مجلة «المعرفة» السورية

عادل العوا

هذه المجلة

هذه المجلة بين قطبي الفكر والإخلاص تحيا هذه المجلة! وهى تنبعث من الحاجة الشديدة إلى وجودها. ففد شعر القائمون عليها، وآمنوا، بأن المعرفة جوهر الكون الإنساني ورأوا أن المدرسة ليست سوى تنظيم الحياة الاجتماعية في أسسها، وفي مستقبلها، على ضوء المعرفة والفكر، وكأنهم يرون المجتمع أصلاً وغاية، أصلاً لنزعة الإنسان نحو النجاح والتكامل، وغاية للسمو الإنساني الماثل في العقل والتمييز مع الدراية والتوي. ولولا هذا الاعتقاد لما أقدمنا على جمع الأمر وتأكيد العزم، بغية تحقيق حاجة بيئتنا العربية والسورية، ولما سمحنا لأنفسنا بجرأة افتتاح الطريق النافعة حتى يتسنى لأهل الفكر من مثقفي البلاد أن يعبروا فيها عن آرائهم، وعن أهدافهم، ويفصحوا عن آمالهم وعن جهودهم ويعبروا عن اقتراحاتهم وعن معضلاتهم، وعن ألامهم أيضاً. فهذه الجملة نشأة عن شعور بالحاجة صادق، ولا بد لها من الازدهار إذا استطاعت إرضاء الهدف السامي النبيل الذي تنشده. إن الأمة العربية استمرار تاريخي، وحقيقة غنية، وواقع مجيد ممتاز. عرفت من عشق الخلود كل ما يصيب المتيمين. فكانت لها أيام ناصعات، وكان لها بريق وضاء. ثم رقدت. وهي تنهض اليوم عن وعي وقوة. وتريد أن تستعيد خيراً من مجدها الباهر، وجوهره ومادته لأنها تفيء إلى شخصيتها الجديدة وترى أن ناموس البقاء حقل تبغي بناء مدرستها_بالمعنى الواسع_في ربوعه. وهذه المدرسة هي رسالة المثقفين من أبنائها أنفسهم. والحق الجلي أن ننصف أسرة التعليم خاصةً، رجالاً ونساءً، أساتذة وطلاباً، ونسمهم بصفة إحقاق النهضة العربية، وأداء هذا الواجب الرائع. فهم حلقت الاتصال، وجسر التقدم. الجاهلون، بل البسطاء، بل المنكرون والمنعوتون، يعبدون اللفظ ويمجدون المعنى. يحسبون الجسم روحاً، والمدرسة بناءً وأحجارا. ينظرون إلى المعلم ليروا فيه صورة جهلهم وجنايتهم. فيرمقوه بالنقص والعجز، ويتخذونه بمثابة العضو لأشل المبتور. وفي وهمهم أن المدرسة كيمياء العذاب. فيها التجارب الاتفاقية، وفيها الفشل المقبول. وفيها الغموض والسحر. يزدرون الصانع وما صنع ويهملون كرامة الإستاد ومستواه وحجاته المعنوية والمادية وكأنه في رأيهم أدنى من العامل والقروي والبائع والزعيم. ذنبه أن تعلم فصبا عن الجهل، وأخلص فعوقب بالحرمان والكفاف. ونحن نريد مقاومة هؤلاء جميعاً،

لأنهم أعداء الصواب، وجرثومة التقهقر وعنصر التأخر ودعاة الهزيمة. هذه المجلة تحترم الفكر والثقافة، وتقدس ما تحترم. وهي تحب المعلم وتحترمه وتناصره، فتدفع عنه الظلم والجور والعدوان. وهي لسان المثقفين عامة، والمساهمين في حقل التربية والتعليم خاصة. تقول كلمة الحق بوضوح وتعمل في سبيل تحقيقه بثبات وجرأة وإخلاص. وهي أخيراً مجلة الرقي لأنها وجدت كميا تحيى بالمعرفة، وتشيد الغد وتنشئ الجيل والقوم! أهدافنا تظهر في الإنتاج، لا في النظر والادعاء. ولعل أية ذلك مثال أسرة تعليم ذاتها. فأفرادها مطلقة نصبوا أمام أعينهم خدمة المجتمع عن طريق المدرسة. ورأوا الابتعاد عن جعجعة الفراغ. وأقسموا أمام التاريخ جهد إيمانهم صبراً ويقيناً. حتى يتفوق التلميذ على معلمه والطالب على أستاذه. وتتقدم الأمة والوطن. فترقى بتقدمها الإنسانية كلها. ولسنا نود الغلو والإفراط في التمني، ولا نرغب في المبالغة في رسم المناهج، وتنمية المشاريع. لأننا لن نجعل هدفنا الأوحد التحليق في السماء المثل النظرية، ولا الإبحار في عالم القيم المجردة، البديعة، الزاهية الفاتنة نريد التقرب من الواقع النير، نعرفه كما هو من جهة، ونعرفه كما يجب أن يكون من جهة أخرى. دون مزج غامض بين الناحيتين. وسنجعل هذا النظرة التحليلية انتقاديه أيضاً. هدفنا يقين الإنساني ولذا لا تخشى التبصر، ولا التجنب النقد والانتقاد. بل نسعى السعي الحثيث إلى ذكر سيئات الواقع، وأن قبحت، لتلافيها. ونحاول تبيان الهدف الأمثل وأن ندى من شدة جماله ما يبهر الأبصار ويتركها حصيرة تخال فيه المستحيل، أو البعيد الإمكان. وإلى جانب هذه الروح التحليلية الانتقادين، ترمي مجلتنا إلى البناء الايجابي، والإنشاء المنتج، وتود أن تسير خطاها بانتظام جلي، ولذلك فأنها تجهر بخطتها منذ الآن. وترى أن ترتكز جهود المساهمين فيها حول حاجات البيئة العربية في مختلف أقطارها، على أن تكون سوريا الحبيبة نقطة الاتساع الجغرافي، ولولب الاتصال بين بلدان الأمة العربية الكبرى حتى إذا نمت الأمواج التي تحملها هذه المجلة، اقترنت بما تلقاه من إصدار مماثل في الأقطار العربية الأخرى، وكان أن تداخلت أمواج الفكر التربوي والاجتماعي في البلاد العربية قاطبة، وتماسكت، واتسعت. وبذا يتسق جهد الأمة العربية في الوجود والإبداع، وينسجم اشتراكها في التطور العالمي أجمع وإننا سنأخذ الحكمة أين وجدناها، فهي ضالتنا

وإن سطرت في لغات أجنبية، ولن نفرق من هذا الاعتبار بين لغة وأخرى من لغات الأمم الراقية في مضمار التربية والتعليم. لقد رأينا أن ندعو في سبيل هذا كل ذي نية سليما، فيساعدنا ويؤازرنا وهو يساعد فعلاً أخاه وابن عمه أولا، ويساعد ابنه وابن أخيه ومواطنه ثانياً. والأجيال كلها تعاقب في صعيد الوطن العربي، بيد أن سلامتها ومصيرها وكمالها يتوقف جميعاً على نجاح الآباء ونبل المدرسين.

التربية والمجتمع

التربية والمجتمع للدكتور عادل عواد منذ أن وجدت الإنسانية وعيها، أبدعت مفهوم المدينة واتخذته هدفاً أعلى لها، وغاية قصوى، بما آمنت، وفي سبيل تحقيقها بذلت، ولا تزال تبذل، كل جهد وعناء. المجتمع ومن تعهد تاريخ الأفكار البشرية بالبحث، والإمعان، عرف أن الإنسان كان ينعم بالعمل ويحيا حياة الطبيعة الأولى، تقوده غرائزه، وتسيره قناعته بالوجود فحسب، شأنه الحيوان الأعجم، لا فرق بين هنائهما الطبيعي، ولا اختلاف في وسائلهما الابتدائية الرامية إلى تأمين الغذاء والدفء والسكن. غير أن ممارسة الحياة_صيما الحياة الاجتماعية_نقل الإنسان تدريجيا من نعيم السذاجة إلى شقاء الفكر. وتفصيل ذلك أن اشتراك الناس في اجتماعياً بتأمين حاجاتهم دفعهم إلى التنافس والنزاع والاختلافات. ولولا اختلاف البشر وتنازعهم منذ القدم لما تم انفصالهم عن سائر الحيوانات الراقية أولا_وفيها أنواع تعيش بصورة اجتماعية_ولولا اختلافهم وتنازعهم لما صح انقسامهم إلى أمم وقبائل وشعوب وأسر، ولولا هذا وذاك لما امتازت البشرية بأفراد عظام. . . . وأن كان العقل البشري لا يطمئن سارعاً لصحة هذا التفسير إلا إذا اطلعنا على السر الخفي فيه، فإننا نجهر بهذا السر دون إبطاء. فنقول أن أفراد الجماعات الإنسانية كانوا_وما زالوا_يتساوون من حيث طبيعة التركيب العضوي والحاجات العامة والوظائف الحيوية المشتركة. وكان سلاح كل واحد منهم اليد ثم الفكر. ولم تكن الفروق الفردية بين الناس ذات أثر يفوق ما نشاهده اليوم من فروق بين الأفراد. وهذا التساوي في الحاجات وفي الوسائل جعل قاموس حياة الإنسان يدور حول تنمية ما يفرق به أحدهم عن أخيه ضمن الإطار الاجتماعي العام، إلى أن غدت غريزة الوجود والبقاء عاجزة_وحدها عن أرضاء الإنسان الاجتماعي، فمال كل واحد إلى الاستثمار بالوجود، والحرص على البقاء الجيد، وصبا الناس عن القناعة بالوجود فحسب وأخذوا يتبارون في التفوق، وأبدعوا في التفكير مفاهيم مجردة للحياة تعلو على الطراز الحيواني

وتستند إليه. وبعبارة أخرى أخذت الاجتماعية تدرك وعيها، وتسرف في استعمال الفكر والنظر وخاصة الخيال، وأصبحت تتصور أمثلة أكثر من الوجود سعة وتنميقاً من الحياة النباتية والحيوانية قد يكون التفكير الإنساني_في أشده_أصل شقاء الإنسان، وجرثومة النزاع القائم بين الناس حتى يومنا هذا، ولكن من الثابت الراهن أن نشأة المثل العليا ووعي الإنسان لها إنما يرتكز إلى هذا التفكير، وهو ذاته ظاهرة من ظواهر الحياة الاجتماعية، وعنصر من عناصر الوجود المشترك. المجتمع والمدينة وقد تعددت التأويلات المتفاوتة، واختلف المفكرون والمفسرون. وكلهم يحاور في ظهور الإنسان على الأرض، وسببه أو أسبابه، وتاريخه أو تواريخه غير أن الباحثين جميعاً يقررون إنصاف البشر بالصفة الاجتماعية، منذ عرف الشر. فما وجد الإنسان الواعي المفكر إلا ووجدت معه الحياة المشتركة بين الناس. وعلى ضوء المجتمع اتقد سراج المثل الأعلى، واتضحت مفاهيم الأهداف السامية، ومن ذلك إيمان الإنسانية بما تسميه المدينة. وهي الشعلة القصوى التي تجمع الآن أبناء النوع الإنساني مهما أمنعوا في التأخر، أو بالغوا في التقدم. فهي غايته وأن طالت إليها الطريق أو قصرت. روح المدينة والمدينة هي غير الحضارة على كل حال، ولسنا نود هنا إظهار الفوارق بينهما، وبلغتنا الإشارة إلى تفاوت المفاهيم الإنسانية في التركيب والتعقد، وليس مفهوم أكثرهم بساطة وسهولة. وعندنا أن روح المدينة تلخص في استباق الفكر للعمل عن طريق التنظيم. وهذه الروح هي التي تربط_في رأينا_الغاية بالوسيلة، والنهاية بالطريق. فإذا كانت المدينة غاية الإنسانية اجتماعياً، فإنا روحها تقوم على التنظيم، ومن وسائلها الفعالة علمياً، بل وسيلتها الوحيدة بوجه عام، التربية بالمعنى الذي تشير هذه الكلمة في رأس هذا المقال. طبيعة المجتمع ألف الإنسان فهم طبيعة المجتمع على أساس الموازنة بين شعور الفرد وشعور الجماعة. وأبسط الأقوال في هذا المضمار أن تنظر إلى الحياة الاجتماعية نظرتك إلى الحياة ألنفسيه. وهذا أصل الرأي القائل بان المجتمع عبارة عن وجدان وشعور، كما أن حياة النفس وجدان

وشعور. ومن الباحثين من يتابع الموازنة القياسية فيقول أن الحياة الاجتماعية ذات عقل وعاطفة وإرادة، مثل الحياة الفردية ألشخصيه. وكما اللاشعور النفسي حقيقة تعمل عملاً هاماً في حياة العقل الواعي، والعواطف الظاهرة، والعزيمة الصادقة، فكذلك يعتقدون أن المجتمع يتمتع بمعجزات اللاشعور ألاشعور الاجتماعي، وكأن له عقلاً باطناً يأتي المعرفة بالسحر والعجائب ويكاد من حيث هو يفلت من ربكة الدراسة والبحث. غير أن التحريات ألعلميه ألحديثه تنمو نمواً جديداً، فتنظر إلى المجتمع نظرتها إلى موجود حي له خصائص مميزة وسلوك خاص، وقوانين. وعلى ذلك فأن المجتمع متماسكة من الوظائف الناشئة عن الحياة المشتركة. ولا مجال لإنكار هذه الوظائف، إذ لا يمكن تجاهلها، والتعامي عن الاعتراف بها وعند أصحاب الرأي السديد من العلماء تظهر فكرة الوظائف الاجتماعية بثوب البداهة واليقين. فهي لا تقبل الشك ولا تتعرض لضعف الاحتمال. خصائص المجتمع ومن خصائص الحقيقة الاجتماعية أن الحادث ذاته يكون نتيجة في اعتبار، ويكون سبباً في اعتبار آخر. وهذا دأب الوظائف الاجتماعية كلها. فالدولة مثلاً نتيجة الحياة المشتركة، وهي بوجودها ذاته سبب مباشر لإحداث الوظائف الخاصة بها، والناتجة عنها. ومثل ذلك مفهوم الوطن والأمة والقومية. . . . ونحن نقتصر في هذا المقال على بيان ما يربط وجوه الحياة الاجتماعية بعضها ببعض، وعندنا أن أشكال التنظيم الاجتماعي هي أحسن معيار يدل على درجة مجتمع ما من الرقي والتمدن، فالجماعة الابتدائية، والجماعة القديمة، والجماعة المعاصرة، والجماعة المتمدنة. كلها تختلف لا من حيث الطبيعة والنوع، بل من حيث الدرجة والشكل. الوطن ولكن ما يجمع هذه الأشكال كلها، ويبقى مستمراً ما دامت، هو مفهوم الوطن، فهو وحده أصل لها، وهي تجسده وتجعله محسوساً وملموساً، وبهذا المعنى يسوغ لنا اعتبار الوطن، والعاطفة الوطنية، أساساً ترتكز إليه الوظائف الاجتماعية، والوطن هو مصدر تعلون الأفراد وتنافسهم، وفي حدوده يكون الناس، وعلى ضوء المجتمع اتقد سراج المثل الأعلى.

واتضحت مفاهيم الأهداف السامية، ومن ذلك إيمان الإنسانية بما تسميه المدينة. وهي الشعلة القصوى التي تجمع الآن أبناء النوع الإنساني مهما أمعنوا في التأخر، أو بالغوا في التقدم. فهي غايتهم وإن طالت إليها الطريق أو قصرت. روح المدينة والمدينة هي غير الحضارة على كل حال، ولسنا نود هنا إظهار الفوارق بينهما، وبلغتنا الإشارة إلى تفاوت المفاهيم الإنسانية في التركيب والتعقد، وليس مفهوم المدينة أكثرها بساطة وسهولة. وعندنا أن روح المدينة تلخص في استباق الفكر للعمل عن طريق التنظيم. وهذه الروح هي التي تربط_في رأينا_الغاية بالوسيلة، والنهاية بالطريق، فإذا كانت المدينة غاية الإنسانية اجتماعياً، فإن روحها تقوم على التنظيم، ومن وسائلها الفعالة عملياً، بل وسيلتها الاجتماعية بوجه عام، التربية بالمعنى الذي تشير إليه هذه الكلمة في رأس هذه المقالة. طبيعة المجتمع ألف الإنسان فهم طبيعة المجتمع على أساس إقامة الموازنة بين شعور الفرد وشعور الجماعة، وأبسط الأقوال في هذا المضمار أن تنظر إلى الحياة الاجتماعية نظرتك إلى الحياة النفسية. وهذا أصل الرأي القائل بأن المجتمع عبارة عن وجدان وشعور، كما أن حياة النفس وجدان وشعور. ومن الباحثين من يتابع الموازنة القياسية فيقول أن الحيات الاجتماعية ذات عقل وعاطفة وإرادة، مثل الحياة الفردية الشخصية. وكما أن اللاشعور النفسي حقيقة تعمل عملاً هاماً في حياة العقل الوعي والعواطف الظاهرة، والعزيمة الصادقة، فكذلك يعتقدون أن المجتمع يتمتع بمعجزات اللاشعور الاجتماعية، وكان له عقلاً باطناً يأتي بالسحر والعجائب ويكاد من حيث هو يلفت من ريقه الدراسة والبحث. غير أن التحريات العلمية والحديثة تنموا نمو جديداً، فتنظر إلى المجتمع نظرتها إلى موجود حي له خصائص مميزة وسلوك خاص، وقوانين. وعلى ذلك فإن المجتمع جملة متماسكة من الوظائف الناشئة عن الحياة المشتركة. ولا مجال لإنكار هذه الوظائف، إذ لا يمكن تجاهلها، والتعامي عن الاعتراف بها. وعند أصحاب الرأي السديد من العلماء تظهر فكرة الوظائف الاجتماعية بثوب البداهة واليقين. فهي لا تقبل الشك ولا تتعرض لضعف الاحتمال.

خصائص المجتمع ومن خصائص الحقيقة الاجتماعية أن الحادثة ذاته يكون نتيجة في اعتبار، ويكون سبباً في اعتبار أخر. وهذا دأب الوظائف الاجتماعية كلها. فالدولة مثلاً نتيجة الحياة المشتركة، وهي بوجودها ذاته سبب مباشر لإحداث الوظائف الخاصة بها، والناتجة عنها. ومثل ذلك مفهوم الوطن والأمة والقومية و. . . ونحن نقتصر في هذا المقال على بيان ما يربط وجوه الحياة الاجتماعية بعضها ببعض، وعندنا أن أشكال التنظيم الاجتماعي هي أحسن معيار يدل على درجة مجتمع ما من الرقي والتمدن. فالجماعة الابتدائية، والجماعة القديمة، والجماعة المعاصر، والجماعة المتمدنة، كلها تختلف لا من حيث الطبيعة والنوع، بل من حيث الدرجة والشكل. الوطن ولكن ما يجمع هذه الأشكال كلها، ويبقى مستمراً مادامت، هو مفهوم الوطن، فهو وحده أصل لها، وهي تجسده وتجعله محسوساً ملموساً، وبهذا المعنى يسوغ لنا اعتبار الوطن، والعاطفة الوطنية، أساساً ترتكز إليه الوظائف الاجتماعية، والوطن هو مصدر تعلون الأفراد وتنافسهم، وفي حدود يكون التعاون واجباً، والتنافس مشروع. أما إذا قصر التعاون عن أرضاء غاية الوطن أو غلا التنازع حتى مزق الوطن، فنيت الجماعة وباد أهلوها من الوجود، فذهبت ريحهم بذهابه، وأصبحوا أثراً بعد عين. الأمة فلا غرو أن يكون الوطن أكثر ألاعتبارات الاجتماعية ذيوعاً_وقدسية_بين مختلف الجماعات الإنسانية، وهو أيضاً أكثرهم اتصالاً بالواقع المشخص المستمر. غير أن مفهوم الوطن حين ينظر إليه من الواجهة العلمية والتاريخية يلبس حلة الأمة، ويمثل في الأفراد أنفسهم، ومن قضى منهم. ومن لا يزال على قيد الحياة، ومن يتحمل له الوجود اجتماعية لها وجوه متعددة، كاللغة القومية دائماً، والدين قديما، والقانون من الدستور إلى النظام حتما، فضلا في ذلك عن التاريخ والأرض والمادة البشرية التي يجمعها أبناء الأمة الواحدة، وأفراد الوطن ذاته. القومية والدولية

ولعل الفكر الإنساني لا يعالج مرحلة تزيد في خطرها وخطورتها على قضية القومية والدولية. والإنسانية لا تزال في دور التمخض، فقد تجهض أو تلد رجعية في اعتبا آخر، أو تلد تقدما في اعتبار آخر، ومهما يكن في الأمر فأن الحياة الاجتماعية تتأثر كل التأثر من هذه العناصر، آية ذلك الحروب التي يشنها قوم على قوم، والغزوات التي تحققها أمة ضد أمة ونحن لا نحكم هنا على الحقيقة القومية والاتجاهات الدولية، بل نريد الإشارات أولاً إلى معنى المنظمات الدولية المتتابعة، تنتقل مراكزها من لاهاي إلى جنيف إلى سان فرانسيسكو أو نيويورك احتمالاً. وهدفنا ثانياً إظهار ما يعرض لبعض مسائل التربية من حلول موقوتة، بعضها يعالج في المنظمات الدولية، وبعضها يترك للجامعات الدولية الضيقة أو الواسعة، وبعضها الأخر يحل على أسس القومية المستقلة الخالصة. الواقع والتربية بيد إن الجماعات الإنسانية تشترك اليوم في صفة ثابتة من الجهة الواقعية، إلا وهو وجود الدول الكثيرة على وجه الأرض، بعضها أقوى من بعض، إن ماديا وإن فكريا، وقد ألفوا وألفنا أن ندعو القوي منها باسم الدولة الكبيرة، كأن القوة والعظمة صنوان. والى جانب الدول الكبرى التي لا تستأثر بالوجود حتى الآن، وان كانت إلى ذلك تميل، وقي سبياه تسعى، عن شعور ولا شعور، يوجد دول نسميها بالدول الصغرى، ومن المنطق الرياضي تمييز دول متأرجحة نعرف بالدول المتوسطة، ونصيبا غريب عجيب! إن الفكر الأنساني الذي يقر وجود الدولة في كل مجتمع واقعي، يقر ذاته إن التربية وظيفة من وظائف المجتمع، ما دامت الدولة تنظم الحياة الاجتماعية بوجه عام، فيجدر بالدولة إحقاق التربية، ولا يحسن ذلك بغيرها. أغراض التربية ومهما تفاوتت صفات التربية في الأمم المختلفة، فأنها تتقارب في بعض الخطوط العلمية ولكنها تتحد في أصلها الاجتماعي، وهدفها الاجتماعي ووسائلها الاجتماعية. فالتربية وظيفة لا تنفصل عن المجتمع، وهي ضرورة إنسانية في الدرجة الأولى. ومن المعلوم إن الطفولة عند الإنسان اكبر مدة منها عند صغار الحيوانات. وكأن الطبيعة تمهد للحياة الاجتماعية ذاتها، فلذلك جعلت الآباء والأمهات يجهدن في العناية بالطفل، ويغرزون عنده الميل

الاجتماعي، إلى إن يبلغ أشده فيؤمن بالمدينة الإنسانية ويحيا من أجل تحقيقها وفقا للمثل العليا الناتجة عنها، والسائدة في المجتمع. وأما وسائل التربية فهي ذاتها تتنوع وتختلف من وسط اجتماعي إلى وسط آخر وأساليب التربية تتفاوت في الأسرة عنها في مستوى المهنة والسوق والشارع والوطن والأمة. وتفاوتها لا يقف عند زمان أو مكان ولكنها تستمد من البيئة الاجتماعية، ولا توجد إلا فيها. فالتربية وظيفة اجتماعية معقدة دائمة متصلة، وفي قدرتنا أن ننظر إليها فنجدها في كل مرحلة وآن. هناك تربية يكون الأطفال موضوعا لها، وهناك تربية تكون الأسرة مادة تفعل فيها. وهناك تربية تتناول الطبقات الاجتماعية المختلفة سيان في تمييز هذه الطبقات المالية أو الشعبية أو السلكية. والتربية في رأينا أعداد الأفراد والجماعات للاشتراك في الحيات الاجتماعية اشتراكا متكاملاً وهذا التعريف يظهر أن القائمين بوظيفة التربية هم ينوبون عن المجتمع في إحقاق ضرورة لابد منها وكل من ساهم في بالتربية بمعناها الواسع يضيف إلى صفته الشخصية صفة اجتماعية مميزة، فباسم المجتمع يمارس المهربون جهدهم، وتحقيقاً لأحدى_وأهم_وظائف المجتمع يبذل الأفراد والمؤسسات ذات الاختصاص العناية الممكنة، والعناء الشريف. التربية والدولة ولسنا ننكر تضارب الآراء حول استقلال الدولة وحدها بوظيفة التربية ونحب أن نفصح سبب هذا الاختلاف العميق، وعندنا أنه يرجع إلى جهل بالحقائق الاجتماعية، فليس الدول تتمتع الآن بدرجة واحدة من التطور، ونحن إذا انتقلنا إلى مستوى الحق والواجب، وجدنا أن ما يعارض تضلع الدولة بأمور التربية يسمى الأسرة أولاً ويسمى المؤسسات الدينية ثانيا. التربية والأسرة فمن قائل أن الطفل ملك أسرته، لها عليه حق التصرف والتوجيه والخلق والتنشئة، وله عليها بهذا القدر واجب القيام بوظيفة التربية والتعليم، وتكون الدولة متمتعة بأكبر قسط من الراحة. فلا يحق لها التدخل في أمور الأبناء إلا قليلاً، وفي حالات شاذة نادرة، وخاصةً

حينما يعجز الإباء عن القيام بهذه الرسالة. ويرى أصحاب النظرية أن يقتصر أثر الدولة على المساعدة المالية فتفتح الحكومة المدارس ويترك شأنها وتشرف عليها كما تشاء. التربية والمؤسسات الدينية ومن قائل أن التربية عمل هام، له الأثر الكبير في سلوك الأشخاص كباراً، وفي توجيههم صغاراً. المؤسسات الدينية وحدها تختص بالسهر على التربية والتعليم، فالأفكار والعادات والتقاليد التي تحمل إلى النشء إنما يجب أن تصطبغ بالصبغة الدينية. ولأصحاب هذا الرأي نظرة عامة تجعلهم يعتقدون بتماسك الحياة الدنيا والحياة الآخرة، فإن فاعلية الإنسان النظرية العملية، والفكرية والأخلاقية، عاجلاً أو أجلاً، وقف على نجاح التربية وإخلاصها ديانا السائدة. التربية والتاريخ وإذا شئنا الأنصاف أن كلاً من القولين مصيب في دائرته ومخطئ خارجها. والطريق الصحيحة المستقيمة تظهر لنا خلال التاريخ الإنساني. لقد ارتدت وظيفة التربية أثواباً مختلفة، وسراويل عدة متنوعة. ولا يكاد يجهل باحث اليوم أن التربية كانت في السابق وقفاً على رجال الدين، يعاونهم في أدائها أحياناً أفراد الأسرة من الراشدين الذكور، يمتنع اجتماع الصفة الدينية والصفة العائلية في الشخص المربى. تجد التربية منوطا بالكهنة من قدماء المصريين، وكانت اتجاهها عملية نفعية. أما التربية عند اليونانيين الأقدمين فكانت تختلف في إسبارطة عنها في أثينية. تستهدف خلق الجنود الشجعان في الأولى، وهي في الثانية أكبر عناية بتنمية المعارف والمدارك والشعور بالجمال والانسجام، ولكنها كانت في الحالتين إخضاع الفرد لأوامر الجماعة، وجعله قابلا لنزعات الحكومة، يتلقاها دون مقاومة، ويقبلها قبولا أعمى. أما في روما، وإمبراطوريتها الواسعة، فقد كان اتجاه التربية عمليا يقدس الشرف العسكري في الدرجة الأولى، وبهمل حياة الفنون والآداب. وكانت الصبغة الدينية تبدو هنا وهناك في مختلف أقطار العالم القديم. وفي القرن الوسطى الأوربية كانت التربية دينية مسيحية، ولما أشرق عصر النهضة انتشرت المبادئ العلمانية في التربية، وأخذت الناحية الأدبية الإنسانية تسود بانتظام وما

برحت الحركة العلمية والفنية في نمو وازدهار حتى أصبحت اليوم بمثابة التوجيه العالمي لقضايا التربية والتعليم الحياديين من الناحية الدينية. وفي هذا الاتجاه تجد الدولة أصلاً في تأمين وظيفة التربية والتعليم اجتماعيا فلا تكاد تدع للأسرة مجالاً، أو للمؤسسات الدينية فسحة، محدود للتدخل في شؤون إعداد أبناء الأمة للحياة. وفي بعضها لازال أمر التعليم متروكا للمؤسسات الدينية من الناحية الروحية فحسب، على أن تكون هذه المؤسسات موضعاً لمراقبة حقيقية، لا تغفل ولا تماري. التربية العربية ونختم هذا البحث بالإشارة إلى ما كانت عليه التربية عند العرب منذ أقدم العصور وكما وصلت إلينا، ففي العصر الجاهلي كانت أهداف التربية تقتصر على إعداد الأبناء لتأمين أسباب الحياة المادية الضرورية. وكان العرب يقسمون إلى بدو وحضر. وكان تحصيل العيش واللباس ومدافعة الأعداء وقهر عوارض الطبيعة أكثر ما يرمي إليه البدو في تنشئته الأطفال، حتى تشتد سواعدهم، وتقوى أجسامهم، وكان الحضر من العرب يعملون إلى جانب ذلك بالصناعات والمهن كالطب والهندسة والنجارة والتجارة. والعرب جميعاً كانوا جد حريصين على غرس الخصال الحميدة والخصال النبيلة في النفوس، مما شهروا به، واشتهر بهم. وكانت الأسرة أو العشيرة هي التي تقوم إجمالاً بوظيفة التربية والتعليم. وكانت أسواق العرب تغني عن المدن الجامعية وكان للمرأة في كل ذلك شأن أساسي عظيم، ونصيب وافر كاف. ولما وجد الإسلام وذاعت تعاليمه في الجزيرة العربية وسوريا والعراق ومصر وأفريقيا الشمالية والأندلس وأنتشر شرقاً حتى عم فارس وقسماً كبيراً من الهند وغيرهما. . . . اتسعت آفاق التربية والتعليم، واختلطت ثقافات عديدة في ظل المملكة العربية الإسلامية، وكانت التربية آنئذ تجمع إلى أغراض الدنيوية، غرضاً أخروياً، في جميع أوساط المجتمع العربي على السواء. وكانت معاهد التعليم تتمركز في الجوامع والمساجد والمستشفيات ثم ظهرت المدارس ذات الاختصاص، ووجدت دور الكتب والمطالعة ولكن تنظيم التعليم والتربية كان يتفاوت من

قطر إلى قطر، ولم يتبع أسساً شعورية موحدة، ومن المؤسف الاعتراف بأن موضوع التربية والتعليم لم يدرس بعد في اللغة العربية دراسة علمية تامة، فهناك أبحاث متفرقة، وجهود تحليلية أولى، لم تتناول مذاهب التربية وأساليب التعليم في نظرة جامعة، كما تجدها في المجتمع آنئذ، وكما نجدها في مؤلفات الغزالي وابن خلدون، وكما تظهر على أكمل وجه وأتم وضوح في أبحاث إخوان صفا التي أودعوها رسائلهم الشهيرة الإحدى والخمسين. التربية في سوريا والتربية في سوريا تصلح_إلى حد ما_أن تكون مثالاً على ما وصلت إليه التربية في البلاد العربية بعد انفصالها عن الدولة العثمانية. وأن كنا لا ننكر الفوارق التي أخذت تميز الأقطار العربية بعضها عن بعض من الناحية التربوية ما بين الحربين العالميتين. تملك الدولة السورية_مبدئياً_حق القيام بوظيفة التربية والتعليم، وتشرف بواجب أداء هذه الوظيفة على أفضل وجه، وقد مرت الدولة السورية إبان تاريخها الحديث بأدوار مختلفة، بأدوار مختلفة، وأزمات متعددة، وحالا من عدم الاستقرار ليست بالشيء اليسير أو القليل. ومن الواضح أن الدولة السورية تسير في ذلك وفق أصح الاتجاهات التربوية العالمية، فالتربية عمل اجتماعي ووظيفة تحققها الحكومة التي تنشأ في ظل الدولة، ولا خلاف في مشروعية هذا الوضع من حيث المبدأ والأصل. كتاب مقدس غير أن الحكومة السورية_في مستوى الواقع_لا تتمتع باستئثار شامل لوظيفة التربية والتعليم. وليس في نيتنا أن نتحرى هنا أسباب هذا الوضع، وهي موجودة في الحالة الراهنة، كما أننا لن نذكر اليوم التفاصيل ما كان وما هو وما يرجى، وقد أناط القائمون على الحكم مسألة البت في هذه الأمور بمشاور فني وضع لها كتاباً مقدساً تفاوت فيه البحث حالة المعارف السورية واقتراحات لإصلاحها وقد جمعها في جملة من التقارير شهيرة تعمل الحكومة على تنفيذها بدقة وثبات. ونحن إذ نرجو لهذا الكتاب حياة مستمرة، نحب أن نلفت الأنظار إلى أن وظيفة التربية والتعليم في سورية لا تصلح كلها إذا صلحت قضايا المعارف الرسمية فحسب. فهناك

حاجات تربوية لا تغني بها المعارف اليوم، ولكن البلاد تشعر بها شعوراً شديداً، فمن هذه الحاجات، إلى جانب المعرفة، التربية الوطنية الشاملة التي يجب ألا تقتصر منذ الآن على المدارس الرسمية، وعلى الأطفال والشباب، بل تتناول القروي في حقله، والبائع في حانوته، والبدوي في صحرائه بين السماء والرمل. وهناك. . . وهناك. . . . وبكلمة واحدة، نحن لا نزال نشكو_كالشقيقة المصرية_من الجهل والفقر والمرض. وعندي أكثر ما ينقصنا في المسائل التربية بكلمة التوجيه. فالتوجيه الصحيح_أن كان موجوداً عندنا_فهو ضعيف خجولا، حيران. وإحدى آيات ذلك الكتاب المشار إليه. ففيه حديث رائع ووصف ممتاز لماكينة 1 المعارف السورية ببيوتها ودويلاتها وزيوتها ودخانها ولكن الروح الشاملة الواعية، الجريئة الواضحة، لا تكاد تلمس خلال الأسنان والأمشاط والمحركات!. . ربما عدنا إلى بحث هذا الموضوع في عدد قادم، بحثاً تفصيلياً كافياً. خاتمة ومهما يكن في الأمر، ومهما صلحت الناحية الفنية الخالصة، فأن أهداف التربية السورية تستمد حياتها_فعلاً ووجوباً_من حاجات البيئة ذاتها، بيئتنا اليوم. ولا بد من أن ينظر إلى هذه الحاجات بإخلاص، واعتبار ما يربط بلادنا بماضيها من جهة أخرى، وبوجه خاص. لا يشذ ذلك عن نطاق الوطن العربي، لا يستهدف سوى صالح الأمة العربية ونفعها، وبقائها، ونجاحها. فما لا بد من وضعه دوماً في طليعة الأبحاث التربوية، حقيقة علاقة التربية بالمجتمع، والمدرسة بالوطن، وعلى نجاح التربية وصلاحها تتوقف حياة الوظائف الاجتماعية الأخرى الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وقد تؤمن الحكومة واجب التربية والتعليم، وقد تتدخل في ذلك_إلى حد ما_الأسرة والمؤسسات الدينية كما هو موجود فعلاً في بلادنا الحبيبة اليوم، والأصل في كل ذلك أن تتضافر الجهود، وتتعاون الأسرة والمدارس الأهلية والحكومة على القيام بعبء التربية الأقدس. ولسنا نعالج هنا قضية المدارس الأجنبية التي تضرب بسهم في الموضوع، ضمن شروط وظروف تدعو إلى التفكير. بل إن غايتنا من تباين هذا الواقع إنما هي استنهاض الهمم، واستفزاز العزائم الصادقة، في تدارك مسائل التربية والتعليم في بلادنا من الناحية. وعندما تصح ويصح لسائر البلاد العربية تحقيق

وظيفة التربية اجتماعيا على أحسن وجه من ناحية أخرى، يبلغ العالم العربي شأوه، ويكتب له الوجود والفوز والبقاء. وعلى هذا الأصل، وبهذا القدر، تساهم الأمة العربية في المدينة العالمية وتعمل على تقريب الإنسان من الكمال، حتى يبلغ المجد! عادل عوا

قصة هذا الجيل

قصة هذا الجيل للأستاذ عزة النص مدير التعليم الإبتائي في الرياضة الفكر على النقاش والجدل متعة وفائدة. وإذا لم نجن منها فائدة قريبة فنحن نستمتع بعض الوقت بما تتركه في نفوسنا من نشوة ولذة، فتعالوا نتناقش. . . ولعل خير أسلوب للمناقشة أن نسوق المقدمات ونتفق على صحتها ثم نتدرج منها إلى النتائج، فهلم نسلك معاً هذا الطريق، طريق السادة المناطق. . . ومن أوليات المنطق أن يكون هنالكقضيةتوضع موضع البحث، وقد فرض علينا القائمون على هذه المجلة موضوعاً معيناً وهوالمدرسة والمجتمع. وهي_كما ترى_قضية لا يبت فيها برأي قاطع بل تحتمل ألجدل والحجاج، فليس في المسألة هنا قولان. . . بل أقول وأقول. ولعل في حصر الموضوع وتحديده ما يعين على بحثه ومعالجته، فلا أراني بحاجة لأن آتيك بالبينات التواضع على أثر المدرسة في المجتمع. . . فهذا أمر مفروغ منه وقد اتفق عليه جلة أهل الفكر وإنما المهم أن نعمل الرأي في أمور ثلاثة هي: 1_هل كل شيء في مجتمعناً يجريعلى أحسن ما يرام في أحسن عالم ممكن؟! أم يبدو لك أنه يحتاج إلى قدر يسير أو كبير من هذه المادة العجيبة التي يسمونها الإصلاح؟! 2_هل تقوم مدارسنا بأداء نصيبهم_ولو قليلاً_من هذا الإصلاح؟ 3_كيف تستطيع مدارسنا الاضطلاع برسالتهم في المجتمع على وجه أكمل؟ وشرطنا في البحث حرية معقولة في الرأي، فلك أن تدلوا بدلوك في عدد ثان من هذه المجلة وتزعم أن مجتمعنا مثل فذ في المجتمعات، وجيلنا آية فريدة في الأجيال. . . ووردت لو استطع تصدقك ولكن الحقيقة المائلة تجذبني بعنف من علياء القمر إلى سطح الأرض، أن لم يكن تحت سطحها بأمتار. . . أنا أزعم أن مجتمعنا سديمي لم يتكتل وتبرز عناصره ويستقر على فلك معلوم. فلست أرى فيه صخرة ثم تكوينها بل لا أشاهد فيه بعد مظهراً من مظاهر التضاريس الثابتة. . . ولا

يعكس المنظار إلا هواء وأهواء. . . وما يكون حالة مجتمع قضى قروناً أربعة في ليل برم؟! ولما غمرته موجة النور كانت نواظره قد الفت الظلمات فغدا يفتح الجفن على خوف وحذر ثم يغلقه وينعم بالظلام المألوف! أربعة قرون ظالمة مظلمة تمخضت فولدت أبناء هذا الجيل. . . وحسبي أن أقص عليك سيرة واحدة منهم لتعرف قصتهم جميعاً. فهم سواسية كأسنان المشط، خلقهم الله من فصيلة واحدة على نموذج موحد، أن لم يتشابهوا في الخلقة وبنية الجسم فهم متشابهون في الخلق وبنية العقل، وأن تفاوتوا في السن فأعمارهم العقلية متقاربة على كل حال. أنا أزعم أن مجتمعنا يتميز_أكثر مما يتميز_بالنزعة التجارية. . فنحن مضرب المثل في معرفة مأتي الربح والغنيمة مما كان السبيل إليها. . ولو وقف الأمر هنا لهان الخطب، ولكن غريزتنا التجارية النامية تسيطر على ألبابنا ومشاعرنا فأصبحت لنا أخلاق تجارية عريقة وعقلية تجارية مهنية. أنا أزعم أن إنسان هذا الجيل تاجر مراب في كل شيء. . . في حبه وبغضه، ووده، وكرهه، وتدينه، وإلحاده، وحزبيته، وحياده وعلمه_وكدت أقول وجهله أيضاً. . . فالمدرسة والبيت والوظيفة والحانوت والحياة كلها. . عند الإنسان هذا الجيل، تجارة ترتكز إلى أساس صلد مكين من الأثرة وحب الذات. وصاحبنا_إنسان هذا الجيل_مولع بالغزو والسطو فأن لم يستطع بيده فبقلبه ولسانه، ونحمد الله على أن القوانين الوضيعة قد حدث الغزو باليد وبقي الغزو باللسان والقلب. هذا الكائن الحي لا تستسيغ نفسه فضيلة التعاون. . وهو حسود كنود سباب عياب مغتاب شتام هدام. . وما شئت أن تضيف إلى ذلك. . . وكان إلى عهد قريب يعيش مع ذويه ضمن إطار الأسرة فكان له من فضائل التعاون الاجتماعي نصيب العصبية القبلية على الأقل. . . فلما أخذ بالمدينة الحديثة وتحلل من قيود الأسرة أضاف إلى الأسرة التجارية الموروئة ميزة الانفرادي، فكان يقولنحنويريد أسرته وذويه فأصبح ألان لا يعرف إلاأنا. . . هذا الكائن الحي يسألك بلهفة أين كنت؟ وماذا أكلت؟ إلى أين أنت ذاهب؟ وكيف حالك؟ فلا

تحسبن ذلك منه دليلاً على الود والولاء. . . وإنما هو يتحرى في قرار نفسه أن يعرف إذا كنت أحسن منه وأوفر مالاً وهو يألم غي قرار نفسه أن تكون أحسن منه حالاً وأوفر مالاً. ووليد هذا المجتمع يتحدر من قوم آلفوا_في عهد بني عثمان_إظهار الفقر وارتاحوا إلى الشكوى، لئلا يتهموا بجريمة الثروة أو يظن بهم اليسار فيعرف ذلك الجابي والوالي. . . رحم الله بني عثمان، ما أشد مذاجتهم، فلقد كان أجدادنا يتملصون من دفع الإتاوة بلبس الرث من الثياب، ودنانيرهم الابريزية مدفونة في التراب أو في حنايا الجدران: أين بنو عثمان من الملك الغربي الذي كان يقول لمن ينفق عن سعة: أنك تصرف فأنت إذن غني، فيجب أن تدفع، ويقول لمن لا ينفق: إنك لا تصرف فأنت إذن تدخر فيجب إذن أن تدفع، فما كان ينجو منه غني فقير! وصاحبنا من قوم أولعوا بالإمارة ولو على الحجارة. . . صغيرهم ككبيرهم زعيم حاكم يأمره يأبي ويطلب أن يطاع. وهو بعد من أمة لا تعرف التوسط في الحب والخصام ولا تقف بعنفها عند حد معقول مقبول، الحب عندها كالبغض يرغي ويزيد وينقم ويهدد ويشتم ويهدم. ولا تسلني كيف ولد صاحبنا_إِنسان هذا الجيل_ومتى ولد؟ فقد حملت به أمه في جو محموم مسموم وقذفت به لهذا العالم في جو محموم مسموم: ضيق يد ومجاعة وخوف وهلع وحروب وثورات على الترك والإفرنج. وجو مثل هذا حليق بأن يخرج جيلاً عصيباً سوداوياً مضطرباً مكتئباً مهموماً. . إِنه جيل زئبقي ينتقل بسرعة الكهرباء من قطب الخير إلى قطب الشر، وهو إلى الشر أسرع. جرب مرة أن تحصي عناصر الخير والشر فيما يدور حديث بين أبناء هذا الجيل واعمل (نسبة مئوية) ثم احكم. . لقد خرج هؤلاء الأبناء إلى عالم الكون والفساد وهو في بحران مد لهم: أجنبي أحمق يدعي انه جاء ليعلم الكياسة، أجنبي لص يزعم انه جاء لينشر الحضارة ويفرض الكرامة. . إنه نشر الجهل والفقر والمرض. ومهما يكن من أمر فلقد كان من لهذا الأجنبي البغيض فضل على الأبناء هذا الجيل لم يقصد إليه عن طوع فقد جمعهم على عداوته ووحد بين قلوبهم على كرهه فتعاونوا على

طرده وخذلانه، تسلقه ألسنتهم تدمير حجارتهم وتصم آذانه أصوات حناجرهم: وآل التعاون إلى ما يؤول إليه كل تعاون على البر، فزال الأجنبي ولكن الغرائز المكبوتة لم تزل والعضلات الضامرة لا تنفك بحاجة إلى رياضة، والحناجر الغضة لا بد لها من الاستمرار في المران. . . لقد تمرد هؤلاء الأبناء على آبائهم وتحللوا من طاعتهم، ومن آباؤهم؟ جهلة لا يعرفون العلوم العصرية ولا يوطنون بالغة الأجنبية، وهم بعد في شغل عنهم: الآباء في المقاهي والأمهات في الحفلات، والجو المنزلي لا حب فيه ولا تعاون. وبعد أتحسب أنني استعرضت لك جميع عيوب الجيل؟ لا، أنا لم أذكر إلا أهونها. قيل أن (روسو) فكر في خير السبل لتحقيق مبادئه في الإصلاح الاجتماعي والسياسي فوجد أنجحها تهيئة جيل مستعد لهذا الإصلاح عن طريق التربية، فهل مدارسنا تعمل على ذلك؟ لقد ذهب أبن الجيل إلى المدرسة_وقد رأيت تراثه الضخم بالعلل الخفية والظاهرة_فماذا وجد فيها؟ وجد فيها الحساب والهندسة والجبر والفلك والمثلثات والفيزياء والتاريخ الطبيعي والتاريخ والجغرافية الخ. . . . لكنه لم يجد لم يجد ما يقوم نقائصه ويسدد خطاه. أن كل شيء يسير في مدارسنا كما لو كان التلميذ فيها سوياًً حلوقا بريئاً معتدل المزاج. . . . يحتاج فقط إلى كمية لا بأس بها من المعلومات، وكأن مشاكل المجتمع لا وجود لها وكأن جميع تلك العلل لا أثر لها. أنا أفهم المدرسة بأنها (تأخذ الطفل كما هو وترده كما يجب أن يكون). أنا أفهم المدرسة بأنها مكان يصلح فيه ما أفسده المجتمع فتدرس فيه أخلاق كل تلميذ ومواهبه وميوله وعواطفه وتوجه الوجهة الحسنة. مجتمعنا بعوزه التعاون ونحن نعود الأبناء في المدارس على التنافس والتزاحم وكان بوسعنا أن نعلمهم التضامن المبدع في الألعاب الرياضية والأشغال والمشاريع المشتركة. مجتمعنا يعوزه الحب الصحيح فهل في مدارسنا آثر لهذه الحب بين التلميذ ورفاقه وبين المعلم وتلاميذه؟

إن مدارسنا تحوي على مقاعد وألواح ومناضد وخزن وكتب ودفاتر. . . . وفيها معلم يتكلم ويسمع وتلامذته يتكلمون ويسمعون، وأي شيء من ذلك يمت إلى الحياة بصلة؟ إننا اليوم نعلم (بالجملة) لا (بالمفرق)، نسوق تلامذتنا كالقطيع بعصا واحدة، مدارسنا_في وضعها الراهن_معامل لإخراج أصحاب شهادات أي تجار علم لكنها لا تخرج علماء ومفكرين، لم تعجب لعقمنا في الإنتاج الأدبي والعلمي؟ هل يكون الإنتاج إلا بالمطالعة المستمرة وهل أساليبنا في التعليم تعود على ذلك؟ من المقبول أن تكون الجامعات مركزاً (لتعليم البحث) ومن المقبول أيضاً أن يكون (نصيب التعليم) أكبر من (نصيب التربية) في المدارس الثانوية أما في المدارس الابتدائية فيحسن أن يكون رائدنا فيها قليلاً من التعليم مع كثير من التربية)، بل يمكن أن نكتفي بالمدارس الابتدائية بالمهنتين الأساسيتين: القضاء على (الأمية الأخلاقية). نحن نبالغ جداً في فائدة التعليم في المرحلة الابتدائية فنفرض على الطفل أن يتعلم فيها الأسس الأولى لجميع العلوم، فمت إذن نتفرغ لمراقبة نمو ملكاته ونزعاته وتكون عاداته وأخلاقه؟ لقد أخذنا أمداً طويلاً بالحكمة القائلة (العلم في الصغر كالنقش على الحجر)، فهل أنت معي قي زيادة كلمة واحدة على هذه الحكمة فنقول (العلم في الصغر كالنقش بالماء على الحجر)!؟ لست أميل إلى التربية_روسو_السلبية فأرغب في ترك الطفل للطبيعة حتى سن الثانية العشر، وإنما أحسب إننا نحسن صنعاً في إهمال التعليم المحض إهمالا كبيراً حتى سن التاسعة على الأقل. . . . أيها السادة المعلمون أنا أعرف حق المعرفة صفوفكم المكتظة بمئات الكتل البشرية التي نسمها الأطفال. وأعرف حق المعرفة تعزر القيام بعمل تربوي في صفوف كهذه يمكن أن نسميها كل شيء إلا أنها صفوف مدرسة. وهذا موضوع المناقشة، فهل تستمر على سياسة (الكم) في التعليم أم نجنح إلى سياسة (الكي_ف)؟ يزيد أطفال سورية سنوياً خمسة وأربعين ألفاً، وتعليمهم يقتضي كل عام زيادة ألف معلم وفتح مائة مدرسة على الأقل، فكيف السبيل إلى تعميم التعليم مع تطبيق الأساليب التربوية الحديثة؟

لكل مشكلة حل أو عدة حلول، فهل ترى فرض ضرائب غير مباشرة جديدة باسم التعليم أم عندك حل أخر؟ المهم أن نعرف ما نريد ثم نحاول معرفة السبل الموصلة إليه، إننا نريد مدارس حية تعد التلميذ لحياة أمثل ومدارسنا اليوم لا تفي بهذه الغاية. يقول (ديوي) في كتاب (التربية والاجتماع): أن مركز الجاذبية في التعليم الحاضر هو خارج الولد أي في المعلم والكتاب وأن شئت وفي أي شيء شئت، عدا كونه في غرائز الولد وقواه وحياته، فيجدر بنا تحويل مركز تلك الجاذبية، وعلينا أن نقوم بالانقلاب الذي قام به (كوبر نيكوس) بنقله مركز العالم الفلكي من الأرض إلى الشمس، فيصبح التلميذ شمساً تدور عليه عوامل التهذيب. عزة النص

توجيه

توجيه للأستاذ رشدي بركات مدير معارف دمشق المدارس والمجتمع كلمتان لينتان. هينتا للفظ، خفيفتا الوقع، ولكنهم، في ضمير الوعي العقلي وأغوار التفكير الصحيح، وحقائق الحياة الإنسانية والقومية، وبناء الشعوب والأمم، هما كل شيء ولا يكاد يعد لهما في خطورتهما أمر. فالمدارس أم الجميع الرؤوم بل الدعامة الوحيدة التي لا يقوم كيان المجتمع إلا عليها: بعيشها يعيش، وبرقها يرقى، وكيفما وجهتها توجه. والمجتمع هو الشعب بمجموعة، والأمة بكاملها، والدولة بقضها القضيض. فإنشاء أمة طيبة، حرة، سعيد، وبناء دولة مستحضرة، سيدة، مجيدة، خالدة، يجب أن يبدأ بتشييد مجتمع صالح بتكوين مجتمع صالح. والمجتمع الصالح لا يمكن أن توجده إلا مدرسة صالحة، إذن فيناء الأمة والدولة يجب أن يبدأ بالمشروع في بناء المدرسة وإصلاحها. والمدرسة بل الحيات الحضرية كلها تقوم على: معلم يبذل، ومتعلم يأخذ ويتقدم، وغذاء فكري وروحي بينهما تتداول العقول والقلوب والجوارح، ويزداد نضج وسمواً على مر الأيام، وكلما تكررت علمياً التبادل بين معلمين ومتعلمين وطلاب علم. وإني لأرجو أن تكون هذه المجلة آمن وسيط، وأكفى وثاق وأكثر منابع النور تألقاً وهداية، حول أضوائها تتكتل قوى العلم، وتتجمع عناصرها الخير، ويتساند جنود الثقافة، وتشحذ عزائم بناة الوطن، وتنبعث الفضائل العربية، وبعد إن هذه المجلة قد سدت ثلمه في عالم الفكر، وملأت فراغاً في ميدان التقدم في البناء، وأكملت نقصاً جسماً كنا نلمسه بحزن. وأوجدت صلات كانت مفقودة أو شبه مفقودة، بين أفراد التعليم، فعليها يعول في العمل على رفع شأن العلم وأهله، وبث شكواهم العادلة، وتحسين طرائق الجهل والجهالة. وختاماً، كلنا آمال في أن يهب الله لهذه المجلة عمراً مديداً، في أغزو مادة، وأقوم منهج، وأرشد سبيل، فتساهم في تكوين مستقبل زاهر بسام، تتفيأ هذه الأمة إلى السؤدد والكرامة ظلاله الوارفة، بعد طول بلاء وعناء، وبناء.

رشدي بركات

الثقافة الأثرية

الثقافة الأثرية للدكتور سليم عادل عبد الحق محافظ دار الآثار الوطنية في دمشق متحف اللوفر من أحب الأماكن إلى باريس. وقد زرته للمرة الأخيرة لما رحلت منذ شهرين إلى هذه المدينة. فلفت نظري كثيرة الزحام وتدفق الناس في قاعدته وأبهائه وجلهم من الرجال التعليم والطلاب، وأدهشني الجهد الكبير الذي يبذلونه والانتباه العميق الذي يصرفونه في تفهم آثار الحضارات الماضية ومخلفات القرون الخالية. ففي الآثار الأشورية رأيت أستاذاً يشرح لطلابه خصائص النحت في عصر صارغون وبالقرب من المصطبة المصرية شاهدت مربية مسنة تحدث طالبتها عن طريقة التحنيط والدفن لدى المصريين القدماء، أمام الدرج الكبير المنتصب وسط القاعات الإغريقية_الرومانية التقيت بفئة من الأحداث قد أحاطوا بتمثال ربة النصر المعروف باسم ساموتراس يرسمونه على دفاترهم ليبقى وضعه الجميل مائلاً دوماً في خيالهم. وكذلك كان الأمر في قاعات التصوير الحديث، فهنا سمعت ملاحظة من أحد المحضرين وهم كثر، عن فنرفائيل، وأفدت نادرة عن الحياة ليونار دوفيس، وهناك طرقت مسامعي قصة أعرفها عن روبنس والتقطت المعلومات عن رامبرانت ذكرتني بما كان يحدثنا به أحد أساتذتنا عن تصوير الهولندي، في معهد الفن والآثار الباريسي منذ سنوات مضت. ولم تنته الزيارة حتى شعرت أن المتحف كبير ينبع لثقافة أثرية وفنية كبيرة وأنه مدرسة دائمة يجد فيها المثقفون لذة فكرية لا تعادلها لذة أثناء تفرجهم على نفائس الماضي. ذكرت بأسف مرير عجز متاحفنا السورية عن مجارات المتاحف الأوربية لضعف وسائلها المادية، وخلوها في أكثر أيام الأسبوع إلا من موظفيها ومن محتوياتها. يطلع علينا في كل بضعة أيام زائر أجنبي، وفي كل شهرين تلاميذ صف من صفوف الثانوية أو الابتدائية يملئون المتحف بضجيجهم وضوضائهم. ولا يكادون يصغون إلى الدليل الوحيد المكلف بتعريفهم ما لدينا من ماديات. واهتمامنا بآثارنا غير النقولة لا يفوق اهتمامنا بما في متاحفنا، فينذر أن يسمع عن شخوص أعضاء نوادينا وجمعياتنا الثقافية إلى مناطقنا الأثرية عن عمد وعلى غبر نية النزهة وقد حدثني أحد زملائي وهو مكلف بالعناية بآثار بصرى

أن طلاب مدرسة عالية من دمشق قصدوا مدينتنا للتفرج على آثارها النبطية والعربية وغيرها. فلم يكن لهم في برنامجنا رحلتهم إلا دقائق معدودة يقضونها داخل القلعة. ويعلل زهد الناس في زيارة متحفنا وعدم اندفاعهم إلى رؤية أبنيتنا الأثرية التي تملأ مدننا وقرانا، بنقص الثقافة الأثرية في بلادنا وقلة شيوع النتائج العلمية التي وصلت إليها الباحثون والمنقبون بين الطبقات المتعلمين، وأنصرف عامتنا حتى يومنا هذا عن دراسة مخلفات أجدادنا المادية فإذا كان لنا عذر في تقصيرنا هذا أثناء العهد السياسي الذي سبق عهدنا الاستقلالي والذي صرفنا معتمداً عن الاهتمام بهذه الناحية، فلزام علينا وقد أصبحنا نسير دفة سفينتنا بأنفسنا أن نسعى بأقرب ما يمكن لتدارك النقص فنولي الآثار شطراً كبيراً من عنايتنا، لأن بلادنا غنية جداً بها فأطلال تدمر وبعلبك ومخلفات المدينة البيزنطية وقصور الأمويين ومساجد وقلعت الحصن والأوابد الأيوبية والجوامع التركية مضاف إلى الآثار التي تحويها متاحف دمشق وحلب والسويد وغيرها تؤلف مجموعا كبيرة يندر وجودها في بلد أخر. ومن الضروري أن ينشر باللغة العربية جميع ما عرف عنها وأن تعرف جميع خصائصها وميزاتها. وفي الحقيقة أن الثقافة الأثرية من مقومات المدينة الحديثة وأن الفوائد المرتجاة من تعميمها بين أفراد الشعب من جانب كبير على أهمية. فهي تقدم إلى الفنانين والصناع المعاصرين مجموعة من الأشكال والنماذج جديرة بأن توحي إلى خيالهم وأن تحسن إنتاجهم بما تحتويه من دروس وعظات بالغة. ورجوع أصحاب الفن إلى الماضي لاستنطاق مألوف لدى كل الشعوب وفي كل العصور نسرد للتذكر أمثلة يعرفها كل الناس. فقد استلهم فنانو النهضة الأوربية من آثار المدينة الإغريقية_الرومانية في إيجاد فنهم العظيم الذي عاشت عليه أوربا قروناً عديدة، واستوحى إبداعيو القرن التاسع عشر في تكوين فنهم الرومانطيقي من مخلفات القرون المتوسطة، ونستفيد نحن الآن في فن بنائنا المعاصر من الآثار الأيوبية والأندلسية والتركية. وأخيراً فإن تقليد صناع الزجاج والفخار والمجوهرات والحلي والثياب وغيرهم ما أنتجه من تقدمهم في الماضي القريب والبعيد معروف شائع منذ القديم الزمان وحتى يومنا هذا. على أن الغاية من الثقافة الأثرية ليست فحسب اجتباء نفع مادي مباشر. لأن الاشتمال

والاهتمام بالآثار فاعلية غير مادية من أهم خصائصها أنها تشبع في النفس الرجل المثقف حب الاطلاع والخيال والرغبة الملحة في معرفة ما كانت عليه حياة الأمم في الأزمنة الماضية، وما قدمه المصريين القدماء والكلدانيون والإغريق والرومان والعرب وغيرهم إلى المدنية التي تنعم اليوم بثمراتها. وفي الواقع إن حياتنا الحاضرة ما هي إلا خاتمة للعهود التي سبقتنا. فالمخترعات الحديثة التي تقوم عليها مدنية العصر الحاضر نتيجة لمحاولات قام بها البشر من أنفع الأشياء لنا. لأن ذكائنا وأحاسيسنا وإراداتنا كلها قد تأثرت بذكاء وأحاسيس وإرادة آبائنا وأجدادنا. ونحن نحتفظ بفكرنا بآثار أفكارهم ولزام علينا إذا أردنا أن نعرف أنفسنا وأن نلقي نوراً على أشكال فاعليتنا المادية والمعنوية أن نرجع دوماً إلى الماضي. ويقول (ديونا) العالم الأثري السويسري: إن البشرية مؤلفة من أموات وأحياء، والأموات أكثر بكثير من الأحياء. وهم أقوى منا لذلك فأنهم يوجهوننا دوماً. ونحن نعيش في ظل المبادئ الحقوقية والقوانين التي أوجدها ونسكن المنازل التي بنوها أو التي اهتدوا إلى نظريات بنائها، ونستعمل الأدوات التي ابتكروها. لقد كانوا أحياءً مثلنا وكان لهم نفس الحاجات التي تعتلج في نفوسنا، وقد خضعوا لنفس الضرورات الجسمية والروحية التي نخضع لها. وفي الحقيقة إِن جيلاً واحداً من الأحياء لا يعد شيئاً بالنسبة إلى الأجيال التي سبقته إذا فكرنا أن الإنسان ظهر في حوض البحر التوسط وبدأ يصنع مدينته منذ 100،. . . سنة قبل المسيح وربما أكثر. فما هي إرادتنا اليومية بالنسبة إلى الإرادة العالمية البشرية التي عمرها آلاف القرون؟ ويقول برغسون متكلماً عن التطورات الطارئة على حياة البشر والبادئة بالمبتكرات الفنية التي يهتم بها علم الآثار: بعد آلاف السنين عندما لا تترك أنقاض عصرنا إلا خطوطاً عامة في تاريخ الإنسان فإن حروبنا وثوراتنا سوف تنسى ولن يحسب لها إلا حساب ضئيل، ولكن الآلة البخارية مع ما يؤلف موكبها من المخترعات الجديدة سوف تجعل الأجيال الجديدة تتكلم عنصرنا كما نتكلم نحن عن العصر الحجري أو النحاسي أنها ستؤلف عصراً جديداً. . ولو عاش برغسون حتى يومنا هذا وسمع بالقنبلة الذرية لأبدل وأعلن انبثاق عصر الذرة الجديدة. ومهما يكن فأن علم الآثار وتاريخ الفن لا ينفصلان عن التاريخ الإنساني الواسع، وهما

الأساس الضروري الذي يبنى عليه. فليس إبطال التاريخ الحقيقي، السياسيون والملوك ورجال الحروب. أنهم مبتكرون والمبدعون في كل المرافق الفنية الذين يستطيعون بعبقرية تفكيرهم أن يجعلوا الفنون الإنسانية تتقدم وتتطور. ومنهم رجال العلوم المصرفون لذكاء الإنسان الذي ساعد الرجل الابتدائي أن يرتفع فوق مستوى الحيوان ومنهم الذين يكتشفون نظريات في العمل جديدة أو يطبقون نظريات غيرهم فيتوصلون إلى طريق جديدة للسيطرة على المادة ويستطيعون أن ينقلوها بآثارهم إلى غيرهم. وعلى هذا فأن العالم يوقظه المشتغلون بالآثار هو عالم حي فالمعابد آلهتها والقصور المتهدمة التي يسعى، في الاحتفاظ بها أو إعادة تشييدها كما نفعل في إعادة تشييد جناح من قصر الحير في متحف دمشق، والتماثيل المحطمة والمجبورة والتي لم يبقى إلا جزء منها، والأدوات القديمة المختلفة التي تجمع في المتاحف، تحوي كلها وراء موتها الظاهري حياة الماضي الذي أوجدها في مظاهر المختلفة الفردية والاجتماعية، وفي حاجاتها المتواضعة والمرتفعة. فإن كان التعليم بشكله الحالي عندما يمجد العمل الإنساني ويمنحه عناية فائقة، فكم تزداد الفائدة منه عندما تمجد برامجه ورجاله الماضي أوسع مما هي عليه الآن، فيوضح إلى التلاميذ المراحل التي اجتازها الإنسان منذ الآفة السنين في تطور منتجات عمله من منشآت وفنون وأشكال وأدوات وما إلى ذلك. فالثقافة الثرية تصبح بتماسها مع التربية ذات دور اجتماعي خطير ويزداد بل الغاية المتوخاة منها. فهي ليست دراسة سلسلة من الأعمال الخاصة من الحجر والفخار والمرمر والبرونز والعاج وغيرها. إنها تمجيد العمل الإنساني في كل العصور والأزمنة عندما ينعكس في المادة الصماء ويجعلها حية ملائمة لانفعالات نفسه ولحاجاته العملية. أضف إلى كل ما تقدم أن من شأن الثقافة الأثرية تغذيه الشعور الوطني. فحي الوطن يبدأ بحب المنزل وكما يقول (فيستل دو كولانج): إن الوطنية تقدس الماضي وتعلم احترام الأجيال التي سبقتنا والأشياء المادية المتوارثة من عصر إلى عصر بما فيها من أحجار منحوتة وأبنية قديمة وأوابد من جميع الأصناف تتكلم بإفصاح أمام النضر الذي يعرف كيف يرى وكيف يقدر، وتبعث ماضي الأمة فتجعله جزأً من أنفسنا. وليس من بلاد تتراكم فيها أثار الماضي كسورية. فكم من مدنيات نشأت في ربوعها منذ ما سكنها البشر في

العصر الحجري القديم وكم من عهود زاهرة مرت عليها كانت فيهالا متزعمةً حركات التطور العالمي، بل كم كان حظها، وافراً وإنتاجها رائعاً، خلال العهود الهلنستية والرومانية والبيزنطية والأموية والأيوبية. إن في تربتها غريزة الخلق والإبداع التي أنتجت مدنيات على مواسم متوالية بحصاد رائع وافر. وهل غير علم الآثار ما يعرفنا بميراث هذا الإبداع ويصل شخصيتنا الحاضرة بالشخصيات أجدادنا الذين عاشوا في عصور ما قبل التاريخ. لقد أعارت الجنة الثقافية في الجامعة العربية، الناحية الأثرية ما تستحقه من عناية فاقترحت لإكمال ثقافة الرجل العربي المعاصر وللمحافظة على الآثار جملة اقتراحات منها إتباع نظام تكون أسسه العامة واجدة في قوانين الحكومة العربية المشتركة في الجامعة العربية، وتعميم الثقافة الأثرية عن طريق الدعاية بالأفلام السينمائية والمحاضرات والمجلات والنشرات والإذاعات وتنظيم الرحلات وتبادل البعثات والعلماء الأثريين وإصلاح الدراسات الأثرية والتاريخية، وتبادل واستعارة الآثار. وقد أقرتها لجنتنا الثقافية وأضافت إليها مقترحات أخرى ولا بد أن كل ذلك قد أصبح من جملة مواد المعاهدة الثقافية التي وقعها ممثلو الأقطار العربية والتي لم تنصلنا نصوصها بعد. فلكي لا تبقى هذه المقترحات حبراً على ورق نتمنى أن توضع في القريب العاجل موضع التنفيذ، ويرجو كل المشتغلين في مصلحة الآثار القديمة السورية من كل المثقفين ولا سيما رجال التربية والتعليم منهم أن يساعدوهم على تطبيق هذا البرنامج الكبير الذي يرجى منه خير عميم. سليم عادل عبد الحق

لماذا ندرس التاريخ

لماذا ندرس التاريخ للدكتور نور الدين حاطوم يختلف الكثير من أهل العلم والأدب في مفهوم التاريخ هل هو علم أو فن، ولقد كان هذا الاختلاف وما زال محور نقاش طويل ومثاراًُ لجدل كثير، ولكل من الفريقين حججه. وسبب هذا الاختلاف ناجم عن أن تقدم العلوم في أواخر القرن التاسع عشر قد أدى إلى أتساع الدراسات التاريخية على أساس علمي وحبا التاريخ مفهوماً علمياً وجعل منه علماً له موضوعه وطرقه وأدوات بحثه. على أن الصحيح الثابت، مهما بالغ أنصار التاريخ كعلم، أن التاريخ أي دراسة الحوادث البشرية الماضية لا بد له، ليرتفع إلى مصاف العلوم بمعناه الحقيقي، من أن يخضع إلى جميع مراتب المعرفة العلمية كما هي الحال في العلوم الطبيعية. غير أن هذه الصفة لا تتأتى لتاريخ إذ لا تمكن دراسة الحوادث التاريخية مباشرة، كما أن الاختبار والملاحظة والتجريب أمور غير ممكنة أثناء الدراسة التاريخية. وإذا فهم من التاريخ أنه أعادت بناء الماضي وبعثه من جديد فليس بالإمكان أن تتكرر نفس الظروف التي وقع فيها الحادث التاريخي، أضف إلى ذلك أن هذه الدراسة لا تصلنا إلى وضع قوانين عامة كالقوانين الطبيعية، ولذا فأن فهم التاريخ، على النحو الذي تفهم فيه العلوم الطبيعية فهم ضيق. وشتان بين العالم الطبيعي المؤرخ، فبين الأول يدرس الحوادث الطبيعية مباشرة في مخبره المجهز بأحسن أدوات الفن، يجرب المادة ويختبرها، نرى المؤرخ مجبراً على العمل في دراسة الحوادث التاريخية بطرق غير مباشرة خلال الوثائق التي أن سلمت من أيدي الحدثان صدفة فوصلت إليه، فلم تسلم من التغيير والتحريف والتلاعب الألفاظ والميول والأهواء. ولذا فليس ثمة علوم تاريخية كما يقال علوم طبيعية وإنما هنالك علم يمسى علم التاريخ وليس المقصود من كلمة علم هنا أن نفهم منها ما نفهمه من العلوم الطبيعية مثلاً وإنما نفهم منها أنه يتقرب من العلم من حيث موضوعه وطريقته الإنتقادية وغايته، إلى أنه ما زال علم نقد وإيضاح لا علم ملاحظة وتجربة فهو أذن علم قاصر ألا أن له مزاعم يرمي إلى تحقيقها من حيث اكتشاف القوانين ووضع المبادئ العامة.

إن غاية التربية تهيئة الطفل للحياة في هذا العالم. وهذا العالم الذي نعيش فيه معقد التراكيب ولمعرفته وفهمه والاهتمام به والاستعداد للعمل به لا بد لكل فرد من قسط معين من معارف مختلفة النسب أذا اجتمعت ألفت مزيجاً علمياً هو ما يسمى عادة الثقافة العامة. ويدخل تحت هذا المركب كثير من ضروب العلم والأدب والفن واللغات الخ. . . ولعلنا أن تأملنا ملياً في هذه العناصر الثقافية وجدنا أن كل منها فائدة علمية في الحياة، ولكن ما هي فائدة العلمية التي نرجوها من دراسة التاريخ؟ قد تكون الإجابة على فائدة العلوم وتعلم اللغات أسهل من الإجابة على فائدة التاريخ لأن دراسة التاريخ لا تجدي نفعاً بصورة مباشرة. وإذا كان المقصود من ذلك الوصول إلى هذه النتيجة فلماذا ندرس التاريخ ونحشو أدمغة التلاميذ بحوادث هم أشد الناس غنى عن معرفتها. غير أنه من العبث أن نتقول أن التاريخ لا يفيد شيئاً ولا لما درس في المدارس وفي جميع مراحل التحصيل. فالفائدة التي نرجوها من تعليم التاريخ في الحقيقة هي فائدة غير مباشرة. ما هي الغاية التي نرمي إليها من تدريس التاريخ؟ أن أحرى الناس بالإجابة على السؤال هم الأساتذة نفسهم لأن إيمانهم بالفائدة التي يرجوها من تدريس التاريخ هو الذي يزيد في ارتياحهم ونشاطهم لعملهم ويعين لهم الخطة التي يجب إتباعها في تدريسهم هذه المادة. هناك مفهومان قديم وحديث في قيم تدريس التاريخ والفائدة المرجوة منه وأقصد من هذه الفائدة، الفائدة العلمية التي نريدها في الحياة لا التي يريدها المؤرخ أذان هذا الأخير لا يرمي من بحثه سوى الكشف عن الحقيقة ومعرفتها ولذا فبحثه مجرد عن طلب الفائدة. المفهوم القديم._الغاية التي يرمي إليها المفهوم القديم من تدريس التاريخ غاية التعليمية إذ يظن أن التاريخ يلقى علينا درساً في الأخلاق: إن التلميذ باطلاعه على حوادث العالم الغبرة يرى أن منحنى التاريخ لكل أمة من الأمم لا بد وأن يكون تارة في صعود وطوراً في هبوط. يرى فيه الغث والسمين ويرى العوامل التي أدت إلى التقدم والعوامل التي آلت إلى الانهيار فيأخذ من كل ذلك عبرة ويحتذي الحسن ويطرح السيئ ويعين له منهجاً يسلكه في حياته. غير أن الممعن في دراسة التاريخ يرى أنه لا يعطينا عبراً نسترشد بها فالتاريخ لا يفيد

نفسه وليست غاية التاريخ حل المشاكل وتفادي الأخطاء وهو أن يدرس الحوادث البشرية الماضية فهو يدرس كل حادث بنفسه في شروطه الخاصة وظروفه الخاصة. ومن الخطاء أن نتخذ من الحادث الواقع في زمان معين ومكان معين درساً نحل به المستقبل ولنضرب لذلك مثلاً: إن الاعتقاد الذي ولدته الحرب العامة الأولى 1914_1918 في نفوس الجنود المحاربين هوان هذه الحرب يجب أن تكون الأخيرة واعتقادهم هذا أدى بهم إلى التفاني مؤثرين أن يموتوا لتحيا أبناؤهم. وهم وأن تألوا وذاقوا صنوف الجوع والبرد وما تجره الحرب من بؤس فليس أحب إليهم من أن يخرجوا من ساحات الوغى وأبنائهم سالمون من التعرض لحرب ثانية تبيدهم. وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى تهيأ العالم للحرب ثانية أشد اضطهاداً للنفوس وأكثر سفحاً للدماء، وزاد الأمر شقاً اشترك في هذه الحرب العالمية الثانية جيلان من الآباء والأبناء أو قل أنها جندت ثلاث أجيال. أن هذه الحرب الأخيرة قد حطمت الآمال. ولم تفد دراسة التاريخ الحرب الأولى في منع الثانية ولو أن دراسة التاريخ عبرة لدعت الإنسانية أن تحول دون وقوع الكارثة الكبرى. وبعضهم يفهم أن التاريخ يلقى علينا درساً في الوطنية. قد يكون في هذا القول نوع من الصحة: أن تسرب القومية من أوربة إلى بلادنا في أواخر القرن التاسع عشر عن طريق البعثات الأجنبية كان أكبر عامل في قيام رجال الرعيل الأول في وجه الأتراك. كما أن تدريس الوحدات القومية وتنبه الشعور القومي كان من أهم الدوافع التي دعت طلابنا إلى مقاومة النفوذ الفرنسي في فترة الربع الماضي من القرن. وإن كثيراً من الأساليب التي جرى عليها الطلاب في مظاهراتهم وخطبهم وحركاتهم التحررية كانت ولاشك مقتبس إلى حد ما من دراسة التاريخ. أما وأن التاريخ ينمي فينا الشعور القومي والواجب الوطني فهذا صحيح نسبياً ولكن يجب ألا نغالي في قيمته لأن هذا التاريخ الذي يلهب العاطفة القومية هو الذي يخفف من اشتعال الحماس الوطني ولا سيما عند الطبقة المثقفة ويولد عندها خيبة أمل يرافقها شعور بالضعف قد يؤدي إلى التخاذل والاقتناع بعدم تكافؤ القوى.

ومنهم من يقول أن في التاريخ قدوة حسنة: وفي الحقيقة أن دراسة التاريخ تكشف لنا سير الأبطال وقادة الرأي وعظماء الرجال الذين كان لحياتهم وأعمالهم تأثير حاسم في مجرى الحوادث. يرى التلميذ فيهم مثالاً صالحاً فيقلدهم وينسج على منوالهم. غير أن يجب ألا يغرب عن البال الشروط والظروف التي أحاطت بعمر ومعاوية وخالد ليست هي التي تحيط الآن بعدنان ووائل وأسامة، أن التاريخ ضنين أن جاد بالحادث مرة فلمن يجود به مرة أخرى. وفريق يرى أن التاريخ خير مكتب لدعاية ويهتم كذلك كثير من الرجال السياسة والدين ليجعلوا من المدارس ألسنة تفضل ديانة على أخرى أو مذهباً سياسياً على أخر كل تحبيب بالجمهورية وترغيب بالشيعية الفاشيتية ويحاولون أن يضغطوا على المدرسين ليضربوا على الوتر نفس النغمة مرات ومرات وليس أكره إلى التمييز من أمور تلقاها في صغره وكان يعتقد فيها الخير والصلاح ثم أخذ يشك في قيمتها إذ ما تقدمت به السن أنه ينفر منها ويزدري الداعين لها وكثيراً ما يؤدي به هذا الانفعال إلى رد فعل شديد وحري بالأساتذة ألا يورطوا أنفسهم بالوقود في مثل هذا الخطأ إذ أن واجب المربي قبل كل شيء أتن يجعل من التلميذ مواطن صالحاً ومفكراً حراً وآخرين يريدون من تدريس التاريخ غاية بديعة ويقصدون من هذا التاريخ دراسة أدبية وإلهية شريفة ومن الممكن أن يتخذ التاريخ كمسلات ولاسيما إذ أوتيا الكاتب ملكة سحرية تصور مأسية التاريخ أو دراما ته الإبداعية تصوير ييسر القارئ ويثير عواطفه ومواطن اهتمامه فيقضي وقته في سرور ولذة فكرية ما نظن أننا في حاجة إلى رد على هذا الزعم فمفهوم التاريخ بمعناه العلمي الحديث بعيد عن الأدب وصناعة الألفاظ وتلاعب الخيال وما نعتقد أن دراسة التاريخ هذا المعنى وسيلة من وسائل التسلية بل هي أقرب إلى إعمال الذهن وحمله على التفكير. مفهوم الحديث_لا شك أن دراسة التاريخ تنمي فينا بعض العواطف وتثير منا مكامن الاهتمام غير أن الغاية التي نتوخاها من تدريسه لهذا الغرض وإلا أنفقد التاريخ واستقلاله وحال عن غايته الأساسية وهي البحث عن الحقيقة ما هي الفائدة العلمية التي نحصل عليها من دراسة التاريخ دراسة مجردة أي من دراسته كعلم مستقل لا كأداة لتحقيق بعض الأغراض أو وسيلة لجذب بعض المنافع؟ الفائدة التي نرجوها من التاريخ فائدة غير

مباشرة هي: الرياضة الذهنية التي تساعد التلميذ على تعلم معارف مجهولة لديه وتفهمه إياها كما تحبب إليه وتولد فيه رغبة للقيام ببعض الأعمال فهي إذاً فائدة فكرية من شأنها تنمية الذكاء وزيادة النشاط ولذا كان التاريخ عنصراً من عناصر الثقافة الفاعلة، عنصراً لا غنا عنه لكل مثقف يريد أن يعيش في هذا العالم ويتفهمه ويساهم في العمل به. اكتساب المعارف_ما هي المعارف التي يكتسبها التلميذ من دراسة التاريخ وكيف تعمل في نمو ذكائه وزيادة نشاطه؟ التاريخ يدرس الحوادث البشرية الماضية من حروب وثورات وانقلابات وإصلاحات وما إليها تعلم التلميذ خلالها هذه الحوادث كلمات يرددها كالشعب والأمة والدولة والحكومة والجيش والوحدة القومية والعادات والتقاليد والتشريع والمجالس ومصالح والطبقات الاجتماعية وأشكال الحكم إلا غير ذلك مما له علاقة مباشرة للهيئة الاجتماعية أن هذه المعارف تدخل في ذهن التلميذ بشكل صور مختلطة مبهمة متشابكة وهي ليست في الحقيقة سوى معاني غامضة أو تجريديات ولعلة التلميذ أن ترك وشأنه لا يستطيع أن يفهم منها شيئاً غير أن الأستاذ إذا أحسن استعمال الأمثلة وقايس بين الحاضر والماضي أستطاع التلميذ أن يجعل لهذه المعاني المجردة قوام مشخصة تساعده على تصور هذه المعارف التي تسره عليه أو يقرؤها ولا يراها، واكتسابه لهذه المعارف وحسن تصوره له يجعلانه أهلاً يتفهمه الهيئة الاجتماعية أي معرفة العلاقات التي تربط الأفراد يبعضهم سواءً أكانت هذه الهيئة الاجتماعية ماضيه أو حاضره وكذا الاعتياد على هذا التحليل يؤثر في نشاط التلميذ إذ يظهر أنه ليس بغريب عن الحوادث التي يدرسها فيتأملها كحادثه طبيعية ويؤلفها وقد تدفعه هذه الألفة إلى العمل في الحقل الذي يراه ملائماً برغباته من سياسة واجتماع واقتصاد. الإيمان بالتطوع وضرورة الإصلاح_يدرس التلميذ خلال التاريخ المراحل المتعاقبة التي مرت بها كل أمة ويرى أن التاريخ هذه الأمة ليس سوى مسرح يمثل فيه جميع الأدوار لهذه الأمة. فإذا ترك التلميذ وقواه الفردية لا يرى سوى أعمال وأقوال، غير أن الأستاذ يريده ما هو أبعد من ذلك. أنه يريد الأسباب التي دعت لهذه الأعمال والأقوال والنتائج التي نجمت عنها ويعوده على تفهم هذه الأسباب والنتائج. وهو بدراسته تاريخ أمة على سلسلة من العصور يستطيع أن يدرك متا تطورات التي ألت إليها هذه الأمة ويرى خلالها

ذلك أنه في هذه التطورات منها ما هو بطيء ومنها ما هو سريع ومنها ما هو سطحي ومنها ما هو عميق أنه يستطيع بعد ذلك أن يحلل الحاضر الذي يعيش فيه ويعرفه إلى أي حد هو مثقل بأعباء الماضي. ولعل ما يسترعي انتباه التلميذ في البادئ الحوادث والتغيرات المفاجئة والفتوحات والثورات والانقلابات غير أن الأستاذ يبين له أن هناك تطورات تدريجية أقل ظهور وربما كان لها أثر فعال أكثر من غيرها. إن محصلة هذه الدراسة تترك في فكر التلميذ أن الجماعات البشرية في تطور دائم مستمر إذا ليس هنالك هيئة اجتماعية ثابتة كطبيعة لا تتغير: فالقوانين والأنظمة والأوضاع وأشكال الحكم ليست سوى تسويات واتفاقات يمكن أن تتحول تحت ظروف وشروط خاصة. وكذا يرى أن بين التقاليد والعادات منها ما يتغير ببطء وصعوبة ومنها ما يتغير بسرعة وسهولة فإذا ما ساهم في العمل ضمن الهيئة الاجتماعية وهو راشد، عرف ما يؤمل تغييره بسرعة وما تمكن إزالته إلا مع الصبر وطول الأناة. ولذ تكسبه هذه المعرفة سقا بعمله وتفاؤلاً بنجاحه. وكذا يعلم من دراسة التاريخ أن النظام السائد عند الشعب من الشعوب، إن ما وضعه أُناس قد ماتوا، ون هذا التراث الذي خلفه الأموات وتخضع له الأحياء وقد أعتمد في بنائه على شروط الحياة في عصر مضى وإنه ليس من الضروري أن يتبقى الشروط نفسها في الوقت الحاضر إذ أن منها مادية وما زالت باقية وليس في الوسع تغييرها ومنها ما هم مجرد أوهام وعادات ومصالح ومطامع وامتيازات من الممكن تبديلها ولهذا فهو يعرف مناهج التي الذي أتبعها حصل على تغيرات فعلية ويعلم أيضاً أن التغيير العقلية لا يحدث سواء وفجأة عند السواد الأعظم من أبناء الأمة، أن فكرت الإصلاح والتجديد لا تحدث ألا عند فئة مختارة يطلق عليها اسم مجددين ومصلحين، ولأن كل فكرة من هذا النوع لا بد وأن تلقى عناصر مقاومة وعناصر تحبيذ، وأنه هؤلاء المصلحين أن تركوا وحدهم كانوا غير قادرين على دفع الآخرين إلى تبني فكرتهم ولذا لا بد من نجاح الإصلاح من تهيئة وتخمير ودعاة ووسطاء. وهو بمعرفته هذه يستطيع أن ينفي عن فكرة الوقود في الأخطاء الناجم عن الاعتقاد بالتقدم العفوي للكتل البشري وبعبادة الأصنام التي اعتاد الناس أن يقدسوا ويسموها أبطالاً. وكذا

يستطيع أن يدرأ عن نشاطه أشد خطرين أولهما الشعور. أن الفرد غير قادر أن يحرك ساكناً في الجماعة وهذا الشعور بالضعف يؤدي على التخاذل والنكوص، وثانيهما شعوره أن الكتل البشرية تتطور بالغريزة ولذا فالتقدم حاصل ولا حاجة للعمل في المجتمع، وكمحصلة لكل ذلك جمود في الحركة وركود في الفاعلية. غير أن التاريخ يرينا أن الأفكار الثابتة من الممكن مكافحتها وأن للهيئة الاجتماعية رأياً يسمى الرأي العام وهذا الرأي لا يتبدل وحده وإن شخصاً بمفرده قادر على تغييره، إلا أن تكتل الأفراد وتنظيم جهودهم وتوجيهها في اتجاه معين تغير هذا الرأي. إن هذه المعرفة تمنحنا الشعور بالقوة وتدفعنا إلى القيام بالواجب وتعين لنا الطريق التي نسلكها في توجيه الرأي توجيهاً مفيداً ونافعاً. إنها التفاهم والتعاون مع أقراننا ممن أشبعوا بنفس النوايا مثلنا للعمل سوية في تحويل الرأي وتوجيه سواء بتربية الجيل الناشئ أو الدعاية بين الراشدين. وخاصة الشباب الذين يكونون عادة أكثر استعداداً لقبول الأفكار الحديثة. اتساع أفق التفكير._إن الحوادث التي يدرسها التاريخ كثيراً ما تكون معقدة مبهمة ولفهمها وجب تحليلها وبيان جميع الشروط التي أوجدتها. والتاريخ يوضح أن ليس هناك حوادث منعزلة وإنما سلسلة من الحوادث تتوالى وتتشابك مع بعضها وتؤلف مل يسمى قضايا. والفائدة التي تعود علينا من هذه الدراسة هي أن التاريخ يعودنا إلا ننظر إلى قضية من القضايا التي تعرض علينا في حياة زاوية خاصة أو ضمن نطاق يضق بمنظار مكبر يستجمع العناصر التي تدخل في تركيب القضية. النزاهة الفكرية._أن دراسة الحوادث البشرية الماضي ترمي إلى البحث عن الحقيقة وحكمنا على الماضي يكون أكثر تجدداً وأكثر موضوعية أما حكمنا على الحاضر فكثيراً ما يكون مشوباً بالهواء ومصطبغاً بصبغة نفعية. ولذا فان التاريخ يفيد في الاعتياد على الحياة وعدم التحيز أي ما نسيه بالنزاهة الفكرية. نمو الفكر ألانتقادي._أن مزاولة الطريقة الخاصة بالتاريخ أي الطريقة ألانتقاديه تنقي الفكر من جرثومة التصديق العامي وتجعله لا يقبل بما يعرض عليه ألا بعد الانتقاد والتمحيص. وليس من الضروري مثلاً في التدريس أن يلقن الأستاذ التلميذ مبادئ الانتقاد التاريخي ليحسن استعمالها ولكنه ينهز الفرصة لتطبيقها عملياً دون الالتجاء إلى أي تغيير فني.

إن أبسط طريقة لتدريس التاريخ هي القصة. وهذه القصة قد تكون صحيحة أو أسطورة وواجب الأستاذ هنا أن يعرف التلميذ هنا أن من القصص ما هو صحيح ومنها ما هو خطأ فتبدأ عنده يقظة الفكر ألانتقادي. وقد يرى التلميذ أن من الحوادث ما يروى بقصتين متناقصتين فيعلم أن كل قصاص لا يقول الحقيقة. يستفيد الأستاذ من هذا التنبيه فيبين للتلميذ فكرة اختلاف المصادر وقيمة كل منها ويجعله يتثبت أن الشاهد العيان أفضل من المخبر الذي يعتمد على التواتر. وبهذه الطريقة يكتسب التلميذ عادة الشك الذي هو بدء التمرن على الانتقاد. وعادة الشك هذه تفيد في الحياة الخاصة لأنها تدفع إلى الحيطة والحذر من الوقوع في الخطأ إذا ما استسلم المرء إلى ضجيج الأخبار، وفي الحياة العامة لأنها تقي من الثقة بشهادة الشهود وبأخبار الصحف وتصريحات رجال السياسة. يتضح لنا مما تقدم أن الفائدة التي نحصل عليها من دراسة التاريخ هي الفائدة لها أثرها في التربية الفرد والجماعة. ولذا يمكن القول أن التاريخ من هذه الناحية يستطيع أن يهيئ للحياة. ولسنا بحاجة إلى الإلحاح أن هذا الواجب ملقى على عاتق الأساتذة قبل غيرهم إذ لا يخفى أن بين تلاميذهم من سيكون منهم العالم والأديب والمصلح ورجل السياسة والإدارة وكل هؤلاء أهل ثقافة وكل مثقف لا بد له من معرفة التاريخ. إن من يتأمل في وضع بلادنا الحاضر يرى أنه زاخر بالشذوذ من بقايا الأتراك ومخلفات الفرنسيين. وإن خير وسيلة لانتشالنا مما نتخبط فيه من تقاليد بالية ومحافظة ضيقة وبلبلة فكرية هو إصلاح جزري يتناول جميع مرافق الحياة ولعل رجال الإصلاح يهتدون في أصلاحهم على نور التاريخ. حلب نور الدين حاطوكم

تذوق الجمال

تذوق الجمال للأستاذ نعيم الحمصي لا بد من تربية الذوق الفني العام لدا الطفل صغيراً ليتذوق الأدب وينتجه كبيراً، إذا كان الأدب هو القول الجميل، فمهمة مدرس الأدب هي أن يأخذ بيد طلابه فيجعلهم يتلمسون مواطن الجمال في القول، وأسبابها بما عندهم من استعداد فطري وذوق فني، حتى يشعروا في أعماق نفوسهم بهذا الجمال المؤثر، تمهيداً لأن يخطو بعد ذلك الخطوة التالية، فينشئوا هم أنفسهم أدباً قوياً، يستطيعون به أن ينقلوا تجاربهم النفسية ويعبروا عن خلجات ضمائرهم، وهذا يكون برياضة أقلامهم على الكتابة في الموضوع الذي يروق لهم اعتمادهم على تجاربهم النفسية خاصة منذ سني الدراسة. ولكن مدرس الأدب الآن لا يحاول أن يطلعهم على مواطن الحسن في الكلام، حتى يصطدم بما يشعره بالحيرة والعجز. وذلك لأنه يدرك بأن الطلاب لا يستجيبون له استجابة فنية تتسم بالصحة والقوة وبالعمق والصدق، وإنما يقفون أمامه مشبوهين، حائرين، فإن استجاب له نفر منهم بعض الاستجابة، فاستجابة سطحية، ضعيفة، مريضة، كاذبة، وهي من النوع التقليدي الذي لا يقوم على شخصية أصبح فيها التذوق الفني العميق طبعاً ودياً. وعبثا يحاول المدرس أن يبين لهم ما في الأثر الفني من دقة في التصوير، وجمال في التعبير، وخيال رائع، وموسيقى أخاذة، ومهارة فائقة في وضع الكلمات والجمل والفقرات مواضعها، فهم لا يستجيبون له إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه، وقد يغرر كثير من المدرسين بأنفسهم، فيزعمون بأن الطلاب قد شاركوا الأديب في أثره الفني المشاركة الضرورية الكافية لأنهم يسمعون الطلاب يعيدون جملهم أو جمل المؤلفين الذين كتبوا عن الأديب كما هي، بما تحمل من أعجاب وتقدير أو نقد لاذع أو تهكم أو لأنهم فهموا ما في أثر الأديب من أفكار رئيسية أو جزئية هي العنصر العقلي في أثر الأديب وليست كل ما فيه من عناصر يجب مشاركته فيها، وأوجه الطلاب تنطق في غالب الأحيان بأنهم فهموا النص، ولكنهم لم يتذوقوه ولم تترنم روحهم به ترنما يدل أنه أصبح قطعة من أنفسهم، وإذا كان الطلاب عاجزين عن تزوق الأثر الفني، فهم عن فقده أعجز، والنقد مرحلة تأتي بعد المشاركة والتذوق، أما الإنتاج الأدبي فلا ينتظر منهم على أية حال لان

أول سمات المفتش المنتج هو عمق الإحساس الفني عمقاً يصل به غالباً على الذهول عن ما حوله والاستغراق في سكرته الفنية الخصبة وحلمه المنتج. فلا ينتظر من المدرسة الثانوية والحالة كما ترى أن تؤتي أكلا وتكون أدباء بفضل مناهجها وأصول التدريس فيها والفضل في ظهور أدباء فينا لا يرجع إلى حالة تدريس الأدب بل إلى قوة موهبتهم الفنية وإلى بيئتهم الخاصة التي لا دخل للمدرسة بها، والتي توفر لهم فيها نمو ذوق فني كاف في مظاهره المختلفة من ذوق تصويري أو موسيقي وغالباً لا يبلغ هذا الذوق الذروة التي كان يمكن أن يبلغها لو أن مدارسنا كانت أكثر عناية بتنمية الأذواق الفنية وغرس حب الفنون في نفوسنا. وضعف التذوق الفني والإدراك البديعي لدى الطلاب لا يرجع إلى أنهم لا يفهمون معاني المفردات أو الجمل أو المعنى العام، وإنما يرجع_في نظري_أولاً وقبل كل شيء إلى ضعف الطلاب في تذوق الفنون الجميلة الأخرى من رسم وموسيقى ورياضة، وقد يعجب القارئ من وضعي الرياضة في زمرة الفنون الجميلة، ولكن لا داعي إلى هذا العجب إذا أدركنا أهمية الرياضة البدنية الصالحة في تكوين الذوق البديعي الصحيح وسأوضح هذا بعد قليل، ونحن لا نستطيع أن نثير في نفس الطالب نفس الإحساس الفني الذي كان يخضع له الأديب حين إنتاجه أو نثير صورة مصغرة عنه إلى إذا كان الطالب بذور القوى والمؤهلات التي أجمعت، فساعدت الأديب على تصوير تجربته النفسية ودقائق حسه بعناصر كثيرة كلها تتصل بالأذواق الفنية من موسيقية وتصويرية وغيرها. وليس عند الطالب هذه القوى والمؤهلات لتذوق الأدب والمشاركة فيه، وهم لا يستطيعون بعث تجربة الأديب جديدة في نفوسهم، لأنه لم تتح لهم التربية الذوقية الفنية الضرورية منذ صغرهم، ولم يسبق لهم أن يستشفوا بعيونهم الجمال العميق الكامن في تناسب أقسام الزهرة، وتناسق ألوانها بصورة عميقة، كما لم يوجهوا لأن يتغلغلوا بعيونهم، فيستجلوا بها ما وراء الجمال السذج السطحي الذي يدركه رجل عادي لم ينل أي نصيب بين تهذيب الذوق العام، ولو أن الطالب كان يحسن التصوير والرسم، ونميت ملكته فيها لكان له شأن آخر في إدراك الجمال، وما تقول في الجمال المدرك بالعين، والذي يمكنه أن يراضي الذوق فيه وينميه بممارسة الرسم، تقوله أيضاً في الجمال المدرك بالأذن الذي تتخذ

الموسيقى طريقاً لتنمية الذوق فيه، فالطالب قد يقطع البيت من الشعر، ويعرف وزنه، ولكنك لا تشعر أنه متأثر بموسيقاه، وأنه أدرك الصلة الموسيقية بين المعاني بين الألفاظ، ومقدار توفيق الشاعر في انتخاب الألفاظ ذات الجرس الملائم للمعنى المقصود، ونحن لا نريد منه من أن يدرك هذا إدراكاً عقلياً، وأن يبرهن عليه، وإنما نريد أن يستطيع إدراكه بحدس الفني المكتسب بالمران، وأن تظهر عليه المشاركة العاطفية والفنية للأديب. وما ندركه من ضعف في الذوقين التصويري والموسيقي، ندركه أيضاً في تصوير الجمال البديعي المتعلق بجسم الإنسان، فالطالب لا يزال عنده بعض التأثر بمقاييس الجمال القديمة في العهد التركي التي رضعها مع لبن أمه، فترى الطالب_أو الطالبة_ميالاً لأن يكون ممتلئ الجسم امتلاء يبعد عن الرشاقة والتناسق في الحركات وإن كان قد حصل في هذه الناحية بعض التحسن فلم تعد الأجسام الممتلئة كثير مما يجمل في الأعين، إلا أن ما يعده الطالب من الأجسام رشيقاً ويعد وسطنا الاجتماعي معه، كذلك، ل يعد رشيقاً في نظر غيرنا ممن سما ذوقهم ونما أكثر منا. ول تخفى الرابطة القوية بين نمو الذوق العام لدى الإنسان مبين ذوقه في الحسن الجسماني، فكلاهما يؤثر في الآخر وليس من سبيل إلى تحسين ذوقنا البديعي المتعلق بالجمال الجسماني إلا الرياضة العلمية التي تقضي على مخلفات الذوق المريض القديم الذي أكتسبنا إياه عصور الاستعباد الماضية، بما كان سودها من كسل، ويفشو فسها من ترهل في الأجسام. وأنا مع القائلين بأن الذوق في الإنسان يؤلف وحده عامة منسجمة، وأن ضعف الذوق أو مرضه في ناحية ما مدعاة للضعف في الناحية الثانية، وأن السبيل إلى تقويم الذوق العام وتحسينه، هو العناية بالفنون الجميلة جميعها، وحمل الطالب منذ دور الحضانة على تذوق الجمال، والعمل على تنمية ميوله البديعة، وتقوية إحساسه بالألوان، والتفريق بينها، وإدراك المؤتلف منها، والمتنافر، وعلى تغذية ميله الموسيقي بإسماعه القطع الرائعة، وتعلميه العزف على الآلات الموسيقية، وبدون هذه التربية الذوقية المنظمة لا يمكن أن يكون لدى الطالب أحساس بالجمال، وإدراك لجمال القول في نص أدبي لم ينتجه إحساساً عميقاً جعله يستشف بعينه، ويشمع بأذنه ما لا تراه عين الرجل العادي ولا تسمعه أذنه.

ولا يجب أن نرجع باللوم عل الطلاب إذا لم يستطيعوا تذوق جمال القول تذوقاً كافياً، طالما أنهم لم ينالوا قسطهم من العناية بأذواقهم الأخرى حينما كانوا صغاراً، وقد أدرك القدماء هذا الاتصال الموجود بين الفنون الجميلة، فأفلاطون يرى أن الأدب تصوير يقلد به الأديب الطبيعية، وأرسطو يرى أنه ليس مجرد تقليد، ولكنه تصوير فيه تحسين الطبيعة، ثم لا يسهو أرسطو على الرابطة القوية الموجودة بين الأدب والموسيقى فيعنى بالكلام عليها. والطالب في بيئتنا لا يمكنه أن يستفيد ذوقاً فنياً كافياً صحيحاً من عائلته، ويكفينا لندرك هذا أن نرى كيف تقضي عائلته سورية وقتها في نزهة أو وقت راحة لها، وكيف تقضي نفس هذا الوقت عائلته عن أمة أخرى يهتم جماعاتها وأفرادها بتنمية الذوق الفني في صغارهم. فنحن نقضي أغلب وقتنا هذا في الطبخ وفي أكل الموالح (من حمص ولب) والأفراد الذين ل يشتركون في إعداد الطعام يجتمعون قعوداً قريباً من الماء ليلعبوا بالورق أو بالنرد حتى إذا نضج الطعام، أنضم إليهم من كانوا يعدونه فإذا انتهوا منه اشتغلوا في تنظيف الأواني، وهكذا يمضي اليوم أوجله في الأكل وملحقاته، فالذوق ذوق معده لا أكثر من هذا ولا أقل، ولن يقتبس الطفل عن أهله غيره. أما غيرنا فينصرفون في هذا اليوم عن إعداد الطعام الكثير، ويكتفون بالقليل منه الذي يسهل إعداده، لينصرفوا إلى مزاولة بعض الألعاب الرياضية الخفيفة وسماع الموسيقى أو الرقص على أنغامها فأن شذ على ذلك واحد منهم فليقف أمام لوحة وبيده ريشته ليصور مشهداً راعه، ولهذا لا نعجب إذا رأينا أكثر الغربيين يحسنون الرسم والتصوير، ويتذوقون الموسيقى بل قل أن يجهل واحد منهم العزف على آلة الموسيقى عن لم يحسن العزف على أكثر من آلة ويتذوقون_جلهم إن لم نقل كلهم_آدابهم القومية تذوقاً يشاركون به الفتن في فنه، أما عندنا فقل أن ترى ذلك، وهذا الذوق الفني البديع النامي عند غيرنا يساعد على وحدة الشعور في البلد الواحد، ويشارك في طبعه بطابع واحد، ويساعد عندنا الذوق المريض على اختلاف الأهواء وتمزيق البلد الواحد. إن ذوقنا المريض هذا يظهر في كثير من الصور التي نعلقها على جدراننا، أو يعلقها الباعة في حوانيتهم، وتمثل القيح والسقم بكل معانيهما، ويظهر في كثير من القطع الموسيقية أو الأغاني التي نسمعها، فأكثر الناس لا يعجب بالقطعة إلا لأنها شاعت بين

الناس، وقسم كبير منها لا يشيع إلا لأنه يرضي فئة كبيرة من ذوي الذوق المريض. ويظهر ذوقنا المريض أيضاً في كثير من الشذوذ الاجتماعية التي نراها تقع كل يوم والتي يشمئز منها كل فكر. وإذا كنا عن تذوق الجمال المدرك بالحواس عاجزين وإذ كنا لا نميز بين الخبيث والطيب فنحن عن تزوق لا الجمال الروحي والمعنوي أعجز وإذا كانت عائلة الطفل وبيئته لا تساعدنه في ظروفنا الحاضرة على خلق الذوق الفني لدى الطفل أو تنميته فواجب المدرسة مزدوج وعليها تعهد ذوق الطفل بالتربية وبدون هذا الذوق العام المتعدد النواحي لا يمكن للفرد أن يتذوق الأدب تذوقاً صادقاً سليماً وقبل أن أتكلم عن العناصر الأخرى التي بدونها لا يتذوق الأدب والتي تتصل بفن القول والبيان كالدقة في فهم الألفاظ واختلاف معانيها باختلاف وضعها بالجملة، وقوة إيحائها، وغيرها من عناصر الجمال في القول، أذد أن أتكلم عن الفنون التي تشترك في تكوين الذوق العام، كالموسيقى والرسم والرياضة البدنية وهل أدت مدارس الحكومة واجبها حتى الآن؟ وما نواحي العجز والقصور في وضعها الحالي؟ وماذا يجب أن نعمل لنقوي هذه الأذواق لدى الطلاب لأهمية هذه الأذواق والميول في نفسها من جهة، ولأنها حلقات متصلة بحلقة الأدب الذي لا يعيش قوياً إلا بذوق عام قوي من جهة؟ وأترك الكلام على هذا إلى الأعداد القادمة من هذه المجلة. تجهيز حماه نعيم الحمصي

هيئة التعليم الابتدائي

هيئة التعليم الابتدائي للأستاذ خالد قوطرش في سنة 1936، عندما سجل الاستعمار الفرنسي النقاط الأولى في تراجعه أمام قوة الحركة الوطنية الصاعدة في سورية وأخذت غيوم الضغط والإرهاق الدكناء تنقشع شيئاً فشيئاً، وتحل محلها في سماء البلاد وأراضيها صور جملية من الدنيا الحرية والاستقلال، في تلك السنة جمع المعلمون أمرهم وشكلوا هيئة لهم تنطق باسمهم وتسعى لرفع مستواهم الأدبي والمادي، وتعمل في سبيل إصلاح برامج التعلم، والقضاء على الأوضاع العائقة لسبل التقدم والتطور، تلك الأوضاع الرديئة التي صنعها الاستعمار، وفرضها فرضاً لخنق الروح الوطنية في الطلاب. ولكن ما أضيق نظرة الاستعمار_والحمد لله_فقد محقت عن ذهنه المتكالب، تلك الحكمة البسيطة المعروفة كثرة الضغط يولد الانفجار فلا نكران، أن من جملة الأسباب التي حررت بلادنا من ربقة الأجنبي دماء أولئك السباب الذين كانوا طلاباً في ذاك الدور الاستعماري الآفل الذي، يذكر ولا يعاد، وإن ذكر فللتاريخ فقط. في تلك السنة تشكلت أول هيئة للمعلمين، وأخذت تعمل في شيء من الحرية وحققت بعض ما يصبوا إليه الزملاء. ولكن لم أنكر المستعمر من جديد، حقوق الأمة، واسترجع سلطنته المباشرة، طغت في شرق البلاد وغربها موجات الطغيان والاستبداد، وأعيدت الحرية إلى القفص، وشد الاستقلال الذي بدا يدب، بالقماط. فشتت الجمعيات والهيئات وشلت حركتها وحد من نشاطها. فتعطل عمل هيئات التعليم، لا سيما في زمن حكومة المديرين وعهد الفاشيين. ولما ظفرت سوريا ببعض حريتها سنة 1943 واعترفت الدول الكبرى باستقلالها، عادة هيئات المثقفين إلى نشاطها، موفورة المادة والكرامة. وكانت هيئة التعليم الابتدائية في طليعة تلك الهيئات. فجمع شمل أسرة التعليم في سورية قاطبة. وبدأ العمل أولاً في سبيل تعديل المرسوم الاشتراكي_163_فعدل المرسوم المذكور بعض مجهود دام سنة ونصف السنة، بالقانون (60) الذي أنصف أسرة التعليم بعد الأنصاف. وأقامت هيئات التعليم عدة مؤامرات في حمص وحماه واللاذقية دمشق. وكان أهمها مؤتمر حماه، حيث أجتمع فيه مندوبون عن جميع هيئات المحافظات، وانقسم المجتمعون إلى لجان، درسوا نواح متعددة.

