكَوْنِ التِّبْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى مَا يَقْتَضِيه حُكْمُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ الْبَذْرِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْعُشْرَ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآخَرِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ) شَرَطَ كَوْنَ الْحَبِّ بَيْنَهُمَا وَ (لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتِّبْنِ) لِحُصُولِ الشِّرْكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَرَامُ (فَهُوَ) أَيْ التِّبْنُ (بَيْنَهُمَا) وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ بَلْخِي اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ (وَقِيلَ) يَكُونُ التِّبْنُ (لِرَبِّ الْبَذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَفِي دِيَارِنَا لِصَاحِبِ الْبَقَرِ لِكَوْنِهِ عَفَا لَهُ. (وَأَجْرُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ (بِالْخُصُصِ) ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (فَإِنْ شَرَطَ) الْأَجْرَ (عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَتَفْسُدُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ عَلَى الْعَامِلِ (يَصِحُّ) لِلتَّعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ

اعْتِبَارًا بِالِاسْتِصْنَاعِ (وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْأَجْرِ (عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا) لِعَدَمِ التَّعَامُلِ بِذَلِكَ. (وَمَا) كَانَ (قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْمُزَارِعِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يُزَادُ بِهِ الزَّرْعُ وَلَا يُنْقَصُ. وَفِي الْهِدَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِيمَا هُوَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَفِيمَا هُوَ بَعْدَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَمَيُّزِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مِلْكِ الْآخَرِ. (وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِلْآخَرِ أَوْ) كَانَتْ (الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَقِيَّةُ) مِنْ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرِ (لِلْآخَرِ أَوْ) كَانَ الْعَمَلُ (لِأَحَدِهِمَا وَالْبَقِيَّةُ) مِنْ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ (لِلْآخَرِ صَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ فِي الْكُلِّ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ يَقَعُ عَلَى الْعَمَلِ هُنَا وَالْبَقَرُ آلَةٌ لِلْعَامِلِ كَمَا يَقَعُ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْخِيَاطَةِ عَلَى الْخَيْطِ وَيُجْعَلُ إبْرَتُهُ آلَةً لَهَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ كَاسْتِئْجَارِهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ لِيُطَيِّنَ بِمَرِّهِ. (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ بَطَلَتْ) الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا بِالْبَذْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِ الِانْتِفَاعِ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْبَقَرِ مَعَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَادَةِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِهِ. (وَكَذَا) تَبْطُلُ (لَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ (أَوْ) كَانَ (الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي) وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْأَرْضُ (لِلْآخَرِ) وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْأَرْضُ تَبَعًا لَهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا وَهَهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهَا وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ قَالُوا هِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ إذْ لَا تَعَامُلَ فِي اسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَلَا يُعْلَمُ مَا هُوَ أَجْرُهُ بِحَسَبِ التَّعَامُلِ. وَفِي التَّنْوِيرِ دَفَعَ رَجُلٌ أَرْضَهُ إلَى آخَرَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِنَفْسِهِ وَبَقَرِهِ وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَعَمِلَا عَلَى هَذَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَجْرٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا وَكَذَلِكَ تَفْسُدُ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ ثُلُثَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَثُلُثُهُ مِنْ الْآخَرِ وَالرَّيْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى

قَدْرِ بَذْرِهِمَا. (وَإِذَا صَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ (فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) أَيْ الْخَارِجُ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ. (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ الْأَرْضِ (شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالشِّرْكَةِ فِي الْخَارِجِ وَلَا شِرْكَةَ فِي الْخَارِجِ. (وَمَنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ (عَنْ الْمُضِيِّ) عَلَى مُوجِبِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ (بَعْدَ الْعَقْدِ أُجْبِرَ) مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ إجَارَةً وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ (إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عِنْدَ الْإِبَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَهْدِمَ دَارِهِ ثُمَّ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ (فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ) وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ (أَوْ) أَجْرُ مِثْلِ (أَرْضِهِ) إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ (وَلَا يُزَادُ) أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى مَا شُرِطَ) أَيْ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِوُجُودِ الرِّضَا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْفَسَادِ تَكُونُ لَغْوًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ (لِكَوْنِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ فَقَطْ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَ أَجْرُ مِثْلِهِمَا) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُ أَجْرُ مِثْلِهِمَا (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ يَغْرَمُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَأَمَّا الْبَقَرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا وَوُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ بِدُونِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ بِدُونِهِ. (وَإِذَا فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ (وَالْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ حِلٌّ لَهُ) أَيْ حِلٌّ لَهُ قَدْرُ الْبَذْرِ وَالْفَضْلُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ. (وَإِنْ) فَسَدَتْ وَالْبَذْرُ (لِلْعَامِلِ) لَا يَطِيبُ لَهُ الْخَارِجُ فَحِينَئِذٍ (تَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ بَذْرِهِ، وَ) قَدْرِ (أُجْرَةِ الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ بَذْرِهِ لَكِنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَأَوْجَبَ خَبُثَا فَمَا كَانَ عِوَضَ مَالِهِ طَابَ لَهُ وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَإِذَا أَبَى رَبُّ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ وَقَدْ كَرَبَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ) أَيْ قَلَّبَهَا لِلْحَرْثِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ (حُكْمًا) أَيْ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ (وَيُسْتَرْضَى) أَيْ الْآبِي فِي عَمَلِهِ (دِيَانَةً) عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ إذْ الْغُرُورُ فِي الْكِرَابِ مِنْ جَانِبِ الْآبِي. (وَتَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ كَالْإِجَارَةِ) وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ. (فَتُفْسَخُ) الْمُزَارَعَةُ (إنْ لَزِمَ دَيْنٌ مُحْوِجٌ إلَى بَيْعِ الْأَرْضِ) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ (قَبْلَ نَبَاتِ الزَّرْعِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ وَهِيَ تَنْفَسِخُ

الْأَعْذَارُ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ (مَا لَمْ يُحْصَدْ) أَيْ لَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يُسْتَحْصَدْ لَا تُبَاعُ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ فِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَيُخْرِجُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِهِ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَلَوْ دَفَعَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ فِي الْأُولَى وَمَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ تَرَكَ الزَّرْعَ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ وَقُسِّمَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ فِي السَّنَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةَ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالْوَرَثَةِ وَفِي الْقَطْعِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْعَامِلِ أَصْلًا فَكَانَ الْإِبْقَاءُ أَوْلَى وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِبْقَاءِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لِلْمُزَارِعِ فِي شَيْءٍ بَعْدُ فَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنْ كَانَ كَرَبَ الْأَرْضَ أَوْ حَفَرَ النَّهْرَ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَتَقْوِيمُهَا بِالْخَارِجِ فَلَا خَارِجَ. (وَإِنْ تَمَّتْ مُدَّتُهَا) أَيْ الْمُزَارَعَةِ (قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يُدْرِكَ) الزَّرْعُ وَيُسْتَحْصَدُ؛ لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ. (وَنَفَقَةِ الزَّرْعِ) وَمُؤْنَةِ الْحِفْظِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ (بِقَدْرِ حِصَصِهِمَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجَرٌ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا مَضَتْ انْتَهَى الْعَقْدُ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (وَأَيُّهُمَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ وَلَا أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَا يُقَالُ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ. (وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ الزَّرْعِ بَقْلًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُزَارِعِ. (وَإِنْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ ذَلِكَ) أَيْ أَخَذَ الزَّرْعَ بَقْلًا (قِيلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ اقْلَعْ الزَّرْعَ لِيَكُونَ بَيْنَكُمَا أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ) أَيْ الْمُزَارِعِ (أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعِ وَارْجِعْ فِي حِصَّتِهِ) أَيْ ارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقْته فِي حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ النَّهْيِ نَظَرٌ لِلْعَامِلِ وَقَدْ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَرَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ؛ لِأَنَّ بِكُلِّ ذَلِكَ يُسْتَدْفَعُ الضَّرَرُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَعَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَمَّةَ يَبْقَى فِي مُدَّتِهِ وَمُوجِبُهُ عَلَيْهِ إلَى إدْرَاكِهِ وَحَصَادِهِ. (وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ) وَالزَّرْعُ بَقْلٌ (فَقَالَ وَارِثُهُ أَنَا أَعْمَلُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ فَلَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ (ذَلِكَ) أَيْ أَنْ يَعْمَلَ مَكَانَهُ نَظَرًا لِلْوَرَثَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَبَى رَبُّ الْأَرْضِ) وَلَا أَجْرَ لِلْوَارِثِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْعَامِلِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فِي الْمُدَّةِ كَأَنَّ الْوَارِثَ وَرِثَهُ مَعَ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَمَلِ وَالْعَامِلُ عَلَى

كتاب المساقاة

الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ لِمَا بَيَّنَّا لَكِنْ لَوْ رَجَعَ الْمَالِكُ بِالنَّفَقَةِ يَرْجِعُ بِكُلِّهَا إذْ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ مُسْتَحَقٌّ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَفِي التَّنْوِيرِ الْغَلَّةُ فِي الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا أَيْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ فَلَا ضَمَانَ لَوْ هَلَكَتْ وَمِثْلُهُ الْمُعَامَلَةُ وَإِذَا قَصَّرَ الْمُزَارِعُ فِي سَقْيِ الزَّرْعِ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْفَاسِدَةِ وَيَضْمَنُ فِي الصَّحِيحَةِ. [كِتَاب الْمُسَاقَاة] لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهَا وَلَوْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ غَيْرَ أَنَّ اعْتِرَاضَ مُوجِبَيْنِ صَوَّبَ إيرَادَ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ أَحَدُهُمَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَالثَّانِي كَثْرَةُ تَفْرِيعِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْمُسَاقَاةِ مِنْ الْمُزَارَعَةِ كَمَا فِي النَّتْفِ وَإِنَّمَا آثَرَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْفَقُ بِحَسَبِ الِاشْتِقَاقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَالتَّفْرِقَةُ مِنْ الظَّنِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (هِيَ دَفْعُ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ) أَيْ الشَّجَرِ (وَهِيَ) الْمُسَاقَاةُ (كَالْمُزَارَعَةِ حُكْمًا) حَيْثُ يُفْتِي عَلَى صِحَّتِهَا (وَخِلَافًا) حَيْثُ تَبْطُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. (وَشُرُوطًا) يُمْكِنُ اشْتِرَاطُهَا فِي الْمُسَاقَاةِ كَذِكْرِ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الثَّمَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالشَّجَرِ وَأَمَّا بَيَانُ الْبَذْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْمُسَاقَاةِ (إلَّا لِمُدَّةٍ فَإِنَّهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةَ (تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِهَا) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ اسْتِحْسَانًا فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَقْتًا مَعْلُومًا وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا وَصَيْفًا وَرَبِيعًا وَالِانْتِهَاءَ بِنَاءً عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَغَيْرُهُ وَشُرُوطًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ وَالثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يَتْرُكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرٍ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ وَالثَّالِثُ إذَا اسْتَحَقَّ النَّخِيلَ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ مَا بُيِّنَ فِي الْمَتْنِ. (وَتَقَعُ) مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ (عَلَى) مُدَّةِ (أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ) فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَوَّلُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَمَلِ فِي الثَّمَرِ الْمَعْلُومِ وَآخِرُهَا وَقْتُ إدْرَاكِهِ الْمَعْلُومُ فَتَجُوزُ. وَفِي الْمِنَحِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَتَكُونُ لَهُ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا انْتَقَضَتْ الْمُسَاقَاةُ. (وَ) تَقَعُ (فِي الرَّطْبَةِ عَلَى إدْرَاكِ بَذْرِهَا) أَيْ دَفْعِ الرَّطْبَةِ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ كَدَفْعِ الشَّجَرِ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ

يَعْنِي إذَا دَفَعَهَا بَعْدَ مَا تَنَاهَى نَبَاتُهَا وَلَمْ يَخْرُجْ بَذْرُهَا فَيَقُومُ عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ الْبَذْرُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَلَوْ دَفَعَ نَخِيلًا أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ لِيَقُومَ عَلَيْهَا) مَعْنَاهَا حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهَا أَوْ يَنْقَطِعُ نَبَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَتَى ذَلِكَ (أَوْ أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ) يَعْنِي لَمْ يَقُلْ حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهَا (فَسَدَتْ) الْمُعَامَلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّ وَقْتٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى لَوْ عَرَفَ جَازَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخْلِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الثَّمَرَةِ الْأُولَى. (وَيُفْسِدُهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةَ (ذِكْرُ مُدَّةٍ لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ. (وَإِنْ اُحْتُمِلَ خُرُوجُهَا) أَيْ خُرُوجُ الثَّمَرِ فِيهَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ خُرُوجِهَا فِيهَا (جَازَتْ) الْمُسَاقَاةُ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (فَإِنْ خَرَجَ) الثَّمَرُ (فِيهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (فَعَلَى الشَّرْطِ) الَّذِي شَرَطَاهُ لِتَحْقِيقِ الْمَرَامِ. (وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمُدَّةِ (فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ (وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمِنَحِ كَلَامٌ فَإِنْ شِئْت فَارْجِعْ إلَيْهِ (وَكَذَا) أَيْ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلٍ (كُلُّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ (فِيهِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ) مِنْ الثَّمَرِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَبَدًا لِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنُ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ. (وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالرِّطَابِ) يَعْنِي الْبُقُولَ كَالْكُرَّاثِ وَالْإِسْفَانَاخِ وَنَحْوِهِمَا (وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) عِنْدَنَا لِحَاجَةِ النَّاسِ فِي كُلِّهَا لَا فِي بَعْضِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّجَرَ هُنَا مَعَ انْفِهَامِهِ مِمَّا سَبَقَ وَذَكَرَ النَّخْلَ مَعَ دُخُولِهِ فِي الشَّجَرِ رَدًّا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فِي الشَّجَرِ وَيَجُوزُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِوُقُوعِ الْأَثَرِ فِيهِمَا لَا فِي غَيْرِهِمَا (فَإِنْ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثَمَرٌ إنْ كَانَ) الثَّمَرُ (يَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ) الْمُسَاقَاةُ (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَزِدْ بِالْعَمَلِ بِأَنْ انْتَهَى الثَّمَرُ (فَلَا) تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. (وَكَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ دَفَعَ أَرْضًا فِيهَا بَقْلٌ) فَإِنَّهَا تَجُوزُ وَإِنْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ تَجُزْ لِمَا قَرَّرْنَاهُ قُبَيْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَتَى عُقِدَتْ عَلَى مَا هُوَ فِي حَدِّ النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ صَحَّتْ وَإِذَا عُقِدَتْ عَلَى مَا تَنَاهَى عِظَمُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَزِيدُ فِي نَفْسِهِ بِسَبَبِ عَمَلِ الْعَامِلِ لَا تَصِحُّ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ خُرُوجُ الْأَشْجَارِ عَنْ حَدِّ الزِّيَادَةِ إذَا بَلَغَتْ وَأَثْمَرَتْ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَمَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ فَعَلَى الْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ (وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ (كَالْجِذَاذِ) أَيْ الْقَطْعِ (وَالْحِفْظِ) بَعْدَ الْجِذَاذِ (فَعَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ صَارَ مِلْكًا مُشْتَرَكًا فِيهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي نَحْوِ هَذَا الْعَمَلِ بِقَدْرِ الْحِصَصِ (وَلَوْ شَرَطَ) أَيْ مَا يُعْمَلُ بَعْدَهُ (عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ)

ما تبطل به المساقاة

الْمُسَاقَاةُ (اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا. [مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاة] (وَتَبْطُلُ) الْمُسَاقَاةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ خَامًا) أَيْ نِيئًا لَكِنْ فِي الْفَرَائِدِ كَلَامٌ إنْ شِئْت فَارْجِعْ إلَيْهِ (عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ تَمَامِ الْمُدَّةِ) عَلَى تَقْدِيرِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ فِيهَا (يَقُومُ الْعَامِلُ أَوْ وَارِثُهُ عَلَيْهِ) كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ إنْ مَاتَ الدَّافِعُ فِي حَالِ أَنَّ الثَّمَرَ نِيءٌ يَقُومُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ كَمَا قَامَ وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ وَالثَّمَرُ نِيءٌ يَقُومُ وَارِثُ الْعَامِلِ عَلَيْهِ كَمَا قَامَ مُوَرِّثُهُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَبَى الدَّافِعُ) عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا (أَوْ وَرَثَتُهُ) إنْ مَيِّتًا أَيْ لَيْسَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ لِلدَّافِعِ وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ. (فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ أَوْ وَارِثُهُ صَرْمَهُ) أَيْ قَطْعَهُ (بُسْرًا) وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ نِيئًا (خُيِّرَ الْآخَرُ) إنْ حَيًّا (أَوْ وَارِثُهُ) إنْ مَيِّتًا (بَيْنَ أَنْ يُقَسِّمُوهُ) أَيْ الْبُسْرَ (عَلَى الشَّرْطِ أَوْ يَدْفَعُوا قِيمَةَ نَصِيبِهِ) أَيْ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الْبُسْرِ (أَوْ يُنْفِقُوا) عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ (وَيَرْجِعَ) عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقُوا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الْبُسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ (كَمَا) مَرَّ (فِي الْمُزَارَعَةِ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَهُنَا وَجْهَ الْخِيَارِ فِيهَا فَلَا نُعِيدُ. (وَلَا تُفْسَخُ) الْمُسَاقَاةُ (بِلَا عُذْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً فَيَكُونُ انْفِسَاخُ عَقْدِهَا بِمَا تَفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهِ (وَمَرَضُ الْعَامِلِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعَمَلِ عُذْرٌ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَيُجْعَلُ عُذْرًا وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَتَأْوِيلُ أَحَدِهِمَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ. (وَكَذَا كَوْنُهُ) أَيْ الْعَامِلِ (سَارِقًا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الثَّمَرِ أَوْ السَّعَفِ) قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَتَفْسَخُ بِهِ. (وَلَوْ دَفَعَ فَضَاءً) أَيْ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ (مُدَّةً مَعْلُومَةً لِمَنْ يَغْرِسُ) فِيهَا شَجَرًا (لِتَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا) لَا يَصِحُّ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا لِلدَّافِعِ قَبْلَ الشَّرِكَةِ بِلَا عَمَلِهِ (وَالشَّجَرُ) الَّذِي يُغْرَسُ (لِرَبِّ الْأَرْضِ) لِوُقُوعِ الْغَرْسِ بِالتَّرَاضِي فَيَتْبَعُ الْأَرْضَ لِاتِّصَالِهِ بِهَا (وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَ) أَجْرُ مِثْلِ (عَمَلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ

كتاب الذبائح

ابْتَغَى لِعَمَلِهِ أَجْرًا وَهُوَ نِصْفُ الْأَرْضِ أَوْ نِصْفُ الْخَارِجِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ قِيلَ حِيلَةُ الْجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ الْأَغْرَاسِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَيَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْعَامِلَ ثَلَاثَ سِنِينَ مَثَلًا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ لِيَعْمَلَ فِي نَصِيبِهِ. وَفِي التَّنْوِيرِ ذَهَبَ الرِّبْحُ بِنَوَاةِ رَجُلٍ وَأَلْقَتْهَا فِي كَرْمِ آخَرَ فَنَبَتَ مِنْهَا شَجَرَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ خَوْخَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَتْ وَفِي الْمِنَحِ دَفَعَ كَرْمَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى النِّصْفِ إنْ زَادَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ هِبَةُ مُشَاعٍ وَإِنْ زَادَ الْعَالُّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَالذَّبَائِحِ إصْلَاحُ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِالْأَكْلِ فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ (الذَّبِيحَةُ اسْمُ مَا يُذْبَحُ) مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ اسْمٌ لِمَا ذُبِحَ أَوْ لِمَا أُعَدَّ لِلذَّبْحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالذَّبِيحَةُ مَا يُسْتَذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ إلَى الِاسْمِيَّةِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إذْ الذَّبِيحُ اسْمُ مَا ذُبِحَ فَلَيْسَ الذَّبِيحَةُ الْمُذَكَّاةُ كَمَا ظَنَّ وَالْمُرَادُ ذَبْحُ الذَّبَائِحِ (وَالذَّبْحُ) فِي الشَّرْعِ (قَطْعُ الْأَوْدَاجِ) جَمْعُ وَدَجٍ وَالْمُرَادُ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَذْبُوحِ وَالذَّبْحُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ ذَبَحَ إذَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ كَالذَّبِيحَةِ وَالذَّكْوَةُ الذَّبْحُ وَهِيَ اسْمٌ مِنْ ذَكَّى الذَّبِيحَةَ تَذْكِيَةً إذَا ذَبَحَهَا قَالَ حَرَّمَ ذَبِيحَةً لَمْ تُذَكَّ قِيلَ يُرَادُ بِالذَّبِيحَةِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ فَالْمَعْنَى حُرِّمَ حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ الذَّبْحُ إذَا لَمْ يُذْبَحْ فَيَخْرُجُ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا الذَّبْحُ وَقِيلَ يُرَادُ بِهَا مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ فَالْمَعْنَى حُرِّمَ مَذْبُوحٌ لَمْ يُذَكَّ بِمَعْنَى لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يَتَنَاوَلُ حُرْمَةَ مَا لَيْسَ بِمَذْبُوحٍ كَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَنَحْوِهِمَا تَنَاوُلًا ظَاهِرًا وَقِيلَ الْمَعْنَى حُرِّمَ مَذْبُوحٌ لَمْ يُذْبَحْ ذَبْحًا شَرْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يُفْهَمُ حُرْمَةٌ مِثْلُ التَّرْدِيَةِ وَالنَّطِيحَةِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّ مَا كَانَ حَرَامًا إذَا لَمْ يُذَكَّ حَالَ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا فَحُرْمَةُ مَا لَمْ يُذَكَّ حَالَ عَدَمِ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا أَحْرَى وَأَلْيَقُ وَحُكْمُهُ إلَى الْفَهْمِ أَسْبَقُ لَكِنْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ السَّمَكُ يُقَالُ حَمْلُ الذَّبِيحَةِ عَلَى مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ إذْ فِي تَنَاوُلِ الْحَقِيقِيِّ لِحُرْمَةِ بَعْضِ الصُّوَرِ تَكَلُّفٌ وَفِي إخْرَاجِ مَا لَمْ يُذْبَحْ مِنْهُ تَعَسُّفٌ. (وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ) أَمَّا الْمُسْلِمُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الْكِتَابِيُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاهُمْ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ. وَفِي الْمِنَحِ الْمُوَلَّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ تَحِلُّ. وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ أَهَلَّ نَصْرَانِيٌّ

عَلَى ذَبِيحَتِهِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُسْمَعُ كَلَامُهُ لَمْ تُؤْكَلْ وَمَنْ لَمْ يُشَاهِدْ ذَبْحَهُ مِنْهُمْ حَلَّ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِمْ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ. (وَلَوْ) كَانَ الذَّابِحُ (امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَعْقِلَانِ) حَلَّ الذَّبِيحَةُ بِالتَّسْمِيَةِ وَيَضْبِطَانِ شَرَائِطَ الذَّبْحِ وَيَقْدِرَانِ عَلَى الذَّبْحِ. وَفِي الْإِصْلَاحِ فَمَنْ لَا يَعْقِلْ وَلَا يَضْبِطُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ (أَوْ) كَانَ الذَّابِحُ (أَخْرَسَ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ عَاجِزٌ عَنْ الذِّكْرِ مَعْذُورٌ وَتَقُومُ الْمِلَّةُ مَقَامَ تَسْمِيَتِهِ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى (أَوْ أَقْلَفَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَقْلَفَ مَعَ أَنَّ حِلَّ ذَبِيحَتِهِ يُفْهَمُ مِمَّا سَلَفَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ يَقُولُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ وَذَبِيحَتُهُ لَا تَجُوزُ مَنْعًا عَنْ تَرْكِ الْخَتْنِ بِلَا عُذْرٍ. (لَا) تَحِلُّ (ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ) لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ كَالْمَجُوسِ وَهُوَ الَّذِي يَعْبُدُ الْوَثَنَ وَهُوَ الصَّنَمُ هَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ تَحِلُّ لَكِنْ لَا خِلَافَ حَقِيقَةً عَلَى مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ (أَوْ مَجُوسِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ لَيْسَ لَهُ احْتِمَالُ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ (أَوْ مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ حَيْثُ تَرَكَ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُقِرَّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ أَوْ الْعَكْسُ أَوْ تَنَصَّرَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ تَهَوَّدَ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ (أَوْ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ) حَالَ كَوْنِهِ (عَمْدًا) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لَا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَفْصِيلٌ وَلِحَاشِيَتِهِ لِلْآخَرِ مُنَاقَشَةٌ فَلْيُرْجِعْهُمَا وَفِي الْهِدَايَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشْعَارُ التَّسْمِيَةِ شَرْطٌ لِلْحِلِّ وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُهُ مَرِيدًا لَهُ جَازَ فَلَوْ سَمَّى وَلَمْ يَنْوِ الذَّبْحَ لَمْ يَحِلَّ وَحَسَنٌ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْبَقَّالِيُّ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَكَذَا عِنْدَ الْحَلْوَانِيُّ إلَّا إنَّهُ كَرِهَهُ مَعَ الْوَاوِ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَثَرِ بِالْوَاوِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا حَلَّ الْأَكْلُ إذَا سَمَّى عَلَى الذَّبِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ لِافْتِتَاحِ عَمَلٍ آخَرَ لَمْ يَحِلَّ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ سَمَّى وَلَمْ يَحْضُرْهُ النِّيَّةُ صَحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ بِالتَّسْمِيَةِ التَّبَرُّكَ فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ بِهِ مُنَاجَاةَ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي التَّسْمِيَةِ يَحِلُّ وَكَذَا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْمِيَةِ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَا لَوْ سَمَّى وَذَبَحَ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُظَمَاءِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ ذَبَحَ تَعْظِيمًا لَهُ لَا لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ لِلضَّيْفِ فَإِنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ (نَاسِيًا تَحِلُّ) ذَبِيحَتُهُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَرْفُوعٌ حُكْمُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ. (وَكَرِهَ) الْمَذْبُوحُ (أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ وَصْلًا دُونً عَطْفٍ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقُرْآنِ وَالْوَصْلُ صُورَةٌ وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ أَكَلَ ذَبِيحَتَهُ (وَ) كَرِهَ (أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبِيلَهُ (فَإِنْ قَالَهُ) أَيْ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ (قَبْلَ الْإِضْجَاعِ) أَوْ بَعْدَ الْإِضْجَاعِ (أَوْ) قَبْلَ (التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يُكْرَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ يَقُولُ هَذَا مِنْك وَلَك إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أَمَرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ يَذْبَحُ وَيَقُولُ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» . (وَإِنْ عَطَفَ حُرِّمَتْ) ذَبِيحَتُهُ (نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ بِالْجَرِّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ الذَّبِيحَةِ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ وَبِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَوْ رَفَعَ الْمَعْطُوفَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَحِلُّ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ وَيُكْرَهُ فِيهِمَا بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً. (وَكَذَا) تَحْرُمُ (إنْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى) ثُمَّ تَرَكَهَا وَلَمْ يَذْبَحْهَا (وَذَبَحَ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ هَذِهِ الشَّاةِ (بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ) ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَلَمْ تَقَعْ عَلَى الثَّانِيَةِ فَتَحْرُمُ. (وَإِنْ ذَبَحَهَا) أَيْ الذَّبِيحَةَ الْأُولَى (بِشَفْرَةٍ أُخْرَى حَلَّتْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ هُنَا. (وَإِنْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ) السَّهْمُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الصَّيْدِ (أَكَلَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ هُنَا عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ هُوَ الرَّمْيُ دُونَ الْإِصَابَةِ عَلَى مَا قَصَدَهُ) . وَإِنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ وَرَمَى بِغَيْرِهِ (أَيْ بِغَيْرِ ذَلِكَ السَّهْمِ الَّذِي سَمَّى عَلَيْهِ) لَا يُؤْكَلُ (؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ التَّسْمِيَةَ) عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَكَانَ رَمْيُهُ بِلَا تَسْمِيَةٍ. (وَالْإِرْسَالَ) أَيْ إرْسَالَ الْكَلْبِ وَالْجَارِحِ (كَالرَّمْيِ) حُكْمًا فَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَتَرَكَ الْكَلْبَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ لِتَعْلِيقِ التَّسْمِيَةِ بِالْآلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَ وَأَرْسَلَ آخَرَ فَأَصَابَ لَا يُؤْكَلُ لِعَدَمِ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْآلَةِ وَهُوَ الشَّرْطُ. وَفِي الْمِنَحِ وَيُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَ الذَّبْحِ وَفِي الرَّمْيِ عِنْدَ الرَّمْيِ وَفِي الْإِرْسَالِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالْمُعْتَبَرُ الذَّبْحُ عَقِيبَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ. (وَالشَّرْطُ) فِي التَّسْمِيَةِ (الذِّكْرُ الْخَالِصُ) الْمُجَرَّدُ عَنْ شَوْبِ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جُرِّدُوا التَّسْمِيَةَ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَالَ) عِنْدَ الذَّبْحِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ (وَبِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ) يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةُ (يَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ خَالِصٌ فَيَقُومُ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ (لَا) يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ (لَوْ عَطَسَ) عِنْدَ الذَّبْحِ (وَحَمِدَ لَهُ) لِأَنَّهُ (يُرِيدُ الْحَمْدَ لِلَّهِ عَلَى النِّعْمَةِ)

دُونَ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ حَيْثُ يَجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ الْخُطْبَةِ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَفِي الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الذَّكَرُ عَلَى الْمَذْبُوحِ. وَفِي الْمِنَحِ وَفِي قَوَاعِدِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ فَشَرَطَ لِصِحَّتِهَا حَتَّى لَوْ عَطَسَ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُطَاسِ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهَا لَمْ تَصِحَّ. (وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ) أَيْ قَطْعُ عُرُوقِهَا الْكَائِنَةِ فِي أَسْفَلِ عُنُقِهَا عِنْدَ صُدُورِهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ النَّحْرِ عَنْهَا لَا لَحْمَ عَلَيْهِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحَلْقِ عَلَيْهِ لَحْمٌ غَلِيظٌ فَالنَّحْرُ أَسْهَلُ مِنْ الذَّبْحِ (وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّ أَسْفَلَ الْحَلْقِ وَأَعْلَاهُ سَوَاءٌ فِي اللَّحْمِ مِنْهُمَا وَالذَّبْحُ أَيْسَرُ (وَيُكْرَهُ الْعَكْسُ) أَيْ ذَبْحُ الْإِبِلِ وَنَحْرُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارِثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ (وَيَحِلُّ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِلِّ وَهُوَ قَطْعُ الْعُرُوقِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا وَيَذْبَحَ الشَّاةَ مُضْطَجِعَةً وَكَذَا الْبَقَرُ (وَالذَّبْحُ) أَيْ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ (بَيْنَ الْحَلْقِ) هُوَ الْحُلْقُومُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ (وَاللَّبَّة) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ هِيَ الْمَنْحَرُ مِنْ الصَّدْرِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ مَحَلُّ الذَّكْوَةِ الْحَلْقُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّكْوَةِ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَأَوْسَطَهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (أَعْلَى الْحَلْقِ أَوْ أَسْفَلَهُ أَوْ أَوْسَطَهُ) فَيَكُونُ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ بَيْنَ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ. وَفِي الْكَافِي إنَّ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْحَلْقُ كُلُّهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَلْقَ وَهُوَ الْحُلْقُومُ فَظَهَرَ فَسَادُ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الذَّبْحَ لَوْ وَقَعَ فِي أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ كَانَ الْمَذْبُوحُ حَلَالًا لِكَوْنِهِ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ فِي أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْحَلْقُ فِي الْأَصْلِ الْحُلْقُومُ اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ الْعُنُقِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ لِقَرِينَةِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَكَلَامِ التُّحْفَةِ وَالْعَتَّابِيِّ وَالْكَافِي وَالْمُضْمِرَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُنُقِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بِقَرِينَةِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ فَالْمَعْنَى مِنْ مَبْدَأِ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ فَالْمَذْبَحُ عِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْعُقْدَةِ وَعِنْدَ الْآخَرَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ فَمِنْ الظَّنِّ الْفَاسِدِ إفْسَادُ كَلَامِ الْكِفَايَةِ بِنَاءً عَلَى كَلَامِ الْآخَرَيْنِ مَعَ إنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ حَيْثُ نَقَلَهُ هُوَ هَكَذَا مُقْتَضَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الذَّبْحَ لَوْ وَقَعَ فِي أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ كَانَ الْمَذْبُوحُ حَلَالًا وَكَلَامُهُ هَكَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَحِلَّ وَإِنْ وَقَعَ الذَّبْحُ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ وَلَوْ جَعَلَ بَيْنَ بِمَعْنَى فِي كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ لَمْ يَسْتَقِمْ كَمَا لَا يَخْفَى (وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فَوْقَ الْعُقْدَةِ) وَإِنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِمُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي مَرَّ آنِفًا. (وَالْعُرُوقِ) أَيْ عُرُوقِ الذَّبْحِ الِاخْتِيَارِيِّ

كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ بَعِيدٌ بَلْ الْأَوْلَى عُرُوقُ الْحَلْقِ فِي الْمَذْبَحِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكْوَةِ) أَرْبَعَةٌ (الْحُلْقُومُ) مَجْرَى النَّفَسِ (وَالْمَرِيءُ) مَهْمُوزُ اللَّامِ فَعِيلٌ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَصْلُهُ رَأْسُ الْمَعِدَةِ الْمُتَّصِلَةُ بِالْحُلْقُومِ كَمَا فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الطَّلَبَةِ أَنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الشَّرَابِ وَفِي الْعَيْنِيِّ أَنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَاهُمَا. وَفِي الْمَبْسُوطَيْنِ أَنَّهُمَا عَكْسُ مَا ذَكَرْنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفَسِ (وَالْوَدَجَانِ) تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحَتَيْنِ عِرْقَانِ عَظِيمَانِ فِي جَانِبِ قُدَّامِ الْعُنُقِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ (وَيَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (أَيًّا كَانَتْ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ (لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ وَالْأَمْرُ وَرَدَ بِقَطْعِهِ فَقَامَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ) وَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ مِنْهَا (وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْآخِرِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَأَمَّا الْوَدَجَانِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ قَطْعِهِمَا إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْكُلِّ (وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ وَكَوْنُ مُحَمَّدٍ مَعَهُ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ. (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِكُلِّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ) أَيْ قَطْع الْعُرُوقَ وَأَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوْدَاجِ هَهُنَا كُلُّ الْأَرْبَعَةِ تَغْلِيبًا (وَأَنْهَرَ الدَّمَ) يَعْنِي أَسَالَهُ مِنْ نَهَرَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ سَالَ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَرْوَة) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا وَهِيَ حَجَرٌ أَبْيَضُ يُذْبَحُ بِهَا كَالسِّكِّينِ (أَوْ لِيطَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْيَاءِ هِيَ قِشْرُ الْقَصَبِ (أَوْ سِنًّا أَوْ ظُفُرًا مَنْزُوعِينَ) إذْ بِهِمَا تَحِلُّ الذَّبِيحَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهِرْ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» (لَا) تَحِلُّ (بِالْقَائِمِينَ) أَيْ مُتَّصِلِينَ بِمَوْضِعِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ وَلَوْ كَانَا مَنْزُوعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا خَلَا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ الصَّادِرُ مِنْ الْحَبَشَةِ. (وَنُدِبَ إحْدَادُ الشَّفْرَةِ) قَبْلَ الْإِضْجَاعِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَأَنْ يُضْجِعَ بِالرِّفْقِ وَعَلَى الْيَسَارِ وَيُوَجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُشَدَّ مِنْهَا ثَلَاثَ قَوَائِمَ فَقَطْ وَيَذْبَحَ بِالْيَمِينِ وَيُسْرِعَ عَلَى الذَّبْحِ وَإِجْرَاءُ الشَّفْرَةِ عَلَى الْحَلْقِ (وَكَرِهَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِضْجَاعِ إشْفَاقًا عَلَى الْمَذْبُوحِ. (وَكَذَا) كُرِهَ (جَرُّهَا بِرِجْلِهَا) أَيْ الذَّبِيحَةِ (إلَى الْمَذْبَحِ)

فصل فيما يحل أكله وما لا يحل

إرْفَاقًا لَهَا (وَالنَّخْعُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النُّخَاعِ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ لِزِيَادَةِ أَلَمٍ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحَهَا وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ. (وَ) كُرِهَ (قَطْعُ الرَّأْسِ وَالسَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَاءِ) إذْ هُوَ عَذَابٌ فَوْقَ الْعَذَابِ. (وَتَحِلُّ) الذَّبِيحَةُ لَوْ ذَبَحَهَا مِنْ الْقَفَاءِ (إنْ بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قُطِعَتْ الْعُرُوقُ) لِيَتَحَقَّقَ الْمَوْتُ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِلَّا) أَيْ لَمْ تَبْقَ بَلْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ (فَلَا) تَحِلُّ وَلَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ مَا لَيْسَ بِذَكْوَةٍ كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا (وَلَزِمَ ذَبْحُ صَيْدٍ اُسْتُؤْنِسَ) كَالظَّبْيِ إذَا تَأَلَّفَ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُذْبَحُ لِإِمْكَانِهِ. (وَجَازَ جَرْحُ نَعَمٍ) بِفَتْحَتَيْنِ مِثْلُ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ (تَوَحَّشَ) بِأَنْ نَدَّ عَنْ أَهْلِهِ وَدَخَلَ فِي الْبَادِيَةِ وَصَارَ وَحْشِيًّا؛ لِأَنَّ الذَّكْوَةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ تَعَذَّرَتْ فَيُذَكَّى بِالْجُرْحِ فِي بَدَنِهِ حَيْثُ اتَّفَقَ كَالصَّيْدِ (أَوْ تَرَدَّى) حَيَوَانٌ (فِي بِئْرٍ إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ) فَإِنَّهُ يُجْرَحُ وَيُؤْكَلُ إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ الْجُرْحِ وَإِلَّا لَا وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أَكَلَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخِيفَ مَوْتُهَا صَارَتْ ذَكْوَتُهَا الْجُرْحَ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ الْغَنَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ الذَّبْحُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا الْجُرْحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ فِي الْأَحْكَامِ. (وَلَا يَحِلُّ الْجَنِينُ بِذَكْوَةِ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَا) حَتَّى لَوْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ تُؤْكَلْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ فِي حَيَاتِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَكْوَةٌ اسْتِقْلَالِيَّةٌ (وَقَالَا يَحِلُّ إنْ تَمَّ خَلْقُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. [فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ] ُّ (وَيَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (نَابٍ) هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ يَنْتَهِبُ بِالنَّابِ كَالذِّئْبِ مِنْ سَبُعٍ هُوَ كُلُّ جَارِحٍ مُنْتَهِبٍ قَاتِلٍ (أَوْ) يَحْرُمُ كُلُّ ذِي (مِخْلَبٍ) يَخْتَطِفُ بِالْمِخْلَبِ كَالْبَازِي مِنْ الطَّيْرِ فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الْإِيذَاءُ بِالنَّابِ وَالْمِخْلَبِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُرْمَةِ وَقَوْلُهُ (مِنْ سَبُعٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ ذِي نَابٍ وَقَوْلُهُ (أَوْ طَيْرٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ ذِي مِخْلَبٍ وَالْمُرَادُ مِنْ ذِي نَابٍ الَّذِي يَصِيدُ بِنَابِهِ وَمِنْ ذِي مِخْلَبٍ الَّذِي يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ لِأَكْلِ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ فَإِنَّ الْحَمَامَةَ لَهَا مِخْلَبٌ وَالْبَعِيرُ لَهُ نَابٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» . (وَلَوْ ضَبُعًا أَوْ ثَعْلَبًا) لِأَنَّهُمَا مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا كَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ

أَهْلِيًّا أَوْ بَرِّيًّا فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِمَا. (وَ) يَحْرُمُ أَكْلُ (الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرَّمَ لُحُومَ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ يَحِلُّ أَيْضًا فِي الْأَهْلِيَّةِ (وَالْبِغَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ بَقَرَةً لَا يُؤْكَلُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الْأُمُّ فِيمَا تُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ (وَالْفِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ (وَالضَّبِّ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السِّبَاعِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَالْيَرْبُوعِ وَابْنِ عُرْسٍ) يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيِّ راسو؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالزُّنْبُورِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ (وَالسُّلَحْفَاةِ) الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ (وَالْحَشَرَاتِ) الصِّغَارِ مِنْ الدَّوَابِّ جَمْعُ الْحَشَرَةِ كَالْفَأْرَةِ وَالْوَزَغَةِ وَسَامِّ أَبْرَصَ وَالْقُنْفُذِ وَالْحَيَّةِ وَالضِّفْدَعِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلِ وَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَالْقُرَادِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا رُوِيَ مِنْ إبَاحَةِ الضَّبِّ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَبَائِثِ فَالْمُؤَثِّرُ فِي الْحُرْمَةِ الْخُبْثُ الْخُلُقِيِّ كَمَا فِي الْهَوَامِّ أَوْ بِعَارِضٍ كَمَا فِي الْجَلَّالَةِ كَبَقَرَةٍ تَتْبَعُ النَّجَسَ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي حُرْمِيَّةِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ كَرَامَةُ بَنِي آدَمَ كَيْ لَا يَتَعَدَّى شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ بِالْأَكْلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِدُودِ الزُّنْبُورِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا رُوحَ لَهُ لَا يُسَمَّى مَيْتَةً وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَشَرَاتِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَنَا حَلَالٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَ غَيْرِنَا وَإِنَّ شَاةً لَوْ حَمَلَتْ مِنْ كَلْبٍ وَرَأْسُ وَلَدِهَا رَأْسُ الْكَلْبِ أُكِلَ إلَّا رَأْسَهُ إنْ أَكَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ أَوْ صَاحَ صِيَاحَ الْغَنَمِ لَا الْكَلْبِ أَوْ أَتَى بِالصُّورَتَيْنِ وَكَانَ لَهُ الْكَرِشُ لَا الْأَمْعَاءُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيُكْرَهُ الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ) الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ (وَالْغُدَافُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهِ فَاءٌ نَوْعٌ مِنْ الْغُرَابِ لِأَكْلِهِمَا الْجِيَفَ (وَالرَّخَمُ) جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهُوَ طَيْرٌ أَبْلَقُ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ (وَالْبُغَاثُ) وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ يُشْبِهُ الْعُصْفُورَ؛ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ. (وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمُ (الْخَيْلِ تَحْرِيمًا) أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لَحْمِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ» كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَرْمِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مُتَرَدِّدًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لِي هُوَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ وَقِيلَ إنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَنْ حُرْمَةِ لَحْمِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ ثُمَّ إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ

(لَا يُكْرَهُ) لَحْمُ (الْخَيْلِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَذِنَ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ» . (وَحَلَّ الْعَقْعَقُ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ فِي أَكْلِهِ فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَأْكُولِهِ الْجِيَفُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَغُرَابُ الزَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ الْخَبَائِثِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَابَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ فَقَطْ وَهُوَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَقَطْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ مَرَّةً وَالْجِيَفَ أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالْأَرْنَبُ) «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا» وَكَذَا الْوَبَرُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ. وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْخُفَّاشَ يُؤْكَلُ وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لَهُ نَابًا. (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مَثْوَاهُ وَعَيْشُهُ فِي الْمَاءِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] (إلَّا السَّمَكُ بِأَنْوَاعِهِ) غَيْرَ الطَّافِي. وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ بِإِطْلَاقِ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَالْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ فِي الْمَاءِ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ دَوَاءٍ يُتَّخَذُ فِيهِ الضِّفْدَعُ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ» وَالصَّيْدِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَلَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رُوِيَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيِّتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيِّتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» (كَالْجِرِّيثِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ غَيْرِ الْمَارْمَاهِيِّ (وَالْمَارْمَاهِيِّ) وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ لِمَكَانِ الْخَفَاءِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسِ السَّمَكِ وَلِمَكَانِ الْخِلَافِ فِيهِمَا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ وَمَا قِيلَ أَنَّ الْجِرِّيثَ كَانَ دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ فَمَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ وَلَا يَقَعُ بَاقِيًا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّ الْمَارْمَاهِيَّ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَّةِ لَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ هُوَ جِنْسٌ شَبِيهٌ بِهَا صُورَةً (وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنْهُ) هُوَ السَّمَكُ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ يَعْلُو فَيَظْهَرُ حَتَّى إذَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلْ» وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ ذَنَبُهُ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ يُؤْكَلُ إذْ هَذَا سَبَبٌ لِمَوْتِهِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا وُجِدَ السَّمَكُ مَيْتًا عَلَى الْمَاءِ وَبَطْنُهُ مِنْ فَوْقٍ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ طَافَ.

كتاب الأضحية

وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقٍ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ بِالْحَدِيثِ وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَا انْصَبَّ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفِئَ فَلَا تَأْكُلُوا» . (وَإِنْ مَاتَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) أَوْ فِي كَدَرِ الْمَاءِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ لِوُجُودِ السَّبَبِ بِمَوْتِهَا. وَفِي الْمِنَحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي أُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا أَوْ بَارِدًا وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ. وَفِي الدُّرَرِ وَإِنْ ضَرَبَ سَمَكَةً فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا أَبَيْنَ وَمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ وَمَا أَبَيْنَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْحَدِيثِ وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا وَكَذَا إنْ قَتَلَهَا شَيْءٌ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ أَوْ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ أَوْ جَمَعَهَا فِي حَظِيرَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمِتْنَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا وَإِذَا مَاتَتْ فِي الشَّبَكَةِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيصِ مِنْهَا أَوْ أَكَلَ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِيَأْكُلَهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ أَوْ رَبَطَهَا فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ أَوْ انْجَمَدَ الْمَاءُ فَبَقِيَتْ بَيْنَ الْجَمَدِ فَمَاتَتْ يُؤْكَلُ وَفِي الْمِنَحِ إذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا أَكْلُ الصَّيْدِ دُونَ الْعُضْوِ وَلَوْ قُطِعْنَ نِصْفَيْنِ أُكِلَا انْتَهَى (وَيَحِلُّ هُوَ) أَيْ السَّمَكُ (وَالْجَرَادُ بِلَا ذَكْوَةٍ) لِمَا رَوَيْنَاهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْجَرَادَ يُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهِ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ مَوْتِ الْجَرَادِ مِنْ سَبَبٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ يُعْتَبَرُ قَطْعُ رَأْسِهِ وَيَشْوِيهِ. (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الشَّاةِ (دَمٌ) مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكٍ (حَلَّتْ) أَكْلُهَا لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَخُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَا يَحِلُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّك أَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ (فَلَا) تَحِلُّ إنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَقْتَ الذَّبْحِ. (وَإِنْ عُلِمَتْ) حَيَاتُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ (حَلَّتْ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ فَتَحْت عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنَّ فَتَحْت عَيْنَهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْ رِجْلَهَا أُكِلَتْ وَإِنْ نَامَ شَعَرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ شَعَرُهَا أُكِلَتْ وَفِي التَّنْوِيرِ سَمَكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً حَلَّتَا وَإِلَّا حَلَّ الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ. [كِتَاب الْأُضْحِيَّة] (كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ) عَقَّبَ بِهِ الذَّبَائِحَ لِأَنَّهَا كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ إذْ بِهَا تُعْرَفُ التَّضْحِيَةُ أَيْ الذَّبْحِ فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى وَهِيَ أَفَعُولَةٌ وَكَانَ أَصْلُهُ أُضْحُويَةَ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتْ إحْدَاهُمَا

بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ وَكُسِرَتْ الْحَاءُ لِثَبَاتِ الْيَاءِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيِّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِكَسْرِهَا وَضَحِيَّةٌ بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ وَيُجْمَعُ عَلَى ضَحَايَا كَهَدِيَّةِ عَلَى هَدَايَا وَضَحَاةٍ وَجَمْعُهُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَضْحَى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَفِي الشَّرْعِ هِيَ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يَوْمُ الْأَضْحَى وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَتَجِبُ عَلَى الْأُنْثَى وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا وَحُكْمُهَا الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْوُصُولِ إلَى الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى (هِيَ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ (وَاجِبَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ كَوْنُهَا سُنَّةً (قَوْلُهُمَا) يَعْنِي ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» هَذَا وَعِيدٌ يَلْحَقُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَوَجْهُ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْكُمْ شَاةً فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا» إذْ التَّعْلِيقُ بِالْإِدَارَةِ يُنَافِي الْوُجُوبَ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِرَادَةِ الْقَصْدُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ السَّهْوِ لَا التَّخْيِيرُ لِأَنَّهُ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّرْكِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ مَنْ قَصَدَ مِنْهُمْ أَنْ يُضَحِّيَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فَصَارَ هَذَا نَظِيرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» لَمْ يُرِدْ التَّخْيِيرَ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا. (وَإِنَّمَا تَجِبُ) التَّضْحِيَةُ دُونَ الْأُضْحِيَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّ الْقُدُورِيَّ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ: ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ وَمَجَازٌ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الْوُجُوبُ الْعَمَلِيُّ لَا الِاعْتِقَادِيُّ حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ (عَلَى حُرٍّ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ (مُسْلِمٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ (مُقِيمٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ عَلَى مُسَافِرٍ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقِيمُ بِالْمِصْرِ وَالْقَوِيُّ وَالْبَوَادِي (مُوسِرٍ) ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ دُونَ الْفَقِيرِ وَمِقْدَارُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَوْلُهُ (عَنْ نَفْسِهِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ (لَا عَنْ طِفْلِهِ) أَيْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً مَحْضَةً فَلَا تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ (وَقِيلَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ (تَجِبُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطِّفْلِ (أَيْضًا) أَيْ كَنَفْسِهِ لِكَوْنِهَا قُرْبَةً مَالِيَّةً وَالطِّفْلُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ (وَقِيلَ يُضَحِّي عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطِّفْلِ (أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (فَيُطْعِمُ) الطِّفْلَ (مِنْهَا مَا أَمْكَنَ) الْإِطْعَامُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (وَيَسْتَبْدِلُ بِالْبَاقِي مَا يَنْتَفِعُ بِهِ

مَعَ بَقَائِهِ) كَالثَّوْبِ وَالْخُفِّ فَلَا يَسْتَبْدِلُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَالْخُبْزِ وَالْإِدَامِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ فَالتَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَا يَجْرِي فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُطْعِمَ الطِّفْلَ وَيَدَّخِرَ لَهُ وَيَسْتَبْدِلَ الْبَاقِي بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي يَنْتَفِعُ الطِّفْلُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا اعْتِبَارًا بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِهِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا قَرَّرْنَاهُ قُبَيْلَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ مَالِهِ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ. (وَهِيَ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ (شَاةٌ) تَجُوزُ مِنْ فَرْدٍ فَقَطْ (أَوْ بَدَنَةٌ) تَجُوزُ مِنْ وَاحِدٍ أَيْضًا (أَوْ سُبْعٌ) بِضَمِّ السِّينِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ السَّبْعِ (بَدَنَةٌ) بَيَانٌ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقُرْبَةُ وَالْقُرْبَةُ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ثُمَّ أَرَادَ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ فَقَالَ (بِأَنْ اشْتَرَكَ) الْمُضَحِّي (مَعَ سِتَّةِ فِي بَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ وَكُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمْ (يُرِيدُ الْقُرْبَةَ وَهُوَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ بِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَنْقُصْ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَنْ سُبْعِ) ثُمَّ فَرَّعَهُ فَقَالَ (فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ أَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ (أَقَلُّ مِنْ سُبْعٍ لَا يَجُوزُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) لِمَا مَرَّ أَنَّ وَصْفَ الْقُرْبَةِ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَابْنًا وَبَقَرَةً فَضَحَّيَاهَا يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ السُّبْعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِ الِابْنِ لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ. وَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْبَدَنَةُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا تَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْهَا (وَيَجُوزُ اشْتِرَاكُ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ الْبَدَنَةُ بَيْنَ (اثْنَيْنِ) نِصْفَيْنِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عَنْ السَّبْعَةِ فَعَنْ دُونِهِ أَوْلَى وَلَا تَجُوزُ عَنْ الثَّمَانِيَةِ لِعَدَمِ النَّقْلِ فِيهِ (وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا) أَيْ إذَا جَازَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَيُقَسَّمُ اللَّحْمُ (وَزْنًا) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ (لَا جُزَافًا) لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَلَا يَجُوزُ جُزَافًا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِ وَالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ لَا تَجُوزُ (إلَّا إذَا خُلِطَ) وَضُمَّ (بِهِ) أَيْ بِاللَّحْمِ (مِنْ أَكَارِعِهِ أَوْ جِلْدِهِ) أَيْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَمِنْ الْأَكَارِعِ أَوْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَبَعْضِ الْجِلْدِ أَوْ يَكُونُ فِي جَانِبٍ لَحْمٌ وَأَكَارِعُ وَفِي آخَرَ لَحْمٌ

وَجِلْدٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. (وَلَوْ شَرَى بَدَنَةً لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا سِتَّةً جَازَ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً وَلَا يَجِدُ الشَّرِيكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا (وَالِاشْتِرَاكُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَحَبُّ) إذْ بِهِ يَبْعُدُ عَنْ الْخِلَافِ وَيَسْلَمُ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ كَرَاهَةَ الِاشْتِرَاكِ بَعْدَهُ. (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِ تَضْحِيَةِ الْأُضْحِيَّةِ (بَعْدَ فَجْرِ النَّحْرِ، وَ) لَكِنْ (لَا تُذْبَحُ فِي الْمِصْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلِيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ» وَهَذَا الشَّرْطُ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَيَذْبَحُ غَيْرُ الْمِصْرِيِّ كَأَهْلِ الْقُرَى قَبْلَ الصَّلَاةِ وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ أَنَّ وَقْتَ التَّضْحِيَةِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ الَّذِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِانْعِدَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَفِي حَقِّ الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ الْوَاجِبَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَذْبَحُونَ قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ أَيْضًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحَّ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَوْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مَعَ خُطْبَتَيْنِ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِهَا (قُبَيْلَ غُرُوبِ) الشَّمْسِ فِي (الْيَوْمِ الثَّالِثِ) عِنْدَنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةُ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَقَدْ قَالُوهُ سَمَاعًا؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمُقَادِرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا أَيَّامُ ذَبْحٍ» قُلْنَا إذَا كَانَ فِي الْأَخْبَارِ تَعَارُضٌ فَالْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي السَّوَادِ وَالْمُضَحِّي فِي الْمِصْرِ يَجُوزُ مِنْ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّي بِهَا كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ اعْتِبَارٌ بِالزَّكَاةِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّ أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْمُعْتَبَرُ هِيَ الصَّلَاةُ دُونَ الْخُطْبَةِ (وَاعْتُبِرَ آخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِهَا (لِلْفَقِيرِ وَضِدِّهِ وَالْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ) فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ فَقِيرًا فِي آخَرهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَفِي الْعَكْسِ تَجِبُ وَإِنْ وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ يُعَادُ الصَّلَاةُ دُونَ التَّضْحِيَةِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ عِنْدَ الْإِمَامِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِيدَ ثُمَّ ضَحَّوْا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ الصَّلَاةُ وَالتَّضْحِيَةُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْبَلَدِ فِتْنَةٌ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا وَالٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ فَضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمْ كَمَا

فِي الْمِنَحِ (وَأَوَّلُهَا) أَيْ أَوَّلُ أَيَّامِ النَّحْرِ (أَفْضَلُهَا) لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (وَكُرِهَ الذَّبْحُ لَيْلًا) وَإِنْ جَازَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَفِي الْمِنَحِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ وَمَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأُولَى إذْ احْتِمَالُ الْغَلَطِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ الَّتِي نِسْبَتُهَا إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ (فَإِنْ فَاتَ وَقْتُهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُضَحِّ مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ عَيَّنَ شَاةً فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ (لَزِمَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْمَنْذُورَةِ حَيَّةٌ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُوجِبُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ وَلَا يَأْكُلُ النَّاذِرُ مِنْهَا وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَهُ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ. (وَكَذَا) أَيْ لَزِمَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْمَنْذُورَةِ حَيَّةً (مَا شَرَاهَا فَقِيرٌ لِلتَّضْحِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا شَرَاهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ (وَالْغَنِيُّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا شِرَاءً) أَيْ الشَّاةِ (أَوَّلًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ. (وَإِنَّمَا يُجْزِئُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأُضْحِيَّةِ (الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) الْجَذَعُ شَاةٌ تَمَّتْ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ الْمَعْزِ لِسَنَةٍ وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ (وَالثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ الْجَمِيعِ) وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَحَوْلَيْنِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ وَحَوْلٍ مِنْ الشَّاةِ وَالْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ يَتْبَعُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ فَيَجُوزُ بِالْبَغْلِ الَّذِي أُمُّهُ بَقَرَةٌ وَبِالظَّبْيِ الَّذِي أُمُّهُ شَاةٌ (وَتَجُوزُ الْجَمَّاءُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا بِالْخِلْقَةِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَكَذَا مَكْسُورُ الْقَرْنِ بَلْ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا (وَالْخَصِيُّ) . وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّ الْخَصِيَّ أَوْلَى لِأَنَّ لَحْمَهُ أَلَذُّ وَأَطْيَبُ (وَالثَّوْلَاءُ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَإِنْ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ إذْ يَخِلُّ الْمَقْصُودُ (وَالْجَرْبَاءُ السَّمِينَةُ) وَلَمْ يَتْلَفْ جِلْدُهَا؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالسَّمِينَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَهْزُولَةً لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ إذَا كَانَ فِي اللَّحْمِ انْتَقَصَ (لَا) تَجُوزُ (الْعُمْيَانُ) وَهِيَ الذَّاهِبَةُ الْعَيْنَيْنِ (وَالْعَوْرَاءُ) وَهِيَ الذَّاهِبَةُ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ (وَالْعَجْفَاءُ) أَيْ الْمَهْزُولَةُ (الَّتِي لَا تُنْقِي) أَيْ يَبْلُغُ عَجْفُهَا إلَى حَدٍّ لَا يَكُونُ فِي عَظْمِهَا مُخٌّ (وَالْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ) أَيْ الْمَذْبَحِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُنَّ (وَلَا) لَا تَجُوزُ (مَقْطُوعَةُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ) لِنُقْصَانِهَا (وَذَاهِبَةُ أَكْثَرِ الْعَيْنِ أَوْ) أَكْثَرِ (الْأُذُنِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ

وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ» (أَوْ أَكْثَرِ الذَّنَبِ) ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ كَامِلٌ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَالْأُذُنِ (أَوْ) أَكْثَرُ (الْأَلْيَةِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ الذَّهَابَ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ أَنْ يَبْقَى الْأَكْثَرُ مِنْ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ وَنَحْوِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بَقَاءً وَذَهَابًا. وَفِي الْمِنَحِ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَفِي ذَهَابِ النِّصْفِ رِوَايَتَانِ) عَنْ الْإِمَامِ وَكَذَا عَنْهُمَا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي كَوْنِ النِّصْفِ مَانِعًا رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا كَمَا فِي انْكِشَافِ الْعُضْوِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَتَجُوزُ إنْ ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ (وَقِيلَ إنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ) قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ قَلِيلٌ وَلِذَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ (وَقِيلَ إنْ ذَهَبَ الثُّلُثُ لَا يَجُوزُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ وَصِيَّةِ «الثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الرُّبُعُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ مَانِعٍ لَهَا إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْعَيْنِ أَنْ تُشَدَّ الْعَيْنُ الْمَعْلُولَةُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ جَائِعَةً فَيُقَرَّبُ إلَيْهَا الْعَلَفُ فَيَنْظُرَ إلَيْهَا مِنْ أَيِّ مَكَان رَأَتْ الْعَلَفَ ثُمَّ تُشَدُّ الْعَيْنُ الصَّحِيحَةُ وَيُقَرَّبُ الْعَلَفُ فَيَنْظُرَ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثُ وَهَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا يَجْمَعُ مَا ذَهَبَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ إنَّهُ يَجْمَعُ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَلَا يَجُوزُ الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا وَلَا السَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ وَلَا الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا وَلَا الْجَدَّاءُ وَهِيَ الْمَقْطُوعَةُ ضَرْعُهَا وَلَا الْمُصَرَّمَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْضِعَ فَصِيلَهَا وَلَا الْجِدَاءُ وَهِيَ الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا. وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ قَائِمَةً وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَجْزِيهِ بِهَذِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَعَيَّنُ بِهِ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ نُقْصَانِهِ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ قَالُوا إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ عَلَى مُوسِرٍ تَجِبُ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ وَلَوْ ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ وَاشْتَرَى أُخْرَى ثُمَّ ظَهَرَتْ الْأُولَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى الْمُوسِرِ ذَبْحُ إحْدَاهُمَا وَعَلَى الْفَقِيرِ ذَبْحُهُمَا (وَلَا يَضُرُّ تَعْيِيبُهَا مِنْ اضْطِرَابِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَضْجَعَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَانْكَسَرَ رِجْلُهَا فَذَبَحَهَا أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ حَالَةَ الذَّبْحِ وَمُقَدَّمَاتِهِ مُلْحَقُ الذَّبْحِ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ اعْتِبَارًا أَوْ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَانْفَلَتَتْ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْ فَوْرِهِ وَكَذَا بَعْدَ فَوْرِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ سَبْعَةٍ) الَّذِينَ شَارِكُوا فِي الْبَدَنَةِ (وَقَالَ

وَرَثَتُهُ) وَهُمْ كِبَارٌ (اذْبَحُوهَا) أَيْ الْبَدَنَةَ (عَنْكُمْ وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ (صَحَّ) ذَبْحُهَا اسْتِحْسَانًا عَنْ الْجَمِيعِ لِوُجُودِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ الْكُلِّ وَالتَّضْحِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ عُرِفَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ (وَكَذَا) . وَصَحَّ (لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) مَعَ اخْتِلَافِ جِهَاتِ قُرْبَتِهِمْ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ السِّتَّةِ نَصْرَانِيًّا أَوْ مُرِيدَ اللَّحْمِ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادُّخِرُوا» وَالنُّصُوصُ كَثِيرَةٌ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ (وَنُدِبَ أَنْ لَا تَنْقُصَ الصَّدَقَةُ عَنْ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثٌ الْأَكْلُ وَالْإِدْخَالُ وَالتَّصَدُّقُ وَهَذَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ التَّصَدُّقِ بِمَا فَوْقَهُ كَالنِّصْفِ مَثَلًا (وَتَرْكُهُ) أَيْ وَنَدْبُ تَرْكِ التَّصَدُّقِ (لِذِي عِيَالٍ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْعِيَالِ. (وَ) نُدِبَ (أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ أَحْسَنَ) الذَّبْحَ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ (يَأْمُرُ غَيْرَهُ) بِالذَّبْحِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً (وَيَحْضُرُهَا) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ» . (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا كِتَابِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ. (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُهُ آلَةً كَجِرَابٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ فَرْوٍ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ لَيْسَ بِحَرَامٍ (أَوْ يَشْتَرِي بِهِ) أَيْ بِالْجِلْدِ (مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ اسْتِحْسَانًا (كَغِرْبَالِ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ (لَا مَا يُسْتَهْلَكُ) أَيْ لَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (كَخَلٍّ وَشَبَهِهِ) وَلَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْمَعْنَى إنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَبِيعَهُ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ (فَإِنْ بَدَّلَ اللَّحْمَ أَوْ الْجِلْدَ بِهِ) أَيْ بِمَا يَنْتَفِعُ بِالِاسْتِهْلَاكِ جَازَ وَ (يَتَصَدَّقُ بِهِ) لِانْتِقَالِ الْقُرْبَةِ إلَى الْبَدَلِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

«مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ أَمَّا الْبَيْعُ جَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْك وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ جِلْدِهَا أَوْ لَحْمِهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَا يُعْطَى أَجْرُ الْجَزَّارِ مِنْهَا. وَيُكْرَهُ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لِيُنْتَفَعَ بِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا قَبْلَهُ. (وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ) اسْتِحْسَانًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ وَلَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرُ لِأَنَّهُ ذَبْحُ شَاةِ غَيْرٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ أُضْحِيَّةٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا فَصَارَ مُسْتَغْنِيًا بِكُلِّ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا لِيَذْبَحَهَا وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ الْمُبَاشَرَةُ وَحُضُورُهَا لَكِنْ يَحْصُلُ لَهُ تَعْجِيلُ الْبِرِّ وَحُصُولُ مَقْصُودِهِ بِالتَّضْحِيَةِ بِمَا عَيَّنَهُ فَيَرْضَى بِهِ ظَاهِرًا. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ ذَبَحَ الرَّاعِي وَالْأَجْنَبِيُّ شَاةً لَا يُرْجَى حَيَاتُهَا لَا يَضْمَنُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَضْمَنُ. (وَلَوْ غَلِطَ اثْنَانِ فَذَبَحَ كُلٌّ شَاةَ الْآخَرِ صَحَّ وَلَا ضَمَانَ) اسْتِحْسَانًا وَلَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ لِمَا مَرَّ قُبَيْلَهُ (وَيَتَحَالَّانِ) يَعْنِي يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً يُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْرِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ فِي الِانْتِهَاءِ (وَإِنْ تَشَاحَّا) أَيْ تَنَازَعَا بِأَنَّ أُضْحِيَّتِي أَعْظَمُ وَأَسْمَنُ وَلَمْ يَرْضَيَا (ضَمَّنَ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ لِصَاحِبِهِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ وَمَنْ أَتْلَفَ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ ضَمَّنَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ. (وَصَحَّتْ التَّضْحِيَةُ بِشَاةِ الْغَصْبِ دُونَ شَاةِ الْوَدِيعَةِ وَضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّ فِي الْغَصْبِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَكَانَتْ التَّضْحِيَةُ وَارِدَةً

كتاب الكراهية

عَلَى مِلْكِهِ وَلَكِنْ يَأْثَمُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِي الْوَدِيعَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا بِالذَّبْحِ فَيَقَعُ الذَّبْحُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَكَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَارِدَةً عَلَى غَيْرِ الْمِلْكِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا بِمُقَدَّمَاتِ الذَّبْحِ كَالْإِضْجَاعِ وَشَدِّ الرِّجْلِ فَيَكُونُ غَاصِبًا قَبْلَ الذَّبْحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَغَايَةُ مَا يُوجَدُ فِي الْإِضْجَاعِ وَشَدِّ الرِّجْلِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالذَّبْحِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ انْتَهَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ تَحَقُّقُ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِالْإِضْجَاعِ وَشَدُّ الرِّجْلِ لِلذَّبْحِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ وَلَا مِنْ شَاءِ الْمُودِعِ تَأَمَّلْ. [كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ] ِ أَوْرَدَ الْكَرَاهِيَةَ بَعْدَ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَصْلٍ وَفَرْعٍ تُرَدُّ فِيهِ إلَى الْكَرَاهِيَةِ أَلَا يُرَى أَنَّ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ لَيَالِيِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَفِي التَّصَرُّفِ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَزِّ الصُّوفِ وَحَلْبِ اللَّبَنِ كَمَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي إقَامَةِ غَيْرِهِ مُقَامَهُ كَيْفَ تَحَقَّقَتْ الْكَرَاهَةُ فَنَاسَبَ ذِكْرُ الْكَرَاهِيَةِ بَعْدَهَا وَهِيَ ضِدُّ الْإِرَادَةِ وَالرِّضَا فِي اللُّغَةِ وَإِنَّمَا لَقَّبَهُ بِهَا وَفِيهِ غَيْرُ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُودِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَلَقَّبَهُ الْقُدُورِيُّ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ الْإِطْلَاقُ وَفِيهِ بَيَانُ مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ وَمَا مَنَعَهُ وَلَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَقَبَّحَهُ وَبَعْضُهُمْ بِكِتَابِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهِ أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرَكَهَا. وَفِي الشَّرْعِ (الْمَكْرُوهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِيهِ وَتَغْلِيبِ جَانِبِ الْحُرْمَةِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ تَرْكُهُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْمَكْرُوهِ وَالصَّحِيحِ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ) مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ (وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ) أَيْ لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ فِي كُتُبِهِ (لِعَدَمِ) الدَّلِيلِ (الْقَاطِعِ) بَلْ كَتَبَ بِالْكَرَاهَةِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ كَمَا فِي الْحَرَامِ فَالْحَرَامُ مَا مُنِعَ عَنْهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَتَرْكُهُ فَرْضٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْمَكْرُوهُ مَا مُنِعَ بِظَنِّيٍّ وَتَرْكُهُ وَاجِبٌ كَأَكْلِ الضَّبِّ فَنِسْبَةُ الْمَكْرُوهِ إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ قَالَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ فِي بَحْثِ الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ طَلَبًا لِفِعْلِ يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ فَوُجُوبٌ أَوْ لِفِعْلٍ يَنْتَهِضُ فِعْلُهُ خَاصَّةً لِلثَّوَابِ فَنُدِبَ وَخَاصَّةً يُفِيدُ أَنَّ التَّرْكَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ لِتَرْكٍ يَصِيرُ فِعْلُهُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ فَتَحْرِيمٌ أَوْ لِتَرْكٍ يَصِيرُ تَرْكُهُ خَاصَّةً لِلثَّوَابِ فَكَرَاهَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبًا فَإِنْ كَانَ تَخْيِيرًا فَإِبَاحَةٌ

فصل في الأكل

وَإِلَّا فَوَضْعِيٌّ وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ حُدُودُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَكَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَمَشَايِخُنَا تَارَةً يُقَيِّدُونَهَا وَتَارَةً يُطْلِقُونَهَا فَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ فَلَا كَلَامَ فِيهَا وَالْمُطْلَقَةُ فَتُجْعَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ. [فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ] ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْأَكْلِ (مِنْهُ) أَيْ بَعْضِ الْأَكْلِ وَكَذَا الشُّرْبُ (فَرْضٌ وَهُوَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ) وَفِي تَرْكِهِ إلْقَاءُ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ فَإِنْ هَلَكَ فَقَدْ عَصَى وَبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةُ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ» . (وَ) بَعْضُهُ (مَنْدُوبٌ وَهُوَ مَا زَادَ) عَلَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ (لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ عَنْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ فَقَالَ الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخَبْزِ. (وَ) بَعْضُهُ (مُبَاحٌ) أَيْ لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ (وَهُوَ مَا زَادَ) مُنْتَهِيًا (إلَى الشِّبَعِ لِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَكَلَ لِلسَّمْنِ كُرِهَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَعَنْ أَبِي مُطِيعٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا خُبْزًا مَكْسُورًا فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلسِّمَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ رُزِقَ بَطْنًا عَظِيمًا خِلْقَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَمَّدَ السِّمَنَ وَلَوْ أَكَلَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ ثُمَّ تَقَيَّأَ فَوَجَدَ نَافِعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ عِلَاجٌ. (وَ) بَعْضُهُ (حَرَامٌ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَأَمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ وَلِأَنَّهُ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خَيْرَ فِي الشِّبَعِ وَلَا فِي الْجُوعِ خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» (إلَّا لِقَصْدِ التَّقْوَى عَلَى صَوْمِ الْغَدِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً (أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ الضَّيْفُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ وَالضَّيْفُ لَمْ يَشْبَعْ رُبَّمَا يَسْتَحْيِ فَلَا يَأْكُلُ حَيَاءً أَوْ خَجَلًا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مَعَهُ فَوْقَ الشِّبَعِ لِئَلَّا يَكُونَ مِمَّنْ أَسَاءَ الْقِرَى وَهُوَ مَذْمُومٌ عَقْلًا وَشَرْعًا (وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ نَفْسَك مَطِيَّتُك فَارْفُقْ بِهَا» وَلَيْسَ مِنْ الرِّفْقِ أَنْ تُجِيعَهَا وَتُذِيبَهَا وَلِأَنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ وَأَمَّا تَجْوِيعُ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُبَاحٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ حَالَ

الْمَخْمَصَةِ أَوْ صَامَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بَقَاءَ إلَّا بِالْأَكْلِ وَالْمَيْتَةُ حَالَ الْمَخْمَصَةِ إمَّا حَلَالٌ أَوْ مَرْفُوعُ الْإِثْمِ فَلَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذَا تَعَيَّنَ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالتَّابِعِينَ وَإِذَا كَانَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْمَيْتَةِ فَمَا ظَنُّك لِتَرْكِ الذَّبِيحَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَلَالَاتِ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ خَافَ الْمَوْتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا وَمَعَ رَفِيقِهِ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ أَخَذَ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ أَوْ عَطَشَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ قَاتَلَ بِلَا سِلَاحٍ وَإِنَّ الرَّفِيقَ يَخَافُ الْمَوْتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَيْضًا تَرَكَ لَهُ الْبَعْضَ (بِخِلَافِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ) فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ لَا يَقِينَ أَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ يَشْفِيهِ وَلَعَلَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَكُّهِ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] (وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) لِئَلَّا تَنْقُصَ دَرَجَتُهُ. (وَاِتِّخَاذُ) أَلْوَانِ (الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ) دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] . (وَكَذَا) سَرَفٌ (وَضْعُ الْخُبْزِ عَلَى الْمَائِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ) . وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الْإِسْرَافِ الْإِكْثَارُ فِي أَلْوَانِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ إلَّا إذَا قَصَدَ قُوَّةَ الطَّاعَةِ أَوْ دَعْوَةَ الْأَضْيَافِ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ حَتَّى يَأْتُوا عَلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَمِنْ السَّرَفِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ جَوَانِبَهُ وَتَرْكُ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ مِنْ الْمَائِدَةِ بَلْ يَرْفَعُهَا وَيَأْكُلُهَا قَبْلَ غَيْرِهَا وَلَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَارًّا وَلَا يَشُمُّ وَيُكْرَهُ أَكْلُ التِّرْيَاقَ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ لُحُومِ الْحَيَّاتِ وَكَذَا مُعَالَجَةُ الْجِرَاحَةِ بِعَظْمِ إنْسَانٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِأَنَّهَا مُحَرَّمٌ الِانْتِفَاعُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَضْعُ الْعَجِينِ عَلَى الْجُرْحِ إنْ عُلِمَ فِيهِ شِفَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَلِلَّذِي يَرْعُفُ وَلَا يَرْقَأُ أَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَلَوْ بِالْبَوْلِ أَوْ عَلَى جِلْدِ مَيْتَةِ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً. (وَمَسْحُ الْأَصَابِعِ وَالسِّكِّينِ بِالْخُبْزِ وَوَضْعُ الْمَمْلَحَةِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخُبْزِ (مَكْرُوهٌ) لَا الْمِلْحُ وَكَذَا وَضْعُ الْخُبْزِ تَحْتَ الْقَصْعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةَ الْخُبْزِ وَقَدْ أَمِرْنَا بِإِكْرَامِهِ وَفِي الزَّاهِدِيِّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ وَضْعِ الْقَصْعَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَمَسْحِ الْيَدِ بِالْخُبْزِ وَأَكْلِهِ بَعْدَهُ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يُعَلَّقُ الْخُبْزُ بِالْخُوَانِ بَلْ يُوضَعُ بِحَيْثُ لَا يُعَلَّقُ وَلَا يُكْرَهُ قَطْعُ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ. (وَسُنَّةُ الْأَكْلِ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهِ وَالْحَمْدَلَةُ فِي آخِرِهِ) فَإِنْ نَسِيَ الْبَسْمَلَةَ فَلْيَقُلْ إذَا ذَكَرَ بِاسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ وَهُوَ شُكْرُ الْمُؤْمِنِ إذَا رُزِقَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إذَا قُدِّمَ إلَيْهِ طَعَامٌ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدَ اللَّهَ فِي آخِرِهِ» . (وَغَسْلُ الْيَدِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الطَّعَامِ (وَبَعْدَهُ) قَالَ النَّبِيُّ

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» وَالْوُضُوءُ هُنَا غَسْلُ الْيَدِ (وَيَبْدَأُ بِالشُّبَّانِ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْأَكْلِ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْهِمْ الشُّيُوخُ (وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ) وَهُوَ أَدَبٌ لِمَا فِيهِ إكْرَامٌ لَهُمْ فَلَا يُمْسَحُ يَدٌ قَبْلَ الطَّعَامِ بِالْكُلِّيَّةِ. (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُ لَبَنِ الْأَتَانِ) بِالْفَتْحِ هِيَ أُنْثَى الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ لِكَوْنِ اللَّبَنِ مُتَوَلِّدًا مِنْ لَحْمٍ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ وَلَا يَأْكُلُ الْجَلَّالَةَ وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِهَا وَشُرْبِ لَبَنِهَا» . وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ سَقَى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَمْرًا فَذُبِحَ مِنْ سَاعَةٍ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ. (وَلَا) يَحِلُّ (بَوْلُ إبِلٍ) لِلِاخْتِلَافِ إذْ عِنْدَ الْإِمَامِ حَرَامٌ لِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْبَوْلِ حُرْمَةٌ وَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شِفَاءَ الْعُرَنِيِّينَ بِالْوَحْيِ فَالشِّفَاءُ فِي غَيْرِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ التَّدَاوِي بِشُرْبِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُرَنَةَ مَرِضُوا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَلْحَقُوا الْمَرْعَى وَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ مُطْلَقًا إذْ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَا يَحِلُّ بِهِ التَّدَاوِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا وُضِعَ شِفَاؤُكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» . (وَ) لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ (إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَنْ شَرِبَ مِنْهُ إنَّمَا تُجَرْجَرُ فِي بَطْنِهِ نَارُ جَهَنَّمَ» قِيلَ يُجَرْجَرُ بِمَعْنَى يُلْقَى فَيَكُونُ نَارَ جَهَنَّمَ مَفْعُولًا وَقِيلَ بِمَعْنَى يُصَوِّتُ مِنْ جَرْجَرَ الْجَمَلُ إذَا ازْدَادَ صَوْتُهُ فِي حَنْجَرَتِهِ فَيَكُونُ نَارٌ فَاعِلًا فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَكَذَا فِي التَّطَيُّبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَيَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَكَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالِ بِمِيلِهِمَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْإِدْهَانُ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي التَّسْهِيلِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَهُ مِنْ الْمِلْعَقَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا لَكِنْ فِي الدُّرَرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ. (وَحَلَّ اسْتِعْمَالُ إنَاءِ عَقِيقٍ وَبِلَّوْرٍ وَزُجَاجٍ وَرَصَاصٍ) عِنْدَنَا لِعَدَمِ التَّفَاخُرِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآنِيَةِ عَادَةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ لِحُصُولِ التَّفَاخُرِ كَالْحَجَرَيْنِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ وَلَئِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ جَارِيَةً بِالتَّفَاخُرِ فِي غَيْرِهَا فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُشْنَانُ فِي مَعْنَاهُمَا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِمَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الصُّفْرِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ عَيْنُهُ.