منها: وضع مقترحات حول الملاك الخاص. الطريقة المثلى لبناء مدارس صحية. نظام عام موحد لهيئات التعليم. الترفيه عن المعلم. الرحلات. . . . الخ. وهكذا، خرجت هيئات التعليم الابتدائية من مؤتمر حماه، متفقة بالفكر والخطة والعمل. ومنحت هيئة دمشق حق التكلم والمراجعة باسم جميع الهيئات التعليمية، ضمن الهدف العام. إن الأعمال التي وضعت على عاتق هيئة التعليم الابتدائي كانت حقاً وصدقاً، عظيمة ولازمة، ولكن قلت راتب المعلم وقلقه الدائم على مصيره ومصير أطفاله، وعدم استقرار ملاكه، كل هذه الأمور وغيرها، دفعة هيئة التعليم الابتدائي إلى تكثير معظم أعمالها وأوقاتها في سبيل الملاك والتصنيف. وعندما يتم كل ذلك، تتفرغ الهيئات إلى تحقيق بقية المعرفة الأعمال والمشاريع والأهداف. وهذه المجلة هي أول الشوط، نرجو أن تفي بالغاية المتوخات وأن تجد صدى مستحسناً ومقبولاً لدى الزميلات والزملاء، يتخذونها المنبر الذي تنبعث منه أرائهم وأمانيهم فتشحذ همهم، وتزداد قدحتهم اشتعالاً، وتبلغ أصواتهم من في آذانهم وقر ومن في قلوبهم مرض فتثير فيهم أشلاء هما نحرها اليأس. إن للمعلم كرامة يحققها تضافر الجهود حول الهدف الأسمى، وليست هذه المجلة_كما قلنا_سوى الخطوة الأولى تعقبها خطوات جسام، وفي طليعتها نادي المعلمين. خالد قوطرش رئيس هيئة التعليم الابتدائي في دمشق

تعاون المعلمين والأدباء

تعاون المعلمين والأدباء للأستاذ سعيد القضماني تعاون المدرسة والبيت في النهوض بأعباء التربية على اختلاف ألوانها، يعد في طليعة الأسباب التي تساعد على نجاح عمل المدرسة وأعداد الجيل وإن لنلخص هنا فصلاً عن كتاب المعلمون والآباء للمربي (بول كروزه) في المصاعد التي تعترض تعاون المعلمين والآباء على أن نتبعهم في العدد القادم بفصل أخر عن الوسائل التي تحقق هذا التعاون. 1_التربية الجسمية لقد كانت بلاغة روسو وقوة عارضته هي التي تعالج قضية التربية الجسمية الطبيعية للأطفال في القرن الثامن عشر، أما الآن، فالأمر أصبح منوطاً بعلم الأطباء وفن رجال التربية ومبادئ حفظ الصحة. إذا أردنا تبين مدى التأثير الذي تحدثه التربية الجسمية الحسنة في الوسط العائلي فلنرجع إلى كتاب تربية الطفولة حيث ضمنته مدام كوكومارد الشيء الكثير من الحقائق المحسوسة والملموس والكثير مما يساعد على نمو الطفل الجسمي من الحركة والهواء والنظافة والغذاء، فبعض الأوساط العائلية خطرة على حياة الطفل، واطراد نموه فهي سجن وقيد وقذارة في الملبس وتخمة في الأكل. لقد طلبت مدام كوكومارد من المعلمات في الرياض الأطفال أن يخصص حصة قبل الظهر للتربية الجسمية ومع ذلك لم تكن واثقة من النجاح، فصرحت بعد عشرين سنة بقولها: كم تحمل مناهجنا من الأجرام بحق التربية الجسمية للأطفال. الحق أن الأسرة في بعض حالات خاصة هي العقبة التي تحول دون نمو الطفل الجسمي كحالات الأمراض الوراثية، ولكن، في أغلب الأحيان تقع المسؤولية على الأسرة والمدرسة على حد سواء. فإرهاق الطفل بالوظائف الكتابية أليس مبعثه رغبة الآباء والمعلمين في أن يظل الطفل ساكناً دون حراك؟ ففي هدوء الطفل الآباء والمعلمين وراحتهم، ولكن هذه الوظائف الكتابية إذا أكثر منها أو فرضت في سن باكرة، كانت عائقاً دون نمو الطفل. وأثيرة هذه المشكلة في المؤثرات الصحة المدرسية، فكان من الطبيعي أن ترتفع الشكوى

من الأساليب الصحية في الأوساط العائلية، فبعض المؤتمرين اتهم التفسخ الخلفي في الآباء، والبعض اتهم الفقر وإرهاق العمل، وآخرون ردوا الأمر إلى نقص التربية عند الأمهات ولكن الجميع اتفقوا على أن الأسرة تناهض دوماً مبدأ الصحة المدرسية، فالأولاد، برأي الآباء والأمهات، لا يذهبون إلى المدرسة لتنمو أجسامهم ويشتد عودهم بل الآباء والأمهات، بل للدراسة والتعليم. 2_التربية العقلية أما من الناحية التعليمية فأنه من الجلي الواضح أن المصاعب والعقبات لا تتأتى من المعلم بل تعود إلى الجهل الأسر وتاريخها وطراز حياتها، ومع ذلك فأننا نجد بعض المعلمين لتا يبذلون أي جهد لجعل الآباء يعانونهم في مهمتهم التعليمية إما لأن خبرتهم الطويلة جعلتهم يشكون في مقدرة الآباء وإما لأنهم يرون في هذه المشاكل تدخلاً غير شرعي في دائرة اختصاصهم، وكثيراً ما يحط من قدرهم ويذهب بهيبتهم. والحق أن الآباء أبعد ما يكونون عن الاهتمام بشؤون التعليم ولكن كم من الخدمات يمكن أن يقدمونها إلى المعلمين! أو ليس توجيه التعليم الابتدائي وفق مقتضيات البيئة وحاجات الآباء هو حقيقة مقررة في المنهاج ولكنها غير متعبة؟ ولكن كيف يتسنى تطبيق هذا المبدأ في تكييف التعليم في كل بيئة أذا يتوصل إلى الاتصال بالآباء والتعاون معهم؟ فالمدرسة أذا تجاهلت حاجات الأسرى فالأسرة تتجاهل المدرسة. ولكن أذا كانت المدرسة تعد للبيئة والحياة، تصبح عندئذ موضع اهتمام وعناية الأسر. أبداً ترى المعلمين يهتمون الآباء بعدم المبالاة والإهمال ويردون إليهم مسؤولية عجز المدرسة عن قيام بواجبها على وجه الأكمل. وأنه لقول حق هذا الذي يقول: من المقرر أن النجاح في المدرس لا يتفق وجهود المعلمين، ولكن ليس السبب، كما يعتقد، فساد المنهاج وتضخم البرامج فحسب، فهي أسباب ثانوية أما السبب الحقيقي المباشر فهو أن النظام لم يعد في المدرسة قوياً مستقيماً ذلك أن الإرادة القوية والرغبة الجازمة التي يبديها المعلمون لا يقابلها إرادة قوية والتفات حسن من التلميذ والأسرة. وهل في الحقيقة أن الآباء لا يهتمون بالنتائج المدرسية؟ كلا، فالأمر على نقض ذلك، فالإهمال الشديد لتربية الأبناء يقابلها عندهم، تطلب شديد وإلحاح متعسف بما ينشدونه من

المتعلمين، فالمرء يريد أن يعوض إهماله بما يتشدد في طلبه من الآخرين. فمن الوسائل إرضاء الآباء أن تطلب من الطفل وظيفة بيته، وهو في السادسة أو السابعة من عمره. ومن حقه أن يكون في فراشه مع هبوط الليل، ثم نحن نعرف ظروفه الطبقة الفقيرة، فلا المعتقد صحي، ولا الإضاءة حسنة، ولا مراقبة عليه فيأخذ وضعية سيئة ويضر النور الخافت ببصره ومن ثم يغفو الطفل فوق دفتره، أن هذا الأجرام في حق الطفولة، ولكن الآباء يريدون ذلك ولا مرد لما يريدون. وليس البلاء مقتصراً على أبن السادسة أو السابعة بل يسير مطرداً حتى أبن الثالثة عشرة حتى اختلط بين التعليم والأشغال الشاقة، فما ينبغي بحال أن يسهر مراهق حتى منتصف الليل يهيء لشهادته الابتدائية. حقيقة واحدة يجب أن يدركها الآباء والأمهات هي أن ليس من مصلحتهم توجيه المعلم أو القيام بوظيفته وأن من واجبهم أن يعاونون معه فحسب تعاوناً قوياً صادقاً. وعلى عاتق الأسرة مهمة جد خطيرة هي تكوين شخصية الطفل المميز لأن المدرسة تعمل على تكوينه بصورة عامة، وهي رغم ما لديهم من الوسائل والمنهاج نراها مضطرة لأن تصوغ كل الأفراد في قوالب متنافسة وأشكال نمطية، بينما الأسرة تستطيع أن تبلي حاجات الأسرة كل طفل حسب قابليته الفردية واستعداد الشخصي وتحول دون أن يكون واحداً من القطيع 3_التربية الأخلاقية أن التربية الخلقية أصعب من التربية العقلية لأن تكوين الوجدان أشق من تثقيف العقل لذا وجب أن يزداد التعاون بين المدرسة والبيت في هذا الشأن، على أن التربية الخلقية أشد لصوقاً بالأب وأقرب إلى الوظيفة من التربية العقلية، فالأب لا يستطيع في أي حال، أن بترك له، ولوحده، مسائل التربية الخلقية أذا كان يدعى بحق رب الأسرة. من المستطاع أن نحمل المدرسة بعض الأخطاء التي تعرقل مهمة المعلم في التربية الخلقية، كعزلة المعلم وازدراؤه للاتصال بالأسرة، وجفاف التعليم وفساد النظام أما لقسوة مفرطة وفقدان الوحدة بين المعلمين، ونقص الحماس، ثم ازدحام الطلاب في كل صف، وأخيراً عدم اصطناع منهاج التربية الحديثة.

ولكن هل من الأنصاف أن تعود باللوم والتقصير إلى المدرسة؟ أو ليس البيت يهدم كل مساء ما تبينه المدرسة طوال النهار؟. . . الطفل يقضي في منزله ثلاث ساعات مقابل ساعة واحدة في المدرسة، فكيف تريد ألا يكون أثر البيت في التربية الخلقية شديداً وخاصة إذا كان أثراً سيئاً؟ إنه لنكر شديد أن تهمل أسرة واجبها ولا تمم عمل المدرسة الأخلاقي. ولكن أي نكر أشد وأمعن في الهول من أن تقف الأسرة من المدرسة وقف الخصم فتعلن لها العداء الصراح! الحق إن الطرفين يشركان في المسؤولية وتحمل التبعة فمن حظالة الرأي وسوء التصرف ألا يعمد المعلم للتعرف على وسط الذي يعيش فيه الطفل ليستقيم عمله في التربية الأخلاقية وتثمر جهوده، وبالمقابل فأن أكثر الآباء لا يساندون المعلمين في مهمتهم وحاجة أولئك الذين يستقبلون أبنائهم مساء بهذه الجملة: المعلم قاصصك؟ حسناً، فأنا أدبر الأمر ثم أولئك الذين لا ينفكون عن نقد المدرسة والمعلمين فيؤلفون مع أبنائهم، بدافع فقدان الثقة، حلفاً للدفاع المشترك ضد المدرسة. كتب معلم ملاحظة في دفتر تلميذ مشيراً إلى تقصيره. وإهماله لدروسه لكي يطلع عليها وليه. وفي اليوم الثاني عاد الدفتر موقعاً ولكن المعلم عرف خط التلميذ في التوقيع والتلميذ اعترف أيضاً بذلك. ولكن الأب استاء من تأنيب المعلم لابنه وكتب له: إنني احتج على سوء معاملة ابني. . . فما هو بمزور أبداً. . . وأنا بنفسي الذي أمضى له دفتره وضرر هذه الخصومة بين المدرسة والبيت يكون محدداً إذا كانت المدرسة على ثقة من أن الأسرة هي وسط صالح لتركيز تعاليمها الأخلاقية بأمثلة الحية، فالأسرة هي المكان الذي يستطيع الطفل أن يجد فيه بالمساء إثباتاً وتطبيقاً لما تلقى من النظريات والتعاليم الأخلاقية خلال النهار. ومما يفسد التعاون بين المدرسة والبيت اختلاف المفاهيم الأخلاقية، فبعض الأسر ترى مثلاً، أن الانتقام فضيلة وأن الصفح ضعف وجبن، فالمفهوم العائلي مرتكز على الضرورات الواقعية والنافع العاجلة والتقاليد المدرسي. فإذا كان المعلمون والآباء لا يشتركون في نفس الأهداف والغايات فمن الطبيعي أن يختلفوا في انتهاج نفس السبل والأساليب. التربية الخلقية بالنسبة للمعلم سلطة ترتكز على العقل، ولكن هل هذه السلطة

المنطقية المتزنة هي التي تسيطر على التربية الخلقية في الأسرة. إن مفهوم السلطة قد تطور عند الأسر فقد حل نوع من المحبة والثقة والمساواة بدلاً من تلك السلطة المطلقة والتعسف البالغ على أنه يسود الأسر أيضاً في أغلب الأحيان ضعف وتراخ شديدان؟ قال سبنسر: أليس شيء بشع مخيف أن يترك مصير الجيل الجديد إلى تحكم الصدق والعادات العفوية وإلى إيحاء المربيات الجاهلات وتفكير الجدات؟ أننا نلصق الحماقة والغباء بكل من يدخل عالم التجارة وهو جاهل لقواعد الحساب وأصول مسك الدفاتر وتنبأً له بأسوأ النتائج، وهل باستطاعة الجراح أن يحمل مبضعه ويباشر عمله وهو جاهل لعلم التشريح ومنافع الأعضاء؟ ولكن كم من الآباء والأمهات يقبلون على مباشرة مهمتهم الشاقة الخطيرة وهي تربية الأطفال دون أن يفكروا أبداً في السؤال عن المبادئ الأساسية في التربية الجسمية والعقلية والخلقية التي تعينهم في أداء مهمتهم؟ أو ليس هذا مثار الدهشة من الآباء ومبعث الرحمة للأبناء هؤلاء الضحايا الأبرياء؟ ونؤكد مرة أخرى أن التربية الخلقية هي بمقدور الأسرة أن تنهض بها على الوجه الأكمل لأنها هي التي تعرف طفلها معرفة جيدة بينما المعلم موكل إليه عدد من الأطفال كبير، فالأبوان يدركان نقائص الطفل فهو قطعة منها وصورة مصغرة عن نقائصها الموروئة القريبة أو البعيدة، والأبوان هما الوحيدان اللذان يملكان هذا الفيض من الحب، فما الموهبة ولا التضحية ولا صداقة المعلمين نفسها بقادرة على أن تعدل محبة الأبوان وتأثيرهما في التربية الأخلاقية. وهل من الضروري أيضاً أن والقول الطفل الخلوق هو الطفل الذي يعيش في الوسط عائلي سعيد بهيج؟ وهكذا فأنا نرى المصاعب جمة سواء في التربية الجسيمة أو العقلية أو الخلقية ولكن مساهمة الأسرة في هذا المضمار يساعد أيضاً على رفع مستواها الصحي والفكري والخلقي، فالنفع أيضاً جزيل لمن يقوم بالتعليم نفعه لمن تتلقاه. سعيد القضماني

الرسم عند الأطفال

الرسم عند الأطفال للأستاذ صادق علوش جلس أحد الأمراء مساء يوم في شرفة من شرفات قصره المطل على البحر وأخذ يقلب نظره في مشاهد السماء وأمواج البحر، فلمح بين الصخور الشاطئ طفلاً صغيراً متمدداً على الرمال. سأل خدمه عنه فأجيب بأن هذا الولد لا يفارق الشاطئ إلا وقت النوم فتارة يرسم بيده على الرمل زوارق وأمواجاً وغيوماً، وطوراً يرسم بقطعة من الفحم على الصخور ما يراه حوله من مناظر، وكثيراً ما يدركه الليل وهو غارق في تأملاته الهادئة. ترك الأمير مكانه وتوجه نحو الطفل ولاطفه وأعلن له ابتهاجه برسومه وقال له: لقد تأخرت يا بني هذا المساء عن أهلك، فاذهب إلى بيتك مع خادمي وغداً سأرسل إليك من يأخذك إلى المدرسة الرسم تتعلم فيه أواصل هذا الفن وتصير رساماً. قضى طفلنا الليل ساهراً يستعرض في خياله المجموعة الأولى من رسومه الفحمية التي أثبتها على الصخور ويحلم بتصور أشكال جديدة على غرار لوحات كبار الرسامين. وما كادت الشمس ترتفع عن أفق اليوم التالي إلا وكان الدليل يرافق ديزلي إلى معهد الفنون إلى مدرسة الرسم وهناك تحققت أحلامه وأصبح رساماً يشار إليه بالبنان. الطفل رسام بطبيعته، تستهويه أوضاع الإنسان والحيوان وحركات الأجسام المختلفة، وتجلب انتباهه الصور الواضحة الملونة التي تدل على أوضاع جذابة فيتأملها ويدفق في أجزائها ويميز علاماتها الفارقة ثم يحاول تقليدها. فإذا وجدناه يلهو برسم بعض الصور يجب علينا ألا ننكر عليه عمله وألا نقيد حريته أو نزجره. بل علينا أن نحسن توجيهه، ونلفت أنظاره إلى نواقصه، ونشجعه على الرسم في أوقات فراغه، كلما آنس من نفسه ميلاً إليه، على أن لا يستغرق عمله في الرسم كل أوقاته وأن لا يتخذ كتبه وجدران بيته مسرحاً لرسومه الأولى. وإذا قدر لهذا الطفل ووجد إلى جانبه مدرب مهر يصنع أمامه الأجسام والصور المألوفة وينمي عنده الذوق الفني ويقوي ملاحظته ويعوده على النظر إلى الأشياء بعين بصيرة تشبه عدسة آلة التصوير (المركزة نحو هدف معين) ويمرن يده على الرسم والتلوين ويرشده بلطف إلى اختلاف الرسم باختلاف وضع الجسم وينبهه إلى الخطأ البصر في

رؤية الخطوط المتوازية والمتلاقية وإلى النسبة بين أجزاء الشكل الواحد أو بين مجموعة أشكال يراد رسمها في لوحة واحدة و. . . . نعم إذا وجد هذا المدرب بجانب الطفل الولوع فأن مواهبه الفنية الكامنة تظهر وتنمو ويصير في مدة قصيرة رساماً. لقد فطن الدكتور ديكرولي إلى أن عاملين قويين يدفعان الطفل إلى الرسم: العامل الأول_خارجي معروف العامل الثاني_باعث نفسي كامل يتيقظ بتأثير العامل الخارجي أو بتذكره فأن الدكتور الناحية الأولى وأحدث عدة مجموعات من الأشكال واللوحات التي يهواها الطفل وصنفها درجات وترك للمدرب تأمين الناحية الثانية وتقوية الانتباه ودقة الملاحظة وتهذيب الذوق و. . . . وحبذا لو يتحفنا المختصون بهذا الفن من أساتذة مدارسنا بمجموعات من هذا النوع، وليست وزارة معارفنا تؤمن لهذا الدرس في مدارسنا الابتدائية أساتذة أخصائيين وتخرج هذه المادة من نطاق الدروس التي يتعهدها معلم الصف الواحد وتعيد للبلاد الحياة الفنية التي كانت في بدء النهضة العربية. وقديماً ذكر_المقريزي_في كتابه مشاهير المصورين من العرب أنه كان في الأندلس وفي بغداد مئات من مدارس التصوير نرجو أن تعود الحياة الفنية إلى سابق عهدها وقديم مجدها. صادق علوش رئيس هئية التعليم الابتدائية

دروس التربية البدنية

دروس التربية البدنية بإشراف الأستاذين أنور تللو المراقب العام للتربية البدنية يحيى الشركس مراقب التربية البدنية في دمشق رأت المجلة أن تعنى بشؤون التربية الجسمية عنايتها بالتربية العقلية والخلقية لذلك رغبت إلى الأستاذين أنور تللو ويحيى الشركس أن يشرفا على التحرير حقل التربية البدنية، فتفضلا بتخصيص جزء كبير من كتابهما لينشر على صفحات المعرفة وليكون عوناً ومرشداً للمعلمين والمعلمات في تدريس التربية البدنية، إذ سيكون في متناول يدهم في مطلع كل شهر مادة جديدة لما سيدرسونه خلال الشهر من التمرينات والألعاب. وفي العدد القادم، سنبدأ بنشر الدروس العلمية موضحة بالرسوم والإيعازات، المعرفة إذ تقود بهذا الجهل لخدمة أساتذة الرياضة تقدم للأستاذين شكرها لمعونتهما الصادقة. درس التمرينات البدنية جدول التمرينات_طريقة التدريس_النداء اتفق علماء التربية البدنية على تسمية مجموعة التمرينات والألعاب التي تعطى لدرس واحد بجدول التمرينات وتقسم هذه التمرينات إلى أربعة مجموعات تعمل كل مجموعة منها لغرض خاص، وترمي بمجموعها إلى هدف واحد وهو تدريب الجسم تدريباً شاملاً لتقوية عضلاته ومفاصله وزيادة مرونتها ولتربية القوام وتنميته نمواً متزناً وذلك بمحاربة الأوضاع الرديئة في الجسم. المجموعة الأولى وتسمى المقدمة وتشمل على التمرينات الآتية: 1_تمرين للنظام 2_تمرين للرجلين 3_تمرين للعنق

4_تمرين للذراعين 5_تمرين للجذع (البطن_الظهر_الجانبين) 6_تمرين للرجلين والغرض من هذه المجموعة تنشيط الدورة الدموية والتنفس وإعداد الطلاب للتمرينات الصعبة التي ستأتي في المجموعة الثانية، ويجب أن تكون تمريناتها معروفة لدى الطلاب من قبل وتستغرق نحو (4) دقائق في الدرس مدته (40) دقيقة. المجموعة الثانية وتسمى التمرينات المحلية الأساسية وتشمل: 1_تمرين للمنكبين 2_تمرين للقوة 3_تمرين للتوازن 4_تمرين للجذع (البطن_الظهر_الجانبين) 5_تمرين المشي والجري والغرض من هذه المجموعة تقوية العضلات والمفاصل وزيادة مرونتها والتأثير على أجهزة الجسم وإصلاح القوام، فلذا فتمريناتها أهم تمرينات الجدول لمدة (12) دقيقة تقريباً. المجموعة الثالثة وتسمى بالتمرينات التطبيقية وتشمل: 1_تمرين للوثب 2_تمرين للقفز 3_تمرين للرشاقة 4_تمرين للعبة والغرض من هذه المجموعة بث روح الجرأة والأقدام وبه يختبر المعلم طلابه لمعرفة مقدار ما اكتسبوه من مهارة ورشاقة ويستغرق أذاء هذه المجموعة نحو (20) دقيقة. المجموعة الرابعة وتسمى التمرينات الختامية وتشمل: 1_تمرين للرجلين 2_للذراعين 3_للجذع

والغرض من هذه المجموعة الأخيرة تهدئة سرعة التنفس والدورة الدموية وتستغرق نحو (4) دقائق ويؤديها الطلاب بعد عودتهم إلى التكوينات (الصفوف المفتوحة) اختيار تمرينات الجدول يتوقف اختيار تمرينات الجدول وتركيبه على المدة المخصصة لحصة التربية البدنية إذ لا يتحتم على المدرس التربية البدنية إملاء جميع أقسامه إذا لم يكن لديه متسع من الوقت ويمكنه أن يتصرف برفع بعض مواد المجموعة الأربعة على أنه يجب أن يتقيد دوماً بالمواد التالية من كل مجموعة هي: المادة: (6، 5، 4، 2) من المقدمة و (5، 4، 1) من الأساسية و (4) من التطبيقية و (2) من الختامية مع مراعاة تنويع التمرينات الجذع في المقدمة والأساسية فإذا وضع تمريناً للبطن في المقدمة مثلاً، فيجب أن يضع تمريناً للظهر وآخر للجانبين في الأساسية. ولانتقاء تمرينات الجدول وترتيبها ثم تقسيمها على المجموعات الأربع أهمية كبرى تستلزم عناية فائقة ودقة في التركيب فعلى المدرب أن يضع نصب عينيه الأمور التالية عند اختيار تمارينه وترتيبها في الجدول: 1_أن تكون التمرينات متدرجة في الصعوبة 2_ملاحظة البيئة التي يعمل فيها ومعرفة الأوضاع الجسمية الرديئة الشائعة في الصف وذلك لاختيار التمرينات الإصلاحية لتقوم تلك الأوضاع الشاذة في الجسم. 3_اختيار التمرينات لبث الروح المثابرة والشجاعة وضبط النفس كتمرينات التوازن والوثب. 4_مراعاة سن الطلاب الذين يدربهم، وجنسهم ومقدار نموهم ودرجة اقتدارهم، فالتمارين الضعيفة التأثير لا فائدة منها، والقوية التأثير هي التي تفيد الجسم وتنعشه، وأما التي تزيد قوة تأثيرها عن الحد المعقول فضارة شديدة الخطر. 5_مراعاة التسلسل والانسجام حتى يخرج الجدول كقطعة موسيقية ولذا كان من اللازم اختيار التمرينات بحيث تتناسب في قوتها وتوقيعها. ملاحظة عامة عن الجدول الجدول من ناحية سن الطلاب وجنسهم:

قلنا أن الغرض من التمرينات الجدول هو تقوية العضلات الجسم ومفاصله وزيادة مرونتها وتربية القوام ومحاربة الأوضاع الرديئة فيه ولذا كانت التمرينات متنوعة في بساطتها وتعقيدها وفي سهولتها وصعوبتها وأن هذا التنوع ضروري بالنسبة للفرد وتركيب جسمه وقدرته على العمل. فالتمرينات التي تعطي للبالغين من الطلاب يجب أن تعطي لهم وهم في دور المراهقة وأما الأطفال الذين هم ما بين 6_9 فتختلف كل الاختلاف عما تعطي للمراهقين والبالغين. فتمرينات الأطفال يجب أن تكون بسيطة وموضوع في القالب قصصي أو تمثلي وذلك لما للطفل من قوة خيال وميل شديد يراه حوله من إنسان أو حيوان أو جماد، ولميله الشديد وتعطشه للحركة المستمرة يجب عدم أعطائه حركاته من أوضاعه ثابتة، فحركات الرجلين مثلاً تعطي له بطلب تقليد جري الحصان أو سير الإوز أوثبة الضفدعة. وحركات الذراعين بتقليد حركة جناحين الطير أو عامل النور وكذا حركات الجذع بتقليد الحفار والعجان والحصاد والفلاح وهو يبذر الحب. ويمكن وضع هذه الحركات كلها في قالب قصصي لذيذ يسهوي الطالب ويشبع مليه وشوقه للحركة. وعندما يتقدم الطفل في السن يتغير نوع التمرينات وطريقة التدريس أيضاً فتعطى للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 9_12 تمرينات بسيطة متدرجة في الصعوبة ويزاد من كمية الألعاب التمهيدية التي تكسب الطالب مهارة للألعاب الجمعية الكبيرة والعاب القوى كالرمي والقفز، واللقف والتصويب ويجب أن يعلم المدرس أن هذه المرحلة هي مرحلة الأعداد الرياضي في دروس التربية البدنية. ويأتي بعد هذه المرحلة دور المراهقة إذ يبدأ الطالب بتكوين شخصيته وتزداد مداركه وانفعالاته النفسية والجسمية فيظهر عليه علائم التعب بسرعة ولذا فتمرينات هذه المرحلة تختلف عن سابقها لتتفق مع مدارك الطلاب وشعورهم فلا تعطي لهم تمرينات بسيطة أو مركبة شديدة التعقيد الاكثار من الألعاب للبنين والتمارين الإيقاعية للبنات. وعندما يصل الطالب إلى دور البلوغ تزداد قوته وتشتد قدرته على العمل. ففي هذه المرحلة تزداد التمرينات قوة وتعقيداً ويرتفع مستوى الألعاب الجمعية والفردية فيشترك الطلاب فيها

لإظهار مواهبه في الألعاب الكرة المختلفة والعاب القوى ويمكننا أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة التخصيص الرياضي لممارسة ما برز به من الألعاب عند تركه المدرسة. أما تمرينات البنات في هذه المرحلة فيجب أن لا ترمي إلى تقوية العضلات بل إلى مرونتها وتربية القوام وزيادة الرشاقة فيه ويجب أن تمتاز بسهولتها وانسجامها وتكون أوضاعها جميلة جذابة تحمل طابع الأنثوية والدعة وجمال الحركة بعيدة عن الشدة والقوة العظمية والجهد الزائد. طريقة التدريس يجب أن يكون تعليم التمرينات البدنية عيانياً وعملياً، وتحليلاً ثم تركيباً مع مراعات التدرج فيه. فعلى المدرس أن يعرف الحركة ويؤديها وهو ينادي بها بعد تحليلها إلى أجزائها ثم يركبها شيئاً فشيئاً متدرجاً من السهل إلى الأصعب. ولكي نضمن نجاح درس التمرينات البدنية يجب مراعاة البنود التالية: 1_أن يكون الدرس علمياً: فعلى المدرس أن يجتنب شرح النواحي الفنية للتمرين وأيضاً فوائده، حتى لا يضع شيئاً من وقت الدرس بل ينادي بالحركات باختصار طالباً من التلاميذ أداءها أو قد يقوم هو بأداء الصعب منها حتى يقلده التلاميذ فيما أدى. 2_أن يكون التعليم على الطريقة النموذجية: فأداء التمرينات على الوجه الصحيح ومعرفة الأوضاع الأصلية عند الطلاب تكون خاطئة في اغلب الأحيان رغم معرفتهم بها، فوضع الوقوف والجلوس والرقود مثلاً تكون معروفة لديهم بأشكال ناقصة وبأوضاع غير صحيحة ولذا كان لزاماً على المدرس أن يربها لهم ليسهل على الطلاب أداؤها على الوجه الصحيح، ولما كان المعلم هو النموذج الأصلي لطالبه وجب عليه أن يعتني بهندامه الرياضي حتى لا تعيق ثيابه إظهار الأوضاع التي يريها لطلابه. ويجب أن يجذب انتباه الطلاب ويركز تفكيرهم عند إعطائه التمرينات جديدة وذلك بطريقة تحليل التمرين إلى أجزائه التي يتألف منه، وعليه أن يؤدي ما يود تلقيه من التمرينات بشدة ونشاط دون أن يسرع في أدائها إذ يقتضي أن يرى الطلاب بداية التمرين وسيره وانتهائه بوضوح تام. 3_أن التوزيع في درس التمرينات البدنية شرط أساسي لنجاحها: فعلى المدرس أن يعتني بمادة التمرينات والألعاب في (الجدول) وبنواحي النشاط فيه وأن يحسن اختيار الألعاب

بالنسبة لسن الطلاب الذين يدرسهم ويراعي مداركهم فلا يختار ألعاباً في غاية البساطة مثلاً لا يرتاح إليها الطالب، وأن يبادر إلى تغيير أجزاء (الجدول) في حينه حتى لا يمل الطلاب من تكرار التمارين التي حفظوها مع مراعاة التدرج من المعلوم إلى المجهول من التمرينات ومن السهل إلى الصعب على أن يراعي أيضاً عند تغيير تمرين في جزء من أجزاء (الجدول) أو تغيير الجزء كله، التناسق العام في الهيكل (الجدول) بالنسبة للغرض المطلوب منه وهو التأثير العام في الجسم. 4_أن التقدم في التدريس التمرينات يجب أن يكون بالانتقال من المعروف إلى المجهول ومن البسيط إلى المركب ومن السهل إلى الصعب: فلا يجوز إعطاء تمرين جديد غير مرتبط بتمرين قديم معروف أتقن أداؤه من قبل، ولذا فكل تمرين جديد يجب أن يرتكز على تمرين سابق وبهذه الطريقة يضمن المدرس تسلسل (تمرينات الجدول) حيث يصبح أداؤها سهلاً فيأخذ شكلاً انسيابياً جميلاً. وأن الأوضاع والحركات المعروفة لدى الطلاب هي الحركات الطبيعية التي ترافق الإنسان ويؤديها في حياته اليومية، كالوقوف والمشي والجري والجلوس والرقود والوثب وثني الذراعين ومدهما وتحريك الرأس والجذع وثنيهما ومدهما، والشد، والتدافع وإلى غير ذلك من الأوضاع والحركات التي تعودها الطفل بالسوق الطبيعي، وهي لو أنها كثيرة ومتنوعة إلا أن مدى الحركة محدوداً ونقصد بذلك عدم وصول الحركة لأقصى ما يستطيعه المفصل، وتقوم التمرينات البدنية بإصلاح هذه الأوضاع وزيادة مدى الحركات فيها الميل مثلاً بقصد إيجاد التنافس والتوافق في العمل بشرط أن يكون الفرد قد أتقن أولاً الحركتين كلاً على حدة، وكل تمرين معقد يراد تعليمه يجب أولاً تحليله إلى أجزائه البسيطة وتعليم كل جزء على حدة ثم الانتقال إلى تركيب هذه الأجزاء. 5_تصلح الأخطاء تدريجياً عند أداء التمرينات: أن التقليد الحركة عن النموذج عمل شاق بالنسبة إلى الطفل. فأول ما يتشكل في ذهنه عندما يرى التمرين هو تكوين صورة عنه، وقد تكون هذه الصورة ناقصة غامضة. ولتكوين هذه الصورة وتعديلها وإبرازها بشكل عملي صحيح والمحافظة عليها تعمل المراكز المخية العليا والمراكز العصبية السفلى ويحصل ارتباط تام منظم بينها وبين مراكز الألياف العضلية، فالمدرس الذي يدرك هذه

العملية المعقدة يجب أن يكون يقظاً صبوراً ومتأنياً في تعليم طلابه، ولا سيما أن الطلاب يدركون لا يدركون الأخطاء التي يقعون فيها عند أداء التمارين، فإذا لم يبادر إلى تصحيح الأخطاء فوراً تصبح بعد تكرارها خطأ شائعاً يتعذر تصحيحه فيما بعد وفي هذا ابتعاد عن الغاية المرجوة فالتمرين المصلح للقوام يصبح مشوهاً. ويجب أن يدرك المدرس أسباب وقوع الأخطاء قبل وقوعها وتكون على نوعين: عامة، وشخصية. وأسباب وقوع الأخطاء العامة هي: آ_صعوبة التمرين الذي يود المعلم تعليمه وهذا ناتج عن عدم إتقان الطلاب التمرين السابق الذي يرتكز عليه التمرين الجديد ففي هذه الحالة يصرف النظر عن تعليم التمرين الجديد ويعاد السابق ويكرر مرات عديدة. ب_تعب جسمي أو فكري. كأن يقوم المدرب بإعطاء التمرين الجديد في نهاية الدرس أو بعد تعب ذهني (في أسبوع الفحص مثلاً). ج_عدم وضوح التمرين عند أدائه وتعريفه والسرعة الزائدة في النداء به وفي هذه الحال يكرر التمرين بوضوح وينادي به ببطء وتؤدي. وتنشأ الأخطاء الشخصية عن الأسباب: آ_ضعف بنية الطالب أو تغيبه عن الدروس لأسباب مشروعة. ففي هاتين الحالتين يحث المعلم تلميذه على عمل التمرينات في أوقات فراغه. ب_شرود الطالب وعدم انتباهه عند إعطاء التمرين وهذه الحالة شائعة سيما عند حديثي السن، فعلى المعلم أن يسعى لربط طلابه بدرسه يجعله درساً جذاباً وبنظراته تارة وتغيير نبرات صوته أثناء النداء بالتمرين وتحذيرهم تارة أخرى. ج_عدم الرغبة في الدرس: وفي هذه الحالة يجب أن يبحث المدرس عن سبب، والمدرس الناضج هو الذي يرجع باللائمة على نفسه، فابتعاد الطفل عن الحركة واللعب أمر غير طبيعي ولا بد أن يكون الدافع له عن الدرس عاملاً أو عوامل خارجية، كصوت المدرب أو مظهره أو بطريقة ندائه أو صعوبة التمرينات أو سهولتها أو تقيد المدرس بالمظهر والشكل دون العمل على بث الشوق في نفوس التلاميذ أو تركيب التمرينات بعضها مع بعض دون أن يكون هناك بينها ترويح أو لعب تلقائي إلى غير ذلك من الأسباب التي ترجع الواقع

للمدرس لا لتلاميذه ولكي يضمن مدرس التربية القواعد الموجودة من درسه يجب أن يحذر من الوقوع في الأخطاء التالية: آ_أن يقوم بحركات نابية ينقد عليها من قبل الطلاب أن يتركهم في أوضاع صعبة لمدة طويلة. ب_أن يكثر من إيعاز الاستراحة ويتركهم فيها مدة طويلة بدون جدوى. ج_أن يطيل في شرح التمارين وإعطاء الإيضاحات المملة بل عليه أن يبادر بالنداء بالتمرين متبوعاً بأداء الحركة من قبله أو بوساطة أحد الطلاب الذين يتقنون التمرين بعد وضعه أمامهم. ء_ألا يضع الطلاب في التكوينات (فتح المسافات) قبل الابتداء بالتمرين. هـ__ أن يوجه عنايته لطالب أو لقسم من الطلاب ويترك الباقين دون عمل بل عليه أن ينادي بالتنبيه لتصحيح الخطاء على مجموع الصف أثناء الاستمرار بالعمل فإذا لم ينتبه المخطئ، عليه أن يترك مكانه فيدخل بين صفوف الطلاب دون أن يقطع ندائه ليصحح الأخطاء فيمس بسباته كان الخطاء في جسم الطلاب هذا مع الكبار المدربين والمتقدمين في التمرينات أما مع الصغار فيجب إيقاف التمرين وإصلاح الوضع أو الحركة ثم مواصلة العمل بعد ذلك 6_ألا يعني بتعليم الأوضاع الأصلية لأن أداء التمرينات من أوضاع خاطئة يضر بالجسم ويشوهه بدلاً من أن يفيده. وأن ما يبذله المدرس من الجهود في تعليم الأوضاع الأصلية يسهل عليه وعلى طلابه تعلم التمرينات المعقدة في المستقبل. 7_أن يغير ويبدل في تمرينات الجدول قبل أن يتقنها التلاميذ، ولذا كان من الضروري تكرار التمرينات مراراً عديدة ولكن يجب أن لا يحاول ذلك في درس واحد حتى لا يجلب السأم إلى نفوس الطلاب بل يعيد ذلك في دروس متعددة ويجب أن لا يهمل بالمرة أي تمرين أتقنه الطلاب لأن الفائدة المتوخاة لتربية الجسم من التمرينات تضاهي أضعاف ما يبذله من الجهود لأدائها. النداء ينادي المدرب على التمرين مباشرتاً بعد تعريفه، وهو أصعب أجزاء الدرس وأهمها

بالنسبة للفائدة المرجوة من التمرين لأنه يعين مدى الحركة والتوقيت فيه وبواسطته ينبه المدرب طلابه إلى التصحيح الأخطاء ويتركب من ثلاث أجزاء هي: 1_التنبيه: وبواسطته يذكر المدرس حركات التمرين جزءاً جزءاً بوضوح تام ولغة صحيحة وصوت مناسب مسموع من جميع الطلاب. 2_فترة الانتظار: وبه يستسيغ الطلاب ما سمعوه من المدرس ويستعيدوه في الذاكرة. 3_الأجزاء وهو الأمر لأداء التمرين ويكون بكلمة واحدة يلقيها المدرس. وله ثلاث مراحل من حيث الأداء هي. 1_الأداء اللفظي: ويستعمل مع المبتدئين أو عند تمرين جديد معقد. 2_الأداء العددي: ويحل محل الأداء اللفظي بعد أن يستسيغ الطلاب حركات التمرين. 3_الأداء التوقيتي: وهو حد الكمال في النداء ويستعمل بعد معرفة التمرين معرفة تامة مع إتقان أجزائه فللنداء على التمرين التالي: (وقوف فتحاً) ثني الجذع أماماً أسفل لمس المشطين. يبدأ بالنداء اللفظي حيث يقول: بالوثب، القدمين متباعدتين. . . . . . . . . ضع، (للوصول للوضع الابتدائي) 1_لمس المشطين، الجذع أماماً أسفل. . . . ثني 2_الجذع عالياً. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مد ثم ينتقل إلى النداء العددي فيقول: بالعدد نفس التمرين. . . . . . . . . . . . 1_2 وينتقل أخيراً إلى النداء التوقيتي فيقول: مع التوقيت نفس التمرين. . . . . ابتدئ (1_12_1، 2_2) ويمكن استعمال اللفظ الدال على الحركة عند أداء التمرين مع التمرين وذلك للزيادة في الإيضاح أو عندما يرى المدرس أن بعض الطلاب يخطئون فيقول. . . . . 1_2_ثني، مد

نشاط الهيئات

نشاط الهيئات مؤتمر الهيئات في حمص الملاك والتصنيف انتظرت الأسرة التعليم بفارغ صبر صدور الملاك الخاص. وكانت الهيئات قد تقدمت إلى وزارة المعارف بعدة مقترحات حول الملاك، وعقدت مؤتمرين خلال السنة الدراسية المنصرمة أحدهما في اللاذقية، والأخرى في دمشق. وأظهرت مؤتمراتها واجتماعاتها تضامناً تاماً، وكانت اللجنة الإدارية لهيئة دمشق على اتصال دائم بالمسؤولين لتطمئن على مطالبها في الملاك. وكانت البرقيات ترد على وزارة المعارف من حين إلى حين تذكر أن مطاليب الهيئات هي الحد الأدنى الذي يرغب فيه المعلمون. . . وأخيراً صدر الملاك المنتظر وهو المرسوم التشريعي ذو الرقم 61 المتضمن ملاك التعليم الابتدائي والأولي. فاجتمعت اللجنة الإدارية ودرسته فرأت فيه قليلاً من الأنصاف كوصول المعلم إلى نهاية المرتبة الرابعة أي 175 ل. س. (أساس) وكثيراً من الإجحاف. فدعت اللجنة مجلس هيئة المعلمين لعقد اجتماع مستعجل وكذلك مجلس هيئة المعلمات. فدرس كل مجلس على حدة أعترا ض اللجنة على الملاك، ومقترحاتها حول التصنيف المنتظر، فوافق المجلسان على صيغة الاعتراض والمقترحات. وكلفت اللجنة برفعها إلى المراجع المسؤولة. مؤتمر الهيئات ولكن وجدت هيئات بعد دراسة الملاك الخاص، أن من الضروري عقد مؤتمر عام يحضره مندوبون مفوضون عن كافة المحافظات، لدراسته بصورة مجتمعة والاعتراض عليه. فاتفق على أن يعقد المؤتمر يوم الخميس الواقع في 13 تشرين الثاني 1946 في مدينة حمص. واجتمع مندوبو الهيئات في الوقت والمكان المحددين. وعقدت الجلسة الأولى في قصر رغدان في الساعة الرابعة برئاسة الأستاذ يحيى الترجمان رئيس هيئة حمص وأمانة سر الأستاذ مصطفى فيض الله أمين سر هيئة حلب. وبعد أن ألقى رئيس المؤتمر كلمة ترحيبية بالوقود، طلب إلى الأستاذ خالد قوطوش رئيس هيئة دمشق شرح غاية المؤتمر وتلاوة اعتراض لجنة دمشق على الملاك الخاص

واقتراحاتها حول التصنيف. فبين الأستاذ قوطوش أن هيئة دمشق لم تشأ أن تنفرد باعتراضها واقتراحاتها ولم تود أن تأخذ على عاتقها وحدها هذه المسؤولية بل رغبت، حرصاً على مصلحة أسرة التعليم الابتدائية قاطبة، في أن تدعو إلى عقد مؤتمر لدراسة الاعتراض والاقتراحات بصورة مجتمعة ومن ثم تقديمها باسم الهيئات على المراجع المختصة. وقد عقد المؤتمرين جلستين خلال يومين متتاليين درسوا فيهما اعتراض هيئة دمشق على الملاك واقتراحاتها المتعلقة بالتصنيف، وانتهوا بعد إدخال شيء من التعديل إلى إقرار الاعتراض والاقتراحات المذكورة. ومن ثم أنتقل المؤتمرون إلى البحث في كيفية إلى هذه المقررات، فتقرر ما يلي تفوض هيئة دمشق بتقديم هذه المقررات باسم المؤتمر إلى المجلس النيابي ولجنة التصنيف، وتسعى بما لديها من قوة باسم جميع الهيئات إلى العمل على تنفيذها. وإذا دعت الحاجة أبرقت إلى هيئات المحافظات لإرسال ممثلين عنها على أن يكونوا مفوضين تفويضاً مطلقاً في إقرار الخطة التي تقضيها الحاجة. الاعتراض على الملاك وفيما يلي بعض المواد التي جاءت في الاعتراض الذي أقر مؤتمر حمص على المرسوم التشريعي ذي الرقم 61 المتضمن ملاك التعليم الابتدائي إلى 85 ل. س (أساس) ويرفع بالنسبة نفسها مبدأ تعيين حامل شهادة التحصيل الثانوي والكفاءة _ إعفاء المعلم من فحص اجتياز الحلقة. _ عند حصول موظف التعليم الابتدائية والأولى على شهادة أعلى من الشهادة التي يحملها ونجتاحه ف بسابقة التعيين الخاصة بحمله نتلك الشهادة، فأنه يصنف في المرتبة والدرجة اللتين تخوله إياهما شهادته الجديدة يضاف على ذلك ترفيعه درجة عن كل أربع سنوات خدمة قضاها في وضيفة قبل نيله تلك الشهادة. _ يضاق إلى للجنة التصنيف مدير معارف ومفتش كل محافظة حين تصنيف موظفي تلك المحافظة. _ واقترح المؤتمران الإجماع تعديل المادة 13 بهذا الشكل: تدرس لجنة التصنيف أحوال

كل من الموظفين، وتنظر في ماضيه، وتدقق في أخلاقه وكفاءته ونشاطه في الوظيفة، وتأخذ بعين الاعتبار ما لحقه في التصانيف والترفيعات السابقة من غبن أو فائدة، ثم تصنفه تصنيفاً نهائياً في المرتبة والدرجة اللتين تقررهما مراعية في ذلك قدمه منذ تعيينه، ولا يحق تنزيل مرتبة إلا بعد الاستناد على عقوبات قانونية شديدة تستوجب هذه التنزيل. المقترحات المرفوعة للجنة التصنيف وفيما يلي ملخص الاقتراحات التي أقرها المؤتمر لترفع بواسطة زارة المعارف إلى لجنة التصنيف. _ يبدأ تصنيف المعلمين والمعلمات القائمين على رأس وظائفهم، الحاملين لشهادة دور المعلمين والمعلمات على اختلافها، والمعلمين والمعلمات المصنفين حالياً في الفئة الأولى، والمعلمين والمعلمات الذين يحملون شهادة البكالوريا الثانية أو الأولى أو شهادة أخرى معادلة لشهادة التحصيل الثانوي، الموجودين كذلك في الفئة الأولى، في الدرجة الثالثة من المرتبة السابقة براتب 85ل. . (أساس) ويلفت نظر الجنة بصورة خاصة إلى حملة الشهادة دار المعلمين الابتدائية المؤسسة سنة 1953. ويبدأ تصنيف المعلمين والمعلمات الموجدين حالياً في الفئة الثانية من الدرجة الأولى من الثامنة براتب 80 ل. س. (أساسي). _ ترفيع المعلمين والمعلمات درجة عن كل سنتين من الخدمة منذ أول تعيينهم (تدخل في الخدمة سنوات التوقيت والوكالة والدراسة في دور المعلمين). _ إذا لم يبلغ المعلم بعد ترفيعه عن القدم بموجب المادة السابعة مرتبته ودرجته الحالتين يحتفظ بهما كحق مكتسب. _ ولفت المؤتمر نظر لجنة التصنيف إلى أوضاع المعلمين والمعلمات الذين تضرروا من جراء تطبيق المرسوم 163 والقانون 60 و 173. وخاصة أولئك الذين أتموا الخمس السنوات حتى أربع شباط 1945. كذلك لفت النظر إلى المعلمات اللاتي عند تطبيق القانون 137، أرجع أساس رواتبهن إلى المرسوم الاشتراعي 163، فتضررن ضرراً فادحاً، وإلى المعلمين من حلة الشهادة الزراعية والبكالوريا الأولى أو شهادة معادلة لها، الذين تأخر تصنيفهم عند تطبيق المرسوم163لأسباب شكلية. وكذلك لفت المؤتمر أنظار لجنة التصنيف إلى أوضاع المعلمين والمعلمات الذين رسبوا

فقط في الفحص المسلكي لدار المعلمين ولشهادة أهلية التعليم والبكالوريا الأولى، وإلى المعلمين والمعلمات حاملي شهادة الكفاءة الذين على تعينهم من 2 حتى 3 سنوات عند صدور القانون 60، وإلى المعلمين الذين رسبوا في فحص شهادة دار المعلمين الأولية، وكذلك التفريق بين المعلم حامل الكفاءة والمعلم الذي يحمل مصدقة الصف الأول أو الثاني قبل وجود الكفاءة. وإلى المعلمين والمعلمات الذين لا يحملون شهادة ما وأثبتوا كفاءة علمية وجدارة مسلكية. وأخيراً إلى أوضاع المعلمين والمعلمات الذين خدموا في معارف جبل الدروز واللاذقية وصنفوا بمراتب ودرجات دون مراتب ودرجات أمثالهم الذين تنحصر خدماتهم في الدولة السورية وتتشابه أحوالهم بهم بغية إنصافهم. المعرفة ومجلة المعرفة التي تتشرف بأن تكون لسان حال أسرة التعليم لابتدائي، يسرها جداً أن ترى أسرة التعليم متضامنة، متحدة، راجية بتحقيق أمانيها في الملاك والتصنيف، حتى يتفرغ المعلمون والمعلمات لمعالجة نواح آخرة في مسلكهم من الواجهة العلمية والفنية.

مشاكل التعليم

مشاكل التعليم هذا الحقل من المجلة، خصصناه لمعالجة مشاكل التعليم المختلفة، وما أكثر ما يرافق مهنة التعليم من مشاكل تحتاج إلى دراسة ومعالجة وما أكثر ما تثير صناعة التربية من مسائل تفتقر إلى إيجاد حلول لها، ففي مواد البرامج وسير المناهج وفي أوضاع المدارس والطلاب سواء في المدن والقرى، وفي كل هذا تنبثق مشاكل ومشاكل نقف عند بعضها حائرين ونصطنع للبعض الآخر ما نراه من حلول سريعة عفوية، فالمجلة فتحت هذا الحقل ليكون منبراً حراً ليعرض فيه الزملاء والزميلات ما يلاقون من مشاكل وما يقترحون لها من أسباب المعالجة وطرائق الحل، حتى إذا تجمعت الآراء وتركزت الأفكار وتبولت وجهات النظر غدت تلك المشكلات المعقدة بنتيجة البحث والدراسة وعرض الاختبارات الشخصية شيئاً هيناً مسهلاً فتعم بذلك الفائدة ويمهد السبيل أمام المعلمين والمعلمات. ونحن إذ نرجو الزملاء المشاركة في هذا الباب النافع نرجو أيضاً أن يكون البحث مركزاً في مشكلة واحدة، معالجاً بشيء من الإيجاز، حتى يكون من المستطاع نشر أكبر عدد ممكن من هذه الأبحاث والدراسات والاختبارات فتحقق الغاية التي نتوخاها من فتح هذا الباب.

أخبار المعارف

أخبار المعارف مرسوم تشريعي رقم 16 تاريخ تشرين الأول 1964 المتضمن ملاك موظفي التعليم الابتدائي والأولي أن رئيس الجمهورية السورية بناء على القانون ذي الرقم 269 المؤرخ في 4 حزيران 946 وبناء على اقتراح وزير المعارف وقرار مجلس الوزراء ذي الرقم 411 المؤرخ في 20 تشرين الأول 946. يرسم ما يلي: مادة 1_أن الغرض من تأسيس المدارس الابتدائية والأولية حدد بالقانون ذي الرقم 121 المؤرخ في 21 كانون الأول 1944. وأما مهام وواجبات موظفيها فتقرر براسم تنظيمية. مادة 2_يحدد تسلسل المراتب لموظفي التعليم الابتدائي والأولي وفقاً للجدول التالي: الوظيفة المرتبة معلم ممتاز الرابعة أو الخامسة أو السادسة معلم أساسي السابعة معلم رئيسي الثامنة معلم التاسعة معلم مساعد العاشرة ويحدد سنوياً عدد موظفي التعليم الابتدائي والأولي من كل مرتبة في قانون الموازنة. ويجوز ترفيع المعلمين والمعلمات الممتازين لغاية الدرجة الأولى من المرتبة الرابعة. مادة3_تخول الشهادات الآتي ذكرها تعين حامليها في الوظائف والمراتب والدرجات المبينة حذاءها: شهادة دار المعلمين الابتدائية معلم رئيس مرتبة 8 درجة 2 شهادة الدراسة الثانوية معلم رئيس مرتبة 9 درجة 3

شهادة الدراسة المتوسطة أو المسلكية معلم مساعد مرتبة 10 درجة 3 مادة 4_تقرر لجنة معادلة الشهادات في وزارة المعارف قيم الشهادات الأخرى التي لم يرد ذكرها في المادة 3 وتقرر الدرجة والمرتبة اللتين يمكن تعيين حماتها فيها قياساً على الشهادات المذكورة. . . مادة 5_يعين خريجو المدارس الدينية الثانوية التي تشرف وزارة المعارف على منح شهاداتها معلمين مساعدين في الدرجة الثانية من المرتبة العاشرة إذا كانوا يحملون شهادة الدراسة المتوسطة. أمل الذين يحملون منهم شهادة دار المعلمين الابتدائية أو شهادة الدراسة الثانوية فيعينون في المرتبة والدرجة المخصصين للشهادة التي يحملونها. مادة 6_يمكن عند الحاجة أن يعهد بالتعليم في المدارس الابتدائية والأولية إلى وكلاء خارجين عن الملاك لإملاء الشواغر أو للقيام بمهام المعلمين المتغيبين. ويمنح هؤلاء الوكلاء تعويضاً يحدد بمرسوم تنظيمي. مادة 7_يحدد واجبات مديري المدارس الابتدائية والأولية وصلاحياتها وشروط انتقائهم ونصابهم التدريسي بمراسيم تنظيمية. ويمنح هؤلاء طوال قيامهم بواجبات الإدارة تعويضاً يحدد مقداره بمرسوم تنظيمي. مادة 8_تطبق الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون الموظفين الأساسي على موظفي التعليم الابتدائية والأولى. مادة 9_لا يجوز لغير حملة شهادة دار المعلمين من موظفي التعليم الابتدائية أن يجتازوا المرتبة الثامنة ما لم يؤدوا بنجاح فحصاً نظرياً وعملياً في أصول التربية والتعليم. مادة 10_تحدد شروط المسابقة لتعيين موظفي التعليم الابتدائية والأولي الذين يحملون شهادات دور المعلمين بقرار من الأمين العام أو مدير المعارف العام. مادة 11_إذا حصل موظف التعليم الابتدائي أو الأولي على شهادة أعلى من الشهادة التي يحملها ونجح في مسابقة التعيين الخاصة بحملة تلك الشهادة فانه يصنف في المرتبة والدرجة اللتين تخوله إياهما شهادته الجديدة وإذا كان قد بلغ المرتبة والدرجة البدائيتين المخصصتين لتلك الشهادة أو تجاوزهما يرفع درجة واحدة.

مادة 12_تؤلف لجنة التصنيف موظفي التعليم الابتدائية والأولى تحت إشراف وزير المعارف من أمين المعارف العام أو مدير المعارف العام رئيساً ومدير التعليم الابتدائي وموظفي آخر من الحلقة الأولى يعينه الوزير. مادة 13_تدرس لجنة التصنيف أحوال كل من الموظفين وتنظر في ماضيه وتدقق في أخلاقه وكفاءته ونشاطه في الوظيفة وتأخذ بعين الاعتبار ما لحقه من التصانيف والترفيعات السابقة من غبن أو فائدة ثم تصنفه إذا شاءت تصنيفاً نهائياً في المرتبة والدرجة اللتين تقررهما غير مقيدة بالمرتبة التي حصل عليها من قبل. مادة 14_مع الاحتفاظ بالمادة (55) من قانون الموظفين الأساسي ذي الرقم 135 المؤرخ في 10/ 1 / 945 يجوز تمديد الإجازة الخاصة بدون راتب لمدة سنة أعظمياً وذلك بغية التخصص المسلكي أو استكمال الثقافة. مادة 15_لا يجوز إعادة موظفي هذا الملاك بعد إحالتهم على الاستيداع أو استقالتهم الاختيارية أو الحكمية أو تسريحهم أو صرفهم من الخدمة أو عزلهم إلا إذا توفرت فيهم الشروط المطلوبة للتعيين المجدد حين العودة إلى الخدمة. مادة 16_يلغى المرسوم الاشتراكي رقم 163 المؤرخ في 11 أب 942 والقانون رقم 60 المؤرخ في 31 مايس 944 وجميع الأحكام المخالفة لهذا المرسوم الاشتراعي. مادة 17_ينشر هذا المرسوم الاشتراعي وينفذ على أن يعرض على مجلس النواب. دمشق في 26 ذي القعدة 1365 و 20 تشرين الأول 946 شكري القوتلي صدر عن رئيس الجمهورية وزير المالية وزير الخارجية رئيس مجلس الوزراء ادمون جمصي سعد الله الجابري سعد الله الجابري وزير الدفاع الوطني وزير المعارف أحمد الشراباتي صبري العسلي وزير العدلية الاقتصاد الوطني وزير الداخلية والإسعاف العام خالد العظم صبري العلي

وزير الأشغال العامة والمواصلات ميخائيل ليان

سير التربية في العالم

سير التربية في العالم مصر توجيهات لوزير المعارف وضع وزير معارف مصر محمد العشماوي باشا توجيهات لرجال المعارف بمناسبة افتتاح العام الدراسي الجديد وقد جاء فيها: أن من الملاحظات البارزة لكل متتبع للحركة الثقافية في مصر أن جمهرت المتعلمين عندنا لا يقبلون على القراءة الحرة ولا يكادون يقرؤون شيئاً مما ينتجه المؤلفون المصريون، وعدم إقبال متعلمينا على القراءة حقيق بأن يصيبهم بنكسة علمية تردهم إلى الجهل وإن كانوا من خريجي ألاقى الجامعات العلمية. ويقترح الوزير المصري لتشجيع القراءة الحرة أن تخصص المكافآت للمتفوقين وإدخال مادة المطالعة في امتحان اللغات وتعريف الطلاب بالأدب المعاصر وأن يباح لهم اختيار محفوظاتهم من بعض ما يقرؤون. المشروعات الجديدة تضمنت مشروعات وزارة المعارف المصرية للسنة الجديدة، إنشاء مدارس رديفا تضم تعليم الصناعات الريفية، ومدارس مبسطة للتربية النسوية ومزج التعليم الأولي بتعليم صناعي، والتوسع في إدخال مناهج التعليم الفني والدراسات التكميلية في التعليم الابتدائي. ثم التوسع في إيجاد معاهد لإعداد المعلمين والمعلمات والعمل على إيجاد مدرس الفصل في مرحلة التعليم الأولي. والعناية بنشر التربية البدنية والتوسع في نشر نظام المرشدات وإنشاء حمامات للسباحة في المعاهد الكبرى وعواصم الأقاليم. مؤتمر اجتماعي _ تقيم وزراة المعارف مؤتمراً اجتماعياً عاماً في الجمعية الجغرافية لبحث المسائل التالية: 1_الخدمة الاجتماعية كفن. 2_الخدمة الاجتماعية في المدارس. 3_سياسة الملاجئ.

4_الخدمة الاجتماعية الطبية. 5_الأندية والساحات الشعبية. 6_الروابط الاجتماعية بين الأمم العربية. 7_الطفولة المشردة. 8_مشكلة البطالة. 9_مشاكل العمال. لبنان توسيع التعليم الرسمي كانت الطوائف والجمعيات هي التي تنهض بالعبء الأكبر من التعليم في لبنان ولكنه صحب الطور الاستقلالي توسع في إنشاء المدارس الرسمية والإقبال عليها من جميع الطوائف. فقد جاء في إحصاء رسمي لوزارة التربية للسنة الماضية أن عدد المدارس الرسمية بلغ (308) للبنين والبنات وعدد الطلاب بلغ (30122) طالباً وطالبة وكانت نسبة الإقبال موزعة بين الطوائف على الشكل التالي: مسلمون سنيون (28) بالمائة مسلمون شيعيون (23) بالمائة مسلمون دروز (8) بالمائة مارونيون (17) بالمائة روم ارثوذكس (14) بالمائة روم كاثوليك (5) بالمائة طوائف مختلفة (5) بالمائة المؤتمر الدولي في أميركا التبادل الثقافي _ عالج مؤتمر التعليم الدولي بنيويورك ضرورة التبادل الثقافي بيت الأمم، فاقترح المندوب الأميركي تبادل الزيارات للأساتذة والطلاب فيقوم (50) ألف جامعي من الولايات

المتحدة (50) ألف جامعي من هذه البلاد. وأوضح مندوب (ايكوسيا) أن التبادل الشخصي له من الأثر أكثر ما للتعليم في بطون الكتب، وأن إشاعات التبادل في الزيارات من شأنه أن يجعل الأساتذة والطلاب يطلعون على الجميع المدارس ويعيشون في الوسط الثقافي للبلدان الأخرى، وختم كلمته بقوله: أننا سنواجه ذلك التسابق بين التربية وتدهور الحضارات فكل معلم يجب أن يكون رسول الإسلام مشروعات هيئة الأمم فرغت الجنة التحضيرية للهيئة العلمية التابعة لمنطقة الأمم المتحدة من أعداد المشروعات العلمية: عقد المؤتمرات الدولية الثقافية، مساعدة الفنانين، تشجيع الأبحاث، تبادل الطلبة والمعلمين والعلماء، إصلاح المتاحف، الكتب المدرسية، حقوق التأليف، نشر كتاب سنوي عن التعليم في مختلف الأمم، إنشاء مؤسسة لمعونة المؤلفين. النروج النهاية الصحية تعني في النورج عناية الكبرى في إعداد جيل إعداداً صحيحاً قوياً فالآن مع استحكام أزمة الغذاء، يستطيع جميع الطلاب يستطيعون أن يتناولوا وجبة دسمة تتألف من كأس من اللبن وشطيرة من كبد الحوت، ومن الجبن وتفاحة أو برتقالة، وفي جميع المدارس النروجية وطوال مدة الدراسة تشرف هيئة طبية على نمو الأطفال وتقوم هيئة أخرى بالعناية بأسنانهم مجاناً وتقام المعسكرات الصيفية في الغابات على نفقة الدولة حيث يتعاطى الطلاب فيها جميع أنواع الألعاب الرياضية. اليابان توجيه التاريخ سمحت السلطات الأمريكية المحتلة في اليابان للمدارس باستئناف تدريس التاريخ بعد توقف تدريسه منذ كانون الأول سنة 1945. وقد أشرف على إعداد كتب التاريخ الجديدة

لجنة من الاختصاصيين الأمريكيين بعد تطهيرها من الفصول المتعلقة بسلالة الآلهة والنظريات المفرقة الخاصة بفكرة السيطرة اليابانية. أما الجغرافيا فسمح بتدريسها منذ آخر تموز من السنة الحالية. بريطانيا المدرسة أساس الاستقلال من أهم عوامل التربية في بريطانيا أنها تطلق يد المدير والمدرس والأستاذ في أسلوب تعليمه وفقاً لحاجيات المحيط. فلا سيطرة مركزية شديدة الوطأة تبين على الأسلوب والمنهاج فتجعل منها آلتين جامدتين لا تتأثران بعوامل المحيط ولا تلقي الحبل على الغارب محدثة الفوضى. بل تشرف أشرافاً بعيداً مقدمة النصح والإرشاد تاركة للمعلم في صفه انتقاد أفضل الطرق لمعالجة مشاكله وتلقين طلابه على اختلاف مشاربهم وميولهم وبيئاتهم بأفضل الأساليب الموافقة لهم ليكون منهم شخصية مستقلة لا آلة عمياء تكبس على زر حيويتها فتطيع طاعة عمياء. هذا هو العامل الأساسي التربوي في بريطانيا العظمى الذي يعد أشخاصاً ذوي استقلالية. والاستقلال ليس بثوب يلبس أو رداء يرتديه المرء إنما هو نتيجة التربية المدرسية الحقة_تلك التربية التي يزاول فيها الطلاب أموره بينما أستاذه وذووه يشجعونه على القيام بأمور نفسه وعلى الاستقلال في التفكير والعمل. فالمدرسة هي أساس الاستقلال وأساليب التعليم دعامته، وبوسع المعلم أن يجعل من تلميذه آلة مسيرة لا روح استقلالية فيها أو شخصية مفكرة مستقلة في أمورها متعاونة مع الغير في كل ما يؤول على الخير. فرنسا شؤون الطفولة تعد الجنة الوطنية للطفولة في فرنسا برئاسة الدكتور لبسن العدة لسلسلة هامة من المحاضرات لموسم 1946_1947 تدور حول وضع الطفولة الاجتماعية من الوجهة التشريعية وهذه. بعض موضوعات المحاضرات: نقص المواليد، الهجرة، الحماية الاجتماعية، التبني، الطفولة قبل المدرسة، التدريب المهني،

التوجيه المسلكي، عاهات الطفولة، الطفولة المجرمة، الخدمة الاجتماعية، مكافحة الأمراض الاجتماعية (السل الزهري الكحولية). روسيا الثقافة الشعبية يحتوي نظام التعليم في الاتحاد السوفيتي على قسم خاص بمكافحة الأمية وتثقيف العامة. ولقد كانت نسبة المتعلمين قبل الحرب الكونية لا تزيد على 10 % في القسم الأوروبي من روسيا، وتنقص عن 2 % في القسم الشرقي منها أما الآن فقد انمخت في القسم الأوربي ولم تعد تجاوز 20 % في القسم الشرقي. وعلى هذا فأن برامج التعليم في الاتحاد السوفيتي لا تقف عند التعليم المعطى في المدارس ذات الدوام الكامل بل أنشئت مراكز لمكافحة الأمية في كافة أنحاء بلاد الاتحاد: في العمال والمزارع والثكنات. وأرقى مدارس الأمية هذه المدارس التي أنشئت للعمال والفلاحين الذين تجاوزوا السابعة عشرة من عمرهم والذين يقضون في هذه المدارس ثلاث سنين يداومون خلالها عشرين ساعة الأسبوع فيحصلون على المعلومات نفسها التي يحصل عليها طالب يداوم وقتاً كاملاً على مدارس الدرجة الثانية. وبرنامج هذا المدارس محتو على عمل تطبيق ذي علاقة بمهنة الطلاب ودراسات ذات صلة وثيقة بالحياة بقصد منها الأخذ بيد الطلاب إلى تقدير معنى العمل كما يحتوي في المخابر والمكتبات وزيادة المزارع والصانع والمتاحف.

مع الكتب والصحف

مع الكتب والصحف مكتبة الأطفال جاءنا العدد الأخير من مكتبة الأطفال المصورة التي يشرف على إصدارها الأستاذ لطفي الصقال مفتش المعارف في حلب. وهذا الجزء الأخير عن زينب ملكة تدمر أهداه للمكتبة الأستاذ المربي السيد بهجة الشهبندر مدبر معارف محافظة حلب. وتلقينا أيضاً العدد السادس من مجلة الطفل التي تصدرها لجنة التأليف والنشر بحلب بإدارة الأستاذ عبد الله الخطيب مفتش المعارف بالشهباء ولا حاجة للقول بأن كلاً من مكتبة الأطفال وومجلة الطفل قد سد فراغاً عظيماً ولي حاجة ملحة في مدارسنا وفي عالم الطفولة فالمعرفة تقدر للأستاذين الصقال والخطيب ورفاقهما الجهد الصادق وتأمل من الزميلات والزملاء الإفادة من هذين المشروعين الجليلين. وقد ذكر الأستاذ سيد قطب في مجلة علن النفس الفوائد المتوخاه من مكتبة الأطفال في النقاط التالية: 1. تنمية معجم الطفل اللفظي بتزويده بطائفة صالحة من الألفاظ والتراكيب والأساليب. 2. تهذيب ذوقه الفني للأساليب الأدبية المناسبة والصور والألوان المصاحبة. 3. إرهاف حسه الإنساني والخلقي بجمال الأساليب والصورة بطبيعة الموضوعات التي تختار تثيره في النفس من انفعالات واستجابات. 4. تزويده بطائفة صالحة من المعلومات الثقافية في كل اتجاه بما يناسب مستواه. 5. إشارة شوقه ونشاطه وإيقاظ ميوله واستعداداته وإدخال البهجة على حياته مع تحقيق كل ما مر من الأغراض. تربية الفرد قال أحد الكبار المربين الأستاذ وليم أرنست هوكنح جرت العادة أن نرى الدولة حقيقية عظيمة تأتي بأجل الأعمال وأخطرهما ولكن هناك في نظر التربية حقيقية أعظم من الدولة، وهي الفرد، فمنه تتكون الدولة، ومن أجلة توجد الدولة، ولم يخلق الأفراد من أجل الدولة فكل ما في الدولة من حياة ذكاء ومن نشاط مستعد منه فالفرد هو القوة المحركة التي تنبعث منها كل قوى الدولة.

وتنطوي تحت الفرض العام مباحث لا حصر لها، وقد تشعبت فيها آراء المفكرون والمربين، وإن كان اتجاههم جميعاً واحداً. فما معنى المجتمع؟ ذلك المجتمع الحر المتضامن الذي نسميه في هذه الأيام بالمجتمع الديمقراطي؟ وما هي غاية الحياة الاجتماعية؟ وما حدود الحياة الاجتماعية ومدى الواجبات التي يجب على الأفراد أن يلتزموها نحوها؟ ثم إلى أي حد تكون للأفراد الحرية في تصرفهم؟ وهل تعارض بين الفرد ومصلحة المجتمع؟ وقد تأثرت مباحث التربية بهذا التفكير، فكل هم المربين في هذه الأيام أن يلمسوا الرسائل التي تنمح للأبناء فرص إنماء فرديتهم، بحيث يكونون أماماً صالحاً للمجتمع الذي يعيشون فيه، وللعالم الواسع بوجه عام. فما هي المناهج التي تحقق هذه الغاية؟ وما هي الأساليب التي تتبع في تعليمها؟ وكيف تكون خطة الحياة المدرسية في مجملها كفيلة بتحقيق كل هذا. هذه وغيرها من المباحث لا محل لها في مثل هذا الحديث العام، ولكنا لا نجد غنى عن التعرض لبعض الجوهريات في نظرنا هي التي تكاد تكون متفقاً عليها في اتجاهات التربية في عصرنا الحاضر. فإذا كان أول ما تحرص عليه التربية هو نمو الفرد من جميع نواحي وجوده، كان معنى ذلك أم هذا الكائن الحي ينبغي أن ينمو نموه الطبيعي الذي ترسمه الأبناء. وهذا ما جعل التربية الحديثة تقوم على أساس مباحث علم النفس، الذي أصبح اليوم الرائد الأول في ميادين التعليم. وقد نشأت من هذا اتجاهات جديدة في أساليب التعليم تكاد تبلغ حد الثورة، ولاسيما في الأدوار من حياة الأبناء

علم النفس

علم النفس لمفتش المعارف الأستاذ فاخر العاقل يحوي الكتاب على منهاج علم النفس لطلاب المدارس الثانوية. وقد اقتصرت مباحثه على الوظائف العقلية العليا، ودراسة الانفعالات النفسية، وأشار إلى الناحية العلمية في توجيه الانفعالات وعلاج مظاهرها المنحرفة أو العنيفة. وقد عمد إلى تلخيص المباحث واختصارها على قدر المستطاع ليسهل درس علم النفس على الطلاب المدارس الثانوية باعتبارهم مبتدئين في هذه المادة.

الطيران السوري

الطيران السوري في حديث لمعالي وزير الدفاع الوطني الأستاذ أحمد الشرباتي شهدت دمشق في الشهر الماضي الحفلة الرائعة، التي رعاها فخامة الرئيس الأول، لتدشين باكورة أعمال جمعية الطيران السوري، وقد رأت المعرفة أن تتحدث إلى معالي وزير الدفاع الوطني ورئيس جمعية الطيران السوري السيد أحمد الشرباتي في موضوع الطيران السوري ومدى مساهمة أسرة التعليم في هذا المشروع القومي. فانتدبت المجلة سكرتير تحريرها لهذه المهمة فظفر من معالي الوزير بالحديث القيم التالي: نادي الطيران ترتكز أسس الطيران السوري على ثلاث دعائم: نادي الطيران، جمعية الطيران السوري، وسلاح الطيران. أما نادي الطيران فقد قام على أنقاض الطيران الفرنسي في ضاحية المزة، والغاية من هذا النادي، العمل على نشر فكرة الطيران والترويج لها في جميع الأوساط، وينظر أعضاء النادي إلى الطيران كلون من ألوان الرياضة سبور لذلك فهو يضم (120) شابا من الهواة الغواة يتمرنون على قيادة الطائرات والقيام برياضة جوية، ويتولى السيد طريف كرد علي أمانة سر النادي كما أتولى رئاسته بصفتي الشخصية. جمعية الطيران السوري أما الدعامة الثانية في جمعية الطيران السوري التي شهدت العاصمة السورية منذ مدة جهدها الأول في حقل الطيران السوري، وهذه الجمعية لها مثيلات في أكثر الدول الناهضة الناشئة ومهمتها دعم سلاح الطيران بجمع التبرعات وشراء الطائرات للجيش وعمل كل ما من شأنه مساعدة الطيران وتعزيزه، أن موازنة الدولة تنوء مهما تضخمت، عن النهوض بأعباء شراء الطائرات لدولتنا الحديثة الناشئة، فجمعية الطيران السوري التي تضم نخبة صالحة من مختلف طبقات الأمة وهيئاتها أخذت على عاتقها النهوض بهذه المهمة المقدسة فهي تقوم من جهة في تزويد الجيش السوري بما يحتاج من الطائرات وتكون من جهة أخرى مثالا حيا على نجاح مشروعات الخدمات العامة التي لا غنى لكل دولة تنشد التقدم،

إن نجاح جمعية الطيران في مهمتها يشجع كثيرا على قيام جمعيات أخرى تقوم بالخدمات العامة التي تفتقر البلاد إليها الآن كالعناية بالناحية التعليمية والصحية وغيرها من المرافق العامة لأن موارد الدولة لا تستطيع أن تلبي رغبة الشعب الملحة للعلم وحاجته القصوى للعناية الصحية. سلاح الطيران والدعامة الثالثة هي سلاح الطيران الذي أصبح يقوم بخدمة جلي في توطيد الأمن الداخلي في سائر أنحاء البلاد، فالطيران هو أرخص وأسرع السبل للقضاء على كل ما يعكر أمن الدولة ويخل في هدوئها. . . وهناك مدرسة الطيران تعمل على إعداد الطيارين لسلاح الجو وتسير وفق أحدث مناهج مدارس الطيران في العالم ولها شعب لسائر فروع الطيران وشعبة خاصة للأرصاد الجوية. معونة أسرة التعليم أن معونة أسرة التعليم والطلاب المادية لتعزيز مشروع الطيران، مهما زادت، لا تعدل المعونة الأدبية التي بمقدور الأساتذة أن يقدموها لجمعية الطيران، فالأساتذة بحكم عملهم، قادرون على الدعاية للمشروع ونشر الفكر بين أوساط الطلاب الذين ينقلونها بدورهم إلى أوساطهم العائلية، إننا نريد منكم أن تكونوا رسل دعاية وتبشير وعاملا من عوامل الضغط المعنوي حتى يسهل على جمعية الطيران القيام بمهمتها عند جمع التبرعات وذلك عندما تصبح الفكرة مقبولة لدى الشعب، وبإمكان الأساتذة الطواف بطلابهم في المطارات ليتحسسوا الطائرات ولتزول من نفوسهم الرهبة من الطيران والطائرات، إن جمعيتنا تهدف في الدرجة الأولى إلى أن تسود بين أوساط الشعب عقلية الطيران وتصبح هذه الفكرة سائغة مقبولة لدى الجميع، فيقدم الشخص على ركوب الطائرة بنفس الرغبة والسهولة وعدم المبالاة التي يشعر بها عندما يهم بركوب السيارة أو التزام، ومتى عمت هذه الفكرة وانتشرت، أقبل الشعب عن طواعية وبدافع غريزي على التبرع لشراء الطائرات ولدعم سلاحنا الجوي وتعزيزه.

الإكراه في الذوق

الإكراه في الذوق للدكتور: عادل العوا انظر أيها القارئ إلى نفسك وإلى الناس حولك، تجدك وتجدهم على إيمان بالحرية التامة، وفي كل شيء، بل على الأقل في كل شيء من نطاق الفن والذوق، ولكنك واهمم في ذلك، مثلهم ومثلنا ونحن كلنا واهمون. نساؤنا بعض نسائنا يرتدين زاهيا، ويسفرن عن وجه جميل صبوح، وبعضهن يلبسن الحجاب كثيفا أو بعض كثيف، وبعضهن يرفلن في متحف من الألوان المتحركة الواضحة من الرأس إلى القدم، فإذا عرض لك منهن جمع غفير وجدت شبكة لونية تتماوج في الشارع تحت ناظريك، وسمعت همسا متفاوتا في الانسجام، وخيل إليك إن المرأة ليست ذاك الإنسان الوديع العاجز القاصر، الذي كنت ترجو، فلا الدار معبد المرأة، ولا المغزل سلاحها، ولا تربية الصغار غرامها، بل هي موجود يعنى بالظهور، ويعنى بالحركة، ويعنى بالاجتماع، وهي على كل حال موجود ينتج الاستهلاك في حقل الاقتصاد. قد لا تروقك هذه الحرية عند المرأة، إن كنت تكره مبدأ المساواة، وقد لا تكفيك هذه الحرية الابتدائية بل الأولية إن كنت ممن يعشقون الرقي والحضر في المدينة، ولكنك في الحالتين واهم إذا ظننت أن الحرية تامة لك فيما ترفض أو تريد، أو للمرأة فيما هي أو فيما تعمل، وإنك في الحالتين لن تجد المجال واسعا رحبا، ولا الحرية حقيقة صحيحة، إلا في ميدان الفكر والنظر فحسب. شبابنا والشباب من رجالنا، أي الأحياء من قومنا، اقتحموا حريتهم اقتحاما، وغزوا بالجهد وبالمناسبة وباغتنام الفرص السعيدة عالمهم الذوقي، وانطلاقهم الفني، فقد كنا نتزك الحرية لكل شخص مثلا فيضع طربوشه مائلا إلى الأمام، أو متداعيا إلى الوراء، أو متكئا على إحدى الأذنين ذات اليمين وذات اليسار، وقد كنا نرغم كل يافع وشاب على احترام ذوق الناس بلباس رأس فارغ أحمر قاني، غير أن الحرب الثانية قد أتت، ثم ذهبت، فتحررت رؤوس من الظاهر عند الشباب، وأصبحنا نؤمن بحرية الإنسان التامة في الزي، وأصبح

الأصل سفور سطح الرأس في صيف آب ورياح آذار وتقلبات شهر شباط!. . . غير أن نظرة اتفاقية إلى سكان مدننا وسواحلنا تطلعك على عجب من التفاوت والاختلاف، فتجد النماذج كونية تترى، فيها اللباس الأوروبي الناقص، وفيها الثوب المختلط الغريب، وفيها الزي البالي القديم. وعن كل هذا تجد بعضنا راضيا عن بعض من التجديد، وهو من أنصارالحرية التامة في الذوق، وتجد بعضنا الآخر غير راض عن أي شيء من هذا التبديل، وهو من أعداء الحرية، أي حرية كانت، إن كانت الحرية هي غير التقليد القديم. الأسرة ثم تصل الأسرة فتسمع - أو ترى - فتاة ترغب في زوج تتمنى أن تختاره قبل أن تزف إليه، وتعمل قليلا أو أقل من القليل في سبيل التفاهم قبلا وإياه، وهذه هي المتحررة التامة الوثابة، أو إنك تحدّث عن أخرى قانعة بالنصيب، يساوم على ثمنه وثمنها واضعو المهر المهرة الحاذقون، فإذا تمت الصفقة تم العقد، واقترب الفؤادان، وما أكبر التفاوت الذوقي بينهما أحيانا، وأشد التفاوت في العمر أحيانا أخرى، فتنجب ورود الحياة الدنيا، وتتحقق سعادة القناعة بالعادة، وهذا حال الفتاة غير المتحررة في قول المتحررين، ترضى من القلادة بأي قلادة، ومن الزواج بأي زوج، ومن الروّاد بأول - بل بأغنى - طارق ليل، وإنك لتحار حتما - أو تحار مثلي على الأقل - في تفضيل أحد الحلين، هل ترى أنك تفضل مذهب المتحررين، أم تنصر أنصار التقاليد؟ وفي الأمرين إنك تؤمن - على عكس مني - بالحرية التامة للإنسان في خلق الأسرة، وتصورها، وبنائها، وإحكامها، وتريد أن يكون الذوق هو القاضي العدل، والحاكم الوحيد. تقر صعوبة اختيار الإنسان لوالديه قبل ولادته، ونتمنى أن يعوّض عن المستحيل بالممكن، فيعمل على انتخاب شريكته في الحياة، ولكن ذوقك في الإيمان بالحرية هو غير حريتك في تحقيق هذا الذوق الممتاز الرائع السليم، وهذا ما تتبينه إذا صحبتي حتى نهاية هذا المقال. المجتمع وإذا شاء لك القدر وصلت إلى معرفة الحياة الاجتماعية وإلى فهمها، ولكنك حين تعرف الحياة الاجتماعية وتفهمها الفهم العلمي الصحيح تحسب القدر يحتم عليك أن تكون حرا في

تفكيرك طليقا، ولكن القدر يحتم عليك في الواقع ألا تجد المجتمع يحقق أية حرية تامة سواء في القول أو العمل أو الذوق. راقب سلوك المواطنين حولنا، ففي دائرة البريد يسحقك المستبقون إلى نافذة بيع الطوابع، لأنهم يعتقدون بحريتهم الأدبية التامة في سحقك دونما خصام، وفي نفيك دونما حكم أو عقاب، يصدمك أحدهم ويجتازك ويتجاوزك وتصل رسالته إلى هدفها وربما تعود وأنت لا تزال في إقامتك الإجبارية تنتظر فرصة وصولك إلى هدف مقبول من غير أن تسيء إلى حرية غيرك، على حساب حقك وكرامتك. وإذا رأيت هذا كله، علمت أنه يحمل إليك النفع المعقول، ووجدت أن سلوك المواطنين يفيدك هناك، لأنه تدريب وتمرين لما تلاقي من صعاب إذا أردت الصعود إلى قاطرة كهربائية، وبقيت على الرصيف من الربيع إلى الخريف، وأنت لا تزال تؤمن بحرية غيرك التامة، وتصبح على تمام الإيمان بعدم حريتك أبدا. وربما تأنف العيش عندها في عالم الواقع، فتطلب الخيال، وتتمنى لحظة راحة من النفور والعناء، فتبحث عن صالات الشاي أو الموسيقى أو التمثيل أو معارض الصور والرسوم والتماثيل، وأنت ترجو في ذلك إرضاء حريتك في الذوق. والسلامة من الدنيا إلى الدنيا، ومن الواقع إلى الفن، ولكنك واهم في ذلك عندنا، فلست تبلغ ما يتعذر، لأن مجتمعنا ليس له الحرية التامة في إعطائك ما تطلب، وليس لك الحرية التامة في وجود ما تريد. والنتيجة أنك تعود إلى الانطواء على النفس، وفي نفسك وحدها تجد وهمك وحدة بالحرية التامة، فتأسف قليلا، ولكنك ترضى كثيرا بعد حين، حين تتحدث مع عقلاء الناس فيطالعك بعضهم، وهم من أعداء الحرية والتجدد، بأن هذه الترّهات الفنية أمور كمالية زائدة زائفة، وربما صفعك بقوله أنها مفسدة أيضا. ويطالعك آخرون بأن كل الإمكان هو كل ما يوجد الآن. وما دام لا شيء، فالإمكان والوجود سواء!. . . الحرية ففي رأي العقلاء إذن لنا الحرية تامة في سفور المرأة أو عدم سفورها أو شبه السفور، ولنا

الحرية في اختلاف النزعة في الملبس والمأكل والمشرب والعمل والنشاط، ولنا الحرية في التأدب واللطف أو الثقل وعدم المبالاة، ولنا الحرية في الاقتصار على حياة المخلوقات غير الإنسانية من غذاء وحركة ونوم، وإهمال الابتسام والسمو والفن. وقد تكون عقلية هؤلاء العقلاء أقلّ مما يدعون، أو أعظم مما نعرف وعندها نقبل آراءهم على الإطلاق، ولكن هل لك الحرية التامة في قبول هذه الآراء، أم لك الحرية التامة في انتقاد هذه الآراء. إننا مكرهون في كل شيء، أيها القارئ العزيز، وقد نظن إن الحرية المطلقة أمر معقول، وتحسب أن ما هو معقول موجود، ولكننا نخطئ في الحسبان. ونأثم في الظن، ولكننا مرغمون على هذا الخطأ، ليست لنا حرية عدم الوقوع فيه لكي نصنع حرية سليمة ليس فيها إكراه. العبودية المشتركة والحق أن فكرة الحرية في رأيي هي فكرة اجتماعية، من حيث هي فكرة، على الأقل، خلقها الإنسان حينما كان عبدا يسترقه القوي من الإنسان، وأبدعها حينما كانت الطبيعة هي الملك المستبد، فجاءت فكرتنا عن الحرية هي التحرر في الدرجة الأولى، وصرنا نتوق إلى النهايات العظمى، ففتن الإنسان بالحرية، وآمن بها، ووصفها قبل رؤيتها، وخلقها فبل وجودها، وأصبحنا جميعا نفتش عنها ونعبدها قبل فهمها، ومن غير فهمها، ولسنا أحراراً في كل ذاك. وعندي أن نرجع لحظة إلى الصواب، فنعترف بأن ما يوجد في الواقع ليس الحرية لأنه غير الحرية التامة، إن ما يوجد فعلا عندنا وعند الناس أجمعين هو ما يصطلح بعض المفكرين ورجال القانون على تسميته بالحرية النسبية، والأصح أن ننظر إلى الحرية عند ذاك في حقيقة ثوبها، فنجدها عبودية مشتركة، وهي عبودية من نوع جميل محبوب، عبودية كل الأفراد على التساوي فيها، عبودية أبناء المجتمع من حيث هم نسغ المجتمع، بل هي عبودية الإنسان مع الإنسان لا فوق الإنسان، هي عبودية يرضى فيها الناس مرغمين ما داموا مكرهين على العيش المشترك، وهدفهم من كل ذلك البقاء في الوجود، وخلق المدينة الإنسانية كهدف لهذا الوجود. أو الإكراه. . .

وقد كان مجتمعنا في عصوره الأموية والعباسية يعنى بالأدب والموسيقى، والفن والمناظرات. . . والجدل، إلى جانب العناية بالجيش والعلم والاقتصاد والسياسة، غير أن مجتمعنا بالأمس لم يكن حرا في كل ذاك، لأنه كان مجتمعا راقيا متمدنا، وكل مجتمع راق حقيقي لا يستطيع أن يهمل حياة الفن والأدب ويقتصر على حياة الطعام والشراب، كيفما اتفق الطعام والشراب لقد كان أسلافنا أكثر جدية ونشاطا في واجب الجد والنشاط، وكانوا أقل جمودا في حقل الرقي الفني وإصلاح الحياة، ووضعهم يلخص في إنهم كانوا على درجة كبرى من التمدن والإنسانية، لا تضيق أفكارهم حتى تخنق ذاتها، ولا تضيق صدورهم حتى تفني الذوق في القلوب، وكان اضطرارهم إلى طلب المجد عبودية رائعة، ورقا محببا، وهذا الإكراه تفرضه سنة الطبيعة، وناموس الكون. أما اليوم فصرنا نخشى الكلام عن الفن، لأننا نحسب إن الفن زائد ضار، وصرنا نرغم على قبول الصمت والهدوء، لأن الموسيقى لا تلاقي تشجيعا، والنشاط غير مستحب، وصرنا لا نعقل ما نريد، فنحار في أمر المرأة وفي أمر الرجل، ولا ندري أن سلامة الأسرة في تعارف ذوي العلاقة المباشرة في عقد الزواج، وأصبحنا نشك في أن السفور يجب أن يبلغ العقول وراء الوجوه أو الرؤوس، وغدونا نرى من الطبيعي أن نبقى على الرصيف دهرا لعدم الانتظام وقلة الاحترام وقصور الوسائل والقاطرات، وأصبح البقاء في الظلام مألوفا كالبقاء في ظلام الجمود. العظمة والحقيقة ولعل الإنسان أكثر فلسفة مما يظن، فيحسب إنه يرضى بما يصادفن ولكنه إذا فكر في سبب الرضى وجد أنه غير راض أبدا، يرضيك أن تعيش فلا تموت، ولكن فكر لحظة تشاهد أنك تعمل على الرقي بالعيش وتود أن تعيش إلى أبعد وقت، وأن تعيش على أكمل حال، وعندها تتمنى أن تكون حرا في بلوغ الرقي، وتعتقد أنك مرتفع بمواطنيك إلى أعلى عليين. والحق أنك مكره على ذلك ما دمت تحترم إنسانيتك في نفسك، وقد تطلب عندئذ الظهر في منتصف الليل، والضياء في حلكة الظلام، وأنت واهم في الواقع، ولكنك سعيد بهذا الوهم، ونحن نؤمن بوهم السعادة عند الإنسان، ونجد إن هذا هو الأصل في الحياة، ونود قبل كل

شيء أن يدوم ويستمر كيما يتطلب الإنسان السمو بالإنسان فتعمل الشعوب راغبة ومكرهة في سبيل تحررها وتنال حريتها عن طريق قانون الوجود، ويسعى الأفراد على تحررهم فيرقون بالعلم والأدب والفن، عن طريق العبودية المشتركة أو الإكراه. ثم نصل إلى عالم الجمال والذوق. . . فنؤمن بأن الجمال قد يكون أحسن مما نرى، فالموسيقى خير من الصياح، والتصوير أجمل من الكتابة، والغناء أبهى من الكلام، والانطلاق خير من التقاعس، وتجاذب الأرواح أسمى في الإنسانية وأبقى. هذه عظمة الإنسان. ولكنك فطنت أيها القارئ اللبيب إلى العالم الذي لا نتحدث عنه في هذا المقال، وهو عالم الدين الصحيح، وأنت مع الاعتذار مكره حتما على أن تجد لنا عذرا، لأننا نؤمن وإياك أن لا إكراه في الدين!. . . عادل العوا

أهداف التربية

أهداف التربية للدكتور: كامل عياد إن أهداف التعليم والتربية التي يجب أن يسعى إليها الأمة العربية يمكن تلخيصها فيما يلي: 1 - إثارة الروح الوطنية ونشر الوعي القومي فإن البلاد العربية، رغم تحرر بعضها واستقلاله، ما زال قسم كبير منها تحت سيطرة الاستعمار أو خاضعا لنفوذه، والأمة العربية رغم تأسيس جامعة الدول العربية، ما زالت بعيدة عن الوحدة الحقيقية، وليس من الممكن الخلاص من خطر الأجانب كافة والدفاع عن كيان العرب إلا إذا توثقت الصلات بين سكان الأقطار العربية المختلفة وتكونت أمة واحدة، متجانسة، متضامنة، قادرة على الحياة، متوثبة إلى التطور والتقدم، ولا بد لذلك من روح وطنية ووعي قومي. لا شك في أن الروح الوطنية الجديدة في البلاد العربية لم تضعف منذ مبدأ انبثاقها قبل أكثر من ربع قرن بل إنها آخذة في النمو، تزداد كل يوم قوة وعمقا. ولكن لا نكران أن أيضا في أنها لا تزال تحتاج إلى عناية كبيرة حتى تعم كافة الأقطار العربية وتشمل جميع أفراد الشعب وتتغلب على النزعات الإقليمية والنعرات الطائفية والعصبات القبلية والإمتيازات الطبقية والتحزبات العائلية والمصالح الشخصية. حقا إن أول شيء وأهم شيء تحتاج إليه في نهضتنا هو الوعي القومي، وقد أصبحنا في المدة الأخيرة نسمع هذه الكلمة كثيرا، على أن الوعي القومي ليس مجرد كلمة تلوكها الألسن وتتشدق بها الأفواه، بل هو شعور يتغلغل في أعماق النفوس فيسيطر على العقول ويثير العواطف ويحرك الإرادة، إنه إدراك جلي للصلات التي تربطنا بتاريخ أمتنا والروابط التي تجمع بيننا وبين سكان كافة القطار العربية وتجعلنا نعتبر أنفسنا جميعا كتلة طبيعية ووحدة عضوية، إنه معرفة واضحة عميقة للواجبات المفروضة علينا تجاه أمتنا في الحاضر والأعمال التي تنتظرنا في المستقبل. هذا الوعي القومي وما يتضمنه من شعور عميق وإدراك واضح ومعرفة بينة، قد بدأ يظهر عند العرب منذ سنوات، ولكنه لا يزال في دور التكوين والتكامل، مقتصرا على عدد قليل من الشبيبة، وتدل جميع الظواهر على إننا لا نزال في تلك اللحظة المقدسة من تاريخ كل

أمة وهي التي تستيقظ فيها من غفوتها وتنهض من مهاوي التفسخ والانحلال وتدرك بغبطة وبهجة أنها ما فتئت تجري في عروقها الحياة وأنها خلقت للخلود، وهذه اللحظة هي فجر اليوم الذي سوف تحتفل به أمتنا كعيد بعثها، لا يجوز أن يقتصر الوعي القومي على الشبيبة المتعلمة بل ينبغي أن نعمل على إيقاظه في عامة الشعب وتنميته وتقويته، يجب أن نشعر جميعا بأننا نحن العرب أمة واحدة تجمع بيننا ذكريات تاريخنا المجيد وتربط بيننا مصالحنا المشتركة في الوقت الحاضر وتقرب بيننا أهدافنا وآمالنا في المستقبل، يجب علينا جميعا أن نجعل مصلحة العرب العامة فوق مصلحة الأفراد والجماعات والأقطار المختلفة وأن نضحي بكل شيء قي سبيل هذه المصلحة. ليست الوطنية والقومية من المفاهيم المجردة والأفكار النظرية التي يكفي البحث فيها والدعوة إليها حتى تضيء نفوسنا وتغمر حياتنا بل لا بد لذلك من انقلاب في تفكيرنا وفي نظرتنا إلى الكون وفي علاقاتنا مع أبناء أمتنان ومن هنا ننتقل إلى الهدف الثاني وهو. 2 - الإصلاح الأخلاقي - الاجتماعي فإنه لا سبيل إلى النهضة القومية ما دامت تسود بيننا الفردية والأنانية والنفعية ولا حاجة لسرد الأمثلة التي تبرهن على أننا لم ندرك بعد معنى الواجب والمسؤولية والتضحية والتعاون والنظام والطاعة وغير ذلك من الصفات الضرورية لحياة المجتمع، هذه الصفات أيضا ليست مفاهيم مجردة يمكن تعليمها بصورة نظرية، بل إنها تكتسب بالتجربة من الحياة العملية المشتركة، فمن الضروري لذلك أن نسعى إلى إصلاح هذه الحياة العملية وأن نجعل من أهدافنا. 3 - الإنعاش الاقتصادي ولا نقصد بذلك التكالب على المادة ووسائل الترف وإنما تأمين الشروط الضرورية للحياة الإنسانية، فمن الواضح إننا لا نستطيع نشر العلم وتحسين أحوالنا الصحية وإصلاح أوضاعنا الاجتماعية قبل أن نبدأ بإنعاش حياتنا الاقتصادية وزيادة الثروة العامة، وهل يمكننا أن نكافح مثلا جرائم السرقة والاختلاس والاحتيال والسلب أو أن نتخلص من التزلف والتملق والخنوع دون أن نهيئ إمكانيات العمل لجميع أفراد الشعب ونوفر لهم أسباب المعيشة الشريفةـ؟ فالشاب المتعلم الذي يبقى عاطلا عن العمل يتسكع في الطرقات

ويغشى المقاهي والملاهي أو الذي يضطر إلى عمل لا يرضى طموحه ولا يساعد على انكشاف مواهبه ولا يشبعه من جوع ولا يؤمنه من خوف - مثل هذا الشاب لا يمكن أن يصبح عضوا نافعا في المجتمع. والفلاح أو العامل الذي يعتاد حياة الكسل أو الذي ينهك قواه بالأعمال الشاقة من غير أن يحصل على أجر يكفي لرفاهه ويضمن مستقبل أولاده - إن هذا الفلاح أو العامل لا يمكن أن يشعر بالمسؤولية أو الواجب أو التضامن الاجتماعي ويصعب عليه أن يدرك معنى الوطنية والقومية والتضحية والطاعة والنظام، بل ليس عجيبا إذا شك في أنه إنسان بالمرة. لا فائدة من التربية والتعليم إذا لم نهيئ الجيل الناشئ لحياة العمل المنتج والمشاريع النافعة المشتركة وإذا لم ننفخ فيهم روح الإقدام والمبادرة ثم إذا لم نجهزهم بالمعلومات والملكات اللازمة للنجاح في عالم الاقتصاد. . . إن مهمة التوجيه التربوي وسياسة التعليم هي البحث في الأسباب التي تجعلنا نوجه كل اهتمامنا في الوقت الحاضر إلى هذه الهداف الرئيسية الثلاثة ونقدمها على غيرها ونعتبرها حلقات في سلسلة واحدة مرتبطة بعضها ببعض ثم بيان الوسائل لتحقيقها من برامج تعليمية وأساليب تربوية ومؤسسات مدرسية وأنظمة وأعمال. لا تقتصر التربية العامة، كما هو معروف، على هذه الهداف الثلاثة. فهي ترمي إلى غرس الفكرة الإنسانية مثلما تعنى بإثارة الروح الوطنية القومية، وهي تهتم بالأخلاق الاجتماعية دون أن تهمل الأخلاق الشخصية، ونريد أن ترعى صحة الحسم ونشاطه كما تغذي العاطفة وتقوي الإرادة، وليست عنايتها بتثقيف العقل وتهذيب الذوق وتنمية المواهب الفكرية البديعية بأقل من اهتمامها بالمهارة العملية. إن الهدف الأسمى للتربية هو تكوين الشخصية الإنسانية وتهيئتها إلى الحياة الكاملة. والتربية في البلاد العربية أيضا لا بد لها من السعي إلى تحقيق هذا المثل الأعلى، ولكن ينبغي لها في المرحلة الحالية من تطورنا التاريخي أن تمركز جهودها العملية حول النواحي التي نحن في حاجة إليها أكثر من غيرها. وفي الحقيقة لا نستطيع مثلا خدمة الفكرة الإنسانية إذا لم نصبح أمة قوية لها مكانتها الدولية، ولا يمكننا أن نفكر في الانصراف إلى المباحث العلمية المحضة والعناية بالثقافة

العالية والآداب الراقية والفنون الرفيعة إلا بعد أن يتاح لنا التصرف بمقدراتنا واستثمار خيرات بلادنا وتنظيم شؤوننا، كذلك لا يجوز لنا إطلاق العنان للحرية الفردية والسعي إلى تنمية الشخصية المستقلة قبل أن يسود التضامن والانسجام في حياتنا الاجتماعية. وبكلمة واحدة: إنه من واجبنا تقديم الأهم على المهم، واعتقد أن الأهداف الثلاثة التي ذكرتها تحتل المكانة الأولى من الخطورة ويجب أن تسخر كافة الجهود لخدمتها. هكذا إذا اشتغلنا بالبحث العلمي فلا يجوز أن نعتبر ذلك غاية مقصودة بالذات وإنما كما عد لنشر الوعي القومي أو لتحقيق الإنعاش الاقتصادي، ومثل ذلك الرياضة البدنية، فأن الغاية منها في مدارسنا وفي نوادي الشباب يجب أن لا نقتصر على التسلية أو المهارة أو الرشاقة بل ينبغي أن تستخدم في الوقت نفسه كوسيلة لإثارة الروح الوطنية ولتنمية العناية بها لذاتها ولكن في سبيل الفكرة القومية والإصلاح الاجتماعي. كيف السبيل إلى تحقيق الأهداف الثلاثة للتربية والتعليم التي يجب أن تتمركز جهودنا حولها في الوقت الحاضر؟ ليس من الممكن إنعاش الحياة الاقتصادية وتأمين الوسائل المادية الضرورية لمشاريع الإصلاح جميعها إلا بزيادة الإنتاج، وهذا يقتضي أن يوجه الشباب والشعب كله إلى العمال الإنشائية، المنتجة أي إلى الزراعة والصناعة، فمن الضروري الإكثار من المدارس الزراعية والصناعية وقلب المدارس الابتدائية في القرى أو أكثرها إلى مدارس ريفية والعناية بالعلوم العلمية في كافة المدارس الابتدائية والمتوسطة، ثن لا بد من تأسيس المعاهد والمخابر والمشاتل وإقامة المعارض الزراعية والصناعية، أليس من المؤلم، بل المفجع أن لا تكون في سورية كلها سوى مدرسة زراعية واحدة، أسستها وزارة الاقتصاد الوطني هذه السنة في السلمية، لا تتسع لأكثر من ثلاثين طالبا؟ أليس من المؤسف أن لا يكون في سورية كلها سوى ثلاث مدارس صناعية أحداها للإناث ومدرستين تجاريتين لم يزد عدد المتخرجين منها جميعا في السنة الماضية على (70) طالبا وطالبة لم يجد أكثرهم سبيلا إلى المعيشة إلا بترك مهنتهم والانتساب إلى سلك التعليم؟. أما المعاهد والمخابر للبحث والمشاتل للتجربة والمعارض للدعاية والتشجيع فلا أثر لها بالمرة. إن نظام التعليم عندنا كان وما زال يقتصر على تهيئة الناشئين لامتحانات البكالوريا

العامة ولدراسة الحقوق - أي على تهيئة موظفين يتقاضون الرواتب ولا ينتجون شيئا. لقد أصبح من الضروري تبديل هذا الوضع الخطر، ويحتاج الأمر إلى كثير من الجهود المخلصة والشجاعة والإقدام. ثم يتطلب التوجيه القومي والإصلاح الأخلاقي - الاجتماعي تغييرات جوهرية في برامج التعليم من جهة وفي تنظيم الحياة المدرسية من جهة ثانية. لا شك في إن المواد المدرسية التي تساعد على تنمية الروح الوطنية والوعي القومي والشعور الأخلاقي - الاجتماعي، مثل اللغة العربية والتاريخ والجغرافية والمعلومات المدنية قد زادت الساعات المخصصة لها في المناهج الجديدة ولكن ليس بالمقدار المطلوب، ولا تزال الدروس الأخرى وعلى الأخص الرياضيات تشغل جزءا كبيرا جدا من الوقت والجهد، أما الموضوعات المتعلقة ببلاد العرب وتاريخهم وحضارتهم ومشاكلهم الاجتماعية فقد أدمجت في البرامج بالاسم فقط، ولكن في الواقع ما زال التاريخ الأوروبي والحضارة الأوروبية والمسائل المجردة طاغية على هذه الموضوعات بسبب فقدان الكتب الصالحة والمراجع اللازمة وبسبب تمسك المعلمين والأساتذة بعاداتهم المكتسبة. ولا ننسى أن المهم في كل البرامج ليس مفردات المواد المنصوص عليها بل كيفية فهمها وعرضها والاستفادة منها، وهذا يتوقف على إدراك المعلمين والأساتذة لروح البرنامج وقدرتهم على إحياء هذه الروح ونفخها في نفوس الناشئين. هنا نصطدم بأهم مشكلة من مشاكل التربية والتعليم في سورية ونعني بها نقص المعلمين والأساتذة الصالحين، ومن الصعب جدا القيام بالإصلاحات اللازمة ما دام عدد المعلمين والأساتذة في مدارسنا أقل بكثير مما نحتاج إليه بالنسبة إلى عدد التلاميذ من جهة وما دام هؤلاء المعلمون والأساتذة ليست متوفرة فيهم الشروط الضرورية للقيام بمهمتهم من جهة ثانية، ويكفي أن نذكر أن أقل من ثلث المعلمين فقط في المدارس الابتدائية يحملون شهادة أهلية التعليم وأن نسبة أصحاب الشهادات العالية - الاختصاصية بين أساتذة التعليم الثانوي دون ذلك بكثير - حتى نعرف السبب الأساسي في فساد التعليم وتأخر حالة المدارس. وقد حان الوقت لندرك أن كل محاولة لإصلاح التربية والتعليم في بلادنا ستظل محموما عليها بالفشل إذا لم نبدأ عملنا بتهيئة المعلمين والأساتذة الصالحين سواء بالإكثار من دور

المعلمين الريفية والابتدائية والعالية أو من البعثات العلمية. وأخيرا فإن تحقيق أهدافنا في التربية والتعليم يتطلب تنظيم الحياة المدرسية على أسس جديدة تجعل من المدرسة مجتمعا حقيقيا يعتاد فيه التلاميذ على الحياة المشتركة ويكتسبون الفضائل الأخلاقية - الاجتماعية عن طريق القدوة والتمرين. ويجب الاعتراف بأن ما نسميه النشاط المدرسي والأعمال الحرة ليس له في الحقيقة أي أثر ملموس في مدارسنا لآن الوقت المخصص لهذه الغاية في البرامج قليل جدا ولأن معظم الأساتذة ليس لديهم من أوقات الفراغ والكفاءة التربوية من يساعدهم على الاشتراك في ذلك. وما زال هم المعلمين والأساتذة أن ياقوا دروسهم ويتمموا مواد البرنامج وينهكوا أذهان التلاميذ بالمعلومات الفارغة، الغامضة دون أن يؤدوا المهمة الأولى الملقاة على عواتقهم وهي تربية الناشئين وتكوين شخصياتهم ودون أن يفكروا في خلق جو مدرسي يحبب إلى التلاميذ المطالعة والبحث وتتهيأ لهم فيه الفرصة للعمل المشترك والتفاهم والتعاون والتضامن والتنظيم، وكيف يستطيع الأساتذة القيام بهذا الواجب وأكثرهم مضطرون إلى إعطاء دروس إضافية في المدارس الرسمية أو الخاصة تبلغ أحيانا ضعف نصابهم القانوني؟ ذلك لأن رواتبهم لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من ضرورات المعيشة. إنه ليس من السبيل إلى إصلاح حالة المعارف وتحقيق الهداف القومية للتربية والتعليم إلا إذا بدأنا بتهيئة المئات بل الآلاف من المعلمين والأساتذة القديرين واتخذنا العدة لفتح أكبر عدد ممكن من المدارس الزراعية والصناعية في أبنية صالحة، مجهزة بالآلات والوسائل اللازمة وقمنا بتأليف الكتب الحديثة وجعلنا شعارنا الإخلاص والإتقان وتقديم الأهم على المهم ثم ابتعدنا عن الارتجال والترقيع والتضليل والدعاية الفارغة. . . كامل عياد

التربية الروحية

التربية الروحية للأستاذ: محمد المبارك إن وظيفة التربية أن تخدم المجتمع بأن تهيئ له الأفراد القادرين بتعاونهم المنسجم أن ينتجوا أكبر إنتاج معنوي (خلقي، فكري) ومادي. يدأب المربي على تهيئة هذه المادة الأولية الحية للمجتمع فيعمل على تنمية ما غرس الله في الإنسان من ملكات ومواهب ويعنى بها جميعا ويعمل على تقوية الميول والاستعدادات الصالحة وتوجيهها وجهة نافعة. 1) فهو يعنى بالناحية الجسمية من تلاميذه ويراقب نموهم الطبيعي ثم يسعى بالتعاون مع الأسرة لتقوية أجسامهم وتنشيطها وتهيئتها - قدر استطاعتها الأصلية، الموروثة - لخدمة العملية القوية ولتحمل أنواع النشاط العقلي الذي يكون الجسم إطارا له وركيزة يستند إليها. 2) وهو يعنى بعد هذا بسائر ملكات التلميذ فيقوي فيه الملاحظة الدقيقة والذاكرة والخيال حتى يصل به إلى قوة الاستنتاج والاستنباط ثم إلى القدرة على الإبداع الفكري والفني. 3) ويتوجه المربي في الوقت نفسه بهمة قوية دقيقة إلى تكوين شخصية تلمذة الخلقية وتنمية الاستعدادات الطيبة والميول الصالحة، بل وبعثها وإيجادها فيوجد فيه مثلا روح التعاون مع الجماعة بأن يشرك عددا من التلاميذ في عمل واحد يشعر كل واحد منهم إنه قام بجزء منه كالاشتراك في لعبة رياضية أو حل مسألة حسابية أو صنع أداة من الأدوات أو تحليل رحلة جغرافية يتناول كل منهم جانبا منها وكذلك الشعور بالتبعة أو المسؤولية فإن المربي يستطيع أن يوجد هذا الشعور أو بعثه في النفس فيعمل على إن يشعر التلميذ بمسائل متعددة كالمدح والترغيب والزجر والتأنيب والإشارة والتنبيه وغيرها إنه مكلف أن يقوم بهذا العمل أو ذاك أو ممنوع أن يقوم بذلك العمل الآخر لأنه ليس من شأنه أو لأنه عمل لا يليق به، ولا يجوز فعله. وهكذا الشأن في سائر الميول والعواطف الأخلاقية كمحبة الغير ومواساة الرفيق المجاور ومساعدة الضعيف ودفع الرغبة غير المحقة بالإدارة القوية وحب النظام ولا شك أن هذا العمل دقيق يحتاج إلى معرفة نفسية عميقة وإلى لباقة في التصرف ورحابة صدر ووسعة تفكير وهو كذلك خطير جداً عظيم النتائج فخطيئة مرب تكفي أحيانا ولاسيما إذا تكررت أن توجد لك من الولد المستعد بطبعه - بما أوتي من قوة

- لأن يكون نابغة ينفع المجتمع ويبذل راحته في سبيل خدمته رجلاُ ناقما على المجتمع حاقدا عليه تكمن في نفسه عواطف الحقد والبغض. نعم إن الولد نفسه قادر على أن يكون هذا أو ذاك والحكم الفاصل للموضوع يكون في كثير من الأحيان سلوك المربي - بوجه عام سواء أكان أباً أو أماً أو معلماً. 4) لست أريد في هذا الكلمة أن أبحث عن مدى تحقيق مدارسنا سواء منها الابتدائية أو الثانوية لهذه النواحي المتقدمة ولا عن مبلغ التقصير فيها وأسبابه وعلاجه وإن كانت كل واحدة من النواحي التي ذكرتها في حاجة إلى مثل هذا البحث. ولكنني أريد أن أتعرض لناحية أخرى مهملة كل الإهمال ولموهبة من المواهب المغفلة المتروكة دون أن تنمى مطلقا ولجانب هو أسمى جوانب النشاط الإنساني إلى جانب النشاط الجسمي والعقلي والخلقي وبذلك يكون في تربيتنا ثلمة كبيرة وفعالية معطلة نعمل على إعدامها بدلا من تنميتها وتوجيهها وهي بالنسبة للفعاليات الأخرى كالنسغ للنبات والأثير للمادة والكهرباء للآلات المتحركة وهذه الفعالية هي الفعالية الروحية. يقول (ألكسيس كارل) في كتابه الذي كان له في عالم الفكر الحديث صدى كبير الرجل ذلك المجهول إن المدينة الحاضرة أهملت في نظمها هذه الناحية الهامة من نواحي النشاط الإنساني وقد عقد في كتابه فصلا جليل القيمة عالج فيه هذه الناحية بعد أن عالج في الكتاب نفسه نواحي النشاط الفيزيولوجي والفكري والبديعي والخلقي مبينا خطورة هذه المرحلة وآثارها ونتائجها. ولئن كانت المدينة الحاضرة في العالم الحديث ناقصة كل النقص من هذه الناحية ومقصرة في ذلك تقصيراً له أثره في فساد الوجهة التي تتجه إليها وفساد التكوين الذي تبنى عليه فإننا نحن بوجه خاص أشد تقصيراً ونقصاً حتى ليبدو بنائنا التربوي مثلوماً متداعياً متهدما من ناحية يبني على صلاحها صلاح بقية الجوانب والآفاق وعلى فسادها وضعفها ضعف البناء كله. أليس من الممكن أن نشعر الطالب بجمال الطبيعة والكون فننمي في نفسه الشعور بالجمال ثم ننتقل به إلى الشعر بمصدر الجمال وخالقه والإعجاب بمخلوقاته ومن النظر في منافع الطبيعة والكون إلى مصدر النفع ومبدعه ومن النظر في الأخلاق الاجتماعية إلى مصدر

الرقابة الأخلاقية الأعظم ومن التفكير في مظاهر الطبيعة المتنوعة الزائلة إلى الحقيقة الواحدة الخالدة. . . وبالجملة أليس من الممكن أن نجعل من قلب الإنسان الصغير صورة مصغرة لعالم الكون الأكبر وخالق هذا العالم وأن نعمل على انبثاق هذه العواطف الروحية العميقة بالتدريج وإشعاره بالصلة بينه وبين العالم وخالقه كما يشعر بالصلة بينه وبين الأسرة والمدرسة وكما نحاول أن نشعره بالصلة بينه وبين المجتمع. قد يبدو أن الوصول إلى هذه الغاية عسير ولاسيما بالنسبة لصغار التلاميذ ولكن الحقيقة أن الوصول إليها على صعوبته ممكن كإمكان الوصول إلى تنمية الملاحظة والاستنتاج والتفكير إذا استعملت الوسائل والطرق التربوية الناجعة. إن تنمية هذه الموهبة الروحية كما سميناها لا تختص بدرس دون درس شأنها في ذلك شأن الأخلاق ممكن أن يستفيد الأستاذ من شتى المناسبات في الدروس المختلفة خارج الدرس لخلق هذا الجو ولكن الدرس الذي يمكن أن يكون لمس هذه الناحية هو درس الدين وهو الآن درس مهمل إهمالا كبيرا وهناك أسباب كثيرا لإهماله أبرزها أن كثيرين من المعلمين يجهلون قيمته التربوية والجانب الذي يشغله ويقومه ويغذيه من الحياة الإنسانية وتلتبس في أنفسهم حقيقته ووظيفته التربوية الأساسية بطرائقه القديمة البالية التي لا تزال شائعة وهذا هو السبب في أن بعض المعلمين السطحيين والذين ليس لديهم ثقافة كافية أو الذين تولد لديهم رد فعل ضد هذه الطرائق القديمة العقيمة ظنوا أن لا فائدة من هذا الدرس بل حمل السخف بعضهم على أن يروا حذفه من المدرسة مطلقا. وقد أذاعت وزارة المعارف تعميما في هذه السنة على المدارس الابتدائية بضرورة العناية بهذا الدرس الذي يعد من الدروس الأساسية. ولكن الحقيقة أن هذا الدرس لا بد له حتى يؤتي ثمرته من فهم وظيفته التربوية فهما عميقا ومن تحديد طرقه وتطبيق كثير من الأساليب الحديثة المطبقة في المواد الأخرى في هذه المادة أيضا. إن لدرس الدين مشكلات تربوية خاصة لابد من حلها كما أن لكل مادة مشكلاتها الخاصة وإذا كانت هذه الناحية مهملة في دور المعلمين فلا تبحث بحثا كافيا في مادة التربية الخاصة فمن الضروري أن تعمد الوزارة إلى محاضرات دورية في مراكز المحافظات

تبين فيها الطريق التربوية المجدية لتدريس هذه المادة تدريسا نافعا مثمرا أو أن تذيع على المعلمين تعليمات مفصلة في هذا الموضوع. ذلك إن الطرائق العامة المتبعة في التدريس من التدرج من المحسوس إلى المجرد ومن السهل إلى الصعب ومن الجزئي إلى الكلي والاعتماد على الطرق الجذابة كالقصص وعلى وسائل الإيضاح كالأشياء الطبيعية والصور الملونة والرسوم كل أولئك مما يمكن تطبيقه في تدريس الدين حتى يصبح درسا تتجلى فيه الحياة والحركة والنشاط ويشارك مجموعة الدروس في تنمية الملاحظة والخيال والذاكرة والاعتماد عليها في الوقت نفسه لفهم كثير من الاعتقادات والإيمان بها والشعور بالعواطف السامية المتصلة بها والتهيؤ لفهم أعمق وشعور أسمى في مراحل الدراسة التالية. ونكتفي بضرب مثل واحد آملين العودة إلى التفصيل في هذا الموضوع الذي لا يزال بكراً ولم تتناوله كتب التربية في البلاد العربية. يأتي المعلم بلوحة أو لوحات فيها صورة سفينة تمخر عباب البحر وفيها إن أمكن صورة صيد السمك أو استخراج اللؤلؤ صورة ملونة تذخر بالحياة وتفيض بنعم الكون يعلقها أمام الطلاب ثم يأخذ بطريقة الأسئلة الموجهة حتى يصل إلى ما يريد من نتائج عن طريق الطلاب أنفسهم: 1) إن في البحر - ثم ينتقل إلى سائر أجزاء الطبيعة - منافع ونعم كثيرة يستطيع الإنسان أن يستفيد منها أو أن يتخذ منها زينة له. 2) إن لهذا البحر بما فيه من منافع - ثم كذلك لسائر أجزاء الكون - خالقاً ومسخراً إليه يرجع الفضل في هذه المنافع والنعم التي تفيض على الإنسان. 3) إن هذه المنافع موجودة ومعروضة ولكن لا بد أيضا من عمل الإنسان وجهده حتى يحصل عليها. وما أقوى تأثير هذه الآية التي يكتبها حينئذ بخط جميل وأحرف كبيرة ليحفظها التلاميذ بعد أن فهموها: وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا، وتستخرجوا حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون وما أرسخ عاطفة الشكر لله هذه التي تنشأ وتتولد بعد هذه الصور الجذابة الخصبة بالحياة ولا نشك أنها الأقوى أثرا بما

لا يقاس مما ينشأ عن طريق التقليد الجاف والمظاهر الخارجية. نعتقد أنه إذا سلكت أمثال هذه الطريقة في تدريس الدين فسيكون هناك مجال خصب للاستفادة من أقوى وأعمق وأنبل العواطف الإنسانية واستمد التلميذ في حياته الفكرية والخلقية والبديعية بأقوى مادة وسيربط بينها برباط عام يشملها جميعا وستكون الحياة الإنسانية أخصب مادة وأسمى غاية. محمد المبارك عضو لجنة التربية والتعليم

فن الكذب

فن الكذب للأستاذ: عزة النص قال الناس قديما وما زالوا يقولون: أعذب الأدب أكذبه: وكان الناس قديما وما انفكوا إلى اليوم يحرمون الكذب في الحياة ويستسيغونه في الأدب. فالأديب الذي يكشف طوايا النفوس ويستحلي خفاياها ويعرض الأمور كما هي ويصور الوقائع كما يراها، قلما يجد أدبه رواجا ونفاقا، أما ذلك الذي يصدف الناس عن واقعهم الذميم وينسيهم وجودهم الحقيقي فهو الأديب المبدع الرائع. فكأن الناس تواضعوا على تسمية الأدب بفن الكذب. وليس في نيتي أن أزعم العكس وأدافع عن النقيض، وإنما أود أن ألفت الأنظار إلى علم قد لا يقل عن الأدب صدقا. . . والناس يطمئنون إليه ويثقون به ويؤمنون بصحته ويركنون إلى نصحه وموعظته، وهم يحسبون أنه سفر الحقيقة وسجل الواقع. . إلا وهو علم التاريخ، فإذا كان الأدب فن الكذب السافر فالتاريخ فن الكذب المستتر. . . على أني لم آت بشيء جديد: ولم ألهم هذه الحقيقة كما ألهم (أرخميدس)، فللتاريخ منذ وجد التاريخ مشايعون مناصرون كما له مناوئون مندودن، وهؤلاء وأولئك كثر. ولعل من الخير أن لا أفجاك بادئ بدء بأقوال الجادين الوقورين من خصوم التاريخ والغامزين فيه، وأن أبدأك بجد يشبه الهزل وهزل يشبه الجد حتى تتهيأ نفسك لما أريد أن أهيئها له. لقد عرف الكاتب الأمريكي (مارك تواين) بأسلوبه العابث المستملح في جميع ما يتناوله من مواضيع، وهو في دعابته الناعمة المرحة وهزئه الساخر الضاحك يبلغ في قوة النقد ما لا يبلغه أولئك الذين يتصنعون الجد والوقار فيجمعون إلى جفوة النقد خشونة الأسلوب. والكلمات التالية مقتبسة عن محاضرة عنوانها: (فن الكذب في انحطاط)، يزعم الكاتب إنه ألقاها على جمع مهيب من شيوخ المؤرخين وهو - على رأي الكثيرين - حملة لواء الكذب الفني المرتب المشروع. . . وإنك مستنتج من هذه الكلمات أمرين جوهريين: 1 - أن الناس جميعا يكذبون في أعمالهم وأقوالهم. 2 - أن المؤرخين يدونون أعمال الناس وأقوالهم فهم لا يدونون إلا كذبا. . . ثم ليتهم

يصدقون في التسجيل والتدوين!. . . إنهم يجمعون أفكا على إفك ومينا على مين. يقول مارك تواين: لست أزعم أن عادة الكذب تعاني ضعفا أو تشكو انحطاطا، فالكذب هو مبدأ خالد وفضيلة أزلية. وفي الكذب تسلية للمكروب وعزاء للعاني وملجأ أمين للبائس. إن الكذب صديق الإنسان الأول ورفيقه الأمثل. ولا خوف على الكذب من الزوال وأنتم في الوجود، معشر المؤرخين. . وإن كنت أشكو فما أشكو سوى انحطاط فن الكذب، وأي إنسان رزق الكياسة في التفكير والصدق في العاطفة يرى الكذب السمج يروج في عصرنا هذا ولا تأخذه سورة الغضب وتثور به النخوة والمروءة؟!. أي عاقل مهذب لا يسوءه هذا الفن الرفيع أن يتبذل؟!. وإذا عالجت أمامكم هذا الموضوع، فأنا أعالجه على تهيب واستحياء، فأنتم معشر المؤرخين سادة هذا الفن وأشياخه. . . ومثلي معكم كمثل العانس لم تلا بس الحياة تتصدى لتدريب قهرمانة عركها الدهر من نبات إسرائيل. . . ولست، أيها السادة، ممن يستبيح لنفسه التعرض لكم بنقد، وإذا تراءى لكم شيء من ذلك في بعض حديثي، فما النقد أو المعارضة أردت، وإنما أنا واثق بأني لم أقصد سوى التعبير عني الإعجاب والإكبار. وفي الحق، لو كان لهذا الفن - أجمل الفنون الجميلة - أنصار مخلصون مثلكم كثيرون، يشجعونه ويرعونه ويغذونه ويمارسونه ممارسة دائبة صادقة. . . لو أتيح له أندية كثيرة كناديكم هذا، لما اعتراني الجزع وغلبني الدمع. . . ولا أقول ذلك ممألاة ونفاقا، وإنما هو الحرص على تقدير الناس حق قدرهم. أيها السادة: ليس شيء أكد من الحقيقة التالية: هنالك ظروف يتحتم فيها الكذب، وبما أنه ضرورة محتمة فهو إذن فضيلة محمودة. . . والفضيلة لا تبلغ الكذب مرتبة الكمال إذا لم تزودها ثقافة دائبة، فلا حاجة إذن للقول بأن فضيلة الكذب يجب أن يرعاها ويتعدها المعلمون في المدارس والآباء في الأسر والمفكرون في الصحف والكتب، وأي حظ لكاذب جاهل مغفل تجاه كاذب مثقف محنك؟ إن ما يعوزنا أيها السادة، هو كذب حاذق. . . بل يخيل إلي أنه خير للإنسان أن لا يكذب مطلقا من أن يكذب كذبا غير موفق، إن كذبا أخرق

غير علمي هو غالبا شر من الصدق. لنذكر المثل القديم السائر: الصبيان والمجانين يقولون الحقيقة دائما: والنتيجة المنطقية لذلك واضحة وهي: إن الكهول والعقلاء لا يقولون الحقيقة أبدا. يقول المؤرخ (باركمان): من الحقائق الراسخة أن الحقيقة لا يحسن أن تقال دوما، وإن من يدفعهم ضميرهم المريض إلى مخالفة هذا المبدأ هم حمقاء خطرون، هذا هو الكلام المتزن المتين، فلا أحد يستطيع أن يعيش مع من اعتاد قول الصدق، والحمد لله على أن كائنا مثل هذا غير موجود، فالإنسان الذي يقول الصدق دائما هو مخلوق خيالي لم يوجد ولن يوجد، ولا شك أن هنالك أفرادا يعتقدون إنهم لا يكذبون قط، ولكنهم واهمون وإن جهلهم الفادح لما تخجل منه مدينتنا الحاضرة، كل الناس يكذب، في كل يوم وفي كل ساعة، نائما ومستيقظا، في الحزن وفي الفرح، وإذا لم ينطق اللسان فإن الأيدي والأرجل والعيون والوضع العام تحاول أن تخدع عن سابق تصميم وتعمد. وبعد ماذا يأخذ النقاد الجادون الوقورون على التاريخ حتى تتنازعهم فيه الشكوك وتتجاذبهم فيه الظنون؟ إنهم يأخذون عليه أسسه التي يرتكز إليها ومادته التي يتكون منها وأسلوبه الذي يعتمد عليه ونتائجه التي يصل إليها. . . فهم إذن صناعا مهرة (يفبركون) الوثائق الأصلية. . . والمخطوطات النادرة. . . ويصفعون بها أنف التاريخ. 3 - وما العمل إذا انعدمت الوثائق أو صمتت؟ ما الحيلة في معرفة تاريخ مالا تاريخ له؟. هنالك في سلسلة الحوادث التاريخية (حلقات مفقودة)، يعمد المؤرخون إلى إيجادها بالاجتهاد العقلي. فما هو نصيب هذا الاجتهاد الفرضي من الصحة؟ مثل المؤرخين في ذلك كمثل من لا يستطيع الوصول إلى مجاهل إفريقية الوسطى فيفرض أنها حلقة متممة لافريقية الشمالية والجنوبية ويتكهن عن أوصافها الطبيعية والبشرية بالاستناد إلى هذا الافتراض!. . وقد أثار الأستاذ حسن عثمان في كتابه (منهج البحث الاجتماعي) مسألة من هذا النوع وهي مسألة سكوت المصادر عن تنازل المتوكل العباسي عن الخلافة للسلطان العثماني سليم الأول عام 1517، وأقر بتعذر البت في هذا الأمر. 4 - ولاختيار الحوادث في التاريخ مشكلة أشد إغفالا، ذلك إن المؤرخ يجد نفسه أمام حوادث لا حصر لها وكلها متشابكة متساندة، فلها جدير بالذكر؟ وما هي الأسس التي تفرق

بين الحادث الهام والحادث التافه؟ وإذا كان كلام نثرا فكل عمل تاريخ، فهل على المؤرخ أن يسجل كل عمل؟ إنه لا شك ملزم بالاصطفاء والانتقاء، والأمر يعود أولا وآخراً إلى تقديره الشخصي، وكم من مؤرخ أخذ بالعظيم من الأمور وأهمل ما ظن إنه جزئي لا وزن له وكان الذي ظنه جزئيا لا وزن له بالغ الأثر خطير النتائج! قد يكون لهيئة الأمير أو الحاكم أو لبزته وهندامه أو لابتسامته وطلاقة محياه أثر في سياسته لا يعدله أثر بلائه أو درايته أو دهائه!. وطالما في الأمر اصطفاه فقد خرج التاريخ عن أن يكون صورة للواقع واضحي تجريدا مصطنعا يضلل ولا يرشد ويشوه ولا ينور، وجميع الكتب المدرسية في التاريخ هي من هذا القبيل. وشبيه بهذا تلك التقسيمات (الاعتباطية) التي جرى عليها المؤرخون والتي تجعل التاريخ مقسما مبوبا مرتبا كأن الحوادث وضعت للتاريخ لا التاريخ للحوادث، فنحن نقول مثلا: السياسة الاقتصادية للمأمون والتنظيمات الإدارية للمنصور كأن مثل هذه الأمور يمكن التفريق بينها، ونحن نقول: العصور الوسطى والعصور القديمة والعصور الحديثة فيظن القارئ إن جداراً حاجزاً حقيقا يفصل بينها، مع إن التاريخ تسلسل لا انقطاع فيه، ولو سلمنا جدلا بصحة هذه التقاسيم بالنسبة إلى أمة ما فهل يجوز أن تعمم على سائر الأمم؟ والاعتراض نفسه يرد عندما نقول مثلا تاريخ سورية أو مصر في عهد الأمويين أو تاريخ ألمانيا أو بلجيكا في القرون الأولى فهل كان لسورية ومصر أو ألمانيا أو بلجيكا كيان بارز مستقل حتى يمكن تمييزه وتحديده؟ وهل لا يتوهم القارئ عندما يقرأ اشتباه ذلك أن سورية اليوم هي سورية الأمس عينها؟. ومثل هذا أيضا تلك التعابير الاصطلاحية التي نستعملها اليوم وندرك مدلولها الحقيقي دون عناء، ونستعيرها للماضي أيضا كان المفاهيم لا تتبدل، وكان ألفاظ الحكومة والوزارة والأمة والموازنة والموظف الخ. . . هي اصطلاحات أزلية الوجود! والأمر أغرب إذا لم يراع المؤرخ المصطلحات المجازية الخاصة بكل زمن فأخذ بحرفية النصوص وتقيد المدلول الحالي للألفاظ! وهل بوسعه دائما أن يراعي؟ 5 - ولعل قاصمة الحجج للطاعنين في التاريخ هي اعتماد المؤرخ على الأسباب القاهرة

المعلنة وتعذر وصوله للسباب الوجدانية العميقة! فالحادث التاريخي هو في جوهره حادث نفساني يصدر عن إرادة وعاطفة، ولكن الإرادة والعاطفة تظل مقنعة محجبة بينما تبرز عوامل غيرها يراد إبرازها وإظهارها وهي التي يقبض عليها المؤرخ ويتعلق بها ويجعل منها عماد بنيانه. تسقط اليوم وزارة وتخلفها أخرى ويتساءل الناس عن الدوافع ويختلفون بين مهاجم ومدافع، وتنشر الصحف الوثائق الرسمية فإذا فيها. . . أسباب صحيةّ أما الأحقاد والمنافع وما يختلج في النفوس من حب وكره وتعاطف ونفور فهي لا تدخل في حساب التاريخ لأنها عناصر هوائية غير مرئية، لا واضحة ولا مصرحة. بيد أنها - كما تعلم - لب الباب من سياسة بلادنا الداخلية. وتتعالن الدول عن رغبتها الأكيدة في العدل والحرية والمساواة وتعقد المؤتمرات على هذه الأسس وتوقع الوثائق والمواثيق فيتقبلها المؤرخون نهمين شرهين. . . ويلهم من مغفلين! أو ليس باسم الحرية والعدل والمساواة تتحكم اليوم فرنسا برقاب أبناء عمومتنا في المغرب الدامي؟! قد يقول لك المؤرخون: نحن يعنينا الحادث نفسه، فهل سقطت الوزارة أو لم تسقط؟ أما الأسباب فليس من شأننا الخوض فيها ما قيمة الحادث في ذاته أيها السادة؟ وما التاريخ إذا لم يكن أسبابا ونتائج؟ هؤلاء النقاد الجادون الوقورون لا شك أنهم مغالون بعض الشيء فليست الركائز التي يستند إليها التاريخ متأرجِجة غير موطدة إلى هذا الحد، على أن الحيطة في تقبل كل ما يسطره التاريخ واجبة، والحذر ضروري. وإن كان لهؤلاء النقاد من فضل فهو في إقامتهم الدليل على أن التاريخ لا يمكن أن يكون علماً ثابتاً يمكن صوغه في قوانين ومعادلات. على أن (الطعن في التاريخ أسهل من الاستغناء عنه) - كما يقول هالفن - وسيظل التاريخ (ذاكرة البشرية) تستمد من تجربته وتستنير بسوابقه، لك عظته لا يصح أن تؤخذ دستورا لا يخطئ بل لعل دستور التاريخ الوحيد هو إن ليس له دستور وإن الحادث الواحد لا يتكرر أبدا. وجل ما قصدت إليه في هذا المقال أن ألفت الأنظار إلى (نسبية) الحقائق التاريخية، ولولا ذلك لما وجدنا التناقض بيننا واضحا بين كتابين في التاريخ لأمتين متعاديتين، ولولا ذلك

لما وجدنا التناقض واضحا بينا بين مؤرخي الأمة الواحدة أن (ميشليه) الأفرنسي يجعل من الثورة الفرنسية مشعل حضارة وضياء حرية وينساق في العاطفة المشبوهة حتى يقف كتاباته (أنا تول فرانس) بأنها (غضب ورضى، عويل طفل وصراخ امرأة تضع، زفرات وأنات أما حوادث فلا000) 0 بينما (دودة) و (برنتانو) و (كاكسوت) الافرنسيون أيضاً لا يرون في الثورة الفرنسية إلا قذارة ودماء مراقة0 والأمثلة أقرب إليك من ذلك، خذ صحيفتين في بلد واحد من حزبين مختلفين وحاول أن تتلمس الحقيقة التاريخية بينهما0 وشيء آخر قصدت إليه في هذا المقال هو أن ألفت الأنظار إلى كتب تاريخنا العربي بما جمعت من تناقض وتعارض في الأسماء والأرقام والتواريخ وبما فيها من أساطير مروية عن الأولين وحكايات دسها الوضاعون. فحتى متى يخلص تاريخنا من أمثال هذا: سام بن نوح كانت حياته 600 سنة وأرفخشد بن سام عاش 465 سنة وشالم بن أرفخشد عاش 430 سنة وعابر بن شالخ عاش 430 سنة وقيل 164 سنة الخ. . أو من أمثال هذا: دمشق أول من بناها دمشاق بن قاني بن لامك بن أرفخشد بن سام وقيل إن الذي بناها جيرون بن سعد بن عاد بن ارم - وقال وهب بن منبهان العازر غلام إبراهيم بني دمشق. وقال غيره سميت بدماشق ابن عزود بن كنعان وهو الذي بناها. وقال آخرون سميت بدمشق بن أرم بن نوح وهو أخ لفلسطين وإيليا وحمص والأردن، بنى كل واحد موضعا فسمي به الخ. . . ولا تفوق كتب المستشرقين الغربيين عن تاريخنا ما كتبناه نحن إلا بسوء الفهم وما القول برجل يكتب عشرات المؤلفات عن تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده ويزعم في أحد كتبه أن في الكعبة حجرين، يعين موضعهما وأبعادهما، أحدهما الحجر الأسود وهو للمس فقط وثانيهما الحجر الأسعد وهو للتقبيل!. . . حتى متى يخلص تاريخنا من الترهات والأباطيل والأساطير؟! عزة النص

الروح. . .

الروح. . . في الفلسفة والآداب والفنون الإغريقية للدكتور سليم عادل الحق محافظ دار الآثار ومدرس التاريخ القديم بكلية الآداب لكلمة (بسيشه) في اللغة الإغريقية معنيان، يدل الأول منهما على الروح أو المبدأ الذي يسير حياة الإنسان والكائنات والعالم، ويشير الثاني إلى نوع من الفراشات التي يجذبها لمعان النور فتحرق أجنحتها على لهيبه. وقد امتزج هذان المفهومان في الفكر الإغريقي منذ أقدم عصور المدنية الهلنية، وهذا ما جعل هوميدوس والفلاسفة الذين عاشوا قبل القرن السادس قبل الميلاد، ينظرون إلى الروح ككائن حي يعيش في جسم الإنسان مدى الحياة. ثم ينفصل عنه بعد الموت ويظل يطوف هائما محلقا فوق مملكة الأحياء حتى تفتح أمامه مملكة الأموات وتضمه نهائيا إليها. ولا يكون ذلك إلا إذا تخلصت الروح من شرائط الحياة الدنيا وتطهرت من أدرانها، وعندها تصبح حرة وتعيش كالإله الذي تنحدر منه. ولما أتى أفلاطون تمثل كل هذه الآراء وأوضح بمنطقه البارع وظيفة الروح المتوسطة وطبيعتها المركبة. فهي في نظره جني من الجان شبيهة بالحب، ومادتها علوية وآلهية ووظيفتها أن تكفل دوام الحياة وتؤمن سير الصيرورة، ولعرض هذه النظرية لجأ أفلاطون إلى طريقه الفلسفية التي تستخدم للتعبير عن غاياتها عناصر ميثولوجية قصصية فزعم أن الروح تهبط على الأرض وتحل في الجسم الإنساني فتفقد جناحيها اللذين كانا لها عندما كانت من طبيعة الآلهة وذلك لأنها لامست الجسم الفاني، فيتأمن من هذه الملامسة الاتصال بين المحسوس والمجرد وينشأ الحب من هذا الاتحاد وهو ضروري للروح لأنه التعبير الحي عن العاطفة الدينية، على أن طبيعة الروح الآلهية تأبى عليها أن ترضى بانحطاطها الموقت فتوجه أنظارها إلى السماء وتنزع إلى الانطلاق في الفضاء كأنها العصفور على أنها قبل خلاصها من سجنها الأرضي، وقبل استعادتها جناحيها يتحتم عليها أن تتطهر وتنقشف وتكفر عن الأخطاء التي ارتكبتها في حياة الدنيا، ويضيف أفلاطون إلى ذلك في كتابه (فيدر) أن الحب ضروري لها خلال تطهرها وتقشفها، فيجب أن تكتوي بنار الميول

والأهواء، ويلزم أن تتعذب بلذتها الطيبة قبل أن تعود إلى أصل الجمال الآلهي الذي انفصلت عنه، ثم يصفها في هذه المرحلة فيقول عنها أنها متأثرة وقلقة وفريسة لآلام تشبه آلام الطفل الذي يعانيها لدى ظهور أسنانه الأولى، وأخيرا تتحول آلامها إلى اختبارات وتجارب لها، وينقلب الحب البشرى إلى حب آلهي ولا تلبث أن تمتزج به، واجتماعهما هو السعادة التي يحلم بها الناس بعد الموت. وقد انتشرت هذه الآراء الفلسفية انتشارا كبيرا منذ القرن الرابع ويضيق المقام عن ذكر جميع الإضافات التي أتتها من الفلاسفة ومن المذاهب الفلسفية المتأخرة، ونكتفي بذكر ما زعمه (أرسطو) في نظريته (العقل المفكر) بأن الروح تتصل بالفكر لطبيعتها الخالدة وبما لها من قرابة مع الآلهة، ولكنها تبقى مستقلة أبدا، ويضيف الفلاسفة الرواقيون: إنها تستمر على اتصالها بالقانون العالمي الذي هو الآلهة وأنها تبقى جنياً للحياة الإنسانية. وفي العصر الهلنستي أصبح شيوع هذا الاعتقاد يعادل شيوع المذاهب الدينية الكبرى ويدل على ذلك قصائد الشاعر (ماليا كر). وقد نشأت بعد ذلك بقليل أسطورة إيروس وبسيشه التي نجملها بما يأتي: كانت بسيشه أميرة ذات جمال بارع لم لامرأة بشرية أن تمنح مثله فحسدتها أفروديت ربة الجمال وكلفت ابنها (إيروس) آلهة الحب أن يقتص منها. فأوحى إلى أبي بسيشه، وهو ملك، أن يقود ابنته إلى قمة جبل ليفترسها وحش كاسر، وإلا فتنصب على مملكته مصائب ليس له قبل بها. وكان أن نقل بسيشه إلى حيث طلب أن تكون، وجعلت تنتظر على صخرة، خائفة مذعورة، دنو أجلها، حتى شعرت بأن النسيم يحملها إلى قصر فخم البناء أقامت فيه حتى حان الليل، وعندما أوشكت أن تستسلم إلى الكرى، إذا بكائن غريب تلفه الظلمات الدامسة يظهر إليها ويخبرها أنه زوجها الذي قسمته لها الأقدار، ولم تستطع أن ترى وجهه غير أن صوته كان عذبا مكلماته مملوءة بالحنان، وقبل أن ينبلج الفجر اختفى الزائر العجيب بعد أن جعل بسيشه تقسم أنها لن تحاول أن ترى وجهه أبدا. وتمر الأيام فتألف بسيشه الإقامة في هذا القصر الذي لا ينقصه إلا وجود الذي أصبح زوجها، لأنه لم يكن يأتي إليها إلا في الليالي السوداء الحالكة، وتوشك سعادتها أن تدوم لولا شقيقتها اللتين تريد الأسطورة أن تتصلا بها وتطلعا على حياتها، فيقولان لها إن زوجها

غول شنيع لأنه لا يريها وجهه وما زالتا بها بها حتى جعلتاها تقوم في إحدى الليالي وقد أوى زوجها إلى مضجعها فتشعل مصباحا دون صوت، وتقربه من وجهه، ويا لعجب ما رأت! إنه أجمل وجه في الدنيا وهو وجه إيروس بعينه الذي أغفى وقد ترك أقواسه وجعبته إلى جانب السرير، وعندها لم تعد تملك بسيشه نفسها من الفرح فسقطت من المصباح نقطة زيت على كتف الإله، فهب من نومه مرتاعا وقرّع بسيشه على حنثها بيمينها واختفى فلم تعد تراه. وتوارى كذلك القصر عن عيني بسيشه ووجدت نفسها على الصخرة التي حملت منها، فلم تستطيع أن تعتاد عل فقدان ما فقدت فألقت نفسها في مياه نهر يجري بالقرب من الجبل، بيد أن المياه حملتها إلى الضفة الثانية برفق زائد، ولما أعيتها الحيل في الموت سارت هائمة على مجهها، وهنا تصبح عرضة لغضب إفروديت فتبلى بمصائب كثيرة كانت تتخلص منها بفضل معاونة (إيروس) السرية لها، وأخيرا توجب عليها الآلهة أن تنزل إلى الجحيم فتكفر عن ذنوبها، ويتأثر زوجها من ندمها لأنه لم يكف عن حبها، فيطير إلى (زوث) ويتضرع إليه أن يعفو عنها وأن يأذن له بالإتحاد بها، فيرضى رب الأرباب ويمنح بسيشه الخلود وننسى أفروديت حقدها ويزف إيروس إلى التي هام بها ويقيم وإياها في الأولمب. وقد ساهم الفن الإغريقي في إيضاح مفهوم بسيشه وعبر عن كل الأفكار الفلسفية التي نشأت منها أسطورتها بأشكال وألوان جمعت فكانت من أجمل ما تخيلته العبقرية الهلنية، وأول ما مثل كانت النفخة غير المرئية التي تفارق الجسم الإنساني عند الموت فصورت على جذوع الآنية الفخارية المطلية بلون مقتول، ولم يكن شكلها هذا يختلف كثيرا عن أشكال بعض الكائنات الميثولوجية الثانوية كال (سيرين والهاربي) التي كانت تمثل على شكل عصافير لها رؤوس بشرية، ولم تعط بسيشه في الفن غير هذه الصورة حتى حان العهد الهلنسي فجعل الفنانون يمثلون حوادث الأسطورة على أشكال شتى، فكانوا يتصورون على شكل امرأة شاحبة حالمة قلقة، الروح التي نزلت من مستواها الإلهي وأصبحت فريسة للأهواء والنزوات النفسية. وقد افتنوا في التعبير عن هذا الموضوع بأشكال مختلفة، ففي أحد التماثيل الفخارية الصغيرة ترى امرأة شابة لها جمال رائع قد صففت شعرها ورفعته

على صدغيها وجمعته في قمة رأسها، وفي تمثال آخر تشاهد وقد جلست على صخرة وأدارت رأسها ووضعت أحدى ساقيها على الأخرى وسترت جسمها بثوب فضفاض ينزلق قليلا عن كتفيها، وترى أيضا على شكل امرأة واقفة وممسكة بعنقود من العنب أو بثمرة أخرى، وتمثل كذلك بامرأة راكعة متضرعة تمديدها مسترحمة، ويمكن معرفتها في كل الحالات التي ذكرناها من أجنحة الفراشة التي تخرج من كتفيها، وقد صارت أجنحتها تخرج في التماثيل الصغيرة المتأخرة من صدغيها، ويوجد في متحف جنيف خمسة أحجار منقوشة تمثلها على هذا الشكل مع اختلافات بسيطة، كما يوجد حجر آخر منقوش في متحف برلين يمثلها وهي نصف عارية وقد أمسكت بيدها فراشة وألصقتها على يديها. ولم تلبث هذه المواضيع أن أخذت تغري النحاتين الكبار، ففي متاحف اللوفر والكابتيول وفلورانس ونابولي وبرلين تماثيل كبيرة يرجع تاريخها إلى العهد الروماني تمثل بسيشه وهي حالمة أو متوسلة. وكلها دقيقة الصنع ذات جمال فني باهر يخيل للمتأمل فيها أن (برا كزتيل) المثال العظيم قد منحها كل ما في عبقريته من لطف ورشاقة وكل ما في يديه من افتنان وصنعة. فسماؤها رقيقة ناعمة يغشيها شيء من الكآبة، وأشكال جسمها الفني متناهية في الظروف كان الشباب الذي تطفح به أو شك أو قارب أن يبلغ الدرجة المثلى من إيناعه أضف إلى هذا كله أنها تجبرك على العجاب بلطفها الإلهي وعلى الرثاء لهذه الفتاة الممثلة فيها والتي حكم عليها أن تجتاز المصاعب وتمر في التجارب. وقد عبر الفن الهلنسي عن انحطاط الروح المؤقت بأشكال وأوضاع تطفح بالنبل. فرمز إلى تجارب الروح بمشاهد تدل على كبر في النفس واقتصاد في التعبير وهدوء في إيضاح العواطف، فأحيانا يمسك (إيروس) بيده اليمنى فراشة ويضع يده اليسرى على صدره، وأحيانا يمثل كيف فتنت الروح بالحب، وليس من مشهد شعري يعدل المشهد الذي يمثله التمثال الصغير المعروف باسم تمثال (ميكار). إذ يرى فيه (إيروس) وقد وضع على رأسه إكليلا من أوراق النبات وعقد شالا على كتفه الأيمن وأمسك مزمارا وبدا يعزف عليه وهو مستند على سارية إلى جانبها ركيزة فوقها بسيشه بجناحيها المبسوطين ويديها الموضوعتين على صدرها. ويرمز هذا التمثال إلى عاطفة مركبة ويمثل التقاء الروح بالحب الذي بدأ يغويها بموسيقاه

فجعلت ترقص على نفحاتها الإلهية. بيد إن التقاء الروح بالحب لا يجري على الأرض دوما على هذا الشكل الشعري فلدينا في متحف دمشق تمثال صغير من الفخار قد تحطم جزء منه، وهو يمثل بسيشه جالسة وشبه عارية وقد وقف (إيروس) إلى جانبها وهو يشد وثاق يديها خلف ظهرها، وقد أحب الفنانون كثيرا موضوع عذاب الروح بالحب فنوعوا فيه، وجعلوه أحيانا مشهدا فاجعا، فأحجار العصر الاسكندري المحفورة ترينا بسيشه موثقة وإيروس يقبض عليها من شعرها، أو أنه يحرقها على لهيب مشعلة، وترى أيضا موثقة إلى عربة يقودها معذبها أو مربوطة على عمود وتحوم حولها فراشة، وقد امسك إيروس بقضيب وهم بأن يجلدها. ولم يلبث فن نحت التماثيل الكبيرة إن تأثر بهذه المواضيع فجعل يمثل عذاب الروح في أوضاع مسرحية تدل على عواطف العصر الزاخرة، ومتاحف اللوفر واللاتران والفاتيكان وطولوز تحوي نماذج رومانية ترينا بسيشه راكعة ومتوسلة وايروس يدوسها بكبرياء أو يقف بقربها صامتا لا يحير، وهو يخفي ما يجول في خلده ويختلف تعبير ملامحه بين القسوة والرحمة. وعندما تبلغ آلام الروح والحد الذي يجب أن تبلغه وتطهر على لهيب النار تظهر المعجزة، فيدير معذبها رأسه متألما ويمسح دموعه المنحدرة على خديه. ولا يلبث أن يحيطها بذراعيه فتستسلم إلى مداعباته وقبلاته السماوية. وعندها تتوصل الروح إلى أن تتأمل الجمال السماوي وجهاً إلى وجه وأن تبلغ السعادة النهائية بامتزاجها مع أجمل وأنبل العواطف التي شعرت بها. ويعبر في الفن عن هذه اللحظة المثلى بشكلي أيروس وبسيشه وهما متعانقان، ويوجد لوحة برونزية عهدها من القرن الثالث قبل الميلاد محفوظة في متحف برلين تمثل (ايروس) على شكل شاب مستند إلى صخرة وإلى يمينه بسيشه وقد لفت ذراعها الأيمن حول عنقه، أما ذراعها الأيسر فتستند به على كشحها، وهي تدير رأسها الذي يحاول أن يمسكه ايروس بيده. فهي تتهرب هنا مما يعرضه عليها من حب وغرام. بيد أنه وجدت تماثيل فخارية في مدينة (ابفيز) القديمة وفي غيرها من مدن آسيا الصغرى يرجع تاريخها إلى القرن الثاني والأول قبل الميلاد، يشاهد فيها الحبيبان معتنقين وتكاد شفاههما تلتصق على الرغم من الحياء الذي ما

برح ينتاب بسيشه. وسيأخذ هذا المشهد في التماثيل المتأخرة صفة عاطفية مهتاجة فترى بسيشه وهي تضم إليها ايروس وتمنحه القبلة المنتظرة والتي هي السعادة المثلى. ففي حنجور وجد في مدينة منفيس وفي أحجار منحوتة ولوحات وسلسلة من التماثيل المرمرية محفوظة في متاحف الكابيتول ودرسد وفلورنس ولندن ويمثل الحبيبان على شكل شابين أو مراهقين أو طفلين وهما يقبلان بعضهما بشغف لا يوصف. ويعقب القبلة الزواج، فتري في آثار كثيرة من العصر الاسكندري مناظر حفلة زفافهما وأشهرها دست وجد في الفيوم يشاهد فيه ايروس وبسيشه وهما قائمان في عربة، تمشي أمامهما ربة النصر وهي تحمل طبلاً تضرب عليه، ويرفع الآلة باخوس كأسه الطافح بالخمر ويشرب متمنيا لهما السعادة. وعثر في الاسكندرية على حجر كريم منقوش يظهر فيه مشهد عرس حقيقي. فيظهر الاثنان على شكل طفلين مجنحين وقد لف رأس كل منهما بمنديل. وحملت يداهما زوجاً من الحمام ويمشي أمامهما جني صغير، وإلى طرف المشهد جني ثان يحمل سلة مليئة بالفواكه، وجني ثالث يهيأ سرير الزفاف. وأختم هذا البحث لوحة حجرية منحوتة نحتا شديد البروز، فيها صنعة دقيقة وأسلوب واقعي ظريف، قد حملت من محافظة اللاذقية إلى متحف دمشق منذ عام ونيف. وهي من نوع اللوحات الحجرية التي كانت تنحت على المدافن القديمة كمدافن روما القديمة في العصر الروماني لتمثيل اتحاد الروح والحب الصوفي، وللرمز إلى خلودها وصعودها إلى السماء بواسطته. وتمثل أربعة مشاهد متعاقبة من أسطورة ايروس وبسيشه، فيرى فيها من اليمين إلى اليسار: أولاً ايروس حزينا قد اتكأ على مسند بذراعه الأيسر، وثانيا ايروس موثق اليدين خلف ظهره وخلفه بسيشه ومرتدية ثوبا ايونيا تنحدر ثنياته كأمواه الشلال، وثالثاً ايروس طليق اليدين وهو يقابل صورته المتقدمة ويكفكف دموعه بطرف رداءه الذي يستر نصفه العلوي فقط ووراءه بسيشه منحنية قليلا إلى الأمام تستعطفه وقد انكشف نصفها العلوي وتجمع ثوبها حول كشحيها، ورابعا ايروس وبسيشه واقفين جنبا إلى جنب كأنهما قد التقيا بعد طول فراق. وهي مصنوعة من المرمر الذي استحال لونه الأبيض من لفح الشمس إلى لون وردي

جميل وهي ناقصة من الجهة اليسرى ومشوهة قليلا في بعض أجزائها، على أنها من أجمل الآثار التي وصلت إلينا من القرن الثاني أو الثالث الميلادي. سليم عادل عبد الحق

أريحية محافظ

أريحية محافظ يسر المعرفة أن تعلن اغتباطها لما تلاقيه من ضروب التشجيع والتأييد، مما يقوي العزم لمتابعة الجهد في تحقيق رسالتها الثقافية والتربوية، وأنه ليسوؤها أن تأتي بمثل عن هذا التشجيع الذي خصها به عطوفة محافظ اللاذقية الأستاذ عادل بك العظمة فتنشر له كتابه لالمعرفة شاكرة له حسن تشجيعه: حضرة الفاضل الأستاذ السيد خالد علي محاسب مجلة المعرفة المحترم. تصفحت أحد أعداد مجلتكم الناشئة فتلمست مبلغ الجهد الذي يبذله الأساتذة القائمون على تحريرها، وتبين لدي الفائدة التي يجنيها الجيل الجديد من الأبحاث القيمة التي تعالجونها. فرأيت أن أساهم بواجبي في تشجيع أمثال مجلتكم الغراء بإرسال حوالة بمبلغ (128) ليرة سورية كبدل اشتراك عن عام كامل لمدارس محافظة اللاذقية المذكورة في القائمة ربطا كهدية شخصية مني راجيا قيد هذه الاشتراكات لديكم وإعلامي ودمتم محافظ اللاذقية عادل العظمة

دراسة الأدب

دراسة الأدب للأستاذ محمد روحي فيصل في المقدمة الرائعة التي مهّد الأستاذ غوستاف لانسون لمؤلفه الكبير [تاريخ الأدب الفرنسي] بحث عميق عن خير المناهج العلمية في دراسة الأدب الفرنسي وإنماء الذوق. نقتطف من هذا البحث الفصل التالي: زوّر بعض المؤلفين، في السنوات الأخيرة، صورة الأدب دراسة وتدريسا حين اتخذوه مادة لبرنامج مدرسي يجب أن يجوزه الطالب بأجمعه على كل حال، وأن يلتهمه كيفما اتفق، وبأسرع ما يستطيع، كيلا يسقط في فحصه. . . فإذا انتهى منه كما ينتهي من كل شيء في المدرسة، لم يعد يحظر على باله في حياته. وعلى هذا النحو من الحرص على تدريس الطالب كل شيء، ودراسة كل شيء، نصل إلى ضرب من المعرفة الحرفية ليست على شيء من القيمة الأدبية، ويصير الأدب بذلك إلى مجموعة جافة من الحوادث والصيغ خليقة أن تحدث القرف في العقول الناشئة حيال المؤلفات التي تصطنعها. هذا الخطأ التربوي العميق الشائع يتصل بخطأ آخر أشد عمقا وأكثر شيوعا. فقد أراد بعضهم أن يتخذ الأدب شكلا علميا، فلا ينظر إليه إلا على أنه نحو من المعرفة الموضوعية. وليس العلم نفسه ولا العلماء أنفسهم هم المسؤولون عن ذلك. ويؤسفني أن أذكر هنارينان كواحد من أصحاب ذلك الخطأ الذي ألاحظه. فقد سجل في كتابهمستقبل العلم هذه العبارة التي أحب أن لا أرى فيها إلا صورة من حماسة الشاب الذي تغمر الطراءة بداءاته في التحريات العلمية: إن دراسة تاريخ الأدب من شأنها أن تحل محل القراءة المباشرة لآثار العقل الإنساني. فهذه العبارة تعني أن لا مكان للأدب نفسه على الإطلاق، أو تعني أن له مكان الفرع من فروع التاريخ، تاريخ العادات أو تاريخ الأفكار. وإنما أولى بنا أن نقف على الآثار الأدبية نفسها، نقرؤها مباشرة وعلى الفور من أن تقف على الملخصات أو الكتب التي ندرسها. فما نفهم كيف يمكن أن يغنيتاريخ الفن عن النظر إلى اللوحات والتماثيل. وأمر الأدب في ذلك كأمر الفن لأغنية فيه عن النظر إلى الأثر ذاته وهو الذي يسجل وينفض شخصية صاحبه. فإذا كانت مطالعة النصوص الأصلية ليست

مصوّر التاريخ الأدبي، ولا هي مناطه وغايته فما يمكن أن يفيد منه المرء إلا معرفة جدباء لا قيمة لها. والذين يريدون لنا أن لا نعرف أكثر مما في المجموعات والكتب إنما يرجعون بنا القهقرى. باسم التقدم الذي يدعون، إلى أسوأ النقائص التي كان عليها العلم في القرون الوسطى. وما كان عصر النهضة الرينسانس رائعا ذا أثر عظيم إلا لأنه، كما ينبغي أن لا ننسى، قد بدأ عمله بالذهاب إلى النص القديم، وطرح الشروح التي بين يديه. ليس من شك في أن دراسة الأدب اليوم قد أصبحت لأغنية فيها عن الإطلاع الواسع الشامل، فما تستوي أحكامنا الأدبية، أو تتجه وجهة قويمة، إلا إذا تزودنا بطائفة من المعارف الصحيحة الموضوعية. هذا، ولسنا نعرف شيئا يفيد الباحث في الأدب مثل هذه المحاولات التي تصطنع طرائق العلم لتربط خواطرنا وانطباعاتنا بعضها ببعض، ولتمثل الدب في سيره ونموه وتطوره. بيد أن أمرين اثنين يجب أن لا نغفل هنا عن ذكرهما، أولهما أن تاريخ الأدب غايته رسم الأشخاص: وثانيهما أن تاريخ الأدب أساسه البصائر الفردية. كل همه كما ترى أن يبرزهما بالتجارب أو الطرائق التي يستطيع كل إنسان أن يعيدها ويتوسل بها، والتي تسوق واحدة عند الجميع، إنما يبرزهما باستخدام الملكات التي تسوق بالضرورة، لاختلافها بين إنسان وإنسان، إلى نتائج نسبية موقتة. وإذن فالمعرفة الأدبية ليست غايتها ولا وسائلهاعلمية في أدق ما لهذه الكلمة من المعاني. والشأن في الأدب كالشأن في الفن، لا غنية فيه عن النظر إلى الآثار، وهي - لقابليتها التي ليست بذات انتهاء ولا حدود - لا يستطيع امرؤ أن يجزم أنه أتى عليها واستهلك فحواها واستخلص دستورها. وهذا معناه أن الأدب ليس مادة علمية، إنما هو مران وذوق ولذة، لا نتدارسه ولا نتعلمه، لكن نمارسه ونتثقف به ونحبه. إن أصدق كلمة قيلت بحق الأدب هي كلمة ديكارت: مطالعة الكتب الجيدة أشبه بالحديث مع أشرف رجالات القرون الغابرة، وهو حديث لا يمنحوننا فبه إلا خير أفكارهم. فالرياضيون الذين أعرفهم يتسلون بالآداب، ويتفرجون على التمثيل، ويتصفحون الكتاب يجددون به خلق أنفسهم، هم عندي أصح فهما وأقوم سبيلا من أولئك الأدباء الذين أعرفهم لا يقرؤون الكتاب، لكن يعرّونه ثم يحسبون إنهم يحسنون صنعا حين يحيلون المطبوع الذي استولوا عليه إلى ما يشبه البطاقات واللوائح.

ذلك إن مناط الأدب أن يحدث قينا لذة، ولذة نفسية هي بمثابة إلهية عند ملكاتنا الفكرية، تخرج منها هذه الملكات وهي موفورة النشاط والمرونة والخصب. وكذلك يكون الدب أداة ثقاف باطني، فتلك وظيفته التي لا وظيفة له غيرها. للأدب مزية رائعة عليا، هي أنه يعودنا على التلذذ بالأفكار. إنه يجعل المرء يرى في مران عقله البهجة والراحة والتجدد، لقد ينشط بصاحبه إلى مشاغل المهنة. ويرتفع بالذهن فوق جميع المعارف والمنافع والمعتقدات المسلكية، وهو على الجملة يخرج بالاختصاصين إلى نطاق الإنسانية العام. ولعل العقول أحوج ما تكون اليوم إلى منازع الفلسفة منها في أي زمن مضى، ولكن الدراسات الفلسفية الخالصة لن يتلقاها الناس جميعا بالرضى والقبول. وإنما الأدب في اسمي معاني الكلمة، هو الذي يشيع الفلسفة بين الناس. فمن خلاله وبواسطته تتصل الجماعات البشرية بأعظم التيارات الفلسفية التي تحدّد مدى الرقي والتقدم أو تحدد مدى التبدلات الاجتماعية على الأقل، ثم إن الأدب هو الذي يبث في النفوس التي أنهكتها ضرورات العيش، وغمرتها مشاغل المادة، روح القلق إزاء كبريات المسائل والمشاكل التي تتصل بالحياة فتجعل لها معنى أو هدفا، وكثير من العاصرين يرون الدين إلى ذبول، والعلم نائيا، فليس لهم غير الأدب وحده من مشاركات تنتزعهم من تلك الأنانية الضيقة أو من تلك المهنة القاسية. إذا تقرر هذا كله، فما أقهم إذن كيف يدرسون الأدب لشيء غير التثقيف ولأمر غير اللذة. لا ريب في أن الذين يهيئون أنفسهم للتدريس إنما ينبغي لهم أن ينظموا معارفهم، وإن يخضعوا دراستهم للمناهج، يوجهونها وجهة المبادئ التي تفوق بدقتها وصحتها، وأن شئت فقل بروحها العلمية، ما يرضاه منها عادة هواة الآداب. بيد أن أمرين اثنين يجب أن لا نغفل هنا عن ذكرهما، أحدهما أن صاحب هذا العمل العلمي ربما صار أسوأ أستاذ أدب، لا يعمل على تنمية الذوق الأدبي عند الطلاب، ولا يدفع بهم إلى أن يجدوا في الأدب أقوى باعث على الفكر، وأدق منشط للعمل. وهذا ما يجب إن نرمي إليه من وراء دراسة الأدب، بدلا من أن نزود الطلاب بأجوبة يلفظونها في ساعة الفحص. أما الثاني فهو أن أحدا من الأساتذة لن يعرف كيف يكون لتدريسه أثر ومفعول، إذا لم يكن هو من هواة الأدب قبل أن يكون من علمائه. ثم إذا لم يكن قد ابتدأ بتثقيف نفسه بهذا الأدب الذي سيتخذه بعد حين أداة

ثقاف للآخرين، ثم إذا لم يكن أخيرا - في تحريه العلمي، وجمعه للمعارف المتعلقة بالآثار الأدبية - قد تحرى وجمع ليعمق فهمه ونقوى متعته. محمد روحي فيصل

نفسية مراهق

نفسيّة مراهق للدكتور: جميل محفوظ تجتاح البلاد أزمات كثيرة، مختلفة الأسباب، متباينة الجوهر، يحاول المخلصون من أبناء هذه الأمة على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم حلها كل حسب مهنته واختصاصه ونشاطه، ومن المشاكل التي استعصى حلها هي مشكلة - المراهقة - ونحن في دراستنا هذه نحاول معالجة المظاهر المختلفة لهذه الفترة من الحياة بصورة موضوعية، مبتعدين عن استحسان أو نقد، وغايتنا من هذه الدراسة: 1 - معرفة طبيعة ونفسية من يمر بهذه المرحلة الصعبة من الحياة كي نتقدم إليه بتربية حكيمة، نتلاءم وروحه الثائرة، وتساعده في نموه الطبيعي عوضا عن معاكسته وقتل مواهبه إذا جهلنا ما انطوت عليه نفسه. 2 - توجيه أنظار المربين، والآباء، وقادة فرق الشباب، إلى ضرورة المراهقين والعناية بهم عناية خاصة. لقد كثرت دراسة نفسيات المراهقين منذ الحرب العالمية الأولى وبصورة خاصة قبيل الحرب الأخيرة، لن الشباب هو ركن متين في تشييد كيان الأمم. وعلى سواعده تبنى سيادتها وقواتها، أما المماليك التي ساهمت في هذه الدراسات وكثرت عنايتها بمنظمات الشباب فهي: أمريكا وفرنسا وايطاليا وسويسرا وألمانيا وإنكلترا ولا شك بأن عظمة الأمم وحيوتها تتجلى بروح النظام السائدة والاندفاع الموجه نحو غايات سليمة. إن كثرة هذه الدراسات في البلاد الغربية أتت بنتائج طيبة، وعلى أساسها نظمت البرامج الدراسية، وعولجت الأمراض، وقام أولو الأمر بتشكيلات تتماشى مع روح الشباب فساعدتهم في نموهم الجسمي والعقلي، وبالمقابل فقد استفادت من قواهم الكامنة واستخدامها في الأعمال العامة. أما نحن فإننا لا نزال في طور التجارب والتخمين إذ لم يتقدم علماؤنا بدراسة من هذا النوع، ولم يستند المسؤلون في تنظيم شبابنا حينما حاولوا ذلك على المبادئ العلمية التي عرفت وأصبحت نورا يقتبس منه من يرغب في الإصلاح وإن لم تكن ثابتة نهائيا. وسأحاول فيما يأتي معالجة نفسية الشباب وإظهار مدى الفوائد تجنيها البلاد إذا اهتمت بهم

الاهتمام اللازم، ولا داعي وصف نفسية المراهق، في هذا البحث بصورة دقيقة، ومعرفة خفاياها، إنما أرغب على الأقل أظهار بعض صفات بارزة خاصة بهذه المرحلة من النمو. ولنحدد قبل البدء بالبحث سن المراهقة: لقد اختلفت آراء العلماء في تحديدها كماً ولم يختلفوا في تحديدها كيفياً. فهي فترة الأزمة في الميل إلى الغريب - تبدأ هذه الأزمة منذ البلوغ أي بعد انتهاء سن الطفولة وتضمحل حوالي الثامنة عشرة إلى الحادي والعشرين أي مع ابتداء سن الرشد، وهي اضطرابات نفسية تنتج عن تغير عميق في الحيلة العقلية، تزول حينما يتمكن المراهق من التكيف مع المحيط. تطول مدتها أو تقصر بالنظر للأشخاص وطرز حياتهم، تقصر مدتها لدى الفتيان الذين يدخلون معترك تدفعهم الحياة بصورة مبكرة، تدفعهم إلى ذلك حاجة ماسة (كسب الرزق مثلاً). وتطول مدتها حينما يمدد الطالب أيام دراسته. ومع ذلك فإن كل اضطراب يزول منهما امتدت الأزمة. تبدأ الأزمة مع تكون الوظيفة التناسلية فتنقبض النفس انقباضا عذباً ويتطلع المراهق إلى المستقبل. تتفتح آفاق الثقافة والحياة الاجتماعية، وتزيد الحساسية التناسلية وتتكامل في سكون تأملي يرافقه تفكير ساذج. يتولد لديه ذوق في الأحلام، والحياة الشاعرة، التجرد، ويصبح إحساساً لدرجة مرضية. ظهور الأزمة وتطورها يمكن تحديد ظهور الأزمة في سن / 15 / عند الشباب و / 14 / عند الفتيات. ولقد دلت أجوبة الشباب وما سجلوه في مذكراتهم وذكريات الراشدين بعد مرورهم بمرحلة المراهقة على حقيقة ما ذكرناه. وهناك حالات شاذة، إذ تظهر الأزمة متأخرة حوالي (16 - 18) أو متقدمة حوالي (11) وتظهر إذن مع البلوغ ونطلق عليها اسم - البلوغ العقلي أو الروحي. فالمراهقة تبدو لنا على شكلين أولهما فيزيولوجي، أي تكامل الوظائف التناسلية والثاني نفسي وعناصره هي ظهور الشخصية، والميول الاجتماعية واكتشاف القيم الروحية. ولا شك بأن البلوغ النفسي هي تكوين للإنسان، وليس للأزمة من ضرورة إذا لم تظهر الشخصية والشعور بالذات. إن احتكاك المتبادل بين الأفراد وملاحظة الواحد الآخر والحب والنفور، والخوف أو الرضى كلها عوامل في تكوين البلوغ الروحي، ولا تكون هذه

الأزمة، إلا صورة خاصة وضرورية لهذه المرحلة من الحياة. أما انبثاق هذه الأزمة الفجائية فترجع إلى أسباب متباينة، منها المهم ومنها التافه: موت شخص عزيز أو بعده أو تغير فجائي في الحياة أو خيبة أمل، أو إخفاق في فحص، أو حب مخذول، أو ملاحظة أستاذ، أو نزهة في الهواء الطلق والحقول. إن تحديد ظهور الأزمة وإرجاعها إلى أسباب يفيدنا في معرفة الزمن الذي انفجرت به وأصبحت مرئية ظاهرة. غير أن الأسباب الجوهرية هي أعمق وأبعد من أن تكون ظاهرة عرضية، فهي اضطرابات نفسية سابقة وداخلية. وعندما تصادف المراهق صعوبة ما وصدمة تنفجر نفسه بصورة فجائية وعنيفة عن أزمة غريبة. . كتب شاتوبريان في مذكراته بأن المرء ينام طفلاً ويستيقظ رجلاً. لا شك في ذلك، إذ أن الأزمة تنمو بصورة خفية قبل بزوغها يدعمها شعور ذاتي ضعيف يستولي بصورة تدريجية على ساحة الشعور، ويهز كوامن النفس العميقة والمستترة وحينذاك يسمح لنا بالكلام عن أزمة حقيقية. وما قول نيتش بأنها تتولد أنياً إلا محض وهم يتصوره تفكير الراشد الذي ابتعد عن حياة المراهقة. ويمكننا أن نجمع الأشكال المختلفة التي تظهر بها الأزمة بفكرتين أساسيتين: - الرغبة في إدهاش الغير - الشعور بالذات وتكوين الشخصية. أما الميل إلى إدهاش الناس فإنه يظهر بين 14 و 16 سنة. يختلف المراهق في تفكيره عن غيره ويتكلم لغة خاصة فيها تعابير مصطنعة تعجب من حوله. وبعد انتهاء هذه المرحلة تبدأ مرحلة التثقيف الذاتي وهي سن الرجوع إلى النفس، والخلوة، حيث يكتشف المراهقون والمراهقات، وهم معجبون، تلك الثروة الفكرية الثمينة التي يملكونها. تتلاشى الأزمة رويداً رويداً حوالي التاسعة عشرة حتى الواحدة والعشرين، ليحل محلها توازن جديد، ويرجع المراهق على الحال الطبيعي. ثم قوي، ولا تظهر الرغبة الأولية على شكل حب في الانفراد فحسب بل هي هوىّ ننتقل بعد إن تكلمنا عن الناحية الذاتية للازمة إلى ما يرافقها من ثورة ضد كل من يقف عثرة في سبيل تكوين الشخصية أي ضد البيئة وهذا ما نسميه الشكل الاجتماعي، يقابله الشكل الفردي.

إن دراسة الأزمة من الناحية الاجتماعية ضروري لاسيما وأن كثيرا من المراهقين يكبتون عواطفهم الفردية، ولولا ثورتهم ضد التقاليد الاجتماعية وحنقهم على المجتمع لظنَ بأنهم هادئون، رغم الأزمة التي تقض مضاجعهم. ثورة الشباب تظهر بعد علائم الثورة في نهاية مرحلة الطفولة وعلى عتبة مرحلة المراهقة. فترى مظاهر الغضب تطغي على سلوك الولد الهادئ الساكن، يجيب بلهجة تهجمية قاسية على حديثنا مهما كان هادئا، ن وتثور حفيظته بدون سبب، ويتألم لأمر يتلقاه من أستاذه أو أهله، ويظن بأنها أمور لا يمكن تحملها، لا يرضى عن حديث والده المملوء بالحنوّ كي لا يعامل كطفل، بينما هو شاب ذو شخصية وكيان. ينفرد بنفسه ويلتزم الصمت فيتخيل للراشد بأن المراهق كثير الاحترام بينما هو ساخر حانق على كل ما يتراءى له قوة وضغطا أي حانق على والديه وأساتذته. ولا ينتبه إلى النصائح إلا بغية التخلص بسرعة ممن ينصحه، ويعكف على نفسه ضاربا بما سمع عرض الحائط. إن الأشكال التي يظهر بها هذا العصيان هي: ثورة ضد العائلة، والمدرسة، والطقوس الدينية، والحكومة، والبلدة، والتقاليد، وبصورة خاصة ضد الحياة الاجتماعية، هي مقاومة سلبية. وتختلف حسب الأفراد وحسب أعمارهم. نجد إذن عند المراهق هذا الشعور الحانق ضد الضغط والميل نحو الحرية لدرجة المبالغة والسرور في مقاومة الراشد فهم غريبون عن هذا المجتمع الذي لا يعرفونه جيدا وهم ثائرون. الثورة ضد العائلة لقد بين العلماء - وكابو - شدة الثورة على العائلة بأمثلة نذكر منها ما يلي: كتبت فتاة في مذكراتها: إن والدي قاسيان جداً، أشعر بخوف غريزي نحو والدي، وإنني لا أجرا على الاقتراب منه، أما والدتي فهي طيبة غير أنها لا تفهمني، تعاملني كطفلة. وكتبت أخرى: كنت أشعر في سن / 12 إلى 15 سنة / بأنه لا يوجد شيء في العالم لا يمكني معرفته، أما محاكمتي فهي أفضل من محاكمة والدتي، كنت ثائرة، وقد تؤدي هذه المشاحنة بين الفتيان أو الفتيات وأهلهن إلى الهرب من الدار. .

ولقد لوحظ بأن الهرب يكون غالبا لدى المراهقين في سن الأزمة. عدد لانكاستر أمثلة كثيرة عن الفتيان الأميركيين الذين كانوا يشعرون بنقص في الهواء في دورهم ويرون ضرورة تركها. وهناك عوامل مختلفة تسبب هذا الهرب يمكن أن نذكر منها بعض الحالات، كهرب ناتج عن صدمة عاطفية ولدت هذا الميل إلى الابتعاد عن العائلة وعن الناس أجمع. وهذا ما يشاهد على أثر اختلاف بين الفرد وعائلته أو عن فضول قوي يدفعه إلى المخاطرة أو عن هيمان عنيف. ومهما كان السبب نرى بان العامل الأول هو رد فعل ناشئ عن ضغط غير محتمل. وهو بادرة يقصد منها الدفاع عن النفس أمام خطر مداهم، فالهرب يكون في سبيل التفتيش عن ملجأ هادئ ساكن. ويظهر لنا من هذا التحليل السريع بأنه واسطة لبروز الشخصية التي تصمد للغير وتشعر باستقلال ذاتي. جميل محفوظ

قصة أم

قصة أم تأليف: الكاتب الدنمركي العالمي أندرس تعريب: الأستاذ خالد قوطرش جثت الم على مقربة من مهد طفلها المحتضر، تراقب وجهه المصفر وعينيه المغمضتين، وتستمع، قلقة، إلى تنفسه البطيء الشبيه بالأنين، فكانت في حالها هذه تبعث الرأفة في القلوب أكثر من المخلوق الصغير. طرق الباب ودخل عليها شبح تزيا بزي رجل هرم، قد عضه الفقر بنابه وقوست الأيام ظهره وكلل الشيب شعره، متدثرا بدثار غليظ خشن، يرد عنه برد الشتاء القارس، وكان الثلج يعطي وجه الأرض ويجلبب الجبال والروابي بغلائل بيضاء ناصعة، والريح الزمهرير تعتو عتوا وتصفع الوجه صفعا. نهضت الأم، بعد أن رأت ابنها قد غفا إغفاءة قصيرة، ووضعت على المدفأة أبريق شراب ليرسل الدفء في جسم الزائر الفقير. جلس الفقير الهرم على مقربة من الطفل وشرع يهلل، وجلست الأم أيضا تتأمل طفلها الشاحب المريض، واضعة يده الصغيرة بين راحتيها. ثم سألت: - ألا تظن باني سأحتفظ بولدي! ألا تظن بأن الله الكريم لن يأخذه مني؟ فأشار الزائر، وهو الموت، إشارة برأسه، تدل في وقت معا على النفي والإثبات، وعلى حين غرة، أخذت الأم سنة من النوم، استيقظت بعدها مرتعشة، ترتجف من البرد، كعصفور لطمته عاصفة جامحة، تنظر إلى حولها، وتصيح: - ما هذا؟! لقد ذهب الموت بالطفل. وهناك في زاوية الغرفة ترسل ساعة الجدار عالية رتيبة، ووهلة سقط رقاصها، فلم يرفعه أحد وصمتت الساعة إلى الأبد. . هجرت الأم الدار هائمة تنادي طفلها، فصادفتها امرأة متشحة بوشاح أسود فاحم، تفترش الثلج وتقول لها: - أيتها الأم المسكينة! رأيت الموت يدخل دارك، ثم يخرج حاملا طفلك، يعدو عدو الريح ومن عادته ألا يرد فريسته.

فارتمت الأم على قدميها متوسلة متضرعة وهي تقول: - إلى أية جهة اتجه! دليني بربك إلى طريقه. سأدركه وان خال أن المنتأى عنه واسع. فأجابت المرأة المتشحة بالسواد: - أعلم الطريق التي سلكها الموت، ولكن قبل أن أرشدك إليه، أريد أن أسمع الأناشيد التي كنت تنشدينها لطفلك. فأنني أحبها وأحب صوتك الرخيم. أنا الليل فطالما أرهفت سمعي إلى أغانيكن ولمحت العبرات تتماوج في مآقيك وأنت تهللين. - آه! سأغنيها لك! سأغنيها جميعا ولكن ليس الآن. دعني الحق الموت وأجد ولدي. سكت الليل. فبسطت الأم ذراعيها وأخذت تغني، باكية منتحبة، تنهمر من مآقيها مدامع حارة، كانت تحفظ أغاني كثيرة ولكن نفسها جاشت بالبكاء أكثر من الغناء. وأخيرا تكلم الليل: - سيري إلى الأمام واجنحي على الغابة الظلماء، فمن هنا فر الموت بولدك وفلذة كبدك، أو غلت الأم في الغابة، مسرعة، فانتهت إلى مفرق طرق احتارت أيها تسلك ولم تبصر أمامها شيئا تستعين به على الخلاص من حيرتها الأشحيرات شائكة جرداء عديمة الورق والزهر، قد أحرقها القر ولحفها الجليد. فسألتها الأم: - ألم تبصري الموت حاملا ولدي؟ فأجابها الشوك: - أجل رأيته! ضميني إلى صدرك وأنعشيني بحرارة أنفاسك لأرشدك إلى طريقه. لقد كفاني ما أعاني من البرد وما أكابد من الجليد. فضمت الشوك إلى صدرها وأدفأته بأنفاسها فاخترق لحمها وأراق دمها. ولكن الشوك أخضر وأزهر وسط هذه الليلة الليلاء الباردة لكثرة الحرارة التي استمدها من قلب أم ثكلى. وحثت خطاها في طريق الموت تطلب لقيانه، فبلغت شاطئ بحيرة مترامية الأطراف بعيدة الغور لا سفينة فيها ولا قارب. ولم تكن متجمدة تجمداً قوياً عاماً لتجتازها مشيا على الأقدام. ولكنها في الوقت ذاته، مضطرة إلى قطعها مهما بلغ بها الأمر لتجد ولدها. فانطرحت إلى الأرض يدفعها الحب النبوي. محاولة ابتلاع ماء البحيرة. كانت تعلم أن ذلك مستحيل ولكنها كانت واثقة أيضاً بأن الله الرحيم سيضع معجزة، فقال البحيرة:

- عبثاً تحاولين. كوني عاقلة، وإذا كنت ترغبين في مساعدتي فاذرفي الدمع سخيناً، حتى تسقط عيناك من شدة البكاء، لأني أريد أن أحصل إلى جانب اللآلئ المودعة في أعماقي، على حدقتيك البراقتين التين لا يضاهيهما أسمى اللآلئ. فأحملك عندئذ إلى شاطئي الآخر، حيث يعنى الموت بأشجار وأزهار مغروسة هناك، تدل كل واحدة منها على حياة مخلوق آدمي. فأجابت الأم: - معاذا لله أن أضن بشيء في سبيل ولدي! من كان يظن بأنها تستطيع أن تبكي أيضاً وتسكب الدموع؟ ومن كان يظن؟ ولكنها بكت أكثر مما بكت، فسقطت عيناها من محجريهما واستقرتا في أعماق البحيرة، وقد تحولتا إلى لؤلؤتين ما ملكت البحيرة أكرم منهما ولن تملك. فرفعت البحيرة الأم وإذا بها تقف على الشاطئ الآخر حيث يقوم عليه صرح يبلغ طوله فرسخاً أو أكثر، يتراءى من بعيد كدر شيدتها يد فنان ماهر أو كطود شامخ رفيع تظلله الأشجار وتعبقه الأنوار. ولكن الأم المسكينة لم تستطع أن ترى شيئاً لأنها جادت بعينيها. فصاحت واليأس آخذ منها مأخذه: - أني لي أن أجد الموت الذي نزع مني طفلي؟ فأجبتها عجوز طيبة تجوس حول الطود وتعني بالنباتات: - وكيف وصلت إلى هنا ومن ذلك على الطريق؟ فأجابت: - لقد ساعدني الله الذي يساعد البائسات أمثالي. وأنت أيضاً ستشفقين علي وتساعدينني. حدثيني، أين أجد ولدي العزيز؟ فأجابت العجوز: - لا أعرفه. وأنت عمياء لا تستطيعين أن تبصري ما في هذه الحديقة من أزهار ونباتات وأشجار، قد ذبل بعضها هذه الليلة، وسيأتي الموت بعد هنيهة ليقلعها. إنك تعلمين ولا شك أن لكل مخلوق آدمي في هذا المكان شجرة أو زهرة تدل على عمره وهي تموت بموته.

إن منظر هذه النباتات يدل على أنها نباتات عادية ولكن عندما يمسكها المرء يشعر بأن لها قلوبا تخفق. مري بيدك فوقها فلعلك تعرفين دقات قلب ولدك. - ثم ماذا تعطيني إذا علمتك أشياء أخرى يجب أن يكون لك علم بها؟ فقالت الأم المحزونة: - لا شيء عندي أهديه ولا نظر. ولكنني مستعدة أن أطوف العالم وأحمل إليك ما يرضيك. فأجابت العجوز: - أعطيني شعرك الأسود الفاحم لأستبدله بشعري الأبيض، فأنت تعلمين كم هو جميل هذا الشعر! - أهذا كل ما تطلبينه؟ هاك خذيه. فقلعت شعرها الأفحم الجميل الطويل، شعرها الذي كان مصدر خيلائها اذ كانت بهيجة. واستضاعت عنه بشعر أبيض قصير قبيح. فأمسكت العجوز يد الأم وأدخلتها إلى الصرح العظيم الذي جمعت حوله نباتا غريبة متشابكة وأجراس براقة كأنها الياقوت، وصلبان بعضها صغير وبعضها ضخم منتفخ. ومستنقع حوى مزروعات خضراء ونصف خضراء، التفت حول جذورها الأفاعي. وهناك إلى الجانب الأخر تنتصب أشجار البلوط والدلب والنخيل وفي جهة أخرى يمتد نبات البقدونس والسعتر وغيرها من النباتات المفيدة، وشجيرات زرعت في أصص ضيقة تحاول أن تنفجر. وزهور شيطانية مغروسة في أوان فخارية عني بها عناية تامة. جميع هذه النباتات تدل على حياة البشر الذين يعيشون الآن على أديم الأرض من أقاصي الصين إلى جزر غروآنلاند. كانت العجوز تريد أن تشرح للأم كل ما في هذا المكان من أشياء غريبة ولكن الأم كانت تتلهف إلى لقاء ولدها. فرجتها أن تقودها إلى مقربة من النباتات الصغيرة. وبدأت تمر بيدها من فوقها. وأخيرا وبعد أن جاست يدها حول آلاف الشجيرات، عرفت الأم خفقان قلب ابنها، فصاحت باسطة يدها المقوصة الهزيلة: - هذا هو! فقالت العجوز:

- لا تمسيها. قفي مكانك. وعندما يعود الموت عما قريب دافعي عن هذه النبتة وهدديه بقطع جميع الزهرات المغروسة حولها. سيخاف لأنه مسئول عنها أمام الله. ولا يجب أن تقلع نبتة دون أذن منه. وهبت في تلك الأثناء ريح قاسية. تنبأت الأم على أثر هبوبها بأن الموت يقترب. - كيف وصلت إلى هنا؟ سألها الموت. لقد وصلت أيضاً قبلي؟ كيف حصل ذلك؟ كيف حصل ذلك؟ - إنني أم! أجابت المرأة. ومد الموت يده الطويلة العقفاء نحو النبتة الصغيرة الصفراء. فبادرت الأم لتحميها وقبضت عليها بيديها، قبضة قوية متحاشية في الوقت نفسه إيذاءها، أو قطع ورقة من أوراقها. فنفخ الموت على يديها نفخة باردة كبرودة رياح الشتاء أو أشد. فشعرت بشلل يدب فيهما وتراختا بغير عناء. فقال الموت: - إنك لا تستطيعين مقاومتي! - إن الله أقوى منك. - أجل! ولكن لا أعمل عملا بدون إرادته. فأنا بستاني عند الله. أتعهد هذه النباتات، وعندما تيبس أقلعها من هنا لا غرسها هناك في الجنة الكبرى أو جنائن أخرى. إنها بقاع قصية مجهولة تستطيع أن أفصل لك عنها أي تفصيل. فصاحت الأم: - الرحمة! الرحمة! لا تسلبني ولدي. ولما رأت الموت لا يصغي إلى توسلاتها، قبضت فجأة على زهرتين جميلتين وقالت: انظر، سأقلعهما وأقلع كل ما حولهما، إنك تدفعني إلى اليأس. فصاح الموت: - إياك أن تقلعي شيئاً. تقولين أنك حزينة وتريدين أن تحزني قلب أم ثانية. - أم ثانية؟! قالت ذلك وتركت الزهرات في الحال. - خذي! هاهما عيناك. التقطتهما من البحيرة. إنهما تشعان شعاعاً نافذاً، فقد كشفت عنهما

الغطاء وبصرك اليوم حديد. انظري إلى أعماق هذه البئر، لتعلمي أية سعادة تقوضين، إذا قلعت الأزهار. وستبصرين على صفحة الماء المصير المقدر لكل زهرة، بل المصير الخبيء لولدك إذا امتدت به الحياة. وحنت على البئر، فآنست صوراً من السعادة والفرح والضحك، ثم عقبتها صور من البؤس والحزن واليأس. فقال الموت: - هذه وتلك مشيئة الله. - ولكن لم أستبن فيما استبان لي ما سيقدر لولدي. - لا أقول لك شيئاً. ولكن أطلعتك على كل ما سيحصل لابنك في الدنيا من سعادة وشقاء. فارتمت الأم على أقدام الموت تتمرغ باكية صائحة: - أرجوك. قل لي. هل نصيبه ذاك المصير المفجع؟ كلا، أليس كذلك؟ قل لي! ألا تريد أن تجيب؟ آه! خذه إذا لم توضح لي عن مصيره الوضوح الكافي. فلا أريد أن يخاطر ولدي في فواجع كهذه. إني أحبه أكثر من نفسي. ولا أتألم وحدي خذه إلى عالم السماوات. وانس دموعي وتوسلاتي. وانس كل ما قلت وما فعلت. - لا أفهمك أيتها الأم! فماذا تريدين: نعم أم لا؟ هل تريدين أن أطير به إلى عالم مجهول لا أستطيع أن أحدثك عنه؟ فركعت الأم مذعنة، باسطة ذراعيها نحو السماء وقالت: لا تسمع قولي يا إلهي! إذا كان يخالف إرادتك الرحيمة. لا تسمع قولي ولا تقبل عذري. وهوى رأسها على الضلوع بعد طول العذاب، أصفر الوجه، هامد الأهداب، كميت لم يغيب بلحده، يظللها ليل من الهم أيهم. ثم اقتلع الموت النبتة الصغيرة وطار بها ليغرسها من جديد في الروضة المجهولة. خالد قوطرش

مدرسة نجوم الأطفال

مدرسة نجوم الأطفال شاعت في أوروبا وأمريكا منذ حين، فكرة إقامة معاهد خاصة لتدريب الأطفال على فنون التمثيل والقص والغناء، وتعهد ذوي المواهب والنابغين منهم بالتوجيه الفني لتهيئتهم للظهور على الشاشة أو لاعتلاء خشبة المسرح. وقد نجحت الفكرة وصادفت تشجيعا كبيرا من الكثيرين والكثيرات، فأنشئت عدة مدارس من هذا النوع في بعض العواصم الأوروبية والأمريكية ومن أهم هذه المعاهد مدرسة عايدة فوستر بلندن. ولا يقبل الطفل بالمدرسة إلا إذا جاز اختبارا خاصا لمعرفة ميوله الفنية ومدى استعداده وعلى ضوء هذا الاختبار يدر به فريق من الأخصائيين والأخصائيات في الناحية التي تتفق ومواهبه. . . ويتوقع القائمون بأمر هذه المعاهد إلا تمضي سنوات حتى تتلألأ في سماء الفن نخبة جديدة من الكواكب اللامعة. الهلال

الموسيقا في مدارسنا

الموسيقا في مدارسنا للأستاذ نعيم الحمصي قلت في العدد السابق أن تذوق الأدب لا يتم لمتأدب إلا إذا كان ذوقه العام سليماً نامياً، وان ضعف ذوق الطلاب الأدبي راجع إلى ضعفهم في تذوق وممارسة الفنون الجميلة الأخرى، وفي قدر كبير منه، إلى جانب عدم تعلمهم العربية بطريقة صحيحة طبيعية. وقلت أيضاً أن البيئة المحيطة بأكثر الطلاب لا تساعد على نمو الروح الفنية وبالتالي لا تساعد على رقي الفنون الجميلة وإرهاف الحس، وأن واجب المدرسة والحالة ما ترى أن تقوم مقام الأسرة أيضاً في تنمية الذوق الفني فيكون واجب المدرسة نحو الطفل مضاعفاً. ولكن المدرسة نفسها لم تقم بواجبها في هذا السبيل، فيا اعتقدت أنا ويعتقد غيري أيضاً، ولم تسلك السبيل القويم إلى تربية ملكات الطفل والملكات الفنية منها خاصة وسأكتفي في مقالي الحاضر بالحديث عن الموسيقا مرجئاً الكلام على الفنون الجميلة الأخرى إلى الأعداد القادمة فأقول: إن كثيراً من الطلاب فقراء فليس في بيوتهم مذياع يسمعون منه قطعاً موسيقية وغنائية بل الحقيقة الواقعة إن كثيراً من الأدباء يرون في سماع الموسيقا والغناء ضرباً من اللهو المكروه لم يكن يسمح لهم به لما كانوا بدورهم صغارا وقد ينكر بعض الناس وجود مثل هؤلاء الآباء ولكني أؤكد له أنهم موجودون وكثير عددهم أيضاً. وسواء أكان الباعث على هذا فقرهم الذي يدفعهم إلى الترويج عن النفس بالعصبية الدينية أم حب الحافظة على التقاليد والإيمان بمخالفة الفنون الجميلة للدين إيماناً صادقاً حقاً فالذي يعنيني هو أثرهم في خنق الروح الفنية في أطفالهم إن لم تتلاف المدرسة ذلك وتستأصل بروز الضعف من أساسها. والأسر التي يتوفر في أفرادها الموهبة الفنية والعزف على إحدى الآلات الموسيقية قليلة لا يعني وجودها أن الذوق الموسيقي منتشر في أوساط الناس إلى حد يرضى عنه. ومن المفيد أن ننتبه إلى أنه ليست كل قطعة موسيقية أو غنائية تعزف على أي آلة من آلات الطرب تساعد على رقي الذوق الفني بل إن لحسن الاختيار أثره والنقد الفني الموسيقي لم ينضج بعد في بيئتنا النضوج الكافي فالموسيقا الراقية الملائمة لبيئتنا هي

وحدها القادرة على بعث الفن وتنمية المواهب فينا. ويجب أن نراعي الطور الدقيق من أطوار حياتنا الذي نجتازه اليوم فليس هو بالشرقي الصرف ولا هو بالغربي فلا أرى أن القطع الشرقية اللدنة ترضي نفوسنا بل هي تملها وتنميها كما لا أرى أن الموسيقا الحديثة الأمريكية التي تمثل الح0ياة الصاخبة في تلك البيئة بما فيها من معامل ودوي آلات مما يلائم نفوسنا التي تحيا في بيئة مشرقة هادئة، وأعتقد أن خير ما يلائمها في هذا الطور هو القطع الكلاسيكية الغربية وبعض القطع الشرقية الموفقة. ولأرجع الآن إلى نفس النقطة التي بدأت منها فأتساءل ماذا عملت المدرسة في هذا السبيل؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة ما يلي: 1 - ما هو هدف الوزارة المعارف من تدريس الموسيقا في المدارس؟ وما هي المناهج والمواد التي وضعتها لبلوغه - فغاية كل مدرس موسيقا أن يستطيع بلوغ هذا الهدف بإتباع ما توصيه الوزارة به وما تخطه له - وهل هذا الهدف كاف في تربية الذوق الفني لدى التلاميذ؟. 2 - كيف تدرس الموسيقا فعلاً في المدارس؟ وهل يؤدي وجود ساعات لدراسة الموسيقا في جدول الميقات الأسبوعي إلى تحقيق غاية المعارف أولاً وإلى تحقيق التربية الفنية التي نريدها ثانياً. وبعد الكلام عن هاتين النقطتين أقدم من الاقتراحات ما أراه صالحاً لبعث الروح الفنية وتقويتها. هدف الوزارة المعارف ومناهجها لم يتناول المربي الكبير الأستاذ ساطع الحصري في تقاريره نقد الحالة التي تدرس فيها الفنون الجميلة في المدارس الرسمية. ولم تنل قسطها من الإصلاح في البرنامج الجديد، فبقيت كما هي في البرنامج القديم وهذا البرنامج لم يذكر في المقدمة الغاية التي من أجلها تدرس الموسيقا في المدرسة بل قال: الموسيقا بما فيها من نواح مختلفة يجب أن ترافق الطفل من صفوف الحضانة وحدائق الأطفال حتى نهاية حياته المدرسية وهي كلغة من اللغات يجب أن يبدأ بها كما يبدأ بالتهجي بطرق جذابة تتضمن قسطا وافراً من التربية الحديثة يلقنها معلم اختصاصي بهذا الفن ولكن عدم وجود نص على الهدف في البرنامج لا

يعني أن هذا الدرس لا هدف له. ويمكننا من قراءة البرنامج أن ندرك أنه يهدف إلى تربية الذوق الفني الموسيقي عند التلاميذ وإن لم ينص على ذلك صراحة وهو يبغي تحقيق هدفه بوسيلتين: آ) أولاهما تهذيب أذن الطالب وصوته وحنجرته وهذا يتضح في برنامج صف الحضانة إذ نص على أن الطلاب يتلقون أناشيد بسيطة التلحين مصحوبة بإشارات تقليدية تلقن بالسماع، وفي برنامج الصف الأول: سماع الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية بالأسطوانات، وفي برنامج الصف الثاني ففيه: تهذيب الصوت والأذن وتدريب الحنجرة على لفظ الأصوات السبعة في ارتفاعها وهبوطها تدريجيا ويقتصر على العلامات المستديرة فقط. ب) وثانيتهما تعليم الطالب نظريات الموسيقا تعليما نظريا بحيث ينتهي الطالب من دراسته الابتدائية وهو يعرف القراءة الموسيقية الموزونة بالمقاييس وقراءة الأناشيد والألحان. . . وإيضاح بعض المصطلحات ونبذة من تاريخ الموسيقا وفكرة بسيطة عن النغمتين البالغة والقاصرة الخ. . . وبالاختصار ينتهي الطالب من دراسته الابتدائية وعنده ثقافة موسيقية كافية، ولكن الناحية النظرية مع الأسف هي الغالبة فيها. والمفروض أن الأستاذ سيعلمه كل هذه الدروس مستعيناً بالآلات الموسيقية وحمل التلاميذ على محاكاتها بأصواتهم وبحفظها في صورتها الجافة العلمية عن ظهر قلب، ولكن يظهر بوضوح من تلاوة البرنامج كله أن دور الطالب حين تعلمه نظريات الموسيقا هو دور سلبي ينفر التلميذ من الموسيقا أكثر مما يحببه بها وهو لن يجبها إلا إذا مارسها بصورة عملية واستطاعت يده أن تعرف ما يتلقاه نظريا ويتم له الانسجام والتجاوب النفسي والحسي بين أنامله وأذنه وحنجرته ومعلوماته الموسيقية النظرية. فالناحية العلمية الإيجابية التي لها القيمة العظمى في تطوين الذوق الفني لدى الطفل هي مفقودة ولكني أقول حتى لا أغمط البرنامج حقه أنه طلب من المعلم في الصف الخامس أن يعلم طلابه أناشيد مع مرافقة الآلات الهوائية (كالفيفرة) وهي جملة غامضة قد يفهم منها أن الطلاب أنفسهم يجب أن يرافقوا بهذه الآلات الأناشيد فبعضهم ينشد وبعضهم ينفخ، ويكون البرنامج في هذه الحالة قد أوصى بالناحية العملية أيضاً ويكون حقاً كاملاً أو قريباً من الكامل، وقد يفهم منا أن الأستاذ هو الذي يرافق بآلته التلاميذ وهم

ينشدون وأرجح أن واضع البرنامج يريد هذا المعنى الأخير. فالذي يلاحظ على البرنامج هو إهماله الناحية العملية وإسرافه في الناحية النظرية إسرافاً يجعل من الصعب جداً على التلميذ حفظ مواده من دون أن يشعر بلذة مداعبة الأوتار في تطبيقها وأنه لم يراع أن الطالب لابد أن تتبخر هذه المعلومات النظرية من ذاكرته فينساها سريعاً، وإذا فرضنا المستحيل وزعمنا أنه استطاع حفظها وفهمها فلا يكون لنا من تحقيق هدفنا إلا الأسف على وقته وجهده الضائعين. وكل ما يستفيد الطالب هو تربية إذنه بسماع الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية، وتربية صوته بحفظ بعض الأناشيد. 2 - كيف تدرس الموسيقا في المدارس الرسمية؟ أرى أن أجعل الكلام على هذه النقطة وفق مراحل التعليم الموسيقا في المدارس الرسمية فأذكر حالة الموسيقا في الحضانة وفي المدارس الابتدائية وفي المدارس الثانوية، فليس الأمر واحد في ثلاثتهن ففي الحضانة يطبق البرنامج فيما اعتقد تطبيقاً صحيحاً فالطفل فيها يتعلم كما يقول البرنامج أناشيد بسيطة التلحين مصحوبة بإشارات تقليدية تلقن بالسماع وأظن أن الوسائل كافية لتعليم الطفل هذا البرنامج ولكن النقص هنا يأتي من قلة مدارس الحضانة نفسها فهي ليست موجودة في كل حي وليست معممة في كل سورية وعدد هذه المدارس الذي لا يتجاوز في سورية عدد أصابع اليد لا يعني أنه عندنا مدارس حضانة تهدف، فيما تهدف إليه، إلى تربية الذوق الفني لدى الطفل فأغلب أطفالنا متروكون حتى نهاية السنة السادسة من أعمارهم إلى أمهاتهم الجاهلات وهم غي هذا العهد أحوج ما يكونون إلى مدارس الحضانة التي تتعهد ملكاتهم وقواهم وأذواقهم بالتربية الصحيحة وتجنبهم اكتساب عادات سيئة. وواجب معلمات الحضانة أن يتصلن بأمهات الأطفال الجاهلات في دورهن وإلقاء محاضرات عليهن تعلمهن الخطة المثلى التي يجب عليهن إتباعها مع أطفالهن كيلا يحصل تضارب بين البيت والمدرسة فيضيع ذاك ما تكسبه هذه ومنها هذه الناحية الموسيقية الفنية. أما في المدارس الابتدائية فيلاحظ مايلي: 1 - لا وجود لمعلم الموسيقا المختص الذي يطلبه البرنامج لتلقين الطلاب دروسها، ونظام التعليم الابتدائي يجعل للصف الواحد معلماً واحداً ويطلب من المعلم تعليم الموسيقا في جملة

ما يتعلم وأكثر المعلمين يجهلون الموسيقا جهلاً تاماً أو يلمون فيها من الناحية النظرية إلماماً بسيطاً. أما الذين يتقنونها نظرياً ويحسنون العزف على إحدى الآلات فقليل ما هم فلا ينتظر من المعلم والحالة ما ترى أن يؤدي واجبه على وجه مرضي وهو مضطر في الغالب أما إلى أن يضرب صفحاً عن درس الموسيقا وأن يشغل ساعته بدروس أخرى وإما أن يستعين بأحد معلمي المدرسة الأخرى، وكثيراً ما يلجأ المعلم إلى أن يترك طلابه يتعلمون بعض الأناشيد بسماع من إخوانهم في الصباح حين الاصطفاف والدخول إلى الدرس الأول بل كثيراً ما يكون المعلم نفسه عاجزاً عن أن يغني أنشودة ما بأمانة ودقة لعجزه الفني بينما هو يطالب تلاميذه بإجادة حفظها. ولست مبالغاً فيا أقول فأنا نفسي أكذب على نفسي وعلى الناس إذا ادعيت الآن أنني كنت أعلم الموسيقا لتلاميذي في صورة مرضية حينما كنت معلماً في المدرسة الابتدائية رغم أنني درست الموسيقا بصورة نظرية في المدارس الابتدائية وفي التجهيز وفي دار المعلمين الابتدائية ولكني لم أكسب من هذه الدراسة إلا الفشل والنسيان وهذا ما أكسبه كل زملائي أيضاً إلا إذا حاول بعضهم أن لا يقول الحق وكنت ألحظ أن جل المعلمين كانوا مثلي عاجزين عن تعليم الموسيقا. وأما المعلمون القادرون على تعليمها والذين أوتو نعمة العزف على آلة موسيقية فهم يحببون الموسيقا إلى طلابهم ولا شك ولكن هذا التحبيب لا يتعدى أن يقبل الطالب البلب=با على حفظ دروسهم النظرية ثم ينسوها سريعاً بعد أن يتركوا المدرسة وإنما يحبون الفائدة الكبرى من تهذيب أذانهم وأصواتهم. فإذا كان هؤلاء المعلمون قلة استطعنا أن نقول أن تعليم الموسيقا لا يؤدى في المدارس التربوية ولن يؤدها إلا إذا تعلم التلميذ الموسيقا في صورة فن لا في صورة علم وكانت تحت تصرفه في المدرسة آلة موسيقية. 2 - إن المدرسة الناجحة في العزف ولدى المراجع الرسمية هي المدرسة التي ينجح طلابها في فحص الشهادة الابتدائية بأكثر نسبة لا المدرسة التي تحسن تطبيق قواعد التربية الحديثة وتعني بتنمية ملكات الطلاب ولهذا ترى معلمي المدرسة عامة ومعلم الصف الخامس الابتدائي خاصة يعنون بالدروس التي تدخل في فحص الشهادة الابتدائية فقط ويلغون في الغالب غيرها ومنها الموسيقا فيعطون ساعاتها لتلك الدروس العلمية ولا يمكن

أن تنمو الروح الفنية في مثل هذه النزعة فلا يستغرب أن نرى الموسيقا يهمل تدريسها حتى من قبل المعلمين القادرين عليه. 3 - لا أعتقد أن وزارة المعارف قد جهزت مدرسة من مدارسها الابتدائية باسطوانات وآلة حاكٍ أو آلة موسيقية مهما حقرت ليعزف عليها المعلم نفسه قبل أن يعزف التلميذ وكيف يستطيع معلم الصف الأول أن يطبق البرنامج الذي يوصيه بإسماع الأطفال الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية بالاسطوانات في مثل هذه الحالة؟ أما تعليم الموسيقا في الثانوي فلا يؤدي إلى نتيجة أيضاً وليس ذلك ضعف الأساتذة أو عجزهم أو عدم رغبتهم في إفادة الطلاب فهم أساتذة مختصون قديرون ولكن الطلاب يأتونهم وقد ضمر فيهم الذوق الفني وضعفت فيهم الثقة بأنفسهم في تعلم الموسيقا فهم ضعاف فاقدو الميل للتعلم ولكنهم شديدو الرغبة في السماع حباً في إضاعة الوقت أمثر منه حباً في إشباع ميلهم البديعي. ثم إن مواد البرنامج وطريقة تدريه تدعو الطلاب إلى أن ينظروا إلى الموسيقا نظرتهم إلى علم جاف نظري مجرد تجريد الرياضيات ولكن ليس له فائدتها وقيمتها في الحياة فهم لا ينظرون أبداً إلى الموسيقا في تعلمها نظرتهم إلى فن جميل لأنهم يتعلمونها كعلم لا يتعلمونها كفن وكل ما يعجبهم من درس الموسيقا هو أن الأستاذ يعزف لهم في آخر الدرس قطعة لبتهوفن أو ستراوس أو غيرهما بناء على طلبهم أو تبرعاً من الأستاذ الذي يجد راحة في هذا من الجهد العقيم في تنمية الميل مات من الطلاب ومضى عهد تنميته حين كانوا صغاراً فهو يحار أين وكيف يبدأ؟ وأين وكيف ينتهي؟ أستطيع أن أنتهي من كل ما قدمت إلى أن المدرسة لم تؤد للأمة رسالتها الفنية التي يجب أن تؤديها في الناحية الموسيقية وأن الفنون إذا كانت تسير إلى الأمام الآن بخطوة وئيدة متثاقلة فالفضل في ذلك لا يرجع إلى المدرسة بل إلى السينما والمذياع واسطوانات الحاكي وإلى تقدم الحياة العامة الطبيعي المطرد الذي لا يعد تقدماً إلا إذا قسناه بحياتنا الفنية الماضية منذ عشرات السنين خلت ولكنه يعد تأخراً إذا قسناه بتقدم الأمم الناهضة التي تسير إلى الأمام بخطوات جبارة. نعيم الحمصي

روضة الأطفال

روضة الأطفال للأستاذ: رشاد الأسطواني كان الآباء والأمهات والمعلون والمعلمات - إلى عهد قريب - يعتقدون أن الغاية من تربية الأطفال هي شحن أدمغتهم بالحقائق التي يفرض عليهم خزنها واستظهارها. مع أن السر في تقدم الأمم هو العناية بأمر تربية النشء تربية صحيحة مبنية على طبيعة الطفولة ومعرفة ما تحتاج إليه للوصول إلى نموها العقلي والخلقي والجسمي بطريق التشويق كي يتمكن الطفل في المستقبل أن ينمو ويعيش ويحيا حياة كاملة. إن هذه الحقيقة دعت المربين روسو وباستالوتزي وفروبل وغيرهم أن يتطلبوا إتباع الحكمة في معاملة الأطفال وتعليمهم بطرق ترغيبية لا ترهيبية كيلا يسأموا العلم من أول نشأتهم ويحاولوا الابتعاد عن المدرسة والتجافي عن المعلمين. وعلى هذه المبادئ أسست رياض الأطفال في العالم المتمدين. كانت سورية مفتقرة إلى رياض الأطفال وخالية منها تقريباً، إلا أن وزارة المعارف وجدت الحاجة ملحة إلى أن تعنى بهذا النوع من المدارس لأن الطفل اليوم غير طفل الأمس ولأن مطالبه ورغباته، فأحدثت منذ سنتين في دمشق روضة سمتها بـ زهرة الأطفال. وإليك لمحة بسيطة عن روضة الأطفال بعد زيارة قصيرة قمت بها مع مفتشة المعارف الآنسة صبرية يحيى التي نشكر لها وللقائمات على الروضة معونتهن الصادقة في إخراج هذا المقال. دخلت بهو المدرسة، فأعجبت بالصور المعلقة على جدرانه والتي تمثل الطبيعة وما فيها من مظاهر ساحرة، من حيوان ونبات، تدل على الذوق السليم والفن الجميل. وكان الأطفال وقتئذ معتصمين في البهو من شدة البرد، يلهون ويمرحون ويقفزون ومنهم من يحاكي القطار في مشيته، ومنهم من يحاكي الحصان وسائقه، ومنهم من يلتهم قطعة من الحلوى، أو الشوكولاته، ومنهم من يقلب دميته بين يديه. والمعلمة منخرطة في زمرتهم، تشاركهم في ألعابهم وأعمالهم، تشجع ضعيفهم، وتنشط قويهم برقة وعطف ورحابة صدر، فحياة الطفل هذه بين أقرانه ومعلمته تكسبه فوائد جمة، إذ تتربى فيه العواطف الاجتماعية، ويتعود ضبط النفس وإنكار الذات، وينشأ على احترام ما لغيره من حقوق. فهو ليس في

مدرسة؟ بل في حياة عامة نشيطة، موافقة لميوله. ولما حان وقت الدرس، قرع الجرس، فاصطف الأطفال وبعد التفتيش على نظافة ثيابهم وأجسامهم وأسنانهم وأظافرهم، عزفت إحدى المعلمات على البيانو النشيد السوري ورافقها الأطفال في الإنشاد بأصوات ملائكية وألحان شجية أعقب بتحية الروضة فالدخول إلى الحجر الجميلة، الواسعة النظيفة التي يتخللها النور والهواء والشمس من كل جانب، ويتناسب لون أثاثها مع لون جدرانها وما فيها من صور ورسوم، ولا تخلو من أزهار جميلة بديعة التنسيق. فالروضة تربي في الطفل حب الجمال وتقديره والإعجاب به من حيث لا يشعر. دخلت والمفتشة حجرة الأطفال الذين تتراوح أسنانهم بين الثالثة والرابعة، فوجدتهم جالسين على كراسيهم الصغيرة وراء مناضدهم المناسبة لقاماتهم. والمعلمة واقفة بينهم تستميل انتباههم لتلقي عليهم حكاية إطاعة الوالدين ولما تم لها الأمر بإلزامه السكوت، ابتدأت تقص عليهم بصوت متغير، ممزوج بالعذوبة، ومملوء بالروح والنشاط، مع مجاراة سويتهم بالحركات والأقوال، والاستعانة بالرسوم تسهيلاً لرسوخ الحكاية في دائرة مخيلتهم. لقد وجد الأطفال لذة عظيمة في سماع هذه الحكاية، ودخل السرور قلوبهم وكادو يسحرون وينسون كل شيء، كما كدت أسحر معهم لأن وقع الحكايات في التربية لا يعرفها إلا من ذاق حلاوتها، وعاشر الأطفال أنفسهم ورأى ما يخامرهم من السرور والفرح عند سماع الحكاية. فالحكاية تضيف شيئاً من القوة الحيوية إلى روح الأطفال. وتكسبهم تمريناً مفيداً لقواهم النفسية، وتفتح أمامهم باباً لإحساساتهم الخيالية، وتقوي رابطة المحبة بينهم وبين معلماتهم، وتتخذ وسيلة للحصول على أغراض شتة في التربية قد لا يمكن الوصول إليها بغيرها. ثم انتقلنا إلى حجرة ثانية، فيها أطفال بين الرابعة والخامسة، يتعلمون القراءة. ولكن كيف يتعلمونها؟ إن الطفل ميال إلى حب اللعب بالأشياء اللينة القابلة للتحول إلى أي شكل في وقت قصير مثل العجين، ويجد لذة عظيمة عندما يعمل بيديه. فقد وضعت المعلمة بين يدي كل طفل قطعة من المعجونة يشكل منها الصوت الحرف الذي تطلبه منه. وكان يزداد حب الطفل

إلى قطعة المعجونة كلما طلب إليه تحويلها وتغييرها، فهو يفكر أنه يلعب، ولكنه في الحقيقة يقرأ ويكتب ويرسم، ويتعود الطلاقة في التعبير، والاعتماد على النفس، والإقبال على العمل بهمة ونشاط أثناء اللعب. ثم انتقلنا إلى غرفة علق الأطفال فيها معاطفهم، ومنها إلى حديقة مرتبة، منظمة، حاوية على أزهار مختلف الفصول وعلى أشجار منوعة يستطيع الأطفال أن يستظلوا بها ويلعبوا تحتها. . فالطفل يوجه نظرة إلى الجميل حتى في الحديقة كما يتعلم آداب المائدة في غرفة الطعام التي لم تقل العناية بها عن العناية ببقية الحجر من حيث الأثاث واللون والرسوم. وفي الروضة أيضاً أصونة كثيرة تحوي ألعاباً تكوينية منوعة توضع بين أيدي الأطفال وقت الحاجة، وجميع الوسائل التي لها علاقة بتربية أعضاء الحواس عند الطفل حتى تكون أنواع الإحساس التي تصل إلى النفس صحيحة صالحة لأن تكون أساساً للمعلومات. فروضة الأطفال هذه تربي الطفل جسمياً وعقليا وخلقيا واجتماعيا وجماليا بطريقة ظاهرها لهو ولعب وباطنها عمل وجد. رأيت فيها حركة مستمرة، تدل على عمل منتج مثمر، ونشاط دائب، وتعاون ظاهر، وتقدم محسوس، ونجاح باهر. لقد ذكرتني بأيام طفولتي، وبالسجن (المدرسة) الذي كنت أدخله صباحاً مكرهاً وأخرج منه مساءً فرحاً، لأنه كان يحصر فيه عقلي، وتكبل يدي، ويقيد جسمي. ذكرتني بالظلم الذي كنت أقاسيه، والعصا الغليظة التي كانت تنهال علي، والكلمات النابية التي كنت أسمعها من معلمي، والحقائق من المعلومات التي كانت تملى علي. فتألمت! ولكن سرعان ما ذهب الألم لما تذكرت أن ابني في الروضة يرتع ويمرح وكأنه يثأر لطفولة أبيه التي قضاها في الظلام في مدرسة تسير سيراً مطرداً في سبيل النجاح، وتتقدم تقدماً مستمراً لبلوغ أسمى الغايات. فعسى أن تهتم وزارة المعارف بتعميم رياض الأطفال وتغذيتها بالعناية وبالمال وبالأثاث وتهيئة الوسائل الحديثة التي تفتقر إليها هذه المؤسسات الحيوية النافعة، وتنشئ عدداً كبيراً منها في جميع أنحاء الوطن ليتمتع أبن الفقير بما يتمتع به أبن الغني. فرياض الأطفال ترعى الأحداث الرعاية التامة، وتدير شؤونهم في السنوات الأولى من حياتهم، وتؤهلهم للحياة في المدارس الابتدائية، ولا سبيل إلى إصلاح المدارس إلا بتأسيس

رياض للأطفال وتربيتهم تربية تلائم طبائعهم وتوافق غرائزهم. رشاد الاسطواني

النشاط المدرسي

النشاط المدرسي للأستاذ لطفي الصقال المفتش في معارف حلب كل ما يقوم به التلاميذ بين جدران المدرسة أو خارجها من أعمال - في غير أوقات التدريس - كتنظيم المسابقات والحفلان والرحلان وإنشاء جمعيات الرسم والتصوير والموسيقا، وتأليف لجان التعاون والتوفير والحانوت وسواها من كل ما يقتضي عملاً حراً وتفكيراً في الغايات والوسائل يمكن أن يدعى بـ الأعمال الحرة. فالاستظهار درس يحفظ التلاميذ خلاله المقطوعات الشعرية والنثرية، ويتذوقون معانيها، أما في ساعات العمال الحرة، إذا قامت لجنة من التلاميذ في إعداد مباراة خطابية، ووزعت الأعمال على أفراد صف أو أكثر في المدرسة، وكلفت معلمي المدرسة أو الأولياء لحضور هذه المباراة، وكان ذلك كله بإرشاد أحد المعلمين وتحت إشراف المدرسة، كانت هذه الأعمال حرة وليست درس استظهار. والأشغال اليدوية والرسم درسان يشتغل خلالهما التلاميذ ويرسمون، فيكتسبون المهارة في اليد، وتمييز الأبعاد والنسب في العين، أما إذا قامت لجنة من التلاميذ في تهئية معرض لأشغال تلاميذ المدرسة ورسومهم ونسقتها خير تنسيق، ورتبتها ترتيباً في ذوق وطرافة، وقرنت أعمال التلاميذ ببطاقات عليها أسماء أصحابها، وخصصت يوماً من أيام السنة لعرض هذه الأشغال والرسوم على من أراد من سكان الحي أو المدينة، وأعدت كل الأسباب لنجاح هذا المعرض، كانت هذه الأعمال حرة وليست درساً للأشغال والرسم. والرياضة والموسيقى درسان يتمرن فيهما التلاميذ على الحركات، والغناء، لتقوية الأبدان وإرهاف الشعور والوجدان. فإذا عملت لجنة من التلاميذ على إجراء الحركات المشتركة والألعاب المنوعة، وعقدت لذلك جلسات نظمت فيها هذه الأعمال بإرشاد المعلم وتحت إشراف المدرسة، وحرصت على تدريب من اشتراك في هذه الألعاب حتى يشمل معظم التلاميذ، وهيأت مسابقات يشترك فيها مدرسة أو مدرستان أو أكثر كان هذا من الأعمال الحرة وليس درساً للرياضة والموسيقى. هذه هي نماذج من الأعمال الحرة التي تتصل بالدروس مباشرة، وتكاد تكون تطبيقاً لها