فصل في الكسب

[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ] ِ وَفِي الِاخْتِيَارِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ حَسَنٍ يَقُولُ طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ كَمَا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَيْ الْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ وَكَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ إلَّا بِقُوَّةِ بَدَنِهِ وَقُوَّةِ بَدَنِهِ بِالْقُوتِ عَادَةً وَخِلْقَةً وَتَحْصِيلُ الْقُوتِ بِالْكَسْبِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الطَّهَارَةِ إلَى آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَالْآنِيَةِ وَفِي الصَّلَاةِ إلَى مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ عَادَةً بِالِاكْتِسَابِ، وَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا يَكْتَسِبُونَ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلٍ جَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ إنْ شِئْت فَلْيُرَاجَعْ. وَطَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ أَيْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حُكِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَكَذَا الِاشْتِغَالُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ وَهُوَ أَقْسَامٌ: فَرْضٌ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمُسْتَحَبٌّ وَقُرْبَةٌ كَتَعَلُّمِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَعْلِيمِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَالْكَمَالِ، وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ التَّعَلُّمُ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَلِذَلِكَ كَرِهَ الْإِمَامُ تَعَلُّمَ الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةَ فِيهِ وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالزِّيَادَةُ حَرَامٌ وَالْحِيلَةُ وَالتَّمْوِيهُ فِي الْمُنَاظَرَةِ إنْ تَكَلَّمَ مُسْتَرْشِدًا مُنْصِفًا بِلَا تَعَنُّتٍ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا إنْ غَيْرَ مُسْتَرْشِدٍ لَكِنَّهُ مُنْصِفٌ غَيْرُ مُتَعَنِّتٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالْمُنَاظَرَةِ طَرْحَ الْمُتَعَنِّتِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَحْتَالُ كُلَّ الْحِيلَةِ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَنُّتَ، وَالتَّعَنُّتُ لِدَفْعِ التَّعَنُّتِ مَشْرُوعٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَتَعَلُّمُ الْمَنْطِقِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَفِي قُوتِ الْقُلُوبِ جَعَلَ الْجُهَّالُ أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ عُلَمَاءَ انْتَهَى. وَالتَّعْلِيمُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُجِيبُ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْفَتْوَى وَالتَّعْلِيمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. (أَفْضَلُهُ) أَيْ الْكَسْبِ (الْجِهَادُ) لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ حُصُولِ الْكَسْبِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ (ثُمَّ التِّجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَثَّ عَلَيْهَا فَقَالَ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» (ثُمَّ الْحِرَاثَةُ) وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ثُمَّ الصِّنَاعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

حَرَّضَ عَلَيْهَا فَقَالَ «الْحِرْفَةُ أَمَانٌ مِنْ الْفَقْرِ» لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى السَّوَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ. (وَمِنْهُ) أَيْ وَبَعْضُ الْكَسْبُ (فَرْضٌ وَهُوَ) أَيْ الْكَسْبُ (قَدْرُ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ خُصُوصًا إلَى قَضَاءِ الدِّينِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِنْ اكْتَسَبَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ادَّخَرَ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ (لِيُوَاسِيَ بِهِ) أَيْ بِالزَّائِدِ (فَقِيرًا أَوْ يَصِلَ بِهِ قَرِيبًا) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَفْلِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّفْلِ تَخُصُّهُ وَمَنْفَعَةَ الْكَسْبِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّاسُ عِيَالُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَأَحَبُّهُمْ إلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» . (وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِلتَّجَمُّلِ) وَالتَّنَعُّمِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ مِنْ الدُّنْيَا حَلَالًا مُتَعَفِّفًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَحَرَامٌ وَهُوَ الْجَمْعُ لِلتَّفَاخُرِ وَالْبَطَرِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مِنْ حِلٍّ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا مُفَاخِرًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . (وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَلَا يَتَكَلَّفُ لِتَحْصِيلِ جَمِيعِ شَهَوَاتِهِمْ وَلَا يَمْنَعُهُمْ جَمِيعًا بَلْ يَكُونُ وَسَطًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] «وَلَا يَسْتَدِيمُ الشِّبَعُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا» (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ لَزِمَهُ) أَيْ مِنْ الْكَسْبِ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَسْبِ (لَزِمَهُ السُّؤَالُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السُّؤَالُ آخَرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ السُّؤَالَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ (حَتَّى مَاتَ) مِنْ جُوعِهِ (أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ إلَى التَّهْلُكَةِ فَإِنَّ السُّؤَالَ يُوَصِّلُهُ إلَى مَا تَقُومُ بِهِ نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْكَسْبِ وَلَا ذُلَّ فِي السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ السُّؤَالِ الْكَسْبِ (يُفْرَضُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ بِعَجْزِهِ (أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ السُّؤَالُ (وَيُكْرَهُ إعْطَاءُ سُؤَالِ) جَمْعُ سَائِلٍ كَنُصَّارٍ جَمْعُ نَاصِرٍ (الْمَسْجِدِ) فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَقُمْ مَنْ يُبْغِضُ اللَّهُ فَيَقُومُ سُؤَالُ الْمَسْجِدِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) أَيْ السَّائِلُ فِي الْمَسْجِدِ (لَا يَتَخَطَّى رِقَابَ

النَّاسِ وَلَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ مُصَلٍّ لَا يُكْرَهُ) إعْطَاؤُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ. (وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءَ الْجَوْرِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمْ الْحُرْمَةُ (إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ مِنْ حِلٍّ) بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ غَالِبُ مَالِ الْمُهْدِي إنْ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَأَكْلِ مَالِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ مِنْ حَرَامٍ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ لَا يَخْلُو عَنْ حَرَامٍ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ وَإِنْ غَالَبَ مَالَهُ الْحَرَامُ لَا يَقْبَلُهَا وَلَا يَأْكُلُ إلَّا إذَا قَالَ إنَّهُ حَلَالٌ أُورِثْتُهُ وَاسْتَقْرَضْتُهُ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَخَذَ مُورِثُهُ رِشْوَةً أَوْ ظُلْمًا إنْ عَلِمَ وَارِثُهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ لَهُ أَخَذَهُ حُكْمًا لَا دِيَانَةً فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِنِيَّةِ الْخُصَمَاءِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ يَأْخُذُ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِمَالٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ يَنْقُدُهُ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ كَذَا رَوَاهُ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِطَعَامِ الظُّلْمَةِ يَتَحَرَّى إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ حِلُّهُ قَبِلَ وَأَكَلَ وَإِلَّا لَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَفْتِ قَلْبَك» الْحَدِيثَ وَجَوَابُ الْإِمَامِ فِيمَنْ بِهِ وَرَعٌ وَصَفَاءُ قَلْبٍ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُدْرِكُ بِالْفِرَاسَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ السُّلْطَانُ إذَا قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ إنْ اشْتَرَاهُ يَحِلُّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ وَلَكِنَّ الرَّجُلَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فِي الطَّعَامِ شَيْئًا مَغْصُوبًا بِعَيْنِهِ يُبَاحُ أَكْلُهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَصَبَ لَحْمًا فَطَبَخَهُ أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ لَحْمًا فَطَبَخَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ وَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْلُهُ حَرَامٌ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا. (وَلَا تُكْرَهُ إجَارَةُ بَيْتٍ بِالسَّوَادِ) أَيْ بِالْقَرْيَةِ (لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ يُبَاعَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيُتَّخَذَ أَيْ لِيُبَاعَ (فِيهِ الْخَمْرُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَارِدَةٌ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا مَعْصِيَتُهُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ فِعْلُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ فَقَطْعُ نِسْبَتُهُ مِنْهُ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ وَالْمَنْقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ أَنَّهُ يُكْرَهُ (وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ) أَنْ يُؤَجِّرَ بَيْتًا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قَالُوا إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُخْتَصٌّ بِسَوَادِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ أَهْلِهَا ذِمِّيٌّ وَأَمَّا فِي سَوَادِنَا فَأَعْلَامُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إجَارَةِ الْبَيْتِ لِيَتَّخِذَهُ مَعْبَدًا وَمَفْسَقًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُمَكَّنُونَ فِي الْأَمْصَارِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ الْحُكَّامِ فِيمَا تَغْلِبُ فِيهِ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَيُكْرَهُ فِي الْمِصْرِ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي سَوَادٍ غَالِبُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ ظَاهِرَةٌ. (وَمَنْ حَمَلَ لِذِمِّيٍّ

خَمْرًا بِأَجْرٍ طَابَ لَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ) لَهُ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنْ فِي الْخَمْرِ عَشْرًا وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إلَيْهِ» وَلَهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي شُرْبِهَا لَا فِي حَمْلِهَا مَعَ الْحَمْلِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِرَاقَةِ أَوْ التَّخْلِيلِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولُ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا آجَرَ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَرْعَى الْخَنَازِيرَ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزُّنَّارِ مِنْ النَّصَارَى وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَلَوْ أَنَّ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِيِّ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. (وَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جَوَّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا كَمَا مَرَّ فِي الْمَأْذُونِ (وَكُرِهَ قَبُولُ كِسْوَتِهِ ثَوْبًا وَإِهْدَائِهِ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ كَالدَّرَاهِمِ وَالثَّبَاتِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ. (وَيُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَرْدِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (أُنْثَى أَوْ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا كَقَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ الْفَرْدِ (شَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَيَحِلُّ أَوْ) شَرَيْته (مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيَحْرُمُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ شَارِحَهُ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ انْتَهَى لَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى السَّهْوِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ أَرَادَ بِالْحِلِّ الْحِلَّ الضِّمْنِيَّ وَبِالْحُرْمَةِ الْحُرْمَةَ الضِّمْنِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ حَاصِلَ مَسْأَلَةٍ فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَمَنْ أَرْسَلَ أَجِيرًا لَهُ مَجُوسِيًّا أَوْ خَادِمًا فَاشْتَرَى لَحْمًا فَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ تُعْتَقَدُ فِيهِ حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْمُعَامَلَاتِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ ذَبِيحَةً غَيْرَ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ وَمُرَادُ الشَّيْخِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ هَذَا أَعْنِي لَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ فِي الْحُرْمَةِ فَافْهَمْ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيمَا بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ فَلَوْ شَرَطْنَا شَرْطًا زَائِدًا أَدَّى إلَى الْحَرَجِ فَقَبِلَ قَوْلَهُ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعِ كَذَا فَيَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَكَذَا فِي الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. (وَ) يُقْبَلُ (قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ) بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ

فصل في اللبس

أَوْ الصَّبِيُّ هَذِهِ هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا سَيِّدِي أَوْ أَبِي يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي (الْأَذَانِ) بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ أَوْ الصَّبِيُّ الْمُمَيَّزُ أَذِنَ لِي مَوْلَايَ أَوْ الْوَلِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ وَيَرَى مُعَامَلَتَهُ مَعَ الْغَيْرِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فِي اسْتِحْضَارِ الشُّهُودِ إلَى مَوَاضِعِ الْعُقُودِ. (وَشَرْطُ الْعَدْلِ فِي الدِّيَانَاتِ) لِأَنَّهُ لَا يَكْثُرُ وُقُوعًا فَلَا حَرَجَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهَا (كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ) وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَ (إنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (أُنْثَى أَوْ عَبْدًا) لَتَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ لِظُهُورِ عَدَالَتِهِ (وَيَتَحَرَّى فِي الْفَاسِقِ) بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ. (وَ) فِي خَبَرِ (الْمَبْتُورِ ثُمَّ يَعْمَلُ بِغَالِبِ رَأْيِهِ) إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ يَتَيَمَّمُ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ كَذِبُهُ يَتَوَضَّأُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْكَذِبِ (وَلَوْ أَرَاقَ) الْمَاءَ الَّذِي أَخْبَرَ بِنَجَاسَتِهِ فَاسِقٌ أَوْ مَسْتُورٌ (فَتَيَمَّمَ عِنْدَ غَلَبَةِ صِدْقِهِ وَتَوَضَّأَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَرَاقَ وَالْمَعْنَى لَوْ لَمْ يُرِقْ الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ (عِنْدَ غَلَبَةِ كَذِبِهِ كَانَ أَحْوَطَ) كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ أَمَّا فِي الِاحْتِيَاطِ فَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ. [فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهَةِ ذَكَرَ تَفْصِيلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ قَدَّمَ اللُّبْسَ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (الْكِسْوَةُ مِنْهَا فَرْضٌ وَهُوَ) أَيْ مَا هُوَ فَرْضٌ (مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَدْفَعُ ضَرَرَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَا يَسْتُرُ عَوْرَاتِكُمْ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ إلَّا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَخِلْقَتُهُ لَا تَتَحَمَّلُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ ذَلِكَ بِالْكِسْوَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَكَانَ فَرْضًا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ)

وَهُوَ الْمَأْثُورُ وَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْخُيَلَاءِ (بَيْنَ النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ) لِئَلَّا يَحْتَقِرَ فِي الدَّنِيءِ وَيَأْخُذَهُ الْخُيَلَاءُ فِي النَّفِيسِ وَعَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ» وَهُوَ مَا كَانَ فِي نِهَايَةِ النَّفَاسَةِ وَمَا كَانَ فِي نِهَايَةِ الْخَسَاسَةِ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا (وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الزَّائِدُ) عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ. وَفِي الْمِنَحِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ الزِّينَةِ فِي الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَمِيصِ الرَّقِيقِ وَنَحْوِهَا (لِأَخْذِ الزِّينَةِ) الْمَأْمُورِ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] الْآيَةَ (وَإِظْهَارُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى) خُصُوصًا إذَا كَانَ ذَا عِلْمٍ وَمُرُوءَةٍ. وَفِي الْقُنْيَةِ الْعِمَامَةُ الطَّوِيلَةُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ حَسَنٌ فِي حَقِّ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَامُ الْهُدَى دُونَ سَائِرِ النَّاسِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ لِلصَّلَاةِ. وَفِي الْحَدِيثِ «صَلَاةٌ مَعَ عِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ عِمَامَةٍ» وَرُوِيَ «مَنْ صَلَّى وَجَيْبُهُ مَشْدُودٌ كَانَ خَيْرًا مِمَّنْ صَلَّى سَبْعِينَ صَلَاةً وَجَيْبُهُ مَكْشُوفٌ» قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعَمِهِ عَلَى عَبْدِهِ» (وَمُبَاحٌ وَهُوَ الثَّوْبُ الْجَمِيلُ لِلتَّزَيُّنِ) فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكِبْرِ وَكَذَا جَمْعُ الْمَالِ إذَا كَانَ مِنْ حَلَالٍ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ» وَرُبَّمَا قَامَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْتَدِي بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَ يَقُولُ لِتَلَامِذَتِهِ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ فَالسَّرَخْسِيُّ يَلْبَسُ الْغَسِيلَ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ وَيَلْبَسُ الْأَحْسَنَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يُؤْذِيَ الْمُحْتَاجِينَ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَعَنْ النَّخَعِيِّ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فِي ثِيَابٍ حَسَنَةٍ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ نَحْنُ نَعْرِفُ حَقِيقَةً أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْآنَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ (وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ اللُّبْسُ لِلتَّكَبُّرِ) وَالْخُيَلَاءِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ كُلْ وَالْبَسْ وَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ مَخِيلَةٍ» . (وَيُسْتَحَبُّ) الثَّوْبُ (الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الثِّيَابَ الْبِيضَ وَإِنَّهُ خَلَقَ الْجَنَّةَ بَيْضَاءَ» وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبِسَ الْجُبَّةَ السَّوْدَاءَ وَالْعِمَامَةَ السَّوْدَاءَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ» وَلَا بَأْسَ بِالْأَزْرَقِ وَفِي الشِّرْعَةِ وَلُبْسُ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ. (وَيُكْرَهُ) الثَّوْبُ (الْأَحْمَرُ وَالْمُعَصْفَرُ) لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَالْمُعَصْفَرِ» . وَفِي الْمِنَحِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَأْسَ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ لَكِنْ صَرَّحَ صَاحِبُ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ بِالْحُرْمَةِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. (وَالسُّنَّةُ إرْخَاءُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ) هَكَذَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَدْرَ شِبْرٍ وَقِيلَ إلَى وَسَطِ الظُّهْرِ وَقِيلَ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَإِذَا

أَرَادَ تَجْدِيدَ لَفِّهَا نَقَضَهَا كَمَا لَفَّهَا) وَلَا يُلْقِيهَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً هَكَذَا نَقَلَ مَنْ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَلَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ) وَلَوْ بِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدَنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَقَالَ إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ أَيْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَإِنَّمَا جَازَ لِلنِّسَاءِ بِحَدِيثٍ آخَرَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ وَقَالَ هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ» وَيُرْوَى حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ إلَّا أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ وَعَنْ هَذَا قَالَ (الْأَقْدَرُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ) مَضْمُومَةٌ فَلَا يَحْرُمُ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ. وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَصَابِعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَذَلِكَ قَيْسُ شِبْرِنَا يُرَخَّصُ فِيهِ. وَفِي الْمِنَحِ الْقَلِيلُ مِنْ الْحَرِيرِ عَفْوٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعِ يَعْنِي مَضْمُونَةً وَذَلِكَ (كَالْعَلَمِ) ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ وَعَلَيْهَا الْأَعْلَامُ وَالطِّرَازُ فِي تِلْكَ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ جُبَّةً مَكْفُوفَةً بِالْحَرِيرِ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَ فَرْوَةً أَطْرَافُهَا مِنْ الدِّيبَاجِ» وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ تَبَعٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ الْعَلَمُ حَلَالٌ مُطْلَقًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعَ وَفِيهِ رُخْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْعُظَمَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي طَرَفِ الْقَلَنْسُوَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ قَدْرَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ دُونَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِي الْمُجْتَبِي وَإِنَّمَا رَخَّصَ الْإِمَامُ فِي الْعَلَمِ فِي عَرْضِ الثَّوْبِ قُلْت وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ فِي طُولِهِ يُكْرَهُ وَبِهِ جَزَمَ مَوْلَى خُسْرو وَلَكِنَّ إطْلَاقَ الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ مُخَالِفٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ بُرْهَانِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِجِلْدِهِ حَتَّى لَوْ لَبِسَهُ فَوْقَ قَمِيصٍ مِنْ غَزْلٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ فَكَيْفَ إذَا لَبِسَهُ فَوْقَ قَبَاءٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ مَحْشُوًّا وَكَانَتْ جُبَّةً مِنْ حَرِيرٍ بِطَانَتُهَا لَيْسَ بِحَرِيرٍ وَلَوْ لَبِسَهَا فَوْقَ قَمِيصٍ غَزْلِيٍّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِي هَذَا رُخْصَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَوْضِعٍ عَمَّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَكِنْ طَلَبْتُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْإِمَامِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى هَذَا ثُمَّ قَالَ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ إذَا كَانَ يَمَسُّ الْجِلْدَ وَمَا لَا فَلَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ حَرِيرٍ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَمَا تَرَى إلَى مَا يَلِي الْجَسَدِ وَكَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ مِنْ قُطْنٍ ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْكُلَّ حَرَامٌ. وَفِي الْجَامِعِ لِلْبَزْدَوِيِّ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَاحَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ لِلرِّجَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ

أَيْضًا وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ انْتَهَى قَالَ عَبْدُ الْبَرِّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ قُلْت وَفِي حِفْظِي مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَقَلَنْسُوَةِ الثَّعَالِبِ انْتَهَى وَهَذَا مُطْلَقٌ وَفِيهِ زِيَادَةُ مُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَالثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ يَحِلُّ إذَا كَانَ هَذَا الْمِقْدَارُ وَإِلَّا لَا وَلَا بَأْسَ بِتِكَّةِ دِيبَاجٍ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْتِ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِمِلْأَةٍ حَرِيرٍ يُوضَعُ فِي مَهْدِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسٍ. وَفِي الْقُنْيَةِ تُكْرَهُ التِّكَّةُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا الْقَلَنْسُوَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَالْكِيسُ الَّذِي يُعَلَّقُ لَكِنْ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ الْقُدُورِيِّ لَا تُكْرَهُ التِّكَّةُ مِنْ الْحَرِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُكْرَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي عُصْبَةِ الْجِرَاحَةِ بِالْحَرِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةُ الْقَمِيصِ وَزِرُّهُ مِنْ الْحَرِيرِ وَهُوَ كَالْعَلَمِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ كَرِهَتْهُ وَأَكْرَهُ تِكَّةَ الْحَرِيرِ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَاللُّبْسُ لَا يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ تَبَعًا فِي اللُّبْسِ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ اللُّبْسُ الْحَرِيرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشُدَّ خِمَارًا أَسْوَدَ مِنْ الْحَرِيرِ عَلَى الْعَيْنِ الرَّامِدَةِ أَوْ النَّاظِرَةِ إلَى الثَّلْجِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى سَجَّادَةٍ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ لَمْ يُكْرَهْ فَإِنَّ الْحَرَامَ هُوَ اللُّبْسُ أَمَّا الِانْتِفَاعُ بِسَائِرِ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. (وَلَا بَأْسَ) لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (بِتَوَسُّدِهِ) أَيْ بِاِتِّخَاذِ الْحَرِيرِ وِسَادَةً (وَافْتِرَاشِهِ) أَيْ اتِّخَاذِهِ فِرَاشًا وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ وَكَذَا سِتْرُ الْحَرِيرِ وَتَعْلِيقُهُ عَلَى الْبَابِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِعُمُومِ النَّهْيِ وَلِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَكَاسِرَةِ وَالْجَبَابِرَةِ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ وَالْمُجْمَعِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَهُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ وَقَدْ كَانَ عَلَى بِسَاطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -» مِرْفَقَةُ حَرِيرٍ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ مُبَاحٌ كَالْأَعْلَامِ فَكَذَا الْقَلِيلُ مِنْ اللُّبْسِ وَهُوَ التَّوَسُّدُ وَالِافْتِرَاشُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ كَامِلٍ بَلْ اسْتِعْمَالٌ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِهَانِ فَكَانَ قَاصِرًا عَنْ مَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ وَالتَّزْيِينِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مِنْ اللُّبْسِ الَّذِي هُوَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَيْهِ فَلَمْ يَحْرُمُ بَلْ كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيلًا لِلُّبْسِ وَأُنْمُوذَجًا وَتَرْغِيبًا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ، وَنَظِيرُهُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُفْسِدُ وَكَذَا الْكَثِيرُ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيلِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ مَا سَدَاهُ) بِالْفَتْحِ أَيْ مَا سَدَى مِنْ الثَّوْبِ بِالْفَارِسِيَّةِ " تان وتار " (إبْرَيْسَمٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَحَرَكَاتِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَرَبِيٍّ أَوْ مُعَرَّبٍ (وَلُحْمَتُهُ) مَا أُدْخِلَ

بَيْنَ السَّدَى (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْإِبْرَيْسَمِ سَوَاءٌ كَانَ مَغْلُوبًا أَوْ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا لِلْحَرِيرِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ يَعْنِي فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَ هَذَا وَلِأَنَّ الثَّوْبَ يَصِيرُ بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللَّحْمَةِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا عِلَّةً قَرِيبَةً فَيُضَافُ الْحُكْمُ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةُ إلَيْهَا دُونَ السَّدَى فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى وَقِيلَ لَا يَلْبَسُ إلَّا إذَا غَلَبَ اللُّحْمَةُ عَلَى الْحَرِيرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ مَا لُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمٌ وَسَدَاهُ غَيْرُهُ (لَا يُلْبَسُ إلَّا فِي الْحَرْبِ) لَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ لِلضَّرُورَةِ. (وَيُكْرَهُ لُبْسُ خَالِصِهِ) أَيْ الْحَرِيرِ فِيهَا أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَلَهُ إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ مِنْهُ. وَفِي الْمِنَحِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الِاتِّقَاءُ فَإِنَّ لُبْسَهُ لَا يَحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْفِرَاءِ كُلِّهَا مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ وَالذَّكِيَّةِ وَكَذَلِكَ الصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَاللِّبَدِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرْوِ وَالظِّهَارَةِ وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَلْبُوسٌ وَالْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ. (وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا) يَجُوزُ (لِلرِّجَالِ) أَمَّا بِالذَّهَبِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا بِالْفِضَّةِ فَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الذَّهَبِ فِي التَّزَيُّنِ وَوُقُوعُ التَّفَاخُرِ بِهَا (إلَّا الْخَاتَمَ) عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ فَصَّانِ أَوْ أَكْثَرُ فَحَرَامٌ (وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَدْ وَرَدَ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ وَكَانَ «النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ» ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَقَالُوا إنْ قَصَدَ بِالتَّخَتُّمِ التَّجَبُّرَ فَمَكْرُوهٌ. وَفِي

الِاخْتِيَارِ سُنَّ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ عَلَى قَدْرِ مِثْقَالٍ أَوْ دُونِهِ. (وَ) إلَّا (مِسْمَارَ الذَّهَبِ فِي ثَقْبِ الْفَصِّ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَلَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ (وَ) إلَّا (كِتَابَةَ الثَّوْبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلثَّوْبِ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ. (وَ) إلَّا (شَدَّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ وَلَا يَجُوزُ بِالذَّهَبِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَشُدُّ الْأَسْنَانَ بِالذَّهَبِ وَيَشُدُّ بِالْفِضَّةِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِالْفِضَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ بِالذَّهَبِ أَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قُلْنَا الْكَلَامُ فِي السِّنِّ وَالْمَرْوِيُّ فِي الْأَنْفِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِغْنَاءِ فِي السِّنِّ أَلَا يَرَى التَّخَتُّمَ لِأَجْلِ الْخَتْمِ ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِالْأَدْنَى لَا يُصَارُ إلَى الْأَعْلَى وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الْأَنْفِ فَكَذَا هُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَصَّ عَرْفَجَةَ بِذَلِكَ كَمَا خَصَّ الزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِأَجْلِ الْحَكَّةِ فِي جِسْمِهِمَا. (وَلَا يَتَخَتَّمُ بِحَجَرٍ وَلَا صُفْرٍ وَلَا حَدِيدٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ» (وَقِيلَ يُبَاحُ بِالْحَجَرِ الْيَشْبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ إذَا لَيْسَ لَهُ ثِقَلُ الْحَجَرِ وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الدُّرَرِ نَقْلًا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ وَقَالَ تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ» وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ بَلْ هُوَ حَجَرٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ. وَفِي الْمِنَحِ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْعَقِيقِ لَمَّا ثَبَتَ حَلَّ سَائِرُ الْأَحْجَارِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ حَجَرٍ وَحَجَرٍ لَكِنْ يَجُوزُ التَّخَتُّمُ إنْ كَانَتْ الْحَلْقَةُ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْفَصُّ مِنْ الْحَجَرِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَقِيقٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ فَيْرُوزَجِ أَوْ غَيْرِهَا لِكَوْنِهِ تَابِعًا وَلِأَنَّ الْقِوَامَ بِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَصِّ وَيُجْعَلُ الْفَصُّ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ فِي حَقِّهَا وَيَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي الْيُسْرَى لَا فِي الْيُمْنَى وَلَا فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصَابِعِهِ وَسَوَّى الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَهُوَ الْحَقُّ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ. (وَتَرْكُ التَّخَتُّمِ أَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي) لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي كَمَا فِي الْهِدَايَةِ

وَفِي الْمِنَحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذِي حَاجَةٍ كَذَلِكَ فَلَوْ قِيلَ وَتَرْكُ التَّخَتُّمِ أَفْضَلُ لِغَيْرِ ذِي حَاجَةٍ إلَيْهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمُبَاشِرُ وَمُتَوَلِّي الْأَوْقَافِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى الْخَتْمِ لِضَبْطِ الْمَالِ كَانَ أَعَمَّ فَائِدَةً كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى لَكِنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِي جَرَيَانَ الْحُكْمِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الشَّيْءِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ خُصُوصًا فِي أَمْرِ الِاسْتِحْبَابِ تَدَبَّرْ. (وَيَجُوزُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مِنْ إنَاءٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى سَرِيرٍ مُفَضَّضٍ بِشَرْطِ اتِّقَاءِ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقِيلَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفَمِ وَالْيَدِ. وَفِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَيُكْرَهُ) ذَلِكَ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) مُطْلَقًا (وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ مَعَ الْإِمَامِ. وَفِي رِوَايَةٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا وَكَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّقْفِ وَالْمَسْجِدِ وَحَلْقَةِ الْمِرْآةِ أَيْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا أَوْ مُفَضَّضًا كَمَا لَوْ جَعَلَهُ فِي نَصْلِ سَيْفٍ وَسِكِّينٍ أَوْ قَبْضَتِهِمَا أَوْ فِي لِجَامٍ أَوْ رِكَابٍ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ وَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ لِبَقَائِهِ لَوْنًا لَهُمَا إنَّ مُسْتَعْمِلَ جُزْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ مُسْتَعْمِلٌ جَمِيعَ الْأَجْزَاءِ فَيُكْرَهُ كَمَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَلَا تُعْتَبَرُ بِالتَّوَابِعِ فَلَا يُكْرَهُ كَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ. (وَيُكْرَهُ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ ذَهَبًا أَوْ حَرِيرًا) لِئَلَّا يَعْتَادَهُ وَالْإِثْمُ عَلَى الْمُلْبِسِ كَالْخَمْرِ فَإِنْ سَقْيَهَا الصَّبِيَّ حَرَامٌ كَشُرْبِهَا وَكَذَا الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَالتَّنْوِيرُ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الصَّبِيِّ اللُّؤْلُؤَ وَكَذَا الْبَالِغُ (وَيُكْرَهُ حَمْلُ خِرْقَةٍ لِمَسْحِ الْعَرَقِ أَوْ الْمُخَاطِ أَوْ) مَاءِ (الْوُضُوءِ إنْ لِلتَّكَبُّرِ وَإِنْ لِلْحَاجَةِ فَلَا هُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَالرَّتَمُ) وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُعْقَدُ عَلَى الْأُصْبُعِ لِتَذَكُّرِ الشَّيْءِ (لَا بَأْسَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ

فصل في بيان أحكام النظر ونحوه

مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عِنْدَ النِّسْيَانِ أَمَّا شَدُّ الْخُيُوطِ وَالسَّلَاسِلِ عَلَى بَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ عَبَثًا مَحْضًا أَوْ حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا فُعِلَ عَلَى وَجْهِ التَّجَبُّرِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ وَمَا فَعَلَهُ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَا يُكْرَهُ وَهُمَا نَظِيرُ التَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ وَالِاتِّكَاءِ. [فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه] كَالْمَسِّ (وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالطَّبِيبِ) أَيْ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ النَّظَرِ ضَرُورَةً فَيُرَخَّصُ لَهُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِمْ (وَالْخَاتِنُ وَالْخَافِضَةُ) بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الَّتِي تَخْتِنُ النِّسَاءَ (وَالْقَابِلَةُ وَالْحَاقِنُ) الَّذِي يَعْمَلُ الْحُقْنَةَ (وَلَا يَتَجَاوَزُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (قَدْرَ الضَّرُورَةِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الْمَرَضِ وَالْخِتَانِ وَالْحُقْنَةِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَسْتُرُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا اسْتَطَاعَ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ وَقَدْ بَيَّنْت فِي الصَّلَاةِ) أَنَّ الْعَوْرَةَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَة حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ بِرِفْقٍ وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ. وَفِي السَّوْأَة بِضَرْبٍ إنْ أَصَرَّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْأَوْلَى تَنْكِيرُ الرَّجُلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ الصَّبِيحِ الْوَجْهِ وَكَذَا الْخَلْوَةُ وَلِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالنِّقَابِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ انْتَهَى. (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ) الْمُسْلِمَةُ (مِنْ الْمَرْأَةِ) لِوُجُودِ الْمُجَانِسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَهِي الْمَرْأَةَ كَمَا لَا يَشْتَهِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. (وَ) مِنْ (الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ) أَيْ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ

(إنْ أُمِنَتْ الشَّهْوَةُ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي قَلْبِهِ شُهْرَةٌ أَوْ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا إنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ النَّاظِرُ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتْمًا مَعَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ إلَى بَدَنِ الْمُسْلِمَةِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالتَّنْوِيرِ وَكُلُّ عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَشَعْرِ رَأْسِهَا. (وَيَنْظُرُ) الرَّجُلُ (إلَى جَمِيعِ بَدَنِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (وَطْؤُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجَتِك وَأَمَتِك» قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ وَكَذَا لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ عَوْرَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَنْظُرُ إلَى عَوْرَتِهِ وَلَا يَمَسُّهَا بِيَمِينِهِ قَطُّ وَقَالَ الْبَعْضُ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَقْتَ الْوِقَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ وَقَيَّدَ الْأَمَةَ بِكَوْنِهَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّ مَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا كَأَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ الْمَنْكُوحَةِ لِلْغَيْرِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا (وَ) يَنْظُرُ (مِنْ مَحَارِمِهِ) نَسَبًا وَرَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً بِالنِّكَاحِ وَكَذَا بِالسِّفَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَاهَرَةُ وَإِنْ كَانَ زِنًا. (وَ) مِنْ (أَمَةِ غَيْرِهِ) وَلَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعْتَقَةَ الْبَعْضِ عِنْدَهُ (إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ) إنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] إذْ الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالشَّعْرَ مَوْضِعُ الْعِقَاصِ وَالْوَجْهَ مَوْضِعُ الْكُحْلِ وَالْعُنُقَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَى الصَّدْرِ وَالْأُذُنَ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدَ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدَ مَوْضِعُ السُّوَرِ وَالْكَفَّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالسَّاقَ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمَ مَوْضِعُ الْخِضَابِ فَحَلَّ النَّظَرُ لِلْمَحَارِمِ إلَى تِلْكَ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا فِي ثَبَاتِ مِهْنَتِهَا عَادَةً وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً وَيَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ بَعْضُ الْمَحَارِمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَلَوْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَكَذَا الرَّغْبَةُ تَقِلُّ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ فَقَلَّمَا تُشْتَهَى بِخِلَافِ مَا وَرَاءَهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْكَشِفُ عَادَةً وَحُكْمُ أَمَةِ الْغَيْرِ كَحُكْمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا رَأَى جَارِيَةً مُقَنَّعَةً يَضْرِبُهَا بِالدِّرَّةِ وَيَقُولُ أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا. (وَلَا بَأْسَ بِمَسِّهِ) أَيْ بِمَسِّ الرَّجُلِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ مَحَارِمِهِ وَأَمَةِ

غَيْرِهِ (بِشَرْطِ أَمْنِ الشَّهْوَةِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ) لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ بِالْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُقَبِّلُ رَأْسَ بِنْتِهِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَيَقُولُ أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ» (وَلَا يَنْظُرُ) الرَّجُلُ (إلَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْفَخِذِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَمِنَ) أَيْ عَنْ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوَاضِعَ الزِّينَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِ مَحَارِمِهِ وَبَطْنِهَا. (وَلَا) يَنْظُرُ الرَّجُلُ (إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إنْ أَمِنَ) الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّ إبْدَاءَ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ يَلْزَمُهَا بِالضَّرُورَةِ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قَدَمَيْهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي إبْدَائِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى قَدَمَيْهَا إذَا ظَهَرَتَا فِي حَالِ الْمَشْيِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَدْرٌ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ الشَّهْوَةَ (وَلَا يَجُوزُ) النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ صُبَّتْ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالُوا وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبٌ يُبَيِّنُ حَجْمَهَا فِيهِ فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (لِغَيْرِ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْأَدَاءِ) فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَنْ يَنْظُرَ مَعَ عَدَمِ أَمْنِ الشَّهْوَةِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَشْتَهِي فِي التَّحَمُّلِ لَيْسَ بِمَعْدُومٍ بِخِلَافِ مَنْ يُؤَدِّيهَا وَقِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي النَّظَرِ عِنْدَ الْأَدَاءِ (وَالْحَاكِمُ عِنْدَ الْحُكْمِ) وَإِنْ لَمْ يَأْمَنَا؛ لِأَنَّهُمَا مُضْطَرَّانِ إلَيْهِ فِي إقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (وَلَا يَجُوزُ مَسُّ ذَلِكَ) أَيْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. (وَإِنْ أَمِنَ) الشَّهْوَةَ (إنْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (شَابَّةً) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ اللَّمْسَ أَغْلَظُ مِنْ النَّظَرِ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِ أَكْثَرُ (وَيَجُوزُ) مَسُّهُ (إنْ) كَانَتْ (عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى) لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (أَوْ هُوَ شَيْخٌ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا) وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ أَوْ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ (وَيَجُوزُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ مَعَ خَوْفِ الشَّهْوَةِ عِنْدَ إرَادَةِ الشِّرَاءِ)

لِلضَّرُورَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّظَرِ أَوْ فِي الْمَسِّ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ سَاقَهَا وَذِرَاعَهَا وَصَدْرَهَا وَيَنْظُرُ إلَى صَدْرِهَا وَسَاقِهَا مَكْشُوفَيْنِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْثَرَ رَأْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ. وَفِي الِاخْتِيَارِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الشِّرَاءَ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ مَعَ الشَّهْوَةِ دُونَ الْمَسِّ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ (أَوْ النِّكَاحِ) فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «الْمُغِيرَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَدُومَ بَيْنَكُمَا» . (وَالْعَبْد مَعَ سَيِّدَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) مِنْ الرِّجَالُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ كَالْمَحْرَمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ (وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ كَالْفَحْلِ) أَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ فَيُنْزِلُ قِيلَ إنْ جَفَّ مَاءُ الْمَجْبُوبِ يَحِلُّ اخْتِلَاطُهُ بِالنِّسَاءِ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْخَصِيُّ فَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامَعُ وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْفَحْلِ الْفَاسِقِ. (وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلَ) سَوَاءٌ كَانَ فَمَه أَوْ يَدَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهُ وَكَذَا تَقْبِيلُ الْمَرْأَةِ فَمَ امْرَأَةٍ أَوْ خَدَّهَا عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالْوَدَاعِ (أَوْ يُعَانِقُهُ فِي إزَارٍ بِلَا قَمِيصٍ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَانَقَ جَعْفَرَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ نَعَمْ» قَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَنْصُورِ: إنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ (وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ) ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَارَثَةٌ فِي السُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مُضَاجَعَةُ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ عَنْ الْفِرَاشِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.

(وَ) لَا بَأْسَ (تَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ) أَوْ الزَّاهِدِ إعْزَازًا لِلدِّينِ (أَوْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ) لِعَدْلِهِ وَيَدِ غَيْرِهِمْ بِتَعْظِيمِ إسْلَامِهِ وَإِكْرَامِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَارَكٍ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ لَكِنَّ تَقْبِيلَ رَأْسِ الْعَالِمِ أَجْوَدُ. وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ لَوْ طَلَبَ مِنْ عَالِمٍ أَوْ زَاهِدٍ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدَمَهُ لِيُقَبِّلَهُ لَمْ يُجِبْهُ وَقِيلَ أَجَابَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَتَقْبِيلُ يَدِ نَفْسِهِ مَكْرُوهٌ كَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَاطِينِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي آثِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ فَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ يَكْفُرُ وَكَذَا مَنْ سَجَدَ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ يَصِيرُ آثِمًا مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالسَّجْدَةِ مُطْلَقًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ لِلْمَلِكِ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَلَوْ سَجَدَ عِنْدَ السُّلْطَانِ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ لَا يَصِيرُ كَافِرًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْإِيمَاءُ فِي السَّلَامِ إلَى قَرِيبِ الرُّكُوعِ كَالسُّجُودِ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَيُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ يُكْرَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْقُنْيَةِ قِيَامُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَكَذَا الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَحَبَّةُ الْقِيَامِ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُحِبَّ الْقِيَامَ وَقَامُوا لَهُ لَا يُكْرَهُ لَهُمْ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ قِيَامُ قَارِئِ الْقُرْآنِ لِمَنْ يَجِيءُ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ تَعْظِيمًا لَهُ فَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ. (وَيَعْزِلُ) الْمَوْلَى مَاءَهُ (عَنْ أَمَتِهِ) عِنْدَ الْجِمَاعِ (بِلَا إذْنِهَا) أَيْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ (لَا) يَعْزِلُ الزَّوْجُ (عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِالْإِذْنِ) لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ (وَلَا تُعْرِضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ مَا يَسْتُرُ بَيْنَ السُّرَّةِ

فصل في بيان أحكام الاستبراء

إلَى الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُمَا. [فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام الِاسْتِبْرَاء] ِ) وَهُوَ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا وَهُنَا طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ (مَنْ مَلَكَ أَمَةً) رَقَبَةً وَيَدًا (بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَرُجُوعٍ عَنْهَا أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ فَسْخِ بَيْعٍ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ دَفْعٍ بِجِنَايَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (يَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَالِكِ (وَطْؤُهَا وَ) يَحْرُمُ (دَوَاعِيهِ) أَيْ دَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْوَطْءِ أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إذَا ظَهَرَ الْحَبَلُ وَادِّعَاءُ الْبَائِعِ هَذَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ لَا يَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا حُرِّمَ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَيَشْتَبِهَ النَّسَبُ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الدَّوَاعِي (حَتَّى يَسْتَبْرِئَ) الْمَالِكُ (بِحَيْضَةٍ فِيمَنْ تَحِيضُ وَبِشَهْرٍ فِي غَيْرِهَا) أَيْ تَسْتَبْرِئُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ إذَا حَاضَتْ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطِئُوا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحَرَّمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ وَذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشُّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ. (وَفِي) أَمَةٍ (مُرْتَفِعَةِ الْحَيْضِ) لِآفَةٍ بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ (لَا بِإِيَاسٍ) يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ (بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَا تُفِيدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ فَرَاغِ رَحِمِ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنَّا زَوْجُهَا (وَفِي رِوَايَةٍ) (عَنْ مُحَمَّدٍ بِنِصْفِهَا) أَيْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَالْفَتْوَى

عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَتَى صَلَحَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُوهِمُ بِالنِّكَاحِ فِي الْإِمَاءِ فَلَأَنْ يَحْصُلَ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُتَوَهَّمُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى. (وَفِي) الْأَمَةِ (الْحَامِلِ) الِاسْتِبْرَاءُ (بِوَضْعِهِ) أَيْ بِوَضْعِ حَمْلِهَا لِمَا رَوَيْنَا آنِفًا. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَتْ) الْأَمَةُ (بِكْرًا) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ (أَوْ مَشْرِيَّةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ) مِنْ (مَالِ طِفْلٍ) بِأَنْ بَاعَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي الْغَايَةِ (أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا) كَالْمُحَرَّمِ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَكِنْ غَيْرُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ حَتَّى لَا تَعْتِقَ الْأَمَةُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ إقَامَةً لِتَوَهُّمِ شَغْلِ الرَّحِمِ مَقَامَ تَحَقُّقِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ إذْ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَيَقَّنَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ لَمْ يُسْتَبْرَأْ. وَفِي الْإِصْلَاحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ جَوَابٌ إنْ شِئْت فَرَاجِعْهُمَا. (وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْبَائِعِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ بَيْعَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِتَرْكِ الْوَطْءِ تَجَنُّبًا عَنْ احْتِمَالِ اشْتِغَالِ رَحِمِ مَا أَرَادَ بَيْعَهَا بِمِائَةٍ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ قَائِمٌ وَيَقْتَضِي جَوَازُ وَطْئِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَلَا تَكْفِي) فِيمَا يَكْفِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ (حَيْضَةٌ مَلَكَهَا) الْمُشْتَرِي (فِيهَا) أَيْ فِي الْحَيْضَةِ يَعْنِي لَا يُعْتَبَرُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا فِي خِلَالِ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ (وَلَا) تَكْفِي الْحَيْضَةُ (الَّتِي) حَدَثَتْ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ قَبْلَ عِلَّتِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ جَمِيعًا فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا (أَوْ) الَّتِي حَاضَتْ بِهَا (قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ) أَيْ بَاعَهَا الْفُضُولِيُّ فَحَاضَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يُعْتَبَرُ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ. (وَكَذَا الْوِلَادَةُ) أَيْ لَا تَكْفِي الْوِلَادَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَتَكْفِي حَيْضَةٌ وُجِدَتْ) تِلْكَ الْحَيْضَةُ (بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْأَمَةَ (مَجُوسِيَّةٌ فَأَسْلَمَتْ) ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ بَعْدَ سَبَبِهِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَجَزَتْ. (وَيَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ (عِنْدَ تَمَلُّكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ (لَا) يَجِبُ (عِنْدَ عَوْدِ) الْأَمَةِ (الْآبِقَةِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (وَفَكِّ الْمَرْهُونَةِ)

لِمَا مَرَّ مِنْ انْعِدَامِ السَّبَبِ هَذَا إنْ أَبَقَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَتْ أَمَّا إنْ أَبَقَتْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ. (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِهِ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) إذْ عِنْدَهُ مَكْرُوهَةٌ (وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ (إنْ عُلِمَ عَدَمُ الْوَطْءِ مِنْ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ) فِي هَذَا الطُّهْرِ (وَ) أَخَذَ (بِالثَّانِي) أَيْ بِكَرَاهَةِ الْحِيلَةِ (إنْ اُحْتُمِلَ) الْوَطْءُ مِنْهُ. وَفِي الدُّرَرِ وَبِهِ يُفْتَى (وَالْحِيلَةُ) فِي إسْقَاطِهِ (إنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ) أَيْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي (حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا مِنْ سَيِّدِهَا (ثُمَّ يَشْتَرِيهَا) بَعْدَ تَسْلِيمِهَا الْمَوْلَى إلَيْهِ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ بِالشِّرَاءِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ قِيلَ لَا يَكْفِي الْقَبْضُ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَطَأَ الزَّوْجُ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ الْأَمَةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَمَّا إذَا وَطِئَهَا تَصِيرُ مُعْتَدَّةً فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. (وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَأَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ) إلَى شَخْصٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ (قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ) يُزَوِّجَهَا (الْمُشْتَرِي) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا (بَعْدَ الْبَيْعِ) أَيْ بَيْعِ الْبَائِعِ مِنْهُ (قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ) قَبْلَ الدُّخُولِ (بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ) إنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ (أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ) إنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَعْنِي الْحِيلَةَ أَنْ يُنْكِحَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي رَجُلًا عَلَيْهِ اعْتِمَادٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ يَشْتَرِي الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا فَلَا اسْتِبْرَاء فَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَلَّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ أَوْ يُنْكِحُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ذَلِكَ الرَّجُلَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فَإِذَا حَلَّ بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ. (وَمَنْ مَلَكَ أَمَتَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ) وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ أَمَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ لَا صِفَةٌ بِحَذْفِ اللَّتَيْنِ فَإِنَّهُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الْبَصْرِيَّةُ (نِكَاحًا) كَأُخْتَيْنِ أَوْ بِنْتٍ وَأُمِّهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (وَطْءُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ) لَا وَطْؤُهُمَا (وَدَوَاعِيهِ) أَيْ دَوَاعِي وَطْءِ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ دُونَ وَطْءِ الْأُخْرَى وَدَوَاعِيهِ كَالتَّقْبِيلِ بِشُهُودِهِ وَالْمَسِّ بِهَا (فَإِنْ وَطِئَهُمَا أَوْ فَعَلَ بِهِمَا شَيْئًا مِنْ الدَّوَاعِي حُرِّمَ عَلَيْهِ

فصل في بيع العذرة

وَطْءُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ إحْدَاهُمَا) بِتَمْلِيكٍ أَوْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِآخَرَ أَوْ عِتْقٍ. [فَصَلِّ فِي بَيْع العذرة] فَصَلِّ فِي الْبَيْع أَيْ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) وَهِيَ رَجِيعُ الْآدَمِيِّ (خَالِصَةً) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَجَازَ) بَيْعُهَا (لَوْ مَخْلُوطَةً) بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ (فِي الصَّحِيحِ) . وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ. (وَجَازَ بَيْع السِّرْقِينِ) مُطْلَقًا فِي الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ مَالًا مُنْتَفَعًا بِهِ لِتَقْوِيَةِ الْأَرْضِ فِي الْإِنْبَاتِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ كَالْعَذِرَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ. (وَالِانْتِفَاعُ) مِنْ الْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ وَالْمَخْلُوطَةِ وَالسِّرْقِينِ (كَالْبَيْعِ) فِي الْحُكْمِ فَمَا كَانَ بَيْعُهُ غَيْرَ جَائِزٍ يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ غَيْرَ جَائِزٍ وَمَا كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَائِزًا. (وَمَنْ رَأَى جَارِيَةَ رَجُلٍ مَعَ آخَرَ يَبِيعُهَا قَائِلًا وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا) أَيْ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِبَيْعِهَا (أَوْ اشْتَرَيْتهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ صَاحِبِهَا (أَوْ وَهَبَهَا لِي) صَاحِبُهَا (أَوْ تَصَدَّقَ) صَاحِبُهَا (بِهَا) أَيْ بِالْجَارِيَةِ (عَلَيَّ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ) أَيْ فِي قَلْبِ الرَّائِي (صِدْقُهُ) أَيْ صَدَّقَ الْبَائِعُ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ (حَلَّ لَهُ) أَيْ لِلرَّائِي (شِرَاؤُهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ الْقَائِلِ (وَ) حَلَّ لَهُ (وَطْؤُهَا) أَيْضًا بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ

الاحتكار في أقوات الآدميين

أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ لِمَا مَرَّ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبً لَا يَسَعُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءِ مَكَّةَ) لِكَوْنِهِ مِلْكَ مَنْ بَنَاهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ بَنَى عَلَى الْأَرْضِ الْوَقْفِ جَازَ بَيْعُهُ فَهَذَا كَذَلِكَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا) أَيْ أَرْضِ مَكَّةَ (وَإِجَارَتُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤْجَرُ بُيُوتُهَا» وَلِأَنَّ الْحَرَمَ وَقْفُ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِظُهُورِ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ بِهَا فَصَارَ كَالْبِنَاءِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا تُمَلَّكُ وَتَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ بَيْعَ أَرَاضِيِهَا وَالدُّورِ الَّتِي فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَقَوْلُهُمَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ) . وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَبِهِ يُفْتَى. [الِاحْتِكَار فِي أقوات الْآدَمِيِّينَ] (وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ) كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ (وَالْبَهَائِمِ) كَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ (بِبَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَا يَخْتَصُّ بِالْأَقْوَاتِ بَلْ يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ (فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ احْتِكَارُهُ بِالْعَامَّةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَبْسِ الْقُوتِ الْمَكْرُوهِ قِيلَ هِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» وَقِيلَ شَهْرٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ كَمَا مَرَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّ الْإِثْمَ يَلْزَمُ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ لِكَوْنِ التِّجَارَةِ

حكم التسعير

غَيْرَ مَحْمُودَةٍ فِي الطَّعَامِ. (وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ حَالُ الْمُحْتَكِرِ أَمَرَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُحْتَكَرَ (بِبَيْعِ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ وَدَوَابِّهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُحْتَكِرُ عَنْ الْبَيْعِ حَبَسَهُ الْقَاضِي وَعَزَّرَهُ وَ (بَاعَ عَلَيْهِ) وَقِيلَ لَا يَبِيعُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَلِذَا أَتَى بِصُورَةٍ الِاتِّفَاقِ. (وَلَا احْتِكَارَ فِي غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ (وَلَا فِيمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ أَهْلِ بَلَدٍ بِطَعَامِ بَلَدٍ آخَرَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ) أَنْ يَحْبِسَ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» . (وَكَذَا) يُكْرَهُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَجْلِبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ عَادَةً) فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْمُخْتَارُ) هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَخَذَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ كِتَابِهِ مِنْهَا كَمَا فِي الْفَرَائِدِ. (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ) أَيْ عَصِيرِ الْعِنَبِ (مِمَّنْ) يَعْلَمُ أَنَّهُ (يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِ الْعَصِيرِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ فَصَارَ عِنْدَ الْعَقْدِ كَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ. (وَلَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ خَمْرًا وَأَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهَا كُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُهُ) يَعْنِي كَانَ لِمُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْخَمْرِ بِدَيْنِهِ. (وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ ذِمِّيًّا لَا يُكْرَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَيَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ. [حُكْم التَّسْعِير] (وَيُكْرَهُ التَّسْعِيرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَغَرَّضَ لِحَقِّهِ (إلَّا إذَا تَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ فِي الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) كَالضَّعْفِ وَعَجْزِ الْحَاكِمِ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِهِمْ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ (فَلَا بَأْسَ) حِينَئِذٍ (بِهِ) أَيْ بِالتَّسْعِيرِ (بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) أَيْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْبَصَارَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ

فصل في المتفرقات

عَنْ الضَّيَاعِ فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَعَّرَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي قِيلَ إذَا خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَضْرِبَهُ الْحَاكِمُ إنْ نَقَصَ مِنْ سِعْرِهِ لَا يَحِلُّ مَا بَاعَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ مَعْنَى الْمُكْرَهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي يَعْنِي مَا تُحِبُّهُ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَ يَحِلُّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُؤَجِّرْ الرَّضِيَّ فِي التَّقْدِيرِ فَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا مِنْهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ. (وَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلطِّفْلِ مِنْهُ) ، مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَا لَا بُدَّ لِلطِّفْلِ مِنْ بَيْعِهِ (لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأُمِّهِ وَمُلْتَقَطِهِ إنْ هُوَ) أَيْ الطِّفْلُ (فِي حِجْرِهِمْ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُمْ وَبَيْعُهُمْ لَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (وَتُؤَجِّرُهُ) أَيْ الطِّفْلَ (أُمُّهُ فَقَطْ) إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمْ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ فَتَمْلِكَ إتْلَافَهَا بِعِوَضِهِ وَالْإِجَارَةُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ دُونَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْمُلْتَقِطِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَلَّكُونَ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ وَلَوْ فِي حِجْرِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ وَأَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا فَإِنَّهُمْ يَتَمَلَّكُونَ التَّصَرُّفَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَحِجْرِهِمْ. [فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات] (تَجُوزُ الْمُسَابِقَةُ بِالسِّهَامِ وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ. وَفِي الْحَدِيثِ «سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجِهَادِ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْجِهَادِ فَتَعَلُّمُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ سَعْيًا فِي إقَامَةِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ وَعَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ وَالرِّهَانِ» . (وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُسَابِقَةِ (جُعْلٌ مِنْ إحْدَى الْجَانِبَيْنِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي أُعْطِيك كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُك لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا (أَوْ) شُرِطَ فِيهَا جُعْلٌ (مِنْ ثَالِثٍ لِأَسْبَقِهِمَا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ثَالِثٌ لِلْمُتَسَابَقَيْنِ أَيُّكُمَا سَبَقَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا (جَازَ) لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى آلَةِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَالِ بِالْحَظْرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَقْدَامِ. (وَإِنْ) شُرِطَ (مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ يَحْرُمُ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَأَعْطِنِي كَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا وَالْقِمَارُ حَرَامٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا) فَرَسٌ (مُحَلِّلٌ كُفْءٌ لَهُمَا) أَيْ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَسْبِقُهُمَا (إنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ) الْجُعْلَ (مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ لَا يُعْطِيهِمَا) شَيْئًا أَوْ بِالْعَكْسِ يَعْنِي شُرِطَ أَيُّهُمَا لَوْ سَبَقَاهُ

يُعْطِيهِمَا وَلَوْ سَبَقَهُمَا لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْهُمَا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ) الْمَالَ الْمَشْرُوطَ (مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّ بِالْمُحَلِّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَرَسُ الْمُحَلِّلُ مِثْلَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إدْخَالِهِ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا. (وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفَ) عَالِمَانِ (اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَأَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى شَيْخٍ) فَاضِلٍ (وَجَعَلَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قُلْت أَعْطَيْتُك كَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْت لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْأَفْرَاسِ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْجِهَادِ يَجُوزُ هُنَا لِلْحَثِّ عَلَى الْجَهْدِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الدِّينَ يَقُومُ بِالْعِلْمِ كَمَا يَقُومُ بِالْجِهَادِ. (وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ) قَدِيمَةٌ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ (وَمَنْ دُعِيَ) إلَيْهَا (فَلْيُجِبْ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَثِمَ وَجَفَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْوَلِيمَةِ (شَيْئًا وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْأَكْلِ دُونَ الرَّفْعِ وَالْإِعْطَاءِ. (وَإِنْ عَلِمَ) الْمَدْعُوُّ (أَنَّ فِيهَا لَهْوًا لَا يُجِيبُ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ «قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» بِخِلَافِ مَا هَجَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّ ثَمَّةَ لَهْوًا (حَتَّى حَضَرَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ فَعَلَ) الْمَنْعَ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ (وَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ أَوْ كَانَ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ (فَلَا بَأْسَ بِالْقُعُودِ) وَالصَّبْرِ فَصَارَ كَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا نِيَاحَةٌ حَيْثُ لَا يَتْرُكُ التَّشْيِيعَ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا لِمَا عِنْدَهَا مِنْ النِّيَاحَةِ كَذَا هُنَا. (وَقَالَ الْإِمَامُ اُبْتُلِيتُ بِهِ) أَيْ بِاللَّهْوِ (مَرَّةً فَصَبَرْت وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْإِمَامِ (مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ) إذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِلْمُقْتَدَى بِهِ (وَدَلَّ قَوْلُهُ اُبْتُلِيتُ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي) حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ (لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ) قِيلَ

إنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّرِّ وَلَوْ فِي الْمَآلِ فَلَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ مَحْظُورُ الْعَوَاقِبِ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ» الْحَدِيثَ انْتَهَى لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ الشَّرُّ كَمَا هُنَا وَفِيمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا كَمَا فِي الْقَضَاءِ وَلِذَا قَالُوا هُنَا دَلَّ هَذَا عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَقُولُوا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ قِيلَ الصَّبْرُ عَلَى الْحَرَامِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ يُقَالُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُعْرِضًا عَنْ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ وَلَا مُتَلَذِّذٍ بِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الْجُلُوسُ عَلَى اللَّهْوِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُبْتَلًى بِحَرَامٍ. (وَالْكَلَامُ مِنْهُ) أَيْ بَعْضُهُ (مَا يُؤْجَرُ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ) كَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمِ الْفِقْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] الْآيَةَ (وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ) أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ (إذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ لِمُوجَبِهِ. (وَإِنْ قَصَدَ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ التَّسْبِيحِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ (الِاعْتِبَارَ) وَالِاتِّعَاظَ (وَالْإِنْكَارَ) لِأَفْعَالِ الْفَاسِقِينَ وَأَنْ يَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْفِسْقِ (فَحَسَنٌ) وَكَذَا مَنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ بِنِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ فَلَعَلَّهُمْ تَنَبَّهُوا لِلْآخِرَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِهِ فِي غَيْرِ الْمَجَامِعِ قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ) بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فَتْحِ الْمَتَاعِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِأَمْرِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْغَازِي أَوْ الْعَالِمِ إذَا كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَفِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ وَالتَّفْخِيمَ وَإِظْهَارَ شَعَائِرِ الدِّينِ. (وَ) يُكْرَهُ (التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَ) كَذَا يُكْرَهُ (الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ حَالَ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا كُرِهَ فِي الْأَذَانِ (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» (وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ) . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُ عِنْدَ الْجِنَازَةِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَاءَ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَتَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (وَالزَّحْفِ) أَيْ الْحَرْبِ (وَالتَّذْكِيرِ) أَيْ الْوَعْظِ (فَمَا ظَنُّك بِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (عِنْدَ) اسْتِمَاعِ (الْغِنَاءِ) الْمُحَرَّمِ (الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ

الْغِنَاءُ لَكِنْ فِي تَسْمِيَتِهِمْ الْغِنَاءَ وَجْدًا بَحْثٌ تَدَبَّرْ. وَفِي التَّسْهِيلِ فِي الْوَجْدِ مَرَاتِبُ وَبَعْضُهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ فَلَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ بِلَا تَفْصِيلٍ انْتَهَى. وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ جَهْرًا عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَلَوْ قَرَأَ وَاحِدٌ وَاسْتَمَعَ الْبَاقُونَ فَهُوَ أَوْلَى. (وَكَرِهَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ) لِأَنَّ أَهْلَ الْقَبْرِ جِيفَةٌ وَكَذَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ (وَجَوَّزَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ (مُحَمَّدٌ وَبِهِ) أَيْ يَقُولُ مُحَمَّدٌ (أَخْذٌ) لِلْفَتْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُبُورِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّيَ وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْمُسَمَّى بِالْحِجَجِ مِنْ أَنَّهُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ قَالَ شَهِدْت مُحَمَّدَ بْنَ حَنِيفَةَ صَلَّى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَضَرَبَ عَلَيْهِ فُسْطَاطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ ضَرْبَ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ إلَّا لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ لَا غَيْرُ. وَفِي التَّنْوِيرِ تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا يُكْرَهُ فِي الْمُخْتَارِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَيَقُومُ بِحِذَاءِ الْوَجْهِ قُرْبًا وَبُعْدًا كَمَا فِي الْحَيَاةِ فَيَقُولُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ وَيَدْعُوهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقِيلَ الدُّعَاءُ قَائِمًا أَوْلَى. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا بَأْسَ بِالزِّيَارَةِ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الْكَلَامِ (مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ نَحْوَ قُمْ وَاقْعُدْ) وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ (وَقِيلَ لَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ) وَلَا لَهُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا عِقَابَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَلَائِكَةُ لَا تَكْتُبُ إلَّا مَا كَانَ فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَقِيلَ يُكْتَبُ ثُمَّ يُمْحَى مَا لَا جَزَاءَ فِيهِ وَيَبْقَى مَا فِيهِ جَزَاءٌ ثُمَّ قِيلَ يُمْحَى فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ وَفِيهِمَا تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَمِنْهُ) أَيْ بَعْضِهِ (مَا يَأْثَمُ بِهِ كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتِيمَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ حَرَامٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ وَكَذَا التَّمَلُّقُ فَوْقَ الْعَادَةِ لِأَنَّ التَّمَلُّقَ مَذْمُومٌ بِخِلَافِ التَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ مَحْمُودٌ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ وَفِي الْخَلَاءِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ (وَالْكَذِبُ حَرَامٌ إلَّا فِي الْحَرْبِ لِلْخُدْعَةِ وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَفِي إرْضَاءِ الْأَهْلِ وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِهَذَا فَلَا يُبَالِي فِيهِ الْكَذِبَ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ خَالِصَةً (وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِهِ) أَيْ بِالْكَذِبِ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَقَوْلِك لِرَجُلٍ كُلْ فَيَقُولُ أَكَلْت يَعْنِي أَمْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَصْدِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الظَّاهِرِ. (وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ) يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ

لِكَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ» (وَلَا إثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ) أَيْ بِالظَّالِمِ إلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَنْعِ الظُّلْمِ (وَلَا غِيبَةَ إلَّا لِمَعْلُومٍ فَاغْتِيَابُ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسَ بِغِيبَةٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْبَعْضُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَالْقَذْفِ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَكَمَا تَكُونُ الْغِيبَةُ بِاللِّسَانِ تَكُونُ أَيْضًا بِالْفِعْلِ وَبِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْحَرَكَةِ وَبِالرَّمْزِ وَبِغَمْزِ الْعَيْنِ وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ. وَفِي الدُّرَرِ رَجُلٌ يَذْكُرُ مَسَاوِئَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَا يَكُونُ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ تُذْكَرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ. (وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ أَوْ الشِّطْرَنْجِ) وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُمَا فِي الشَّهَادَةِ (وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ) وَهُوَ لَعِبٌ يَسْتَعْمِلُهُ الْيَهُودُ (وَكُلٌّ لَهْوٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ أَيْ بِالنِّعْمَةِ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ جَمْعُ خَصْيٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضُ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ الَّذِي هُوَ مُثْلَةٌ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا. (وَ) يُكْرَهُ (وَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرِ آدَمِيٍّ) سَوَاءٌ

كَانَ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» الْحَدِيثَ. (وَ) وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ أَوْ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي ظَاهِرَةٌ لِاسْتِحَالَةِ الْقُعُودِ وَكَذَا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ الْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْأَوَّلَ عِنْدَهُ لِدُعَاءٍ مَأْثُورٍ وَهُوَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَبِمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقِيلَ وَجْهُ الْجَوَازِ جَوَازُ جَعْلِ الْعِزِّ صِفَةً لِلْعَرْشِ الْعَظِيمِ كَمَا وُصِفَ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ. (وَ) يُكْرَهُ (قَوْلُهُ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك) أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ بِحَقِّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إذْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ (وَاسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي حَرَامٌ) وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُلٌّ لَهْوٌ. (وَيُكْرَهُ تَعْشِيرُ الْمُصْحَفِ) وَالتَّعْشِيرُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى كُلِّ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَامَةً (وَنَقْطُهُ) وَبِفَتْحِ النُّونِ أَيْ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَهُوَ إظْهَارُ إعْرَابِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ (إلَّا لِلْعَجَمِ) الَّذِي لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّقْطُ (حَسَنٌ) خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَالْمَرْوِيُّ مَخْصُوصٌ بِزَمَانِهِمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا أُنْزِلَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلًا عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَهْلًا فَيَرَوْنَ النَّقْطَ مُخِلًّا لِحِفْظِ الْأَعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ مُخِلًّا لِحِفْظِ الْآيِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكَتْبِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدِّ الْآيِ فَهُوَ وَإِنْ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَتِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ. وَفِي الْقُنْيَةِ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ أَنْ يَكْتُبَهُ بِأَحْسَنِ خَطٍّ وَأَبْيَنِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَرَقَةٍ وَأَبْيَضِ قِرْطَاسٍ بِأَفْخَمِ قَلَمٍ وَأَبْرَقِ مِدَادٍ وَيُفَرِّجُ السُّطُورَ وَيُفَخِّمُ الْحُرُوفَ وَيُضَخِّمُ الْمُصْحَفَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصَغِّرَ الْمُصْحَفَ وَأَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِقُبْلَةِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ كُلَّ غَدَاةٍ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ عَهْدُ رَبِّي وَمَنْشُورُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وَلَا) بَأْسَ (بِعِيَادَتِهِ) أَيْ عِيَادَةِ الذِّمِّيِّ إذَا مَرِضَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا عِيَادَةُ فَاسِقٍ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك إنْ رَدَّ

عَلَيْهِ. (وَيَجُوزُ إخْصَاءُ الْبَهَائِمِ) مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ لِأَنَّ لَحْمَ الْخَصِيِّ أَطْيَبُ وَقِيلَ الصَّوَابُ خِصَاءُ الْبَهَائِمِ إذْ يُقَالُ خِصَاءُ إذَا نَزَعَ خُصْيَتَهُ. (وَ) يَجُوزُ (إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) إذْ لَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَمَا رَكِبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْبَغْلَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ. (وَ) تَجُوزُ (الْحُقْنَةُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِلتَّدَاوِي بِالْإِجْمَاعِ أَوْ لِأَجْلِ الْهُزَالِ إذَا فَحُشَ يُفْضِي إلَى السُّلِّ وَلَا جُنَاحَ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ الدَّوَاءِ (لَا) تَجُوزُ الْحُقْنَةُ (بِمُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا) قِيلَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إنْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ بِالضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ النَّهْيِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَخِي حَلَبِيٍّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ. (وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (كِفَايَةً) يَعْنِي يُعْطَى مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ أَوْ فَقِيرًا (بِلَا شَرْطٍ) إذْ لَوْ شُرِطَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرٍ عَلَى أَفْضَلِ طَاعَةٍ وَإِذًا لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا جُمِعَ مِنْ بَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي الْقَضَاءِ. (وَلَا بَأْسَ بِسَفَرِ الْأَمَةِ وَأَمِّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ عِنْدَ الْإِرْكَابِ وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ (وَالْخَلْوَةِ بِهَا) أَيْ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ بِالْأَمَةِ (قِيلَ تُبَاحُ) اعْتِبَارًا بِالْمَحَارِمِ (وَقِيلَ لَا) تُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. (وَيُكْرَهُ جَعْلُ الرَّايَةِ) أَيْ جَعْلُ الطَّوْقِ الْحَدِيدِ الثَّقِيلِ الْمَانِعِ مِنْ تَحْرِيكِ الرَّأْسِ (فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ الْكُفَّارِ فَيَحْرُمُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَا بَأْسَ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ التَّمَرُّدِ وَالْفِرَارِ (لَا) يُكْرَهُ (تَقْيِيدُهُ) احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ. (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقْرِضَ بَقَّالًا دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَقَّالِ (بِهِ) أَيْ بِالدِّرْهَمِ (مَا يَحْتَاجُ) مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ (إلَى أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ) أَيْ الدِّرْهَمَ فَإِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَنْبَغِي

أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ. (وَالسُّنَّةُ تَقْلِيمُ الْأَظَافِيرِ) . وَفِي الدُّرَرِ رَجُلٌ وَقَّتَ لِقَلْمِ أَظَافِيرِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا إنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِهَا تَأْخِيرًا فَاحِشًا كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا يَكُونُ رِزْقُهُ ضَيِّقًا وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَأَخَّرَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَهُ وَإِنْ أَلْقَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيُكْرَهُ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ. (وَ) السُّنَّةُ (نَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالشَّارِبِ) . وَفِي الْقُنْيَةِ وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّةً وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ أَرْبَعِينَ (وَقَصُّهُ) أَيْ الشَّارِبِ (حَسَنٌ) وَفِي حَقِّ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ تَوْفِيرَ شَارِبِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. (وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا اتَّزَرَ) الدَّاخِلُ فِيهِ (وَغَضَّ بَصَرَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ) لِحَاجَةِ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ نُهِينَ عَنْ الْخُرُوجِ فَيَلْزَمُ كَسَائِرِ حَاجَاتِهَا (وَكَوْنُهَا) أَيْ الْأَوْعِيَةِ (مِنْ الْخَزَفِ أَفْضَلُ) وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِي بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ أَدِيمٍ. (وَلَا بَأْسَ بِسِتْرِ حِيطَانِ الْبَيْتِ بِاللُّبُودِ) جَمْعُ اللِّبَدِ (لِلْبَرْدِ) لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً (وَيُكْرَهُ لِلزِّينَةِ وَكَذَا إرْخَاءُ السِّتْرِ عَلَى الْبَيْتِ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَيُكْرَهُ إنْ لِلتَّكَبُّرِ (وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ) مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجِوَارِ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ) بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَسَرَّى مَارِيَةَ أُمَّ إبْرَاهِيمَ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] (وَالْقَنَاعَةُ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى مَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

كتاب إحياء الموات

[كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات] مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ التَّسْبِيبُ فِي الْخِصْبِ فِي أَقْوَاتِ الْأَنَامِ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَاءِ الْمُقَدَّرِ وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ الْمَوَاتُ لُغَةً حَيَوَانٌ مَاتَ وَسُمِّيَ بِهِ أَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا تَشْبِيهًا بِالْمَوَاتِ بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ وَبَطَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِحْيَاءِ عُرْفًا التَّصَرُّفُ وَالِانْتِفَاعُ بِأَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً أَوْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعًا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَشَرْعًا (هِيَ) أَيْ الْمَوَاتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ مِنْ الْمَوْتِ (أَرْضٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ لِانْقِطَاعِ مَائِهَا أَصْلًا أَوْ عَارِضًا بِحَيْثُ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ مِثْلُ غَلَبَةِ الرَّمَلِ وَالْحَجَرِ وَالشَّوْكِ وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ مَالِحَةً أَوْ غَيْرَهَا (عَادِيَّةً) أَيْ قَدِيمَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ وَلِذَا نُسِبَتْ إلَى عَادٍ (أَوْ مَمْلُوكَةً فِي الْإِسْلَامِ) لَكِنْ (لَيْسَ لَهَا) الْيَوْمَ (مَالِكٌ مُعَيَّنٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْعِمَارَةِ أَوْ لَا فَإِنَّ حُكْمَهَا كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَكِنْ لَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُحْيِ مَالَهُ آثَارُ الْعِمَارَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ التُّرَابُ كَالْقُصُورِ الْخَرِبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدَ بِمَا لَيْسَ لَهَا بِمَالِكٍ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ مَوَاتًا وَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ وَصَارَتْ خَرِبَةً. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي انْقَرَضَ أَهْلُهَا كَالْمَوَاتِ وَقِيلَ كَاللُّقَطَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ مُلِكَتْ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ مَوَاتًا) عُلِمَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا بَلْ تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَوْنُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (بَعِيدَةً عَنْ الْعَامِرِ) أَيْ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْعَامِرَ بِمَعْنَى الْمَعْمُورِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ احْتِيَاجُ أَهْلِهَا إلَيْهِ كَرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا (وَحَدُّ الْبَعِيدِ) أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بِحَيْثُ (لَوْ صِيحَ مِنْ أَقْصَاهُ) أَيْ لَوْ وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ (لَا يُسْمَعُ فِيهَا) فَإِنَّهُ مَوَاتٌ وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْبُعْدَ قَدْرُ غَلْوَةٍ كَمَا فِي الظَّهِيرَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يُشْتَرَطُ (أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ (أَهْلُ الْعَامِرِ) مِنْ حَيْثُ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (قَرِيبَةٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَامِرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْكُبْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّسْهِيلِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي اشْتِرَاطِهِ الْبُعْدَ حَيْثُ قَالَ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الِارْتِفَاقِ لَا الْبُعْدِ خِلَافًا لَهُمَا (مَنْ أَحْيَاهَا) أَيْ الْمَوَاتَ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ذِمِّيًّا مَلَكَهَا) أَيْ مَلَكَ الْمُحْيِي الْمَوَاتَ (وَبِلَا إذْنِهِ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (لَا) يَمْلِكُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَمْلِكُهَا بِدُونِ الْإِذْنِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَيَدُهُ سَبَقَتْ إلَيْهَا بِالْخُصُوصِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطْبِ وَالصَّيْدِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ لَوْ تَشَاحَّا أَهْلُ الْعَامِرِ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ وَإِلَّا لَا وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْنُومَةٌ لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الْمَغَانِمِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فَلَا يَمْلِكُهَا أَصْلًا بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْأَحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ لِرَابِعَةٍ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَادِ وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ انْتَهَى. (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ بَلْ يُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ مَا لَا غِنَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا نُقِلَ آنِفًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ أَوْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا الْعَامِرُ وَلَوْ قَرِيبَةً مِنْهُ مُخَالَفَةً لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا أَنْ يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا تَتَبَّعْ. (وَلَا) يَجُوزُ إحْيَاءُ (مَا) أَيْ مَحَلٍّ (عَدَلَ) أَيْ رَجَعَ (عَنْهُ مَاءُ الْفُرَاتِ وَنَحْوِهَا) كَدِجْلَةَ وَالشَّطِّ وَغَيْرِهِمَا (وَاحْتُمِلَ عَوْدُهُ) إلَيْهِ لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا (فَإِنْ) الظَّاهِرُ وَإِنْ بِالْوَاوِ (لَمْ يُحْتَمَلْ) عَوْدُهُ إلَى مَكَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَرِيمًا لِعَامِرٍ (جَازَ) إحْيَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْمَوَاتِ. (وَمَنْ حَجَرَ أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَمْ يَعْمُرْهَا) أَيْ الْأَرْضَ (أُخِذَتْ) الْأَرْضُ (مِنْهُ) أَيْ غَيْرِ الْحَجْرِ (وَدُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْجِرِ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ إلَى الْأَوَّلِ لِيَعْمُرَهَا فَتَحْصُلُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ يَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرَ لِلْإِعْلَامِ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهَا أَنَّهُ قَصَدَ إحْيَاءَهَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْحَجَرِ بِالْحَرَكَةِ وَقِيلَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحَجْرِ بِالسُّكُونِ هُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّ مَنْ أَعْلَمَ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ مِنْ الْمَوَاتِ عَلَامَةً بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ أَوْ الشَّوْكِ

فِي أَطْرَافِهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ وَإِنْ حَفَرَ بِهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا إنْ) حَفَرَهَا (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ بِالْإِذْنِ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَا. (وَكَذَا) لَهُ حَرِيمُهَا (إنْ) حَفَرَهَا (بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ بِالْإِذْنِ أَوْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ (وَحَرِيمُ) بِئْرِ (الْعَطَنِ) الَّتِي يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْهَا بِالْيَدِ وَيُنَاخُ الْإِبِلُ حَوْلَهَا لِلشُّرْبِ (أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبِئْرِهِ إلَّا بِحَرِيمِهَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِي الرَّخْوَةِ يَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَى مَا يُحْفَرُ دُونَهَا فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ حَقِّهِ. (وَكَذَا) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي الصَّحِيحِ (حَرِيمُ) الْبِئْرِ (النَّاضِحِ) الَّتِي نَزَحَ الْمَاءَ بِالنَّاضِحِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لِلنَّاضِحِ سِتُّونَ) أَيْ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرٍ نَاضِحٍ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلَمَّا تَعَارَضَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِالْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ عُمْقُ الْمَاءِ زَائِدًا عَلَى أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَكَان يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَنْزِلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالدَّوَابُّ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْمَرَاتِعِ فَقُدِّرَ بِالزِّيَادَةِ قِيلَ لَوْ كَانَ عَادِيَّةٌ فَحَرِيمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي الْحَرِيمِ مُطْلَقًا. (وَيُمْنَعُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ حَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ (مِنْ الْحَفْرِ فِي حَرِيمِهِ) لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ مَلَكَ حَرِيمَ ذَلِكَ الْمَحْفُورِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ (لَا) يُمْنَعُ مِنْ الْحَفْرِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا وَرَاءَهُ (فَإِنْ حَفَرَ أَحَدٌ) بِئْرًا (فِيهِ) أَيْ فِي دَاخِلِ الْحَرِيمِ (ضَمَّنَ) بِالتَّشْدِيدِ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (النُّقْصَانَ) لِتَعُدِّي الثَّانِي بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُقَوِّمَ الْأُولَى قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِيَةِ

وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا (وَيَكْبِسُ) الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَمْلَؤُهَا بِالتُّرَابِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَبْنِيَ جِدَارَهُ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ بِنَائِهِ ثُمَّ يَبْنِيَ بِنَفْسِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَأَنْ يَأْخُذَهُ بِكَبْسِ مَا احْتَفَرَهُ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَمَا عَطِبَ فِي الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ أَمَّا إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا وَالْعُذْرُ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا وَهُوَ تَسْبِيلٌ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَالْمُتَحَجِّرُ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْإِذْنِ وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ حَفَرَ) بِئْرًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِي غَيْرِ حَرِيمِ الْأَوَّلِ قَرِيبَةً مِنْهُ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَعَرَفَ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي تَحْوِيلِ مَاءِ بِئْرِهِ إلَى الْبِئْرِ الثَّانِي كَالتَّاجِرِ إذَا كَانَ لَهُ حَانُوتٌ فَاِتَّخَذَ آخَرُ بِجَنْبِهِ حَانُوتًا لِمِثْلِ تِلْكَ التِّجَارَةِ فَكَسَدَتْ تِجَارَةُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلَّذِي حَفَرَ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ مُتَّصِلًا بِحَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى (الْحَرِيمُ) مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ جَانِبٍ (سِوَى حَرِيمِ) الْحَافِرِ (الْأَوَّلِ) لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ حَفَرَ بَعِيدًا مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى. (وَلِلْقَنَاةِ) أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ (حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا) أَيْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقِيلَ لَا حَرِيمَ لَهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ مَاؤُهَا) عِنْدَهُ لِكَوْنِهَا جَوْفَ الْأَرْضِ كَالنَّهْرِ وَقِيلَ إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْقَنَاةُ (كَالْبِئْرِ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ. (وَإِنْ ظَهَرَ مَاؤُهَا) أَيْ مَاءُ الْقَنَاةِ (فَهِيَ كَالْعَيْنِ) الْفَوَّارَةِ (إجْمَاعًا) فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ. (وَلَا حَرِيمَ لِنَهْرٍ) فَهُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ (فِي أَرْضِ الْغَيْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ثُبُوتِ الْحَرِيمِ لَهُ (وَعِنْدَهُمَا لَهُ) أَيْ لِلنَّهْرِ (مُسَنَّاةٌ) أَيْ مُسَنَّاةُ نَهْرِهِ لَأَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا وَيُلْقِيَ طِينَهُ عَلَيْهَا قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى مَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ لَكِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا إنَّ لَهُ الْحَرِيمَ بِالِاتِّفَاقِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ وَهَذَا الْحَرِيمُ (بِقَدْرِ نِصْفِ عَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاجَةُ الْغَالِبَةُ وَذَلِكَ بِنَقْلِ تُرَابِهِ إلَى حَافَّتَيْهِ فَيَكْفِي مَا ذَكَرْنَاهُ (وَبِقَدْرِ عَرْضِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّهُ

قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ التُّرَابِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى إلْقَائِهِ فِي أَحَدِهِمَا فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ طَرَفٍ بِبَطْنِ النَّهْرِ وَالْحَوْضُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ إلَّا بِالْحَرِيمِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ فِيهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً فِي بَطْنِهِ وَإِلَى إلْقَاءِ الطِّينِ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ وَلَهُ أَنَّ الْحَرِيمَ ثَبَتَ فِي الْبِئْرِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الْبِئْرِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِدُونِ الِاسْتِقَاءِ وَالِاسْتِقَاءُ إلَّا بِالْحَرِيمِ وَأَمَّا النَّهْرُ فَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَائِهِ بِدُونِ الْحَرِيمِ. وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَالْغَرْسِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لِأَنَّ الْمَجْرَى لَوْ كَانَ صَغِيرًا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهُ الْحَرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْأَرْفَقُ) بِالنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّهْرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (فَالْمُسَنَّاةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْبُورِ يَعْنِي الْمُسَنَّاةَ الَّتِي (بَيْنَ النَّهْرِ) أَيْ بَيْنَ نَهْرِ رَجُلٍ صِفَةُ الْمُسَنَّاةِ (وَالْأَرْضُ) أَيْ وَأَرْضُ الْآخَرِ. (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَصَاحِبُ الشَّغْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَرْسٌ لَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ (لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ عِنْدَهُ (فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَلَا يُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَلَا يَمُرُّ) لِكَوْنِهَا تَعَدِّيًا مِنْهُ فِي حَقِّ مَالِكِهَا (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (الْمُرُورُ وَإِلْقَاءُ الطِّينِ) فِيهَا (مَا لَمْ يُفْحِشْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلَكِنْ لَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْمُسَنَّاةُ (لِرَبِّ النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْغَرْسُ وَالْإِلْقَاءُ وَالْمُرُورُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَ (قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَخَذَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ) فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقَّ مَالِكِهَا وَلَكِنْ يُلْقِي الطِّينَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ. (وَمَنْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهِ انْتَهَى (يُمْنَعُ غَيْرُهُ مِنْ الْغَرْسِ فِيهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجِذَاذِ ثَمَرِهِ وَالْوَضْعِ فِيهِ.

فصل في الشرب

[فَصَلِّ فِي الشُّرْب] لَمَّا فَرَغَ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ مَسَائِلِ الشِّرْبِ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الْمَصْدَرِ فَهُوَ لُغَةً الْمَاءُ الْمَشْرُوبُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (هُوَ) أَيْ الشِّرْبُ (النَّصِيبُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] أَيْ نَصِيبٌ (مِنْ الْمَاءِ) أَيْ الْحَظِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الرَّاكِدِ لِلْحَيَوَانِ أَوْ الْجَمَادِ وَشَرِيعَةُ زَمَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ سَقْيًا لِلْمَزَارِعِ أَوْ الدَّوَابِّ (وَالشَّفَةُ شُرْبُ بَنِي آدَمَ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُمْ الْمَاءَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ أَوْ نَحْوِهَا. (وَ) شُرْبُ (الْبَهَائِمِ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُنَّ الْمَاءَ لِلْعَطَشِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُهُنَّ وَالْبَهِيمَةُ مَا لَا نُطْقَ لَهُ وَذَلِكَ لِمَا فِي صَوْتِهِ مِنْ الْإِبْهَامِ لَكِنْ يَخُصُّ التَّعَارُفَ بِمَا عَدَا السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَالْفُرَاتِ) نَهْرُ الْكُوفَةِ (وَدِجْلَةَ) نَهْرُ بَغْدَادَ وَغَيْرِهِمَا (غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ) لِأَحَدٍ لِعَدَمِ يَدٍ فِيهَا عَلَى الْخُصُوصِ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزًا وَالْمِلْكُ بِالْإِحْرَازِ (وَلِكُلِّ أَحَدٍ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ (حَقُّ الشَّفَةِ وَالْوُضُوءِ وَنَصْبِ الرَّحَى وَكَرْيِ نَهْرٍ إلَى أَرْضِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَحَدٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَشُرِطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) الشَّقُّ (بِالْعَامَّةِ) وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِأَنْ مَالَ الْمَاءُ إلَى جَانِبٍ تُغْرِقُ الْأَرَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الشَّقُّ وَنَصْبُ الرَّحَى عَلَيْهِ لِأَنَّ شَقَّ النَّهْرِ لِلرَّحَى كَشَقِّهِ لِلسَّقْيِ (. وَفِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ لِكُلِّ) أَحَدٍ (حَقُّ الشَّفَةِ) وَحَقُّ سَقْيِ الدَّوَابِّ (إنْ لَمْ يَخَفْ التَّحْرِيبَ لِكَثْرَةِ الْمَوَاشِي) حَتَّى لَوْ خِيفَ التَّحْرِيبُ لِكَثْرَةِ الدَّوَابِّ يُمْنَعُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا حَقَّ الشِّرْبِ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ (أَوْ) لَمْ يَخَفْ (الْإِتْيَانَ عَلَى جَمِيعِ الْمَاءِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ الشَّفَةُ إذَا كَانَ يَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي كَثِيرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بِشُرْبِهَا قِيلَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِبِلَ لَا تَرِدُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَصَارَ كَالْمُيَاوَمَةِ وَهُوَ سَبِيلٌ فِي قِسْمَةِ الشِّرْبِ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ اعْتِبَارًا بِسَقْيِ الْمَزَارِعِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْجَامِعُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ انْتَهَى. وَفِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُمْنَعُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ كَسَقْيِ الْأَرَاضِي انْتَهَى وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَنْعَ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ. (وَلَا سَقْيُ أَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ سَقْيُ أَرْضِهِ وَشَجَرِهِ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَقَنَاتِهِ وَبِئْرِهِ وَحَوْضِهِ (إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ

وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ لِقَوْمٍ لِرَجُلٍ أَرْضٌ بِجَنْبِهِ لَيْسَ لَهُ شِرْبٌ مِنْ هَذَا النَّهْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا أَوْ زَرْعًا وَلَا أَنْ يَنْصِبَ دُولَابًا عَلَى النَّهْرِ لِأَرْضِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ الْمَاءَ مِنْهُ بِالْقِرَبِ وَالْأَوَانِي وَيَسْقِيَ زَرْعَهُ أَوْ شَجَرَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ وَلِأَهْلِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعُوهُ (وَلَهُ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ (الْأَخْذُ) أَيْ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْهَا (لِلْوُضُوءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ) وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ مَا هُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا (وَسَقْيِ شَجَرٍ وَخُضَرٍ) اتَّخَذَهُمَا (فِي دَارِهِ بِالْجِرَارِ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْمِنَحِ لَوْ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ خُضْرَةً أَوْ شَجَرَةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ ذَلِكَ بِالْأَوَانِ مِنْ نَهْرٍ لِغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَاءِ كَمَا لَيْسَ لَهُ سَقْيُ شَجَرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ فِي غَيْرِ دَارِهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ هَذَا الْمِقْدَارِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَوَسَّعُونَ فِيهِ وَيَعُدُّونَ الْمَنْعَ مِنْ الدَّنَاءَةِ. (وَمَا أُحْرِزَ مِنْ الْمَاءِ بِحَبٍّ وَكُوزٍ وَنَحْوِهِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِرِضَى صَاحِبِهِ وَلَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْمَاءِ الْمُحْرَزِ (بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ وَصَارَ كَالصَّيْدِ إذَا أَخَذَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي سَرِقَتِهِ بِقِيَامِ شُبْهَةِ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِالْحَدِيثِ فَإِنْ قِيلَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يَصِيرُ شُبْهَةً قَالُوا قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 29] مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ إلَى الْآحَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَا يَجُوزُ الزَّوَائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ لِلنَّاسِ عَامًّا. (وَلَوْ) كَانَتْ (الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَلَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْمَاءِ (مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ) أَيْ فِي مَلِكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً آخَرَ بِقُرْبٍ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَاءِ (لَزِمَهُ) أَيْ صَاحِبَ الْمَاءِ (أَنْ يُخْرِجَ إلَيْهِ الْمَاءَ أَوْ يُمَكِّنَهُ) مِنْ التَّمْكِينِ (مِنْ الدُّخُولِ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْسِرَ صِفَتَهُ وَهَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَقِيلَ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَمَّا إذَا احْتَفَرَهَا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِخْرَاجِ وَالتَّمْكِينِ (وَخِيفَ الْعَطَشُ) عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ أَوْ دَابَّتِهِ (قُوتِلَ بِالسِّلَاحِ) لِأَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِ حَقِّهِ وَهُوَ الشَّفَةُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ (وَفِي) الْمَاءِ (الْمُحْرَزِ) فِي الْأَوَانِي (يُقَاتَلُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ) يَعْنِي عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ إذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ حَاجَتِهِ وَلَا يُقَاتِلُهُ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْرَازِ حَتَّى كَانَ لَهُ تَضْمِينُهُ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ فَبِالْمَنْعِ خَالَفَ الْأَمْرَ فَيُؤَدِّيهِ إلَى الْقِتَالِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (كَمَا فِي الطَّعَامِ حَالَ الْمَخْمَصَةِ) وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْكَافِي وَغَيْرِهِ جَوَازُ

فصل في كري الأنهار

أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّهُ قَالَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْزِيرِ. [فَصَلِّ فِي كري الْأَنْهَار] (وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) خَبَرُ كَرْيِ الْأَنْهَارِ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَنْهَارُ ثَلَاثَةٌ نَهْرٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَدْخُلْ مَاؤُهُ فِي الْمَقَاسِمِ بَعْدُ أَيْ قَطُّ كَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِ وَنَهْرٌ مَمْلُوكٌ دَخَلَ مَاؤُهُ تَحْتَ الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّهُ عَامٌّ وَنَهْرٌ مَمْلُوكٌ دَخَلَ مَاؤُهُ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ خَاصٌّ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا اسْتِحْقَاقُ الشَّفَةِ بِهِ وَعَدَمُهُ وَالْأَوَّلُ كَرْيُهُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لَهُمْ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ وَيَصْرِفُ إلَيْهِمْ مِنْ مُؤْنَةِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَوَّلَ لِلنَّوَائِبِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ فِي بَيْتِ الْمَالِ (شَيْءٌ فَعَلَى الْعَامَّةِ) أَيْ فَالْإِمَامُ يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامِّ إذْ هُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ عَلَيْهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقِيمُونَهَا إنْ لَمْ يُجْبِرْهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ وَفِي مِثْلِهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلَادَكُمْ إلَّا أَنَّهُ يُخْرَجُ لِلْكَرْيِ مَنْ كَانَ يُطِيقُهُ وَتُجْعَلُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مَنْ كَانَ يُطِيقُ عَلَى الْقِتَالِ وَتُجْعَلُ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. (وَكَرْيُ مَا مُلِكَ) وَدَخَلَ مَاؤُهُ فِي الْمُقَاسِمِ قَوْلُهُ مُلِكَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى أَرْبَابِهِ) وَهَذَا النَّوْعُ اثْنَانِ أَنْ يَكُونَ عَامًّا مِنْ وَجْهٍ وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَاصًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشَّفَةَ فَهُوَ خَاصٌّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمَا لَا يَسْتَحِقُّ فَهُوَ عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ فَكَرْيُهُ عَلَى أَهْلِهَا لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (لَا عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يُخَصُّونَ أَوْ لِأَهْلِ الدُّنْيَا كُلِّهِمْ حَقُّ الشَّفَةِ وَلِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ وَالْمُؤْنَةُ تَجِبُ عَلَى الْأُصُولِ دُونَ الْأَتْبَاعِ. (وَيُجْبَرُ مَنْ أَبَى) عَنْ الْكَرْيِ دَفْعًا لِضَرَرِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ فِي الْمَمْلُوكِ الْخَاصِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الضَّرَرَيْنِ خَاصٌّ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْكَرْيِ بِأَمْرِ الْقَاضِي ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْآبِي وَلَا كَذَلِكَ الْأَوَّلُ (وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ الْمُشْتَرَكِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْأَرْبَابِ (مِنْ أَعْلَاهُ) أَيْ مِنْ أَعْلَى النَّهْرِ. (وَإِذَا جَاوَزَ) الْكَرْيُ (أَرْضَ رَجُلٍ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (سَقَطَتْ) الْمُؤْنَةُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرَّجُلِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (سَقْيُ أَرْضِهِ مَا لَمْ يَفْرُغْ شُرَكَاؤُهُ) عَنْ الْكَرْيِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ دُونَ شُرَكَائِهِ (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (ذَلِكَ) أَيْ السَّقْيُ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْمُؤْنَةُ (عَلَيْهِمْ) عَلَى الْأَرْبَابِ (جَمِيعًا

مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ (إلَى آخِرِهِ بِحِصَصِ الشِّرْبِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ إذَا كَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ فَإِذَا جَاوَزَ عَنْ أَرْضِ أَحَدِهِمْ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْبَاقِينَ تُسْعُهَا وَإِذَا تَجَاوَزَ عَنْ أَرْضِ الْأُخْرَى فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُمُنُهَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَعْشَارٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَرْيِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى حَقًّا فِي الْأَسْفَلِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَسْيِيلِ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْكَرْيِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّقْيِ وَقَدْ حَصَلَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَسِيلِ عِمَارَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَسِيلٌ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ كَيْفَ وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ بِسَدِّهِ مِنْ أَعْلَاهُ ثُمَّ إنَّمَا يَرْفَعُ عَنْهُ إذَا جَاوَزَ أَرْضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِيلَ إذَا جَاوَزَ فُوَّهَةَ نَهْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ لَهُ رَأْيًا فِي اتِّخَاذِ الْفُوَّهَةِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ إذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَنْهُ مُؤْنَتُهُ قِيلَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمَاءَ لِيَسْقِيَ أَرْضَهُ لِانْتِهَاءِ الْكَرْيِ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْرُغْ شُرَكَاؤُهُ نَفْيًا لِاخْتِصَاصِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِلَا أَرْضٍ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الشِّرْبَ قَدْ يُمْلَكَ بِلَا أَرْضٍ إرْثًا وَوَصِيَّةً وَقَدْ يُبَاعُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشِّرْبِ فَيَبْقَى لَهُ الشِّرْبُ وَحْدَهُ فَصَارَ هُوَ مَرْغُوبًا مُنْتَفَعًا بِهِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بِدُونِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَالشِّرْبُ لَا يَقْبَلُ الْإِعْلَامَ لِجَهَالَةِ الْمَقَامِ. (وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ مَنْعَ الْإِجْرَاءِ) فِي أَرْضِهِ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلرَّبِّ (ذَلِكَ) أَيْ الْمَنْعُ وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّهْرِ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّهُ مِلْكُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ النَّهْرُ (فِي يَدِهِ) أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَشْجَارٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى عَلَى جَانِبَيْ النَّهْرِ (أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا فَادَّعَى أَنَّهُ) أَيْ النَّهْرَ (لَهُ وَقَصَدَ إجْرَاءَهُ لَا يُسْمَعُ بِلَا بَيِّنَةٍ أَنَّهُ) أَيْ النَّهْرَ (لَهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الْإِجْرَاءِ) فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِسَقْيِهَا فَيُقْضَى لَهُ بِهِ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيهِ أَوْ حَقَّ الْإِجْرَاءِ بِإِثْبَاتِ الْجَرْيِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمِلْكِ (وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ سَطْحٍ وَالْمِيزَابُ وَالْمَمْشَى فِي دَارِ الْغَيْرِ) فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا نَظِيرُهُ فِي الشِّرْبِ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ فِي الْمِيزَابِ وَالْمَمْشَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ بِأَوْ فِيهِمَا تَدَبَّرْ. (وَإِنْ اخْتَصَمَ جَمَاعَةٌ فِي شِرْبٍ) أَيْ نَهْرٍ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ فَالنَّهْرُ (بَيْنَهُمْ قُسِّمَ) الشِّرْبُ (عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشِّرْبِ سَقْيُ الْأَرَاضِي وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْأَرَاضِي وَكَثْرَتِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الشِّرْبِ بِقَدْرِ أَرَاضِيِهِ وَبِقَدْرِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشُّرَكَاءُ حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ

سَعَةُ الدَّارِ وَضِيقُهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ التَّطَرُّقُ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ. (وَيُمْنَعُ الْأَعْلَى) مِنْهُمْ (مِنْ سَكْرِ النَّهْرِ) أَيْ مِنْ سَدِّهِ يَعْنِي إذَا كَانَ أَرْضُ الْأَعْلَى مِنْهُمْ مُرْتَفِعَةً وَالْمَاءُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ سَقْيُ أَرْضِهِ بِتَمَامِهَا إلَّا بِسَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ يَكُونُ مَحْبُوسًا عَنْ الْبَاقِينَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَفِيهِ مَنْعٌ لِحَقِّهِمْ فَلَوْ انْحَدَرَ الْمَاءُ مِنْ الْجَبَلِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَانْتَشَرَ لَا يُمْنَعُ الْأَعْلَى مِنْهُ بَلْ يَكُونُ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ يَدُهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَشْرَبُ بِقَدْرِ مَا يَدْخُلُ فِي أَرْضِهِ بِدُونِ السَّكْرِ انْتَهَى (بِلَا رِضَاهُمْ) أَيْ بِلَا رِضَى الشُّرَكَاءِ الْبَاقِيَةِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ تَشْرَبْ أَرْضُهُ) أَيْ الْأَعْلَى (بِدُونِهِ) أَيْ السَّكْرِ فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْكُرَ بِلَوْحٍ أَوْ بَابٍ لَا يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَالتُّرَابِ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ لِكَوْنِهِ إضْرَارًا بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَسْكُرْ بِاللَّوْحِ فَبِالتُّرَابِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي النَّهْرِ بِحَيْثُ لَا يَجْرِي إلَى أَرْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِالسَّكْرِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْأَسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا لِيَرْتَفِعَ الْمَاءُ إلَى أَرَاضِيِهِمْ. (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الشُّرَكَاءِ (أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ (نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ) يَنْصِبَ عَلَيْهِ (دَالِيَةً) وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ " جرخ آب " (أَوْ) يَنْصِبَ عَلَيْهِ (جِسْرًا) وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْخَشَبَةِ وَالْأَلْوَاحِ عَلَى النَّهْرِ (بِلَا إذْنِ الْبَقِيَّةِ) إذْ بِالشَّقِّ يَكْسِرُ ضِفَّةَ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَبِالنَّصْبِ يَتَغَيَّرُ عَنْ سَنَنِهِ الَّذِي كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ وَتَسُدُّ جَانِبَ النَّهْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ شَرِيكِهِ (إلَّا رَحًى فِي مِلْكِهِ وَلَا تَضُرُّ بِالنَّهْرِ وَلَا بِمَائِهِ) أَيْ إلَّا إذَا وَضَعَ رَحًى فِي مِلْكِهِ بِأَنْ وَقَعَ فِي بَطْنِ النَّهْرِ وَكَانَ جَانِبَاهُ مِلْكًا لَهُ وَلِلْآخَرِ حَقُّ التَّسْيِيلِ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالنَّهْرِ مِنْ كَسْرِ ضِفَّتِهِ وَلَا بِالْمَاءِ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ سَنَنِهِ فَيَجُوزُ كَمَا ذُكِرَ آنِفًا (وَلَا أَنْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ) أَيْ نَهْرَهُ فِي أَرْضِهِ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ طَرَفَ أَصْلِ النَّهْرِ وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ (وَلَا أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ أَوْ مُنَاصَفَةً بَعْدَ كَوْنِ الْقِسْمَةِ) مِنْ الْقَدِيمِ (بِالْكِوَى) بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا وَقَدْ يُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ فَالْجَمْعُ كُوًى كَعُرْوَةٍ وَعُرًى وَيَجُوزُ فِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمُرَادُ ثَقْبٌ فِي الْخَشَبِ أَوْ الْحَجَرِ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ إلَى الْمَزَارِعِ أَوْ الْجَدَاوِلِ أَيْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْسِمَ بِالْأَيَّامِ وَلَا مُنَاصَفَةَ مَعَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ كَانَتْ مِنْ الْقَدِيمِ بِالْكِوَى وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ بِالْكِوَى وَقَدْ كَانَتْ بِالْأَيَّامِ لِأَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْكُلُّ (وَلَا أَنْ يَزِيدَ كَوَّةً) أَيْ لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كُوًى مُسَمَّاةً فِي نَهْرٍ خَاصٍّ لَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَزِيدَ كَوَّةً. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَضُرَّ بِالْبَاقِينَ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ خَاصَّةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكُوَى فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَشُقَّ

نَهْرًا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْكُوَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَلَا أَنْ يَنْقُصَ بَعْضٌ كُوَاهُ) . وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ أَرَادَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ النَّهْرِ الْخَاصِّ وَفِيهِ كُوًى بَيْنَهُمَا أَنْ يَسُدَّ بَعْضَهَا دَفْعًا لِفَيْضِ الْمَاءِ عَنْهَا كَيْ لَا تَنْزِلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْآخَرِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ النَّهْرَ مُنَاصَفَةً لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكِوَى تَقَدَّمَتْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا. (وَلَا) أَيْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ (أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى لَهُ لَيْسَ لَهَا) أَيْ لِلْأَرْضِ الْأُخْرَى (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ (شِرْبٌ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ رَبُّ الْأَرْضِ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ حَقًّا لِتِلْكَ الْأَرْضِ فِي الشِّرْبِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ فِي أَرْضِهِ الْأُولَى حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ إذْ الْأَرْضُ الْأُولَى تُنَشِّفُ بَعْضَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَسْقِيَ الْأُخْرَى (فَإِنْ رَضِيَ الْبَقِيَّةُ) أَيْ بَقِيَّةُ الشُّرَكَاءِ (بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ النَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ وَالْقِسْمَةِ مِنْ الْأَيَّامِ وَغَيْرِهَا (جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَلَهُمْ إسْقَاطُهُ (وَلَهُمْ) أَيْ لِلْبَقِيَّةِ (نَقْضُهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلِوَرَثَتِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ) لِأَنَّهُ إعَارَةُ الشِّرْبِ لَا مُبَادَلَةً لِأَنَّ مُبَادَلَةَ الشِّرْبِ بِالشِّرْبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَا إجَارَةُ الشِّرْبِ لَا تَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَتَعَيَّنَتْ الْإِعَارَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْكِوَى قَدْ تَمَّتْ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْقُضَ تِلْكَ الْقِسْمَةِ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعِيرًا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعُ فِيهَا هُوَ وَوَرَثَتُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَالشِّرْبُ يُورَثُ) لِكَوْنِهِ حَقًّا مَالِيًّا فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ (وَيُوصَى بِالِانْتِفَاعِ بِهِ) أَيْ بِعَيْنِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ إذْ الْوَصِيَّةُ كَالْإِرْثِ فِي الثُّبُوتِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَصِيرُ حُكْمُهَا كَحُكْمِهِ وَجَهَالَةُ الْمُوصَى بِهِ لَا تَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّهَا مِنْ أَوْسَعِ الْعُقُودِ حَتَّى جَازَتْ لِلْمَعْدُومِ بِالْمَعْدُومِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَلَا يُبَاعُ) الشِّرْبُ (وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوجَرُ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ) بِلَا أَرْضٍ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَعَدَمِ تَصَوُّرِ الْقَبْضِ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ شِرْبَ إنْسَانٍ بِأَنْ سَقَى أَرْضَهُ مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُبَاعُ الشِّرْبُ فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدُونِ أَرْضٍ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَكَيْفَ يَصْنَعُ الْإِمَامُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُضَمَّ إلَى أَرْضٍ لَا شِرْبَ لَهُ فَيَبِيعُهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَعَ الشِّرْبِ وَبِدُونِهِ فَيَصْرِفُ التَّفَاوُتَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ اشْتَرَى عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ شِرْبٍ ثُمَّ ضَمَّ الشِّرْبَ إلَيْهَا وَبَاعَهَا فَيَصْرِفُ الثَّمَنَ إلَى ثَمَنِ الْأَرْضِ وَالْفَاضِلَ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ. (وَلَا يُجْعَلُ) الشِّرْبُ (مَهْرًا) حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يَكُونَ الشِّرْبُ مَهْرًا لَهَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَيْهِ لَا الشِّرْبُ (وَلَا) يُجْعَلُ (بَدَلُ صُلْحٍ) فَيَكُونُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ مَلَأَ أَرْضَهُ فَنَزَّتْ

كتاب الأشربة

أَرْض جَارِهِ) أَوْ غَرِقَتْ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ أَرْضَهُ مَاءً وَيَسْقِيَهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا سَقَى فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا سَقَى فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ زَادَ عَلَى حَقِّهِ يَضْمَنُ عَلَى مَا قَالَ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ وَذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا سَقَى سَقْيًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَتَعَدَّى ضَمِنَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الشِّرْبَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي الزَّاهِدِيِّ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ يُرْفَعُ إلَى السُّلْطَانِ لِيُؤَدِّبَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ. وَفِي الْمِنَحِ وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبُهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إنْ رَأَى ذَلِكَ. [كِتَاب الْأَشْرِبَة] ذَكَرَ الْأَشْرِبَةَ بَعْدَ الشِّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدَّمَ الشِّرْبَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ بَيَانُ حُرْمَتِهَا إذْ لَا شُبْهَةَ فِي حُسْنِ تَحْرِيمِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَلَاكُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرُ إنْعَامِهِ فَإِنْ قِيلَ مَا بَالُهُ حَلَّ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى ذَلِكَ قُلْتُ بِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَحُرْمَةُ شُرْبِ الْقَلِيلِ عَلَيْنَا كَرَامَةً لَنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا نَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ وَنَحْنُ مَشْهُودٌ لَنَا بِالْحُرْمَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا سِوَى الْفُرُوجِ الْإِبَاحَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَقَالَ {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِعَارِضِ نَصٍّ مُطْلَقٍ أَوْ خَبَرٍ مَرْوِيٍّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الدَّلَائِلِ الْمُحَرِّمَةِ فَهِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَالشَّرَابُ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَلَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَاصْطِلَاحًا مَا هُوَ مُسْكِرٌ وَمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةٍ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ شُرْبُ الْأَشْرِبَةِ وَأُصُولُهَا الثِّمَارُ كَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبَاتِ كَالْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْحَلَاوَاتِ كَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ وَالْأَلْبَانِ كَلَبَنِ الْإِبِلِ وَالرِّمَاكِ وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الزَّبِيبِ اثْنَانِ وَمِنْ كُلِّ الْبَوَاقِي وَاحِدٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ وَمَطْبُوخٌ كَمَا سَيَأْتِي. (تَحْرُمُ الْخَمْرُ) وَإِنْ قَلَّتْ (وَهِيَ النِّيُّ)

بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا) مِنْ غَلَا يَغْلِي غَلْيًا وَغَلَيَانًا أَيْ صَارَ أَسْفَلُهُ أَعْلَى (وَاشْتَدَّ) أَيْ قَوِيَ بِحَيْثُ تَصِيرُ مُسْكِرًا (وَالْقَذْفُ بِالزَّبَدِ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ رَمْيُهُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّبَدِ فَيَصْفُو وَيَرِقُّ (شَرْطٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ وَالْقَذْفِ بِالزَّبَدِ، وَالسُّكُونُ كَمَالُ الشِّدَّةِ إذْ بِهِ يَتَمَيَّزُ الصَّافِي عَنْ الْكَدِرِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا قَبْلَ الْقَذْفِ. وَفِي الْمِنَحِ وَالْغَلَيَانُ وَالشِّدَّةُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي النِّهَايَةِ وَلَا يُحَدُّ بِدُونِ الْقَذْفِ احْتِيَاطًا بِهِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَخَصَّ اسْمَ الْخَمْرِ بِالنِّيِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاسْتُعْمِلَ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَفْظُ الْخَمْرِ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ نِيًّا كَانَ أَوْ مَطْبُوخًا مِنْ مَاءِ عِنَبٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ وَأُجِيبَ عَنْهُ إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ وَهُوَ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ أَوْ لِاخْتِمَارِهِ وَهُوَ تَغَيُّرُ رِيحِهِ لَا لِلْمُخَامَرَةِ وَلَوْ سُلِّمَ إنَّمَا سُمِّيَ لِمُخَامَرَتِهِ الْعَقْلَ وَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ يُسَمَّى خَمْرًا كَالنَّجْمِ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ بِالْكَوَاكِبِ لِظُهُورِهِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا ظَهَرَ يُسَمَّى نَجْمًا مَعَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي الْوَضْعِ تُعْتَبَرُ تَارَةً كَمَا فِي النَّجْمِ وَالْخَمْرِ وَقَدْ لَا تُعْتَبَرُ تَارَةً كَمَا فِي الْحَجَرِ وَالْجِدَارِ. (وَ) يَحْرُمُ (الطِّلَاءُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَمَدِّ الْأَلْفِ (وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) كَمَا فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ وَهُوَ مَا إذَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ وَيُؤَيِّدُ الْمُحِيطُ تَفْسِيرَ الْجَوْهَرِيِّ إيَّاهُ بِمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْمَتْنِ اعْتَبَرَ الذَّاهِبَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْنِ (فَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ) بِالطَّبْخِ وَبَقِيَ النِّصْفُ (سُمِّيَ مُنَصَّفًا وَإِنْ طُبِخَ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ سُمِّيَ بَاذِقًا) اسْمٌ لِمَا يُطْبَخُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ بَعْدَمَا صَارَ مُسْكِرًا (إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ) وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ

كَالْخَمْرِ وَلِهَذَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ فَيَحْرُمُ شُرْبُهُ دَفْعًا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَسَادُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنَّهُ مُبَاحٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَيِّبٌ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ. (وَ) يَحْرُمُ (السَّكَرُ) وَفِي الْمَغْرِبِ بِفَتْحَتَيْنِ عَصِيرُ الرُّطَبِ وَلِهَذَا قَالَ (وَهُوَ الْأَحْمَزَ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ) . وَفِي الْمِنَحِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ سَكَرَتْ الرِّيحُ إذَا سَكَنَتْ فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِنَبِيذِ التَّمْرِ. وَفِي الْهِدَايَةِ السَّكَرُ هُوَ الْأَحْمَزَ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ أَيْ الرُّطَبِ. وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا فَسَّرَ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ لِأَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ مَاءِ التَّمْرِ اسْمُهُ نَبِيذُ التَّمْرِ لَا السَّكَرِ وَهُوَ حَلَالٌ عَلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فَبَيْنَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْفُقَهَاءِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ (إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ) وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَقِيلَ حَلَالٌ. وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ مُبَاحٌ وَإِنْ قَذَفَ بِالزَّبَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] لِأَنَّ الذِّكْرَ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْمِنَّةِ وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ بِالْمُحَرَّمِ قِيلَ فِي جَوَابِهِ إنَّ تَوْصِيفَ الْمَعْطُوفِ بِالْحَسَنِ لَا يَخْلُو عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيُجَامِعُ أَنَّ الِامْتِنَانَ مَشُوبٌ بِالتَّوْبِيخِ هُوَ تَتَّخِذُونَ سَكَرًا وَتَدَعُونَ رِزْقًا حَسَنًا. (وَ) يَحْرُمُ (نَقِيعُ الزَّبِيبِ) وَهِيَ الْأَحْمَزَ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ (إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ) وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الْأَوْزَاعِيِّ (وَاشْتَرَطَ قَذْفَ الزَّبَدِ فِيهِنَّ) أَيْ فِي النَّقِيعِ وَالسَّكَرِ وَالطِّلَاءِ (عَلَى مَا فِي الْخَمْرِ) أَيْ عَلَى الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهَا (وَالْكُلُّ) مِنْ الطِّلَاءِ وَالْمُنَصَّفِ وَالْبَاذِقِ وَالسَّكَرِ وَالنَّقِيعِ (حَرَامٌ) لِحَدِيثِ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَلَعَلَّهُ لِإِخْلَالِهِ بِسَلَامَةِ الْعَقْلِ (وَحُرْمَتُهَا) أَيْ حُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (دُونَ) حُرْمَةِ (الْخَمْرِ فَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ غَلِيظَةٌ) رِوَايَةً وَاحِدَةً كَالْبَوْلِ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ (وَنَجَاسَةُ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ (مُخْتَلَفٌ فِي غِلْظَتِهَا وَخِفَّتِهَا) فَإِنَّ نَجَاسَتَهَا خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ. (وَيُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ) لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ (دُونَ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ بَلْ اجْتِهَادِيَّةٌ (وَيُحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُسْكِرْ بِخِلَافِ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ أَيْ لَا يُحَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَدَّ وَرَدَ فِي النِّيّ خَاصَّةً وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَطْبُوخِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ) الْأَشْيَاءِ وَ (وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) كَمَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ (وَفِي الْخَمْرِ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ) عَلَى الْمُتْلِفِ (إجْمَاعٌ) أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَلِسُقُوطِ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (وَلَوْ طُبِخَتْ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهَا) مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ (بَعْدَ الِاشْتِدَادِ لَا تَحِلُّ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (ذَهَبَ الثُّلُثَانِ) وَبَقِيَ الثُّلُثُ لِأَنَّ الطَّبْخَ لِلْمَنْعِ مِنْ ثُبُوتِ

الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا (لَكِنْ قِيلَ لَا يُحَدُّ) مَنْ شَرِبَ ذَلِكَ الْمَطْبُوخَ (مَا لَمْ يَسْكَرْ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الْقَلِيلِ وَرَدَ فِي النِّيّ وَالطَّبْخُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا وَعِنْدَ السُّكْرِ يُلْحَقُ بِالْخَمْرِ. (وَيَحِلَّ نَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ) وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يَنْضَجَ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَدَّ) بِمُكْثِهِ (مَا لَمْ يَسْكَرْ) بِلَا نِيَّةِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ بَلْ بِنِيَّةِ تَقَوٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ مَعًا وَلَكِنْ انْتَبَذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فُرَادَى مُبَاحٌ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَطْبُوخِ مِنْهُ إذْ الْأَحْمَزَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ إنْ كَانَ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَبْخَةٍ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ تَتَبَّعْ. (وَكَذَا) يَحِلُّ (نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَنَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ وَالنَّخْلَةِ خَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِمَا وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ انْتَهَى لَكِنْ يُنَافِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى سُكْرٍ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ يُتَّخَذُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ غَيْرِ الْخَمْرِ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ثُبُوتَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَدَحِ الْأَخِيرِ تَتَبَّعْ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ مُضْطَرِبَةٌ (وَالْخَلِيطَيْنِ) مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ (طُبِخَتْ أَوْ لَا) هَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَكَذَا نَبِيذُ الْعَسَلِ إلَى هُنَا لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَرْبَةً مَا كِدْتُ أَهْتَدِي إلَى أَهْلِي فَغَدَوْتُ إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا زِدْنَاكَ عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَهَذَا مِنْ الْخَلِيطَيْنِ وَكَانَ مَطْبُوخًا لِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ نَقِيعُ الزَّبِيبِ كَانَ حَرَامًا وَهُوَ الْأَحْمَزَ مِنْهُ وَإِلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنَاقُصِ وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَلِيطِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْقَحْطِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْإِبَاحَةُ فِي حَالَةِ السَّعَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ طُبِخَتْ أَوْ لَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ وَكَانَ مَطْبُوخًا لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بَعْدَ الِاشْتِدَادِ وَقَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَا طُبِخَتْ أَوْ لَا قَبْلَ الِاشْتِدَادِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «نَنْتَبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فِي مَسْقَاهُ فَيَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَيَطْرَحُهُمَا فِيهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَيَنْتَبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَيَنْتَبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً» فَعُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَدُّ فِي الْغَدْوَةِ وَكَذَا فِي الْعَشِيَّةِ غَالِبًا تَتَبَّعْ. (وَكَذَا) يَحِلُّ (الْمُثَلَّثُ وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ) وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا خَرَجَ مِنْ الْقِدْرِ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَيَانِ مِنْ الزَّبَدِ فَلَوْ طُبِخَ عَشْرَةُ أَصْوُعٍ مِنْ الْعَصِيرِ فَذَهَبَ صَاعٌ بِالزَّبَدِ طُبِخَ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ سِتَّةٌ أَصْوُعٍ وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيَحِلُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْبَخَ مَوْصُولًا فَإِذَا انْقَطَعَ الطَّبْخُ ثُمَّ أُعِيدَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ بِحُدُوثِ الْمَرَارَةِ وَغَيْرِهَا حَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَدَّ) وَقَذَفَ مَا لَمْ يُسْكِرْ بِلَا نِيَّةِ لَهْوٍ وَطَرَبٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ لِغِلْظَتِهِ لَا يَدْعُو إلَى إكْثَارِ شُرْبِهِ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غَدَاءٌ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ قُبَيْلَهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَلَّذِي يَصُبُّ الْمَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يَطْبُخَ طَبْخَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَفِي الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا) إلَى مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ) أَيْ وُجُوبُ الْحَدِّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ. (وَوُقُوعُ طَلَاقٍ مِنْ سُكْرٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (تَابِعٌ لِلْحُرْمَةِ) فَمَنْ قَالَ إنَّهَا حَرَامٌ يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ سَكِرَ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ إنَّهَا حَلَالٌ لَا يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ سَكِرَ مِنْهَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَهَابِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ (وَالْكُلُّ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ (يُفْتَى) لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِهِمَا وَعَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ (وَالْخِلَافُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخَيْنِ (إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّقَوِّي) بِشُرْبِهَا (أَمَّا عِنْدَ قَصْدِ التَّلَهِّي فَحَرَامٌ إجْمَاعًا) فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْإِجْمَاعِ

لِأَنَّ التَّلَهِّي حَرَامٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا. (وَخَلُّ الْخَمْرِ حَلَالٌ) لِزَوَالِ اشْتِدَادِهَا الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْحُرْمَةِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (خُلِّلَتْ بِعِلَاجٍ) بِإِلْقَاءِ مِلْحٍ أَوْ خَلٍّ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ» وَلِأَنَّ التَّخْلِيلَ إصْلَاحٌ كَدَبْغِ الْجِلْدِ بِإِزَالَةِ صِفَةِ الْإِسْكَارِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ التَّخْلِيلُ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ فَلَهُ فِي الْخَلِّ الْحَاصِلِ بِهِ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ وَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي انْتَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ فَقَدْ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ وَلَوْ غُسِلَ بِالْخَلِّ فَخُلِّلَ مِنْ سَاعَتِهِ طَهُرَ لِلِاسْتِحَالَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ) أَيْ اتِّخَاذِ النَّبِيذِ (فِي الدُّبَّاءِ) وَهُوَ الْقَرْعُ (وَالْحَنْتَمِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْجَرَّةُ الْخَضْرَاءُ وَقِيلَ هُوَ الْجَرَّةُ الْحَمْرَاءُ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ وَيُؤَدَّى بِهَا مِنْ نَوَاحِي الْيَمَنِ (وَالْمُزَفَّتِ) هُوَ الْوِعَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ (وَالنَّقِيرِ) هُوَ الْخَشَبُ الْمَنْقُورُ لِأَنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْخَمْرِ فَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الظُّرُوفِ تَشْدِيدًا فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِيَتْرُكَهُ النَّاسُ فَلَمَّا مَضَتْ الْأَيَّامُ أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهَا لِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْخَمْرُ ثُمَّ انْتَبَذَ فِيهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ وَإِنْ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَشَرُّبِهِ الْخَمْرَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُمْلَأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ الظَّرْفُ كُلُّهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ بُخَارَ الْخَلِّ يَرْتَفِعُ إلَى أَعْلَاهُ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ. (وَيُكْرَهُ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ) وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهِ (وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) أَيْ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا خَصَّ الِامْتِشَاطَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ حَرَامٌ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْسِينِ الشَّعْرِ وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْحُرْمَةُ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلِذَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَحُرِّمَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ بِلَا سُكْرٍ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَيْلِ وَالطَّبْعُ لَا يَمِيلُ إلَى الدُّرْدِيِّ فَقَلِيلُهُ لَا يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرْبُ جُزْءٍ مِنْ الْخَمْرِ. (وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَسِ حَرَامٌ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ (وَلَا) يَجُوزُ (أَنْ يُدَاوَى بِهَا) أَيْ بِالْخَمْرِ (جُرْحٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهَا (دَبَرَ دَابَّةٍ) لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ وَالدَّبَرُ بِالتَّحْرِيكِ قُرْحَةُ دَابَّةٍ (وَلَا تُسْقَى آدَمِيًّا وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (صَبِيًّا لِلتَّدَاوِي) كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ (وَلَا تُسْقَى الدَّوَابَّ) مُطْلَقًا (وَقِيلَ) إنْ أُرِيدَ سَقْيُ

كتاب الصيد

الدَّوَابِّ (لَا يَحْمِلُ الْخَمْرَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الدَّابَّةِ (فَإِنْ قُيِّدَتْ) أَيْ الدَّابَّةُ (إلَى الْخَمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْقَوْدِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَامِلَهَا (كَمَا فِي الْكَلْبِ مَعَ الْمَيْتَةِ) فَإِنَّهُ إنْ دَعَاهُ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ حَمَلَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ (وَلَا بَأْسَ بِإِلْقَاءِ الدُّرْدِيِّ فِي الْخَلِّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا (لَكِنْ بِحَمْلِ الْخَلِّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الدُّرْدِيِّ (دُونَ عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَحْمِلُ الدُّرْدِيَّ إلَيْهِ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يُحْمَلُ. [كِتَاب الصَّيْد] مُنَاسَبَةُ كِتَابِ الصَّيْدِ لِكِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالصَّيْدِ مِمَّا يُورِثُ السُّرُورَ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّيْدَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْأَشْرِبَةِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ كَذَلِكَ مِنْ الصَّيُودِ مَا هُوَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَشْرِبَةَ لِحُرْمَتِهَا اعْتِنَاءً بِالِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَمَحَاسِنُهَا مَحَاسِنُ الْمَكَاسِبِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَسَبَبُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الصَّائِدِ فَقَدْ يَكُونُ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ يَكُونُ إظْهَارًا لِلْجَلَادَةِ وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّفَرُّجِ (هُوَ) أَيْ الصَّيْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى (الِاصْطِيَادِ) ثُمَّ صَارَ اسْمًا لِلْمَصِيدِ الْمُمْتَنِعِ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَفْعُولِ كَضَرْبِ الْأَمِيرِ (وَهُوَ جَائِزٌ بِالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) مِنْ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَالْبَاشِقِ وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ بِشَرْطِ قَابِلِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَبِشَرْطِ كَوْنِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُصَادُ بِهِ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الصَّيْدُ بِدُبٍّ وَأَسَدٍ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَلَا يَجُوزُ بِالْخِنْزِيرِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي حِلِّ الِاصْطِيَادِ بِهِ بِخُصُوصِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّيِّبَاتِ وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ وَالْجَرْحُ الْكَسْبُ وَالْمُكَلِّبِينَ الْمُسَلَّطِينَ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ جَارِحَةً بِنَابِهَا وَمِخْلَبِهَا حَقِيقَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَيُشْتَرَطُ الْجِرَاحَةُ حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْجَرْحِ مِنْ الْكَوَاسِبِ عَمَلًا بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُكَلِّبِينَ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُونَهُنَّ وَالْمُعَلَّمُ مِنْ الْكِلَابِ مُؤَدَّبُهَا ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مَا أَدَّبَ جَارِحَةً بَهِيمَةً كَانَتْ أَوْ طَيْرًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَالْمُحَدَّدُ مِنْ سَهْمٍ وَغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَمَيْت سَهْمَك وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» . (لِمَا يُؤْكَلُ لَا كُلَّهُ) أَيْ يَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِمَا ذُكِرَ لِأَكْلِهِ. (وَ) يَجُوزُ اصْطِيَادُ (مَا لَا يُؤْكَلُ) لَحْمُهُ (لِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَلَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ قَالَ قَائِلُهُمْ

صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبُ وَثَعَالِبُ وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَلِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوحٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّيْدِ (مِنْ الْجَرْحِ) أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَمَاتَ بَعْدَ جُرْحِهِ يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الذَّبْحَ الِاخْتِيَارِيَّ يَحْصُلُ بِالْجَرْحِ وَكَذَا الذَّبْحُ الِاضْطِرَارِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَرْحُ لِأَنَّ الْجَوَارِحَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْكَوَاسِبِ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] أَيْ كَسَبْتُمْ لَا الْجَوَارِحَ بِالنَّابِ وَالْمِخْلَبِ حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ قُبَيْلَهُ. (وَ) لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ (كَوْنِ الْمُرْسِلِ) أَيْ مُرْسِلِ الْجَوَارِحِ (أَوْ الرَّامِي مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا) وَهُوَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الذَّبَائِحِ وَبِهِ يَصِيرُ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ (وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ الرَّمْيِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ» شَرَطَ التَّسْمِيَةَ لِحِلِّ الْأَكْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُشْتَرَطُ فِي رِوَايَةٍ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ (وَكَوْنُ الصَّيْدِ مُمْتَنِعًا) مِنْ الْآدَمِيِّ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ بِالْقَوَائِمِ أَوْ الْجَنَاحَيْنِ مُتَوَحِّشًا قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَالْحَيَوَانُ كَالظَّبْيِ وَالْأَرْنَبِ إذَا وَقَعَ فِي الشَّبَكَةِ أَوْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ أَوْ كَانَ ضَعِيفًا مَجْرُوحًا هُوَ مُتَوَحِّشٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَإِذَا اسْتَأْنَسَ بِالْآدَمِيِّ هُوَ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مُتَوَحِّشٍ فَلَا يَجْرِي الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِنْ الذَّبْحِ الِاضْطِرَارِيِّ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَحِّشًا فِي الْأَصْلِ كَالْبَقَرِ لَا يَكُونُ صَيْدًا وَإِنْ كَانَ مُتَوَحِّشًا كَالذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ لَا يَكُونُ مِنْ الذَّبَائِحِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بَلْ يَكُونُ صَيْدًا يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ. (وَ) لَا بُدَّ (أَنْ لَا يَقْعُدَ) الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّامِي (عَنْ طَلَبِهِ بَعْدَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ) إلَّا أَنْ يَقْعُدَ لِحَاجَةٍ إنْسَانِيَّةٍ كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَأَكْلٍ عَنْ جُوعٍ وَشُرْبٍ عَنْ عَطَشٍ وَصَلَاةٍ عَنْ فَرْضٍ وَجُلُوسٍ عَنْ عَيٍّ فَإِنْ قَعَدَ طَلَبَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَ) لَا بُدَّ (أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا فَلَوْ أُرْسِلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَشَارَكَهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي جَرْحِ صَيْدٍ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فَيُرَجَّحُ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا وَلَوْ شَارَكَهُ فِي أَخْذِهِ دُونَ الْجَرْحِ كُرِهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ (أَوْ) أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ (مُرْسَلٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مُضَافًا إلَى (مَنْ لَا يَحِلُّ إرْسَالُهُ) كَكَلْبِ الْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ أَوْ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبٍ لَمْ يُرْسَلْ لِلصَّيْدِ أَوْ أُرْسِلَ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَأَنْ لَا تَطُولَ وَقْفَتُهُ) أَيْ وَقْفَةُ الْمُعَلَّمِ (بَعْدَ الْإِرْسَالِ) حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ إرْسَالُهُ بِالتَّسْمِيَةِ (لِغَيْرِ إمْكَانٍ لِلصَّيْدِ) فَلَوْ وَقَفَ الْفَهْدُ وَكَمَنْ لِلِاحْتِيَالِ فِي الْأَخْذِ فَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهُ وَكَذَا لِبَعْضِ الْكِلَابِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ فَوْرَ الْإِرْسَالِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَيَجُوزُ بِكُلِّ جَارِحٍ عُلِّمَ) مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ (مِنْ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ)

أَخْذُ الصَّيْدِ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَا لَا نَابَ لَهُ وَلَا مِخْلَبَ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ بِلَا ذَبْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرَحْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيَثْبُتُ التَّعَلُّمُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ أَوْ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا تَأْقِيتَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ اجْتِهَادًا بَلْ سَمَاعًا وَلَا سَمَاعَ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا وَإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِهَا (وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ يَثْبُتُ) التَّعَلُّمُ (فِي ذِي النَّابِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا) لِأَنَّ تَرْكَهُ مَرَّةً يُحْمَلُ عَلَى الشِّبَعِ وَمَرَّتَيْنِ عَلَى التَّرْكِ بِالشَّكِّ وَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الِانْتِهَابِ وَالِاسْتِلَابِ يَقِينًا لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ وَإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. (وَ) يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ (فِي ذِي الْمِخْلَبِ بِالْإِجَابَةِ إذَا دُعِيَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ لِلتَّعْلِيمِ كَمَا يَتَحَمَّلُ الْكَلْبُ وَنَحْوُهُ فَاكْتُفِيَ بِغَيْرَةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ فَإِنَّ فِي طَبْعِهِ نُفُورًا فَيُعْرَفُ زَوَالُهُ بِرُجُوعِهِ بِالدُّعَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجُوعُ بِطَمَعِ اللَّحْمِ أَوْ لَا وَقِيلَ لَوْ كَانَ يَرْجِعُ بِلَا طَمَعٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا مِثْلُ الْفَهْدِ مِمَّا يَتَحَمَّلُ الضَّرْبَ فَتَعَلُّمُهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَالْإِجَابَةِ جَمِيعًا لِأَنَّ فِي طَبْعِهِ الِافْتِرَاسُ مَعَ النُّفُورِ. (فَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ (الْبَازِيُّ أُكِلَ) أَيْ حَلَّ أَكْلُ الْبَاقِي مِنْ هَذَا الصَّيْدِ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُ بِالْإِجَابَةِ لَا بِتَرْكِ أَكْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ لَا يُؤْكَلُ (لَا) أَيْ لَا يُؤْكَلُ (إنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ) عِنْدَنَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِيمَا إذَا أَكَلَ نَادِرًا فَفِي قَوْلٍ يَحْرُمُ وَفِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ اعْتَادَ الْأَكْلَ حَرُمَ مَا ظَهَرَتْ عَادَتُهُ فِيهِ وَهَلْ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ الَّذِي ظَهَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ مَا قُلْنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (فَإِنْ أَكَلَ) ذُو النَّابِ مِنْ الصَّيْدِ (أَوْ تَرَكَ) ذُو الْمِخْلَبِ (الْإِجَابَةَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِتَعَلُّمِهِ حَرُمَ مَا صَادَهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى التَّوَالِي أَوْ بَعْدَ تَرْكِ الْإِجَابَةِ (حَتَّى يَتَعَلَّمَ) عَلَى الْخَلَاقِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (وَكَذَا مَا صَادَ قَبْلَهُ) أَيْ حَرُمَ مَا صَادَ قَبْلَ أَكْلِهِ وَقَبْلَ تَرْكِ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ فِي الِابْتِدَاءِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالتَّعَلُّمِ خَطَأٌ (وَبَقِيَ فِي مِلْكِهِ) بِأَنْ كَانَ مُحْرَزًا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ إلَّا الَّذِي أَكَلَ

مِنْهُ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُ عُلِمَ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا مُحْرَزًا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثْبِيتٍ فِيهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا. (فَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِهِ) أَيْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ (أَوْ نَهَسَهُ) أَيْ الْكَلْبُ (فَقَطَعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ (بَضْعَةً) أَيْ قِطْعَةً مِنْ اللَّحْمِ (فَرَمَاهَا) أَيْ رَمَى الصَّائِدُ تِلْكَ الْبَضْعَةِ (وَاتَّبَعَهُ) أَيْ اتَّبَعَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ بَعْدَ النَّهْسِ وَالْقَطْعِ وَالرَّمْيِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ (أُكِلَ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالشُّرْبِ بِدُونِ الْأَكْلِ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَطَعَ مِنْهُ بِضْعَةً وَلَمْ يَأْكُلْ الصَّيْدَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَأْكُلْ وَأَخَذَ مَا رَمَاهُ يَدُلُّ عِلْمُهُ بِأَنَّ غَيْرَ مَا رَمَاهُ مَطْلُوبُ صَاحِبِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا سَلَّمَ الصَّيْدَ صَاحِبَهُ وَذَا كَافٍ فِي تَحَقُّقِ عِلْمِهِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَكَلَ) الْكَلْبُ (تِلْكَ الْبِضْعَةَ بَعْدَ صَيْدِهِ) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَكْلٍ مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ وَقَبْضِ صَاحِبِهِ. (وَكَذَا) يُؤْكَلُ (لَوْ أَكَلَ مَا أَطْعَمَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الصَّيْدِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا غَيْرَهُ (أَوْ أَكَلَ هُوَ) أَيْ الْكَلْبُ (بِنَفْسِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ بِأَنْ خَطَفَ شَيْئًا مِنْهُ (بَعْدَ إحْرَازِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ الْقِطْعَةَ قَبْلَ أَخْذِهِ الصَّيْدَ) أَيْ نَهَسَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بُضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ. (وَإِنْ خَنَقَهُ) أَيْ خَنَقَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ (وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَا يُؤْكَلُ) لِأَنَّ الْجَرْحَ شَرْطٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (وَكَذَا إنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ تَرَكَ مُرْسِلُهُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِعَيْنِهَا آنِفًا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا ثَانِيًا إلَّا أَنْ يُقَالَ تَوْطِئَةً إلَى قَوْلِهِ. (وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ التَّهْيِيجُ أَيْ هَيَّجَهُ مَجُوسِيٌّ فَهَاجَ بِأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ فَازْدَادَ فِي الْعَدْوِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (حَلَّ) أَكْلُ الصَّيْدِ (وَبِالْعَكْسِ) يَعْنِي إنْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ (حَرُمَ) أَكْلُهُ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْإِرْسَالُ وَالْإِغْرَاءُ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِرْسَالِ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَى الْإِرْسَالِ فَلَا يُنْسَخُ بِهِ الْإِرْسَالُ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا فَوْقَهُ كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ فَلَا يَرْتَفِعُ إرْسَالُ الْمُسْلِمِ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا إرْسَالُهُ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكْوَتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ

وَتَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ. (وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ) أَيْ الْكَلْبَ (أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَالْعِبْرَةُ لِلزَّاجِرِ) أَيْ لَوْ انْبَعَثَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّيْدِ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ وَأَخَذَهُ حَلَّ أَكْلُهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ ذَكْوَةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ وَلِهَذَا شُرِطَ فِيهِ التَّسْمِيَةُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تُعْدَمُ الذَّكْوَةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ بِمَنْزِلَةِ الْإِرْسَالِ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى طَاعَتِهِ. (وَإِنْ أَرْسَلَهُ) أَيْ الْكَلْبَ (وَلَمْ يُسَمِّ) وَقْتَ الْإِرْسَالِ عَمْدًا (ثُمَّ زَجَرَهُ فَسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِحَالِ الْإِرْسَالِ) يَعْنِي لَا يُؤْكَلُ فَلَا عِبْرَةَ بِالتَّسْمِيَةِ وَقْتَ الزَّجْرِ. (وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَ) الْكَلْبُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الصَّيْدِ (حَلَّ مَا دَامَ عَلَى سَنَنِ إرْسَالِهِ) . وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِغَيْرِ إرْسَالٍ إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ وَلَنَا أَنَّ الْإِرْسَالَ شَرْطٌ غَيْرُ مُقَيِّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الصَّيْدِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ بِأَخْذِ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ مَا دَامَ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ سَنَنِهِ وَلَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّيْدِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَتَشَاغَلَ فِي غَيْرِ طَلَبِ الصَّيْدِ وَتَرَكَ سَنَنَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ إلَيْهِ. (وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيُودٍ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخَذَ كُلَّهَا حَلَّتْ) الصَّيُودُ كُلُّهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ حُصُولُ الصَّيْدِ وَالذَّبْحُ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَنْ ذَبَحَ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَذْبُوحَةٌ بِفِعْلٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى. (وَإِنْ أَرْسَلَ الْفَهْدَ فَكَمَنَ حَتَّى اسْتَمْكَنَ ثُمَّ أَخَذَ حَلَّ) لِأَنَّ مُكْثَهُ ذَلِكَ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَقْطَعُ الْإِرْسَالَ. (وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ ذَلِكَ) أَيْ الْكُمُونَ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْفَهْدِ. (وَلَوْ أَرْسَلَهُ) أَيْ الْكَلْبَ (عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرُ) فَقَتَلَهُ (أُكِلَا) جَمِيعًا لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ (كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ اثْنَيْنِ) أَيْ أَصَابَهُ وَغَيْرَهُ أُكِلَا وَلَوْ قَتَلَ الْأَوَّلَ فَمَكَثَ عَلَيْهِ طُولًا مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِرَاحَةً بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِذَا رَمَى سَهْمَهُ وَسَمَّى أَكَلَ مَا أَصَابَ إنْ جَرَحَهُ) أَيْ السَّهْمُ لِأَنَّهُ ذَبْحٌ حُكْمِيٌّ وَلَا حِلَّ بِدُونِ الذَّبْحِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقَتْ فَكُلْ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ» . (وَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ (عَمْدًا حَرُمَ) أَكْلُهُ لِاشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ فِي كُلِّ ذَبْحٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالنَّصِّ. (وَإِنْ وَقَعَ السَّهْمُ بِهِ) أَيْ بِصَيْدٍ (فَتَحَامَلَ) أَيْ تَكَلَّفَ فِي الْمَشْيِ حَامِلًا لِلسَّهْمِ (وَغَابَ) الصَّيْدُ (وَلَمْ يَقْعُدْ) الرَّامِي (عَنْ طَلَبِهِ) أَيْ الصَّيْدِ (ثُمَّ وَجَدَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (مَيِّتًا حَلَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ غَيْرُ جِرَاحَةِ السَّهْمِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ وَغَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ

سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ لِمَوْتِهِ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا مُوجِبٌ لِحِلِّهِ وَالْآخَرُ مُوجِبٌ لِحُرْمَتِهِ فَيُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْمَوْهُومَ فِي مِثْلِ هَذَا كَالتَّحْقِيقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا يَحِلُّ إنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ) مَيِّتًا لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ. وَفِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْكَ إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ وَإِنْ قَعَدَ عَنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ كُتُبِ فِقْهِ أَصْحَابِنَا وَلَوْ حَمَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يُنَاقِضْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَدَارَ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ عَدَمُ التَّوَارِي وَذَكَرَ الطَّلَبَ فِيمَا سَبَقَ لِإِعْلَامِ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّوَارِي لَا يَضُرُّ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ أَنْ يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَمَالُ التَّوَارِي فَإِنَّهُ إذَا غَابَ الْمَرْمِيُّ وَلَمْ يَقْعُدْ الرَّامِي عَنْ طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا لَا يُعَدُّ هَذَا تَوَارِيًا وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ أَيْ اعْتِبَارَ الْمَوْهُومِ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةٌ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ. وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ عَنْ التَّغَيُّبِ عَنْ بَصَرِهِ فِي الْغِيَاضِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْبَرَارِي وَالطَّيْرُ بَعْدَمَا أَصَابَهُ السَّهْمُ يَتَحَامَلُ وَيَطِيرُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ ضَرُورَةِ إذَا كَانَ فِي طَلَبِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ كَالْوَاجِدِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ يَكُونُ التَّوَارِي بِسَبَبِ عَمَلِهِ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ التَّوَارِي بِأَنْ يَتْبَعَ أَثَرَهُ وَلَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ. (وَالْحُكْمُ فِيمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ) بِالْإِرْسَالِ (كَالْحُكْمِ فِيمَا جَرَحَهُ السَّهْمُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. (وَإِنْ رَمَاهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فَوَقَعَ فِي مَاءٍ) فَمَاتَ فِيهِ أَيْ فِي الْمَاءِ (أَوْ) وَقَعَ (عَلَى سَطْحٍ أَوْ) عَلَى (جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجِرَةٍ ثُمَّ تَرَدَّى) مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ (فَمَاتَ حَرُمَ) أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّيَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ مُهْلِكًا فَوُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ حَيًّا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْبَاقِيَةَ فِيهِ كَالْحَيَاةِ فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَيُؤْكَلُ وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عُلْوٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّقُوطِ لَا مِنْ الْجُرْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ مُهْلِكًا وَبَقِيَ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ

مَا فِي الْمَذْبُوحِ ثُمَّ تَرَدَّى يَحِلُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (لَوْ وَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ حَرْفِ) أَيْ طَرَفِ (آجُرَّة فَجُرِحَ بِهَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرَدِّيهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ أَوْ آجِرَةٍ فَاسْتَقَرَّ) عَلَيْهِمَا وَكَذَا لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ ظَهْرِ بَيْتٍ وَلَمْ يَتَرَدَّ مِنْهُ (وَلَمْ يَنْجَرِحْ حَلَّ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحَمَلَ مُطْلَقَ الْمَرْوِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِهِ حَالَةَ الِانْشِقَاقِ وَحَمَلَهُ أَيْ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجِرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عَفْوٌ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَانْشَقَّ بَطْنُهُ وَهَذَا أَيْ مَا فَعَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَصَحُّ انْتَهَى. (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ حَرُمَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَدْرَكَةٌ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِعَيْنِهَا آنِفًا فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا ثَانِيًا إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهَا تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ. (وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ مَائِيًّا فَوَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (فَإِنْ انْغَمَسَ جُرْحُهُ) بِضَمِّ الْجِيمِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (حَرُمَ) لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالْمَاءِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إذَا كَانَتْ جِرَاحَةً غَيْرَ مُهْلِكَةٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُهْلِكَةً يَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْغَمِسْ جُرْحُهُ فِي الْمَاءِ (حَلَّ) لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالرَّمْيِ. (وَيَحْرُمُ مَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ) وَهُوَ اسْمٌ لِسَهْمٍ لَا رِيشَ لَهُ يَمُرُّ عَلَى أَرْضِهِ فَيُصِيبُ (بِعَرْضِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ «مَا أَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَمَا أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكْوَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (أَوْ الْبُنْدُقَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِعْرَاضِ أَيْ يَحْرُمُ مَا قَتَلَتْهُ الْبُنْدُقَةُ وَهِيَ طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يُرْمَى بِهَا لِأَنَّهُ يَدُقُّ وَيَكْسِرُ وَلَا يَجْرَحُ فَصَارَ كَالْمِعْرَاضِ إذَا لَمْ يَخْرِقْ (وَلَمْ يَجْرَحْهُ) قَيْدٌ لَهُمَا. (وَإِنْ أَصَابَهُ) أَيْ أَصَابَ الرَّامِي الصَّيْدَ (بِحَجَرٍ) أَيْ بِأَنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ (وَجَرَحَهُ بِحَدِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِمَعْنَى الْحِدَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى طَرَفِهِ (فَإِنْ) كَانَ الْحَجَرُ (ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ. (وَإِنْ) كَانَ (خَفِيفًا أُكِلَ) لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا وَجَعَلَهُ أَيْ الْجُرْحَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَبِهِ حِدَّةٌ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِجُرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ وَلَمْ يُبْضِعْ بَضْعًا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ لَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ ثَقِيلًا أَوْ خَفِيفًا لِاشْتِرَاطِ الْجَرْحِ. (وَلَوْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ) بِ (سِكِّينٍ فَأَصَابَ ظَهْرَهُ) أَيْ ظَهْرَ السَّيْفِ أَوْ السِّكِّينِ

(أَوْ مِقْبَضَهُ) أَيْ مِقْبَضَ السَّيْفِ أَوْ السِّكِّينِ (فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْجُرْحِ بِيَقِينٍ كَانَ الصَّيْدُ حَلَالًا وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الثِّقَلِ بِيَقِينٍ كَانَ حَرَامًا وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ وَلَا يَدْرِي مَاتَ بِالْجُرْحِ أَوْ الثِّقَلِ كَانَ حَرَامًا احْتِيَاطًا. (وَشُرِطَ فِي الْجُرْحِ الْإِدْمَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» شَرَطَ الْإِنْهَارَ (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ) الْإِدْمَاءُ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْجُرْحُ وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ (وَقِيلَ إنْ) كَانَ الْجُرْحُ (كَبِيرًا لَا يُشْتَرَطُ) الْإِدْمَاءُ. (وَإِنْ) كَانَ (صَغِيرًا يُشْتَرَطُ) لِأَنَّ الْكَبِيرَ إنَّمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ لِعَدَمِهِ وَالصَّغِيرُ لِضِيقِ الْمَخْرَجِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ. (وَإِنْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَهُ) أَيْ ظِلْفَ الصَّيْدِ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ حَافِرَهُ (أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ) أَكْلُهُ (وَإِلَّا فَلَا) يَحِلُّ وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطُ خُرُوجَ الدَّمِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ غَيْرَهَا فَتَحَرَّكَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ وَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ مَسْفُوحٌ تُؤْكَلُ وَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ لَا تُؤْكَلُ وَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَخَرَجَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ عُلِمَ حَيَاتُهَا عِنْدَ الذَّبْحِ تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّكْ. (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ) الصَّيْدُ (دُونَ الْعُضْوِ) أَيْ يُؤْكَلُ صَيْدٌ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ بِالرَّمْيِ كَالْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ لِأَنَّهُ ذَابِحٌ بِرَمْيِهِ وَلَا يُؤْكَلُ عُضْوُهُ الْمَقْطُوعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» قَدْ ذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ الْحَقِيقِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُؤْكَلَانِ إذَا مَاتَ الصَّيْدُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا يُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ لَا الْمُبَانُ. (وَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ الْعُضْوَ (وَلَمْ يُبِنْهُ فَإِنْ احْتَمَلَ الْتِيَامَهُ) فَمَاتَ (أُكِلَ الْعُضْوُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ وَلَمْ يُتَوَهَّمْ الْتِيَامُهُ بِعِلَاجٍ إنْ بَقِيَ مِنْهُ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ (فَلَا يُؤْكَلُ الْمُبَانُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ) مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. (وَإِنْ قَدَّهُ) أَيْ شَقَّ الصَّيْدَ طُولًا وَكَذَا عَرْضًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (نِصْفَيْنِ أَوْ) قَطَعَهُ (أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِنْ جَانِبِ الْعَجْزِ أَكْلُ الْكُلِّ) أَيْ يُؤْكَلُ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ جَمِيعًا إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثُّلُثَانِ فِي طَرَفِ الرَّأْسِ وَالثُّلُثُ فِي طَرَفِ الْعَجُزِ إذْ يُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ لَا الْمُبَانُ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ إذْ يُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ لَا الْمُبَانُ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ الْمَذْكُورَةِ (وَكَذَا) أُكِلَ الْكُلُّ (لَوْ قُطِعَ نِصْفُ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ) لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا) فِيهِ (حَيَاةٌ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكْوَتِهِ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ ذَكْوَةٌ حَقِيقَةٌ قِيلَ

حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ ذَكْوَةُ الِاضْطِرَارِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِبَاحَةُ بِالذَّكْوَةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ مَوْتِ الصَّيْدِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ (فَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ الذَّكْوَةَ (مُتَمَكِّنًا) أَيْ قَادِرًا (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الذَّكْوَةِ (حَرُمَ) لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (لَوْ) تَرَكَهَا (غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ) مِنْهَا إمَّا لِفَقْدِ الْآلَةِ أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَمَعَهُ آلَةُ الذَّبْحِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) لِأَنَّ ذَكْوَةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِهِ حَيًّا وَهَذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ ذَكْوَةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ. (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَيَاتِهِ إلَّا مِثْلُ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ مَا لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ) بَعْدَ هَذَا كَمَا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ (فَلَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا) فَيَحِلُّ وَلَا تَلْزَمُ تَذْكِيَتُهُ لِأَنَّ مَا بَقِيَ فِيهِ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِ الذَّبْحِ أَوْ مَعَ وُصُولِهِ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ بِلَا فَصْلٍ أُكِلَ وَبِهِ نَأْخُذُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ (وَقِيلَ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ مِنْ تَذْكِيَتِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَكُونُ فِيهِ حَيَاةٌ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكْوَةِ الِاخْتِيَارُ (فَإِنْ ذَكَّاهُ حَلَّ) إجْمَاعًا. (وَكَذَا إنْ ذَكَّى الْمُتَرَدِّيَةَ) أَيْ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْ الْعُلْوِ (وَالنَّطِيحَةَ) أَيْ الَّتِي مَاتَتْ مِنْ النَّطْحِ وَهُوَ ضَرْبُ الْكَبْشِ بِالْقَرْنِ لَهُ (وَالْمَوْقُوذَةَ) أَيْ الَّتِي قُتِلَتْ بِالْخَشَبِ (وَاَلَّتِي بَقَرَ) أَيْ شَقَّ (الذِّئْبُ بَطْنَهَا وَفِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ) أَيْ دُونَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ (أَوْ جَلِيَّةٌ) أَيْ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَقِيلَ الْخَفِيَّةُ بِأَنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَكِنْ يَتَنَفَّسُ بِالْحَيَاةِ وَالْجَلِيَّةُ بِأَنْ (حَلَّ) أَيْ يَحِلُّ أَكْلُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ إذَا ذُكِّيَتْ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتِثْنَاءٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجِسِ بِفِعْلِ الذَّكْوَةِ وَقَدْ حَصَلَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ) أَحَدُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بِحَيْثُ (لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ) بِالتَّذْكِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ أَيْ مُضَافًا إلَى الذَّبْحِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَلَّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ بَلْ كَانَ يَعِيشُ مِقْدَارَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ (فَلَا) يَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ لِأَنَّ قَدْرَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ) أَيْ جَعَلَهُ ضَعِيفًا (وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) أَيْ صَيَّرَهُ إلَى حَالٍ لَا يَنْجُو مِنْ يَدِ الصَّائِدِ وَلَكِنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ (ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ حَرُمَ) أَكْلُهُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ بِذَكْوَةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكْوَةِ الِاخْتِيَارِ (وَضَمِنَ) الثَّانِي (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الصَّيْدِ (مَجْرُوحًا لِلْأَوَّلِ) يَعْنِي الْأَوَّلُ مَلَكَ الصَّيْدَ بِإِثْخَانِهِ وَالثَّانِي بِرَمْيِهِ أَتْلَفَ مِلْكَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُعَيَّنًا بِالْجِرَاحَةِ

وَفِي التَّبْيِينِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا تُرْجَى حَيَاتُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ بِأَنْ قَطَعَ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ رَأْسَهُ أَوْ بَقَرَ بَطْنَهُ أَوْ نَحْوَهُمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُضَافٌ إلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (فَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ الْأَوَّلُ) وَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ (حَلَّ) أَكْلُهُ لِأَنَّهُ حِينَ رَمَى الثَّانِي كَانَ صَيْدًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ (لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَ» . وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الْآخَرُ أَوْ رَمَاهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَمَا أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ فَأَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَأَثْخَنَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْكَلُ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا وَأَصَابَاهُ مَعًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْبَازِي وَالْكَلْبُ فِي هَذَا كَالسَّهْمِ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِإِثْخَانِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إمْسَاكُهُ بِدُونِ الْإِثْخَانِ وَتَمَامُهُ فِيهِ إنْ شِئْتَ فَلْيُرَاجَعْ. (وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَأَدْرَكَهُ فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ) أَيْ طَرَحَهُ عَلَى الْأَرْضِ (ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ وَكَذَا) يُؤْكَلُ (لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَصَرَعَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجَرْحِ بَعْدَ الْجَرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا مَا لَمْ يَكُنْ إرْسَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَمَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ. (وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا كَلْبَهُ فَصَرَعَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ حَلَّ) أَكْلُهُ إذَا كَانَ إرْسَالُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّا (وَهُوَ) أَيْ الصَّيْدُ (لِلْأَوَّلِ) إنْ كَانَ أَثْخَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ فَمَلَكَهُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ بِجَرْحِ الثَّانِي بَعْدَمَا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إرْسَالَ الثَّانِي حَصَلَ إلَى الصَّيْدِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُثْخِنَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ. (وَلَوْ أَرْسَلَ الثَّانِي بَعْدَ صَرْعِ الْأَوَّلِ حَرُمَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ ذَكْوَةً لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكْوَةِ الِاخْتِيَارِ (وَضَمِنَ) الثَّانِي لِلْأَوَّلِ (كَمَا فِي الرَّمْيِ) لِتَلَفِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِلْأَوَّلِ بِإِرْسَالِ الثَّانِي. (وَمَنْ سَمِعَ حِسًّا) أَيْ صَوْتًا خَفِيفًا (فَظَنَّهُ إنْسَانًا فَرَمَاهُ أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ) فَقَتَلَهُ (أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ صَيْدًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا سَمِعَ حِسًّا بِاللَّيْلِ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ فَرَمَاهُ فَإِذَا ذَلِكَ الْمَرْمِيُّ صَيْدٌ أَوْ أَصَابَ صَيْدًا آخَرَ وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ رَمَاهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ إلَّا بِوَجْهَيْنِ أَنْ يَرْمِيَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّيْدَ وَأَنْ يَكُونَ مَرْمِيُّهُ صَيْدًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ لَا وَهَذَا أَوْجَهُ لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَنَحْوِهِ بِقَصْدِهِ لَا يُعَدُّ صَيْدًا فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ وَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ وَحُمِلَ قَوْلَاهُ

كتاب الرهن

الْمُخْتَلِفَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ. [كِتَاب الرَّهْن] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الرَّهْنِ وَكِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ حُصُولُ النَّظَرِ لِجَانِبِ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهَا دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّهْنُ لُغَةً الْحَبْسُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِجَزَاءِ عَمَلِهَا وَيُقَالُ قَلْبُ الْمُحِبِّ رَهْنٌ عِنْدَ حَبِيبِهِ وَقِيلَ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيِّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَقَدْ يُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَحِينَئِذٍ يُجْمَعُ عَلَى رِهَانٍ وَرُهُونٍ وَرُهُنٍ وَشَرْعًا (حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (كَالدَّيْنِ) أَيْ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا ارْتَهَنَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا كَالرَّهْنِ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ هُنَا الْمَالُ وَلِذَا قَالَ الْبَعْضُ هُوَ حَبْسُ الْمَالِ بِحَقٍّ كَمَا قِيلَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ وَيُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الدَّيْنَ الْوَاجِبَ حَقِيقَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ كَالدُّيُونِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا مِثْلِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ وَمَالُهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ هَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا عِبَارَةُ الضَّمَانِ فَرَدُّ الْعَيْنِ وُجُودُهَا خَلَاصٌ عَنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَبِخِلَافِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي الْإِصْلَاحِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لَا حَبْسُ الشَّيْءِ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ بِخِلَافِ الْجَاعِلِ إيَّاهُ مَحْبُوسًا انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ كَوْنُهُ مَقْبُولًا وَمَحْبُوسًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ إذْ مُجَرَّدُ جَعْلِ الرَّاهِنِ الشَّيْءَ مَحْبُوسًا لَا يُفِيدُ بِدُونِ مُطَاوَعَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ آخِذٌ الْحَقَّ مِنْهُ تَدَبَّرْ (وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِإِيجَابٍ) مِنْ الرَّاهِنِ بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَكَ عَلَيَّ (وَقَبُولٍ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ لُزُومًا شَرْعِيًّا (وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ رُكْنٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ أَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ. وَفِي

الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْجَوَازِ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ شَرْطُ اللُّزُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْكَنْزِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ انْتَهَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا فَيَلْزَمُ بِهِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّزُومِ هُوَ الِانْعِقَادُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ لَمَا قَالَ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ إذْ اللَّازِمُ لَا يَحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (مَحُوزًا) أَيْ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ حَالَ كَوْنِهِ مَجْمُوعًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَرَهْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَحُزْهُ أَيْ لَمْ يَجْمَعْهُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُفْرَغًا) عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَرَهْنُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ حَالَ كَوْنِهِ (مُمَيَّزًا) عَنْ اتِّصَالِهِ بِغَيْرِهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ كَرَهْنِ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ وَفِي الدُّرَرِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا مَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَالثَّانِيَ عَنْ الْمَشْغُولِ وَالثَّالِثَ عَنْ رَهْنِ ثَمَرٍ عَلَى الشَّجَرِ دُونَ الشَّجَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ تَدَبَّرْ. (وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ (وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) أَيْ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ حَتَّى إذَا وُجِدَتْ مِنْ الرَّاهِنِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَضَاعَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْبَيْعِ قَبْضٌ كَذَلِكَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيَةِ دُونَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْغَيْرِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلِذَا قِيلَ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمٌ إلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْقَبْضِ هُنَا أَبْلَغُ وَأَنْسَبُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْقَبْضَ كَانَ مَنْصُوصًا فِيهِ فَصَارَ مَخْصُوصًا بِهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَثْبُتُ بِهَا فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ قِيلَ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ الْمَشْرُوعِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ الْمَمْنُوعِ. وَفِي الْمِنَحِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ إذَا الْقَبْضُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالرَّهْنِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مَتَى قُرِنَ بِالْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ قُلْتُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ إنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ إذَا نُصَّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْمَنْصُوصِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى وُجُودُهُ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] فَلَوْ صَحَّ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ لَبَطَلَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَلَمْ يَفْسُدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

انْتَهَى لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ بَلْ الْمُلَازِمُ مِنْ صِحَّةِ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ هُوَ ثُبُوتُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالرِّضَى فِي الْجُمْلَةِ عَلَى قِيَاسِ التَّخْلِيَةِ فِي الرَّهْنِ فَإِنَّهَا قَبْضٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ تَدَبَّرْ. (وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرَّهْنِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ وَغَيْرَ لَازِمٍ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِذَا قُبِضَ لَزِمَ) الرَّهْنُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَا رُجُوعَ بَعْدَهُ (وَهُوَ) أَيْ الرَّهْنُ (مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (وَمِنْ الدَّيْنِ) إذَا هَلَكَ وَالْأَقَلُّ اسْمُ تَفْضِيلٍ اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ وَكَلِمَةُ مِنْ لَيْسَتْ تَفْضِيلِيَّةً بَلْ بَيَانِيَّةً وَالْمَعْنَى بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ» أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَمَا نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّكَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَمَى الرَّهْنُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَمَا هَلَكَ الرَّهْنُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَالْقَوْلُ بِالْأَمَانَةِ خَرْقٌ لَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَتَحْقِيقُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَتَبَّعْ. (فَلَوْ هَلَكَ) كُلُّ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (وَهُمَا) أَيْ الرَّهْنُ وَالدَّيْنُ (سَوَاءٌ) أَيْ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ (صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ) حُكْمًا فَلَا يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَا الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا. (وَإِنْ) كَانَتْ (قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ الدَّيْنِ (فَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ يَقَعُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا يَدْخُلُ الْفَضْلُ فِي ضَمَانِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ إذْ عِنْدَهُ مَضْمُونٌ بِقِيمَةِ الْهَلَاكِ لَا بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا فَيَدْخُلُ الْفَضْلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّ الْفَضْلَ عَنْ الدَّيْنِ مَرْهُونٌ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا بِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا. (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (قَدْرُ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِالْبَاقِي) مِنْ الدَّيْنِ مَثَلًا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالرَّهْنُ أَيْضًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ حُكْمًا وَلَا يَبْقَى لَهُ مُطَالَبَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا فَالْخَمْسُونَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي تِسْعِينَ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ

مُسْتَوْفِيًا مِنْ دَيْنِهِ تِسْعِينَ دِرْهَمًا وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الرَّهْنِ (يَوْمَ قَبْضِهِ) . وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ. وَفِي التَّبْيِينِ إنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يُخَالِفُ ضَمَانَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَالْوَاجِبُ هُنَا فِي الْمُسْتَهْلَكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ ثُمَّ بَحَثَ وَقَالَ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ انْتَهَى إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ مِنْ قَوْلِهِ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ يَدَهُ أَمَانَةٌ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ انْتَهَى. وَفِي التَّنْوِيرِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَيْ مِقْدَارَ مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَصَحِّ. (وَيَهْلَكُ) الرَّهْنُ (عَلَى مِلْكِ) (الرَّاهِنِ فَكَفَنُهُ) أَيْ كَفَنُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى إذَا اشْتَرَاهُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ. (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الدَّيْنِ (وَيَحْبِسُهُ بِهِ) أَيْ يَحْبِسُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِهِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ (حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ إلَّا) وَقْتَ (أَنْ يُبَرِّئَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (إنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (أَنْ يُمَكِّنَ الرَّاهِنَ مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ (لِلْإِيفَاءِ) يَعْنِي لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ. (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ) بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا بِسُكْنَى وَلَا بِلِبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يُسْتَوْفَى دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ (وَلَا إجَارَتُهُ وَلَا إعَارَتُهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِإِجَارَةِ أَوْ بِإِعَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا لِتَسْلِيطِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ

الرَّاهِنِ. وَفِي الْمِنَحِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّ مَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي اسْتَوْفَى فَضْلًا فَيَكُونُ رِبًا وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ كَذَا رَأَيْتُ مَنْقُولًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ قُلْتُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً وَأَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَأْكُلَ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا. وَفِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَكْلَ الثِّمَارِ فَأَكَلَهَا لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَالَ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي السُّكْنَى فَلَا رُجُوعَ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى فَلْيُحْمَلْ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الدِّيَانَةِ وَمَا فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ (وَيَصِيرُ بِذَلِكَ) أَيْ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ بِالِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْإِذْنِ (مُتَعَدِّيًا) إذْ هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ (وَلَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالتَّعَدِّي (الرَّهْنُ) لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ. (وَإِذَا طَلَبَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أُمِرَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) أَوَّلًا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ بِقَرِينَةِ الْآتِي لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ وَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا وَجْهَ لِقَبْضِ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ يُحْتَمَلُ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ (فَإِذَا أَحْضَرَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ كُلِّ دَيْنِهِ أَوَّلًا) لِتَعْيِينِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا يُعَيِّنُ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ الْحَاضِرِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ) كَمَا أُمِرَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ. (وَكَذَا) أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الْحُكْمِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (لَوْ طَالَبَهُ) الْمُرْتَهِنُ (بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ (وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) فَإِنَّ الْأَمَاكِنَ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلرَّهْنِ (حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ بِلَا) تَكْلِيفِ (إحْضَارِ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُرْتَهِنَ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ. (وَكَذَا) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ (إنْ كَانَ الرَّهْنُ وُضِعَ عِنْدَ عَدْلٍ) بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ) لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ (بِإِحْضَارِ ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ وَلَوْ قَبَضَهُ يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ لِقِيَامِ الْبَدَلِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (إنْ قَضَى بَعْضَ حَقِّهِ بِتَسْلِيمِ حِصَّتِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَاقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ. (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لِأَنَّ

الْعِبْرَةَ بِالْمُسَاكَنَةِ لَا بِالنَّفَقَةِ حَتَّى إنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ دَفَعَتْ الرَّهْنَ إلَى الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهَا (فَإِنْ حَفِظَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (بِغَيْرِهِمْ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ (أَوْ أَوْدَعَهُ) الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ آخَرَ (فَهَلَكَ ضَمِنَ) الْمُرْتَهِنُ (كُلَّ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودِعُ الثَّانِيَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي مُودِعِ الْمُودَعَ ثُمَّ إنْ قَضَى بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فِيمَا إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَتَقَاصَّا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُطَالِبُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. (وَكَذَا) يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ (إنْ تَعَدَّى فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ صَرِيحًا كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. (أَوْ جَعَلَ الْخَاتَمَ) الرَّهْنَ (فِي خِنْصَرِهِ) فَهَلَكَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ (فَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْخَاتَمَ وَالظَّاهِرُ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ (فِي أُصْبُعٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْخِنْصَرِ (فَلَا) يَضْمَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حِفْظًا فَظُهُورُ التَّعَدِّي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلِبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ وَكَذَا يَضْمَنُ بِتَقَلُّدِ سَيْفَيْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ لَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ حِفْظٌ فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (مُؤْنَةُ حِفْظِهِ) أَيْ الرَّهْنِ أَيْ مَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِ نَفْسِ الرَّهْنِ. (وَ) مُؤْنَةُ (رَدِّهِ) أَيْ رَدِّ الرَّهْنِ (إلَى يَدِهِ) أَيْ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ إنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كَجُعْلِ الْآبِقِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ (أَوْ) كَذَا مُؤْنَةُ (رَدِّ جُزْئِهِ) إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ تَبْيَضَّ عَيْنُ الرَّهْنِ أَوْ يَحْدُثَ بِهِ مَرَضٌ آخَرُ فَمُدَاوَاتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ (كَأُجْرَةِ بَيْتِ حِفْظِهِ وَ) أُجْرَةِ (حَافِظِهِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَعْلُ الْآبِقِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ لَيَرُدَّهُ وَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالرَّدُّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَلِهَذَا يَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ كُلَّهَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ

وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ أَيْ أُجْرَةَ الْبَيْتِ بِسَبَبِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ لَهُ وَأَمَّا الْجُعْلُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَنْ هَذَا قَالَ. (أَمَّا جُعْلُ الْآبِقِ وَالْمُدَاوَاةِ) أَيْ مُدَاوَاةُ الْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ (وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَمُنْقَسِمٌ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْمَضْمُونِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ إذَا تَقَرَّرَ عِنْدَكَ مَا نَقَلْنَا مِنْ الْهِدَايَةِ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ حِفْظِهِ كَأُجْرَةِ بَيْتِ حِفْظٍ وَحَافِظٍ وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ إلَى يَدِهِ أَوْ رَدِّ جُزْئِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَيْ الدَّيْنِ فَمُنْقَسِمٌ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ كَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكَانَ أَسْلَمَ تَدَبَّرْ. (وَمُؤْنَةُ تَبْقِيَتِهِ) أَيْ جَعْلُ الرَّهْنِ بَاقِيًا (وَ) مُؤْنَةُ (إصْلَاحِهِ) أَيْ إصْلَاحِ مَنْفَعَتِهِ (عَلَى الرَّاهِنِ كَالنَّفَقَةِ) مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ (وَالْكِسْوَةُ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ) هَذِهِ أَمْثِلَةُ مُؤْنَةِ التَّبْقِيَةِ (وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَتَلْقِيحُ نَخْلِهِ) أَيْ نَخْلِ الْبُسْتَانِ (وَجِذَاذُهُ) أَيْ التَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ (وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ) كَإِصْلَاحِ جِدَارِهِ وَقَلْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ هَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمُؤْنَةِ لِإِصْلَاحِ مَنَافِعِهِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتُهُ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ أَصْلًا وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةٌ مَلَكَهُ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ. (وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ بِلَا أَمْرٍ) أَيْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي (فَهُوَ تَبَرُّعٌ) فِيمَا أَدَّاهُ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. (وَ) مَا أَدَّاهُ مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ) الْمُؤَدِّي (بِهِ) أَيْ بِمَا أَدَّاهُ وَقَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِهِ وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ وَقَالَ وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ إذَا أَدَّاهُ بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ (إنْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا) وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ الْآمِرُ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي الْحَاضِرَ وَلَا يُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ فَلَوْ نَفَّذَ أَمْرَهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَجْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلِكُ فَيُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ الرَّهْنُ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي رَهَنْتَهُ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَاكَ شَأْنُ الْأَمَانَاتِ الْغَيْرِ

باب ما يجوز ارتهانه والرهن به وما لا يجوز

الْمَضْمُونَةِ وَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْبَاطِنَةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ زَعَمَ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ وَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الرَّهْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَقَالَ الرَّاهِنُ هَلَكَ بَعْدَ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ وَعَوْدِهِ لِلرَّهْنِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ هَلَكَ حَالَ الِانْتِفَاعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي الْعَوْدِ إلَّا بِحُجَّةٍ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بِعْتُهُ بِنِصْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لَا بَلْ مَاتَ عِنْدَكَ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا مَاتَ عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَ الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى الْبَيْعِ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي لِبْسِ ثَوْبٍ مَرْهُونٍ يَوْمًا فَجَاءَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مُتَخَرِّقًا وَقَالَ تَخَرَّقَ فِي لِبْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ الرَّاهِنُ مَا لَبِسْتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَخَرَّقَ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِاللِّبْسِ فِيهِ وَلَكِنْ قَالَ تَخَرَّقَ قَبْلَ اللِّبْسِ وَبَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ السَّفَرُ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَالْوَدِيعَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُرَاجَعْ. [بَاب مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] ُ لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ الرَّهْنِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ إذْ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ (لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ الْمُشَاعُ (مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (أَوْ) كَانَ (مِنْ الشَّرِيكِ) هَذَا عِنْدَنَا لِأَنَّ مُوجِبَ ثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَدُ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ هُوَ التَّمْيِيزُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ اسْتِحْقَاقُ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ وَالْمُشَاعُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْمَقْسُومِ. (وَلَوْ طَرَأَ) الشُّيُوعُ بَعْدَ الِارْتِهَانِ (فَسَدَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ وَصُورَةُ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ أَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ وَأَذِنَ.

الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ نِصْفَهُ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَإِنَّمَا فَسَدَ لِأَنَّ هَذَا الشُّيُوعَ رَاجِعٌ إلَى مَحِلِّ الرَّهْنِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَحِلٍّ فَالْبَقَاءُ كَالِابْتِدَاءِ وَقَدْ قَالُوا بِاسْتِثْنَاءِ الْهِبَةِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ حُكْمَهُ دَوَامُ الْقَبْضِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ مِنْ أَنْ وَجْهَهُ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَحِلِّ الرَّهْنِ فَالْبَقَاءُ وَالِابْتِدَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ الشُّيُوعَ فِيهَا مَانِعُ ابْتِدَاءٍ لَا بَقَاءٍ فَالْوَجْهُ الْأَلْيَقُ بِالْمَقَامِ هُوَ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ انْتَهَى تَدَبَّرْ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَبِلَ الْبَيْعَ قَبِلَ الرَّهْنَ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ بَيْعُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ بَيْعُ الْمَشْغُولِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ بَيْعُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ بَيْعُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ قَبْلَ وُجُودِهِ فِي غَيْرِ الدَّيْنِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. (وَلَا) يَصِحُّ (رَهْنُ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ بِدُونِ الشَّجَرِ وَلَا) يَصِحُّ رَهْنُ (الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْأَرْضِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ (وَلَا) يَصِحُّ رَهْنُ (الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ مَشْغُولَيْنِ بِالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ) دُونَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَصَارَ الْأَصْلُ الْمَرْهُونُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ بِدُونِ الْبِنَاءِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِمَوَاضِعِهَا) جَازَ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَ النَّخِيلِ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ رَهْنَ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ أَيْ لَوْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ. (أَوْ) رَهَنَ (الدَّارَ بِمَا فِيهَا) أَيْ الدَّارِ (جَازَ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ كُلُّهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَا وَرَدَ إلَّا عَلَى الْبَاقِي وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّهْنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونَةِ وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحَمْلُ.

عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقَى الْحَمْلُ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحَمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ. (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ) لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ فَصَارُوا كَالْحُرِّ (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالْأَمَانَاتِ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالدَّرَكِ) صُورَتُهُ بَاعَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَخَافَ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَأَخَذَ الثَّمَنَ رَهْنًا فَهَذَا الرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ شُرِعَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ إلَّا فِي الْوَاجِبِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَهِيَ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُهُمَا كَالْتِزَامِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ فَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَمَا مَرَّ وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالرَّهْنِ وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالرَّهْنَ مَالٌ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ بِالْأَحْكَامِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ جَازَ الرَّهْنُ بِهِ فَيُضْمَنُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ قِيلَ الْأَعْيَانُ ثَلَاثَةٌ عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ وَعَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَعَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ مَضْمُونَةٌ بِغَيْرِهَا هُوَ سُقُوطُ الثَّمَنِ فَصَارَ هَذَا لِلتَّسْمِيَةِ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِالْغَيْرِ. (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالْكَفَالَةِ) بِالنَّفْسِ أَيْ لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْكَفِيلِ شَيْئًا عِنْدَ الْمَكْفُولِ لَهُ لِيُسَلِّمَ نَفْسَ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ مِنْ الرَّهْنِ مُتَعَذِّرٌ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ تَكَفَّلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ ثُمَّ إنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَعْطَى الْكِفْلَ رَهْنًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا بِذَلِكَ جَازَ الرَّهْنُ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ رَهْنًا إلَى سَنَةٍ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ قَالَ لِلطَّالِبِ فِي الْكَفَالَةِ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ. (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا) عِنْدَ وَلِيِّ الْقِصَاصِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأً لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ. (وَلَا بِالشُّفْعَةِ) أَيْ لَا يَجُوزُ.

رَهْنُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّفِيعِ لِيُسَلِّمَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَبِيعِ مِنْ الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ. (وَلَا) يَجُوزُ (بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ أَوْ الْمُغَنِّيَةِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلَةٌ شَرْعًا فَالرَّهْنُ أَيْضًا بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ غَيْرِ جَائِزٍ أَصْلًا. (وَلَا) يَجُوزُ رَهْنُ الْمَوْلَى شَيْئًا (بِالْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ) الْعَبْدِ (الْمَدْيُونِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الطَّلَبِ يَهْلِكُ بِلَا شَيْءٍ إذْ لَا حُكْمَ لِلْبَاطِلِ فَيَبْقَى الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ. (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ رَهْنُ الْخَمْرِ وَلَا ارْتِهَانُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ إذَا كَانَ رَاهِنًا وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ إذَا كَانَ مُرْتَهِنًا وَكَذَا الْحَالُ فِي الْخِنْزِيرِ (وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ (مُرْتَهِنُهَا) أَيْ مُرْتَهِنُ الْخَمْرِ. (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ذِمِّيًّا) أَيْ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (وَيَضْمَنُهَا هُوَ) أَيْ الْمُسْلِمُ لَوْ ارْتَهَنَهَا (مِنْ ذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمٌ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ فَتَصِيرُ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ. (وَيَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِالدَّيْنِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَوْعُودًا بِأَنْ رَهَنَ) شَيْئًا مِنْ شَخْصٍ (لِيُقْرِضَهُ كَذَا) مِنْ الْمَالِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ (فَلَوْ هَلَكَ) هَذَا الرَّهْنُ (فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ (دَفْعُ مَا وَعَدَ) لِلرَّاهِنِ أَيْ إنْ رَهَنَ لِيُقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ أَلْفًا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ الْمَوْعُودِ إلَى الرَّاهِنِ جَبْرًا لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ مَوْجُودًا حُكْمًا بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى إشَارَةِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَضْمَنُهُ (إنْ) كَانَ الدَّيْنُ (مِثْلُ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهَا أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَعَلَيْهِ قَدْرُ قِيمَتِهِ هَذَا إذَا سَمَّى قَدْرَ الدَّيْنِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ دِرْهَمٍ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ ذَكَرَ حُكْمَهُ فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الْقِيمَةِ وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِالْبَاقِي تَدَبَّرْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا الرَّهْنَ وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ فَأَخَذَ الرَّهْنَ وَلَمْ يُقْرِضْهُ حَتَّى ضَاعَ الرَّهْنُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْحَاصِلُ فِي الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ.

الْمَوْعُودِ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ إذَا سَمَّى شَيْئًا وَرَهَنَ بِهِ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى شَيْئًا اخْتَلَفَ فِيهِ الْإِمَامُ الثَّانِي وَمُحَمَّدٌ لَكِنْ قَدْ قَرَرْنَاهُ نَقْلًا عَنْ التَّنْوِيرِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ تَتَبَّعْ. (وَ) يَصِحُّ الرَّهْنُ (بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ اسْتِبْدَالٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ أَخْذٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَالِاسْتِيفَاءُ فِي الرَّهْنِ أَخْذُهُ مَعْنًى فَإِنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَبِالْمُسَلَّمِ فِيهِ) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَهُ وَعَنْ زُفَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةُ جَوَازِ الرَّهْنِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ بِالْفَاءِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَقَدْ اسْتَوْفَى) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا (حُكْمًا) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَيَتِمُّ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ. (وَإِنْ افْتَرَقَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (قَبْلَ النَّقْدِ) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ رَأْسِ الْمَالِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ (وَ) قَبْلَ (الْهَلَاكِ) أَيْ هَلَاكِ الرَّهْنِ (بَطَلَ الْعَقْدُ) فِيهِمَا لِعَدَمِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِحَقِّهِ إلَّا بِالْهَلَاكِ (وَالرَّهْنُ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ رَهْنٌ بِبَدَلِهِ إذَا فُسِخَ) أَيْ لَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْبِسَهُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَى الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ لِحَقِّهِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخِ وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ هَلَاكُ الرَّهْنِ (بَعْدَ الْفَسْخِ هَلَاكٌ بِالْأَصْلِ) أَيْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ. (وَيَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا أَيْ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَجِبُ تَسْلِيمُ عَيْنِهَا عِنْدَ قِيَامِهَا إذْ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَعِنْدَ هَلَاكِهَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا إنْ كَانَ لَهَا مِثْلٌ وَبِقِيمَتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ يُقَالُ لَهُ سَلِّمْ الْعَيْنَ وَخُذْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا وَإِذَا هَلَكَ الْعَيْنُ قَبْلَ هَلَاكِ.

الرَّهْنِ يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا صَحِيحًا بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ. (وَ) يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ ب (بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِعَدَمِ الدَّيْنِ) صُورَتُهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى الْإِنْكَارِ وَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا. (وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ لِدَيْنِهِ عَبْدَ طِفْلِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ وَهَذَا أَنَظَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. (وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ الْوَصِيُّ مِثْلُ الْأَبِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ وَالرَّهْنُ حِفْظُ مَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْعَبْدُ الرَّهْنُ (لَزِمَهُمَا) أَيْ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ (مِثْلُ مَا سَقَطَ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ (مِنْ دَيْنِهِمَا) أَيْ مِنْ دَيْنِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ أَمَانَةٌ وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى بَيْعِهِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ. (وَلَوْ رَهَنَهُ) أَيْ مَتَاعَ الصَّغِيرِ (الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (أَوْ مِنْ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (تَاجِرٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ صَحَّ) لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ فَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) أَيْ لَوْ ارْتَهَنَهُ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ أَوْ رَهَنَ عَيْنًا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا لَا يَتَوَلَّاهُمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ وَالرَّهْنِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ الْوَصِيِّ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ أَيْ أَبِ الْوَصِيِّ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا. (وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ أَوْ طَعَامِهِ وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعَهُ) أَيْ مَتَاعَ الْيَتِيمِ (صَحَّ) لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ وَالرَّهْنَ.

يَقَعُ إيفَاءً لِلْحَقِّ فَيَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ لِأَنَّ الْأَوْلَى لِلْوَصِيِّ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَا لَهُ وَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ (وَلَيْسَ لِلطِّفْلِ إذَا بَلَغَ نَقْضُ الرَّهْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ) لِوُقُوعِهِ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ فَقَضَاءُ الِابْنِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إحْيَاءِ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ الْأَبُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ. (وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا بِثَمَنِ عَبْدٍ فَظَهَرَ) الْعَبْدُ (حُرًّا أَوْ بِثَمَنِ خَلٍّ فَظَهَرَ) الْخَلُّ (خَمْرًا أَوْ بِثَمَنِ ذَكِيَّةٍ فَظَهَرَتْ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا وَهُوَ كَافٍ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ. (وَجَازَ رَهْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَكَانَ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا فَهَلَاكُهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ) لِأَنَّهَا سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ (وَعِنْدَهُمَا هَلَاكُهَا بِقِيمَتِهَا إنْ خَالَفَتْ وَزْنَهَا فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَيَجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَ الْهَالِكِ) قَالُوا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارًا بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ أَيْ يَكُونُ هَلَاكُهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا ضَمِنَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَكُونُ دَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الِاسْتِيفَاءِ بِالْوَزْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَا إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ لِيَنْتَقِضَ الْقَبْضَ وَيُجْعَلُ مَكَانَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجِعْهُمَا. (وَمَنْ شَرَى) شَيْئًا (عَلَى أَنْ يُعْطَى بِالثَّمَنِ رَهْنًا بِعَيْنِهِ أَوْ كَفِيلًا بِعَيْنِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ إذْ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ لِلِاسْتِيثَاقِ وَهُوَ يُلَائِمُ الْوُجُوبَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَوْ الْكَفِيلُ غَائِبًا يَفُوتُ مَعْنَى الِاسْتِيثَاقِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَرْهَنُ شَيْئًا حَقِيرًا أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا فَقِيرًا لَا يُعَدُّ مِنْ الِاسْتِيثَاقِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ فَيُفْسِدُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا أَمَّا لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقْدِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًا جَازَ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُشْتَرِي (عَنْ إعْطَائِهِ) أَيْ إعْطَاءِ الرَّهْنِ (لَا يُجْبَرُ) الْمُشْتَرِي عَلَى إعْطَائِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَقَالَ زُفَرُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَلْزَمُ الرَّهْنُ بِلُزُومِهِ (وَ) يَثْبُتُ (لِلْبَائِعِ) الْخِيَارُ إنْ شَاءَ (فَسَخَ الْبَيْعَ) .

إنْ أَبَى عَنْ عَطَاءِ الرَّهْنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الرَّهْنَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِي الْعَقْدِ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ (إلَّا إنْ دَفَعَ) الْمُشْتَرِي (الثَّمَنَ حَالًا) فَحِينَئِذٍ لَا يَفْسَخُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِثْمَارُ فِي الْعُقُودِ (أَوْ) دَفْعِ (قِيمَةِ الرَّهْنِ رَهْنًا) لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ (وَمِنْ شَرَى شَيْئًا وَقَالَ) الْمُشْتَرِي (لِبَائِعِهِ أَمْسِكْ هَذَا) الثَّوْبَ مَثَلًا (حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَهُوَ) أَيْ الثَّوْبُ (رَهْنٌ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَدِيعَةٌ) لَا رَهْنٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ الرَّهْنَ وَالْإِيدَاعَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَأَدْوَنُ مِنْ الرَّهْنِ فَيُقْضَى بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك عَلَيَّ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنَبِّئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ فَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي أَلَّا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِكَذَا يَكُونُ بَيْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ هُوَ الْمُشْتَرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ زَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأَلْفِ (كَالْبَيْعِ) لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِيفَاءِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الَّذِي رَهَنَهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا ادَّعَى مَا سَمَّى لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ أَلَّا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَلَوْ رَهَنَ) رَجُلٌ (عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ) بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ (صَحَّ) الرَّهْنُ (وَكُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الْعَيْنِ (رَهْنٌ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّجُلَيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَا شُيُوعَ فِي الرَّهْنِ وَمُوجِبُهُ صَيْرُورَتُهُ مُحْتَسِبًا بِالدِّينِ وَهَذَا الْحَبْسُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَصَارَ مَحْبُوسًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (حِصَّةَ دَيْنِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.

فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ (فَإِنْ تَهَايَأَ) أَيْ الْمُرْتَهِنَانِ (فِي حِفْظِهَا) أَيْ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (فَكُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ) الَّذِي وُضِعَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ (فِي حَقِّ الْآخَرِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ وَجَبَ أَنْ يَحْبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الدَّافِعُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (فَإِنْ قَضَى) الرَّاهِنُ (دَيْنَ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمُرْتَهِنَيْنِ دُونَ الْآخَرِ (فَكُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الْعَيْنِ (رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا. (وَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ صَحَّ وَلَهُ) أَيْ لِلْوَاحِدِ (أَنْ يُمْسِكَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرُ الْمُشْتَرِيَيْنِ. (وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَنَّ هَذَا رَهَنَ) فِعْلٌ مَاضٍ (هَذَا الشَّيْءَ) مَفْعُولُ رَهَنَ (مِنْهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ الشَّيْءَ (وَبَرْهَنَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَيَا (بَطَلَ بُرْهَانُهُمَا) صُورَتُهَا رَجُلٌ فِي يَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِذِي الْيَدِ قَدْ رَهَنْتنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْته مِنْك وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُدَّعَاهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ إذْ لَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ لِذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا لِأَحَدِهِمَا بِكُلِّهِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ حُجَّتِهِ عَلَى حُجَّةِ الْآخَرِ وَلَا إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الشُّيُوعِ فَيَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ جِنْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مِثْلِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَبِهَذَا الْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى شَطْرِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا لَكِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ بِهِ لِقُوَّتِهِ وَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوَّلًا وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَحَقَّ. (وَلَوْ) كَانَ هَذَا (بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ) أَيْ لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُ وَقَبَضَهُ (قَبْلًا وَيُحْكَمُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ مَعَ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بَدَلٌ مِنْ الرَّهْنِ (رَهْنًا بِحَقِّهِ) أَيْ بِحَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ فِي الْحَيَاةِ وَلَيْسَ لِلشُّيُوعِ وَجْهٌ هُنَا بِخِلَافِ الْمَمَاتِ إذْ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا الِاسْتِيفَاءَ بِأَنْ يَبِيعَهُ فِي الدَّيْنِ شَاعَ أَوْ لَمْ يَشِعْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ هَذَا قِيَاسًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّصْفِ غَيْرُ

باب الرهن يوضع عند عدل

جَائِزٍ فِي الْحَيَاةِ لِلشُّيُوعِ وَكَذَا فِي الْمَمَاتِ لَهُ وَفِي التَّنْوِيرِ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا دَفَعَ ثَوْبَيْنِ فَقَالَ خُذْ أَيَّهمَا شِئْت رَهْنًا بِكَذَا فَأَخَذَهُمَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا. [بَاب الرَّهْن يُوضَع عِنْد عَدْل] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحْكَامَ الرَّاجِعَةَ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ لَمَّا أَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ أَبَدًا يَقْفُو حُكْمَ الْأَصْلِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هَهُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُعْتَبَرَاتِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ وَرَضِيَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَرِضَاهُمَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْكَافِي لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَحَسْبُ. (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ عَدْلٍ صَحَّ) وَضْعُهُمَا (وَيُتِمُّ) الرَّهْنُ (بِقَبْضِ الْعَدْلِ) هَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَمْلِكُهُ عِنْدَ الضَّمَانِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْعَدِمُ الْقَبْضُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قُلْنَا يَدُهُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ فَيَصِحُّ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الرَّهْنِ (مِنْهُ) مِنْ الْعَدْلِ (بِلَا رِضَى الْآخَرِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ حِفْظًا وَاسْتِيفَاءً فَلَا يُبْطِلُ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّ الْآخَرِ (وَيَضْمَنُ) الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ (بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُ مُودِعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودِعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودَعُ إذَا دَفَعَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ وَلِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَدْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ إلَى الرَّاهِنِ تَبْطُلُ الْيَدُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَذَلِكَ تَعَدٍّ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْعَدْلِ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَضْمُونَةُ. (فَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ أَوْ غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ الْعَدْلِ وَالْمُرْتَهِنِ (بِبَيْعِهِ) أَيْ بِبَيْعِ الرَّهْنِ (عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ) صَحَّ التَّوْكِيلُ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُهُ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ بِبَيْعِ مَالِهِ مُعَلَّقًا وَمُنْجَزًا فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِهِ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَبَاعَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ أَمْرَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَقْتَ الْأَمْرِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَقَالَا يَصِحُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الِامْتِثَالِ. (فَإِنْ شُرِطَتْ) الْوَكَالَةُ (فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَا يَنْعَزِلُ) الْوَكِيلُ (بِالْعَزْلِ) أَيْ عَزْلِ الرَّاهِنِ بِدُونِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْمَرْهُونِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَوْ وُكِّلَ بَعْدَ الرَّهْنِ انْعَزَلَ بِالْعَزْلِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ.

أَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ انْعَزَلَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَا) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ) بِمَوْتِ (الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَ عَزْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّ اللُّزُومَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْقَبْضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَزَوَالُهَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ زَوَالِهِ أَيْضًا تَدَبَّرْ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ (بِغَيْبَةِ وَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الرَّاهِنِ (وَتَبْطُلُ) الْوَكَالَةُ (بِمَوْتِ الْوَكِيلِ) فَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ رَأْيَهُ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْوَصِيِّ إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَجَزْت لَك مَا صَنَعْت فِيهِ مِنْ شَيْءٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِلُزُومِ الْوَكَالَةِ كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا. (وَلَوْ وَكَّلَهُ) أَيْ الْعَدْلُ (بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا مَلَكَ بَيْعَهُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فَلَوْ نَهَاهُ) أَيْ الْعَدْلُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَوْكِيلِهِ مُطْلَقًا (عَنْ بَيْعِهِ نَسِيئَةً لَا يُعْتَبَرُ نَهْيُهُ) لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوْ ارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَوْ بَطَلَ إنَّمَا كَانَ يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ حَيْثُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَتَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَا يَبِيعُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِلَا رِضَى الْآخَرِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالرَّهْنِ كَمَا بَيِّنَاهُ (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّاهِنُ) أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (غَائِبٌ) وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَبِيعَهُ (أُجْبِرَ) بِالِاتِّفَاقِ (الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِهِ) أَيْ الرَّهْنِ بِأَنْ يَحْسِبَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا فَإِنْ لَجَّ بَعْدَ الْحَبْسِ أَيَّامًا فَالْقَاضِي يَبِيعُ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ صَارَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ إيفَاءً لِحَقِّهِ بِخِلَافِ سَائِرِ أَمْوَالِ الْمَدْيُونِ وَقِيلَ لَا يَبِيعُ كَمَا لَا يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الرَّاهِنُ لَمْ يُجْبَرْ الْوَكِيلُ بَلْ أُجْبِرَ هُوَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ إجْبَارٌ بِحَقٍّ فَصَارَ كَلَا إجْبَارَ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ ذَلِكَ (كَمَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى الْخُصُومَةِ (عِنْدَ غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ) أَيْ إذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا بِخُصُومَتِهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَغَابَ الْمُوَكِّلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ.

عَلَى الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ خَلَّى سَبِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ وَكِيلَهُ يُخَاصِمُهُ فَلَا يُمْكِنُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْتَنِعَ كَمَا فِي الْكَافِي وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ بِخِلَافِهِ تَدَبَّرْ وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَالْخِلَافُ فِي إجْبَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ كَالْخِلَافِ فِي إجْبَارِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُجْبَرُ إذَا وَكَّلَهُ بِقَضَائِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ انْتَهَى. (وَكَذَا يُجْبَرُ) عَلَى بَيْعِهِ (لَوْ شَرَطَ) الْوَكَالَةَ (بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الْأَصَحِّ) وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ أَيْ يُجْبَرُ سَوَاءٌ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْعَدْلُ فَثَمَنُهُ) أَيْ ثَمَنُ الرَّهْنِ (قَائِمٌ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ الرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَقْبُوضًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا وَهُوَ الرَّهْنُ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ هَلَاكُ الثَّمَنِ أَوْ تَوِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي (كَهَلَاكِهِ) أَيْ الرَّهْنِ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِهِ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ بَلْ إلَى قِيمَةِ الثَّمَنِ خَصَّ الْعَدْلَ بِالذِّكْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ كَانَ الْحُكْمُ أَيْضًا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ (فَإِنْ أَوْفَاهُ) أَيْ الثَّمَنَ بَعْدَ بَيْعِ الْعَدْلِ الرَّهْنَ الْمُرْتَهَنَ فَاسْتَحَقَّ الرَّهْنَ (وَكَانَ هَالِكًا) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّاهِنَ) قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ بِالْأَخْذِ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ نَفْسِهِ (أَوْ) ضَمَّنَ الْمُسْتَحَقَّ (الْعَدْلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ (ثُمَّ الْعَدْلُ) عَلَى تَقْدِيرِ تَضْمِينِهِ (مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ الْبَيْعُ وَقَبْضُ الرَّهْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ بِشَيْءٍ بِدَيْنِهِ (أَوْ) ضَمِنَ (الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ) الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ لِظُهُورِ أَخْذِهِ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ (وَهُوَ) أَيْ الثَّمَنُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَدْلِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ (وَيُبْطِلَ الْقَبْضَ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا رَجَعَ بَطَلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ ضَرُورَةً. (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (أَخَذَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْمُسْتَحَقَّ) مِنْ مُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ) لِكَوْنِهِ عَاقِدًا فَحُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ (ثُمَّ) يَرْجِعُ (هُوَ) .

باب التصرف في الرهن وجنايته والجناية عليه

أَيْ الْعَدْلُ (عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْعُهْدَةِ بِتَوْكِيلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ (وَصَحَّ الْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ لِأَنَّ مَقْبُوضَهُ سُلِّمَ لَهُ (أَوْ) يَرْجِعُ الْعَدْلُ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إذْ بِانْتِقَاضِ الْعَقْدِ يَبْطُلُ الثَّمَنُ وَكَذَا يُنْتَقَضُ قَبْضُهُ بِالضَّرُورَةِ (ثُمَّ) يَرْجِعُ (الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ هَذَا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّوْكِيلِ أَمَّا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الرَّهْنِ لَا خِيَارَ لِلْعَدْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي الرَّهْنِ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ فَقَطْ) لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ (قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ) كَمَا إذَا بَاعَ الْعَدْلُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ وَضَمِنَ الْعَدْلُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. (وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَلِلْمُسْتَحَقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ) إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ (وَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا) بِدَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ. (وَ) إنْ شَاءَ (أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ أَيْضًا بِالْقَبْضِ (وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ. (وَ) يَرْجِعُ (بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ قِيلَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ يُقَالُ لَمَّا كَانَ رُجُوعُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ الْمِلْكُ بِالرُّجُوعِ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ. [بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَجِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ] ِ لَمَّا ذَكَرَ الرَّهْنَ وَأَحْكَامَهُ شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إذَا عَارَضَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ (بَيْعُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَافِذٌ كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِنْ تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي مِلْكِهِ كَالْوَصِيَّةِ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ جَازَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِجَازَةِ وَإِنْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِنَفَاذِ الْبَيْعِ مَوْجُودٌ وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ عَنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ (فَإِنْ أَجَازَ صَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ) . وَفِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَاءِ الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا.

هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ شَرَطَ أَنْ يُبَاعَ بِدَيْنِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَلَا وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا دَفَعَهُ إلَى الرَّاهِنِ فَقِيلَ لَا يَبْقَى الرَّهْنُ فَلَا يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْقَى رَهْنًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ لَكِنْ يَبْطُلُ ضَمَانُهُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَإِنْ لَمْ يُجِزْ) الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ (وَفَسَخَ لَا يَنْفَسِخُ فِي الْأَصَحِّ) إذْ ثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ لَهُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الضَّرُورَةِ إذْ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا وَيَنْفَسِخُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَفَكَّهُ الرَّاهِنُ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مَوْقُوفًا (فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ إلَى أَنْ يُفَكَّ الرَّهْنُ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ (أَوْ رَفَعَ) الْمُشْتَرِي (الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ) أَيْ يَفْسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ هُنَا وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ وَهَبَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ بِهِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَاَلَّذِي فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلَ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَصَحَّ عِتْقُ الرَّاهِنِ) مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (الرَّهْنَ) أَيْ الْعَبْدَ الرَّهْنَ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ. (وَ) كَذَا يَصِحُّ (تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ عَنْ الْأَهْلِ وَوَقَعَ فِي الْمَحِلِّ فَخَرَجُوا مِنْ الرَّهِينَةِ لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالْبَيْعُ مُفْتَقِرٌ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ (فَإِنْ كَانَ) الرَّاهِنُ (مُوسِرًا طُولِبَ بِدَيْنِهِ إنْ) كَانَ (حَالًّا) لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَأُخِذَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ) أَيْ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ قِيمَةَ الْعَبْدِ (فَجُعِلَتْ) أَيْ الْقِيمَةُ (رَهْنًا مَكَانَهُ لَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا) حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ لِأَنَّ السَّبَبَ الضَّمَانُ مُتَحَقِّقٌ وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ رَهْنًا فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ كَانَ) الرَّاهِنُ (مُعْسِرًا سَعَى) الْعَبْدُ (الْمُعْتَقُ فِي الْأَقَلِّ

مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) . أَيْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ سَعَى الْعَبْدُ فِي الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ سَعَى فِي الدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الرَّاهِنِ الْفَقِيرِ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُنْتَفِعِ بِالْعِتْقِ وَهُوَ الْعَبْدُ بِمِقْدَارِ مَالِيَّتِهِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِهَا (وَرَجَعَ) الْعَبْدُ (بِهِ) أَيْ بِمَا سَعَى (عَلَى سَيِّدِهِ) إذَا أَيْسَرَ لِأَنَّهُ قَضَاهُ بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ وَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي إعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَلِتَكْمِيلِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يَنْفُذُ إنْ كَانَ مُوسِرًا لِإِمْكَانِهِ تَضْمِينَهُ وَلَا يَنْفُذُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا. (وَ) سَعْيُ (الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ) فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (فِي كُلِّ الدَّيْنِ بِلَا رُجُوعٍ) لِأَنَّ كَسْبَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَيَسْعَيَانِ فِي كُلِّ دَيْنِهِ بِلَا رُجُوعٍ (وَإِتْلَافُهُ) أَيْ إتْلَافُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ (كَإِعْتَاقِهِ مُوسِرًا) أَيْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أُخِذَ مِنْهُ كُلُّ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَ قِيمَتَهُ لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى زَمَانِ حُلُولِ الْأَجَلِ. (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (أَجْنَبِيٌّ) أَيْ غَيْرُ الرَّاهِنِ (ضَمَّنَهُ) أَيْ الْمُتْلِفَ (الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ) أَيْ الرَّهْنِ يَوْمَ هَلَكَ (فَكَانَتْ) الْقِيمَةُ (رَهْنًا مَكَانَهُ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا الْمُسْتَهْلَكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الِارْتِهَانِ أَلْفًا غُرِّمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ يَوْمَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ الِاسْتِيفَاءَ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ حُكْمُهُ وَيُؤَجَّلُ الدَّيْنُ وَالْمَضْمُونُ مِنْ جِنْسِهِ حَقُّهُ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ دَيْنَهُ وَرَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ بِالْفَضْلِ وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ سِوَى مَا ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ وَكَيْفَ يَكُونُ مَا انْتَقَضَ بِهِ كَالْهَالِكِ حَتَّى يَسْقُطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ لَمْ يَنْتَقِضُ إلَّا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنَّ الْإِشْكَالَ يَضْمَحِلُّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبْضُ.

اسْتِيفَاءٍ فَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ثُمَّ انْتَقَصَتْ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ سَقَطَ عَنْ الدَّيْنِ لَا مَحَالَةَ مِقْدَارُ تَمَامِ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهُ بِإِتْلَافِهِ خَمْسَمِائَةٍ مِنْهُ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَلْفًا تَامًّا وَلَا تَأْثِيرَ فِي سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ أَصْلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَدَبَّرْ. (وَلَوْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ) أَيْ فَعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ بِالْعَارِيَّةِ وَإِلَّا فَالْعَارِيَّةُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (مَنْ رَاهَنَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ) لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ وَقَدْ انْتَقَضَ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهِ فَارْتَفَعَ الضَّمَانُ لِارْتِفَاعِ الْمُقْتَضِي لَهُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بِإِذْنِهِ (وَبِرُجُوعِهِ) أَيْ بِرُجُوعِ الرَّهْنِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ (يَعُودُ ضَمَانُهُ) حَتَّى يَذْهَبَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لِعَوْدِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (الرُّجُوعُ) مِنْ الْإِعَارَةِ (مَتَى شَاءَ) لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. (وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (بِإِذْنِ الْآخَرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ أَيْضًا) لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ وَقَدْ انْتَقَضَ (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (هَلَكَ مَجَّانًا) لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَرُدَّهُ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ (رَهْنًا) كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الرَّهْنِيَّةِ بِالْإِعَارَةِ وَلِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقًّا مُحْتَرَمًا فِي الرَّهْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ رَدِّهِ) أَيْ قَبْلَ رَدِّ الْمُسْتَعِيرِ الرَّهْنَ أَيْ الْمُرْتَهَنَ (فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ (مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ بَاقٍ فِيهِ إذْ يَدُ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَكَوْنُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَرْهُونٍ فَإِنَّ وَلَدَ الْمَرْهُونِ مَرْهُونٌ وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (وَلَوْ اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ رَاهِنِهِ) لِلْعَمَلِ (أَوْ اسْتِعْمَالِهِ بِإِذْنِهِ فَهَلَكَ حَالَ اسْتِعْمَالِهِ سَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُرْتَهِنِ لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ. (وَإِنْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ (أَوْ) هَلَكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ (فَلَا) يَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالْيَدِ وَالضَّمَانِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ تُرْفَعُ بِالْفَرَاغِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الرَّهْنِ.

وَصَحَّ اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ لِيَرْهَنَهُ) ذَلِكَ الشَّيْءَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ زَوَالًا لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ (رَهَنَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (بِمَا شَاءَ) مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (عِنْدَ مَنْ شَاءَ) عَمَلًا لِلْإِطْلَاقِ (وَإِنْ قَيَّدَ) الْمُعِيرُ مَا أَعَارَهُ لِلرَّهْنِ (بِقَدْرٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَوْ بَلَدٍ تَقَيَّدَ بِهِ) فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ إذْ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ إفَادَةِ شَيْءٍ مِنْ التَّيَسُّرِ وَالْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَتَهُ فَقَالَ (فَإِنْ خَالَفَ) مَا قَيَّدَهُ بِهِ الْمُعِيرُ فَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا (فَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ) قِيمَتَهُ (وَيَتِمُّ الرَّهْنُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالرَّاهِنِ (وَبَيْنَ مُرْتَهِنِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (أَوْ) (الْمُرْتَهِنُ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَهُ وَبِدَيْنِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِمَا مَرَّ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. (وَإِنْ وَافَقَ) الْمُسْتَعِيرُ فِي ارْتِهَانِهِ بَعْدَمَا عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ (وَهَلَكَ عِنْدَ مُرْتَهِنِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ) إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ) صَارَ مُسْتَوْفِيًا (قَدْرَ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَوْ) كَانَتْ قِيمَتُهُ (أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَطَالَبَ رَاهِنَهُ بِبَاقِيهِ) أَيْ بِبَاقِي الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ. (وَوَجَبَ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِثْلُ الدَّيْنِ) لَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَالدِّينِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ كُلَّهُ (أَوْ قَدْرَ الْقِيمَةِ) لَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا قَدْرَ قِيمَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ دَيْنِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا. (وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ) عَنْ الرَّهْنِ (لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ قَدْ اُسْتُعْمِلَ مِنْ قَبْلُ) بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ بِالرُّكُوبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَوْ أَرَادَ الْمُعِيرُ افْتِكَاكَ الرَّهْنِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ ذَلِكَ) وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ بَلْ يَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ كَقَضَاءِ الرَّاهِنِ فِي اسْتِخْلَاصِ مِلْكِهِ (وَيَرْجِعُ) الْمُعِيرُ (بِمَا أَدَّى عَلَى الرَّاهِنِ) .

لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي اسْتِخْلَاصِ مَالِهِ (وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ هَلَكَ فِي يَدَيْ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الْفِكَاكِ وَادَّعَى الْمُعِيرُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالرَّهْنِ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَ الضَّمَانِ بِالِافْتِكَاكِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْغَاصِبِ يَدَّعِي رَدَّ الْمَغْصُوبِ قُلْنَا الرَّهْنُ وَإِنْ كَانَ إثْبَاتَ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَكِنَّ حَقِيقَةَ الْإِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْهَلَاكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدَ الْإِيفَاءَ حَقِيقَةً وَالضَّمَانُ يَنْشَأُ مِنْهُ وَكَانَ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ. (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَلِلْمُعِيرِ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْلَهُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ. (وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَكَذَا الْوَرَثَةُ إذَا أَتْلَفُوا الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهِ عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ. (وَكَذَا جِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ) مَضْمُونَةٌ (فَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) أَيْ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ مِلْكُ الْمَالِكِ وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ قَدْرُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يُضَمِّنُ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ. (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ بِأَنْ كَانَتْ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَعَلَى مَا لَهُمَا هَدَرٌ) أَيْ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمُرْتَهِنِ) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ وَأَمَّا الْخِلَافِيَّةُ فَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ لَهُ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ وَجِنَايَةٌ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا تُعْتَبَرُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ بِهَا الْعَبْدُ مَعَ أَنَّ التَّمَلُّكَ فَائِدَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ.

الْوَدِيعَةُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِيهِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَالْمَضْمُونِ وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ حَقِيقَةً مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً) بِأَنْ انْتَقَصَ سِعْرُهُ (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (رَجُلٌ) خَطَأً (وَغَرِمَ مِائَةً وَحَلَّ الْأَجَلُ يَقْبِضُ الْمُرْتَهِنُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ) وَسَقَطَ بَاقِيهِ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى رَاهِنِهِ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ عِنْدَنَا لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأَمَّا نُقْصَانُ الْعَيْنِ فَيَتَقَرَّرُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ فِي انْتِقَاصِهَا لَا فِي انْتِقَاصِ الْمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةِ السِّعْرِ وَلَمَّا كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا وَيَدُ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا الْكُلَّ مِنْ الِابْتِدَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ. (وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا وَكَانَ رَهْنًا بِأَلْفٍ (بِالْمِائَةِ بِأَمْرِ رَاهِنِهِ) قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً لِحَقِّهِ، وَ (رَجَعَ) الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ قَبْضِ الْمِائَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ (بِالْبَاقِي) أَيْ بِبَاقِي الدَّيْنِ هُوَ تِسْعُمِائَةٍ. وَفِي الْكَافِي وَأَمَّا الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ سِعْرَهُ تَرَاجَعَ إلَى مِائَةٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَصَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِصْ فَصَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَالَ بِعْ بِمَا شِئْت وَإِذَا صَحَّ الْبَيْعُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ وَكِيلَ الرَّاهِنِ بِمَا بَاعَهُ بِإِذْنِهِ وَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى كَذَا هَذَا (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الرَّهْنَ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا قَبْلَ نُزُولِ السِّعْرِ إلَى مِائَةٍ أَوْ بَعْدَ النُّزُولِ (عَبْدٌ) هُوَ (يَعْدِلُ مِائَةً فَدُفِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِهِ) أَيْ دُفِعَ الْعَبْدُ الْجَانِي مَقَامَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِسَبَبِ قَتْلِهِ (افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِكُلِّ الدَّيْنِ) وَهُوَ الْأَلْفُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ إذَا الْعَبْدُ الثَّانِي قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ دَمٌ وَلَحْمٌ فَكَأَنَّهُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ إلَى مِائَةٍ فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فَكَذَلِكَ هُنَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) هُوَ بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ (إلَى الْمُرْتَهِنِ) بِدَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. (وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّهُ تَغَرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَأَوْجَبَ التَّخْيِيرَ. وَقَالَ زُفَرُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعَشَرَةِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ. (وَإِنْ جَنَى) الْعَبْدُ (الرَّهْنُ خَطَأً فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْعَبْدُ كُلُّهُ فِي ضَمَانِهِ وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْفِدَاءِ يَبْقَى الدَّيْنُ وَالْعَبْدُ رَهْنًا فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْقَتْلِ إذْ الدَّفْعُ لِلْمَالِكِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُرْتَهِنُ.

فصل مسائل متفرقة في الرهن

عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَضْمُونٌ وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيدُ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْفِدَاءِ (دَفَعَهُ الرَّهْنَ) إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (أَوْ فَدَاهُ) أَيْ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ افْعَلْ وَاحِدًا مِنْ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ إنْ شَاءَ يَدْفَعُهُ وَإِنْ شَاءَ يَفْدِي عَنْهُ (وَسَقَطَ الدَّيْنُ) تَامًّا بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْ مُسَاوِيًا وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَسْقُطُ الْبَاقِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدْنَاهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ وَفِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ إذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا فَقَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ فَلَا ضَمَان عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَلْ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَ الْعَبْدَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فَلْيُطَالِعْهُمَا وَفِي الْمِنَحِ لَوْ رَهَنَ حَيَوَانًا مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَجَنَى الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ كَانَ هَدَرًا وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَلَّ الْأَرْشُ أَوْ كَثُرَ لَا تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ وَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَنْهُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا رَهْنًا بِأَلْفٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَا دَفْعَ وَلَا فِدَاءَ وَيَبْقَى الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً فَجِنَايَةُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعَبْدِ هَدَرٌ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الدَّابَّةِ مُعْتَبَرَةٌ حَسْبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ. (وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ) أَيْ الْوَصِيُّ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ وَقَدْ تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ لَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرَيْنِ أَنْ يَرُدُّوهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ. [فَصَلِّ مَسَائِل مُتَفَرِّقَة فِي الرَّهْن] فَصَلِّ هَذَا الْفَصْلُ كَالْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ (رَهَنَ) رَجُلٌ (عَصِيرًا) أَيْ عَصِيرَ عِنَبٍ عِنْدَ رَجُلٍ (قِيمَتُهُ عَشَرَةُ) دَرَاهِمَ (بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ

فَتَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَيْ صَارَ خَمْرًا (ثُمَّ تَخَلَّلَ) أَيْ صَارَ خَلًّا (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ (يُسَاوِيهَا) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَصِيرُ الْمَذْكُورُ الَّذِي صَارَ خَلًّا بَعْدَ أَنْ صَارَ خَمْرًا (رُهِنَ بِهَا) أَيْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ مَا صَلُحَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ صَلُحَ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا وَالْخَمْرُ لَا يَصْلُحُ مَحِلًّا لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ وَيَصْلُحُ لِبَقَائِهِ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَقِيَ الْبَيْعُ إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ فَإِذَا صَارَ خَلًّا فَقَدْ زَالَ الْعَرَضُ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ فَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. (وَإِنْ رَهَنْت شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِهِ) أَيْ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا بَقِيَ بَعْضُ الْمَحِلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَعُودُ الْبَيْعُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى خَلًّا بِدِرْهَمٍ أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا مَذْبُوحَةٌ بِدِرْهَمٍ رَهَنَ بِهِ شَيْئًا هَلَكَ الرَّهْنُ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَلَّ خَمْرٌ وَالشَّاةُ مَيْتَةٌ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِخِلَافِ مَاذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً أَوْ حُرًّا وَرَهَنَ بِالثَّمَنِ شَيْئًا وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ انْتَقَصَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ النُّقْصَانِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَوْ رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ بِعَشَرَةٍ فَأَفْسَدَهُ السُّوسُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ وَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْ الْفَرْوِ مَرْهُونٌ بِرُبْعِ الدَّيْنِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْفَرْوِ رُبْعُهُ فَيَبْقَى مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا رُبْعُهُ. (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ كَوَلَدِهِ وَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ وَثَمَرِهِ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ فَلَا يَدْخُلُ الْكَسْبُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ فِي الْحَالِ (وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ (فَإِنْ هَلَكَ) النَّمَاءُ (هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ) لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا. (وَإِنْ بَقِيَ) النَّمَاءُ (وَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ) الرَّاهِنُ (بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ (فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا (وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّ بِهِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَتُهَا

عَشَرَةٌ يَوْمَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ يَوْمَ الْفَكِّ فَصَارَتْ قِيمَتُهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَةَ وَالدَّيْنُ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَثْلَاثًا يُصِيبُ ثُلُثَا الدَّيْنِ لِلْأُمِّ وَهُوَ سِتَّةٌ فَتَسْقُطُ وَيُصِيبُ ثُلُثَهُ لِلْوَلَدِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ قِيمَتَهُمَا أَثْلَاثٌ فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ أَنْ يَدْفَعَ الثُّلُثَ ثُمَّ يَأْخُذَ الْوَلَدَ. وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ فَأَكَلَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ وَعَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَهَنَ جَارِيَةً فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّا الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ شَاةً فَشَرِبَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. (وَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ) مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ثُمَّ زَادَ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ (وَلَا تَصِحُّ) الزِّيَادَةُ (فِي الدَّيْنِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ أَقْرِضْنِي خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الَّذِي عِنْدَك رَهْنًا بِأَلْفٍ (فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهَا) أَيْ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تَرْكُ الِاسْتِيثَاقِ وَهُوَ يَكُونُ مُنَافِيًا لِعَقْدِ الرَّهْنِ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ الْحَادِثِ بَلْ يَصِيرُ كُلُّ الرَّهْنِ بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ السَّابِقِ فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ الثَّانِي بِلَا رَهْنٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الرَّهْنِ الدَّيْنَانِ قِيَاسًا عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنُ كَالثَّمَنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الدَّيْنِ لِعَدَمِ جَوَازِهَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ أَنْ لَا يَكُونَ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ كَمَا أَنَّهُ رَهْنٌ بِأَصْلِ الدَّيْنِ وَأَمَّا نَفْسُ زِيَادَةِ الدَّيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ إجْمَاعًا. (وَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ مَكَانَهُ عَبْدًا يَعْدِلُهَا) أَيْ الْأَلْفَ (فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ) فَمَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَالْعَبْدُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ كَمَا كَانَ (حَتَّى يَرُدَّ) الْمُرْتَهِنُ (إلَى رَاهِنِهِ وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي) الْعَبْدِ (الثَّانِي حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ بِرَدِّ الْأَوَّلِ) عَلَى الرَّاهِنِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الثَّانِي مَضْمُونًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنُ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ

تَجْدِيدُ الْقَبْضِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ إنْسَانٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّاهِنُ بِجَارِيَةٍ وَقَالَ خُذْهَا مَكَانَ الْعَبْدِ يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ انْتَهَى يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ الثَّانِيَ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا رَدَّ الْأَوَّلَ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ لَمْ يَرُدَّ. (وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ الدَّيْنَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ (فَهَلَكَ الرَّهْنُ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ) اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَقَعَ مَضْمُونًا فَيَبْقَى الضَّمَانُ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ وَبِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَبْقَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الدَّيْنُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَزُولُ بِزَوَالِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلَوْ بَقِيَ الدَّيْنُ وَكَذَا إذَا أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الدَّيْنِ وَإِنْ بَقِيَ الْقَبْضُ فَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مَنْعًا ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَنْعِ لَمْ يَبْقَ فَصَارَ فِيمَا يَمْنَعُ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَكَذَا لَوْ ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِالصَّدَاقِ وَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبْته أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى صَدَاقِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ. (وَلَوْ قَبَضَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) كَالْمُتَطَوِّعِ (أَوْ شَرَى بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (عَيْنًا) مِنْهُ (أَوْ صَالَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدَّيْنِ (عَلَى شَيْءٍ أَوْ احْتَالَ بِهِ) أَيْ أَحَالَ الرَّاهِنُ مُرْتَهِنَهُ بِدَيْنِهِ (عَلَى آخَرَ ثُمَّ هَلَكَ) الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (قَبْلَ رَدِّهِ) أَيْ إلَى الرَّاهِنِ (هَلَكَ بِالدِّينِ) لِأَنَّ نَفْسَ الدَّيْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَنَحْوِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَنْفُسِهَا لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَعَذَّرُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَا يُعْقِبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ فَيَقْضِي إلَى الدُّورِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَقَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي لِئَلَّا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ (وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ إلَى مَنْ قَبَضَ مِنْهُ) هَذَا فِي صُورَةِ إيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُتَطَوِّعِ أَوْ الشِّرَاعِ أَوْ الصُّلْحِ. (وَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ) وَيَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ إذْ بِالْحَوَالَةِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَلَكِنَّ ذِمَّةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَلِذَا يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا. (وَكَذَا) أَيْ كَمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَهْلِكُ بِهِ أَيْضًا (لَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ ثُمَّ هَلَكَ) الرَّهْنُ (هَلَكَ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْجُودِ وَقَدْ بَقِيَتْ الْجِهَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يُسْقِطُ الدَّيْنَ أَصْلًا وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بَلْ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ.

كتاب الجنايات

وَفِي الْكَافِي إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي بِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا فَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّ هُنَاكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ فَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا. وَفِي التَّنْوِيرِ كُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَلِلْقَابِلِ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ. [كِتَاب الْجِنَايَات] أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ الْأَنْفُسِ وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قُدِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ قُدِّمَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ انْتَهَى وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَيُبْحَثُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الرَّهْنِ وَحَظْرِ الْجِنَايَةِ وَيَكْفِي هُنَا هَذَا الْقَدْرُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ أَيْ يَكْسِبَهُ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً ثُمَّ خُصَّ فِي الْعُرْفِ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِمَا حُرِّمَ فِعْلُهُ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ الْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَأَنْوَاعُهُ خَمْسَةٌ عَمْدٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَخَطَأٌ وَجَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَالثَّانِي يُسَمَّى جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَشُرِعَ الْقِصَاصُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَيَاةِ شَرْعًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْعَرَبِ الْقَتْلُ أَنَفَى لِلْقَتْلِ بَلَاغَةٌ وَفَصَاحَةٌ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْبَيَانِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ فَقَالَ (الْقَتْلُ إمَّا عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ قَتْلِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ) أَيْ ضَرْبَ الْقَاتِلِ الْمُكَلَّفِ مَا يَحْرُمُ ضَرْبُهُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ (بِمَا.

يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ مِنْ سِلَاحٍ) أُعِدَّ لِلْحَرْبِ (أَوْ مُحَدَّدٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ لِيطَةٍ أَوْ حُرْقَةٍ بِنَارٍ) أَقُولُ إنَّمَا شَرَطَ فِي الْآلَةِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآلَاتِ فَأُقِيمَ الدَّلِيلُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ (بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا) حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ خَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَقَوْلُهُ أَوْ لِيطَةٍ بِكَسْرِ اللَّامِ قِشْرُ الْقَصَبِ وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ لِأَنَّ النَّارَ مِنْ الْمُفَرِّقَاتِ لِلْأَجْزَاءِ كَمَا فِي الْإِتْقَانِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ حَتَّى أَنَّهَا أَيْ النَّارَ إذَا وُضِعَتْ فِي الْمَذْبَحِ فَقَطَعَتْ مَا يَجِبُ قَطْعُهُ فِي الذَّكَاةِ وَسَالَ بِهَا الدَّمُ حَلَّ وَإِنْ انْجَمَدَ وَلَمْ يَسِلْ الدَّمُ لَا يَحِلُّ انْتَهَى. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَتْهُ الْحَدِيدَةُ قُتِلَ بِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَعِنْدَهُمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَوْ عُودًا أَوْ حَجَرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْجُرْحُ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ الْجُرْحُ وَكَذَا سَنَجَاتُ الْمِيزَانِ مِنْ الْحَدِيدِ. وَقَالَ رَجُلٌ أَحْمَى تَنُّورًا وَرَمَى فِيهِ إنْسَانًا أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَثْبُتُ عَادَةً كَالسِّلَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ النَّارَ كَالسِّلَاحِ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ تَوَقَّدَتْ النَّارُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَانْقَطَعَ بِهَا الْعُرُوقُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ النَّارَ تَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَلَ الذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ النَّارَ فِي الْمَذْبَحِ فَاحْتَرَقَ الْعُرُوقُ يُؤْكَلُ انْتَهَى وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكِفَايَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَالَ بِهَا الدَّمُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (وَمُوجِبُهُ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ (الْإِثْمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] وَفِي الْحَدِيثِ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالْقِصَاصُ عَيْنًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْقِصَاصِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَتَعَيَّنُ الْقِصَاصُ بَلْ الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا يُودَى» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا تَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّهُ نَسْخٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] لِيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ إلَّا أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا (إلَّا أَنْ يُعْفَى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) لِأَنَّهَا فِيمَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْقَتْلُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَلِيقُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ سَاتِرَةً لَهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا وَلِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ مِنْهَا قَتْلُ النَّفْسِ بِعَمْدٍ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْخَطَأِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ. (وَأَمَّا شِبْهُ عَمْدٍ وَهُوَ ضَرْبُهُ) أَيْ الْقَاتِلِ (قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) فِي الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَالشَّجَرِ مُطْلَقًا وَالْحَجَرِ أَيْضًا إنْ كَانَا غَيْرَ مُحَدَّدَيْنِ وَالسَّوْطِ وَالْيَدِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِغَيْرِهِ فِي الثَّقِيلِ الْعَظِيمِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عِنْدَ الْغَيْرِ ضَرْبُ الْقَاتِلِ بِآلَةٍ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهَا غَالِبًا كَالْعَصَا وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ وَالسَّوْطِ وَالْيَدِ (وَمُوجَبُهُ) أَيْ شِبْهَ الْعَمْدِ (الْإِثْمُ) لِقَصْدِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَّعَى عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالذِّمِّيِّ وَالدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِ قُلْنَا إنَّ مُوجَبَهَا فِي الْمُؤْمِنِ ثَبَتَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ وَفِي الذِّمِّيِّ بِدَلَالَتِهِ لِتَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ دَلِيلٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى خُلُودِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ فِي النَّارِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ أَوْ يُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُكْثِ أَوْ يُرَادُ بِهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ (وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) النَّاصِرَةِ لِلْقَاتِلِ أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» الْحَدِيثَ وَأَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَتَحَقَّقُ التَّخْفِيفُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ (لَا الْقَوَدُ) عَطْفٌ عَلَى الدِّيَةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ لِشُبْهَةٍ بِالْخَطَأِ (وَهُوَ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ (فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) مِنْ الْأَطْرَافِ (عَمْدٌ) بِاعْتِبَارِ الضَّرْبِ وَالْإِتْلَافِ جَمِيعًا يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ.

الْمُمَاثَلَةُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ الْعَمْدِ كَمَا كَانَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ عَمَّةَ الرَّبِيعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ نَضْرٍ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ عَمَّةِ الرَّبِيعِ وَاَلَّذِي بَعَثَك نَبِيًّا بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَنْسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا وَطَلَبُوا الْأَرْشَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبْته بِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ وَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَأَمَّا خَطَأٌ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا عَمْدٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (وَهُوَ) أَيْ الْخَطَأُ قِسْمَانِ أَمَّا الْخَطَأُ (فِي الْقَصْدِ بِأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا) فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ (أَوْ) يَرْمِي بِظَنِّهِ (حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ مَعْصُومُ) الدَّمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْآدَمِيَّ صَيْدًا وَالْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ فِي الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا) فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْفِعْلِ لَا الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا لِاخْتِلَافِ الْمَحِلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ مَوْضِعٍ فِي جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحِلٌّ وَاحِدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ وَأَبَانَهُ فَهُوَ خَطَأٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَبَانَ رَأْسُهُ فَهُوَ عَمْدٌ. وَفِي الْمِنَحِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخَطَأُ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ وَقَدْ يَكُونُ فِي ظَنِّ الْفَاعِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَحْوُ أَنْ يَقْصِدَ صَيْدًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا وَأَنْ يَقْصِدَ رَجُلًا فَيُصِيبُ غَيْرَهُ وَإِنْ قَصَدَ عُضْوًا مِنْ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُضْوًا آخَرَ مِنْهُ فَهَذَا عَمْدٌ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَنَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ انْتَهَى (وَأَمَّا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلٌ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ (وَمُوجَبُهُمَا) أَيْ الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ (الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَصَارَ إجْمَاعًا. (وَأَمَّا قَتْلٌ

باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه

بِسَبَبٍ) أَيْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَتْلِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ (نَحْوُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا أَوْ يَضَعَ حَجَرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِلَا إذْنِ) مَنْ لَهُ الْإِذْنُ وَهُوَ قَيْدٌ لِلْمُتَعَاطِفِينَ (فَيَهْلِكُ بِهِ إنْسَانٌ) نَبَّهَ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ إذَا مَشَى الْهَالِكُ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى الْحَافِرِ شَيْءٌ (وَمُوجِبُهُ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ (الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فَجُعِلَ كَالْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ لَا فِي الْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَلِهَذَا قَالَ (لَا) تَجِبُ (الْكَفَّارَةُ) فِيهِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِيهِ ذَنْبُ الْحَفْرِ وَالْوَضْعُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ دُونَ ذَنْبِ الْقَتْلِ قَالُوا وَلَا إثْمَ فِيهِ مَعْنَاهُ لَا إثْمَ فِيهِ إثْمُ الْقَتْلِ دُونَ إثْمِ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ (وَكُلُّهَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ كَالْعَمْدِ وَشِبْهِهِ وَالْخَطَأِ (تُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي الْأَحْكَامِ. [بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ] ُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَقْسَامِ الْقَتْلِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَهُوَ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ احْتَاجَ إلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلٍ مِنْ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ) قَوْلُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَقُّنَا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَكُونُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَوْلُهُ (عَمْدًا) قَيْدٌ لِلْقَتْلِ أَيْ قَتْلَ عَمْدٍ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِبَيَانِ النَّوْعِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْقَتْلِ غَيْرِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ (فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ) لِكَمَالِ الْمُمَاثَلَةِ (وَ) يُقْتَلُ (بِالْعَبْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلِأَنَّ الْقَوَدَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ إمَّا فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الدَّارِ وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ مَعَ أَنَّ اللَّامَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَمْلَ اللَّامِ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] عَلَى الْعَهْدِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي سَبَبِ النُّزُولِ يَحْسِمُ مَادَّةَ.

الِاسْتِدْلَالِ بِهَا رَأْسًا لِأَنَّ مَبْنَى اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى حَمْلِ اللَّامِ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) لِعُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَإِنَّمَا أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ الْحَرْبِيُّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَلَا يُقْتَلَانِ) أَيْ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ (بِمُسْتَأْمَنٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ (بَلْ) يُقْتَلُ (الْمُسْتَأْمَنُ بِمِثْلِهِ) لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ لَا يُقْتَلُ لِقِيَامِ مُبِيحِ الْقَتْلِ فِيهِ. وَفِي الْمِنَحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَضْبُوطَةٍ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ مُلَّا خُسْرو فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الْقِيَاسِ انْتَهَى. (وَ) يُقْتَلُ (الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى) . وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (وَ) يُقْتَلُ (الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ) لَا بِعَكْسِهِ (وَ) يُقْتَلُ (الْبَالِغُ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْبَالِغِ لَا بِعَكْسِهِ أَيْضًا (وَ) يُقْتَلُ (الصَّحِيحُ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الصَّحِيحِ كَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ (وَ) يُقْتَلُ (كَامِلُ الْأَطْرَافِ بِنَاقِصِهَا) أَيْ بِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ لِلْعُمُومَاتِ الْمَذْكُورَةِ. (وَ) يُقْتَلُ (الْفَرْعُ بِأَصْلِهِ) وَإِنْ عَلَا لِعَدَمِ الْمَسْقَطِ (لَا) يُقْتَلُ (الْأَصْلُ بِفَرْعِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» فَالْوَالِدُ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَا وَالْوَالِدَةَ وَالْجَدَّةَ مِنْ طَرَفِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ) الْأَبِ (الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ كَانَ لِلتَّخْفِيفِ فِي حَقِّ الْخَاطِئِ وَهَذَا عَامِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمُمَاثِلٍ لِلنَّفْسِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلًا عَنْهَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ. (وَلَا) يُقْتَلُ (السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ قِصَاصٌ (وَعَبْدِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِقَتْلِ عَبْدِ وَلَدِهِ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى الْأَبِ (وَعَبْدُ بَعْضِهِ لَهُ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدٍ بَعْضُهُ لَهُ وَبَعْضُهُ.

لِآخَرَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ يَسْقُطُ فِي الْكُلِّ (وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ) بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ أُمَّ ابْنِهِ أَوْ قَتَلَ الْأَبُ أَخَا لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَنْ تَقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ (سَقَطَ) الْقِصَاصُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ. (وَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ) شَرِيكِ (الْمُخْطِئِ أَوْ) شَرِيكِ (الصَّبِيِّ أَوْ) شَرِيكِ (الْمَجْنُونِ وَ) شَرِيكِ (كُلِّ مَنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ) كَشَرِيكِ الْجَدِّ وَالْأُمِّ وَغَيْرِهِمَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ فِي الْقِصَاصِ. (وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَحْضُرَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فَشَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ لَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا وَقَيَّدَ بِاجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا الْقِيمَةُ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. (وَإِنْ قُتِلَ مُكَاتَبٌ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (وَارِثٌ مَعَ سَيِّدِهِ فَلَا قِصَاصَ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا وَرِقًّا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَارِثُ وَعَلَى الثَّانِي الْمَوْلَى فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَارْتَفَعَ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ (وَفَاءٌ يَقْتَصُّ سَيِّدُهُ) بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّيِّدِ وَارِثٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا فَيَقْتَصُّ الْمَوْلَى. (وَكَذَا) يَقْتَصُّ الْمَوْلَى (إنْ كَانَ) لَهُ (وَفَاءٌ وَلَا وَارِثَ) لَهُ (غَيْرُ سَيِّدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى يَتَعَيَّنُ لِانْعِدَامِ الْوَارِثِ وَتَعَدُّدِ السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحُكْمِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ لِلْمَوْلَى (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَقْتَصُّ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي لِاشْتِبَاهِ سَبَبِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْوَلَاءُ إنْ مَاتَ حُرًّا أَوْ الْمِلْكُ إنْ مَاتَ عَبْدًا. (وَلَا قِصَاصَ إلَّا بِالسَّيْفِ) سَوَاءٌ قَتَلَهُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَقَوْلُهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفْعَلُ بِالْقَاتِلِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا فَإِنْ مَاتَ فَبِهَا وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ كَالرَّجْمِ وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَشْرُوعٌ وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ كَوَطْءِ الصَّغِيرَةِ وَاللُّوَاطَةِ بِالصَّغِيرِ لَوْ أَجْرَعَ أَحَدًا خَمْرًا حَتَّى قَتَلَهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْقَتْلُ بِحَجَرٍ مَشْرُوعٌ فِي الرَّجْمِ فَجَازَ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُتَّخَذُ لَهُ مِثْلُ آلَتِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَفِي الْخَمْرِ يُجَرَّعُ الْمَاءَ حَتَّى يَمُوتَ. (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِ يَدِهِ) أَيْ الْمَعْتُوهِ (وَقَاتِلِ قَرِيبِهِ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ قَرِيبَهُ كَوَلَدِهِ فَوَلِيُّ الْمَعْتُوهِ يَعْنِي أَبَاهُ يَقْتَصُّ مِنْ جَانِبِ الْمَعْتُوهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ

عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَى النَّفْسِ وَهِيَ تَشْفِي الصَّدْرَ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ (وَإِنْ يُصَالِحْ) أَيْ لِأَبِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يُصَالِحَ الْقَاطِعَ عَلَى مَالٍ قَدْرَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَنَظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ فَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ (لَا أَنْ يَعْفُوَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْعَفْوِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَبِ الْمَعْتُوهِ يَثْبُتُ لِأَبِ الصَّبِيِّ (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ هُوَ الصَّحِيحُ) عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ مِنْ السُّلْطَانِ وَالسُّلْطَانُ يَقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُ كَذَا يَقْتَصُّهُ النَّائِبُ وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ لِلصَّغِيرِ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا أَنْ يُصَالِحَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتَصَّ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَاللَّقِيطِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِغَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقُلْنَا لِلسُّلْطَانِ وَلِنَائِبِهِ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَلِي الِاسْتِيفَاءَ. (وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ هُوَ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ فِي النَّفْسِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى قَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءُ كِبَارٌ وَصِغَارٌ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أَوْ إخْوَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ (فَلِلْكِبَارِ الِاقْتِصَاصُ مِنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجُوزُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُهُمْ بِاسْتِيفَائِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. (وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الْكِبَارِ يُنْتَظَرُ) حُضُورُهُ (إجْمَاعًا) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ احْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ. (وَمَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةِ الْمَرِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ جَرَحَهُ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْجُرْحِ. (وَإِنْ) قَتَلَ (بِظَهْرِهِ) أَيْ بِظَهْرِ الْمَرِّ (أَوْ عَصَاهُ فَلَا) يُقْتَصُّ لِكَوْنِهِ غَيْرَ جَارِحٍ (وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُقْتَصُّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ.

اعْتِبَارًا مِنْهُ لِآلَةٍ وَهُوَ الْحَدِيدُ وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جَرَحَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى هَذَا الضَّرْبِ بِسَنَجَاتِ الْمِيزَانِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ مُثْقِلٍ) إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُطِيقُهُ الْإِنْسَانُ (وَفِي التَّغْرِيقِ وَالْخَنْقِ) يَعْنِي لَا يُقْتَصُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِوُجُودِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَهُوَ أَنْ تَقْتُلَ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ تَعْمَلُ فِي نَقْضِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَمْ يُوجَدْ وَالْقَوَدُ يُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ وَفِيهِ جَرْحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَلَا يَتَمَاثَلَانِ وَكَذَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْقَتْلِ بِتَغْرِيقٍ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ بِالسِّبَاحَةِ كَالْبَحْرِ خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ أَمَّا إنْ كَانَ كَثِيرًا يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ بِالسِّبَاحَةِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا فَلَا يُقْتَصُّ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ. وَفِي الْمِنَحِ وَإِنْ سَبَحَ سَاعَةً فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَإِنْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ بِئْرٍ وَيُرْجَى نَجَاتُهُ غَالِبًا فَهُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ أَجْرَعَهُ سُمًّا كَرْهًا أَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ السُّمُّ مِقْدَارَ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِنَّ نَاوَلَهُ فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ عَلِمَ الشَّارِبُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَوْ دَفَنَهُ حَيًّا فَمَاتَ يُقَادُ بِهِ. (وَإِنْ تَكَرَّرَ) أَيْ الْقَتْلُ بِالْمُثْفِلِ وَالتَّغْرِيقِ وَالْخَنْقِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَاتِلِ (قُتِلَ بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْمُكَرَّرِ (إجْمَاعًا) لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً لِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ (وَلَا قِصَاصَ فِي الْقَتْلِ بِمُوَالَاةِ ضَرْبِ السَّوْطِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي ضَرْبِ السَّوْطِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ مُوجَبُ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ. (وَمَنْ جُرِحَ) أَيْ عَمْدًا (فَلَمْ يَزَلْ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ اقْتَصَّ مِنْ جَارِحِهِ) لِوُجُوبِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لَا الْقِصَاصُ) لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ «وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إيمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ» قَالُوا إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . (وَمَنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَحَيَّةٍ وَأَسَدٍ) يَعْنِي مِنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ.

حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ (فَعَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرُ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُغَسَّلُ فَقَطْ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ وَيُوَزِّعُ دِيَةَ النَّفْسِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ التَّلَفُ زَيْدٌ ثُلُثُهَا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ فِيهِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ عَاقِلًا بَالِغًا وَإِلَّا يَلْحَقُ فِعْلُهُ بِفِعْلِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ هَدَرًا كَفِعْلِهِمَا وَكَذَا يُفْهَمُ أَنْ لَا يَتَفَاوَتَ فِي جَانِبِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ زِيَادَةُ مِنْ وَطِئَ فَرَسَهُ حَيْثُ يَكُونُ فِعْلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ جِنْسًا وَاحِدًا لِكَوْنِهِ هَدَرًا مُطْلَقًا أَيْضًا حَتَّى لَا يَنْقُصَ بِانْضِمَامِ الْفَرَسِ إلَيْهِمَا عَنْ الثُّلُثِ الْوَاجِبِ عَلَى زَيْدٍ. (وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَحَلَّ دَمَهُ» أَيْ أَهْدَرَهُ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ بَاغٍ سَقَطَتْ عِصْمَتُهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَمْ يَلْزَمُ عَلَى الْقَاتِلِ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِ مَنْ شَهَرَ عَلَى آخَرَ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالنَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ أَوْ الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا فِي السِّلَاحِ وَأَمَّا الْعَصَا فَكَالسِّلَاحِ إنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ حِينَئِذٍ فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فَجَوَازُ الدَّفْعِ بِالْقَتْلِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَصَا فِي الْمِصْرِ نَهَارًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ بِالْقَتْلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ. (وَلَا) شَيْءَ (عَلَى مَنْ) أَيْ شَخْصٍ (قَتَلَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصَ (مَنْ) أَيْ شَخْصًا آخَرَ (سَرَقَ مَتَاعَهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِرْدَادُ بِدُونِ الْقَتْلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ» وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ دَفْعًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا الِاسْتِرْدَادُ فِي الِانْتِهَاءِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إلَّا بِالْقَتْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الِاسْتِرْدَادُ بِدُونِ الْقَتْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالصِّيَاحِ وَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِغَاثَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَاكِمِ فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْطُ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُخْرِجْ الْمَتَاعَ لَمْ يَكُنْ سَارِقًا وَاَلَّذِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْأَخْذَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْلِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَوْ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ حَيْثُ إنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ.

باب القصاص فيما دون النفس

إنْ أَمْكَنَ الدَّفْعُ أَوْ الِاسْتِرْدَادُ بِدُونِ الْقَتْلِ لَا يَقْتُلُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَتْلُ فَلَا فَائِدَةَ يُعْتَدُّ بِهَا حِينَئِذٍ بِقَيْدِ الْإِخْرَاجِ فَتَأَمَّلْ. (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِ مَنْ شَهَرَ عَصًا) نَهَارًا فِي مِصْرٍ لِأَنَّهُ يَلْبَثُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْغَوْثُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَصَا الَّتِي تَلْبَثُ وَاَلَّتِي لَا تَلْبَثُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَعِنْدَ الْإِمَامَيْنِ الْعَصَا الَّتِي لَا تَلْبَثُ مِثْلُ السِّلَاحِ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْمِصْرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ شَهَرَ سَيْفًا وَضَرَبَ بِهِ وَلَمْ يَقْتُلْ وَرَجَعَ) عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ شَهَرَ عَصًا يَعْنِي يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَانْصَرَفَ ثُمَّ إنْ الْمَشْهُورَ عَلَيْهِ ضَرَبَ الشَّاهِرَ فَقَتَلَهُ لِعِصْمَةِ دَمِ الشَّاهِرِ بِالِانْصِرَافِ لِأَنَّ هَدَرَ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ فَإِذَا انْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِصْمَةِ فَيُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ لِأَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا مَعْصُومَ الدَّمِ. (وَلَوْ شَهَرَ مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ عَلَى آخَرَ سَيْفًا فَقَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَوْ قَتَلَ جَمَلًا صَائِلًا عَلَيْهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي الدَّابَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا وَلَا الضَّمَانُ بِفِعْلِ الدَّابَّةِ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَيَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْآدَمِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الدَّابَّةِ. [بَاب الْقِصَاص فِيمَا دُون النَّفْس] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذْ الْجُزْءُ يَتْبَعُ الْكُلَّ (هُوَ) أَيْ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ) الضَّمِيرُ فِي فِيهِ يَرْجِعُ إلَى مَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْجِنَايَةِ (حِفْظُ الْمُمَاثَلَةِ) وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَتُهَا فِيهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا (إذَا كَانَ عَمْدًا فَيُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمَفْصِلِ) لَا فِيمَا إذَا قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ يَدِ الْمَقْطُوعِ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ لَا تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ فِي شَجَّةِ الرَّأْسِ إذَا اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَشْجُوجِ وَكَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ الشَّيْنُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّ الشَّيْنَ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ وَلِهَذَا خُيِّرَ بَيْنَ الِاقْتِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ. (وَكَذَا الرِّجْلُ) إذَا قُطِعَتْ

مِنْ الْمَفْصِلِ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) كَذَا (فِي مَارِنِ الْأَنْفِ وَفِي الْأُذُنِ) إذَا قُطِعَا عَمْدًا فَيُقْتَصُّ مِنْ الْقَاطِعِ لَا فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ لَهَدْمِ إمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ. (وَ) كَذَا يُقْتَصُّ (فِي الْعَيْنِ إنْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَهِيَ قَائِمَةٌ) أَيْ الْحَالُ أَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ وَقَوْلُهُ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ بِحَيْثُ لَمْ تَدْمَعْ إذَا كَانَتْ مَفْتُوحَةً مُقَابِلَةً لِلشَّمْسِ أَوْ لَمْ تَهْرُبْ مِنْ الْحَيَّةِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ طَبِيبَانِ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ابْيَضَّ بَعْضُ النَّاظِرَةِ أَوْ أَصَابَهَا قُرْحَةٌ أَوْ سَبَلٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يَقْبُحُ بِالْعَيْنِ لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ بَلْ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ بَيَاضُهُ ثُمَّ أَبْصَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالُوا وَهَذَا إذَا صَارَ كَمَا كَانَ وَأَمَّا إذَا عَادَ دُونَ ذَلِكَ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْبَرَ مِنْ عَيْنِ الْجَانِي أَوْ أَصْغَرَ فَهُوَ سَوَاءٌ وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَكَذَا أُصْبُعُهُمَا وَيُؤْخَذُ إبْهَامُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بِالْوُسْطَى وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْيُمْنَى إلَّا بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى إلَّا بِالْيُسْرَى فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا بِمِثْلِهِ مِنْ الْقَاطِعِ وَمَنْ قَطَعَ يَدًا ظُفْرُهَا مُسَوَّدٌ أَوْ بِهَا جِرَاحَةٌ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ دِيَةِ الْيَدِ بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (لَا) يُقْتَصُّ (إنْ قُلِعَتْ) الْعَيْنُ وَذَهَبَ نُورُهَا إذْ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَطْعِ وَالِانْخِسَافِ غَيْرُ مُمْكِنٌ (فَيُجْعَلُ عَلَى الْوَجْهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ الْعَيْنُ بِمِرْآةٍ مُحَمَّاةٍ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا) وَإِنَّمَا جُعِلَ هَذَا الْوَجْهُ لِصِيَانَةِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنِ الْأُخْرَى عَنْ الضَّرَرِ. (وَ) يُقْتَصُّ (فِي كُلِّ شَجَّةٍ تُرَاعَى فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ كَالْمُوضِحَةِ) وَهِيَ أَنْ يَظْهَرَ الْعَظْمُ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ سِوَى السِّنِّ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» . وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ السِّنُّ عَظْمًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَظْمٍ فَمُنْقَطِعٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَظْمٌ وَإِلَى هَذَا مَيْلُ الْمُصَنِّفِ (فَيُقْلَعُ) مِنْ الضَّارِبِ (إنْ قَلَعَ) سِنَّ الْمَضْرُوبِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ أَوْ لَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّنِّ لَا تَخْتَلِفُ بِهِمَا (وَيُبْرَدُ) بِالْمِبْرَدِ (إنْ كُسِرَ) إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا لِتَحْقِيقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَسْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] قِيلَ لَا تُقْلَعُ بِالْقَلْعِ بَلْ تُبْرَدُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ. (وَلَا) قِصَاصَ (بَيْنَ طَرَفَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَحُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ) فِي (طَرَفَيْ عَبْدَيْنِ) فِي الْقَطْعِ

فصل فيما يسقط به القصاص

وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا لِانْعِدَامِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَطْرَافِ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَثْبُتُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِيمَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْأَطْرَافِ بِالْعَكْسِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لَهَا (وَلَا فِي قَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ) لِمَا سَلَفَ مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ (وَلَا) قِصَاصَ (فِي جَائِفَةٍ بَرِئَتْ) وَالْجَائِفَةُ هِيَ الطَّعْنَةُ الَّتِي بَلَغَتْ الْجَوْفَ وَإِنَّمَا قَالَ بَرِئَتْ لِأَنَّ الْبُرْءَ فِيهَا نَادِرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَلَا يُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْرَأْ فَإِنَّهَا إمَّا سَارِيَةٌ فَيَجِبُ الِاقْتِصَاصُ وَإِمَّا أَنْ لَا تَسْرِيَ بَعْدُ فَيُنْتَظَرُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ مِنْ الْبُرْءِ أَوْ السِّرَايَةِ. (وَلَا) قِصَاصَ (فِي) قَطْعِ (اللِّسَانِ وَلَا فِي الذَّكَرِ) عِنْدَنَا حَيْثُ يَجْرِي فِيهِمَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ (إلَّا إنْ قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ فَقَطْ) فَحِينَئِذٍ يُقْتَصُّ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ فَصَارَ كَالْمَفْصِلِ وَلَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ وَالشَّفَةُ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِهِ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهُمَا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَطَعَ مِنْ الْأَصْلِ يُقْتَصُّ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ. (وَطَرَفُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ (وَخُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الْأَرْشِ لَوْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الرَّدِيُّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ (أَوْ) كَانَ (رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْعِبُ الشَّجَّةَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ) أَيْ مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ رَأْسِهِ (وَقَدْ اسْتَوْعَبَتْ) الشَّجَّةُ (مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ) فَقَوْلُهُ لَا تَسْتَوْعِبُ إلَى آخِرِهِ قَيْدٌ لِكَوْنِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ فَإِنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَكْبَرَ وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الشَّيْنِ فَيُخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهَا وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الزِّيَادَةِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ وَرَأْسُ الْمَشْجُوجِ أَصْغَرَ فَإِنَّ الشَّيْنَ يَزْدَادُ بِازْدِيَادِ الشَّجَّةِ فَيَزِيدُ بِالِاسْتِيفَاءِ عَلَى فِعْلِهِ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجَّ مِنْ الشَّيْنِ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَلِهَذَا قُلْنَا بِالْخِيَارِ. [فَصَلِّ فِيمَا يَسْقُط بِهِ الْقِصَاص] فَصَلِّ لَمَّا كَانَ سُقُوطُ الْقِصَاصِ وَالصُّلْحُ عَنْهُ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْجِنَايَةِ وَأَحْكَامِهَا عَقَدَ هَذَا

الْفَصْلَ لِذَلِكَ لِتَمَيُّزِ مَسَائِلِهِ عَمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ الْجِنَايَاتِ بِأَنْوَاعِهَا فَقَالَ (وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ) لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ (وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَبِصُلْحِهِمْ عَلَى مَالٍ وَإِنْ قَلَّ) الْمَالُ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ كَيْفَ شَاءُوا (وَيَجِبُ) الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (حَالًّا) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الصُّلْحِ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» فَالْمُرَادُ أَخْذُ الْمَالِ بِرِضَى الْقَاتِلِ وَهُوَ مَعْنَى الصُّلْحِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْأَوْلِيَاءِ يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِإِسْقَاطِهِ مَجَّانًا وَهُوَ الْعَفْوُ وَبِعِوَضٍ وَهُوَ مَعْنَى الصُّلْحِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ فَكَذَا التَّعْوِيضُ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَيُفَوَّضُ إلَى رِضَاهُمَا كَالْخُلْعِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَيَكُونُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْهُ رِبًا. (وَ) يَسْقُطُ الْقِصَاصُ (بِصُلْحِ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْأَوْلِيَاءِ (أَوْ عَفْوِهِ) أَيْ الْبَعْضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ فَبِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ. (وَلِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْقَاتِلِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَتِهِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِصَاصِ ثَمَّةَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاطِئًا وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ (وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ. (وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ شَخْصًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا بِأَلْفٍ فَصَالَحَ فَهِيَ نِصْفَانِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمَا الدَّمُ فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفَانِ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ.

وَلِأَنَّ الْأَلْفَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَيْهِمَا فَيَتَنَصَّفُ مُوجَبُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ. (وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِالْفَرْدِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْتَلُ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا وَاحِدًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ وَلِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَامِلًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فِي بَابِ النِّكَاحِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَيْدَانِ يُجْرَحُ كُلُّ وَاحِدٍ جَرْحًا مُهْلِكًا لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ يَتَحَقَّقُ بِالْمُسَاوَاةِ فِيهِ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ حَتَّى إذَا لَمْ يُجْرَحْ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا مُهْلِكًا لَا يُقْتَلُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى إنَّمَا يُقْتَلُ جَمِيعُهُمْ إذَا وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُرْحٌ يَصْلُحُ لِزَهُوقِ الرُّوحِ فَأَمَّا إذَا كَانُوا نُظَّارَةً أَوْ مُغْرِيِّينَ أَوْ مُعِينِينَ بِالْإِمْسَاكِ وَالْأَخْذِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ قَتْلِ الْجَمْعِ بِالْفَرْدِ لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَاشْتِرَاكَ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ يُوجِبُ التَّكَامُلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ. (وَ) يُقْتَلُ (الْفَرْدُ بِالْجَمْعِ اكْتِفَاءً إنْ حَضَرَ أَوْلِيَاؤُهُمْ) أَيْ يُكْتَفَى بِقَتْلِ الْفَرْدِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ وَيَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ إنْ عُلِمَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَوَّلُ الْمَقْتُولِينَ يُقْتَلُ لَهُمْ وَقُسِمَتْ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ وَقِيلَ يُقْرَعُ فَيُقْتَلُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَيَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ. (وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (قُتِلَ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَاحِدِ الْحَاضِرِ (وَسَقَطَ حَقُّ) أَوْلِيَاءِ (الْبَقِيَّةِ) وَهُوَ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ فَصَارَ كَمَوْتِ الْعَبْدِ الْجَانِي. (وَلَا تُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ وَإِنْ أَمَرَّا سِكِّينًا فَقُطِعَا مَعًا بَلْ يَضْمَنَانِ دِيَتَهَا) يَعْنِي لَا تُقْطَعُ يَدَا رَجُلَيْنِ بِيَدِ رَجُلٍ أَمَرَّا سِكِّينًا وَاحِدًا عَلَى يَدٍ فَقُطِعَتْ وَضَمِنَا دِيَةً وَاحِدَةً عَلَى الْمُنَاصَفَةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَاطِعٌ بَعْضَ الْيَدِ فَلَا مُمَاثَلَةَ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ حَصَلَ بِاعْتِمَادِ يَدَيْهِمَا عَلَى السِّكِّينِ عِنْدَ الْإِمْرَارِ وَالْمَحِلُّ مُتَجَزٍّ فَيُضَافُ الْبَعْضُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ زَهُوقَ الرُّوحِ لَا يَتَجَزَّأُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ يَدَاهُمَا قِيَاسًا بِالْأَنْفُسِ لِكَوْنِ الطَّرَفِ تَابِعًا لَهَا أَوْ زَجْرًا لَهُمَا وَقِيلَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ يَدُ أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ وَعَلَى الْآخَرِ الدِّيَةُ قِيلَ لَوْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ وَضَعَ السِّكِّينَ الْآخَرَ مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَا حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ. (فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ) سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ (فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَدِيَةُ يَدٍ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (إنْ حَضَرَا مَعًا) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَرْعِيَّةٌ بِالْقِيمَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

فصل فيمن قطع يد رجل ثم قتله

يُقْطَعُ بِالْأَوَّلِ فِي التَّعَاقُبِ وَلِلثَّانِي الْأَرْشُ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِرَانِ وَالْقِصَاصِ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَلِلْآخَرِ الْأَرْشُ. (وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَقْطُوعَيْنِ (وَقُطِعَ) الْقَاطِعُ عِنْدَ حُضُورِهِ (فَلِلْآخَرِ الدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ وَاحِدٍ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَتَرَدُّدِ حَقِّ الْغَائِبِ بَيْنَ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ يُصَالِحَ فَإِذَا اسْتَوْفَى لَمْ يَبْقَ مَحِلُّ الِاسْتِيفَاءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ الْآخَرِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا. (وَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَيُقْتَصُّ بِهِ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِالْعَبْدِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا حَتَّى لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الضَّمَانِ فَلَا يُبَالِي بِهِ خِلَافًا الْفَرَسْ إذْ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ. (وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ إلَى آخَرَ) عَمْدًا (فَمَاتَا اُقْتُصَّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَالْفِعْلُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَثَرِ. [فَصَلِّ فِيمَنْ قطع يَد رَجُل ثُمَّ قتله] فَصَلِّ (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِهِمَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (إنْ تَخَلَّلَهُمَا بُرْءٌ) فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ فِي الْعَمِدَيْنِ وَدِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ فِي الْخَطَأَيْنِ وَالْقَطْعُ وَالدِّيَةُ إذَا كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً وَالْقِصَاصُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي عَكْسِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْأَعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فِي الْعَمْدَيْنِ وَالْخَطَأَيْنِ وَلِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَتَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (فَإِنْ اخْتَلَفَا عَمْدًا وَخَطَأً) بِأَنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً أَوْ بِالْعَكْسِ (أُخِذَ بِهِمَا) أَيْضًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالدِّيَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالْقِصَاصُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي الثَّانِي لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَتَيْنِ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرِ خَطَأً (لَا) يُؤْخَذُ بِهِمَا (إنْ كَانَ خَطَأَيْنِ) وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (بَلْ تَكْفِي دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ.

أَعْنِي دِيَةَ الْقَتْلِ لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ عَدَمُ السِّرَايَةِ (وَفِي الْعَمْدَيْنِ) اللَّذَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ (يُؤْخَذُ بِهِمَا) فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) لَا يُقْطَعُ بَلْ (يُقْتَلُ فَقَطْ) فَيَدْخُلُ جَزَاءُ الْقَطْعِ فِي جَزَاءِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ الْقَوَدُ وَهُوَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. (وَلَوْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشْرَةٍ وَجَبَتْ دِيَةٌ) وَاحِدَةٌ (فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ مِنْهَا لَا تَبْقَى مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الْأَرْشِ وَإِنْ بَقِيَتْ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ لِلضَّارِبِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْعَشَرَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ جَرَحَتْهُ) أَيْ جَرَحَتْ الْمَضْرُوبَةَ مِائَةَ سَوْطٍ (وَبَقِيَ) لَهَا (الْأَثَرُ) أَيْ أَثَرُ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ (وَلَمْ يَمُتْ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَثَرِ فِي النَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَهُ. (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ عَمْدًا فَعَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (فَعَلَى قَاطِعِهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَهُوَ غَيْرُ الْقَتْلِ فَلَمَّا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْقَتْلُ لَا الْقَطْعُ فَتَجِبُ ضَمَانُ الْقَتْلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ هَذَا فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ مُورِثَةٌ لِلشُّبْهَةِ (وَعِنْدَهُمَا هُوَ) أَيْ عَفْوُ الْمَقْطُوعِ (عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ) فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَاطِعِ شَيْءٌ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ مُوجِبِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ هُوَ الْقَطْعُ إنْ لَمْ يَسْرِ أَوْ الْقَتْلُ إنْ سَرَى. (وَإِنْ عَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (أَوْ) عَفَا (عَنْ الْجِنَايَةِ) عَمْدًا (فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ إجْمَاعًا) لِكَوْنِ الْجِنَايَةِ جِنْسًا مُتَنَاوِلًا لِلسَّارِيَةِ وَالْمُقْتَصِرَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْخَطَأُ مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَعَفَا عَنْهُ كَانَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ قَوَدٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَعَفَا عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ (وَالشَّجُّ كَالْقَطْعِ) أَيْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ فَإِذَا عَفَا الْمَشْجُوجُ عَنْ الشَّجَّةِ فَمَاتَ مِنْهَا يَضْمَنُ شَاجُّهُ أَرْشَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَفْوَ مُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فَلَا يَضْمَنُ الْقَتْلَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذْ الْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ عَفْوٌ عَنْ مُوجَبِهِ هُوَ الْأَرْشُ إنْ لَمْ يَسْرِ أَوْ الْقَتْلُ إنْ سَرَى وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ.

وَكَذَا لَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ خَطَأً فَهُوَ عَفْوٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ عَفَا عَنْ الشَّجَّةِ عَمْدًا فَهُوَ عَفْوٌ مَجَّانًا. (وَإِنْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى) مُوجَبِ (يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ) الْمَقْطُوعُ يَدُهُ (فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا إنْ) قَطَعَتْ (عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ) قَطَعَتْ (خَطَأً) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَنْ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا كَانَ تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَلَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ فَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ أَوْلَى فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَزَوُّجُهَا عَلَيْهِ أُجِيبُ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ لِلْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ ثُمَّ تَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعَفْوَ لَكِنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَهُوَ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ فَإِذَا وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ تَقَاصَّا إنْ اسْتَوَيَا وَإِنْ فَضَلَتْ الدِّيَةُ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ فَضَلَ الْمَهْرُ تَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بَلْ عَلَى الْقَاتِلِ. (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا) يَعْنِي السِّرَايَةَ (أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ) مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ (فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْعَمْدِ) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (وَيُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مِقْدَارُهُ) أَيْ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا (فِي الْخَطَأِ) إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ (وَالْبَاقِي) مِنْ الدِّيَةِ (وَصِيَّةٌ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَاقِلَةِ (فَإِنْ خَرَجَ) الْبَاقِي (مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ (فَقَدْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ لَكِنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُحَابَاةٌ فَيَكُونُ وَصِيَّةً وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَيَسْقُطُ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ. (وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَهُمَا فِي صُورَةِ الْأَوْلَى) أَيْ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَاتَّفَقَ جَوَابُهُمَا

باب الشهادة في القتل واعتبار حاله

فِي الْفَصْلَيْنِ أَيْ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ. (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَمَاتَ بَعْدَمَا اُقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْقَاطِعِ قُتِلَ قَاطِعُهُ) يَعْنِي لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتَصَّ لَهُ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ مِنْهُ قَبْلَ الْمَقْطُوعِ الثَّانِي قُتِلَ الْمَقْطُوعُ الثَّانِي بِهِ وَهُوَ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ قِصَاصًا لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ الْقَوَدُ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ إذَا اسْتَوْفَى طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنَّا مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ. (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ وَلِيٌّ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَ قَاتِلِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِ) أَيْ قَاطِعِ الْيَدِ (دِيَةُ الْيَدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ وَهَذَا قَطْعٌ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَ الْمَالُ. (وَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فَاقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِهَا) بِنَفْسِهِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ (فَسَرَى) الْقَطْعُ (إلَى نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُقْتَصِّ (دِيَةُ النَّفْسِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الْقَتْلِ وَلَمَّا سَرَى كَانَ قَتْلًا لَا قَطْعًا فَصَارَ فِعْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمَا يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ هُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهَا إذْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لِانْدِرَائِهِ بِشُبْهَةٍ فَانْقَلَبَ إلَى الدِّيَةِ (خِلَافًا لَهُمَا فِيهِمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْقَطْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ فَسَقَطَ حُكْمُ السِّرَايَةِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ كَالْإِمَامِ وَالْقَاضِي إذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَكَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي وَمَاتَ. وَفِي الْمِنَحِ وَضَمَانُ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ تَأْدِيبًا عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ كَضَرْبِ مُعَلِّمٍ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ وَمَوْلَاهُ وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ بِإِذْنِهِمَا لَا ضَمَانَ وَكَذَا يَضْمَنُ زَوْجُ امْرَأَةٍ ضَرَبَهَا تَأْدِيبًا. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالِهِ] ِ لَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْقَتْلِ أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِالْقَتْلِ أَوْرَدَهَا بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْقَتْلِ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ كَانَ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ (الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ) بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ (ابْتِدَاءً لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ

وَالْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لَأَنْ يَمْلِكَ شَيْئًا إلَّا مَا لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْمَالِ مَثَلًا وَلِهَذَا يُجَهَّزُ وَتُقْضَى دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ مَالِهِ وَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ الْخِلَافَةُ وَعِنْدَهُمَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوِرَاثَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ مِلْكِ الْمُورِثِ ثُمَّ الِانْتِقَالَ مِنْهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْخِلَافَةُ لَا تَسْتَدْعِي ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِالْخِلَافَةِ هَهُنَا مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي إقَامَةِ فِعْلِهِ فَفِي الْقَتْلِ اعْتَدَى الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إقَامَتِهِ فَالْوَرَثَةُ قَامُوا مَقَامَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَلَكَهُ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ (فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ (خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ فِيهِ) أَيْ فِي إثْبَاتِ فِعْلِ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُمْ فَإِذَا أُقِيمَ الْقِصَاصُ أُقِيمَ بِجَمِيعِهِمْ (بِخِلَافِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لَأَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ وَلِذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً وَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ (فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُ ابْنَيْنِ حُجَّةً بِقَتْلِ أَبِيهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ غَائِبٌ لَزِمَ إعَادَتُهَا) أَيْ إعَادَةُ الْحُجَّةِ (بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ) لِيُتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ عَوْدِ الْغَائِبِ بَلْ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ يُحْبَسُ الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ فَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بَلْ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَلْزَمُ إعَادَتُهَا بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ بَلْ يُحْبَسُ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا عَادَ الْغَائِبُ فَلَهُمَا أَنْ يَقْتُلَاهُ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ (وَفِي) قَتْلِ (الْخَطَأِ وَالدَّيْنِ لَا تَلْزَمُ) إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ إذَا جَاءَ الْغَائِبُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَاضِرِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ بَلْ يُوجِبُ الدِّيَةَ فَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ الْوِرَاثَةُ إجْمَاعًا وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدَّعِي مَالًا لِلْمَيِّتِ أَوْ عَلَيْهِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ عَلَى أَحَدٍ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يَثْبُتُ حَقُّ الْجَمِيعِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ مِنْ الْبَاقِينَ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدِهِمْ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً تَثْبُتُ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ عَلَى الْبَاقِينَ. (وَلَوْ بَرْهَنَ الْقَاتِلُ عَلَى عَفْوِ) الْوَارِثِ (الْغَائِبِ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ) عَنْ الْغَائِبِ (وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ) أَيْ لَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَارِثِ الْحَاضِرِ أَنَّ الْوَارِثَ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْعَفْوِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْتِقَالَهُ إلَى الْمَالِ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ يَصِيرُ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْقَاتِلِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ وَيَنْقَلِبُ إلَى الدِّيَةِ. (وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ) فَأَقَامَ الْقَاتِلُ بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ شَرِيكَهُ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا عَنْهُ يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ لِمَا بُيِّنَ آنِفًا. (وَلَوْ شَهِدَ وَلِيَّا قِصَاصٍ بِعَفْوِ أَخِيهِمَا لَغَتْ)

تِلْكَ الشَّهَادَةُ يَعْنِي إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمَا عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا) أَيْ الْوَلِيَّيْنِ (الْقَاتِلُ فَقَطْ) وَكَذَّبَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (فَالدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا) لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الشَّرِيكِ فَلَمْ يُصَدَّقْ فَتَحَوَّلَ مَالًا وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ أَثْلَاثًا وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ. (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا) الْقَاتِلُ بَعْدَ أَنْ كَذَّبَهُمَا الْوَلِيُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ (فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) أَيْ لِلْوَلِيَّيْنِ الشَّاهِدَيْنِ (وَلِأَخِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ أَقَرَّا بُطْلَانَ حَقِّهِمَا فِي الْقِصَاصِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا وَادَّعَيَا انْقِلَابَهُ مَالًا فَلَا تُصَدَّقُ دَعْوَاهُمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلِلْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا عَلَيْهِ الْعَفْوَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِصَاصِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ. (وَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَخُوهُمَا فَقَطْ) دُونَ الْقَاتِلِ (غَرِمَ الْقَاتِلُ لَهُ) أَيْ لِلْأَخِ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) يَعْنِي يَغْرَمُ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ (ثُمَّ يَأْخُذَانِهِ) أَيْ يَأْخُذُ الْمُخْبِرَانِ الثُّلُثَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّرِيكِ الْمُصَدَّقِ لِأَنَّ زَعْمَ الشَّرِيكِ أَنَّهُ عَفَا بِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِإِقْرَارِهِ لَهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لِي وَإِنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْقَاتِلَ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْقَاتِلِ لَمْ يَثْبُتْ لِإِنْكَارِهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ لِلشَّاهِدَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِشَهَادَتِهِمَا كَمَا إذَا عَفَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ فَجَعَلَ الْوَاجِبَ لِلشَّاهِدَيْنِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ كَذَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي زَمَانِهِ) أَيْ زَمَانِ الْقَتْلِ (أَوْ مَكَانِهِ أَوْ) فِي (آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ (أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: ضَرَبَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ بَطَلَتْ) شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْقَتْلُ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْقَتْلِ فِي زَمَانٍ آخَرَ وَمَكَانٍ آخَرَ وَكَذَا الْقَتْلُ بِآلَةٍ غَيْرُ الْقَتْلِ بِآلَةٍ أُخْرَى وَتَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ

فَلَمْ تُقْبَلْ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطٌ لِلْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا ذُكِرَ وَإِذَا بَيَّنَ أَحَدُهُمَا الْآلَةَ وَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَدْرِي بِمَاذَا قَتَلَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَالْمُقَيَّدَ يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَاخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا كَالصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ مُعَايَنَةً وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ كَانَ بَاطِلًا لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا فِعْلٌ وَالْآخَرَ قَوْلٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَكَذَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ شَهِدَا كَذَلِكَ فِي الْمَكَانِ لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ وَلَوْ كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قُبِلَ الْكَامِلُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي الْمِنَحِ. (وَإِنْ شَهِدَا بِالْقَتْلِ وَجَهِلَا الْآلَةَ) بِأَنْ قَالَا: لَا نَدْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ (لَزِمَ الدِّيَةُ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجُهِلَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلِأَنَّهُ يُحْمَلُ إجْمَالُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إجْمَالِهِمْ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَتْرًا عَلَيْهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ شَرْعًا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَ الْكَذِبَ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مِنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ خَيْرًا» فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَحَقُّ مِنْهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يَثْبُتُ الْخَطَأُ بِالشَّكِّ. (وَلَوْ أَقَرَّ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ رَجُلَيْنِ بِقَتْلِ زَيْدٍ وَقَالَ وَلِيُّهُ: قَتَلْتُمَاهُ جَمِيعًا فَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (قَتْلُهُمَا) جَمِيعًا لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْوَلِيِّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْقَتْلِ لَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ التَّفْسِيقُ لِأَنَّ فِسْقَ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِهِمَا: أَنْتَ قَتَلْتَهُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ الْآخَرِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الِانْفِرَادَ بِالْقَتْلِ فَتَصْدِيقُهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قَتَلْتَهُ وَحْدَك وَلَمْ يُشَارِكَ فِيهِ أَحَدٌ كَمَا تَقُولُ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَقْتُلْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ كِلَاهُمَا كَانَ لِلْوَلِيِّ قَتْلُ الْمُقِرِّ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِأَحَدِ الْمُقِرِّينَ: صَدَقْت أَنْتَ قَتَلْتَهُ وَحْدَك كَانَ لَهُ قَتْلُهُ كَمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحُكِمَ بِالدِّيَةِ وَجَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمَّنَتْ الْعَاقِلَةُ الْوَلِيَّ أَوْ الشُّهُودَ وَرَجَعَ الشُّهُودُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْعَمْدُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الرُّجُوعِ

وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فِي الْخَطَأِ لَمْ يَضْمَنَا وَضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. (وَلَوْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عُمَرَ أَوْ) شَهِدَ (آخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ وَادَّعَى وَلِيُّهُ قَتْلَهُمَا لَغَتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْوَلِيِّ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ فِي الْقَتْلِ يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ أَصْلًا لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ. (وَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ) لِأَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ الرَّامِي وَلَا فِعْلَ لَهُ بَعْدَهُ يُوجِبُ اعْتِبَارَ حَالِهِ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ (لَا الْوُصُولِ) أَيْ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوُصُولِ (فِي تَبَدُّلِ حَالِ الْمَرْمِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَوْ رَمَى مُسْلِمًا) عَمْدًا (فَارْتَدَّ فَوَصَلَ) السَّهْمُ (إلَيْهِ فَمَاتَ تَجِبُ الدِّيَةُ) عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّضْمِينَ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ الرَّمْيِ لَا الْقِصَاصِ لِانْدِرَائِهِ بِالشُّبْهَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلِأَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ كَانَ مُبَرِّئًا بِالِارْتِدَادِ عَنْ مُوجِبِهِ كَمَا إذَا أَبْرَأَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ. (وَلَوْ رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْوُصُولِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا) وَكَذَا إذَا رَمَى حَرْبِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ لِأَنَّ الرَّمْيَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا بِصَيْرُورَتِهِ مُتَقَوِّمًا بَعْدَ ذَلِكَ. (وَإِنْ رَمَى عَبْدًا فَأُعْتِقَ فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا أُعْتِقَ (فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّامِي (قِيمَتُهُ عَبْدًا) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاتِلًا مِنْ وَقْتِ الرَّمْيِ وَقَدْ صَارَ هُوَ مَمْلُوكًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَلَيْهِ (فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا وَغَيْرَ مَرْمِيٍّ) لِأَنَّ تَوَجُّهَ السَّهْمِ عَلَيْهِ أَوْجَبَ إشْرَافَهُ عَلَى الْهَلَاكِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ أَلْفًا وَبَعْدَهُ ثَمَانَمِائَةٍ يَلْزَمُ الرَّامِيَ مِائَتَانِ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ الرَّمْيَ يَصِيرُ عِلَّةً عِنْدَ الْإِصَابَةِ إذْ عِلَّةُ الْإِتْلَافِ لَا تَصِيرُ مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ يَتَّصِلُ بِهِ وَقَدْ تَلِفَ بِهِ الْحَيُّ. (وَإِنْ رَمَى مُحْرِمٌ صَيْدًا فَحَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ (وَجَبَ الْجَزَاءُ) إذْ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الرَّمْيِ (وَإِنْ رَمَاهُ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ) بَعْدَ الرَّمْيِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَى الصَّيْدِ فَقَتَلَهُ (فَلَا) يَجِبُ الْجَزَاءُ لِأَنَّ رَمْيَهُ وَقَعَ حَالَ كَوْنِهِ حَلَالًا وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ السَّهْمُ بَعْدَ إحْرَامِهِ. (وَإِنْ رَمَى مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَجْمٍ) أَيْ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِرَجْمِ رَجُلٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ (فَرَجَعَ شُهُودُهُ) بَعْدَ الرَّمْيِ (فَوَصَلَ) بَعْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ (لَا يَضْمَنُ) الرَّامِي لِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةَ الرَّمْيِ وَهُوَ مُبَاحُ الدَّمِ فِيهَا. (وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا فَتَمَجَّسَ) أَيْ صَارَ مَجُوسِيًّا (فَوَصَلَ حِلَّ) الصَّيْدِ (وَفِي الْعَكْسِ) يَعْنِي لَوْ رَمَى مَجُوسِيٌّ صَيْدًا فَأَسْلَمَ فَوَصَلَ (يَحْرُمُ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الرَّمْيِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ وَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ بِالرِّدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.