ووسيلة، فيها روح وحياة، غير أن الأعمال الحرة تتعدى ما ذكرناه ويتسع نطاقها اتساعاً يتناسب مع نشاط المدرسة، والبيئة الاجتماعية والطبيعية والاقتصادية التي توجد فيها. وهناك بعض الأمثلة: 1 - لجنة الدكان يستطيع التلاميذ فتح [دكان] وتأسيس شركة مساهمة، يحدد المبلغ اللازم لها، ثم يقسم أسهماً صغيرة لا يزيد الواحد منها على نحو [50] قرشاً سورياً ويشتري التلميذ من هذه الأسهم ما يستطيع شراؤه، ثم تكون لجنة من التلاميذ لإدارة هذا الدكان بإرشاد المدرسة وتحت إشرافها. ويباع في هذا الدكان جميع الأشياء التي يحتاج غليها التلاميذ، وترصد حساباتها بشكل منظم في دفاتر يمسكونها بمنتهى الدقة، وهي توزع أرباحاً لا باس بها للأسهم. 2 - صندوق التوفير يستطيع التلاميذ أن يوفروا مبالغ صغيرة من موردهم الضئيل، بتكوين لجنة منهم تضع خطة للعمل، فتطبع استمارة خاصة تسمى تذكرة صندوق البريد وتسجل القروش عليها باسم التلميذ المشترك حتى إذا باغت الحد الأدنى لما يقبله صندوق التوفير في البريد، أو المصارف أودعت المبالغ هناك، وأخذ الطفل بدلها دفتران، بعد يقيد به المبلغ لحسابه. وكل استمارة جديدة تقدم لقلم صندوق البريد مصحوبة بالدفتر ليقيد به المبلغ الجديد. 3 - جمعيات التعاون يستطيع التلاميذ في مدرسة صالحة لتربية الدجاج أو الأرانب أو غيرها من الحيوانات، أن تقوم لحنة منهم بإعداد الأخمام والأمكاء، وشراء الحيوان المراد تربيته، وتقديم الطعام لها، والعناية بها، ومراقبة نموها وتكاثرها، حتى إذا ازداد عددها فكرت في بيع الفائض منها في الأسواق، والحصول على فوائد اقتصادية. وقد يكون في المدرسة ارض يمكن استثمارها من قبل التلاميذ فتؤلف لجنة تدرس تربتها وتختار المزروعات التي تصلح لها، وتبحث عن وقت زراعة هذه الأنواع، وكيفية زراعتها، وطريقة ريها، وتقيس الأرض لمعرفة مساحتها وتقسيمها على أفراد الصف أو المدرسة، حتى إذا ما حان أوان المحصول فكرت بتصريفه وفوائده الاقتصادية. وقد يجر هذا إلى دراسة بعض الصناعات أو الأعمال التجارية ووسائل النقل وطرق المواصلات

في المنطقة التي توجد فيها المدرسة. 4 - صحيفة المدرسة يستطيع التلاميذ إن يقوموا بتحرير صحيفة مدرسية صغيرة، تتضمن أخبار الدراسة، وبعض المواضيع الاجتماعية والأدبية والعلمية بلغة سهلة يحررها التلاميذ أنفسهم ويطبعونها أو ينسخونها ويصححونها ويوزعونها ويحيون الاشتراكات من تلاميذ مدرستهم أو مدارس أخرى، وتجري هذه الأعمال كلها بانتظام وبإرشاد المدرسة وتحت إشرافها. 5 - الرحلات المدرسية والرحلات المنتظمة للمعالم الشهيرة في بيئة المدرسة أو ما يجاورها كالجسور، والآثار، والحدائق، والمصانع وغيرها. . . تنظم من قبل لجنة من التلاميذ بإرشاد المعلم وتحت إشراف المدرسة، ويخرج تلاميذ المدرسة يوم الرحلة كلهم أو يخصص يوم لتلاميذ كل صف حسب الظروف. هذه بعض الأمثلة للأعمال الحرة وهو قليل من كثير. إذ أن هناك أعمالاً أخرى لا تقل أهمية عما ذكر. منها: فرق الكشافة وفرقة الرائد والجوالة ولجان التمثيل والخطابة والتصوير، واللجان الاجتماعية والصحية، ولجان المكتبة، والنوادي المدرسية، ولجنة الحدائق المدرسية. . . إلى غير ذلك من الأعمال النافعة التي تعود التلاميذ على الاضطلاع بأعباء الحياة، واحتمال المسؤوليات المختلفة وتكسبهم الشجاعة والثقة بالنفس والتعاون والرجولة وغيرها من خلال الخير وهي من وسائل التربية الخلقية الهامة التي يجدر بكل مدرسة أن توسع أمام التلاميذ مجال هذه الأعمال وتشرك أكبر عدد منهم فيها. غير أننا يجب ألا ننسى أن نجاح الأعمال الحرة يتوقف على شيء واحد وهو رغبة المعلم وإيمانه، وتعاونه مع المدير وزملائه المعلمين فإذا كان المعلم مؤمناً بالفكرة القومية راغباً في تنفيذها بالأعمال الحرة متحمساً لها استطاع التغلب على الصعوبات ونجح في مهمته. ويحسن بالمعلم أن يقوم بعمل واحد أو أكثر حسب مقدرته، وقد يتولى هو القيام بالعمل بادئ الأمر حتى يتمرن التلاميذ ثم ينسحب تدريجياً ويترك العمل لهم يجرونه بإرشاده وتحت إشرافه. لطفي الصقال

تكافؤ الفرص والتعليم الصحي

تكافؤ الفرص والتعليم الصحي في توصيات مؤتمر جنيف للأستاذ سعيد القضماني نشر الأستاذ عزة النص في العدد الماضي مقالاً رائعاً عن المناقشات التي دارت في مؤتمر التعليم الدولي المنعقد في جنيف سنة 1946 وننشر هنا، تتمة لذلك، التوصيات التي أقرها المؤتمر ووجها إلى وزارة المعارف في جميع الدول حول مبدأ التكافؤ الفرص ونشر التعليم الصحي. تكافؤ الفرص أقر المؤتمر الدولي للتعليم المدعو إلى الاجتماع في جنيف من قبل المكتب الدولي للتربية في دورته التاسعة للتوصية التالية بتاريخ 5 آذار سنة 1946: إن المؤتمر: لما كانت الاتجاهات الحديثة تلعب دورا هاماً في توجيه وتنظيم جهاز التعليم وخاصة فيما يتعلق بمبدأ المساواة في فرص الدخول للتعليم الثانوي الذي يقوم بمهمة إعداد الصفوة المختارة. ولما كان هذا المبدأ في المساواة قد عولج في مؤتمر العمل الدولي وأشير إليه في ميثاق الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اونيسكو) إذ جاء في هذا الميثاق: إن من جملة الأغراض التي تهدف إليها المنظمة لتحقيق التعاون بين الشعوب تقرير مبدأ التكافؤ الفرص في التعليم أمام الجميع دون تمييز في العرق أو الجنس أو أي اعتبار آخر في الشرائط الاقتصادية أو الاجتماعية ولما كان من الضروري أيضاً مواجهة هذه المشكلة ودراستها من جميع وجوهها وخاصة من الوجهتين التربوية والاجتماعية. وبما أن تكافؤ الفرص في المدارس الثانوية قد اتخذت أشكالاً مختلفة حسب الوضع هذا التعليم، فاقتصر على فئة محددة من الطلاب في بعض الأحيان، واتسع، ولو شكلياً، في أحيان أخرى، فأصبح في متناول الطلاب كافة. فالمؤتمر، على ضوء هذه الاعتبارات، يضع بين يدي وزارة المعارف في مختلف البلدان

التوصيات التالية: 1. - يجب أن يكون قبول الطلاب، كما هو الحال في بعض البلدان، مرتبطاً بفعاليتهم ورأي المعلمين فيهم أكثر من ارتباطه بنتائج الفحوص. 2. - يجب أن يكون توزيع الطلاب على أنواعه المدارس، في البلدان التي يكون فيها التعليم الثانوي إجبارياً، وفق استعداداتهم الخاصة لا حسب رغبتهم ورغبة أوليائهم وذلك بعد دراسة هذه الاستعدادات دراسة فنية. 3. - يجب أن يسود مبدأ التوجيه المسلكي في التعليم وخاصةً في السنين الأولى من التحصيل الثانوي فيقدم للطالب مجالاً واسعاً من التجارب والاختبارات وسهولة الانتقال من نوع إلى نوع آخر من التعليم. 4. - يجب أن يرافق هذا التوجيه فحص دقيق للاستعدادات مبني على طرائق علم النفس التي يعتمد على الملاحظات والدوافع النفسية أكثر من اعتمادها على نتاج الطالب الظاهري. 5. - ويجب أن يبذل الاهتمام الكافي لتقديم المساعدات المادية إلى المبرزين والموهوبين من فقراء الطلاب، ليس بمنحهم المجانية في التعليم فحسب، بل بتخصيص المبالغ التي تنهض بجميع نفقات الدراسة والتي تهيأ لهم الجو الملائم لنمو ثقافتهم مما لا تهيأ لهم في محيطهم الخاص. 6 - يجب تسهيل سبل الدراسة للطلاب النابغين، الذين اضطرتهم ظروفهم للعمل وكسب الرزق، لكي يستطيعوا متابعة الدرس وإنهاء تحصيلهم الثانوي. 7 - ويجب، أخيراً، منح مساعدات خاصة للطلاب الذين اضطروا لقطع دراستهم بسبب ظروف الحرب. التعليم الصحي إن المؤتمر: لما تبين له أن حفظ الصحة، بالنسبة للفرد والمجتمع، قد أخذ يتراءى، في كثير من البلدان، كمظهر من مظاهر التربية بالإضافة إلى فوائده العملية للفرد والمجتمع. وأن انتشار التعليم الصحي يزيد في القيمة المعنوية للاعتبار الإنساني ويزيد في نحسس

الفرد للواجب نحو نفسه ونحو الآخرين وان تطبيق مبادئ حفظ الصحة أضحى ضرورة ماسة بعد الخروج من الحرب. . . لهذا كله قرر المؤتمر توجيه التوصية التالية لوزارات المعارف في جميع البلدان: 1 - يجب تدريس التعليم الصحي بصورة إجبارية في جميع مراحل التعليم، الحضانة، الابتدائي، والثانوي ودور المعلمين، دون أن يتخذ تدريسه شكلاً علمياً تقريرياً. 2 - يكون تدريس حفظ الصحة بصورة عملية في المرحلة الأولى من التعليم، ويمكن تدريسه يومياً في المناسبات المختلفة للحياة المدرسية، وذلك عند معالجة قضايا النظافة وحسن الهندام. . . 3 - ويجب أن يتعدى التعليم الصحي في الصفوف العليا للمدرسة الابتدائية الوسط المدرسي إلى الوسط العائلي والمهني والاجتماعي. 4 - أما في الصفوف الأولى من المدارس الثانوية، فيجب أن يرتكز التعليم الصحي على علم التشريح وعلم منافع الأعضاء. ويكون متمماً لهما، وفي الصفوف العليا، يدرس بشكل علمي منظم مستقل على أن يصطبغ بصبغة أخلاقية واجتماعية سامية تخلق في نفس الطالب شعوراً قوياً بواجباته الفردية والعائلية والاجتماعية. 5 - ويجب أن يشمل التعليم الصحي، عدا عن صحة وظائف الجسم الهامة وأمور التغذية والألعاب، يجب أن يشمل صحة الولادة وتربية الطفل ومبادئ الإسعاف وذلك عندما يدرس إلى كبار الطلاب من الجنسين. يجب أيضاً صرف الاهتمام للعناية بالصحة النفسية. 6 - يجب تدريس الشؤون الصحية بصورة عملية خلال المدة التي يقضيها الطلاب في المعسكرات والمخيمات الصيفية. 7 - يجب أن تدخل التربية الجنسية في التعليم منذ المدرسة الابتدائية، وأن يشرح الطبيب للشبان والشابات، في المدرسة الثانوية، ملابسات المسألة الجنسية وأن تدرس أعراض الأمراض البولية تدريساً خاصاً إجبارياً في نهاية مرحلة التعليم الثانوي على شكل أحاديث طبية مصحوبة بالصور أو الأفلام العلمية كما يجري الآن في بعض البلدان. 8. - يجب أن يسود التعاون القوي بين الهيئات الطبية والتعليمية ومؤسسات الخدمة الاجتماعية حتى تتحقق الغاية من أن تؤتي التعليم الصحي ثماره المرجوة في جميع مراحل

التعليم. 9 - مهمة الهيئة الطبية المدرسية هي الإشراف والسهر المتواصل على صحة الأطفال والمعلمين، ولكن يجب أن يكون لها مهمة رسمية أخرى هي التفتيش على سير التعليم الصحي وذلك بأن تقوم بتوجيه المعلمين الابتدائيين وإسداء النصح لهم، وبأن يتعاون الأطباء مع أساتذة المكلفين بتدريس علم الصحة في المدارس الثانوية على تنظيم المحادثات الطبية للطلاب وعرض الأفلام وإعداد المناظرات وأخيراً، بأن يلقوا على المربين دروساً في أصول التعليم الصحي. 10 - ويجب أن يكون الأطباء المكلفين بالتفتيش الصحي في المدارس أخصائيين في شؤون التربية ومشاكلها ولهم الاستعداد ومقدرة على توجيه التعليم الصحي في شتى مراحل التعليم، وعليهم أن يتعاونوا مع المربين لتنظيم وتوجيه نشاط الطلاب خارج المدرسة لتطبيق مبادئ الصحة الفردية والعائلية والاجتماعية. 11 - يجب على المدرسة لأن تعد جميع الوسائل العلمية وتضعها تحت تصرف المعلمين حتى يكون التدريس الصحي عملياً ومنسجما مع طرائق التدريس الحديثة. 12 - يجب تشجيع الأطباء والمربين على نشر التعليم الصحي خارج المدرسة إلى الشبان والآباء وذلك بإشراك أولياء الطلاب في معسكرات التربية الصحية، والتربية العائلية والتربية الاجتماعية، وعلى تنمية اتصال الأطفال بالحياة الواقعية. 13 - يجب ترك قسم من التعليم الصحي إلى فرق من الطلاب تعمل بحرية وبصورة مشتركة وفق مبادئ التربية الحديثة كالعمل في مؤسسة الصليب الأحمر للشباب وفي المنظمات الكشفية. . . 14 - وأخيراً فإن التعليم الصحي يجب أن يفضي بطبيعة الحال إلى تحسين الشرائط الصحية في مدارس العالم من حيث البناء والأثاث. سعيد القضماني

العظماء

العظماء هؤلاء الذين لا يريدون استعلاء ولا تكبراً، ولا يريدون فساداً واستبداداً بالناس، بل يريدون سلام الإنسانية وخيرها، وصلاح البشر وسعادة الأمم، هم بحق العظماء. أحمد لطفي السيد

من أمراضنا الاجتماعية

من أمراضنا الاجتماعية للأستاذ أنور هدى البرازي الصحف في بلادنا فقيرة. . . فقيرة. . . بمادتها وفقيرة بجوهرها. . . فقيرة بمادتها لأن المثقفين في بلادنا هم غالباً طبقة لم تتهيأ لهم وسائل التعارف والتكتل والانسجام فهذا يكتب في مصر، وذاك يتشاءم ويسس الصحافة، والأخر يفضل السكوت. . . وبينهم من يعمل في دوائر صغيرة أضيق من الأفق الموضوعي، فيكتب إما لحزبه أو لجماعته أو في سبيل دعاوة معينة أو وسيلة مغرضة. . . كل هذا كان سبباً في تفكك الفعالية الاجتماعية وفي هدر الفعاليات القومية وفي تضحية كثير من الوقت، ونتيجة لمثل هذا الانشقاق في اتجاه فعالياتنا الفكرية تولد عندنا مرض اجتماعي خطير وجسيم، هو مرض انهيار الإرادة الاجتماعية والعمل المشترك المفيد والاختصاص المبدع. . . فكل واحد منا يظهر أنه يريد أن يكون كل شيء أو لا شيء سواه. . . كل شاب من شبابنا يريد أن يكتب في كل شيء أو لا يكتب شيئاً، وكل هيئة أو بعثة أو جماعة من جماعاتنا تريد أن تكون هي كل شيء أو لا شيء. . . ولما كان الاتجاه الأول في هذه الفرضية، فرضية الكون كل شيء، هو اتجاه مستحيل التطبيق والتحقيق لذلك كان من المؤكد انتهاء من يريدون أن يكونوا كل شيء إلى صف الذين ليسوا شيئاً، وتكون النتيجة النهائية والجوهر الأخير لخليطة فعالياتنا القومية هدراً واضحاً وتضحية طائشة وظاهرة انهزامية مرضية خطيرة. . . أقول هذا ولست متشائماً لأنني أعرف أسباب العلة وأثق بما أعرف وأعمل جهدي دوماً لتلافي وقوعي ووقوع إخواني في مثل هذا الداء. . . ولأنني واثق تمام الثقة بأن هناك في سورية كثيرين من الشباب الذين لا يجهلون هذا البلاء الفكري عندنا. الحقيقة التي لا شك بصحتها أننا يجب علينا جميعاً أن نفحص ثقافاتنا قبل التوجه إلى ميدان الفكر. . . علينا أن نكشف النقاب عن أنانياتنا الفردية ونتساءل بتجرد هل نحن مثقفون؟!. . . هل نؤمن بالموضوعية ونكتب لأجلها!؟. . . هل نعيش لنفكر تفكيرا سليماً أو نفكر لنعيش عيشاً طيباً؟!. . . إن الذين يفكرون ليعيشوا، هؤلاء لا يستطيعون مطلقاً أن يبرروا لأنفسهم الدخول إلى

ميدان القلم الحر وساحات العلم الموضوعي. . . أما الذين يعيشون ليفكروا التفكير السليم فإن فكرهم السليم ذاك هو وحده قائدهم لا شك أن العلم والموضوعية والحقائق. . . فيجب أن لا يخافوا ولا يتراجعوا وليؤمنوا بثقة تامة أنهم ماداموا في أفق الفكر المجرد والمنطق السليم فإنهم دوماً وأبداً فوق الهيئات وفوق الأحزاب وفوق الجزئيات في سموات الكليات. . . وعلى هذا فكل فكر كلي سيلتقي لاشك مع كل فكر كلي آخر في سماء واحدة مهما كانت الصفات الجزئية والاختلافات السطحية والمظاهر البالية. . . ونحن في سورية أشد ما نكون احتياجا إلى معرفة أنفسنا وتربيتها تربية صحيحة وتوجيهها نحو الاجتماع بمثيلاتها في سماء واحدة لتوحد الجهود وتتضح الاتجاهات ولينتصب العمل المبدع المثمر في وطننا. . . إن المتعلمين في بلادنا تنقصهم مواهب نفسية تربوية لتدعم علمهم ولتدمجه في أعمالهم. . . فلا يكفينا أن نعرف لنكون في صف من يعرفون بل لابد لنا من أن نعرف ونعمل بحسب ما نعرف، ونفصل من يعرف عمن لا يعرف حتى نسمح لأنفسنا أن نقول بتواضع نحن مثقفون. . . ومتى صار عندنا الوعي الثقافي الكافي بضرورة تضافر الفكر مع الفكر والعلم مع العلم والعمل مع العمل والمنطق مع المنطق في سبيل إنشاء قومية محترمة. ولاشك أننا سنتعاضد عندئذ ونتساند ونتشارك ونبدع وسنختلف في الأساليب التطبيقية ولكننا لن نحيد عن توجيه أساليبنا نحو هدف واحد يلتقي في الموضوعية العلمية والعمل المبدع والفكر الصحيح. . . في المعرفة الحقة. . . وعندما يتم لنا مثل هذا الوعي سوف ننبذ التحاسد والتكالب والتنافس في الإيذاء وفي تعطيل الأعمال لنوجه هممنا نحو البناء. . نحو الإنشاء والتكوين والإيجاد والإيجابية والتفاؤل لا نحو الإضرار والتعطيل والتخريب والتوقيف وجر العربة إلى الخلف. . . عندئذ سنحكم على المجلات من وراء دراستنا لما فيها وعلى الأشخاص من وراء أعمالهم النافعة وعلى الكتاب من وراء علمهم وفنهم، وسوف لا تمتعنا الحجب والأنانية العمياء عن رؤية حسنات الخصم بقدر ما نرى عيوب أنفسنا. . . وعندئذ فقط سنعيش عندنا المجلات والصحف والشركات والمؤسسات والدواوين والدول أيضاً. . . النبك:

أنور هدى البرازي

المعرفة

المعرفة ويختتم الأستاذ مقالة بتفريط للمجلة وبتعويض المحاولات التي أرادت المس من نبل الهدف الذي ترمي إليه مجلة المعرفة رأينا طيه لأن خطتنا هي العمل المنتج الصامت.

المرأة في الإسلام

المرأة في الإسلام للأنسة حميدة الملقي ما المرأة؟ إن هي إلا ملاك الرحمة والإنس، وأم النبي الكريم، وأخت البائس المسكين، ومعوان الفقير البائس، وزوجة الثري الكبير، ووالدة البطل الصنديد والقائد المغوار، والرئيس العظيم، والملك العادل! وإن هي إلا أخت الإنسانية والمحبة هبطت إلى عالم الوجود لتقوم بوظيفة هامة وعبء ثقيل يعجز عن أدائه أكبر الرجال وأعظم الخلق! أجل تلك هي المرأة سر الوجود، ومنحة المعبود، وملاذ الرجل، يسكن إليها كلما تفاقم خطبه، وعظمت محنته، واشتدت مصيبته. خيم الجهل على بطاح مكة ووهادها، وسادت الوحشية أغوارها وإنجادها، وتعمم السبي والوأد في الجزيرة العربية وتفشى، حتى لم ينج من كابوسه المرهق ووطأته الثقلى مأهول منها ولا مهجور. وانبرت الحامل تلوذ بمنعطفات الجبال، ونبست بأهداب الرمال، عساها تقي لها حملها عن كان ما يختلج في أحشائها بنتاً. ولكن هيهات أن تؤمن خوفها يومئذ قمة من ناتئ، أو أن تسكن روعها إذ ذاك عطفة من واد. وبينما كانت الحاملات حيارى فيما يصنعن بشرعة غاشمة، ظالمة، وعرف أعوج يقول بسبي البنت فالوأد، دبّ في أفق مكة دبيب الأضواء، ولمعت في شفق مكة خيوط الرجاء، وتألق في سماء الله نجموزها بدر، وكان ثاني عشر ربيع الأول الأنور. هناك تفجرت ينابيع الحكمة، وسالت أودية العدل، وانقشعت غيوم الجهالة، وأشرقت معالم الحضارة وهنالك ولد محمد صلى الله عليه وسلم. هنالك تبوأت المرأة مركزها تحت الشمس، ووطدت لها مقعداً فوق الأرض وانبعثت برسالة الرسول لها الحقوق. وهنالك أنكر القرآن على آل يعرب بدعتهم فقال بسورة التكوير: وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت. رفع هذا النبي الكريم من شأن المرأة بقوله: خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء فكان لنا بالرسول الأعظم، والنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، شأن رفيع، ومقام منيع، وحق صريح، إذ قال: (أوصيكم بالنساء خيراً). (وما أكرم النساء إلا كريم ولا

أهانهن إلا لئيم). قد تظن الكثيرات من معشر السيدات والأوانس، إن ليس للمرأة في الإسلام من الحقوق ما لها منه لفي لغرب، وإن الدين الإسلامي أهمل شأنها، وأغفل أمرها، واتخذ منها نكرة من النكرات فلا تقدم ولا تؤخر، ولا تستطيع أن تأتي شيئاً، وتظن الكثيرات إلى جانب ذلك أن المرأة الأوروبية فاقت أختها العربية في كل شيء. رأت المرأة العربية في تقديم الغربي للمرأة على نفسه في الملاهي والمقاهي ولمحال العامة كل ما تبتغيه الغربية من مآرب، وترجوه من أمنية، وتتطلب من حق، واحتسبت المرأة العربية إشراك الغربي لأختها في المسائل الخارجية، والأمور التجارية، والشؤون الاقتصادية، اعترافاً بحقوقها، وإعلاء لشأنها، واحتراماً لها وخضوعاً. على إننا لو فحصنا هذه المشاهد الخلابة، ودققنا بهذه المرائي الجذابة، وأمعنا بحقيقة هذه الأوضاع، وقارنا بينها وبين ما للمرأة هنالك من حقوق، لخلصنا إلى النتيجة الحقة ولألفينا المرأة الغربية كالمحجور عليها ممنوعة من كل تصرف قولي أو فعلي. ولرأينا أن ليس لها من الحقوق التي لأختها العربية من شيء. فبينا نرى الزوجة لدينا معشر المسلمين واجبة على الزوج ما دامت الزوجية قائمة بينهما، لا نرى عند الغرب لها ذلك ولا مثل هاتيك الحقوق في الإسلام. أوصى القرآن الكريم بالمرأة خيراً، فقرن علاقات الرجل بها بالمعروف والإحسان معاً، حتى في أوج حالات الغضب، وفي أقصى درجات الحنق، وأبعد مدى توتر الأواصر، وفي سورة النساء آيات بينات على ذلك تشهد للمرأة من مكانة ومنزلة، وما عليها إلا أن تعمل بما جاء في كتاب الله الكريم فتصل إلى ما ترجوه وتتطلبه. فإلى الأمام أيتها المرأة وعين الله ترعاك. حميدة الملقي

السينما والمدرسة

السينما والمدرسة للأستاذ رؤوف جبري ستحل الشاشة البيضاء في المدارس محل السبورة، وقد شرعت بعض الشركات السينمائية بإخراج طائفة من الأفلام التهذيبية تحت إشراف الأخصائيين في التربية والتعليم، وستعمل الشركات لإخراج أفلام تبحث في نواح مختلفة من برامج التعليم. منها سلسلة أفلام لتعليم اللغات الحية، وأخرى للأرصاد الجوية، وثالثة لمبادئ التشريح ورابعة لأوطان مشاهير الكتاب والمؤلفين. وسوف يراعى جانب الدقة في الإخراج حتى لا تنطبع في أذهان الطلاب صورة زائفة عن النظريات والحقائق العلمية. ومن المسلم به أن في مقدور المعلمين الاستعانة بهذه الأفلام لشرح دقائق النظريات والحقائق العلمية والطبيعية التي يتعسر شرحها على السبورة، ومن المنتظر أن توفر هذه الأفلام على المعلمين كثيراً من الوقت والمجهود، ولا غرابة في ذلك فما راء، كمن سمع. جامعة سينمائية لتعليم الشعب في - لندن - جامعة سينمائية لتعليم الشعب. تتألف الأشرطة التي تعرض فيها من: 1 - العلوم الحديثة، وهي علم النبات والحيوان وطبقات الأرض والطبيعة والكيمياء والتشريح. 2 - التاريخ العام وخصوصاً تاريخ الحضارات البائدة. 3 - الرحلات والسياحات التي ساعدت على اكتشاف مجاهل الدنيا. 4 - جميع الصناعات. 5 - المبادئ الصحية مع العناية بتربية الطفل. 6 - التربية البدنية. (وقد لا يجهل القراء أن الرياضة البدنية لا تفيد الجسم وحدها، ولا تساعد على نمائه وبقائه صحيحاً معافىً دون دراسة مواضع أخرى، منها: التغذية وعدم الإفراط في الشهوات، وإرهاق الجسم والعقل إلى غير ذلك من الأبحاث الهامة). 7 - الحياة الاجتماعية ومظاهرها المختلفة ونواحيها المتشبعة. 8 - صنوف التسلية البريئة: الشطرنج، والبردج وما شابه ذلك ويقوم بتوضيح جميع ما تقدم جماعة من الأخصائيين، وكل طالب يسمح له بالسؤال والاستفسار، وكل هذا الشكل

سيكون العلم رخيصاً وسهلاً في آن واحد. وهذا تطور له أهميته ونتائجه وآثاره. السينما المدرسية في روسيا وستعمل روسيا على أن تقوم السينما مقام المدارس. فينتخب كبار العلماء لشرح الدرس بدفة وعناية، ويؤخذ لذلك شريط سينمائي تطبع منه عدة نسخ تعرض في دور خاصة، بدلاً من الصفوف في المدارس وفي كسب للوقت وطريقة فعالة لتثقيف التلاميذ. ولا يسمح لرجل دخول هذه الدور الخاصة بالأطفال إلا إذا كان يحمل دعوة من طفل، وفي هذا إنماء للتلاميذ الصغار بأنهم قادرون على دعوة الكبار. السينما أداة إرشاد وتوجيه بواسطة التأليف بين أشرطة من (السليولويد) وقطع من الزجاج بشكل عدسات وأسلاك تمر خلالها تيارات كهربائية، يمكننا توجيه النشء وإرشاده بل التأثير على الشعب. . . فالسينما أصبحت خير ميدان لنشر أية - دعوة - صالحة وبث التعاليم وتهذيب النفوس، وتصوير العادات النافعة والتحذير من كل ما يضر. فمفروض في القصة السينمائية أن تعطي صوراً لمظاهر معينة من حياة الشعب. أو تعالج بعض مشاكله الاجتماعية، أو تحدد له أهدافه السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية. وعدا ذلك كله، أصبحت السينما عنصراً عظيماً من عناصر الصناعة، لما يجنيه المشتغلون بها من أرباح طائلة وفيرة، وغدت الحكومات تشرف عليها كما تشرف على أية مهنة جليلة الشأن. . . ومن جملة هذا الاهتمام من قبل الحكومات إيفاد بعثات إلى أميركا وأوروبا من الشباب الذين يظهرون حسن استعدادهم لهذا الفن والذين يتحلون بثقافات عامة ولهم إلمام باللغات الأجنبية. لأن السينما أصبحت فناً واسعاً يحتاج إلى دراسة وتعمق كأي فرع من فروع الجامعات، كالطب والمحاماة. . . فالدراسات النفسية وعلم المنطق والاجتماع، وعلم الجمال وتاريخ السينما، وفن التمثيل والإلقاء كل ذلك له كل الارتباط بفن السينما، أضف إلى ذلك دراسات تامة في كل فرع من فروع السينما، كالإخراج والتصوير، وهندسة الصوت، والإضاءة وفن التنكر. . . فهذه العلوم تدرس في معاهد خاصة للسينما. وقد ابتكرت في أمريكا طريقة، لتصبح السينما متيسرة لكل من ينشدها، وذلك بإيجاد أفلام صغيرة كحجم الأفلام المعروفة التي تعرض في بعض مدارسنا، غير إنها عندما تعرض

على الشاشة تظهر مكبرة بالشكل المعتاد، كما أن آلات عرض هذه الأفلام صغيرة بنسبتها، بسيطة التكاليف. رؤوف جبري

غايات التربية

غايات التربية حب الحق والخير والجمال التربية الصحيحة هي التي ترمي إلى غايات ثلاث: حب الحق الذي هو نتيجة التربية العقلية، وحب الخير الذي هو نتيجة التربية الخلقية. وحب الجمال الذي هو نتيجة التربية الذوقية. ولكل غاية من هذه الغايات الثلاث سبيل يوصل إليها. فسبيل التربية العقلية العلم وسبيل التربية الخلقية الدين والأخلاق. وسبيل التربية الذوقية الفن الجميل.

شذرات

شذرات للأستاذ وداد شمندي نادي الفلق أنا من القائلين بفائدة العقوبة البدنية في كثير من الأحوال لأنها الجزء الوحيد الفعال الذي ما زال الطلاب يهابونه ويحسبون حسابه ويخشون شره. لا سيما ونحن الآن في دور انتقالي يحتم علينا التدرج من حال إلى حال، إذ أن الطفرة محال. ولا نبالغ إذا قلنا أن أعرق الأمم في الحضارة مازالت تبيح العقوبة البدنية في مدارسها. فالإنكليز مثلاً أمة ذات تقاليد من الصعب على أحد أفرادها أن لا يرعاها. وكان من عادة الإنكليز أن يعقب الطالب بالضرب إذا أهمل دروسه أو عصي نصائح أساتذته ومهذبيه. غير أن الحكومة هناك قررت منع الضرب إلا في أحوال خاصة. ومن المعلوم أن للنبلاء من الإنكليز مدارس خاصة يتلقون فيها العلم، ولم يكن (الضرب) من أنواع العقوبات المقررة في مدارس النبلاء. فلما منعته الحكومة من مدارسها الشعبية، عز على أبناء النبلاء أن يتساوى بهم أبناء الشعب، فطلبوا أن (يقرر) الضرب في مدارسهم. . . وقد كان. فلما تخرج أبناء النبلاء هؤلاء من مدارسهم عمدوا إلى إنشاء نادٍ لهم أطلقوا عليه اسم (نادي الفلق) ولو أنك دخلت إلى البهو الفسيح في ذلك النادي الفخم لأدهشك أن ترى فيه شعاراً غريباً عن (فلق) حقيقي كان يرفع أقدام النبلاء إلى عصا المدرس في مدرسة (ايتون) عام 1837. وغير مسموح لأي نبيل أن ينخرط في سلك ذلك النادي إلا إذا كانت أقدامه (الأريستوقراطية) العزيزة وقد تشرفت وهي صغيرة بلذة (مد الفلقة) عشر مرات على الأقل. . . إضراب مدرسين هدد المعلون عندنا عدة مرات بالإضراب العام في حال عدم زيادة رواتبهم، وقد تداركت الحكومة الأمر بحكمتها، ويتوقع المعلمون بعد إعلان الملاكات الجديدة أن تزداد رواتبهم زيادة تدفعهم إلى العمل بكل إخلاص وحماس. وتضحية وطنية صادقة.

هذا ما نتوقعه هنا في سورية أما في ايرلندا فقد أعلن مدرسو المدارس الابتدائية وعددهم (1100) مدرس، إضرابهم العام عن العمل حتى تزداد رواتبهم وهكذا أصبح (75) ألف تلميذ في إجازة إجبارية، يمضونها وهم يلعبون في الشوارع أو يعاكسون أمهاتهم في البيوت. ومع أن جميع الناس يأسفون لهذا الإضراب الذي أدى إلى تعطل عشرات الآلاف من التلاميذ، إلا إن بعضاً منهم قد عاد عليه الإضراب بفائدة كبرى، وهم أصحاب دور السينما التي صارت لا تخلو مقاعدها طوال النهار من التلاميذ وكذلك أصحاب محلات الدراجات التي صار التلاميذ يقضون نهارهم في استئجارها والطواف بها في أرجاء المدينة. وقد تلقى أحد المدرسين رسالة من تلاميذه وبها (حوالة مالية بخمسة عشر شلناً) جموعها من مصروفهم الزهيد فلما فتح المدرس الرسالة ووجد الحوالة أعجب بتلاميذه النبلاء الذين يحبون مدرسهم حباً عظيماً، ولكن لما قرأ الرسالة وجدهم يقولون: أنهم مستعدون أن يرسلون له مثل هذا المبلغ من حين إلى حين على شرط أن يستمر في إضرابه. . . بين الخيال والواقع يروي الكاتب الفكاهي الأمريكي والترو نيشل القصة التالية: كان الأديب الكبير ألدوس هكسلي مدلهاً في هوى حسناء فاتنة، فأخذ يتحدث عنها إلى أبن عمه العالم في الطبيعيات (جولين هكسلي) قائلاً: - لست أدري كيف خلقت هذه المرأة؟ فحين أتأمل وجنتيها يخيل إلي أنها خلقت من الورد. . . وثغرها شهي الطعم كالخمر المعتقة، وجيدها خلق من حليب، وإن جلست بين يديها وسرحت بنظري في سمائها وأرهفت سمعي إلى صوتها قلت: هذا الملاك خلق من الشهد المصفى. . . وبينما هو مسترسل في هذا الخيال الشعري إذ يقاطعه جوليان، العالم الطبيعي قائلاً: - ما هذا الكلام الفارغ؟ أنا أقول لك من أي شيء صنعت، إن وزنها يبلغ مئة وأربعين رطلاً. إذن فهي مصنوعة من كمية من الدهن تكفي لصنع سبع قطع من الصابون، وكمية من الكربون لصنع (9000) قلم، وكمية من الحديد لصنع (مساكة) لقلم واحد، وكمية من الفوسفور لصنع

(2200) رأس عود كبريت، وكمية من المغنزيوم لصنع ملعقة من الملح، ولتر واحد ماء. . . وداد شمندي

شحن القرائح

شحن القرائح إن التعجيل بالأطفال إلى طلب العلم وشحن قرائحهم بمسائل علمية لا يفهمونها، قد يؤدي بغضاضتهم ونضرتهم، ويطفئ فيهم البادرة ونور البديهة، ولن يلاقي الأطفال في حياتهم وبالاً شراً عليهم من سبق عقولهم لأبدانهم. توماس أرنولد

درسان نموذجيان وضعتهما لجنة المحاضرات

في أصول التدريس درسان نموذجيان وضعتهما لجنة المحاضرات التهجي الصف: الأول، المدة: قراءة 30 دقيقة وكتابة 15 دقيقة المادة: قراءة وكتابة، الموضوع: حرف (س) الصحيح وسائل الإيضاح: 1. - رسم الأشياء الآتية على السبورة قبل الدرس: رأس، فأس، طاووس. 2. - عرض الأشياء الحسية: كيس، (حب الآس) 3. - المعجونة أو الأسلاك اللينة أو حبوب الفاصولياء. 4. - الحروف الخشبية المتحركة. لوحة بيضاء من الخشب، السبورة، الحكك الملون. سير الدرس يكشف غطاء السبورة عن الصورة الأولى التي تمثل الفانوس، يسأل التلاميذ عن اسم الصورة المعروضة فتستنتج كلمة فانوس. وهكذا يكشف الغطاء عن الرسوم الباقية صورة صورة حيث تستنتج المسميات الآنية: رأس، فأس، طاووس، وكذلك تعرض الأشياء المحسوسة حيث تستنتج الأسماء الآنية: كيس حب الآس. وهنا يجدر بالمعلم أن يستنتج الحرف (س) من التلاميذ أنفسهم وذلك بأن يلفظ اسم الصورة أو الشيء المحسوس ناقصاً الحرف (س) طالباً إلى التلاميذ إتمام الكلمة، مثلاً يقول: فانو، فيقولون: س ويطلب المعلم بعد ذلك إلى التلاميذ أن يذكروا كلمات تنتهي بهذا الحرف، ثم يعرض المعلم حرف (س) مجسماً من الخشب الملون أو الورق المقوى على لوحة بيضاء ويطلب إلى عدة تلاميذ أن يمروا - بإصبعهم عليه مع النطق به لتثبيت شكله وصوته معاً. ويكتب بعد ذلك الحرف الجديد مرات على السبورة بألوان مختلفة. (لا بأس من أن يشير المعلم هنا إلى موضع كتابة الحرف بالنسبة لسطر دفتر التلميذ).

ثم ينتقل بهم إلى رسمه في الهواء لوحده، ناظراً إليهم وراسماً بيده اليسرى بصورة معكوسة (س). ثم يشركهم معه في ذلك ويطلب إليهم أخيراً رسمه لوحدهم في الهواء، وتمسح السبورة أثناء ذلك. ثم يبدأ بعد ذلك بكتابة عدة كلمات مهيأة سابقاً تتركب من حروف ومقاطع معلومة وينتهي بالحرف (س). أما طريقة عرض هذه الكلمات فكما يلي: يشرع المعلم بكتابة المقطع الأول دا من كلمة داس، فيقرأه التلاميذ معاً. ثم يضيف إليه بالحك الأحمر الحرف س طالباً إليهم قراءة الكلمة كلها. (تجب قراءة كل مقطع لوحده إذا كان هناك من مقطع واحد في الكلمة). وهكذا في كل كلمة حتى تتألف على السبورة الكلمات الآنية: دا س نا س را س ما س رو س ثم يقوم المعلم بقراءة نموذجية يعقبها شرح موجز للكلمات ذات المعنى على أن يعمل جهده لاستخلاص المعنى من التلاميذ أنفسهم. ثم يقرأ المعلم الكلمات عن السبورة يعقبه التلاميذ بالقراءة كلمة فكلمة. ويستقرئهم مشتركين فزمراً مع ملاحظة إثارة التنافس بينهم. ثم يستقرئهم منفردين ملاحظاً البدء بالأقوياء. وهنا ينشط المعلم تلاميذه بفاصلة رياضية وموسيقية تمسح أثناءها السبورة. يشرع الآن بدرس الكتابة: 1 - يطلب المعلم إلى تلاميذه إخراج معجوناتهم. ويصنع وإياهم الحرف الجديد ويثبته على اللوحة البيضاء ويتفقد أعمالهم مصلحاً ومشجعاً. 2 - ترفع المعجونة ويخرج المعلم بعض التلاميذ ليكتبوا هذا الحرف على السبورة ويعقب ذلك كتابة عامة من فبل التلاميذ على ألواحهم الحجرية للحرف. ولبعض كلمات الدرس. ملاحظة: (في درس ثان للقراءة عن الكتاب ينبه المعلم التلاميذ إلى أن الحرف من المطبوع في الكتاب بأسنان تزول أسنانه عند الكتابة وذلك بقصة بسيطة طريفة). الحساب

الصف: الأول، المدة: 25 دقيقة حساب و20 أشغال المادة: حساب وأشغال الموضوع: العدد 18 وترقيمه وصنعه من الورق الملون وسائل الإيضاح: حزمة خشبية حمراء تحوي (10) خشبات، (8) خشبات بيضاء (8) قروش منفردة، حلقة من الشريط تحوي عشرة قروش. تقسم السبورة إلى بيتين أحدهما للآحاد والثاني للعشرات. تكشف السبورة فيظهر على رفها حزمة خشبية حمراء موضوعة في بيت العشرات، فيسأل المعلم تلاميذه: كم خشبة تحوي هذه الحزمة فيجيبونه (10) خشبات. فيبدأ بوضع خشبة تلو الخشبة في بيت الآحاد ويعد التلاميذ الخشبات الموضوعة قائلين: 11 خشبة، 12 خشبة، 13 خشبة، وهكذا إلى (17) خشبة ثم يضيف خشبة واحدة فيتوصل إلى العدد 18 ويستنتج أن 17 خشبة وخشبة يساوي 18 خشبة. ثم يسأل كم خشبة في بيت الآحاد فيستنتج 8 خشبات ويسأل بعدها: كم حزمة في بيت العشرات فيستنتج حزمة واحدة ثم يعرض المعلم على التلاميذ ثمانية قروش فيعدونها ويسألهم أين يجب أن أضع هذه القروش؟ إلى جانب الثمان خشبات أم إلى جانب الحزمة فيستنتج إلى جانب الثمان خشبات ثم يعرض حلقة من الشريط فيها عشرة قروش فيعدونها فيسألهم أين يجب أن أضع هذه الحلقة فيستنتج إلى جانب الحزمة. يسأل المعلم تلاميذه كم تفاحة يجب أن أرسم في بيت الآحاد ليصبح عددها مساوياً لعدد الخثبات فيستنتج ثمان تفاحات فيرسم في بيت الآحاد ثمان كرات على شكل تفاحة ثم يرسم المعلم سلة في بيت العشرات ويسأل تلاميذه كم تفاحة يجب أن أضع في هذه السلة حتى تساوي عدد الخشبات الموجودة في الحزمة فيستنتج عشر تفاحات فيرسم في السلة عشر تفاحات. وبعد أن نثبت فكرة ال (18) في أذهان التلاميذ يزيل المعلم القروش والتفاح ويطلب من يستطيع أن يرقم 18 خشبة الموجودة على السبورة. وهنا يتبارى التلاميذ لكتابته لأنهم رقموا فيما مضى العدد 17 وتبدو للمعلم سهولة ترقيمية بحيث لا يتكلف التلميذ جهداً في ذلك فهو يرقم كما يرى: يرى 8 خشبات في بيت الآحاد فيرقم بالحكك الأبيض 8 يرى حزمة واحدة في بيت العشرات فيرقم بالحكك الأحمر 1 في بيت العشرات ثم يخرج غيره من التلاميذ فيعيدون الترقيم أيضاً. يطلب المعلن إلى التلاميذ إخراج

ألواحهم وترقيم العدد 18 قاسمين لوحهم إلى نصفين وكاتبين الرقم (8) في النصف الأيمن باعتباره بيتاً للآحاد وفي النصف الأيسر الرقم (1) باعتباره بيتاً للعشرات. ترفع الألواح وتغطى السبورة وتفرط الحزمة وتخلط الخشبات جميعها ونعرض على رف السبورة المغطاة بنظام ثنائي أي كل خشبتين مع بعضهما فيستنتج المعلم العدد الثنائي ويربط العدد (18) بالأعداد الزوجية التي سبق أن نعلمها التلاميذ أي: 2، 4، 6، 8، 10، 12، 14، 16، 18، على أن يعد التلاميذ قارنين اسم المعدود بالعدد أي خشبتان، أربع خشبات. . . ثمان عشرة خشبة صعوداً وهبوطاً. تخلط الخشبات وتنظم بنظام ثلاثي فيستنتج العد الثلاثي الآني: 6، 9،، 12، 15، 18. ولا ننسى أيضاً أن نقرن اسم المعدود بالعدد صعوداً وهبوطاً. ثم يطلب إلى التلاميذ كتابة ما تعملوه غيباً على ألواحهم متجولاً بينهم مرشداً ومشجعاً وتبقى السبورة مغطاة ويزال عنها كل شيء. يطلب إلى التلاميذ رفع الألواح الحجرية والقيام ببعض التمارين الرياضية التي لا تتعدى مد اليدين ونصبهما وإسبالهما مع نشيد منشط. الأشغال: عناصر الموضوع - قص العدد 18 من الورق الملون ولصقه على دفاتر الأشغال 20 دقيقة. وسائل الإيضاح - لوحة كبيرة لصق عليها بصورة مجسمة العدد (18) على أن تكون آحاده بلون ما وعشراته بلون أحمر. يعرض المعلم اللوحة التي لصق عليها العدد (18) سائلاً: اقرؤوا هذا فيستنتج (18) ويقولون لهم سنصنع الآن مثله. يقص المعلم من جديد العدد (8) من الورق الأخضر مثلا وقصه سهل لأنهم قصوا قبله العدد (7) في درس مضى ويقص الواحد من ورق أحمر أمامهم - ويلصقهما التلاميذ ليس أمامهم شيء ما - ويلصق العدد الحاصل في دفتره الخاص وهو صورة طبق الأصل عن دفتر التلاميذ. ويعرض دفتره على أنظارهم بتثبيته على السبورة بمسامير الخريطة.

يطلب من تلاميذه استعمال ورقة ملونة خضراء وقص العدد (8) على أن يقص المعلم من جديد أمامهم قسماً فقسماً وهم يقلدونه حتى ينتهي وينتهون وهو يجول بينهم مرشدا للمخطئين ومشجعا للمجيدين، ثم تعاد الكرة على ورقة حمراء فيقص وإياهم الرقم (1) وهنا يخرجون دفاترهم ويلصقون العدد بإشراف المعلم الذي يذكرهم بأن العدد (8) يكون في الطرف الأيمن والعدد (1) يكون من الأيسر. ثم ينتخب المعلم أحسن عمل للتلاميذ فيعرضه على الباقين ويضعه بارزا وظاهرا في خزانة الصف حتى درس الأشغال المقبل.

نشاط الهيئات

نشاط الهيئات انتخاب اللجنة الإدارية لهيئة التعليم الابتدائي في دمشق اللجنة تقابل معالي الوزير السيد أحمد الشراباتي. تنفيذا للمادة السابعة من النظام الداخلي لهيئات التعليم الابتدائي، جرى بحضور مندوب مديرية المعارف، انتخاب اللجنة الإدارية في دمشق لسنة 1947 من مندوبي المدارس. وقد فسح المجال لكل مندوب لا يريد أن يرشح نفسه لعضوية اللجنة بأن يخبر اللجنة السابقة بذلك، لشطب اسمه من قائمة المندوبين التي وزعت على جميع المدارس لانتخاب تسعة أسماء منها، وقد اعتذر عن الترشيح من مدارس دمشق الزميلان السيدان: رشاد الأسطواني مندوب مدرسة الملك الظاهر وسعيد القضماني مندوب مدرسة عبد الملك وكذلك اعتذر السادة وديع قاوقجي مندوب مدرسة أنموذج دوما وزهير الخاني مندوب المدرسة الهاشمية في دوما وغالب شوقي وخير الدين التكريتي مندوبا مدارس الغوطة. وسحب الأستاذ عادل الحموي ترشيحه من عضوية اللجنة الإدارية قبل فض الأوراق لانتقاله إلى المدارس الخاصة. وقد نال أصواتاً ساحقة. وكان الإقبال والاهتمام بالانتخاب في هذه السنة عظيمين إذ اشترك فيه جميع أفراد أسرة التعليم وبلغت نسبة المقترعين مائة في المائة. وأظهر المعلمون والمعلمات في انتخاب لجنتهم الجديدة وعيا صحيحا وفهما عميقا، وأثبتوا بحق وجدارة أنهم الهيئة المثقفة المختارة. ولا غرو فالمعلمون في أمة تريد أن تنهض وتتحرر وتلحق بالأمم الناهضة، يجب أن يكونوا أمثولة حسنة في التضامن والوعي والتوجيه، فهم حماة تراث الأجداد وبناة الأجيال الصاعدة، وهم جسر الحرية الذي تعبر عليه نهضة الشعب من الذلة إلى العزة ومن الظلمات إلى النور. وكذلك انتخب المعلمات خمسا منهن لعضوية اللجنة. وبعد الانتخاب بيومين، اجتمع أعضاء اللجنة الإدارية وانتخبوا مكتبهم على الشكل التالي: الرئيس: الأستاذ خالد قوطرش. نائب الرئيس: الأستاذ جميل مراد. أمين السر: الأستاذ صلاح الدين أدهم.

نائب أمين السر: الأستاذ حسن العشا. وكيلة أمين السر: الأستاذة مليحة سعيد. المحاسب: الأستاذة عزة صيداوي. أمين الصندوق: الأستاذ مسلم العقاد. الأعضاء السادة: سعاد نصري الشرابي، فائزة عبد العال، أمينة عارف، وسيلة القنواتي، رؤوف جبري، سليم الزعيم، محمود كرد مستو. وقد عز على اللجنة الجديدة أن تحرم هذه السنة من نشاط أمين سرها السابق الأستاذ خالد علي قام بأمانة سر اللجنة مدة أربع سنين بد ونشاط عظيمين. وقد زارت اللجنة الجديدة مدير المعارف العام بالوكالة ومدير لجنة التربية والتعليم ومدير معارف دمشق ومدير التعليم الابتدائي ورئيس الهيئة التفتيشية فلاقت من حضراتهم جميعا كل ترحيب وتأييد. وكذلك حظيت بمقابلة وزير الدفاع الوطني ووزير المعارف بالوكالة الأستاذ احمد بك الشراباتي. فارتجل رئيس اللجنة الأستاذ خالد قوطرش كلمة قال: يا صاحب المعالي! إن أكثر أعضاء اللجنة الجديدة كانوا أعضاء في اللجنة السابقة وقد أراد المعلمون والمعلمات في هذه السنة أيضا أن يجددوا ثقتهم بإخوانهم، وإذا استطاعت اللجنة في السنة المنصرمة أن تحقق بعض ما تصبو إليه أسرة التعليم فلأنها وجدت من المسؤولين بوجه عام ومن معاليكم بشكل خاص ومن معالي الأمير عادل أرسلان كل تشجيع ومؤازرة ومساعدة لا يمكن أن ننساها. واللجنة ساعية هذه السنة بقدر ما تسمح لها إمكانياتها، إلى تحقيق بعض الأهداف. فهي ترجو أن تعمد الوزارة إلى تخليص الطلاب من البرامج النظرية التي تغزو عقولهم قسرا. فالبلاد اليوم وقد دخلت في عهد استقلالي جديد، بحاجة إلى مدارس صناعية وزراعية ودروس عملية. ولنا الثقة التامة بإخلاصكم ونشاطكم في تحقيق هذه الأهداف الوطنية الأساسية. لقد كانت فكرة تحقيق أسراب الطائرات السورية تبدو صعبة للكثيرين ولكن همتكم التي لا تعرف الكلل، استطاعت أن تذلل الصعاب فأصبح لسورية في مدة وجيزة أسراب من

الطائرات تفخر بها. وليس صعبا أيضا إصلاح البرامج، طالما يشترك في توجيه هذه الأمة شاب مثلكم ملء برديه الفكر والعمل. واللجنة وقد حققت هذه السنة فكرة إصدار مجلة للمعلمين والمعلمات ستسمى لتحقيق فكرة ناد لهم، وقد لمسنا من معاليكم في السنة الماضية تحبيذا لهذه الفكرة فنرجو مؤازرتكم النبيلة التي اعتدنا عليها. فرد معاليه بكلمات توجيهية، مشجعة. وخرجت اللجنة من لدنه شاكرة لطفه وعطفه الأكيدين. وجاء من اللاذقية: إن المعلمين اجتمعوا وانتخبوا اللجنة الإدارية باقتراع سري وفي جو هادئ رزين ففاز بالأكثرية السادة: الأستاذ خليل الريس: الرئيس. الأستاذ علي ياسين قصاب: نائب الرئيس. الأستاذ جورج سعد: أمين السر. الأستاذ جميل مخلوف: أمين الصندوق. الأعضاء السادة: أحمد ملا، جلال ملاحش، جورج خوري، جمال مفتي، عبد الغني محمودي. الهيئة في محافظة الفرات: وجاءنا من دير الزور ما يلي: عملا بنظام مقررات المؤتمر الثالث لهيئات التعليم الابتدائي المنعقد في حماه عام 1945 ونظرا لانتهاء مدة الهيئة فقد حدد بعد ظهر الأربعاء المصادف 15/ 1 / 1947 لانتخاب لجنة جديدة. وفي الوقت المعين حضر ممثلو المدارس الابتدائية بدير الزور إلى مدرسة يوسف العظمة وجرى الاقتراع السري لانتخاب اللجنة الإدارية لهيئة التعليم الابتدائي ففاز السادة: طه حداد رئيسا، توفيق الشاكر نائبا للرئيس، توفيق الفتيح أمينا للسر، ممدوح منديل معاونا لأمين السر، عبد اللطيف لويس محاسبا، صالح العلي الجاسم خازناً، وعبد القادر شباط، وعبود عطية، ومحمود الرحبي، وسعيد شرف، وياسين جعفر، وشفيق فتيح أعضاء.

الهيئة في محافظة حماه: وجاءنا من حماه أنه قد تألفت اللجنة الإدارية فيها كما يلي: الأساتذة السادة: أحمد الفرجي للرئاسة، فيصل كيلاني لأمانة السر، فؤاد السباعي لأمانة الصندوق، ورسمي أبو طوق وظافر الحوراني للعضوية. المعرفة ومجلة المعرفة تهنئ الزملاء أعضاء لجان دمشق واللاذقية ودير الزور وحماه الذين نالوا ثقة إخوانهم متمنية أن تصل في عهدهم أسرة التعليم الابتدائي إلى ما تصبو إليه من حقوق مادية ومكانة أدبية تليق بشرف المهنة المقدسة وعملها الوطني الجبار.

دروس التربية البدنية

دروس التربية البدنية بإشراف الأستاذين: أنور تللو المراقب العام للتربية البدنية. يحيى الشركس مراقب التربية البدنية في دمشق. نموذج تمرينات تمثيلية 1 - الجري ثم المشي في أي مكان بالملعب. 2 - تقليد العجان. [وقوف فتحاً] ثني الجذع أماماً أسفل والضغط عدة مرات. 3 - تقليد الملاكم. [وقوف. القدم أماماً] تحريك الذراعين وقذفهما أماماً بالتبادل. 4 - تقليد حركة النواس (رقاص الساعة). [وقوف فتحاً] ثني الجذع جانباً بالتبادل. 5 - تقليد عمال مطحنة البرغل. [وقوف فتحاً] تدوير الذراعين أمام الجسم بالتبادل. 6 - تقليد قصف الرعد. [وقوف، انحناء] الضرب على الفخذين باليدين بالتبادل وبسرعة ثم الدبدبة على الأرض بقوة. 7 - تقليد سير الغراب ووثبته. [اقعاء] المشي أماماً مع سند اليدين على الفخذين ثم الوثب أماماً مع أخذ وضع الإقعاء. 8 - القط وهو يزحف على فريسته. [الجثو الأفقي] التغيير للوقوف على أربع والزحف أماماً. 9 - تقليد المجلخ (سنان المواس). [نصف وقوف] خفض الرجل ورفعها بحركة دائروية (تعاد الحركة بالرجل الثانية). 10 - تدوير (مانولة) السيارة. [وقوف فتحا. انحناء] ثني الجذع أسفل ومده إلى وضع الميل مع تحريك الذراعين أمام

الجسم بدائرة. 11 - تقليد المكنس. [وقوف. القدم جانباً] المشي بخطوات جانبية مع تقليد المكنس بحركات ذراعية. 12 - جري القنفذ وتكوره. [جلوس على أربع] الجري يعلى اليدين والقدمين وعند سماع الصفارة لف الساقين بالذراعين مع وضع الرأس بين الركبتين. 13 - نشر العلم صباحا لتحيته. [وقوف. الذراعان مائلا عاليا أماماً] تحريك الذراعين أماماً أسفل بالتبادل. 14 - السير باحتراس. [وقوف على المشطين] السير ببطء إلى المغاسل. الجدول الثاني 1 - السير في قطارين حول الملعب بأربع عدات ثم وثبة الرقص بأربع عدات وتشكيل دائرتين متداخلتين يقف عليهما القطاران باتجاه متعاكس فالجري بأربع عدات ثم يمسك كل تلميذ في الدائرة الداخلية بيده اليمنى لزميل له في الدائرة الخارجية. ثم يدورون في حلقات صغيرة على محيط الدائرة بوثبات الرقص وعند سماع الصفارة يبدل المسك باليد اليسرى مع استمرار الوثبات بأربع عدات وعند سماع إشارة المدرس يمشون بقطارين إلى التكوينات. 2 - [وقوف] الوثب في المكان (مرتين) ومرة مع رفع ساق خلفاً. النداء: الوثب في المكان (مرتين) ثم الوثب مع رفع ساق خلفاً مبتدئاً بالرجل اليسرى. . . ابتدئ 1، 2 يمين (يكرر). 3 - [جلوس القرفصاء. اليدين على الركبتين] ثني الجذع أماماً لملامسة الركبتين بالرأس بعدتين ثم مد الجذع مع ثني أعلى الظهر خلفاً بأربع عدات. النداء: ثني الجذع أماماً لملامسة الركبتين بالرأس بعدتين ثم مدها عالياً خلفاً بأربع عدات. . . ابتدئ ثني، 2 مد، 3، 4 (يكرر). 4 - [رقود] رفع الرأس مع ثني الركبتين بالتبادل للمسهما بالرأس.

النداء: رفع الرأس مع رفع الرأس مع رفع ركبة للمسها بالرأس بعدتين. . . ابتدئ 1، 2 خفض الرأس مع خفض الركبة ومدها على الأرض بعدتين. . . ابتدئ 1، 2. 5 - [رقود] ضرب الأرض بالعقبين ثلاث مرات ثم رفعهما لملامسة الأرض خلف الرأس بالعدة الرابعة ثم خفضهما على الأرض،. . . ابتدئ 1، 2، 3 فوق الرجلين أماماً على الأرض. . . خفض. 6 - [جلوس طويل] ثني الجذع أماماً أسفل مع فتح الرجلين ثم المد مع ضم الرجلين وسند اليدين جانباً بعدتين فضرب الأرض بالعقبين بالتبادل. النداء: مع فتح الرجلين، الجذع أماماً. . . ثني مع ضم الرجلين الجذع عالياً. . . مد. ضرب الأرض بالعقبين بالتبادل أربع عدات. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. 7 - [وقوف] الوثب في المكان مع ثني الذراعين ومدهما أماماً فجانباً وخفضهما للضرب على الفخذين. النداء: الوثب في المكان مع ثني الذراعين ومدهما وقذفهما جانباً وخفضهما للضرب على الفخذين بأربع عدات. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. 8 - [وقوف] مرجحة الذراعين في زاوية. النداء: مرجحة الذراعين أماماً جانباً أماماً أسفل. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. 9 - [وقوف] رفع ركبة ومدها خلفاً مع تحريك ذراع أماماً والآخر خلفاً والانتظار على مشط القدم عدتين. 10 - [وقوف فتحاً. مسك يد زميل مع تلاصق قدميهما] شد الزميل ثم تبديل المسك باليد الأخرى. 11 - [وقوف فتحاً 1/ 2 لمس الرأس] ثني الجذع جانباً والضغط ثلاث مرات. النداء: ثني الجذع جانباً مع الضغط ثلاث مرات. . . ابتدئ 1، 2، 3 مع خفض الذراع جانباً الجذع عالياً. . . مد. التمرين كله مع التوقيت بالتبادل مبتدئاً بالجهة اليسرى. . . ابتدئ شمال 2، 3، 4 (يكرر). 12 - [جلوس على أربع] مد الركبتين وضغط الجذع للأسفل مرتين. النداء: الركبتان. . . مد.

ضغط الجذع مرتين. . . ابتدئ 1، 2 على أربع. . . جلوس. التمرين كله بالعد مع التوقيت. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4 (يكرر). 13 - [رقود] رفع الرجلين عن الأرض 45ْ ثم تحريكهما بالتبادل عالياً أسفل. النداء: الرجلين عالياً 45 درجة. . . رفع. لتحريك الرجلين بالتبادل. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4 يكرر. الرجلين على الأرض. . . ضع (يكرر). 14 - [وقوف] السير بأربع خطوات إلى الأمام ثم خطوة لليمين ثم خطوة إلى اليسار فالاستدارة للمشي حول القاطرات. 15 - [وقوف بأربع قاطرات] الوثب على حبل مشدود بين زميلين. 16 - [وقوف. الذراعان متصالبان أمام الجسم] مرجحة الذراعين جانباً مائلاً عالياً مع رفع العقبين ثم ثني الركبتين نصفاً مع تقاطع الذراعين أمام الجسم. النداء: مع رفع العقبين، الذراعان جانباً مائلاً عالياً. . . رفع. مع تقاطع الذراعين أمام الجسم، الركبتان نصفاً. . . ثني. مع رفع الذراعين مائلاً عالياً. الركبتان. . . مد. مع تقاطع الذراعين، العقبان. . . خفض. التمرين كله بالعد مع التوقيت. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. أو رفع، ثني، مد، خفض، (يكرر). جدول - 3 1 - [وقوف في قطارين]. السير حول الملعب مع النشيد ثم التبديل للجري إلى التكوينات. 2 - [وقوف] الوثب فتحاً مع الارتداد مرتين فثني الركبتين كاملاً مع لمس الرأس. النداء: الوثب فتحاً مع الارتداد مرتين. . . ابتدئ 1، 2. بالوثب لضم القدمين وثني الركبتين كاملاً الرأس باليدين. . . لمس. التمرين كله بالتوقيت. . . ابتدئ 1، 2، لمس. أو 1، 2، ثني (يكرر). 3 - [وقوف] مرجحة الذراعين أماماً أسفل جانباً مع نقل قدم جانباً ثم المرجحة أسفل أماماً

جانباً مع نقل قدم داخلاً. النداء: الذراعان أماماً. . . رفع. الذراعان أسفل جانباً مع نقل قدم خارجاً. . . رفع. الذراعان أسفل أماماً. . . رفع. مع نقل داخلا الذراعان أسفل جانباً. . . رفع. التمرين كله بالتوقيت. . . ابتدئ أمام، جنب، أمام، جنب. أو أمام، فتح، أمام، ضم. أو 1، 2، 3، 4 (يكرر). 4 - [جثو] ثني الجذع إلى الخلف بعدتين ثم مده عالياً وثنيه أماماً أسفل على الفخذين مع أخذ وضع جلوس الجثو بأربع عدات. النداء: ثني الجذع خلفاً بعدتين. . . ابتدئ 1، 2. مد الجذع عالياً وثنيه أماماً أسفل بأربع عدات. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. التمرين كله مع التوقيت بطيء. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4، 5، 6. 5 - [وقوف فتحاً] ثني الجذع أماماً أسفل مع النقر على الأرض بأصابع اليدين مرتين ثم خلفاً بين الرجلين مرتين ثم الضغط مرتين مع مسك أسفل الساق ثم أخذ وضع الميل مع ثبات الوسط بعدتين فثني الذراعين ومدهما عالياً. النداء: الجذع أماماً أسفل للنقر على الأرض. . . ثني 1، 2. للنقر خلفاً بين الرجلين. . . ابتدئ 1، 2. مع مسك الساقين والضغط مرتين. . . ابتدئ ضغط، ضغط. لوضع الميل مع ثبات الوسط الجذع عالياً بعدتين. . . مد 1، 2. الذراعان. . . ثني. الذراعان عالياً. . . مد. 6 - [وقوف فتحاً الذراعان أماماً. ميل] لف الجذع مع مرجحة ذراع جانباً وتحريك الأخرى أمام الجسم بعرض الصدر. النداء: مع مرجحة ذراع جانباً الجذع للجهة اليسرى. . . لف للجهة اليمنى. . . لف.

التمرين كله مع التوقيت البطيء. . . ابتدئ يسار، يمين. 7 - [وقوف. ثبات الوسط] الحجل مع مد رجل جانباً وأماماً ثم الوثب في المكان مرتين. النداء: مع الوثب مشط القدم جانباً. . . ضع. مع الوثب المشط أماماً. . . ضع. الوثب في المكان مرتين ابتدئ 1، 2. التمرين كله بالعد مع التوقيت. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. 8 - [جثو أفقي] ثني الذراعين لملامسة الأرض بالجبهة ثم مد الركبتين وضغط اللوحين بسحب المقعدة خلفاً. النداء: الذراعان. . . ثني. الذراعان والركبتان عالياً. . . مد. اللوحان خلفاً. . . ضغط، ضغط. التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ ثني، مد، ضغط، ضغط (يكرر) 9 - [وقوف عال] اللف والسير جانباً على المقعد. 10 - [وقوف. تشبيك اليدين] رفع قدم عالياً وإدخالها بين الذراعين. 11 - [وقوف فتحاً. مسك] شد الزميل. 12 - [وقوف فتحاً فوق زميل راقد على الأرض. المسك] رفع الجسم عن الأرض وخفضه (الراقد) (يكرر). 13 - [رقود عال. الذراعان عالياً] رفع الرجلين ببطء إلى زاوية 95 درجة بأربع عدات. النداء: رفع الرجلين عالياً ببطء. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4. خفض الرجلين على الأرض. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4 (يكرر) على (المقعد). 14 - [وقوف فتحاً. الذراعان خلفاً. ميل] مرجحة الذراعين أماماً أسفل وعالياً. أسفل (4. عدات) متبوعاً بثني الجذع أماماً. أسفل لمسك العقبين مع الضغط (4. عدات). النداء: المرجحة العامودية. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4، أو، أماماً، أسفل، أعلى، أسفل. لمسك الساقين الجذع أماماً أسفل مع الضغط. . . ثني ضغط، ضغط. لوضع الميل الجذع عالياً. . . مد.

التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ أمام، أسفل، أعلى، أسفل، ثني، ضغط، ضغط، مد. أو 1، 2، 3، 4 ثني، ضغط، ضغط ميل. 15 - [جثو أفقي] وضع الذراع تحت الجسم ثم قذفه جانباً مع لف الجذع. النداء: الذراع الأيسر تحت الجسم. . . ضع. للف الجذع الذراع جانباً. . . قذف. اليد على الأرض. . . ضع. التمرين كله مع التوقيت للجانبين. . . ابتدئ 1، 2، 3 أو ثني، قذف، رجوع (يكرر). 16 - [وقوف] السير بخطوتين للأمام مبتدئاً باليسرى ثم رفع الركبة اليسرى مع رفع عقب اليمنى عن الأرض متبوعاً برفع الذراعين جانباً بالعدة (الثالثة) والانتظار بنفس الوضع بالعدة الرابعة والخامسة ثم خفض الذراعين والرجل ثم إعادة التمرين متقدماً بالرجل اليمنى فالدوران إلى الخلف بعدتين. . . (يكرر). 17 - [وقوف. استناد] القفز جانباً على العارضة على أن تسبق قدم الأخرى. ويكر من جهة إلى أخرى. وتعمل الحركة مع الجري والاندفاع أولاً ثم تعاد بدون اندفاع. 18 - [جلوس قرفصاء. اليدان وراء الرأس]. (الشلبة إلى الوراء ثم إلى الأمام). 19 - [وقوف. الذراعان متصالبان] مرجحة الذراعين جانباً مائلاً عالياً مع رفع الركبتين بالتبادل. 20 - لعبة طابة اللوحة الخشبية. لعبة طابة اللوحة الخشبية عدد الللاعبين: 12 - 30 الأدوات: لوحة خشبية مربعة طول ضلعها 30سم. طابة من المطاط أو طابة تنس، أربعة أعلام صغيرة أو لوحات خشبية مربعة. شريط من القماش الأحمر والأزرق توضع على أذرع اللاعبين للتمييز بينهم. مكان اللعب: أرض مربعة طول ضلعها من 12 - 15 خطوة تحدد زواياها بأربعة أعلام صغيرة أو باللوحات الخشبية إذا كانت الأرض قاسية. ويوضع في منتصف ضلع من

الأرض المربعة الوحة الخشبية بوضع قائم. يقسم اللاعبون إلى فريقين متساويين في القوة والعدد، يسمى الفريق الأول فريق الرماة. والثاني فريق المدافعين. ويأخذ كل من الفريقين أرقاماً متسلسلة، وتجري قرعة بين الفريقين لأخذ دور الرماة، حيث يقف الرماة خارج المربع على طرف من اللوحة الخشبية بحب أرقامهم المتسلسلة بينما ينتشر المدافعون في أرض الملعب. طريقة اللعب: يقف أحد الرماة وراء اللوحة الخشبية ويقذف الطابة عالياً ويتركها حتى تقع على الأرض لترتفع مرة أخرى في الفضاء وعندئذ يضربها براحة يده اليمنى ضربة قوية ليرسلها باتجاه عالٍ في الفضاء لتقع على الأرض في أبعد نقطة ممكنة. يحاول المدافعون التقاط الطابة بأسرع ما يمكن، أما وهي طائرة أو وهي على الأرض. وفي الحالة الثانية تسدد الطابة لإصابة اللوحة الخشبية. قواعد اللعب: 1 - عندما يلتقط المدافعون الطابة وهي طائرة يحرم اللاعب الرامي اللعب ويتقدم اللاعب الذي يليه ليأخذ دوره في اللعب. 2 - يحرم اللاعب الرامي من اللعب إذا أصاب أحد المدافعين اللوحة الخشبية بتسديد مباشر. 3 - يحق للرامي الاستمرار بإرسال الطابة إذا لم تطبق بحقه إحدى المادتين السابقتين. 4 - يحرم الرامي من اللعب إذا فشل ثلاث مرات متتاليات بإرسال الطابة تسجل علامتان في كل مرة يصيب فيها المدافعون اللوحة الخشبية وإذا أخطؤوها تسجل علامة واحدة إلى فريق الرماة. 6 - يجب أن تسدد الطابة لإصابة اللوحة الخشبية في الأحوال الآتية: آ - من المكان الذي استقرت فيه الطابة داخل الأرض المحددة للعب أو أوقفت فيه. ب - إذا دفع أحد الرماة الطابة إلى الحد المقابل للوحة، تسدد الطابة أيضاً من المكان الذي استقرت أو أوقفت فيه. ج - إذا تجاوزت الطابة أحد الحدين الجانبيين ترمى الطابة من قبل المدافع الذي أوقف الطابة وذلك داخل المربع على امتداد الخط الذي يشكل زاوية قائمة من النقطة التي

اجتازتها الطابة. د - يغير الفريقان أمكنتهم عندما لا يبقى لاعب في معسكر الرماة. هـ - يأخذ كل فريق دور الرماة مرتين في معسكر الرماة والفريق الرابح هو الذي حاز على علامات أكثر. وعندما تعاد اللعبة مرة ثانية يقف الفريق المغلوب في معسكر الرماة أولاً. أخطاء عامة: تعتبر الإصابة لاغية إذا أصابت اللوحة وهي متدحرجة.

طريقة مس ماسون

طريقة مس ماسون مس تشارلون ماسون، مربية إنكليزية كبيرة أنشأت جماعة الآباء للعمل على النهوض بتربية الطفل، وأنشأت مدرسة نموذجية في (آمبلسيد) وأخذت تنفذ كل المبادئ الصالحة في التربية بمدرستها، نذكر منها: 1 - إيجاد روح التعاون في المدرسة وتعاون التلميذ مع المدرس. 2 - العمل بقاعدة الحرية المعقولة في التعليم. 3 - عدم إرهاق الطفل بأوامر ونواه لا حاجة إليها. 4 - تعويد الطفل الاعتماد على نفسه في التعلم والبحث. 5 - تشويقه إلى العمل وترغيبه فيه. 6 - مراعاة عالم الطفل وطبائعه وغرائزه دائماً. 7 - العمل بنظرية الحكم الذاتي في المدرسة. 8 - التفكير في الطفل قبل أي شيء آخر، والعمل لإعداده للحياة التي تنتظره، بالجمع بين التعليم النظري والعملي. عن التربية الإنكليزية للأبراشي

الذكرى

الذكرى صورة حلم للدكتور: عادل العوا لو كنت شاعراً لأنشدت الخلود في صورة الذكرى، ولقلت مع شاعر لا أعرف أن الذكرى صورة حلم، فهي حلم الوجود الجديد يبدو في صورة لحن تنشد صغيرات بريئات في شفق الشمس على ذرى لبنان، وهي الحلم بالبقاء في صورة اصفرار يعلو وجوه سفَرْ يغرقون، وهي صلاة المستجير بآلهه والأنبياء والقديسين، وهي اندفاع اللقاء بين غائب وحاضر، وصلة الترابط بين القديم والجديد، تنسج الحاضر من خيوط الماضي، وتبقى على الحياة الحياة، فهي الثغر الجميل يدعوك إليه، والبريق في عين تصرح قتلاها بين الرصافة والجسر، إنها نزهة في ليلة حارة قمراء، وغرفة تشريح تفقد الخائف شجاعته، وهي مبضع الجراح، وزاد التلميذ، وألوان الشاعر، وحرارة تنعش أصابعك فتوحد باللمس الشفة والجبين، فالذكرى وجود الموجود، وكل مالا يتذكر وجوده لا يعود إلى وجودك، وهي نور وعاطفة وخوف ورجاء. الذكرى بعض من الإله في روح الإنسان، فهي الهبة العليا، والمنحة السماوية. بعض القلوب تذكر فتعشق. وبعض الحب يذكر فلا يموت. وبعض النفوس تذكر ضعفها فتتسامى، ونقصا فتتكامل، ذكر (ديموستين) الألكن عجزه عن الإفصاح فأقسم ليخطبن في الناس حتى أصبح المفوَّه المصقع ذائع الصيت. وذكر (بيتهوفن) صممه فهز البشرية بأصواته وموسيقاه. بعض الأفكار تذكر ذاتها فتنسجم، وبعض الأرواح تذكر الآله فتحيا بذكراه، وتطمئن إليه، وتنزع نحوه، والذكرى عند الإنسان عاطفة وفكر معاً، لا يحيا فؤادان إلا بها، ولا يخاف عقل إلا فناءها، ولا تطلب النجاة نفس إلا بدافعها، ولا يتم بدونها وجود ولا خلود. يأس وأمل غير أن الذكرى في صورة البكاء مريرة سامية، تهدم وتدك، وهي عذبة منعشة في صورة الأمل، ترفع وتشيد. وأنا لا أطيق من الذكرى البكاء على الحلم. حلم ترك فلم تبق وإياه كما وددت. أو حلم تركته لأنك لم تبقيه لديك كما وددت. والبكاء وقوف بالأثافي. وجمود أمام

الأطلال. وهو تواكل ويأس ثم قنوط وفناء. أستميح القارئ معذرة إذا أسمعته في هذه الأسطر ألحان ذكريات شعرائنا البكائين. فتلك سمة أولى من سمات نفسيتنا التاريخية. ولون قديم قائم من ألوان شرقيتنا الباقية. هذه كبد السادة والسيدات من شعرائنا وشاعراتنا، السابقين والسابقات، تنفطر تحرقا وألماً في ذكراهم، وعلى ذكراهم، وهذه أفئدتهم تهلك أسىً ولوعة، ودموعهم لؤلؤ أسود في عقد حزين، يعصف وجودهم لذكرى الحلم البادي كباقي الوشم في ظاهر اليد، انه حلم بعيد يرجع إليه زهير بعد عشرين عاماً فلا يعرف الدار إلا لأيا، ولكنه يعرف سكان الدار. لا بلمسه وسمعه وشمه وذوقه، بل يراهم في نفسه فيحلم بعاطفته وقلبه، فذكراه حلم وتوهم: وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم يبكي زهير بعد التحية، تحية العرب. وبعد السلام، سلام الصباح لأم أوفى. ويمتشق عنترة الحسام، فيقتل ويشفي بالقتل من يشكو سرور الحياة، ولكنه ينعطف إلى ذكرى عبل، ويركع أمام التي في معبد الهوى، فيبكي مع الحمام منشداً: أيا عبلَ كم يشجى فوادي بالنوى ... ويروعني صوت الغراب الأسود كيف السلو وما سمعت صائحاً ... يندبن إلا كنتُ أول منشد ثم يبكي الشاعر الملك امرؤ القيس، ويأمر بالبكاء، ويقف على مطيته في مسرح البادية الفسيح، ويأمر بالوقوف، فتملئ دنيا الجاهلية بالجاهليين، وتبكي الملكة الشاعرة، ولم تتوج، الخنساء تماضر، فتدوب وتسمو وتبقى خالدة فلا تموت: يا عين جودي بدمع منك مسكوب ... لؤلؤ جال في الأسماط مثقوب إني تذكرته، والليل معتكر ... ففي فؤادي صدع غير مشعوب يبكي هؤلاء الناس ذكراهم، ولكل عاشق حبيب، كما بكى ابن ساعدة خليليه، سحابة عمره كاملاً، وأقام على قبريهما ليس بارحاً طوال الليالي أو يجيب صداهما. نحن يبكون حلماً كأن الحقيقة المثلى، وهم الناس أسلافنا، ونحن بعض منهم نتمم أجسامهم وعبقريتهم، وقوميتهم في أرواحهم، وأرواحهم في قوميتهم، زال من أحدهم واقع راهن، وحبيب مرتحل، وبقيت ذكرى الحبيب الغائب، فبكى صورة الحلم الماضي عندما وعى

الطلل والرماد، وما نحن العرب اليوم إلا لفتة نحو الماضي، هذا الحلم المجيد نستعيد ذكراه، لننهض به ونجعله الذكرى في الدهر كله، واللحن في سمع الوجود، بدأ عند أمتنا الوعي لأنها بدأت تذكر الماضي الحبيب، وتحن إليه، وتعيش صورته الجليلة من جديد، أو تحاول. الآن على وجودنا_عفواً أقول_نطلع على آثاره القليلة التي لا تزال، لسعد حظنا، ماثلة لم يقف كل رسمها. وكأننا جميعاً زهير بن أبي سلمى الحكيم يتفرس مجدنا الغابر بعد غياب وفراق، وبعد وبعاد، وهجر وإغفال، ندرك حلمنا الرائع، ونعرف ذكرى أمتنا الباقية، وكأننا جميعاً عنترة يبحث عن أسلحة لجيشه، ومعامل لطائراته، وطائرات لرمحنا، نحمله إلى صدر الأعداء، لنروع الغربان بعد أن راعنا الاستعمار ويرجع أحدنا الفارس العنيد وهو قد انقلب حمامة وديعة فقدت أليفها فانهارت أدمعها تترى. . . البكّاؤون وعى الشعراء مصاباً وذكروا حلمهم في صوره الباقي، فبكوا الفردوس، ووعى مفكرونا الصادقون مصاب تاريخنا فذكروا لنا حلماً جميلاً، وفقط بعضهم فكانوا البكائين من الدرجة الأولى، دأبهم عبادة الذكرى، والجمود أمامها، والتصلب حتى الموت، أو الذوبان حتى الفناء، يقدسون الأثافي، ولا يرجعون القدر فوقها، يتلمسون الظل ولا يقبلون الجسم، يلمسون الأحجار ولا يعيدون البناء، هم التقليديون المفكرون، يفكرون بما زال، ولكن يضيقون عما يحدث. فكرهم ذكرى، وأملهم حلم وحلمهم فناء. وهم رجعيون في اعتبار، يتمنون الخلود في السكون، وخلودهم أدنى وأرخص من الحياة. غير أني لا أود تخليد الذكرى في الموتى والموت، فالأفراد هم الفانون. والوطن يستقل عن أبنائه الزائلين، وأنا أطلب الخلود للوطن الذي لا يزول، ولو قلت شعراً لطلبت بالشعر حياة الوطن، وجعلت الذكرى حقيقة الحلم، بل أبهى وأصح. العاملون والذكرى صورة حلم إليه تعود قوته، وطلل ماض يكتسب كماله، ووشم يد يغزو جماله، وينمي جمالها، والصورة التي تفقد نورها لا تستحق نفحة الحياة، والحلم الذي يقصر عن تدارك حرارته سلب وانتقاص، وهو جدير بالسلب والانتقاص، والقلبان اللذان ألف بينهما قدر فتفاهما واتحدا عليهما البقاء في التفاهم والاتحاد، عليهما العمل على زيادة التفاهم

واشتداد الاتحاد، أما إذا افترقا وهزلا وزال كل شيء سوى الذكرى، فالذكرى الجامدة تأكل نفسها، وتزول لأن الأيام تمحوها، ويجب لها أن تزول لأنها وحدها حياة اليأس المريرة، وليس قلب يعيش باليأس، وليس شعب يحيا بالبكاء، وليست امة تخلد بالنواح والتقليد. الذكرى قدسية في قدسية العمل والتطور والتقدم والارتقاء، والعاملون في امتنا هم المفكرون التقدميون، فكرهم عاطفة وعقل، إيمان وذراع، يطلبون الحركة في صميم الجاد، ويبغون السير بمركب المواطنين والإنسان، ويحرصون على معاقرة الوجود، ويسعون إلى إتراع الكأس، وتنظيم التاريخ، وتوجيه الأمة في التاريخ، وخلقه وخلقها، وإعادة المجد، وإرجاع الذكرى وتحقيق الحلم. الكتلة السوداء وبين هذين التيارين يشاهد السواد الجاهل، وهو المصدر الغامض، والعجلة الثقيلة، والجمهور الغافل، الأمي عن الوعي، الأكثر عدداً، والأقل عدة، الراقي رقماً، والأدنى قيمة، الضال عن العلم، والمضل بالجهل، وكان الأحرى به الرقي والتقدم والذكاء والعلم ولعل الأمة العربية حيث يسود الجهل في أوساط كثيرة منها_مع الأسف الأليم_أشبه برأس ضخم، تتجاذبه أذنان صغيرتان واعيتان، الأولى تعي ذات اليمين، والأخرى ذات اليسار، وبينهما الكتلة السوداء تسوقها دعاية، ويستفزها ضلال، وكأنها حجر صلب في منصف أنبوب، ليس يفسح للنور مجالاً، ولا للحياة نوراً، كيما ينضح ويثمر بعد أن يستفيق. وكشف المصاب في رأينا طريقة النهضة، والنهضة الواعية الصادقة، التي هي غير ذات اليمين فحسب، وغير ذات اليسار المطلق، بل هي نهضة أمة حاجة هذه الأمة، ويقظة شعب حسب ميول هذا الشعب، ونزوة تاريخ حسب هدف هذا التاريخ، ورجوع حلم حسب فلسفة هذا الحلم، والأصل في كل ذاك أن ترتكز إلى دعامة العرب الصحيحة، ومجد العرب الصحيح، وتلك ذكرانا الأولى. الذكرى العربية لنفتح إذن قلب الأمة العربية ونشاهد حياة الذكرى فيه. لقد كانت هذه الذكرى حاضراً صحيحاً، وكانت في العصر الجاهلي تمخضاً، بزغت عنه القوة العربية في النهضة الإسلامية المتحررة الواثبة، والقوية المنطلقة من قيود الجهل

والتفرقة، فكانت أمة انتهى البيان إليها، وسارت في غلاب الجهل والتفكك ركبانها، وأتيح للعرب جمع عناصر المدنية الإنسانية في توحيد جديد، ودخلت العناصر الرومية والفارسية والشرقية والإفريقية في تفاعل إنساني طريف، وامتزجت في قصور الشام أبهة الروم، وأنس الحب، ووداعة الاعتقاد مع فخر التوسع ولذة الانتصار. فكانت أمية في الطليعة، وكانت الإمبراطورية العربية ينبوعاً لذكريات مجيدة، يخطب طارق في الغرب على جبله، ويغني عمر بن أبي ربيعه هواه، ويفتح التراجمة أسفارهم، وتتفتح أكمام الفكر العربي، فتلد العلوم تلو العلوم، وتنمو الدراسات تلو الدراسات، وتنفجر الفلسفة العربية من ينابيع الدين والعقل، فهذه حركة الفقه والتفسير، وأبحاث اللغة واللسان، وهذه حركة القصص والتاريخ والاجتماع، وهذه حركة تمازج الثقافات، يلتئم فيها النمو العلمي والنمو الأدبي والنمو الفكري في روح عربية شرقية جامعة، وينجلي ذاك عن علم بالفلسفة، وفلسفة بالعلم، وكلام فيهما وفي الدين، وهذا هو علم الكلام تلقى بذوره في الشام فتنبت أصوله في مساجد البصرة، وتزهر أغصانه في مدارس بغداد، ويأتي أكله في بلاط العباسيين، وتردد رجعة العجوز في دارها، والتاجر في حانوته، وهذا الفارابي يصنع السعادة في مدينته الصنعية الفاضلة، وهذا ابن سينا يداوي الجسم والروح، فيضع القانون ويستهدف النجاة عن طريق الإشارات والتنبيهات والشفاه. ويجرب الرازي سيمياه وكيمياه، وينظر ابن الهيثم في رياضياته ومناظره بعد أن جال البيروني في علوم الهند، ومقولاتها ومعقولاتها، ويضع الخوارزمي أسس اللوغاريتمات، ويؤلف في الجبر، وينطلق التحرر، فلا التنجيم سحر، بل علم، ولا الشعر بكاء على الأطلال، بل تجدد وانبعاث، ويتحدث عن كل ذاك إخوان في موسوعة. وهذه موسوعة إخوان الصفاء، عربية وحيدة في النوع، يقرؤها الغزالي، ويتأثر منها، ويثور عليها لأنه انتهى بالثورة على الفلسفة جميعا، وألقى في الشرق النداء الأخير، فجاء مزيجاً من العقل والنقل، ودك الفكر بسلاح الفكر، فانصرف الناس إلى الأكل قبل الفلسفة، وتحولوا من الإبداع إلى الإتباع فدهمتهم الحروب الصليبية، وعانت الأمة العربية ما عانت ولكنها صمدت صميدة بإباء، ورسمت آخر الألوان القوية في لوحة ذكرياتها المثلى، ثم نكبت بالتفرقة والانقسام وطغا جنكيز وأهلك هولاكو، واستعلى الترك من بني عثمان، حتى كانت

خلافة في غير أهلها من العرب، ولم يتقلص ظل العثمانيين رسميا قبل عام 1922. واجبنا هذه أرض ذكرانا وسماؤها، هذا تراثنا ورأسمالنا، فما عسانا نفل في الأرض وفي السماء؟ بعضنا وفيهم السواد منا ناعم البال قرير العين يعيش عيش الإنعام ويموت موت البعير، فلا كان احترام للأنعام ولا مجد للبعير، الهناء لديهم جهل وخلو من الذكريات، والإنسانية عندهم طعام واجترار، لا وطنية يفهمونها مع الإيمان، ولا قومية يقدمونها مع الوجود، تباً لهم ورحمى، إنهم كالمادة أعماها الاستعمار، فهي ترجو النور، وكالمعدن أثقله التراب فهو يأمل الخلاص، وهذه الشعوب من جماهير الأمة العربية ترسف وتتألم، وقد آن لها أن تقدس وتحب وتنقذ، إن حياة الأمم لا تحتمل الإهمال، ونهضة البلاد لا تقوم على القيد وبالقيد، حارسها أخلاقها الطبيعية، والطبيعية فحسب، وسلاحها العلم، والعلم من غير السحر، أما منقذوها فهم أبناؤها، وأبناؤها العاملون، المفكرون المتقدمون، يفهمون الذكرى، ويجدون فيها هواهم وصوتهم وعقلهم، ويحيون مجداً عربياً ليس المجد العربي السالف غير أصله وصداه، ويطلبون نهضة ترتكز إلى الماضي من غير أن تكتفي به، ويرمون إلى الحياة بالحياة، وإلى الشعر بالأمل، يتوسعون في فتح مغالق الإنسانية، واكتساح ظلمات الجهل والضيق، صدورهم معامل تنقية لا منافخ العبث وإلا فساد، وقلوبهم انبساط بعد تقلص لا انقباض على ضيم، المعلم عندهم حجيرة ينمو عنها الدماغ، والتاجر عندهم جسر للتقدم لا بئر للاحتكار، ليست أقوالهم ألفاظا، ووعودهم سرابا، وشعرهم صياحا، وصياحهم بكاء. الوجود كتلة الحب في الفؤاد، وروح الحلم في النفس، وصورة الذكرى المتجددة بالود، والمتقدة بالعاطفة، والمنتهية إلى اليمن والإقبال، والأمة وجودها عقل في القلوب، وشعرها ابتسامة في القومية، وأدبها جوهر في العقد، وإما تاريخها. . . فهو الذكرى في صورة حلم مجيد. عادل العوا

التربية والسلام العام

التربية والسلام العام للأستاذ عبد الحميد الحراكي مدير معارف حمص لا أعتقد أني بحاجة إلى الأسباب وإطالة الكلام وإيراد الأدلة والبراهين لإثبات أن الحياة قد تغيرت عن ذي قبل تغيراً كلياً بارزاً وظاهراً للعيان وأنها بتغير دائم مستمر بكل ما فيها من قوانين وأنظمة وعادات وأخلاق وتربية وما شاكل ذلك، وأنها لا تزال تتغير وتتطور وفقاً لحاجات العصور التي مرت عليها فما كان يصلح في الأمس البعيد أو القريب لم يصلح اليوم. وما هو صالح اليوم سيصبح عديم الصلاح في الغد وهكذا دواليك إلى ما شاء الله، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا. لذلك وجب على أبناء هذه الأمة أن ينبذوا الجمود ويألفوا الحركة ويتتبعوا سنن النشوء والارتقاء الكونية، ويدرسوا سير الأمم الغابرة والمعاصرة ويكيفوا حياتهم بمقتضى حركتها الدائمة وسيرها المتواصل السريع ويرافقوها ولا يتخلفوا عنها ولو قيد خطوة كيلا تسبقهم إلى الأهداف المقصودة وتستأثر بها كما شاهدناه وشاهده غيرنا من الأمم من قبل أو كما نشاهده اليوم في حياتنا الدنيا هذه لأن الطبيعة لا تعرف الوقوف بله الجمود، فمن لا يتقدم إلى الأمام يتأخر إلى الوراء، وحرام، بل إجرام، التخلف عن ركب الحضارة إذ بينما نرى بعض الأمم في عصرنا الحاضر تسير السير الطبيعي المعتاد، وتتمكن من القبض على أزمة العالم وموارده الحيوية كلها تقريباً، نرى بعض الأمم الأخرى تسير السير المخالف للقوانين والنواميس الطبيعية ولا تسايرها المسايرة التي تتطلبها الحياة الحقيقية، فتتأخر وتتأخر حتى تصل إلى آخر دركات التأخر والانحطاط والجمود من الفقر والجهل والغباوة، حتى تصل إلى درجة الذل والمسكنة والاستعباد ويستولي عليها غيرها من الأمم القوية المسايرة لروح العصر بحجج مختلفة ودواعي باطلة وأدلة غير معقولة ما أنزل الله بها من سلطان ولا يرضى ولا يقول بها إنسان فيبدأ الصراع الدائم بين الحق والباطل ويدوم ما شاء الله أن يدوم حتى تتبدد الغيوم الكثيفة وتزول الظلمة وتهدأ العاصفة ويصفو الجو ويظهر الصبح لذي عينين وتستيقظ الأمة من سباتها العميق وتشرع بإتباع سنن النشوء والارتقاء وتساير الحركة الكونية وتوفق حركاتها على قوانينها وسننها وتنهض لاسترداد حقوقها المغتصبة فتصول وتجول

وتكافح وتناضل وتبذل الأموال والمهج في سبيل خلاصها حتى تتخلص من الكابوس الجائم فوق صدرها وتبرأ، ولكن إلى حد محدود، من المرض الذي استولى عليها وأنشب مخالبه فيها ردحاً من الزمن، يطول أو يقصر، بحسب استعدادها للمرض وإلا بلال منه، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وهكذا دواليك كما قلنا آنفاً، حتى أدت الحال إلى نزاع دائم بين الأمم كاد يقضي على معالم البشرية والحضارة ويدكها من أساسها إن لم يكن اليوم فغداً كما هو مشاهد في الماضي وكما نشاهده اليوم بأم عيننا. مما دعا المفكرين والمصلحين في كافة العصور منذ ابتداء الخليفة وفجر التاريخ إلى السعي وراء إصلاح البشرية وتخليصها مما يحيق بها من الويلات والعصائب وأسباب الاندثار والانقراض، بدعوتها إلى السير في الطريق السوي المستقيم، ونبذ الأحقاد والتنافس والخصام وتسوية القضايا المختلف عليها بالتشاور والتراضي بدلاً من اللجوء إلى القوة والحروب وزوج البشرية في أتونها اللاهب. وتخليصها من الويلات التي تحل بها من جراء ذلك والسعي وراء إيجاد إخاء عام وسلام دائم، ووضع قوانين وأنظمة تؤمن معيشة الجميع وأمنهم ورفاهيتهم. وقد ظهر كثير من المصلحين والفلاسفة والمفكرين دعوا الناس بأساليب شتى للوصول إلى هذا الغرض الأسمى، حتى انتهى بهم الأمر إلى التفكير بتوحيد العالم وتأليف جمعية واحدة تضم كافة أفراد البشرية تحت لوائها وتعاملهم معاملة واحدة تؤمن لهم حياتهم وحاجاتهم على اختلاف أنواعها ليسود السلام العام وينتشر لواء الإخاء والمحبة والعدل والمساواة بين الناس وتزول المطامع من أذهان البشر ويصل الجميع إلى الغاية الإنسانية القصوى، والهدف الإنساني الأسمى، والمثل الأعلى المقصود من الحياة ضمن نطلق أسرة واحدة، كما سأبينه إلا إنهم اختلفوا على الطريق الواجب سلوكها للوصول إلى هذه المثل العليا والأهداف السامية التي لا حياة للبشرية بدونها، فمنهم من اتخذ الوعظ والإرشاد وسيلة لذلك، ومنهم من اتخذ العلم وافتتاح المدارس ونثر الثقافة واسطة لهذا الغرض، ومنهم من استعمل القوة والسيطرة على الأمم بواسطتها للتمكن من تسيرها حسب أغراضه بدعوى إيصالها إلى هذه الأمنية الغالية، ومنهم من استعمل أو فكر باستعمال طرق وأساليب مختلفة أخرى لا تعد ولا تحصى فشلت كلها ولم يكتب لها النجاح، حتى فطن في المدة الأخيرة وبعد طول التجارب بعض المصلحين إلى طريقة جديدة يعتقد أنها هي الطريقة المثلى التي تخلص البشرية من هذه

الفوضى وتوصلها إلى أهدافها السامية ومثلها العليا التي خلقت لأجلها، إلا وهي تغير أساليب ومناهج فني التربية والتعليم وسن قوانين وقواعد وطرائق جديدة وتأليف الكتب اللازمة لها ونشرها في كافة أنحاء العالم لتسير بموجبها مدة كافية من الزمن، علَّ البشرية تصل إلى ما تصبو إليه من الطمأنينة والرفاهية والسعادة، وتحقق ما أخفقت في تحقيقه منذ فجر التاريخ. وبالفعل فقد شرع في تأسيس الجمعيات الثقافية وعقد المؤتمرات التعليمية الخاصة والعالمية لبث الدعاية لهذا الغرض الأسمى الذي يقضي بأن يتجه التدريس في العالم كافة نحو تأكيد أهمية السلام والتعاون بين الأمم، وإشراك الطلاب وأساتذتهم في دروس تعالج الشؤون العامة، ونشر المقالات والمناهج المتضمنة التعليمات والأساليب في الاتجاهات الدولية الجديدة، وتبادل بعثات الطلاب والأساتذة وتسهيل كافة الطرق واتخاذ جميع الوسائل التي تؤول فائدتها إلى الوصول إلى هذه الغايات الإنسانية ووقاية الأجيال القادمة من توارث الحروب وويلاتها ومصائبها، وقد وجد بالفعل اتجاه جديد للتعليم تبحث أسسه ومناهجه الحديثة الجمعيات الثقافية التربوية وتنشر المقالات الصافية بما تبحثه هذه الجمعيات من المشاكل الأساسية لتنظيم المدارس والمناهج والأساليب الدراسية لما لها من الأهمية العظمى والفائدة المتوخاة في تنظيم السلم العام في المستقبل، وقد ثبت وتأكد مؤخراً أن المدرسة هي الوسط الملائم الذي يقوم الأستاذ فيه بتعيين وتوجيه العلاقات الإنسانية بين التلاميذ ويضطلع بمسؤولية توجيه الأجيال القادمة الجديدة من المجتمع، وفيها تعين الأفكار والغايات المنتظرة الحديثة للتعليم والتربية، سواء في الدروس أو في طرائق التعليم والتهذيب أو في تنظيم المدرسة أو في اختيار الكتب المدرسية التي تؤمن التعاون العالمي الذي يتوقف عليه تنظيم السلم بمنع تدريس الكثير من الكب المدرسية والمواد الدراسية لاشتمالها على أشياء كثيرة لا تتلائم مع هذا الغرض الأسمى واستبدال غيرها بها من كتب وموارد دراسية جديدة تبذر وتغرس في أدمغة التلاميذ ونفوسهم المبادئ والتعاليم الحديثة التي تتطلبها القومية الصحيحة المبنية على حب وطنها واحترام وطنية الأمم والشعوب الأخرى وتحقيق التعاون والتقدم وازدهار مبادئ الإنسانية والمحبة والعدالة والإخاء والمساواة. وفي النتيجة توطيد أركان الإنسانية

والحضارة واطراد تقدم مبادئ الإنسانية الحقيقية. وعليه ولأجل ذلك كله، أرجو أن لا تنتظروا مني البحث عن أساليب التعليم المتبعة في كافة المعاهد الثقافية في أنحاء العالم وفقاً لنظريات ابن خلدون والغزالي وبستالوتزي وفروبل وهربرت سبنر ومونتسوري ودالتن وغيرهم من أساطين فني التعليم والتربية ممن عنوا العناية التامة بأصول تدريس المواد الدرسية من لغات وتاريخ وجغرافيا وفيزياء وكيمياء وهندسة وحساب وسواها، فهذه طرائق ونظم ومناهج معرفة عند الأساتذة والمعلمين الأخصائيين ومن مارسوا مهنة التعليم وستعالج من قبلهم، بل القصد هو السعي وراء ابتكار أساليب وطرائق ونظم جديدة لإيجادهم علاقات البشر بعضهم مع بعض، أثناء تدريس المواد الدرسية على اختلاف أنواعها، ليتمكن البشر من العيش بسلام ووئام، وبذلك تصبح الدروس والعلوم التي يتعلمها الإنسان في المدارس أداة خير لا أداة شر، يتلقنها الطفل منذ نعومة أظفاره فيشب عليها ويحصر جهده وجهوده في سبيل نشرها والسير على غرارها وضمن نطاقها باعتبار أن القضية هي قضية الإنسانية المعذبة التي ضلت الطريق المستقيم ولم تهد إليه حتى الآن، والتي آن لها أن تحطم تلك القيود والأغلال التي تشل حركتها وأن تلقي عن كاهلها تلك الأحمال الثقيلة التي عاقت تقدمها وازدهارها، وأن تنطلق من عقالها وتتنسم نسمات الحياة العليلة الحقيقية وتتمتع بما حبتها به الطبيعة من النعيم الإلهية التي حرمت منها أحقاباً طويلة من الدهر لعدم اهتدائها حتى الآن إلى الطريق المستقيمة المؤدية إليها. وقد لفت نظري بهذه المناسبة جملة قرأتها في إحدى الجرائد وهي كما يلي: (إن المدنية لا تعيش بعد حرب ذرية) كتبت الجريدة هذه العبارة بخط ثلث لافت للنظر، وبعبارة أوضح، كتبها بالقلم العريض للفت الأنظار إليها، ولا شك في أنها ذلك لما تضمنته هذه العبارة والمغازي العسيفة التي توجب على كل إنسان أن يفكر فيها تفكيراً جدياً ويفهم ما ترمي إليه من المقاصد والأهداف البعيدة المرمى، ولا سيما وأن هذه العبارة قيلت في خطاب ألقى في حفلة مرور مئة عام تأسيس إحدى الجمعيات وإليكم موجز نص الخطاب: نيويورك_شهد الرئيس ترومان احتفالات جامعة فورد بمرور مئة سنة على تأسيسها وتلقى

من رئيسها شهادة فخرية بلقب دكتور في القانون وألقى خطاباً مهماً دع فيه أهل العلم إلى إيجاد الوسائل الدفاعية ضد القنبلة الذرية وقيادة الولايات المتحدة وسائر الدول إلى إقرار سلم عالمي. وقالإن العصر الجديد عصر القوة الذرية يشدد علينا ضغطه. انتبهوا لذلك جيداً. إن ما كان كافياً أمس لم يبق اليوم كافيا، فهناك ضرورات جديدة هائلة وتبعات جديدة هائلة ألقيت على عاتق التعليم فالجهل، وأدواته التعصب وعدم التسامح والاشتباه ضد الآخرين، هو ما يخلق الطغاة المسيطرين، وهؤلاء يخلقون الحرب. إن المدنية لا تعيش بعد حرب ذرية لن يبقى بعدها شيء سوى الأنقاض والخرائب يضمحل ويزول أمل الإنسان في الحشمة واللياقة، ويضيع رجاؤنا بأعظم عصر في التاريخ البشري_العصر الذي يستطيع أن يحول القوة الذرية لفائدة الإنسان_ثم أشار ترومان إلى المرحومالرئيس فرنكلان روزفلتفقال في خطاب كتبه قبل وفاته ولم يتسن له أن يلقيه قال: نحن نواجه حقيقة واقعية عظيمة وهي. إن كان لابد للمدنية أن تبقى حية وجبت علينا تنشئة علم العلاقات البشرية أي مقدرة جميع الشعوب على العيش والعمل معاً في عالم واحد بسلام. فإلى إن يتعلم أهالي أميركا وسائر العالم هذا العلم_علم العلاقات البشرية_الذي تكلم عنه الرئيس روزفلت ستبقى القنبلة الذرية سلاحاً مروعاً يهددنا جميعاً بالفناء. ولكن هناك وسيلة واحدة للدفاع ضد القنبلة الذرية تقوم بإتقاننا علم العلاقات البشرية في كل أقطار العالم، وهو الدفاع عن التساهل والتفاهم والتعقيل والتفكير فإذا تعلمنا هذه الأمور أمكننا أن نثبت أن هيروشيما لم يكن نهاية التمدن بل بداية عالم جديد أفضل من ذي قبل. يتضح من هذا الخطاب أن الرئيس ترومان قلق على مستقبل المدنية وإن هذه المدنية لا تعيش فيما إذا أنشبت حرب ذرية، وأن كان كافياً بالأمس أصبح غير كاف اليوم، وأنه توجد ضرورات وتبعات هائلة وعلى غاية من الأهمية ألقيت على التعليم (وهذا هو بيت القصيدة الذي سأوجه إليه الأنظار في كلمتي من خطاب الرئيس ترومان وما أشار إليه من أن المرحوم الرئيس فرنكلان روزفلت كان قاله في خطاب كتبه قبل وفاته ولم يتسن له أن يلقيه) وهو أننا نواجه حقيقة واقعية وهي: إن كان لابد للمدنية أن تبقى حية وجبت علينا تنشئة علم العلاقات البشرية_أي مقدرة جميع الشعوب على العيش والعمل معاً في عالم واحد بسلام.

قرأت هذه العبارة الموجزة التي ربما لا تكون لفت أنظار الكثيرين من أبناء هذا العصر المادي، الذي طغت فيه المادة على كل شيء وضربت سداً من الحديد تجاه العقول الجبارة والساذجة. والأدمغة المفكرة والخامدة على حد سواد لمنعها من رؤية أي شيء غيرها في كل نواحي هذه الحياة، وتوجيهها في كل عام عمل يقوم به مخلوق ما على وجه البسيطة، فهي منقوشة في دماغ كل مخلوق على اختلاف أنواعه حتى أصبحت الحركة المحركة لكل ما يحدث في الكون من حركات وسكنات وما يتبعا من أعمال مختلفة لا يمكن عدها. ولا أريد أن أبحث عن اشتباك مصالح الناس المادية الاقتصادية ببعض بصورة مفصلة، ولا عن علاقات الأمم والدول والشعوب ومصالحها مع بعض وما ينشأ عن ذلك من التنافس والتطاحن والتناحر والمساعي التي يبذلها كل منهم للحصول على القسم الأعظم من الفائدة وجمع وما يمكنه جمعه من المادة على أية صورة كانت. مما أدى بالبشرية إلى هدم هذه الحياة التاعسة التي يحياها كل من أبنائها بشق الأنفس، وإلى هذه الحالة البائسة التي هم فيها من كد وعمل ودأب متواصل أناء الليل وأطراف النهار، والتوسع في اختراع وابتكار الوسائل المختلفة المؤدية إلى استيلاء كل منها على ما في أيدي الآخرين جميعه وإدخاله في ملكيته وجعله تحت تصرفه، وإيجاد هذا التناحر وهذا التكالب وهذا الحرص على المادة باسم الاقتصاد حباً في الحياة التي ستؤدي بهم جميعاً إلى الدمار والهلاك والفناء والاندثار والاضطراب إلى استعمال القنبلة الذرية التي ستكون سبب نهاية هذا العالم إذا لم يحفل البشر ويفكر التفكير العميق، ويستعمل العقل والحكمة لإيجاد الوسائل الفعالة الموصلة إلى تنشئة علم العلاقات البشرية كما قال المرحوم الرئيس روزفلت، وإذا لم ينتبه إلى الضرورات والتبعات الجديدة الهائلة التي ألقيت على التعليم كما قال الرئيس الحالي ترومان. نقرأ من يوم لآخر على صفحات الجرائد والمجلات أخبار عقد المؤتمرات والاجتماعات، وتأسيس الجمعيات المختلفة في أكثر أنحاء العالم، ولا سيما بعد انتهاء الحرب الأخيرة، للمذاكرة والسعي وراء الوصول إلى إيجاد حل سلمي للمسائل المشتركة بين الدول والشعوب، وتأمين المصالح بإزالة الخلافات الكثيرة في المسائل والقضايا المختلفة عليها وإيجاد سلم علم يعيش الناس فيه براحة واطمئنان على أنفسهم وأولادهم وذرا ريهم، كما

قرأنا سابقاً في الكتب والتواريخ أخبار عقد مؤتمرات واجتماعات وتأسيس جمعيات عديدة من هذا القبيل، ولنفس الغاية، وهي الوصول إلى حلول مناسبة تؤمن مصلحة الجميع وتزيل الخلافات وتنشر راية السلام في ربوع العالم، إلا أن النتائج التي نتجت في الماضي وتنتج في الحال وستنتج في المستقبل من هذه المؤتمرات والاجتماعات والمباحث كانت عكس المطلوب تماماً. فلا يكاد عقد المؤتمر ينفرط إلا وتبدأ الخلافات والمنافسات من جديد، هذا إذا لم يختلف المؤتمرون أثناء انعقاد المؤتمر ويخرجوا منه بدون نتيجة ويعودوا إلى التناحر والتنافس الذي أدى ويؤدي في أغلب الأحيان إلى امتشاق الحسام وزج البشرية من جديد في حروب وقودها الناس والأنفس البشرية البريئة والأموال الكثيرة، ونتائجها تخريب المدن وتهديم المصانع والمدارس، وتيتيم الأطفال، والقضاء على الملايين العديدة من البشر وتأخير سير البشرية آلاف السنين إلى الوراء وهكذا إلى ما شاء الله حتى أصبح قسم عظيم من الناس_حتى الذين أوتوا نصيباً وافراً من العقل والإدراك والدراية، وعلى رأسهم مالتوس شيخ المتطيرين والمتشائمين_يعتقدون اعتقاداً جازماً إن الحرب سنة طبيعية لازمة وضرورية للبشرية لزوم الماء والهواء للحياة، وإنها من السنن الطبيعية الكونية التي ترتكز عليها الحياة البشرية والتي لا يمكن تغييرها ولا تبديلها، ويوردون أدلة وبراهين شتى لإثبات نظريتهم هذه. ولا يقنعون بما يسرد لهم من الأدلة القاطعة والبراهين الجازمة المعاكسة لتلك النظرية الراسخة في أدمغتهم رسوخاً قوياً منذ أقدم الأجيال، بالنظر للتربية المادية الاقتصادية النظرية التي تلقوها في المهد من أمهاتهم، وعلى مقاعد الدرس من أساتذتهم، وفي صفحات الكتب التي يقرؤونها، والمبادئ التي يتثقفونها في محيطهم وبيئتهم ووسطهم وفي كل مكان وكل مناسبة تاريخ ولادتهم حتى تاريخ وفاتهم، أي من المهد إلى اللحد، لذلك لم يحصل حتى يومنا هذا من كافة الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت منذ فجر التاريخ بنتيجة توصل البشرية إلى سلم عام يعيش فيه الجميع على السواء براحة واطمئنان حاصلين على ما يحتاجون إليه من غذاء وكساء وسكن وعلاج، وما تتطلبه الحياة من الاحتياجات الضرورية الأخرى ولم تنجح البشرية رغم ما قدم إليها من نصائح وما نشأ فيها من مصلحين وما سن فيها من قوانين وأنظمة على اختلاف أنواعها، في الوصول إلى الهدف الأسمى والغاية الحقيقية التي خلقت من أجلها وهي العيش بسلام واطمئنان كما

أسلفنا، مما حدا ببعض المصلحين والمفكرين إلى ابتداع طرق شتى ومذاهب مختلفة وقوانين وأنظمة لا تعد ولا تحصى لإيصال البشرية إلى ما تصبوا إليه من الهدوء والسكينة وحال الاستقرار، وقد ذهب ذلك كله أدراج الرياح ولم يأت بالنتيجة المنتظرة، وفي اعتقادي إن الأسباب الجوهرية لهذا الفشل المريع هو عدم العناية بالضرورات والتبعات الجديدة التي ألقيت على التعليم وعدم توجيهه التوجيه الإنساني الصحيح وعدم السعي وراء إنشاء علم العلاقات البشرية وتدريب جميع الشعوب بلا تفريق على العيش معاً في عالم واحد بأمان عن طريق إصلاح التعليم ووضع أسس وقواعد إنسانية جديدة له تلتئم مع روح العصر الحديث والتطورات الجديدة وتلقينها للأطفال منذ سن الحداثة والسهر على تنفيذها بكل أمانة وإخلاص والانتظار مدة كافية من الزمن ريثما يتعلم الجيل الجديد مبادئه الجديدة وهي أصول علم العلاقات البشرية ومن ثم يشرع بوضع الأسس اللازمة لتأسيس جمعية عالمية واحدة وعالم واحد، وتوحيد هذا العالم وجعله أسرة واحدة كبرى تعيش كما تعيش الأسرة الواحدة في دارها المشتركة لا فارق بين إنسان وإنسان إلا بالمقدرة على العمل الذي خلق له والذي تؤهله مواهبه للاضطلاع به ضمن نطاق أنظمة وقوانين تؤمن مصلحة الجميع لا يتسرب إليها الخلل ولا تعتورها الفوضى ولا تدع مجالاً لنفس ما للطمع والتطلع إلى ما في أيدي نظيراتها من النفوس التي من حقها أن تنال حاجتها مما تحتاج إليه من ضروريات الحياة بصورة عادلة لا توجب تذمراً ولا عدم رضاء ولا خوفاً من عدم الحصول على ماهية بحاجة إليه من مقومات الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها. يتبع حمص // عبد الحميد الحراكي

أسس الثقافة العربية المشتركة

أسس الثقافة العربية المشتركة التاريخ والجغرافية للأستاذ: عزة النص توطئة رأت اللجنة الثقافية للجامعة العربية إن يكون من أول أعمالها معالجة أمر الثقافة العربية والبحث في أسسها ومقومّاتها، حتى إذا ما وفقت لتعيين مقدار أدنى مشترك للثقافة العربية التي يجب أن يزوّد بها الطلاب العرب في مراحل التعليم الثانوية والابتدائي_وضعت بذلك الأسس المكينة لتوحيد العواطف القومية وتقريب الاتجاهات العقلية بين أبناء البلاد العربية. ووجدت اللجنة أن خير السبل لتحقيق هذه الغاية دعوة مؤتمر عام يتناول هذه الأمور بالبحث، يمهد له بتأليف لجان تحضيرية في مصر لتهيئة الأسس التي تصلح لأن يعتمد عليها في المذاكرة والمناقشة وقد ضعت اللجان التحضيرية المذكورة تقارير قيمة عن اللغة العربية والتاريخ والجغرافية والتربية الوطنية، وأشفقت ذلك بأسئلة معينة تطلب إلى اللجان الثقافية القومية في كل بلد عربي الإجابة عليها، مستعينة بآراء الأخصائيين والهيئات العلمية والأدبية، وأوصت بنشر تلك الأسئلة في الصحف والمجلات ليجيب عليها كل من آنس في نفسه القدرة على ذلك. ولما كنت عضواً في اللجنة الثقافية السورية وفتشاً للتاريخ والجغرافية في المدارس السورية فقد درست مقررات لجنتي التاريخ والجغرافية ووجدت أن الناهج الجديدة للدولة السورية_وقد اشتركت في وضعها_قد توافرت فيها الشيء الكثير مما أشار إليه اللجان التحضيرية وأوصت به، على أنها مع ذلك لا تزال بحاجة إلى بعض تعديل وتحوير. وقد ذكرت في البيان التالي ما تراءى لي من تعليقات على مقررات اللجنتين المذكورتين وأجبت من ثم على الأسئلة التي وجهتاها. 1_في التاريخ 1_ذكرت لجنة التاريخ العربي في مستهل تقريرها ما يلي: يرى علماء التاريخ في هذا العصر إن تدرس التاريخ ينبغي أن يقوم على اعتبار التاريخ

تصويراً لسلسلة من التجارب الإنسانية لا تقتصر نتائجها على البلد الذي تقع فيه بل تتجاوب بها البلاد القريبة والبعيدة، وانه أداة لتكوين المواطن الصالح. وعل هذا تجب العناية في تدريس التاريخ بمعرفة التاريخ القومي الخاص والتاريخ العام معا. إن البرنامج السوري الجديد قد راعى هذه الناحية كل المراعاة فجعل تدريس تاريخ الأمة العربية مقروناً بتدريس الحوادث الهامة من تاريخ الدول العام. وقد جاء في التوجيهات العامة لمنهاج التاريخ في المدارس الثانوية السورية ما يشير إلى ذلك فهو ينص مثلا: . . . إن تدريس التاريخ في المدارس الثانوية يستهدف من حيث الأساس إكساب الطلاب فكرة واضحة عن ماضي البشرية وعن نظام توطيدها. . . . . . إن تاريخ الأمة العربية يجب أن يشغل المكانة الأولى بين جميع مباحث التاريخ التي تدرس في المدارس الثانوية كما إن تاريخ العصر الحاضر وماضي أهم الدول المعاصرة يجب أن يكون موضع عناية خاصة في هذه التدريسات. . . . . . إن فهم امة من الأمم ودولة من الدول فهما جيداً وتصور أحوال عصر من العصور وحضارة من الحضارات تصوراً واضحاً مما لا يمكن أن يتم إلا عن طريق المقارنة والقياس: مقارنة الماضي ومقارنة أمة بأمة ودولة بدولة وحضارة، بحضارة. . . 2_أشارت اللجنة إلى ضرورة ترتيب التاريخ العربي ترتيباً معقولاً قائماً على أساس الأحداث الخطيرة الفاضلة لا على مجرد تغير الأسر الحاكمة أو تبدل الملوك، فهي تقول: (وتدرس التاريخ العربي في معظمه حتى الآن قائم على أنه مرحلة مستقلة أختص بها جزء معين من الأرض، ومجموعة خاصة من الشعوب، كما أنه مقسم تقسيما يراعي فيه أسر معينة، كالأمويين والعباسيين على حين يمكن المؤرخ إن يقول أنه لم يحدث في الدولة العربية حدث خطير فاصل بقيام الأمويين أو العباسيين مثلاً، بل أن الحدث الفاصل في التاريخ العربي الأول هو الانتقال من دور النبوة إلى دور الخلافة، ثم انتقال السلطان من العرب إلى الأعاجم). وهي ملاحظة قيمة دون ريب وإنما يبدو لي أن تاريخ العرب والإسلام منقسم بطبيعته إلى أدوار هامة متميز بعضها عن بعض وهو التقسيم الشائع المألوف. فمما لاشك فيه أن الإسلام هو الحادث الجليل في حياة العرب ولذلك يجب أن يفرق تاريخ العرب قبل الإسلام

عن تاريخ العرب بعده، ثم أن تاريخ العرب في عهد الخلافة الراشدة يتميز بجلاء عن عصر النبي بحدوث الفتوحات الكبرى وتأسيس الإمبراطورية العربية وظهور الأحزاب والاختلاف السياسية بين العرب أنفسهم. والعصر الأموي جدير بالإفراد أيضاً لانتقال مركز إلى بلاد الشام وتأثر الخلفاء والإفراد والجماعات والنظم البيزنطية ونشأة الملكية الوراثية وشيوع حياة الترف والنعيم، عدا ما كان للأمويين من سياسة قومية عربية أدَّت إلى جهرة الصراع الذي كان مستسراً بين العرب والموالي. وكذلك الأمر في العهد العباسي فهو عصر له خصائصه وصفاته سياسياً واجتماعياً وعقلياً: من ازدهار حركة الترجمة والتأليف وفوز الأعاجم بالسلطان وظهور الفرق والبدع والمذاهب الجديدة وانقسام الإمبراطورية العربية وانفصال بعض أجزائها، ومن غزوات الصليبيين وغارات التتر والمغول. . . الخ. . وهكذا فإن التقسيم المعروف لتاريخ العرب ينطوي على حقائق جوهرية لا لبس فيها فتاريخ العرب القديم يصح أن يسمى (عصر النظام القبلي) وعصر النبوة هو دون شك عصر (يقظة العرب) ووحدة قلوبهم وسيوفهم بينما عهد الأمويين هو (عصر الملكة الوراثية وتوطيد الإمبراطورية العربية) وحكم العباسيين يمتاز (بنماذج الثقافات وسيطرة الأعاجم وتفكك الدولة). 2_وجاء في تقرير اللجنة أيضاً: ثم أن تدريس التاريخ العربي في المدارس الابتدائية يتبع الترتيب الزمني، ويعنى بالإحداث السياسية وتعاقب الخلفاء والملوك والدول المختلفة على حين يبدو إن العناية بإبطال التاريخ العربي وعظمائها من ملوك وقادة ومصلحين أجدي على المتعلم في المرحلة الابتدائية وانفع في تعريفه بتراثه وماضيه. أن المنهاج السوري للمدارس الابتدائية قد أخذ بهذه الملاحظة: فهو أولا يضع التاريخ العربي في المقام الأول وقد نصت توجيهاته العامة على ما يلي: إن الغرض الأصلي من تدريس التاريخ في المدارس الابتدائية هو تعليم تاريخ الوطن العربي وماضي الأمة العربية، والغاية القصوى من ذلك تقوية الشعور الوطني والقومي في نفوس الطلاب. . . وهو ثانياً ينص على العناية بتاريخ الأبطال والنابهين من العرب خاصة: فسير مشاهير

العرب القدامى والمحدثين يؤلف في المنهاج السوري مادة صف كامل تقريباً هو الصف الثالث. وقد ذكر في التوجيهات الخاصة بهذا الصف: يقتصر تدريس التاريخ في هذا الصف على ما يلذ للتلاميذ سماعه في هذه السن من مآثر العظماء وسير النابهين وقصص الأبطال ووصف المعارك وغرائب الرحلات الخ. . . والقصد من ذلك تربية التلاميذ على تقديس الأمجاد القومية وتحليتهم بالأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة، وإنما خيالهم وإذكاء عاطفتهم وتقوية إرادتهم وتهيئة أذهانهم للدراسة التاريخية المنظمة. أما تدريس التاريخ العربي في الصفوف الأخيرة من المدارس الابتدائية على شكل قصص الأبطال والعظماء فيبدو لي انه كان لا يكتسب التلميذ فكرة التطور الزمني ولا يهيئه لدراسة التاريخ المنظم في المرحلة الثانوية، واعتقد انه من الممكن في هذه الصفوف المحافظة على تسلسل الأعصر والدول والاكتفاء ضمنها بذكر الدول ذات الشأن والشخصيات ذات الأثر والأحداث ذات الخطر، وهذا ما جنح إليه المنهاج السوري. واعتقد أيضاً أنه من الضروري عند ذكر الأبطال ومآثرهم الإشارة إلى الجهود جمهرة الشعب وتضحياته وميزاته، فقد ثبت إن الأفراد وحدهم مهما سمت مواهبهم وقويت عزائمهم لا يمكن أن يقدر لهم النجاح إذا لم يجدوا بيئة مواتية مطاوعة وأمة متهيئة مستعدة. 4_وتختم اللجنة تقريرها بما يلي: وصفوة القول: إن الحد الأدنى الذي يجب توافره للمواطن العربي من التاريخ في مرحلة التعليم الابتدائي والثانوي هو تعريف المتعلم ماضي بلده على انه بيئة لها مقوماتها المهمة ثم على أنه جزء من بيئته أوسع وهي العالم العربي الذي كان له آثار بينة في تنمية الحضارة الإنسانية والمدنية العامة، ثم على انه جزء من العالم الإنساني بأجمعه. وأعتقد أن هذه الخلاصة تحتاج إلى بيان أوفى من ناحيتين: آ_هل يقتصر في المدارس الابتدائية على التاريخ العربي فحسب أم يدرس فيها أيضاً بعض أبحاث ذات طابع خاص من تاريخ الدول العام؟ ب_هل يدرس تاريخ الأقوام القديمة التي ظهرت على مسح الوطن العربي الحالي من غير العرب أم يكتفي بالأمة العربية وحدها؟.

إن المنهاج السوري قد نص صراحة على تخصيص المرحلة الابتدائية بتاريخ العرب العام دون تمييز بين قطر وآخر وأضاف في الصف الأخير من المدارس الابتدائية بعض أبحاث عن الدول الأجنبية المعاصرة لما لها من صلة بتاريخ الأمة العربية أو لما لتاريخها من أثر في إذكاء العاطفة القومية وتنمية الإرادة والحماسة وبعث الرغبة في التقليد الاقتباس والمحاكاة. فقد جاء في التوجيهات الخاصة بدرس التاريخ في الصف الخامس من المدارس الابتدائية السورية:. . . ولما كانت بعض الشعوب غير العربية قد مرت خلال تاريخها بادوار عصيبة من التأخر والانحطاط والتفكك ثم نهضت من كبوتها وجمعت شملها وأسست خلال القرن التاسع عشر دولاً قوية متحدة ومستقلة_كان من الضروري استعراض تاريخ نهضة هذه الشعوب أيضاً بشكل مختصر جداً. كما أن منهاج سير العظماء في الصف الثالث يشمل قصة بعض عظماء العالم قديماً وحديثاً (مثل بطرس الأكبر_واشنطن_نابوليون). والمناهج السوري لم يتعرض لذكر الشعوب القديمة غير العربية التي ظهرت على أرض الوطن العربي كالمصريين والعبرانيين وغيرهم. . وإنما اكتفى في الصف الثالث الابتدائي بسير بعض الأنبياء والمرسلين (النبي موسى_السيد المسيح) كما تطلب معرفة قصص بعض أبطال الشعوب القديمة (كرعمسيس الثاني). الإجابة على أسئلة لجنة التاريخ العربي: س_1_في مرحلة التعليم الابتدائي، هل يدرس تاريخ القطر العربي الذي يعيش فيه التلميذ فقط أو يدرس تاريخ الأمة العربية كلها من غير تمييز قطر خاص أو يجعل تاريخ القطر الخاص محوراً لدراسة التاريخ العربي العام؟. ج: إن تاريخ العربي العام هو تاريخ مشترك بين جميع الأقطار العربية فلا مبرر مطلقاً لتجزئته محلية، بل يكون من الأجدى على استقرار فكرة الأمة العربية الواحدة في ذهن الأحداث أن يدرس تاريخ هذه الأمة موحداً دون تفريق أو تمييز، لاسيما وإن الدول التي تعاقبت على البلاد العربية تكاد تكون واحدة في أكثر مراحل التاريخ. س_2_ما الذي ترون أن يدرسه التلميذ من التاريخ العربي في مرحلة الدراسة الابتدائية وفي أي الصفوف يدرس ذلك التاريخ وما المنهج الذي تقترحونه وما عدد الدروس التي

تخصص له في كل صف؟ ج:_لما كانت سورية مركز الدعوة إلى توحيد العربية وكانت قد أقدمت مجدداً على تغيير مناهجها بعد تخلصا من سيطرة الأجنبي، فإنها راعت فكرة التاريخ العربي الموحد. وأعتقد إن منهاج التاريخ في المدارس الابتدائية السورية_مع بعض تعديل_يمكن أن يؤخذ كأساس لبرامج التاريخ في العالم العربي. والخطوط الأساسية لهذا المنهج هي: 1_في السنة الأولى والثانية من المدارس الابتدائية: ليس في هذين الصفين ساعات خاصة بالتاريخ لان التلميذ فيهما لا يزال محدود الملكات ولا يكاد يعرف القراءة والكتابة. وإنما يستعان بالدروس المختلفة لتهيئة أذهان التلاميذ إلى فهم معنى الماضي وتصوره مع ألفات أنظارهم إلى بعض الوقائع التاريخية الهامة فيجب أن يكتسب التلاميذ في هذين الصفين_خلال الدروس وأثناء الجولات والملاحظات المتنوعة_فكره حدسية عن تطور الأحوال بمرور الزمان. 2_في السنة الثالثة: درسان في الأسبوع_سير الأبطال والعظماء. 3_في السنة الرابعة: درسان في الأسبوع: آ_فكرة إجمالية عن مراحل تطور الإنسان وحضارته. ب_تاريخ العرب منذ أقدم عصورهم حتى سقوط الدولة الأموية. 4_في السنة الخامسة: درسان في الأسبوع: تاريخ العرب منذ العصر العباسي وازدهار الحضارة العربية ثم تسلط العناصر الأعجمية وتفكك الإمبراطورية العربية وتجزئتها ثم سيطرة الأتراك العثمانيين على العالم العربي وتأخر الحضارة العربية وتدخل الدول الأوربية في شؤون الشرق واستعمارها للبلاد العربية في آسية وأفريقية ويقظة العرب الحديثة وجهادهم لاستعادة مجدهم السابق وإنشاء كيانهم القومي من جديد. س_ماذا ترون في إن يكون تدريس التاريخ العربي في مرحلة الدراسة الابتدائية قائماً على سير أبطال العرب وعظمائها وتاريخ المدن ونحو ذلك؟. ج: سبق الجواب على هذا السؤال. وتاريخ المدن قد قصره المنهاج السوري على الناحية الوصفية فقد جاء في منهاج الصف الثالث: وصف تصويري لمظاهر الحياة في بابل والشام واليمن والحجاز ودمشق وبغداد والقاهرة. . . وتتم هذه الدراسة في مباحث

الجغرافية. س_4_هل ترون في درس التاريخ العربي سواء أكان خاصاً بقطر واحد أم عاماً أن يبدأ بالعصر الحديث أو القديم؟. ج_إن البداءة بالعصر الحديث ضرورية في الصفوف الأولى من المدارس الابتدائية وخاصة في سير الأبطال، فالانتقال من القريب إلى البعيد يسهل فهم التاريخ على الأحداث، وهم اقرب اتصالاً بالحوادث الأخيرة لما يسمعونه من شيوخ بلدتهم أو ما يقضيه عليهم آباؤهم وأقاربهم ولما يشاهدونه في بيئتهم من آثار باقية، أما في الصفوف الأخيرة من المدارس الابتدائية فالأولى تتبع التسلسل الطبيعي للزمن والتطور الواقعي للحوادث بعد أن تهيأت أذهان التلاميذ لذلك. س_5_في مرحلة الدراسة الثانوية، هل ترون أن يكون محور دراسة التاريخ العربي الملوك والعظماء والأحداث التاريخية أم النواحي الاجتماعية وما مقدار العناية بكل منها؟ ج:_يجيب المنهاج السوري على ذلك إجابة وافية فقد ورد في توجيهاته العامة: إن المعرفة التاريخ تعنى الإحاطة بمجموعة من الحقائق والوقائع، وتثبيت هذه الحقائق والوقائع يتطلب ذكر سلسلة من الأسماء والتواريخ، فيجب على مدرس التاريخ أن ينتخب الوقائع والحقائق المذكورة من التي تكون ابرز صفات الدور وأهم عوامل التطور وعليه أن يكتفي من الأسماء والتواريخ بما هو ضروري لتصور تلك الحقائق وتثبيتها في الأذهان. يميل الكثيرون على اعتبار الحروب والفتوحات بمثابة (المحور الأساسي) في التاريخ وهو خطأ يجب تجنبه، إن الأحوال الاجتماعية والعمرانية والثقافية والمدنية يجب أن تكون وموضع عناية خاصة في التدريسات، وأما الحروب والفتوحات فالعناية بها يجب أن تكون متناسبة مع تأثيرها في نشوء الأمة وتطور الحضارة وانتشار الثقافة. وعلى هذا فائدة مطلقاً من سرد تواريخ الملوك في كل أسرة والإحاطة بجميع الحوادث حقيرها وجليلها، وحشو أدمغة الطلاب بأسماء وأرقام لا جدوى منها، بل يجدر اختيار ماله نتائج ملموسة في تطور التاريخ وماله أثر ظاهر في تنمية مدارك الطلاب وتقويم سلوكهم.

حول حركة الإصلاح

حول حركة الإصلاح للدكتور نور الدين حاطوم لم تكد تهب علينا من ديار الغرب نسمات الحرية في أواخر القرن التاسع عشر حتى قامت في بلادنا العربية حركة الاستقلال والتحرر من نير الترك بعد أن رزحت تحته طويلاً. غير أن هذا الغرب لم يكن ليأخذ بيدنا في سبيل الحرية للتخلص من العثمانيين إلا ليوقعنا في قيود القسر والعسف والاستعمار. على أن نفوسنا وقد استيقظت من سباتها العميق وتفتحت للحياة وآمنت بحقها، لم يعد من السهل الضغط عليها، ونهضت تكافح في فترة ما بين الحربين حتى كانت حوادث مايس 1945 التحررية وكان منها أن توج النضال بالفوز وحرزنا على الاستقلال. وكما أن ربان السفينة بعد هبوب العاصفة وتلاطم الأمواج يتفقد رجاله وما أبقت ثورة الطبيعة من أجهزته وأدواته، فمن الطبيعي أيضاً أن نتساءل ونحن في وضعنا الحاضر عما سلم من تراث الماضي بعد أن نالته أيدي الدخيل بالسلب والنهب والتهديم. ومن الطبيعي جداً أن يفكر كل منا وخاصة قادة الفكر حملة المشاعل في حل المشاكل المعلقة والصعوبات التي نجتازها ككل أمة ناشئة تتطلع إلى الحياة من جديد. وليس ذا بغريب لأن تاريخ كل أمة من الأمم كجسم الإنسان لا يكون سليماً في غالب الأحيان، فكثيرا ما تعترضه عقبات وأزمات وحوادث تضعف جسمه فيمرض إلا أن هذا المرض يمكن شفاؤه إذا أحسن تشخيصه وأعطيت إليه الإسعافات والأدوية الناجعة. ودراسة التاريخ ترينا أن ما من حرب أو مقاومة وطنية أو حركة قومية مرت بأمة إلا وكانت مسبوقة ومتبوعة بحملات صحفية منظمة يقوم بها طائفة من رجال العلم والفلسفة والأدب، حفظه التقاليد وحارسو الكيان الوطني من الضياع. وأسند هذه الحملات قوة يتجلى عندما يداهم الوطن خطر أو تنزل به نازلة تفقده وعيه فيضل السبيل. هنالك يقوم أهل الرأي يشمرون عن سواعدهم ويعمدون إلى قرائحهم تملي على أقلامهم ما يهيب بنشاط الشباب ويستفز حماسه ويرفع همته، نراهم ينظمون جهود هذه العناصر الفتية في أقنية ويوحدونها طبقاً لبرنامج قومي نبيل شأنه استرجاع الماضي أن فقد أو دعمه إذا تداعى أو بناؤه إذا انهار. هذه الحملات نراها تتجه لا في سبيل الدفاع

عن نظام معين أو مبدأ خاص بل لينهض هذا الوطن ويبقى حيا. وكم كنا نتمنى منذ أن جلا الأجنبي عن بلادنا أن تقوم عندنا حركة فكرية وحملة أصلاحية مماثلة، تتناول مرافق حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إننا لم نر في صحافتنا على كثرة عددها حملة من هذا النوع تدعو إلى التفاؤل. ومن النادر النادر جداً أن ترى بين حين وآخر مقالاً يعالج ناحية معينة ويقتلها درسا وتمحيصا متبعاً في ذلك البحث العلمي المفيد، هذا البحث الذي يعود على الشعب بالنفع ويرفع مستواه، وينير رجال الحكم ويعبر لهم عن إرادة صحيحة. أن كل ما رأيناه منذ استلام الصلاحيات حتى يومنا هذا هو هذه المقاومة السلبية والاشتغال بالسياسة والدفاع عنها أو مناوأتها. ولقد مضى عهد الفرنسيين ولكن حكمهم ما زال ممتد الظلال، وكأن المقاومة السلبية أصبحت فينا عادة واستحكمت وغدا من الصعب الخلاص منها. غير أن العمل المجدي المثمر هو هذا العمل الدائب الصامت، هو الإنشاء والإصلاح وفقاً لغايات قومية تستهدف النهوض بالوطن والسير به في الطريق السوي الذي سارت فيه الأمم من قبلنا. وهذا لا يكون إلا بتأسيس منظمات اجتماعية ذات برامج وطنية معينة، فإذا ما استلم الحزب مقاليد الأمور، باشر في تطبيق هذه الخطط المرسومة من قبل. أما سياسة النقد والتجريح للوصول إلى الحكم والعمل بعد على حل المشاكل بطريق ارتجالي فذلك منهج عقيم والحلول الناجمة عنه لا تكون إلا بمثابة مسكات لا يدوم تأثيرها إلا إلى حين. نحن الآن في بلبلة فكرية: فمن الناس من يشكو أن ساسة الأمور لم يحققوا الآمال التي عقدت عليهم، ومنهم من استنكف وارتد منطوياً على نفسه صامتاً لم يعجبه كل شيء، ومنهم من يود العمل مخلصاً فأطاحت به أمواج الأنانية فقعد يائساً يغص بريقه، ومنهم من أغرق في المبالغة يضلل نفسه والناس معه بأننا انتهينا إلى ما نصبوا إليه وكفى الله المؤمنين القتال، كأنما يعتقد أن حياة الأمة مرحلة إذا اجتازتها ووصلت إلى نهايتها بلغت كل شيء، وذهب عن باله أن هذا التحول الدائم الذي هو حياتنا إنما هو سلسلة من التعاقب مستمرة لا تقف عند حد. وكمحصلة لكل ما ذكر جمود في التفكير وضعف في الإنتاج.

ليست المشاكل التي نتخبط بها غريبة من نوع خاص، فهي كأكثر المشاكل التي اعترضت الأمم الفتية من قبلنا، وكما استطاع الأبناء الخلص لتلك الأمم أن يخطوا بها وينشلوها من وهدة الحيرة والتردد، فنحن الآن مفتقرون إلى الاستنارة بآراء أمثال هؤلاء القوم. ولعل رجال التعليم قبل غيرهم الذين شعروا بالحاجة الماسة إلى من يعبر عن آلامنا وآمالنا فلفتوا النظر إلى النقص الذي نلمسه في تربيتنا على اختلاف أنواعها. ولكن هل هذا التحسس كاف لحل المشكل الذي نشكو منه. أنني لم أتحدث إلى رجل من أبناء وطني إلا وصور لي أمراض مجتمعنا أبدع تصوير، ونحن مجتمعون إن مجتمعنا فاسد وتربيتنا ناقصة وإن هذه الحال يجب أن تبدل بما هو أحسن وأكمل. غير أننا نقف عند هذا الحد تنقصنا الجرأة والإقدام على الإصلاح، يذكيهما شعور بالنقص وضعف في الإيمان. وأنانية مسكينة تقعدنا عن العمل خشية فقد امتياز أو ضياع منفعة خاصة. ولذا فنحن نحوم دوماً حول دائرة سقيمة، نشكو آلامنا وأوجاعنا ونشخصها تشخيصاً قل إن يأتي بمثله نطس الأطباء، وأغرب من هذا وذاك إننا نعرف الوصفة التي إذا عملنا بها أوصلتنا إلى النقاهة فالشفاء. ولكننا نأبى العمل، وإذا أقدمنا عليه فما أكثر المثبطات ونرجع القهقرى ولا نعمل شيئاً. لقد اعتدنا أن ننظر إلى آراء الخارج وصفحه ومجلاته نظرة أعجاب وتقدير، فنحن نقبل على قراءتها بلهف وشوق ونبذل في الحصول عليها الغالي والرخيص، غير أننا أن قامت في بلادنا مجلة فقلما تلقى من التحبيذ والتشجيع ما يكفل لها البقاء ولا تكاد تظهر إلى عالم الوجود حتى تنثال عليها أقلام الكتاب طعنا ونقدا وحزا كأننا لسنا أهلاً لأن يكون عندنا آراء ومفكرون. ولعل هذا السبب هو ما يحدو بكثير من رجالنا إلى اليأس والنفور. ولو أنصفنا وبدلنا مفاهيمنا وأخذنا بيد كتابنا وأدبائنا لكان لدينا مجلات قيمة ومفكرون يؤخذ برأيهم ويستفاد من تجاربهم وخبرتهم. وفي الحقيقة، ليس كل ما يأتينا من الخارج قيماً مفيدا كما أن أكثره لا يعبر عن حاجاتنا النفسية وأهدافنا الوطنية، إنما يعبر عن الإقليم الذي كتب فيه وحاجات النفوس البشرية التي يكتب لها. ولست أعني أن مطالعة هذه الآثار لا تجدي نفعا ولكني أقول إنها تفيد كزاد ثقافي لمن يود الاطلاع وكدليل لمن يحب العمل، غلا إنها لا تكفي لسد رغباتنا. ونحن الآن

بحاجة ماسة إلى أقلام من صنع بلادنا تعبر عن نزعاتنا وأهوائنا. وشبيه بذلك النهج الذي يجب أن يسلك في تطبيق الإصلاح إذ ليس من الضروري أن نأخذ البرامج الأجنبية ونطبقها بحذافيرها فهي وليدة بيئة ليست بيئتنا، ووضعت لا ناس هم في وضع مغاير لوضعنا فإن نجحت هذه البرامج فلأنها اعتمدت في وضعها وتطبيقها على حاجات البيئة التي أوجدتها. على إن هذا لا يمنعنا من الاستنارة بها في تطبيق الإصلاح عندنا. ولسنا نشك في قيمة النظريات التي يأتي بها فلاسفة الغرب ومُربوه إلا إن معظم هذه النظريات يفقد قيمته التطبيقية في مدارس كمدارسنا لاختلاف الشروط المحيطة. وما يقال في إصلاح المدارس صحيح في إصلاح المجتمع. فهل فكر كتابنا وقادة الرأي فينا في حل المشاكل التي نجابهها وفي الطريق الناجعة لتذليل الصعوبات التي نصطدم بها إذا ما سرنا في تحقيق برنامج أصلاحي معين ولنورد لذلك مثلاً: تجابه وزارة المعارف في وقتنا الحاضر أزمة نستطيع أن نسميهامشكلة التعليموتشمل هذه البرامج والأساتذة والطلاب والمدارس. وتزداد تفاقماً عاماً بعد عام. فهل فكر رجال التعليم في حل لها لأنهم يتحملون مشاقها قبل غيرهم؟ وكيف الوصول إلى حلها بوسائل عملية فعالة بعيدة عن كل حشو نظري ولفظي؟ كلنا تقول إن الفردية داؤنا الوحيد وان لا تقدم ولا نهوض لبلادنا إذا ما بقيت الأنانية السياسية والاجتماعية والأخلاقية رائد أعمالنا. وكلنا نقول إننا نريد أن نشيد بناء الوطن وان فاتحه كل بناء تكون بتقويض الفردية الهدامة التي تلعب في مجتمعنا دور الطفيلي تعيش على حسابه وتأخذ عنه فلا تعطيه، ونصرح علنا أن تربيتنا الاجتماعية ناقصة وإن النشء الجديد يجب أن يشبع بالأفكار الاجتماعية والوطنية والقومية. فهل فكرنا في مكافحة النقائص وعملنا على نشر المبادئ الصحيحة بالطرق التي تكفل نجاحها في مجتمع كمجتمعنا ضل السبيل في تيه الحياة. وهل فكر المثقفون من أبناء الوطن في الجهاد الأكبر قبل أن يحملوا من دونهم ثقافة على الكفاح؟ لست ممن يعتقد أن مجتمعنا ابتدائي وان ليس باستطاعتنا أن تكون أمةكما يزعم الكثيرون، أو انه راق بلغ مرحلة الكمال، بل أقول انه مريض بحاجة إلى معالجة. فعلى محتكري الأدوية التي هيئتنا الاجتماعية من آلامها أن يتذكروا دوماً وأبداً إن واجبهم الوطني

والقومي يفرض عليهم إلا يبخلوا عليه بما يخفف عنه ويعيد له نضارة الصحة. نور الدين حاطوم

وأطل النبي فيضا من الرحمة

وأطلّ النبي فيضاً من الرحمة للشاعر الأستاذ عمر أبو ريشة نقتطف بعض المقاطع من القصيدة الرائعة التي ألقاها الشاعر العبقرية والعروبة الأستاذ عمر أبو ريشة في النادي العربي بمناسبة ذكرى المولد النبوية وهي المقدمة الشعرية للملحمة الكبرى التي ينظمها شاعرنا الكبير عن حياة الرسول العربي أي نجوى مخضلة النعماء ... ردتها حناجر الصحراء سمعتها قريش فانتفضت ... غضبي وضجت مشبوهة الأهواء ومشت في حمى الضلال إلى ... الكعبة مشي الطريدة البلهاء وارتمت خشعة على اللات ... والعزى وهزت ركينهما بالدعاء وبدت تنحر القرابين نحرا ... في هوى كل دمية صماء وانثنت تضرب الرمال اختيالا ... بخطى جاهلية عمياء هللي يا ربي المدينة وأهمي ... بسخي الأظلال والأنداء واقذفها الله أكبر حتى ... ينتشي كل كوكب وضاء واجمعي الأوفياء إن رسول الله ... آت لصحبة الأوفياء واطل النبي فيضاً من الرحمة ... يروي الظما تلو الظماء والصلاة الطهور عالية الأصداء ... جوابه بكل فضاء هزت الجاهلي فاهتز إنساناً ... نجي الرسالة العذراء وقريش في يقظة وهج ... من عناد ولفحة من عداء كلما مر مؤمن بحماها ... قذفته بطعنة نجلاء خسة تترك المروءة غضبي ... وترد الحلوم صرعي حياء ضاق ذرعا بها النبي فنادي ... فإذا الصافنات رجع النداء وإذا الصيد فوقها يحملون الشهب ... أسياف نخوة شماء وتخطاهم النبي فساروا ... في ركاب الهدى إلى الهيجاء لم يرقه سفك الدماء ولكن ... عجز الحلم في انتزاع الداء درن النفس ليس يمحى إذا لم ... تجر فيه مباضع الحكماء

وإذا الحلم لم تجد منه بناء ... فأكرم بالسيف من بناء وقف الحق وقفة عند بدر ... شحذت في الغيوب سيف القضاء ووراء التلال ركب أبي سفيان ... يحمي سرية الفيحاء وقريش في جيشها اللجب تسعى ... بين وهج القنا وزهو الحداء بلغت منحنى القليب ولفت ... من عليه ببسمة استهزاء وأرادت كفاءها فتلقاها ... على ذؤابة الأكفاء جز بالسيف عنق شيبة وارتد ... إلى صحبة خضيب الرداء فطغى الهول والتقى الند بالند ... وماجا في لجة هوجاء وعيون النبي شاخصة ترقص ... في هدبها طيوف الرجاء ودنت منه عصبة الإثم والموت ... على راحها ذبيح عياء فرماها بحفنة من رمال ... ورنا ثائر المنى للعلاء ودعا شاهت الوجوه فيا أرض ... اقشعري على اختلاج الدعاء قضى الأمر يا قريش فسيري ... للحمى واندبي على الأشلاء واحذري الطبيب أن يمس غلاماً ... في ندى أو غادة في خباء واعدي للثأر حمر السرايا ... واحشيها للوثبة الرعناء يوم بدر يوم أغر على الأيام ... باق إن شئت أو لم تشائي

أزمة المراهقة

أزمَةُ المراهَقَة للدكتور جميل محفوظ ولنتساءل عن مصير حب الولد لوالديه بعد هذه العواطف والثورات؟ لا يزول بل يتبدل. ينتقد المراهق حركات والديه ويهزا من بعض عادات غير إن الحب باقٍ رغم الأشكال الجديدة التي يظهرها بها هذا الحب. ويخجل، في بعض الأحيان، هؤلاء المراهقون من الأوضاع الشاذة التي قاموا بها أمام أهليهم، ويندمون ندما كبيرا. ينبثق من هذه الحملة، على الأهل، ونقدهم، شغف بشخص علويّ، يشبه ولا شك الصورة التي يكونها المراهق عن نفسه، وتتلو ذلك عاطفة نحو صديق أو رفيق والخلاصة فإن حب المراهق لأهله يدوم حتى من الخامسة عشرة ثم يتحول هذا الحب اعتباراً من هذا السن حتى نهاية الأزمة نحو أفراد أخر. الثورة ضد المدرسة: يقول طالب إن التربية هي ضلال رهيب: ومهمتها إخماد وقتل الميول، يرغب الأهل والمجتمع في جعل الناشئة كالنماذج المفروضة. لا يمكن تبديلها أو تحويرها، لا تظهر قيمة وشخصية المرء إلا بالتخلص من تأثير التربية العقيمة. يقول آخر التربية سذاجة، والمدرسة عديمة النفع، الأساتذة هم من عامة الناس، تحرم المدرسة الصبي حريته وجماله، نريد تهديمها. تشتد هذه الثورة ضد المعيدين والإدارة لأنهم مكلفون في حفظ واحترام النظام. كتبت فتاة في الخامسة عشرة من عمرها في مذكراته ما يلي ينقلب العدل الكثير إلى ظلم، وأرى نفسي مضطرة أن أقول كغيري: كفى، كفى، كفى، إذ أشعر الآن بثورة داخلية عنيفة. إن هذه الأجوبة وغيرها تظهر مدى ثورة الطلاب على المجتمع اعتقادا منهم بان حريتهم مسلوبة، ولا يفهمهم أحد. أما الثورة على الأستاذ فهي اقل عنفا، لأنه يسعى لتنمية الملكات العقلية لدى طلابه ويربي النفس ويوقظ الروح. يرى الطفل، قبل سن الخامسة عشرة، معلمه ذلك الهبل الذي يطلب كثيراً من الوظائف. ويصبح بالنظر للمراهق بعد هذا السن القائد الروحي، هذا إذا تمكن الأستاذ من فهم طلابه ومن تحبيبهم في درسه وإلا فإن العلم شيء مزعج. إن الثورة على المدرسة كالثورة على العائلة تؤدي إلى هرب غير إن هذا الهرب أقل

أهمية. ورغم عن المدرسة بالنظر للمراهق هي المأوى البغيض فإنهم لا بد واجدون فيها، على اختلاف الطلاب، واختلاف طباعهم، نفسا رضية يأنسون إليها ويسمونها بالنفس الشقيقة. يجب أن لا يظن بأن الأزمة كلها ألم واضطراب، إذ هناك أويقات عذبة يشعر فيها المراهق بسرور شديد لأنه غريب عن العالم، يغلق عينيه لترفرف أجنحة أحلامه في سماء الخيال. والخلاصة إن للمحيط تأثيراً في انبثاق الثورة، سيما إذا بالغ الراشد في ضغطه وزادت شقة الخلاف بينه وبين المراهق. هذا وإن العصيان يفترض وجود شخص يقاوم، في سن معين من حياته، العالم الخارجي ويفرض نفسه، لذا يجب أن ندرس الشخص ذاته، ليتسنى لنا التعمق في دراسة الأزمة لأننا حتى الآن تكلمنا فقط عن المظهر الخارجي وسننتقل إلى المظهر الداخلي. فرض النفس_الغرابة قلنا بأن الصفة الأساسية للحياة النفسية للمراهق هي شغفه بكل ما هو غريب، والانفراد بمزايا تفرقه عن باقي الناس، ينفر من كل تافه ويرغب في الشذوذ. يقول را يندرانات تاغور: بأنه كان يشعر، حينما كان مراهقاً، بميل عجيب إلى القيام بكل ما هو غريب، حتى أنه تعمد ألا ينام ليالٍ كاملة، قاصدا بذلك السلوك خلافاً للمعتاد. يقول مراهق في مذكراته: الغرابة هي الجديد. يجب لن يكون الإنسان مخالفاً دائماً لما كان ولما هو كائن. يزعجني كل ما هو قديم. أهزأ غالباً بالحقيقة الموجودة في فكر ما، وكل ما يهمني منها هو غير المنتظر أي المفاجئ. أشعر في نفسي بشيء من الغرابة، أحب اللهو وحينما ألاحظ بأنني السبب في استغراب الناس أسر ضمنا. تظهر الغرابة في انتقاء اللباس وكيفية ارتدائه، وفي الأوضاع التي يأخذها المراهق، وفي اللغة وفي الكتابة وأخيراً في تفكيره وعواطفه. تظهر الغرابة في كثير من هذه الأمور أو في جميعها وما تحليها على هذا الشكل إلا لتسهيل البحث. اللباس: يرى المراهق أنه من الضروري مخالفة رفاقه، فيرتدي ألبسة ينفرد باقتنائها وتصبح لديه بغيضة إذا ارتداها غيره فيخلعها ويفتش عن ثانية. أما الفتيات فأنهن ميالات إلى تغيير الألوان والتفتيش عن الغريب منها. ولقد دلت أجوبة المراهقين على بعض أسئلة

بأن حب الغرابة في الألبسة يكون غالباً حوالي سن ال14 إلى ال 16 سنة. يُلاحظ بان حب الظهور بواسطة الألبسة يضمحل ويتلاشى تماماً من سن ال 17 سنة ويحل محله حب ما هو عائد للشخص ولحياته الخاصة: العواطف، العقائد، والفكر. فيحتقر الطالب ضيق تفكيره السابق ويقذف بكل ما هو ظاهري وخارجي عن النفس، ويسعى لفرض شخصه بواسطة المعارف والمحاكمة وكثيراً ما يرتدي بعضهم ألبسة بسيطة لا تجلب النظر. يقول طالب بسن 19 سنة: اكره الألبسة والأوضاع الخارجية التي من شأنها أن تعرضني للأنظار. الأوضاع: يقوم المراهق بما هو غريب منها، يدفعه على ذلك عاملان: أولهما الرغبة في إدهاش الناس والثاني الحصول على لذة وطمأنينة بقطع النظر عن المحيط. يصفر أحدهم بأصابعه، ويقوم آخر بحركات رياضية غريبة أو صعبة بالنسبة لرفاقه، ويغني البعض الآخر بشكل خاص. وهناك من ينفرد في أمكنة منعزلة للتدخين، أو يترك المدرسة لنزهة ليلية في بستان أو حديقة الخ. . . اللغة والكتابة: لا يقل حب الغريب من الكلام أهمية عنه في الأوضاع، إذ يحتاج إلى خيال واسع. يحفظ الفتيان أمثلة ويستعملونها في مناسبة كأجوبة مقتضبة. يتلاعبون بالألفاظ أي يستهدفون من الكلمة معنىً ظاهراً وآخر مجازياً. يخترعون بعض الرموز للتفاهم بها كتابيا. أليست كل هذه المحاولات هي مخالفة للمعتاد وهي فرض النفس بالقيام بأمور تميزهم عن باقي الناس؟ يلاحظ تغير ظاهر في الكتابة عند الطلاب بسن 13_15 سنة فيتركون الكتابة المعوجة التي تشاهد عند الأطفال لينتقلوا إلى كتابة شخصية، فيها طابع الفرد. وتظهر الغرابة أيضاً في شكل التواقيع. يجاوب الكثير منهم عن سبب اختيارهم هذا الشكل دون غيره: بأنهم يحبون أن يتفردوا بما لا يعرفه أحد، ويبتدعون دون أن يفرض عليهم شي: التفكير والعواطف: أما الناحية الفكرية والعاطفية فإنها لا تقل عن غيرها بطابعها الغريب، إذ يعمد المراهقون إلى التفكير بأمور لم يعالجها غيرهم، ويأخذ لهذا التفكير اتجاهين: المحاكمة المنظمة، والأحلام. يتمركز انتباههم نحو مسألة يحاولون حلها. ويقومون بمناقشات حول المبادئ، باستنتاجات تقودهم في بعض الأحيان إلى قبول ما هو غير

منطقي، فيعتدون عن الحقيقية وما ذلك إلا لتفضيلهم ما هو ناتج عن تفكير شخصي. نرى الميل إلى الغريب أيضاً من العواطف، غير إن هذه تحاول أن تختبئ على عكس باقي الأمور، وتظهر غرابتها بشدتها وبعنفها وبلذتها وبكرمها وبخلودها، أي تتحلى بصفات خارقة للعادة. يظهر لنا مما مر بأن المراهقين يشغفون بالغريب ويعرضون عن التافه ويؤكدون بأن جمال الغريب وروعته تنحليان ببعدهما عنه. ويرون في التافهة ضعفاً للشخصية ومرضاً قتالاً. لم نبحث حتى الآن إلا المظهر الفردي للأزمة ولا شك بأن هناك مظهراً آخر هو حب العمل الاجتماعي وهو / سن الفرق /. يبدأ بالظهور لدى الفتى اعتبارا من السنة الحادية عشرة حتى السادسة عشرة. إن دراسة هذه الجمعيات الصغيرة تكشف لنا القناع عن رغبة المراهقين في استعمال رموز وإشارات يدهشون بها الناس غير أن هذا الشكل من الأزمة يتحول في سن السابعة عشرة إلى الابتعاد عن كل ما هو جماعي، حتى محاربته إذا اضطر المراهق إلى البقاء فيه. إنها لمشكلة كبيرة لا حظها جميع قادة الكشفية في العالم. وطرحت على بساط البحث والنقاش في المؤتمر الدولي للكشفية الذي عقد في لاهاي سنة 1937 وكنت ممن خدمهم الحظ بحضوره. لقد عولجت هذه المشكلة بتنظيم فرق النجادة على أساس جديد. فهي تسمح للمراهق أن يقوم بأعماله بصورة فردية أو مع واحد أو اثنين من رفاقه. إن الملاحظة تسمح لنا بإبراز صفتين تتعلقان بغرض النفس: أولهما أن الطالب يظهر بمظهر الرجل في الخامسة عشرة من عمره، لأنه يرغب في الانتقال من سن الطفولة إلى الجولة، وثانيهما ظهوره بمظهر الطفل في سن العشرين. ويفسر بعضهم هذا الحادث وهذا الرجوع إلى الوراء بكره الطالب سلوك جميع الناس، إذ يرى صعوبة في قبول عاداتهم وتطبيقها. وهناك بادرة يمكن ذكرها بهذه المناسبة هي: إن المراهقات يبتعدن عن المظاهر الغريبة التي يقوم بها المراهق غير أنهن يملن إلى كل ما هو غريب من الناحية الفكرية والعاطفية، فهن شاعرات أكثر من الذكور. سن الأنا أو الشعور بالشخصية 1_اكتشاف الذات

هي مرحلة من الحياة شديدة الاضطراب. تبدأ في سن 13_14 سنة فيشعر الطالب بأنه تعرف إلى نفسه وإن شعوره بوجوده أصبح قوياً وعميقاً، فيتفتح أمامه عالم مجهولاً ويتراءى له الكون رائعاً مرتدياً أجمل الألوان. تمتد هذه المرحلة حتى سن العشرين وتكون عنصراً أساسياً للفعالية العقلية في سن السادسة إلى الثامنة عشرة. أما الأسباب التي تؤثر في انبثاق الشخصية فهي خارجية وداخلية، ذكرنا الخارجية منه مطلع البحث ونذكر فيما يلي الداخلية منها: القراءات: تسهل القراءات معرفة النفس والشعور بها، كقراءة روايات فيها مغامرات وأشعار حماسية وحوادث غرامية، يكون البطل فيها بالنظر للطالب الشخص المحبوب الذي يشبهه بل يعبر عن خلجات صدره ومشاعره، وبهذا يكتشف في نفسه حساسية قوية، فيعجب بها. يكتشف الطالب نفسه بالتأمل الباطني أيضاً فيطلع على ثروته الفكرية وحصافة عقله، وكثرة آرائه، فيشعر بطمأنينة وراحة لهذه المنابع الدفاقة التي تنفجر عن روح غنية بالعاطفة النبيلة. ويجب أن لا نظن بأن رجوعه إلى نفسه يفسح له المجال لمعرفتها وفهمها حق المعرفة والفهم. لا يرى هذه الصورة التي يكونها عن نفسه على حقيقتها إلا حينما يقترب من النضوج أي في نهاية المراهقة. أما الوحدة فإنها تعقب بصورة مباشرة الشعور بالأنا. ونرى هذه الظاهرة على شكلين: إما أن يبتعد المراهق عن الناس أجمع وإما أن يبقى معهم، غير أنه لا يشاركهم في أحاديثهم بل يحلق بخياله وتنتابه في كلتا الحالتين أويقات راحة وطمأنينة وأخرى فيها قلق وحنق. ينمو عنه الطالب علاوة على حب الخلوة ميل إلى ما هو سر ولذا يصعب جداً معرفة ما يدور بخلد طالب ما عندما يُسأل عن بعض أمور، وهذا ما جعل دراسة سن المراهقة صعباً ودقيقاً. 2_الاعتكاف على النفس هو الرجوع إلى النفس والتفكير في العالم الداخلي مع الابتعاد عن الأشياء وعن الحوادث

الخارجية وعن كل ما هو ظاهريّ، أي هو الحياة مع أسرار النفس. نشاهد طلائعه في سن الثانية عشرة عند الفتيات والرابعة عشرة عند الفتيان، أي أنه معاصر للشعور بالأنا. ويمكننا القول بأن الحادثين متداخلان متشابكان رغم هذا التقسيم الاصطناعي. أما العناصر التي يقدمها إلى الأنا هذا الاعتكاف على النفس فهي حس بتقدير الزمن أي الشعور بالمدة، ثم تكون تفكير شخصي أي عناصر عاطفية تتولد منه محاكمات ومفاهيم فردية، وأخيراً معرفة الذات وتفريق المراهق بين شخصه والأشياء المحيطة به معتمداً في ذلك على ثروته النفسية الفياضة. 3_فرض الشخصية يبدأ المراهق بفرض آرائه حينما يشعر بشخصيته وقيمتها الكبيرة ويقوم بأعمال فردية تدلنا على تشبث واعتماد على النفس. ونرى ظهور هذه الشخصية بصورة عنيفة وهجومية في بعض الأحيان. وقد يشعر الفرد بأنه مركز لكل حقيقة وما ذلك إلا لان قوة حيوية فيه تحاول التحرر والإشعاع، وميل شديد إلى المعرفة العالم أجمع دون الوقوف عند حد. تدفع هذه العوامل الناشئ إلى التجربة والعمل وإلى التغلب على كل صعوبة بإرادة قوية وعزيمة صادقة. أما الحياة الأخلاقية فتتصف باحترام المراهق الشديد لخصيته التي اكتشفها حديثاً. ولا يرضى مطلقاً أن يتهم بالكذب أو غيره لأن التهمة من هذا النوع تجرح عواطفه النبيلة، فهو ينظر إلى الكاذب كالجبان النذل. وبجانب ذلك فهو حريص على تحمل نتائج أعماله ولا يتهرب من المسؤولية. ويعقب الشعور بالمسؤولية حب قوي لمعرفة الحقيقة. فنراه يميل إلى النقد واكتشاف الفكر ويتأرجح حماساً في سبر غور الأمور ورفع الستار عن المجهول. والخلاصة فإن المراهقين يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن ثروتهم الفكرية كبيرة جداً ولا يمكن لأحد أن يجاريهم، فهم أشد ذكاءً وأقوى نفساً وأطهر أخلاقاً من جميع الناس، ونشاهد غالباً أن هذه النظرية المعجبة بالنفس تقودهم إلى حب السيطرة وإعطاء الأوامر. تحرر الأنا تبين لنا مما تقدم بأن ظهور الشخصية يتلوه اضطراب نفسي عميق يقض مضجع الناشئ

ويدفعه أخيراً للخروج من وحدته والتعبير عما يجول بخلده، فيسجل مذكراته، أو يكشف أسرار لصديق، أو يزداد ورعاً، أو ينتحر. المذكرات_يسجل بعض الطلاب مذكراتهم ويبدأ لديهم هذا الميل في سن الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة. ما الأسباب التي قادتهم إلى ذلك هي: اهتمامهم بأعمالهم الشخصية وبسلوكهم، وبتفكيرهم وبعواطفهم. الصداقة: يحتاج المراهقون في كثير من الأحيان إلى صديق يختارونه ممن يتقارب معهم في التفكير ويطمعون وحده على أسرارهم ولا يكونون بذلك قد خرجوا عن وحدتهم إلا ليندمجوا في شخصية ثانية تشاركهم في العواطف، ويعتقد كل من الصديقين بأنه لا يمكنه التفاهم مع أي فرد من الناس سوى مع رفيقه. يقول مراهق في سن الثامنة عشرة: بأنه يرتاح جداً لصداقته مع رفيق له لأنه متأكد بأنه يحفظ له أسراره، ولأنها قطعا عهداً بأن لا يخفي أحدهما عن الآخر جميع الأمور التي لا يسمحان لا حد معرفتها. ونرى أن هناك نوعاً من التقليد بين الصديقين لأن كلاً منهما معجب بالآخر يتبادل مع رفيقه عقائده وأفكاره وأسراره. غير أن هذه الصداقة لا تدوم بل تتلاشى مع الزمن. التدين: أن الحياة الداخلية الناشئة تساعد على نمو شعلة الإيمان. يبدأ الهرب من التعاليم الدينية مع ظهور البلوغ ثم ينقلب هذا الهرب إلى حب صحيح وورع عميق إذ تحلق الروح نحو الخالق، وبهذه الواسطة تتحرر من انقباضها على نفسها وتستمد قوتها من العناية الربانية. الانتحار: وهو قليل الوقوع. ينتج عن عراك نفسي طويل، ينتهي بالمراهق إلى الخروج من المأزق الذي هو فيه. ولنضرب مثلا ما كتبه طالب قبل انتحاره: إن العالم سيتخلص من مغفل مثلي. ويقصد بذلك أن الناس لم تفهمه فحكمت عليه بأنه مغفل. وكتبت فتاة انكليزية قبل انتحارها إنها الطمأنينة كبيرة يشعر بها المرء حينما يعلم بأنه بعد بضع دقائق لن يكون بحاجة إلى طعام أو نوم أو ضحك أو حزن. جميل محفوظ

حق التأليف

حَق التَأليف للأستاذ حكمة الساطي لم يكن حق التأليف معتبراً من الحقوق في العصور القديمة، ولم يظهر بصورة عملية وواضحة إلا في أواخر القرن الثامن عشر. وقد اختلف الفقهاء والمشرعون في طبيعة هذا الحق القانونية، وفي نطاق أي نوع من أنواع الحقوق يمكن إدخاله. فاتجهت الآراء واتفقت وجهات النظر، في أواخر القرن الثامن عشر على اعتباره في نطاق حق الملكية. وقد وجد بعض العلماء، إن اعتبار حق التأليف حق ملكية، لا ينطبق تمام الانطباق على الواقع، لأن حق الملكية حق يتصف بصفة الديمومة، بينما حق التأليف موقوت لمدة معينة، يعود لمؤلفه ولورثته من بعده، حيناً من الزمن محدوداً، ثم يخرج عن ملكيتهم ليصبح حراً للناس أجمعين. ولذا اعتبره بعضهم امتيازاً للمؤلفين، نالوه مكافأة على ما أسدوه من عمل، وما أنتجته أقلامهم وما الفته أفكارهم. على أن أفكارهم بعضهم اتجهت أخيراً إلى أن اعتبار هذا الحق امتيازاً لا يتفق واعتباره حقاً للمؤلف، كما إن الامتيازات لا يقتضي ما يقتضيه الحق من صيانة ورعاية. وقد ظهرت آراء معتدلة بين هذه الاختلافات العنيفة، تقضي بأن حق التأليف هو حق، وإن حمايته هي حماية لنشاط الفكر الإنساني، الذي يظهر فيما يبتكره من مؤلفات فنية أو أدبية أو علمية. تجول في فكره وتختمر على الأيام في نفسه، فيخرجها قطعة من قلبه، ويضعها في متناول يد الجميع. وقد فاز هذا الرأي المتوسط فوزاً مبيناً في الأعوام الأخيرة، في أكثر التشريعات الأوربية. على أن الدول لم تتفق على الأسلوب الذي تبني عليه حماية حق المؤلف. فهل يعتبر المؤلف حقاً للمؤلف يستغله بالشكل وبالصورة التي يريدها؟ أم إن للجماعة حقاً على التأليف لا تتنازل عنه؟ أم أنه حق للمؤلف يحميه القانون بقدر ما فيه من مصلحة الجماعة؟ إن الدول التي تأخذ بالمبادئ الفردية تعتبر، في حماية حق المؤلف، إن التأليف مظهر من مظاهر الشخصية الإنسانية، فتضمن للمؤلف أن يبقى سيد إنتاجه الفكري يستثمره ويستغله بالشكل والوجه الذي يريده ويبتغيه. ولكن المبادئ الفردية تراجعت أمام المبادئ الاجتماعية، التي ظهر أثرها في التشريع

الأوربي بصورة خاصة، فقيدت القوانين الأوربية حق التأليف، بالنظر لما للجماعة من حقوق على المؤلف سواء أكانت معنوية أم مادية. أما في سورية فإن حق التأليف هو حق ملكية للمؤلفين. وبذلك نرى إن الآراء والأفكار التي سادت في أواخر القرن الثامن عشر لا تزال ماثلة في أواسط القرن العشرين ومعمولا بها. ويجري حق التأليف في سورية على جميع منتوجات أفكار المؤلفين وأقلامهم كالكتب والرسوم واللوحات والخرائط الجغرافية والمعمارية والموسيقا سواء من ناحية النظم أم من ناحية الألحان، وسواها. كما يشمل جميع دروس التسلية والروايات التمثيلية والمسرحية جزءاً أو كلاُ، والتربية والتعليم والوعظ، وكما يشمل أيضاً العنوان والاسم سواء أكان الاسم اسم جريدة أو مجلة أو كتاب. هذا ويتضمن حق التأليف حقوقاً ثلاثة وهي حق الطبع والنشر والترجمة. على إن التشريع المعمول به في سورية يورد شرطاً لحفظ هذا الحق للمؤلف، وهو أن تذيل الحقوق التي يراد حفظها بعبارة (الحقوق محفوظة)، حتى إذا لم يذكر مثل هذا القيد، كانت المقالات والرسوم وسواها غير خاضعة لهذا الحق، شريطة أن يذكر الناقل أو المنتحل مأخذها واصلها. هذا وأن حق التأليف وإن يكن حق ملكية للمؤلفين على جميع ما أنتجته أفكارهم وما خطته أقلامهم، فإن هذا الحق لا يتصف بصفة الديمومة. فهو يعود للمؤلف مادام حياً، ويعود لورثته مدة ثلاثين سنة بعد وفاته. ويستثنى من شرط المدة، الألواح والمخطوطات والرسوم والخرائط الجغرافية والمعمارية. إذ يبقى حق تأليفها بعد وفاة صاحبها مدة ثماني عشرة سنة فقط. كما تستثنى المؤلفات المترجمة، إذ يبقى حق ترجمتها بعد وفاة المترجم خمس عشرة سنة فحسب. أما الورثة: 1) أولاده وأزواجه 2) آباؤه وأمهاته3) أحفاده على السواء فطل طبقة من هذه الطبقات تحجب التي تليها، ويكون التوزيع بالتساوي فيما بينها. ولا يحق لغير المؤلف أو ورثته، في خلال المدة المذكورة آنفاً، أن يطبع شيئاً من المؤلفات أو يقوم بنشرها أو ترجمتها.

هذا، وإذا اشترك عدة أشخاص في تأليف كتاب ما أو ترجمته كتاب من الكتب، دون أن تكون مقاولة بينهم على عدد السهام التي تصيب كل واحد منهم من التأليف، كان حق التأليف أو حق الترجمة عائداً لهم جميعاً على السواء. حتى إذا مات أحدهم انتقل إلى ورثته حق الاستفادة من الأجزاء التي نشرت ومن آخر شريك منهم. أما إذا كانت هناك مقاولة ما بينهم فتجري أحكامها بينهم وتطبق عليه. لأن الشرط قانون الطرفين، والعقد شريعة المتعاقدين. وإذا مضت مدة حق التأليف فيمكن لكل شخص أن يطبع أو ينشر أي مؤلف من المؤلفات أصبح بدون مالك. إلا أن لوزارة المعارف أن تقرر نشر مؤلف قد نفذت نسخة أو لم يتمكن الورثة بعد وفاة الموروث من إعادة نشره، مع احترامها لحقوق الورثة في التأليف. ولما كان حق التأليف، حق ملكية للمؤلف وللمترجم، كان لكل منهما ولورثتهما من بعدهما أن يبيعوا هذا الحق لغيرهم بموجب اتفاقية، أما بصورة دائمة أو لمدة معينة تنتهي بوقت محدود. أما المؤيدات لهذه الأحكام، ولحفظ حقوق المؤلفين على مؤلفاتهم من التقليد فثلاثة: 1_يغرم بالجزاء النقدي من خمس وعشرين ليرة ذهبية إلى مئة ليرة ذهبية أو ما يعادلها بالورق السوري حسب التسعيرة الرسمية. 2_ويحبس من أسبوع إلى شهرين في السجن 3_وتضبط الآثار التي طبعها وتعطى لصاحبها. شريطة أن يقدم المؤلف أو الورثة شكوى شخصية على تلك الجريمة. فحق التأليف، باعتباره حق ملكية للمؤلفين، كما جاء في التشريع المعمول به في سورية، يختلف عن حق الملكية العقارية وملكية المنقول من وجوه منها: 1_حق التأليف حق يعود لمؤلفه مدة حياته ولورثته بعد وفاته مدة محدودة من الزمن. بينما حق الملكية العقارية وملكية الأموال المنقولة يعود لمالكه مدة حياته ولورثته بصورة دائمة. 2_حق التأليف يمكن بيعه من قبل المؤلف لمدة معينة من الزمن بموجب اتفاقية، ثم استعادته بعد مضي المدة، بينما حق الملكية العقارية والأموال غير المنقولة لا يمكن التنازل

عنها لمدة معينة بطريق البيع. 3ت حق التأليف يعود لورثة محصورين في القانون بعد وفاة المؤلف على التساوي بينما حق الملكية العقارية والأموال المنقولة يعود المورثة الشرعيين حسب الفريضة الشرعية. 4_حق التأليف يعتبر حقاً منقولاً، ينقل ويتنازل عنه وفقاً لقواعد الحقوق المدنية، إلا أنه لا يمكن الحجز على هذا الحق. بينما حق الملكية المنقول وغير المنقول يمكن الحجز عليه. وقد قدم مشروع لجامعة الدول العربية لتوحيد حماية حق المؤلف في تشاريعها فتصبغ بذلك حماية حق المؤلف صبغة دولية. وذلك بالنظر لعدم وجود قوانين متنافرة ومتباينة في دول الجامعة العربية، وبالنظر لوجود هذه الدول بدرجة متقاربة أدبياً وفنياً، فضلا عن وحدة اللغة والتقارب الظاهر بالتفكير. ولا يزال المشروع موضوع دراسة ومناقشة، وسوف لا تمضي مدة من الزمن، حتى تتزلل الصعوبات الدولية التي تعترض وجود تشريع موحد في دول الجامعة العربية حكمة الساطي

غرض التربية

غرض التربية ليس الغرض من التربية أن نخرج عبيداً ضعافاً أذلاء، بل الغرض أن نخرج سادة أحراراً كبار النفوس، يتمتعون بالرأي والحرية التامة في كل ما نعرضه عليهم من الأعمال. وإن سلبهم هذه الحرية أو محاولة سلبهم إياها لهو عين الخطل والخطر فلندع الأطفال ينفردون بأنفسهم ويخلون إلى ما حولهم ويصرفون قواهم ويجولون فيما بين يديهم من الأشياء، ليتعرفوا السلطة ويذوقوا طعم الإمارة ويشعروا من نشأتهم بالتبعة التي هي دائماً قرينة الرياسة ولازمة لها. توماس أرنولد

النهوض بالموسيقا

النهوض بالموسيقا للأستاذ نعيم الحمصي أن حالة الموسيقا في المدارس الابتدائية اليوم تستدعي اهتماماً عظيماً، وإلا ضاعت الفائدة المرجوة منها ولا بد للنهوض بها من أن تراعي وزارة المعارف جهل جل المعلمين أو ضعفهم في هذا الفن وعجزهم عن إفادة طلابهم، فلا تكلف معلم الصف أن يعلم شيئاً لا يحسنه ولا تسمح بأن يدرس الفنون الجميلة إلا أساتذة مختصون كما نص على ذلك برنامج الموسيقا نفسه وأن يبقى الأمر كذلك ريثما تعد معلمين يوثق بكفايتهم في فن الموسيقا كغاية نظرية وعملية إلى جانب الوثوق من قدرتهم على تدريس هذه المادة وحينئذ لا بأس بأن يدرس معلم الصف نفسه هذا الفن لطلابه ويجب أن تجهز المدرسة بعدد من الآلات الموسيقية كاف لتدريب الطلاب على مزاولة الموسيقا بصورة عملية على أنها فن جميل على جانب دراستها بصورة نظرية وأن يوضع لها برنامج فني يطبق بالتدريج على مدارس الحضانة والمدارس الابتدائية والثانوية وفق أعمار الطلاب واستعداداتهم ولا أظن أن عدد الساعات لا يكفي لبلوغ هذه الغاية كما لا أظن إن الطلاب تنقصهم القدرة على تحقيق ما نريده لهم وللأساتذة المختصين أن يضعوا هذا البرنامج ولكن لي أن أدلي فقط بمقترحات متواضعة في هذا الموضوع فيما يتعلق بغاية الموسيقا وفي الوسائل التي أراها مسهلة لبلوغ هذه الغاية، في مدارس الحضانة وفي المدارس الابتدائية والثانوية. آ_مدارس الحضانة إن ضعف البيئة الفنية ومراعاة إن الطفل يجب أن تربى أذنه وحنجرته منذ الطفولة الأولى يستدعي اهتمام المعارف بدور الحضانة وتعميمها وعدم السماح بدخول الطفل المدارس الابتدائية إلا إذا قضى طفولته الأولى في الحضانة وليس ذلك لأجل الموسيقا فقط بل لأن الحضانة ضرورية لخلق عادات صالحة في الطفل وتمرين حواسه وعضلاته ويديه وجعله يحسن الاستفادة منها والعناية بملكاته والطفل غالباً يأتي إلى المدرسة الابتدائية وقد تأصلت فيه اتجاهات وعيوب يعب استئصالها والأحسن أن تتعهده مدرسة الحضانة بالعناية قبل أن تنشأ عنده. وهدف الموسيقا هنا تربية أذنه وحسه وصوته وحنجرته تربية صالحة قبل أن يحدث فيه البيت الجاهل أثراً سيئاً وينبغي الاستفادة من حبه الأنغام ورقصه الطبيعي عليها

لتقوية ميله الفني وغرس حب النظام والتنافس في نفسه وحركاته ومن البديهي إن الطفل لا يعلم في هذه المرحلة أي شيء من الموسيقا النظرية أو العملية فمؤهلاته في الحالة الطبيعية لهذا السن لا تساعده عليها وينبغي أن تجهز المدرسة بمذياع وبآلة الحاكي مع اسطوانات لأحسن الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية الراقية ويجب أن تأخذ الموسيقا قسماً كبيراً من وقت الطفل إلى جانب الفنون الجميلة الأخرى والألعاب اللطيفة. وأن تمرن المعلمة أذنه على تفريق طبقات الأصوات ومددها وتمرن حنجرته على محاكاتها بطرق جذابة. ب_المدارس الابتدائية يجب أن ترمي الموسيقا إلى تعليم الطفل العلامات الموسيقية والنسب الزمنية وكل ما يطلبه البرنامج القديم بصورة تدريجية مع تعويده على تمييز ذلك بالأذن وتمرينه على محاكاتها بالصوت في الغناء وأن تخلق فيه القدرة على التفريق بينها على اختلافها ويجب أن تهدف بعد ذلك في الحلقة الوسطى إلى أن يعزف الطفل العلامات البسيطة وبعض الأنغام التي ليس فيها تعقيد زمني وذلك بواسطة الآلات الهوائية بناء على محاكاة الأستاذ ثم على الآلات ذات الأوتار في الحلقة العليا وهنا يعترضنا كثرة عدد التلاميذ فليس أمام الأستاذ تلميذ واحد أو بضعة تلاميذ وأرى إن هذه الصعوبة تحل بطريقتين ليست مستحيلتي التنفيذ: 1) وجود عدة آلات موسيقية في المدارس من نوع واحد فيضرب المعلم العلامة على الآلة ويدل الطلاب على موقعها من الوتر أو الآلة الهوائية وموقع أصابعهم ويحاكيه التلاميذ في ذلك ولتحقيق هذا وسهولة مراقبتهم يقسم الطلاب إلى عدة زمر كل زمرة تتألف من ستة طلاب مثلا ويخصص لكل زمرة سبعة دقائق من حصة الدرس فتتمرن فيها على عزف الدرس ثم تسلم الآلات إلى الزمرة الثانية فلا تنقضي الساعة إلا وينال كل طالب نصيبه ولهذا أثره في الطلاب فهو يخلق فيهم لذة إخراج الأنغام بأنفسهم والميل إلى الفنون ويخلق فيهم الانسجام بين حس الأذن واستجابة اليد والصوت. ويراعى في البرنامج هنا أيضاً المثابرة على إسماع الطلاب اسطوانات وأغاني راقية لتربية الذوق والفن عندهم. وفي السنين الأولى يستفاد من ميل الطفل إلى سماع الموسيقا الطبيعية الماثلة في غناء

الأطيار فتقلد الموسيقا هذه الأصوات الطبيعية البسيطة ثم ينتقل بالتدريج إلى القطع المؤلفة من عدة أصوات ذات أزمان واحدة ثم قطع مختلفة الأصوات والأزمنة سماعاً وإنشاداً وأداء. 2) الطريقة الثانية لحل الصعوبة الناشئة من كثرة التلاميذ وقلة الآلات الموسيقية وفقدان غرفة في المدرسة خاصة بالموسيقا تقوم على أن تأسس المعارف مركز أو مراكز في كل قسم من البلدة يضم عدة مدارس وتجهيز هذه المراكز بآلات موسيقية ويشرف عليها أساتذة وتكون الآلات مهيأة موزونة حين مجيء التلاميذ إلى المراكز ليعزفوا أو ينفخوا فيها حسبما تكون وترية أو هوائية. وينقل الطلاب إليها بسيارات تعدها وزارة المعارف لهذا الشأن ثم يرجعون فيها على مدارسهم وبهذه الصورة يهيأ لهم الفن الجو الكافي إلا أنني أرى إن هذه الطريقة أصعب تحقيقاً من الأولى. المدارس الثانوية وفي المدارس الثانوية يثابر على تربية الذوق والأذن والحنجرة بقطع موسيقية لكبار الموسيقيين ويمرن الطالب فيها على العزف على الكمان أو البيانو أو أية آلة موسيقية أخرى. ويلم الطالب بنظريات الموسيقا إلماماً كافياً ويطلع على التاريخ الموسيقا بإيجاز. وإذا لم يؤد درس الموسيقا إلى تربية الأذن والحنجرة وخلق الذوق والميل ولا إلى تعليم العزف على آلة موسيقية باعتبار الموسيقا فناً جميلاً قبل أن تكون علماً نظرياً جافاً فلم يوجد هذا الدرس في برنامج التعليم. ومن الغريب إن وزارة المعارف تعرف يقيناً بأن أكثر المعلمين يأخذون الساعات المعينة للموسيقا لغيرها من الدروس ويقتصرون فقط على تعليمهم الأناشيد الوطنية صباحاً ومساءً غير هذه الساعات مستعينين بغيرهم ثم يتجادلون هذا الوضع فإما أن يقتصر في درس الموسيقا على تعليم الأناشيد وإسماع الطلاب أسطوانات موسيقية راقية وإما أن تحذف هذه الساعات من المدارس الابتدائية صراحة وإما أن يحقق إصلاح منتج في هذا السبيل وبدون هذا الإصلاح لا يمكن أن يقوَّم الفني العام ويتقدم. وبهذا أنتهي من الكلام عن الموسيقا لأتكلم في العدد القادم على سائر الفنون باعتبارها حلقات سلسلة واحدة في حياة الأمة هي سلسلة الذوق العام فأكون قد مهدت لبحث الطريقة

التي أراها مثلى لتعليم الطفل اللغة تعليماً صحيحاً يعده في المستقبل لتذوق الأدب وإنتاجه. تجهيز حماة: نعيم الحمصي

المثابرة

المثابرة عزم الشاعر الانكليزي ورد سورث مرة على تسلق جبل للتنزه والرياضة، وبينما هو يصعد إذ هبت عاصفة شديدة فاستمر في الصعود على الرغم من قصف الريح وهو يخاطب نفسه بقوله: إن العدول عن مشروع قام في سبيله خطر صغير، فهو خطر على الأخلاق كبير.

المعلم

المُعلم للأستاذ خالد قوطرش الخطاب الذي ألقاه رئيس هيئة التعليم الابتدائي في حفلة التكريم التي أقامتها الهيئة للأستاذ رمزي الركابي بمناسبة تعيينه مفتشاً. _ أنا معلم! قالها المسيح عيس ابن مريم. _ لو لم ابعث رسولاً لكنت معلماً. قالها النبي العربي محمد بن عبد الله. قم للمعلم وفه التبجيلا ... كاد المعلم أن يكون رسولا رددها شوقي أمير، الشعراء، في أغانيه. _ يصنع المعلم للوطن الزعماء، وللحكومة الوزراء، وللجيش الأمراء، وللأمة الأدباء، ولم يصنع لنفسه غير الجهد والعناء. قالوا عنه إنه شمعة منير ولكنه يصبح وقد قارب القبر فتيلة سوداء. فهو أبداً ينتج ويصنع وغيره يملك ويجمع. . . كتبها عربي معاصر. . . _ رفعتم للجندي تمثالاً أسميتموه الجندي المجهول، فكان اصدق لمنطق الواقع أن ترفعوا تمثالاً وتسموهالمعلم المجهولألم تدركوا أن المعلم هو زرع العقيدة في قلب الجندي وقوى البأس والجأش في جوانحه فاندفع إلى الجهاد فالاستشهاد فالنصر. . . نفحها برنارد شو، في إحدى مسرحياته، بوجه القائد المنتصر المتغطرس. . . _ وعندما ندرك إن تغذية الأرواح بالعلم والعرفان لا يقل منزله عن تمزيق الأبدان بشظايا القنابل وأسنة المران وأنه يجب يكون بجانب قواد الجيوش وبطارق الجحافل، ممن تنحصر مهمتهم في التقتيل والتذبيح، معلمون مكرمون ومربون ممجدون. عندها نكون قد بلغنا مستوى الإنسان. . . كتبها كارليل، واضع كتاب الأبطال. كارليل الذي مارس التعليم ثلاث سنين في قريته ثم غادرها إلى المدينة الكبرى ليصبح معلم الآداب وأستاذ الأدباء. . . صاحب المعالي! سادتي!

عندما رأت التعليم الابتدائي إن من واجبها تكريم الأستاذ رمزي الركابي بمناسبة تعيينه مفتشاً، شعرت في الوقت نفسه، إنها فطنت متأخرة، على هذا الواجب، وان هذه الحفلة التكريمية، كان يجب أن نقام منذ زمن بعيد. لأنكم في الواقع لا تكرمون المفتش رمزي الركابي، بل تكرمون المربي المخلص والمعلم النابه، المتمكن من مهنته نظرياً وعملياً. فلذا نشعر وتشعرون بأننا مقصرون في حقه وفي كل معلم مجد مخلص. إلى الآن اعتدنا أن نقيم حفلات التأمين ولكن يجب أيضاً أن نعمل على إقامة حفلات التكريم، اعترافاً بفضل العاملين وتقديراَ للنابهين، وتكريم المجدين المخلصين، عادة يجب أن نؤمن بها وان تعم في مجتمعنا. وهي دليل على تراص الأمة وغروب الأنانية وانتشار الغيرية. وبرهان صادق على حب الوطن، فما حب الوطن بالأمر الغامض المبهم، بل من دلائله، تمجيد الأفراد الذين يخدمونه بصمت ورغبة وتفان. . . لقد أخذت وزارة المعارف أخيراً برأي الأستاذ الحصري. فعينت مفتشاً من أسرة التعليم الابتدائي. كان من المستحسن أن تجنح إلى ذلك قبل أمد غير قصير لا سيما وقد سبق لها أن لمست نجاح الفكرة عندما عينت منذ أربع سنين، الأستاذ عبد الغني الباجقني مفتشاً. وتنفيذ هذه الفكرة، كانت ولا تزال أمنية قديمة للمعلمين طالما سعت هيئاتهم إلى تحقيقها. فقد جاء في مقررات مؤتمر حماه ما يلي: لا يخفى ما للتفتيش من أثر بليغ في نهضة المدارس وحسن سيرها. فأساليب التفتيش القويمة تزيد في تقدمها وانتظامها. لذلك يقترح المؤتمر: انتقاء المفتشين من ملاك التعليم الابتدائي، ممن مضى على وجودهم في الخدمة مدة لا تقل عن عشر سنين، فرجال التعليم الابتدائي مارسوا فن التربية وطرق التدريس عملياً، فإذا حضروا درساً أدركوا حالاً نواحي الضعف فيه وتمكنوا من إرشاد المعلم. وفي تشرين الأول من هذه السنة، قدمت هيئة التعليم الابتدائي إلى وزارة المعارف، عريضة تطلب فيها تعيين مفتشين من ملاك التعليم الابتدائي. . . ولقد أحسنت الوزارة حسنتين في تعيينها الأستاذ رمزي الركابي مفتشاً: أولا حسنة الفكرة، إذ فتحت أمام المعلمين أفقاً واسعاً وأملاً رحباً، قد يوصلون إليه أو لا يصلون، ولكنه، على كل حال، أمل حلو يثير طموحهم المتبدد في سبيل مستقبل طلابهم، وإذ شئت فقل: طموحها المنحور بآهات التدريس. أما الحسنة الثانية، فهي حسنة الاختيار فالأستاذ الركابي بأخلاقه العالية، سيكون مرشداً وموجهاً

لإخوانه المعلمين، يتقبلون إرشاده وتوجيهه، ويأخذون بها عن طيبة خاطر. لان المعلم أدرى بالمعلم، مثل نضربه إذا سمح لنا به ضاربو الأمثال: اكثم وابن ساعده والإمام. سادتي: إن المعلم السوري المثالي، استطاع طوال سني الاستعمار البغيض أن يقوم بواجبه وأن يكيف بذكائه، ووطنيته وإخلاصه كثيراً من التواءات البرامج والخطط التي وضعها المستعمر لعرقلة النهوض الوطني والوعي القومي وبلوغ الاستغلال. فالبرامج التي وضعت في عهد الاستعمار كانت تهدف قيد المعلم السوري وتنشئة الجيل تنشئة فيه الخمول والتواكل واللامبالاة، ليستفيء الأجنبي في ظلالنا الوارفة ويستمرئ خيراتنا. ولكن هل نجح المستعمر فيما أراد وابتغى؟ طبعاً كلا! ولا ريب أن من جملة الأسباب التي لم نمكن المستعمر من تنفيذ خططه الاستعمارية هو عمل المعلمين الذين كانوا في ذلك العهد الإرهابي يعلمون طلابهم معنى الوطنية وفكرة القومية وحب الحربة. . . ولكن المعلم إذا كان في عهد الاستعمار والانتداب مكبلاً مراقباً، ورغم كل ذلك أثر تأثيراً فعالاً في نفوس الطلاب فأوجد للوطن جماعة من المكافحين المناضلين، فمن الواجب إذن أن نفسح له اليوم مجال العمل، ليتحرر من قيود العهد البائد وأثقاله ومن الفاقة والحرمان والراتب الضئيل المذل. فالعهد الجديد يفرض علينا أن نسير على خطط جديدة وبرامج جديدة. وهل إمكانياتنا حكومة وشعباً تسمح بذلك؟ إن التاريخ والحاضر يضعان أمام بلادنا سورية التي تملك إمكانيات التطور بعد تحررها من كل ضغط استعماري واحتلال عسكري، تؤهلها هذه الإمكانيات لتصبح دولة الطليعة في الأقطار العربية. إن السؤال الموضوع أمامنا هو! إما أن نتقاعس ونستذل ونرضخ أو أن نحث الخطى في طريق العلى، نجاري المدنية الحديثة ونسابق الأقطار المتقدمة ونسبقها. إن التاريخ يضع هذا السؤال دون شفقة أو رحمة أمامنا بل أمام كل شعب طامح للنور، راغب في بناء مكان لائق به تحت الشمس. أجل إن المهمة صعبة وشاقة والإمكانية الحالية ليست تامة ولكن إذا أحسنا استعمال القوى الموجودة المتوفرة لدينا الآن، استطعنا أن نعمل شيئاً. . . إن الاستغلال في نظر الكثيرين كان أمنية بعيدة المنال، ولكن أصبح اليوم بفضل الوطنيين وكفاح الشعب، واقعاً ملموساً. من كان يظن إن تهيئة سرب من الطائرات أمر هين، ولكن

وفي مدة قصيرة، ظهر هذا السرب في سماء دمشق الخالدة. وكذلك خلق نهضة جبارة في مدارسنا، ليس بالأمر المستحيل أو الصعب طالما يكمن في شعبنا قوى تنتظر من يقدمها، وطالما يشترك في قدحها وبعثها وتوجيهها رجال مخلصون وشباب عاملون. . . أيها السادة! إن نظام التعليم لا تزال غايته إعداد الطالب لنيل الشهادات ليصبح فيما بعد موظفاً يعمل عملاً آلياً، ويتقاضى راتباً، ولا ينتج شيئاً، يفخر بشهاداته ويزين بها الجدران. ويجب أن نعترف بأن ما نسميه النشاط المدرسي والأعمال الحرة ليس له في الحقيقة أي ملموس في مدارسنا، لان الوقت المخصص لهذه الغاية، قليل جداً ولأن معظم المعلمين ليس لديهم من أوقات الفراغ والمعرفة العملية ما يساعدهم على انجاز ذلك. وما زال همُّ المعلمين إتمام مواد البرامج وإنهاك أذهان التلاميذ بالمعلومات الفارغة الغامضة دون أن يخلقوا جواً مدرسياً، يعود التلاميذ على المطالعة والعمل المشترك والتعاون والتنظيم. ولكن كيف يتاح للمعلمين أن يقوم بهذه المهمة وواحدهم يدرس في الأسبوع أربع وثلاثين ساعة. إن دوام هذا الوضع الخاطئ لا يتآلف ونفوس الشبيبة التواقة للمجد والعمل فتأمل من المسؤولين، الذين لا نشك في إخلاصهم وكفاءاتهم، أن يعنوا أولا بالمعلمين عناية، تدفعهم إلى القيام بواجباتهم عن حب ورغبة. فيؤّمن لهم على الأقل الحد الأدنى من ضرورات المعيشة، وتؤسس لهم نواد، يجتمعون فيها بعد عمل النهار يتداولون شتى الأحاديث عن مهنتهم وعن مصير الجيل الموكول إليهم أمره. . . أما ثانية فيجب تغيير مناهجنا النظرية الرتيبة التي تنشئ أناساً نظريين، ضعافاً في أبدانهم ونفوسهم وأخلاقهم، وإيجاد منهاج نظري_عملي_فني، يوافق ما تحتاج إليه حياتنا اليومية من صناعة وزراعة وفن. فيرّبي هذا المنهاج جيلاً قادراً على إتقان استخدام يديه وعقله، ويخلق نوعاً من الإنسان مفعماً بشجاعة لا تغلب وإرادة لا ينطفئ اتقادها، وعزيمة لا تلين، وإخلاص لا يبهره الدرهم والجاه، إنسان مزود بقطبي الحياة: الفكر والعمل، يدفعه إلى انجاز عمله، إدراكه المنتقد المستمر لواجباته مهما كان نوع تلك الواجبات، كفرد مساهم في تقدم مجتمعه، معتقد بكل بساطة أن ما يبذل من جهد وعمل هو في سيل حرية شعبه وسعادة وطنه، محطم القيود التي تغل عبقرياته وملكاته، يدير مقدراته بنفسه، وقد انكشف مواهبه

وانبعثت بطولته، وتخلص من أثقال التقاليد والجمود، وآثار الاستعمار وأصفاد الاستبداد، وفوق ذلك كله يعرف كيف يموت في سبيل وطنه. عندئذ يمكن أن يكون المدارس بمثابة معامل راقية تصدر أدوات إنسانية راقية قد تبدو هذه الرغبات حلماً من الأحلام الذهبية ولكن أوكل لأحلام إلى مربين نابهين أمثال الأستاذ الركابي، تجد الأحلام، بإرادتهم الغالبة قد أصبحت واقعاً لا يقهر. . فما استعصى على قوم منال ... إذا الإقدام كان لهم ركاباً وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا خالد قرطوش

الجمال بين التطور والمثالية

الجمال بين التطور والمثالية للأستاذ مظهر علم الدين يختلف تفسير الجمال باختلاف النظر الفلسفي إليه. فالمثاليون يرتأون رأياً في الجمال غير رأي أهل التطور. والماديون ينحرفون في تصورهم للجمال انحرافاً ملحوظاً عن رأي أهل التطور. ولعل سائلاً يتساءل في هذا العدد: أليست الفلسفة المادية هي نفس فلسفة التطور؟ ولا خفاء أن الفلسفة المادية هي قريبة من فلسفة التطور غير إنها تختلف عنها اختلافاً في معظم خطوطها الكبرى، والعناصر التي ترتكز عليها فلسفة التطور هي متغايرة عن العناصر التي ترتكز عليها الفلسفة المادية، ولذا كان من ابرز الأخطاء العلمية هي المزج بين الفلسفتين، هذا الخطأ الذي وقع فيه كثير من الشرائح وجهابذة العلم الحديث أمثال بختنر في الغرب والدكتور شبلي شميل في الشرق. والواقع إننا لا نحاول هنا لتفريق بين الفلسفتين، وإنما حاولنا أن نزيل الالتباس فيما فسرنا الجمال على ضوء التطور، ولئلا يذهب البعض في الظن بأن تفسيرنا التطوري إنما هو نفس التفسير المادي. ترى فلسفة التطور إن الجمال هو الغاية القصوى التي يسعى إليها النشؤ الأدبي والعضدي معاً. ولا مراء إن غاية العضديات في سيرها التطوري أن تبتغي الجمال وتهدف نحوه. ومن الظاهر إذن تبعاً لهذا النظر إن الأحياء كلما ارتقت في مدارج التطور كلما سمت جمالاً وتدرجت في مراتب الجمال ونسبه. فالجمال هو العامل الحافز والمشوق للأحياء العليا في سيرها التطوري ابتداء كما انه الهدف التي نسعى إليه انتهاء. والواقع إن هذا يجري بصورة لا شعورية إذ إننا نرى أن الانتخابات الطبيعي يهدف في معمعة التناحر على البقاء للحصول على الأقوى والأنسب بين الأفراد. ومفهوم فكرةبقاء الأنسب هو بقاء الأقوى والأصلح بين الأفراد من ناحية الجمال الجسمي والعقلي بعد معركة التنازع على البقاء. ولعل عنصر الجمال الجسمي يظهر أثره بصورة ابرز في الانتخاب الجنسي الذي يهدف بصورة محضة وراء بقاء الأنسب جمالاً بين الأحياء. وما من باحث الم بدراسة التاريخ التطوري للأحياء إلا ويعلم إن مسايرة التخصص

والتناسق في الأعضاء تدرجاً لتطور العضويات لا تدلنا على شيء مثل دلالتها على سيطرة مبدأ الجمال على الأحياء. ولا خفاء انه إذا القينا نظرة عامة على تاريخ العضويات التطوري لا لقينا إن مبدأ الجمال ولم يزل القوة المسيطرة على المخلوقات والمسيرة لها منذ لبدء وان المخلوقات كلما ازدادت ارتقاء ازدادت جمالاً، فالزواحف أكثر جمالاً من البرمائيات والطيور أكثر جمالا من الزواحف، والثدييات ارفع منزلة في الجمال من الطيور والإنسان أكثر جمالا من الثدييات. (والبرمان) سيكون أعلى المخلوقات مرتبة من حيث الجمال لان منتهى درجات التطور. هذه محاولة بسيطة لتفسير الجمال من ناحية التطور، والذين ألموا بدراسة النشؤ وفلسفته يعملون إن رأينا في الجمال هنا قد تؤيده مشاهدات صحيحة مقتطعة من صلب التاريخ الطبيعي، ويحسن بنا ألا نغالي في تقدير رأينا التطوري في الجمال قبل أن نشرح الفلسفة المثالية للجمال ونناقشها مناقشة صحيحة. 1_الرجل المثالي يعرف المثاليون الجمال بأنه العاطفة التي تحصل في النفس حين التأمل وتنعكس على الموضوع المتأمل فيه، وبتعبير آخر هو تشخيص العواطف السارة الناشئة عن التأمل ويستمد هذا التعريف عناصره من فن الذوق والجمال وهذا يعرف الاختبار (الاستاتيكي) بأنه الاختيار التأملي الذي تنعكس من عواطفنا في موضوع التأمل. ومن الجلي إن الرأي المثالي في الجمال هو رأي فاعلي أي أن الشعور بالجمال وتذوقه هما نتيجتان لاختباراتنا الشخصية ولانعكاس عواطفنا فقد نقول عن السماء المتلبدة بالغيوم بأنها قاتمة ونوصف السماء بالغضب عندما نسمع صوت الرعد أو نقول عن الألوان بأنها مسرة وزاهية وعن الطبيعة بأنها فرحة بينما ليس هذا الانعكاس لعواطفنا وشعورنا. والمثالية لا تنكر تسرب عناصر التفكير، بيد انه تحصر هذا التسرب في حالة تحليل الموضوع وتذوقه. وهي ترى إن ليس ثمة في الطبيعة سوى الالكترونات والبروتونات تسير في دورانها اللانهائي. ثم إن الظواهر التي يتصورها الإنسان عن الطبيعة، والكيفيات التي يتخيلها عن الأشياء إن هي إلا أفكار شخصية واختبارات ذاتية كما إن رؤيتنا لها جميلة أو قبيحة هي نتيجة محضة لانسكاب عواطفنا عليها. ثم إن الشعور بالجمال الذي يشعر به الإنسان يتوقف على عدة

عوامل كمقدرته على الرجع العاطفي وعلى شروطه الصحية وماضي حياته. فالمثاليون إذن يرون الجمال شيئاً فاعلياً فهو ليس بنظرهم ميزة أو خفة للشيء ولكن نتيجة محضة لتأملنا به وهم يرون إن هذا التأثير يولد غالباً ضمن ظروف خاصة. فالبناية لا تخلق الشعور بالجمال إذا رؤيت من الطائرة، وان أحب الأشخاص إليك قد لا تراه جميلاً في كل مواقفه ونواحيه، فبعض مواقف تبدو غير مستحبة والبعض الآخر يبدو جميلاً. والمتأمل في الشيء يجب أن يكون قادراً على تذوق نواحي الجمال فيه كما يجب أن يكون في حالة نفسية تساعده على تذوقه. ويتبين لنا من النظرية المثالية للجمال أنها تراه بشكل ذاتي بينما يتصوره التطور موضوعياً. ولا مرية إن الاعتقاد بان الجمال هو شيء ذاتي محض لهو قول يشوبه كثير من الضلال، إذ كيف نفسر الأمر بان ليست كل الأشياء قادرة على أثارة الإحساس بالجمال في نفوسنا وانه من الجائز، في مكنتنا، أن نعين شروط الجمال، ونصف عناصره من حيث الخطوط والشكل واللون. ثم كيف نحتم وجود التناسق والاتساق في الأشياء الجميلة، هذه الأسباب التي يعتبرها التطور كمظاهر أساسية نتجت عن حركته ثم شخصها الإنسان في الجمادات. لا شبهة إن المثالية كانت اقدر من التطور على العناية بماهية الجمال بيد إن التطور كان أسبق منها في العناية بالأهداف حتى استطاع أن يلقي ضوءاً ساطعاً عن الجمال وغاياته وأسباب تذوقه. مظهر علم الدين

الشخصية السورية

الشخصية السورية للأستاذ كامل بنقسلي الشخصية هي مجموع المزايا المتجسدة في شخص ما، وبتعريف آخر هي الطابع البشري الذي يتجسد في أعمال المرء، فهي كالمرأة تجذب عشاقها إليها إما لجمالها أو لحديثها أو لرشاقتها أو لأدبها أو لذكائها، أو لمجموع هذه الصفات. فالشخصية مرح وذكاء وصحة وعقيدة ومظاهر وعاطفة. . . ولنتبين هذه المزايا والصفات في الشخصية السورية، نجد الإبهام والغموض قد لفا شخصيتنا فهي ما زالت منطقة مجهولة وجميع ما يقدم إليها اليوم من برامج وقوانين ونظم ستلفظه النفس لأنه لا يطابق روحها وشخصيتها، وسأبسط هنا بعض ما تلمسته، بعد طول اختبار، من نواحي الشخصية السورية آملا أن يثير هذا البحث مفكرينا وقادتنا ويدفعهم لخوضه ومعالجته. ابدأ الحديث عن العاطفة لأنها أكثر فيضاناً على شخصيتنا وحياتنا. العاطفة:_أعمالنا تمتزج بالرحمة والشفقة وهذا ما يدفعنا للتدخل في شؤون غيرنا ويحول أحياناً دون تطبيق القانون والوصول إلى الهدف وهذا التطفل لم يكن كله شر ففيه بعض الخير ذلك انه يمسك على صلة الرحم بين الأقارب وصلة المودة بين الأصدقاء. وهو مصدر الحب الاستطلاع ورمز الرابطة العائلية وجسر لعبر الحياة الاجتماعية. الذكاء:_أما الذكاء فهو سلاح ذو حد واحد يستثمره السوري لمصلحة الخاصة ولهذا تجد أعمالنا الفردية ناجحة، وهذا السلاح ينقصه حدٌ ثانٍ هو الأخلاق، القادر على إعطاء حيتنا طابعاً وطنياُ أخلاقياً، وقد قيل: إن سورياً واحداً يعادل عشرة أوربيين، ولكن عشرة سوريين لا يعادلون أوربيا واحداً. الحقيقة إن المواطن السوري ليس مسؤولاً عن هذا النقص، واحسب إن المسؤولية تقع على أنديتنا وجمعياتنا ومدارسنا وأحزابنا التي لم تمرس أعضاءها على الحياة الاجتماعية المشتركة، فالمسؤولون لا يتخلون سواهم عن مقاعدهم ولا يسمحون لأعضائهم ممارسة بعض المسؤوليات الإدارية والفنية، ونسي هؤلاء إن هذه المؤسسات

خلقت لتكون مدرسة لتدريب المواطنين ودفعهم إلى الحياة الاجتماعية. المظاهر:_تعد الملابس أدنى مراتب الشخصية وهي تتجسم لنا كمخلوقات، فنقرر أن فلاناً من طبقة الفلاحين أو التجار أو العسكريين أو الموظفين. أما جيلنا فقد رفع هذه الحواجز واتخذ الفقير والمتوسط والغني الملابس الفاخرة مظهراً لحياته وقد نسي إن الشخصية العظيمة لا يهمهما المظهر الخارجي فهي تفاخر بالجوهر فالخرقة البيضاء التي التفت بها غاندي لم تنقص من قدره ومكانته، والسعي وراء الملابس الفاخرة احدث اضطراباً في موازنة العائلة والحياة الزوجية، وصرف النفس عن التحلي بآداب الحياة المثلى. أنا لا أنكر ذوق السوري أو السورية ولكن هذا الذوق لو استثمر في تجميل الثياب البسيطة لكان ذوقاً مدنياً جميلاً. وباستطاعة المدرسة أن تعالج هذه الناحية فتصب دروس الحساب والاقتصاد على هذه الناحية وباستطاعة المعلمين والمعلمات أن يكونوا خير قدوة في هذا السبيل. الوراثة:_إن الوراثة خير غذاء روحي لجيلنا، فالجيل يفخر بالخلفاء الراشدين والأمويين، وقد اهتمت برامج التاريخ بهذه الناحية، قال احد العلماء: إن من الأمور الموروثة هي: قوة الحكم وحفظ العهود، وخفة الروح، والتعاظم، والمقدرة العامة وأحسب إن الجيل قد ورث خصلة التعاظم وأغفل أو نسي أكثر الصفات الأخرى. على إن بذور الصفات الأخرى مستقرة في نفسه تظهر إبان الحوادث والمناسبات الوطنية والقومية فعلى المؤسسات الوطنية من أحزاب ومدارس وجمعيات أن تسعى لنمو هذه البذور واستقرار تلك الصفات والوراثة تفتقر إلى عقيدة وإيمان، فالإيمان ببطولة الأجداد يخلق عقيدة حب الخير والفضيلة، ومن ثم فالفضيلة هي خلاصة الشخصية بها يتمايز الرجال والشعوب والحكومات وقد قال: فولتر: إن المشاركة الوجدانية هي الحلقة الفضية أو الرباط الحريري الذي يصل القلب بالقلب ويربط العقل والجسم بالجسم. والعقيدة تحتاج إلى قوة أعصاب تسندها وقت الشدة وجيلنا لم يؤت بعد اكتمال قوة في الأعصاب لذلك ضعفت عنده العقيدة بعض الشيء واشتد تعلقه بالنظريات المجردة التي لا تتطلب نظافة القلب وعمق الوجدان وهذه الظاهرة شعبية لا تحتاج إلى بطولة وزعامة

وقيادة. والجيل معجب بجميع المدنيات ولكنه لا يؤمن بواحدة منها وهذا مرض عضال يحتاج إلى قادة مصلحين ذوي أعصاب وإرادة وعقيدة وإيمان. الثقافة:_وللثقافة تأثير قوي على الشخصية. قال: عبد الملك: يا بني تعلموا العلم فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم. والظاهر إن جيلنا قد أخذ بالشق الأخير من هذه النصيحة فدفع بالثقافة في طريق مادي تجاري وأصبح عنوان الثقافة الكسب، لا الكسب الحقائق، ونحن لا نزال متطفلين على موائد العلم الخالص والثقافة المحصنة وإن كنا نسير مع الطلائع بالنسبة للبلدان العربية. وثقافتنا تحتاج إلى شيء من العمق والوضوح والتنظيم وهذا لا يكون إلا إذا طبعت الثقافة بطابع علمي خلقي. ومما أضعف ثقافتنا قلة احترامنا للعلم والعلماء وضعف اتصالنا بالأوساط العلمية العالية ومن ثم شيء من الفقر دفع الجيل لاختصار ومماشاة الواقع. وللثقافة علاقة مباشرة بالفنون، ونعد الثقافة وتطبيقها على عالمنا المادي ضرباً من المدنية، وأما اتصال الفنون بالحياة فضرب من الحضارة، والأخلاق ترتبط بالحضارة أكثر مما ترتبط بالمدنية، وعلى هذا فإن الخجل يعترينا إذا سئلنا أين متاحفكم وأين فنانوكم وأين موسيقاكم وأين أين. . .؟ ومتى بذلت العناية في المدارس والمجتمع في سبيل نهضتنا الفنية نكون قد سرنا بخطى واسعة نحو الحضارة. الحياة الاجتماعية:_كما يكون العش يكون العصفور، وكذلك الحياة الاجتماعية فكما تكون يصبح المواطن مرآه لها، والمرء يتلقى شخصيته وشعوره من الحياة الاجتماعية، لقد خلف لنا السلف معتقدات وعادات حسنة ولكنها أهملت لان المتمسكين بها والمؤمنين بها قد تواروا أمام تيار الفوضى. كنا نلاحظ إن كثيراً من الناس كانوا يتولون تأديب بعض الصبية لمخالفتهم الآداب الاجتماعية وكان ولي الصبي يرحب بهذا التأديب لاعتقاده إن ابنه ملك المجتمع لأن جميع المواطنين عائلة واحدة يحق لكل فرد إصلاح المعوج من الأفراد الآخرين. والآن احتل مكان هؤلاء الحكومة والأحزاب والجمعيات والأندية والعائلة نفسها، فالمسؤولية الاجتماعية تقع عليه وسيظل المواطن بوهيمياً في حياته الاجتماعية حتى يلقى تدخلاً

مباشراً من هذه المؤسسات. كامل بنقسلي

الطبيعة

الطبيعة إن من لم يشتغل في صغره بجمع أنواع النباتات وصنوف الحشرات لا يمكنه أن يدرك في كبره ما تنطوي عليه البساتين والحدائق من لآلئ الأشعار وخفايا الأسرار. هربرت سبنسر

التربية الاجتماعية

التربية الاجتماعية للآنسة نبيهة الزبيدي مما لا شك فيه إن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يمكنه بحال أن يعيش منفرداً، وحيداً، فالاجتماع هو من أبرز خصال الإنسان. ولكن لاجتماعية الأفراد درجات وإن تساوت في الجوهر فهي تختلف في درجات التخلق بها، فهناك أناس يعيشون متطفلين على البشر يأخذون ولا يعطون ولكن إلى جانب هذا الاختلاف بين الأفراد باعتبار الاجتماعية كذلك فإن هناك فروقاً ظاهرة بين الأمم بنفس الاعتبار. ونظرة خاطفة نلقيها على المجتمع الغربي والمجتمع الشرقي يتبين لنا الفرق واضحاً جلياً. كم من جمعيات في الغرب لمساعدة الفقراء والأخذ بيد المنكوبين فهم يقدمون كل ما يحتاج إليه المعوز من طعام وملبس ودواء. . . حتى الكتب واللعب فنرى كل فرد هناك يساهم في هذه المشاريع الخيرية. أما في بلادنا فنحن نتذمر من الفقر ولكننا لا نعرف السبل التي تقضي عليه وتستأصله أو على الأقل تخفف من وطأته، فكل منا يفكر بينه وبين نفسه دون أن يشترك مع غيره: يفكر بالبائس والفقير طالما يراه عيانا فإذا ما غاب عن ناظريه خمدت حميته وما ذلك لأن الشفقة لا تعرف إلى قلبه سبيلا، بل لأنه لم يتعود الحياة المجتمعة والقيام بمشاريع تستدعي التضامن والتشاور. إننا لا نفكر في غيرنا تفكيراً اجتماعياً، وهذا ما يبدو من نظرة عابرة نلقيها على سلوكنا. ففي اجتماعاتنا العامة يجلس أحدنا في القطار فيحلو له أن يدخن مثلاً فلا يتردد لحظة واحدة في تنفيذ ما خطر له دون أن يحسب حساباً للجالسين حوله وأنه ربما ضايقهم بدخان سيجارته أو يروقه أن يفتح النافذة وبالفعل يفتحها دون أن يستأذن الحاضرين ودون أن يفكر بان البرد ربما أذاهم، واضر بصحتهم. يدخل أحدنا محطة السكك الحديدية فيرى منظرا يستدعي الشفقة فهذا يدفع ذاك أمام شبك التذاكر، وهذه تدفع تلك، وكل يود بمساعدة منكبه أن يصل إلى شباك التذاكر قبل زميله. ومن هنا يظهر الفرق واضحاً بيننا وبين الغربيين، فقد سمعت أن أحد الشرقيين وجد في أمريكا وبينما كان يتجول في أحد الشوارع مع صديقه ذات صباح إذا به يرى سلسلة بشرية تبدأ أمام باب أحد الأبنية وتمتد على طول الشارع تاركة المجال لمن يريد الانضمام

إلى نهايتها وسأل صديقه ما الخبر فأجابه: إن جريدة تصدر عن هذا البناء وقد تقرر إنقاص أعدادها بسبب أزمة الورق ولذا توافد الناس لأخذ الجريدة، هؤلاء الذين تراهم إنما ينتظرون دورهم لهذه الغاية. فتعجب الشرقي لذلك، ولكن ما زاد في عجبه إن كلبا كان يقف بين البشر منتظرا دوره لأخذ الجريدة. إن روح النظام لدى الغربيين عادة فهم ليسوا بحاجة إلى من ينظم سير حياتهم إذ إن كلا منهم يعرف ما له من الحقوق وما عليه من الواجبات ولا أدل على ذلك من القصة الآتية: نزل على أحد الانكليزيين ضيف شرقي وكان لدى الانكليزي أعمال كثيرة، فدفع إلى ضيفه بأدوات الصيد وطلب إليه أن يتسلى في الغابات ريثما يتم أعماله وعندما عاد الضيف كانت جعبته مليئة بالطيور ولما فضها أمام الانكليزي صاح هذا الأخير _ ويحك لقد اصطدت الطير الأبيض والحكومة قد حرمت صيده _ أنا لا أعلم ذلك _ إذن سأذهب إلى خفير الغابة كي أدفع له ثمن الطير. _ ولكن لم يرني أحد _ فليكن. . . النظام هو النظام. . يجب حفظه والتمسك به _ إذن سأدفع أنا الثمن. _ لا سأدفع أنا لأنني لم أنبهك قبل ذهابك. ثم سار إلى الغابة فدفع ثمن الطير للخفير. والآن بعد هذه المقارنة البسيطة أقول أن التربية تتم على ثلاثة مراحل: 1ً_توليد الأفكار 2ً_توليد الميول والعواطف 3ً_تكوّن العادات فلكي نربي الفرد تربية اجتماعية حقه علينا أن نسلك هذا السبيل بأن نفهم الروابط التي تربط الأفراد والجماعات وأنظمة المجتمع ثم الفوائد التي تنجم عن الاجتماع والتضامن وبذلك نولد العواطف المخلفة من شفقة ونخوة وتقوية الشعور بالغيرية ولا يكفي أن يفهم الفرد كل شيء نظريا بل عليه أن يمارس ذلك عملياً.