كتاب الديات

[كِتَابُ الدِّيَاتِ] وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذِكْرِ الدِّيَاتِ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ كَوْنُ الدِّيَةِ إحْدَى مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ الْمَشْرُوعَيْنِ لِلصِّيَانَةِ وَلَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ أَشَدَّ صِيَانَةً قُدِّمَ مُوجِبُهُ وَالدِّيَاتُ جَمْعُ دِيَةٍ وَهُوَ مَصْدَرٌ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ قَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِأَخِي جَلْبِي: ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ دِيَةٌ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَوَاوُهَا مَحْذُوفَةٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ أَرْبَاعًا) يَعْنِي أَنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَكُونُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ بَيْنَهَا بِقَوْلِهِ (بَنَاتُ مَخَاضٍ وَبَنَاتُ لَبُونٍ وَحِقَاقٌ وَجِذَاعٌ) قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الْكُلِّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ (مِنْ كُلٍّ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (خَمْسٌ وَعِشْرُونَ) فَيَكُونُ جُمْلَتُهَا مِائَةً هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (ثَلَاثُونَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً) قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَيْضًا (كُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الثَّنِيَّاتِ (خَلِفَاتٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَالْفَاءِ جَمْعُ خِلْفَةٍ وَهِيَ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ فَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ مَا ذُكِرَ ثَانِيًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَلِأَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ أَغْلَظُ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَدَلِيلُ الشَّيْخَيْنِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ هَذَا وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ غَيْرُ ثَابِتٍ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَا وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: تَجِبُ أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِثْلَ مَا قُلْنَا وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ فَكَانَ كَالْمَرْفُوعِ وَصَارَ مُعَارِضًا بِمَا رَوَيَاهُ وَإِذَا تَعَارَضَا كَانَ الْأَخْذُ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ أَوْلَى. وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ احْتَجَّا بِحَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَطَأَ لِأَنَّهَا فِي الْخَطَأِ تَجِبُ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شِبْهُ الْعَمْدِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالْمُرَادُ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْهُ

فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى وَلِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ عِوَضًا وَالْحَامِلُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَحِقَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْجَنِينَ مِنْ وَجْهٍ كَالْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى إيجَابِ الزَّائِدِ عَلَى الْمِائَةِ عَدَدًا وَبِالِاتِّفَاقِ لَيْسَ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ بَلْ مِنْ حَيْثُ السِّنُّ ثُمَّ إنَّ الدِّيَاتِ تُعْتَبَرُ بِالصَّدَقَاتِ وَالشَّرْعُ نَهَى عَنْ أَخْذِ الْحَوَامِلِ فِي الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهَا كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَاتِ (وَلَا تَغْلِيظَ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ) يَعْنِي لَا يُزَادُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ (وَهِيَ) أَيْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ (فِي شِبْهِ الْعَمْدِ) لِمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ» . (وَ) الدِّيَةُ (الْمُخَفَّفَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ أَلْفُ دِينَارٍ (وَهِيَ) أَيْ الدِّيَةُ الْمُخَفَّفَةُ (فِي الْخَطَأِ وَمَا بَعْدَهُ) مِمَّا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلِ بِتَسَبُّبٍ (مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ) قِيمَةُ كُلِّ دِينَارٍ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَقَوْلُهُ مِنْ الذَّهَبِ حَالٌ مِنْ أَلْفٍ قُدِّمَتْ عَلَى صَاحِبِهَا (وَمِنْ الْوَرِقِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْفِضَّةُ (عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَى زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشْرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَيَكُونُ الْوَاحِدَةُ قَدْرَ دِينَارٍ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سِتَّةِ دَنَانِيرَ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةِ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَجَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثُلُثَ دِرْهَمٍ فَصَارَ ثُلُثَ الْمَجْمُوعِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُرَاجَعْ (وَمِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ) قِيمَةُ كُلِّ إبِلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَالَ كَوْنِهَا (أَخْمَاسًا مِنْ ابْنِ مَخَاضٍ) ذَكَرٍ (وَبِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهَا (عِشْرُونَ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ أَخْذًا بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ (وَلَا دِيَةَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ) أَيْ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالْإِبِلِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ مَالِيَّةَ

الْغَيْرِ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ وَأَمَّا التَّقْدِيرُ فَمَعْرُوفٌ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ (وَقَالَا مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ (وَمِنْ الْبَقَرِ أَيْضًا مِائَتَا بَقَرَةٍ) قِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ (وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ) كُلُّ شَاةٍ خَمْسٌ (وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) أَيْ إزَارٌ وَرِدَاءٌ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَكَذَا جَعَلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِنْهَا. (وَكَفَّارَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ (عِتْقُ) أَيْ إعْتَاقُ (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِعْتَاقِ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأٌ فِي حَقِّ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ (وَلَا إطْعَامَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا (وَصَحَّ إعْتَاقُ رَضِيعٍ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِلْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا بِالتَّبَعِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا» وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هُنَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى أَجَازَ التَّكْفِيرَ بِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْع الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةِ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا (لَا) إعْتَاقُ (الْجَنِينِ) لِأَنَّهُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ بَعْدُ. (وَ) الدِّيَةُ (لِلْمَرْأَةِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا نِصْفُ مَا لِلرَّجُلِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْتَصِفُ الثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ الْأَرْشُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَحَالُهَا فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ (وَ) يَجِبُ (لِلذِّمِّيِّ مِثْلُ مَا لِلْمُسْلِمِ) فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَيَاةِ وَالْعِصْمَةِ» وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ دِيَتَهُ كَالذِّمِّيِّ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ دِيَةُ ثُلُثِ الْمُسْلِمِ وَهِيَ أَرْبَعُ آلَافِ دِرْهَمٍ إذْ دِيَةُ

فصل في دية النفس

الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا ذُكِرَ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ خُمْسُ ثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إذْ دِيَةُ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ أَيْضًا اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. [فَصَلِّ فِي دِيَة النَّفْس] فَصَلِّ فِي النَّفْس الدِّيَة إنَّمَا ذَكَرَ دِيَةَ النَّفْسِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ مَعَ أَنَّهُ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الدِّيَةِ فِيمَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا وَهُوَ الْأَطْرَافُ تَمْهِيدًا لِذِكْرِ مَا بَعْدَهُ وَتَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» فَلِهَذَا قَالَ. (وَكَذَا فِي الْمَارِنِ) وَهُوَ مَارِنُ الْأَنْفِ الدِّيَةُ. (وَ) كَذَا (فِي اللِّسَانِ) الدِّيَةُ (إنْ مَنَعَ النُّطْقَ) لِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ النُّطْقُ وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ وَلَوْ قَدِرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ الْبَعْضِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ فَمَا أَصَابَ الْفَائِتَ يَلْزَمُهُ وَقِيلَ إنْ قَدِرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الْإِخْلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِهَذَا قَالَ (أَوْ) مَنَعَ (أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ) لِتَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْإِفْهَامِ. (وَفِي الصُّلْبِ) الدِّيَةُ (إنْ مَنَعَ الْجِمَاعَ) وَقَطَعَ الْمَاءَ (وَفِي الْإِفْضَاءِ) الدِّيَةُ (إذَا مَنَعَ اسْتِمْسَاكَ الْبَوْلِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَنَافِعِ (وَفِي الذَّكَرِ) الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْوَطْءُ وَالْإِيلَادُ وَاسْتِمْسَاكُ الْبَوْلِ وَالرَّمْيُ بِهِ وَدَفْقُ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجُ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ عَادَةً. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ قَطَعَ الذَّكَرَ مِنْ أَصْلِهِ إنْ خَطَأً فِدْيَةٌ وَإِنْ عَمْدًا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. وَفِي الْمُنْتَقَى لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالُوا: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ فِي الْحَشَفَةِ الْقِصَاصَ وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ (وَفِي حَشَفَتِهِ) أَيْ حَشَفَةِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهَا. (وَفِي الْعَقْلِ) الدِّيَةُ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِالْعَقْلِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ. (وَفِي السَّمْعِ وَفِي الْبَصَرِ وَفِي الشَّمِّ وَفِي الذَّوْقِ) يَعْنِي فِي كُلٍّ مِنْهَا الدِّيَةُ كَامِلَةٌ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ

عَنْ الْيَمِينِ وَقِيلَ: ذَهَابُ الْبَصَرِ يَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ فَيَكُونُ قَوْلُ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَيْنِ حُجَّةً فِيهِ وَقِيلَ: يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ فَإِذَا دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةٌ فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ ثُمَّ يُنَادَى فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمِيعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا. (وَفِي اللِّحْيَةِ إنْ لَمْ تَنْبُتْ) الدِّيَةُ. (وَ) كَذَلِكَ (فِي شَعْرِ الرَّأْسِ) الدِّيَةُ إنْ لَمْ يَنْبُتْ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخَلْقِ وَلِهَذَا يَحْلِقُ الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِمَا الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِ هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يُهْتَدَى إلَيْهِ بِالرَّأْيِ وَأَمَّا لِحْيَةُ الْعَبْدِ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَعْضِ اللِّحْيَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إذَا كَانَ دُونَ النِّصْفِ أَمَّا إذَا كَانَ النِّصْفُ فَالْوَاجِبُ بِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْفَضْلِيُّ نَتْفُ لِحْيَتِهِ يُنْظَرُ إلَى الذَّاهِبِ وَإِلَى الْبَاقِي فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ وَإِذَا نَبَتَ بَعْضُ اللِّحْيَةِ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ انْتَهَى. (وَكَذَا الْحَاجِبَانِ) يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدُهُمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ. (وَ) كَذَا (الْأَهْدَابُ) لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ دَفْعُ الْقَذَى عَنْ الْعَيْنَيْنِ. (وَفِي الْعَيْنَيْنِ) الدِّيَةُ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِمَا (وَفِي الْأُذُنَيْنِ وَفِي الشَّفَتَيْنِ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ وَلَا الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَتَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. (وَفِي الْيَدَيْنِ وَفِي الرِّجْلَيْنِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ) جَمْعُ شَفْرٍ وَهُوَ مَنْبِتُ الْأَهْدَابِ مِنْ طَرَفِ الْجَفْنِ أُخِذَ مِنْ شَفِيرِ الْوَادِي وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِيمَا ذَكَرَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ. (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا هُوَ اثْنَانِ فِي الْبَدَنِ) كَالْأُذُنِ وَالشَّفَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ مَثَلًا

فصل في أحكام الشجاج

(نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِي الْعَيْنَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَكَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. (وَ) فِي كُلِّ وَاحِدٍ (مِمَّا هُوَ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الْبَدَنِ (رُبْعُهَا) أَيْ رُبْعُ الدِّيَةِ كَالْأَشْفَارِ (وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» (وَفِي كُلِّ مِفْصَلٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَصَابِعِ (مِمَّا فِيهِ مِفْصَلَانِ) كَالْإِبْهَامِ (نِصْفُ عُشْرِهَا) أَيْ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ (وَمِمَّا فِيهِ ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ) كَبَاقِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ مِفْصَلٍ (ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ تَنْقَسِمُ عُشْرُ الدِّيَةِ عَلَى الْمَفَاصِلِ كَانْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ. (وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِهَا) وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَمِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ (دِيَتُهُ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) بِالضَّرْبِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الْإِتْلَافِ كَإِتْلَافِ الْيَدِ الَّتِي خَلَتْ عَنْ الْبَطْشِ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَأَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَام الشِّجَاجِ] فَصْلٌ لَا قَوَدَ فِي الشِّجَاجِ فَصَلَ أَحْكَامَ الشِّجَاجِ بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَكَاثُرِ مَسَائِلِ الشِّجَاجِ اسْمًا وَحُكْمًا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ (إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ إنْ كَانَتْ عَمْدًا) بِالِاتِّفَاقِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتُرَ غَوْرَهَا بِالْمِسْبَارِ ثُمَّ يَتَّخِذَ حَدِيدَةً بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَقْطَعَ بِهَا مِقْدَارَ مَا قَطَعَ فَيَتَسَاوَيَانِ فَيَتَحَقَّقُ الْقِصَاصُ (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْمُوضِحَةِ (خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» (وَهِيَ) أَيْ الْمُوضِحَةُ الشَّجَّةُ (الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ) أَيْ تُبَيِّنُهُ. (وَفِي الْهَاشِمَةِ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِلْمُبْتَدَأِ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ عُشْرُهَا (وَهِيَ) أَيْ الْهَاشِمَةُ الشَّجَّةُ (الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ) أَيْ تَكْسِرُهَا (عُشْرُهَا) أَيْ عُشْرُ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» . (وَفِي الْمُنَقِّلَةِ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ) أَيْ تُحَوِّلُهُ بَعْدَ الْكَسْرِ (عُشْرُهَا) أَيْ عُشْرُ الدِّيَةِ (وَنِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ عُشْرِهَا فَيَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ» . (وَفِي الْآمَّةِ وَهِيَ) الشَّجَّةُ (الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ) وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ (ثُلُثُهَا) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «وَفِي الْآمَّةِ وَيُرْوَى وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» . (وَكَذَا فِي الْجَائِفَةِ) أَيْ يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْجَائِفَةِ أَيْضًا وَهِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ (فَإِنْ نَفَذَتْ) الْجَائِفَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ (فَهُمَا جَائِفَتَانِ وَيَجِبُ ثُلُثَاهَا) أَيْ ثُلُثَا الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ. (وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَارِصَةِ) بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَاتِ (وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ) وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ (وَالدَّامِعَةِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ الَّتِي تُخْرِجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَجْرُوحِ (مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ) يَعْنِي تُظْهِرُ الدَّمْعَ وَلَا تَسِيلُ بَلْ يُجْمَعُ فِي مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ (وَالدَّامِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ) . وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ الدَّامِعَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ شَجَّةٌ تُسِيلُ الدَّمَ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا يُسِيلُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ فِي الدَّامِيَةِ فَالدَّامِيَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَا يُدْمِي الْجِلْدَ سَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا يُدْمِيهِ وَلَا يُسِيلُهُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ هِيَ مَا يُدْمِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيلَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالدَّامِعَةُ مَا يُسِيلُهُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ (وَالْبَاضِعَةِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ) أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الْقَطْعُ (وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ) وَتَقْطَعُهُ بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدِ مِنْ تَلَاحُمٍ أَيْ الْتَأَمَ وَتَلَاصَقَ

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا كَمَا سُمِّيَ اللَّدِيغُ سَلِيمًا (وَالسِّمْحَاقِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ جِلْدَةٌ) رَقِيقَةٌ (فَوْقَ الْعَظْمِ) تَحْتَ اللَّحْمِ (تَصِلُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى تِلْكَ الْجِلْدَةِ الرَّقِيقَةِ (الشَّجَّةُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لَا بِإِجْمَاعٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْحَارِصَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ حُكُومَةِ عَدْلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَلَا يُمْكِنُ الْإِهْدَارُ فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيهَا) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّجَاجِ (الْقِصَاصُ) إذَا كَانَ عَمْدًا (كَالْمُوضِحَةِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ (وَالشِّجَاجُ يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْجَائِفَةُ بِالْجَوْفِ وَالْجَنْبِ وَالظَّهْرِ) وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً لِأَنَّ الْوَارِدَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْجَوْفِ وَالْجَنْبِ وَالظَّهْرِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْحُكْمُ لِمَعْنَى الشَّيْنِ وَهُوَ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلِهَذَا قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ مَا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْجَوْفِ وَالْجَنْبِ وَالظَّهْرِ (جِرَاحَاتٌ) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا اللَّحْيَانِ فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِيمَا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ لَا يَجِبُ الْمُقَدَّرُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَجْهَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ وَلَا مُوَاجَهَةَ لِلنَّاظِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ عِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ أَيْضًا (وَفِيهَا) أَيْ فِي الْجِرَاحَاتِ (حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهِيَ) أَيْ حُكُومَةُ الْعَدْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ (أَنْ يَقُومَ) الْمَجْرُوحُ (عَبْدًا بِلَا هَذَا الْأَثَرِ وَمَعَهُ) أَيْ مَعَ هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ (فَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَجَبَ بِنِسْبَتِهِ مِنْ دِيَتِهِ) مَثَلًا يُفْرَضُ أَنَّ هَذَا الْحُرَّ عَبْدٌ وَقِيمَتُهُ بِلَا هَذَا الْأَثَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَعَ ذَلِكَ الْأَثَرِ تِسْعُمِائَةٍ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْأَلْفِ فَيُؤْخَذُ هَذَا التَّفَاوُتُ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَعَشَرَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَ (بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ بِحُكُومَةِ الْعَدْلِ وَقَيَّدَ يُفْتِي احْتِرَازًا مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ مِقْدَارَ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قِيلَ: قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ مِمَّا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قُطِعَ طَرَفُ سِنِّهِ. (وَفِي) قَطْعِ (أَصَابِعِ الْيَدِ) الْوَاحِدَةِ (وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَزِيدُ بِسَبَبِ الْكَفِّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ بَلْ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ خَمْسُونَ وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ. (وَ) فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ (مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَهُوَ تَبَعٌ إلَى الْمَنْكِبِ وَإِلَى الْفَخِذِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ

فِي الْيَدِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْيَدُ اسْمٌ لِهَذِهِ الْجَارِحَةِ إلَى الْمَنْكِبِ فَلَا يُزَادُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَدَ آلَةٌ بَاطِشَةٌ وَالْبَطْشُ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ الذِّرَاعِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّرَاعُ تَبَعًا فِي حَقِّ التَّضْمِينِ وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُضْوًا كَامِلًا وَلَا إلَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْكَفِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَفِي) قَطْعِ (كَفٍّ فِيهَا أُصْبُعٌ عُشْرُ الدِّيَةِ وَإِنْ) كَانَ (فِيهَا إصْبَعَانِ فَخُمْسُهَا وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ وَهِيَ الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ وَالْبَطْشُ قَائِمَةٌ بِهَا وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصَابِعِ حَيْثُ «أَوْجَبَ فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ» وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهَا بِمُقَابَلَةِ أَصَابِعِ كُلِّ الْكَفِّ وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ قَلَّ وَلَا يَظْهَرُ التَّابِعُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ فَلَا يُعَارَضُ حَتَّى يُصَارَ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ وَلَئِنْ تَعَارَضَا فَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ (وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْكَفِّ وَدِيَةِ الْإِصْبَعِ وَالْإِصْبَعَيْنِ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَرْشَيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَا إلَى إهْدَارِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ فَرَجَّحْنَا بِالْكَثْرَةِ (وَإِنْ) كَانَ (فِيهَا) أَيْ فِي الْكَفِّ (ثَلَاثُ أَصَابِعَ فِدْيَةُ الْأَصَابِعِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْأَصَابِعَ أُصُولٌ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَاسْتُتْبِعَتْ الْكَفُّ كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ قَائِمَةً (وَهِيَ) أَيْ دِيَةُ هَذِهِ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ (ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ) الدِّيَةِ (إجْمَاعًا) يَعْنِي لُزُومَ دِيَةِ الْأَصَابِعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. (وَفِي الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ) أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا جُزْءٌ لِلْآدَمِيِّ وَلَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا زِينَةَ. (وَكَذَا) أَيْ يَلْزَمُ (فِي الشَّارِبِ) حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ. (وَلِحْيَةُ الْكَوْسَجِ) أَيْ يَلْزَمُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بِخِلَافِ لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ حَيْثُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا يَبْقَى فِيهَا أَثَرُ الْحَلْقِ فَلَا يَلْحَقُهَا الشَّيْنُ بِالْحَلْقِ بَلْ بِبَقَاءِ الشَّعَرَاتِ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ نَظِيرَ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَ) تَجِبُ فِي (ثَدْيِ الرَّجُلِ) حُكُومَةُ عَدْلٍ. (وَ) كَذَا فِي (ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدِّيَةُ لِعَدَمِ فَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَعَدَمِ جَمَالِ السِّنِّ السَّوْدَاءِ وَلَكِنْ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعَيْنِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلَنَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَهِيَ الْإِيلَاجُ وَالْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ فَإِذَا عَدِمَتْ لَا يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ

كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ بِلَا ضَوْءٍ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ. (وَكَذَا) تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ (فِي عَيْنِ الطِّفْلِ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّةُ ذَلِكَ) أَيْ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْهَا (بِمَا يَدُلُّ عَلَى إبْصَارِهِ وَتَحَرُّكِ ذَكَرِهِ وَكَلَامِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْفَعَةُ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهَا لَا يَجِبُ الْأَرْشُ الْكَامِلُ بِالشَّكِّ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ بِخِلَافِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجَمَالُ وَقَدْ فَوَّتَهُ عَلَى الْكَمَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ وَإِنْ عُلِمَتْ الصِّحَّةُ فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. (وَإِنْ شَجَّ) رَجُلٌ (رَجُلًا) مُوضِحَةً (فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ) وَلَمْ يَنْبُتْ (دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِدُونِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا جَمِيعًا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَنْ قَطَعَ إصْبَعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ بِهِ يَدُهُ كُلُّهَا. (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَا يَدْخُلُ) أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَائِدَةٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ كَمَا مَرَّ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالنُّطْقِ وَلَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْبَصَرِ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً أَمَّا إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّجَّةِ وَيَجِبُ الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ. (وَإِنْ ذَهَبَ بِهَا) أَيْ بِالْمُوضِحَةِ (عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ وَيَجِبُ أَرْشُهَا) أَيْ أَرْشُ الشَّجَّةِ (وَأَرْشُ الْعَيْنَيْنِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) يَجِبُ (الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالدِّيَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا وَعِنْدَهُمَا فِي الْعُضْوَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ وُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا لَا يَجِبُ. (وَلَا قِصَاصَ فِي أُصْبُعٍ قُطِعَتْ فَشُلَّتْ أُخْرَى) جَنْبَهَا بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّ قَطْعَ الثَّانِي عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ شَلَّ الْأُخْرَى غَيْرُ مُمْكِنٍ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ (يُقْتَصُّ فِي الْمَقْطُوعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْأُخْرَى) الَّتِي شُلَّتْ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ بِالنُّصُوصِ. (وَلَوْ قَطَعَ مِفْصَلَهَا) أَيْ مِفْصَلَ الْإِصْبَعِ (الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ) مِنْ الْمَفَاصِلِ كَمَا فِي الرَّمْزِ شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ فَشُلَّتْ مَا بَقِيَ مِنْ الْإِصْبَعِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ تَدَبَّرْ (فَلَا قِصَاصَ بَلْ الدِّيَةُ فِيمَا قُطِعَ وَحُكُومَةٌ) أَيْ حُكُومَةُ عَدْلٍ (فِيمَا شُلَّ) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَتَلْزَمُ الْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ لِانْتِفَاءِ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ

فِيهِ. (وَلَا) قِصَاصَ (لَوْ كَسَرَ نِصْفَ سِنٍّ فَاسْوَدَّ بَاقِيهَا بَلْ) تَجِبُ (دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهَا وَكَذَا لَوْ احْمَرَّ) بَاقِيهَا (أَوْ اصْفَرَّ أَوْ اخْضَرَّ) الْأَصْلُ فِي هَذَا عِنْدَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ إذَا أَوْجَبَ مَالًا فِي الْبَعْضِ سَقَطَ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَا عُضْوَيْنِ أَوْ عُضْوًا وَاحِدًا. (وَلَوْ اسْوَدَّتْ كُلُّهَا بِضَرْبَةٍ وَهِيَ) أَيْ السِّنُّ (قَائِمَةٌ فَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ) وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا يُسَوِّدُهَا جَمِيعًا بَلْ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي الْعَمْدِ فِي مَالِهِ. (وَلَوْ قُلِعَتْ سِنُّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ أَرْشُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ مَعْنًى لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِ وَلَا الزِّينَةُ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْحَادِثَةُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ. (وَفِي سِنِّ الصَّبِيِّ يَسْقُطُ إجْمَاعًا) لِأَنَّ سِنَّ الصَّبِيِّ لَا تَتَقَرَّرُ فِي مَكَانِهَا فَوُجُودُهَا كَعَدَمِهَا فَلَمْ يُعَدَّ قَلْعُهَا جِنَايَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِمَكَانِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ. (وَإِنْ أَعَادَ الرَّجُلُ سِنَّةَ الْمَقْلُوعَةِ إلَى مَكَانِهَا) أَيْ السِّنِّ (فَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ لَا يَسْقُطُ أَرْشُهَا إجْمَاعًا) وَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأُولَى بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَى الْقَالِعِ أَرْشُهَا لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. (وَمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ فَاقْتَصَّ مِنْ قَالِعِهَا ثُمَّ نَبَتَتْ) أَيْ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى (فَعَلَيْهِ دِيَةُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ (وَيُسْتَأْنَى فِي اقْتِصَاصِ السِّنِّ، وَ) اقْتِصَاصِ (الْمُوضِحَةِ حَوْلًا) الِاسْتِنَانُ الِانْتِظَارُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. (كَذَا لَوْ ضَرَبَ سِنَّهُ فَتَحَرَّكَتْ فَلَوْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي فَجَاءَ الْمَضْرُوبُ وَقَدْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَاخْتَلَفَا فِي سَبَبِ سُقُوطِهَا فَإِنْ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ وَإِنْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَ) الْقَوْلُ (لِلضَّارِبِ) . وَفِي الْمِنَحِ ضَرْبُ سِنِّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْنَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ وَلَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِيُفِيدَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً ثُمَّ جَاءَ وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ

لِلضَّارِبِ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكَ يُورِثُ السُّقُوطَ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلسِّنِّ وَلَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ أُحْضِرَتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِذَهَابِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَتَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إذَا لَمْ يُفَوِّتْ بِهِ مَنْفَعَةَ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَ مَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ تَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ. وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي بَعْضِ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ. (وَلَوْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ يَسْقُطُ الْأَرْشُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَلَيْهِ (أُجْرَةُ الطَّبِيبِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفُسِّرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالِ مَنْفَعَتِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ شِبْهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ. (وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ بِضَرْبٍ فَزَالَ أَثَرُهُ) فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي سُقُوطِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوُجُوبِ الْأَرْشِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوُجُوبِ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. (وَإِنْ بَقِيَ) أَثَرُهُ (فَحُكُومَةُ عَدْلٍ بِالْإِجْمَاعِ) وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لَوْ جَرَحَهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ وَلَمْ يَجْرَحْ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُقْتَصُّ لِجُرْحٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ مُوضِحَةٍ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتْلٌ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ. (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ فَالدِّيَةُ فِيهِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَا يَعْقِلُ الْعَاقِلَةَ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا. (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ إرْثٍ)

فصل في دية الجنين

وَذَلِكَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَلَمَا رُوِيَ أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَفَزِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ وَأَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ قَاصِرُ الْعَقْلِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْقَصْدُ وَصَارَ كَنَائِمٍ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْكَفَّارَةِ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ) فِي لُزُومِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ الْحِرْمَانِ عَنْ الْإِرْثِ. [فَصَلِّ فِي دِيَة الْجَنِين] فَصَلِّ فِي الْجَنِين (وَمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةُ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْغُرَّةُ غُرَّةً لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ فِي الدِّيَاتِ وَأَقَلُّ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ فِي الْوُجُودِ وَلِهَذَا يُسَمَّى أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَوَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَعُشْرِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُرْوَى أَوْ خَمْسُمِائَةٍ» فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَدَّرَهَا بِسِتِّمِائَةٍ نَحْوِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا «سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةً حَيْثُ قَالَ: دُوهُ وَقَالَ أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ» الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَجِبُ فِي السَّنَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (فَإِنْ أَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَمَاتَ فِدْيَةٌ) أَيْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ. (وَإِنْ) أَلْقَتْ (مَيِّتًا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (وَمَاتَتْ الْأُمُّ فَغُرَّةٌ) لِلْجَنِينِ (وَدِيَةٌ) لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ لِلْآخَرِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَإِنْ مَاتَتْ) الْأُمُّ (فَأَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَمَاتَ) الْجَنِينُ (فَدِيَتُهَا) أَيْ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ (وَدِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ قَاتِلُ شَخْصَيْنِ. (وَإِنْ) مَاتَتْ الْأُمُّ بِالضَّرْبِ ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ (مَيِّتًا فَدِيَتُهَا) أَيْ دِيَةُ الْأُمِّ (فَقَطْ) وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِالضَّرْبِ فَصَارَ

كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ أَحَدُ سَبَبَيْ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَنِقُ بِمَوْتِهَا إذْ تَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ (وَمَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ يُورِثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ (وَلَا يَرِثُ مِنْهُ الضَّارِبُ) لِكَوْنِهِ قَاتِلًا مُبَاشِرًا ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (لَوْ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ) كَانَ (أُنْثَى) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ لِأَنَّ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ فِي الْأَصْلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ فَكَانَ بَدَلَ نَفْسِ الْجَنِينِ فَيُقَدَّرُ بِهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ نُقْصَانَهَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ لَوْ انْتَقَصَتْ الْأُمُّ بِإِلْقَائِهَا الْجَنِينَ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ فَجَازَ الِاعْتِبَارُ عَلَى أَصْلِهِ. (فَإِنْ ضُرِبَتْ) أَيْ الْأَمَةُ (فَحَرَّرَ سَيِّدُهَا حَمْلَهَا فَأَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ تَجِبُ قِيمَتُهُ) حَيًّا (لَا دِيَتُهُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى سَبَبِهِ فَسَبَبُ الْقَتْلِ هُنَا الضَّرْبُ السَّابِقُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ حَيًّا إذْ السَّبَبُ وَقَعَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِي) إتْلَافِ (الْجَنِينِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ مَوْرِدُ النَّصِّ وَلَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهَا احْتِيَاطًا فَهُوَ أَفْضَلُ لِارْتِكَابِهِ مَحْظُورًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِتْلَافُ النَّفْسِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا صَنَعَ. (وَ) الْجَنِينُ (الْمُسْتَبِينُ بَعْضُ خَلْقِهِ كَتَمَامِ الْخَلْقِ) أَيْ الْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالْجَنِينِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ. (وَإِنْ شَرِبَتْ حُرَّةٌ دَوَاءً أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا لِطَرْحِ جَنِينِهَا) حَتَّى طَرَحَتْهُ (فَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنِ أَبِيهِ) لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ. (وَإِنْ) فَعَلَتْ ذَلِكَ (بِإِذْنِهِ فَلَا) تَضْمَنُ الْغُرَّةَ عَاقِلَتُهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّعَدِّي بِسَبَبِ اسْتِبْذَالِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب ما يحدث في الطريق

[بَاب مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق] لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً عَقَّبَهُ بِذِكْرِ أَحْكَامِهِ تَسَبُّبًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (مَنْ أَحْدَثَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا) الْجُرْصُنُ قِيلَ: هُوَ الْبُرْجُ وَقِيلَ: جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ مَجْرَى مَاءٍ يُرَكَّبُ فِي الْحَائِطِ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ دُكَّانًا وَسِعَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ) أَيْ بِالْعَامَّةِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مُعَدٌّ لِلتَّطَرُّقِ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ الْعَامَّةُ بِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ فَمَا تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّرَرُ يَأْثَمُ بِأَحْدَاثِهِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ) أَيْ الْعَامَّةِ (نَزْعُهُ) وَمُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقَّ النَّقْضِ لَوْ أَحْدَثَ غَيْرُهُمْ فِيهِ شَيْئًا هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُنْقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ هَلْ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِأَحَدٍ الْخُصُومَةُ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ؟ وَهَلْ يَضْمَنُ فِيمَا تَلِفَ بِسَبَبِ الْإِحْدَاثِ؟ أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ إحْدَاثُهُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ الْإِمَامُ: لِكُلِّ أَحَدٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ أَضَرَّ أَوْ لَمْ يُضِرَّ إنْ كَانَ الْوَضْعُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ مُفَوِّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا وَأَمَّا الضَّمَانُ بِالْإِتْلَافِ فَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ مَشْرُوحًا (وَفِي الطَّرِيقِ الْخَاصِّ لَا يَسَعُهُ بِلَا إذْنِ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا بِإِذْنِهِمْ بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ مَنْ مَاتَ بِسُقُوطِهَا فِيهِمَا) كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِيهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ

دِيَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِهِ (وَكَذَا لَوْ عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ) فَيَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّسَبُّبِ. (وَإِنْ وَقَعَ الْعَاثِرُ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَحْدَثَهُ) يَعْنِي إذَا مَاتَ الْعَاثِرُ وَالْآخَرُ الَّذِي مَاتَ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِمَا فَضَمَانُ دِيَتِهِمَا عَلَى الْمُحْدِثِ فِي الطَّرِيقِ مَا بِهِ الْإِتْلَافُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ بِيَدِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَثَرَ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ كَالْآلَةِ. (وَإِنْ أَصَابَهُ طَرَفُ الْمِيزَابِ الَّذِي فِي الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ) أَصَابَهُ (الطَّرَفُ الْخَارِجُ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا سَقَطَ عَلَيْهِ طَرَفُ الْمِيزَابِ فَقَتَلَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّرَفُ مُتَمَكِّنًا فِي الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمِيزَابِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِمَا أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ هُوَ الطَّرَفُ الْخَارِجُ مِنْ الْحَائِطِ ضَمِنَ الَّذِي وَضَعَهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهَدَرَ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَهُ سَبُعٌ وَإِنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالٍ وَلَا يَضْمَنُ فِي حَالٍ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِحَفَرَ وَوُضِعَ عَلَى التَّنَازُعِ وَقَوْلُهُ: فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ يَضْمَنُ الدِّيَةَ عَاقِلَتُهُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي طَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ تَكُونُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ أَوْ الْوَاضِعِ فَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ تَسَبَّبَ لِتَلَفِ إنْسَانٍ بِسُقُوطِ مَا أَحْدَثَ مِنْ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَالْجُرْصُنِ وَالدُّكَّانِ. (وَإِنْ تَلِفَ بِهِ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) أَيْ إذَا تَلِفَ بِالْحَفْرِ أَوْ الْوَضْعِ أَوْ السُّقُوطِ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُ تِلْكَ الْبَهِيمَةِ فِي مَالِ الْمُتَسَبِّبِ بِمَا ذُكِرَ أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَيَضْمَنُ وَأَمَّا عَدَمُ تَضْمِينِ الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ النَّفْسِ. (وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ) فِي الطَّرِيقِ (كَوَضْعِ الْحَجَرِ) فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَسَبُّبٌ بِنَوْعٍ مِنْ التَّعَدِّي (وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ (إذَا فَعَلَهُ) أَيْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي (فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ (فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ حَيْثُ فَعَلَ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حُقُوقِ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ إمَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِالِافْتِيَاتِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالِافْتِيَاتُ الِاسْتِبْدَادُ بِالرَّأْيِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَذَا لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَكَذَلِكَ إذَا حَفَرَ فِي فِنَاءِ دَارِهِ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ

وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ (وَلَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ جُوعًا أَوْ غَمًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى حَافِرِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةَ حَفْرٍ (بِلَا إذْنِ) الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْجُوعُ وَالْغَمُّ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا مَاتَ جُوعًا وَلَا غَمًّا. (وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) عَلَيْهِ الضَّمَانُ (فِي الْغَمِّ لَا فِي الْجُوعِ) لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِيهِ وَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْبِئْرِ. (وَإِنْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ آخَرُ فَضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ عَلَى الثَّانِي) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ لِفَرَاغِ مَا شَغَلَهُ وَإِنَّمَا اشْتَغَلَ بِفِعْلِ الثَّانِي مَوْضِعَ آخَرَ. (وَلَوْ) (أَشْرَعَ) أَيْ أَخْرَجَ (جَنَاحًا) إلَى الطَّرِيقِ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ الْجُنَاحُ الرَّوْشَنُ ثُمَّ قَالَ الرَّوْشَنُ الْكُوَّةُ. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الرَّوْشَنُ الْمَمَرُّ عَلَى الْعُلُوِّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: الرَّوْشَنُ هُوَ الْخَشَبَةُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى جِدَارِ السَّطْحَيْنِ تَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُرُورِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَشْرَاعُ الْجَنَاحِ إخْرَاجُ الْجُذُوعِ إلَى الطَّرِيقِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ إنْ يُرَادَ هُنَا (فِي دَارٍ ثُمَّ بَاعَهَا) أَيْ الدَّارَ (فَضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ) أَيْ بِالْجَنَاحِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الْإِشْرَاعُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. (وَكَذَا لَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَهَا) أَيْ الْخَشَبَةَ (وَبَرِئَ) الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِي) مُتَعَلِّقٌ بِبَرِئَ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ كَمَا فِي أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إلَيْك (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْخَشَبَةِ (فَتَرَكَهَا) أَيْ الْخَشَبَةَ (الْمُشْتَرِي فَضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ بِالْخَشَبَةِ (عَلَى الْبَائِعِ) أَيْضًا لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الْوَضْعُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ أَعْنِي الْوَضْعَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ. (وَلَوْ وَضَعَ فِي طَرِيقٍ جَمْرًا فَأَحْرَقَ) ذَلِكَ الْجَمْرُ (شَيْئًا ضَمِنَهُ) أَيْ يَضْمَنُ الْوَاضِعُ مَا أَحْرَقَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ الْوَضْعِ. (وَلَوْ أَحْرَقَ بَعْدَمَا حَرَّكَتْهُ) أَيْ الْجَمْرَ (الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ) آخَرَ (لَا يَضْمَنُ) لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ (إنْ كَانَتْ) أَيْ الرِّيحُ (سَاكِنَةً عِنْدَ وَضْعِهِ) أَيْ الْجَمْرِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ حَرَّكَتْ الرِّيحُ عَيْنَ الْجَمْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرِّيحَ إذَا هَبَّتْ بِشَرَرِهَا فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّيحَ إذَا هَبَّتْ بِشَرَرِهَا وَلَمْ تَذْهَبْ بِعَيْنِهَا فَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فِي مَكَانِهَا فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بَاقِيَةً فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُهُ هَذَا اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. (وَيَضْمَنُ مَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ) أَيْ الْمَحْمُولِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَامِلِ يَعْنِي مَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ الْمَحْمُولُ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَ الْحَامِلُ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ الصَّيْدِ.

(وَكَذَا) يَضْمَنُ (مَنْ أَدْخَلَ حَصِيرًا أَوْ قِنْدِيلًا أَوْ حَصَاةً إلَى مَسْجِدِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ حَيِّهِ (بِلَا إذْنٍ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ تَدْبِيرَ أُمُورِ الْمَسْجِدِ مُسَلَّمٌ إلَى أَهْلٍ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ فِعْلُ الْغَيْرِ تَعَدِّيًا أَوْ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَقَصْدُ الْقُرْبَةِ وَالْخَيْرِ لَا يُنَافِي الْغُرْمَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. (وَلَوْ أَدْخَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَى مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَأْذُونٌ فِي إقَامَةِ ذَلِكَ فَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا. (وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (لَوْ تَلِفَ شَيْءٌ بِسُقُوطِ رِدَاءٍ هُوَ لَابِسُهُ) إذَا اللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَقَعُ الْحَرَجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا لَبِسَ مَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَدُرُوعِ الْحَرْبِ وَالْجَوَالِقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَتَلِفَ يَضْمَنُ لِأَنَّ هَذَا اللُّبْسَ بِمَنْزِلَةِ الْحِمْلِ وَفِي الْحِمْلِ يَضْمَنُ. (وَمَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ مُصَلٍّ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جُلُوسِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ) لِحَاجَةٍ مِنْ الْحَوَائِجِ (أَوْ يَقْعُدَ لِلْحَدِيثِ) وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ مُبَاحًا لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلشَّيْءِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُلْحَقَةٌ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فَجَعَلْنَا الْجُلُوسَ لِلْأَصْلِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْجُلُوسُ لِمَا يَلْحَقُ بِهِ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا ضَرَرَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ وَإِلَى الصَّيْدِ وَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا وَطِئَ غَيْرَهُ وَالنَّوْمِ فِيهِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الْجَالِسَ لِلِانْتِظَارِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ (وَلَا) فَرْقَ أَيْضًا (بَيْنَ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَغَيْرِهِ) فِي الصَّحِيحِ (أَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقِيلَ: عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ) وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ

سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَفِي الْجَالِسِ مُصَلِّيًا لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ) الْجَالِسُ (مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ. (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ عَمَلَةً) جَمْعُ عَامِلٍ (لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ) مِنْ الدَّارِ (فَتَلِفَ بِهِ) أَيْ بِالْإِخْرَاجِ شَيْءٌ (فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ إنْ) كَانَ التَّلَفُ (قَبْلَ فَرَاغِ عَمَلِهِمْ) لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ وَمَا لَمْ يَفْرُغُوا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَتَسَلَّمْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ) كَانَ التَّلَفُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ عَمَلِهِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الضَّمَانُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقُّوا الْأَجْرَ وَوَقَعَ فِعْلُهُمْ عِمَارَةً وَإِصْلَاحًا فَانْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ. (وَيَضْمَنُ مَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ مَا عَطِبَ بِهِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ. (وَكَذَا إذَا رَشَّهُ) أَيْ رَشَّ الْمَاءَ (بِحَيْثُ يُزْلَقُ فِيهِ) مَنْ مَشَى عَلَيْهِ (أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ (وَاسْتَوْعَبَ) الْمَاءُ (الطَّرِيقَ) فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ لِمَا سَبَقَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ. (وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الصَّبِّ وَالرَّشِّ وَالْوُضُوءِ (فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ) أَيْ الْفَاعِلُ (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ السِّكَّةِ (أَوْ قَعَدَ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ (أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ) فِيهَا (لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِيهَا لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ السُّكْنَى. (وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (إنْ رَشَّ مَا لَا يُزْلَقُ بِهِ عَادَةً أَوْ) تَوَضَّأَ بِهِ وَاسْتَوْعَبَ الْمَاءَ (بَعْضُ الطَّرِيقِ) لَا كُلُّهُ (فَتَعَمَّدَ الْمَارُّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ عَلَى الْبِئْرِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَوَقَعَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِأَنْ كَانَ الْمُرُورُ لَيْلًا أَوْ كَانَ الْمَارُّ أَعْمَى فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. (وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ) فِي الطَّرِيقِ (كَالرَّشِّ فِي اسْتِيعَابِ الطَّرِيقِ وَعَدَمِهِ) يَعْنِي إذَا اسْتَوْعَبَتْ الْخَشَبَةُ الطَّرِيقَ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ تَسْتَوْعِبْهُ لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ حَفَرَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ أَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا أَوْ نَصَبَ تَنُّورًا أَوْ رَبَطَ دَابَّةً لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيَافِي لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ الْأَمْصَارِ دُونَ الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهُ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الصَّحَارِي. (وَإِنْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ

فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ الْأَجِيرُ (لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْأَجِيرِ (وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ) لِفَسَادِ الْأَمْرِ. (وَلَوْ كَنَسَ الطَّرِيقَ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ) وَفِي الْكَافِي وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَضْمَنُ الْآمِرُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْأَجِيرُ لِفَسَادِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ إحْدَاثُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي فِنَائِهِ إذَا كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ غَيْرُهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَاعْتُبِرَ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَوْ كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا وَإِنَّمَا كَنَسَ الطَّرِيقَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ وَلَا يُؤْذِيهِمْ التُّرَابُ وَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا التَّسَبُّبِ (وَلَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ بِالْكُنَاسَةِ لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِ مَا شَغَلَ الطَّرِيقَ. (وَلَا ضَمَانَ فِيمَا تَلِفَ بِشَيْءٍ فُعِلَ فِي الْمِلْكِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا (أَوْ فِي فِنَاءِ) عَطْفٌ عَلَى تَلِفَ (لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِنَاءِ (حَقُّ التَّصَرُّفِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامَّةِ وَلَا مُشْتَرَكًا لِأَهْلِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ لِفِعْلِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ حَفَرَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) لَا عَلَى الْأَجِيرِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَجِيرُ أَنَّهُ غَيْرُ فِنَائِهِ) لِأَنَّ الْأَجِيرَ يَعْمَلُ لَهُ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِنَائِهِ وَإِنَّمَا حَفَرَ اعْتِمَادًا عَلَى أَمْرِهِ فَلِدَفْعِ ضَرَرِ الْغُرُورِ نُقِلَ فِعْلُهُ إلَى الْآخَرِ. (وَإِنْ عَلِمَ) الْأَجِيرُ أَنَّهُ غَيْرُ فِنَائِهِ (فَعَلَى الْأَجِيرِ) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ فَبَقِيَ مُضَافًا إلَيْهِ. (وَإِنْ قَالَ) الْمُسْتَأْجِرُ: (هُوَ فِنَائِي وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ قِيَاسًا) لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يُوجَدْ الْغُرُورُ (وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَفَى ذَلِكَ

فصل أحكام القتل المتعلقة بالجماد

لِنَقْلِ الْفِعْلِ إلَيْهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنَ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ إنَّهُ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ أَمْرِهِ. (وَمَنْ بَنَى قَنْطَرَةً) أَيْ عَلَى نَهْرٍ كَبِيرٍ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ أَحَدٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْقَنْطَرَةِ (فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَانِي) لِأَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الْمُرُورَ وَكَانَ بَصِيرًا وَيَجِدُ مَوْضِعًا آخَرَ لِلْمُرُورِ صَارَ كَأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ فَنُسِبَ التَّلَفُ إلَيْهِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ مَرَّ لَيْلًا يَضْمَنُ إذَا وَضَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا وَضَعَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا يَضْمَنُ. [فَصْل أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ] فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ مَسَائِلِ الْقَتْلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ (إنْ مَالَ حَائِطٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَطُولِبَ رَبُّهُ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ (بِنَقْضِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ حُرٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمُرُورِ شُرَكَاءُ مِمَّنْ يَمْلِكُ نَقْضَهُ وَهَدْمَهُ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَانْقُضْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ أَوْ اهْدِمْهُ فَإِنَّهُ مَائِلٌ وَالْإِشْهَادُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْإِشْهَادِ فِيمَا ذُكِرَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَهَذَا لَا يَنْفِي وُجُودَ مَعْنَى الْإِشْهَادِ إذَا وَقَعَ الطَّلَبُ عِنْدَ الشُّهُودِ بَلْ يَنْبَغِي الْإِشْهَادُ بِلَفْظِ اشْهَدُوا وَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْإِشْهَادِ. وَفِي الْمِنَحِ لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا صَحَّ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ: يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ بَلْ هُوَ مَشُورَةٌ (فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْضُهُ فِيهَا فَتَلِفَ بِهِ) أَيْ بِانْهِدَامِهِ (نَفْسٌ أَوْ مَالٌ) (ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ) أَيْ عَاقِلَةُ رَبِّ الْحَائِطِ (النَّفْسَ، وَ) ضَمِنَ (هُوَ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ (الْمَالَ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْحَائِطَ فِي مِلْكِهِ وَالسُّقُوطُ وَالْمَيَلَانُ لَيْسَ مِنْ صُنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا قَبْلَ

الْإِشْهَادِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ شَغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِحَائِطِهِ وَوَقَعَ فِي يَدِهِ هَوَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَرَفَعَهُ فِي يَدِهِ فَإِذَا طُولِبَ بِالنَّقْضِ وَتَفْرِيغِ الْهَوَاءِ عَنْ هَذَا الشَّغْلِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ مَعَ التَّمَكُّنِ صَارَ خَائِنًا كَأَنَّهُ شَغَلَ ابْتِدَاءً بِاخْتِيَارِهِ. (وَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِهِ مَنْ يَمْلِكُ نَقْضَهُ كَأَبِ الطِّفْلِ) الَّذِي وَقَعَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِدُونِ الْيَاءِ فِي أَبٍ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يُرْسَمَ بِالْيَاءِ (وَوَصِيِّهِ) لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ لَهُمَا بِالنَّقْضِ فِي حَقِّهِ (وَالرَّاهِنِ) فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ (بِفَكِّ الرَّهْنِ) وَإِرْجَاعِ الْمَرْهُونِ إلَى يَدِهِ (وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ) وَلَوْ مَدْيُونًا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّقْضِ ثُمَّ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى لَوْ كَانَ عَاقِلَةٌ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمَالِ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بِالْمَوْلَى (وَالْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا فَيَكُونُ وِلَايَةُ النَّقْضِ لَهُ وَضَمَانُ مَا تَلِفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِيهِ حُكْمُ ضَمَانِ مَا تَلِفَ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ (وَلَا يَضْمَنُ إنْ بَاعَهُ) أَيْ الْحَائِطَ رَبُّهُ (بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَسَقَطَ) لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَعَزَاءً إلَى الْكَافِي وَلَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ لَفْظٌ أَوْ لَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ: بَاعَ الدَّارَ بَعْدَمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ. وَفِي الْمِنَحِ فَإِنْ قُلْت هَلْ قَوْلُهُمْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ قُيِّدَ أَوْ لَا قُلْت لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ غَيْرُ الْبَيْعِ كَذَلِكَ كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا أَشْهَدَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ بِالنَّقْضِ ثُمَّ خَرَجَ الْحَائِطُ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَ الْإِشْهَادُ وَالتَّقَدُّمُ حَتَّى إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَسَقَطَ بَعْدَ تَمَكُّنِ النَّقْضِ أَوْ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِذَلِكَ الْإِشْهَادِ انْتَهَى (وَلَا) يَضْمَنُ (إنْ طُولِبَ بِهِ) أَيْ بِالنَّقْضِ (مَنْ لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ النَّقْضَ (كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَا يُفِيدُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُونَ بِمَا تَلِفَ مِنْ سُقُوطِهِ. (وَإِنْ بَنَاهُ) أَيْ الْحَائِطَ صَاحِبُهُ (مَائِلًا ابْتِدَاءً ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْجُذُوعِ مِنْ الْجِدَالِ إلَى الطَّرِيقِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَالْكَنِيفِ لِتَعَدِّيهِ بِالْبِنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ. (فَإِنْ مَالَ) أَيْ الْحَائِطُ (إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ لِرَبِّهَا) أَيْ لِرَبِّ الدَّارِ لِأَنَّ الطَّلَبَ حَقٌّ لَهُ (أَوْ سَاكِنِهَا) أَيْ سَاكِنِ الدَّارِ فَلِلسُّكَّانِ أَنْ يُطَالِبُوهُ لِأَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ

باب في جناية البهيمة والجناية عليها

مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا (فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ) أَيْ يَصِحُّ تَأْجِيلُ كُلٍّ مِنْ مَالِكِ الدَّارِ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ بَعْدَ مُدَّةِ الْأَجَلِ وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِسْقَاطُهُ. (وَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ فِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ (وَلَوْ) كَانَ أَيْ التَّأْجِيلُ (مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْمُشْهَدِ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلْمُشْهَدِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ. (وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةٍ فَأُشْهِدَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (عَلَى أَحَدِهِمْ) أَيْ أَحَدِ الْخَمْسَةِ (ضَمِنَ خُمْسَ مَا تَلِفَ بِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَعِنْدَهُمَا نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي عَقْرِ الْأَسَدِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَجُرْحِ الرَّجُلِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَارِحَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ حَتَّى يُعْتَبَرُ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ فَإِنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةُ التَّلَفِ بِنَفْسِهَا صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَتْ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ حَفَرَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ فِي دَارٍ) هِيَ (لَهُمْ بِئْرًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكَيْهِ أَوْ بَنَى حَائِطًا ضَمِنَ ثُلُثَيْ مَا تَلِفَ بِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) ضَمِنَ (نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ مَا تَلِفَ بِهِ وَالدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الشُّرَكَاءِ السَّالِفَةِ قَبْلَ هَذَا. [بَاب فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا] جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ (عَلَيْهَا) (يَضْمَنُ الرَّاكِبُ) أَيْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي (مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ صَدَمَتْ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ النَّاسِ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ فَالْجِنَايَةُ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِنَّمَا تُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ دُونَ مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَةَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ الْمَشْيِ وَالسَّيْرِ مَخَافَةَ أَنْ يُبْتَلَى بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْهُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْوَطْءِ وَالْإِصَابَةِ بِالْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَالْكَدْمِ وَهُوَ الْعَضُّ بِمُقَدَّمِ الْأَسْنَانِ أَوْ الْخَبْطِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ أَوْ الصَّدْمِ

وَهُوَ الضَّرْبُ بِنَفْسِ الدَّابَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الرَّاكِبِ إذَا أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: يُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ضَرَبَتْ بِحَدِّ حَافِرِهَا هَذَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً (إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا) أَيْ الرَّاكِبُ الدَّابَّةَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَضْمَنُ بِالنَّفْحَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالرِّجْلِ أَوْ بِالذَّنَبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ النَّفْحِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ وَشَغَلَ الطَّرِيقَ بِهِ (وَلَا مَا عَطِبَ بِرَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةً) يَعْنِي إذَا بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَقِفَ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةً (لِأَجْلِهِ) أَيْ لِأَجْلِ الرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ (فَإِنْ أَوْقَفَهَا لَا لِأَجْلِهِ) أَيْ لَا لِأَجْلِ الرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ (ضَمِنَ مَا عَطِبَ بِهِ) أَيْ بِالرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ. (فَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (عَيْنًا) فَذَهَبَ ضَوْءُهَا (أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبًا لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يُعْرِي عَنْهُ (وَإِنْ) كَانَ حَجَرًا (كَبِيرًا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَيْرُ الدَّوَابِّ يَنْفَكُّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِخَرْقٍ مِنْهُ فِي السَّيْرِ (وَيَضْمَنُ الْقَائِدُ مَا يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ وَكَذَا السَّائِقُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الدَّابَّةَ فِي أَيْدِيهِمْ وَهُمْ يُسَيِّرُونَهَا وَيَصْرِفُونَهَا كَيْفَ شَاءُوا وَهُوَ مُخْتَارُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ (وَقِيلَ) : قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ (يَضْمَنُ) أَيْ السَّائِقُ (النَّفْحَةَ أَيْضًا) وَلَا يَضْمَنُهَا الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ السَّائِقَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا يَعْنِي النَّفْحَةَ لِأَنَّ السَّائِقَ يَرَى النَّفْحَةَ فَيُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَالْقَاعِدُ لَا يَرَاهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي تَمَكُّنِ الِاحْتِرَازِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ (وَلَا حِرْمَانَ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) لِأَنَّهُمَا يَخْتَصَّانِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَيْسَا مِنْ أَحْكَامِ التَّسْبِيبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لَكَانَ أَنْسَبَ وَلَعَلَّهُ أَتَى بِأَوْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ (بِخِلَافِ الرَّاكِبِ) فِيمَا أَوْطَأْتُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَحِرْمَانَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُ فَإِنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا سَبَبَانِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحَلِّ شَيْءٌ. (وَإِنْ اجْتَمَعَ الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ أَوْ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا)

أَيْ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ (وَقِيلَ: عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ) دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقَ مُتَسَبِّبٌ فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى. (وَإِنْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ) خَطَأً أَيْ ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ (أَوْ) اصْطَدَمَ (مَاشِيَانِ فَمَاتَا ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلٍّ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ (دِيَةَ الْآخَرِ) عِنْدَنَا لِأَنَّ هَلَاكَهُ إمَّا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ صَاحِبِهِ أَوْ فِعْلِهِمَا مَعًا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُبَاحٌ لَا يَصْلُحُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْهَلَاكُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَصْلُحَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِأَنَّ مَا يُرْكَبُ مِنْ صَالِحٍ وَغَيْرِ صَالِحٍ لَيْسَ بِصَالِحٍ فَثَبَتَ الثَّانِي فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ يَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْهَلَاكُ فَيَصْلُحُ أَيْضًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَطِبَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَكَانَ نِصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرٌ وَالْآخَرُ هَدَرٌ قِيلَ: لَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فِي الِاصْطِدَامِ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ الدِّيَةِ لِلْآخَرِ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: هَذَا لَوْ وَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَفَاهُ لِتَحَقُّقِ فِعْلِ الِاصْطِدَامِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدَمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ هَدَرٌ قِيلَ: يَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى قَفَاهُ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ وَجْهِهِ. (وَإِنْ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَمَاتَا فَإِنْ وَقَعَا) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (عَلَى ظَهْرِهِمَا فَهُمَا هَدَرٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ. (وَإِنْ) وَقَعَا (عَلَى وَجْهِهِمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (دِيَةُ الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَاءِ وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ (فِدْيَةُ مَنْ) وَقَعَ (عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ) فَاَلَّذِي عَلَى الْقَفَاءِ لَا دِيَةَ لَهُ. (وَإِنْ قَطَعَ آخَرُ الْحَبْلَ) أَيْ إنْ تَجَاذَبَا الْحَبْلَ فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ آخَرُ فَوَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَاءِ (فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى فِعْلِهِ فَكَانَ سَبَبًا. (وَإِنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ سَرْجُهَا أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَدَوَاتِهَا) كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا (عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ ضَمِنَ) السَّائِقُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ وَالْأَحْكَامُ فِيهِ بِخِلَافِ الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُشَدُّ فِي الْعَادَةِ وَلَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ دُونَ اللِّبَاسِ فَيُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. (وَكَذَا) يَضْمَنُ (قَائِدُ قِطَارٍ وَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْقِطَارِ (إنْسَانًا وَضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَ) ضَمَانُ (الْمَالِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ

وَالتَّسْبِيبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبُ الضَّمَانِ. (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدُ الْكُلِّ وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبِ الْإِبِلِ أَمَّا إذَا تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا يَكُونُ قُدَّامَهُ وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهَا وَكَذَا مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي خَلْفَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لَهَا إلَّا إذَا كَانَ أَخَذَ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشِرِينَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (فَإِنْ رُبِطَ بَعِيرٌ عَلَى قِطَارٍ بِغَيْرِ عِلْمِ قَائِدِهِ فَعَطِبَ بِهِ) أَيْ بِالْبَعِيرِ الْمَرْبُوطِ (إنْسَانٌ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ قَائِدٌ لِلْكُلِّ فَيَكُونُ قَائِدًا لِذَلِكَ وَالْقَوَدُ سَبَبٌ قَرِيبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ الْمُحَقَّقُ بِجَهْلِهِ (وَرَجَعُوا) أَيْ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ (بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الدِّيَةِ (عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الرَّابِطِ لِأَنَّ الرَّابِطَ أَوْقَعَهُمْ فِي خُسْرَانِ الْمَالِ وَهَذَا مِمَّا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ انْتَهَى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّابِطَ لَمَّا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيمَا صَنَعَ صَارَ فِي التَّقْدِيرِ هُوَ الْجَانِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّابِطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ لِأَنَّ الرَّابِطَ أُمِرَ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنْ جَهْلُهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى أَحَدٍ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ. (وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً أَوْ كَلْبًا وَسَاقَهُ) بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا (ضَمِنَ مَا أَصَابَ فِي فَوْرِهِ) أَيْ فَوْرِ الْإِرْسَالِ بِأَنْ لَا يَمِيلَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِأَنَّ فِعْلَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُرْسَلِ بِسَوْقِهِ كَمَا يُضَافُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ (وَفِي الطَّيْرِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ سَاقَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ وَالْكَلْبِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَبَدَنُ الطَّيْرِ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (فِي الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ إذَا لَمْ يَسُقْ) لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ مُسْتَقِلًّا فِي فِعْلِهِ.

(أَوْ انْفَلَتَتْ) أَيْ الدَّابَّةُ (بِنَفْسِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ نَفْسًا) لَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» قَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَنِهَا وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَ ثُمَّ سَارَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَتْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ثُمَّ سَارَتْ فَأَخَذَتْ الصَّيْدَ يَعْنِي يَحِلُّ صَيْدُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تُحَقِّقُ مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ وَهُوَ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ وَفِي الْإِرْسَالِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهِ ضَمِنَ الْمُرْسِلُ وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْكَافِي وَمَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ وَطَارَ الطَّيْرُ أَوْ بَابَ الْإِصْطَبْلِ فَخَرَجَتْ الدَّابَّةُ وَضَلَّتْ لَا يَضْمَنُ الْفَاتِحُ لِأَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى التَّسَبُّبِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ لِأَنَّ طَيَرَانَ الطَّيْرِ هَدَرٌ شَرْعًا وَكَذَا فِعْلُ كُلِّ بَهِيمَةٍ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ بِلَا اخْتِيَارٍ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ شَقَّ زِقًّا فَسَالَ مَا فِيهِ. (وَمَنْ ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ أَوْ نَخَسَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ وَالنَّخْسُ الطَّعْنُ (فَنَفَحَتْ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا أَحَدًا) مَفْعُولُ نَفَحَتْ وَضَرَبَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (أَوْ نَفَرَتْ) أَيْ الدَّابَّةُ مِنْ ضَرْبِهِ أَوْ نَخْسِهِ (فَصَدَمَتْهُ) أَيْ ضَرَبَتْ بِنَفْسِهَا أَحَدًا (فَمَاتَ) (ضَمِنَ هُوَ) أَيْ ضَارِبُ الدَّابَّةِ أَوْ النَّاخِسُ (لَا الرَّاكِبُ إنْ فَعَلَ) أَيْ الضَّارِبُ أَوْ النَّاخِسُ (ذَلِكَ) أَيْ الضَّرْبَ وَالنَّخْسَ (حَالَ السَّيْرِ) أَيْ سَيْرِ الدَّابَّةِ لِأَنَّ الضَّارِبَ أَوْ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ وَالرَّاكِبُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي. (وَإِنْ أَوْقَفَهَا لَا فِي مِلْكِهِ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إنْ أَوْقَفَ الدَّابَّةَ رَاكِبُهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لَا فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَوْقَفَهَا فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ الرَّاكِبُ أَيْضًا. (وَإِنْ نَفَحَتْ) الدَّابَّةُ (النَّاخِسَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَلْقَتْ) الدَّابَّةُ (الرَّاكِبَ) فَمَاتَ (فَضَمَانُهُ عَلَى النَّاخِسِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ الضَّرْبَ أَوْ النَّخْسَ (بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَهُوَ كَفِعْلِ الرَّاكِبِ) وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفْحَتِهَا لِأَنَّ الرَّاكِبَ لَهُ وِلَايَةُ نَخْسِ الدَّابَّةِ وَضَرْبِهَا فَإِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ جَعَلَ

فِعْلَ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ (لَكِنْ إنْ وَطِئَتْ) الدَّابَّةُ (أَحَدًا فِي فَوْرِهَا) مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمِيلَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً (بَعْدَ النَّخْسِ بِإِذْنٍ فَدِيَتُهُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ قَدْ نَخَسَهَا النَّاخِسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَتْ فِي فَوْرِهَا الَّذِي نَخَسَهَا لِأَنَّ سَيْرَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُضَافٌ إلَيْهَا وَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ السَّوْقِ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَالرُّكُوبُ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِلْوَطْءِ فَالنَّخْسُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ أَوْ عِلَّةٌ لِلسَّيْرِ وَالسَّيْرُ عِلَّةٌ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا لَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْعِلَّةِ كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا أَنَّ الْحَفْرَ شَرْطُ وُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى وَهُوَ الْوُقُوعُ دُونَ عِلَّةِ الْجُرْحِ فَكَذَا هَذَا (وَلَا يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِيطَاءِ وَالنَّخْسُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَالتَّلَفُ إنَّمَا حَصَلَ بِالْوَطْءِ. (كَمَا لَوْ أَمَرَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ عَلَى دَابَّةٍ بِتَسْيِيرِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَمَاتَ) ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ دِيَتَهُ، وَ (لَا يَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ بِمَا غَرِمُوا مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ لِأَنَّهُ بِالتَّسْيِيرِ وَالْإِيطَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ بِمَا ضَمِنَ فِي الْإِيطَاءِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ فَرَجَعَ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ. (وَكَذَا لَوْ نَاوَلَ الصَّبِيَّ سِلَاحًا فَقَتَلَ بِهِ أَحَدًا) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَا يُرْجَعُ عَلَى الْمُنَاوِلِ. (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَخْسِهَا وَمَعَهَا قَائِدٌ أَوْ سَائِقٌ) يَعْنِي مَنْ قَادَ دَابَّةً أَوْ سَاقَهَا فَنَخَسَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَانْفَلَتَتْ وَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهَا سَائِقٌ فَنَخَسَهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ نَخَسَهَا شَيْءٌ مَنْصُوبٌ فِي الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ نَصَبَهُ) لِأَنَّ النَّاصِبَ مُتَعَدٍّ بِشَغْلِ الطَّرِيقِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ نَخَسَهَا بِفِعْلِ نَفْسِهِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّاخِسِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا) لِأَنَّ الصَّبِيَّ كَالْبَالِغِ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ فَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ. وَفِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ النَّاخِسُ صَبِيًّا فَهُوَ كَالرَّجُلِ فِي أَنَّ ضَمَانَ الدِّيَةِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ أَوْ فِيمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. (وَإِنْ كَانَ) أَيْ النَّاخِسُ (عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ) فَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى بِالضَّمَانِ أَوْ يَفْدِيهِ (وَجَمِيعُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إنْ كَانَ الْهَالِكُ آدَمِيًّا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ) كَانَ الْهَالِكُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ فَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْجَانِي لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا يَتَحَمَّلُونَ ضَمَانَ الْمَالِ وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَ شَاةِ قَصَّابٍ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا اللَّحْمُ فَقَطْ دُونَ الْعَمَلِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ بِلَا تَقْدِيرٍ وَقُيِّدَ بِالْعَيْنِ

باب في جناية الرقيق والجناية عليه

لِأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَامِلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ أَوْ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَوْ بَعِيرِ الْجَزَّارِ أَوْ بَقَرَتِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَيْ الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النُّقْصَانُ كَمَا فِي الشَّاةِ قِيلَ: وَالْقَصَّابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ رُبْعُ الْقِيمَةِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ وَفِي كُلِّ شَاةٍ النُّقْصَانُ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُعَدَّانِ لِلَّحْمِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الشَّاةِ وَتَرَكَ فِي الْإِصْلَاحِ إضَافَةَ الشَّاةِ إلَى الْقَصَّابِ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الِاخْتِصَاصِ خُصُوصًا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَاةِ الْقَصَّابِ أَيْضًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلَّحْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ بَلْ يُوجَدُ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ. [بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ الْمَمْلُوكِ رُتْبَةً مِنْ الْمَالِكِ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ قِيلَ: مُوجِبُهَا الْأَرْشُ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُطْلَقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالدَّفْعِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَقِيلَ: مُوجِبُهَا الدَّفْعُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالْفِدَاءِ وَلِهَذَا يَبْرَأُ الْمَوْلَى بِهَلَاكِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَهُ لَمَا بَرِئَ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الدَّفْعُ لَا الْفِدَاءُ (جِنَايَاتُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ) كَانَ (مَحِلًّا لِلدَّفْعِ) بِأَنْ كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومَةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا سَلَفَ فَتُوجِبُ (قِيمَةَ وَاحِدَةٍ لَوْ) كَانَ (غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ) أَيْ لِلدَّفْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا يُفِيدُ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ

غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ فَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَفُرِّعَ بِقَوْلِهِ. (فَلَوْ جَنَى عَبْدٌ خَطَأً) هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَطَأِ هُنَا إنَّمَا يُفِيدُ فِي الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ خَطَأَ الْعَبْدِ وَعَمْدَهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَالَ فِي الْحَالَيْنِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَعَمْدُهُ كَالْخَطَأِ (فَإِنْ شَاءَ مَوْلَاهُ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (وَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ. (وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ وَلَا عَاقِلَةَ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُ الدَّمِ فَجُعِلَتْ رَقَبَتُهُ مَقَامَ الْأَرْشِ إلَّا أَنَّهُ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ فِي الْعَبْدِ بِالْكُلِّيَّةِ (حَالًا) قُيِّدَ لِلدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ جَمِيعًا أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا تَأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ الْأَرْشُ وَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا فِي الْعَمْدِ فَإِذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَالْعَبْدُ عَبْدُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُؤَدِّي الْأَرْشَ مَتَى وَجَدَ وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يُؤَدِّ الدِّيَةَ فِي الْحَالِ فَعَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوْلِيَاءُ وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَسَبَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ كَسْبًا وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ لَا يَدْفَعُ الْكَسْبَ اتِّفَاقًا وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةُ الْجِنَايَةِ لَا يُدْفَعُ الْوَلَدُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْوَلَدُ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا) مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ (بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ. (وَإِنْ) مَاتَ (بَعْدَمَا اخْتَارَ) الْمَوْلَى (الْفِدَاءَ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ حِينَئِذٍ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبِمَوْتِ الْعَبْدِ لَا تَفْسُدُ ذِمَّتُهُ (فَإِنْ فَدَاهُ) الْمَوْلَى (فَجَنَى) أَيْ الْعَبْدُ ثَانِيًا (فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ وَخَلَصَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ (بِهِمَا) أَيْ بِالْجِنَايَتَيْنِ (فَيَقْتَسِمَانِهِ بِنِسْبَةِ حُقُوقِهِمَا) أَيْ لِلْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا (أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهِمَا) أَيْ بِأَرْشِ

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ لِاتِّحَادِ الْحَقِّ. (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ (أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ الْجَانِيَةَ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ) أَيْ الْمَوْلَى (الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَ) الْأَقَلَّ (مِنْ الْأَرْشِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهُ بِمَا صَنَعَ فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ بِالْبَيْعِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ وَلَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَنَقَصَهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِأَنَّهُ حَبْسُ جُزْءٍ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ إلَّا إذَا عَلَّقَهَا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حُكْمِيٌّ وَبِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دُيُونٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَالدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٍ ضَمِنَ الْأَرْشَ فَقَطْ. (وَإِنْ عَالِمًا بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ الْأَرْشَ) فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ. (كَمَا لَوْ عَلَّقَ) أَيْ الْمَوْلَى (عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ رَمْيِهِ أَوْ شَجِّهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْت زَيْدًا أَوْ شَجَجْت رَأْسَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ (فَفَعَلَ) أَيْ قَتَلَ أَوْ رَمَى أَوْ شَجَّ كَانَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ تَكَلُّمِهِ لَا جِنَايَةَ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِوُجُودِهِ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَنَا أَنَّ تَعْلِيقَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ الْقَتْلِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ. (وَإِنْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ) حَالَ كَوْنِهِ (عَمْدًا) أَيْ عَامِدًا (فَدَفَعَ) الْعَبْدُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْحُرِّ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ (فَأَعْتَقَهُ) أَيْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (فَسَرَى) أَيْ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَمَاتَ (فَالْعَبْدُ صَلَحَ بِالْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَمَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ (يُرَدُّ) الْعَبْدُ (عَلَى سَيِّدِهِ فَيُقَادُ أَوْ يُعْفَى) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ

وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ فَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ فَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ حُرًّا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعُ) يَدُهُ (عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ) أَيْ الْقَاطِعُ الْعَبْدَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَقْطُوعِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) الْمَقْطُوعُ (ثُمَّ سَرَى) الْقَطْعُ إلَى الْقَتْلِ فَمَاتَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (صَلَحَ بِهَا) بِالْجِنَايَةِ. (وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ فَسَرَى رُدَّ) الْعَبْدُ إلَى الْقَاطِعِ (وَأُقِيدَ) أَوْ عَفَا وَالْوَجْهُ مَا بُيِّنَ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي هَذَا الْوَضْعِ يَرُدُّ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ هُنَاكَ وَهُنَا قَالَ: يَجِبُ: قِيلَ مَا ذُكِرَ هُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَكَفَى لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَمَّا هَهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (وَإِنْ جَنَى) عَبْدٌ (مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ) جِنَايَةً (خَطَأً فَأَعْتَقَهُ) أَيْ سَيِّدُهُ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ) أَيْ السَّيِّدُ (لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دَيْنِهِ، وَ) ضَمِنَ (لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَمِنْ أَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ الدَّفْعُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ بِالْإِتْلَافِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِأَوْلِيَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. (وَلَوْ وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ يُبَاعُ) الْوَلَدُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ أُمِّهِ (فِي دَيْنِهَا) أَيْ الْأُمِّ الْمَأْذُونَةِ (وَلَوْ جَنَتْ) فَوَلَدَتْ (لَا يُدْفَعُ) الْوَلَدُ (فِي جِنَايَتِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ لَا فِي ذِمَّتِهَا فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ السِّرَايَةِ إلَى الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ الْغُرَمَاءُ بِهَا سَوَاءٌ كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ. (وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ زَيْدًا حَرَّرَ عَبْدَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ) فَاعِلُ قَتَلَ (وَلِيَّ الْمُقِرِّ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ زَعَمَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ مُوَلَّى ذَلِكَ الْعَبْدِ أَعْتَقَهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ قَتَلَ وَلِيًّا لِهَذَا الزَّاعِمِ

خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مَتَى زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِبْرَاءَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِلَا حُجَّةٍ. (وَإِنْ قَالَ مُعْتَقٌ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ: (قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ) قَتْلًا خَطَأً (قَبْلَ عِتْقِي وَقَالَ زَيْدٌ: بَلْ بَعْدَهُ) (فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتَقِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ رَقِّهِ بِحَالٍ. (وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَةٍ: أَعْتَقَهَا) أَيْ أَمَةَ نَفْسِهِ (قَطَعْت) عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (يَدَك قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَالَتْ) الْأَمَةُ: لَا (بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. (وَكَذَا) الْقَوْلُ (فِي كُلِّ مَا نَالَ مِنْهَا) أَيْ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ الْأَمَةِ (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) بِأَنْ قَالَ: وَطِئْتُك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ: لَا بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّتِهَا أَيْ أَكْسَابِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً وَهَذَا عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ) الْمَوْلَى (إلَّا شَيْئًا) قَائِمًا (بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ) الْمَوْلَى (بِرَدِّهِ إلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: فَقَأْت عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى ذَاهِبَةٌ وَلِي عَلَيْك الْأَرْشُ فَالْقَوْلُ لِلْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ وَعَلَى الْفَاقِئِ الْأَرْشُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حَصَلَ مَضْمُونًا بِتَصَادُقِهِمَا إلَّا أَنَّ الْفَاقِئَ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَخَصْمَهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. (وَلَوْ أَمَرَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَوْ صَبِيٌّ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ حَقِيقَةً وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا (وَرَجَعُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ (عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ (لَا عَلَى الصَّبِيِّ الْأَمْرِ) أَيْ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ لِنُقْصَانِ الْأَهْلِيَّةِ. وَفِي التَّبْيِينِ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ مَاتَ فِيهَا

أَلْفٌ فَيَقْتَسِمُونَهَا بِالْحِصَصِ. (وَلَوْ كَانَ مَأْمُورُ الْعَبْدِ مِثْلَهُ) بِأَنْ أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا مِثْلَهُ بِقَتْلِ رَجُلٍ (دَفَعَ السَّيِّدُ) الْعَبْدَ (الْقَاتِلَ أَوْ فِدَاءً إنْ كَانَ) الْقَتْلُ (خَطَأً) أَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا (أَوْ) الْعَبْدُ (الْمَأْمُورُ صَغِيرًا) لِأَنَّ عَمْدَ الصَّغِيرِ كَالْخَطَأِ (وَلَا يَرْجِعُ) السَّيِّدُ (عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْأَمْرَ قَوْلٌ وَقَوْلُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ (وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (بَعْدَ عِتْقِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْفِدَاءِ فَالْمَوْلَى غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بَلْ يَدْفَعُ الْعَبْدُ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ وَالْأَمْرُ لَمْ يُوقِعْهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لِكَمَالِ عَقْلِ الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا انْتَهَى. (وَإِنْ كَانَ) الْقَتْلُ (عَمْدًا وَالْمَأْمُورُ) عَبْدًا (كَبِيرًا اقْتَصَّ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْحُكْمِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكْتَفِي بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا يَرْجِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ بَعْدَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْآمِرِ فِي الْحَالِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ لِأَنَّ الْآمِرَ بِأَمْرِهِ صَارَ غَاصِبًا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ. (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ حُرَّيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ) السَّيِّدُ (نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الْعَبْدِ (إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَى بِدِيَةٍ لَهُمَا) يَعْنِي لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوَا مِنْ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا أَوْ يَدْفَعُ الْعَبْدُ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِينَ سَقَطَ مَجَّانًا وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا. (وَإِنْ قَتَلَ) الْعَبْدُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْحُرَّيْنِ (عَمْدًا وَ) قَتَلَ (الْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ الْعَمْدِ فَدَى) السَّيِّدُ (بِدِيَةٍ) كَامِلَةٍ (لِوَلِيِّ الْخَطَأِ، وَ) فَدَى (بِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيِّ الْعَمْدِ) الَّذِي لَمْ يَعْفُ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَقِّ بَطَلَ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ النِّصْفُ وَصَارَ مَالًا وَيَكُونُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَكَانَ حَقُّهُمَا فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشْرَةُ آلَافٍ (أَوْ دَفَعَ) أَيْ دَفَعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ (يَقْتَسِمُونَهُ أَثْلَاثًا) ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ

فصل دية العبد

مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ (عَوْلًا) عِنْدَ الْإِمَامِ فَيُضْرَبُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ بِالْكُلِّ وَهُوَ عَشْرَةُ آلَافٍ وَغَيْرُ الْعَافِي بِالنِّصْفِ وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافٍ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي النِّصْفِ وَحَقَّهُمَا فِي الْكُلِّ فَصَارَ كُلُّ نِصْفٍ بَيْنَهُمَا فَصَارَ حَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ غَيْرِ الْعَافِي فِي سَهْمٍ فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْعَافِي أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي (وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا مُنَازَعَةً) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَيُسَلَّمُ النِّصْفُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَمُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ فَلِهَذَا يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا. (وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لِاثْنَيْنِ قَرِيبًا لَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْكُلُّ) بِمَعْنَى إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلٍ فَقَتَلَ الْعَبْدُ قَرِيبًا لَهُمَا كَأَخِيهِمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْعَافِي شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ (وَقَالَا: يَدْفَعُ الْعَافِي نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ) إنْ شَاءَ (أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ) إنْ شَاءَ لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ يَثْبُتُ لَهُمَا فِي الْعَبْدِ عَلَى الشُّيُوعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ مُبْقِي عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقَوَدِ شَائِعًا نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْعَبْدِ فَمَا أَصَابَ نَصِيبَهُ سَقَطَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا وَمَا أَصَابَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ يَثْبُتُ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ حَقًّا لَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي كُلِّ الْعَبْدِ أَوْ فِي النِّصْفِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ نِصْفِهِ أَوْ نِصْفِ صَاحِبِهِ أَوْ فِيهِمَا شَائِعًا وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَوَدِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْعَبْدِ فِي الْقَوَدِ لَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا زَالَ حَقُّهُ إلَى الْمَالِ احْتَمَلَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَى احْتِمَالِ تَعَلُّقِهِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ وَبُطْلَانُ الْكُلِّ عَلَى احْتِمَالِ التَّعَلُّقِ بِنَصِيبِهِ وَوُجُوبُ النِّصْفِ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا شَائِعًا وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ (وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ الْإِمَامِ) . [فَصَلِّ دِيَة الْعَبْد] فَصَلِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى غَيْرِهِ (دِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّ الْعَبْدَ أَنْقَصُ حَالًا مِنْ الْأَحْرَارِ (فَإِنْ كَانَتْ) قِيمَةُ الْعَبْدِ (قَدْرَ دِيَةِ الْحُرِّ أَوْ أَكْثَرَ نَقَصَتْ) الْقِيمَةُ (عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَمَةِ كَدِيَةِ الْحُرَّةِ أَوْ أَكْثَرَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا تُزَادُ عَلَى عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ يُقْضَى لِوَلِيِّهِ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ

قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ يُقْضَى بِخَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا عَشْرَةً فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ إلَّا خَمْسَةً هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَإِنَّهُ أَوْجَبَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ آدَمِيٌّ فَيَدْخُلُ فِي النَّصِّ. (وَفِي الْغَصْبِ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ. (وَ) كُلُّ (مَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّقِيقِ) لِمَا أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الرَّقِيقِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهَا بَدَلُ الدَّمِ (فَفِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الرَّقِيقِ (نِصْفُ قِيمَتِهِ) كَمَا أَنَّ فِي يَدِ الْحُرِّ نِصْفُ دِيَتِهِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَيَنْقُصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِدُنُوِّ مَرْتَبَتِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْحُرِّ وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَقَوْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً أَيْ لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَأَمَّا طَرَفُ الْمَمْلُوكِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَلَا بِالْكَفَّارَةِ فَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ التَّسْمِيَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إنَّ الْأَخْذَ بِهَذَا الْقَوْلِ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَى أَنْ قَالَ: فَلِهَذَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً انْتَهَى وَفِي التَّنْوِيرِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي لِحْيَتِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ كَمَالُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا. وَفِي الْمُجْتَبَى حَلَقَ رَأْسَ عَبْدٍ فَلَمْ يَنْبُتْ قَالَ الْإِمَامُ: إنْ شَاءَ الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ. (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ عَمْدًا فَأَعْتَقَ فَسَرَى) إلَى الْقَتْلِ (اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ كَانَ وَارِثُهُ سَيِّدَهُ فَقَطْ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ سَيِّدِهِ (فَلَا) يُقْتَصُّ هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا قِصَاصَ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثُهُ سَيِّدَهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَلْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاطِعِ (أَرْشُ الْيَدِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى حِينِ الْعِتْقِ) أَيْ مَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ إلَى أَنْ أَعْتَقَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ سِوَاهُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ الْحَقُّ

لِلْوَرَثَةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ وَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ أُخْرَى سِوَى الْمَوْلَى وَاجْتِمَاعُهَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهِمَا فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُفِيدًا وَلَا يُقَادُ بِإِذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْآذِنُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصِي بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ إذَا قُتِلَ لِأَنَّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْحَقِّ ثَابِتٌ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَإِذَا اجْتَمَعَا زَالَ الِاشْتِبَاهُ. (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا) أَيْ الْعَبْدَانِ بِأَنْ شَجَّهُمَا آخَرُ (فَبَيَّنَ) الْمَوْلَى الْعِتْقَ (فِي أَحَدِهِمَا) بَعْدَ الشَّجِّ (فَأَرْشُهُمَا) أَيْ أَرْشُ شَجَّةِ ذَيْنِك الْعَبْدَيْنِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَكُنْ نَازِلًا فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِفُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ. (وَإِنْ قُتِلَا) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَبْلَ التَّعْيِينِ ثُمَّ بَيَّنَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ إنْ) كَانَ (الْقَاتِلُ وَاحِدًا) لَا قِيمَةُ عَبْدَيْنِ وَلَا دِيَةُ حُرَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا حُرًّا بِيَقِينٍ حِينَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ الْكُلُّ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ قِيمَتُهُمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا إذَا قُتِلَا مَعًا وَلَوْ قَتَلَهُمَا وَاحِدٌ عَلَى التَّعَاقُبِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَوَّلِ لِلسَّيِّدِ وَدِيَةُ الْآخَرِ لِوَارِثِهِ إذْ يُقْتَلُ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ أُخِّرَ. (وَإِنْ قَتَلَ كُلًّا) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَاحِدٌ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ) أَيْ إذَا قَتَلَ اثْنَانِ كُلًّا مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ يُدْرَ أَوَّلُهُمَا أَوْ قُتِلَا مَعًا تَجِبُ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ قِيمَةُ عَبْدٍ قَتَلَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْبَيَانِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْفَاقِئِ (وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ) إنْ شَاءَ (أَمْسَكَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ لَكِنْ (إنْ أَمْسَكَهُ فَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَنْ يُضَمِّنَهُ) أَيْ الْفَاقِئَ (نُقْصَانَهُ) أَيْ نُقْصَانَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَهُمَا أَنَّهُ فِي الْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ تَخْيِيرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرِ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ

فصل جناية المدبر أو أم ولد

الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ لِأَنَّ فِيمَا قَالَاهُ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ. [فَصَلِّ جِنَايَة المدبر أَوْ أُمّ وَلَد] فَصَلِّ (وَإِنْ جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ) إذْ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ بِلَا شُبْهَةٍ (فَإِنْ جَنَى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ جِنَايَةً (أُخْرَى) فَعِنْدَ الْإِمَامِ (شَارَكَ وَلِيُّ) الْجِنَايَةِ (الثَّانِيَةِ وَلِيَّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى فِي الْقِيمَةِ إنْ دُفِعَتْ) أَيْ الْقِيمَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى وَلِيِّ الْأُولَى (بِقَضَاءٍ) وَلَا يَطْلُبُ وَلِيُّ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّي مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ بِالْقَضَاءِ فَيَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءٍ بَلْ بِرِضًى (فَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ) وَلِيُّ الثَّانِيَةِ (وَلِيَّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى) لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً فَإِذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ صَارَ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفُذَ هَذَا الدَّفْعُ فِي حَقِّهِ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِدَفْعِ حَقِّهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ لَا جَبْرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى مَا بُيِّنَ آنِفًا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يَتْبَعُ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَلِيَّ الْأُولَى بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ دَفَعَ الْمَوْلَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا فَعَلَهُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إيصَالُ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ وَقَدْ جَنَى جِنَايَاتٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ فِيهِ كَدَفْعِ الْعَيْنِ وَدَفْعَ الْعَيْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَكَذَا مَا قَامَ مَقَامَهُ وَأَمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ. (وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَاتِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ. [بَاب غَصْب الْعَبْد وَالصَّبِيّ والمدبر وَالْجِنَايَة فِي ذَلِكَ] َ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا يُرَدُّ مِنْهُ وَذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ. (وَلَوْ قَطَعَ سَيِّدٌ يَدَ عَبْدِهِ فَغُصِبَ) أَيْ الْعَبْدُ بِأَنْ غَصَبَهُ آخَرُ (فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (مَقْطُوعًا)

لِأَنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَصُيِّرَ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ إنْ قُطِعَ. (وَإِنْ قَطَعَ سَيِّدُهُ) أَيْ الْعَبْدِ يَدَهُ (عِنْدَ الْغَاصِبِ فَمَاتَ) مِنْ الْقَطْعِ (بَرِئَ الْغَاصِبُ) مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مُضَافَةٌ إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا. وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ قَطَعَ يَدَهُ وَهُوَ اسْتِرْدَادٌ فَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ. (وَلَوْ غَصَبَ) عَبْدٌ (مَحْجُورٌ) عَبْدًا مَحْجُورًا (مِثْلَهُ فَمَاتَ) الْمَغْصُوبُ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ وَهَذَا مِنْهَا فَيَضْمَنُ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ يُبَاعُ فِيهِ بِالْحَالِ بِخِلَافِ أَقْوَالِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ لَا يُبَاعُ بَلْ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. (وَلَوْ غُصِبَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (مُدَبَّرٌ فَجَنَى) ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ (عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ) رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى (عِنْدَ سَيِّدِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ جَنَى عِنْدَ سَيِّدِهِ جِنَايَةً ثُمَّ جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ جِنَايَةً أُخْرَى (ضَمِنَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ (وَرَجَعَ) السَّيِّدُ (بِنِصْفِهَا) أَيْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَهَا (عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ بِالْجِنَايَتَيْنِ نِصْفَهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَنِصْفَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ وُجِدَ عِنْدَهُ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالسَّبَبِ الَّذِي لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ (وَدَفَعَهُ إلَى رَبِّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مَا إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ (ثُمَّ رَجَعَ بِهِ ثَانِيًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأُولَى فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي، فَإِذَا وَجَدَ الْأَوَّلُ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَارِغًا يَأْخُذُهُ لِيَتِمَّ حَقُّهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى ثَانِيًا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ. وَهَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَدْفَعُهُ) أَيْ نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّذِي رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بَلْ هُوَ مُسَلَّمٌ لِلْمَوْلَى إذْ هُوَ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ (وَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سُلِّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَرْجِعُ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ (وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ عِنْدَ مَوْلَاهُ جِنَايَةً ثُمَّ عِنْدَ غَاصِبِهِ أُخْرَى (يَدْفَعُهُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَوْلَى مَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (وَلَا يَرْجِعُ) الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ (ثَانِيًا) بِمَا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (بِالْإِجْمَاعِ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى صَدَرَتْ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمَوْلَى (وَالْقِنُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ (كَالْمُدَبَّرِ إلَّا) أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا (أَنَّهُ)

أَيْ الْمَوْلَى (يَدْفَعُهُ) أَيْ الْقِنَّ نَفْسَهُ (وَفِي الْمُدَبَّرِ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ) أَيْ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ (وَحُكْمُ تَكْرَارِ الرُّجُوعِ وَالدَّفْعِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ اخْتِلَافًا وَاتِّفَاقًا) فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ الْقِنَّ إلَيْهِمَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَسُلِّمَ لِلْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَرْجِعُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْغَاصِبِ ثَانِيًا وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي لَا يَرْجِعُ. (وَلَوْ غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا مَرَّتَيْنِ فَجَنَى) الْمُدَبَّرُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَرَّتَيْنِ (غَرِمَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ (وَرَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَدَفَعَ نِصْفَهَا) أَيْ الْقِيمَةِ (إلَى وَلِيِّ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى وَرَجَعَ بِهِ) أَيْ بِالنِّصْفِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (ثَانِيًا اتِّفَاقًا) ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ خَطَأً ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى فَغَصَبَهُ ثَانِيًا ثُمَّ جَنَى ذَلِكَ الْمُدَبَّرُ عِنْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ نِصْفَيْنِ لِمَنْعِهِ رَقَبَتَهُ بِالتَّدْبِيرِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بَدَلَ الرَّقَبَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ عِنْدَهُ، ثُمَّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ عَلَى الِاتِّفَاقِ. وَإِلَى الْقَوْلِ بِالِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الْأُولَى الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ عِوَضٌ عَمَّا سُلِّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَانَتْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَوْ دُفِعَ إلَيْهِ ثَانِيًا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى مَا ذُكِرَ. (وَمَنْ) (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا) أَيْ ذَهَبَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَذِكْرُهُ بِلَفْظِ الْغَصْبِ مُشَاكِلُهُ إذْ الْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ (فَمَاتَ) أَيْ الصَّبِيُّ (فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الذَّاهِبِ بِهِ (فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ) مَاتَ (بِصَاعِقَةٍ) أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ (فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ الذَّاهِبِ (دِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الصَّبِيِّ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْحَدِّ لَا يَتَحَقَّقُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ لِكَوْنِهِ غَاصِبًا بَلْ لِتَسَبُّبِهِ لِإِتْلَافِهِ بِنَقْلِهِ إلَى مَكَان فِيهِ الصَّوَاعِقُ وَالْحَيَّاتُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان تَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى وَالْأَمْرَاضُ كَالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِقَتْلِهِ بِالنَّقْلِ تَسَبُّبًا قَالَ فِي الْغَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ فَمَا حُكْمُ الْحُرِّ الْكَبِيرِ إذَا نُقِلَ إلَى هَذِهِ الْأَمَاكِنِ تَعَدِّيًا فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ أُجِيبَ: حُكْمُهُ أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ النَّاقِلُ قَيَّدَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهِ بِمَا فَعَلَ بِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ حِفْظِ نَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْحِفْظِ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى تَقْصِيرِهِ لَا إلَى الْغَاصِبِ فَلَا يَضْمَنُ فَكَانَ حُكْمُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حُكْمَ الْحُرِّ الْكَبِيرِ الْمُقَيَّدِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ

باب القسامة

نَفْسِهِ انْتَهَى. (وَلَوْ قَتَلَ صَبِيٌّ عَبْدًا مُودَعًا عِنْدَهُ ضَمِنَ عَاقِلَتَهُ) يَعْنِي أَوْدَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَبْدَهُ عِنْدَ صَبِيٍّ فَقَتَلَهُ ذَلِكَ الصَّبِيُّ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَةَ الْعَبْدِ. (وَإِنْ أَكَلَ) الصَّبِيُّ (طَعَامًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا أُودِعَ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا مُتَقَوِّمًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لِنَفْسِهِ بَلْ مَعْصُومٌ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَقَدْ فَوَّتَ الْعِصْمَةَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ وَضَعَ مَالَهُ فِي يَدِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ عِصْمَتَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ إذْ هُوَ مَبْقِيّ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ فَلِهَذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْعَاقِلَةِ قِيمَةَ الْعَبْدِ. (وَلَوْ) (أُودِعَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ مَالٌ فَاسْتَهْلَكَهُ) أَيْ الْمَالَ (ضَمِنَ) الْعَبْدُ (بَعْدَ الْعِتْقِ لَا فِي الْحَالِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ (وَالْإِقْرَاضُ وَالْإِعَارَةُ كَالْإِيدَاعِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا مَرَّ آنِفًا (وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ الْعَاقِلُ) كَمَا شَرَطَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي صَبِيٍّ عُمْرُهُ اثْنَيْ عَشْرَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ وَلِهَذَا قَالَ (وَفِي غَيْرِ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ الْمَالَ أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا يَضْمَنُ الْعَاقِلُ) أَيْضًا (مَالًا أَتْلَفَهُ بِلَا إيدَاعٍ وَنَحْوِهِ) بِالِاتِّفَاقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّسْلِيطَ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ عَقْلِهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ فَلِهَذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ. [بَاب الْقَسَامَة] لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقَتِيلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَئُولُ إلَى الْقَسَامَةِ أَوْرَدَهَا فِي آخِرِ الدِّيَاتِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْإِقْسَامِ. وَفِي الشَّرْعِ أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ وُجِدَ فِيهِمَا قَتِيلٌ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ يَقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا وَسَبَبُهَا وُجُودُ الْقَتِيلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَرُكْنُهَا إجْرَاءُ الْيَمِينِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسِينَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا كَمَا سَيَجِيءُ وَشَرْطُهَا بُلُوغُ الْمُقْسِمِ وَعَقْلُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ الْمَوْجُودُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَتَكْمِيلُ الْيَمِينِ خَمْسِينَ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُقْسِمُونَ هَذَا الْعَدَدَ يُكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَمْسِينَ، وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ، وَالْحَبْسُ إلَى الْحَلِفِ إنْ أَبَوْا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ، وَالْحُكْمُ بِالدِّيَةِ عِنْدَ النُّكُولِ إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ خَطَأً. وَمِنْ مَحَاسِنِهَا خَطَرُ الدِّمَاءِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ الْإِهْدَارِ وَخَلَاصُ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَتَعْيِينُ الْخَمْسِينَ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْوَارِدَةِ فِي بَابِ