ففي المدارس يجب أن تقام، العاب رياضية، تتلاشى فيها الفردية كلعبة كرة السلة التي يمارسها فريقان يتكلم كل منهما بلغة (نحن) فيقول نحن غلبنا. نحن أصبنا الهدف. . . كما أن على المدرسة أن تعنى بنظام الحكم الذاتي الذي يدرب الطلاب على النظام والحرية في وقت واحد كما أن الجمعيات في المدارس والتمثيليات والمحاضرات مما يقوى روح الاجتماعية وبذلك يخرج الطالب وهو يشعر بكل ما يجب عليه أن يقوم به حيال المجتمع، ولا يجب أن يثقف الفرد ثقافة اجتماعية في المدارس فقط وإنما يجب أن تتعداها إلى المنزل والبيئة العامة. ففي المنزل يجب أن يشعر الطفل بحاجته إلى هذا وذاك وإن يوحى إليه أنه لا يستطيع القيام بعمل دون مناصرة غيره، إما في البيئة فهناك الهيئات الكشفية والجندية كل ذلك مما يقوى روح الاجتماعية عند الفرد. هذا ولا يجب أن تقاس قوة الجماعة بقوة أفرادها، بل مما ينتج عنها من أعمال صادرة عن قوة أفرادها. لذا يجب علينا أن نقوي في أنفسنا حب المجتمع وأن نكون على بينة، إننا لن نرقى سلم الرقي، ما لم نثقف النشء في بلادنا ثقافة اجتماعية حقة. نبيهة زبيدي

معرض المعرفة

معرض المعرفة للأستاذ وداد شمندي إنما الأعمال بالإكمال لا ينكر إلا كل مكابر هذا الجهد الجبار الذي تبذله المعرف عندنا في سبيل نشر العلم والقضاء على الأمية، ومحاربة الجهل والانحطاط، يدلنا على ذلك وفرة المدارس والمعاهد التي دشنّها المعارف في العام الدراسي الحالي، ووفرت العقبات العلمية التي ذهبت للتخصص في معاهد أوربا وأميركا، أضف على ذلك هذا العدد الضخم من الأساتذة والمعلمين الذين تعاقدت معهم للتدريس في مختلف العلوم والفروع. إن هذه الوثبة الجريئة السريعة تثلج صدر كل سوري، وتبعث فيه روح الزهو والإعجاب والاعتزاز، إلا أننا تقريراً للواقع نقولإنما الأعمال بالإكمال فقد أمطرتنا المعارف ببلاغاته توجيهيه قيمة، تسدّد خطواتنا، وترشدنا إلى خير طرق التدريس في الصفوف الابتدائية، ثم تكرم بعض الإخوان بنشر نماذج عن كيفية تحضير الدروس، وكيفية إلقائها في الصفوف المذكورة، تقّبلناها كلها بالشكر والحمد والثناء، إلا إن وسائل الإيضاح المنّوه عنها في البلاغات ونماذج الدروس ما زالت تنقصنا ولا يتيسر لنا الحصول عليها بسهولة. فقد رحنا نسأل عن ثمن (طقم كامل) من الأرقام وحروف الهجاء (المتحركة) المنفصلة والمتصلة مع الضوابط، فقالوا لنا أن (الطقم9 يكلف من 100 إلى 50 ليرة سورية. فهل لوزارة المعارف الجليلة أن تضيف مأثرة جديدة إلى مآثرها العديدة، وتزودنا بالأرقام والحروف المتحركة المذكورة مع غيرها من وسائل الإيضاح المنوه عنها في البلاغات ونماذج تحضير الدروس؟ كما أن كل صف يجب أن يكون مزوداً أيضاً (بخزانة) خاصة لحفظ تلك الوسائل وغيرها من المعدات الأخرى التي يحتاج إليها كل معلم في صفه أثناء التدريس لا سيما إذا كان عدد تلاميذ الصف يزيد عن الحد القانوني هذا ما نرجوه تحقيقه إذا شاءت المعارف تطبيق ما ورد في بلاغاتها التوجيهية وبذلك وحده يأتي العمل على الوجه الأكمل، وتتحقق الغاية ويتم القصد الأمومة والمدارس الداخلية

بالرغم من غلاء الأقساط المدرسية في هذه الأيام، ما زالت بعض العائلات تفضل وضع أولادها في الأقسام الداخلية من رياض الأطفال. وهي خطة سيئة النتائج، وخيمة العواقب، ذلك أن علماء التربية والتهذيب في أميركا التي تفخر بان فيها أكبر عدد من المدارس الداخلية للأطفال، قد لا حظوا أن وضع الطفل في أمثال هذه المدارس، أو بين أيدي المربيات وأن كان يريح الأمهات إلى حد ما. . . إلا أنه يضعف عاطفة الأمومة في نفس الأم كما يضعف عاطفة البنوة في نفس الطفل، ومن شأنه أن يشجع الوالدين على الاستهتار بالمسؤولية الملقاة عليهما كآباء وأمهات، ويضعف من نفوذهم على أبنائهم، ويخلق في البيت جوا غير طبيعي أو يساعد على قيام عائلات مفككة لا تفاهم بين أفرادها. فالطفل إذا غادر مدرسته، أو تخلت عنه مربيته، شعر وهو بين أبيه وأمه أنه غريب عنهما، ونشأ فضلا عن ذلك جاف الطبع، جامد العاطفة. ذلك لأن الإنسان مدين في الغالب بأكثر ما يعتمل في ذات نفسه من العواطف الكريمة، والمشاعر النبيلة، ورقة الحساسية، إلى عطف الأم التي تدلله، أو تحدب عليه، فإذا حرم هذا العطف، تقطعت بينه وبين الإنسانية بمعناها الصحيح، كل أصره، وكل صلة، وأصبح غريبان عن كثير من المشاعر والعواطف النبيلة. العمل إلى جانب العلم كثيرون من الطلاب عندنا ينشأون نشأة علمية محضة، لا تتيح لهم الاشتغال في الأعمال الحرة فيما إذا تعذر عليهم الحصول على وظيفة من وظائف الدولة، على خلاف الحال في أميركا، فقد قرأت بحثاً عن التعليم الأميركي كله غرائب وطرائف لا أدري ماذا أذكر وماذا أدع منها، فكل نقطة فيه، تبين لنا لماذا بلغ الشعب الأميركي ما بلغ من القوة والحضارة والتفوق في الإنتاج والصناعة. اجتزئ للقارئ نقطة واحدة، وهي أن 70 في المئة من طلبة الجامعات الأميركية وطالباتها يكسبون جميع مصروفاتهم أو جزء كبير من مصروفاتهم بعرق جبينهم وسواعدهم في أوقات الفراغ. يقول كاتب هذا البحث إن عدد الطلاب والطالبات الجامعيين في أمريكا. يبلغ مليونا

ونصف مليون نسمة، وهم موزعون على أكثر من ألف كلية وجامعة، ويقدر مجموع ما يربحه هؤلاء الطلبة والطالبات من العمل بزهاء خمسين مليون دولار في السنة. والجامعات ذاتها هي التي تتولى توجيه أبنائها وبناتها إلى العمل والكسب، ففي كل جامعة (مكتب تخديم) يسجل فيه الطلبة الراغبون في العمل أسماءهم، ويتصل المكتب بدور الأعمال، وبيوت التجارة، كما يتقدم إليه الأفراد وربات البيوت، فيدل الطلبة على الخدمات التي يستطيعون أداءها وقت فراغهم. ولما كانت دور الأعمال تتطلب نوعا من الموظفين الذين يعملون جزءا من اليوم فقط، فإنها تستخدم هؤلاء الطلاب بضع ساعات من كل يوم، ينصرفون بعدها على كلياتهم ومحاضراتهم. وكذلك تستطيع بعض الأسر المتوسطة التي لا تقدر على دفع راتب خادم طول النهار، أن تستأجر أحد الطلبة، أو أحدى الطالبات بضع ساعات كل يوم، لأداء بعض الخدمات المنزلية. وهكذا يعمل كثير من طلبة جامعات أميركا وطالباتها في الطهي والغسل والتنظيف في فترات فراغهم. وقد أدى هذا الاتجاه إلي تمكين ألاف الطلاب والطالبات من التخرج في الجامعات حاملين أرقى إجازاتها، ولكن هناك ما هو أهم من ذلك، وهو تنشئة الشبان والفتيات على احترام العمل وتقديسه من ناحية، وعلى استقلالهم بأنفسهم وتكوين شخصياتهم منذ بداية الشباب المدرسون سعداء لا نعلم إذا كان هذا ينطبق على الحال عندنا في سورية فقد ظهر من استفتاء في الولايات المتحدة، أن المهندسين ورجال الدين والمدرسين هم أسعد الرجال في حياتهم الزوجية بينما أن العمال ورجال الجيش يخيم الشقاء عليهم وعلى زوجاتهم. النظافة من الإيمان أهم ما يلتفت المفتشون إليه أنظار المعلمين أثناء جولاتهم التفتيشية، هو الاهتمام في الدرجة الأولى بالنظافة وشروط الصحة، وهم في ذلك على حق لان القذارة قد تسيء إلى سمعة المدرسة وتحمل أولياء الطلاب على مقاطعتها والانصراف عنها كما حدث أخيراً في

انكلترا، فقد احتج أهل كلا يدون في انكلترا على قذارة مدرسة المدينة وقرروا منع أبنائهم من الذهاب إليها إلى أن يعين متعهد يتولى تنظيف المدرسة. وقد اشترك معهم في هذا الاحتجاج مدرسو المدرسة ومدرساتها. وداد شمندي

مرآة

مرآة إني أريد أن يقرأ تلاميذي على صفحة وجهي، من الصباح إلى المساء، إني أفرح لفرحهم وأحزن لحزنهم. بستالوتزي

نظرة عامة في المنهاج

نظرة عامة في المنهاج للأستاذ رؤوف جبري قد يكون بعض عيوب نظام التعليم الابتدائي في سورية مرده إلى المناهج وأساليب تطبيقها، لأنه لا تتناسب مع مدارك الطلاب. بل ترهق أذهانهم ولا تنتمي فيهم حرية التفكير والمحاكمة، وتحد من النشاط والذكاء. والشيء المؤسف أن بعض أولي الأمر يقدرون المعلم الذي يستطيع أن يملأ عقول أطفاله بمعلومات جافة جامدة. مع أن من الواجب الاهتمام بالنتائج النفسية والخلقية التي أثارها المربي في طلابه بأسلوب جذاب وطرق عملية وتجارب شخصية. ومن الطبيعي أن المربي سواء أكان معلماً أم مفتشاً أم موجهاً، لا يستطع القيام بمهمة على الوجه الأكمل، إذا لم يكن ملماً الماماً كافياً بفن التربية وأصول التدريس. فأصول تعليمنا لا تزال أصولا آلية، والمواد طويلة مسهبة يعسر على التلاميذ الصغار تفهمها حتى أن اختباراتنا ترتكز على حفظ الدروس، أي أنها تعتمد على ما تعي الذاكرة لا على الفهم والإدراك. والذي يهم أولي الأمر إنهاء المعلم المواد المقررة قبل مضي العام الدراسي، ولذا نرى المعلمين مضطرين_بناء على هذه الرغبة الخاطئة_أن يجعلوا هدفهم الانتهاء من تلك المواد المقررة قبل الاعتناء بأي شيء آخر. . . مع إن الغرض من التعليم إيقاظ الذهن وتدريبه وإعطاء التلميذ مفتاح المعرفة بعد توجيه وإرشاده، ليتيسر له فيما بعد التوسع معتمداً على نفسه ومواهبه فيزود عقله بما لا غنى عنه من الدروس الضرورية. والحاجة اليوم ماسة إلى الإصلاح. والأمة ترقب ذلك، لأنها تمقت الرؤوس التي تتضخم على فراغها كالأسفنجة. إن المدرسة تنفع بقدر ما تزود الجيل الصاعد بالعلم الصحيح. قد يبدو ذلك بديهياً، بيد أننا لا ندركه إدراكا تاماً. وآية ذلك تظهر جلية واضحة في المناهج والنظم التي يجدر بنا أن نلتمس خير الوسائل لإصلاحها وتعديلها، حتى يشعر التلميذ، بان المدرسة ليست قفصاً والمعلم ليس مخيفاً والدرس أو الأسئلة ليست أحجيات وألغاز. فعلى وزارة المعرف أن تسرع في الإصلاح، لينجو الجيل من المتاعب، ويتخلص من عيوبه ونقائصه، أو على الأصح، عيوب الأسرة والمجتمع. فقد كفانا ما عانيناه من فوضى سياسية التعليم.

فمن الواجب إذن، أتباع سياسة حكيمة، تفسح المجال لكل مفكر راغب في إبداء رأيه بحريته. وأن الآراء يجب أن تسمع وتحترم، سواء كانت صادرة عن أفراد أو هيئات. ويجب أن يفهم أن سياسة التعليم العامة لا يمكن أن يستأثر بها فرد في وزارة المعارف، مهما عظم شأنه بل أن السياسة التعليم تقررها هيئة فنية مستقلة أو مجلس أعلى لا نفوذ لأحد عليه، ولا يهتم إلا بالصالح العام، ولا يتقيد إلا بالاعتبارات الفنية الصرفة. فيضع هذا المجلس المنهاج ويقرر النظم. والمناهج والنظم التعليمية، ليست أبدية بل تتبدل كلما دعت إلى تبديلها روح التطور والنهضة الحديثة. فإذا تم لنا ذلك يمكننا أن نقول: إننا نكوّن حقاً وصدقاً، جيلا جديداً يتميز بالرجولة ويتحلى بالثقافة الصحيحة، ويحمل بين جنباته أخلاصاً للوطن والعروبة وثقة بالمستقبل. . . رؤوف جبري

الحياة

الحياة إن الحياة لقصيرة فيجب ألا تكون ضئيلة دزرائيلي في أصول التدريس دروس نموذجية للجنة المحاضرات التهجي الصف: الأول المدة: 30 دقيقة للقراءة و15 دقيقة للكتابة المادة: قراءة وكتابةالموضوع: اتصال الحرف (س _) بالصوائت الثلاث ا، و، ي وتأليف المقاطع سا، سو، سي وسائل الإيضاح 1_قصة مرسومة على السبورة قبل الدرس (رسوم متسلسلة) 2_الحرف الخشبي الملون والحرف (س _) المبتور، الصوائت ا، و، ي (من الخشب أيضاً) 3_المعجونة (بلونين) أو حبوب الفاصولياء 4_السبورة، الحكك الملون. سير الدرس تكتشف السبورة عن أقسام القصة قسماً قسماً ويشرح مع ذلك ما يلي: آ_جماعة من السينات معطفات وقد خرجن بنزهة مع معلمتهن ب_يلاحظ إن أحداهن ذات الثوب الأحمر (المرسومة بالحكك الملون) لا تنتبه إلى طريقها أثناء السير. ج__ الرسم الثاني يمثلهن متجمهرات حول ذات الرداء الأحمر التي تصيح من جراء وقوعها في حفرة عميقة د_الرسم الثالث يمثل سيارة الإسعاف التي نقلت المصابة إلى المستشفى. هـ_الرسم الرابع يمثل طبيباً يبتر رجل المصابة.

و_ال_س بشكلها الجديدس_صحيحة من الخشب وإلى أسفل منهاس_ مبتورة قائلا هكذا أصبح شكل ال_س التي تعرفونها. (منتهزا فرصة أخلاقية للتنبيه لأخطار الطريق). ويتم القصة بقوله: وفي يوم من الأيام زارت ال اصديقتها ال س_ المبتورة وساعدتها على السير فمسكت يدها (وهنا يأتي المعلم ب امن الخشب الملون يضفها إلى جانب ال س_ المبتورة سائلاً تلاميذه عن صوت المقطع الحادث فيستنتج سا والأمر كذلك في سا، سو، سي. وهنا يطلب المعلم إلى تلاميذه إيجاد كلمات تحوي أولاً سا ثانياً سو ثالثاً سي مثال: سامي، سوق، راسي. ويكتب المعلم أخيراً ما وصل إليه على السبورة مستعيناً بالحكك الملونة على الشكل الآتي: ساسوسي ثم يقول وإياهم برسم المقاطع الثلاث الأنفة الذكر في الهواء، يسمح خلال ذلك السبورة. وهنا يبدأ المعلم بكتابة عدة كلمات مهيأة سابقاً تحوي المقاطع الجديدة ويعرض هذه الكلمات كما ذكرنا في تعليم حرفس الصحيح. فتتشكل على السبورة، الكلمات الآتية: سارسوري رأسسامي بانراسي ثم يقوم المعلم بقراءة نموذجية يعقبها شرح موجز لهذه الكلمات. ويقرأ المعلم بعد ذلك كلمات الدرس عن السبورة يعقبه التلاميذ بالقراءة كلمة كلمة ويستقرؤهم مشتركين، فزمرا، (مثيراً التنافس) فمنفردين. بادئاً بالأقوياء. وختاماً ينشط المعلم تلاميذه بنشيد أو بحركات رياضية بسيطة يسمح أثناءها السبورة ويشرع الآن بدرس الكتابة: 1_يعمل المعلم أمامهم س في المعجونة يبتر ذيلها فتصبح س_ ويثبتها على اللوحة البيضاء ثم يطلب إليهم إخراج معجوناتهم ويبتر وإياهم ذيل ال س التي يصنعها التلاميذ. 2_يصل المعلم على اللوحة البيضاء الحرف ابال س_ المبتورة فتصبح سا ويقلده التلاميذ

(ويستحسن أن تكون ال امن لون مخالف) وهكذا يؤلف المقطعان سو، سي (ولا ينسى المعلم أثناء ذلك مراقبة عمل التلاميذ وتشجيعهم وتنشيطهم). 3_ترفع المعجونة ويطلب إلى عدة تلاميذ كتابة هذه المقاطع على السبورة ثم تخرج الألوان ويطلب إلى الجميع كتابتها على ألواحهم مع بعض كلمات الدرس التي يكتبها المعلم مجدداً أمامهم على السبورة. أشياء ورسم الصف: الثانيالمدة: 25 دقيقة للأشياء و20 دقيقة للرسم المادة: أشياء ورسمالموضوع: البط، صفاته وفوائده، رسم بطة وسائل الإيضاح بطة، بيضة بطة، بيضة دجاجة، رجل دجاجة، (يحسن أن يجري هذا الدرس على ضفة نهر حيث يوجد البط). سير الدرس يعرض المعلم على طلابه بطة، وإذا تعذر ذلك يعرض نموذجا مجسما أو صورة واضحة لها، وهنا يبدأ الطلاب بالتهامس، فينتظر المعلم فترة حتى يهدأ وثم يبدأ أسئلته: 1_ما اسم هذا الحيوان؟ _البط. 2_ما اسم هذا الجزء من جسمه؟ (ويشير إلى المنقار) _المنقار. ما شكله؟ _عويض. كيف هو منقار البط إذاً؟. . . منقار البط عريض. 3_يخرج المعلم طالباً ويطلب إليه أن يلمس ريش البط ثم يسأله: كيف وجدت ريش البط إذاً؟ _ناعماً. ثم يسأل الطلاب: هل ريش البط ملون بلون واحد أم بألوان كثيرة؟ ويستنتج الأجوبة. كيف هو ريش البط إذاً؟ _ريش البط ناعم ملون. كيف هو ذيله؟ _ذيله قصير. 4_كم رجلا للبط؟ _للبط رجلان. كيف هما؟ _قصيرتان. 5_ماذا يوجد بين أصابعه؟ _غشاء (وهذه الكلمة صعبة يشرحها المعلم).

ما لونه؟ _برتقالي. يخرج المعلم طالباً ويطلب إليه أن يلمس هذا الغشاء. ثم يسأله: هل هذا الغشاء سميك أم رقيق؟ _هذا الغشاء رقيق. كيف يكون الغشاء الذي بين أصابع البط إذاً؟ _يكون هذا الغشاء أحمر رقيقاً. وهنا يطلب المعلم إلى التلاميذ أن يعيدوا أوصاف البط بالنظر إلى البط أو صورته ليتأكد من فهمهم لهذه الأوصاف جيداً. 6_أين ترون البط دائماً؟ _على ضفاف الأنهار والبحيرات. أي قرب الماء. 7_ماذا يأكل البط؟. . . يأكل البط فتات الطعام، والديدان والحشائش. 8_ماذا نستفيد من تربية البط؟ _منظره جميل، لحمه يؤكل، بيضه يؤكل. (وهنا يرى طلابه بيض البط والدجاج للمقارنة) وبعد أن ينتهي الدرس على هذه الصورة، يجري المعلم بعض التمارين المتنوعة ليتأكد من فهم الطلاب للدرس، كأن يشير إلى منقار البط ويطلب إلى أحدهم سؤال رفيقه أو رفاقه عن أوصاف البط، فيجيبونه، أو طعامه وفائدته فيجيبونه. وأخيراً يستجوب المعلم طلابه ليستخلص منهم الخلاصة التي يكتبها على اللوح جملة جملة مع الشكل اللازم ثم يقرؤها لهم، ويقرئهم إياها معه. ثم يطلب من بعض التلاميذ الأقوياء في القراءة قراءتها، ثم يقرئهم إياها مجتمعين وأخيراً يأمرهم بنسخها على دفاترهم. الرسم يجدد المعلم نشاط الطلاب بالنشيد وبعض الحركات الرياضية البسيطة، ثم يكشف الستارة عن صورة البط الآتية (وتكون مرسومة قبل الدرس) ثم يبدأ برسمها، ليروا كيف ترسم، وأخيراً يطلب إليهم إخراج دفاترهم ورسم الصورة خطا بعد آخر كما يرسم هو على اللوح. ويدور بينهم أثناء ذلك مشجعاً ومصححا، حتى ينتهي الرسم ثم يطلب إليهم تلوين الصورة في البيت كوظيفة.

دروس التربية البدنية

درُوس التربية البدنية بإشراف الأسْتاذين أنور تللو يحيى الشركس المراقب العام للتربية البدنية مراقب التربية البدنية في دمشق الجدول الرابع 12_16 1_المشي ثم الجري للوقوف في التكوينات المفتوحة 2_[وقوف] الوثب فتحا مع رفع الذراعين جانباً (مرتين) ثم الوثب في المكان مرتين مع الضرب على الفخذين. النداء: الوثب فتحا مع رفع الذراعين جانباً مرتين. . . ابتدئ فتح ضم، فتح ضم الوثب في المكان مرتين مع الضرب على الفخذين. . . ابتدئ 1، 2 التمرين كله مع التوقيت بالعد. . . ابتدئ 1، 2، 3، 104، 2 (يكرر) 3_[وقوف] المرجحة العمودية مع ثني الجذع أماماً أسفل في العد الرابعة. النداء: الذراعان أماماً. . . رفع. الذراعان أسفل عالياً. . . قذف (1، 2) مع خفض الذراعين أماماً أسفل الجذع أماماً أسفل. . . ثني ابتدئ 1، 2، 3، 4، 5_[وقوف فتحا] رفع الذراعين أماماً عالياً مع لف الجذع (بعدتين) ثم ثني الجذع فوق الركبة بالعدة (الثالثة). النداء: مع لف الجذع الذراعان أماماً عالياً. . . مد. الجذع فوق الركبة لملامسته الأرض باليدين. . . ثني. الجذع عالياً. . . مد. التمرين كله مع التوقف بالعد. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4أو 1، 2ثني، مد (يكرر) 6_[رقود] رفع الرجلين عالياً90 مع تحريك الذراعين جانباً ثم فتح الرجلين مع تحريك الذراعين أماماً ثم ضمهما مع وضع الذراعين جانباً ثم خفض الرجلين مع تحريك الذراعين إلى جانب الجسم. النداء: مع تحريك الذراعين جانباً، الرجلين عالياً. . . . رفع

مع تحريك الذراعين أماماً، الرجلين. . . . . فتح مع تحريك الذراعين جانباً، الرجلين. . . . . . ضم مع تحريك الذراعين جانب الجسم، الرجلين. . . . . . خفض التمرين كله مع التوقيت. . . . . . ابتدئ رفع، فتح، ضم، خفض أو 1، 2، 3، 4، (يكرر) 7_[وقوف] رفع الذراعين أماماً مع رفع العقبين ثم مرجحتهما جانباً مع ثني الركبتين نصفا ثم مرجحتهما أماماً مع مد الركبتين فخفضهما أسفل مع خفض العقبين النداء: مع رفع العقبين الذراعين أماماً. . . رفع مع ثني الركبتين الذراعين جانباً. . . قذف مع مد الركبتين الذراعين أماماً. . . ضع العقبين مع الذراعين. . . خفض التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ أمام، جنب، أمام، تحت أو رفع، ثني مد، خفض (يكرر) 8_[وقوف فتحاً. الذراعان جانباً] ثني الجذع أماماً أسفل للضرب على الركبتين ثم الثني للضرب على المشطين فمد الجذع عالياً مع رفع الذراعين جانباً وضعهما خلفا مرتين. النداء: لضرب الركبتين باليدين الجذع أماماً. . . ثني لضرب المشطين الجذع أسفل. . . مد الجذع عالياً وضغط الذراعين جانباً خلفا مرتين. . . ضغط، ضغط. التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4 9_[وقوف. وضع قدم أماماً. رفع زميل على الكتف] يقف كل تلميذ خلف زميل له في لفرقة ويكون التلميذ الأمامي بوضع الوقوف فتحا، ثم يثني التلميذ الخلفي جسمه ليمد رأسه بين ساقي زميله ويرفعه ممسكاً بساقيه على كتفيه وفي أربعة عدات يمد الطلاب المرفوعون على الأكتاف أجسامهم إلى الخلف ثم يرفعونها (يكرر) 10_[وقوف فتحا. الذراعان جانباً] ثني الجذع جانباً مع خفض الذراع المقابلة وثني الذراع المضادة فوق الرأس.

النداء: ثني الجذع جانباً بالتبادل مع خفض ذراع مقابله وثني ذراع مضادة مبتدئاً بالجهة اليسرى. التمرين بالتوقيت. . . ابتدئ يسار، مد، يمين، مد (يكرر) 11_[انبطاح. تشبيك الذراعين خلفاً] رفع الصدر عن الأرض مع ثني الجذع خلفاً النداء: لثني الجذع خلفاً الصدر عن الأرض. . . . رفع. الجذع أسفل. . . . خفض التمرين ببطء. . . . . ابتدئ 1، 2، 3، 4، أو رفع، ثني، تحت، خفض 12_[انبطاح مائل، فتحا] لف الجذع جانباً مع قذف ذراع جانباً النداء: مع قذف ذراع الجذع جانباً. . . . . . لف أماماً. . . . . . رجوع التمرين كله مع التوقيت مرة لليسار ومرة لليمين. . . ابتدئ شمال، تحت، يمين تحت 13_[جثو، الذراعان متصالبتان أمام الجسم] مرجحة الذراعين مائلاً عالياً (مرتين) مع التصفيق فوق الرأس في المرة الثانية. النداء. مرجحة الذراعين مائلاً عالياً مرتين مع التصفيق في المرة الثانية. . . ابتدئ 1، 2، 3، 4، أو 1، 2 تصفيق، 4 14_المشي أماماً أربع خطوات ثم المشي على المشطين أربع خطوات 15_الوثب فوق ظهر زميل بوضع الانحناء مستنداً على كتفي زميلين آخرين واقفين بجانبه. 16_لعبة الكرة المائية 17_[وقوف فتحاً] لف الجذع مع رفع الذراعين جانباً عالياً ببطء النداء: لف الجذع مع رفع الذراعين جانباً عالياً بعدتين. . . ابتدئ 1، 2 لف الجذع أماماً مع خفض الذراعين بعدتين. . . ابتدئ 1، 2 التمرين مع التوقيت بأربعة عدات لكل جهة. . . ابتدئ 1، 2 3، 4 قصة حركية رحلة إلى كرم أبي منصور

الاستعداد للرحلة 1_الذهاب لاجتياز النهر [وقوف] المشي والجري في أي مكان في الملعب 2_التجديف [جلوس طويل في القاطرة الأيدي على الأكتاف] ثني الجذع أماماً ثم خلفاً قليلاً 3_لقط الأزهار من المروج. [وقوف. انحناء] السير نقل القدمين إلى الأمام بالتبادل. 4_تقليد جذع شجرة الحور في مهب الريح. [وقوف. الذراعان عالياً] ثني الجذع إلى اليمين واليسار. 5_تقليد الطيور في طيرانها. [وقوف. الذراعان جانباً] الجري في أية جهة بالملعب مع خفض الذراعين مائلاً أسفل. 6_الوصول إلى الكرم وأكل العنب [جلوس القرفصاء. الركبتان متباعدتان] تحريك المرفقين. 7_الاستراحة تحت ظلال الشجر [رقود] استرخاء العضلات. 8_العودة إلى المدينة [وقوف] المشي والجري بأي مكان في الملعب 9_اجتياز النهر سباحة [انبطاح]. رفع الصدر عن الأرض وثني الذراعين ومدهما أماماً ثم جانباً فخفض الصدر على الأرض ثم رفع الصدر مع تحريك الرجلين واليدين كحركات السباحة. 10_لعبة 11_العودة للمنزل [وقوف] المشي أماماً على المشطين لعبة الكرة المائية عدد اللاعبين 10_20 الأدوات: طابة صغيرة. مضرب خشبي. أربعة أعلام صغيرة. لوحة خشبية مربعة طول ضلعها 30 س م. شرائط حمراء وبيضاء تربط على أذرع اللاعبين. تهيئة اللعبة: يرسم على الأرض مربع طول ضلعه من 16_20 خطوة. وتوضع على زواياه الأربعة أعلام صغيرة هي بمثابة الأهداف. وعلى مسافة أربع أو خمس خطوات من

الخط 1_4 توضع لوحة خشبية لإماتتها، ويرسم حولها مربع طول ضلعه متر. يقسم اللاعبون إلى فريقين: فريق الرماة وفريق المدافعين ولكل فريق رئيس. تجري قرعة بين الفريقين ليرى من له حق المبادرة باللعب. يقف الرماة الواحد بجانب الآخر إلى يمين اللوحة ويأخذون أرقاماً متسلسلة ويحتفظ الرئيس بالرقم الأول، ويوزع المدافعون في المربع إلاّ واحداً منهم حيث يقف على يمين اللوحة ليرمي الطابة ويصيب الهدف كيف يجري اللعب: يرمي الطالبة إلى الرئيس الرماة وهذا بدوره يضرب الطابة بالمضرب ضربة قوية يبعد بها الطابة إلى مسافة بعيدة، ويجب عليه أن يراوح بالمضرب بصورة أفقية، ويركزه جيداً قبل أن يقوم بالضربة. إذا ضرب أحد الرماة الطابة وقد اجتازت الخط الذي يصل رقم 1_4 يجب عليه حينئذٍ أن يركض فيضع للحال المضرب على الأرض داخل المربع، ويركض من الهدف 2_4 باتجاه السهم المبين في الرسم، وهذا ليس مجبراً أن يدور الدورة بكاملها حول المربع بل يحق له أن يقف في أية نقطة يريدها بانتظار رامٍ آخر يقوم بالضربة مرة ثانية فيكمل حينئذ دورته. إن هدف المدافعين أن يخرجوا الرماة من اللعب أثناء ركضهم ويمكنهم ذلك في الأمور الآتية: 1_يلتقط المدافعون الطابة عندما تمس الأرض ثم يرمونها بسرعة واستقامة، أو ينقلوها من مدافع إلى آخر حتى تصل إلى. وهذا ينحني على الأرض لإصابة اللوحة ويصرخ أصبتها. فيُحرمُ حينئذ الراكضون بينهدفين من اللعب. يتابع المدافعون لعبهم حتى يخرج كل من الرماة من اللعب، أو يكونون حول الأهداف فيغير حينئذ الفريقان أمكنتهم، لتعاد اللعبة من جديد. أنظمة عامة: 1_يضرب الرماة الطابة وفق أرقامهم المتسلسلة ثم وفق ترتيب رجوعهم إلى معسكرهم. 2_لا يجبر رامي الطابة من ضربها إذا لم تكن الضربة جيدة. وإذا لم تجتاز الطابة المضروبة الخط المحدد بين 1_4 أو إذا اجتازته وهي متدحرجة، فتعتبر عندئذ

الضربة لا غية ويمكن إعادتها من جديد مرتين فقط. أما إذا ذهبت الطابة إلى الوراء أو ذهبت باتجاه جانبي فلا يحق للرامي إعادة الضربة، ويحرم من اللعب إذا لم يتمكن من ضربة الطابة ثلاث مرات متواليات. 3_يحرم الرامي من اللعب إذا حمل معه المضرب أو رماه على الأرض ليصل إلى. 4_يجب على الراكضين أن يركضوا خارج الأهداف، وإذا لم يفعلوا ذلك يجب أن يرجعوا إلى الوراء حتى يصلوا إلى المكان الذي منه بدأ خطؤهم ولكن يمكن أن يخرجوا من اللعب أثناء ركضهم. كما هو مبين في المادة السابعة. 5_قد يحدث لعدد من الراكضين أن يكونوا جميعهم وفي نفس الوقت في نقطة الهدف، فيجب عليهم والحالة هذه إن يلمسوها بأرجلهم وإلا فيعتبر ذهابهم من الهدف لا غياً، ويجب إن يعودوا إليه مرة ثانية. 6_عندما يلقط المدافعون الطابة وهي طائرة ثلاث مرات متواليات، بغير اللاعبون معسكراتهم. 7_عندما يصرخ. أصبتها يجب على الراكضين أن يقفوا ويخرجوا من اللعب. 8_للراكض الحق أن يرجع إلى الوراء حتى يصل إلى الهدف الذي غادره وإذا تمكن من ذلك قبل أن يصرخ. يستطيع متابعة اللعب. 9_يمكن للراكض أن يقف على يمين الرماة إذا تمكن من اجتياز الهدف الرابع. 10_إذا رمى احد الراكضين الطابة بعيدا، وتمكن من اجتياز دائراً الأهداف الأربعة في مرة واحدة فيحق له حينئذ أن يعيد إلى اللعب احد المخرجين وهذا الأخير يقف إلى جانب الرماة. 11_لا يحق للرماة أن يمسوا الطابة وهي على الأرض أثناء سيرهم وإذا فعلوا ذلك يحرمون من اللعب. تسجل العلامات بالشكل الآتي: 1_تسجل له علامة واحدة. عند رجوع احد الرماة إلى مكانه 2_تسجل أربع علامات إذا تمكن احد الرماة إن يجتاز الأهداف الأربعة

في مرة واحدة. 3_لا تسجل العلامات إلا إلى الرماة، وبعد أن يلعبوا مدة من الزمن تجمع هذه العلامات، والفريق الرابح هو الذي حصل على علامات أكثر. أخطاء اللعب: 1_لمس الطابة أثناء سيرها. 2_حمل المضرب أو رميه بصورة مفاجئة خارج المربع. 3_رمي الطابة إلى الوراء أو إلى جهة مائلة. 4_مغادرة الهدف قبل أن يقوم الرامي بضرب الطابة.

سير التربية في العالم

سير التربية في العالم المؤتمر الأوربي في التربية الجديدة عقد في باريس الصيف الماضيالمؤتمر الأوربي للاتحاد الدولي للتربية الجديدة وقد جاء في نشرة المؤتمر ما يلي: يعتبر أصلاح التعليم من أبرز الشواغل الحالية في هذه الفترة التالية للحرب مباشرة إذ تشعر الأمم بالحاجة إلى إعادة تنظيم مؤسساتها ومراجعة إغراضها. وأنه من الأمور المستحبة أن يتمكن الذين يقومون بأعباء التربية في مختلف البلاد من الاجتماع للمباحثة في مشاريعهم والتحدث عن آمالهم. فيتمكنون وهم في باريس من الاشتراك في دراسة أنجع الوسائل التي تحقق الفكرة القائلة بأن مشاريعهم الإصلاح يجب أن تستمد مادتها مباشرة من مبادئ التربية الجديدة وكذا يوضحون بصفة خاصة ما يجب أن يتوفر في التطورات الإدارية من شروط لتجعلها خير حافز للتربية الجديدة، أو بعبارة أخرى مؤيد لتغيير الخطة والمنهج الذين هما من مميزات التربية الجديد سواء في المدرسة أو في المجتمع، كما أنهما لازمان لتمكين الطفل من إنماء شخصيته إنماء طليقاً وتهيئته ليعيش في العالم الديمقراطي الحديث. وان الموضوع العام هو موضوع واسع المجال متشعب النواحي إذ يتضمن كل أنواع التربية. ولتيسير العمل ستؤلف إحدى عشرة لجنة تختص كل منها بدراسة موضوع خاص من مشاريع الإصلاح المقترحة أو التي في دور التنفيذ. 1_التعليم في الدرجة الأولى: رياض الأطفال. المدارس الابتدائية. 2_مشكلة المدرسة الريفية. 3_تعليم الدرجة الثانية. 4_التوجيه والاختيار. 5_تكوين المدرسين. 6_العلاقات مع أهل التلميذ: 7_نفسية الطفل. 8_التربية والاجتماعية:

9_تربية المراهق وتربية الكبار. 10_الطفولة ضحية الحرب: 11_الاتصالات الدولية. أبحاث اللجان لقد أهتم عدد كبير من هذه اللجان بالبحث في أحسن السبل إلى معرفة الطفل فعرض رئيس لجنة علم النفس إلى كيفية اكتساب الطفل المعاني الثلاثة: السرعة والمكان والزمان. وكان العرض ممتازاً شيقاً أبان فيه صعوبة الطفل في تصور السرعة قبل سن العاشرة. ثم أشار زازو إلى أهمية عالم النفس وخدمته للتلميذ أثناء دراسته. ولكنه ألح على وجود عالم في التربية وآخر في الطب حتى نصل إلى نوع من التكامل في التعليم المدرسي. وهكذا أصبح التعليم ليس مجرد شحن عقل الطفل بالأفكار والمعلومات. وتحدث بييرون في لجنة (التوجيه) عن عدم وجود مساواة بين التلاميذ من ناحية الذكاء مما يبعث على ضرورة عمل بروفيل لكل تلميذ، من ناحية الذكاء والعاطفة والخلق وبذلك يدرس كل منهم وفقاً، كما تحدث أيضاً عن إيجاد صلة بين المدرسة والمنزل، ثم أشارت الآنسة باردو إلى ضرورة الانسجام الكامل بين الطفل والمدرس بواسطة إثارة شوق الطفل إلى التعليم بدلا من إثارة خوفه من العصا، ثم إنها اتفقت مع بييرون في توثيق العلاقة بين الأسرة والمدرسة._ولكنها تلاحظ وجود هوة يجب عبورها بين رياض الأطفال والتعليم الابتدائي. ولهذا فهي تريد إدخال منهج في المدارس الابتدائية حيث يثاراهتمام الطفل بالطبيعة وملاحظتها وتوثيق العلاقة بين التلاميذ بعضهم وبعض وبينهم وبين المدرس. وفي لجنة أخرى يرأسها عرضت مشكلة (المدرسة الريفية) فعرض ويلر وجال بالاشتراك مع مونود (المشروع الجديد للتعليم) وهو يتلخص في مرحلتين. المرحلة الأولى عبارة عن (ملاحظة) (الطفل وتوجيهه). والمرحلة الثانية مرحلة (تخصص) في أحد الأقسام الستة التي تنشأ لهذا الغرض. وهذه الأقسام منها اثنان للناحية العملية وثلاثة للناحية وقد نفذ هذا المشروع فعلا ابتداء من سنة 1945. وقد عرضت كل من بريطانيا العظمى وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا تقارير عن (التعليم

المتوسط) في بلادهم: جاء في التقرير الأول أن مشروعاً جديداً لإصلاح التعليم نفذ بمقتضى قانون سنة1944، يتلخص في ملاساة التفرقة بين الطبقات، وامتد التعليم الإجباري حتى سن السادسة عشر، ومجانية التعليم الثانوي. إلا أن ما يؤخذ على هذا المشروع هو انه أكثر عناية بالناحية النظرية منه بالناحية العملية. ولكن ذلك يرجع إلى نقص عدد المدرسين وأما كن التعليم بسبب الحرب. أما في بلجيكا فقد أسست (لجنة اقتراح المشرعات لإصلاح التعليم) فأصدرت مجلة (المدرسة). وأنشأت عدة مدارس تجريبية. وعلى كل حال فقد جاء هذا التقرير متفقاً نع رأي لانجفان الذي سيأتي ذكره. وأما في تشيكوسلوفاكيا فأهم ما جاء في التقرير انتشار التعليم الديني في جميع البلاد بسبب النشاط المنقطع النظير الذي تبذله الكنسية الكاثوليكية، ثم انتشار التعليم الإجباري للغة الروسية. أما اللجنة الخامسة، ويرأسها فالون فقد عنيت بالبحث في تكوين (المدرسين) وتقترح اللجنة إيجاد تكون مشترك بين مدرسي التعليم الابتدائي والثانوي، ثم تخصص كل منهما بعد ذلك. ويقترح فالون، في تقريره، أتباع ما يحدث في جنيف حيث تكرر السنة الأولى في مدارس التعليم الابتدائي. والسنة الثانية في الجامعة حيث يدرس علم النفس النظري وعلم التربية النظرية. ويقوم المدرسون الطلبة بأبحاث عملية شخصية. ثم تنتهي الدراسة بإجراء امتحان يجاز فيه المدرس الطالب بشهادة في التربية. وأما السنة الثالثة فهي تهيء للتكوين المهني. وذلك في المدرسة التطبيقة، ثم يؤدي المدرس امتحاناً نهائياً. وهناك يجدر بنا أن نذكر ما قاله وترنس في اللجنة السادسة حيث يعرض للنظم الموجودة في أقاليم أخرى سويسرية غير جنيف، فهو يلح على ألا يكون المدرس شاداً في سلوكه، وألا يقطع صلته بالحياة. (ينبغي أن يكون الإنسان سيد نفسه كي يستطيع خدمة الجميع على أكمل وجه). واللجنة السادسة تبحث في العلاقات بين (المدرسين وأهل التلميذ). ويبدو أن إيجاد علاقة

منظمة قوية أمر مشكوك فيه ولكن مع ذلك فهذه العلاقة تحققت في بلغاريا على يد الدموازيل هاميد ووينتكا وكنا نود أن تعرض اللجنة عرضاً وافياً للجمعيات الانجليزية والأمريكية إذ تضرب أحسن المثل في هذه الناحية، للمربين والمدرسين الفرنسيين. أما اللجنة التاسعة فقد أشارات إلى إيجاد تنظيم شامل لتعليم جمع العمال، مع تخصيص فرع ثان للمصطفين منهم. وفي اللجنة العاشرة وصف روجيه في تقريره، الاضطراب الجسمي والأخلاقي للشباب في جميع الأمم، سيما تلك التي يتفشى فيها الفقر حيث المأساة أشنع، وحيث الدليل ملموس يبكي. وهنا ظهرت النزعة الإنسانية الرائعة للمؤتمر في وجوب العطف على أعداء الأمس، أعنى ألمانيا وإيطاليا. هكذا كان غرض اللجنة العاشرة. وهكذا كانت غاية اللجنة الحادية عشر برئاسة مدام روباكين تلك إذن هي أبحاث المؤتمر. وهنا يجدر بنا أن ندعو كما دعى هذا المؤتمر إلى إدخال العيادات السيكولوجية في مدارسنا المصرية حيث لا يقتصر القيام بها على علم النفس وحده بل على علم التربية والطب أيضاً. وبهذا نهتم بالتلميذ من مختلف نواحي حياته البدنية والعقلية والاجتماعية. وفي إجمال من القول يدعو هذا المؤتمر ويكرر الدعوة إلى التكامل في دراسة الفرد. ـ عن مجلة علم النفس بالقاهرة ـ

نشاط الهيئات

نشاط الهيئات هيئة التعليم الابتدائي تكرم الأستاذ رمزي الركابي في اليوم الثاني من شهر شباط الماضي، أقامت هيئة التعليم الابتدائي في قاعة مدرسة التجهيز الأولى، حفلة تكريمية كبرى للأستاذ رمزي الركابي بمناسبة تعيينه مفتشاً. حضرها معالي الوزير السيد أحمد الشرباتي، ومدير المعارف العام بالوكالة السيد جمال الفرا، ومدير التعليم الابتدائي السيد جودة الهاشمي، ومدير معارف دمشق السيد رشدي بركات ومدير وأساتذة معاهد التجهيز والمفتشون وبعض المعلمات ولفيف كبير من المعلمين والشباب المثقف. . . أفتتح الحفلة سر هيئة التعليم الابتدائي صلاح أدهم بكلمة موجزة مبيناً صواب فكرة انتقاء المفتشين من ملاك الابتدائي وحسن اختيار الوزارة للأستاذ الركابي. ثم شرع في تقديم الخطباء. فألقى معالي الوزير أحمد بك الشرباتي كلمة قال فيها: أحب أن أشترك معكم لا كوزير للمعارف بل كولي لطال، كنت أعتقد أن المدارس الأجنبية هي المنهل الوحيد للثقافة المثلى، فوضعت ولدي في اللاييك والفرنسيسكان وأخيراً جئت به إلى التطبيقات فوجدت فيها ضالتي المنشودة. وأنا كوزير لا أحب أن أغمط جهود بقية المديرين فقد أتيح لي أن أطلع على ثمرة جهودهم المباركة، فتكريمنا للأستاذ الركابي هو تكريم لمديري وأساتذة التعليم الابتدائي وتكريم لجهود أسرة التعليم. . فتركت كلمة معاليه أثراً طيباً في نفوس الحاضرين. . وتكلم بعد ذلك عميد معهد المعلمين العالي الدكتور خالد شاتيلا فأعطى صورة صادقة واضحة عن شخصية الأستاذ الركابي ونشاطه المدرسي. وعزف الأستاذ مصطفي الصاف قطعة موسيقية رائعة. ثم ألقى الأستاذ خالد قوطرش باسم هيئة التعليم خطاباً نشرناه في مكان آخر من هذا العدد. وكذلك ألقى الطالبة الصغيرة خلدون عودة طريفة نالت استحسان المستمعين، ثم كانت الكلمة الأخيرة للأستاذ الركابي. فألقى خطاباً رائعاً افتتحه بقوله: إنها لساعة حميدة مباركة، هذه التي أجتمع فيها إليكم، فنحن أبناء أسرة واحدة. فلهيئة التعليم خالص شكري، لأنها أتاحت لي هذه الفرصة السعيدة، لأنعم وإياكم في هذا الجو من الألفة

والمحبة والوداد. فليست هذه الحفلة في الواقع إلا تكريماً للمعلمين والمعلمات. . وإذا كان لي ما اعتز به وأفتخر، فهو أني فرد في أسرة التعليم، أساهم بالمجهود الذي يقوم به المعلمون والمعلمات وأشارك في بناء هذا الجيل الذي يشيدونه. فأنا معلم أولاً وأخراً، وأنا من أسرة التعليم ولأسرة التعليم ومما جاء في خطابه قوله: . . . إنها لنعمة وإنها لجهود مشكورة قام فيها المعلمون والمعلمات بأوفى نصيب فما كان جهاد الأمة في مختلف مراحله وتعدد ميادينه، إلا نتيجة الفكر المثقف الناهض الذي انشاًتموه وغذيتموه. لقد أتت جهودكم ثمارها، وغرستم للثورة فنجحت الثورة. أما الآن فإلى غرس جديد لعهد جديد، فمن بين أيديكم أيها المعلمون والمعلمات، يخرج الجيل الذي سيبني مجد الوطن. لأنكم ستعلمونه نوعاً آخر من الثورة، ستعلمونه الثورة على الجمود والفوضى والتفكك والانحلال لينشأ كما تعلمونه وتوجهونه: جيلا متطوراً آخذاً بأسباب النظام يوحد بين قلوب أبنائه رباطٌُ من الحب والتضامن من لخير الوطن، جيلاً يلتهب حيوية ويتقيد نشاطاً. . . أيها الأخوان المعلمون! أحب وقد عهد إلي بمهمة التفتيش أن أزيل من أذهانكم فكرة تكاد تكون متلازمة مع صورة المفتش. إلا وهي أن المفتش رقيب حسيب، يتسقط العيوب، ويعد المآخذ، ويحصي الهفوات، وأنه إن رأى حسناً نسيه أو تغاضى عنه. كلا أيها المعلمون فالمفتش ـ كما أفهمه ـ رفيق للمعلم وصديق. فإذا انتقده فإنما يفعل ذلك ليصلح العوج حتى يستقيم، وإذا أثنى على المجيد، لا يكتفي بكلمة ثناء بينه وبين المعلم، وإنما يسجل إعجابه، ويتحدث به، حتى ينتشر ويذيع، ويبّلغ المراجع أخبار المعلمين على حقيقتها، ليحيطها علماً بمجهود المعلمين وإمكانياتهم، ومدى نجاحهم في عملهم وتأديتهم لرسالتهم. . . أيها السادة ليست مهنة التعليم سهلة ولا هينة وإنما هي أصعب وظائف الدولة، وأدقها، ولطالما تطورت الأمم وانقلبت أوضاعها السياسية والاجتماعية والأخلاقية ابتداء من المدرسة، فحق لنا أن نطالب الوزارة بأن تنتظر إلى وظيفة المعلم نظرة خاصة، وإن تسهل أمامه سبيل السير بطلابه نحو الغايات التي تحددها مصلحة الوطن وأن تجعله بوضع لا

يفكر فيه إلا بواجبه ومسؤوليته. . . وفي نهاية الحفلة قدمت هيئة التعليم للأستاذ الركابي قلم حبر فاخر كرمز لعدة المعلم وسلاحه. . . هيئة التعليم الابتدائي تقابل لجنة ملاك المعارف البرلمانية قابلت هيئة التعليم الابتدائي النائب المحترم، مقرر اللجنة البرلمانية لدراسة ملاك المعرف، الأستاذ هاني السباعي، واستفسرت عن التعديلات التي أدخلت على ملاك الابتدائي. فعلمت أن هناك تعديلات طفيفة تبتنها اللجنة كجعل مبدأ تعيين خريج دار المعلمين في الدرجة الأولى من المرتبة الثامنة وحامل شهادة التحصيل الثانوي في الدرجة الثانية من المرتبة التاسعة وحامل الكفاءة في الدرجة الثانية من المرتبة العاشرة. وفود أساتذة التعليم الثانوي قدم العاصمة في 18شباط سنة1947 وفد يمثل أساتذة التعليم الثانوي في حلب مؤلف من الأساتذة: محمد نجيب الجزار، عبد الرحمن الحموي، عبد الفتاح محبك، راسم حمصي، إبراهيم أدهم، صالح جمال، ووفد ثان يمثل أساتذة التعليم في حماه مؤلف من الأساتذة: زكي الارسوزي، بهيج شمعة، هاشم صيادي. ووفد ثالث يمثل أساتذة التعليم الثانوي في حمص مؤلف من الأساتذة: الدكتور عبد الكريم اليافي عبد الله عبد الدائم للاتصال بهيئات التعليم الثانوي في دمشق والتعاون معها على اتخاذ خطة مشتركة للدفاع عن موظفي التعليم الثانوي في سورية ولمقابلة اللجان البرلمانية والمراجع المسؤولة للبحث معها بشأن الملاكات. العطلة النصفية قدمت هيئات التعليم الابتدائي إلى الوزارة المعارف، تطلب فيها تعطيل المدارس الابتدائية عطلة نصفية مدتها خمسة عشر يوماً، ليقوم المعلمون برحلات يستزيدون بها معارفهم التاريخية والجغرافية فوافقت الوزارة على عشرة أيام.

تربية الحواس

تربية الحواس ليس الغرض من تربية الحواس أن يعرف الطفل الألوان والأشكال والأنواع المختلفة للأشياء، ولكن الغرض تهذيب حواسه، وتقوية الملاحظة لديه، وتعويده الانتباه إلى الأشياء والموازنة بينهما والحكم عليها. منتسوري

مع الكتب والصحف

مع الكتب والصحف الكتب المهداة لمكتبة المجلة ديوان ابن عنين شرف الدين أبي المحاسن محمد بن نصر المشهور بابن عنين الأنصاري الدمشقي. غني بنشرة وتحقيقه: الأستاذ خليل مردم بك. (مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق) وهذا شاعر معاصر للشام ينشر ديوان سلفه شاعر الشام من مخضرمي القرنين السادس والسابع للهجرة لبن عنين ويقدم له جيدة. ولا يوفر جهداً ثميناً يبذله في جميع ما يمكن جمعه من شعره وقياسه وتصحيحه ومقارنة ما يستطاع من نسخ مخطوطات الديوان أو صور نسخ لها موزعة في مكتبات العالم شرقاً وغرباً. وابن عنين شاعر خفيف الروح، كثير الدعابة، بارع الفكاهة، حاضر النكتة، ظريف، ماجن، ساخر، متهكم، يؤثر الهزل على الجد، متوقد الذهن، ذكي القلب، تعجبه النكتة ولو كان فيها حتفه ويتراءى ذلك كله في ديوانه حيث تلمس إلى جانب الروح الفنية الرائعة عبق الثقافة الإسلامية لعده من تفسير ومنطق وفلك وحساب وهندسة وسيما النحو، وفوق ذاك، وقبل ذاك، تجد في الديوان العاطفة الوطنية السامية، ماثلة في الحنين إلى دمشق، وقد حمل على مغادرتها فخاب العالم بجسمه خلال عشرين عاماً، ولكن روحه في وطنه. ولو أني خيرت في هذه الدنيا لما اخترت غير أهلي وداري. وأما وطنه فعصبية عربية خالدة: من أسرة عربية جاءت به ... عربية آباؤها أحرار تاريخ حكماء الإسلام تأليف: ظهير الدين البيهقي. عني بنشره وتحقيقه: العلامة الأستاذ محمد كرد علي (مطبوعات المجمع العلمي بدمشق) اجتمع لأحد رجال القرن السادس الهجري، وهو مؤلف هذا الكتاب، اتصافه بأنه كاتب شاعر واعظ مؤلف ومفكر ويغلب أن يتمم في نزعته ونفعه كتابصوان الحكمة لأبي سليمان

المنطقي السجستاني، ويتقدم على كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي مختصرة للزوزني، مما يظهر اتصال حلقات الفكر العربي بين أجيال أمة واحدة، وقد ترجم البيهقي في كتابه للشرقيين من حكماء الإسلام ـ أو بعضهم على الأقل ـ كما ترجم لغيرها من حكماء الصابئة والمجوس و. . . ممن نشأوا في ديار الإسلام وكتبوا تآليفهم بلغته. ويمكننا اعتبار هذا السفر خلاً جديداً قديماً، ولكنه خل أليف، ورفيق دائم، لطلاب الحكمة الإسلامية والتاريخ. وقد نوّه استأذنا العلامة عن أثر هذا الكتاب في الدلالة ـ دونما احتياج ـ على أن اللغة العربية كانت في فارس كما هي في كل بلد دخله الإسلام لغة الدين والعلم والدولة، وانتهى إلى تذكر ما قاله أستاذه السيد محمد المبارك: إن تصحيح الكتب القديمة أولى من الاشتغال بتأليف كتب جديدة. ونحن إذ نرحب بالإنتاج المفيد نشكر للأستاذ المحقق جهده وصبره وإخلاصه وعنايته في إحياء تراثنا العربي الممتاز، ونأمل أن يأتي اليوم القريب الجميل فيصبح تأليف الكتب الجديدة غاية أولى نتقدم بها في مضمار الرقي العالمي، من غير اقتصار ـ موقوت ـ على تصحيح القديم، ولكن بفضل الاستناد إليه، والاعتماد عليه. المستجاد من فعلات الأجواد لأبي علي المحسن بن علي التنوخي. عني بنشره وتحقيقه: العلامة الأستاذ محمد كرد علي. (مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق) وقع أستاذنا الكبير العلامة كرد علي في الثاني من شهر شعبان 1365 تعريفه بهذا الكتاب وقد عني بنشره وتحقيقه، وليس هذا السفر القيم أول مطبوعات المجمع العلمي العربي ولكنه من أكثرها نفعاً وابلغها طرافة، وقد عرض مؤلفة وهو من رجال القرن الرابع الهجري صور الكرماء كما عرض الجاحظ قبله صور البخلاء، فكانا، في تقابلهما الأدبي، كفرسي رهان، وكفى بذلك إلى ما يحمل المستجاد من وعود مغرية، يعبق أريجها بالرياض والأزاهير، وقد جعلها الأستاذ المحقق قرة النفس في المنظوم والمنثور، طريبة من اليد والعين والفؤاد.

وبعد هذا فالمستجاد صورة جميلة من أدبنا القديم، مبعث حضارتنا، وهذا هو الفن الذي يقضي علينا الواجب أبداً أن نتذوقه ونتفاوضه، ونرويه ونترواه، لما فيه من عبقة أرواح أجدادنا، ومنها ننشق الكمال في اللفظ والمعنى ونمشي على آثارهم فتنشأ شخصيتنا الجديدة. وهو إلى هذا من خير ما نكشف به مقاييس الأخلاق في امتنا ومعايير عاداتها ومدنيتها. وليس وراء هذا الواجب واجب، ولا فوق حاجتنا الأدبية القومية حاجة.

أسطورة شائكة

أسطورة شائكة للدكتور: عادل العوا لا أدري لماذا اخترت هذا العنوان، وأنا كنت أبغي التحدث عن غيره، عن الأخلاق، أخلاقنا في ثوبها الجلي، وحقيقتها الملموسة، وواقعها الشائك الأليم، لا أخلاق الجمال والفكر الجميل، أخلاق السطور التي تبدعها العاطفة الصافية، والمثل الأعلى، والخير الحبيب، في جو من الورود والأنس، وسماء من الذهب المعسول، والأمل الأنيق. والأصدق في الأمر أنني عللت النفس بأخلاقنا الفعلية طويلاً، ووضعت لها منظار التودد والمحاباة، ورجوتها أن تتحيز لأخلاقنا وترضى عنها، وحملتها على التغاضي وقسرتها على القناعة والاقتناع، ولكن العبث أردت، وعبثاً أردت، فقد شئت أن تجد نفسي فيها ثروة لا تذوب، وكنزاً ليس يبلى، فلم تستطع نفسي خداعاً، وذهب الجهد باطلاً، وعاد هذا العنوان الفاجع، فاعترفت بفشل الأخلاق المثالية عندنا ووجدت نشاطها خمولاً، وحركتها بطئاً أو رجعية. ولا ريب أن القارئ النابه درى معي أنني أود الكلام عن جمال أخلاقي نزهى باسمه، وهو غير موجود، وربما وافقني منذ الآن على العجب بأسطورتنا الأخلاقية الجميلة، تحيط بنا، وتعلو علينا، وترهقنا بأثقالها وقسوتها، ونحن نتمسك بها وثنية وأوثاناً، وهي الأسطورة الرائعة حقاً، لولا أنها كاذبة مثل سائر بنات جنسها، ونحن اعتدنا أن نفضل من كل لون أشده، ونرجح على ضجة أقواها، ونخضع للأعظم من كل حجم، وأننا لنقرر خلقياً قيمة الأخلاق، ولكننا لا نعمل بها، ولا نسعى لها، ولا نفهمها في الغالب من الوقت، يطربنا صوت لا نميزه، ونعشق وجهاً لا نعرفه، ونصحب رفيقاً لا نراه. الأمم الأخلاق تسمع أن الأمم الأخلاق حصراً، ويتكرر سماعك منذ الصباح إلى المساء، وترغم عليه آناء الليل وفيما بينها أيضاً، فتؤمن إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، وهذا حق لا خلاف يتطاول إليه، ولكنه حق أصبح يتصف لدينا بأكثر من البداهة، ولذا ساءنا ولم ننتفع منه، وإن أحدنا ليلتفت يمنة ويسرى، فيتفاءل ويتشاءم، ويغرق في كليهما، ولكنه بعد ذاك يجد أننا لم نصبح أعظم الأمم في الأرض ولم نرجع إلى ماضينا، لنقترب من كماله السابق، ولم نبرهن على

غدنا حتى نطمئن إلى ما نصير إليه، في حين أننا أكثر الأمم تمجيداً للأخلاق، وأشدها ترنماً بها، وأكبرها نداء لها، وإذا رغبت في احترام رأيك، وطلبت برهاناً أو دليلاً أو سبباً، طالعك النقيض، وجابهك ضد ما تطلب، وكنت أمام أمرين، فإما الكذب بالواقع، والرضاء عن الكذب، أو الخروج عنه، والخروج عليه، فتبعد عندها عن أنك شرقي ممتاز، وتصبح ملحداً بناموس الأسطورية الشرقية، ففي الشرق يراد لك أن تعيش خلاف ما تفهم، وفي الشرق تحمل على رؤية ما لا تبصر، وفي الشرق ترغم على الاقتناع بما لا يسمن ولا يغني من جوع، زهدك بالشيء يبعدك عنه، وعبادتك اللفظ يقيم صلبك عن المعنى، أليس اللفظ في ذاته نغمة، ونغمة الأخلاق تلعب بحياتك عندنا، وتعلو قدسيتك، وتوجه سلوكك، في القصر والشارع، في جميع القصور وكافة الشوارع، وفي المدرسة والحقل، والمقهى والمتجر، وفي مغاني الشعب وثنايا الصحف المتطهرة، وليت لنا أن نحقق ما نقول، ونظهر ما نبطن، ففي ذاك راحة من عناء، وعوض عن نقص، وإكمال لعجز، ولست أشك في أن البشرية جمعاء تذعن لعظمتنا آنئذ، وتشق أمام عجلتنا طريق الصعود وتخر مؤمنة بروحانيتنا الممتازة، ونبلنا الرفيع، وأخلاقنا العليا. شكلية جوفاء لا يسقط بيننا وبين ذروة المجد سوى أننا نرى الخير ولا نعمل به، ونتخذ الأخلاق بوقاً نصيح به ولا نتبعه، فأخلاقنا غدت أشكالاً جوفاء، وصوراً تصلح لكل جدار، وخطباً منمقة تستعمل في كل مناسبة، وعلى غير هدى. ولن أتقدم بالمسؤولية عن كل ذلك فأزفها إلى رجال التربية، وأحملهم اللوم وحدهم، والحق أن السبب في ضعف الحقيقة الأخلاقية وفشلها عندنا يرجع إلى التربية في الدرجة الأولى كما يرجع بالمعلول إلى علته، وبالداء إلى أصله، ولكن من الحق أيضاً أن نعترف بالفضل العام للمربين في بلادنا، فهم كرام نبلاء، ولكن مسؤوليتهم ترقى منهم إلى الظروف المحيطة بهم، والوسائل المتروكة إليهم، والسلطة المعطاة لهم، والتوجيه الذي إليه يفتقرون. دمية الفضيلة يجهل كثيرون، ويتجاهل كثيرون، أننا لسنا أقل خلقاً من أسلافنا الأقربين. فيصيح بعضهم بأن أخلاقنا قد فسدت بصورة شاذة، لا سبب لها، ولا رادع عنها، ويصفق بعضهم مصدقين

أو منافقين، ويتأتى عنهم جميعاً تأليف شركات عفوية معنوية، تستثمر النداء بانحطاط الأخلاق، وتدعي صيانة الفضيلة والعفة في كل مكان ويذهب المسنون والمسنات من جمدت أعمارهم الفكرية، فيتنادون بالويل والثبور لمن يطلب الحياة من الأحداث، ويرغبون أن لا تكون أخلاق النشء سوى صورة لأخلاق الجدود الأقربين، ولو جرأنا لفهمنا أن الأخلاق العربية لم تتدهور منذ أمس، بل إن جمودها ملازم لجمود قوتنا القومية، وفسادها ظل لفساد حياتنا الاجتماعية، وفقدها فقد لحيويتنا الإنسانية، منذ أن تتالت النكبات علينا، فخسرنا صلاح الدين وكسبنا النير التركي، ورزأتنا الأيام بالأنانية الأجنبية في عقر دارنا، ولم يصبح لمستغلي الفضيلة من شغل شاغل إلا خدمة هذا الخزي القومي ولفت النظر عن رؤية النور واضحاً، ووضع دمية الجمود بين أصابع النشء، يلهو بها ويتلهى عن غيرها، فالأخلاق ليست أداة الغموض والخديعة، بل هي حزمة النور في سلم الوطنية، وقصر الحرية، وطريق المجد. يقولون إن الزمان قد شاخ، وإن العمر لا ينتظر، وإن السرعة في التقليد تغني عن التردد في التجربة، والعناء بالبحث، فليس مثل السير على فضيلة الأب والجد في أيام استعباد أزلناه، وإن من رضي عاش ويحمد خلقياً من يحمد المكروه، ونحن نجيب إن الزمان لا يسيرنا فيحيي ويميت، بل نحن الذي نوجد في الزمان، ونملأه بوجودنا، ومن العقل أن نفهم ونعمل، فنعرف علتنا وداءها الأسود، ونكره كسلنا وطويته النقية البيضاء، فالنية الساذجة لا تخلق الإصلاح، وجودة السجية ليست حقيقة إنسانية في نظر إنسان اليوم، وان شئنا أخلاقاً حقيقية فلنطلب حقيقة الأخلاق، ونسعى إلى ما يصلح فاسدنا، ويقوم عوجنا، من غير جعجعة فارغة، تقلق المفكرين، وتزيد حيرة الحائرين. تطور الأخلاق وأبسط عناصر هذه المعضلة، وأول سبل إصلاحها، هو الإيمان بأن الأخلاق كالحب والفضيلة والحق والعدالة والإخلاص والإحسان ليست سلسلة ألفاظ لا نهاية لها، ولا معنى لرموزها، بل هي مفهوم واقعي يرتبط بالزمان وبالمكان، ومن جملة الزمان والمكان ينشأ المجتمع الذي هو أصل تطور الأخلاق. سنة الله في خلقه أن تتغير الأخلاق تبعاً لسنة الله في النشوء والارتقاء.

فالمجتمع لا يثبت على تقهقر ولا على نهوض، بل الأيام دول بين الناس، وهذا كله لا يتم إلا بالتبدل والتقدم، والمجتمع عندنا عرف وحاجة، فهو عرف يحتفظ بالتقاليد عند تلاصقها بالتطور، وهو الحاجة إلى إدخال الجديد في القديم حتى تصبح التقاليد ملائمة، والقديم غير بال، وما من سبيل إلى الكفر باتساق القديم والجديد في حياة المجتمع، وحياة الإنسان. واجب الساعة ويظن ظان أن الأخلاق هي هدف الأمة العربية في نهضتها، وعندنا أن النهضة هي على العكس هدف أخلاقنا العربية الآن، وتحقيقها هو واجب الساعة الأعلى، وإن الحرص على صبغ مفهوم الأخلاق القديم - وقد كان فردياً تعسفياً في ظل الاستعمار - بصبغة اليقظة القومية الحازمة العازمة، هو فرض هذا الوقت، ومحور الأمل، ولغز النجاح والفخار. والزمان أثناء ذلك يفعل فعله، ولكنه لا يخدم أمانينا عن طريق القصور والاتكال. وزارة التربية أما المسؤولية في هذا الأمر الجلل، فلن نتكرم بإلقائها على الأيام والتاريخ، لأن التاريخ أصم إذا نام أهله، والتاريخ ليس عربياً إلا إذا هبت القومية العربية من رقادها، وتفجرت ينابيعها عن قوة ونضج، والأيام عاجزة إذا جهل أصحابها، وأمعنوا في الجهل، والمسؤول الأول عن كل ذاك هو التوجيه القومي في وزارة المعارف، ونحن نريدها وزارة التربية القومية أولاً، وأغلب الظن أن القيام بمثل هذه الوظيفة لما يبلغ تمامه، ويكمل وثبته، ويملأ بالخلقية القومية هيكل الثقافة والتعليم. والقائمون على هذه الوزارة هم المسؤولون مبدئياً عن صحة التربية، وصلاح الجيل، لأنهم قبل غيرهم يتضلعون بعبء اجتماعي ثقيل، ويتصدون لإحقاق وظيفة اجتماعية وتاريخية عليا، يصيبهم من الفخر في فوز القيادة مثل ما ينالهم من الازدراء في العجز والإهمال والقصور، حين العقم والفساد. ورجال المعارف السورية يخرجون، فيما نعتقد، عن أناقة التمثيل ليدركوا صميم الحياة، ويقبضوا على زوايا الواقع، ويعالجوا لباب الأمر بجدهم وقدرتهم وجميل الصبر والإخلاص، وإن دعامة هذا الوطن في بقائه صاعداً ناشطاً لتشاد من تواضعهم وإقدامهم، ولا نكران أن المربين في سلك هذه الوزارة فاضلون تشكر هممهم، وتحمد خصالهم، ولكن الإقبال عل العناء الأشد، والعمل بحيوية أكثر على فتح العقول

والقلوب لنور الحقيقة في مضمار التربية القومية لا يزال يحتاج إلى استدامة وبذل حتى يقرب من الكفاية، ويأتي بالبركة والخير، ويدني من الحصاد، ونضج الثمار، وخصب الموسم ويبعد عن الزينة بمنصب يدرك، أو لقب يضاف إلى وسام. . . ستصنع في هذه الوزارة الأمة التي نريد، والمجتمع الذي إليه نحتاج، ولن يتردد رجالها في إحياء أخلاقنا في وضوح العقل والجرأة، وسحق الشكلية والأسطورية، ومحق المستثمرين من ضالين ومنافقين، وكلمة الفصل في ذاك أن يحسن التوجيه ويسلم، ولسنا نجهل أن الظلام لا يتبدد إلا تدريجياً، وإن النهار يصحو على مراحل ودرجات، وإن المجد ينال بالتعب المتواصل، ولكن وحدة الهدف تجمع حولها ما تباعد من الأسباب، وللمربين في غير الأسرة الحكومية أكثر من منزع، وهم في دار التربية الرسمية يتعددون في نزعتهم أو نزاعهم، ولا بد من إيلاف الجهود وائتلافها، وتنميق القوى وتضافرها، والتجرد إلا عن المصلحة الوطنية الخالدة، فهي الأصل الأوحد الكبير، وقاعدة كل اجتهاد وتفسير، وبالرجوع إليها يؤخذ لبن النهضة القومية سائغاً، وتحيا فاعلية أسرة التربية والتعليم، وإن المجتمع الذي يخلقون بأيديهم يكون أول ما يوفر لهم حقهم من العناية والاحترام، فينالون التقدير والتشجيع، ويخرجون على الأقل من الكفاف إلى الكفاية، ولا يلبث ذاك أن يحفزهم على المضي ويدعوهم إلى الاستمرار في زيادة العمل والإخلاص. نريد إن الأخلاق التي نريد إصلاحها لتحيا أمتنا حتماً وتبقى على الحياة، هي ما يتطلب الواقع والمجتمع في عصرنا وبيئتنا وظروفنا ويتلاءم مع مستقبلنا ونظرتنا إلى الوجود، وهدفنا من التقدم والارتقاء، ولسنا نقبل أن تشغلنا الأعراض عن الجوهر وأن نصاب بتضخم في ناحية من نواحي الضمير، فنعنى بأخلاق الوظيفة الجنسية، كما نفعل الآن، ولا نعنى بغيرها من فروع الواجب وشعب الفضيلة وطوائف الخير. وإنما الأخلاق في رأينا أكثر حيوية واتساعاً من البحث في قواعد حفظ النوع، وإرضاء الشهوة، وسد احتياج الغريزة، وعلينا أن ننشط في قوميتنا الواسعة التامة، ونأتي إلى العالم الجديد بأفضل ما يحقق الإنسان العربي من أخلاق حية واقعية، فننظم مدينة الوطن ونجعل التاجر الخلوق لا يحتكر باسم حرية الاقتصاد، ولا يغش باسم الذكاء في استثمار الخبرة والاختصاص، ونجعل

العامل الخلوق يطلب المعرفة ولا يقتصر على تمني الثروة وطلب المال، ونجعل الغني الخلوق ينفق مما أتاه الله، من غير أن تجحده الأثرة، فيجهل أن حانوته جزء من سوق أكبر هو الوطن، وعندها تفهم الحكومة والشعب أن بينهما في الدرجة الأولى واجبات وواجبات. . . عادل عوا

واقعنا الاجتماعي

واقعنا الاجتماعي للدكتور نور الدين حاطوم توطئة على جبهة آسية الغربية، بين جبال طوروس شمالاً وبحر عمان جنوباً، وبين البحر المتوسط وذراعه الأحمر غرباً، وجبال زاغروس والخليج الفارسي شرقاً، نبتت دوحة العرب وامتدت بفروعها نحو الغرب وشملت وادي النيل وتجاوزت بلاد الأطلس إلى ما وراء البحار. إن هذه القارة الصغيرة التي نسميها آسية العربية رغم امتدادها على 3000 ك م طولاً و1400 ك م عرضاً، نراها تؤلف وحدة جغرافية تتميز بوحدة البناء الأرضي وبساطته، ووحدة الإقليم وطراز الحياة وإيلافه رحلة البداوة واستقرار الحضارة. ويتوج رأس هذه البلاد العربية الهلال الخصيب الذي يعتمد في حدوده الغربية على ساحل البحر المتوسط ويلامس في الجنوب الشرقي أعماق الخليج الفارسي. في هذا القوس الأرضي نشأت أقدم المدنيات التي عرفها الإنسان، وتوالت فيه على مدى الدهر حوادث متموجة غيرت طور الحياة، وفي كل منها ساهمت سورية بأوفر نصيب فكانت سورية أرض التاريخ ومهد الإنسانية. وسورية إن كانت تبدو لنا في هذا المجموع بلداً صغير المساحة، قليل السكان إلا أنه كان وما زال وسيبقى قلب العرب النابض، المملوء بالحياة، والمتطلع دوماً وأبداً إلى حياة أتم وأكمل. غير أن وضعه الجغرافي كثيراً ما جنى عليه. فهو بالنسبة إلى حياته الخاصة، مسرح نزاع بين نظام البادية وتأثيرات البحر المتوسط، وإلى حياته العامة، جسر عبور بين قارات العالم القديم، تمر عليه الشعوب الفاتحة بلا انقطاع في سبيل النصر الحاسم أو الخسران المبين، وتترك فيه آثارها كما تتجمع الرسوبات في قاع البحار. فلا غرابة إذاً إذا تجمعت في هذه القطعة الصغيرة من سطح الكرة المتناقضات المختلفة وانعكس صداها على بنائنا الاجتماعي فغلبت عليه الفردية وعاش فيه القديم إلى جانب الحديث رغم التطور الذي نلمس آثاره ولا سبيل إلى نكرانه. ولذا فان جهد بحثي هو أن أعرض دراسة تحليلية أشرح فيها العوامل التي أدت إلى واقعنا

الاجتماعي، وأثر هذه العوامل في مجتمعنا السوري، وأخيراً أنتهي إلى النتائج التي أستخلصها من هذه الدراسة. أ - العوامل المؤثرة إن هذه العوامل مهما اختلفت وتنوعت أسبابها لا تخرج عن عوامل طبيعية وعوامل بشرية. 1 - العوامل الطبيعية: فالعوامل الطبيعية تتجلى في شكل التضريس، وشرائط الإقليم، والموقع الجغرافي. أ) شكل التضريس: هناك تباين بين عمر سورية التاريخي وعمرها الجؤلوجي، فمن الوجهة التاريخية تعتبر سورية من أقدم البلاد في العالم، ومن الوجهة الجؤلوجية تعد من أفتاها. وهي من حيث تضاريسها تنتسب إلى الدور الثالث الطبقي أي إلى ذلك الدور الذي حصلت فيه تلك الصدمة الأرضية العنيفة فانبجست عنها كتل الأقواس الجبلية أي كتل جبال الألب وهيمالايا الممتدة من غرب أوربة إلى شرق آسية، وغارت حفرة الانهدام الممتدة من جنوب شرقي افريقية خلال البحيرات والبحر الأحمر وغور فلسطين وسهل البقاع والغاب لتنتهي وتغيب أخيراً عند أقدام طوروس، وتصدعت بنتيجة الانهدام أرض سورية وخرجت من بين الانهدامات والانكسارات الحمم البركانية وكونت الحرات. عن هذه الحوادث الأرضية تشعبت حول صخرة حرمون مروحة جبلية تطاول منها سلسلتان متوازيتان امتدتا بانتظام من الشمال إلى الجنوب وسايرتا شاطئ المتوسط، وحادت بقية الفروع نحو الشمال الشرقي حيرى تهيم في البادية حدباء كالإبل تخب في الرمال. وكان من نتيجة هذا التشكل الأرضي أن تجزأ التضريس السوري إلى كتل منعزلة وابتعد الداخل عن الساحل ولبث أسير الصحراء لا يتنسم البحر إلا من بعض الكوَات كما يتطلع السجين إلى الحرية خلال الشباك. عن هذا الانعزال في التضريس نشأ انعزال في حياة السكان وطبع كلاً من الجماعات البشرية المقيمة عليه بطابع خاص. فكأن التضريس قد هيأ إلى الانطواء والتقلص سبيلاً.

ب) الإقليم: ولم يكن الإقليم بأكثر من التضريس رحمة ولا شفقة. وذلك لأن سورية من حيث الإقليم تقع في المنطقة المعتدلة الجافة من سطح الكرة. والجفاف في إقليمها صفة بارزة تمتد موجتها من أول مايس إلى تشرين الثاني. وامتداد الجفاف فيها يمنع استثمار الأرض بصورة مستمرة ويحصر الحياة حول نقاط الماء وبمركز الفاعلية البشرية في الواحات. وفي كل ذلك انعزال. واتساع الصحراء فيها بالنسبة إلى مناطق الماء هو الذي وسع حياة البداوة فامتدت إلى المدن وغذت في الحضري من حيث يشعر ولا يشعر النزعة العشائرية والعصبية القبلية. ج) الموقع الجغرافي: إن وضع سورية الجغرافي في منتصف العالم القديم كنقطة تماس بين بلاد مختلفة من حيث الثروة والمدنية، جعل أهلها يلعبون دور الوسيط، وقد ولد هذا الدور معهم وأذكى فيهم حب الكسب والربح. والبحث عن الثروة كثيراً ما جعلهم يهتمون بشؤون العالم الخارجي أكثر من اهتمامهم بمحيطهم. وأعمالهم اليومية وحياتهم التجارية كانت منصرفة في هذا الاتجاه. ومن يدري؟ فالتجارة سر بين التاجر ونفسه إن باح به أضاع فرصة سانحة، أو صفقة رابحة. ولذا فهو يعمل دوماً بالمثل القائل استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان وقضاء هذه الحاجة كثيراً ما يدعو إلى الأنانية والانفراد. إن هذه العوامل الطبيعية القاسية هي التي قسمت سورية إلى مناطق نفوذ شخصية، وبنت الحواجز بين أبنائها في وقت كانت فيه طرق المواصلات وما زالت، رغم ما عليها من سيماء التجديد، في حالٍ ابتدائية. كل ذلك حال دون اختلاط أبناء الوطن الواحد ونتج عنه تجزئة جغرافية ساعدت على تفتق الفكر الانفرادي والنعرة الإقليمية كما أخرت حثيثاً السير في طريق الوحدة السياسية. إلا انه يجب ألا نسلم بهذه العوامل تسليما مطلقاً، فكل ما في الطبيعة نسبي. وكما تخلق الطبيعة عقبات صعبة الاجتياز، تخلق أيضاً إمكانيات تسهل الاتصال. 2 - العوامل البشرية: كان من الممكن تذليل هذه الصعوبات الطبيعية لولا أن العوامل البشرية التي أحاطت بسورية قد أتت تشد أزر الطبيعة فزادت المصاب ضغثاً على أبالة. هذه العوامل ألخصها بانتشار الديانات، وتعاقب الأحداث السياسية. وطغيان الفتح والغزو. وسأقتصر هنا لضيق

المجال على النقطة الأولى. انتشار الديانات: لقد همست حواء في أذن آدم وطغته فأطاعها وهبطت به من العالم الأعلى إلى العالم الأدنى، وجنت عليه وجنت على نفسها، غير أن آدم أدرك فداحة الذنب الذي ارتكبه فاعتراه الخوف وانتقل الخوف منه إلى أبنائه من بعده. وفكرة الخوف من الخطيئة الأصلية والأمل بالعودة مرة ثانية إلى فسيح الجنان، هو الذي حدا الرجل بالابتعاد عن المرأة واضطهاده لها تكفيراً عن ذنبه. أوليست هي التي أنزلته إلى دنيا الشقاء! والذنب في حد ذاته دنس والتكفير عن الذنب لا يكون إلا بالتطهير من الدنس، وفكرة التطهير من الدنس هذه قديمة في تاريخ الإنسانية وتقتصر على الإتيان بأقوال وأفعال يلعب فيها الماء الدور الأول. والإنسان يغتسل بالماء ليتطهر من دنسه المادي، إلا أن التطهير على مر العصور اصطبغ بصبغة معنوية وإذا احتفظ الإنسان باستعمال الماء في التطهير إلى الآن فلأنه منحه معنى رمزياً. ثم اعتاد أن ينظر إلى الدنس كنتيجة لرجس معنوي كما اعتاد أن يعطي للتطهير قيمة العفو الذي يمنح للروح المذنبة. واضطراب الفكر بالتطهير أي الرغبة بالعفو وارتفاع الإنسان نحو عالم المثل وأمله لن يتحد بالإله قد استحوذ على الأفئدة والقلوب. والفلسفة في ذاتها مجردة عن كل عاطفة وقاصرة عن سد عوز الإنسان لمثل هذه الآمال. إلا أن ديانات الشرق قد زودت الروح بما تشتهي من عزاء وأمل ورجاء وأمثال هذه العواطف. وقام الأنبياء والرسل، أطباء الإنسانية، ومن تبعهم ممن تنبأ وادعى النبوة، يحملون سراج الدين، ينيرون السبيل للناس ويبذرون لكل ريح، فكثرت الوصفات وتعددت الديانات واختلفت العبادات والطقوس. ولقد كانت سورية مهبطاً لكثير من الديانات، إلا أن الديانات التي استقرت فيها أخيراً هي الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية. وإذا بقي السوريون محافظين على عواطفهم الدينية فذلك دليل على تمسكهم بتقاليدهم وعلى ما لهذه الديانات في نفوسهم من قيمة اجتماعية. ومع الزمن تفرعت عن الديانتين الأساسيتين الاسلام والمسيحية عدة فرق: فنشأ عن الإسلام: أهل السنة والشيعة والعلويون والمتاولة والدروز والإسماعيلية. وعن المسيحية: الروم الأرثوذكس، السرياك، النساطرة، الروم الكاثوليك، السريان الكاثوليك، الموارنة، اللاتين، البروتستانت، الأرمن.

وهذه الفرق تمتد في بلادنا إما بشكل واحات واسعة أو بشكل جزر قائمة وسط هذه الواحات. وهذا ناشئ عن الشروط التاريخية التي ساعدت على امتداد بعضها وتقلص الأخرى. وفي كلتا الحالتين دليل على حب المحافظة والتمسك والتساهل والتسامح. أثر العوامل في مثل هذه الشروط من طبيعية وبشرية نشأ الشعب السوري وتربى وكبر حتى وصل إلى يومنا هذا، وكأني بهذه الشروط قد جزأت وسطنا الاجتماعي إلى كتل متناثرة هنا وهناك، أو متلاصقة مختلفة الألوان، وأعتقد أنه من الصعب أن نكون في ذهننا فكرة واضحة عما نسميه السوري المتوسط. والانعزال صفة بارزة مميزة لوسطنا الاجتماعي. وتتجلى بالمظاهر الآتية: انعزال الحرية: نحن في بلد استحكمت فيها العادات فغدت قوانين، وغلب عليها العرف فصار حاكماً، ورغم تحررنا من نير الأجنبي فما زلنا أسرى التقاليد لم نتحرر من قيود الماضي ولم نطلق لأنفسنا العنان في التفكير الحر. والحرية ما زالت نظرية تدرس في الكتب ولا أثر لها في حياتنا الاجتماعية. ولسنا آمنين على أنفسنا ألا يصلنا أذى إن تكلمنا بصراحة حسبما يمليه علينا وجداننا. والمجتمع يضغط علينا بقوة هائلة حتى يكاد يضيق علينا أنفاسنا. وما زلنا نخشاه ونحسب له ألف حساب. ويعزز هذا الشعور ما تلاقيه كل حركة تجددية من مقاومات فإن طالبت بتغيير وضع من الأوضاع وبينت للناس سوءه حاربوك بشتى الأسلحة. فهذا يحاربك باسم الدين، وذا باسم الوطنية وذا باسم ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ولعلك إن سلمت من بعضهم فلم تسلم من الآخرين. ويزيد في مصابك أن هنالك فئة متعلمة ترى مثلك أن هذا الوضع شاذ غير أنها لا ترغب مثلك بضرورة إصلاحه بل تسعى لتستفيد شخصياً من الوضع الراهن. وهذه هي الأنانية المجسمة باسم الوصولية ولذا فأنت قتيل وإن شئت أسير لا تعرف للحرية أثراً إلا في نفسك. انعزال إقطاعي: نما نتيجة الظروف السياسية والمخاوف والتجاء الضعيف إلى القوي يطلب حمايته، ثم تطور مع الزمن وأخذ يستحكم بنفوذه المادي ويأبى أن يخفف من شدة

ارستقراطيته. انعزال طائفي: فرغم التسامح الذي نقرأ عنه في كتب التاريخ ونلمس أثره فما زالت هنالك فوارق ظاهرة على التكتلات المذهبية والمعسكرات الدينية. ولئن زال الخوف فما زال الحذر والحيطة يعملان عملهما من وراء ستار. أضف إلى ذلك أن الفارق العقلي والاعتقادي ونمط العيش تجعل هذه العناصر لا تمتزج مع بعضها امتزاجاً كافياً إذ ما زال كل منها يتقيد بقيود التقاليد الموروثة كعدم الزواج مثلاً من العنصر الآخر مثلاً وإتباع الوساطة الروحية في التوظف والسياسة والإدارة. انعزال ثقافي: نشأ عن الإقبال الشديد على العلم في فترة ما بين الحربين وتأليف طبقة جديدة في المجتمع أسميها أرستقراطية العلم وحملة الشهادات وقد انعزلت هذه الطبقة لعدة أسباب: منها أنها رأت نفسها عالمةً في جمهور ما زال أكثره جاهلاً وأمياً فترفعت عنه وانصرفت إلى عملها اليومي، أو ملأت الأندية والمقاهي بالانتقاد والكلام دون أي عمل مجد، أو أنها اعتقدت قي صميمها أنها غير قادرة أن تعمل عملاً في هذا المجتمع وذا خطأ فادح، أو أنها انمحت وانسحقت أمام قوة الغرب وتصاغرت فكانت ضعيفة الإيمان، أو أن جهودها كانت مبعثرة دون أي رابط يجمع بينها فأخفقت وتقلصت وشعرت بثقل المحيط عليها وثقلها على المحيط. ونشأ عن هذا الانعزال الثقافي احتكار سياسي قائم على سياسة الارتجال وتطبيق زعماء الأحياء وأصحاب النفوذ وتبادل المنافع. ولو أن أهل الفكر منا وحاملو العلم فينا اتصلوا اتصالاً وثيقاً بالأوساط الشعبية وضحوا وبذلوا من علمهم وفكرهم كما بذل غيرهم من ماله ودهائه وجهاده لقادوا الجماهير عن تبصر ووعي ولما شكوا سوء حظهم وابتعادهم عن الحياة السياسية. وقد حان الوقت الذي يجب أن يسمع فيه العلم صوته ويفرض صاحب الفكر إرادته وعقله. انعزال الثروة المتحركة: بأيدي طبقة معينة من أبناء الأمة. وسبب ذلك أن الحوادث التي مرت على سورية من فتح وغزو وما إليها من نهب وسلب قد سحبت الثقة من السلطة الحاكمة والمجتمع فضعف استخدام المال في المشاريع العامة ويزيد في ذلك أننا لم نرب تربية اجتماعية تجعلنا نؤمن بفائدة هذه المشاريع أو نظيرها من المشاريع الخيرية.

واستحال مع الأيام جمع المال لمنفعته فصار يجمع لذاته وتكدست الثروة بأيدي أناس لا يستخدمونها بل ليقال عنهم أغنياء. انعزال المرأة: وهذا الحادث قريب يرجع عهده على عصر الانحطاط في الدولة العباسية. وتوالي الغزو والفتح والغارات كثيراً ما كان مصحوباً بالخوف من السبي والاعتداء على الأعراض. فحجبت المرأة خوفاً عليها وأصبح من العادة أن تبقى بعيدة عن الحياة العامة، وحرم المجتمع من عطفها وحبها والاستفادة من مواهبها. وانزواؤها أدى إلى جهلها وفقدان شخصيتها. وليت الأمر بقي عند هذا الحد إذ إن غيابها عن المجتمع المدني كان له تأثيره في العواطف الاجتماعية وانتقل صداه إلى الأدب والأغاني. فغدا الأدب يبكي والغناء يذرف العبرات. وفي كل ذلك حنين إلى المرأة وشوق إليها. ونتج عن قلة المعاشرة والاختلاط أن جهل كل من القطبين نفسية الآخر ففسد الذوق ونقصت الشجاعة الأدبية، وتفاوت مقياس المحادثة والنقاش فإما أن يبلغ من الصفاقة درجة الوقاحة، وإما أن يبلغ من الانحلال درجة الارتعاش والخوف والخجل على مختلف ألوان الطيف الشمسي. وتبدل سلوكنا أيضاً بحرمان المجتمع من المرأة فأصبحنا حذرين قلقين وسوء الظن رائد أعمالنا وصرنا نعتقد أن اجتماع الجنسين مفسدة للأخلاق وإن من الأخلاق أن نحول دون أي تقارب بينهما، ودبت في قلوبنا الغيرة فإذا ما رأينا قلبين متحابين بعثنا في طريقهما العيون والأرصاد، وأرسلنا الحرس الجنسي المتحرك في كل مكان ليأتينا بالأخبار ويأتيك بالأخبار من لم تزود! فإذا رأينا مثلاً فلانةً تخاطب فلاناً في الشارع بنينا قصوراً من الخيال لا حقيقة لها في الواقع، واتهمناها بأبشع الصور وربما نقضي بلغطنا على مستقبل الفتاة فلا يتزوجها أحد. وكأننا اعتدنا أن نشوه الحقائق ونستهجن رؤية الرجل والمرأة ونفهم أن اجتماعهما ليس معناه سوى الانحدار إلى مستوى الغرائز. وأدى بناء الأخلاق على الغريزة إلى الكبت ففسدت أخلاق الرجال كما فسدت أخلاق النساء، وانتشرت العادات السرية وانحرفت الميول دون تهذيب أو تصعيد. وهذا الانحراف

والتنفيس يتناسبان طرداً مع شدة الكبت وكثرة الضغط. وعرف الوراقون أن الجمهور جائع فوصفوا له المسكنات المثيرات واغتنموها فرصة لترويج بضاعتهم وصدروا المجلات بالرسوم العارية والأوضاع النابية الخشنة ودافعوا عنها باسم الفن وتذوقه وليس بمثل هذا الشكل يحبب الإعجاب بآيات الفن وروائعه. وهكذا فقد ملأت الغريزة الدنيا وشغلت الناس. انعزال ريفي: ونأت القرى عن المدن فإذا هي في انعزال قائم. فبينا المدن في تطور نجد القرى ترسف في قيود القديم، فريسة الأمراض والفقر والجهل. ولعلكم تؤمنون معي أن المعلم وهو غالباً من أبناء المدينة، عندما يعين للقرية لا يلبث أن يسعى للفرار منها بشتى الوسائط. وربما نجد له عذراً في ذلك. فاختلاف الحياة وعدم توفر الضروري اللازم من الرفاه له ولعائلته يضطرانه لترك القرية على ما فيه من حسن نية. ويزيد في انعزال القرى أن طرق المواصلات لم تتيسر بعد لأكثرها. ناهيكم أن المواصلات بين المدن ما زالت في حركة بطيئة وعدم انتظام. ومع احترامي لشركات النقل وما كتب على البوسطة من خمسة عشر شخصاً وفيها خمس وعشرون وما زينت به من خرز وأحيطت به من حجب وتمائم، فهي تأبى أن تقطع الطريق بين حلب ودمشق إلا في يوم كامل ولا ننزل إلا وكأننا خرجنا من علبة سردين. الخاتمة هذه هي اللوحة التي أردت عرضها عليكم. وهذا واقعنا الاجتماعي فهل يجب أن نستسلم له ونرضى بالتطور البطيء ونقول ليس في الإمكان أبدع مما كان أو نعتقد أننا لا نستطيع به حراكاً. إن واقعنا فرضه علينا جور الطبيعة وظلم الإنسان. ولا ريب أن شرائط الحياة العامة التي كانت تسيطر على نشاط السلف أصبحت مغايرة للشروط التي نحن فيها الآن. نحن نعيش في زمن يتطور فيه الفكر الإنساني بخطى واسعة، ويتغير كل شيء بسرعة البرق. وان أمواج الحياة التي تتدافع حولنا تسير دوماً إلى الأمام نحو اكتشاف عالم مجهول. وقد يكون من خطل الرأي أن نقف حائرين أو نبقى منطوين على أنفسنا دون أن نسير مع مقتضيات العصر فنبدل عقليتنا ونماذج فاعليتنا، وننظر إلى الأشياء بنظر العقل والتأمل لا بنظر العفوية والتقليد. إن المنطق والضرورة يحتمان علينا في هذا العهد

الإنشائي في البلاد أن نتضافر على رفع مستوى المجتمع وانسجام أجزائه. أضف إلى ذلك أننا في وقت نحن فيه بحاجة إلى دعم وحدتنا السياسية. والوحدة السياسية لا تكون دائمة وقوية إلا إذا اعتمدت على وحدة اجتماعية وجهاز اجتماعي منظم. وهذا لا يكون إلا إذا خرجنا من قواقعنا وتربينا تربية اجتماعية وحاربنا الانعزال والفردية. يقول لنا أطباء الأجسام إن كثيراً من الأمراض المتوارثة المزمنة إذا أصيبت بها عائلة ما قد تشفى عن طريق الزواج من غير أفراد العائلة نفسها، ولا يمر زمن إلا وتبيد هذه الأمراض. وأعتقد أن هذه القاعدة تبقى صحيحة إذا ما طبقت في الناحية الاجتماعية. فمما لا شك فيه أننا ورثنا عن آبائنا وأجدادنا وماضينا الثقيل كثيراً من الأمراض. ولمعالجتها أتقدم إليكم بهذه المقترحات: 1 - تربية النشء الجديد في المدرسة تربية اجتماعية: وذلك يكون باهتمام برامج التعليم في هذه الناحية وعدم إهمالها بالنسبة إلى غيرها من النواحي، ومنح النشاط المدرسي حقه في شتى أشكاله. وهو كفيل أن يخرج التلميذ من عزلته الدراسية ويوجهه نحو القيام بأعمال مشتركة مع رفاقه، فإذا خرج من المدرسة إلى المجتمع، استطاع أن يألفه بسهولة ويندمج فيه ويبرز كفاءته الشخصية في خدمة المجموع. وبرامجنا في الوقت الحاضر مفتقرة لمثل هذه الحركة. وإن تظاهر رجال المعارف أنهم جادون في تشجيعها فالواقع شيء والتظاهر بالعمل شيء آخر. 2 - تربية الراشدين: فان كانوا جاهلين أو أميين وجب تعليمهم ورفع مستواهم والاتصال بهم وتوجيههم توجيهاً صحيحاً وعدم تضليلهم. والجهد الفردي وحده عاجز عن ذلك. إلا أن الجهود المتآزرة تستطيع أن تعمل عملا واسعاً في هذا السبيل وفي الأندية مجال رحب للقيام بمثل هذه الأعمال. وإن كانوا مثقفين فيكفي دخولهم في منظمة من المنظمات الاجتماعية وأقصد بذلك المساهمة الفعلية في جمعية أو نادٍ أو الانتساب إلى حزب ذي برنامج واضح معين يستهدف غايات وطنية وقومية معينة واضحة، وان لم يوجد فيجب تأسيسه. ففي النادي تتبادل الآراء وتحتك الأفكار ويتصل الأعضاء ببعضهم ويتصلون بالجمهور. وليس هذا الاتصال من الصعوبة بمكان. وفي النادي أيضاً تستطيع المرأة المتعلمة، كخطوة

أولى لظهورها في المجتمع، أن تسمع صوتها وتثبت للرجل ولشقيقتها الجاهلة أن المرأة ليست كمية مهملة وتفرض على المجتمع احترامها وتسترجع ما فقدته من شخصيتها وتخفف من ميوعتها. وفي الحزب المنظم تنصهر شخصية الفرد من حيث هو ينتمي إلى كتلة من الكتل كأن يكون عظامياً يتغنى بمجد قديم أو يتمتع بنفوذ عائلي أو محلي أو ينتسب إلى فئة روحية معينة. كل هذه العناصر تذوب في بوتقة الحزب وتظهر الكفاءة الشخصية وينمو الفرد من حيث هو حجيرة في جسم المجتمع لا كطفيلي يعيش على حسابه. فالخطب والإقناع وتبادل الآراء والشعور بالمسؤولية والقيام بالواجب والدفاع عن فكرة سامية نبيلة كلها تساعد على انتظام الفرد في المجموع لتبني رأي واحد يعبر عن إرادة واحدة. 3 - الاهتمام بالقرى وتعميم طرق المواصلات: إن حياتنا قائمة قبل كل شيء على الزراعة. وهذه لا تنهض إلا برفع مستوى الفلاح وتعليمه وتأمين رفاهه وخروجه من أفقه التقليدي وربطه بالمدينة ربطاً أكثر تماساً وامتزاجاً وهذا يتطلب وضع برامج اقتصادية وتحقيق هذه البرامج. 4 - تحضير البدو: وهذا لا يكون إلا بمنحهم الأراضي والقيام بمشاريع زراعية واسعة. وتحضيرهم هو الذي يزيل من مجتمعنا عصبية العشائر ونزعة القبائل. ونلاحظ في هذه الاقتراحات أن قسماً منها ما يتعلق بالفرد نفسه ومنها ما يتعلق بالجماعة ومنها ما يتعلق بالحكومة، غير أن الذي يهمنا هو التبشير بها والدعاية لها والسعي لتحقيقها. ولنعمل متضافرين ويد الله مع الجماعة. نور الدين حاطوم

أسس الثقافة العربية المشتركة

أسس الثقافة العربية المشتركة التاريخ والجغرافية للأستاذ: عزة النص س - 6 - يدرس تاريخ العرب حسب الدول المتتابعة والعصور فهل ترون أن هذا خير طريقة تتبع أم ترون أن هناك طريقة أصلح وما هي؟. ج: - سبق القول أن تقسيم التاريخ العربي إلى الأدوار المعروفة هو تقسيم يستند إلى حوادث جسيمة مميزة فيمكن الاحتفاظ به مع الإشارة دائماً إلى خصائص كل دور ودولة في السياسة الداخلية والخارجية وفي الشؤون الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ومع اصطفاء للحوادث الهامة واختيار الخطوط الرئيسية العامة التي تدل على التطور المطّرد المستمر. س - 7 - كيف يدرس تاريخ الأمم العربية بعد سقوط بغداد: هل يدرس على أساس تاريخ كل قطر أو على أساس تاريخ الدول التي قامت؟. ج: - من الميسور والمفيد معاً أن يستمر تدريس تاريخ الأمة العربية بشكل موحد، فبعد انتهاء دور طوائف الملوك تبحث حالة كل من البلاد العربية إبان الحكم العثماني ثم تدخل الأجانب في شؤون البلدان العربية وتاريخ الاستعمار الأجنبي والحركات الاستقلالية في هذه الأقطار، وبعد دراسة اليقظة العربية الحديثة في جميع نواحي الوطن العربي قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، ينهى تاريخ الأمة العربية بميثاق الجامعة العربية وتشكيلاتها ونظمها ونشاطها. س - 8 - ما رأيكم في درس الحضارة العربية، هل يدرس على حدة أم مدمجاً في التاريخ العربي العام؟. ج: - من المفيد أن يدرس تاريخ الحضارة العربية مفرقاً ومجملاً ففي الحالة الأولى يعرف التلميذ ما يستحدث في كل دولة وفي عهد كل أسرة أو ملك من نظم وأوضاع، وفي الحالة الثانية يدرك التلميذ مجرى التطور العام للحضارة العربية ويقف على أدوار ازدهارها وفتورها ويطلع على أبرز عناصرها ومميزاتها. والمنهاج السوري بني على هذا الأساس، فهو في السنين الأولى من المدارس الثانوية

يجعل تاريخ الحضارة العربية ملازماً لتاريخ العرب العام أما في الحلقة الثانوية العليا فيدرس تاريخ الحضارة موسعاً ومنفصلاً. س - 9 - ما المنهج الذي تضعونه على أساس الطريقة التي اخترتموها وكيف تقسمونه على الصفوف وما عدد الساعات في كل صف؟. إن المنهاج السوري مع بعض تعديل في الساعات وفي توزيع مواد الحلقة العليا - هو على ما اعتقد صالح لأن يؤخذ كأساس: فهو في خطوطه الرئيسية - مع التعديل الذي أقترحه - يلخص بما يلي: السنة الأولى: 3 دروس في الأسبوع: ملخص التاريخ القديم في الشرق والغرب بشكل موجز جداً: (مصر، الكلدان، والآشور) الأقوام السامية وسكان الهلال الخصيب، إيران القديمة، العالم الإغريقي، العالم الروماني). السنة الثانية: درسان في الأسبوع (في المنهاج السوري ثلاثة): تاريخ العرب القديم وصدر الإسلام: (الأمة العربية قبل الإسلام، حالة العالم قبل الإسلام، البرابرة، البيزنطيون، الساسانيون، الإسلام ويقظة العرب، - الخلافة الراشدة وتأسيس الإمبراطورية العربية). السنة الثالثة: درسان في الأسبوع (في المنهاج السوري ثلاثة): تاريخ الإمبراطورية العربية الإسلامية: (الخلافة الأموية، الخلافة العباسية، نظرة عامة عن أدوار الضعف والانحطاط في تاريخ الدولة العباسية، الدويلات والإمارات الإسلامية الجديدة، مقارنة بين حالة العرب في ظل الخلافة الإسلامية وحالة أوربا في ظل النظام الإقطاعي، غزوات الصليبيين وغارات التتر والمغول، الدول العربية في إسبانيا). السنة الرابعة: 3 دروس في الأسبوع: (نظرة عامة عن الحضارة العربية وأثرها في نهضة أوربا الحديثة، ملخص التاريخ العام في العصور الحديثة والحاضرة، حالة البلاد العربية إبان الحكم العباسي، الاستعمار الأجنبي للبلاد العربية، يقظة العرب الحديثة). الحلقة العليا:

السنة الخامسة: أ - الفرع الأدبي: درسان في الأسبوع: تاريخ حضارة: (ملخص تاريخ الحضارات الشرقية القديمة، حضارة العرب قبل الإسلام، الحضارة والنظم الإدارية والاجتماعية والاقتصادية للأمة العربية قبل الإسلام). ب - الفرع الأدبي والعلمي: درسان في الأسبوع: تاريخ عام: (ملخص تاريخ الغرب والشرق في العصور الحديثة حتى الثورة الفرنسية). السنة السادسة: أ - الفرع الأدبي: درسان في الأسبوع: تاريخ حضارة: (الحضارة العربية الإسلامية من الناحية الفكرية والفنية - الحضارة الغربية الحديثة). ب - الفرع العلمي والأدبي: ثلاثة دروس في الأسبوع: تاريخ حضارة: (تاريخ الدول العام وضمنه تاريخ العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين). وجدير بالذكر أن المنهاج السوري الجديد قد بني على أساس تقوية التاريخ - وخاصة التاريخ القومي - في مرحلة التعليم الثانوي ولذلك جعل الساعات المخصصة له وافية تفوق ما خصص له في مناهج الدول العربية الأخرى، كما يتبين من الجدول الآتي، والقصد من ذلك واضح في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ نهضة العرب وحاجتهم إلى ترسيخ الفكرة القومية وتثبيت مفهومها. مجموع دروس التاريخ في المدارس الثانوية أدب علوم رياضيات سورية 20 15 - العراق 15 14 - مصر 13 08 8 س - 10 - ما هي الوسيلة أو الوسائل التي تستحسنونها للاستفادة من دراسة التاريخ العربي في تقوية الروح القومية الحقة؟. ج - يعنى مدرس التاريخ العربي بذكر الروابط الوشيجة التي ربطت العرب دائماً في

مختلف مراحل التاريخ ويلح في تبيان وحدتهم الجنسية والفكرية والأخلاقية ويبين أثر وحدة الكلمة والهدف والمثل الأعلى وروح التضحية والشعور بالأخوة، وتفتح الذهن والإقبال على العلم والعزوف عن الجمود والتواكل في رفعة شأن العرب قديماً، ويقف طويلاً عند ذكر أسباب انحطاط العرب من انقسام وجمود وإفساح المجال لتدخل الأجانب الخ. . . وقد جاء في التوجيهات العامة للمنهج السوري ما يلي: إن دروس تاريخ الأمة العربية يجب أن تستهدف - قبل كل شيء - إظهار الدور العظيم الذي قام به أجدادنا العظام في تقدم الحضارة وتطورها، وتصوير الحضارات الكبيرة التي نشأت على مسرح وطننا الأكبر خلال الأدوار التاريخية المختلفة، وذلك لاستثارة همم الجيل القادم للعمل في سبيل النهوض بكل أمل واندفاع. لا شك في أن ماضي الأمة العربية لم يخل من شوائب ونواقص، وتاريخها الطويل لم يسلم من عوارض التقهقر والانحطاط. فلا يسوغ للمدرس أن يتناسى تلك الشوائب ويهمل تلك العوارض مكتفياً بذكر الأمجاد غير أنه يترتب عليه - عندما يذكر تلك الشوائب ويشرح عصور الانحطاط - أن يبين للطلاب أن ذلك شأن جميع الأمم وجميع الحضارات في بعض الأدوار من التاريخ، وأن حياة أعظم الأمم المعروفة، وتاريخ أرقى الحضارات المشهورة كانت مشوبة بأمثال تلك النواقص وأنها لم تسلم من أمثال ذلك التقهقر والانحطاط. . . س - 11 - يرى بعض المفكرين أن يدرس تاريخ الأمم على طريقة لا تثير العداوة بين الناس فكيف يراعى هذا في تدريس التاريخ العربي وكيف يعنى حين دراسته ببيان ما فيه من تسامح وأخوة عالمية؟. ج - يجد مدرسو التاريخ أن يتعرضوا دائما لمعاملة العرب السمحة لسكان البلاد المفتوحة ويتوسعوا في ذلك مستعينين بالوثائق التاريخية المثبتة كعهود الخلفاء إلى القواد وشروط تسليم المدن الخ. . . مع مقارنة ذلك بما فعلته الشعوب في غاراتها وفتوحاتها كالصليبيين مثلاً. والعرب اليوم أحوج ما يكون لنبذ النعرات الطائفية، فلا مبرر في تدريس التاريخ العربي

لإثارة الأحقاد التي وجدت يوماً ما بين الفرق والأحزاب العربية. والعرب في المرحلة الحالية من تاريخهم لا مندوحة لهم عن التبسط في ذكر الاستعمار الأجنبي وتبيان مساوئه وفظائعه وآلامه، وليست الغاية من ذلك إثارة البغضاء والعداوة بل على العكس يراد منها رفع البغضاء بإزالة أسبابها. . . وما أسبابها سوى وجود الاستعمار نفسه. 2 - في الجغرافية قسمت اللجنة التحضيرية تقريرها إلى أربعة أقسام: أولاً: الأسس العامة التي تراها صالحة للمناقشة. ثانياً: اقتراحات مبدئية بتطبيق هذه المبادئ. ثالثاً: اقتراحات مبدئية بالأساليب التي تراها اللجنة ضرورية لحسن تدريس جغرافية الأقطار العربية. رابعاً: أسئلة موجهة إلى اللجان الثقافية القومية في كل بلد عربي. أولا - الأسس والمبادئ العامة: 1 - تشير اللجنة إلى ضرورة النزوع نحو (العالمية) في تدريس الجغرافية، والتخفيف جهد المستطاع من حدة النظرة المحلية الضيقة التي لم يعد هنالك ما يبررها بعد أن سهلت المواصلات وضعفت أهمية الحدود الفاصلة بين الأمم والشعوب. وتخلص اللجنة إلى النتيجة التالية: وعلى أساس هذا لا ينبغي أن يصرفنا الاهتمام بدراسة جغرافية الأقطار العربية عن هذه الحقيقة فتقل عنايتنا بدراسة جهات العالم الأخرى، لاسيما تلك الجهات التي تربط العالم العربي بها روابط خاصة بحكم الجوار من جهة وبحكم الاتصالات الاقتصادية والثقافية من جهة أخرى. إن المنهاج السوري الجديد بني على أساس التوسع في دراسة الأقطار العربية مع العناية بجغرافية البلاد الأخرى، وقد نص في توجيهاته العامة للمدارس الثانوية على ما يلي: حينما ينتهي الطالب من الدراسة المتوسطة، يجب أن يكون قد حصل على معلومات إجمالية عن جميع القارات والأقاليم، كما يكون قد حصل على معلومات أوسع عن ذلك أولاً عن جغرافية سورية وسائر البلاد العربية. وثانياً عن جغرافية البلاد والأقاليم التي تعتبر

ذات أهمية خاصة من وجهة مجاورتها للبلاد العربية، أو شدة علاقاتها الاقتصادية والسياسية بالبلاد العربية أو شدة تأثيرها في الحياة العلمية. وجاء في التوجيهات العامة لمنهاج الجغرافية في المدارس الابتدائية ما يلي: إن الغرض من تعليم الجغرافية في المدارس الابتدائية هو: أولاً: تعريف التلاميذ بالبلاد السورية وسائر البلاد العربية. ثانياً: إعطاؤهم فكرة إجمالية عن سائر ممالك الدنيا بنسبة علاقتها بسورية وسائر البلاد العربية من جهة وبنسبة منزلتها من الحضارة العالمية من جهة أخرى. 2و3 - ترى اللجنة أن لا يؤدي النزوع نحو (العالمية) إلى إهمال دراسة (الوطن الخاص). بل من الضروري الاهتمام قبل كل شيء بمعرفة مقومات (الوطن الخاص) وأن يخصص لذلك السنة الأخيرة من مرحلة التعليم الثانوي والسنة الأخيرة من مرحلة التعليم الابتدائي. أما دراسة البلاد العربية كمجموعة فيخصص لها السنة قبل الأخيرة في التعليم الابتدائي والثانوي. إنني أعتقد أن تدريس (الوطن العربي) كوحدة لها كيانها الجسمي ومميزاتها الطبيعية والاقتصادية، خير لتحقيق فكرة الأمة العربية الواحدة من دراسة (الوطن الخاص) منفصلاً. وهذا لا يعني أن تكون معلومات التلاميذ في مختلف الأقطار العربية واحدة عن كل قطر عربي بل يتوسع - ضمن إطار الوطن العربي - في دراسة القطر الذي ينتمي التلميذ إليه، وهذا ما حرص عليه المنهاج السوري الجديد. ثانياً: اقتراحات خاصة بتطبيق المبادئ السابقة: 1 - في مرحلة التعليم الابتدائي، ترى اللجنة أن يتوسع عند دراسة البيئة المحلية بحيث يتدرج إلى دراسة البيئة العامة للبلاد العربية، على أن يكون ذلك على شكل سياحات تستخدم فيها الصور والأفلام. إن المنهاج السوري، في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي، قد وضع وفقاً لطريقة (الدوائر المركزية) فهو ينص في توجيهاته العامة: يجب أن تبدأ الأبحاث والملاحظات من المدينة أو القرية التي تقوم فيها المدرسة وتنتقل منها بعد ذلك أولاً إلى ضواحي المدينة ثم إلى المدن والقرى المجاورة لها ثم إلى مركز

المحافظة فعاصمة الدولة ثم تشمل القطر السوري بأجمعه وبعد ذلك تنتقل الأبحاث إلى سائر البلاد العربية ولا تتناول سائر البلاد والمسالك إلا بعد ذلك. وجاء في مفردات منهاج الجغرافية للسنة الثالثة الابتدائية، بعد دراسة سورية، فكرة بسيطة عن العالم العربي عن طريق الرحلات التصورية. لكن المنهاج السوري للمرحلة الابتدائية لا يفصل أبداً سورية عن البلاد العربية فهي تدرس دائماً معاً وذلك مرتين خلال الدراسة الابتدائية. في الصف الثالث وفي الصف الأخير. 2 - في مرحلة التعليم الثانوي ترى اللجنة: أ - أن تدرس الدول العربية في موضعها من الأقاليم الطبيعية دراسة عامة، ب - ثم يدرس العالم العربي معاً في السنة قبل النهائية، ج - ويخصص الصف الأخير لدراسة الوطن الخاص. إن الملاحظة (أ) قد روعيت في المنهاج السوري للمدارس الثانوية فهو يحتم دراسة البلاد العربية دون توسع في موضعها من القارات، وهو يتفق مع الملاحظة (ب) إذ يجعل البلاد العربية مجموعة في سنة واحدة وهي السنة الأخيرة للدراسة المتوسطة، أما في السنة الأخيرة للدراسة الثانوية (السنة السادسة) فتعاد دراسة البلاد العربية جملة واحدة أيضاً مع أشهر الدول العظمى في العالم. وهكذا فإن المنهاج السوري يحرص، عن قصد، على عدم تفريق الوطن الخاص عن الوطن العربي، ويكون الطالب السوري في مرحلتي التعليم الثانوي والابتدائي قد درس البلاد العربية خمس مرات. ثالثاً: اقتراحات خاصة بأساليب الدراسة ووسائلها: من الأساليب التي تقترحها اللجنة: إعداد المصادر للأساتذة والكتب للتلامذة، وتهيئة المصورات والأفلام والصور، وعمل متحف للشعوب العربية في كل قطر، وتنظيم الرحلات للمدرسين والتلاميذ وعقد المؤتمرات. . . وطبيعي أن هذه الأساليب لا تكون ناجحة إلا إذا انصرفت لجنة عربية مشتركة لتنظيمها والإشراف عليها وتهيئة وسائلها. فعلى اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية أن تنظم لجانها وتوزع العمل فيها وتشرك بذلك أعضاء مختصين من جميع الدول العربية. رابعاً: الأسئلة الموجهة إلى اللجان الثقافية المحلية:

1 - سبق الجواب على السؤال الأول المتعلق بتوفيق النزعة (العالمية) مع الفكرة القومية في تدريس الجغرافية. 2 - والمنهاج السوري الجديد يحسن أن يقتدى به فيما يختص بالسؤال الثاني المتعلق بالتعديلات التي تقترحها اللجان المحلية على مناهج الجغرافية في مراحل الدراسة المختلفة. 3 - أما عدد ساعات الجغرافية فيجب أن لا تنقص في كل صف عن ساعتين في الأسبوع ولعل من الخير أن تبلغ الثلاثة في السنة الأخيرة لكل من الدراسة المتوسطة والدراسة الثانوية. 4 - والسؤال الرابع يتعلق بالمراجع من كتب وتقارير وإحصائيات التي تنصح اللجان المحلية بالاستفادة منها. فمن حيث الإحصائيات المتعلقة بسورية فإن وزارة الاقتصاد الوطني السورية قد نشرت عام 1946 إحصائيات وافية عن النواحي البشرية والاقتصادية في سورية كما أن (دائرة المصالح المشتركة) قد طبعت كراساً إحصائياً عن سورية ولبنان عام 1945. ومن حيث الكتب فإن أحسن المصادر عن سورية مطبوعة باللغة الفرنسية وخاصة منها مؤلفات (دويرتريه) والكتب الجغرافية المقررة في المدارس السورية هي أوفى الكتب المقررة في البلدان العربية توسعاً في دراسة الوطن العربي. 5 - إن الكتب المدرسية الني هي بمتناول التلاميذ العرب في مختلف أقطارهم يعوزها الضبط والوضوح وينقصها الإتقان في الطبع والرسوم والمصورات، ولا سبيل إلى تحسينها إلا بتضافر المدرسين العرب واشتراكهم في التأليف على أن تتعهد الجامعة العربية بطبعها طبعاً متقناً أنيقاً جذاباً كما هو الحال في كتب الجغرافية الأوربية والأميركية. 6 - ليس في سورية أفلام جغرافية وإنما لها مصورات جيئولوجية وطوبوغرافية بمختلف المقاييس كانت وضعتها السلطات الإفرنسية، أما المصورات العربية المتوفرة فليست تفي بالغاية وأحسنها (مصورات طربين). وللسيد طربين نفسه أطلس جيد وحسن الطبع، مفيد خاصة للتعرف على البلدان العربية. 7 - ليس لوزارة المعارف السورية سياسة مقررة للرحلات الجغرافية وهذا نقص كبير يجب تلافيه، والرحلات التي يقوم بها الطلاب مع أساتذتهم بين حين وآخر إنما تقوم بتشبث الطلاب أنفسهم.

ولا يمكن أن تنجح الرحلات في البلاد العربية ما لم تعد لها الوسائل المادية وما لم تنظم تنظيماً مشتركاً بين الحكومات العربية، فليس في سورية أماكن لاستيعاب التلاميذ الوافدين من البلاد العربية عندما تكون المدارس السورية غير معطلة، وكذلك الأمر في سائر الأقطار العربية. ولا بد من إشراك أسر التلاميذ في أمر الرحلات حتى يتسنى تبدل الطلاب بين الأسر في مختلف الأقطار. 8 - إن دور المعلمين السورية تفي بالحاجة من حيث تعليم المعلمين جغرافية سورية أما دراسة البلاد العربية الأخرى فلا تزال غير وافية، وخاصة البلاد التي ليس عنها مصادر وافية كاليمن أو المملكة العربية السعودية مثلاً. وبهذه المناسبة أرى لزاماً على الدول العربية أن تؤلف لجاناً من الأخصائيين لدراسة بعض الأقاليم العربية التي لم تدرس علمياً بعد، كما عليها أن تساعد على وضع الأفلام الجغرافية، وأخذ الرسوم وإعداد الوثائق وهذا كله يصبح ميسوراً إذا أعدت له العدة وخرجت الآراء من حيز التفكير إلى حيز التنفيذ. عزة النص

حرية المناقشة

حرية المناقشة خرج الزُّهريُّ من عند هشام بن عبد الملك فقال: ما رأيت كاليوم ولا سمعت كأربع كلمات تكلم بهن رجل عند هشام دخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين! احفظ عني أربع كلمات فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك، قال: ما هن؟ قال: لا تعد عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلاً إذا كان المنحدر وعراً، واعلم أن للأعمال جزاءً فاتق العواقب، وأن للأمور بغتات فكن على حذر. قال عيسى بن دأب: فحدثت بهذا الحديث الخليفة المهدي وفي يده لقمة قد رفعها إلى فيه فأمسكها وقال: ويحك! أعد علي، فقلت: يا أمير المؤمنين أسغ لقمتك، فقال: حديثك أشهى إلي. هكذا كان الخلفاء يؤيدون حرية المناقشة ويبسطون ألسنة الناس في صراحة القول والمباحثة ليستمعوا القول ويتبعوا أحسنه.

التربية والسلام العام

التربية والسلام العام للأستاذ عبد الحميد الحراكي نلخص القسم الثاني من محاضرة الأستاذ الحراكي تتميماً للفائدة بالرغم من أنها أرسلت لمجلات أخرى واطلع عليها بعض القراء طالما أن التنافس الاقتصادي موجود والدفاع عنه في المؤتمرات من أهم واجبات المؤتمرين الذين اعتادوا السير بمقتضى الأساليب والوسائل القديمة التي كانت دائماً سبباً في إثارة الخلافات وفي النهاية الحروب، فإننا نرهف السمع لما يلقونه من خطب وبيانات وحجج لإثبات نظرياتهم العتيقة المبنية على حب الذات والأثرة وإساءة الظن بسواهم لتحقيق مآربهم ومطامعهم التي لا حد لها، فلا تجد فيها الخلاف والمساومة التي تنتهي بالحرب، مما دعا محبي السلم إلى إساءة الظن بهم وعدم الاطمئنان إلى هذا الطراز من الناس الذين أثبتوا عجزهم عن بناء قواعد السلم الدائم الذي يضمن العدل والرفاهية والأمن لكافة الشعوب الصغيرة والكبيرة على حد سواء. كما دعاهم للسعي وراء تأسيس مؤتمرات ثقافية حقيقية تؤلف من أناس ممن تشبعوا بروح سلمية ومبادئ إنسانية سامية لوضع قوانين لسلم دائم. وإلا إذا ظلت الحال على ما هي عليه وبقيت قواعد التعليم والتربية هي هي، وظل الخوف والحرص على الحياة موجودين، وقواعد العليم لا توسع على أسس إنسانية قويمة تؤمن للجميع احتياجاتهم الضرورية ولثبت المطامع الفردية والعامة قائمة، وطالما أن الإنسان غير أمين على الحصول على ما يحتاج إليه إلا باستعمال الحيلة لأخذ ما في أيدي الناس، وطالما انه يضطر لاستعمال القوة أحياناً لتأمين حياته وحياة أفراد أسرته التي تصبح في حالة الفقر والعوز والمرض وفي النتيجة الموت المحتم إذا لم يحصل على ما يحتاج إليه في يومه وغده ومستقبله إلا عن هذا الطريق الأعوج، فإن كافة المؤتمرات والاجتماعات وكافة القوانين وكافة المواعظ والإرشادات وجميع التشبثات والتوسلات التي تتخذ من قبل هؤلاء الرجال الذين شبوا وشابوا على أساليب التربية القديمة المؤسسة على الأسس الاقتصادية المعلومة لإيجاد عالم يعيش بسلام على غير هذا الطراز الحالي، لا تجدي نفعاً

ولا تأتي بالفائدة المطلوبة والغاية المتوخاة. لقد أصبح الحصول على عيش الكفاف أو دون الكفاف من أشق الأعمال التي يقوم بها ملايين المخلوقات على وجه البسيطة، وبصورة مختصرة فقد أصبحت الحياة جحيماً لا يطاق يريد الخلاص منه كل من أوتي ذرة من العقل والتفكير الصحيح لما يخالج ضميره من الخوف والفزع من نفسه وأسرته. . . لذلك فقد اتضح أن العلاج الصحيح الوحيد لهذا المرض العضال المزمن هو جمع مؤتمر ثقافي عالمي وغير رسمي (إن أمكن) من الذين يتحسسون بهذه الإحساسات ويشعرون بهذا الشعور لوضع مناهج تعليم جديدة مبنية على قواعد ونظريات إنسانية جديدة تماشي تطورات الحياة الحالية خالية من الطمع والجشع والأثرة وتحكم القوة. وقد لفتت هذه القضايا الحيوية الهامة نظر جامعة الأمم المتحدة، فألفت مؤتمراً ثقافياً اجتمع في باريس مدة ثلاثة أسابيع واختتم جلساته مؤخراً بعد أن قرر عدة مقررات هامة بخصوص الثقافة العامة للدلالة على أهمية هذا الموضوع الحيوي الذي يشغل بال العالم وقد علق رئيس الوفد الأميركي في المؤتمر على أهداف المنظمة بقوله: غرض هذه المنظمة هو المساعدة على نشر السلام على الأرض وحسن النية بين الناس وكلاهما ينبثق من تفاهم صحيح بين كل إنسان وغيره وقد وفق هذا المؤتمر الدولي إلى نجاح لم يتفق لغيره بعد نهاية الحرب. أما المشاريع التي وافقت المنظمة على مباشرة تطبيقها عام 1947 فهي: 1 - مكافحة الأمية في جميع بلاد العالم وإيجاد مستويات للتعليم في كل مكان. 2 - ستدرس المنظمة الأمور التي تؤدي إلى الحرب، كالقلق والبغض بين الطبقات والعناصر والملل وتسعى لنشر عوامل السلم بين الناس بواسطة التفاهم. 3 - ستبذل جهودها لإزالة الحواجز التي تمنع تدفق المعلومات إلى مكان ما، وتتعاون مع لجنة التحقيق الإنسانية في جامعة الأمم لنشر الأخبار الصحيحة المطبوعة والكتب والمجلات وإصدار الأفلام السينمائية وإذاعة مناهج الراديو المفيدة. 4 - وستبحث المنظمة مع جامعة الأمم إمكان إيجاد شبكة راديو عالمية تحت إدارة دولية توصل إلى كل إنسان كاف المعلومات الصحيحة من الحوادث والتاريخ والموسيقا وغير

ذلك من جميع الشعوب إلى جميع الشعوب. 5 - ستجمع عدداً كبيراً من علماء العالم ليدرسوا مشكلات الطعام والمرض ومقدرة كل منطقة على الإنتاج. يتضح لنا من هذا المؤتمر أنه خطوة واسعة تخطوها جامعة الأمم إذا قدر له النجاح ولم يفشل فشلاً ذريعاً كغيره من المؤتمرات، وهذا ما يجعلنا نعتقد اعتقاداً جازماً أن روح التربية يجب أن تتغير ويستبدل بها إيجاد علم العلاقات البشرية الحديث الذي يجب أن يكون فاتحة عصر جديد في تاريخ البشرية يمهد السبيل للوصول إلى مبدأ العالمية الذي دعا إليه المفكرون والمصلحون منذ القديم والذي يمكن تحقيقه في القرن العشرين كما تنبأ البعض. هذا وربما يعترض البعض بأن هذه الأفكار ما هي إلا من قبيل الخيال الذي يحلم به بعض المفكرين، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وإن السلم العام كان خيالاً وحلماً في الماضي وسيظل خيالاً وحلماً في المستقبل ما لم يتغير الطبع البشري. وإن أنظمة التعليم والمدنية الحالية هي أسمى ما وصل أو ما يمكن أن يصل إليه العقل ولا يمكن تغييرها واستبدال ما هو أحسن منها بها، رغم ما هي عليه من النقص وما تحتاجه من الإصلاح لعجزها حتى الآن - رغم مرور آلاف السنين عليها - عن تأمين حاجة الإنسان وراحته وطمأنينته على حياته وحياة أولاده وأسرته وذراريه، وجوابنا لهذا المعترض أن مقابلة بسيطة بين ما كانت عليه البشرية منذ قديم الأجيال ومنذ كان الإنسان يعيش في الكهوف والمغاور، ومنذ كان يهيم على وجهه في مجاهل الغابات والأحراج، وبين ما وصلت إليه في عصرنا الحاضر من التقدم والرقي وصلاح العوامل وتوفر الأسباب في يومنا هذا خلافاً للماضي (رغم عدم بلوغها درجة الكمال)، إن هذه المقابلة البسيطة تظهر لنا إمكان التطور المنشود الذي يمكن أن نحصل عليه وتصل إليه البشرية فيما لو أدخلت التعاليم الإنسانية الحديثة على أنظمة التعليم الاقتصادية، وإن التسليم بعكس ذلك معناه تنزل العقل البشري عن عرشه ورجوعه إلى حالته الطبيعية الأولى وإنكار التطور المحسوس الذي لا ينكره إلا من أعمى الله بصره وبصيرته. وإلا إذا بقيت البشرية راكبة رأسها، متشعبة بروح التعليم الحالي المملوء بحب الذات

والجشع والطمع والاستئثار والتوسع والفتح والاستعمار، وإذا بقي الإنسان ينكر ويجحد كل جديد ويقاومه، فقل على الدنيا والمدنية الحديثة السلام. عبد الحميد الحراكي

آفاق جديدة في التربية

آفاق جديدة في التربية تقتضي جامعة ويلرد للزنوج من طلابها أن يتعلموا فنون تنظيم البيت قبل أن تمنحهم شهادتهم للتخرج، فيشترك الطلاب مع الطالبات في دراسة تصميم المنازل واختيار الطعام والملابس، والعناية بالصغار. وعنيت كلية المعلمين في جنوب أوكلاهوما بتدريب طلابها على إصلاح ما يلزم إصلاحه في البيت، مثل أجهزة الكهرباء وأنابيب الماء. وقد أنشأت جامعة ميامي لطلاب علم الحيوان فيها، فصلاً خاصاً لدراسة الأحياء المائية كما تعيش في جوف البحر، فيرتدي الطلاب الأثواب الخاصة التي تمكنهم من الغوص إلى قرار البحر، حيث يراقبون من نافذة في الكرة أشكال الأحياء وألوانها وسائر خواصها. عن مجلة المختار

متحفنا الاتنوغرافي المقبل

متحفنا الاتنوغرافي المقبل للدكتور سليم عادل عبد الحق محافظ دار الآثار الوطنية بدمشق ومدرس التاريخ القديم في كلية الآداب. ستنفذ مديرية الآثار العامة في السنوات المقبلة مشروعاً كبيراً يعود بفوائد جليلة على التعليم السوري ويضفي كثيراً من الفخر على دمشق التي تبرهن في كل مناسبة على رغبتها في تحقيق كل ما يجعلها تلحق بخطوات سريعة البلدان التي تصرف تطور المدينة وتفتح الآفاق الجديدة للثقافة العالمية. وينص هذا المشروع على إنشاء متحف اتنوغرافي سوري في قصر العظم الذي استلمناه من مدة قصيرة من الفرنسيين بعد أن أقاموا فيه معهدهم الثقافي عهداً غير قليل. ولا ريب أن قصر العظم هو خير مكان ملائم لإقامة هذا المتحف لما له أهمية كبرى في تاريخ بلاد الشام ولموقعه المتوسط في دمشق القديمة حيث ستقوم قريباً أعمال عمرانية تجميلية تعيد إليها شيئاً من مكانتها السابقة. ووجود متحف اتنوغرافي في دمشق ضرورة لا محيد عنها، لحاجتنا الماسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مظاهر تقاليدنا وفنوننا الشعبية ولنقلها على الأجيال المقبلة وغير خاف أن الاتنوغرافيا علم يهتم بالبحث عن الدلائل المادية والمعنوية لحياة الشعب في الماضي والحاضر ويستنتج منها نتائج ثمينة تقترن وتكمل النتائج التي تصل إليها علوم الاجتماع والتاريخ وما قبل التاريخ وفقه اللغة. فغايتها إذن دراسة شعب واحد على عكس الاتنولوجيا التي تدرس مظاهر كل شعوب الأرض. ولا يخفى أن الشعب هو غير العرق ويتألف من مجموع الأفراد الذين يوجدون المجتمع ويعملون مشتركين فتنمو بينهم عاطفة الاجتماع الغامضة التي تسود كل العواطف الأخرى. ولسنا بحاجة إلى القول إن الشعب يتألف من اندماج وامتزاج عروق متعددة كشعب الولايات المتحدة وإنه يخضع في تشكله إلى ضرورات الإقليم والأرض والعوامل الجغرافية والمساكن والجو وغير ذلك. لأن الموطن هنا ينص على إيضاح الطريق الذي قطعه منذ نشوئه. وفي الحقيقة إن ماضيه مفهوم مطلق يظهر في أعماله الحقيقية ويتجلى في وحدة الإرادة والقوة الحية النازعة في اتجاه معين إلى صفة خاصة من الوجود. وما ذلك إلا لأن كل الشعوب تتكيف وتتطور حسب اتجاه خاص

يدفعها نحوه الجو والوراثة تحت تأثير خفي لإرادة يصعب مقاومتها، شأن الشجرة التي تنمو وتصعد فوق الأرض مسوقة إلى جهة قلما تتفق مع الجهات التي تندفع إليها بقية الأشجار. وتبيان هذه الإرادة لدى الشعوب يكون بطرق شتى. فهي تتجلى حيناً في الصورة وحيناً في الكلام، وتارة في الأناشيد والموسيقا وأخرى في آثار الفاعلية العقلية واليدوية. وما صوت الشعب بحالته الحاضرة إلا صدى للأجيال المتعددة التي سبقته والتي يمكن أن تتجسم معلوماتنا عنه في أشكال محسوسة لها قيمة خالدة كبرى إذا لم تهو إلى الأبد في زوايا النسيان وإذا قام على صيانتها في مؤسسات خاصة رجال عالمون بفوائدها التي لا تحصى. وعلى هذا فإن غاية العلم الاتنوغرافي هي البحث عن الأشكال المحسوسة التي تتبدى خلالها حياة شعب من الشعوب. ومهمة المتاحف الاتنوغرافية التي يستخدمها الاتنوغرافيون تقتضي أن تصطبغ بالصبغة الريفية وأن تأوي أوائل وأدوات تعبر عن العمل الشعبي وعن المحيط الفردي ويصح أن تنقل إلى الأجيال المقبلة معلومات ثمينة عن التطور الذي تم في الأعصر الخالية وفي عصرنا الحاضر ويجب أن تكون هذه الأوائل والأدوات من صنع الصناع والقرويين والرعاة كالأشياء المعدنية والخشبية والزجاجية المنقوشة والمنحوتة والمزخرفة، والأواني الفخارية والعربات والعجلات وأدوات الزينة والدميات، والأقمشة والألبسة وأغطية الرأس وغير ذلك. . . ولا تهتم المتاحف الاتنوغرافية بكل هذا فحسب، لأن حياة الشعب الواسعة لا تتجلى فقط خلال الأشياء المادية التابعة للمساكن والملابس والأغذية، بل تظهر أيضاً في مشاهد التقاليد الاجتماعية كالأفراح والأتراح وما يتبع ذلك من رقص وغناء وكلام ولعب والخ. . . وفي الواقع إن الأناشيد والألعاب والرقصات هي ظواهر اجتماعية مهمة في حياة الشعب ومن الواجب على القائمين على تنظيم المتحف الاتنوغرافي أن يسعوا إلى تمثيلها أو الإشارة إليها في عدة قاعات لأنها من وحي روح وقلب الشعب، وتهتز لها أوتار العواطف الشعبية. وينتج عن كل ما تقدم أن المتاحف الاتنوغرافية قوى حية لها أثر عميق في كيان الدول الاقتصادي والأخلاقي والروحي. وهي أدوات ثمينة تساعد الشعوب على التفاهم لأن تعاليمها هي تعاليم الروح والقلب الخالدين. ويمكنها أن تعطي العوام والمثقفين فيضاً من

المعلومات الدالة على صفات الشعوب الخاصة لأن لغتها هي لغة الروح والقلب التي تعبر عن نفسها ببساطة ودون حاجز أو ستار. وهذا ما يجعلها أعمَّ تأثيراً من المتاحف الفنية الأثرية التي لا يفهم دروسها غير الاختصاصيين. وأول واجب يلزم القيام به هو الإسراع إلى جمع التحف الاتنوغرافية وإلى تصنيفها إلى مجموعات تعرض بطرق وأصول وأساليب خاصة بها. لأن هذه المجموعات لا تشبه مجموعات التماثيل واللوحات الحجرية المنحوتة أو المنقوشة أو الصور وغيرها وهي أوسع منها ويقصد منها غاية تخالف الغاية المتوخاة من عرض الأشياء المتقدمة التي يسعى إلى تنظيمها حسب طريقة تظهر تأثيرها الفني على وجه كامل. فطريقة العرض في المتاحف الأثرية والفنية تستمد مبادئها من مذاهب التسلسل التاريخي أو التوزع الجغرافي أو الصنعة أو الأسلوب. أما العرض في المتاحف الاتنوغرافية فصعب، يتحتم أن يكون على طريقة كشفية تظهر أصدق صفات الوثائق المجتمعة، ويرجع ذلك إلى أنه لا يوجد شيئان اتنوغرافيان يشبهان بعضهما كل الشبه فكما أنه لا يوجد رجلان يفكران مثل بعضهما تماماً، فكذلك لا يوجد سلتان أو مجرفتان تتماثلان كل المماثلة. لهذا فإن الزمن الذي يتطلبه إنشاء هذا المتحف في دمشق سيكون طويلاً كما أن تطبيق طريقة العرض المثلى فيه ستكون نتيجة التجربة المبنية على تهيئة علمية جيدة وعلى معلومات واسعة يقارن فيها علم الاتنوغرافيا الذي هو علم توصيفي بالعلوم التشبيهية كعلم الاتنولوجيا. ثم إن تنوع الأشياء الاتنوغرافية ناشئ عن أسباب بيولوجية بحتة وعن تنوع مظاهر الحياة الاجتماعية. فهنا يوجد سكان المدن المنصرفون إلى التجارة والصناعة بمختلف أنواعها. وهناك يقيم الزارعون والقرويون والصيادون، وهنالك تعيش قبائل البدو الرحل. وقد دعا هذا الاختلاف في تنوع حياة السكان كثيراً من منظمي المتاحف الاتنوغرافية إلى تقسيم مجموعاتهم حسب البيئات الطبيعية المأهولة. فجعلت أقسام مختصة بعرض أدوات وأوائل سكان الشواطئ، وأقسام ثانية مختصة بعرض مصنوعات سكان السهول، وثالثة لسكان الجبال، ورابعة لسكان الجنوب، وخامسة لسكان الشمال والخ. . . وأضيفت إلى كل هذا مخططات وشروح وصور وأشياء طبيعية منتزعة من وسطها الطبيعي توضح السبب الذي أوجدها، إذ إن كل مجموعة اتنوغرافية بحاجة ماسة إلى جو خاص لا يمكنها الافتراق

عنه دون أن تحرم من قوة تعبيرها ومن قدرتها على الكلام. وما من ريب أننا سنأخذ بالاعتبار النظرية المتقدمة لدى تنظيمنا لمتحفنا في قصر العظم، وسنعد لها بحيث تصبح ملائمة لبيئتنا. فتبدأ القاعات بعرض كل ما من شأنه إعلام الزائر عن حياة الشعب السوري العربي، والشروط الجغرافية التي يعيش ضمنها والتأثيرات الجغرافية التي يخضع إليها. فتمثل المناظر الطبيعية التي تؤلف إطاراً يعيش السكان داخلها بحسب اختلافاتها وبحسب أشكال الأفراد وتشاهد التضاريس الجغرافية على المصورات والصور والأشكال الجصية التي يستحسن أن تكون على قياس 1 ويجب أن تبين فيها البادية والسهول 000، 100 والجبال وخط الانهدام وخطوط المواصلات الطبيعية ومجاري المياه التي تحدد العوامل المؤثرة في تجمع البشر، واختلاف أشكال منازلهم وتعدد أنواع فاعليتهم وتنوع حياتهم الاجتماعية والاقتصادية. ثم تلي قاعات تعرض فيها مصورات وصور وأشكال أخرى تبين توزع السكان في سورية ونماذجهم العرقية والأطوار المتعاقبة التي مروا بها خلال القرون الماضية، ولا بأس من إظهار هذه الأطوار بواسطة الإضاءات الكهربائية التي تري الزائرين أربعة أو خمسة ألوان مختلفة تنار على التعاقب، الأدوار المهمة التي مرتبها البلاد في تطورها العرقي. ويستظرف أن يضاف إليها صور فوتوغرافية تعطي فكرة عن المساكن الحالية حسب صناعات أهلها ومناطقهم ومذاهبهم، وأشكال جصية أو خشبية توضع في واجهات زجاجية جميلة تمثل بها المنازل الشعبية في مختلف جهات سورية. ومن الخير أن تكون هذه الأشكال على مقياس 1 20 ويشترط أيضاً أن يضاف إليها قطع حقيقية طبيعية تعطي فكرة عن حجمها الأصلي. ويجب أن تعرض أيضاً هذه القطع الحقيقية في قاعات المتحف الأخرى، إذ أنه يستحسن أن تمثل التحف الإنتوغرافية في المساكن التي كانت تشغلها وفي الجو الطبيعي الذي أوجدها. ولا بأس من أن يعاد بناء بعض المنازل الصغيرة المهمة في باحات القصر ويبين

فيها صفات أقسامها الداخلية أو الخارجية. فيتوفر لدينا متحف خارجي في الهواء الطلق ينضم إلى قاعات المتحف الداخلي المنظمة ويكمل تعاليمها، ويجب أن يتم ذلك دون إحداث تغييرات كبيرة تؤثر على جدران المتحف وثم تضاف إليها الأدوات الاتنوغرافية التي تتميز بها أنواع المهن الاجتماعية المختلفة كمصنوعات عمال المعادن والنجارين وصناع الفخار والفنانين وغيرهم. وبعد هذه المقدمة العامة عن جو البلاد الطبيعي وعن سكانها ومشاغلهم تبدأ في قسم من القاعات الأخرى دراسة تحليلية عن مدنية شعبنا المادية. فتمثل عاداته بصورة حسنة مجسمة. فيرى مثلاً كيف تعمل الأغذية وتعرض نماذج منها مع أشكالها والأدوات والقوالب التي تستعمل في صنعها. ومما لا شك فيه أن الألبسة يجب أن تحتل مكاناً واسعاً في هذا الجناح، ويلزم أن يشاهد الزائر بعض التفاصيل عن حياكتها ويرى الآلات والأدوات التي كانت تستعمل في هذه الغاية. وتتبع نفس الطريقة في عرض أغطية الرأس والأحذية والحلي وأدوات الزينة وغيرها. ولإتمام الغاية من عرض هذه الأشياء يجدر استخدام التماثيل الخشبية أو الجصية والصور الفوتوغرافية التي تمثل مشاهد شائقة من حياة القرية. وبعد عرض هذه المجموعات التي تمثل ثقافة الشعب المادية يداوم على عرض مجموعات أخرى يتعرف بها الشعب على خوالج حياته الروحية وعاداته ومعتقداته وما اتخذه من رموز وأزجال وقصائد وأغاني ليعبر بها على نوازع نفسه. فيبدأ هذا الجناح من المتحف بعرض الوثائق الخطية والمطبوعة التي تدل على تطور المهن والمنظمات الشعبية في سورية ويأت دور الأشياء التي تتعلق بأعياد السنة فتمثلها في زخرفتها الطبيعية، وثم الوثائق الدالة على سنوات الولادة والزواج والموت. ويمثل أيضاً تاريخ الطب الشعبي بما كان يستعمل الطبيون لشفاء مرضاهم من عبارات وأدوات مختلفة وصل إلى عصرنا كثير منها وما زالت تنشر وتستعمل في المدن والقرى. ثم تمثل لهجات المناطق السورية وآدابها ولغتها التي كان لها أثر كبير في إنشاء ثقافتنا الشعبية فتكتب النكات والأقاصيص والأحاجي والألغاز على رقعات خاصة، وتمثل الآلات الموسيقية والمقاهي والملاهي والمسارح الشعبية وغيرها من الأدوات التي تعبر عن

مظاهر لهوِ وجدِ أمتنا في عصورها الماضية. وأخيراً يخصص مكان يسمى سورية في العالم الغاية منه تبيان الإشعاعات الثقافية التي صدرت من بلادنا إلى غيرها من الأقطار والتي تثبت إلى حدٍ بعيد مساهمتها في بناء المدنية العالمية. ومن المفيد أيضاً أن يفرد جناح خاص في قصر العظم تعرض فيه الأشياء المادية وغيرها التي تتعلق بتاريخ دمشق في القرون الأخيرة. فتمثل بواسطتها حياتها العامة والخاصة، وترى أسواقها القديمة التجارية التي أخذت من مدة قريبة تختفي تحت معاول الهدامين وحوانيتها وحماميها ومدارسها، ومجالس حكامها ودكاكين باعتها وصناعها، ومجتمعات رجالها وحياة نسائها وذلك حسب ما بلغنا من ذكريات عن مدنيتنا نسعى إلى حفظها خلال نماذج جصية وخشبية يصنعها فنانون يغذي خيالهم ويقود أيديهم المختصون في هذه الأبحاث. والفائدة المرتجاة من هذا المتحف عظيمة الأهمية نظرياً وعملياً. ويقول الألماني (بفاف جيسبرج) منظم أحد المتاحف الإنتوغرافية المشهورة: إن فائدة المتاحف الاتنوغرافية لا يجب أن تقتصر على إعطائنا معلومات نظرية مجردة بل يجب أن تتعداها إلى فوائد اجتماعية محسوسة. إذ أنه يمكن أن تنشأ بالقرب منها المقاهي والمطاعم ولا مانع في أن تعزف في داخلها وفي باحاتها الأجواق الموسيقية الشعبية. وليس من ضيرٍ أن تقام فيها الحفلات الثقافية والحفلات الراقصة وغيرها. والغاية المثلى أن يصبح المتحف حياً وأن ينتبه الناس إلى أهمية محتوياته وكنوزه فيقبلون على دراستها فتنتشر المعرفة وينمو الذوق بين الناس. وليس بخافٍ أن إقامة هذا المتحف تتطلب جهوداً كثيرة ودراسات واسعة وتصاميم متعددة تتعدل حسب ما يطلبه الرأي العام. والأساتذة والمعلمون هم أول المدعوين للمساهمة في إخراجه إلى حيز الوجود، لأنهم قادرون على توجيه الذين سيعملون فيه بإيحائهم وأفكارهم ودراساتهم في المناطق السورية التي يعيشون فيها من جهة، وعلى مساعدة مديرية الآثار العامة في جمع الأدوات والثياب وأدوات الزينة وغيرها التي تعبر عن ثقافات البلاد الشعبية من جهة أخرى ونحن منتظرون من جهودهم خيراً كثيراً من تحقيق هذا المشروع الذي سيعود عليهم وعلى تلامذتهم بالخير العميم.

سليم عادل عبد الحق

نهاية العالم

نهاية العالم للدكتور محمد علي صبري الخبير الجولوجي في وزارة الاقتصاد الوطني تناقش العلماء والكتاب كثيراً في هذا الموضوع، فمنهم من استند على الوثائق العلمية وأخذ من ماضي الكرة الأرضية عبرة واهتدى بها إلى نظرياته في المستقبل ومنهم من أذعن إلى الأساطير واقتنع بما جاءت به الكتب الدينية وما روته الأخبار. لندرس الموضوع من ناحيته العلمية وهي أقرب الوجهين إلى العقل والمنطق. إننا لا نجاري رأي الفلكيين في هذا الباب ولا نعتقد باصطدام مزعوم يقع بين الكرة الأرضية والنجوم المذنبة. وقد لاح لنا أن اصطداماً من هذا النوع نادر جداً في دوائر النظم السماوية. فالطبيعة لا تعرف الوثبات الفجائية: والجيولوجيون لا يعتقدون بحدوث ثورات فجائية، ولا يعيرون اهتماماً إلى الانقلابات الأرضية، لأنهم علموا تماماً أن كل ما يقع على الكرة الأرضية وخارجها يسير سيراً تدريجياً بانتشار بطيء: فالأسباب الحالية في العرف الجيولوجي هي أسباب دائمية. من المفجع فعلاً أن نتصور أن الكرة الأرضية وما عليها ستنقلب في يوم من الأيام إلى مأساة عالمية: ومن المحزن حقاً أن نرى تأثيرات القوى الطبيعية التي تعمل اليوم تهدد كوكبنا الأرضي بخراب لا بد منه. أفلا تلوح القارات الأرضية في تضعضع دائم؟ فكيف يمكن إذن أن نتصور خلود هذه الأرض التي عاشت عليها ملايين وملايين من البشر قبل أن نعيش عليها نحن اليوم؟ فإذا ما رأينا عليها تلك التماثيل التاريخية الرائعة والآثار القديمة النائية على هيئة آثار بالية ذلك لا لأن الأرض قد أبت أن تعيرها كتفاً ثابتاً وإنما لأنها قد اضطرت أن تتحمل شتائم الدهر ولاسيما الإنسان! ورغماً عن أن تقاليدنا تنحدر عن عصور بعيدة، فهي تنبئنا بان مجاري الأنهر التي تسيل عليها اليوم هي هي قبل مئات ومئات من السنين، وارتفاع الجبال هو هو كما كان عليه قبلاً: فإذا ما أغلقت بعض المجاري أو قامت بعض الانقلابات فإن خطورة ذلك ضئيلة لا أهمية لها بالنسبة إلى كتلات الأرض الهائلة ولا تحملنا على التكهن بخراب نهائي للكرة الأرضية.

هذه هي فكرة من يوجه إلى العالم الخارجي نظرة سطحية بسيطة. غير أن النتيجة التي يتوصل إليها أولئك المشاهدون الذين قد اعتادوا أن يعطوا الحوادث والتغيرات التي تجري حولهم حقها، وإن كانت بسيطة، وينظروا إليها بعين يقظة حذرة، ففي كل خطوة وفي كل لحظة يستطيع المراقب فيها رؤية شيء على الأرض يلاحظ آثار جهاد متواصل أقامته قوى الطبيعة الخارجية ضد أي عائق يبرز فوق مستوى سطح البحر الذي يخيم تحته السكون العميق والراحة الدائمة. فالأمطار والجليد والثلوج والهواء والينابيع والسواقي والجداول والسيول والأنهر وجميع العوامل الجوية قد اعتصمت على تغيير وجهة الأرض تغييراً دائمياً. وقد حفرت المجاري المائية الأودية الكبيرة ثم غمرتها الأراضي اللحقية فيما بعد. فكل ما هو على الأرض متغير لا انقطاع فيه. هنا يتلطم البحر بشدة فوق الشاطئ ويؤخرها من قرن إلى قرن وهناك تهوي أقسام جبلية فتبتلع في برهة وجيزة عدداً من القرى وتزرع الخراب والدمار بين أشد المقاطعات ازدهاراً، وتفكك الثلاجات والسيول معظم الجبال والهضاب وتشتد الأمطار الكثيفة فوق مخاريط البراكين فتقيم فيها الهوات العميقة ثم تهوي عليها الجدران القائمة ولا يبقى منها إلا آثاراً بالية تبرز فوق تلك الاندفاعات الجبارة وها قد دنت جبال الألب والبيرنه في أوربة إلى نصف ذلك الارتفاع الذي كانت تنتصب عليه قبلاً. ولا يقل عن ذلك قوة ما تقوم به الأنهر الكبرى من التأثير كالغانج في الهند والمسيسبي في أمريكا وكلاهما يحمل في مياهه ذرات معلقة، وكل حبة من الرمل تعكر صفو تلك المياه هي قطعة أرضية قد اقتلعت من الأرض. وتحمل المياه إلى مستودعات البحر الهائلة بشكل متواصل بطيء كل ما تفقده الأرض وليست تلك المواد اللحقية التي تتراكم عل الدلتا شيئاً يذكر أمام المستودعات التي يتلقاها البحر يومياً ليوزعها على أغواره الكبرى. ولا يزال علم الجيولوجيا يؤكد على كل نقطة من الأرض هذه النتيجة الواضحة وخلاصتها أن سطح الأرض، عرضة إما إلى تغييرات درجات الحرارة وإما إلى تعاقب الجفاف والرطوبة والصقيع وذوبانه وإما أيضاً إلى تأثير الديدان أو النباتات المتواصل: وهو من الأعمال المفككة الهدامة التي تأخذ بأشد الصخور تماسكاً وصلابة. تتدحرج القطع الجبلية الصغيرة بادئ ذي بدء على المنحدرات أو على مجاري السيول حيث تتحور وتتحول شيئاً

فشيئاً إلى حصى ورمال وينتهي بها الأمر إلى الطين أو الوحل أو تكتسب داخل الأنهر قوة كافية لتنتقل تدريجياً إلى المصبات. فليس من الصعب إذن التكهن عن نتيجة إحدى هذه التأثيرات. ولا يترنم قانون الجذب إلا عندما تكتسب المواد التي تخضع إلى مملكته المكان الراسخ على الأبد، ذلك ما سيقع في يوم من الأيام عندما لا تقوى هذه المواد على الهبوط. ولذلك يجب أن تلغى جميع الانحدارات التي تهبط إلى البحار وهي - أي البحار - الذخيرة المشتركة التي تنتهي إليها كل حركة على الأرض وأن تتوزع جميع الذرات المتراكمة فوق القارات في أعماق البحار. والخلاصة إن فحوى التأثيرات الهدامة التي تكلمنا عنها يجب أن تكون في تسوية الأرض تسوية تامة، أو بالأحرى هدم جميع التضاريس التي تقوم على سطح الكرة الأرضية. إن جميع ما ينجم عن الائتكال الذي تقوم به المياه الجارية يجب أن يكون في إقامة قمم حادة تنتهي فيما بعد إلى سهول مستوية تماماً لا يمكن أن يقوم عليها في النهاية أي مرتفع يفوق الخمسين متراً. ولكن هذه القمم الحادة التي يجب عليها أن تقوم على أثر انفصال الأحواض المائية عن بعضها لا يمكنها أن تدوم طويلاً في أي مكان على الأرض، لأن الثقل وتأثير الرياح ومفعول ترشح المياه واختلاف درجة الحرارة تكفي وحدها لحدوث انهيارات متوالية. وهذا ما يبرر قولنا من أن النتيجة التي ربما سينتهي إليها الائتكال البري هي في تسوية الأرض تسوية تامة ترتفع إلى مستوى يساوي تقريباً مستوى المجاري المائية عند مصب الأنهار. فإذا ما حافظت شروط البر والبحر المتبادلة على ما هي عليه فإن تضاريس القارات لا بد وأن تزول في يوم من الأيام. ترى ما هي المدة الكافية لذلك؟ إذا فرشنا جميع الجبال والمرتفعات القائمة على الأرض لظهرت لنا القارات كسطح مرتفع يحيط بالبحار والمحيطات الحالية على 700 متراً، وإذا سلمنا من أن سطح القارات الكلي يقدر ب - 145 مليون كيلو متر مربع لكان حجم الكتل البرية البارزة 145. 000. 000 0. 7 وبكلمة أخرى مساوياً إلى 101. 500. 000 وبرقم مختصر إلى 100 مليون كيلو

متر مربع، وهي ذخيرة لا شك قيمة في حد ذاتها ولكنها ليست هائلة أمام تأثير قوى الأرض الهدامة. وقد قدر العلماء أن ما تأتي به المياه الجارية من المواد التي تقتلعها من الأرض هي 10 كيلو مترات مكعبة و43 كل سنة، فلو كانت الأرض كما ذكرنا سطحاً مرتفعاً منسجماً علوه 700 متراً عن سطح البحر لفقد هذا السطح كل سنة، من جراء المياه الجارية فقط طبقة أرضية تقدر بسبعة سنتمترات الميلمية، وبكلمة أخرى ميليمتراً واحداً كل 14 سنة أو ست ميليمترات كل قرن. وهذا وحده كاف ليرينا مفعول الائتكال البري الحالي، وفي استطاعته هدم جميع الكتل الأرضية البارزة في مدة لا تتجاوز 10 ملايين سنة. ليست الأمطار ومجاري المياه قائمة وحدها في هدم الكرة الأرضية بل إن هناك عوامل أخرى تشترك معهما في دمار الأرض المتدرج. أولها الائتكال البحري. وخير مثال على ذلك هو ائتكال السواحل البريطانية المعرضة إلى تحطيم أمواج الأطلنطيق التي تدفعها الرياح من الجنوب الغربي. وقد قدر الإنكليز أن أراضيهم تتراجع ثلاثة أمتار كل قرن. وإذا لاحظنا ما تقوم به البحار من الائتكال على جميع الكرة الأرضية وأضفناه إلى ما تقوم به المياه الجوية والأنهار كانت إبادة العالم الأرضي واقعة في مدة لا تتعدى 8 ملايين من الأعوام. ليس الماء عاملاً ميكانيكياً فحسب فإنما هو من الوسائط المحللة أو المذيبة ومفعوله أعظم بكثير مما يعتقده كل إنسان وذلك على أثر النسبة الهائلة التي تحتوي عليها المياه من حمض الفحم سواء استحصلت عليه من الجو أم عثرت عليه في تفتيتها مواد الأرض العضوية، تدور هذه المياه عبر جميع الأراضي وتكتسب منها تلك المواد التي تقتلعها من الأرض عند احتكاكها احتكاكاً كيماوياً مع معادن الأحجار الأرضية وتحتوي مياه الأنهر ما يقارب على 182 طن من المواد المحلولة في كل كيلومتر مكعب، وتجلب جميع الأنهر كل سنة إلى البحر ما يقدر بخمس كيلومترات مكعبة من المواد المحلولة. وعلى هذا لا يكون دمار الأرض في 8 ملايين سنة وإنما في أقل من 6 ملايين سنة. ولا يجب أن يغرب عن بالنا أن هذه الرسوبات التي تأتي بها المياه إلى البحر تحتل مكان كميات معلومة من المياه يضطر إلى أثرها مستوى البحر أو المحيط إلى الارتفاع

وبارتفاعه يتناقص ارتفاع الكتل الأرضية، وبالتالي لا تكون مدة خراب الكتل الأرضية 6 ملايين سنة بل أقل منها بكثير وبكلمة أخرى 4 ملايين سنة فقط! فيكون البحر بذلك قد غمر بعد هذا التاريخ كافة أنحاء الكرة الأرضية. هذه نظرية من نظريات الجيولوجيين في هذا الموضوع. أما آراء علماء الأحوال الجوية وعلماء الطبيعة والفلك فهي تختلف تمام الاختلاف عن زملائهم علماء الجيولوجيا. فقد برهن البعض أن نهاية العالم واقعة في أثر زوال المياه عن الأرض، ذلك مما يناقض رأي الجيولوجيين تماماً وزعم الآخر بأن البرد والصقيع من عوامل الخراب والدمار، واعتقد الآخرون باصطدام بين كوكب الأرض والكواكب الأخرى وقالوا بحدوث حريق تلتهب فيه الطبقة الجوية! أو بانتشار غازات سامة تقذف بها المذنبات الشريرة. الدكتور محمد علي صبري

التربية المسلكية

التربية المسلكية للأستاذ ماهر الكيلاني إننا في بلد لم يأخذ بعد شعوراً واضحاً بوجوده المسلكي المهني فكل منا إنما يحصل على مهنته عن طريق العادة الآلية التي لا ينيرها التفكير إلا بقبس ضئيل ومن حين إلى حين. ولو أننا استثنينا بعض المهن كالطب والصيدلة والمحاماة فإننا لنجد غيرها كالتجارة والزراعة والصناعة إنما نتوصل للاختصاص بها عن طريق التجارب الخبرية دون أن يكون للعلم يد في إعطائنا ذلك القالب الاختصاصي وصبغنا بذلك اللون المهني. قد يقال: ألست بهذا تنكر الأهمية البالغة لما قامت وتقوم به مدارس التجارة والصناعة ومدرسة الزراعة من أثر علمي فعال في هذا الحقل أي حقل التخصص بهذه الفعاليات المسلكية عن طريق الدراسات النظرية والعملية؟ إنني لا أنكر ذلك ولا أتغاضى عنه إلا أنني إن أنكرت فإنما أنكر القيمة الرفيعة التي يمكن أن تعطيها مدرسة تجارية أو صناعية أو زراعية لطالب ذو ثقافة ابتدائية ولما يحصل بعد بها إلا على قدر ضئيل من العلم، فهم المدرسة الوحيدة لا بد وأن يكون خلال السنوات الثلاثة التي يقضيها الطالب بين جدرانها موزعاً بين دراسات ثقافية بها ترفع سويته العالمية وأخرى مسلكية. فهل بالإمكان أن يتملك شخص ما من مهنته بصورة جيدة وأن يفهم أسرارها العميقة ومقوماتها النظرية والعملية خلال تلك المدة القصيرة سيما وأن ثقافته العامة قد تستوعب شطراً كبيراً من هذا الوقت مما لا يبقى معه للدراسات المسلكية إلا القسم الطفيف؟ إننا نشعر ويشعر معنا المفكرون الناجحون من أبناء هذه الأمة أن الدراسات المسلكية لدينا ضعيفة المستوى من الوجهتين النظرية والعملية. فهي لا تخلق عند الشخص المتخصص الشعور الواضح النير بوجوده المسلكي وانصهار شخصيته به مما يجعله لأقل ارتطام بصعوبات الحياة القائمة يتخلى عن هذا الطابع المسلكي الذي به انخرط في أول حياته ليفتش عن طابع آخر في مهنة التعليم أو في وظائف الدولة أو في غيرها ليؤمن بذلك حياته ومستقبله، وبهذا نرى أنه ينقصنا ذلك الإيمان وتلك العقيدة بالمهنة ولاسيما عند أولئك المتخصصين بهذه الفروع الثلاثة. والدواء الناجع الوحيد الذي يمكننا به أن نخرج كأمة ناشئة من هذا المأزق الحرج وأن

نوجه فعاليتنا العلمية وجهة عملية مسلكية مهنية إلى جانب وجهتنا النظرية هو أن تتبنى الحكومة سياسة تعليمية مسلكية بها تضع برنامجاً عاماً للتعليم تسير بموجبه على أن تصطبغ تلك السياسة بمسحة عملية حتى تتمكن الحكومة من أن تقاوم ذلك التيار الجارف الذي يدفعنا إلى المهن الكلامية وإلى التوظف في دوائر الحكومة. وإني أريد أن أرسم فيما يلي الخطوط الكبرى لتلك السياسة على أن أوفق إلى ذلك ضمن الإمكانيات التي يقدمها لنا العلم وضمن إمكانياتنا الحالية. إن المبادئ الغزيرة التي يجب أن تقود خطانا في تربيتنا المسلكية يجب أن تستمد وجودها من مبدأين: 1) أن يكون التخصص قائماً على فحص وملاحظة قابليات الفرد واستعداداته وأن لا نعطي لشخص ما مهنة بناء على رغبته الشخصية أو رغبة أوليائه وإنما بناءً على ملاحظات وفحوص طبية ونفسية وفيزيولوجية واجتماعية حتى يتبين لنا من خلالها طابع الشخص الفردي واستعداداته ومواهبه وقابلياته فإذا توصلنا إلى ذلك وجهنا تلك القابليات الفطرية الوجهة التي تلائمها عن طريق المهنة. 2) أما المبدأ الثاني فهو مشتق من المبدأ الأول وخاضع له وهو مبدأ تكافؤ الفرص وبه نجعل نقطة البدء في الحياة واحدة ومن ثم نجعل الفرص التي نعطيها للشخص الناجح في حياته متكافئة من حيث قيمها، فإذا نحن اطلعنا على خصائص الشخص وقابلياته بصورة محكمة وأعطينا له المهنة التي تتلاءم مع هذه الخصائص نكون قد طبقنا حقاً هذا المبدأ وسمحنا للجميع بأن يظهروا كفاءتهم في حياتهم المقبلة. وبهذا نرى أن التربية المسلكية إنما تعنى في الدرجة الأولى للتعرف على إمكانيات الطفل ومدى هذه الإمكانيات حتى تعطي للطالب عن طريق المهنة طابعه الشخصي الخاص، والذي له في أعماق ذاته جذور متينة من دوافع وميول واستعدادات وبهذا فالتربية المسلكية تظهر من جهة شخصية الفرد ومن أخرى تسمح له بأن يستعمل شخصه حسب طبائعه الخاصة وضمن حدودها وقد قال بهذا المعنى في كتابه ما يلي: يجب أن يستخدم كل شخص حسب طبائعه الخاصة، إذ أننا بإجهادنا أنفسنا لنحقق المساواة بين الرجال قد محونا الصفات الشخصية التي كانت جداً مفيدة بسعادة كل شخص تتعلق بتألقه التام مع العمل الذي يلائمه.

ولتطبيق هذين المبدأين على الحياة المدرسية وللاستفادة منهما في التوجيه المسلكي خلال الحياة الدراسية لا بد وأن يمر الطفل بمرحلتين: 1) مرحلة تحضيرية وبها تكون استعدادات الطفل وقابلياته وميوله كامنة لم تبرز إلى الوجود، فوظيفة المربي في تلك المرحلة أن يقوم بإيقاظ وبعث تلك المواهب والاستعدادات الفطرية وبالتعرف عليها ومعرفة طبيعتها وذلك لا يتم إلا بوضع الطفل باحتكاك دائم مع العمل وأن يعمل الطفل بنفسه فيلاحظ المربي أثناء ذلك المشاغل التي تجذب انتباه الطفل والتي تسيطر على فعاليته. 2) مرحلة تدريبية وهي بالأكثر مرحلة المدارس الثانوية وبها يتعرف المربي على اتجاه تلك الاستعدادات ومدى قوتها وحينئذ يسعى لتمرينها وتوجيهها في ذلك الاتجاه دون غيره على أن يقرن إلى هذه الاستعدادات الفطرية استعدادات مكتسبة من طبيعتها ومقوية لها. فالمرحلة التحضيرية ليست مرحلة اختصاص بالمعنى الصحيح وإنما هي مرحلة تسبق الاختصاص وتهيؤه إذ بها توقظ عند الطفل بواسطة فعاليته الخاصة المواهب والاستعدادات والقابليات الموجودة لديه. ولرب معترض يقول: أليس في اتجاه التربية الحديثة من جعل التعليم في المدارس الابتدائية عملياً ما يسمح لنا أن نقول أن القصد منه هو جعل التعليم الابتدائي ذو صبغة مهنية؟ وجواباً على هذا نقول: إذا كان القصد بالتعليم العملي التعليم المهني أي تعليم الطفل حرفة يرتزق منها فمن المتفق عليه بين عموم رجال التربية الحديثين أن هذا لا يمكن أن يتم أو يكون في المدرسة الابتدائية وذلك لأن الطفل في هذا السن لا يساعده نموه العضوي والعقلي والثقافي على أن تبرز مواهبه الكافية بصورة واضحة جلية حتى نتمكن من أن نوجهها توجيهاً مهنياً ودليلنا على ذلك أن الأطفال الذين يوضعون في هذا السن في مهنة ما كمهنة الخياطة مثلاً لا يتمكنون من أن يتعلموا تلك المهنة ولهذا فإنهم يقومون بأعمال تابعة لا تتصل إلا من بعيد بتلك المهنة وسبب ذلك أن الطفل ينقصه الانتباه الإرادي المتمركز حول هدف معين وفكر الاستقرار والنيات الذي تتطلبه المهنة. فما هو غرض رجال التعليم الحديثين من جعل التعليم عملياً ولاسيما في الريف؟ إن الغرض من ذلك ليس مهنياً وإنما القصد منه ربط التعليم بالحياة مما يجعله ذا أثر فعال في النفوس وقد أوضح هذه الفكرة كاندال من أبرز رجال التربية في أمريكا إذ قال: إذا صح

القول أن عمل التربية الحديثة هو أن نلائم بين التعليم وبين مقدرة التلاميذ واستعدادهم وأن نبني نظمه على المحيط الذي فيه يعيشون، وأن نزيد ونضيف إلى ثروة ذلك المحيط فإنه لا مناص من أن يستخدم التعليم الريفي مادته من المحيط الريفي ويتلاءم معه وليس معنى هذا أن يقتصر تعليم التلاميذ على المحيط الذي يتفق أنهم يعيشون فيه بل معناه أن يكون التعليم بلغة تدل على معنى عند المتعلمين. . . فالمدرسة الريفية التي لا تكون لها مثلاً قطعة من الأرض وبعض الدواجن من الحيوانات التي يمكن للتلاميذ بواسطتها أن يتفهموا ما يدور حولهم من النشاط لا تكون مدرسة تؤدي عملها. وليس قصدنا من أن نجعل التعليم لهؤلاء التلاميذ مهنياً وإنما نقصد إيجاد العلاقة الواجب قيامها بين المدرسة والمجتمع. هذا وزيادة على ذلك فإن انصباب الطفل على فعاليات مختلفة خلال هذا السن مما يفجر ينابيع استعداداته الكافية من جهة ومن جهة أخرى فإنها تجعل المعلم المتنبه إلى جميع حركات الطفل وسكناته أن يقدر المشاغل التي تجذب انتباه الطفل والأعمال التي برع ويبرع بها فيسجل ذلك لديه يوماً بيوم وعن كل طفل حتى يكون ذلك كسجل نرى فيه الخط البياني لفعالية الطفل خلال سني دراسته الابتدائية. فاستعدادات الطفل وقابلياته وميوله لا تظهر بصورة واضحة إلا حينما ينصب على تفهم حقائق هذا الوجود بصورة عملية حسية، وإلا إذا أخذت شكلاً مادياً وتبلورت حول أعمال خاصة تسهل علينا معرفة تلك الميول وهذه الاستعدادات. فنحن نحكم على استعدادات الطفل وقابلياته الكامنة في أعماق ذاته من خلال الفعاليات التي ينصب عليها لتكييف ذاته الباطنية مع كيانها المادي الخارجي. فالجملة الأميركية التي يطلق عليها اسم (تعليم المعرفة بواسطة العمل لقد وجهت بسهولة في اتجاه مهني أو بالأحرى باتجاه تحضير الطفل تحضيراً عاماً للمهنة التي سينصب على إتقانها في مستقبل أيامه، إذ أنها تسمح للطفل بأن يمرن أعضاءه على العمل وحواسه على الملاحظة فيكتسب بذلك مرونة عامة تنفعه للتكيف بسهولة مع مهنته التي بها سيتخصص في مستقبل أيامه. إن هذه الجملة مستوحاة من نظرية فروبل ولقد غذيت على الأخص بالمذهب العملي الخاص بالأنكلوساكسون ومدار هذه الفكرة أن الطفل بطبيعته ملاحظ وله عاطفة شديدة عن شخصيته ويجد في العمل امتداداً لتلك الشخصية ويحركه إلى

العمل ذوقان شفقة بالفعالية وحبه للبناء فهو مبدع. ومن هنا يأتي أهمية الرسم والأشغال اليدوية التي ندركها لا كفنون تربوية ولكنها كواسطة لكل تربية إذ بها يشترك الجسم والجملة العصبية للحصول على كل معرفة ولهذا تستند تلك الطريقة على المبدأ القائل (لا يمكننا أن نفهم جميلاً إلا ذلك الذي صنعناه بأنفسنا). ومن هنا تظهر أهمية مرحلة الحضانة والمدرسة الابتدائية فهذا العهد ليس عهد الاختصاص وإنما هو العهد الذي تتمرن حواس الطفل ويداه وتصبحان أكثر مرونة وطلاقة وتنتظم حركاته وتتسق فيما بينها وتنساق إلى العمل بسهولة حتى إذا أتى عهد التخصص لم يجد الطفل صعوبة بالانكباب على العمل وتوجيه انتباهه نحوه ووجود لذته فيه ومن ثم لا يجد صعوبة بأن يبدع ولاسيما في سن المراهقة الذي هو بالدرجة الأولى عهد الإبداع. فأهمية المدارس الابتدائية من هذه الناحية تنحصر في الأمور التالية: 1) تمرين فعالية الطفل وأعضائه وحواسه تمريناً يسهل معه عل الطفل الانكباب على فعالية خاصة في مستقبل أيامه. 2) وذلك التمرين يفجر ينابيع استعدادات الطفل وقابلياته فهو عهد تفجير القابليات الكافية. 3) وبذلك يتعرف المعلم على نوع المشاعل والفعاليات التي تشغل الطالب والتي يبرع بها ويسجل ذلك لديه حتى إذا خرج الطالب من المدرسة كان له سجل خاص ينتقل معه إلى المدرسة الثانوية حتى يكون كنقطة استناد لتقدير الاتجاه الذي يجب أن يأخذه الطالب في دراساته. ماهر الكيلاني

ذهول المفكرين

ذهول المفكرين أصيب الأديب الألماني الكبير ليسنج في أخريات أيامه بنوع من الذهول والنسيان. . فحدث ذات ليلة أن عاد على منزله وهو مشغول بالتفكير في عمل هام يريد إنجازه، فلما بلغ الباب اكتشف أنه قد نسي المفتاح في الداخل، فدقه مراراً وسمع الخادم الدق فأطل من نافذة كي يرى من الطارق، لكنه لم يعرف سيده في الظلام، وظنه زائراً غريباً، فقال له: إن الأستاذ لم يعد بعد من الخارج فأجابه سيده وهو يستدير عائداً من حيث أتى: حسناً!. . . قل له إنني سأزوره في وقت آخر.

التسامح

التسامح للأستاذ خالد قوطرش يقول فولتير: ليس إنساناً كل من يضغط على غيره لمخالفته في رأيه والتسامح كان أبداً من صفات كبار المصلحين وعظماء الإنسانية الخالدين. أولئك الذين دفعوا عجلة التقدم وشاركوا في بناء الحضارة، أما التعصب والتزمت والاستئثار بالرأي والرغبة في فرضه على الآخرين بالقوة والتهديد والعنف، فقد كانت هذه الصفات من خصائص المغرورين المتعنتين الذين ساهموا في تقويض دعائم المدنية إلى حين، وعملوا على تهديم التعاون بين الأفراد والجماعات. والغرور مبعثه الأنانية وسلاحه ذو حدين، يرضي بحد وإلى وقت معين غرور المغرور، ويحز بالحد الآخر رقبة صاحبه. وما حوادث هتلر زعيم المغرورين في دنيا قرن العشرين ببعيدة عن ذاكرة الناس. . . إن دارس التاريخ العربي الإسلامي، يدرك من خطبة أبي بكر في جيش أسامة قبل غزو الإسلام، وأمره الجنود باحترام الشيوخ وعدم التعرض للأطفال والنساء والرهبان، مدى اتساع المدنية التي بشّر بها الإسلام. وكذلك المسيحية في أول عهدها، أما المذابح الدينية التي حدثت في الغرب والشرق: في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، سواء بين المسيحيين أنفسهم من بروتستانت وكاثوليك أو بين هؤلاء وبين المسلمين، وتعذيب وإعدام كثير من العلماء والفلاسفة الذين جاؤوا بحقائق علمية جديدة كغاليلة وبرونو وابن الحلاج وغيرهم وإذا ما أضفنا إلى هذه المآسي والمخازي، التي شوهت ناصية التاريخ القديم، معسكرات التعذيب والتقتيل والإفناء في الحروب الحديثة، لتأكد لدينا أن مبعث هذه الحوادث والفتن كان التعصب الديني أو العنصري. ولن يعد التاريخ مثيريها وموقديها من حماة الحضارة وسلالم الرقي. . . وكذلك الجدل المتعنت، والقول الشطط، والباطل المتطاول، والتمادي في تبني هذه العلل المعوجة، ضرب من ضروب التعصب الذميم أو هو التعصب نفسه. ومن هنا يمكن أن ننتقل إلى بحث أخلاقي في التسامح وتحديد آداب المناظرة وكيفية المناقشة مع الناس، نلقنها للصغار في درس الأخلاق أو في إحدى المناسبات، مستعينين بالوسائل والمواد التي يتعلمونها ويشاهدونها في وسطهم المدرسي. كأن يكتب المعلم مثلاً

على اللوح الكبير الأسئلة التالية: 1 - 3 4 =؟ 2 - أي الصناعات تفضل؟ 3 - ما هي الفاكهة التي تلذ لك كثيراً؟ 4 - ما هي عاصمة الجمهورية السورية؟ من المؤكد أن أجوبة الطلاب لا تتفق جميعها. فهي إن اتفقت في الجواب الأول والرابع، لا تتفق ولا ريب في الجواب الثاني والثالث. ذلك أن حاصل ضرب ثلاثة في أربعة يساوي حتماً اثني عشرة، وإن عاصمة الجمهورية السورية في قرار الحكومة وكتب الجغرافيا وفي عرف الناس هي مدينة دمشق. ولكن هل يتفق الطلاب مثلاً على أن العنب هو ألذ الفواكه وأن الخياطة أفضل الصناعات. . . طبعاً كلا. فمنهم من يفضل البرتقال أو الموز أو الكرز ومنهم من يفضل التجارة أو الحدادة أو الطبابة. . . ومعنى ذلك أن هناك حقائق ثابتة لا تحتاج إلى جدل أو مناقشة، وأن هنالك أشياء يختلف الناس في تفهمها وتحديدها. والناس يتجادلون في الأمور التي تدخل في باب التفسير والاجتهاد، ويتفقون أخيراً على رأي، ولكن إن لم يتفقوا أو تصلبت كل جماعة برأيها ضاع الجهد مع الريح وتبدد العمل مع الأوار. . . إن المجادلة في سبيل رأي يعود بالنفع على الصالح العام، أمر مشروع مرغوب فيه ووسيلة من وسائل التطور والتقدم. والناس ليسوا دمى تنضد خلف واجهات حوانيت ألاعيب الأطفال، وكذلك الأفكار ليست حصى تكدس في قوالب الاسمنت، بل إن هذه وأولئك بحاجة إلى الحركة والاحتكاك ومن الاحتكاك ينفلق النور. ولكن المجادلة التي تستمد زادها من مستنقع الهوى الرخيص تعيق الإنتاج ولا تكسب صاحبها شرف النطق. . . فالمعلم يلمس أجوبة كثيرة مختلفة للأسئلة الأربع التي عرضها على طلابه، فيجب أن يدفع كل تلميذ إلى تبرير رأيه، وبيان أسباب اختياره للفاكهة التي اختارها والصنعة التي فضلها، ويعمل بعد استكمال الجدل واحتدام النقاش، إلى توجيه الطلاب بضرورة احترامهم آراء بعضهم بعضاً، والتعود على الإصغاء والاتزان أثناء المناظرة. ولا بد أن يبدو بعضهم

عنيداً وبعضهم ليناً، فيقارن المعلم بين البعضين ويقارب بين الطرفين ويستخرج الحكمة العليا في النقاش والتخاطب. يقول مونتين في كتابه فن المناظرة: يجب أن لا نجادل لنفرض رأينا فرضاً ولنصل إلى استصوابه مهما كلف الأمر، بل يجب أن نجادل لمعرفة الحقيقة والاقتناع بها وأن نتمشى مع قائلها وصاحبها ولو كان خصماً لنا ولم يكن دهاة المجادلين والمتناظرين كالمأمون والغزالي وابن رشد من المتعنتين، بل كانوا أبداً إلى جانب الحق ولو كان عليهم. لأنهم كانوا يقولون: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ومناصرته ظفر. . . والإقناع لا يكون إلا بالحجة البريئة النزيهة والتعاون لا يتم إلا بالعمل المتجرد المخلص، أما الضغينة، فمآلها إلى القطيعة التي تغرق صاحبها في لجة اليأس والشر. . فعلى المدرسة أن تثير في الأطفال غرائز التعاون المشترك والتسامح النبيل والرفقة الصادقة، ولا يمكن أن يثير هذه المزايا غير الأصحاء من المعلمين. . . خالد قوطرش

غيرة

غيرة للأستاذ سعيد القضماني فصل من قصة أجواء للكاتب الفرنسي الكبير أندره موروا التي يعدها المعرب للطبع هناك أمراض تبتدئ رويداً رويداً بنوبات من الاضطراب خفيفة متوالية، وهناك أمراض أخرى تظهر فجأة ذات مساء بشكل نوبة عنيفة من الحمى، ومرض الغيرة الذي انتابني، كان من النوع الثاني الفجائي العنيف. وإذا حاولت الآن، وقد نلت الشفاء، أن أفتش عن أسباب المرض، فإني لأجدها عديدة مختلفة. قبل كل شيء يأتي عامل الحب الكبير والرغبة القوية في أن أحتفظ لنفسي بكل العناصر الثمينة التي تشكل كيان أوديل: من وقت وحديث ونظرات وابتسامات. . . على أن هذه الرغبة لم تكن كل شيء، إذ عندما أكون وحيداً مع أوديل في سهرة أو رحلة، فإنها لا تلبث أن تتذمر وتتشكى من أني أعنى بكتبي وتدوين خواطري، أكثر مما أعنى بها وألتفت إليها. أما عندما يتاح لها الاتصال بالآخرين، فإني أشعر عندئذ برغبة الاستئثار بها، ومرد هذا الشعور كبرياء كبير مقنع بشيء من التواضع والحيطة. فأنا أود أن أسيطر على تفكير أوديل، كما أسيطر على المياه والآلات الكثيرة التي تنزلق فيها عجينة الورق البيضاء، أريد أن أطلع على ما يدور في ذلك الرأس الصغير، كما أطلع، ببيانات مطبوعة واضحة، على معدل الإنتاج اليومي من الأسبوع الأخير. كم أشعر بالألم الممض يهيجه في نفسي ذكر هذا العامل في نشوء الغيرة والذي أراه أصل البلاء ومبعث الداء. إنه دافع قوي من حب الاطلاع العقلي الحاد. أنا لا أصدق أنني لم أستطع فهمها وسبر أغوارها، مع أن فهم أوديل أمر شاق عسير، ويخيل إلي أنه باستطاعة أي رجل، إذا أحبها، أن يحيا بقربها دون ألم أو عذاب، وكان يخيل إلي أيضاً بأن الغيرة ما كانت لتعرف طريقها إلى نفسي لو كانت أوديل على غير تلك الحال. فالمرء لا يولد غيوراً بالطبع، بل يحمل فحسب استعداداً لقبول جرثومة هذا المرض الوبيل. ولكن أوديل كانت تثير في نفسي، دوماً، كل عوامل حب الاطلاع عن طبع عفوي فيها لا عن إرادة وتصميم. إن الحوادث اليومية هي خطط واضحة متسقة بالنسبة إلي وإلى كل فرد من أفراد أسرتي، فيكفي لأن توصف بدقة وصدق حتى تأخذ عناصر الحادثة موضعها بجانب بعضها بعضاً

بانسجام تام لا يفسح مجالاً لأي شك أو التباس. أما عندما تمر هذه الحوادث من خلال عقل أوديل فلا تلبث أن يلفها الإبهام والاضطراب. على أني لا أريد أن أدخل في روعك أنها تخفي الحقيقة عمداً، بل كل ما في الأمر، أنها لا تقيم وزناً للكلمات ولا تحدد معنى للتعابير. وهي، بعد، ذات جمال رائع فاتن أشبه بجمال نساء الأحلام وفاتنات الأساطير، فهي لذلك تقضي حياتها وكأنها في حلم متصل طويل. لقد أنبأتك أنها تعيش في اللحظة الحاضرة، فهي تختلق الماضي وتخترع المستقبل عندما تدعوها الحاجة إلى ذلك، ثم لا تلبث، في الحال، أن تنسى ما أقدمت على تلفيقه واختراعه، ولو أنها كانت تحاول الخداع والتغرير لاضطرت إلى التزام المطابقة والانسجام بين أقوالها لتعطي لحديثها، على الأقل، مظهراً من مظاهر الحقيقة، ولكن لم أرها أبداً تحاول هذا الأمر، فإنها تناقض نفسها حتى في الجملة الواحدة. سألتها يوماً بعد أن عدت من رحلة قصيرة: - كيف قضيت يوم الأحد الماضي؟ - الأحد؟ إني لا أذكر على التحقيق. . . آه نعم! لقد كنت تعبة ضجرة فتمددت على السرير طوال النهار. وبعد خمس دقائق تشعب الحديث فمس موضوع الموسيقا فصاحت فجأة: - آه! لقد نسيت أن أقول لك بأني استمعت، الأحد الماضي، إلى (فالس رافل) الذي حدثتني عنه. ولقد أثار في نفسي كل حب وإعجاب. قلت لها: - ولكن هل تفكرين يا أوديل بما تقولين؟ إن لهذا لضرب من الجنون. . . وأنت تدركين كل الإدراك فيما إذا ظللت الأحد الماضي متمددة على سريرك أو أنك ذهبت لاستماع الموسيقا. . . وأنت مدركة أيضاً بأنني لا أستطيع تصديق الأمرين معاً. - وأنا لا أطلب منك تصديق ذلك، الحق أنني لا أدري ما أقول عندما يدركني الإعياء حتى ولا أسمع ما أقول. - والآن فتشي في ذاكرتك عن الحادثة الواضحة الجلية: كيف قضيت نهار الأحد هل في التمدد على السرير أم في الاستماع إلى الموسيقا؟ - لست أدري. أنك لتفقدني كل اتزان وتفكير عندما تمثل أمامي دور قاضي التحقيق.

لقد سببت لي هذه المحاورة حزناً وغماً شديدين، وأشاعت في نفسي القلق والاضطراب فجفاني النوم وقضيت ساعات طوالاً ثقالاً كنت أحاول فيها أن أتبين من خلال كلماتها حقيقة العمل الذي شغلت فيه سحابة يومها. أما أوديل فإنه سرعان ما تمحى من ذهنها ذكرى هذه المشاهد بيسر غريب. لقد تركتها في الصباح حزينة النفس، كئيبة، كاسفة البال، وألفيتها في المساء، فرحة، مرحة، منبسطة الأسارير. كنت مصمماً على أن أقول لها: اسمعي يا عزيزتي، إن الأمر بيننا خرج عن طوق الاحتمال وجاوز حد المعقول، فيجب أن نفكر بالانفصال، على أني لست بطالب له ولا براغب فيه، ولكن عليك أن تبذلي القليل من الجهد ليتبدل حالنا ويستقيم أمرنا. ولكن أوديل تلقتني ذلك المساء لقاء جميلاً، فعلى وجهها تترقرق غبطة الفتيات وكان يلف جسمها اللدن الرشيق ثوب جديد أنيق، فطوقتني بذراعيها وحيتني بقبلة قائلة: آه! هل تعلم أن ميزا أخبرتني هاتفياً بأنها حجزت ثلاثة مقاعد في المسرح وكم يحلو لنا أن نشاهد رواية بيت الدمية، فاستسلمت صاغراً لهذا الإغراء والدلال وقد ألحت علي عوامل الحب والضعف. سعيد القضماني

الجنون ثوب الحب

الجنون ثوب الحب للآنسة نور الهدى محروس منذ ما يقرب من شهر والاستعدادات في القرية قائمة على قدم وساق لاستقبال عيد الفصح وقد راحت الفتيات تخيط الثياب المزركشة اللازمة بينما انهمك الفتيان بتزيين الجدران والنوافذ وعلى الأخص الصالة المعدة للاحتفال. وحلت ليلة العيد فكان السرور شاملاً ولكن منتصف الليل ما لبث أن تقدم ببطء مؤذناً أن العيد قد انتهى أو بالأحرى انتهى السرور وعادت الحياة كما هي مملة رتيبة واجتمع القوم لإعادة الثياب إلى صناديقها وخيم الصمت الرهيب وفجأة قالت إحدى الفتيات: - أليس من المؤسف أن أكون منذ برهة فقط ملكة وأنا الآن لا شيء. وقال آخر: - وأنا. . لقد كنت ملكاً. . انظروا إلى تاجي البديع إنه الآن فقط يبدو أنه مصنوع من الفولاذ. وأخيراً قال ثالث: - أما أنا فلست بآسف على شيء لقد كنت في ثياب خادم، وعلى هذا فأنا لم أخسر شيئاً. وخيم الوجوم من جديد وراح كل منهم يطلق لخياله العنان ليرى نفسه في ثياب الاحتفال البراقة الملونة ثم يلقي نظرة على ثيابه فيرى أنه كغيره من الناس. وبحركة آلية راحت الفتيات تخفي الثياب في صناديقها التي كانت أشد صلابة وقسوة من الموت وانتهى العمل وفجأة صاح أحدهم: - وهذا الثوب. . لقد نسيتموه. فأجاب آخر: - لا تضعوه في الخزانة. . فسأقدمه أنا إلى من يلبسه. وكان الثوب ثوب (الجنون) فضي اللون مزين بالشريط الأحمر وأما ياقته فكانت حمراء اللون دائرية الشكل تنتهي بمثلثات وفي رأس كل مثلث جرس صغير. وهذه الأجراس تحدث أصواتاً كتلك التي تصدر عن قطيع من الماعز إذا ما تحرك لابس الثوب. تأمل الجميع الثوب وعلى شفاههم ابتسامة عذبة إلى أن قال أحدهم: - أنا أعرف لمن يجب أن نقدم الثوب. فصاح الجميع:

- قل لنا لمن؟. - إلى (لاتيا) - هذا صحيح فإنها لم تخطر لنا ببال. عليك أنت يا (دوبيري) أن تتولى هذه المهمة لأنك تجيد صناعة الكلام. وهنا حبذ (دوبيري) أن يرافقه نفر منهم. فكان مجموع من ذهب لتقديم الثوب أربعة فتيان. كانت لاتيا هذه مجنونة حقيقية ولكنها لم تكن كذلك منذ ولادتها بل أصبحت مجنونة عندما بلغها أن خطيبها قد هجرها وأنه ترك القرية إلى غير رجعة وعندها فقدت عقلها وأخذت تنتظر عودته وهي تردد في كل يوم سيحضر غداً ومرت الأيام وتلتها السنون ولاتيا تنتظر وترقب الطرق المؤدية إلى القرية نهاراً فإذا ما جن الليل أوت إلى فراشها وهي تقول: - سيعود حتماً. أنا أثق به. . إنه يقوم بجولة صغيرة ليس إلا. . وسيعود. . ولكن السنوات الثلاث تتابعت دون أن يعود وفقدت (لاتيا) والدتها خلالها وبقيت وحيدة في هذا العالم الفسيح. فهي إذن مجنونة هادئة سعيدة على ما يظهر إذ أن الأمل بعودته كان يحدوها للعمل، فحديقتها قبلة أنظار أهل القرية بجمالها وتناسقها وقد اعتادت أن تذهب كل يوم إلى الغابة فتجلب معها الفواكه لتبيعها إلى السوق كما تحمل الأزهار فتصنع منها أكاليل تبيعها للأطفال. وصل (دوبيري) ورفاقه إلى منزل لاتيا بعد الظهيرة وكانت المسكينة في نافذتها كالعادة ترقب الطرق. ألقى الفتيان عليها التحية فخرجت إليهم من باب المطبخ المؤدي إلى الحديقة. كانت هذه الحديقة على صغرها تضم مختلف الرياحين والأزهار التي لا تخلو منها في فصل من الفصول وكانت منسقة تنسيقاً بديعاً فالأزهار مصففة بحسب أجناسها أولاً فالبنفسج في جهة والقرنفل في جهة أخرى. . الخ وبحسب ألوانها ثانياً فالأحمر إلى جانب الأصفر وهذا إلى جانب الأبيض. . الخ وهذا ما جعل الحديقة كبساط مصنوع من قطع قماشية مختلفة الألوان قد لصق بعضها في بعض فما من كائن وقعت عينه عليها إلا صاح: - إنها حديقة بديعة! فترد لاتيا دوماً بالجواب المعهود: - هذا من أجله وسيعود. . .

قال دوبيري وهو يتأبط الثوب مغلفاً بالورق: - أصغي إلي يا لاتيا فسألته بلهفة: - هل رأيته؟ - لم أره. . . ولكن سكان القرية أكدوا أنهم رأوه وأنه سيعود. . . أما الفتيان الثلاثة الآخرون فأخذوا يستمعون إلى الحديث وهم يتسنمون جدار الحديقة وفجأة أمسكت لاتيا بالشرائط الموزعة على شعرها وعددها كبير ثم قالت: - انظر. . لقد أكثرت من هذه الشرائط الوردية ليراها عن بعد لدى عودته ألا ترى أن بإمكانه أن يلاحظها عن بعد. . . وفي هذه اللحظة المناسبة نشر (دوبيري) الثوب ورأت لاتيا ألوانه الزاهية فبهرتها وبحركة خفيفة حرك الأجراس فصاحت لاتيا: - أوه! إنه ثوب جميل. . هل هو لي؟ يجب أن أرتديه ليسمع صوت الأجراس عن بعد عندما يعود كما يرى ألوانه المشعة الزاهية. فقال دوبيري: - هو لك هدية ولكن بشرط ألا تقبعي في عقر دارك بل عليك أن تتجولي به وأن تضعي قبعته الخاصة على رأسك. إذ ما الفائدة من بقائك به في منزلك هيا ارتديه. . جربي مرة واحدة. ومدت لاتيا ذراعيها لتتناول الثوب فصاح الفتيان من أعلى الجدار. - إنه يناسبك حقاً. . إنه بديع للغاية. وارتدت الثوب ووضعت القبعة التي أخفت شعرها المصفف ووجنتيها وجبينها وبالتالي أخفت تجاعيد وجهها المغض فبدت كالطفلة الجميلة المحببة، هذا وقد أضفى الانعكاس على وجهها لوناً زاهياً أعاد إليه نضارته. وقال دوبيري: - من المؤسف ألا يوجد هنا مرآة. - آه انتظر إن لدي مرآة. وأحضرت المرآة فوضعتها على الأرض ثم انحنت فوقها ونظرت إلى صورتها المنعكسة

وابتسمت لها ولما نهضت رنت الأجراس بصوت عذب كصوت المياه المنسابة فوق الحصى وتحت أشعة الشمس. وحاولت انتزاع الثوب ولكن الفتيان صاحوا: - لا. . . لا تنزعيه فهو يناسبك أكثر من كل أثوابك. . هيا اخرجي به لنراه. . وخرجت لاتيا من منزلها وسارت في الطريق بينما تبعها الفتيان عن كثب وأخذت تسأل وهي تسمع صوت الأجراس. . . - أو تظنون انه يسمعني الآن عن بعد. ومر رجل عجوز فحدق بها من تحت نظارته ثم فغر فاه دهشة وقال: - هذه لاتيا. . ولكن ما بالها أخفت شعرها. والتفت حوله فألفى النساء على عتبات الدور يرمقنها وهي تمر بينما تجمع الأطفال خلفها وهم يتصايحون وأما لاتيا فقد أعجبت بثوبها هذا وسارت وهي تقول: - هذا اللون الأحمر. . وهذا اللون الأصفر. . وهذه بقعة تلمع. . سيراني حتماً. . ولكن لقد مللت الانتظار. وسألها أحدهم. - إلى أين تذهبين يا لاتيا. فأشارت بيدها جهة كنيسة القرية القائمة على مرتفع يطل على القرية وقالت: - سأذهب إلى مكان مرتفع يمكن لمن يتجه نحو القرية أن يراه بسهولة. فقالت النسوة. - دعوها وشأنها فهي لا تسيء إلى أحد. وتابعت لاتيا طريقها بزهو وإعجاب نحو الكنيسة تتبعها نظرات الشيوخ المتألمة ونظرات الشباب الباسمة. حتى إذا ما بلغتها جلست أمام المدخل على حجر مسطح ومن هنا يميز الناظر ثلاث طرق مؤدية إلى الضواحي تبدأ في الأفق دقيقة ثم تتسع وتتسع كلما اقتربت من القرية. أحدها أسود عريض يؤدي إلى الشرق والآخر أبيض ضيق أما الثالث فيؤدي إلى غابة تقوم خلفها جبال زرقاء قاتمة. ومن هنا راحت لاتيا تراقب الطرق الثلاث ففي كل يوم تقصد الكنيسة إما بصحبة أولاد يتبعونها للتسلية أو بصحبة رجل أو امرأة تتجه

نحو الضواحي لعمل ما وأحياناً تذهب منفردة وإذا ما خطر لأحدهم أن ينصحها بقوله: - عودي إلى منزلك يا لاتيا فهو خير لك. علت وجهها سحابة من الحزن ثم قالت: - وإذا ما أتى. . .؟ فهي تراقب الطرق دون كلل أو ملل وإذا ما ظهر كائن يتحرك على أحدها نهضت واقفة وراحت تحملق فيه منذ أن يظهر نقطة سوداء في الأفق حتى يتضح شخصاً حقيقياً وعندما تعود إلى مقعدها وقد عراها قليل من اليأس. وأحياناً كانت تدور حول بناء الكنيسة دون أن ترد الطرف عن أحد الطرق ولكن لم يحضر ومع ذلك فلم تفقد الشجاعة وتابعت انتظاره حتى في أشد فصول السنة برودة فإذا ما أمطرت السماء لجأت إلى إفريز الكنيسة فاتقت به غضب الطبيعة. ومن جديد حل عيد الفصح وقد جرت العادة أن يحتفل به في شهر أيلول إذ أن الطقس يكون معتدلاً في هذا الشهر فيتمكن القوم من قضاء ثلاثة أيام على أحسن وجه من التسلية والغناء والعزف والرقص وهي عادة أيام السبت والأحد والاثنين. هذا ما يحدث في كل عام وفي هذا العام أيضاً فقد جلست لاتيا أمام الكنيسة وهي ترتدي ثوبها البراق بينما التف الجمهور حولها يغني ويعزف ويرقص وهي ساكتة واجمة ترقب الطرق التي غصت بالخلق المتراكم عليها كما يتراكم الذباب على منضدة المطبخ فقد توافدت النساء والرجال والأطفال والعربات والدراجات في المساء نحو الكنيسة ومرت بلاتيا وهي تنظر وتنظر حتى طال الظلام بينها وبين أن ترى أي شيء ولكنه لم يعد. . ومع ذلك فهي تأمل. ومر السبت وتلاه الأحد والرقص والعزف لا ينقطعان حتى حلت الظهيرة. . . من بعيد وعلى الطريق الشرقي. . الطريق العريض المزفت. . الطريق الأسود الذي يرسل إشعاعاً حزيناً تحت أشعة الشمس والذي تغطيه الرياح بطبقة رقيقة من الغبار على هذا الطريق حوالي الساعة السادسة أي في الوقت الذي خلت فيه الطرق تقريباً من الوفود ظهرت فجأة نقطة سوداء ونهضت لاتيا ممدودة الذراعين وهي تحرك أجراسها الصغيرة. . أليس هو الذي أتى؟ نعم لقد أتى. .

لم تشك لحظة في أنه هو الذي أتى، فراحت تصرخ: - هو. . هو. . لقد انتظرته وها هو قد أتى. . ألا تروه؟ ولكنه لم يكن سوى كتلة مظلمة مجهولة تظهر على الطريق المظلم فلم يكن المرء ليميزها عن بعد ولكنها هي عرفت هيأته وطريقته في المشي، ومن هنا علقت أنظارها عليه وأخذت ترمقه من علو وفجأة ظهرت فجوة تحت أجفانها فقد انقسمت الكتلة السوداء إلى قسمين وكان من الظاهر أن أحد الكتلتين ترتدي ثياباً نسائية. وما إن وصل الرجل حتى وضع يده على كتف (لاتيا) ليبعدها عن طريقه ونادته الفتاة بصوت مختنق ثم صرخت وتابعت العويل بقوة والتفت الرجل إليها ولم يكتف بالنظر إلى وجهها بل انفجر ضاحكاً وأمسك بذراعها فنحاها عن طريقه ودخل المقهى. أما هي فقد اشرأبت نحوها الأعناق وهي تمزق ثيابها فتلقي بها جانباً ثم تتجه نحو منزلها بثياب حواء. . . لقد كان هذا الرجل خطيبها الحبيب. . . وفي اليوم الثاني قالت سيدة لأخرى - ألا تعرفين لاتيا - لا - حسناً تعالي وانظري ونظرت المرأتان. كان كل شيء قد تغير فالحديقة البديعة المنسقة قد أصبحت قاحلة جرداء وقد تكدست فيها الأعشاب الجافة ذلك أن لاتيا قد اقتلعت الأزهار وألقت بها جانباً وفجأة فتحت لاتيا باب منزلها وصرخت بالمرأتين: - ماذا أتى بكما إلى هنا؟ - من المؤسف أن تصبح الحديقة على هذه الصورة يا آنسة لاتيا. فقالت لاتيا وقد أمسكت بمنجل حاد يلمع: - أتنظران هذا. . لقد حصدتها به. . ثم ضربت به الأرض. واتجهت نحو المرأتين. وإذا بها تبدو امرأة عجوزاً وقد تدلى شعرها القذر على كتفيها بإهمال بينما ظهرت التجاعيد على وجهها كستائر سوداء مسبلة

وقد ارتدت ثياباً رمادية ممزقة فوق الذراعين!. . . [عن الفرنسية للكاتب راموز] نور الدين محروس المعهد العالي للمعلمين

خواطر تربوية

خواطر تربوية للأستاذ رؤوف جبري هنالك من يعتقد، أننا نكافح الأمية والجهل في بلادنا، كما تكافحها الأمم الراقي، التي تدفع حكوماتها، غوائلهما عن شعوبها، وتنقذها من براثنهما، ولا تدعهما يخنقان كل أمل في النهوض. ولا شك بأن صاحب هذا الاعتقاد، لا ينظر إلى مدى أبعد من أفق مدينته، حتى هذه المدينة ذاتها تتطلب عدداً وافراً من المدارس ضعف المدارس الخالية. . . فإن كانت الضرائب تضيق - ولا أظنها تضيق - عن هذا الواجب الأول من واجبات الدولة فيجب أن تزداد حتى تتسع له وتفيض. إن الأمة لا تفهم كيف يعود ولي التلميذ خائباً من المدرسة لأنه لم يجد مكاناً لابنه!، أليس من حق جميع أبناء الأمة أن يتعلموا مجاناً؟ إن العلم حق لهم وواجب الحكومة أن تعلمهم، لاسيما أبناء الفقراء وأبناء الطبقة الكادحة وواجب الحكومة أن تفعل هذا، لا أن تغلق أبواب المدارس في وجه أبناء الشعب المعوزين وتضن بمال الشعب في سبيل افتتاح المدارس!!. الوطن بحاجة إلى العلم قبل كل شيء ومن أهم واجبات الدولة إيجاد مدارس تستوعب أبناء الأمة، وتشملهم بالرعاية والتوجيه. فهل تُغرس تلك الأزهار في الطرقات؟ أم في المدارس الموكول إليها مصائر هذا الجيل!. الغرض الوحيد من وجود وزارة التربية والتعليم افتتاح المدارس، والسير بها نحو الكمال. بينما تعاني المدارس في بلادنا أزمة عامة في أغلب نواحيها. إن أزمة (القيد والقبول) في مطلع كل سنة، كافية لأن تظهر رغبة الشعب الملحة في فتح المدارس وبعث روح الجد والسمو فيها. والذي يستلفت النظر، أن هنالك من يخشى ازدياد عدد المتعلمين الذين يرتمون في أحضان الوظائف دون أن يدركوا أنها أتعس وأذل طريق للأمل والطموح. فتلك نزوة ينبغي أن تحارب، ومحاربتها أمر سهل غير عسير، إذا نبذنا بدعة تسعير الموظف بسعر الشهادة التي يحملها، لا بسعر الكفاءة أو العمل الذي يؤديه. . . إن بدعة الشهادات وحدها ضاعفت عدد المتعلمين الذين يستجدون الوظيفة استجداءً، ويتوسلون لها بشتى الشفاعات، ولقد جنينا بهذه البدعة على مستقبل هؤلاء المتعلمين إذ أوصدنا أمامهم أبواب الكفاح الحر المثمر،

وفتحنا لهم طريق المقبرة الممهد، يتدافعون عليه عميان لا يبصرون، يجب أن تلغى هذه البدعة وأن يكون الأجر في وظائف الدولة على قدر العمل، فنحن في أشد الحاجة إلى جيش من المثقفين يستبق الطريق الذي ينتهي به إلى الأهداف العليا للحياة. إن هذا الحرص الذي يبدو من شبابنا المتعلم على الظفر بوظيفة مضمونة يدعو أولي الأمر للتفكير بمقاومة هذه العلة والتغلب عليها. وذلك بتحويل اهتمام الشباب المثقف إلى الأعمال الحرة واللجوء إلى طرق فعالة لتحقيق هذا الغرض. وأجدرها بالتنويه الاعتماد على الكفاءات الشخصية والمؤهلات الثقافية، وإجراء مسابقات في جميع الوظائف قبل الظفر بها، ثم الاهتمام بسياسة التعليم العملية في مدارسنا، لأن الأخذ بهذه السياسة فيها ضمان لإحياء الصناعات وازدهار الحرف واستثمار الأراضي وإنماء الثروات وإكثار الأيدي العاملة المتحررة من أغلال الوظائف الحكومية. يخرج الشباب من المدارس والجامعات إلى العالم ليناضلوا في ميادين العمل، لا في ميادين البطالة والمقاهي. . .، وقد ملأ الأمل قلوبهم، وتحلوا بالإقدام والكفاح والابتسام للشدائد. إن الأمة لا تؤمن بالشباب القنوع بل بالشباب الطامح، الذي يقتحم شتى ميادين الحياة، ويغلب كل عوامل اليأس بشجاعته وصبره على العثرات والأشواك. ومن الظواهر التي يؤسف لها أن برامجنا ونظمنا عاجزة كل العجز عن تنشئة جيلنا التنشئة المطلوبة، مما يدعونا للقضاء على الأفكار غير المختمرة وإهمال آراء من ليسوا من ذوي الخبرة الفنية أو الذين لم يسبق لهم الاطلاع على الشؤون التي يتفرغون لبحثها إذا شئنا التحرر من الجهل ومن آفة التهافت على الوظائف الحكومية. فلا أغالي إذا ذكرت بأن تطبيق مناهجنا وتنفيذ نظمنا يعتورها النقص والتشويش وإنها بحاجة إلى التهذيب والتبديل بعد الاطلاع على أحدث النظم والاسترشاد بأكمل الوسائل وخلاصة مستلزمات التطور التربوي والعلمي. وإلى القارئ بعض الدلائل البينة على فساد الخطط والمناهج: أننا نهمل دروس الرسم والأشغال اليدوية في مدارسنا، مع أنها تنمي في مزاوليها فضيلة الاعتماد على النفس والنزوع إلى المثابرة على العمل، وتنبه ما كمن في نفوس التلاميذ، من الميل الفطري إلى مزاولة فرع من فروع العمل متى شبوا وغادروا المدارس وتصيرهم رجالاً أكبر نفعاً وأوسع خبرة بشؤون الحياة ممن لم يمارسوا هذه المواد

في عهد الدراسة. فكتابة هذه الدروس المهملة في البرامج شيء والعمل بها شيء آخر. ثم الغرض من تعليم - الحساب هو إعداد التلاميذ للانتفاع بما يتعلمونه من قواعده المختلفة في حياتهم اليومية. . . فهل يؤدي منهاج الحساب الحالي إلى هذا الهدف؟. وكذلك الغرض من التربية البدنية والكشفية تنشئة الجسم وتقويم الخلق لا إقامة الحفلات والظهور بمظاهر براقة والاهتمام بالاستقبال والترحيب؟. وأن الغرض من دروس الصحة تعويد التلميذ عملياً على العادات الصحية، لا تلقينهم معلومات نظرية ليستظهروها!! وهل تعلم أن الشؤون الصحية مهملة كل الإهمال بينما ألوف التلاميذ من فتيان وفتيات في أمس الضرورة إلى المراقبة الصحية والعلاج. ذلك بعض ما يؤيد دعوانا من أن المناهج يعتورها النقص والتشويش، أضف إلى ذلك كله خلو مدارسنا من الروح القومية التي تحبب الوطن إلى قلوب الناشئة مما يجدر بنا أن نستهدف بعث طراز قومي من التربية والتعليم يستهوي التلاميذ ويجعلهم يحملون في صدورهم أفئدة لا تفاخر إلا بقوميتها ولا تتغنى إلا بماضيها ولا تترنم إلا بلغتها، لقد أدخلنا التربية الوطنية في مناهج التعليم، ولكننا نسينا أو تناسينا أن التربية الوطنية يجب قبل أن تلقى على التلاميذ، أن يتحلى بها الكثيرون من المشرفين على مدارسنا، فهذه وطنية عملية أجدى وأنفع من دروس في التربية الوطنية تقرأ على تلاميذ يتثائبون. على كل الأمل عظيم، في أن نوفق في يوم قريب إلى القضاء على هذه الأسباب لعله يتاح لنا تحقيق كثير من الأغراض التي نستهدفها في حياتنا الجديدة فننير ظلمات شائعة ونقضي على أخطاء مألوفة. وجل ما يتمناه المصلحون ألا يكون شأنهم كالنافخين في القربة المقطوعة. رؤوف جبري

أقدار المعلمين

أقدار المعلمين قال لوثر: لولا المعلمون ما رأينا بين ظهرانينا واعظاً ولا فقيهاً ولا كاتباً ولا طبيباً ولا حكيماً، فهؤلاء جميعاً غرس المعلم وثمرة أعماله وجهوده. إن المعلم النشيط الذي يخلص في العمل ويراقب الله في واجبه، ويبذل قوته ويرضي ضميره في مهنة لا تستطاع مكافأته، وكل مال يغدق عليه وإن كثر ضئيل في جانب أياديه علينا ومعروفه فينا. ولكنا - وللأسف ملء قلبي - نغض منهم ونعرض عنهم وننظر إليهم في المجالس شزراً، ثم ندعي أننا من أمة لها مدنية ودين. لو أني أكرهت على مغادرة الوعظ والإرشاد وطلب إلي أن ألتمس عملاً آخر لم أجد عملاً أحب إلى نفسي من تهذيب الأحداث. إنك يا صاح لن تستطيع أن تجد فوق الأرض فضيلة أسمى من تلك التي تراها في رجل غريب عنك حين يجلس إلى أولادك، فيعالج نفوسهم بأنواع التأديب، ويقومها بصنوف التهذيب، متخذاً من صبره معيناً ومن إخلاصه نصيراً، ذلك عمل قلما يبذله الآباء لأبنائهم وهم أقرب الناس إليهم وأشدهم حباً وعطفاً عليهم.

الطلاق آفة الأسرة

الطلاق آفةُ الأسرة للآنسة مديحة كاظم تعاني الأمة منذ أمد بعيد أزمة اجتماعية عنيفة وتكتسح البلاد موجةٌ من الاضطراب الفكري، تكرمت على إثرها نخبة من الكتاب وساهم كل منهم بإدلاء رأي له قيمته في معالجة الوضع الاجتماعي، وبسد ثغرة من الثغرات المفتوحة في جسد الأمة. وذلك أملاً بانتشال الجيل من البحران الفكري الذي يعانيه وبإيصاله إلى شاطئ الحقيقة والسلام الذي تنتهي عنده آلام المجتمع. . ولكن علام نسعى إلى إزالة الدخان قبل أن نطفئ النار؟. . إن في جسد الأمة مرضاً فتاكاً، مرضاً من ذلك النوع الخطر الذي ينتهي بصاحبه إلى هوة العدم، مرضاً لم يخصه أحد بالبحث ولا أدري أكان إهمالاً أم تجاهلاً؟. . . وبدوري سأتحدث عنه آملة أن أوفق إلى ذلك بعض التوفيق وألا تكون حملة بعضهم علي قوية وشديدة. وسوف لا أجعل من التحدث عن المرأة بيت القصيد في مقالي لأننا لا ننكر قط خطورة الواجب الملقى على عاتقها، وقدسية العمل الذي تقوم به نحو المجتمع فيما إذا قامت بتأدية رسالتها على الوجه الأتم. تلك الرسالة التي تسير بالأمة في طريق السمو وتجعلها تتبوأ مكاناً إلى جانب الأمم المتحضرة. وقد أقر ليبنتز الألماني ذلك بقوله تنتظم حالة المجتمع متى تحسنت فيه تربية الناشئين، وإذا أردت أن تعرف درجة ارتقاء أمة ومستقبل شعبها ووضع حكومتها لاحظ فقط المبادئ التي تغرسها الأم في نفوس الناشئين. فالمرأة إذن قوام العائلة والعائلة ركن الأمة وقوامها. فأي مصير تنتظر أمة يكون قوام بنائها معرضاً للتهديم بمعول الرجل دون قيد ولا شرط؟. . . عفواً أنا لا أخص بقولي القليلين الذين يحترمون قدسية الرباط العائلي ويعرفون أهمية البناء المنزلي وإنما الفئة التي لا يهمها إلا ذاتها وهي تشكل ويا للأسف السواد الأعظم من الناس. لا شك أن كلامنا يلاحظ هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا، وكل منا يقرها بنفسه وإن يتحاشى عن الاعتراف بها علانية. فمنزلنا العربي ذلك الركن الذي يقوم عليه بناء المجتمع، هو نهب لعواصف الرجل ونزعاته. وما أكثر ما تثور تلك العواصف لا لشيء إلا لإشباع رغبة ملحة يغذيها حب ذات قوي وأنانية جارفة وجشعٌ لا حدود له. يقدم الرجل على عمله ويقوم بالهدم فيطوح بقوام عائلته في بيداء الحياة، لا لذنب فاحش

اقترفته أو لجريمة منكرة ارتكبتها وإنما رغبة في تغيير النوع، وهكذا يصوب سهام الشقاء إلى أطفاله وبنيه ضحايا النظام الاجتماعي السائد. ثم هو لا يقف عند هذا الحد بل ينظر إلى عمله بمنظاره الخاص فيراه منطقياً حسب إدعائه، معقولاً حسب تراثه الفكري ويتجاهل مدى الأثر الذي يتركه عمله في جسد الأمة. وما أكثر ما يتكرر هذا الجرم الإنساني عند سائر الطبقات. أولا يعد هذا أنانية وأثرة؟ لقد حرم الله ذلك ولم يحلله إلا ضمن قيود وشروط فجاء في الآية الكريمة يا أيها النبيُ إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه إذن علام يتجاوز الرجل حدود الله ويتخذ من الدين ذريعة لهدم البناء؟ فالدين أسمى وأنبل بل وأرفع من أن يبرر عملاً مغايراً للمبادئ الإنسانية قاطبة، عملاً فيه إجرام وتضليل وحرمان. فماذا تفيد فتاتنا ثقافتها وماذا يفيدها أدبها؟ إن لم يعترف بكيانها كربة منزل لها كرامة وحقوق في عرش منزل طالما رعته بحنانها، إن كانت هدفاً لأهواء الرجل والإصابة بالحرمان دون قيد ولا شرط!! فأي مبادئ ننتظر من مخلوق طُعن في الصميم وأصابه الحرمان؟ فقوام العائلة والحالة هذه مهددٌ بالخراب والأمة كذلك. وإذا راجعنا في قيود المحاكم الشرعية التابعة لمحافظة دمشق نرى أن عدد حوادث الطلاق لا يقل عن الزواج وأن ضحايا الطلاق من نساء وأطفال يشكل القسم الأكبر من سواد الأمة. أما الوليد ذلك العنصر الفعَال في بناء المجتمع، ذلك المخلوق الذي سيغدو رجل الأمة إن كان ولداً وأم المجتمع إن كانت بنتاً، فإلى من يؤول أمره عندما يتعرض وكره الجميل إلى عواصف التهديم وعندما يصاب بالحرمان من العطف الوالدي؟!! إن هذا الكائن يشب وروح النقمة تملأ حناياه وشعور بالخيبة والحرمان يقوده نحو الشر. ونحن ويا لله من هذا المخلوق الذي سيصبح رجل الأمة تطلب عملاً صالحاً ونريده أن يسير دفة عمله على الوجه الإنساني الأتم. فعلى عاتق من يجب أن تلقى تبعة ذلك ألم تكن على عاتق الرجل؟. . فالمجتمع يئن متوجعاً ولا ينهض إلا إذا دعمته روح التضحية الكبرى من أفراده وبنيه، والفرد لا يكون صالحاً إلا إن تجرد عن أنانيته واحترام قدسية الرباط العائلي واشترك مع

شريكته في تربية أطفاله وبنيه، وذلك ليتمكن من بناء أسرة قوية غايتها السير بالأمة في طريق الكمال. فيا شباب الوطن شيد بناء عائلتك على أساس المنطق والتفاهم النبيل ودع شعور الإعجاب بالجمال جانباً واحترم قدسية الرباط الزوجي واعلم أنك ببنائك الصغير تساهم في بناء المجتمع الكبير. مديحة كاظم المعلمة في مدرسة خديجة الكبرى

السؤال والجواب

السؤال والجواب للأستاذ عبد الرزاق جوده مما يزيدنا معرفة ويقيناً فيما نريد أن نعلمه في صف تتقد فيه الحياة، وتتأجج بين صفوفه الحيوية الناطقة، هو ذاك الصف الذي يلتهب أواصره في الحركة ويتراص ويتزاحم أفراده في الاستباق إلى الإجابة عن مادة أخذوها أو نظرية درسوها، ليسعد كل منهم في نيل قصب السبق ويتلذذ بما أوجده من الاكتشافات والخفايا المخبوءة بالنسبة إليه، هذا ولا يضيرنا إذا قلنا أن الاستجواب هو الوسيلة الكبرى لتحريك كوامن النفس الجاثية وبعثها على الوجود، وإيجاد ما في خباياها من العبقرية والمواهب، إذ هو الأداة القويمة، والدعامة المثلى في تعليمنا، والمساعد الأكبر، والركن الأساسي للطريقتين التعليميتين: (الطريقة الاستقرائية والطريقة الاكتشافية). ولا بأس من أن نسرد بعض ما يدعم قولنا ويثبت ضرورة الاستجواب والسؤال في التعليم والتدريس. 1 - الاستجواب يبث في الصف النشاط والحياة، فالتلاميذ المستصرخون لإجابة أسئلة معلمهم يمرحون في دور جديد من حياتهم يفكرون فيتكلمون، وكم هم السعداء الفائزون، عندما يجدون الجواب الصائب فيجيبون، تعليم حي ومفيد كهذا يفتق الأذهان ويتضامن ويستفيد منه الجميع لا شك أنه - دائماً - تعليم غصيب. 2 - الاستجواب يثبت ويقوي الذاكرة، وينشط على استرجاع الذكرى، في أكثر الأحايين يقف التلاميذ حيارى أمام سؤال يطرح عليهم، فيعودون إلى نبش معلوماتهم، وما تلقنوه وتعلموه، حتى إذا ما عثروا على ضالتهم اندفعوا بنثرها ومناقشتها، وبهذا تتضح أفكارهم ومعلوماتهم المختلفة الغامضة وتصبح نيرة واضحة. 3 - الاستجواب آلة المعلم الحقيقية، والحجر الأساسي في التعليم، ومعرفة النجاح. لا يستطيع المعلم التحقق من هضم تلاميذه لمعلوماتهم، والتفريق بين درجاتهم إلا بالسؤال والاستجواب. فهما اللذان ينيران له الطريق ويعلمانه ما قد توصل إليه طلابه، وما قد أفادت طريقته التعليمية. فإذا آنس التقدم والاستفادة ازداد نشاطاً وعزيمة، وإذا وجد خللاً واعوجاجاً جدد همته، واتخذ سبيلاً آخر لإتمام عمله الشاق الموكول إليه.