الْقَسَامَةِ. (إذَا) (وُجِدَ مَيِّتٌ فِي مَحَلَّةٍ بِهِ) أَيْ بِالْمَيِّتِ (أَثَرُ الْقَتْلِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا فَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ (أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ أَوْ) أَثَرُ (ضَرْبٍ وَلَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ) إذْ لَوْ عُلِمَ قَاتِلُهُ سَقَطَتْ الْقَسَامَةُ عَنْ أَهْلِهَا (فَادَّعَى وَلِيُّهُ قَتْلَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلِّهِمْ (أَوْ بَعْضِهِمْ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (حُلِّفَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ جَوَابُ إذَا (خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ) صِفَةُ خَمْسُونَ وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَارُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ سَوَاءٌ اخْتَارَ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ كَالْفَسَقَةِ أَوْ الشُّبَّانِ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَرِزُهُ الْفَسَقَةُ، فَإِذَا عَلِمُوا الْقَاتِلَ فِيهِمْ أَظْهَرُوهُ وَلَمْ يَحْلِفُوا. وَلَوْ اخْتَارَ فِي الْقَسَامَةِ أَعْمَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَهُمَا لَيْسَا بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ (بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) فَقَوْلُهُ بِاَللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِحُلِّفَ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَنْ الْجَمْعِ، وَإِلَّا فَعِنْدَ الْحَلِفِ يُحَلَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا وَلَا يُجْمَعُ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي إسْنَادِ نَفْيِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا وَحْدَهُ وَيَنْوِيَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا الْعِلْمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ وَيَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ عَالِمًا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ مَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؟ قُلْنَا فَائِدَتُهُ تَعْيِينُ مَحَلِّ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ تَعْيِينِهِ وَقَدْ يَظُنُّ غَيْرَ الْقَاتِلِ قَاتِلًا (ثُمَّ قُضِيَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ الْمَحَلَّةِ (بِالدِّيَةِ) لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ إنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْكُمْ فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى أَمْرًا فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ مِثْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ قَالُوا لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ أَيْ بِالْوَحْيِ» (وَمَا تَمَّ خَلْقُهُ كَالْكَبِيرِ) أَيْ إذَا وُجِدَ سِقْطٌ أَوْ جَنِينٌ تَامُّ الْخَلْقِ بِهِ أَثَرٌ مِنْ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ نَاقِصَ الْخَلْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مَيِّتًا ظَاهِرًا (وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ وَإِنْ كَانَ لَوْثٌ) أَيْ عَدَاوَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اُسْتُحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ حَلَفُوا يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ أَوْ خَطَأً فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يُقْضَى

بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ حُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ نَكَلُوا فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِهِ وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ، وَاللَّوْثُ عِنْدَهُمَا قَرِينَةُ حَالٍ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَالدَّمِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ حُلِّفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا وَالِاخْتِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا وَفِي بَرَاءَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالْيَمِينِ (فَإِنْ نَقَصَ أَهْلُهَا) أَيْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ (عَنْ الْخَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْيَمِينُ) عَلَيْهِمْ (إلَى أَنْ يَتِمَّ) خَمْسُونَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْحِكْمَةِ فِي هَذَا الْعَدَدِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ لِيَتِمَّ بِهِ خَمْسُونَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُهُ (وَمَنْ نَكَلَ) مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ (حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ فِيهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ. هَذَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ تَسْقُطُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ الْبَاقِينَ فِي الْقِيَاسِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ (وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَحْلَفِينَ (قَتَلَهُ فُلَانٌ اسْتَثْنَاهُ) ضَمِيرُ الْفَاعِلِ عَائِدٌ إلَى مَنْ وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ إلَى فُلَانٍ (فِي يَمِينِهِ) بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا إلَّا فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ قَتَلَهُ فُلَانٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَا. (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (سَقَطَتْ) الْقَسَامَةُ (عَنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، أَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَا تَبْطُلُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَنْ أَهْلِهَا. وَعَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِي ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَيْهِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) لِبَرَاءَتِهِمْ مِنْ التُّهْمَةِ بِادِّعَاءِ الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ عَنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ يَشْهَدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعُرْضَةٍ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا

يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عُرْضَةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ: فَمِنْ ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُخَاصِمْ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ الشَّفِيعُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِكَوْنِهِمَا فِي عُرْضَةِ الْخُصُومَةِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَحَلَّةِ وَادَّعَى أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ دُونَهُمْ وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ مَحَلَّتِهِمْ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَتَثْبُتُ لَهُمْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنُوا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّ الدِّيَةَ وَالْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الشَّرْعِ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ بَرَاءَتُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ الطَّرَفَيْنِ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْقُطُ. وَفِي التَّبْيِينِ وَدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ تُسْقِطُ الْقَسَامَةَ عَنْهُمْ وَعَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا، هَذَا إنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ، أَمَّا إذَا ادَّعَى الْمَجْرُوحُ فَقَالَ قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ وَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (عَلَى بَعْضِهِمْ لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْوَلِيُّ (إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ كَانُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَبِالشَّهَادَةِ تُقْطَعُ الْخُصُومَةُ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ قَوْلِهِ إجْمَاعًا (وَوُجُودُ أَكْثَرِ الْبَدَنِ أَوْ نِصْفِهِ مَعَ الرَّأْسِ) فِي الْمَحَلَّةِ (كَوُجُودِ كُلِّهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ فَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ. (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَجْرِي عَلَى قَوْلٍ صَحِيحٍ وَلَا يَجْرِي مِنْهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ عَلَى قَاتِلٍ. (وَ) لَا عَلَى (امْرَأَةٍ، وَ) لَا عَلَى (عَبْدٍ) حَيْثُ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا إلَّا إذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَاتِلًا. (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ) مِنْ الضَّرْبِ (أَوْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَسِيلُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِعِلَّةٍ فَلَا يَكُونُ قَتِيلًا؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ عُرْفًا هُوَ فَائِتُ الْحَيَاةِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الْحَيِّ عَادَةً وَالْقَسَامَةُ شُرِعَتْ فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ إنَّمَا بَايَنَ الْمَيِّتَ حَتْفَ أَنْفِهِ بِالْأَثَرِ فَمَنْ لَا أَثَرَ لَهُ فَهُوَ مَيِّتٌ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى صِيَانَةِ دَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ، وَمَنْ بِهِ أَثَرٌ فَهُوَ مَقْتُولٌ وَبِنَا حَاجَةٌ إلَى صِيَانَةِ دَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ وَذَا بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ (أَوْ وُجِدَ) فِي مَحَلَّةٍ (أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْأَقَلُّ (مَعَ الرَّأْسِ أَوْ) وُجِدَ (نِصْفُهُ مَشْقُوقًا بِالطُّولِ) أَوْ وُجِدَ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ رَأْسُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ لَيْسَ بِقَتِيلٍ إذْ الْأَقَلُّ لَيْسَ كَالْكُلِّ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا بِوُجُودِ النِّصْفِ

فِي هَذِهِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِهَا لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نُوجِبَ إذَا وُجِدَ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِهَا وَتَكْرَارُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِي قَتْلٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وُجِدَ الْبَاقِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْقَسَامَةُ تَجِبُ وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا. (وَإِنْ وُجِدَ) الْقَتِيلُ (عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا) أَيْ الدَّابَّةَ (رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ السَّائِقِ سَوَاءٌ كَانَ السَّائِقُ مَالِكًا لِلدَّابَّةِ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ لَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ لَا فِي أَيْدِيهِمْ. (وَكَذَا) أَيْ يَضْمَنُ عَاقِلَةَ الْقَائِدِ أَوْ عَاقِلَةَ الرَّاكِبِ (لَوْ كَانَ يَقُودُهَا أَوْ رَاكِبَهَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ. (وَإِنْ اجْتَمَعُوا) أَيْ السَّائِقُ وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ (فَعَلَيْهِمْ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي دَارِهِمْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ بِخِلَافِ الدَّارِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهَا وَتَدْبِيرَ الدَّارِ إلَى مَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا، وَقِيلَ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ. (وَإِنْ وُجِدَ) قَتِيلٌ (عَلَى دَابَّةٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) أَيْ أَقْرَبِ الْقَرْيَتَيْنِ إلَى الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ الَّتِي مَرَّتْ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ بِأَنْ يُذَرَّعَ فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى أَحَدِهِمَا بِشِبْرٍ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ» وَاشْتُرِطَ سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِهَذَا الْقَيْدِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ قَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ وَأَمَّا إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ يُمْكِنُهُمْ الْغَوْثُ فَيُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ، وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فِي النُّصْرَةِ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ حَيْثُ قَالَ، وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ يُنْظَرُ إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقَرْيَتَيْنِ إذَا كَانَ بِحَالٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ، أَمَّا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ، وَيُرَاعَى حَالُ الْمَكَانِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِيهَا أَيْضًا وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ إلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا الْعِبْرَةُ لِلْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ. (وَإِنْ وُجِدَ) قَتِيلٌ (فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَتِيلِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ

قَتَلَ نَفْسَهُ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ يُهْدَرُ دَمُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ قَتِيلًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ وَجَدَ قَتِيلًا وَكَانَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لِوَرَثَتِهِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. (وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارِ إنْسَانٍ فَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ (الْقَسَامَةُ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ إلَى الْمَالِكِ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) ؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ. (وَإِنْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ حُضُورًا يَدْخُلُونَ فِي الْقَسَامَةِ أَيْضًا) أَيْ كَصَاحِبِ الدَّارِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَخَصُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الْقَسَامَةِ كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُهُمْ عَوَاقِلُهُمْ فِيهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْحُضُورَ أَلْزَمَهُمْ نُصْرَةَ الْمَوْضِعِ كَمَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ فَيَتَشَارَكُونَهُ فِي الْقَسَامَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَاقِلَةُ حُضُورًا بَلْ كَانُوا غَائِبِينَ (كُرِّرَتْ) الْأَيْمَانُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْمَحَلَّةِ سُكَّانٌ وَمُلَّاكٌ فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْجَمِيعِ) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ» وَقَدْ كَانُوا سُكَّانًا وَلِأَنَّ وُجُوبَهُمَا عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ الْحِفْظَ أَوْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَالْكُلُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِاللَّيْلِ مِثْلُ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ يَكُونُونَ بِالنَّهَارِ فِي مَوْضِعٍ وَيَنْصَرِفُونَ إلَى أَهْلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُمَا أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمَحَلَّةِ إلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ؛ لِأَنَّ السُّكَّانَ يَنْتَقِلُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ دُونَ الْمُلَّاكِ وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْغُنْمِ وَهُوَ الشُّفْعَةُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُلَّاكُ فَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ الْغُرْمِ وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَكَانُوا مُلَّاكًا لَا سُكَّانًا، الْمُلَّاكُ هُمْ أَصْحَابُ الرَّقَبَةِ وَالسُّكَّانُ هُمْ الْمُسْتَأْجِرُونَ وَالْمُسْتَعِيرُونَ وَالْمُودَعُونَ وَالْمُرْتَهِنُونَ. وَإِذَا وُجِدَ الضَّيْفُ فِي دَارِ الْمُضِيفِ قَتِيلًا فَهُوَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَا نَازِلًا فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا دِيَةَ وَلَا قَسَامَةَ وَإِذَا كَانَ مُخْتَلِطًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (وَهِيَ) أَيْ الْقَسَامَةُ (عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ) أَيْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الْقَدِيمَةِ الَّذِينَ تَمَلَّكُوهَا حِينَ فَتَحَ الْإِمَامُ الْبَلْدَةَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ. (وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ (وَاحِدٌ دُونَ الْمُشْتَرِينَ) هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (وَعِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (عَلَى الْمُشْتَرِينَ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَلِهَذَا جُعِلُوا مُقَصِّرِينَ وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ فِيهَا

وَقَدْ اسْتَوَوْا فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ لِلْخُطَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقَدُّمِ لَمَا شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَالْمَحَلَّةُ تُنْسَبُ إلَيْهِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ وَقَلَّمَا يُزَاحِمُهُ الْمُشْتَرِي فِي التَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالْقَسَامَةِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَقِيلَ إنَّمَا أَجَابَ الْإِمَامُ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَهُ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرُونَ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ) بِالِاتِّفَاقِ أَيْ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمُشْتَرِينَ؛ لِأَنَّهُ زَالَ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ أَوْ يُزَاحِمُهُمْ فَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِمْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَصَلَتْ لَهُمْ الْوِلَايَةُ لِزَوَالِ مَنْ يُزَاحِمُهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ خَفِيٌّ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ. (وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ وَلَمْ تُقْبَضْ) فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ (فَعَلَى الْبَائِعِ) أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْبَاتِّ فَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَلَهُ إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ لَا بِالْمِلْكِ وَالْيَدُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَكَانَ مُقَصِّرًا فِي الْحِفْظِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ عَلَى) عَاقِلَةِ (ذِي الْيَدِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُزِّلَ قَاتِلًا بِاعْتِبَارِ التَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَالْوِلَايَةُ تُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ دُونَ الْمُودَعِ وَمَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَرَارُ الْمِلْكِ، وَلَهُ أَنَّ الْحِفْظَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَيْدِي؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْحِفْظِ بِالْيَدِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ دُونَ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْيَدَ وَهُمَا اعْتَبَرَا الْمِلْكَ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَرَارِ الْمِلْكِ. (وَلَا تَدِي عَاقِلَةُ ذِي الْيَدِ إلَّا بِحُجَّةِ أَنَّهَا) أَيْ الدَّارَ (لَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ وَالْيَدُ، وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ كَمَا عُرِفَ فِي الْحُصُولِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبَ الدَّارِ أَوْ غَيْرَهُ. (وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ سِهَامًا مُخْتَلِفَةً) بِأَنْ كَانَ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ وَعُشْرُهَا لِآخَرَ وَلِآخَرَ مَا بَقِيَ (فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الرُّءُوسِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُضَافٌ إلَى وِلَايَةِ الْحِفْظِ وَعِنْدَ التَّقْصِيرِ فِيهِ ثَبَتَ أَحْكَامُ الْقَتْلِ بِدَلَالَةِ الْمِلْكِ، وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ ثَابِتَةٌ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَالدَّلَالَةُ وَاحِدَةٌ لَا يَخْتَلِفُ أَثَرُهَا بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ فَكَانَ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ

كَالشُّفْعَةِ. (وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي سَفِينَةٍ فَعَلَى مَنْ فِيهَا) أَيْ فِي السَّفِينَةِ (مِنْ الْمَلَّاحِينَ وَالرُّكَّابِ) جَمْعُ رَاكِبٍ أَيْ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مِنْ أَرْبَابِهَا وَسُكَّانِهَا، الْمَالِكُ وَغَيْرُ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمْ فِي تَدْبِيرِهَا سَوَاءٌ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ لِتَسْوِيَتِهِ فِي الدَّارِ بَيْنَ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِأَنَّ السَّفِينَةَ تَنْقُلُ وَتُحَوِّلُ فَتَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً فَإِنَّهَا مَرْكَبٌ كَالدَّابَّةِ. (وَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَعَلَى أَهْلِهَا) ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ. (وَإِنْ) وُجِدَ الْقَتِيلُ (بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) أَيْ الْقَرْيَتَيْنِ إلَى الْقَتِيلِ لِمَا رَوَيْنَا سَابِقًا. (وَإِنْ) وُجِدَ (فِي سُوقٍ مَمْلُوكٍ فَعَلَى الْمَالِكِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى السُّكَّانِ) سَوَاءٌ كَانُوا مُلَّاكًا أَوْ غَيْرَ مُلَّاكٍ قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُشَارِكَ الْمُلَّاكُ السُّكَّانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ (وَفِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ) مِنْ الْأَسْوَاقِ (كَالشَّوَارِعِ) جَمْعُ شَارِعٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْأَعْظَمُ (عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِدُونِ قَسَامَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَسَامَةِ نَفْيُ تُهْمَةِ الْقَتْلِ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ. وَفِي الدُّرَرِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ يَنْقَسِمُ ابْتِدَاءً إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا طَرِيقٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ لَا مَخْرَجٌ، وَالْآخَرُ طَرِيقٌ عَامٌّ وَهُوَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ وَيُسَمَّى هَذَا بِالشَّارِعِ، وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: شَارِعُ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ أَكْثَرَ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي شَارِعِ الْمَحَلَّةِ وَالْآخَرُ الشَّارِعُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ مَا يَكُونُ مُرُورُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ كَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَخَارِجِ الْبُلْدَانِ، وَهَذَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وُجِدَ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ حَتَّى تَنْدَفِعَ الشُّبْهَةُ وَتَضْمَحِلَّ الْأَوْهَامُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا أَنْ تَكُونَ نَائِيَةً عَنْ الْمَحَالِّ وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحَالِّ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لِإِمَامِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ وَالْجَامِعُ وَالشَّارِعُ لِلْعَامَّةِ ثُمَّ قَالَ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا وَاَلَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي هُنَا؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَقْرَبِ الْمَحَلَّاتِ وَقَالَ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى

بَيْتِ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّارِعُ نَائِيًا عَنْ الْمَحَلَّاتِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ كُتُبِ الْفَتَاوَى انْتَهَى. وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ أَنَّ الدِّيَةَ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْعَبْدِ عَنْ الْمَحَلَّاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا التَّقْيِيدِ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (، وَكَذَا) تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (إنْ وُجِدَ) الْقَتِيلُ (فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ وَاحِدٍ. (وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَهْلِ السِّجْنِ) لَهُمَا أَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فِي السُّكُونِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَلَّمَا يَقُومُونَ بِحِفْظِهِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدٌّ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ تَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ كَوْنَهُمْ سُكَّانًا وَهُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا دَامُوا فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْهُمْ قَالُوا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُلَّاكِ وَالسُّكَّانِ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ) وُجِدَ (فِي بَرِيَّةٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الصَّحْرَاءُ (لَيْسَ بِقُرْبِهِ) هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ صَحَّ يَكُونُ التَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ أَوْ الْمَكَانِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِبَرِيَّةٍ (قَرْيَةٌ يُسْمَعُ مِنْهَا) أَيْ الْقَرْيَةِ (الصَّوْتُ) الْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ صِفَةٌ لِقَرْيَةٍ (فَهُوَ هَدَرٌ) أَمَّا إذَا سُمِعَ مِنْهَا الصَّوْتُ تَكُونُ فِنَاءَ الْعُمْرَانِ وَهُمْ أَحَقُّ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا الصَّوْتُ الْوَاقِعُ فِي الْبَرِيَّةِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَاتِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَلَا يُوصَفُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ بِالتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِتَصْوِيتِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ، فَإِنْ كَانَتْ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. (وَكَذَا لَوْ) وُجِدَ (فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ هُوَ نَهْرُ الْكُوفَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْرُ الْعَظِيمُ لَا بِخُصُوصِ نَهْرِ الْفُرَاتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي نَهْرٍ عَظِيمٍ يَجْرِي بِهِ الْمَاءُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَذِكْرُ الْوَسَطِ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّطِّ كَحُكْمِ الْوَسَطِ مَا دَامَ يَجْرِي بِالْقَتِيلِ مَاؤُهُ. (وَإِنْ) وُجِدَ (مُحْتَبِسًا بِالشَّطِّ) أَيْ جَانِبِ النَّهْرِ (فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّطِّ؛ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ بِحَيْثُ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ عَلَيْهِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِتَدْبِيرِهِ فَكَانَ ضَمَانُ الْمُحْتَبِسِ فِيهِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالِانْتِفَاعِ بِمَائِهِ سَقْيًا لِأَرَاضِيِهِمْ وَالتَّدْبِيرَ فِي كَرْيِهِ وَإِجْرَاءَ الْمَاءِ مِنْهُ إلَيْهِمْ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ وَالنَّهْرُ الصَّغِيرُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَهُوَ نَهْرٌ عَظِيمٌ كَالْفُرَاتِ وَجَيْحُونَ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ ثُمَّ أُجْلُوا) أَيْ انْكَشَفُوا وَتَفَرَّقُوا (عَنْ

قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْمَحَلَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِهَا فَحَيْثُ قَصَّرُوا فِي الْحِفْظِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَلِيُّهُ) أَيْ الْقَتِيلِ (عَلَى الْقَوْمِ) الَّذِينَ الْتَقَوْا وَأُجْلُوا (أَوْ عَلَى) وَاحِدٍ (مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ فَتَسْقُطُ) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (عَنْهُمْ) أَيْ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَاهُ جُعِلَ مُبَرِّئًا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ (وَلَا يَثْبُتُ) الْقَتْلُ (عَلَى) أُولَئِكَ (الْقَوْمِ) الَّذِينَ الْتَقَوْا وَأُجْلُوا (إلَّا بِحُجَّةٍ) إذْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ خُلِّيَ النَّاسُ وَدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . (وَلَوْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي مُعَسْكَرٍ) أَيْ مَوْضِعِ عَسْكَرٍ (بِأَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ) لِأَحَدٍ (فَإِنْ) وُجِدَ (فِي خِبَاءٍ) هُوَ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ (أَوْ فُسْطَاطٍ) وَهُوَ الْخَيْمَةُ الْعَظِيمَةُ (فَعَلَى رَبِّهِ) أَيْ رَبِّ الْخِبَاءِ أَوْ الْفُسْطَاطِ (وَإِلَّا فَعَلَى الْأَقْرَبِ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْخِبَاءِ أَوْ الْفُسْطَاطِ الْأَقْرَبِينَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْيَدُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ. قَالُوا: هَذَا إذَا نَزَلُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ، وَأَمَّا إذَا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْعَسْكَرِ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِطِينَ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ فِي خَارِجِ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ. (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْعَسْكَرُ (قَدْ قَاتَلُوا عَدُوًّا) وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَهُمْ (فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَتَلَهُ فَكَانَ هَدَرًا. (وَإِنْ) كَانَتْ (الْأَرْضُ) الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْعَسْكَرُ (مَمْلُوكَةً) لِأَحَدٍ (فَالْعَسْكَرُ كَالسُّكَّانِ وَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَيْهِمْ) أَيْ لَا عَلَى الْعَسْكَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالتَّدْبِيرِ فِي مِلْكِهِ وَحِفْظُ مِلْكِهِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلسُّكَّانِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْمَالِكِ وَالسُّكَّانِ جَمِيعًا وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ فِيمَا سَبَقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ ثُمَّ نُقِلَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَزَلْ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ) مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ (فَالْقَسَامَةُ) وَالدِّيَةُ (عَلَى الْقَبِيلَةِ) الَّتِي جُرِحَ فِيهَا (عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ وَهَذَا جَرِيحٌ لَيْسَ بِقَتِيلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَلَهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ مَرِيضٌ وَالْمَرَضُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ مِنْ أَوَّلِ سَبَبِهِ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ، فَكَذَا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ جُرِحَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ كَالصَّحِيحِ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ وَعَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ إذَا وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ يَحْمِلُهُ إلَى بَيْتٍ فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ عَلَى الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَلَا شَيْءَ عَلَى

كتاب المعاقل

مَنْ حَمَلَهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُودَهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ جَرِيحًا فِي الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْكَافِي وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ. (وَلَوْ) كَانَ (مَعَ الْجَرِيحِ رَجُلٌ فَحَمَلَ) ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَجْرُوحَ (إلَى أَهْلِهِ وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (فِي أَهْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّجُلِ) الْحَامِلِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ يَضْمَنُ) وَالْعِلَّةُ فِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَا أَسْلَفْنَاهُ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي. (وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ) وَاحِدٍ (فَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا ضَمِنَ الْآخَرُ دِيَتَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا التَّوَهُّمُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ. (وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ كُرِّرَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى عَاقِلَتِهَا الْقَسَامَةُ أَيْضًا) كَالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ. لَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الْقَتِيلِ فِي الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْقَتْلِ وَالْمَرْأَةُ فِي الْمِلْكِ وَتُهْمَةِ الْقَتْلِ كَالرَّجُلِ فِي الْقَسَامَةِ (وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْمَرْأَةُ تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا حَيْثُ جَعَلْنَاهَا قَاتِلَةً شَارَكَتْ الْعَاقِلَةَ فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ فَعَلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ جُزْءٌ مِنْهَا. (وَلَوْ وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي أَرْضِ رَجُلٍ فِي جَنْبِ قَرْيَةٍ) صِفَةُ الْأَرْضِ (لَيْسَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَالْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِلَيْسَ صِفَةُ قَرْيَةٍ (فَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ (عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِلْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْقَاتِلُ. [كِتَاب الْمَعَاقِلِ] ِ الْمَعَاقِلُ هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ كَالْمَفَاخِرِ جَمْعُ مَفْخَرَةٍ مِنْ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَعُقُولًا وَلَمَّا كَانَ مُوجَبُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ (وَهِيَ) أَيْ الْمَعَاقِلُ (الدِّيَةُ) وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا وَمَعْقَلَةً؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسِكُهَا وَتَمْنَعُهَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلُ عَقْلًا لِمَنْعِهِ صَاحِبَهُ عَنْ الْقَبَائِحِ (وَالْعَاقِلَةُ مَنْ يُؤَدِّيهَا) أَيْ الدِّيَةَ (وَهُمْ) أَيْ الْمُؤَدُّونَ (أَهْلُ الدِّيوَانِ) وَهُمْ الْجَيْشُ

الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ. وَفِي الْقَامُوسِ وَالدِّيوَانُ يُكْسَرُ وَيُفْتَحُ مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ فِيهِ أَهْلُ الْجَيْشِ وَأَهْلُ الْعَطِيَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَمْعُهُ دَوَاوِينَ وَدَيَاوِينَ انْتَهَى. وَالْأَصْلُ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ قُومُوا فَدُوهُ» (إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ) وَالْعَاقِلَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعَشِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَحْيٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهُ صِلَةٌ وَالْأَقَارِبُ أَحَقُّ بِالصِّلَاتِ كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ، وَلَنَا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَرَضَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ مِنْهُمْ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا هَذَا إجْمَاعٌ عَلَى وِفَاقِ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَى عَلَى الْعَشِيرَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَ قُوَّةُ الْمَرْءِ وَنُصْرَتُهُ يَوْمئِذٍ بِعَشِيرَتِهِ ثُمَّ لَمَّا دَوَّنَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الدَّوَاوِينَ صَارَتْ الْقُوَّةُ وَالنُّصْرَةُ بِالدِّيوَانِ فَلِهَذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ (تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعَطَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَالْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً. (فَإِنْ خَرَجَتْ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي) مُدَّةٍ (أَقَلَّ) مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ (أَوْ) فِي مُدَّةٍ (أَكْثَرَ) مِثْلُ أَنْ تَخْرُجَ عَطَايَاهُمْ فِي سِتَّةِ سِنِينَ مَثَلًا (أُخِذَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَطَايَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتْ لِلْعَاقِلَةِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ لِوُجُودِ مَحَلِّ أَدَاءِ الدِّيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ، وَإِذَا خَرَجَتْ فِي سِتِّ سِنِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ سُدُسُ الدِّيَةِ إذْ الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْأَعْطِيَةِ لَا مِنْ أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَخْذِ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا فِي السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ. (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ (فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ) ؛ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ (يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَيْضًا (مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةُ) دَرَاهِمَ (كُلَّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ) قَوْلُهُ كُلَّ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَدِرْهَمٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ (أَوْ) كُلَّ سَنَةٍ (دِرْهَمٌ وَثُلُثُ) دِرْهَمٍ (لَا أَزْيَدَ) وَ (هُوَ الْأَصَحُّ) لِمُرَاعَاةِ مَعْنَى التَّخْفِيفِ فِيهِ (وَقِيلَ) يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ (فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةُ) دَرَاهِمَ فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ

دِرْهَمًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحَّ لِخُرُوجِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ حَدِّ التَّخْفِيفِ وَبُلُوغِهِ حَدَّ الْجِزْيَةِ فِي الثَّانِي وَقُرْبِهِ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ) إلَيْهِمْ (نَسَبًا) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) وَهُمْ الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَقِيلَ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ لِنَفْيِ الْحَرَجِ حَتَّى لَا يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَالْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ لَا يَكْثُرُونَ، ثُمَّ إنَّهُمْ قَالُوا إنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَرَبِ الْمَحْفُوظَةِ أَنْسَابُهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْعَقْلِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ، وَأَمَّا الْعَجَمُ فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْجَوَابُ فِيهِمْ لِتَضْيِيعِهِمْ أَنْسَابَهُمْ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ نَسَبًا، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَبَرُ الْمَحَالُّ وَالْقُرَى الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ الْبَاقِي فِي مَالِ الْجَانِي. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعَقْلِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْكُلُّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ إذْ الْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ. قُلْنَا إيجَابُ الْكُلِّ إجْحَافٌ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ إيجَابُ الْبَعْضِ وَعَدَمُ وُجُوبِ الْكُلِّ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الْبَعْضِ. (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْقَاتِلُ (مِمَّنْ) أَيْ قَوْمٍ (يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ) جَمْعُ حِرْفَةٍ (أَوْ بِالْحِلْفِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهُوَ التَّحَالُفُ عَلَى التَّنَاصُرِ (فَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ حِرْفَتِهِ أَوْ) أَهْلُ (حِلْفِهِ) لِمَا بَيْنَهُمْ مِنْ التَّنَاصُرِ. (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (وَ) عَاقِلَةُ (مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَعَاقِلَتُهُ) يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُعْتَقِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ عَاقِلَتُهُ مَوْلَاهُ وَعَاقِلَةُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ بِهِمْ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . وَفِي مَوْلَى الْمُوَالَاةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. (وَعَاقِلَةُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَاقِلَةُ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِمْ فَيَنْتَصِرُونَهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ الْأَبُ بَعْدَمَا عَقَلُوا) أَيْ عَاقِلَةَ الْأُمِّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (رَجَعُوا عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْأَبِ (بِمَا غَرِمُوا) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْذَبَ الْأَبُ نَفْسَهُ ظَهَرَ أَنَّ النَّسَبَ كَانَ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ، فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ عَقْلَ جِنَايَتِهِ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ أَبِيهِ وَأَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا عَنْ قَوْمِ الْأَبِ مُضْطَرِّينَ فِي ذَلِكَ بِإِلْزَامِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَرْجِعُونَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا هَكَذَا. (وَإِنَّمَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) وَهُوَ مَا يَجِبُ بِالْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَوْ التَّسَبُّبِ (فَلَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ عَمْدٍ وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ وَلَا مَا لَزِمَ بِصُلْحٍ

أَوْ بِاعْتِرَافٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُتَنَاصَرُ بِالْعَبْدِ، وَالْإِقْرَارُ وَالصُّلْحُ لَا يَلْزَمَانِ الْعَاقِلَةَ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ تَحَرُّزٌ عَنْ الْإِجْحَافِ بِالْخَاطِئِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ (إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) أَيْ الْعَاقِلَةَ الْمُعْتَرِفَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إقْرَارٌ مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ زَالَ. (وَلَا) تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ (أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ النَّفْسِ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِدَفْعِ الْإِجْحَافِ عَنْ الْجَانِي وَذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْكَثِيرَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ بِالنَّصِّ وَمَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي (بَلْ ذَلِكَ) أَيْ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ (عَلَى الْجَانِي) وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ فِي أَرْشِ الْجَنِينِ فِي الْإِيجَابِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَرْشُ الْجَنِينِ نِصْفُ عُشْرِ بَدَلِ الرَّجُلِ فَيُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِيمَا دُونَهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَلَا تَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي الْعَقْلِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَوَاقِلِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفُ النُّصْرَةِ وَالْجِزْيَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ جُزْءٍ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَحَدُ الْعَوَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ نَفْسَهُ وَالنُّصْرَةُ لَا تُوجَدُ فِيهِمَا. وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا صَحِيحٌ إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا، وَأَمَّا إذَا بَاشَرَا الْقَتْلَ بِأَنْفُسِهِمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُشَارِكَانِ الْعَاقِلَةَ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ انْتَهَى. (وَلَا يَعْقِلُ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ لَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ. (وَيَعْقِلُ الْكَافِرُ عَنْ الْكَافِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (إنْ لَمْ تَكُنْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمِلَّتَيْنِ ظَاهِرَةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ فِيهِمَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ بِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى الْعَاقِلَةِ

كتاب الوصايا

لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ. (وَالْمُسْلِمُ) إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ (يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالنُّصْرَةِ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ يَتَنَاصَرُونَ (وَقِيلَ) الْمُسْلِمُ (كَالذِّمِّيِّ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ. (وَإِنْ جَنَى حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ حَتَّى أَوْجَبَ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا خِلَافَ فِي أَطْرَافِ الْعَبْدِ إنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى حُرٍّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَتَحَمَّلُ عَنْ الْعَاقِلَةِ عَوَاقِلُهُمْ فَكَذَا لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا» . [كِتَاب الْوَصَايَا] لَا يَخْفَى ظُهُورُ مُنَاسَبَةِ إيرَادِ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَهُ اخْتِصَاصٌ بِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ وَالْجِنَايَةُ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . (الْوَصِيَّةُ) فِي الشَّرْعِ (تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَسَبَبُهَا أَنْ يُذْكَرَ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى. [شَرَائِط الْوَصِيَّة] وَمِنْ شَرَائِطِهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْمُوصَى لَهُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مَالًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الدَّيْنِ، وَمِنْهَا التَّقْدِيرُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. [أَرْكَان الْوَصِيَّة] وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا. وَأَمَّا حُكْمُهَا فَفِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفِي حَقِّ الْمُوصِي إقَامَةُ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ كَالْوَارِثِ. وَأَمَّا صِفَتُهَا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ بِالتَّرْكِ لِلْقَرِيبِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوْ صَدَقَةٍ يَبْتَغِي بِهَا رِضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ

(فَتَرْكُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (أَحَبُّ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْفَقِيرِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا. (وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْت فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قُلْت فَالثُّلُثُ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوَكَبِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقَاتِلِهِ) أَيْ الْمُوَرِّثِ (مُبَاشَرَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً احْتِرَازًا عَنْ الْقَتْلِ تَسَبُّبًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ النَّصَّ. (وَلَا لِوَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلِأَنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ يَتَأَذَّوْنَ بِإِيثَارِهِ بَعْضَهُمْ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطْعِيَّةُ الرَّحِمِ (إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَعَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِقَاتِلِهِ وَوَارِثِهِ يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا لِلْقَاتِلِ وَلَا لِلْوَارِثِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ الْتِبَاسِهَا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ يَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِالثُّلُثِ) لِلْأَجْنَبِيِّ. (وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ قَالَ حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ) فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] ، وَالثَّانِي لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَى الْمُسْلِمَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ حَتَّى جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِحَرْبِيٍّ هُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَصِلَةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَمَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمْلِيكِ الْمَالِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ خَلَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ وَرَثَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ حَقَّهُمْ مَعْصُومٌ

مِنْ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ وَرَثَةِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ حَقُّهُمْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالْجَمِيعِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِلْحَمْلِ وَبِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ (إنْ كَانَ بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ (وَبَيْنَ وِلَادَتِهِ) أَيْ الْحَمْلِ (أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُهُ فِي بَعْضِ مَالِهِ كَالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْقَبْضِ، وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ اسْتِخْلَافٌ مُطْلَقٌ وَبِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَلِّكَهُ شَيْئًا، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْوَصِيَّةَ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ؟ قُلْنَا الْوَصِيَّةُ تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَتُشْبِهُ الْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ تَجْرِي فِيهِ الْوِرَاثَةُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوِصَايَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوِصَايَةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ إذَا أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ (وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ لِمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبُولُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَقْبِضَ عَنْهُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِأُمِّهِ) أَيْ أُمِّ الْحَمْلِ (دُونَهُ) أَيْ الْحَمْلِ (صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَمْلَ لَفْظًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ تَبَعًا لَهَا فَإِذَا أَفْرَدَهَا بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا، فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قُلْنَا كَفَى بِصِحَّتِهِ التَّزَيِّي بِزِيِّهِ كَمَا فِي اسْتِثْنَاءِ إبْلِيسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ. عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ. (وَلَا بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْقَبُولِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ تَمْلِيكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ (وَيُعْتَبَرُ) الْقَبُولُ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (وَلَا اعْتِبَارَ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ حَيَاةِ الْمُوصِي كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا عَلَى دِرْهَمٍ، فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا بَاطِلٌ قَبْلَ الْغَدِ (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبُولِ (تَمْلِكُ) الْوَصِيَّةَ وَلَا تَمْلِكُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ. (إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (يَمْلِكُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ (وَتَصِيرُ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ

وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي وَقَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مُكَاتَبٍ) وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً. أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَكَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِيهِ ضَرَرٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً، وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ. (وَالْوَصِيَّةُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ (فَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ يُحِيطُ دَيْنُهُ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ بَقَاءُ الدَّيْنِ فَإِذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا. (وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَجَازَ رُجُوعُهُ عَنْهَا كَالْهِبَةِ وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً فَلِهَذَا قَالَ (قَوْلًا) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ وَصِيَّتِي (أَوْ فِعْلًا) وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (يَقْطَعُ) صِفَةُ فِعْلًا (حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ أَوْ خِيَاطَتِهِ (أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ رُجُوعًا دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ فَقَامَ الْفِعْلُ لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مَقَامَ الْقَوْلِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ رَجَعَ) عَنْ الْهِبَةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا يُجْدِي تَمَلُّكُهُ ثَانِيًا بِالشِّرَاءِ وَالرُّجُوعِ (أَوْ يُوجِبُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقْطَعُ الْوَاقِعُ

صِفَةً لِفِعْلًا أَيْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِأَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ (فِي الْمُوصَى بِهِ زِيَادَةً لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ (كَلَتِّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ، وَقَطْعُ الثَّوْبِ وَذَبْحُ الشَّاةِ رُجُوعٌ) قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَعْطُوفَيْنِ عَلَى لَتِّ السَّوِيقِ وَقَوْلُهُ وَقَطْعُ الثَّوْبِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ رُجُوعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَالْخَبَرُ هُوَ رُجُوعٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى امْتِنَاءِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا قَطْعُ الثَّوْبِ وَذَبْحُ الشَّاةِ فَلِبِنَائِهِ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونُ رُجُوعًا (لَا غَسْلُ الثَّوْبِ وَتَجْصِيصُ الدَّارِ وَهَدْمُهَا) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي نَفْسِ مَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْبِنَاءِ وَالْبِنَاءُ تَبَعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا هَدْمُ الْبِنَاءِ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ. (وَالْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ. قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ كَانَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوصَى لَهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ كَانَ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَعِنْدَ حَضْرَتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيُ الْوَصِيَّةِ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودُ نَفْيُهَا فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَجُحُودُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ عَدَمِهِ فَلَوْ كَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا لَاقْتَضَى وُجُودَ الْوَصِيَّةِ وَعَدْلَهَا فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ مُحَالٌ. (وَلَا قَوْلُهُ أَخَّرْت الْوَصِيَّةَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَخِّرْ الْوَصِيَّةَ فَقَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَرَكْت الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ إسْقَاطٌ (أَوْ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ حَرَامٌ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ. (وَلَوْ قَالَ مَا أَوْصَيْت بِهِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَرُجُوعٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَإِثْبَاتُ التَّخْصِيصِ لَهُ فَاقْتَضَى رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُهَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ الثَّانِي مَيِّتًا) حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى تَكُونُ عَلَى حَالِهَا. (وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ نَكَحَهَا بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّة هَكَذَا وُجِدَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ

الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَى أَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَعَكْسُهُ إذَا أَوْصَى إلَى أَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ وَهُوَ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهُ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهُ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لَهَا، وَأَمَّا إذَا وَرِثَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ. (وَكَذَا إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ فَلِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا حَالُ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا. (وَهِبَةُ الْمُقْعَدِ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْمَشْيِ لِدَاءٍ فِي رِجْلَيْهِ (وَالْمَفْلُوجِ) الْفَلْجُ دَاءٌ يَعْرِضُ فِي نِصْفِ الْبَدَنِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ (وَالْأَشَلِّ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ارْتِعَاشٌ وَحَرَكَةٌ (وَالْمَسْلُولِ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مَرَضُ السُّلِّ وَهُوَ قُرَحٌ فِي الرِّئَةِ تُعْتَبَرُ وَصِيَّتُهُ (مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ طَالَ) مُدَّةُ مَرَضِهِ وَقَدَّرُوهُ بِالسَّنَةِ (وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَرَضِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُدَّةُ مَرَضِهِ وَخِيفَ مَوْتُهُ مِنْهُ (فَمِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُبْتَلًى بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مِنْ حِينِ تَبَرُّعِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ فِي فُصُولِ السَّنَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ صَارَ الْمَرَضُ بِمَنْزِلَةِ طَبْعٍ مِنْ طَبَائِعِهِ وَخَرَجَ صَاحِبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بِالتَّدَاوِي كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَرِيضُ الَّذِي يَكُونُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا فِرَاشٍ بِحَيْثُ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ لِحَاجَتِهِ وَتَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَيُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ أَوْ صَارَ خَشِنًا أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ عَنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَمَا فَعَلَ فِي حَالِ التَّغَيُّرِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَالَ الْفَضْلِيُّ مَرَضُ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى حَوَائِجِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ فِي التَّجْرِيدِ انْتَهَى.

باب الوصية بثلث المال

[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ] ِ لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ. (وَلَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يُجِزْ وَارِثُهُ) ذَلِكَ (قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى. (وَلَوْ) أَوْصَى (لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِهِ وَلِلْآخَرِ بِسُدُسِهِ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (قُسِمَ) الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا (أَثْلَاثًا) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا مَزِيدَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا بِأَنْ يُجْعَلَ الثُّلُثُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ. (وَلَوْ) أَوْصَى (لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثَيْهِ أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِكُلِّهِ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (يُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ تَكُونُ بَاطِلَةً فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَعِنْدَهُمَا يُثَلَّثُ) الثُّلُثُ (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْآخَرِ بِثُلُثَيْهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ مِنْهُ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ سَهْمَانِ (وَيُخَمَّسُ) الثُّلُثُ (خُمُسَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْآخَرِ بِنِصْفِهِ فَيَكُونُ خُمُسَاهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِصَاحِبِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ إذَا اجْتَمَعَا يَكُونُ سِتَّةً وَنِصْفُهُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُهُ اثْنَانِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بِهَذِهِ السِّهَامِ (وَبِرُبْعِ) الثُّلُثِ (فِي الثَّالِثِ) أَيْ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْآخَرِ بِكُلِّهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُهُ وَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُضْرَبُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ (الْمُوصَى لَهُ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الضَّرْبُ الْمُصْطَلَحُ عِنْدَ الْحِسَابِ فَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ وَالْكُلِّ فَعِنْدَ الْإِمَامِ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفٌ يُضْرَبُ النِّصْفُ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَالنِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ، فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ، وَعَلَى خَمْسَةٍ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ

وَسَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى أَرْبَعَةٍ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ. (إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) أَمَّا الْمُحَابَاةُ فَصُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ فَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُحَابَاةَ حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي مَالٌ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يُضْرَبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضْرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَأَمَّا السِّعَايَةُ فَصُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ، فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ كَوْنِهَا ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا أَوْ نَحْوَهُمَا فَصُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِآخَرَ بِأَلْفٍ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. (وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ) يَعْنِي لَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ لِغَيْرِهِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَقُّ الِابْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ ابْنٌ مَوْجُودٌ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَقَالَ زُفَرُ كِلْتَاهُمَا صَحِيحَتَانِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُهُ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ نَصِيبَ الِابْنِ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَهُوَ " مِثْلِ " وَمِثْلُهُ شَائِعٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا (فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ) وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لِآخَرَ (فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَوَجْهُ مَا فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ وَحَاصِلُهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمَا. (وَإِنْ) كَانَ لَهُ (ثَلَاثَةُ) بَنِينَ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لِآخَرَ (فَالرُّبْعُ) وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَالتَّعْيِينُ) مُفَوَّضٌ (إلَى الْوَرَثَةِ) فَيُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ. (وَإِنْ) أَوْصَى (بِسَهْمٍ) مِنْ مَالِهِ (فَالسُّدُسُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ) أَيْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ) النَّصِيبُ (عَلَى الثُّلُثِ وَلَا إجَازَةَ) مِنْ الْوَرَثَةِ وَسَوَّى فِي الْكَنْزِ بَيْنَ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ

الْمَشَايِخِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَحْسَنُ السِّهَامِ يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يُزَادُ عَلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ السُّدُسِ أَعْدَلُ الْمَخَارِجِ فَلَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحْسَنَ الْإِيصَاءِ أَقَلُّهُ وَالثُّمُنُ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ بِمَعْنَى السُّدُسِ؟ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ جَعَلَهُ بِمَعْنَاهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ الْأَثَرِ وَاللُّغَةِ، أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُرْوَى أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ، وَأَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ قَالَ السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ) فَالتَّعْيِينُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْوَرَثَةِ. (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسُدُسِ مَالِهِ ثُمَّ بِثُلُثِ مَالِهِ) بِأَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ (وَأَجَازُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (فَلَهُ الثُّلُثُ) لِكَوْنِ السُّدُسِ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. (وَإِنْ) أَوْصَى (بِسُدُسِهِ) لِفُلَانٍ ثُمَّ بِسُدُسِهِ لَهُ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (السُّدُسُ) الْوَاحِدُ (سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ) هَذَا قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ السُّدُسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] لَنْ يَغْلِبَ الْعُسْرُ يُسْرَيْنَ، وَهَهُنَا سُؤَالٌ ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ إنْ كَانَ إخْبَارًا فَكَاذِبٌ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّدُسِ إخْبَارًا وَفِي الثُّلُثِ إنْشَاءً فَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِأَنَّا نَخْتَارُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَوْ كَانَ النِّصْفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ السُّدُسَ وَالثُّلُثَ فِي كَلَامِهِ شَائِعٌ وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَكْثَرُ مُقَدَّمًا كَانَ أَوْ مُؤَخَّرًا وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّدُسِ فَإِنَّ التَّضَمُّنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الشَّائِعِ وَضَمُّ السُّدُسِ الشَّائِعِ إلَى الثُّلُثِ الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْعَدَدِ وَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفَائِدَةُ الْإِجَازَةِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ مُتَنَاوَلَ اللَّفْظِ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُسْتَأْنَفًا لَا إجَازَةً. وَفِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلَ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ انْتَهَى. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ) ثُلُثِ (غَنَمِهِ أَوْ) ثُلُثِ (ثِيَابِهِ وَهِيَ) أَيْ الثِّيَابُ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهَلَكَ

الثُّلُثَانِ) وَبَقِيَ الثُّلُثُ (فَلَهُ الْبَاقِي أَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ الْجَمِيعُ مِنْ الْبَاقِي. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي (وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) أَيْ إذَا هَلَكَ الثُّلُثَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي. وَفِي التَّسْهِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. (وَإِنْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ ثِيَابِهِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (فَهَلَكَ الثُّلُثَانِ فَلَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) مِنْ الثِّيَابِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (وَإِنْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ عَبِيدِهِ) فَهَلَكَ الثُّلُثَانِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبِيدِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ اخْتِلَافُ أَجْنَاسِهِمْ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ (وَعِنْدَهُمَا) فَلَهُ (كُلُّ الْبَاقِي) ؛ لِأَنَّهُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يُقْسَمُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ الْكُلُّ قِسْمَةً وَاحِدَةً (وَقِيلَ) أَنَّهُمَا (يُوَافِقَانِ) الْإِمَامَ فِي الْعَبِيدِ فَقَطْ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ (وَالدَّوَابُّ كَالْعَبِيدِ) اخْتِلَافًا وَاتِّفَاقًا. (وَإِنْ أَوْصَى بِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَهِيَ عَيْنٌ إنْ خَرَجَتْ) الْأَلْفُ (مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ) ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَهِيَ نَقْدٌ أَوْ عَيْنٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَدْفَعُ لَهُ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إيصَالُ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ إلَى حَقِّهِ بِلَا بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ النَّقْدُ أَيْضًا أَلْفًا أَوْ الْعَيْنُ قِيمَتُهَا أَلْفٌ مَثَلًا (دَفَعَ ثُلُثَ الْعَيْنِ) لِلْمُوصَى لَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ. (وَ) دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثَ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى يَتِمَّ) الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَوْ خَصَّصْنَاهُ بِالْعَيْنِ لَبَخَسْنَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ مَزِيَّةً عَلَى الدَّيْنِ إذْ الْعَيْنُ مَالٌ مُطْلَقًا وَالدَّيْنُ مَالٌ فِي الْمَآلِ لَا فِي الْحَالِ وَكَانَ تَعْدِيلُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا قُلْنَا. (وَإِنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ) مِنْ مَالِهِ (لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَكُلُّهُ) أَيْ الثُّلُثِ (لِلْحَيِّ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ أَهْلُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لَغْوًا فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ. (وَإِنْ قَالَ) ثُلُثُ مَالِي (بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو) وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ (فَالنِّصْفُ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ (لِلْحَيِّ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ) عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (فَاكْتَسَبَ) الْمُوصِي مَالًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ. (وَإِنْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ) أَصْلًا (أَوْ كَانَ) لَهُ غَنَمٌ (فَهَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَتَعَيَّنُ قِيَامُهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ. (وَإِنْ اسْتَفَادَ) الْمُوصِي

(غَنَمًا ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) وَصِيَّتُهُ (فِي) الْقَوْلِ (الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَضْلٌ إذْ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى مَالٍ خَاصٍّ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ. (وَإِنْ أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ وَلَا شَاةَ لَهُ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (قِيمَتُهَا) أَيْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ. (وَتَبْطُلُ) الْوَصِيَّةُ (لَوْ) أَوْصَى (بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مِنْ غَنَمِي دَلَّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ وَبِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا وَقِيلَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ) أَيْ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ (ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ) أَيْ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ (ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (خُمُسٌ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ (ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سُبْعَانِ) فَيُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْفُقَرَاءِ سَهْمَانِ وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمَانِ وَلِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَيُحْتَمَلُ الْكُلُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَقَدْ تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ فَيَتَعَيَّنُ الْوَاحِدُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فِي الْوَصَايَا وَالْوَصِيَّةُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ حَرَائِرُ وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِدَلِيلِ عَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي النَّصِّ وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ فَيَصِيرُ عَدَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ خَمْسَةً عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ سَبْعَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ فَلَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ (نِصْفُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ الثُّلُثِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ (ثُلُثَاهُ) أَيْ ثُلُثَا الثُّلُثِ. (وَإِنْ أَوْصَى بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَمِائَةٍ لِعَمْرٍو ثُمَّ قَالَ لِبَكْرٍ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ) أَيْ لِبَكْرٍ (ثُلُثُ مَا) اسْتَقَرَّ (لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مِنْ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأُولَى لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَخَمْسِينَ لِعَمْرٍو) ثُمَّ قَالَ لِبَكْرٍ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا (فَلِبَكْرٍ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ هُنَا لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ. وَفِي الْمِنَحِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ

وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً كَانَتْ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونُ الْجِنْسَانِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ انْتَهَى. (وَإِنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ) عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الدَّيْنَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ إقْرَارٌ بِالْمَجْهُولِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَدْ فَاتَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى مَالِهِ بِمَا أَوْصَى وَهُوَ يَمْلِكُ هَذَا التَّسْلِيطَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ بِأَنْ يُوصِيَهُ لَهُ ابْتِدَاءً فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ أَيْضًا بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِمَجْهُولٍ وَالْمَرْءُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَتَحْصُلُ وَصِيَّتُهُ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَجُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ فِي الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ (فَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ) الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ (بِوَصَايَا عُزِلَ ثُلُثٌ لَهَا) أَيْ لِأَرْبَابِ الْوَصَايَا (وَثُلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ) ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ، وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَالدَّيْنُ مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحَمُ الْمَعْلُومُ (وَيُقَالُ لِكُلٍّ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْوَرَثَةِ (صَدِّقُوهُ) أَيْ فُلَانًا الْمُقَرَّ لَهُ (فِيمَا شِئْتُمْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ بِالنَّظَرِ إلَى إقْرَارِ الْمَالِكِ، وَصِيَّةٌ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِشَيْءٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ فَيُؤْمَرُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةُ بِبَيَانِهِ فَإِذَا بَيَّنُوا شَيْئًا (فَيُؤْخَذُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ) وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ لَهُمْ (وَ) يُؤْخَذُ (الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ) تَنْفِيذًا لِإِقْرَارِ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ (وَيَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ (عَلَى الْعِلْمِ بِدَعْوَى) الْمُقَرِّ لَهُ (الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَقَرُّوا) وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ تَحْلِيفًا؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُنَا لَزِمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ انْتَهَى. (وَإِنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ الْعَيْنِ (وَلَا شَيْءَ لِلْوَارِثِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ

فَصَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا. (وَإِنْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ) أَشْخَاصٍ (بِثَوْبٍ وَهِيَ) أَيْ الثِّيَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ (مُتَفَاوِتَةٌ) جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ (فَضَاعَ ثَوْبٌ) مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ (وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهَا) أَيْ الثِّيَابِ (هُوَ) أَيْ الضَّائِعُ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْوَرَثَةَ تَقُولُ لِكُلٍّ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا قَالَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَلَا أَدْفَعُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمْ شَيْئًا كَذَا فِي التَّبَيُّنِ (فَإِنْ سَلَّمُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (مَا بَقِيَ) مِنْ الثِّيَابِ (فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَا جَيِّدِهِمَا وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَا رَدِيئِهِمَا وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الْجَيِّدِ فِي الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْجَيِّدُ الْأَصْلِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْأَجْوَدُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الرَّدِيءِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ هَذَا الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْأَرْدَأُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْآخَرِ فِي ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ الْجَيِّدِ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَجْوَدَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَرْدَأَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا فَكَانَ هَذَا تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ. كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (وَإِنْ أَوْصَى بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْصَى أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لِرَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي (قُسِمَتْ) الدَّارُ (فَإِنْ خَرَجَ) ذَلِكَ (الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ) أَيْ الْبَيْتُ (لِلْمُوصَى لَهُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْبَيْتِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (قَدْرُ ذَرْعِهِ) أَيْ ذَرْعِ الْبَيْتِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ قَدْرُ نِصْفِ ذَرْعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ لِكَوْنِ الدَّارِ مُشْتَرَكَةً فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي مِلْكِهِ وَيَتَوَقَّفُ الْبَاقِي عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِذَا اقْتَسَمُوا وَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي بِهِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ نِصْفُ

الْبَيْتِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِي الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَنْفِيذِهَا فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِيصَاءَ بِمِلْكٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى الْكَمَالِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِهِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ تَابِعٌ وَالْمَقْصُودُ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ كُلُّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَبَطَلَتْ (وَالْإِقْرَارُ كَالْوَصِيَّةِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ كَانَ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ بِهِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِتَسْلِيمِهِ كُلِّهِ إنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ قَدْرِ ذَرْعِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ نِصْفِهِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ وَقَدْرِ نِصْفِ ذَرْعِهِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْغَيْرِ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِقْرَارِ (لِمُحَمَّدٍ) بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلشَّيْخَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْخِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَالشَّيْخَيْنِ هُوَ (الْمُخْتَارُ) وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِأَلْفِ عَيْنٍ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلِرَبِّهَا) أَيْ لِرَبِّ الْأَلْفِ (الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَجَازَ كَانَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ تَبَرُّعٍ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ (بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ لَوْ أَجَازُوا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَهُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَتَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. (وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ بِالثُّلُثِ فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (دَفْعُ ثُلُثِ نَصِيبِهِ) اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ يُعْطِيهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ لَهُمَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ فَكَانَ مُقِرًّا لَهُ بِثُلُثِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ لَزَادَ حَقُّهُ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ الِابْنُ الْآخَرُ بِهِ أَيْضًا فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ نِصْفَ التَّرِكَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَقُّ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَهُوَ الشَّرِيكُ الْوَارِثُ فَصَارَ مُقِرًّا بِأَنَّهُ شَرِيكُهُ وَشَرِيكُ أَخِيهِ فِي الثُّلُثِ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَارِثِ

مِثْلَاهُ، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ فَأَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الِاخْتِيَارُ عِنْدِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْعَدُ مِنْ الضَّرَرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُؤْخَذُ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ جَمِيعُ الدَّيْنِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ لَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا هُنَا زِيَادَةُ شَيْءٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكُتُبِ وَهُوَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إذْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ بَلْ يَحِلُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَنَظِيرُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ذُكِرَتْ فِي الزِّيَادَاتِ وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَرَجُلٌ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَتُسْمَعُ شَهَادَةُ الْمُقِرِّ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَزِمَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَغْرَمِ، قَالَ صَاحِبُ الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَإِنَّ فِيهَا فَائِدَةً عَظِيمَةً انْتَهَى. (وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (فَهُمَا) أَيْ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا (لِلْمُوصَى لَهُ إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ) ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدُ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأُمِّ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَهَا حَتَّى تُقْضَى دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ (أَخَذَ) الْمُوصَى لَهُ (الثُّلُثَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ (ثُمَّ) أُخِذَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلَدِ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مَا يَخُصُّ الثُّلُثَ مِنْ الْأُمِّ أَوَّلًا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَأْخُذُهُ مِنْ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ (عَلَى السَّوَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْأُمِّ، وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ الْأَصْلِ بِالتَّبَعِ وَفِي جَعْلِ الْوَلَدِ شَرِيكًا مَعَهَا نَقْصُ الْوَصِيَّةِ بِالْأُمِّ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ لَا يُنْقِصُ شَيْئًا فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ يَنْحَطُّ بَعْضُ الثَّمَنِ عَنْ الْأَصْلِ ضَرُورَةَ مُقَابَلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ تَبَعٌ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَيَنْعَقِدَ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بِالْقِسْمَةِ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَحَدَثَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى خَالِصِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ

باب العتق في المرض

يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ قَصْدًا وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْكَافِي. [بَاب الْعِتْق فِي الْمَرَض] الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَفْرُوضَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (الْعِبْرَةُ بِحَالِ التَّصَرُّفِ فِي التَّصَرُّفِ الْمُنَجَّزِ) وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ حُكْمَهُ فِي الْحَالِ كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ وَهَبْتُك (فَإِنْ كَانَ) التَّصَرُّفُ الْمُنَجَّزُ (فِي الصِّحَّةِ فَمِنْ كُلِّ الْمَالِ، وَإِنْ) كَانَ (فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَمِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ وَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ حَتَّى إنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالنِّكَاحُ فِي الْمَرَضِ يَكُونُ الْمَهْرُ فِيهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ (وَ) التَّصَرُّفُ (الْمُضَافُ إلَى الْمَوْتِ) وَهُوَ مَا أَوْجَبَ حُكْمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ هَذَا لِزَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِي يُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ) كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ (فِي الصِّحَّةِ) فَالْمُعْتَبَرُ لَيْسَ حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ حَالَةَ الْمَوْتِ (وَمَرَضٌ صَحَّ) صِفَتُهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَرَضِ (كَالصِّحَّةِ) فَقَوْلُهُ مَرَضٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ كَالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَبِالْبُرْءِ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ مَوْتٍ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ حَقٌّ فِي مَالِهِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَا شَاءَ (فَالتَّحْرِيرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْمُحَابَاةُ) وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ مَثَلًا (وَالْكَفَالَةُ وَالْهِبَةُ وَصِيَّةٌ) أَيْ كَالْوَصِيَّةِ وَوَجْهُ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ (فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ حُكْمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنَجَّزَةٌ فِي الْحَالِ. (فَإِنْ أَعْتَقَ وَحَابَى وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ (فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى) أَيْ تُقَدَّمُ عَلَى الْعِتْقِ هَذَا (إنْ قُدِّمَتْ) الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ (وَهُمَا) أَيْ الْعِتْقُ وَالْمُحَابَاةُ (سَوَاءٌ إنْ أُخِّرَتْ) الْمُحَابَاةُ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ وَهُوَ الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْعَبْدِ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَابَاةِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. لَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَكِنْ إنْ وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ يُزَاحِمُ الْمُحَابَاةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا اعْتِبَارَ لِلتَّقَدُّمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَبُ التَّقْدِيمُ فِي الثُّبُوتِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحِقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ. (وَإِنْ أَعْتَقَ بَيْنَ مُحَابَاتَيْنِ) بِأَنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِمَ الثُّلُثُ (فَنِصْفُ) الثُّلُثِ (لِلْأُولَى) أَيْ لِلْمُحَابَاةِ الْأُولَى (وَنِصْفُ) الثُّلُثِ (بَيْنَ الْعِتْقِ، وَ)

الْمُحَابَاةِ (الْأَخِيرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِيرَةِ فَيَسْتَوِيَانِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ وَالْمُحَابَاةَ الثَّانِيَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهَا فَالْمُحَابَاةُ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهَا، وَهُوَ يُنَاقِضُ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ الْإِنْتَاجِ أَنْ تَلْزَمَ لِنَتِيجَةِ الْقِيَاسِ لِذَاتِهِ وَقِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسَاوِيَ لِلْمُسَاوِي لِلشَّيْءِ مُسَاوٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُسَاوَاةَ الْمُحَابَاةِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةٍ وَمُسَاوَاةَ الثَّانِيَةِ لِلْعِتْقِ الْمُقَدَّمِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَحَيْثُ انْفَكَّتْ الْجِهَةُ انْدَفَعَ الْمَحْذُورُ. (وَإِنْ حَابَى بَيْنَ عِتْقَيْنِ) بِأَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ (فَنِصْفُ) الثُّلُثِ (لِلْمُحَابَاةِ وَنِصْفُ) الثُّلُثِ (لِلْعِتْقَيْنِ) بِأَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْجَمِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ) عَنْهُ عَبْدٌ (بِمَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ. (وَلَوْ) كَانَ (مَكَانَ الْعِتْقِ حَجٌّ حَجَّ بِمَا بَقِيَ إجْمَاعًا) وَلَهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحِقُّ وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ وَهَذَا الْبِنَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ. (وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَوْ جَنَى بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَدَفَعَ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ مَوْلَى الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَمِلْكُ الْمُوصِي بَاقٍ إلَى أَنْ يَدْفَعَ وَبِالدَّفْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ (وَإِنْ فَدَى) أَيْ الْعَبْدُ بِأَنْ أَعْطَى الْوَرَثَةَ الْفِدَاءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ (فَلَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَبَرِّعِينَ بِالْفِدَاءِ وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَرِيءٌ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ. (وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ

وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الْمُوصِي (وَ) ادَّعَى (الْوَارِثُ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ) مَعَ الْيَمِينِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَبْدٌ فَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمُوصِيَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ لَكِنْ قَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ لِئَلَّا تَكُونَ وَصِيَّةً تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ (وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ الثُّلُثُ عَنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (أَوْ يُبَرْهِنَ) زَيْدٌ (عَلَى دَعْوَاهُ) وَهُوَ عِتْقُهُ فِي الصِّحَّةِ فَيَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ مَالِهِ غَيْرَ الْعَبْدِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِزَيْدٍ بِلَا بُرْهَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْحَوَادِثِ فَيُحْكَمُ بِحُدُوثِهِ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا، وَأَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ هُنَا وَقْتُ الْمَرَضِ وَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَارِثِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ إذْ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ نَعَمْ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ خَصْمٍ وَالْعِتْقُ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَ) ادَّعَى (الْعَبْدُ إعْتَاقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْعَى) لَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعَهَا لِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ لَكِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيَبْطُلُ مَعْنَى إيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ إسْنَادَ الْعِتْقِ إلَى الصِّحَّةِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يُوجَدْ شَغْلُ الدَّيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الدَّيْنُ هُنَا فَمُنِعَ الْإِسْنَادُ فَوَجَبَ رَدُّهُ بِالدَّيْنِ وَرَدُّهُ بِالسِّعَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ رَجُلٌ هَذَا الْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوك كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ أَبِيك، وَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا فَعِنْدَهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْوَدِيعَةُ إلَّا وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهَا فَيَتَحَاصَّانِ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ وَقَالَا الْوَدِيعَةُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ أَسْبَقَ وَصَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا وَقَالَ صَدَقْتُمَا وَذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَبِهِ يَنْطِقُ شُرُوحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشُرُوحُ الْمَنْظُومَةِ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ وَصَايَا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ) كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ. (وَإِنْ أَخَّرَهَا) أَيْ الْمُوصِي الْفَرَائِضَ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ

أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ (فَإِنْ تَسَاوَتْ) الْوَصَايَا (فِي الْفَرْضِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا) بِأَنْ كَانَ جَمِيعُهَا نَفْلًا (وَقُدِّمَ مَا قَدَّمَهُ) الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ (وَقِيلَ) إنْ تَسَاوَتْ فِي الْفَرْضِيَّةِ (تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ (وَقِيلَ بِالْعَكْسِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَاخْتَلَفَتْ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ. وَقَالَ فِي أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ يُبْدَأُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَتَأَدَّى بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ فَحَسْبُ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى فَيُبْدَأُ بِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَقِيرِ ثَابِتٌ وَالْحَجُّ تَمَحَّضَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَتْ الزَّكَاةُ أَقْوَى (وَيُقَدَّمُ الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْكَفَّارَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ) لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي كَفَّارَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا. (وَ) تُقَدَّمُ (الْكَفَّارَاتُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ) لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِوُجُوبِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ. (وَ) تُقَدَّمُ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ) مُقَدَّمَةٌ (عَلَى الْأُضْحِيَّةِ) لِلِاتِّفَاقِ فِي وُجُوبِهَا وَلِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ التَّضْحِيَةِ وَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى بَعْضٍ كَالنَّذْرِ يُقَدَّمُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ دُونَهَا. (وَإِنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (عَنْهُ) أَيْ الْمُوصِي (رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ) الَّذِي يَحُجُّ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (رَاكِبًا) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ فَيَجِبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ كَمَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ (إنْ وَفَتْ النَّفَقَةُ) لِلْإِحْجَاجِ مِنْ بَلَدِهِ رَاكِبًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَفِ النَّفَقَةُ (فَمِنْ حَيْثُ تَفِي) النَّفَقَةُ وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ بِصِفَةٍ وَقَدْ عُدِمَتْ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ غَرَضَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَتَنْفُذُ مَا أَمْكَنَ. (وَإِنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ فَظَهَرَ بِمَوْتِهِ أَنَّ سَفَرَهُ كَانَ سَفَرَ الْمَوْتِ لَا سَفَرَ الْحَجِّ فَكَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَخُرُوجِهِ لِلتِّجَارَةِ إذَا مَاتَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ فَكَذَا هُنَا. (وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا) ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ

باب الوصية للأقارب وغيرهم

حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيُبْتَدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ) فَيُحَجُّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ. [بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ] ْ إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ وَالْمَذْكُورَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَحْكَامُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَالْخُصُوص أَبَدًا تَابِعٌ لِلْعُمُومِ (جَارُ الْإِنْسَانِ مُلَاصِقُهُ) قَدَّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْجَارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْجَارِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ، ثُمَّ إنَّ حَمْلَ الْجَارِ عَلَى الْمُلَاصِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ مُلَاصِقًا (وَعِنْدَهُمَا) جَارُ الْإِنْسَانِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُهَا أَيْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ، وَبِرُّ الْجَارِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُلَاصِقِ بَلْ بِرُّ الْمُقَابِلِ مَقْصُودٌ كَبِرِّ الْمُلَاصِقِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ اخْتِلَاطٍ فَإِذَا جَمَعَهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وُجِدَ الِاخْتِلَاطُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسْجِدِ زَالَ الِاخْتِلَاطُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا قُلْنَا هَذَا الْخَبَرُ ضَعِيفٌ فَقَدْ طَعَنُوا فِي رِوَايَتِهِ (وَيَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِ (السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ) وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَذْكُورُونَ فِي لَفْظِ الْجَارِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمْ لُغَةً وَشَرْعًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَرْمَلَةُ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا مُطْلَقًا. (وَصِهْرُهُ مَنْ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ اسْمُ أَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ وَفِي الْكَافِي وَإِنَّمَا يَدْخُلُ

فِي الْوَصِيَّةِ مَنْ كَانَ صِهْرًا لِلْمُوصِي يَوْمَ مَوْتِهِ بِأَنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْهُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ وَعِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ الصِّهْرِيَّةِ انْتَهَى. (وَخَتَنُهُ مَنْ هُوَ زَوْجُ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا، وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ أَخْتَانًا وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجَ الْمَحَارِمَ، وَ (يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الصِّهْرِ وَالْخَتَنِ (الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا (وَأَقَارِبُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ وَذَوُو قَرَابَتِهِ وَأَرْحَامِهِ وَذَوُو أَرْحَامِهِ وَأَنْسَابِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ أَقْرِبَائِهِ وَذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ أَرْحَامِهِ أَوْ ذَوِي أَرْحَامِهِ أَوْ أَنْسَابِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ) وَلَا الْوَارِثُ وَيَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا هَذَا عِنْد الْإِمَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ (وَفِي الْجَدِّ رِوَايَتَانِ) وَكَذَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْهُ لِمَعْدُومٍ فَكَانَتْ بَاطِلَةً. (وَتَكُونُ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْجَمْعُ فِي الْمَوَارِيثِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ (وَعِنْدَهُمَا) يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ (مَنْ يُنْسَبُ) إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُوصِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ) قِيلَ يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْأَبِ الْأَقْصَى وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطْ إدْرَاكُهُ لِلْإِسْلَامِ، حَتَّى لَوْ أَوْصَى عَلَوِيٌّ لِذَوِي قَرَابَتِهِ فَمَنْ شَرَطَ الْإِسْلَامَ يَصْرِفُ الْوَصِيَّةَ إلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ يَصْرِفُهَا إلَى أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ فَيَدْخُلُ فِيهَا أَوْلَادُ عَقِيلٍ وَجَعْفَرٍ وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ. (فَمَنْ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ الْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى أَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ (وَعِنْدَهُمَا لِلْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ) فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ. (وَمَنْ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ لِعَمِّهِ وَنِصْفُهَا بَيْنَ خَالَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ اثْنَانِ فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا مُسْتَحِقَّ

لَهُ أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ فَكَانَ لَهُمَا. (وَإِنْ) كَانَ (لَهُ عَمٌّ) وَاحِدٌ (فَقَطْ فَنِصْفُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمْعِ فِيهِ وَيُرَدُّ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَلِهَذَا يُعْطَى لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ لِلْوَرَثَةِ. (وَإِنْ) كَانَ لَهُ (عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالٌ وَخَالَةٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ عَلَى السَّوَاءِ) لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا، وَقَرَابَةُ الْعُمُومَةِ أَقْوَى مِنْ قَرَابَةِ الْخُؤُولَةِ، وَالْعَمَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا (وَعِنْدَهُمَا الْوَصِيَّةُ لِلْكُلِّ عَلَى السَّوِيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَشْتَرِطَانِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ كَمَا اشْتَرَطَهُ الْإِمَامُ. (وَأَهْلُ الرَّجُلِ زَوْجَتُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ رَجُلٍ فَهِيَ لِزَوْجَتِهِ (وَعِنْدَهُمَا) أَهْلُ الرَّجُلِ (مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ) يَعْنِي عِنْدَهُمَا أَهْلُ الرَّجُلِ مَنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ الْمُؤَيَّدِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وَقَالَ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، وَلِلْإِمَامِ قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] أَيْ زَوْجَتِهِ بِنْتِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا أَيْ تَزَوَّجَ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ فَهِيَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَرَابَةِ أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ (وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ يُعَدَّانِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (وَأَهْلُ نَسَبِهِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ) دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ فَصَارَ كَآلِهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّوْنَ قَرَابَةً. (وَالْوَصِيَّةُ) مُبْتَدَأٌ (لِبَنِي فُلَانٍ) (وَهُوَ أَبٌ صُلْبٌ) جُمْلَةٌ وَهُوَ أَبٌ صُلْبٌ حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (لِلذُّكُورِ خَاصَّةً) خَبَرُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ لِلذُّكُورِ وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ) أُخْرَى (عَنْ الْإِمَامِ) يَدْخُلُ فِيهِ (الْإِنَاثُ أَيْضًا) أَيْ كَالذُّكُورِ وَدُخُولُ الْإِنَاثِ فِي بَنِي فُلَانٍ إمَّا تَغْلِيبٌ أَوْ مَجَازٌ بِإِرَادَةِ الْفُرُوعِ. (وَ) الْوَصِيَّةُ (لِوَرَثَةِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّ الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِرَاثَةِ فَإِذَا بَانَ قَصْدُهُ التَّفْصِيلَ وَهِيَ فِي أَوْلَادِ الْمُوَرِّثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ كَالْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ. (وَ) لَوْ أَوْصَى (لِوَلَدِ فُلَانٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى السَّوَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَظِمُ بِالْكُلِّ (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الِابْنِ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَقِيقَةً يَتَنَاوَلُ

وَلَدَ الصُّلْبِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ صُلْبِيَّةٌ وَبَنُو ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلْبَنَاتِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ مَا أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا (وَيَدْخُلُونَ) أَيْ أَوْلَادُ الِابْنِ (عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ أَوْلَادُ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ صِيرَ إلَى الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (دُونَ أَوْلَادِ الْبِنْتِ) وَإِنَّمَا لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى أَبِيهِمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ. (وَإِنْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ وَهُوَ) أَيْ فُلَانٌ (أَبُو قَبِيلَةٍ) كَبَنِي تَمِيمٍ مَثَلًا (لَا يُحْصَوْنَ) كَثْرَةً (فَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِعَدَمِ إحْصَائِهِمْ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الصَّرْفِ. (وَإِنْ) أَوْصَى (لِأَيْتَامِهِمْ أَوْ عُمْيَانِهِمْ أَوْ زَمْنَاهُمْ أَوْ أَرَامِلِهِمْ فَلِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إنْ كَانُوا) أَيْ الْمُوصَى لَهُمْ (يُحْصَوْنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ، ثُمَّ قِيلَ حَدُّ الْإِحْصَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَنْ يَعُدُّهُمْ إلَى حِسَابٍ وَلَا كِتَابٍ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ وَهَذَا أَيْسَرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ (وَلِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ خَاصَّةً إنْ كَانُوا لَا يُحْصَوْنَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهَذِهِ الْأَسَامِي أَعْنِي الْأَيْتَامَ وَمَا بَعْدَهُ تُشْعِرُ بِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْفُقَرَاءِ. (وَ) إنْ أَوْصَى (لِمَوَالِيهِ فَهِيَ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (لِمَنْ أَعْتَقَهُمْ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ وَلِأَوْلَادِهِمْ) أَيْ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِعْتَاقُهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَنُسِبُوا إلَى الْوَلَاءِ كَالْمُعْتَقِينَ (وَلَا يَدْخُلُ) فِيهَا (مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ بِالْعِتْقِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ بِالْعَقْدِ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى الْمُعْتِقِ بِوَاسِطَةِ آبَائِهِمْ بِوَلَاءٍ وَاحِدٍ (وَلَا) يَدْخُلُ فِيهَا (مَوَالِي الْمَوَالِي إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ الْمَوَالِي؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَوَالِي الْمُوصِي حَقِيقَةً فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ الِاسْمُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً كَمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ عَدَمِهِ. (وَتَبْطُلُ) الْوَصِيَّةُ (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (مُعْتِقُونَ) بِكَسْرِ التَّاءِ (وَمُعْتَقُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالِي مَوَالٍ أَعْتَقُوهُمْ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ وَلَا عُمُومَ لَهُ وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَاخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَعُمُّ إذَا وَقَعَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ مَعَ الْمَوَالِي

باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة

مُطْلَقًا لَيْسَ لِوُقُوعِهِ فِي النَّفْيِ بَلْ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ بَعْضُهُ لَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وَقَدْ قَرَّرَهُ فِي التَّقْرِيرِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ الْمَوَالِي مُشْتَرَكٌ وَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ فَكَيْفَ حُكِمَ بِبُطْلَانِهَا؟ قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْبَيَانِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ لَا يُفِيدُ، فَإِنْ قِيلَ التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مُمْكِنٌ وَهِيَ أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ فَتُصْرَفُ إلَى الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُمْ. وَأَمَّا فَضْلُ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ فَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالصَّرْفُ إلَى الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَنْدُوبِ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ جَرَيَانُ الْعُرْفِ بِالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَالِبُ فِي الْمُعْتَقِينَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ وَفِي الْمُعْتِقِينَ بِكَسْرِهَا الْغَالِبُ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ وَالْمَعْرُوفُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْعًا كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى. (وَأَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا كَالْمَوَارِيثِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصَايَا أُخْتُ الْمَوَارِيثِ وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ فِي الْقُرْآنِ بِإِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ فِي الْمَوَارِيثِ فَقُلْنَا فِي الْوَصَايَا إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ فِيهَا اثْنَانِ أَيْضًا حَمْلًا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فِي الْمَوَارِيثِ. [بَاب الْوَصِيَّة بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَة] لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَصَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَنَافِعِ وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ وُجُودِ الْأَعْيَانِ لِيُوَافِقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ. (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَبِغَلَّتِهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ (مُدَّةً مُعَيَّنَةً) كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا (وَأَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ وَغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيُحْتَمَلُ التَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَمَاتِ كَالْأَعْيَانِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ يُبْقِي الْعَيْنَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِتَصَرُّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى حَاجَتِهِ وَإِنَّمَا تَحْدُثُ الْمَنْفَعَةُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ يَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَالْعَارِيَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَالْإِرْثُ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ بِدُونِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَتَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِيجَابُ مِلْكٍ بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا (فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ (مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَ إلَى الْمُوصَى لَهُ) بِخِدْمَتِهِ وَسُكْنَاهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (قُسِمَتْ الدَّارُ) عَيْنُهَا أَثْلَاثًا (وَتَهَايَئَا فِي الْعَبْدِ يَوْمَيْنِ لَهُمْ وَيَوْمًا لَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ غَيْرَ

مُؤَقَّتَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَتْ السَّنَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ يَخْدُمُ لِلْوَرَثَةِ يَوْمَيْنِ وَلِلْمُوصَى لَهُ يَوْمًا إلَى أَنْ يَمْضِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ تِلْكَ السَّنَةُ، فَإِذَا مَضَتْ سُلِّمَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ تُقْسَمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِإِمْكَانِ قِسْمَةِ عَيْنِ الدَّارِ أَجْزَاءً وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا وَلَوْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأُولَى أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَعْدَلَ. (وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ رُدَّتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ (إلَى وَرَثَةِ الْمُوصَى) ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْوَصِيِّ لَهُ لَاسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصَى بِغَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. (وَإِنْ مَاتَ) الْمُوصَى لَهُ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِلْكُ الْمُوصِي ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَمَلُّكُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. (وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ الدَّارِ أَوْ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ نَفْسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُغَايِرَانِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِاسْتِرْدَادِهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ نَفْسَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهُ السُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ. (وَلَا) يَجُوزُ (لِمَنْ وَصَّى لَهُ بِالْخِدْمَةِ) فِي الْعَبْدِ (وَالسُّكْنَى) فِي الدَّارِ (أَنْ يُؤَاجِرَ) الْعَبْدَ وَالدَّارَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ تَمَلَّكَ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ عِنْدَهُ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّهَا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِعَارَةِ اللُّزُومُ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ، وَلَنَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ إذْ التَّمْلِيكُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْمَنْفَعَةُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَأَنْ تَحْتَمِلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْلَى. (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ) الْمُوصِي (وَفِيهِ) فِي الْبُسْتَانِ (ثَمَرَةٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هَذِهِ) أَيْ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ (فَقَطْ) لَا مَا يَحْدُثُ

باب وصية الذمي

بَعْدَهَا. (وَإِنْ زَادَ أَبَدًا) أَيْ زَادَ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لَفْظَ أَبَدًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هِيَ) أَيْ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ (وَمَا يُسْتَقْبَلُ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ هِيَ أَيْ يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَمَلًا بِالتَّأْبِيدِ فِي لَفْظِ الْمُوصِي. (وَإِنْ أَوْصَى) لَهُ (بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْمَوْجُودُ وَمَا يُسْتَقْبَلُ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اسْتَحَقَّهَا دَائِمًا وَبِالثَّمَرَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقَائِمَةَ إلَّا إذَا زَادَ لَفْظَ أَبَدًا فَيَصِيرُ كَالْغَلَّةِ فَيَسْتَحِقُّهَا دَائِمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَحْدُثُ وَبَعْضُ الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَأَبَدًا وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ يَعْرِضُ أَنْ يُوجَدَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَوْ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَيُصَدَّقُ عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ. (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ لَبَنِهَا) أَيْ الْغَنَمِ (أَوْ أَوْلَادِهَا فَلَهُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ) سَوَاءٌ (قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ الْمُوصَى بِهِ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْأَوْلَادِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ الْأَلْبَانِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمئِذٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصُّوفَ وَالْوَلَدَ وَاللَّبَنَ الْمَوْجُودَاتِ يَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ تَبَعًا بِكُلِّ عَقْدٍ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ مِنْهَا فَلَمْ يُشْرَعْ اسْتِحْقَاقُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَلَمْ يَصِحَّ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا الثَّمَرَةُ أَوْ الْغَلَّةُ الْمَعْدُومَةُ فَيَصِحُّ اسْتِحْقَاقُهَا بَعْدَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَلَأَنْ تُسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ أَوْلَى. [بَاب وَصِيَّة الذِّمِّيّ] ّ إنَّمَا ذَكَرَ وَصِيَّةَ الذِّمِّيِّ عَقِيبَ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ مُلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ. (وَلَوْ جَعَلَ الذِّمِّيُّ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهِيَ مِيرَاثٌ) أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ، وَوَقْفُ الْمُسْلِمِ يُورَثُ عَنْهُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْصِيَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي مُعْتَقَدِهِمْ قُرْبَةً، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرَ الْمَعْصِيَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِهِ) أَيْ بِجَعْلِ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً (لِقَوْمٍ مُسَمِّينَ جَازَ) أَيْ الْإِيصَاءُ (مِنْ الثُّلُثِ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَمَعْنَى الِاسْتِخْلَافِ وَلِلْمُوصِي وِلَايَةَ كِلَيْهِمَا. (وَكَذَا) يَجُوزُ (فِي غَيْرِ الْمُسَمِّينَ) بِأَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ غَيْرِ مَخْصُوصِينَ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا إنَّهَا بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصَايَا الذِّمِّيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَصِيَّةِ لِلْمُغَنِّيَاتِ وَالنَّائِحَاتِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَتَصِحُّ تَمَلُّكًا مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانُوا

لَا يُحْصُونَ لَا تَصِحُّ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا قُرْبَةً؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَثَانِيهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ قُرْبَةً عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ يُسْرِجَ فِي الْمَسَاجِدَ أَوْ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نُعَامِلُهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ. وَثَالِثُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ لِعِتْقِ الرِّقَابِ، أَوْ يُسْرِجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ إجْمَاعًا لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً وَرَابِعُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ يُسْرَجُ فِيهِ، أَوْ تُذْبَحُ الْخَنَازِيرُ وَيُطْعَمُ الْمُشْرِكُونَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ، سَمَّى قَوْمًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، وَقَالَا هِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ. لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرُ الْمَعْصِيَةِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعَاصِي رَدُّهَا لَا قَبُولُهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ. وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً عِنْدَنَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِدِيَانَتِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ. (وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ مُسْتَأْمَنٍ لَا وَارِثَ لَهُ فِي دَارِنَا بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى الثُّلُثِ شَرْعًا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى تَنْفُذَ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ، وَالْحَجْرُ بِنَاءً عَلَى حَقٍّ مَعْصُومٍ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحَجْرِ لِحَقٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ، إذْ حُقُوقُ أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ أَوْ بِذِمَّةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِحُرْمَتِهِمْ. (وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ (بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ مَالِهِ ثُمَّ مَاتَ (رُدَّ الْبَاقِي) مِنْ مَالِهِ (إلَى وَرَثَتِهِ) الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُرَدَّ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُرَدُّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ. (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ (مَا دَامَ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الرُّجُوعَ وَيُمْكِنُ مِنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ (وَصَاحِبِ الْهَوَى) وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا لِلْبِدْعَةِ (إنْ لَمْ يَكْفُرْ بِهَوَاهُ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى (فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى. (فَكَالْمُرْتَدِّ) فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ فِي الْكَافِي وَوَصَايَا الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالذِّمِّيَّةِ

باب الوصي

لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ وَلَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى. وَفِي الْمِنَحِ وَالْمُرْتَدَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ كَذِمِّيَّةٍ فَتَصِحُّ وَصَايَاهَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ، قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ هُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزَ وَصِيَّتُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِ وَصِيَّتِهَا نَافِذَةً مَحَلُّ نَظَرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا تَصِحُّ لِوَارِثِهِ) لِالْتِزَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُنَا كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ (وَتَجُوزُ) وَصِيَّتُهُ (لِذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِ) كَوَصِيَّةِ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيٍّ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (لَا) تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ (لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ. [بَاب الْوَصِيّ] ّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَنْتَظِمُهُ أَيْضًا، قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ فِي وَجْهِهِ وَرَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فِي غَيْبَتِهِ لَا يَرْتَدُّ) ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلَا اعْتِبَارَ لِرَدِّهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيَبْقَى وَصِيًّا كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فِي أَنَّ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يُعْتَبَرُ دُونَ رَدِّ الْمُوصَى إلَيْهِ، قُلْنَا إنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُوصَى إلَيْهِ فَإِنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْمُوصِي فَكَانَ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِهِ إضْرَارٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ رَدُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُوصِي. (وَإِنْ رَدَّ فِي وَجْهِهِ) أَيْ وَجْهِ الْمُوصِي (يَرْتَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ فَتُوَقِّفَ عَلَى قَبُولِهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُوصَى إلَيْهِ

(وَلَمْ يَرُدَّ) بَلْ سَكَتَ (حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ (مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا. (وَإِنْ بَاعَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُ الرَّدُّ وَإِنْ) كَانَ (غَيْرَ عَالَمٍ بِالْإِيصَاءِ) فَصَارَ بَيْعُهُ التَّرِكَةَ كَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَيَنْفُذُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْإِيصَاءِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ، وَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَبُولًا. (فَإِنْ رَدَّ) الْوَصِيُّ الْوِصَايَةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مُوَرَّثِ الْمُوصِي (ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ مَا لَمْ يَنْفُذْ قَاضٍ رَدَّهُ) وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْوِصَايَةِ لَمَّا قَالَ لَا أَقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لَا يُبْطِلُ الْإِيصَاءَ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ، وَضَرَرُ الْوَصِيِّ فِي الْإِبْقَاءِ مَجْبُورٌ بِالثَّوَابِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِصَايَةِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ كَمَا أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ حَتَّى إذَا رَأَى غَيْرَهُ أَصْلَحَ كَانَ لَهُ عَزْلُهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ، وَرُبَّمَا يَعْجَزُ وَهُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ فَيَدْفَعُ الْقَاضِي الضَّرَرَ عَنْهُ، وَيَنْصِبُ حَافِظًا لِمَالِ الْمَيِّتِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَقْبَلُ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ بَعْدَمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي إيَّاهُ. (وَإِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي وَنَصَبَ غَيْرَهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، وَاسْتَبْدَلَ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَذَكَر الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ لَهُمْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، وَلَوْ تَصَرَّفُوا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ جَازَ انْتَهَى، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ لَهُمْ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثَمَّ الْإِخْرَاجُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَيُمْكِنُهُ بَعْدَهَا وَالْمُعَادَاةُ الدَّنِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْجِنَايَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُعَذَّرُ بِذَلِكَ فِي إخْرَاجِهِ وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ. (وَإِنْ) أَوْصَى (إلَى عَبْدِهِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ الْوَرَثَةِ صِغَارًا صَحَّ) الْإِيصَاءُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ (خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقِيلَ قَوْلُ

مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ الْإِمَامِ وَمَرَّةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُتَقَدِّمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ مَرَّ بَيَانُهُ. (وَإِنْ) كَانَ (فِيهِمْ) أَيْ فِي الْوَرَثَةِ (كَبِيرٌ بَطَلَ) الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ (إجْمَاعًا) ؛ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَ الْعَبْدَ مِنْ التَّصَرُّفِ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ التَّصَرُّفِ فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوِصَايَةِ. (وَلَوْ كَانَ الْوَصِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ) أَيْ أُمُورِهَا (ضَمَّ) الْقَاضِي (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعَاجِزِ (غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي وَحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَى الْقَاضِي ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ. (وَإِنْ كَانَ) الْوَصِيُّ (قَادِرًا) عَلَى الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوِصَايَةِ (أَمِينًا لَا يُخْرَجُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفَاعِلُهُ الْمَنُوبُ عَنْهُ هُوَ الْقَاضِي. (وَإِنْ شَكَا إلَيْهِ الْوَرَثَةُ) كُلُّهُمْ (أَوْ بَعْضُهُمْ) مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوَصِيِّ (مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خِيَانَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى. أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ فَاتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوْتِهَا، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا فَعَلَ الْقَاضِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَعَزَلَ الْوَصِيَّ الْعَدْلَ الْمُخْتَارَ هَلْ يَنْعَزِلُ أَمْ لَا وَذَكَرَ ذَلِكَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ حَيْثُ قَالَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ وَلَا يَنْصِبُ وَصِيًّا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ لَا يَعْزِلُهُ وَلَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيًا، وَلَوْ عُزِلَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْقَاضِيَ الْعَدْلَ الْكَافِيَ يَنْعَزِلُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ قُلْت. وَفِي وَسِيطِ الْمُحِيطِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَصِيرُ جَائِرًا آثِمًا، قَالَ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْكَافِي بِعَزْلِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَاضِي وَعَزَا فِي الْقُنْيَةِ انْعِزَالَ الْعَدْلِ الْكَافِي لِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَأَنَّ ظَهِيرَ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيَّ اسْتَبْعَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ أُسْتَاذَهُ الْبَدِيعَ قَالَ إذَا كَانَ هَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ الْمَبْسُوطُ وَالْهِدَايَةُ انْتَهَى. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْوَصِيُّ مِنْ الْمَيِّتِ لَوْ عَدْلًا كَافِيًا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ فَلَوْ عَزَلَهُ هَلْ يَنْعَزِلُ أَقْوَالُ الصَّحِيحِ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُوصِي وَهُوَ

أَشْفَقُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْقَاضِي فَكَيْفَ يَعْزِلُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ كَمَا فِي الْمِنَحِ فَقَدْ أَفَادَ تَرْجِيحَ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَزْلِ لِلْوَصِيِّ. (وَإِنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ، ثُمَّ أَجَازَ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا مَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنٍ وَتَجْهِيزٍ) فَإِنَّهُ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا فَسَادُ الْمَيِّتِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جِيرَانُهُ جَازَ (وَخُصُومَةٍ) فِي حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهَا عَادَةً وَلَوْ اجْتَمَعَا لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ تَكَلَّمَا حَالَ الْخُصُومَةِ مَعًا رُبَّمَا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي دَعْوَاهُمَا لِاخْتِلَاطِ كَلَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِمَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا (وَقَضَاءِ دَيْنٍ) كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ (وَطَلَبِهِ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْغَيْرِ (وَشِرَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ) ؛ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَوْفَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ كَخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ لَهُ) أَيْ لِلطِّفْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَذْكُورَاتُ مُعَيَّنَةً فَرُبَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ (وَرَدِّ مَغْصُوبٍ) فَيَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الِانْفِرَادُ بِرَدِّهِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا الْمَغْصُوبَ بِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُبَيِّنُوا السِّرَّ فِي إطْلَاقِهِ عَنْ التَّقْيِيدِ، وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْ (أَوْ مُشْرَى شِرَاءً فَاسِدًا) فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ (وَجَمْعِ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ وَحِفْظِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إلَى اجْتِمَاعِهِمَا خَوْفَ الْفَوَاتِ (وَبَيْعِ مَا يُخَافُ تَلَفُهُ) إذْ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَفِي التَّأْخِيرِ إلَى الِاجْتِمَاعِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الِانْفِرَادُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مُطْلَقًا) وَلَا يَخْتَصُّ الِانْفِرَادُ بِالْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ إذَا ثَبَتَ لِاثْنَيْنِ شَرْعًا تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ شَرْطًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَهُمَا أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْوِلَايَةِ التَّفْوِيضُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ صِفَةِ التَّفْوِيضِ وَالْمُوصِي إنَّمَا فَوَّضَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا الشَّرْطُ مُقَيَّدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَمَا رَضِيَ إلَّا بِرَأْيِ الِاثْنَيْنِ، وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِهِمَا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ الْأُخُوَّةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ

وَالسَّبَبُ هُنَا الْإِيصَاءُ، وَهُوَ إلَيْهِمَا لَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ خَاطِبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَلِهَذَا قَالَ بِجَوَازِ الِانْفِرَادِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ دُونَ غَيْرِهَا، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ الْإِسْكَافُ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ مَقَامَهُ إنْ لَمْ يُوصِ إلَى آخَرَ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَاقِيَ عَاجِزٌ عَنْ التَّفَرُّدِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْوَرَثَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحَيُّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، لَكِنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحَقُّقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْوَصِيِّ الْمَيِّتِ. (وَإِنْ أَوْصَى) الْوَصِيُّ الَّذِي مَاتَ (إلَى الْحَيِّ جَازَ) الْإِيصَاءُ (وَيَتَصَرَّفُ) الْحَيُّ (وَحْدَهُ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ يَكُونُ بَاقِيًا حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَيَّ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْضَى بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَرْضَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَفَّى رَضِيَ بِرَأْيِ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ لَهُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ. (وَكَذَا إنْ أَوْصَى) الْوَصِيُّ الْمَيِّتُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى آخَرَ (فِي إحْدَاهُمَا) أَيْ فِي إحْدَى التَّرِكَتَيْنِ يَعْنِي إذَا أَوْصَى إلَى آخَرَ فِي تَرِكَتِهِ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي إحْدَاهُمَا يُفِيدُ عُمُومَ الْوَصِيَّةِ لِتَرِكَتِهِ أَوْ تَرِكَةِ مُوصِيهِ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى فِي تَرِكَتِهِ فَقَطْ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا أَوْصَى فِي تَرِكَةِ مُوصِيهِ لَكِنْ قَالَ الْمَوْلَى الْمَعْرُوفُ بِأَخِي حَلَبِيٍّ

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَالَ مُوصِيهِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ كَوْنِهِ وَصِيًّا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ ذِكْرِ الْمَالِ الْمُوصَى وَحْدَهُ بِدُونِ ذِكْرِ مَالِهِ، وَلَمْ نَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً فِي الْمُعْتَبَرَاتِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِيهَا أَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مَعَ مَالِ مُوصِيهِ، أَوْ قَالَ جَعَلْته وَصِيًّا بِغَيْرِ قَيْدٍ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي الْمَالَيْنِ وَمَا يُشْعِرُهُ فِي الْمَتْنِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا انْتَهَى. (وَتَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ) نِيَابَةً (عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ غُيَّبًا أَوْ صِغَارًا أَيْ يَجُوزُ لِلْمُوصِي أَنْ يَقْسِمَ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الْغُيَّبِ أَوْ الصِّغَارِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّ الْوَرَثَةِ، وَيُسَلِّمَ الْبَاقِيَ إلَى الْمُوصَى لَهُ (فَلَا يَرْجِعُونَ) أَيْ الْوَرَثَةُ (عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَوْ هَلَكَ حَظُّهُمْ فِي يَدِ الْوَصِيِّ) ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي نَصِيبِهِ (لَا) تَصِحُّ (مُقَاسَمَتُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (مَعَهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ نِيَابَةً (عَنْ الْوَصِيِّ لَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثَ خَلِيفَةٌ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ فَصَلَحَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ نِيَابَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ خَلِيفَةً لِأَحَدٍ كَانَ خَلِيفَةً لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فَصَارَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ. أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكًا جَدِيدًا وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصْلُحْ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ (فَيَرْجِعُ) الْمُوصَى لَهُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْوَرَثَةِ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لَوْ هَلَكَ حَظُّهُ فِي يَدِ الْمُوصِي) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَنْوِيَ مَا نَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ (وَصَحَّتْ) الْقِسْمَةُ (لِلْقَاضِي لَوْ قَاسَمَهُمْ) نِيَابَةً (عَنْهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (وَأَخَذَ قِسْطَهُ) أَيْ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْغَائِبِ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ مِنْ الْقَاضِي كَانَ لَهُ أَنْ يَفْرِزَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ عَنْ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ وَلَا عَلَى الْقَاضِي. (وَفِي الْوَصِيَّةِ بِحَجٍّ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَضَاعَ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (يُؤْخَذُ لِلْحَجِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَعْنِي إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجٍّ فَقَاسَمَ لَهُ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَرَثَةِ، وَأَخَذَ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ أُحِجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ. (وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ) أَيْ دَفَعَ الْوَصِيُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ (لِمَنْ يَحُجُّ فَضَاعَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَاللَّامُ فِي لِمَنْ بِمَعْنَى إلَى يُؤْخَذُ لِلْحَجِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُزَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا، وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَحَجَّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

إنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُخِذَ وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا بَقِيَ مَحَلُّهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَطَلَتْ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حَقُّ الْوَصِيِّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ الْمُوصِي نَفْسُهُ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْهُ بِهِ فَهَلَكَ الْمَالُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. (وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مِنْ التَّرِكَةِ عَبْدًا مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُوصِي بِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاتِهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَذَا الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَالْبَيْعُ لَا يُبْطِلُ الْمَالِيَّةَ لِفَوَاتِهَا إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. (وَإِنْ أَوْصَى بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ) عَلَى الْمَسَاكِينِ (فَبَاعَهُ وَصِيُّهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ضَمِنَهُ) أَيْ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ الْتَزَمَ لِلْعُهْدَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذِهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِ الثَّمَنِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ مَالَ الْغَيْرِ بِرِضَاهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ (وَرَجَعَ) الْوَصِيُّ (بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَ (فِي التَّرِكَةِ) أَيْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمَيِّتِ فِي تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ، وَكَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَا لِتَنْفِيذِهَا فَأَخَذَ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ وَمَحِلُّهَا الثُّلُثُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَكَانَ الضَّمَانُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَمَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ كُلُّ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ إذَا تَوَلَّى الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ وَفِي الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْقَاضِي تَعْطِيلُ الْقَضَاءِ لِنِفَارِ النَّاسِ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ خَوْفًا عَنْ لُزُومِ الضَّمَانِ، وَفِي تَعْطِيلِهِ تَعْطِيلُ مَصَالِحِ النَّاسِ وَأَمِينُ الْقَاضِي سَفِيرٌ عَنْهُ كَالرَّسُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَرَثَةِ وَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْأَمْوَاتِ الْمَفَالِيسِ. (وَلَوْ قَسَّمَ الْوَصِيُّ التَّرِكَةَ فَأَصَابَ) الْوَارِثَ (الصَّغِيرَ شَيْءٌ فَقَبَضَهُ) الْوَصِيُّ (وَبَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ) الَّذِي بَاعَهُ الْوَصِيُّ (رَجَعَ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ. (وَ) رَجَعَ (الصَّغِيرُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ) لِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَلَا شِرَاؤُهُ لَا بِمَا يُتَغَابَنُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِيهِ) نَائِبُ الْفَاعِلِ لِيُتَغَابَن وَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلِأَنَّ النَّظَر فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَعْطِيلَ مَصَالِحِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، أَمَّا الْوَصِيُّ فَتَصَرُّفُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ نَظَرًا فَيَتَقَيَّدُ بِمَوْضِعِ النَّظَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ (مِنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ) لِلصَّغِيرِ كَمَا إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَةَ بِعَشَرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مِنْ مَتَاعِ الصَّغِيرِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ (خِلَافًا لَهُمَا) قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْإِمَامِ مَا تَلَوْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَالتَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ دَاخِلٌ تَحْتَ الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا فِي وَصِيِّ الْأَبِ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ يَرْغَبَ الْمُشْتَرِي بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ حَاجَةٌ إلَى الثَّمَنِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَزَادَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ أَحَدُهَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةٌ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا إلَّا مِنْهُ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ غَلَّاتُهُ لَا تَزِيدُ عَلَى مُؤْنَتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ حَانُوتًا أَوْ دَارًا يُخْشَى عَلَيْهِ النُّقْصَانُ انْتَهَى وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ أُخْرَى وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ، وَخَافَ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ فَلَهُ بَيْعُهُ انْتَهَى. (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (دَفْعُ الْمَالِ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ (مُضَارَبَةً وَشَرِكَةً وَبِضَاعَةً) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ وَلِلْأَبِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فَكَذَا لِلْوَصِيِّ. (وَ) لَهُ (قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْإِمْلَاءِ) مِنْ الْمُلَاءَةِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ الْمَدْيُونُ (لَا عَلَى الْأَعْسَرِ) مِنْ الْمُحِيلِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ بِسُقُوطِهِ حَاكِمٌ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ إذَا مَاتَ الثَّانِي مُفْلِسًا وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَمْلَأَ وَأَقْدَرَ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكَوْنِهِ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ كَانَ الثَّانِي أَفْلَسَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ. بَقِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ يَسَارًا وَإِعْسَارًا هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ. (وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ

(وَلَا لِلْأَبِ الْإِقْرَاضُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لِلْيَتِيمِ، وَيُحْتَمَلُ التَّوَى فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ الِاقْتِرَاضُ) أَيْ أَخْذُ الْقَرْضِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (لَا لِلْوَصِيِّ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ لِلْوَصِيِّ (وَلَا يَتَّجِرُ) الْوَصِيُّ (فِي مَالِ الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْوَصِيِّ (عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ) إذَا كَانَ الْمَبِيعُ (غَيْرَ الْعَقَارِ) لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي بَيْعَ مَا سِوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ غَيْرَ الْعَقَارِ أَيْضًا وَلَا الْأَبُ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ حِفْظُ مَالِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ ثَمَنِهِ أَيْسَرُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَكَذَا وَصِيُّهُ وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ دِينَ بَاعَ الْعَقَارَ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ كُلَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بَاعَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ حِفْظًا كَالْمَنْقُولِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ جَدِّهِ) ؛ لِأَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ، فَكَانَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ كَالْأَبِ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْجَدُّ أَحَقُّ بِهِ حَيْثُ أَقَامَهُ الشَّرْعُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ كَالْأَبِ) أَيْ إنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ إلَى أَحَدٍ فَالْجَدُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الْغَيْرِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ فِي الْإِرْثِ حَتَّى يَمْلِكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ أَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ

فصل شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى زيد معهما

وَفِي النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالْوَصِيَّةِ أَخَّرَ ذِكْرَهَا لِعَدَمِ عَرَاقَتِهَا فِيهِ. [فَصَلِّ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنْ الْمَيِّت أَوْصَى إلَى زَيْد مَعَهُمَا] لَا تُقْبَلُ) شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْمُعَيَّنِ لَهُمَا فَبَطَلَتْ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا بَطَلَتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا؛ لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِأَنَّ الْمُوصِي ضَمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ ثَالِثًا فَكَذَا هُنَا (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ زَيْدٌ) أَيْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا وَلَهُ وِلَايَةُ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِمَا فَكَانَ هَذَا مِثْلُهُ فِي ضَمِّ مُدَّعِي الْوِصَايَةِ. (وَكَذَا) لَا تُقْبَلُ (لَوْ شَهِدَ ابْنَا الْمَيِّتِ) أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ لِجَرِّهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا نَفْعًا، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعِينًا لَهُمَا حَافِظًا لِلتَّرِكَةِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ، وَشَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (وَلَغَتْ) أَيْ بَطَلَتْ (شَهَادَةُ الْوَصِيَّيْنِ بِمَالٍ لِلصَّغِيرِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ لَهُ عَلَى آخَرَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ مُنْتَقِلًا إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِلتُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا (وَكَذَا) تَلْغُو شَهَادَتُهُمَا (لِلْكَبِيرِ فِي مَالٍ) انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ (الْمَيِّتِ) لِلتُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهَا وِلَايَةَ الْحِفْظِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْكَبِيرِ وَبَيْعِ الْعَقَارِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا (وَصَحَّتْ) شَهَادَتُهُمَا (لَهُ) أَيْ لِلْكَبِيرِ وَحْدَهُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مَالٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا حِينَئِذٍ فِي ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَقَامَهَا مَقَامَهُ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا لِلْكَبِيرِ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي مَالٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَرُّفَ لَهُمَا فِي حَضْرَةِ الْكَبِيرِ فَعَرِيَتْ شَهَادَتُهُمَا عَنْ التُّهْمَةِ وَلِلْإِمَامِ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ التُّهْمَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْكَبِيرِ فَكَفَتْ هَذِهِ التُّهْمَةُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِمَا. (وَشَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَتَجُوزُ عَلَيْهِ (لَا لَهُ) أَيْ الْمَيِّتِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَحَقُّقِ التُّهْمَةِ بِإِثْبَاتِهِ لِنَفْسِهِ التَّصَرُّفَ. (وَلَوْ) كَانَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ (بَعْدَ الْعَزْلِ) مِنْ الْوِصَايَةِ. (وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَصِيُّ خَصْمًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ عَزَلَهُ الْقَاضِي، وَنَصَبَ غَيْرَهُ خَصْمًا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ التُّهْمَةِ بِأَنْ يَكُونَ جَرَّ لِنَفْسِهِ مَغْنَمًا زَمَانَ وِصَايَتِهِ فَيَشْهَدَ خَوْفًا مِنْ زَوَالِهِ. (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِآخَرَيْنِ بِدَيْنٍ أَلْفٍ)

كتاب الخنثى

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَلْفٌ مُضَافًا إلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ دَيْنٍ إذَا قُرِئَ مُنَكَّرًا وَعَلَى وَجْهِ الْإِضَافَةِ فَهِيَ بَيَانِيَّةٌ (عَلَى مَيِّتٍ، وَ) شَهِدَ (الْآخَرَانِ لَهُمَا) أَيْ لِلشَّاهِدَيْنِ أَوَّلَيْنِ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهُوَ أَلْفٌ (صَحَّتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ عِنْدَهُمَا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُ لِلتُّهْمَةِ لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُثْبِتَةً حَقَّ الشَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي أَثْبَتَاهُ عَلَى الْمَيِّتِ. وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ادَّعَى ائْتَزَرْتُ الشَّاهِدَانِ دَيْنًا آخَرَ عَلَى الْمَيِّتِ فَشَهِدَ لَهُمَا الْغَرِيمَانِ الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءُوا مَعًا كَانَ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ مُعَاوَضَةً لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِلَا تُهْمَةٍ وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ فِي انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (وَلَوْ شَهِدَ كُلُّ فَرِيقٍ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةٍ أَلْفٍ لَا تَصِحُّ) الشَّهَادَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَةِ الْأَلْفِ الدَّيْنِ. (وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ بِوَصِيَّةٍ جَارِيَةٍ وَالْآخَرُ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْفَرِيقِ (بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ صَحَّتْ) شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ كَذَا قَالُوا لَكِنَّ احْتِمَالَ الْمُعَاوَضَةِ فِي الشَّهَادَةِ بَاقٍ كَمَا فِي صُورَةِ الشَّهَادَةِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِالْأَلْفِ تَأَمَّلْ. (وَإِنْ شَهِدَ) الْفَرِيقُ (الْآخَرُ لَهُ) أَيْ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ (بِوَصِيَّةِ ثُلُثٍ لَا تَصِحُّ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَشَهِدَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ بِوَصِيَّةِ ثُلُثٍ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى أَيْضًا أَثْبَتَ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بِخِلَافِ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَاب الْخُنْثَى] وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِالضَّمِّ أَوْرَدَهُ عَقِيبَ الْوَصَايَا؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ هُوَ نَاقِصُ الْقُوَّةِ لِإِشْرَافِهِ عَلَى الْمَوْتِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ هُوَ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ (هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى مِنْ الْخَنْثِ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ وَهُوَ اللِّينُ وَالتَّكَسُّرُ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ، وَلِذَا لَا يَلْحَقُهَا أَلْفٌ وَلَا نُونٌ وَكُلُّ الْقِيَاسِ أَنْ يُوصَفَ بِالْمُؤَنَّثِ، وَيُؤَنَّثَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَظَرُوا إلَى عَدَمِ تَحْقِيقِ التَّأْنِيثِ فِي ذَاتِهِ فَلَمْ يُلْحِقُوا عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ فِي وَصْفِهِ وَتَذْكِيرُهُ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَنَّثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَنَا فَذُكِرَ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ

كَالْجُزْءِ وَالشَّكْلِ (مَنْ لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجٌ) أَيْ مَا لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْأَلْيَتَيْنِ جَمِيعًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ خِلَافُهُ قَالَ وَفِيمَا ذَكَرَهُ إشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَخَرَجَ بَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهِ لَيْسَ بِخُنْثَى وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَبُو يُوسُفَ إنَّا لَا نَدْرِي اسْمَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ فِي حُكْمِ الْأُنْثَى. (وَإِنْ بَالَ مِنْ أَحَدِهِمَا اُعْتُبِرَ بِهِ) أَيْ إنْ بَالَ مِنْ ذَكَرِهِ فَذَكَرٌ وَأَنْ بَالَ مِنْ فَرْجِهِ فَأُنْثَى؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ كَيْفَ يُورَثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَلِأَنَّ التَّبَوُّلَ مِنْ أَيْ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ. (وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ (اُعْتُبِرَ الْأَسْبَقُ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ سَبْقُ خُرُوجِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ. (وَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الْخُرُوجِ (فَهُوَ مُشْكِلٌ) أَيْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ (وَلَا اعْتِبَارَ بِالْكَثْرَةِ) أَيْ كَثْرَةِ الْبَوْلِ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عِنْدَهُ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ قُوَّةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلِكَوْنِهِ عُضْوًا أَصْلِيًّا، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ الْكَثْرَةُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ الْخُرُوجِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ لِاتِّسَاعٍ فِي أَحَدِهِمَا وَضِيقٍ فِي الْآخَرِ. (فَإِذَا بَلَغَ) الْخُنْثَى بِالسِّنِّ (فَإِنْ ظَهَرَتْ بَعْضُ عَلَامَاتِ الرِّجَالِ مِنْ نَبَاتِ لِحْيَةٍ أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ احْتِلَامٍ كَالرَّجُلِ) أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوٍ (فَرَجُلٌ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرِّجَالِ (فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ مِنْ حَيْضٍ وَحَبَلٍ وَانْكِسَارِ ثَدْيٍ وَنُزُولِ لَبَنٍ فِيهِ وَتَمْكِينٍ مِنْ الْوَطْءِ فَامْرَأَةٌ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ. (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ) مِنْ عَلَامَاتِ الذُّكُورَةِ وَلَا مِنْ عَلَامَاتِ الْأُنُوثَةِ (أَوْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْمَعَالِمُ) مِثْلُ مَا إذَا حَاضَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ، أَوْ يَأْتِي وَيُؤْتَى (فَمُشْكِلٌ) أَيْ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. وَعَنْ الْحَسَنِ يُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ ضِلْعَ الرَّجُلِ يَزِيدُ عَلَى ضِلْعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدٍ (قَالَ مُحَمَّدٌ الْإِشْكَالُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِذَا بَلَغَ فَلَا إشْكَالَ) . وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا بَلَغَ صَاحِبُ الْأَلْيَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَامَعَ بِذَكَرِهِ أَوْ نَبَتَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ احْتَلَمَ كَاحْتِلَامِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ نَبَتَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ رَأَى حَيْضًا أَوْ جُومِعَ كَمَا يُجَامَعْنَ أَوْ ظَهَرَ بِهِ حَبَلٌ أَوْ نَزَلَ فِي ثَدْيِهِ لَبَنٌ فَهِيَ امْرَأَةٌ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ. (وَإِذَا ثَبَتَ الْإِشْكَالُ أُخِذَ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (بِالْأَحْوَطِ فَيُصَلِّي بِقِنَاعٍ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ امْرَأَةً حَتَّى لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا إذَا كَانَ حُرًّا، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى النِّسَاءِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ (وَيَقِفُ بَيْنَ صَفَّيْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) فَيُقَدَّمُ عَلَى النِّسَاءِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا (فَلَوْ وَقَفَ فِي صَفِّهِمْ) أَيْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ

فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لَكِنْ (يُعِيدُ) صَلَاتَهُ (مَنْ لَاصَقَهُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَمَنْ بِحِذَائِهِ مِنْ خَلْفِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ، وَهَذَا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَةَ النِّسَاءِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُعِيدَ هَؤُلَاءِ صَلَاتَهُمْ بَلْ يُعِيدُ هُوَ احْتِيَاطًا. (وَإِنْ) وَقَفَ (فِي صَفِّهِنَّ) أَيْ صَفِّ النِّسَاءِ (أَعَادَ) صَلَاتَهُ (هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى فَقَطْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ احْتِيَاطًا (فَلَا يَلْبَسُ) الْخُنْثَى (حَرِيرًا وَلَا حُلِيًّا) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا وَالتَّرْجِيحُ لِلْحَظْرِ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِبَاحَةِ (وَيَلْبَسُ الْمِخْيَطَ فِي إحْرَامِهِ وَلَا يَكْشِفُ) نَفْسَهُ (عِنْدَ رَجُلٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاهِقَةً لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفِّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ (وَلَا) عِنْدَ (امْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَنْظُرُ إلَى مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ مُرَاهِقًا كَانَ أَوْ مُرَاهِقَةً كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَلَا يَخْلُو بِهِ) أَيْ بِالْبَالِغِ وَمَا فِي حُكْمِهِ (غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) تَحَرُّزًا عَنْ احْتِمَالِ الْحَرَامِ (وَلَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) مِنْ الرِّجَالِ وَلَا مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (وَلَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ) تَحَرُّزًا عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ وَالْجَرَّاحِ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ الْخِتَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ لَكِنَّ النَّظَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّهِ لِأَنَّ الْخِتَانَ عِنْدَنَا سَنَةٌ تَدَبَّرْ وَهَذَا إذَا كَانَ مُرَاهِقًا، وَإِلَّا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَ (بَلْ تَبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ) عَالِمَةٌ بِالْخَتْنِ (تَخْتِنُهُ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْخُنْثَى (مَالٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي حَالِ الْعُذْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) يُقْرَضُ ثَمَنُهَا وَيَشْتَرِيهَا؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إذَا كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ أَبِيهِ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْخَتْنِ (تُبَاعُ) الْأَمَةُ وُجُوبًا، وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ عَالِمَةً بِخَتْنِهِ عَلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ امْرَأَةً يَنْظُرُ الْجِنْسُ إلَى الْجِنْسِ وَالنِّكَاحُ لَغْوٌ وَإِلَّا فَكَنَظَرِ الْمَنْكُوحَةِ إلَى النَّاكِحِ. (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ) مِنْ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ (لَا يُغَسَّلُ) لِلِاحْتِمَالَيْنِ (بَلْ يَتَيَمَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَسُّ شَيْءٌ فِيهِ إلَّا الْوَجْهُ وَالْيَدُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنْ لَا يُشْتَرَى لِأَجْلِ الْغُسْلِ أَمَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى خِرْقَةٍ عَلَى الْيَدِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُتَيَمِّمُ مَحْرَمًا فَقَدْ يَتَيَمَّمُ بِالْخِرْقَةِ. (وَيُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ) كَمَا تُكَفَّنُ

الْمَرْأَةُ فَهُوَ أَحَبُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى (وَلَا يَحْضُرُ بَعْدَمَا رَاهَقَ غُسْلَ رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ) لِاحْتِمَالِ الْحَالَيْنِ (وَنُدِبَ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ) أَيْ سَتْرُهُ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَسَتْرُ قَبْرِهَا وَاجِبٌ (وَيُوضَعُ الرَّجُلُ) أَيْ جِنَازَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ بِيَقِينٍ (مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى بِقُرْبِ الرَّجُلِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ (ثُمَّ) تُوضَعُ (الْمَرْأَةُ) بِقُرْبِ الْخُنْثَى لِيَبْعُدَ عَنْ النَّظَرِ (إنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ جُمْلَةً) رِعَايَةً لِحَقِّ التَّرْتِيبِ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجَنَائِزِ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلٍّ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (أَخَسُّ النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَأَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ. وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ الْإِمَامِ. وَفِي النَّظْمِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَهُمَا فِي ظَاهِرِ الْأُصُولِ أَيْ الْأَقَلِّ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ وَمِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ نَصِيبُهُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَعَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ فَرَّعَهُ وَقَالَ (فَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ عَنْهُ) أَيْ الْخُنْثَى (وَعَنْ ابْنٍ فَلِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلَهُ سَهْمٌ) عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكٌّ، وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَلَوْ تَرَكَهُ وَبِنْتًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَرْضًا وَرَدًّا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَذَا فِي صُورَتَيْنِ. الْأُولَى مَا يُفْرَضُ فِيهِ الْخُنْثَى أُنْثَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِيَةُ مَا يُفْرَضُ فِيهِ ذَكَرًا، وَهَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى صُورَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ فِيهِ الْخُنْثَى مَحْرُومًا كَمَا إذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أُخْتًا فَلَهُ سَهْمٌ هُوَ السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْأُخْتِ نِصْفٌ فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ إلَى سَبْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَخًا فَمَحْرُومٌ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ فَرْضِهِمَا وَهُوَ النِّصْفَانِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَخَسُّ الْحَالَيْنِ فَيُفْرَضُ كَوْنُهُ ذَكَرًا. وَالثَّانِيَةُ مَا يَكُونُ غَيْرَ مَحْرُومٍ كَمَا إذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَخُنْثَى لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْخُنْثَى أُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلَهُ نِصْفٌ كَالزَّوْجِ وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ فَتَعُولُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِنْ كَانَ أَخًا فَلَهُ سَهْمٌ وَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَخَسُّ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ الْوَاحِدَ مِنْ سِتَّةٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَيُفْرَضُ كَوْنُهُ ذَكَرًا أَيْضًا. (وَ) فِيمَا إذَا تَرَكَ الْخُنْثَى أَبَاهُ وَابْنًا (عِنْدَ الشَّعْبِيِّ لَهُ نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) تَخْرِيجًا أَوْ مَذْهَبًا، وَذَلِكَ أَنَّ لِلِابْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ كُلَّ الْمِيرَاثِ وَلِلْبِنْتِ نِصْفَهُ، فَكَانَ نِصْفُ الْكُلِّ اثْنَيْنِ وَنِصْفٌ وَوَاحِدٌ وَالْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ فَإِنْ خَرَجَ أَرْبَعَةٌ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ فَيُجْعَلُ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَالْمَجْمُوعُ يَكُونُ سَبْعَةً (وَخَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) تَخْرِيجًا، وَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ النِّصْفِ أَيْ الرُّبْعَ، وَنِصْفُ الثُّلُثِ أَيْ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ فَيُحْتَاجُ إلَى عَدَدٍ لَهُ رُبْعٌ وَسُدُسٌ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ وَرُبْعُهُ ثَلَاثَةٌ وَسُدُسُهُ اثْنَانِ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةٌ فَهِيَ لِلْخُنْثَى وَالْبَاقِي أَيْ سَبْعَةٌ لِلِابْنِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ التَّفْسِيرَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا هُوَ بِثُلُثِ رُبْعِ السُّبُعِ

مسائل شتى

كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُحَاسِبِ. (وَلَوْ قَالَ سَيِّدُهُ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ أَوْ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ) ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَوَلَدَتْ خُنْثَى لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى. (وَلَوْ قَالَ بَعْدَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ أَنَا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى لَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الدَّلِيلِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إشْكَالِهِ (يُقْبَلُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَهُ. [مَسَائِل شَتَّى] قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا ذِكْرَ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ لِتَدَارُكِ مَا لَمْ يَذْكُرُوا بِحَقِّ ذِكْرِهِ فِيهِ خُصُوصًا إذَا انْتَهَى الْكِتَابُ (كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْآتِي كَالْبَيَانِ (وَإِيمَاؤُهُ بِمَا يُعْرَفُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَإِيمَاؤُهُ (بِهِ إقْرَارُهُ بِنَحْوِ تَزَوُّجٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِيمَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّنَازُعِ، وَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَوَصِيَّةٍ وَقَوَدٍ) وَجَبَ (عَلَيْهِ أَوَّلُهُ كَالْبَيَانِ) إذَا كَانَ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ وَهُوَ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ يَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ يَكُونُ بَيَانًا مِنْ الْقَادِرِ فَمَا ظَنُّك مِنْ الْعَاجِزِ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْأَخْرَسِ كِتَابُ وَصِيَّةٍ فَقِيلَ لَهُ نَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ أَوْ كَتَبَ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الشُّرَّاحُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ مَا يَجِيءُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِنْكَارِ مِثْلُ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ عَرْضًا وَالثَّانِي مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ طُولًا إذَا كَانَ مَعْهُودًا مِنْهُ فِي نَعَمْ انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي تَقْدِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَعَيَّنَ أَنَّ وَضْعَهَا فِيمَا جَاءَ مِنْهُ دَلَالَةُ الْإِقْرَارِ فَلَمْ تَبْقَ حَاجَةٌ فِي تَقْدِيرِ جَوَابِهَا إلَى قَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بَلْ كَانَ يَكْفِي قَوْلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا وُرُودَ لَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّارِحِينَ أَنْ يُطَابِقُوا بِكَلَامِهِمْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى وَجْهِ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِكَلَامِهِمْ قَالَ مَا قَالَ. (وَلَا يُحَدُّ الْأَخْرَسُ لِقَذْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ) كَالزِّنَاءِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ لَا يَكُونُ كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ وَإِيمَاؤُهُ بِالْقَذْفِ وَلَا كِتَابَتُهُ وَإِيمَاؤُهُ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَاءِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَالْبَيَانِ حَتَّى يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِي كِتَابَتِهِ وَإِيمَائِهِ شُبْهَةٌ، وَكَذَا لَا يُحَدُّ لَهُ إذَا كَانَ مَقْذُوفًا لِبَقَاءِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُصَدِّقًا

لِلْقَاذِفِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ (وَمُعْتَقَلُ اللِّسَانِ) أَيْ الَّذِي احْتَبَسَ لِسَانُهُ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ (إنْ امْتَدَّ بِهِ ذَلِكَ) الِاعْتِقَالُ إلَى سَنَةٍ فِي رِوَايَةٍ، وَقِيلَ الِامْتِدَادُ إلَى أَوَانِ الْمَوْتِ إذْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ (وَعُلِمَتْ إشَارَتُهُ) أَيْ الْمُعْتَقَلِ (فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْتَدَّ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ إشَارَتُهُ (فَلَا) يَكُونُ كَالْأَخْرَسِ حُكْمًا هَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً، وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ، وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْأَصْلِيِّ لَازِمَةٌ وَفِي الْعَارِضِيِّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ إلَّا إذَا عُهِدَتْ الْإِشَارَةُ بِالِامْتِدَادِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُكْمُ الْمُعْتَقَلِ كَحُكْمِ الْأَخْرَسِ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ هُوَ الْعَجْزُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَلَا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ. (وَالْكِتَابَةُ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحُضُورِ فَلَا يَكُونُ فِي كَوْنِهَا حُجَّةً ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ لَكِنْ (قَالُوا الْكِتَابَةُ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (إمَّا مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ) أَيْ مُعَنْوَنٌ مَصْدَرٌ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ فِي أَوَّلِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَوْ يَكْتُبَ إلَى فُلَانٍ وَفِي آخِرِهِ مِنْ فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ الْكِتَابَةِ (كَالنُّطْقِ فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ) عَلَى مَا قَالُوا فَيَلْزَمُ حُجَّةً وَفِي زَمَانِنَا الْخَتْمُ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا، وَكَذَا الْكَتْبُ عَلَى كَاغَدٍ حَيْثُ يُشْتَرَطُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَوْ كَتَبَ عَلَى الْغَيْرِ يَكُونُ غَيْرَ مَرْسُومٍ فَلِهَذَا قَالَ (وَأَمَّا مُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجِدَارِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَيَنْوِي فِيهِ) فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ مِنْ الصَّرِيحِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً (وَأَمَّا غَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ) بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ غَيْرِ مَسْمُوعٍ (وَلَا عِبْرَةَ بِهِ) فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ

وَإِنْ نَوَى، وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَا تَخْتَصُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَلْ تَثْبُتُ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَتَثْبُتُ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بِإِشَارَتِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَالْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْحُدُودُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ. (وَإِذَا اخْتَلَطَ الذَّكِيَّةُ بِمَيْتَةٍ أَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الذَّكِيَّةِ (تَحَرَّى وَأَكَلَ) فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَيْتَةُ أَقَلَّ مِنْهَا بَلْ مُسَاوِيَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا تُؤْكَلُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لَكِنْ (يَتَحَرَّى) فِي أَكْلِهَا (عِنْدَ الِاضْطِرَارِ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ الْغَنَمُ مَذْبُوحَةً وَفِيهَا مَيْتَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ تَحَرَّى فِيهَا وَأَكَلَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَكْثَرَ أَوْ كَانَتَا نِصْفَيْنِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَاَلَّذِي تُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكِيَّةً أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَذْبُوحَةُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ دَلِيلٌ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ حَالَةُ الِاخْتِيَارِ وَلَنَا أَنَّ الْغَلَبَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ فِي إفَادَةِ الْإِبَاحَةِ. أَلَا يُرَى أَنَّ أَسْوَاقَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو عَنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ مَعَ ذَلِكَ يَحِلُّ التَّنَاوُلُ اعْتِمَادًا عَلَى الْغَالِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَقَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَقَلِيلِ الِانْكِشَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا نِصْفَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ أَغْلَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ. (وَإِذَا أَحْرَقَ رَأْسَ الشَّاةِ الْمُتَلَطِّخَ بِدَمٍ، وَزَالَ دَمُهُ فَاِتَّخَذَ مِنْهُ مَرَقَةً جَازَ) اسْتِعْمَالُهَا (وَالْحَرْقُ كَالْغَسْلِ) ؛ لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ يُحِيلَهُ فَيَصِيرَ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ. (وَلَوْ جَعَلَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ بِخِلَافِ الْعُشْرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ خَرَاجَ أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ كَرْمِهِ أَوْ بُسْتَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِصَرْفِ الْخَرَاجِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ، وَهُوَ الْفَتْوَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. (وَلَوْ دَفَعَ) الْإِمَامُ (الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ) أَيْ إنْ عَجَزَ أَصْحَابُ الْخَرَاجِ عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ وَدَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِ

أَصْحَابِهَا بِالْأُجْرَةِ أَيْ يُؤَاجِرُهَا مِنْ الْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا (لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ) لِمُسْتَحِقِّهِ (جَازَ) ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يَدْفَعُهُ إلَى أَصْحَابِهَا وَهُمْ الْمُلَّاكُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَلَوْ لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا وَلَوْ بَاعَ يَفُوتُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثُمَّ إذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا. قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهَا لَكِنْ يَأْمُرُ مُلَّاكَهَا بِبَيْعِهَا، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ أَنَّ فِي هَذَا إلْزَامَ ضَرَرٍ خَاصٍّ لِنَفْعٍ عَامٍّ وَلِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِّ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ كَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالرَّقَبَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَنْ أَيِّ يَوْمٍ صَحَّ) أَيْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَاهُ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا جَازَ وَكَذَا لَوْ صَامَ وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ. (وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ فَلَا) يَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَوْ نَوَى ظُهْرًا عَلَيْهِ مَثَلًا، وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلَ ظُهْرٍ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ أَوْ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا) وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ وَكَذَا الْوَقْتُ مُعَيَّنٌ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، فَإِذَا نَوَى أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى مِمَّا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي نِيَّةِ أَوَّلِ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَكَذَا الْآخِرُ وَهَذَا مُخَلِّصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَأَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ (وَقِيلَ يَصِحُّ) نِيَّتُهُ عَنْ رَمَضَانَيْنِ وَكَذَا نِيَّتُهُ ظُهْرًا عَلَيْهِ مَثَلًا (فِيهِمَا) أَيْ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ وَقَضَاءِ الصَّلَاةِ (أَيْضًا) أَيْ لَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَيَّ يَوْمٍ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ. (وَلَوْ ابْتَلَعَ الصَّائِمُ بُزَاقَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ حَبِيبَهُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَبِيبَهُ (فَلَا) يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ. (وَقَتْلُ بَعْضِ الْحَاجِّ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) ؛ لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ شَرْطُ الْأَدَاءِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ قَتْلِ الْبَعْضِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْحَجِّ فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ. (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ عِنْدَ

شَاهِدَيْنِ تُوزَن مِنْ شُدِيَ) يَعْنِي أَنْتِ هَلْ صِرْت زَوْجَةً لِي (فَقَالَتْ) الْمَرْأَةُ (" شدم ") أَيْ صِرْتُ (لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ قَبُولٌ " كردم ") ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا " شدم " إيجَابٌ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا يَنْعَقِدُ، وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً تُوزَن مِنْ شدي " وَارِدٌ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُشَاوَرَةِ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِامْرَأَةٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ (" خويشتن را زَنِّ مِنْ كردانيدي ") مَعْنَاهُ هَلْ جَعَلْتِ نَفْسَكِ لِي زَوْجَةً (فَقَالَتْ) الْمَرْأَةُ (" كردانيدم ") أَيْ جَعَلْتُ (فَقَالَ) الرَّجُلُ (" بذير فُتُّمْ ") يَعْنِي قَبِلْتُ (يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا " كردانيدم " إيجَابٌ وَقَوْلَهُ " بذير فتم " قَبُولٌ. (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ " دختر خويشتن را يسربا مِنْ أَرَزَانِي داشتي ") مَعْنَاهُ هَلْ جَعَلْتَ بِنْتَكَ لَائِقَةً لِابْنِي (فَقَالَ " داشتم ") يَعْنِي جَعَلْتُ (لَا يَنْعَقِدُ) مَا لَمْ يَقُلْ قَبُولٌ " كردم "؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ. (وَلَوْ مَنَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَ (يَسْكُنُ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا) أَيْ فِي بَيْتِ الْمَرْأَةِ (كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (نَاشِزَةً) ؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا مَا دَامَتْ عَلَى مَنْعِهِ فَيَتَحَقَّقُ النُّشُوزُ مِنْهَا فَصَارَ كَحَبْسِهَا نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِ غَيْرِهَا هَذَا إذَا مَنَعَتْهُ وَمُرَادُهَا السُّكْنَى فِي مَنْزِلِهَا (وَلَوْ سَكَنَ فِي بَيْتِ الْغَصْبِ فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَلَا) تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّهَا مُحِقَّةٌ إذْ السُّكْنَى فِيهِ حَرَامٌ، وَكَذَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً لَوْ كَانَ الْمَنْعُ لِيَنْقُلَهَا إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوَطْءُ كُرْهًا غَالِبًا فَلَا يُعَدُّ مَنْعًا (وَلَوْ قَالَتْ لَا أَسْكُنُ مَعَ أَمَتِك وَأُرِيدُ) نَفْسَ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ (بَيْتًا عَلَى حِدَةٍ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَتْ) الْمَرْأَةُ (" مَرَّ إطْلَاق ده " فَقَالَ) الزَّوْجُ (" داده كير أَوْ حُزِّبَ كير أَوْ داده باد أَوْ حُزِّبَ باد) مَعْنَاهُ أَعْطِنِي طَلَاقًا فَقَالَ افْرِضِي وَقَدِّرِي أَنَّهُ قَدْ أَعْطَى أَوْ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ أَوْ أَنَّهُ كَانَ أَعْطَى أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ فَعَلَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " كير " مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ أَمْسِكْ لَكِنَّ مَعْنَاهُ هُنَا افْرِضِي وَقَدِّرِي (إنْ نَوَى) الطَّلَاقَ (يَقَعُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (فَلَا) يَقَعُ لِاحْتِمَالِ الْوَعْدِ وَالْإِيقَاعِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْإِيقَاعِ. (وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (" داده است ") فِي جَوَابِ قَوْلِهَا " مَرَّ إطْلَاق ده " (أَوْ " حُزِّبَ است " يَقَعُ) الطَّلَاقُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَنْوِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. (وَلَوْ قَالَ " داده آنِكَار ") وَ " حُزِّبَ آنِكَار " (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (نَوَى) الْوُقُوعَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْأَوَّلِ إخْبَارًا عَنْ الْوُقُوعِ

فَيَقَعُ مُطْلَقًا وَفِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِإِخْبَارٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " داده آنكار " افْرِضِي أَنَّهُ وَقَعَ أَوْ احْسِبِي فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ. (وَلَوْ قَالَ " وى مَرَّا نشايد تاقيامت) يَعْنِي هِيَ لَا تَلِيقُ لِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (أَوْ " همه عمر ") أَيْ هِيَ لَا تَلِيقُ فِي جَمِيعِ عُمْرِي أَوْ مُدَّةَ عُمْرِي (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إلَّا بِالنِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا " حِيَله زنان كُنَّ " فَهُوَ إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ افْعَلِي حِيلَةَ النِّسَاءِ وَمَقْصُودُهُمْ بِهَذَا احْفَظِي عِدَّتَك أَوْ عُدِّي أَيَّامَ عِدَّتِك فَإِنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ كِنَايَةً عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَغِلُ بِأُمُورٍ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ. (وَلَوْ قَالَ " حِيَله خويشتن كُنَّ " فَلَا) يَكُونُ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكِنَايَةٍ عَنْ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ. وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُشْرِكِينَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالُوا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ لَا يُعَذَّبُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ فَلْيُطَالَعْ. (وَلَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (" كَابِينَ وَسُوبْيَا بخشيدم ") مَعْنَاهُ وَهَبْت لَك الْمَهْرَ (" مِرَا ازجنك بازدار ") مَعْنَاهُ خَلِّصْنَا مِنْ نِزَاعِك (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيْ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ (سَقَطَ الْمَهْرُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا (فَلَا) يَسْقُطُ الْمَهْرُ لِلتَّعْلِيقِ. (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا مَالِكِي أَوْ لِأَمَتِهِ أَنَا عَبْدُكِ لَا يُعْتَقُ) أَيْ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ فِي الْعَبْدِ وَلَا فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ الْعِتْقِ وَلَا كِنَايَةً لَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ يَا مَوْلَايَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيُعْتَقُ. (وَلَوْ دَعَا إلَى فِعْلٍ فَقَالَ) الْمَدْعُوُّ (" برمن سو كندست ") يَعْنِي عَلَيَّ الْيَمِينُ (" كه أَيْنَ كَارِ ") يَعْنِي هَذَا الْفِعْلَ (" نكنم ") أَيْ لَا أَفْعَلُ (فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) لَا بِالْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ حَمْلًا عَلَى الْمَشْرُوعِ وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (وَإِنْ قَالَ " برمن سو كندست بِطَلَاقِ ") مَعْنَاهُ عَلَيَّ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ (فَإِقْرَارٌ بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ) لِلتَّصْرِيحِ بِهِ حَتَّى إذَا فَعَلَهُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ. (وَإِنْ قَالَ قُلْتُ ذَلِكَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ) احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْيَمِينِ. (وَ) كَذَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ (لَوْ قَالَ " مراسوكند خانه است أَيْنَ كار نكنم ") مَعْنَاهُ أَنَا حَالِفٌ بِيَمِينِ الْبَيْتِ أَنْ لَا أَفْعَلَ هَذَا الْفِعْلَ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالطَّلَاقِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ " بهارا بازده) مَعْنَاهُ رُدَّ الثَّمَنَ (فَقَالَ الْبَائِعُ " بِدَهْمِ ") أَيْ أَرُدُّ (يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ) لِأَنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي " بهارا بازده " يَتَضَمَّنُ قَوْلَهُ فَسَخْتُ الْبَيْعَ وَقَوْلُ الْبَائِعِ " بدهم " يَتَضَمَّنُ قَوْلَهُ قَبِلْتُ الْفَسْخَ فَكَانَ فَسْخًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ (الْعَقَارُ الْمُتَنَازَعُ) فِيهِ (لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي) عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِهِ أَيْ إذَا ادَّعَى عَقَارًا لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُدَّعِي

أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِتَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ دَعْوَاهُ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَبِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَنْتَفِي تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ فَأَمْكَنَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ لِتَحَقُّقِ يَدِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ هَذَا إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ. (وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي عَقَارٍ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ) لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ عَقَارٌ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِيهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَمَّا اعْتَمَدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمَحْدُودِ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحْدُودُ فِي وِلَايَتِهِ انْتَهَى. وَفِي تَبْيِينِ الْكَنْزِ عَلَّلَ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ أَوْ الْأَهْلُ فَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْأَهْلُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمَكَانَ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَهْلِ عَلَى مَنْ يَعْتَبِرُ الْأَهْلَ، وَإِنْ خَرَجَ الْقَاضِي مَعَ الْخَلِيفَةِ مِنْ الْمِصْرِ قَضَى، وَإِنْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَيَكُونَ الْمِصْرُ شَرْطًا فِيهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا انْتَهَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَبِهِ يُفْتَى. (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ قَالَ رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي) أَيْ ظَهَرَ لِي (غَيْرَ ذَلِكَ) الْقَضَاءِ (أَوْ وَقَفْتُ فِي تَلْبِيسِ الشُّهُودِ أَوْ أَبْطَلْت حُكْمِي وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ) قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ مَاضٍ إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ) لِأَنَّ رَأْيَهُ الْأَوَّلَ قَدْ تَرَجَّحَ بِالْقَضَاءِ، فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلَا إبْطَالَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ الْمُدَّعِي. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا لِمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ فَكَذَا الْقَاضِي. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بَعْدَ الَّذِي قَضَى بِخِلَافِهِ فَلَا يَرُدُّ قَضَاءَهُ فَيَسْتَأْنِفُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِي حَادِثَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا ثُمَّ تَحَوَّلَ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْمُسْتَقْبِلِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُ، وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ دُونَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْقُضْ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَى بِالرَّأْيِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بَعْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ

فَإِنَّهُ يَنْقُضُ ذَلِكَ الْقَضَاءَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِاجْتِهَادِهِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَ الْأَوَّلِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ فَالنَّصُّ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِاجْتِهَادِهِ كَانَ مَوْجُودًا مُنْزَلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ مَا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ كَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلٍّ لَا نَصَّ فِيهِ فَيَصِحُّ وَصَارَ ذَلِكَ شَرِيعَةً لَهُ فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ صَارَ نَاسِخًا لِذَلِكَ الشَّرِيعَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ وُقُوعَ الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِ الْقَاضِي عَنْهُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ، وَيُفْهَمُ مِنْ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ. وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا قَالَ الشُّهُودُ قَضَيْتَ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي بِأَنْ قَالَ لَمْ أَقْضِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ مَا لَمْ يُنَفِّذْهُ قَاضٍ آخَرُ أَمَّا إذَا أَنْفَذَهُ قَاضٍ آخَرُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لِوُجُودِ قَضَائِهِ الثَّانِي بِهِ. (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ حَقٌّ فَخَبَّأَ) صَاحِبُ الْحَقِّ (قَوْمًا ثُمَّ سَأَلَهُ) أَيْ سَأَلَهُ الْآخَرُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ (فَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحَقِّ (وَهُمْ) أَيْ الْقَوْمُ (يَرَوْنَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (وَيَسْمَعُونَهُ) أَيْ يَسْمَعُونَ إقْرَارَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْمُقِرُّ (لَا يَرَاهُمْ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَلِمُوهُ وَالْعِلْمُ هُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» . (وَإِنْ سَمِعُوا كَلَامَهُ، وَ) لَكِنْ (لَمْ يَرَوْهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (فَلَا) تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانُوا دَخَلُوا الْبَيْتَ وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، ثُمَّ جَلَسُوا عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ لِلْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فَسَمِعُوا إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَرَوْهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ. (وَلَوْ بِيعَ عَقَارٌ وَبَعْضُ أَقَارِبِ الْبَائِعِ حَاضِرٌ يَعْلَمُ الْبَيْعَ، وَسَكَتَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ) بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا إلَّا إذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَرْعًا وَبِنَاءً حَيْثُ تَسْقُطُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ مِلْكَ رَجُلٍ وَالْمَالِكُ سَاكِتٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَضِيَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَفِي التَّبْيِينِ لَمْ يُعَيِّنْ الْقَرِيبَ هُنَا وَفِي الْفَتَاوَى لِأَبِي اللَّيْثِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَقَارًا وَابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ حَاضِرٌ يَعْلَمُ بِهِ، وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا، ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِلْكَ أَبِيهِ وَقْتَ الْبَيْعِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ مِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَهُوَ تَلْبِيسٌ مَحْضٌ وَحُضُورُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَرْكُهُ فِيمَا يَصْنَعُ فِيهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ وَجَعَلَ سُكُوتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْإِفْصَاحِ بِالْإِقْرَارِ قَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ

لِأَهْلِ الْعَصْرِ فِي الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْقَرِيبِ يُبْقِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ الْقَرِيبِ انْتَهَى. لَكِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ زَمَانًا؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْجَارِ مَعَ أَنَّ الْجَارَ يُخَالِفُهُ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ فَتْوَى أَئِمَّةِ بُخَارَى عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ وَالدَّعْوَى كَمَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ السَّاكِتُ غَيْرَ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ النَّاطِقِ لَا يُجْعَلُ إقْرَارًا وَأَئِمَّةُ خَوَارِزْمَ عَلَى رَأْيِ أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي فَتَاوَاهُ أَنَّهُ تُسْمَعُ فِي الزَّوْجَةِ لَا فِي غَيْرِهَا. وَفِي الْمِنَحِ يَتَأَمَّلُ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ إنْ رَأَى الْمُدَّعِيَ السَّاكِتَ الْحَاضِرَ ذَا حِيلَةٍ أَفْتَى بِعَدَمِ السَّمَاعِ، وَإِنْ رَأَى خِلَافَهُ أَفْتَى بِالسَّمَاعِ لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ الْفَسَادُ فَلَا يُفْتَى إلَّا بِمَا اخْتَارَهُ أَهْلُ خَوَارِزْمَ. (وَلَوْ وَهَبَتْ امْرَأَةٌ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ) الْمَرْأَةُ (فَطَلَبَ أَقَارِبُهَا الْمَهْرَ) مِنْهُ (وَقَالُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (كَانَتْ الْهِبَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (وَقَالَ) الزَّوْجُ لَا (بَلْ فِي صِحَّتِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ. وَفِي التَّبْيِينِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَادِثَةٌ وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ عَنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَارِثِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا وَهَبَ عَبْدًا لِوَارِثِهِ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ فَالْوَارِثُ يَدَّعِي الْعَوْدَ عَلَيْهِ بِمَوْتِهَا، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّ كَلَامِهِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَادَّعَى بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ وَهَبَ لَهُ فِي صِحَّتِهِ وَقَبَضَهُ وَنَفَتْهُ الْوَرَثَةُ قَالُوا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ يَكُونُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى. (وَلَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيمَا أَقْرَرْتُ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ وَلَسْتُ بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِي عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا فَلَا يُصَارُ مَعَهُ إلَى الْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ صَكَّ الْإِقْرَارِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ حُجَّةً عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (يُفْتَى) لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ قَالَ

لَمْ أَقْبِضْهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَاهِبُ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمَوْهُوبِ يَحْلِفُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ كَذَبْتُ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الْمَبِيعِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَقْبِضْهُ فَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُ لَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ، وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا قُلِّدَ الْقَضَاءَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِلٍ لِمِلْكِ الْمُقِرِّ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الْوَضْعِيِّ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْنًى بِلَفْظٍ يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِ التَّخَلُّفُ. (وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُكَ بَيْعَ هَذَا) الشَّيْءِ (فَسَكَتَ) الْمُخَاطَبُ (صَارَ وَكِيلًا) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ وَعَدَمَ رَدِّهِ مِنْ سَاعَتِهِ دَلِيلُ الْقَبُولِ عَادَةً، وَنَظِيرُهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِذَا سَكَتَ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَسَقَطَ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنْ قَالَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ. (وَمَنْ وَكَّلَ امْرَأَتَهُ بِطَلَاقِ نَفْسِهَا لَا يَمْلِكُ) الزَّوْجُ الْمُوَكِّلُ (عَزْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِفِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُكَ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَطَرِيقُ عَزْلِهِ أَنْ يَقُولَ عَزَلْتُكَ ثُمَّ عَزَلْتُك) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ فَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا، ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ قَالَ) لِآخَرَ وَكَّلْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنِّي (كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) لَا يَكُونُ مَعْزُولًا بَلْ كُلَّمَا عَزَلَهُ كَانَ وَكِيلًا لِأَنَّ كُلَّمَا تُفِيدُ عُمُومَ الْأَفْعَالِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ (فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُكَ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ) فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْهَا لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فَإِذَا قَالَ بَعْدَهَا وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ. (وَقَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ شَرْطٌ إنْ كَانَ) الصُّلْحُ (دَيْنًا بِدَيْنٍ) بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ أَوْ بَيْعٌ وَفِيهِ لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ (فَلَا) يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ لَا يَبْقَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ دَارًا فَصَالَحَهُ أَبُوهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ جَازَ الصُّلْحُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ) بَيْنَ النَّاسِ

لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ فِيهِ مَنْفَعَةً وَهِيَ سَلَامَةُ الْعَيْنِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَالِحْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ فَيَأْخُذُهُ فَيَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِي (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (غَيْرَ عَادِلَةٍ لَا يَجُوزُ) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ مُتَبَرِّعًا بِمَالِ الصَّبِيِّ بِالصُّلْحِ لَا مُشْتَرِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لَوْلَا الصُّلْحُ. (وَمَنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي) عَلَى دَعْوَى هَذَا الْحَقِّ (ثُمَّ بَرْهَنَ) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً (صَحَّ) بُرْهَانُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِظَاهِرِ التَّنَاقُضِ، وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّنَاقُضِ. (وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا شَهَادَةَ لِي فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ثُمَّ شَهِدَ) لِمَا مَرَّ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ أَيْضًا، وَقِيلَ تُقْبَلُ وِفَاقًا إنْ وَافَقَ. وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ تَرَكْتُ دَعْوَايَ عَلَى فُلَانٍ وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَى الْآخِرَةِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ. وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، أَوْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَتَى بِالْحُجَّةِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ، وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقٌّ كَانَ لَغْوًا وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نَفَى بِلِعَانِهِ نَسَبَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ حَقًّا. (وَلِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُقْطِعَ) مِنْ الْإِقْطَاعِ (إنْسَانًا مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ) وَهِيَ الشَّارِعُ الْأَعْظَمُ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ (بِالْمَارَّةِ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ بِهِمْ، وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ. (وَمَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا (وَلَمْ يُعَيِّنْ) السُّلْطَانُ (بَيْعَ مَالِهِ) بَلْ طَلَبَ مِنْهُ جُمْلَةً مِنْ الْمَالِ (فَبَاعَ مَالَهُ نَفَذَ) بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ بِهِ، وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طَلَبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ كَالدَّائِنِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَالَهُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (وَلَوْ خَوَّفَ امْرَأَتَهُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا مِنْهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إنْ قَدَرَ عَلَى الضَّرْبِ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ. (وَإِنْ أَكْرَهَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (عَلَى الْخُلْعِ فَفَعَلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُكْرَهَ وَاقِعٌ (وَلَا يَجِبُ الْمَالُ) إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ، وَقَدْ انْعَدَمَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْإِكْرَاهِ. (وَلَوْ أَحَالَتْ) أَيْ الْمَرْأَةُ (إنْسَانًا بِالْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ) لِيَأْخُذَ مِنْهُ عِوَضَ دَيْنِهِ مَثَلًا (ثُمَّ وَهَبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ

لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ. (وَمَنْ اتَّخَذَ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً فِي دَارِهِ فَنَزَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الْبَالُوعَةِ (حَائِطُ جَارِهِ وَطَلَبَ) الْجَارُ (تَحْوِيلَهُ) أَيْ تَحْوِيلَ ذَلِكَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ (لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّحْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ. (وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ سَبَبِ النَّزِّ (لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بِالتَّعَدِّي. (وَمَنْ عَمَّرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ) أَيْ بِمَالِ الزَّوْجِ (بِإِذْنِهَا) أَيْ بِإِذْنِ الزَّوْجَةِ (فَالْعِمَارَةُ) تَكُونُ (لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ (وَالنَّفَقَةُ) الَّتِي صَرَفَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْعِمَارَةِ (دَيْنٌ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ الْأَمْرِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. (وَإِنْ عَمَّرَهَا) أَيْ الدَّارَ (لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (بِلَا إذْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (فَالْعِمَارَةُ لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ (وَهُوَ) أَيْ الزَّوْجُ فِي الْعِمَارَةِ (مُتَبَرِّعٌ) فِي الْإِنْفَاقِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ، (وَإِنْ عَمَّرَ لِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (فَالْعِمَارَةُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ فَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، لَكِنْ بَقِيَ صُورَةٌ وَهِيَ أَنْ يُعَمِّرَ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِهَا فَفِي الْفَرَائِدِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِمَارَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَهُ وَالْعَرْصَةُ لَهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْهُ انْتَهَى. (وَمَنْ أَخَذَ غَرِيمًا لَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّازِعِ) إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ تَسْبِيبٌ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ أَوْ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الدَّالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِالدَّلَالَةِ، وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا. (وَمَنْ فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ ادْفَعْهُ) أَيْ هَذَا الْمَالَ (إلَيَّ وَإِلَّا قَطَعْتُ يَدَكَ أَوْ ضَرَبْتُك خَمْسِينَ سَوْطًا لَا يَضْمَنُ) الدَّافِعُ (لَوْ دَفَعَ) الْمَالَ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَوْ أَيِّهِمَا شَاءَ الْمَالِكُ إنْ كَانَ الْآخِذُ مُخْتَارًا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُكْرِهُ وَالْآخِذُ هُوَ السُّلْطَانُ فَقَطْ بِشَهَادَةِ قَوْلِهِ إلَيَّ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ تَدَبَّرْ. (وَلَوْ وَضَعَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ بِهِ) أَيْ بِالْمِنْجَلِ (حِمَارَ وَحْشٍ وَسَمَّى عَلَيْهِ) عِنْدَ الْوَضْعِ (فَجَاءَ) فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي اتِّفَاقِيٌّ حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ. (وَيُكْرَهُ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَا) مَقْصُورًا وَهُوَ الْفَرْجُ

(وَالْخُصْيَةُ وَالْمَثَانَةُ وَالذَّكَرُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ» قَالَ الْإِمَامُ الدَّمُ حَرَامٌ وَكَرِهَ السِّتَّةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قُطِعَ بِتَحْرِيمِهِ وَكُرِهَ مَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنْ كَانَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] يَنْتَظِمُهَا فَكَيْفَ تُجْعَلُ مَكْرُوهَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْكَرَاهَةِ بِمَعْنًى آخَرَ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ تَفْصِيلٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَطْلَقَ اسْمَ الْحَرَامِ عَلَى الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَسَمَّى مَا سِوَاهُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ النَّصُّ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] وَبَقِيَّةُ السِّتَّةِ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ بَلْ بِالِاجْتِهَادِ وَبِظَاهِرِ الْكِتَابِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ وَالْحَدِيثِ. (وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللُّقَطَةَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ لِعَجْزِهِمْ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا نَشَدَ اللُّقَطَةَ وَمَضَى مُدَّةُ النِّشْدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ غَلَّةٌ لِلْيَتِيمِ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ فَلَا يَمْلِكُهُ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ لِجَوَازِ الْإِقْرَاضِ الْقَاضِي عَدَمُ وَصِيِّ الْيَتِيمِ وَلَوْ كَانَ مَنْصُوبَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفُصُولَيْنِ. (وَلَوْ كَانَتْ حَشَفَةُ الصَّبِيِّ ظَاهِرَةً) حَيْثُ (مَنْ رَآهُ ظَنَّهُ مُخْتَنًا، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا تُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِمَشَقَّةِ جَازَ تَرْكُ خِتَانِهِ) عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدَةِ ذَكَرِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ فَإِذَا كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ يُوَارِي الْحَشَفَةَ يُقْطَعُ الْفَضْلُ، وَلَوْ خَتَنَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْجَلْدَةَ كُلَّهَا يَنْظُرُ إنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَإِنْ قَطَعَ النِّصْفَ فَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. (وَكَذَا) جَازَ تَرْكُ خِتَانِ (شَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْل النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ وَالْخِتَانُ سُنَّةٌ وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ فَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ. (وَوَقْتُ الْخِتَانِ غَيْرُ مَعْلُومٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُمَا فِيهِ شَيْءٌ (وَقِيلَ سَبْعُ سِنِينَ) وَقِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِبَارًا أَوْ تَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ

كتاب الفرائض

خُتِنَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ) كَمَا يُقَالُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ لِزِيَادَةِ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ لِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبُ، وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ. وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي لِلصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمُ لِلتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَسَائِرِ الْأَخْيَارِ، وَكَذَا يَجُوزُ التَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّرَضِّي لِلتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ. (وَلَا) يَجُوزُ (الْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ الْمَذْكُورِ مِنْ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَانِسِ) لِمَا رُوِيَ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ قَلَانِسُ يَلْبَسُهَا» ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ. (وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْخِ الْجَاهِلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَالْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ الْعُلَمَاءُ فِي أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَالْمُطَاعُ شَرْعًا يُقَدَّمُ، وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ. (وَلِحَافِظِ الْقُرْآنِ أَنْ يَخْتِمَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهْمُ مَعَانِيهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَا فِيهِ لَا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّأَنِّي لَا بِالتَّوَانِي فِي الْمَعَانِي فَقَدَّرُوا لِلْخَتْمِ أَقَلَّهُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْرَأُ فِي كُلِّ يَوْمٍ حِزْبًا وَنِصْفَ حِزْبٍ وَأَقَلَّ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ خَتَمَ كِتَابَهُ فِي بَيَانِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكَيْفِيَّةِ الْخَتْمِ. [كِتَاب الْفَرَائِض]

وَجْهُ التَّأْخِيرِ بَيِّنٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ فَرَائِضَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَبَيَّنَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا وَهَذَا الْعِلْمُ مِنْ أَشْرَفِ الْعُلُومِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ» وَقَدْ حَثَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ بِقَوْلِهِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» . (يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) الْخَالِيَةِ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهَا كَالرَّهْنِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُقَدَّمُ عَلَى التَّجْهِيزِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ (بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ) اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْمَرْءَ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِي حَيَاتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْغَيْرِ بِعَيْنِ مَالِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ تَجْهِيزُهُ وَدَفْنُهُ (بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَهُوَ قَدْرُ كَفَنِ الْكِفَايَةِ أَوْ كَفَنِ السُّنَّةِ، أَوْ قَدْرَ مَا يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَفَنُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَقَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ) مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ أَيْ ثُمَّ يُبْدَأُ بِوَفَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا دَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ تَسْقُطُ

بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا مِنْ عِنْدِهِمْ (ثُمَّ تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ) أَيْ ثُمَّ يُبْدَأُ بِوَصِيَّتِهِ أَيْ بِتَنْفِيذِهَا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عَلَى مَا مَرَّ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ تَشْرِيكٌ لَهُمْ حَتَّى إذَا سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ (ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ وَرَثَتِهِ) أَيْ الَّذِينَ ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. (وَيُسْتَحَقُّ الْإِرْثُ بِنَسَبٍ وَنِكَاحٍ وَوَلَاءٍ) كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا (وَيُبْدَأُ بِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ) أَيْ كُلِّ صَاحِبِ سَهْمٍ مُقَدَّرٍ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَتَقْدِيمُهُمْ عَلَى الْعَصَبَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْهُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِالْعِصَابِ النَّسَبِيَّةِ فَإِنَّ الْعُصُوبَةَ النَّسَبِيَّةَ أَقْوَى مِنْ السَّبِيَّةِ) يُرْشِدُك إلَى ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ دُونَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ السَّبِيَّةِ أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ (ثُمَّ) يُبْدَأُ (بِالْمُعْتِقِ) بِكَسْرِ التَّاءِ مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا فَإِنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَيَرِثُهُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَالنِّعْمَةِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ يُبْدَأُ عِنْدَ عَدَمِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ بِعَصَبَتِهِ مِنْ الذُّكُورِ وَهَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ» الْحَدِيثَ (ثُمَّ الرَّدُّ) أَيْ يُبْدَأُ بَعْدَ الْعَصَبَاتِ السَّبَبِيَّةِ بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ لِبَقَاءِ قَرَابَتِهِمْ بَعْدَ أَخْذِ فَرَائِضِهِمْ دُونَ ذَوِي الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ (ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَيْ يُبْدَأُ عِنْدَ عَدَمِ الرَّدِّ لِانْتِفَاءِ ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ بِذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُمْ الَّذِينَ لَهُمْ قَرَابَةٌ وَلَيْسُوا بِعَصَبَةٍ وَلَا ذَوِي سَهْمٍ (ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ يُبْدَأُ فِي جَمِيعِ الْمِيرَاثِ بِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ إنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ وُجِدَ يُبْدَأُ بِهِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الْبَاقِي مِنْ فَرْضِهِ، وَتَفْصِيلُ حَالِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ قَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ (ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَسَبٍ) عَلَى الْغَيْرِ (لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ إذَا مَاتَ الْمُقِرُّ عَلَى إقْرَارِهِ يَعْنِي أَنَّ هَذَا

الْمُقَرَّ لَهُ مُؤَخَّرٌ فِي الْإِرْثِ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَمُقَدَّمٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَفَصَّلَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ فَلْيُطَالَعْ (ثُمَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إذَا عُدِمَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يُبْدَأُ بِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَيُكَمَّلُ لَهُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ عَمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَلَهُ عِنْدَنَا مَا عَيَّنَ لَهُ كَامِلًا، وَإِنَّمَا أُخِّرَ عَنْ الْمُقَرِّ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ نَوْعَ قَرَابَةٍ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ (ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْمَذْكُورِينَ تُوضَعُ التَّرِكَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى أَنَّهَا مَالٌ ضَائِعٌ فَصَارَ فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ هُنَاكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مُنْتَظِمًا يُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ وَلَا مِيرَاثَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَلَا لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ. (وَيَمْنَعُ الْإِرْثَ الرِّقُّ) وَافِرًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَال فَهُوَ لِمَوْلَاهُ فَلَوْ وَرَّثْنَاهُ عَنْ أَقْرِبَائِهِ لَوَقَعَ الْمِلْكُ لِسَيِّدِهِ فَيَكُونُ تَوْرِيثًا لِلْأَجْنَبِيِّ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا (وَالْقَتْلُ كَمَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ فِي الْجِنَايَاتِ (وَاخْتِلَافُ الْمِلَّتَيْنِ) فَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ مِنْ الْمُسْلِمِ إجْمَاعًا، وَلَا الْمُسْلِمُ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُلَمَاؤُنَا وَالشَّافِعِيُّ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ (وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً) كَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ (أَوْ حُكْمًا) كَالْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيَّيْنِ

مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْرَارِ. (وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ الْأَبُ وَأَبُوهُ) أَيْ أَبُ الْأَبِ (وَالِابْنُ وَابْنُهُ وَالْأَخُ وَابْنُهُ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ) أَيْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ (وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) أَيْ أُمُّ الْأُمِّ (وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ) أَيْ مَوْلَاةُ الْعَتَاقَةِ (وَهُمْ) أَيْ الْوَارِثُونَ الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ قِسْمَانِ (ذَوُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ) أَيْ الْمُوَرَّثِ (فَذُو الْفَرْضِ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ، وَالسِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ النِّصْفُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً أَيْ الْبِنْتُ فَلَهَا النِّصْفُ وَقَالَ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وَقَالَ {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] (وَالرُّبُعُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ حَيْثُ قَالَ {فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] وَقَالَ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] (وَالثُّمُنُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ حَيْثُ قَالَ {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] (وَالثُّلُثَانِ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ فِي حَقِّ الْبَنَاتِ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَفِي حَقِّ الْأَخَوَاتِ {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: 176] (وَالثُّلُثُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعَيْنِ حَيْثُ قَالَ {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَقَالَ وَإِنْ كَانُوا أَيْ أَوْلَادُ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ (وَالسُّدُسُ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ حَيْثُ قَالَ

{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] وَقَالَ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَقَالَ فِي حَقِّ وَلَدِ الْأُمِّ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] . ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّفْصِيلِ فَقَالَ (فَالنِّصْفُ لِلْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا) أَيْ عَدَمِ الْبِنْتِ لِأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ قَامَتْ مَقَامَهَا إذَا عُدِمَتْ الْبِنْتُ (وَ) النِّصْفُ (لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ عِنْدَ عَدَمِهَا) أَيْ عَدَمِ الْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ (إذَا انْفَرَدْنَ) عَنْ إخْوَتِهِنَّ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَطْنَ بِهِمْ تَصِيرُ عَصَبَاتٍ بِهِمْ، وَيَكُونُ لِلذَّكَرِ حَظُّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) النِّصْفُ (لِلزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ) وَقَيَّدَ بِوَلَدِ الِابْنِ لِيَخْرُجَ وَلَدُ الْبِنْتِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ لَهَا الرُّبُعُ مَعَهُ. (وَالرُّبُعُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا) وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ زَوْجٍ إمَّا النِّصْفَ وَإِمَّا الرُّبُعَ مِمَّا تَرَكَتْهُ امْرَأَتُهُ (وَلِلزَّوْجَةِ) الرُّبُعُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَعَدَّدَتْ عِنْدَ عَدَمِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] . (وَالثُّمُنُ) لَهَا أَيْ لِلزَّوْجَةِ (كَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] وَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اشْتَرَكْنَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَأْخُذْنَ الْكُلَّ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ بِلَا وَلَدٍ وَالنِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ. وَالثَّانِي أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَقَوْلِهِ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ فَيَكُونُ لِوَاحِدَةٍ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا بِالنَّصِّ، وَإِذَا كَثُرَتْ وَقَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ فَيُصْرَفُ إلَيْهِنَّ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَتَصِيرُ لَهُ حَالَتَانِ. (وَالثُّلُثَانِ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ فَرْضُهُنَّ النِّصْفُ) وَهِيَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] . (وَالثُّلُثُ لِلْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَ) عَدَمِ (الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) وَلَهَا مَعَ هَؤُلَاءِ (السُّدُسُ) وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْإِخْوَةِ فِي قَوْلِهِ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَيَحْجُبُ الْأُمَّ لَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَا أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَمْ يَحْجُبْ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ (وَلَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ (ثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ) فَيَكُونُ لَهَا السُّدُسُ مَعَ الزَّوْجِ

وَالْأَبِ وَالرُّبُعُ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَصَارَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: ثُلُثُ الْكُلِّ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالسُّدُسُ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يَرَى ثُلُثَ الْبَاقِي بَلْ يُوَرِّثُهَا ثُلُثَ الْكُلِّ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. (وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ فِيهِمَا جَدٌّ فَلَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ (ثُلُثُ الْجَمِيعِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُبَالِي بِتَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ لَهَا مَعَ الْجَدِّ أَيْضًا ثُلُثَ الْبَاقِي عِنْدَهُ كَمَا فِي الْأَبِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ جَعَلَ الْجَدَّ كَالْأَبِ فَيَعْصِبُ الْأُمَّ كَمَا يَعْصِبُهَا الْأَبُ. (وَ) الثُّلُثُ (لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ يُقَسَّمُ) الثُّلُثُ (لِذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) يَعْنِي الْأُنْثَى مِنْهُمْ تَأْخُذُ مِثْلَ مَا يَأْخُذُ الذَّكَرُ مِنْهُمْ بِلَا تَفْضِيلِ الذَّكَرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَالشَّرِكَةُ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. (وَالسُّدُسُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِ الْأُمِّ (ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] وَالْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ لِأُمٍّ. (وَ) السُّدُسُ (لِلْأُمِّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ) وُجُودِ (الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) كَمَا سَبَقَ. (وَ) السُّدُسُ (لِلْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَبِ ابْنٌ فَلَهُ فَرْضُهُ أَعْنِي السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ فَلَهُ السُّدُسُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الِابْنَ وَالْبِنْتَ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ وَمَا بَقِيَ لِلْأَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مِنْ الْعَصَبَاتِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ، وَوَلَدُ الِابْنِ وَلَدٌ شَرْعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَلَيْسَ دُخُولُ وَلَدِ الِابْنِ فِي الْوَلَدِ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ عُرِفَ كَوْنُ حُكْمِ وَلَدِ الِابْنِ كَحُكْمِ الْوَلَدِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ. (وَكَذَا) (السُّدُسُ لِلْجَدِّ الصَّحِيحِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ الصَّحِيحَ كَالْأَبِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ مَشْهُودَةٍ ثُمَّ عَرَّفَهُ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ الْجَدُّ الصَّحِيحُ (مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ) كَأَبِ الْأَبِ (فَإِنْ دَخَلَتْ) فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ (فَجَدٌّ فَاسِدٌ) فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّلَ الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَالشُّهْرَةِ، وَذَلِكَ بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ. (وَ) السُّدُسُ (لِلْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَعَدَّدَتْ) كَأُمِّ الْأُمِّ مَعَ الْأَبِ فَيَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ

فصل في العصبات

إذَا كُنَّ ثَابِتَاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ فِي الدَّرَجَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَطْعِمُوا الْجَدَّةَ السُّدُسَ» وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَشْرَكَ بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ فِي السُّدُسِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، ثُمَّ عَرَّفَهَا فَقَالَ (وَهِيَ) أَيْ الْجَدَّةُ الصَّحِيحَةُ (مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ جَدٌّ فَاسِدٌ) هِيَ مَنْ يَتَخَلَّلُ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ ذَكَرٌ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ. (وَ) السُّدُسُ (لِبِنْتِ الِابْنِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَعَدَّدَتْ مَعَ الْوَاحِدَةِ مِنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ) تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ، وَقَدْ أَخَذَتْ الْوَاحِدَةُ النِّصْفَ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ فَبَقِيَ السُّدُسُ مِنْ الْبَنَاتِ فَيَأْخُذُهُ بَنَاتُ الِابْنِ وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَدِّدَةً، وَمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ فَبَنَاتُ الِابْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ مَعَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الصُّلْبِيَّاتِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ ابْنُ ابْنٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يَكُنَّ عَصَبَةً مَعَهُ وَلَا يَرِثْنَ السُّدُسَ كَمَا سَيَأْتِي (وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ كَذَلِكَ) أَيْ لَهَا السُّدُسُ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ (مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبَوَيْنِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ، وَقَدْ أَخَذَتْ الْوَاحِدَةُ لِلْأَبَوَيْنِ النِّصْفَ فَبَقِيَ مِنْهُ سُدُسٌ فَيُعْطَى لِلْأَخَوَاتِ لِأَبٍ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ، وَلَا يَرِثْنَ مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَيَعْصِبُهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي. [فَصَلِّ فِي الْعُصُبَات] ِ الْعَصَبَةُ النَّسَبِيَّةُ ثَلَاثَةٌ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ (وَالْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ ذَكَرٌ) فَإِنَّ الْأُنْثَى لَا تَكُونَ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا بَلْ لِغَيْرِهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا (لَيْسَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى) فَإِنْ قُلْتَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّ الْأُمَّ دَاخِلَةٌ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ، قُلْتُ قَرَابَةُ الْأَبِ أَصْلٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ فَإِنَّهَا إذَا انْفَرَدَتْ كَفَتْ فِي إثْبَاتِ الْعُصُوبَةِ بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ بِانْفِرَادِهَا عِلَّةً لِإِثْبَاتِهَا فَهِيَ مُلْغَاةٌ فِي إثْبَاتِ الْعُصُوبَةِ لَكِنَّا جَعَلْنَاهَا بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ زَائِدٍ فَرَجَّحْنَا بِهَا الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ (وَهُوَ يَأْخُذُ مَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ) أَيْ انْفِرَادَهُ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْوِرَاثَةِ (يُحْرِزُ جَمِيعَ الْمَالِ) بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا رَسْمٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُعْرَفَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَعْرِيفًا بِالْحُكْمِ، وَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ الْعَصَبَةِ حَتَّى يُعْطَى مَا ذُكِرَ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ. (وَأَقْرَبُهُمْ) أَيْ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ (جُزْءُ الْمَيِّتِ وَهُوَ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (سَفَلَ) لِدُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْوَلَدِ، وَغَيْرُهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] فَجَعَلَ الْأَبَ صَاحِبَ فَرْضٍ مَعَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلَدِ

الذَّكَرِ سَهْمًا مُقَدَّرًا فَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لَهُ فَدَلَّ أَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْعُصُوبَةِ، وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْثِرُ وَلَدَ وَلَدِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَيَخْتَارُ صَرْفَ مَالِهِ، وَلِأَجْلِهِ يَدَّخِرُ مَالَهُ عَادَةً عَلَى مَا قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ لَا تَجَاوُزَ بِكَسْبِهِ مَحَلَّ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّا صَرَفْنَا مِقْدَارَ الْفَرْضِ إلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالنَّصِّ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْبِنْتَ أَيْضًا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ عَصَبَةٍ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَبْطَلَ اخْتِيَارَهُ بِتَعْيِينِ الْفَرْضِ لَهَا، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ لِأَوْلَى رَجُلٍ (ثُمَّ أَصْلُهُ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ الصَّحِيحُ) أَيْ أَبُ الْأَبِ. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عَلَا) وَأَوْلَاهُمْ بِهِ الْأَبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِإِرْثٍ الْإِخْوَةِ الْكَلَالَةَ وَهُوَ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ ضَرُورَةً وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ بَعْدَ فُرُوعِهِ وَأُصُولِهِ فَمَا ظَنُّك مَعَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُمْ كَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْجَدُّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ (ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ) الْإِخْوَةُ (لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (سَفَلُوا) وَإِنَّمَا قُدِّمُوا عَلَى الْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِرْثَ فِي الْكَلَالَةِ لِلْإِخْوَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَعْمَامِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِاتِّصَالِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ وَهُمْ الْأَعْمَامُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (سَفَلُوا ثُمَّ جُزْءُ جَدِّ أَبِيهِ كَذَلِكَ) أَيْ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ أَعْمَامِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ فَكَانُوا أَقْرَبَ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ جُزْءُ الْجَدِّ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ بَعْدَهُمْ وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ عَلَى وَلَدِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ. (وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ مَنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ) وَهُمْ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسَاءِ (يَصِرْنَ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ وَيُقَسَّمُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فَالْبَنَاتُ بِالِابْنِ وَبَنَاتُ الِابْنِ بِابْنِ الِابْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ بِأَخِيهِنَّ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ بِأَخِيهِنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] (وَمَنْ لَا فَرْضَ لَهَا) مِنْ الْإِنَاثِ (وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِهِ) أَيْ بِأَخِيهَا (كَالْعَمَّةِ) لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِالْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخُوهَا فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّةِ، وَبِنْتُ الْعَمِّ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِابْنِ الْعَمِّ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْعَمِّ دُونَ بِنْتِ الْعَمِّ (وَبِنْتِ الْأَخِ)

لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي صَيْرُورَةِ الْإِنَاثِ بِالذُّكُورِ عَصَبَةً إنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعَيْنِ الْبَنَاتُ بِالْبَنِينَ وَالْأَخَوَاتُ بِالْإِخْوَةِ وَالْإِنَاثُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ذَوَاتُ فُرُوضٍ فَمَنْ لَا فَرْضَ لَهُ مِنْ الْإِنَاثِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ. (وَالْعَصَبَةُ مَعَ غَيْرِهِ الْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ بَدَلَ الْوَاوِ تَدَبَّرْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلُوا الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً» وَإِنَّمَا سُمِّينَ عَصَبَةً مَعَ غَيْرِهِ وَمَعَ إخْوَتِهِنَّ عَصَبَةً بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَهُوَ الْبَنَاتُ شَرْطٌ بِصَيْرُورَتِهِنَّ، وَلَمْ يَجْعَلْهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ لِأَنَّ أَنْفُسَهُنَّ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ فَكَيْفَ يَجْعَلْنَ غَيْرَهُنَّ عَصَبَةً بِهِنَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كُنَّ عَصَبَةً بِإِخْوَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ بِنَفْسِهِمْ عَصَبَةٌ فَيَصِرْنَ بِهِمْ عَصَبَةً تَبَعًا. (وَذُو الْأَبَوَيْنِ مِنْ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذِي الْأَبِ) الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ ذَا الْقَرَابَتَيْنِ مِنْ الْعَصَبَاتِ أَوْلَى مِنْ ذِي قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الدَّرَجَةِ ذَكَرًا كَانَ ذُو الْقَرَابَتَيْنِ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ» وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْأُمِّ هَهُنَا إظْهَارُ مَا يُرَجَّحُ بِهِ بَنُو الْأَعْيَانِ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ (حَتَّى إنَّ الْأُخْتَ لِأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ) سَوَاءٌ كَانَتْ صُلْبِيَّةً أَوْ بِنْتَ ابْنٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ (تَحْجُبُ الْأَخَ لِأَبٍ) خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّ الْأُخْتَ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ عِنْدَهُ. (وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مَوْلَى أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ «وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ بِأُمِّهِ» فَصَارَ كَشَخْصٍ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَيَرِثُهُ قَرَابَةُ أُمِّهِ وَيَرِثُهُمْ، فَلَوْ تَرَكَ أُمًّا وَبِنْتًا وَالْمُلَاعِنَ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ. وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَخَذَ فَرْضَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَرْضًا وَرَدًّا، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ وَابْنَ الْمَلَاعِنِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي رَدٌّ عَلَيْهِمَا وَلَا شَيْءَ لِابْنِ الْمَلَاعِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَخَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ. وَلَوْ مَاتَ وَلَدُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَرِثَهُ قَوْمُ أَبِيهِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَلَا يَرِثُونَهُ

قَوْمُ جَدِّهِ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وَأَوْلَادُهُمْ، وَبِهَذَا تُعْرَفُ بَقِيَّةُ مَسَائِلِهِ، وَهَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ، وَوَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ التَّوْأَمَ مِيرَاثَ أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَالْأَبُ مَعَ الْبِنْتِ صَاحِبُ فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ) كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ. (وَآخِرُ الْعَصَبَاتِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّهُ أَحْيَاهُ مَعْنًى بِالْإِعْتَاقِ فَأَشْبَهَ الْوِلَادَةَ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ عَصَبَةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ (عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ) بِأَنْ يَكُونَ جُزْءُ الْمَوْلَى أَوْلَى وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أُصُولُهُ ثُمَّ جُزْءُ أَبِيهِ ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ يُقَدَّمُونَ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَبِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ (فَمَنْ تَرَكَ أَبَ) الْأَوْلَى بِالْأَلِفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ (مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ فَمَالُهُ كُلُّهُ لِابْنِ مَوْلَاهُ) لِمَا أَنَّ الِابْنَ وَابْنَ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ، وَهَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ) هَذَا قَوْلُهُ الْآخَرُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ وَقَوْلُهُمَا هُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَبِي يُوسُفَ. (وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فَكُلُّهُ لِلِابْنِ اتِّفَاقًا) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَالِابْنِ فِي الْعُصُوبَةِ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ اتِّصَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمَيِّتِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَكَوْنُ الِابْنِ أَقْرَبَ يَحْتَاجُ إلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ قُرْبِهِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَوَقَعَ الْخِلَافُ هُنَاكَ بِخِلَافِ الْجَدِّ فَإِنَّ اتِّصَالَهُ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ فَيَكُونُ الْأَبُ أَقْرَبَ مِنْ الْجَدِّ، وَيَكُونُ الِابْنُ أَقْرَبَ مِنْهُ بِلَا اشْتِبَاهٍ فَلَا يُزَاحِمُهُ الْجَدُّ فِي الْوَلَاءِ، أَمَّا ابْنُ الِابْنِ مَعَ الْجَدِّ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَرِثَ ابْنُ الِابْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالِابْنِ مِنْ الْجَدِّ بِالْأَبِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى. (وَلَوْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَأَخَا) مَوْلَاهُ (فَالْجَدُّ أَوْلَى) وَيَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمَيِّتِ فِي الْعُصُوبَةِ مِنْ الْأَخِ عَلَى مَذْهَبِهِ (وَعِنْدَهُمَا يَسْتَوِيَانِ) فَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ

فصل في الحجب

(وَالْعَصَبَةُ إنَّمَا يَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ) كَمَا مَرَّ. (فَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَإِخْوَةً لِأُمٍّ وَإِخْوَةً لِأَبَوَيْنِ وَأُمًّا فَالنِّصْفُ لِلزَّوْجِ وَالسُّدُسُ لِلْأُمِّ وَالثُّلُثُ لِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سِتَّةٍ، نِصْفُهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَثُلُثُهُ وَهُوَ اثْنَانِ لِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَسُدُسُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْأُمِّ وَمَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ شَيْءٌ حَتَّى يُعْطَى لِلْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ وَهُمْ عَصَبَةٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَخَذَ عُلَمَاؤُنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَشْتَرِكُ الْأَوْلَادُ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَوْلَادِ لِأُمٍّ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ أَوَّلًا مِثْلَ مَا قَالَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى قَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَسَبَبُ رُجُوعِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فَقَامَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ لِأَبٍ وَأُمٍّ. وَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ؟ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا وَقَالَ: صَدَقَ لِأَنَّهُ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ فَشَرَكَهُمْ فِي الثُّلُثِ فَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْمَسْأَلَةُ حِمَارِيَّةً وَمُشَرِّكَةً وَعُثْمَانِيَّةً وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتُسَمَّى الْمُشَرِّكَةَ وَالْحِمَارِيَّةَ) . [فَصَلِّ فِي الحجب] ِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ مَنْعُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَنْ مِيرَاثِهِ إمَّا كُلُّهُ وَيُسَمَّى حَجْبَ الْحِرْمَانِ أَوْ بَعْضُهُ وَيُسَمَّى حَجْبَ النُّقْصَانِ بِوُجُودِ شَخْصٍ آخَرَ فَشَرَعَ فِي تَفْصِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَالَ (حَجْبُ الْحِرْمَانِ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ سِتَّةٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ) . فَإِنْ قُلْت قَدْ يُحْجَبُ هَذَا الْفَرِيقُ بِالْقَتْلِ وَالرِّدَّةِ وَالرُّقْيَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنَّ حَجْبَ الْحِرْمَانِ مُنْتَفٍ فِي هَذَا الْفَرِيقِ قُلْت: الْكَلَامُ فِي الْوَرَثَةِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَيْسُوا بِوَرَثَةٍ (وَمَنْ عَدَاهُمْ يُحْجَبُ الْأَبْعَدُ بِالْأَقْرَبِ، وَ) يُحْجَبُ (ذُو الْقَرَابَةِ) الْوَاحِدَةِ (بِذِي الْقَرَابَتَيْنِ وَمَنْ يُدْلِي بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّخْصِ كَابْنِ الِابْنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ (إلَّا أَوْلَادَ الْأُمِّ حَيْثُ يُدْلُونَ) أَيْ يُنْسَبُونَ إلَى الْمَيِّتِ (بِهَا) أَيْ بِالْأُمِّ. (وَ) لَكِنْ (يَرِثُونَ مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْأُمِّ قَالَ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ،

وَتَحْقِيقُ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الشَّخْصَ الْمُدْلَى بِهِ إنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ لَمْ يَرِثْ الْمُدْلِي مَعَ وُجُودِهِ سَوَاءٌ اتَّحَدَا فِي سَبَبِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالِابْنِ وَابْنِهِ أَوْ لَمْ يَتَّحِدَا كَمَا فِي الْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَإِنَّ الْمُدْلَى بِهِ لَمَّا أَحْرَزَ جَمِيعَ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُدْلِي شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُدْلَى بِهِ الْجَمِيعَ، فَإِنْ اتَّحَدَا فِي السَّبَبِ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْأُمِّ وَأَمِّ الْأُمِّ لِأَنَّ الْمُدْلَى بِهِ لَمَّا أَخَذَ نَصِيبَهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُدْلِي مِنْ النَّصِيبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ السَّبَبِ شَيْءٌ وَلَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ آخَرُ فَصَارَ مَحْرُومًا، وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدَا فِي السَّبَبِ كَمَا فِي الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا فَإِنَّ الْمُدْلَى بِهِ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ الْمُسْتَنِدَ إلَى سَبَبِهِ وَالْمُدْلِي يَأْخُذُ نَصِيبًا آخَرَ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبٍ آخَرَ فَلَا حِرْمَانَ فَإِنْ قُلْت: أَلَيْسَتْ الْأُمُّ تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْعَصَبَاتِ قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا يُسْتَحَقُّ بَعْضُ التَّرِكَةِ بِالْفَرْضِ وَبَعْضُهَا بِالرَّدِّ وَالْمُرَادُ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِهَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْعَصَبَةِ. (وَتُحْجَبُ الْإِخْوَةُ) مُطْلَقًا حَجْبَ الْحِرْمَانِ (بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (سَفَلَ وَبِالْأَبِ) لِأَنَّهُمْ كَلَالَةٌ، وَتَوْرِيثُ الْكَلَالَةِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ كَمَا مَرَّ (وَالْجَدِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَتُحْجَبُ أَوْلَادُ الْعِلَّاتِ) وَهِيَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ (بِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ جَارٍ مَجْرَى مِيرَاثِ الْأَوْلَادِ الصُّلْبِيَّةِ وَأَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ كَمِيرَاثِ أَوْلَادِ الِابْنِ ذُكُورُهُمْ كَذُكُورِهِمْ وَإِنَاثَهُمْ كَإِنَاثِهِمْ، فَكَمَا تُحْجَبُ أَوْلَادُ الِابْنِ بِالِابْنِ كَذَلِكَ تَحْجُبُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ (وَعِنْدَهُمَا لَا تُحْجَبُ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ بِالْجَدِّ بَلْ يُقَاسِمُونَهُ وَهُوَ) أَيْ الْجَدُّ (كَأَخٍ إنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ عَنْ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ ذِي الْفَرْضِ) قَالَ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ: إنَّ الْجَدَّ يُشْبِهُ الْأَبَ فِي حَجْبِ أَوْلَادِ الْأُمِّ، وَفِي أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا خِيَارٌ إذَا بَلَغَا، وَفِي أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَخِ فِي النِّكَاحِ مَعَ قِيَامِ الْجَدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْأَبِ، وَفِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْجَدُّ بِوَلَدِ الْوَلَدِ، وَفِي أَنَّ حَلِيلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَحْرُمُ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَفِي صِحَّةِ اسْتِيلَادِ الْجَدِّ مَعَ عَدَمِ الْأَبِ، وَفِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، وَفِي أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ كَالْأَبِ وَيُشْبِهُ الْأَخَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ جَدٌّ وَأُمٌّ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى اعْتِبَارِ الْمِيرَاثِ كَمَا عَلَى الْأَخِ وَالْأُمِّ وَفِي أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ الْمُعْسِرِ كَالْأَخِ، وَفِي عَدَمِ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْجَدِّ، وَفِي أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ، وَفِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِنَافِلَةٍ وَابْنُهُ حَيٌّ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ وَفِي أَنَّهُ لَا يَجُزُّ وَلَاءُ نَافِلَتِهِ إلَى مَوَالِيهِ كُلُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْأَخِ فَلِتَعَارُضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي مَسْأَلَةِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَجُعِلَ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَكَالْأَخِ فِي قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خَيْرًا لَهُ أَعْطَيْنَا لَهُ ثُلُثَ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَعَ الْأَوْلَادِ يَرِثُ السُّدُسَ وَمَعَ الْإِخْوَةِ يُضَاعَفُ ذَلِكَ، وَأَيْضًا إذَا قُسِمَ الْمَالُ

بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ وَهُمَا فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى، وَلَمَّا كَانَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَكَانَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ كَانَ لِلْجَدِّ ضِعْفُهُ أَعْنِي الثُّلُثَ، فَإِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ أَخٌ وَاحِدٌ أَخَذَ بِالْمُقَاسَمَةِ نِصْفَ الْمَالِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَخَوَانِ فَهُمَا أَيْ الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ مُتَسَاوِيَانِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ فَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ حِينَئِذٍ رُبُعُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ (أَوْ) إنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ (عَنْ السُّدُسِ عِنْدَ وُجُودِهِ) أَيْ وُجُودِ ذِي الْفَرْضِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَعَهُ أُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ يُجْعَلُ الْجَدَّ كَأَخٍ وَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ فَالْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُعِلَ كَأَخٍ يَكُونُ كَأُخْتَيْنِ وَيَكُونُ عَدَدُ الْأَخَوَاتِ سِتَّةً وَيَكُونُ الِاثْنَانِ مِنْ السِّتَّةِ لَهُ وَالِاثْنَانِ ثُلُثُ السِّتَّةِ وَتَكُونُ الْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ مُسْتَوِيَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ خَمْسُ أَخَوَاتٍ يَكُونُ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ كَأَخٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أُخْتَيْنِ فَيَكُونُ عَدَدُ الْأَخَوَاتِ سَبْعًا فَيَكُونُ حِصَّتُهُ نَاقِصَةً عَنْ السُّدُسِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ، وَبَاقِي أَحْكَامِ الْمُقَاسَمَةِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ وَشُرُوحِهَا فَلْيُرَاجَعْ (وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ) وَهُوَ سُقُوطُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ بِالْجَدِّ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْتَى بَعْدَ أَخْذِ الْجَدِّ السُّدُسَ بِالْمُصَالَحَةِ فِي الْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَيْنَهُ. (وَإِذَا اسْتَكْمَلَ بَنَاتُ الصُّلْبِ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ) ؛ لِأَنَّ إرْثَهُنَّ كَانَتْ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَقَدْ كَمُلَ بِبِنْتَيْنِ فَيَسْقُطْنَ إذْ لَا طَرِيقَ لِتَوْرِيثِهِنَّ فَرْضًا وَتَعْصِيبًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحِذَائِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فَيُعَصِّبَ مَنْ بِحِذَائِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ) لَكِنْ (مَنْ لَيْسَتْ بِذَاتِ

سَهْمٍ) فَإِنَّهُ لَا يَعْصِبُ ذَاتَ السَّهْمِ كَالْبَنَاتِ الصُّلْبِيَّةِ مَثَلًا (وَيُسْقِطُ مَنْ دُونَهُ) وَإِذَا كَانَتْ يُعَصِّبُ ابْنُ الِابْنِ مَنْ بِحِذَائِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ يَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ أَخًا لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَسْقُطْنَ بَنَاتُ الِابْنِ بِبِنْتَيْ الصُّلْبِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ وَلَا يُقَاسِمْنَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ الصُّلْبِيَّةُ وَاحِدَةً وَكَانَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ كَانَ لِبَنَاتِ ابْنٍ أَسْوَأُ الْحَالَيْنِ مِنْ السُّدُسِ وَالْمُقَاسَمَةِ وَأَيُّهُمَا أَقَلُّ أُعْطَيْنَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي بَنَاتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ بَنَاتِ الصُّلْبِ أَنَّ أَقْرَبَهُنَّ إلَى الْمَيِّتِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَاَلَّتِي يَلِيهَا فِي الْقُرْبِ مَنْزِلَةَ بَنَاتِ الِابْنِ وَهَكَذَا وَإِنْ سَفَلْنَ. مِثَالُهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنِ ابْنِ ابْنٍ آخَرَ بَعْضُهُنَّ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ فَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ فَيَكُونُ لَهَا النِّصْفُ وَالْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلسُّفْلِيَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامٌ فَيُعَصِّبُهَا وَمَنْ بِحِذَائِهَا وَمَنْ فَوْقَهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَةُ فَرْضِ حَقٍّ، لَوْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ عَصَّبَهَا وَعَصَّبَ الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ فَسَقَطَتْ السُّفْلِيَّاتُ، وَلَوْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَصَّبَهَا وَعَصَّبَ الْوُسْطَى مِنْهُ وَالْوُسْطَى وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ وَالسُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ عَصَّبَ الْجَمِيعَ غَيْرَ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ. (وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ) لِأَنَّ إرْثَهُنَّ كَانَتْ تَكْمِلَةً لِلثُّلُثَيْنِ وَقَدْ كَمُلَ بِأُخْتَيْنِ فَيَسْقُطْنَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ) فَيَعْصِبُهُنَّ كَمَا فِي بَنَاتِ الِابْنِ (وَالْجَدَّاتُ كُلُّهُنَّ يَسْقُطْنَ بِالْأُمِّ) سَوَاءٌ كَانَتْ أَبَوِيَّاتٌ أَوْ أُمِّيَّاتٌ (وَالْأَبَوِيَّاتُ خَاصَّةً) أَيْ دُونَ الْأُمِّيَّاتِ (بِالْأَبِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَسْقُطْنَ بِالْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّ أُمَّ الْأَبِ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ وَاخْتَارَهُ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ؛ لِأَنَّ إرْثَ الْجَدَّاتِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْإِدْلَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِدْلَاءَ بِالْأُنْثَى لَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ مِنْ فَرْضِيَّتِهَا بَلْ اسْتِحْقَاقُهُنَّ الْإِرْثَ بِاسْمِ الْجَدَّةِ وَيَتَأَدَّى فِي هَذَا الِاسْمِ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ وَكَمَا أَنَّ الْأَبَ لَا يَحْجُبُ الْأُولَى لَا يَحْجُبُ الثَّانِيَةَ أَيْضًا، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْمِ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَالْقَرَابَةُ لَا تَثْبُتُ بِدُونِ اعْتِبَارِ الْإِدْلَاءِ فَوَجَبَ الْإِدْلَاءُ، أَلَا يُرَى أَنَّ الْجَدَّةَ الْفَاسِدَةَ لَا تَرِثُ مَعَ كَوْنِهَا جَدَّةً لِعَدَمِ الْإِدْلَاءِ. (وَكَذَا) تَسْقُطُ الْأَبَوِيَّاتُ (بِالْجَدِّ إلَّا أُمَّ الْأَبِ) وَإِنْ عَلَتْ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ وَهَكَذَا فَإِنَّهَا تَرِثُ مَعَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ. (وَ) الْجَدَّةُ (الْقُرْبَى مِنْهُنَّ) أَيْ مِنْ الْجَدَّاتِ (مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ (تَحْجُبُ) الْجَدَّةَ (الْبُعْدَى مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ) الْبُعْدَى فَيَثْبُتُ الْحَجْبُ هَهُنَا فِي أَقْسَامٍ

أَرْبَعَةٍ وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ الْقُرْبَى إنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْبُعْدَى مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ حَجْبُ الْقُرْبَى فِي أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ فَقَطْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ عَمِلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ مُبَيَّنٌ فِي شُرُوحِ الْفَرَائِضِ فَلْيُطَالَعْ (وَارِثَةً كَانَتْ الْقُرْبَى) كَأُمِّ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَعَ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَكَأُمِّ الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِهَا مَعَ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ (أَوْ مَحْجُوبَةً كَأُمِّ الْأَبِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ (فَإِنَّهَا تَحْجُبُ أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ) أَعْنِي أَنْ يَخْلُفَ الْمَيِّتُ الْأَبَ وَأَمَّ الْأَبِ وَأُمَّ أُمِّ الْأُمِّ يَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَبِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْبُعْدَى مَحْجُوبَةٌ بِالْقُرْبَى وَالْقُرْبَى مَحْجُوبَةٌ بِالْأَبِ. (وَإِذَا اجْتَمَعَ جَدَّتَانِ إحْدَاهُمَا ذَاتُ قَرَابَةٍ) وَاحِدَةٍ (كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ، وَ) وَالْجَدَّةُ (الْأُخْرَى ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ كَأُمِّ أَبِ الْأَبِ وَهِيَ أَيْضًا أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ فَثُلُثُ السُّدُسِ لِذَاتِ الْقَرَابَةِ) الْوَاحِدَةِ (وَثُلُثَاهُ لِلْأُخْرَى) أَيْ الَّتِي هِيَ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُنَصَّفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَتَوْضِيحُهَا أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ ابْنَ ابْنِهَا بِنْتَ بِنْتِهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ جَدَّةٌ لِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أَبِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ فَهِيَ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ، ثُمَّ نَقُولُ: هُنَاكَ امْرَأَةٌ أُخْرَى قَدْ كَانَتْ تُزَوِّجُ بِنْتَهَا ابْنَ الْمَرْأَةِ الْأُولَى فَوُلِدَ مِنْ بِنْتِ الْأُخْرَى ابْنُ ابْنِ الْأُولَى الَّذِي هُوَ أَبُو الْمَيِّتِ فَهَذِهِ الْأُخْرَى أُمُّ أُمِّ أَبِ الْمَيِّتِ فَهِيَ ذَاتُ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَاتَانِ الْمَرْأَتَانِ جَدَّتَانِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اجْتَمَعَتَا فَقَدْ وُجِدَتْ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ مَعَ ذَاتِ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ وَدَلِيلُ الطَّرَفَيْنِ مُبَيَّنٌ فِي شُرُوحِ الْفَرَائِضِ. (وَالْمَحْرُومُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ) كَالرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ (لَا يَحْجُبُ) غَيْرَهُ أَصْلًا لَا حَجْبَ حِرْمَانٍ وَلَا حَجْبَ نُقْصَانٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ (وَالْمَحْجُوبُ بِحَجْبِ الْحِرْمَانِ يَحْجُبُ) غَيْرَهُ (كَمَا مَرَّ فِي الْجَدَّةِ وَكَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ يَحْجُبُهُمْ الْأَبُ وَيَحْجُبُونَ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ) أَمَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلِأَنَّ الْمَحْرُومَ عِنْدَهُ حَاجِبٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ

فصل في العول

أَصْلًا فَكَذَا الْمَحْجُوبُ بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَارِثٍ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْمَحْرُومَ إنَّمَا جَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِيرَاثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَحْجُوبِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ آخَرَ فَيُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ حَتَّى لَا يَرِثَ شَيْئًا وَيُجْعَلُ حَيًّا فِي حَقِّ الْحَجْبِ فَهُوَ وَارِثٌ فِي حَقِّ مَحْجُوبِهِ لَوْلَا حَاجِبُهُ يَحْجُبُهُ. [فَصَلِّ فِي الْعَوْل] ِ هُوَ فِي اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] أَوْ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الْعِيَالِ أَوْ بِمَعْنَى الِارْتِفَاعِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرِ أُخِذَ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْمَخْرَجِ مِنْ أَجْزَاءٍ إذَا ضَاقَ عَنْ فَرْضٍ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَإِذَا زَادَتْ سِهَامُ) أَصْحَابِ الْفَرِيضَةِ عَلَى (الْفَرِيضَةِ فَقَدْ عَالَتْ) الْفَرِيضَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمَخَارِجِ سَبْعَةٌ لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ تِسْعَةٌ سِتَّةٌ لِكُلِّ فَرْضٍ مِنْ الْفُرُوضِ السِّتَّةِ حَالَ الِانْفِرَادِ وَثَلَاثَةٌ لَهَا حَالَ الِاخْتِلَاطِ إلَّا أَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَاحِدٌ وَمَخْرَجَ السُّدُسِ وَاخْتِلَاطِ النِّصْفِ أَيْضًا وَاحِدٌ فَسَقَطَ اثْنَانِ وَبَقِيَ سَبْعَةٌ (وَأَرْبَعَةٌ) مِنْهَا (مَخَارِجُ لَا تَعُولُ) أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَذِهِ الْمَخَارِجِ أَرْبَعَةٌ إمَّا أَنْ يَفِيَ الْمَالُ بِهَا أَوْ يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَيْهَا (الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالثَّمَانِيَةُ) أَمَّا الِاثْنَانِ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ إمَّا نِصْفَانِ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ نِصْفٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ أَوْ أُخْتٍ أَوْ بِنْتٍ وَعَصَبَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعٌ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا إمَّا ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ كَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَإِمَّا ثُلُثٌ، وَمَا بَقِيَ كَأُمٍّ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَعَصَبَةٍ، وَإِمَّا ثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ كَبِنْتَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ وَعَصَبَةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعُ ثُلُثَيْنِ وَثُلُثَيْنِ أَوْ ثُلُثٍ وَثُلُثٍ وَثُلُثَيْنِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا إمَّا رُبُعٌ وَنِصْفٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأُخْتٍ وَعَصَبَةٍ، أَوْ رُبُعٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَعَصَبَةٍ، أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعُ رُبْعَيْنِ وَنِصْفٍ وَأَمَّا الثَّمَانِيَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا إمَّا ثُمُنٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ، أَوْ ثُمُنٌ وَنِصْفٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ. (وَثَلَاثَةٌ) مِنْهَا (تَعُولُ السِّتَّةُ إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِتْرُ وَأَرَادَ بِهِ السَّبْعَةَ وَالتِّسْعَةَ (وَشَفْعًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الشَّفْعُ وَأَرَادَ بِهِ الثَّمَانِيَةَ وَالْعَشَرَةَ مِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةٍ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ زَوْجٌ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ: زَوْجٌ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ وَأُمٌّ أَوْ زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَمِثَالُ

عَوْلِهَا إلَى تِسْعَةٍ: زَوْجٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأُمٌّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أُمٍّ. وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى عَشَرَةٍ: زَوْجٌ وَأُخْتَانِ مِنْ أَبٍ وَأُخْتَانِ مِنْ أُمٍّ وَالْأُمُّ. (وَالِاثْنَيْ عَشَرَ) يَعُولُ (إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْرًا لَا شَفْعًا) وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ مِثَالُ عَوْلِهَا إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأُمٌّ أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ أَوْ زَوْجٌ وَبِنْتَا ابْنٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٌ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَبِنْتَانِ وَأَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَمِثَالُ عَوْلِهَا إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِيَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَجَدَّتَانِ وَثَلَاثُ زَوْجَاتٍ. (وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) تَعُولُ (إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ عَوْلًا وَاحِدًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْمِنْبَرِيَّةِ) وَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ تَعُولُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ (وَهِيَ امْرَأَةٌ وَبِنْتَانِ وَأَبَوَانِ) وَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بِالْمِنْبَرِيَّةِ مَذْكُورٌ فِي شُرُوحِ الْفَرَائِضِ. (وَالرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ) إذْ بِالْعَوْلِ يُنْتَقَضُ سِهَامُ ذَوِي الْفُرُوضِ وَيَزْدَادُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَبِالرَّدِّ يَزْدَادُ السِّهَامُ وَيُنْتَقَضُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ (بِأَنْ لَا تَسْتَغْرِقَ السِّهَامُ الْفَرِيضَةَ مَعَ عَدَمِ) الْمُسْتَحِقِّ مِنْ (الْعَصَبَةِ فَيُرَدُّ الْبَاقِي عَلَى ذَوِي السِّهَامِ) الْفَرِيضَةِ (سِوَى الزَّوْجَيْنِ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَيْ جُمْهُورُهُمْ

وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يُرَدُّ الْفَاضِلُ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بَلْ هُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يُرَدُّ عَلَى ثَلَاثَةٍ الزَّوْجَيْنِ وَالْجَدِّ. (فَإِنْ كَانَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَاحِدًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) كَبِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ أَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ صَارَا كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَجَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ التَّرِكَةِ، وَكَذَا الْجَدَّتَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتَيْنِ أَنْ تَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبَوَيْنِ. (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (جِنْسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ جِنْسَيْنِ (فَمِنْ عَدَدِ سِهَامِهِمْ) أَيْ تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عَدَدِ سِهَامِهِمْ أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ سِهَامِ هَؤُلَاءِ الْمُجْتَمِعِينَ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَخْرَجِ الْمَسْأَلَةِ (فَمِنْ اثْنَيْنِ) أَيْ تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ (لَوْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ سُدُسَانِ) كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حِينَئِذٍ مِنْ سِتَّةٍ وَلَهُمَا مِنْهَا اثْنَانِ بِالْفَرِيضَةِ فَاجْعَلْ الِاثْنَيْنِ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. (وَ) تُجْعَلُ (مِنْ ثَلَاثَةٍ لَوْ) كَانَ فِيهَا (سُدُسٌ وَثُلُثٌ) كَوَلَدَيْ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ أَوْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ أَوْ أُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ. (وَ) تُجْعَلُ (مِنْ أَرْبَعَةٍ لَوْ) كَانَ فِيهَا (سُدُسٌ وَنِصْفٌ) كَبِنْتٍ وَبَنَاتِ ابْنٍ أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَوْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ مَعَ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ مِنْ الْإِنَاثِ. (وَ) تُجْعَلُ (مِنْ خَمْسَةٍ لَوْ) كَانَ فِيهَا (ثُلُثٌ وَنِصْفٌ) كَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَكَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُمٍّ (أَوْ سُدُسَانِ وَنِصْفٌ) كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ (أَوْ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ) كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ فَالْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ وَالسِّهَامُ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهَا خَمْسَةٌ، فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ سَهْمَانِ وَقِسْ عَلَيْهَا سَائِرَهَا. (فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَوَّلِ) الظَّاهِرُ بِالْوَاوِ أَيْ مَعَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) كَالزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ (أُعْطِيَ فَرْضَهُ) أَيْ فَرْضَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ ثُمَّ قُسِمَ الْبَاقِي) مِنْ ذَلِكَ الْمُخْرَجِ (عَلَى) عَدَدِ (رُءُوسِهِمْ) أَيْ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَعْنِي ذَلِكَ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَمَا كُنْت تَقْسِمُ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ إذَا انْفَرَدُوا عَمَّنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (فَإِنْ اسْتَقَامَ) الْبَاقِي عَلَيْهِمْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ هِيَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى ضَرْبٍ (كَزَوْجٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ) لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ فَأَعْطِهِ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ الرُّبُعَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا أَخَذَ رُبُعَهُ وَهُوَ سَهْمٌ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَاسْتَقَامَ عَلَى رُءُوسِ الْبَنَاتِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ الْبَاقِي عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ (فَإِنْ وَافَقَ) رُءُوسُهُمْ ذَلِكَ الْبَاقِيَ فَمَا حَصَلَ تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ (ضَرَبَ وَفْقَ رُءُوسِهِمْ) أَيْ رُءُوسِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ (فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَزَوْجٍ وَسِتِّ بَنَاتٍ) فَإِنَّ أَقَلَّ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا أَعْطَيْت الزَّوْجَ

وَاحِدًا مِنْهَا بَقِيَ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ السِّتِّ لَكِنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَيَضْرِبُ وَفْقَ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ اثْنَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً فَلِلزَّوْجِ مِنْهَا اثْنَانِ وَلِلْبَنَاتِ سِتَّةٌ. (وَإِنْ بَايَنَ) رُءُوسُهُمْ ذَلِكَ الْبَاقِيَ (ضَرَبَ كُلَّ رُءُوسِهِمْ) أَيْ رُءُوسَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ (فِيهِ) أَيْ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (كَزَوْجٍ وَخَمْسِ بَنَاتٍ) أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِاجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالثُّلُثَيْنِ لَكِنَّهَا يُرَدُّ مِثْلُهَا إلَى الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مَخَارِجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِذَا أَعْطَيْنَا الزَّوْجَ هَهُنَا وَاحِدًا مِنْهَا بَقِيَ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْبَنَاتِ الْخَمْسِ بَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَدَدِ الرُّءُوسِ مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا كُلَّ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَيْ الْأَرْبَعَةِ فَحَصَلَ عِشْرُونَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ، كَانَ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ خَمْسَةٌ فَكَانَ خَمْسَةً فَأَعْطَيْنَاهُ إيَّاهَا، وَكَانَ لِلْبَنَاتِ ثَلَاثَةٌ ضَرَبْنَاهَا فِي الْخَمْسِ حَصَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةٌ. (وَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّانِي) أَيْ مَعَ اجْتِمَاعِ جِنْسَيْنِ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قُسِمَ الْبَاقِي) مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ (عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَقَامَ) فَبِهَا (كَزَوْجَةٍ وَأَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَسِتِّ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ) فَإِنَّ أَقَلَّ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ وَاحِدًا مِنْهَا بَقِيَ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ هَهُنَا مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَحَقُّ الْجَدَّاتِ السُّدُسُ فَلِلْأَخَوَاتِ سَهْمَانِ وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ وَاحِدٌ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ اسْتَقَامَ الْبَاقِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي شُرُوحِ الْفَرَائِضِ فَلْيُطَالَعْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (ضَرَبَ جَمِيعَ مَسْأَلَتِهِمْ) أَيْ مَسْأَلَةَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ (فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) فَالْمَبْلَغُ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مَخْرَجُ فَرْضِ الْفَرِيقَيْنِ (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَتِسْعِ بَنَاتٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ) فَإِنَّ أَقَلَّ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فَإِذَا دَفَعْنَاهُ ثُمُنَهَا إلَى الزَّوْجَاتِ بَقِيَ سَبْعَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ بَلْ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَيَضْرِبُ جَمِيعَ مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَعْنِي الْخَمْسَةَ فِي مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فَيَبْلُغُ أَرْبَعِينَ فَهَذَا الْمَبْلَغُ مَخْرَجُ فُرُوضِ الْفَرِيقَيْنِ، فَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ حِصَّةَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ فُرُوضِهِمَا فَطَرِيقُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ يَضْرِبُ سِهَامَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِهِ (فِي مَسْأَلَةِ

فصل في ذوي الأرحام

مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) فَيَكُونُ الْحَاصِلُ نَصِيبَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ. (وَ) يَضْرِبُ (سِهَامَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ (فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) فَيَكُونُ الْحَاصِلُ نَصِيبَ ذَلِكَ الْفَرِيقِ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ فَرِيقٍ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ وَاحِدٌ فَإِذَا ضَرَبْنَاهُ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَانَ الْحَاصِلُ خَمْسَةً فَهِيَ حَقُّ الزَّوْجَاتِ مِنْ أَرْبَعِينَ وَلِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ بَلَغَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهِيَ لَهُنَّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَلِلْجَدَّاتِ وَاحِدٌ فَإِذَا ضَرَبْنَاهُ فِي السَّبْعَةِ كَانَ سَبْعَةً فَهِيَ لِلْجَدَّاتِ قَدْ اسْتَقَامَ بِهَذَا الْعَمَلِ فَرْضُ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفَرْضُ كُلِّ فَرِيقٍ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ انْكَسَرَ السِّهَامُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ مَخْرَجِ فُرُوضِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ الْجَمِيعِ (وَتُصَحَّحُ) الْمَسْأَلَةُ (بِالْأُصُولِ الْآتِيَةِ) . [فَصَلِّ فِي ذَوِي الْأَرْحَام] (ذُو الرَّحِمِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ مُطْلَقًا. وَفِي الشَّرِيعَةِ (قَرِيبٌ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَلَا ذِي سَهْمٍ) مُقَدَّرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ أَوْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ (وَيَرِثُ) ذُو الرَّحِمِ (كَمَا تَرِثُ الْعَصَبَةُ عِنْدَ عَدَمِ ذِي السَّهْمِ) وَعَدَمِ الْعَصَبَةِ إلَّا إذَا كَانَ ذُو السَّهْمِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَيَرِثُ مَعَهُ بَعْدَ أَخْذِ فَرْضِهِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي بِعَدَمِ ذِي السَّهْمِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ لَكَانَ أَصْوَبَ (فَمَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمْ) فَمِنْهُمْ لَيْسَ بِصِلَةٍ انْفَرَدَ بَلْ بَيَانٌ لِمَنْ (أَحْرَزَ جَمِيعَ الْمَالِ) . كَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ أَيْ أَكْثَرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يَرَوْنَ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ وَيُوضَعُ الْمَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] أَيْ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍ بِالنَّقْلِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» وَرُوِيَ «أَنَّ ثَابِتَ بْنَ دَحْدَاحٍ مَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ: هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا؟ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ فِينَا غَرِيبًا فَلَا نَعْرِفُ لَهُ إلَّا ابْنَ أُخْتٍ هُوَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مِيرَاثَهُ لَهُ» . وَلِأَنَّ أَصْلَ الْقَرَابَةِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْقَرَابَةَ أَبْعَدُ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَاتِ فَتَأَخَّرَتْ عَنْهَا، وَالْمَالُ مَتَى كَانَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ ابْنُ شُرَيْحٍ خَالَفُوهُ وَذَهَبُوا إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فُقَهَائِهِمْ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ الْمَصَارِفِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَيُرَجَّحُونَ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ثُمَّ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ) ؛ لِأَنَّ إرْثَهُمْ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ وَمَنْ لَهُ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ عَلَى غَيْرِهِ فِي كُلِّ صِنْفٍ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ (ثُمَّ بِكَوْنِ الْأَصْلُ وَارِثًا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ) إذَا اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ، فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ كَبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْبِنْتِ وَابْنِ بِنْتِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ بِدَلِيلِ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَالْمُدْلِي بِجِهَتَيْنِ أَوْلَى كَبَنِي الْأَعْيَانِ مَعَ بَنِي الْعِلَّاتِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ) جِهَةُ الْقَرَابَةِ (فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَرَابَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ) ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَقْوَى فَيَكُونُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، مِثَالُهُ أَبُو أُمِّ الْأَبِ وَأَبُو أَبِ الْأُمِّ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ (ثُمَّ يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ فِي كُلِّ فَرِيقٍ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِأَبِي الْمَيِّتِ جَدَّانِ مِنْ جِهَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لِأُمِّهِ فَلِقَوْمِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَوْمِ الْأُمِّ الثُّلُثُ ثُمَّ مَا أَصَابَ قَوْمُ الْأَبِ ثُلُثَاهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَثُلُثُهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ قَوْمُ الْأُمِّ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ أَيْضًا مِثَالُهُ أَبُو أُمِّ أَبِي الْأَبِ وَأَبُو أَبِي أُمِّ الْأَبِ وَأَبُو أُمِّ أَبِي الْأُمِّ وَأَبُو أَبِي أُمِّ الْأُمِّ (وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقُرْبِ وَالْقُوَّةِ وَالْجِهَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَوَارِيثِ تَفْضِيلُ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى وَإِنَّمَا تُرِكَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ لِلنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. (وَتُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ) الْمُتَسَاوِيَةِ الدَّرَجَاتِ (إنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ) فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَابْنِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْبِنْتِ لِإِدْلَاءِ كُلِّهِمْ بِوَارِثٍ. (وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَتْ) صِفَةُ الْأُصُولِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ كَبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِخُلُوِّهِمْ عَنْ وَلَدِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَتْ الْفُرُوعُ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ تَسَاوَوْا فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ صِفَاتُ أُصُولِهِمْ أَصْلًا وَهُوَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُؤْخَذُ الصِّفَةُ مِنْ الْأُصُولِ وَالْعَدَدُ مِنْ الْفُرُوعِ وَيُقْسَمُ) الْمَالُ (عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ) أَيْ اخْتِلَافُ الْأُصُولِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (ثُمَّ يَجْعَلُ الذُّكُورَ) مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ (عَلَى حِدَةٍ) وَيَجْعَلُ (الْإِنَاثَ عَلَى حِدَةٍ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (فَيَقْسِمُ نَصِيبَ كُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ) فِيمَا بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ (دَفَعَ حِصَّةَ كُلِّ أَصْلٍ إلَى فَرْعِهِ) . وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَشَرْحِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ إنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ مُوَافِقًا لَهُمَا، وَتُعْتَبَرُ الْأُصُولُ إنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُمْ وَيُعْطِي الْفُرُوعَ مِيرَاثَ الْأُصُولِ مُخَالِفًا لَهُمَا كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتٍ عِنْدَهُمَا الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ أَيْ أَبْدَانِ الْفُرُوعِ وَصِفَاتِهِمْ فَثُلُثُ الْمَالِ لِابْنِ الْبِنْتِ وَثُلُثُهُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَةَ الْأُصُولِ مُتَّفِقَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ وَابْنَ بِنْتِ بِنْتٍ عِنْدَهُمَا الْمَالُ بَيْنَ الْفُرُوعِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ ثُلُثَاهُ لِلذَّكَرِ وَثُلُثُهُ لِلْأُنْثَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَالُ بَيْنَ الْأُصُولِ أَعْنِي فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَثْلَاثًا لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ نَصِيبُ أَبِيهَا وَثُلُثُهُ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ نَصِيبُ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ بُطُونٌ مُخْتَلِفَةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ فِي الْأُصُولِ ثُمَّ تُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمَا أَصَابَ لِلذُّكُورِ مِنْ أَوَّلِ بَطْنٍ وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ يَجْمَعُ وَيُعْطِي فُرُوعَهُمْ بِسَحْبِ صِفَاتِهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فُرُوعِهِمْ مِنْ الْأُصُولِ اخْتِلَافٌ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأُصُولِ اخْتِلَافٌ يُجْمَعُ مَا أَصَابَ الذُّكُورُ وَيُقْسَمُ عَلَى أَعْلَى الْخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ فِي أَوْلَادِهِمْ، وَيَجْعَلُ الذُّكُورَ هَهُنَا أَيْضًا طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ الْإِنَاثَ يُعْطِي فُرُوعَهُنَّ إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ الْأُصُولُ الَّتِي بَيْنَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ يَجْمَعُ مَا أَصَابَ لَهُنَّ وَيَقْسِمُ عَلَى أَعْلَى الْخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ فِي أَوْلَادِهِنَّ وَهَكَذَا يَعْمَلُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ وَتَمَامُهُ فِيهِمَا إنْ شِئْت فَلْيُرَاجَعْ (وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَبِي يُوسُفَ (يُفْتَى) . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي. (وَيُقَدِّمُ جُزْءَ الْمَيِّتِ) أَيْ وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فَيُقَدِّمُ فُرُوعَهُ (وَهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلْنَ ثُمَّ) يُقَدِّمُ (أَصْلَهُ) أَيْ أَصْلَ الْمَيِّتِ (وَهُمْ الْأَجْدَادُ الْفَاسِدُونَ) وَإِنْ عَلَوْا كَأَبِي أُمِّ الْمَيِّتِ وَأَبِي أُمِّهِ (وَالْجَدَّاتُ الْفَاسِدَاتُ)

فصل في ميراث الغرقى والهدمى

وَإِنْ عَلَوْنَ كَأُمِّ أَبِي أُمِّ الْمَيِّتِ وَأُمِّ أُمِّ أَبِي أُمِّهِ (ثُمَّ) يُقَدِّمُ (جُزْءَ أَبِيهِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ) وَإِنْ سَفَلُوا سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْأَوْلَادُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَأَوْلَادُ الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ) وَإِنْ سَفَلْنَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُخُوَّةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (ثُمَّ) يُقَدِّمُ (جُزْءَ جَدِّهِ وَهُمْ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْأَعْمَامُ لِأُمٍّ) فَإِنَّهُمْ إخْوَةٌ لِأَبِيهِ مِنْ أُمِّهِ وَاعْتُبِرَ فِيهِمْ كَوْنُهُمْ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ عَصَبَةٌ (وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ) مُطْلَقًا (ثُمَّ أَوْلَادَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ جُزْءَ جَدِّ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَهُمْ عَمَّاتُ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَخَالَاتُهُمَا وَأَخْوَالُهُمَا وَأَعْمَامُ الْأَبِ لِأُمٍّ وَأَعْمَامُ الْأُمِّ وَبَنَاتُ أَعْمَامِهِمَا وَأَوْلَادُ أَعْمَامِ الْأُمِّ) فَإِنَّ جَمِيعَهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ أَقْرَبَ الْأَصْنَافِ إلَى الْمَيِّتِ وَأَقْدَمَهُمْ فِي الْوِرَاثَةِ عَنْهُ هُوَ الصِّنْفُ الثَّانِي وَهُمْ السَّاقِطُونَ مِنْ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ ثُمَّ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ الثَّالِثُ وَإِنْ نَزَلُوا ثُمَّ الرَّابِعُ وَإِنْ بَعُدُوا وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّ أَقْرَبَ الْأَصْنَافِ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ ثُمَّ الرَّابِعُ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلْفَتْوَى وَعِنْدَهُمَا الثَّالِثُ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وَتَمَامُهُ مُبَيَّنٌ فِي شُرُوحِ الْفَرَائِضِ فَلْيُطَالَعْ. [فَصَلِّ فِي مِيرَاث الْغَرْقَى والهدمى] فَصَلِّ (وَالْغَرْقَى) جَمْعُ الْغَرِيقِ (وَالْهَدْمَى) أَيْ الطَّائِفَةُ الَّتِي هُدِمَ عَلَيْهِمْ جِدَارٌ أَوْ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ الْحَرْقَى (إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا) كَمَا إذَا غَرِقُوا فِي السَّفِينَةِ مَعًا أَوْ وَقَعُوا فِي النَّارِ دَفْعَةً أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ جِدَارٌ أَوْ سَقْفُ بَيْتٍ عِيَاذًا بِهِ تَعَالَى أَوْ قُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ التَّقَدُّمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي مَوْتِهِمْ جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا مَعًا (يُقْسَمُ مَالُ كُلٍّ عَلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَلَا يَرِثُ بَعْضُ) هَؤُلَاءِ (الْأَمْوَاتِ مِنْ بَعْضٍ) . هَذَا

هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعَلِيٍّ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِرْثَ يُبْتَنَى عَلَى التَّيَقُّنِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمَّا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَثْبُتْ الْإِرْثُ بِالشَّكِّ. وَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لَيْلَى يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إلَّا مِمَّنْ وَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ صُورَتُهُ رَجُلٌ وَابْنُهُ انْهَدَمَ الْحَائِطُ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا امْرَأَةٌ وَابْنٌ وَتَرَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ تَرِكَتُهُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَابْنِهِ الْحَيِّ، وَكَذَا تَرِكَةُ الِابْنِ إنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةُ أَبِيهِ أُمَّهُ وَإِنْ كَانَتْ فَيُزَادُ لَهَا الثُّلُثُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِلزَّوْجَةِ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ الثُّمُنُ وَالْبَاقِي بَيْنَ ابْنِهِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِالسَّوِيَّةِ فَيُصِيبُ الْمَيِّتَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَمَّا تَرِكَةُ الِابْنِ فَلِزَوْجَتِهِ مِنْهَا الثُّمُنُ وَلِأَبِيهِ السُّدُسُ وَلِزَوْجَةِ أَبِيهِ إنْ كَانَتْ أُمَّهُ أَيْضًا السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ فِي الْحَالَيْنِ فَمَا أَصَابَ أَبَاهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهُوَ دِينَارٌ وَثُلُثَا دِينَارٍ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَةِ أَبِيهِ سِوَى الِابْنِ الْمَيِّتِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَهُوَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ سِوَى الْأَبِ الْمَيِّتِ. (وَإِنْ اجْتَمَعَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ أَعْطَى السُّدُسَ) لَهُ (فَرْضًا ثُمَّ اقْتَسَمَا) أَيْ ابْنَا الْعَمِّ (الْبَاقِيَ عُصُوبَةً) كَمَا مَرَّ. (وَلَا يَرِثُ الْمَجُوسِيُّ بِالْأَنْكِحَةِ الْبَاطِلَةِ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحَارِمِ لَا يَرِثُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ. (وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَجُوسِيِّ (قَرَابَتَانِ لَوْ انْفَرَدَا) وَالظَّاهِرُ لَوْ انْفَرَدَتَا (فِي شَخْصَيْنِ وَرِثَا) أَيْ الشَّخْصَانِ (بِهِمَا) أَيْ بِالْقَرَابَتَيْنِ (وَيَرِثُ) ذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ فِيهِ قَرَابَتَانِ (بِهِمَا) أَيْ بِالْقَرَابَتَيْنِ (وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ (تَحْجُبُ الْأُخْرَى يَرِثُ بِالْحَاجِبَةِ) يَعْنِي لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي الْمَجُوسِيِّ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ حَجَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى

فصل في المناسخة

يَرِثُ بِالْحَاجِبَةِ وَإِنْ لَمْ تَحْجُبْ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ. (وَيُوقَفُ لِلْحَمْلِ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ) وَ (هُوَ الْمُخْتَارُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الْمُعْتَادِ الْغَالِبِ أَنْ لَا تَلِدَ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا فَيُبْنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَصِيبُ ابْنَيْنِ) . وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُوقَفُ نَصِيبُ ثَلَاثَةِ بَنِينَ رَوَاهُ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي شُرُوحِ الْأَصْلِ وَلَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ نَصِيبُ ابْنَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَوَاهُ عَنْهُ هِشَامٌ وَرَوَى الْخَصَّافُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَصِيبَ ابْنٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمَتْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكَانَ أَوْلَى وَعِنْدَ الْإِمَامِ نَصِيبُ أَرْبَعَةِ بَنِينَ (فَإِنْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ) أَيْ أَكْثَرُ الْحَمْلِ (حَيًّا وَمَاتَ وَرِثَ) لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ كُلُّهُ حَيًّا. (وَإِنْ) خَرَجَ (أَقَلُّهُ) وَظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ ثُمَّ مَاتَ (فَلَا) يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ أَكْثَرُهُ مَيِّتًا فَكَأَنَّهُ خَرَجَ كُلُّهُ مَيِّتًا، وَإِنْ خَرَجَ مُسْتَقِيمًا وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ رَأْسُهُ أَوَّلًا فَالْمُعْتَبَرُ صَدْرُهُ يَعْنِي إذَا خَرَجَ صَدْرُهُ كُلُّهُ وَإِنْ خَرَجَ مَنْكُوسًا وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ رِجْلُهُ أَوَّلًا فَالْمُعْتَبَرُ سُرَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ السُّرَّةُ لَمْ يَرِثْ. [فَصَلِّ فِي الْمُنَاسَخَة] (الْمُنَاسَخَةُ) هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسْخِ بِمَعْنَى النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَالْمُرَادُ بِهَا هَهُنَا أَنْ يُنْقَلَ نَصِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَى مَنْ يَرِثُ مِنْهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (أَنْ يَمُوتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) فَإِنْ كَانَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ عِدَادِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقِسْمَةِ تَغَيُّرٌ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الْمَالُ حِينَئِذٍ قِسْمَةً وَاحِدَةً إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهَا كَمَا إذَا تَرَكَ بَنِينَ وَبَنَاتَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ وَلَا وَارِثَ لَهَا سِوَى تِلْكَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ مَجْمُوعُ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْبَاقِينَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً كَمَا كَانَتْ، يُقْسَمُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمَيِّتَ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَنِينَ، وَإِنْ وَقَعَ تَغَيُّرٌ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْبَاقِينَ كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنًا مِنْ امْرَأَةٍ وَثَلَاثَ بَنَاتٍ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ

وَخَلَفَتْ هَؤُلَاءِ أَعْنِي الْأَخَ لِأَبٍ وَالْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ كَانَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي غَيْرَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأُمٍّ فَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ قَبْلَهَا أَيْضًا عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ وَجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي مَاتَتْ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَتْ هَذِهِ الْجَدَّةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ (فَصَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى) وَيُعْطَى سِهَامُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ هَذَا التَّصْحِيحِ (ثُمَّ) صَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ (الثَّانِيَةَ) وَتَنْظُرُ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ هِيَ: الْمُمَاثَلَةُ، وَالْمُوَافَقَةُ، وَالْمُبَايَنَةُ. (فَإِنْ اسْتَقَامَ) بِسَبَبِ الْمُمَاثَلَةِ (نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي) مِنْ فَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ (عَلَى مَسْأَلَتِهِ) فَبِهَا وَنِعْمَتْ؛ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ الْأَوَّلَ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ وَالتَّصْحِيحُ الثَّانِي هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ رُءُوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِ ثَمَّةَ، وَمَا فِي يَدِ الْمَيِّتِ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ سِهَامِهِمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَفِي صُورَةِ الِاسْتِقَامَةِ تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا اثْنَا عَشَرَ فَإِذَا أَخَذَ الزَّوْجُ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَالْبِنْتُ سِتَّةً وَالْأُمُّ اثْنَيْنِ بَقِيَ مِنْهَا وَاحِدٌ يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْبِنْتِ وَالْأُمِّ بِقَدْرِ سِهَامِهِمَا فَإِذَا رَدَدْنَا الْمَسْأَلَةَ إلَى أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ صَارَتْ أَرْبَعَةً، فَإِذَا أَخَذَ الزَّوْجُ مِنْهَا وَاحِدًا بَقِيَ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ سِهَامُ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَيَضْرِبُ هَذِهِ السِّهَامَ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرُّءُوسِ فِي ذَلِكَ الْأَقَلِّ فَيَحْصُلُ سِتَّةَ عَشَرَ فَلِلزَّوْجِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ تِلْكَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هِيَ لِلزَّوْجِ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى وَرَثَتِهِ الْمَذْكُورِينَ فَلِزَوْجَتِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَلِأُمِّهِ ثُلُثُ مَا يَبْقَى وَهُوَ أَيْضًا وَاحِدٌ، وَلِأَبِيهِ اثْنَانِ فَاسْتَقَامَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّصْحِيحِ الثَّانِي وَصَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ فَرِيضَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ (فَاضْرِبْ وَفْقَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي فِي) جَمِيعِ (التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ إنْ وَافَقَ نَصِيبُهُ مَسْأَلَتَهُ) ؛ لِأَنَّ فِي التَّصْحِيحِ إذَا انْكَسَرَ سِهَامُ طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِمْ وَكَانَ بَيْنَ سِهَامِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ مُوَافَقَةٌ يَضْرِبُ وَفْقَ عَدَدِ الرُّءُوسِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَكَذَا هُنَا يَضْرِبُ وَفْقَ التَّصْحِيحِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرُّءُوسِ هُنَاكَ فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ الْقَائِمِ هُنَا مَقَامَ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ كَمَا إذَا مَاتَتْ الْبِنْتُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ وَخَلَفَتْ كَمَا ذُكِرَ ابْنَيْنِ وَبِنْتًا وَجَدَّةً فَإِنَّ مَا فِي يَدِهَا فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ تِسْعَةً وَتَصْحِيحُ مَسْأَلَتِهَا سِتَّةٌ وَبَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَيَضْرِبُ ثُلُثَ السِّتَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي سِتَّةَ عَشَرَ فَالْمَبْلَغُ وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ نَصِيبُهُ مَسْأَلَتَهُ (فَاضْرِبْ كُلَّ) التَّصْحِيحِ (الثَّانِي فِي) كُلِّ التَّصْحِيحِ (الْأَوَّلِ) عَلَى قِيَاسِ مَا فِي بَابِ التَّصْحِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُبَايَنَةِ بَيْنَ رُءُوسِ الطَّائِفَةِ وَبَيْنَ سِهَامِهِمْ

(فَالْحَاصِلُ مِنْ الضَّرْبِ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ) كَمَا إذَا مَاتَتْ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ الْجَدَّةُ الَّتِي هِيَ أُمُّ الْمَرْأَةِ الْمُتَوَفَّاةِ أَوَّلًا وَخَلَفَتْ زَوْجًا وَأَخَوَيْنِ فَإِنَّ مَا فِي يَدِهَا تِسْعَةً كَمَا عَرَفْت آنِفًا، وَتَصْحِيحُ مَسْأَلَتِهَا أَرْبَعَةٌ، وَبَيْنَ التِّسْعَةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُبَايَنَةٌ فَاضْرِبْ حِينَئِذٍ الْأَرْبَعَةَ فِي التَّصْحِيحِ السَّابِقِ أَعْنِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَهِيَ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي السَّيِّدِ الشَّرِيفِ (ثُمَّ اضْرِبْ سِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَتِهِ (فِي وَفْقِ التَّصْحِيحِ الثَّانِي) عَلَى تَقْدِيرِ الْمُوَافَقَةِ (أَوْ فِي كُلِّهِ) عَلَى تَقْدِيرِ الْمُبَايَنَةِ فَيَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْمَضْرُوبِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ، وَالسَّبَبُ أَنَّ التَّصْحِيحَ الثَّانِيَ وَوَفْقَهُ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ الضُّرُوبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَمَّةَ (وَ) اضْرِبْ (سِهَامَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي) مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَتِهِ (فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهِ) عَلَى تَقْدِيرِ الْمُوَافَقَةِ (أَوْ فِي كُلِّهِ) عَلَى تَقْدِيرِ الْمُبَايَنَةِ (فَمَا خَرَجَ فَهُوَ) أَيْ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ (نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ) لِأَنَّ حَقَّ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ فِيمَا فِي يَدِهِ فَصَارَ سِهَامُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَضْرُوبَةً فِيهِ. (فَإِنْ مَاتَ ثَالِثٌ) مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (فَاجْعَلْ الْمَبْلَغَ) الَّذِي صَحَّ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ (مَكَانَ الْأُولَى وَالثَّالِثَ مَكَانَ الثَّانِي) فِي الْعَمَلِ، كَأَنَّ الْمَيِّتَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي صَارَا مَيِّتًا وَاحِدًا فَيَصِيرُ الْمَيِّتُ الثَّالِثُ مَيِّتًا ثَانِيًا. (وَكَذَا تَفْعَلُ إنْ مَاتَ رَابِعٌ أَوْ خَامِسٌ وَهَلُمَّ جَرَّا) إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ تَصْحِيحُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ تَصْحِيحًا وَاحِدًا صَارُوا كُلُّهُمْ مَيِّتًا وَاحِدًا فَيَصِيرُ الْمَيِّتُ الرَّابِعُ مَيِّتًا ثَانِيًا، وَكَذَا الْحَالُ إذَا صَارَ تَصْحِيحُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمَوْتَى تَصْحِيحًا وَاحِدًا كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَيِّتٍ وَاحِدٍ فَصَارَ الْخَامِسُ مَيِّتًا ثَانِيًا وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَتَفْصِيلُ هَذَا الْبَابِ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلسَّيِّدِ فَلْيُرَاجَعْ.

حساب الفرائض

[حِسَاب الْفَرَائِض] (الْفُرُوضُ) السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى (نَوْعَانِ) عَلَى التَّنْصِيفِ إنْ بَدَأْت بِالْأَكْثَرِ، أَوْ عَلَى التَّضْعِيفِ إنْ بَدَأْت بِالْأَقَلِّ فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا نَوْعٌ وَثَلَاثَةٌ أُخْرَى نَوْعٌ آخَرُ (الْأَوَّلُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ النِّصْفِ (وَهُوَ الرُّبُعُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ) أَيْ نِصْفُ الرُّبُعِ (وَهُوَ الثُّمُنُ وَ) النَّوْعُ (الثَّانِي الثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثَيْنِ (وَهُوَ الثُّلُثُ وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا) أَيْ نِصْفُ نِصْفِ الثُّلُثَيْنِ (وَهُوَ السُّدُسُ فَالنِّصْفُ يَخْرُجُ مِنْ اثْنَيْنِ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ) فَإِنَّ لِمَخْرَجِ كُلِّ فَرْضٍ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوضِ سَمِيَّهُ مِنْ الْأَعْدَادِ إذْ الرُّبُعُ سَمِيُّهُ الْأَرْبَعَةُ. وَكَذَا الْبَاقِي إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ وَالِاثْنَانِ لَيْسَ سَمِيًّا لِلنِّصْفِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْأَلَةِ النِّصْفِ فَقَطْ كَمَا فِيمَنْ خَلَّفَ بِنْتًا وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَهِيَ مِنْ اثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا الرُّبُعُ وَحْدَهُ كَمَا فِيمَنْ تَرَكَتْ الزَّوْجَ مَعَ الِابْنِ كَانَتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا الثُّمُنُ فَقَطْ كَمَا فِيمَنْ تَرَكَ الزَّوْجَةَ وَالِابْنَ كَانَتْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا الثُّلُثُ وَحْدَهُ كَمَا إذَا تَرَكَ أُمًّا وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا الثُّلُثَانِ فَقَطْ كَمَا إذَا تَرَكَ بِنْتَيْنِ وَعَمًّا فَهِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا السُّدُسُ فَقَطْ كَمَا إذَا تَرَكَ أَبًا وَابْنًا فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ. (وَإِنْ اخْتَلَطَ النِّصْفُ) مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ (بِالنَّوْعِ الثَّانِي) كُلِّهِ أَيْ بِالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَمَا إذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ (أَوْ) اخْتَلَطَ (بِبَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ النَّوْعِ الثَّانِي كَمَا إذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ بِالثُّلُثِ فَقَطْ أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ فَقَطْ أَوْ بِالسُّدُسِ وَحْدَهُ أَوْ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مَعًا أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ مَعًا أَوْ بِالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ مَعًا (فَمِنْ سِتَّةٍ) أَيْ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَكِلَاهُمَا دَاخِلَانِ فِي السِّتَّةِ فَهِيَ مَخْرَجُ النِّصْفِ الْمُخْتَلِطِ بِفُرُوضِ النَّوْعِ الثَّانِي عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَأَيْضًا بَيْنَ مَخْرَجِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مُبَايَنَةٌ فَإِذَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَصَلَ سِتَّةٌ فَهِيَ مَخْرَجٌ لَهُمَا. (أَوْ) اخْتَلَطَ (الرُّبُعُ) مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي كَمَا إذَا خَلَّفَ زَوْجَةً وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالثُّلُثَيْنِ فَقَطْ أَوْ بِالثُّلُثِ فَقَطْ أَوْ بِالسُّدُسِ

فَقَطْ أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ مَعًا أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ أَوْ بِالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ مَعًا (فَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي هُوَ السِّتَّةُ وَقَدْ دَخَلَ فِيهَا مَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَاكْتَفَيْنَا بِهَا مَخْرَجًا لِلْكُلِّ. (أَوْ) اخْتَلَطَ (الثُّمُنُ) مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِكُلِّ الثَّانِي هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِنَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ كَمَا قُرِّرَ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا إذَا اخْتَلَطَ بِالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ أَوْ بِالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ عَلَى رَأْيِهِ أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ عَلَى رَأْيِهِ أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ فَقَطْ أَوْ بِالسُّدُسِ فَقَطْ أَوْ بِالثُّلُثِ فَقَطْ (فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي هُوَ السِّتَّةُ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا مَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا لِمَا عَرَفْت وَبَيْنَ السِّتَّةِ وَمَخْرَجِ الثُّمُنِ أَعْنِي الثَّمَانِيَةَ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا نِصْفَ أَحَدَيْهِمَا فِي كُلِّ الْأُخْرَى فَحَصَلَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَيْضًا بَيْنَ مَخْرَجِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَمَخْرَجِ الثُّمُنِ مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا الْكُلَّ فِي الْكُلِّ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَيْضًا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَمِنْهَا تَخْرُجُ الْفُرُوضُ الْمُخْتَلِطَةُ بِالثُّمُنِ. (وَإِذَا انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ ذَلِكَ الْفَرِيقِ (وَبَايَنَتْ سِهَامُهُمْ) أَيْ سِهَامَ مَنْ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ (عَدَدَهُمْ فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ) أَيْ كُلَّ عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ السِّهَامُ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) إنْ لَمْ تَكُنْ عَائِلَةً وَفِي أَصْلِهَا مَعَ عَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً (كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهَا وَاحِدًا بَقِيَ ثَلَاثَةٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْأَخَوَيْنِ وَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا الِاثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَحَصَلَ ثَمَانِيَةٌ فَلِلْمَرْأَةِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهَا فِي الِاثْنَيْنِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَالِاثْنَانِ لَهَا وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ ضَرَبْنَاهَا فِي الِاثْنَيْنِ فَحَصَلَ سِتَّةٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا

(وَإِنْ وَافَقَ سِهَامُهُمْ عَدَدَهُمْ فَاضْرِبْ وَفْقَ عَدَدِهِمْ) أَيْ عَدَدِ رُءُوسِ مَنْ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ السِّهَامُ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) إنْ لَمْ تَكُنْ عَائِلَةً، وَفِي أَصْلِهَا مَعَ عَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً (كَامْرَأَةٍ وَسِتَّةِ إخْوَةٍ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ وَإِذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ وَاحِدًا مِنْهَا يَبْقَى ثَلَاثَةٌ وَلَا تَسْتَقِيمُ عَلَى السِّتَّةِ وَبَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَضَرَبْنَا وَفْقَ عَدَدِهِمْ وَهُوَ اثْنَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً كَانَ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ فَضُرِبَ فِي اثْنَيْنِ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَلِلْإِخْوَةِ ثَلَاثَةٌ فَضَرَبَ فِي اثْنَيْنِ فَيَكُونُ سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ. (وَإِنْ انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَتَمَاثَلَتْ أَعْدَادُ رُءُوسِهِمْ فَاضْرِبْ أَحَدَ الْأَعْدَادِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) حَتَّى يَحْصُلَ مَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْفِرَقِ (كَثَلَاثِ بَنَاتٍ وَثَلَاثَةِ أَعْمَامٍ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ مِنْهَا لِلْبَنَاتِ وَوَاحِدٌ لِلْأَعْمَامِ فَيَنْكَسِرُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ لَكِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ وَأَعْدَادِ رُءُوسِ الْأَعْمَامِ تَمَاثُلٌ فَيَضْرِبُ عَدَدَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ تِسْعَةً الثُّلُثَانِ مِنْهَا سِتَّةٌ وَهِيَ حَقُّ الْبَنَاتِ الثَّلَاثِ وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلْأَعْمَامِ. (وَإِنْ تَدَاخَلَتْ الْأَعْدَادُ فَاضْرِبْ أَكْثَرَهَا) أَيْ أَكْثَرَ الْأَعْدَادِ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) حَتَّى يَحْصُلَ مَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمَّا) أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَهُوَ سَهْمَانِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا أَيْضًا وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةٌ وَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَالسِّهَامِ لَكِنَّ الْأَعْدَادَ مُتَدَاخِلَةٌ فَيَضْرِبُ أَكْثَرَهَا وَهُوَ اثْنَيْ عَشَرَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ كَانَ لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةٌ فَيَضْرِبُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمَانِ فَيَضْرِبَانِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلِلْأَعْمَامِ سَبْعَةٌ فَيَضْرِبُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ. (وَإِنْ وَافَقَ بَعْضُ الْأَعْدَادَ بَعْضًا فَاضْرِبْ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الثَّانِي وَ) اضْرِبْ (الْمَبْلَغَ فِي وَفْقِ الثَّالِثِ إنْ وَافَقَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ (فَفِي جَمِيعِهِ وَ) اضْرِبْ (الْمَبْلَغَ فِي الرَّابِعِ كَذَلِكَ) أَيْ فِي وَفْقِهِ إنْ وَافَقَ وَإِلَّا فَفِي جَمِيعِهِ (ثُمَّ) اضْرِبْ (الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) حَتَّى يَحْصُلَ مَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَدَّةً وَثَمَانِيَ عَشْرَةَ بِنْتًا وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ) أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا وَلَا تُوَافِقُ

وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ وَبَيْنَ رُءُوسِهِنَّ وَسِهَامِهِنَّ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَرَجَعَ إلَى النِّصْفِ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَبَقِيَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَمَعَنَا أَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةٌ وَسِتَّةٌ، ثُمَّ طَلَبْنَا بَيْنَهُمَا التَّوَافُقَ فَوَجَدْنَا الْأَرْبَعَةَ مُوَافِقَةً لِلسِّتَّةِ بِالنِّصْفِ فَرَدَدْنَا أَحَدَيْهِمَا إلَى نِصْفِهَا وَضَرَبْنَاهُ فِي الْأُخْرَى صَارَ الْمَبْلَغُ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتِّسْعَةِ بِالثُّلُثِ فَضَرَبْنَا ثُلُثَ أَحَدَيْهِمَا فِي جَمِيعِ الْأُخْرَى صَارَ الْمَبْلَغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَبَيْنَ هَذَا الْمَبْلَغِ الثَّانِي وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ أَيْضًا فَضَرَبْنَا ثُلُثَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَحَصَلَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ ثُمَّ ضَرَبْنَا هَذَا الْمَبْلَغَ الثَّالِثَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَمَامُهُ فِي شُرُوحِ الْفَرَائِضِ فَلْيُطَالَعْ. (أَوْ إنْ تَبَايَنَتْ الْأَعْدَادُ فَاضْرِبْ كُلَّ أَحَدِهَا فِي جَمِيعِ الثَّانِي ثُمَّ الْمَبْلَغَ فِي الثَّالِثِ ثُمَّ الْمَبْلَغَ فِي الرَّابِعِ ثُمَّ) اضْرِبْ (الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) حَتَّى يَحْصُلَ مَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ (كَامْرَأَتَيْنِ وَعَشْرِ بَنَاتٍ وَسِتِّ جَدَّاتٍ وَسَبْعَةِ أَعْمَامٍ) أَصْلُهَا أَيْضًا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِلزَّوْجَيْنِ الثُّمُنُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهِمَا وَبَيْنَ رُءُوسِهِنَّ وَسِهَامِهِنَّ مُبَايَنَةٌ فَأَخَذْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ وَبَيْنَ أَعْدَادِ رُءُوسِهِنَّ وَسِهَامِهِنَّ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَأَخَذْنَا نِصْفَ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ وَبَيْنَ رُءُوسِهِنَّ، وَسِهَامِهِنَّ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَأَخَذْنَا نِصْفَ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ، وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِمْ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ مُبَايَنَةٌ فَأَخَذْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِمْ فَصَارَ مَعَنَا مِنْ الْأَعْدَادِ الْمَأْخُوذَةِ لِلرُّءُوسِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعَةٌ وَهَذِهِ كُلُّهَا أَعْدَادٌ مُتَبَايِنَةٌ فَضَرَبْنَا الِاثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ صَارَتْ سِتَّةً ثُمَّ ضَرَبْنَا هَذَا الْمَبْلَغَ فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ ضَرَبْنَا الثَّلَاثِينَ فِي سَبْعَةٍ فَحَصَلَ مِائَتَانِ وَعَشْرَةٌ، ثُمَّ ضَرَبْنَا هَذَا الْمَبْلَغَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعِينَ فَمِنْهَا تَسْتَقِيمُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ عَائِلَةً. (وَ) أَمَّا (إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَائِلَةً فَاضْرِبْ مَا ضَرَبْته فِي الْأَصْلِ فِيهِ مَعَ الْعَوْلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ.

فصل فيما يعرف به تداخل العددين

[فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِف بِهِ تداخل الْعَدَدَيْنِ] (وَتَدَاخُلُ الْعَدَدَيْنِ يُعْرَفُ بِأَنْ تَطْرَحَ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَيُفْنِيهِ) أَيْ يَفِنِي الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ كَالثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ (أَوْ يُقْسَمَ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَقَلِّ فَيَنْقَسِمُ قِسْمَةً صَحِيحَةً) أَيْ قِسْمَةً لَا كَسْرَ فِيهَا كَالسِّتَّةِ فَإِنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ أَيْضًا بِلَا كَسْرٍ فَيُصِيبُ مِنْ السِّتَّةِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ اثْنَانِ وَمِنْ اثْنَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ الْمُتَدَاخِلَيْنِ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا عَدَّ عَدَدَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ كَانَ الْأَكْثَرُ مِثْلَيْ الْأَقَلِّ أَوْ أَمْثَالَهُ فَيُصِيبُ بِالْقِسْمَةِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْأَقَلِّ آحَادٌ صَحِيحَةٌ بَعْدَ أَمْثَالِ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ ثُمَّ مَثَّلَ الْمُتَدَاخِلَيْنِ بِقَوْلِهِ (كَالْخَمْسَةِ مَعَ الْعِشْرِينَ) ؛ لِأَنَّك إذَا طَرَحْت الْخَمْسَةَ مِنْ الْعِشْرِينَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَفْنَيْت الْعِشْرِينَ فَهُمَا مُتَدَاخِلَانِ وَكَذَلِكَ إذَا قَسَمْت الْعِشْرِينَ عَلَى الْخَمْسَةِ يَجِيءُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ صَحِيحَةٍ أَوْ نَقُولُ التَّدَاخُلُ هُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلَهُ أَوْ أَمْثَالَهُ يُسَاوِي الْأَكْثَرَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جُزْءَ الْأَكْثَرِ جُزْءًا مُفْرَدًا مِنْ الْأَكْثَرِ فَلَا تَدَاخُلَ بَيْنَ السِّتَّةِ وَالتِّسْعَةِ وَإِنْ كَانَ السِّتَّةُ ثُلُثَيْ التِّسْعَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مُفْرَدًا وَمِنْ شَرْطِ التَّدَاخُلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَقَلُّ زَوْجًا مَعَ كَوْنِ الْأَكْثَرِ فَرْدًا وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْأَقَلُّ عَلَى نِصْفِ الْأَكْثَرِ. (وَ) يُعْرَفُ (تَوَافُقُهُمَا) أَيْ الْعَدَدَيْنِ فِي جُزْءٍ كَالنِّصْفِ وَنَظَائِرِهِ (بِأَنْ يَنْقُصَ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى يَتَوَافَقَا فِي مِقْدَارٍ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي وَاحِدٍ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ) كَالْخَمْسَةِ مَعَ السَّبْعَةِ وَالتِّسْعَةِ، وَأَحَدَ عَشَرَ مَعَ عَشَرَةٍ. (وَإِنْ) تَوَافَقَا (فِي أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدٍ (فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ فَإِنْ كَانَ) الْأَكْثَرُ (فِي اثْنَيْنِ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ) كَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَعَ الثَّمَانِيَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَلْقَيْت مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ثَمَانِيَةً مَرَّتَيْنِ بَقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ وَإِذَا أُلْقَى اثْنَانِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَقِيَ مِنْهَا أَيْضًا اثْنَانِ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ. (وَإِنْ) كَانَ الْأَكْثَرُ (ثَلَاثَةً فَبِالثُّلُثِ) كَمَا فِي التِّسْعَةِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ (أَوْ) كَانَ الْأَكْثَرُ (أَرْبَعَةً فَبِالرُّبُعِ) كَالثَّمَانِيَةِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ (هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ) أَيْ يَكُونُ التَّوَافُقُ فِي الْأَعْدَادِ الَّتِي هِيَ الْعَشَرَةُ وَمَا دُونَهَا بِوَاحِدٍ مِنْ الْكُسُورِ التِّسْعَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ النِّصْفُ إلَى الْعَشَرَةِ وَتُسَمَّى هِيَ مَعَ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهَا بِالْإِضَافَةِ أَوْ التَّكْرِيرِ بِالْكُسُورِ الْمُنْطِقَةِ. (وَإِنْ) تَوَافَقَا (فِي أَحَدَ عَشَرَ) كَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ (فِي جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ هُمَا

مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ (وَهَلُمَّ جَرًّا) أَيْ إنْ تَوَافَقَا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَتَوَافَقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنَّ الْعَادَّ لَهُمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَتَوَافَقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كَثَلَاثِينَ مَعَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَعُدُّهُمَا مَعًا فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْهُمَا. (وَإِنْ أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ) كَالْبَنَاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالزَّوْجَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَغَيْرِهَا (مِنْ التَّصْحِيحِ) الَّذِي اسْتَقَامَ عَلَى الْكُلِّ (فَاضْرِبْ مَا كَانَ لَهُ) أَيْ لِكُلِّ فَرِيقٍ (مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي ضَرَبْته فِي أَصْلِهَا (فَمَا خَرَجَ) مِنْ هَذَا الضَّرْبِ (فَهُوَ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ. (وَكَذَا الْعَمَلُ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرْدٍ) مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ مِنْ التَّصْحِيحِ. (وَإِنْ شِئْت) سِهَامَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (فَانْسُبْ سِهَامَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ) مُفْرَدًا عَنْ أَعْدَادِ رُءُوسِ غَيْرِهِمْ (ثُمَّ أَعْطِ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمَضْرُوبِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ) مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ. (وَإِنْ أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ) الْوَاوُ الْوَاصِلَةُ هَهُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِ " أَوْ " الْفَاصِلَةُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّ التَّرِكَةَ إنْ وَقَّتَ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ فَلَا قِسْمَةَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَإِلَّا فَلَا قِسْمَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ (فَانْظُرْ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَالتَّصْحِيحِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ) الْمَبْلَغَ (الْحَاصِلَ) مِنْ هَذَا الضَّرْبِ (عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُ ذَلِكَ الْوَارِثِ) . مِثَالُهُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، فَلِلزَّوْجِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الْأُخْتَيْنِ سَهْمَانِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ خَمْسُونَ دِينَارًا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ التَّصْحِيحِ وَالتَّرِكَةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَيَضْرِبُ سَهْمَ الزَّوْجِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَبْلُغُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ ثُمَّ تُقْسَمُ الْخَمْسَةُ وَالسَّبْعُونَ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ مِنْ التَّرِكَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِينَارٍ وَيَضْرِبُ سَهْمَ الْأُمِّ مِنْ التَّصْحِيحِ وَهُوَ وَاحِدٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ وَفْقُ التَّرِكَةِ فَيَكُونُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ

نَقْسِمُهَا عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَكُونُ لِلْأُمِّ سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَرُبُعُ دِينَارٍ، وَيَضْرِبُ سَهْمَ كُلٍّ مِنْ الْأُخْتَيْنِ وَهُوَ سَهْمَانِ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ فَيَبْلُغُ خَمْسِينَ ثُمَّ نَقْسِمُهَا عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُخْتَيْنِ اثْنَا عَشَرَ دِينَارًا وَنِصْفُ دِينَارٍ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ) الْمَبْلَغَ (الْحَاصِلَ عَلَى جَمِيعِ التَّصْحِيحِ فَمَا خَرَجَ) مِنْ هَذِهِ الْقِسْمَةِ (فَهُوَ نَصِيبُهُ) أَيْ نَصِيبُ ذَلِكَ الْوَارِثِ كَمَا إذَا فُرِضَ أَنَّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ الَّذِي هُوَ ثَمَانِيَةٌ مُبَايَنَةٌ، فَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ هَذِهِ التَّرِكَةِ فَاضْرِبْ نَصِيبَ الزَّوْجِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ يَحْصُلُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ثُمَّ اقْسِمْ هَذَا الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ أَعْنِي ثَمَانِيَةً يَخْرُجُ تِسْعَةُ دِينَارٍ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ فَهَذِهِ نَصِيبُ الزَّوْجِ وَاضْرِبْ أَيْضًا نَصِيبَ الْأُمِّ مِنْ التَّصْحِيحِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْحَاصِلُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِذَا قَسَمْتهَا عَلَى الثَّمَانِيَةِ خَرَجَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُمُنُ دِينَارٍ فَهِيَ نَصِيبُ الْأُمِّ، وَاضْرِبْ نَصِيبَ كُلِّ أُخْتٍ مِنْ التَّصْحِيحِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ يَحْصُلُ خَمْسُونَ، فَإِذَا قَسَمْت هَذَا الْحَاصِلَ عَلَى الثَّمَانِيَةِ خَرَجَ سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَرُبُعُ دِينَارٍ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ أُخْتٍ مِنْ التَّرِكَةِ. (وَكَذَا الْعَمَلُ لِمَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ يَعْنِي فَاضْرِبْ مَا كَانَ

لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ الْمَبْلَغَ الْحَاصِلَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ عَلَى وَفْقِ تَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَتَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ مُوَافَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَاضْرِبْ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى جَمِيعِ تَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ فَالْخَارِجُ نَصِيبُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ فِي الْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ وَتَمَامُهُ فِي السَّيِّدِ فَلْيُطَالَعْ (وَفِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ اجْعَلْ مَجْمُوعَ الدُّيُونِ كَالتَّصْحِيحِ وَكُلُّ دَيْنٍ) مِنْ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ (كَسِهَامِ الْوَارِثِ ثُمَّ اعْمَلْ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ) فَإِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ غَرِيمَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَسِتَّةُ غُرَمَاءَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَكَانَتْ التَّرِكَةُ عِشْرِينَ كَانَ بَيْنَ جَمِيعِ الدُّيُونِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَبَيْنَ التَّرِكَةِ مُوَافَقَةٌ نِصْفِيَّةٌ فَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي كَانَتْ لِكُلٍّ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ فِي نِصْفِ التَّرِكَةِ وَذَلِكَ عَشَرَةٌ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ وَتَقْسِمُ عَلَى نِصْفِ الدُّيُونِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ فَالْخَارِجُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَثُلُثُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ لِكِلَيْهِمَا سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ، وَيُضْرَبُ الِاثْنَانِ اللَّذَانِ كَانَا لِكُلٍّ مِنْ الْغُرَمَاءِ السِّتَّةِ فِي الْعَشَرَةِ يَبْلُغُ عِشْرِينَ وَيُقْسَمُ عَلَى التِّسْعَةِ فَالْخَارِجُ وَذَلِكَ سَهْمًا وَتُسْعَانِ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ فَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ السِّتَّةِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا وَاثْنَا عَشَرَ تُسْعًا وَذَلِكَ سَهْمٌ وَثُلُثُ سَهْمٍ، فَإِذَا ضَمَمْتَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا إلَى سِتَّةٍ وَثُلُثَيْنِ يَبْلُغُ عِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ جَمِيعِ الدُّيُونِ مُبَايَنَةُ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةِ كُلٍّ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَخَمْسِينَ فَتُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَالْخَارِجُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَتُسْعٌ وَنِصْفُ تُسْعٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَيَكُونُ لِكِلَيْهِمَا سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ وَذَلِكَ ثُلُثُ سَهْمٍ فَيَضْرِبُ سَهْمَا كُلٍّ مِنْ الْغُرَمَاءِ السِّتَّةِ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ يَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَيُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَالْخَارِجُ وَهُوَ سَهْمَانِ وَتُسْعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَلِلْغُرَمَاءِ السِّتَّةِ اثْنَا عَشَرَ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَسِتَّةُ أَتْسَاعِ سَهْمٍ وَذَلِكَ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا ضَمَمْتَ اثْنَيْ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ إلَى سِتَّةٍ وَثُلُثٍ يَبْلُغُ تِسْعَةَ عَشَرَ (وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ عَلَى شَيْءٍ) مَعْلُومٍ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ التَّرِكَةِ (فَاطْرَحْ نَصِيبَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ أَوْ الدُّيُونِ وَاقْسِمْ الْبَاقِيَ عَلَى سِهَامِ مَنْ بَقِيَ) مِنْ الْوَرَثَةِ (أَوْ) عَلَى (دُيُونِهِمْ) أَيْ دُيُونِ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْغُرَمَاءِ

خاتمة الكتاب

مِثَالُهُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَعَمٌّ فَفِيهَا نِصْفٌ، وَثُلُثُ الْكُلِّ، وَمَا بَقِيَ، فَأَصْلُهَا وَتَصْحِيحُهَا مِنْ سِتَّةٍ فَإِذَا صَالَحَ الزَّوْجُ عَلَى شَيْءٍ كَمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ تُطْرَحُ سِهَامُهُ مِنْ التَّصْحِيحِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَتُقْسَمُ بَاقِي التَّرِكَةِ عَلَى سِهَامِ الْبَاقِينَ عَلَى مَا كَانَ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأُمِّ وَثُلُثُهُ لِلْعَمِّ. [خَاتِمَة الْكتاب] (قَالَ الْفَقِيرُ) يُرِيدُ الْمَوْلَى الْفَاضِلَ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ وَزَادَ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ فُتُوحَ نَفْسِهِ النَّفِيسَةِ (هَذَا آخِرُ) كِتَابٍ سَمَّاهُ (مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ وَلَمْ آلُ) مِنْ الْأَلْوِ وَهُوَ التَّقْصِيرُ (جَهْدًا) أَيْ لَمْ أَمْنَعْك جَهْدًا (فِي عَدَمِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ) وَهِيَ الْقُدُورِيُّ وَالْمُخْتَارُ وَالْكَنْزُ وَالْوِقَايَةُ كَمَا مَرَّ فِي الْخُطْبَةِ (وَأَلْتَمِسُ) عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الِالْتِمَاسِ (مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ) أَيْ هَذَا الْكِتَابِ (إنْ اطَّلَعَ عَلَى الْإِخْلَالِ بِشَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَسَائِلِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ بِأَنْ لَا يَذْكُرَهُ فِي مَحَلِّهِ (أَنْ يُلْحِقَهُ) مَفْعُولُ أَلْتَمِسُ (بِمَحَلِّهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ النِّسْيَانِ) سُمِّيَ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُ النَّاسِي وَلِذَلِكَ قِيلَ أَوَّلُ النَّاسِ أَوَّلُ النَّاسِي (وَلْيَكُنْ) أَمْرٌ غَائِبٌ (ذَلِكَ) أَيْ الْإِلْحَاقُ بِمَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ (بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي مَظَانِّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي مَوَاضِعَ يَظُنُّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مِنْهَا (فَإِنَّهُ رُبَّمَا ذُكِرَتْ بَعْضُ الْمَسَائِلِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَوْضِعٍ وَفِي غَيْرِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَاكْتَفَيْتُ بِذِكْرِهَا) أَيْ بِذِكْرِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ (فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ) فَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَحَلِّهِ لَكِنْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ وَجْهُهُ (ثُمَّ إنِّي زِدْتُ) فِيهِ (مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ الْهِدَايَةِ وَمِنْ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ) . قَالَ فِي الْخُطْبَةِ وَنُبْذَةٌ مِنْ الْهِدَايَةِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِمَا قَالَ هُنَاكَ لَكِنْ أَسْلَفْنَا التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا ثَمَّةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكْرَارِ (وَلَمْ أَزِدْ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْهِدَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ (حَتَّى يَسْهُلَ الطَّلَبُ عَلَى مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ صِحَّةُ شَيْءٍ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ، وَاَللَّهُ حَسْبِي) أَيْ كَافِيَّ (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَفْضَلِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْعِظَامِ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عُلَمَاءُ الْأَعْلَامِ بِعَوْنِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْجَلِيلِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالتَّعْوِيلُ فِي أَنْ يُهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ وَيَجْعَلَنِي مِنْ رَحْمَتِهِ فِي ظِلٍّ ظَلِيلٍ وَيَعْصِمَنِي عَنْ مَزَلَّةِ الْأَفْهَامِ وَيُثَبِّتَنِي يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَقَدْ انْتَهَى هَذَا الشَّرْحُ وَتَمَّ بِفَضْلِهِ تَعَالَى بِبَلْدَةِ " أَدِرْنَةَ " صَانَهَا اللَّهُ عَنْ الْبَلِيَّةِ قَاضِيًا بِالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ فِي وِلَايَةِ الرُّومِ أَيْلَى الْمَعْمُورَةِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعَفْوَ مِمَّا وَقَعَ مِنِّي فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ وَالْخَبْطِ وَالزَّلَلِ وَذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ شُهُورِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَأَلْفٍ مِنْ هِجْرَةِ مَنْ لَهُ الْعِزُّ وَالشَّرَفُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِي ذُخْرًا نَافِعًا وَخَيْرًا بَاقِيًا بِحُرْمَةِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ خُصُوصًا بِحُرْمَةِ حَبِيبِك مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ آمِينَ

(وَقَدْ تَمَّ تَبْيِيضُهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ الْمُرَجَّبِ الْمُعَظَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ عَلَى يَدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ الْغَنِيِّ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِهِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ) وَهَذَا الْمُتَخَلِّفُ مِنْ خَطِّ الْمُؤَلِّفِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَسَامِي الْكُتُبِ لَكِنَّ النَّاسِخَ تَرَكَ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ فِي فُرُوعِ الْحَنَفِيَّةِ) لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ جَعَلَهُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ وَالْمُخْتَارِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ بِعِبَارَةٍ سَهْلَةٍ وَأَضَافَ إلَيْهِ بَعْضَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَجْمَعِ وَنُبْذَةٍ مِنْ الْهِدَايَةِ وَقَدَّمَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ وَأَخَّرَ غَيْرَهُ وَاجْتَهَدَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَقْوَى، وَفِي عَدَمِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَلِهَذَا بَلَغَ صِيتُهُ فِي الْآفَاقِ وَوَقَعَ عَلَى قَبُولِهِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ الِاتِّفَاقُ قَالَ وَقَدْ تَمَّ تَبْيِيضُهُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ (وَشَرَحَهُ تِلْمِيذُهُ الْحَاجُّ عَلِيٌّ الْحَلَبِيُّ) تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَوْرَدَ فِيهِ الِاعْتِرَاضَ وَالْجُرُوحَ عَلَى شُرُوحِ الْمُتُونِ الْأَرْبَعَةِ (وَشَرَحَهُ الْمَوْلَى مُحَمَّدُ الثَّيْرَوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِعَشِيٍّ) تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ (وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَهْنَسِيِّ) مِنْ مَشَايِخِ دِمَشْقَ إلَى كِتَابِ الْبَيْعِ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ (وَشَرَحَهُ الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الْبَاقَانِيُّ الْقَادِرِيُّ) تِلْمِيذُ الْبَهْنَسِيِّ أَوَّلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَعَ الْأَحْكَامَ إلَى آخِرِهِ قَالَ وَلَمَّا كَانَ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ أَجَلَّ مُتُونِ الْمَذْهَبِ وَأَجْمَعَهَا وَأَتَمَّهَا فَائِدَةً وَأَنْفَعَهَا أَرَدْت أَنْ أَشْرَحَهُ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخِي فَرِيدُ دَهْرِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبَهْنَسِيُّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَكُنْت أَنَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَتِي الْمَتْنَ عَلَيْهِ وَطَلَبِي مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الدِّيبَاجَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ طَلَبَ مِنِّي شَرْحَهُ بَعْضُ الْمُتَرَدِّدِينَ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُشْتَغِلِينَ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَقْرَأْ هَذَا الْمَتْنَ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا الْفَقِيرُ فَقَرَأْتُ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى النَّفَقَاتِ وَانْتَهَتْ كِتَابَتُهُ هُنَاكَ ثُمَّ قَرَأْتُ ثَانِيًا إلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَكَتَبَ مِنْ الْبُيُوعِ إلَيْهَا، ثُمَّ سَافَرَ إلَى الْحَجِّ وَتُوُفِّيَ بَعْدَ مَا جَمَعَهُ بِسَنَةٍ فَشَرَعْت فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي أَوَائِلِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَتَمَّ فِي

ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَوَقَعَ التَّخَلُّلُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِلَا كِتَابَةٍ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ الْحَجِّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَمَّاهُ بِمَجْرَى الْأَنْهُرِ عَلَى مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ (وَمِنْ شُرُوحِهِ شَرْحِ إسْمَاعِيلَ أَفَنْدِي السِّيوَاسِيِّ) فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَلْفٍ (وَشَرْحِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ) الْإِمَامُ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ الدِّمَشْقِيِّ الْحَنَفِيِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ فَرَائِضِهِ وَسَمَّاهُ سَكْبَ الْأَنْهُرِ عَلَى فَرَائِضِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ أَوَّلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى بِالْحِمَامِ عَلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ إلَخْ وَأَتَمَّهُ فِي شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ (وَشَرَحَهُ شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي السُّعُودِ الصِّدِّيقِيُّ الْحَنَفِيُّ الْمَنَاسِتْرِيُّ) شَرْحًا مَمْزُوجًا أَوَّلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَيَّنَ بِهِدَايَتِهِ سَمَاءَ الشَّرِيعَةِ إلَى آخِرِهِ وَسَمَّاهُ مُنْتَهَى الْأَنْهُرِ فِي شَرْحِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ أَلَّفَهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَأَلْفٍ (وَشَرَحَهُ الْمَوْلَى الْعَلَّامَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالْعَسَاكِرِ الرُّومِيَّةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَدْعُوُّ بِشَيْخِي زاده) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَأَلْفٍ شَرْحًا بَسِيطًا وَسَمَّاهُ بِمَجْمَعِ الْأَنْهُرِ فِي شَرْحِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ قَالَ وَقَعَ الْإِتْمَامُ الِاخْتِتَامُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَأَلْفٍ (وَشَرَحَهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُلَقَّبُ بِعَلَاءِ الدِّينِ الْخَصْكَفِيِّ الدِّمَشْقِيِّ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَلْفٍ وَسَمَّاهُ دُرَّ الْمُنْتَقَى فِي شَرْحِ الْمُتَلَقَّى (وَشَرَحَهُ الْمَوْلَى مُصْطَفَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُورِ بِحَلَبِ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَأَلْفٍ (وَالْمَوْلَى الْقَاضِي بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ السَّيِّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيُّ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ شَرْحًا مَشْهُورًا بِالسَّيِّدِ الْحَلَبِيِّ (وَلِلشَّيْخِ خَلِيلِ بْنِ رَسُولَا بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ السَّيْنُوبِيِّ الأقجه جابي) شَرَحَ الْمَبْسُوطَ فِي مُجَلَّدَيْنِ سَمَّاهُ إظْهَارَ فَوَائِدِ الْأَبْحُرِ وَإِيضَاحَ فَوَائِدِ الْأَنْهُرِ أَوَّلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْوَاهِبِ الْمَنَّانِ إلَى آخِرِهِ. (وَلِلشَّيْخِ عُثْمَانَ الْوَحْدَتِيُّ الْأَدِرْنَوِيِّ) الْمُتَوَفَّى فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ تَقْرِيبًا شَرْحٌ مَبْسُوطٌ غَايَةَ الْبَسْطِ. (وَلِلْمُلْتَقَى شَرْحٌ مُسَمًّى بِالْمُنْتَقَى) شَرَحَهُ بِالنُّقُولِ وَالْعَزْوِ إلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَوَّلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلَى آخِرِهِ (وَشَرَحَ مَنَاسِكَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْمَعْرُوفُ بِقَاضِي زاده الْمَدَنِيُّ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَلْفٍ (وَلِلْمَوْلَى عَلِيُّ بْنُ شَرَفِ الدِّينِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الشَّهِيرُ بِظَرِيفِي) شَرْحٌ مَمْزُوجٌ وَسَمَّاهُ نُورَ التُّقَى فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى أَتَمَّهُ فِي مُحَرَّمَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ أَوَّلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَقَّهَ فِي الدِّينِ مَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرًا إلَخْ (وَشَرَحَهُ الْمَوْلَى مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي الْحَفِيدُ) الْمَشْهُورُ بِطُورُونَ شَرْحًا مَبْسُوطًا (مِنْ كَشْفِ الظُّنُونِ) وَمُلْتَقَى تَرْجَمَةِ سي موقوفاتي أَفَنْدِي بالدفعات طُبِعَ أَوْ لنمشدر مُؤَلَّفِي دِيبَاجَة سنده سَبَب تأليفني بَيَان ايلمش ديكر ترجمه لري فَائِق بولنديغي جَمْله عندنده مسلمدر

قَدْ تَمَّ طَبْعُ هَذَيْنِ الشَّرْحَيْنِ كَأَنَّهُمَا مَرَجُ الْبَحْرَيْنِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ فِي شَرْحِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ) لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنَدِي دَامَادْ الْمَدْعُوُّ بِشَيْخِي زَادَهْ وَفِي هَامِشِهِ (دُرُّ الْمُنْتَقَى فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) لِمُؤَلِّفِ دُرِّ الْمُخْتَارِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي الْمَطْبَعَةِ الْعَامِرَةِ فِي أَيَّامِ دَوْلَةِ مَوْلَانَا الْمُعَظَّمِ وَسُلْطَانِنَا الْمُفَخَّمِ السُّلْطَانُ ابْنُ السُّلْطَانِ (السُّلْطَانُ مُحَمَّدُ رَشَادِ خَانْ) خَامِسُ أَدَامَ اللَّهُ دَوْلَتَهُ إلَى آخِرِ الدَّوَرَانِ بِبَقَاءِ الشَّرِيعَةِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ وَالدِّينِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ الْحَنِيفَةِ وَقَدْ اعْتَنَى بِتَصْحِيحِهِ وَتَرْتِيبِهِ رَاجِي بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ غَفْرَ الْأَوْزَارِ مِنْ الْغَفُورِ وَالسَّتَّارِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الْمُنْتَسِبُ إلَى قَرْيَةِ حِصَارٍ وَقَدْ تَصَادَفَ خِتَامُهُ فِي أَوَائِلِ مُحَرَّمِ الْحَرَامِ سَنَةَ 1328 مِنْ هِجْرَةِ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَجْمَلِ النَّعْتِ وَأَكْمَلِ الْوَصْفِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ الْآلِ وَالصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ آمِينَ يَا مُعِينُ.

§1/1