4 - الاستجواب يساعد الطفل على التكلم، والتفكير، والحياة اليقظة. في الطفل استعدادات كامنة لا تتحرك، فمن الخطأ أن تتركها خامدة لا تستعر، ومن الخطر أن نميتها في مهدها، فواجبنا إيقاظها وإبرازها إلى الوجود. وقد قال (بوترو المقوي في الطفل أهم الاستعدادات: (أنه لا يكفي غرس المعرفة في الطفل، بل يلزم أن ندفعه على قول ما يعرفه لأن الإحساسات الفضيلة والتأملات الصحيحة تنبعث بالسؤال إذا لم تكن ظاهرة جيداً). اطلب من التلميذ أن يتكلم بذلك تضطره إلى التفكير، وتثير فيه يقظة وانتباهاً، قال إيدن: (الكلام وراء فكرة تفيض بنبعها على سؤالك)، ففي سؤالنا للتلميذ نحمله على الإصغاء الذي يقوده إلى الإمعان والدقة في الجواب الصحيح ويخلق فيه قوة جمع الكلام الذي يسمعه فيصبح ذا إطاعة إرادية، وهي الفضيلة الاجتماعية التي تميزه على غيره، وتجعله معتبراً محترماً في نظر الآخرين. بعد هذه اللمحة البسيطة عن ماهية السؤال والاستجواب، وما فيهما من الفوائد المثمرة في التعليم والتدريس لا بد لنا أن نلمح إلى أنواع الأسئلة وغاياتها. فالسؤال إما أن يطلب فيه الإجابة عن شيء مبهم لدى التلميذ الغاية منه فهم مقدار ذكائه وإبداعه، وهذا ما نسميه (الأسئلة الإبداعية)، وإما أن يطلب منه الإجابة عن معلومات مقررة، الغاية منها تحقق هضمه لها، واختباره في فهمها، وهذا ما نسميه (الأسئلة الاختبارية). الأسئلة الإبداعية: إن الهدف من هذا النوع للأسئلة هو أنها تكشف للتلميذ الشيء الذي يراد تعليمه إياه من نفسه، لنفرض مثلاً في درس الأشياء، فالمعلم يعين الخواص الأساسية للشيء المبحوث عنه فينيرها للتلميذ بمعونة الملاحظة، وهذا يستخلص منها الأشياء المجهولة والمطلوبة التي تحيي فيه الإبداع والاكتشاف، ولنلاحظ أيضاً في درس الأخلاق - رغم سهولة الموضوع والطريقة - أنه من الضروري عرض الأشياء المتعلقة بالموضوع والممهدة لاستقرائه بأسئلة متدرجة نتوصل معها رويداً إلى حمل التلميذ على التفكير، واستخراج مادة الدرس الجوهرية وقس على ذلك بقية الدروس. فطراز كهذا في السؤال يدعى (طريقة السؤال السقراطي) نسبة إلى سقراط الذي كان يتبجح بطريقته (الطريقة الاستجوابية المولدة)، ويقول: (الأفكار وأمهات الحقيقة ذات عبء ثقيل، وفن التربية يتوقف مع توليدها، وأنا مولد الأفكار، وقد شرحت (فيناريت والدة

سقراط العاقلة سبب ادعاء ولدها (مولد) لأنه كان يولد المعرفة في تلاميذه من السؤال والاستجواب. فالمعلم على وجه الإجمال يستطيع أن يناقش كسقراط، فيهيئ أسئلة باعتناء دقيق يتمشى بها من المعلوم إلى المجهول، ومن السهل إلى الصعب، ومن المحسوس إلى المجرد، وبقوة التكرار والممارسة يصل إلى إيجاد الحقيقة، وإنارتها من التلميذ نفسه، وبذا يجلب له الغبطة والسرور بما يكتشفه. الأسئلة الاختبارية: هذا النوع من الأسئلة يفسح المجال لنا لمعرفة التلاميذ فيما إذا كانوا قد اكتسبوا معلوماتهم، وفهموها أم لا. وتكون هذه الأسئلة في ابتداء الدرس، أو في غضونه، أو في آخره. فالأسئلة التي تطرح في ابتداء الدرس تجبر التلميذ على تأدية المعلومات التي درسها أو رآها في الدرس الماضي، وتصل هذا الدرس الأخير بالدرس السابق. والأسئلة التي تطرح أثناء الدرس تقطع المواصلة في سرد الموضوع وتكون محط الرحال، فالشرح الطويل - لا شك - يجلب السآمة للتلاميذ ويخلق فيهم الملل والخمول. فمن المعقول والصواب أن يقسم المعلم درسه ويجزئه إلى فقرات، ويطلب أسئلة بين الفينة والأخرى تضرم اليقظة والنشاط يتأكد معهما فهم الدرس، ثم يعالج أقساماً أخرى غامضة، لا يفتأ بعدها أن يقطع المواصلة، ويعود من جديد إلى الأسئلة، وهكذا يبقى بين أخذ ورد حتى النهاية. في الحقيقة يجب على المعلم أن يهدم كل سير يكون على وتيرة واحدة، وأن لا يترك التلاميذ يهيمون بلا حركة. ولزاماً عليه عدا ذلك أن يعرف جيداً، أنه إذا تكلم قسطاً وافراً من الدرس يضعف في التلاميذ الانتباه، ويخمد جذوة النشاط. فعليه عندما يشعر بمثل هذه الأوضاع أن يسرع إلى السؤال، فبعض أسئلة مقتضبة حية تتطاير في الصف من هنا وهناك كأسهم توقظ النفوس، وتهز، وترفع الرؤوس وتضرم الأنظار والأفكار، وتنعش، وتزيد في الفائدة، وتلدغ الأنانية فهي المثل الأعلى في الدرس المثالي القويم. أما الأسئلة الأخيرة فهي بعد أن يتأكد المعلم من فهم درسه، وتثبيته في الأذهان، يرجع ويسأل من جديد عن النقاط الأساسية والجوهرية للموضوع، ويمكن أن يقال لهذا الشكل من

السؤال بأنه نوع من التذراية والاختيار، فهو يترك القشرة تطير، ولما يحتفظ إلا بالحبة النقية واللب الصافي. الهدف منه عادةً مراجعة النقاط المتباينة في الدرس، وتلخيصها بصورة ملائمة. وأخيراً إن الأسئلة الاختيارية لها الفضل الأعظم في مذاكرة التلاميذ بدروسهم آخر كل شهر أو نهاية كل ثلاثة أشهر، وهي المحرك الأساسي للصف، تحيي الذكريات الغامضة القليلة الوضوح، وتقوي - يومياً - المعلومات المبهجة والمشكوك في فهمها، فتزداد شيئاً فشيئاً. عبد الرزاق جوده

معرض المعرفة

معرض المعرفة حكمة المتنبي للأستاذ نهاد تكريتي حرصاً على نشر القسم الأوفى من المقالات التي ترد إلى المعرفة. فقد رأينا فتح هذا الباب لتلخيص أهم ما يتحفنا به الكتاب صور أبو الطيب الحياة في شعره أشرف صورها وعرضها في أكرم معارض فهو يريدها سالمة من كل ضيم بعيدة عن كل خسف فلا تجد في شعره إلا ألفاظ العز والمجد والكرامة وما تقتضيه من تعب الأجسام وسفك الدماء، فالمعالي لا تكون رخيصة فلابد من إبر النحل دون الشهد ولا بد من مرارة الزمان دون حلاوته، ليس الفقر أن تفقد المآكل إنما الفقر أن تفقد الكرامة. فلا يكاد العز يفارق شعره سواء أكان هذا السفر في لظى أم في جنات الخلود على من يخاف الموت فقد يدرك الإنسان وهو آمن في سربه وقد يوفي الشجاع وهو غارق في الدماء فالموت لا بد منه سواءً أفرط الرجل في سلمه أم أفرط في حربه إن غايته الموت فإذا كان الموت غاية كل شخص فلم تخفق الأفئدة من الرعب فالحتف في العز محبوب والذل في طول العمر بغيض. عش عزيزاً أو مت وأنت كريم ... بين طعن القنا وخفق البنود صور المتنبي الحياة في أتم صورها ينبغي للناس أن يهون عليهم رزء جسومهم إذا سلمت منه عقولهم وأعراضهم: يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول لا تغبط الذليل لا تهن: ذل من يغبط الذليل بعيش ... رب عيش أخف منه الحمام وقال: من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام دع نفسك تأخذ ما تستطيع أخذه من هذه الدنيا، ولكن لا تحسبن المجد زقاً أو قينة، فما المجد إلا السيف والفتكة البكر، ما المجد إلا ضرب أعناق الملوك وترك دوي في الدنيا:

ولا تحسبن المجد زقاً وقينة ... فما المجد إلا السيف والفتكة البكر وتضريب أعناق الملوك وإن ترى ... لك الهبوات السود والعسكر المجر وتركك في الدنيا دوياً كأنما ... تداول سمع المرء أنمله العشر اسع إلى المجد ما استطعت إليه سبيلاً، اطلب المال في المجد، اطلب المجد في المال، قاتل في سبيل العلا، السعادة في سفك الدماء، أين الممالك على الأسل سلم شرفك من الأذى بإراقة الدم على جوانبه. لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم اطلب حقك في الطعن، الدنيا نزاع! الموت واحد في عظائم الأمور وفي صغائرها. إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم لا تقصر في أمرك، لا تتكل على أحد، جالس كتبك فإن الكتاب خير جليس. أعز مكان في الدنا سرج سابح ... وخير جليس في الأنام كتاب أكرم الكريم فتملكه ولا تكرم اللئيم فيتمرد: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا هذه الحياة التي يريدها أبو الطيب إنها حياة سامية، حياة شريفة عالية، حياة مشوبة بالدم، حياة بعيدة عن الهدوء والسكينة، حياة طافحة بالقلق والاضطراب، حياة كلها نزاع وعراك ونضال، وهل الحياة إلا كذلك؟ وقد قاتل المتنبي وغالب وناضل طيلة حياته فما كانت حكمته إلا بنت خلقه وطبعه.

الحسد

الحسد للأستاذ كامل المهندس الحسد مرض من أمراضنا الاجتماعية المفشي بصورة واسعة وهو كالحمق لم يجد له الأطباء النفسانيون علاجاً فعالاً فالحسود يتمنى النعمة التي يراها عند الآخرين دون أن يسعى إليها وهو ينتظر أن تزول عنهم فيلتقطها أو يلتقطها غيره فيعود إلى حسده من جديد فنراه خامداً خاملاً ينظر إلى الناس بمنظار ضيق وكثيراً ما تضيق عليه الأرض بما رحبت فيطلق للسانه العنان ويتبجح عن فلان وفلان وهو لا في العير ولا في النفير وكثيراً ما بلسانه يرفع أناساً لم يكونوا ليرتفعوا أو يظهروا لو لم يقيض الله لهم لسان حسود فهو من هذه الناحية يرفع بعض الناس من حيث يريد أن يخفضهم وهو لا يشعر بما يعمل. وإذا تناولنا البحث من ناحية نفسية نجد أن الحسد يشتق من الطمع الذي يعد بمثابة مولد لكثير من الرذائل الكبرى والشرور العامة كالحروب مثلاً وقلما نجد حسوداً يتمتع بصحة جيدة لما يعانيه من ألم في النفس واضطراب في الفكر فيبدو وجهه شاحباً وجسمه نحيلاً. أما من الناحية الاجتماعية فإن الحسد يولد البغضاء والنفور بين الأفراد وإذا ما تفشى من أمة أعمل في أفرادها تفكيكاً وانحلالاً وأورث فيما بينهم العداوة والشحناء. وقانا الله شر الحسد وأبعده عن أفراد هذه الأمة الناهضة التي يجب أن تقوم على التنافس ولنبدأ نحن معشر المعلمين والمدرسين بإدخال فكرة التنافس في الطلاب ونشجع المباريات العلمية أو الرياضية ولنخصص قسماً من درسنا للأعمال التنافسية التي تولد في التلميذ حب المطالعة الدقيقة وتدفعه للبحث عن أشياء غامضة قد تغيب على أقرانه في الصف فيربح الجائزة أو الدرجة التي نوه بها أستاذه أو التي خصصها للفائز الأول. وبهذه المناسبة أريد أن أذكر وزارة المعارف الجليلة بأن تقيم في كل سنة مسابقة عامة لجميع الطلاب السوريين فمثلاً لصف الكفاءة مسابقة في الإنشاء وللصف الثالث مسابقة في الرياضيات أو العلوم الخ. . . وترصد في ميزانيتها مبلغاً لجوائز ثمينة يتنافس في إحرازها كل تلميذ، ولا بأس أن تتعدى هذه المسابقة سوريا إلى البلدان العربية الأخرى.

ذكريات في الدراسة والتدريس

ذكريات في الدراسة والتدريس للآنسة بلقيس عوض إن حياتنا المدرسية لم تكن جميعها شقاء بشقاء بل هناك كثير من الساعات الجميلة والدروس الممتعة ولكن ساعات السرور قصيرة مهما طالت بعكس ساعات الألم والشقاء فهي طويلة مهما قصرت وفوق هذا لا تنسى مهما طال عليها الأجل. كما أنني أكون جاحدة إذا سهوت عن ذكر أساتذة ومعلمات في مراحل دراستنا الثلاث مثلاً أعلى في التدريس والثقافة والأخلاق. وبالنهاية تركنا الدراسة ونحن نظن أننا تركنا الشقاء والسهر إلى الراحة والطمأنينة والنوم وإذا العكس بالعكس، كنا نشقى بأنفسنا وإذا بنا نشقى بثلاثين نفساً، كنا نتحمل مسؤولية نفس واحدة وأما الآن مسؤولية نفوس عديدة يتوقف علينا ولا وجداننا مستقبلها ومستقبل الوطن فيا لها من مهنة جليلة وممتعة بآن واحد. أولا يكون ممتعاً أن تترك الرياء والخداع في محيطنا عدة ساعات من النهار وتحيا بين السذاجة والبراءة؟ وأن تلقي معلومات على نفوس غضة فتفرح لتقبلها وتتشجع لغيرها وأن تسمع لشكواهم وتصغي لمشاكلهم وتحلها لهم؟ وأن تتقبل تلك النكات المملة والأسئلة البديهية برحابة صدر كما تحملها منك بعض أساتذتك؟ أوليس جميلاً حقاً أن تبتعد عن تلك المواقف التي طالما كنت تتألم منها وتشكو، من جهة أساتذتك؟ فلله ما أعظم السعادة التي نشعر بها بين هذه النفوس البريئة!. . . فلكل من التدريس والدراسة إذن لذته وألمه هذا كل شيء في الحياة. ولكن والحق يقال كأن الآلام التي لقيناها والجهود التي بذلناها وقت الدراسة قد دفنت في اللاشعور فأصبحنا لا نشعر إلا بالساعات السعيدة التي قضيناها والتي لا بد وأن تظللها أحياناً سحابة الألم المكبوت تلك السحابة التي لا تلبث وأن تمر بسرعة تحت ضغط حنين جامح لا سبيل لإيقافه، حنين إلى الدراسة ولم تبتعد عنها بعد، ما حنين يشبه ذاك الذي يشعر به الغريب في غربته والظمآن في فقره والطفل لأمه. وهكذا فنحن في حنين وذكرى

للماضي وجهد وأمل في الحاضر لجعل تلاميذنا ينهلون العلم الحق والأخلاق الفاضلة ويتمتعون بحياة مدرسية سعيدة لتبقى لهم ذكرى حسنة بكل ما في هذه الكلمة من معنى جميل.

لون من الأدب

لون من الأدب بغداد: للأستاذ عبد الرسول علوان سمعت صباح اليوم سياسياً يقول: يجب أن يعرف العراق الطب الواقي والطب الشافي وهو كسياسي إلى هنا تنتهي مهمته من طب الأبدان. . . أما أنا فلا أجد ما يمنعني من القول على هذا النهج نفسه: يجب أن يكون لنا أدب واق وأدب شاف. . . وأنا كأديب، من هنا تبدأ مهمتي من طب النفوس. . . وليس واجب الأديب الذي يكافح الجهل ويقوم النفوس، أقل شأناً من واجب السياسي الذي يكافح الجوع ويقوم الأبدان. وفي أدبنا اليوم، وفي كثير من نواحيه على الأصح، ميوعة وتيارات غريبة ماكرة ترتدي ثياب الإغراء الوقح، فحذار. . حذار!. . فالأدب إن أعوزه التوجيه فهو فاقد لأولى صفاته، وإن أعوزه التعبير القوي الرائع، فما هو من ثم من الأدب في قليل أو كثير. وهناك أدباء يوجسون من الواقع خيفة، فهم لذلك تائهون في بيداء الضلال! ومن واجبنا أن نقول للخراف الضالة انبذوا السوريالزم، فلس ثمة أدب هو فوق الواقع لأن مخيلة مهما كان نصيبها من العبقرية، لن تستطيع أن تعلو على هذا الواقع بل إن عبقريتها تتجلى من التعبير عن هذا الواقع الذي تمقتونه.

مشاكل التعليم

مشاكل التعليم وضع المعلم الابتدائي للأستاذ أديب شاكوج 1 - برنامج ضخم مشوش. 2 - ثماني ساعات مرهقة في جو صاخب. 3 - مناوبة مضنية أسبوعية. 4 - بيئة مدرسية سيئة وأخلاق معوجة. 5 - ازدحام في بناء غير صحي. 6 - إهمال بيتي وتقصير حكومي في حق الطفل. 7 - الاهتمام بالقشور دون اللباب. 8 - تعليم آلي مجرد خال من العاطفة. 9 - فقدان الصلاحيات المسلكية والإدارية والتوجيهية لدى المعلم. 10 - فقدان الثقة بين الوزارة والإدارة وبين الطالب ووليه ومعلمه. 11 - متحف مدرسي هزيل. 12 - فقدان المصورات العربية وقلة العناية بوسائل الإيضاح. كيف ينصف المعلم الابتدائي 1 - إعادة النظر في البرامج وتخليصها من الحشو. 2 - إنقاص ساعات التدريس وجعل الحد الأعلى (25) ساعة في الأسبوع. 3 - زيادة في الرتبة والراتب. 4 - منحة امتيازات أدبية ومادية خلال العطلة. 5 - تعليم أبنائه وبناته مجاناً داخلياً في مدارس الدولة. 6 - مكافحة الازدحام وتحديد عدد الصفوف. 7 - تطبيق قواعد الصحة المدرسية. 8 - فتح مصح ومستوصفات مجانية للمعلم وأسرته. 9 - تكليفه الأعمال الإدارية والصحية والزراعية والاجتماعية في النواحي والقرى. وبناء

دور سكن صحية له في القرى. 10 - العمل الجدي على رفع مستواه الثقافي والأدبي والمادي. 11 - تزويد المدارس بالوسائل الإيضاحية والكتب القيمة العامة والتربوية. 12 - تأسيس متحف مدرسي يحوي الأوائل الضرورية لتعليم العلوم. 13 - منح المعلم عشرة أيام على الأقل فرصة للراحة والاستجمام بعد كل ترتيب مدرسي.

درس نموذجي للجنة المحاضرات

في أصول التدريس درس نموذجي للجنة المحاضرات القراءة الصف: الثالث المدة: 30 دقيقة للقراءة و 15 للخط المادة: قراءة وخط الموضوع: الخريف وسائل الإيضاح منظر خريف (واضحة فيه علائم هذا الفصل) سير الدرس 1 - يعرض المعلم صورة الخريف على أنظار تلاميذه ثم يناقشهم عليها أي فصل ترينا هذه الصورة (الخريف). من أين علمتم؟ (الغيوم، ميل الأشجار، دليل الرياح، تساقط ورق الشجر على الأرض، الحراثة والبذار من خصائص الخريف، العنب والتين من ثمار الخريف، انقضاء الحر) على أن لا تزيد هذه المناقشة على خمس دقائق. 2 - يلخص المعلم هذه الأجوبة بعبارات سهلة مستوحاة من نص القراءة. 3 - تكون الكتب مغلقة أمامهم فيطلب المعلم فتحها، ثم يتلو عليهم النص كله بتأن ووضوح وحسن أداء مع تمثيل المعنى بالصوت. 4 - يعيد المعلم قراءة النص، فيفسر معاني الجمل ومفرداتها بطريقة الاستجواب وهي. الحر قد ولى - ولى ذهب الأشجار مثقلة - مثقلة محملة فما أشهى فواكهك - ما أشهى ما ألذ يأمل فيض المحصول - الفيض الزيادة كثرة الغلات - الغلات محاصيل الأرض وهو كلما استنتج معنى اللفظ سجله على السبورة، حتى ينتهي تفسير النص، ويطلب من التلميذ إيراد كل من المفردات في جملة من عندهم، ويحسن به أن يطالبهم بإيراد أضداد بعض المفردات مثل:

ولّى - أقبل. اللذة - الألم. الفيض - النقصان. العذب - المر. وهم إن لم يستطيعوا الإتيان بهذه الأضداد مدهم هو بها لتوسيع مادة لغتهم. 5 - يسدل الستار على السبورة ويعيد قراءة النص جزءاً جزءاً والتلاميذ يتابعونه بالأداء واللهجة والوقف، حتى ينتهي النص. 6 - يختار المعلم بعض التلاميذ مبتدئاً بالأقوياء لقراءة النص ومحاكاته فيه مراعياً إصلاح الأخطاء والعناية بجودة الإلقاء، وتمثيل المعنى وبث روح الجرأة في نفوس الطلاب حتى يتمكنوا من إجادة قراءة النص، ولكي يقرأ أكبر عدد من التلاميذ يحسن أن يقرأ الواحد منهم جزءاً واحداً من النص، ويتمم الآخر الجزء الذي يليه، وهكذا. 7 - ثم يجري المعلم قراءة زمرية، ثم جماعية. 8 - يطلب المعلم من أحد التلاميذ النبيهين أن يلخص النص كما عرضه هو في بدء الدرس، وفي حالة وجود مغزى لنص القراءة يطلب المعلم إلى التلاميذ أن يجدوا مغزى بأنفسهم. 9 - يطلب إلى التلاميذ أن يخرجوا دفاترهم النهارية ويثبتوا فيها المفردات المكتوبة على السبورة. 10 - يطلب المعلم إلى التلاميذ أن ينشدوا مقطعاً من نشيد قومي يكون فاصلة بين درس القراءة ودرس الخط الذي يليه. الخط مدته 15 دقيقة تكون أدوات الكتابة جاهزة فيطلب المعلم إلى تلاميذه أن يفتحوا دفاترهم النهارية وأن ينسخوا السطر التالي، جو الخريف جميل وفواكهه شهية وخيراته كثيرة. خطوات الدرس 1 - إما أن يكون بأيدي التلاميذ نماذج مطبوعة وحينئذ يكتبون النموذج كلمة كلمة بعد شرحه ويمر المعلم بينهم للوقوف على أخطائهم والتأشير عليها. 2 - وفي حالة عدم وجود النماذج المذكورة يعمد إلى السبورة ويقسمها إلى قسمين قسم للشرح، وقسم يكتب فيه النموذج (سواء كان مطبوعاً عندهم أو لم يكن مطبوعاً) مع لفت أنظار التلاميذ إلى كل كلمة يكتبها، ويطالبهم بقراءتها مجتمعين ليظل انتباههم موجهاً إلى

السبورة وليشاهدوا تماماً حركة يده وكيفية سير الحكك أثناء هبوطه وصعوده فرق السبورة. 3 - بعد أن يكتب التلاميذ النموذج المذكور (سواء كان مطبوعاً عندهم أو مكتوباً على السبورة) سطرين يأمرهم بوضع أقلامهم ويرشدهم على السبورة (في قسم الشرح) إلى صواب الأخطاء الشائعة بينهم كحرفي الجيم والهاء الواردين في النموذج. والتي لم يحسنوا رسمها في التجربة التي أجروها في دفاترهم. مستعملاً في ذلك الحكك الملون. مع إيضاح المسافات التي بين أجزاء الكلمة الواحدة. ومقدار حجم الجزء وميله واستقامته وكيفية وصل كل حرف بالآخر. 4 - يطلب إليهم أن يكتبوا سطراً واحداً ويمر بينهم فيشمل دفاترهم بنظرة عجلى ليتأكد أنهم لم يهملوا العناية بالكتابة، فينوه بالمجيدين منهم وينشطهم. 5 - ثم يأمرهم بتجفيف دفاترهم وحفظها. ملاحظات - يجب أن يلاحظ المعلم الجلسة الصحية عند الكتابة. وحسن استعمال الأقلام والدفاتر، وأن يضع التلاميذ أيديهم اليسرى على الجزء الأعلى من الدفاتر، وأن ينتبهوا على تخفيف غمس القلم بالمداد.

دروس التربية البدنية

دروس التربية البدنية بإشراف الأستاذين أنور تللو يحيى الشركس المراقب العام للتربية البدنية مراقب التربية البدنية في دمشق الجدول الخامس 1 - المشي أماماً ثم التبديل للمشي مع رفع ركبة وذراع مضادة أماماً، فالتبديل للحجل مع رفع ركبة والذراع ثم التغيير للجري للوقوف في التكوينات المفتوحة. 2 - [وقوف. ثني الركبة] الحجل في المكان بأربعة عدات ثم مد الركبة وثنيها (مرتين) مع مرجحة (النواس) 3 - [وقوف. الذراعان جانباً] ثني الذراعين ومدهما عالياً ثم تحريكهما جانباً ثم ثنيهما ومدهما أماماً ثم تحريكهما جانباً ثم ثنيهما وخفضهما. النداء: الذراعان. . . . ثني عالياً. . . . . مد جانباً. . . . . ضع الذراعان. . . . . ثني الذراعان أماماً. . . مد الذراعان جانباً. . . ضع الذراعان ثني. . . ثني الذراعان أسفل. . . خفض التمرين كله بالتوقيت مع الاستمرار. . . ابتدئ 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1 (يكرر) 4 - [جلوس طويل. انحناء] اليدان بجانب القدمين، مد الجذع عالياً خلفياً مع وضع الذراعين مائلاً أسفل. (شكل1) النداء: مد الجذع عالياً خلفاً بعدتين. . . ابتدئ 2، 1 (يكرر) 5 - [وقوف. سند المشط جانباً] الحجل مع تبادل وضع المشطين جانباً. النداء: الحجل مع تبادل وضع المشطين جانباً بالتوقيت. . . ابتدئ 2، 1، 2، 1 (يكرر)

6 - [جلوس القرفصاء. انثناء عرضاً] لف الجذع جانباً مع قذف ذراع، ثم قذف الذراعين جانباً (مرتين). (شكل 2) النداء: مع قذف الذراع اليسرى، الجذع لليسار. . . لف مع الانثناء عرضاً، الجذع أماماً. . . . . . لف قذف الذراعين جانباً مرتين بأربعة عدات. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1، قذف2، قذف 4 التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1، 4، 3، 2، 1 (يكرر) 7 - [وقوف مواجهة. تشبيك الذراعين] وثبتين في المكان ثم الوثب عالياً مع فتح الرجلين بالاستناد على ذراعي الزميل واللف جانباً. (شكل 3) 8 - [جلوس القرفصاء] مد الركبتين عالياً بالتبادل ثم مدهما عالياً مع تحريك الذراعين جانباً ثم الرجوع للوضع الأساسي. (4 عدات) النداء: لمد الركبتين عالياً بالتبادل. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 لمدهما معاً وتحريك الذراعين جانباً. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1. التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ شمال، تحت، يمين، تحت 4، 3، 2، 1 9 - [جلوس طويل. الظهر على الظهر. الذراعان عالياً. تشبيك] ثني الجذع أماماً بعدتين لحمل الزميل على الظهر. النداء: لحمل الزميل الجذع أماماً بعدتين ثني 2، 1. الجذع عالياً بعدتين. . . مد2، 1 التمرين كله مع التوقيت البطيء. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 (يكرر) 10 - [وقوف فتحاً] مرجحة النواس (مرتين) مع ترك الذراعين عالياً بالمرة الثانية فثني الجذع جانباً بالتبادل مع ثني ركبة مضادة بأربعة عدات. النداء: مرجحة النواس مرتين مع ترك الذراعين عالياً في المرة الثانية. . . ابتدئ 1، 2، 3، قف. ثني الجذع جانباً لليسار مع ثني ركبة مضادة. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 أو شمال مد، يمين، مد. التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 شمال، مد، يمين، مد (يكرر). 11 - [وقوف مواجه] الوثب في المكان 8 عدات ثم وثبة الرقص جانباً مع الدوران على

محيط الدائرة. 12 - [وقوف مواجه] معاونة زميل يحاول الوقوف على يديه يأخذ التلميذ الذي سيقف على يديه وضع نصف الجثو مستنداً بيده على الأرض ورافعاً ركبتيه عنها، بينما يقف الثاني مواجهاً له وسانداً إحدى ركبتيه على كتف زميله وممسكاً بيديه وسطه ليعاون زميله الذي يضغط بمشطي قدميه على الأرض محاولاً الوقوف على يديه. 13 - [وقوف فتحاً] مرجحة الذراعين أماماً فلف الجذع جانباً مع قذف ذراع وتثبيت الأخرى أماماً. النداء: الذراعان أماماً. . . رفع مع قذف الذراع اليسرى الجذع لليسار. . . لف، أماماً. . . لف التمرين كله مع التوقيت مرة لليمين ومرة لليسار. . . ابتدئ أمام لف، أمام خفض أو 4، 3، 2، 1. الجدول السادس 1 - [الوقوف مواجهة] تقسم الفرقة على قسمين يقفان في رتلين يفصلهما خمسة أمتار ويفصل بين كل تلميذ وآخر من الجانب أربعة أمتار وتسمى الفرقة الأولى بفرقة المساجين ويطلق على الثانية اسم الحراس وبإشارة من المدرس يحاول المساجين الهرب باقتحامهم صفوف الحرس بينما يحاول الحراس لمسهم أو اقتفاءهم للقبض عليهم فكل مسجون يلقى القبض عليه يضطر على حمل الحارس الذي ألقى القبض عليه حتى الهدف المعين خلف صف الحراس. وتعاد اللعبة بتغير دور كلا الفريقين وتستغرق اللعبة خمسة دقائق. 2 - [وقوف] الوثب في المكان مع ثني الذراعين ومده عالياً وأسفل، ثم ثنيه ومده جانباً وأسفل. النداء: الوثب في المكان مع مد الذراعين عالياً وأسفل. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 أو ثني، فوق، ثني، تحت. الوثب في المكان مع مد الذراعين جانباً أسفل. . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 أو ثني، جنب، ثني، تحت. مع التوقيت التمرين كله. . . . . . . . . ابتدئ (يكرر)

آخر مرة. . . . . قف 3 - [إقعاء] رفع قدم عن الأرض ومد الركبة أماماً مع مد الذراعين لأية جهة لحفظ التوازن بعدات بطيئة. التمرين:. . . . . ابتدئ (يكرر) بالتبادل. 4 - [وقوف على أربع] ثني الذراعين لملامسة الأرض بالرأس فمدهما وضغط الكتفين بأربعة عدات. النداء: ثني الذراعين ومدهما وضغط اللوحين مرتين. . . ابتدئ ثني، مد، ضغط، ضغط مع التوقيت التمرين. . . . . ابتدئ 4، 3، 2، 1 (يكرر) 5 - [جثو الذراعان متصالبتان أمام الجسم] مرجحة الذراعين مائلاً عالياً. النداء: مرجحة الذراعين مائلاً عالياً مع التوقيت. . . . ابتدئ 2، 1 (يكرر) 6 - [وقوف فتحاً. الظهر مواجه. تثبيت] ثني الجذع جانباً مع رفع الذراعين عالياً اتجاهية مضادة. النداء: الجذع لليسار. . . ثني الجذع عالياً. . . مد التمرين مع التوقيت وباستمرار. . . ابتدئ شمال، مد، يمين، مد (يكرر) 7 - [وقوف فتحاً. الظهر عل الظهر، تشبيك] رفع الزميل على الظهر. النداء: لرفع الزميل على الظهر ببطء. ابتدئ (يكرر) 8 - [الوقوف في التكوينات المفتوحة] الوثب فتحاً مع رفع الذراعين جانباً عالياً للتصفيق فوق الرأس. النداء: الوثب فتحاً مع رفع الذراعين جانباً عالياً للتصفيق فوق الرأس. . . ابتدئ فتح، ضم، فتح، ضم (يكرر) 9 - [انبطاح. سند الجبهة] ثني الجذع خلفاً مع تحريك الذراعين جانباً مع ثني الركبتين لرفع القدمين عن الأرض. النداء: ثني الجذع خلفاً مع تحريك الذراعين جانباً وثني الركبتين بعدتين. . . ابتدئ 2، 1. للوضع الأساسي بعدتين. . . . رجوع 2، 1 أو 4، 3، 2، 1 (يكرر)

10 - [رقود] رفع الرجلين وثني الجذع لملامسته الأرض خلف الرأس بالقدمين ثم الرجوع للوضع الأصلي مع رفع الجذع عن الأرض وثنيه أماماً لملامسته مشطي القدم باليدين. النداء: لملامسة الأرض خلف الرأس الرجلين عن الأرض. . . رفع لأخذ وضع الجلوس وثني الجذع فوق الركبتين الرجلين أماماً. . . ضع لوضع الرقود. . . رجوع. التمرين كله. . . ابتدئ (يكرر). 11 - [رقود القرفصاء. سند الرأس] رفع الجذع عن الأرض مع مد الركبتين، مستنداً على الرأس والقدمين. النداء: لرفع الجذع عالياً عن الأرض بعدتين. . . ابتدئ 2، 1. الجذع على الأرض. . . ضع 2، 1. التمرين كله بأربعة عدات. . . ابتدئ رفع، 2 خفض، 4 أو 4، 3، 2، 1 (يكرر). 12 - [وقوف] الوثب في المكان مع ثني الذراعين ومدهما فتحريكهما جانباًَ وخفضهما للضرب على الفخذين. النداء: مع التوقيت التمرين. . . ابتدئ ثني، مد، جنب، خفض أو 4، 3، 2، 1 (يكرر). 13 - [وقوف] المرجحة العامودية (مرة) ثم المرجحة بزاوية (مرة). النداء: المرجحة العامودية فالمرجحة زاوية. . . ابتدئ، أمام، أسفل، أعلى، أسفل، أمام، جنب، أمام، أسفل (يكرر). 14 - [وقوف] الطعن أماماً مع التقدم أماماً وتحريك الذراعين أماماً وخلفاً بقوة. 15 - [وقوف] تشكيل عجلة اليد من الزميل ومعاونته للمشي أماماً عل اليدين. 16 - [وقوف في الرتل الثنائي أمام مقعدين] قذف الكرة خلفاً للزميل مع السير على المقعد [تعمل بشكل مسابقة بين الفريقين والفريق الذي يمر آخر تلميذ في الرتل هو الفائز]. 17 - [وقوف في التكوينات] مرجحة الذراعين جانباً عالياً للتصفيق فوق الرأس مرتين ثم خفضهما جانباً أسفل للضرب عل الفخذين مرتين. النداء: التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ تصفيق، تصفيق، ضرب، ضرب أو 4، 3، 2، 1 (يكرر).

نشاط الهيئات

نشاط الهيئات مؤتمر التعليم العالي لمنظمة الأمم المتحدة تلقت هيئة التعليم الابتدائي بدمشق رسالة من مؤتمر التعليم العالمي جاء فيه بأن مكتب المؤتمر يسره أن يتصل بهيئة التعليم الابتدائي في الجمهورية السورية المستقلة التي أصبح لها كيان دولي مرموق، ويسره أيضاً أن يتم التعاون بين رسل العلم والثقافة في العالم لتوطيد سلم ثابت الأركان. فأجابت الهيئة مرحبة بالفكرة، موافقة على الاقتراح، ومؤكدة أن المعلمين هم رسل السلم الصادقون. . وتلقت أيضاً من فرع الإذاعة والدعاية لهيئة الأمم المتحدة كتاباً تخبرها عن الصحف والمجلات والكتب وبرامج الإذاعة وأوقاتها التي تعمل في سبيل تعريف العالم بأعمال الهيئة وتوجيه الرأي العام العالمي شطر ضرورة المؤسسات الدولية. وهي ترجو من هيئة التعليم إرسال مقترحاتها في كيفية تسهيل الاتصال وبيان وسائلها الخاصة الممكنة للعمل في هذا السبيل. . . وقد اهتمت الهيئة بهذا الاقتراح المفيد وبدأت تعمل لجمع الوسائل والمواد اللازمة لذلك. تأسيس فريق كرة قدم للمعلمين رأت هيئة التعليم الابتدائي أن بعث الروح الرياضية في المدارس واجب وطني ضروري وأن بعثها في أوساط المعلمين لا بد أن تجد صدى حماسياً في أوساط الطلاب، لاسيما وأن بعض المعلمين الشباب هم رياضيون ممتازون فانتدبت اللجنة الإدارية عضوين من أعضائها وهما الأستاذان رؤوف جبري وسليم الزعيم للاتصال بالمعلمين الرياضيين وتأليف فريق كرة قدم منهم. فلاقت الفكرة الاستحسان والقبول وأخذ فريق المعلمين بعد العدة للتمرين والنزول إلى الساحة ليباري أشد الفرق وأقواها. هيئة التعليم الابتدائي تقابل الوفد السوداني وصل دمشق في اليوم السادس من شهر آذار وفد السودان القائم برحلته في الأقطار العربية، لتعريف العرب بقطر عربي يرزح تحت وطأة الاستعمار الإنكليزي، ذلك الاستعمار الذي أجمع السودانيون على مكافحته وضرورة الخلاص منه، وهي أمنية ليست عزيزة على شعب وطد العزم على متابعة الكفاح والنضال في سبيل الحرية والاستقلال.

إن سكان السودان يبلغ عددهم ثمانية ملايين والأمية متفشية فيهم تماماً، ولا يزيد عدد المدارس الابتدائية من أهلية وحكومية عن 31 مدرسة يبلغ عدد طلابها 1763 طالباً، بينما عدد الأطفال الصالحين للتعليم يبلغ 2301052 طالباً. حول الملاك كانت هيئة التعليم قد رفعت إلى المجلس النيابي عريضة باعتراضات مؤتمر هيئات التعليم في مص على المرسوم الاشتراعي ذي الرقم 61 ولكن علمت الهيئة أن لجنة دراسة ملاك المعارف لم تأخذ إلا ببعض الاعتراضات، لذلك رفعت الهيئة عريضة جديدة تؤكد فيها تمسكها باعتراضاتها السابقة لاسيما في الأمور التالية: 1 - ضرورة إلغاء الماد التاسعة من المرسوم 61 التي لا تجيز لغير حملة شهادة دار المعلمين اجتياز المرتبة الثامنة ما لم يؤدوا فحصاً مسلكياً. 2 - إعفاء المعلمين من فحص اجتياز الحلقة. 3 - جعل مبدأ تعيين حامل شهادة دار المعلمين الابتدائية في المرتبة السابعة والدرجة الثالثة ورفع مبدأ تعيين حاملي الشهادات الأخرى بالنسبة نفسها. تعويض الفحص ورفعت هيئة التعليم عريضة إلى وزارة المعارف بشأن التعويضات التي أقرت في المرسوم ذي الرقم 53 بما يخص الاشتراك في فحوص الشهادة الابتدائية عن دورة حزيران 1946، وقد ذكرت في العريضة الألم الذي ساور نفوس المعلمين من اهتمام الوزارة في صرف تعويضات المدرسين وإهمالها لمصالح المعلمين، وأشارت العريضة إلى نسيان المراجع للمعلمين في حالات الغنم وتذكرهم في حالات الأعمال والتطوع الأخرى وطالبت بضرورة تدبير المال الكافي لصرف التعويضات قبل حلول فحص الشهادة الابتدائية لهذا العام. مندوبا المجلة انتدبت اللجنة الإدارية لهيئة التعليم الابتدائي عضوين من أعضائها هما الأستاذان رؤوف جبري وعزة صيداوي ليساعدا لجنة التحرير في الإشراف على القسم المسلكي من المجلة.

الأرقام

الأرقام للدكتور عادل العوا أغلب الظّن أن الإنصاف يقتضي وضع الأمور في مواضعها، وإعطاء ذي الحقّ حقّه، ومن الإنصاف ألاّ تعتب الإنسانيّة الطّيبة على مؤسّسها الصالح، الأب آدم الأول، وألاّ تكثر لومه وتأنيبه، فقد حدّثنا العهدان القديم والجديد، السابق واللاّحق، عن خطيئة اقترفها آدم المسكين، وهي خطيئة الثمرة الممنوعة، وقد اقترفها في ظروف مخفّفة جدّاً، من إغراء وتشويق، ومن إرضاء ولميل فطريّ نحو المعرفة بالخير والشر، وعندنا أن هذه الخطيئة ليست سيّئة جدّاً، بل هي، على كلّ حال، بسيطة جدّاً إذا قيست بجرائم أدبيّة كبرى اقترفها بنو آدم من الإنس، وأخصّ منها بالذكر اختراع الأرقام. لقد لُعنت الأرض، وهبط آدم من جنّة عدن إلى شرقي جنّة عدن، أو إلى مكان من كرتنا الحاليّة، وأصبح بالتعب يأكل أيّام حياته، وبعرق جبينه يتغذّى حتّى يعود إلى التّراب، وشاركه أبناؤه العناء والشّقاء، والأرجح أنّ آدم المسكين لم يكن خبيثاً ولا شرّيراً، بل خيّراً محترماً، فقد فبل الجزاء راغباً، ولم يفكّر في طلب الانتقام، ولم يعمد إلى التّشفّي في طلب الانتقام، حتّى من تلك التي غررت به، وهي منه، فجعل المرأة شريكته وعونه وأمّ أولاده ووالدة الإنسانيّة، وفي هذا كثير من النّبل حقّاً، وفيه من السّذاجة ما يليق بآدم الأول، غير أنّ حبّ الثّأر والانتقام إنّما وجد فيما بعد، لسوء الحظّ، وأصبح الشّر يسيطر على النّفس الإنسانيّة ويحملها على التسلّط والنّفوذ، فسعت إلى استبدال جنّة آدم بجنّة الأرض، والاستعاضة عمّا فات بما يوجد، وكان أن صنع الإنسان سلاحاً عجيباً، فيه القوّة وفيه الضعف، سلاح الإنسان على صورة خلقه، وهو سلاح الأرقام. خطأ وضلال سمعت البارحة شخصاً يقول لصاحبه، وهما يمتطيان سيّارة، أن العقل السّليم في الجسم السليم، فيجب أوّلا العناية بالجسم السّليم. وثار بينهما خلاف ونقاش، فهل يؤخر الأوّل أو يقدّم الثاني، ولست أظن خصومتها سوى الأرقام، أيعني الإنسان بجسمه أولاً حتّى يصبح الجسم سليماً ثمّ يعني بروحه، أم العكس أسلم وأصحّ؟ وعلا حديثهما، واشتدّ الدّفاع عن الرّأي، وفسد الهواء، وإذا بشيخ مهيب، ولكنّه شاب العمر، ضخم الرأس، قوي العضلات،

حليق ما تحت الطربوش، يجرف بأثوابه المقاعد والعيون، ويأخذ مكاناً في أعماق السيارة، حيث مركز الثقل، ثم يدلي شفتيه المتورّمتين، وينثرها أصواتاً مرتفعة عالية، وليت هدفه إعادة السكون، وإرجاع الطمأنينة إلى النفوس، غير أنّه صاح بالسائق زاجراً، وندّد به بقسوة وعنف، وطلب منه أن يقف، ويرجع به إلى الساحة، لأنّه كان يودّ السفر إلى الجنوب، والسّيارة هذه تحمله إلى الشمال، فقد أخطأ الشيخ المعصوم، وأصل خطئه التباس الأرقام عليه، وكلّمنها يشير إلى ناحية جغرافيّة معيّنة، ويدلّ على حيّ من أحياء المدينة خاص، وهو لم يألف بعد مثل ذاك. سلاح الأرقام والظّاهر أن الطبيعة تعجز عن مقاومة سلاح الأرقام، وأن الكون أضعف تخطّي الأرقام، فلم يبق آدم تراباً عندما هبطت في ترابه الرّوح، وأصبح مضاعفاً كالرقم اثنين، وخلق في جسمه القلب الذي ألحقت ذيول وأغصان وحبال، وخلق جهاز الهضم إلى جانب جهاز الحب وجهاز التنفس والحركة والعظام، وكأم قلب الإنسان لم يكف الإنسان، فازدواج بصراه وسمعاه وقدماه ودراعاه، وتخمّست حواسه ثم أصبحت سداسيّة الرقم أو أكثر ولم تكفّ فخلقت له حوّاء، حجماً وقيعاً، وكان من اجتماع الاثنين إنسان ثالث ورابع وخامس، حتّى بلغت الإنسانيّة أرقاماً ضخمة وضربت بالحدود القصوى، فملئت الأرض، وكان من امتلائها العمران والدمار، وازدهرت الحياة كما ازدهر الموت، وأتت الأرقام تحصي الناس عدّاً في السّلم وفي القتال، في الولادة وفي الوفاة. رأى الله كلّ ما عمله فإذا هو حسن جدّاً، ذكراً أو أنثى خلقهم، وكان مساء أضيف إلى مساء، وكان صباح أعقبه صباح، يوماً سادساً بعد يوم خامس ورابع وثالث. . . وهذه هي أيضاً الأرقام. حرب ناعمة غير أنّ للأرقام في تاريخ البشريّة وظيفة عظمى، وأثراً جدّياً هامّاً جدّاً، فهي أصل التفكير السحري الذي يشوّه عاطفة الدين، وهي أصل التفكير العلمي الذي يخالف السحر ويخالف الدين معاً، وهي أصل السياسة الإنسانيّة، وبالتالي إنها المحرّك العميق للمجتمع وللأخلاق وللتاريخ وللفن، ولم يبق سليماً إلى حدّ محدود، وقدرٍ مقدور، سوى الفلسفة من إنتاج ذكاء

الإنسان، ولكن الفلسفة الإنسانيّة اليوم تنزع أيضاً إلى أن تصاب بداء الأرقام، وهي لا تدلّ على مناعة غير موقوتة، ولا تبشّر بنجاة غير زائلة. تجزأ العيش الإنساني عندما آدم، وصار إلى أغرق وأغرق، فجعل البشر كرة أبهم الأرضيّة تتألّف من منطقتين، وجعلوا قارّاتها خمساً، وجعلوا أقاليمها سبعة، وجعلوا خطوط الطّول ثلاثمائة وستّين درجة، في سلّم دائري، وفصلوا الشمس عن القمر، وجمعا في النيرين، ونشروا أرقامهم فلحقوا بالسّيارات الّسبع، وأذاعوا في الطبيعة فأعلنوا عليها حرباً ناعمة فتّاكة، حرب الأرقام، وكان منها مدينة الإنسان. السحر أمّا السحرة فقد خالفوا الأنبياء في قيمة الأرقام، وجعلوا منها طلاسم وتعاويذ، وأصبحت السبعة رمزاً للفضائل، وأصبحت الثّلاثة عشر إنذاراً بالموت، وصار لكلّ يوم ربٌُ فلكيّ، بل صار لكلّ ساعة ربّ، فربّ الأحد مثلاً هو الشّمس، وهو ربّ الساعة الأولى. والزّهرة ربّ الساعة الثانية، وعطارد هو ربّ الساعة الثالثة، وهكذا، وصارت الطبيعة الفلكية والطبيعية الحيوانيّة والطبيعة الإنسانيّة سلاسل من الكائنات والأرقام فالأفلاك والبروج والحدود والنّوبهرات والبيوت. كلّها اثنا عشرية الأصول، مرقّمة الفروع، كثيرة الأرقام، دقيقة التّرقيم. والبيت الأول يقال له الطالع وهو يدل على الأبدان والحياة والبيت الثاني قال له بيت المال والبيت الثالث يقال له بيت الإخوة. . . والسابع بيت لنّساء وهو يدلّ على النّساء والتزويج وأسبابه والخصومات والأضداد والثاني عشر بيت الأعداء وهو يدل على الأعداء والشقاء والحزن والغموم والحسد والنميمة والمكر والحيل إلى ما هناك. العلم ومن السحر نشأ العلم، فكان عمر الشمس وعمر الإنسان، وتأثّر الثاني من الأول، وأصبح عمر الإنسان يقدّر بمائة وعشرين سنة، وكان لسائر الكواكب أعمار على ثلاث مراتب، كبرى ووسطى وصغرى، وأصغر أعمار الشمس تسع عشرة سنة وأوسط أعمارها تسع وثلاثون ونصف، وما لبث أن خُلق الذكاء الإنساني علم الفلك من صناعة السحر والتنجيم، وأصبحت الأرقام روح العلم كما كانت أداة الشعوذة، وأصبحنا نقيس عمر الأرض، وعمر الطبيعة، وعمر الجبال، وغور الوديان والبحار، ومساحة الكرة الأرضيّة وسرعة هطول

الأمطار، ودرجة انصهار الجليد، وتسارع سقوط الأجسام، ووزن كتلة الذّرّة، وقوّة الرّاديوم، وانحراف اتجاه النّور، وبنينا من الأرقام المعادلات الكثيرة المعقّدة النافعة والضّارة، فصنعنا الماء من غازين، وحلّلنا اللحم إلى فحم، وضغطنا حرّية الغاز، ونافسنا الطّير في جوّه، والأسماك والحيتان، وأصبحت لنا غوّاصات وقاطرات، وفوقها خلقنا الّفن الطّائرة التي لنا آذان من غير أسلاك، وتجاوبنا عن بعد، وأتى الرادار فاستفاد من مزج أرقام سرعة الصّوت مع أرقام وزن الأجرام المادّيّة وأرقام قوانين الاصطدام وانعكاس، فتضاءل السّحر أمام العلم، ولكنّ السّحر والعلم يتّفقان في استعمال الأرقام. الأخلاق ثمّ عاد الإنسان من الطبيعة إلى الإنسان، فجعل في كلّ شيء رقماً، وجعل الأرقام كلّ شيء، فأراد أن يقيس فعله ورد فعله، كما قاس قوّة الانفجار وقوّة الاستمرار، وحاول أن يجعل الإرادة أقوى وأضعف، أطول وأقصر، وميّز الرّغبة عن التصميم وعن العزم، وقال أنّ القلب له واحد، فبنى الزواج مثنى وثلاث ورباع، ووجد أنّ الجوهر برّاق كعيون حسناء قيمة تقاس بالأرقام، وراقه لون الذهب فشبّه به الشعر الجميل، وجعل من الذهب أقاماً تنقذ ثمن ذات الشعر الجميل، ودرى أنّ جمال البدر هو سنّ الربعة عشرة أو حولها، وأنّ القبح أعظمه في أرقام السّبعين أو التّسعين، ومارس العاطفة فحسب أنّ لها ولادة وموتاً، فوضع أرقام المهر أيضاً نصفها عند الفراق والطّلاق، ووضع (الدوطة) أرقاماً تغسل بها العيوب، وتستر النّقائص، ووجد أنّ الناس في الحب درجات كاحتراق البارود وانصهار الجليد، وصنع ذكاء الإنسان قواعد العرف ومواد القانون، وأصبح القتل يعوّض بالقتل أو بالدنانير، واتخذ الشرف أرقاماً يقدّرها الخبراء في المحاكم وقد لا يكونوا شرفاء، وبانت الأرقام فعّالة جدّاً في المجتمع وفي الأخلاق، بها تقاس الثروة والجاه، وهي تفتح مغالق الرّأي العام، وبها يوزن الضّمير في الامتناع عن الاختلاس، وبها توزن العفّة عند الكذب والتّعمية والبهتان. الإحصاء وبعد هذا وذاك، خلق الإنسان فكرة الإحصاء، فصنع سلاحه المرهف الذي به يضاهي سلطان الإله، أو يزعم، أو يريد. فلإحصاء وسيلة تساعد الإنسان على تذليل صعوبات

الحياة، وهو شفرة ذات حدّين، تمكّن بإحداهما من الجهل فتبتره وترديه، وتمكّن بالآخر من النقص فتدلّ على جرثومته، وتنادي بضرّورة القضاء عليها، وإزالة الضعف، وإرجاع الكمال. إنّ الإنسان المتمدّن يؤمن بالقوّة، وبدين بالأرقام، وقد اتخذ الإحصاء معياراً يقيس به القوّة، ويحدّد كلّ شيء، ومن الجهل والسذاجة أن نرى غير ما هو، ونصدّق غير ما نبصر، فالدّول العظيمة اليوم هي الدّول الكبرى بأرقامها، وبجميع هذه الأرقام، تقدّر نفوسها بمئات الملايين، وتقاس اقتصاديّتها وجحافلها ومخابرها وجامعاتها بميزان الأرقام، ومن شأن الإحصاء العالميّ أنّ يرسم سلّم عظمة الشعوب قوّة وضخامة، ويظهر حيوّيتها الزراعيّة والصّناعيّة والتّجاريّة والحربيّة والعلميّة، ونحن علينا أن ندرك ذاك، ونطلب من كلّ حقيقة أعظمها، ونجعل هدفاً لنا غاية درجات السّلّم كي نفوز. ولكنّ الأرقام، مثل كلّ سلاح، هي حياديّة ذاتها، قد تحسن أو تسيء، تبعاً لجودة استعمالها أو عدم جودة استعمالها. وإذا عرف العدو أرقام إحصاء عرف مبلغ القوّة، ووضع بذكائه تصميماً يعيّن احتمال التّطور القريب والبعيد، وأعدّ العدّة الملائمة، ووصل إلى مراميه الشريرة من أقرب طريق، وأسهل سبيل، وذلك بالأرقام. أمّتنا المناهضة والأرقام في المجتمع تدلّ على رفاهيّته وحيويّته، فأنت بها تعرّف النّشاط والتّجدد أو الخمول والذبول، وأنت بها تدرك صحّة نظام المجتمع إن كان النّظام صحيحاً، فعلى كلّ مجتمعٍ ألاّ يفصل حياة الجسم عن حياة الروح، فليس الجسم السليم أحقّ بالعناية في أمّةٍ حيّةٍ من العقل السليم، وعلى كلّ مجتمعٍ أن يحصي سكّانه ويساوي بين حقوقهم ليساوي بينهم في الواجبات، وعلى كلّ مجتمع أن يفهم نسبة الأميّة ذيوعاً، فيعالج انتشارها المخجل، ويعمل على التّحقق من أسباب فتك المرض بالأطفال وبالفقراء وبالزرع وبالعمّال، ويحرص في مكافحة الدّاء حرصه على مكافحة الأميّة التي تحرم الإنسان من وجوده كإنسان. لقد خلق الله البشر، فخلق البشر الأرقام، وإذا كان الله صالحاً كلّه، فالبشر ليسوا جميعاً أمام الخير سواء، والأرقام هي ما يحارب به الإنسان الطبيعة ليتغلّب عليها ويسخّرها، وهي ما يخدع به البلهاء من ضعاف العقول سحراً وشعوذة وطقوساً، وإذا انتهى التّطور بالإنسان

فهبط من السّماء إلى الأرض، فإنّه الآن يرغب عن السّماء إلى المجتمع، ويكاد يعنى بالسيطرة على النّاس، وإذلالهم، أكثر من إيمانه بطاعة الله، وأصبحت القيم الروحيّة ثانويّةً هزيلةً والأمم النّاشئة المتجدّدة، كأمّتنا العربيّة اليوم، ليس لها أن تتغاضى عن حقيقة النّمو الإنسانيّ العالميّ، وإذا أخذت سوريّة المستقلّة بالإحصاء فهي خطوةٌ ذكيّةٌ أولى، لا تتمّ إلاّ إذا أحسن إتمامها، ومن المعروف أنّ الأرقام في الإحصاء كائناتٌ صامتةٌ يجب أن تفسّر تفسيراً علميّاً دقيقاً، ويجب أن تتّخذ هذه الأرقام المفسّرة لما صنعت له، أيّ وسيلة للإصلاح الاجتماعي، الذي يجعل المجتمع السّوري والمجتمع العربيّ ناهضاً على أسسٍ من العلم الإنسانيّ المتين، فلا نقتصر على القشور، ونعمى في الجدل حول تقديم العناية بالجسم على العناية بالروح، أو نغفل عن قراءة معاني الأرقام وراء الأرقام، فنحن نأخذ من الحياة العالميّة بسبب متزايد باستمرار، ولكن ليس ينقذنا أنّ نقلّد من غير فهم، ولا أن نتظاهر بالقول من غير عمل وإنا لننتظر من الإحصاء وبعد الإحصاء الإصلاح الصّحيح / إصلاح الفرد وإصلاح الجماعة، وإنّ التاريخ والوجود ليقرآن حقّ الفرد العربيّ والجماعة العربيّة في النّهضة والتّقدّم والحياة. عادل العوا

لغة فنون البناء

لغة فنون البناء للدكتور سليم عادل عبد الحقّ محافظ دار الآثار الوطنيّة ومدرسة التاريخ القدبم في كلّية الآداب بدمشق مهما حاول الإنسان أن ينعزل في الطبيعة وأن يفيء إلى نفسه ويخلد إلى إحساساته، فعبثاً يفعل لأن الطبيعة غير محدودة وليس لها أوّل ونهاية. فلا البحر ولا الجبل ولا الغابة بمكنتها أن تمنحنا مكاناً محصوراً نلتجئ إليه إلى رحبته الضّيقة فينقطع اتصالنا بالعالم الخارجي ونشعر براحة من وجودنا وأنفسنا في حيّز صغير من الفراغ. وأكبر الظّن أن فنّ البناء ولد من هذه الحاجة وأن الرجل الابتدائي أراد من تحديده قطعة من الأرض بجدار أحاطها به وسقف رفعه فوق هذا الجدار أن يخلق لنفسه عالماً صغيراً محدوداً خاصّاً به. ومهما يكن فقد استطاع كلّ امرئٍ في المجتمعات الأوّليّة وفي المجتمعات الراقية أن يتّخذ لراحته جوّاً صغيراً يقوم على كتلة من التراب وعدد من الأحجار، وجعل ينظّم كلّ ذلك على شكل قلّما يتّفق والشكل الذي يبدعه رجل آخر بحيث أن شخصّيته نطبع بناءه بطابعها كما تطبع فنيّ النّحت والتّصوير اللذين يعبر بواسطتها عن خوالجه النفسية وأفكاره وأحلامه، تتبدّى خلال منشآته كما تتبدّى خلال تماثيله وتصاويره. وفي الواقع إنّ العناصر التي يتألّف منها فنّ البناء محصورة ولا يمكن أن تتبدّل بتبدّل الأشخاص والأزمنة وتتلخّص في العمود والتّاج والعضادة والقبّة التي أوجدها الإنسان منذ أقدم الأزمنة فأصبحت مشاعاً بين البشر أجمعين، تملكها كما الإنسان منذ أقدم الأزمنة فأصبحت مشاعاً بين البشر أجمعين، تملكها سوريًة كما تملكها أمريكا ويتصرّف بها العرب كما يتصرّف بها العجم. إنّما تختلف الأبنية باختلاف مزج هذه العناصر ببعضها وبتنظيم الجدران التي تحدّد جوّها وبإقامة جهاز من الفراغات فيها من الفراغات فيها يسمح لسكّانها بتلقّي نور الشمس، وبتوزيع أقسامها الداخلية حسب رغائبهم. وفي كل هذا يفرّق إنسان عن إنسان وتختلف بيئة عن بيئة ويتميّز عصر عن عصر. فمما لا شكّ فيه أن نفسيّات الأفراد والشعوب تظهر بوضوح خلال فن البناء وخلال الأشكال والعناصر التي يتألّف منها هذا الفنّ. فإذا نظرنا إلى أبنية المصريين القدماء وجدنا

أن جدرانها من أسفلها إلى أعلاها مبنيّة بأحجارها كبيرة ملساء، يخيل للمرء إذا تقرّب منها أنّه يدفع عنها بقوّة خفيّة مع أنّها بحذق ومهارة ومنطق لا غبار عليه، ولا ريب أن هذا كمالها هذا يجعلنا نشعر بإحساس بارد يوقفنا على عتبتها ويمنعنا من النّفوذ إلى داخلها، فمن المحقّق أنّه لكي يستطيع امرؤٌ أن ينفذ إلى داخل منزل أو آبدة لا يتحتّم عليه أن يجد بابه مفتوحاً فقط بل يجب أن يشعر أنّه سيستقبل ويلقى فيه كلّ ترحاب، وكما قلنا أنّ الجدار المصري القديم أملس ومغلق يسقط كأنه جاهز بين سكّان الآبدة المصرية وبين العالم الخارجيّ فيمنعهما من إقامة أي اتصال كان. وقد رأى بعض الباحثين أن في فنّ البناء الفرعونيّ تعبيراً عن الفزع الذي كان يشعر الرجل المصري القديم والذي كان يدفعه إلى البحث عن وسائل تؤمّن له الخلود، وأنّه يحوي عناصر تعاكس الطّبيعة وتطوّر البشريّة. نحن وإن كنّا نرى هذا الرّأي تماماّ إلا أننا نشارك أصحابه بأن المصريين كانوا يتوحّدون من إشادة أوابدهم أن يهربوا بواسطتها من مصير كلّ البشر وأن يوجدوا لأنفسهم ملاجئ تعصمهم من الفناء وتبقيهم لا في قيد الحياة بل في قيد الموت. والأهرام والمصاطب والمدافن المصريّة التي تعب بإنشائها سكّان وادي النيل القدماء شاهدةٌ حتّى يومنا هذا على سيادة الموت ونكران الحياة. ثمّ أننّا إذا دخلنا إلى داخل أكثر المعابد المصريّة ولا سيّما معبد الإمبراطوريّة الحديثة لوجدنا أنّ النور الذي هو عنصر الجمال الأساسي في الفضاء لا يصل إليها، فالأعمدة وتيجانها أشكال صلبة متجمّدة ومتراصّة لا حياة فيها، لا يستطيع المرء أن ينفذ بينها بسهولة ويضطّر للتوقّف لأنّ المسافة بين عمود وآخر صغيرة، والطّوق والنوافذ في الجدران قليلة ولا تسمح بإضاءتها إلاّ بشحّ زائد. أمّا داخلها المختصّ بعيادة الكهّان وخلوة الفراعنة مع الآلهة فهو موشّح رهيب، يفصل المرء عن العالم الخارجي. ويخيّم عليه سكون القبر العميق. ولا ريب أنّ أكثر فنون البناء القديمة تشارك فنّ البناء المصري في صنعته الموحشة هذه وما وصلنا من آثار لفنون السّومرييّن والبابليين والحثّيين والفينيقيين لا يجعلنا نبدّل هذا الإحساس. وهناك أبنية أخرى أقرب من المتقدّمة عهداً تعبّر وتتكلّم بنفس اللغة فمنشآت الفنّ الرّوسي الذي سبق في أوروبا الفنّ القوطيّ وازدهر خلال القرن الثامن عشر الميلادي

تمثّل حياة الرهبان الخشنة الذين عملوا على إشادتها، وتنمّ عن رغبتهم في التّقشّف والنزوع إلى مثل أعلى ديني مطلق. لذا فإن الأحجار التي بنيت منها ليس فيها حياة، على حين أنّ الأحجار في بعض الفنون التي عاصرتها تؤلّف عنصراً حياً يشعّ بالفرح والضّياء كما هو الحال في الفنّ الأندلسي العربي. ويتحوّل أحياناً الشعور بالخوف الذي تلهمنا إيّاه مبتكرات فنون البناء القديم إلى شعور عنيف مشابه للقلق والإطراب والبحر الذي ينتاب النفس ويسدّ عليها مسالكها كما يظهر ذلك لذا تأمل بعض الأوابد الهنديّة القديمة. وفي الواقع إذا كان فنّ البناء الفرعوني القديم تّصف ببرودته ويمنع منطقه العقلي كلّ شعورً وتحسسّ إلاّ بعاطفة الخوف فإنّ فنّ البناء الهندي القديم يختلف عنه كلّ الاختلاف فأوابده ومخلّفاته مشبعة بحياة غريبة حارّة تشبه طبيعة البلاد التي نشأت فيها. وهي تنتصب أمام من يتأمّلها كأنّها الهمّ الكبير يجده صاحبه أنّى اتَّجَه أو الكابوس الذي لا سبيل إلى الخلاص منه. وتقدّم إليه أشكالاً محدّبةً كبيرةً وغنيّةً تجعله يتنفّس في جوٍ من الحيرة والدّهشة والقلق لا حدّ له. وما ذلك إلاّ لأنّ نسبها كبيرة تنشر باتساع ما تحويه من أشكال مرعبة مخيفة مؤلّفة غالباً من رؤوسٍ ضخمةٍ حقيقيّةٍ وغير حقيقيّة. ويلقي داخل المعبد الرّوع في النّفوس كخارجه فيشعر المرء وهو يلج بابه أنّه قد ملكته قوّة غريبة سيطرت على حواسّه فتتعسّر أنفاسه إليه أنّه مجذوب ومدفوع في آن واحد وغارق في خضمٍ لا نهاية له. على أنّ الإنسان لم يبدع فقط أشكال الخوف والوجل والعذاب في فنّ أبنائه، فقد عبّر في مبتكراته أيضاً عن الفرح والإشراق والهناء حاذفاً منها كلّ ما يوحي إلى النّفس بالكآبة والحزن والاضطراب. فثقب الجدران بفتحات كبيرة وأدخل إلى داخل أبنيته الضّياء والهواء. والمعبد اليونانيّ القديم أحسن الأمثلة التي تساق في هذا المقام عن الأوابد التي تعبّر عن السعادة والتطلُّع الباسم إلى الحياة. وهو كما قال بعضهم ليس قائماً على أعمدةٍ بل على موكبٍ من الرجال الأحياء يلفّهم النّور والهواء فيؤلّفون لحناًً حيّاً تنسجم نغماته وأيّ انسجام. هذا وبناؤه موجّهٌ كلّه إلى الخارج فالعواميد محفورةٌ بأخاديد شاقوليّة مستقيمة يلعب بها النّور، وداخله مفتوح وغير مغلق، فيه شيءٌ كثيرٌ من سعة العالم وجماله، ويتصفّى فيه الضّياء خلال مصفاةٍ دقيقةٍ. فيرى إلى جانب النّور الوضّاح شبه الظّل ثمّ الظلّ كلحنٍ موسيقيٍّ عذبٍ تضمحلّ نغماته شيئاً فشيئاً. وقد

اقتضى نشوء اليوناني تحررّاً مطلقاً من كلّ خوف وكلّ قلقٍ توازناً مدهشاً بين كلّ العناصر البنائيّة وسعادةً نَعِمَ بها الإغريق ردحاً منّ الزّمن، فعبّروا عن كلّ هذا بخطوطٍ أفقيةٍ لها اتّزان داخليّ معجب دون أن يكون لها في الخارج أشكال غنيّة كثيرة. ولا يمكن أن يشاهد هذه الموسيقى المتجمّدة ومثل اتساقها الساحر إلا في عهدٍ آخر اكتملت فيه ملكات الفرد وتحررّ خياله وجعل يبني البناء وذلك في عصر النّهضة الإيطاليّة في النّصف الثّاني من القرن الخامس عشر وأوائل القرن السّادس عشر. ولا ريب أن الأشكال التي تتّصف بمثل هذه البساطة وهذا الجمال نادرةٌ. إلاّ أنّه يوجد نوع آخر من الأبنية جميلة وقويّة بآن واحد. وذلك لوجود اندفاع داخليّ قويّ فيها يهيمن على أشكالها ويمنحها صفة خاصّة. وتختصّ بأنه لا يوجد فيها توازن البتّة، وأنّ خطوطها غير أفقيّة بل عموديّة تسمح للمرء أن يصعد إلى السّماء أجنحة غريزتّه. والفنّ القوطيّ مثل جميل عن هذا الاندفاع، وقد أملأ بآثاره المعجبة أوربا الغربيّة والشّماليّة. وتحمل كاندرائيّات رانس وستراسبورغ وكولونيا وبامبرغ وغيرها دروساً بليغة فيها منطق ووضوح ورجولة ونزعة شرقيّة وكثير من الجنين ينمّ عنها كلّها التي تطاول السّماء وتماثيلها الحيّة وزجاج نوافذها الملّون. أمّا فنّ البناء العربيّ الذي علّم فنّ البناء القوطيّ شيئاً كثيراً من نظريّاته فهو فنٌّ فيه الكثير من السحر الأخّاذّ والرّوعة الفتّانة. فخارج البناء يدلّ على داخله وهو يجذبك من بعيد ويدعوك إلى الدخول إليه يدعو الهواء والضياء اللذين ينشرهما في غزارة وعن سعة قلّما أن توجد في أي بناء آخر في العالم، ويستقبلك استقبالاً عذباً ويؤنسك فلا تشعر فيه بأيّة وحشة. وأنت هنا أمام نفسيّة جديدة، فالعمود ليس له قاعدة ويستند مباشرة على الأرض، والخطوط أفقيّة أو محدّبة تلقي في النّفوس شيئاً كثيراً من الأحاسيس الحلوة. فإذا دخلنا إلى مسجدٍ فإنّنا نشعر بمشاعر خفيّة لأنّ الفراغ هنا لا يهرب إلى السّماء كما هو الأمر في البناء القوطيّ ولا ينحصر الأمر في بقيّة الفنون الشّرقيّة، إنّه فراغ متّزنُ ولا يرفع المرء ولا يدفعه إلى خارج البناء بل يلقي في نفسه كثيراً من الراحة والطمأنينة ويفتح أمام عينيه عالم الأحلام بما فيه من أقواس منسّقةٍ تنسيقاً جميلاً كأنّها وجدت لقياس الفراغ، وترجع ألحاناً تردّدهما بنسقها الرتيب وبعذوبةٍ كلّية. ويقوّي هذا الشعور في أنفسنا إذا دخلنا إلى منزل عربيّ. ففيه ماء وخضرة وهدوءٌ تمنحنا

وجداناً شعريّاً عذباً، وفيه أروقةٌ خفيفةٌ هوائيّةٌ ذات أعمدةٍ دقيقةٍ تساعدنا على مفارقة أرض الحقيقة والتّحليق في سماء الخيال. ونحن لا نحفظ عنها إلاّ انطباعاتٍ نفسيّةً هي أشبه بالأشكال التي يراها المرء في الأحلام. وما ذلك إلاّ لأنّ إطاراتها غير محدودةٍ ولا واضحةٍ، وأقواسها اللطيفة مسنّنة كالأزهار تزركش الفضاء وتقسمه إلى زخارف يضيع بتأمّلها الخيال مسّه بالواقع. واستناداً على ما تقدّم فإننّا نستطيع أن ننقل أحاسيسنا في فنّ البناء إلى لغة تصويرية. وكما فعل الشاعر الإفرنسي الرمزي (بودلير) في إحدى قصائده في الرمز إلى الأشياء ببعض الألوان فإننا نقول إن فنون البناء الشرقيّة ولا سيّما فنّ البناء المصريّ يجعلنا نفكّر باللون الأسود بعدها عن الحياة. ويذكّرنا باللون الأحمر جو الفزع والقلق والاختناق الذي تنشره أبنية الفنّ الهندي القديم بما فيها من أشكال تشبه الرّؤوس الآدميّة فتبعث اندفاعات نفسيّة حاميّة بتدافعها وتعاقبها وتجمعها دون توقّفٍ ولا راحةٍ كأنّها حركة اللهيب. وترسم المعابد اليونانيّة أمام أعيننا بإشراقها وضحكها وسعادتها لون الشمس الأصفر الذهبي. أمّا الأبنية القوطيّة والأبنية العربية فهي تبعث التأمّل باللون الأزرق الصافي لأنّ الأولى تطاول السماء باندفاعها الداخلي والثانية تجعلنا نحلّق فوق أجنحة الخيال إلى الجوزاء. ونصل أخيراً إلى فنّ بناءٍ يتّجه اتّجاهاً خاصّاً فتبقى جذوره مغروسةً في الواقع ويختلف عن كلّ ما تقدّم. وهو فنّ البناء المعاصر الذي لا يبحث الإنسان خلال منشآته عن ملجأ يعصمه من أعراض الطبيعة بل إنّه يسعى إلى سيادتها والاستيلاء عليها والنّظر إليها من علٍ. ويكفينا أن نجتاز بعض شوارع مدينة دمشق أو القاهرة الجديدة حتى نشعر أنّ الإنسان المعاصر قد ساد الأرض وتحكّم في الفراغ. فمواضع الأبنية قد خصّصت في أمكنة معيّنة من الفراغ حسب تخطيطات وتصميمات سابقة. ثمّ وصل بينها بشوارع ضخمة طويلة تضيف خضرة الأشجار والحدائق المغروسة على جانبيها أو في وسطها، جمال الطّبيعة إلى جمال الفن. ولا يسع المرء تلقاءها إلاّ أن يشعر أنّه في عالمٍ منظّمٍ لا محلّ فيه للخيال الجوّال التّائه. وغير خافٍ أنّ التّصرّف في الفراغ على هذا الشّكل يسمح للفنّان أن عبّر عن شخصيّته وأن يظهر خوالج نفسه الخفيّة كما يسمح لشعبنا أن يظهر خصائصه العّامّة. والخلاصة أنّ الإنسان يغيّر صفات الحجر ويستطيع أن يعبّر بواسطته عن حالات نفسيّة

مختلفة حسب ما يسعى إلى وضعه فيه من إتّزان واتّساق وتناسب واندفاع وتنظيم. وما لغة البناء إلاّ الشّكل الّذي تنظّم بواسطته عناصر هذا البناء والطّريقة الّتي يوزّع بها الإنسان النّور بالنّسبة إلى الظّل. وهو يستطيع حسب حالاته النّفسيّة أن يخلق فنّاً يولّد الأسرار أو فنّاً ثانياً يوحي بالقلق والاضطراب أو فنّاً ثالثاً مشرقاً يبعث على التّأمّل أو يحثّ على العمل. سليم عادل عبد الحق

صفحة من تاريخنا

صفحة من تاريخنا للدكتور نور الدين حاطوم إنّ عمر سورية التاريخي يبدأ منذ الألف الأول في تاريخ الإنسانية ففيه بدأت الشعوب تستقرّ واستوطن الفينيقيّون المناطق الساحلية. وانتظم الآراميون في الداخل بشكل دولٍ صغيرةٍ. وفي عهد الإمبراطوريات كانت سورية مسرحاً للمصريين والكلدانيين والآشوريين والفرس. وفي العام (333) قبل الميلاد فتحها الإسكندر المكدوني وانطبعت بطابع الإغريق في عهد ورثته السلفكيين. وفي القرن الأول قبل الميلاد ورثها الرومان عن اليونان إلا أنّ هؤلاء استرجعوها في آخر القرن الرابع للميلاد على يد البيزنطيين ودامت تحت حكمهم حتى القرن السابع للميلاد. عرفت سورية خلال هذه العشرة القرون الخصب والرفاه الاقتصادي وساد فيها السلام وقامت فيها أعمال عمرانية كبيرة وتعددت طرق استخدام المياه واتّسع نطاق الزراعة حتى وصلت حدود الصحراء. وعقب هذا الفتحَ الغربي الفتحُ العربي الإسلامي فرفع سورية إلى أوج العزّ السياسي. وعلى يده توحّدت لأول مرّةٍ آسيا العربية من طوروس إلى اليمن وغدت خلال ثلاثة قرونٍ - أي حتى انحطاط الدولة العبّاسية - مركز السياسة والمدنيّة. إلا أنّ التفوّق السياسي زال عن العرب فيما بعد ونزلت الشعوب الجبلية من فرسٍ وأكراد وتركٍ من جهة الشرق والشمال الشرقي والشمال وتغلغلت في الجسم العربي واستحوذت على السلطة وأبقت للخلافة اسمها الخيالي. وفي أثر ذلك انفصمت عرى الوحدة السياسية ورجعت كلّ منطقةٍ إلى انفرادها وأصبحت كلّ بلدةٍ مركزاً لمملكة مستقلّةٍ. وفي القرن الثاني عشر اجتاحت الحروب الصليبية البلاد ولبثت سورية خلال قرنين كاملين تناضل العالم الأوروبّي وأحيطت أكثر المدن بالأسوار ونتأت الحصون والقلاع وتبدّل بالمجمل شكل البناء. وأخيراً تضافرت القرى المسلمة على صدِّ هجوم الفاتحين وتمّ اتّحادها على يد صلاح الدين الأيوبي. غير أنّ الحملة الأخيرة قد كللت بالنّصر على أيدي سلاطين المماليك الذين استطاعوا أن يزيحوا عدوان الغرب ويصدّوا غارات التتر

والمونغول. وفي السنين الأخيرة من القرن الثالث عشر بدأت سورية تأخذ ملامحها التي ما زالت تحتفظ بكثيرٍ من قسماتها حتى اليوم. ومنذ فاتحة القرن السادس عشر أي منذ واقعة مرج دابق (1516م) فتح الأتراك العثمانيّون سورية ودام حمهم إلى القرن العشرين. وفي غضون ذلك قُسِّمت سورية إلى ولاياتٍ منفصلةٍ يقوم على كلٍّ منها باشا وهو الوالي. كان هَمُّ هؤلاء الباشاوات إملاء جيوبهم بالمال حتى أنّ الرشوة وفساد الأخلاق أصبحا في عهدهم قاعدةً يجري عليها من أكبر رأسٍ إلى أصغره في الإدارة. أما رائد سياستهم فتلك الحكمة القائلة فرّق تسد كما كانوا بإهمالهم شؤون الرعية يفسحون المجال إلى التّقاتل والتناحر إذ لم ينصفوا المظلوم ولم يأخذوا لصاحب الحقِّ حقّه. وهذا ما كان يدعو صاحب الحقِّ للاعتماد على قواه الخاصّة في تحصيل الحقِّ من غريمه وعمَّ الاضطراب وسادت الفوضى. وزاد الطب بلاءً أنّ التوسّع الأوروبّي في غضون القرن التاسع عشر أخذ يتجلّى بأشكاله المختلفة من مالي واقتصادي واستعماري. وروحي ويتمشّى في جسم الإمبراطورية العثمانية (ذلك الرّجل المريض) ويتّخذ من وسيلة للحماية والتدخّل. واتضحت هذه السياسة للعيان عندما كانت روسيا تريد وضع يدها على المضايق لتجد لها منفذاً إلى البحر المتوسط. حتى أنها لم تأل جهداً ولم تترك واسطة إلا استعملتها سواء بالسلاح أو بالدبلوماسية مدّعيةً أنها الحامي الطبيعي للروم الأرثوذكس في الشرق ومستندة على نصوص معاهدة (كوجوك قينارجي) (1774) التي تخوّلها ذلك. ولم تكن فرنسا بأقلّ منها طمعاً بهذه البلاد وكثيرا ما كانت كروسيا تعتمد على نصوص الامتيازات التي خوّلها إيّاها السّلاطين الأتراك منذ سليمان القانوني وفرنسوا الأول أي منذ العام (1536). وخوف إنكلترا على طريق الهند هو الذي حدا بها أن تسدّ الطريق على بونابرت وتقف في سبيل محمد علي باعث النهضة العربية. ولتعدّل كفّة الحماية الدينية من روسيّةٍ وفرنسيّةٍ تظاهرت وزعمت أنّها تحمي الدروز.

حدث عن هذه المصالح المتضاربة فتنٌ ومذابحٌ تلوّنت بلون الدين ولم تكن في الحقيقة سوى مظهراً من مظاهر البحث عن الزّبائن، وضعف الأتراك وقلّة تدبير الولاة. ولئن صرّحت المحافل الروسية والإنكليزية والفرنسية أنها لم تكن لتهتمّ بقضايا الشرق إلا لإقامة العدل ورفع مستوى المسيحيين من أبنائه فلم يكن لك إلا نقاباً يغطّي وجه الاستعمار الشّنيع. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ودخلت سورية تحت نير الانتداب، اتّبع الفرنسيّون سياسة الأتراك وبزّوا سياسة أساتذتهم بمراحل واتّبعوا في ذلك خططاً مرسومةً وقواعد محكمةً. ولم يتركوا كتلةً من الكتل الشعبية أو نزعةً انفصالية أو نعرةً إقليميةً وطائفيّةً وعائليةً إلا وشجّعوها ونمّوها وسخّروا لكلّ ذلك قواهم الفكرية والروحيّة والعسكرية. ولولا أنّ هذه المحاولات كان يعدّل من وطأتها يقظة العاطفة القوميّة وأنفة العزّة العربية وتقدّم الثقافة والإيمان بمستقبل البلاد لكنّا في عهدهم في حال انحطاطٍ أنقص وأشدّ وقعاً من عهد الأتراك. ويرافق هذه الظروف الدينية والسياسية كثرة الغزوات الخارجية والداخليّة فمنذ أن تفكّكت أوصال الأمّة العربية أي منذ أن انهارت الدولة العباسية وقعت البلاد في عهد فوضى وعدم استقرار وكانت مسرحاً لغزو التتر والمغول على موجاتٍ متقطّعة إلا أنّ هذه الغزوات كانت في مدّها كوارث عظيمةً. ويضاعف هذا الغزو الأصغر غزو البادية، لأنّ حياة السوريّ الحضريّ جانب البدويّ كثيراً ما كانت مهدّدةً بعدوان القبائل من أبناء السّهوب المجاورة وفتيان الصحراء. ويعظم هذا الغزو كلّما لمس البدو ضعفاً في سلطة الحاكم وقلّت رقابة الجنود الموكل إليها حفظ الأمن ويندفعون نحو القرى والمدن يعملون فيها والنّهب والسّلب والتخريب، وإلى الطرق يقطعون فيها المواصلات ويشلّحون القوافل وتدوم الأزمة هكذا حتى يتاح للبلاد سلطةٌ قويّةٌ تعمل بحزمٍ وتعيد المياه غلى مجاريها. وعن هذا العدوان ينشأ الخوف والفزع واضطرابٌ جعل الأمن واعتمادٍ جعل واعتمادٍ الإنسان على قواه الفرديّة في الدفاع عن نفسه فإمّا أن يقوم فيقطع الطريق ويطلق العنان للطمع النّفسيّ والجشع الخلقي وإمّا أن ينزوي في كسر بيته أو يعتصم بالجبال. وفي كلّ

ذلك مجلبةٌ للنّزاع والفوضى والمشاحنات بين العائلات أو بين القرى وفي ذلك شرٌّ على الخير العام. وإنّ سورية لتحتفل اليوم باستنشاق عبير الحرّية التّامّة، والاستقلال المجيد، وقد حقّ لها أن تموج عزّاً وتتيه فخراً، ولكن لا مناص من الرجوع إلى تاريخنا الحافل بالأحداث نستوحي منها سبل العمل الجدّي في الاحتفاظ بالاستقلال والنهوض بصرح الحرّية حتى نبلغ الكمال. نور الدين حاطوم

غرائب الطباع

غرائب الطباع وصل الشاعر روبرت برنز ذات يومٍ إلى رصيف ميناء جرينوك، فإذا تاجرٌ غنيٌّ قد سقط في الماء وكاد يغرق، فهبّ إلى إنقاذه بحارٌ ذو نجدةٍ، فلمّا تمّ ذلك وضع التاجر يده في جيبه وأخرج قطعة نقدٍ بخمسة قروشٍ، ونفح بها منقذه، وإذا الحشد المجتمع من حوله يصيح سخطاً وتحقيراً لهذا الشحّ، فتقدّم برنز وقال: دعوه وشأنه فهو أعرف الناس بقيمة حياته. مجلة غولدن بوك

لا يموت الحق

لا يموت الحق للشاعر الأستاذ عمر أبو ريشة القصيدة الرائعة التي ألقاها شاعر العرب الأستاذ عمر أبو ريشة بمناسبة عيد الجلاء يا عروسَ المجدِ، تيهي واسحبي ... من مغانينا ذيولَ الشُّهُبِ لم ترَيْ حفنةَ رملٍ فوقها ... لمْ تُعَطَّرْ بِدِمَا حُرٍّ أَبِي درجَ البغيُ عليها حِقبةً ... وهوى دونَ بلوغِ الأَرَبِ وارتمى كبرُ الليالي دونها ... ليِّنَ النّابِ كليلَ المِخْلَبِ لا يموتُ الحقُّ، مهما لَطَمَتْ ... عَارِضَيه، قبضَةُ المُغْتَصِبِ! . . . . . . من هنا شقَّ الهدى أكمامَهُ ... وتهادى موكِباً في موكِبِ وأتى الدنيا فرقَّت طرباً ... وانتَشَتْ من عبقِهِ المُنْسَكِبِ وتغنَّتْ بالمروءاتِ التي ... عرفَتْها في فَتَاهَا العَرَبِيّ أصيد، ضاقت به صحراؤه ... فأعدتهُ لأفقٍ رحبِ هبَّ للفتح، فأَدمى تحتَه ... حافرَ المهرِ جبينُ الكوكبِ وأمانيهِ انتفاضُ الأرضِ من ... غيهب الذُّلِّ، وذلِّ الغيهب وانطِلاقُ النُّورِ حتّى يرتَوي ... كلُّ جفنٍ بالثّرى مختضبِ حلمٌ ولَّى ولم يجرح به ... شرف المسعى ونُبْلُ المَطْلَبِ . . . . . . يا عروسَ المجدِ، طابَ المُلتقى ... بعدَ ما طال جوى المغتربِ سَكِرتْ أَجيالُنا في زَهوِها ... وغفتْ عنْ كيد دهر قُلَّبِ وصحونا، فإذا أعناقنا ... مثقلاتٌ بقيودِ الأجنبي فدعوناكِ فلم نسمعْ سوى ... زفرةٍ من صدركِ المكتئبِ قدْ عرفنا مهركِ الغالي فلم ... نرخصِ المهرَ ولم نحتسبِ فحملنا لكِ إكليلَ الوفا ... ومشينا فوق هامِ النُّوَبِ

وأرقناها دماءً حُرَّةً ... فاغْرُفِي ما شِئتِ مِنها واشرَبي! وامسحي دمعَ اليتامى وابسمي ... والمسي جرحَ الأيامى واطرَبي نحن من ضعفٍ بنينا قوَّةً ... لم تَلِنْ للمارجِ الملتهبِ كم لنا من ميسلونَ نفضَتْ ... عن جناحيها غبارَ التّعبِ كم نَبَتْ أسيافنا في ملعبٍ ... وكَبَتْ أَجيادُنا في ملعبِ من نضالٍ عاثرٍ مصطخِبٍ ... لنضالٍ عاثِرٍ مصطخبِ شرفُ الوثبةِ أن ترضي العلا ... غُلِبَ الواثِبُ أم لم يُغلَبِ!! فالتَفِتْ من كوَّةِ الفردوسِ يا ... فيصلَ العلياءِ واعجبِ أترى كيف اشتفى الثّأرُ م ... ن الفاتح المسترقِ المستلبِ وطوى ما طالَ من راياتهِ ... في ثنايا نجمهِ المحتجبِ ما نسينا دمعةً عاصيتها ... في وداع الأملِ المرتَقَبِ رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ ... فأسلّها اليومَ سكرى طَرَبِ يا لنعمى! خفَّ في أظلالها ... ما حملنا في ركابِ الحُقبِ أينما جالَ بنا الطَّرْفُ انثنى ... وطيوف الزّهوِ فوقَ الهُدُبِ هذه تربتنا لن تزدهي ... بِسوانا من حماةٍ نُدُبِ فلنَصُن من حَرَمِ المُلكِ لها ... منبر الحقدِ، وسيف الغضبِ ولنسلُ حُنجُرَةَ الشَّدوِ بها ... بينَ أطلال الضّحايا الغيَبِ ضلَّت الأمَّةُ إنْ أرختْ على ... جرحِ ماضيها كثيرَ الحُجُبِ ما بلغنا بعدُ، من أحلامنا ... ذلك الحلم الكريمَ الذَّهبي أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضَّةٌ ... لم تلامسها ذُنابى عقربِ وقفَ التّاريخُ في محرابها ... وقفةَ المرتجفِ المضطربِ كم روى عنها أناشيد النّهى ... في سماع العالم المستغرِبِ أيُّ أنشودة خزيٍ غصّ في ... بثِّها بين الأسى والكربِ ما لأبناء السبايا ركِبوا ... للأماني البيضِ أشهى مركبِ ومتى هزّوا علينا رايةً ... ما انطوتْ بين رخيصِ السُّلُبِ

ومن الطّاغي الذي مدَّ لهم ... من سرابِ الحقِّ أو هيَ سببِ أو ما كنّا له في خطبِهِ ... معقِلَ الأمنِ وجسر المهرَبِ ما لنا نلمحُ في مِشيته ... مخلبَ الذّئبِ وجلد الثّعلب يا لِذلّ العهد إن أغضى أسىً ... فوق صدرِ الشّرفِ المنتحبِ يا روابي القدس يا مجلى السّنا ... يا رؤى عيسى على جفن النّبي لن تبليَ غِلَّة الأيام من ... منهل الضَّيم ووِرد العطبِ دون عليائك في الرّحب المدى ... صهلة الخيلِ ووهجُ القُضُبِ لمّت الأيام منّا شملنا ... ونمت ما بيننا من نسبِ فإذا مصرٌ أغاني جُلَّقٍ ... وإذا بغدادُ نجوى يثربِ ذهبتْ أعلامُها خافقةً ... والتقى مشرِقُها بالمَغرِبِ كلّما انقضّ عليها عاصِفٌ ... دفنته في حنايا السُّحُبِ بوركَ الخطبُ فقد لفَّ على ... سهمهِ أشتاتَ شعبٍ مغضَبِ . . . . . . يا عروسَ المجدِ، حسبي عِزَّةً ... أن أناجيكِ، وأن تشمخي أنا لولاكِ لما طَوَّفتُ في ... كلِّ قفرٍ مترامٍ مجدبِ لا أبالي بعدَ إرضائكِ إن ... عتب العاتب أم لم يعتبِ رُبَّ لحنٍ سالَ عن قيثارتيْ ... هزَّ أعطافَ الجهاد الأشيبِ لبلادي. . . ولروّاد السّنا ... كلُّ ما ألهمتني من أدبِ

شخصية المراهق

شخصيّة المراهق للدكتور جميل محفوظ للبحث عنصران: أ. الحالة الصّحّيّة للمراهق وتكوينه الفيزيولوجي. ب. تأثير المحيط. أ. نهتم كثيراً للحالة الصحيّة ومعرفة سلامة الجسم والتوازن العضوي، أو ضعفه وسرعة اضطرابه وقوّة حساسيّته. 1. تنمو الأزمة غالباً في الأجسام السليمة 2. يمكن أن تظهر الأزمة بأشكالٍ مرضيّةٍ يصعب تمييزها عن الحالات الطبيعية وتنتهي باضطرابات عقليّة خطيرة. 3. تبدو الأزمة عند المصابين بالسّل الصّدري لأنّها تصادف لديهم أرضاً خصبةً لشدّة حساسيّتهم واتّقاد ذكائهم. ب. تأثير المجتمع: مرّ معنا في مناسباتٍ عدّةٍ عمل المجتمع في ظهور الأزمة، إذ أنّ الناشئ يثور على التقاليد الموجودة في عصره ولا يقبل بها لأنها تبدو له كحملٍ ثقيلٍ مفرضة عليه فرضاً تؤلمه ولا تتماشى مع حبّه الحرّية. والآن تتساءل إذا كانت هذه الأزمة هي حادث - اجتماعي أم نفسي؟ -. إنّ الرجوع إلى التاريخ ودراسة نفسيّة المراهقين والبيئات التي عاشوا فيها تُقدّم لنا المعلومات الآتية: الأزمة حادثٌ نفسيٌّ يصاب بها كلّ من يمرُّ بسنِّ المراهقة من أبناء البشرية، بقطع النّظر عن عرقه أو عصره أو بيئته. غير أنّ أشكالها تختلف من زمنٍ إلى آخر ومن مجتمعٍ إلى مجتمع، وتتراوح مدّتها من شعبٍ إلى شعب. إنّ مدّتها عند الفرنسيين في القرن العشرين هي بين الرابعة عشرة إلى العشرين سنة، بينما تقصر مدّتها عند الشّعب الإنكليزيّ. إذ ينقاد الشّباب بسهولةٍ في تيّار الحياة الاجتماعية. وتختلف أشكالها أيضاً. بينما نرى الفرنسي في أزمته محترماً لشخصيّته كفردٍ بعيداً عن كلّ جماعةٍ. نرى الإنكليزيّ أو الألماني يحترمها ضمن مؤسسات الشّباب التي تجمعه مع غيره.

ولنبعد كلّ التباسٍ يجب أن نقول بأنّ الشباب الألماني أقبل منه من أيّ شيءٍ شابٍّ آخر على الاندماج في منظّمات الشّباب وفهم تعاليمها التي تتلائم مع عقليّته. وحبّ الجماعة والرّضى بسيادة الرّاشد عليه وقيادته في الحياة. وهذا شأن الرّوس أيضاً وما ذلك إلا لأنّ البيئة قد تغيّرت فتغيّرت معها أشكال الأزمة. نستنتج مما مرّ بأنّ هناك أزمنةً تساعد على انبثاق هذا الاضطراب وأخرى تخنقها في المهد. إنّ عهد الثورات والاضطرابات وعهد العقائد الرّوحية والأزمات السّياسية تساعد كثيراً على هزِّ نفسيّة المراهق وجعلها حالة فعّالية شديدة ويقظة غريبة. وإذا كان صحيحاً أنّ للبيئة تأثيراً كبيراً في نموّ أو اضمحلال الأزمة فمما لا شكّ فيه أنّ للشباب تأثيراً في الحياة العامّة يزيد أو ينقص نظراً لنسبتهم بين مجموع الأمّة ولنضرب لذلك بعض الأمثلة: كان عدد الشّباب كبيراً في سنة 1789م حينما اندلعت الثورة الفرنسية، إذ كان سكّان فرنسا في سنة 1762م اثنين وعشرين مليون نسمة وأصبح في سنة 1789م ست وعشرين مليون نسمة. لقد فرض هؤلاء الشّباب تفكيرهم على معاصريهم وقادوا أكثر الحركات التحررية، واستلموا قيادة الجيش، حتّى كان منهم ضبّاط، لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة وهو برتبة جنرال، وتمكّنوا من تدمير الأنظمة البالية بتضحياتٍ لا يعرفها إلا الشّباب وشادوا بنياناً جديداً. أمّا في ألمانيا فإنّ عدد المراهقين الزّائد، بعد الحرب العالمية الأولى ساعد على وجود منظّمات للشباب قويّة تدعى وساعد أيضاً على إقامة نظامٍ اجتماعي جديدٍ وهو (الوطنية الاشتراكية). ويمكننا أن نرى نفس العوامل في انبعاث الفاشيستية في إيطاليا والشيوعية في روسيا. فهي اتّجاهات فلسفية وضعها الرّاشد فاهماً روح المراهق، معتمداً على نفسه المتّقدة، ولذا فقد نجحت هذه المبادئ نجاحاً كبيراً. ولنا من جهاد شبابنا مثلٌ ناصعٌ عن حيويّته وتأثيره الكبير في توجيه الأمّة في نضالها منذ الاحتلال الفرنسي حتّى الجلاء. لقد قاد المظاهرات الشّعبية متمرّداً على الظّلم والاضطهاد، ونفّذ خطط الزّعماء، وسار في مقدّمة الصفوف يخترق النيران معرّضاً نفسه إلى أشدّ الأخطار، إلى أن حقّق الله لنا الاستقلال والسّيادة.

بروز الشّخصيّة الشّخصية هي كلّ ما له علاقة بالمرء الشّاعر، المفكّر، المتحرّك، فهي الأنا وهي الإنسان بكامله. وأوّل مرحلةٍ لدى المراهق هي ميلٌ نحو الإنفراد، إذ يعتبر شخصه محور الكون، وحقيقةٌ نفسيّةٌ تنبعث منه القوى الخالدة وتتجه نحوه أنظار البشرية. غير أنّه يتأثّر بالمحيط شاء أم أبى وينطبع بطابعه. أمّا المرحلة الثّانية فهي: انبثاق الشخصية الحقّة، التي تنتهي بالمراهق إلى الهدوء والسّكينة وانحلال الأزمة. والخلاصة فإنّ الشخصية تتكوّن بعد أن يشدّ الفى بالأنا، وبعد أن يحتكّ مع المحيط. ويتعرّف إلى الأفكار العامّة عن الحياة، وعن الإنسان وعن مصيره. ليست شخصيّة المراهق إذاً مجرّد مفهومٍ، إنّما هي حقيقةٌ راهنةٌ لها وحدتها ولها خصائصها، رغم بعض العناصر التي تقرّبها من شخصيّة الرّاشد. ويجب ألا ننظر إليها إلا بالنّسبة إلى تركيبها النفسي وكونها خاصة بالشّباب. ولننظر إليها أيضاً كمرحلة نموٍّ تظهر فيها الأنا العاقلة، ثمّ تنتظم الهيجانات والمفاهيم والحركات العاديّة، وتشكّل وحدةً تكاد تكون تامّةً. علاقة نشوء شخصية المراهق بتكوّن الشّخصية عند الطّفل: إذا كانت الأزمة عاصفةً هوجاء ومصدر كلّ اضطراب، وفترة تتكوّن في نهايتها شخصية المراهق، يجب أن لا نظنّ بأنّها أوّل وآخر مرحلة في نمو هذه الشخصية، ولابدّ لنا من القول: إنّ الشعور بالشّخصية عند الطّفل يكون أول مرحلةٍ، وتعقبها المرحلة الثّانية وهي بروز شخصية المراهق. تجتاح الطفل في الثالثة من عمره أزمة يشعر معها بانفصاله عن الأشياء التي تحيط به. وهي الحركة الأولى في فرض نفسه، وتكون مقدّماً للشعور بالشخصية. علاقة شخصية المراهق بشخصية الراشد إنّ المراهق يعتمد في سلوكه وتفكيره على تجربته النّاقصة وعلى عاطفته أكثر مما يعتمد على الحقائق الموضوعيّة البعيدة عن كلّ تعليلٍ شخصيٍّ. على عكس الراشد الذي ينظر للأمور برصانةٍ وحيادٍ، ويعمل فيها الفكر والذّكاء مبتعداً عن كلّ عاطفةٍ وهوىً. تساعد الأزمة إذاً في تكوين الشخصية التي تختلف بصورةٍ جوهريّةٍ عن الشعور بالذّات الذي نصادفه عد الطفل، وعن شخصيّة الراشد. يتوصّل المراهق في سنّ الثامنة عشرة

سنةً إلى التاسعة عشرة إلى أول تعبيرٍ عن نفسه، ويتحدّد سلوكه ويأخذ تفكيره شكلاً شخصيّاً، ولا يظهر كأنّه مجهولٌ من محيطه، إذ ينبثق بواسطة الأزمة كلّ ما هو خاصٌّ به وفرديّ، وتتكوّن طباعه، وتهدأ نفسه، ويرجع إليه التّوازن والطمأنينة، ويشعر الفتيان والفتيات في هذه السّنّ بهناءةٍ نفسيّةٍ، ويتذوّقون لأوّل مرّةٍ جمال الحياة الهادئة، فهو تفاهمٌ بين الفرد - والمحيط. يحتفظ الفتى بعد أن يجتاز مرحلة الأزمة بحيويّته التي تقود إلى مجابهة المحيط بشجاعةٍ وإقدام، ويمكننا بعد ملاحظة الحالات المختلفة للأزمة أن نقبل بالنتائج الآتية: إنّ المراهقين الذين مرّت بهم اضطراباتٌ عنيفةٌ من جرّاء الأزمة بعيدون عن أن يصبحوا، وهم راشدون، أصحاب إرادةٍ قوية، بل يكون منهم الشّاعر، والفنّان، والمفكّر والعامّي. إنّ الأزمة التي درسناها تدلّ على حساسية حادّة وذكاء متّقد، غير أنّها لا تكوّن الطّبائع القوية، والعكس فإنّ المراهقين الذين يكبتون اندفاعاتهم يظهرون ميلاً إلى العمل والنّجاح فيه، وهذه علامات رجال العمل الذين لا يعرفون هذه الأزمة، والذين ينظرون إليها كحاجزٍ يمنعهم من النجاح يجب أن لا تحتلّ محلّها من نفسيّاتهم. وإنّ للكاتب والفيلسوف بصورةٍ خاصّة مراهقة ثورويّة، إذ تتكوّن الهبة وتقوى مع اضطرابات الشعور المتكررة. يقول سيترين عن عالمٍ آخر: بأنّه قرر مصيره في الرابعة عشرة من عمره يريد أن يكون لغويّاً وكان له ذلك. ويقول عن نفسه أنّه في التاسعة عشرة من عمره اختار الفلسفة التي ستكون له راحةً أو على العكس خراباً ودماراً. ولاشكّ بأنّ المهنة والعائلة والعلاقات الاجتماعية تكسب الإنسان في سنّ الرّشد عناصر جديدة، غير أنّها في الحقيقة ظاهريّة والتأثير الكلي والدائم لا يكون إلا بالعناصر الناشئة عن الأزمة في المراهقة. . . . . . . ويمكننا الآن بع دراسة الأزمة وملاحظة العلائق بينها وبين تكوّن الشخصية أن نحدد النتيجة التي وصلنا إليها: إنّ جوهر الأزمة هو اضطرابٌ وقتيٌّ، غير أنّه قوي وعنيف، ينشأ مع ظهور الوظائف الجنسية التي توجّه انتباه المراهق إلى جسمه ويزيد هذا الإضراب عوامل اجتماعية تجعله كثير الانتباه أيضاً إلى المجتمع.

إنّ هذين الاتجاهين يتطلّبان جهداً عقليّاً كبيراً هو العنصر الأساسي لتكوين الأزمة التي تؤدّي به إلى فرض نفسه وتكوين شخصيته. فمهمّة الأزمة إذاً هي تسهيل اكتشاف الشخصية من قبل لفرد ذاته والتّكيّف مع البيئة.

تربية قوة التعليل لدى الأطفال

تربية قوة التعليل لدى الأطفال يقول المربّي الإنكليزي جون لوك: شجّعوا ميل الطفل إلى كثرة الأسئلة بقدر ما تستطيعون، وأقنعوا رغباته ما دمتم قادرين على ذلك، وما دام قادراً على فهم ما تقولون.

الحكمة سبيل الحرية

الحكمة سبيل الحرية للأستاذ سعيد القضماني يعدّ فيثاغورس، برأي شيشرون، أوّل من لقّب بالفيلسوف لأنّ القدماء كانوا يطلقون، قبل فيثاغورس، لقب الحكماء على أولئك الرجال الذين جهدوا لوضع أسسٍ ثابتة للجماعات البشرية، وعلى المفكّرين الذين كانوا ينشرون بين الناس تعاليم العقل ويدعونهم لتحكيم المنطق، والشّعراء الذين كانوا يشيدون بأناشيدهم بفضائل الأجداد وأعمالهم المجيدة الباهرة ثمّ على أولئك المتشرّعين الذين خدموا الحضارة بدعوتهم لسيطرة القانون والقدّيسين والصّالحين الذين توصّلوا لكشف النّقاب عن سرّ الطمأنينة النّفسيّ والراحة الفكرية، فاستطاعوا أن يشيعوا في قلوب النّاس الأمل الحلو في حياةٍ أخرى حيث الراحة والسعادة والخلد. وعلى هذا الاعتبار عرّف شيشرون الحكمة القديمة تعريفاً تقليديّاً فقال: الحكمة هي علم معرفة الأشياء الإلهيّة الروحية والبشرية الحسّيّة ثمّ معرفة العلل والأسباب التي تسيّر هذه الأشياء. ولقد أخذ بهذا التّعريف كلٌّ من سينك وباكون وديكارت، حتى سبينوزا نفسه قد تأثّر بهذا التعريف عندما قال: غاية الفلسفة الأولى معرفة أثر الحكمة الإلهية في تسيير نظام الكون. أمّا فيثاغورس فلم يشأ أن يصطنع لنفسه لقب الحكيم بل ارتضى، بكلّ تواضعٍ، بلقب الفيلسوف معناه الباحث عن الحكمة أو محب الحكمة. والحق فإنّ هذا الحكيم الكبير كان يمارس علماً تامّاً من شأنه إرضاء نهم العقول المتفتّحة وإشاعة السكينة والطّمأنينة في النفوس القلقة، وغية هذا العلم معرفة لمبادئ العليا التي تسيّر العالم والقوانين الثّابتة التي تربط بين الإنسان والطبيعة ومن ثم معرفة النّظام الإلهي الكامل الذي يسود هذا الكون البديع ذا السماء الساطعة والكواكب المتلألئة. على أنّ هذا العلم، كما يقول سينه، فوق متناول البشر وهو محرّمٌ عليهم، لأنّ ما نسمّيه بالحكمة هو من خصائص الذّات الإلهيّة، أمّ إذا تاقت نفس الإنسان إلى الحكمة وقويت فيه الرغبة في تلمّس آثارها، فلا يستطيع الظّفر بها في حدود الكمال المطلق، ولكن كلّ ما يشعر به من شوقٍ ملحٍّ للحكمة وما يبذل من جهدٍ جريءٍ للوصول إليها، يعدّ فضيلةً بحد ذاته، وإنّ ذلك التّوق الشديد إلى المعرفة والكمال بفرض مبدأ وجود ذلك العلم السماوي

الكامل. كان أفلاطون أكثر حكماء الإغريق محاولةً لبلوغ هذه الحكمة الغيبية والعلمية والخلقية فكان بذلك يسعى إلى تحقيق حلم فيثاغورس الذي لم ينقطع تلاميذه أبداً عن متابعة السعي للظفر بتلك الحكمة الكاملة المطلقة. وقد حرص أفلاطون على ألاّ يجزّأ هيكل الفلسفة الفيثاغورثيّة بالتّعرّض لأشكالها المختلفة التي طلع بها أتباع فيثاغورس ومريدوه كلٌّ على حسب مزاجه وتفكيره الخاص، لأنّ الفيلسوف الحق، برأي أفلاطون، ليس من يفاضل بين مظاهر الحكمة ويرجع شكلاً منها على شكلٍ آخر، بل الفيلسوف الحق هو الذي يتعشّق الحكمة بأجمعها وتكون ضالّته يأخذها أينما وجدها. وما زال هذا المفهوم القديم للحكمة يتناول بالبحث والتعميق والتّعديل من قبل أولئك الرّجال الذين عمدوا بادئ الأمر، لتكوين مذهبً خاصٍّ لهم في الحياة ثمّ سعوا جهد طاقتهم لأن ينشروا مذهبهم بين الناس ويلقّنوه إلى الآخرين. فما عسى أن تكون الحكمة على وجه التّحقيق! وما عسى أن يفيد الناس منها، إذا لم تكن، قبل كلّ شيءٍ، فنّاً من الحياة يصنعه المرء ليحيا بانسجامٍ وائتلافٍ مع كلّ ما أبدعت عقول الحكماء من الأفكار الرائعة وما حلموا به من المثل السامية؟ إنّ الحكمة لم تكن في نظرهم نتاجاً هزيلاً لعلمٍ جافٍّ عقيمٍ، ولا هي تعاليمٌ لا تنسجم مع المجتمع وتدعو إلى حياةٍ عابسةٍ من الحسرة والتّبكيت، بل كانت الحكمة، في نظر أولئك الذين أوتوا الفضل العظيم بتمتّعهم بنعمها، ينبوعاً يتفجّر في قلوب الحكماء وثماراً ناضجةً في نتاج تجاربهم وإشعاعاً سامياً من نور عقولهم. ونحن إذا تجاهلنا بأنّ الحكماء قد مرّوا بهذه البسيطة ولم يطبّقوا في حياتهم ما كانوا يدعون إليه من فلسفة وتعاليم، فإنّ كلّ ما يمكن أن يشيعوه في نفونا خلا لأجيال الطّويلة من لهب الحماسة ونعمة التأمل يتعرّض عندئذٍ لأن يتدحرج إلى هوّة العدم، ويغدوا بعد ذلك كلّ ما تمخّضت عنه الأجيال من حكمة باهتاً هزيلاً لا حياة فيه فينتج عن ذلك ضعف الوجدان وخبو نور العقل وانطفاء شعلة الرغبة في حبّ الحياة. وعندما يفلت خيط الحكمة من يد الإنسان يفقد بذلك كلّ دليل يقوده إلى سبيل الخلاص من سجن الأهواء وقيود النّزوات، ويفقد أيضاً القدرة على معرفة نفسه وعلى السيطرة عليها

فيفضّل عندها سبيل السعادة المطمئنّة والهدوء البهيج الذي يخلع على النّفس كلّ غبطةٍ ورضى. والحكمة بعد ذلك هي المدرسة الوحيدة حيث يتلقّن المرء فيها سرّ الانطلاق وجوهر الحرّية، فالذي يقدر على مغالبة هواه وعلى سيادة نفسه مسترشداً بحكمة الحكماء، هو قادرٌ لأن يكون حرّاً بنفسه سيّداً على كلّ شيء، إذ ليس بمقدور أية سلطةً أن تضعف في نفسه تلك القوّة الكامنة التي تنبعث من ثقته المطلقة الواثقة التي ولّدتها خبرة الدّهور وعصارة الفكر ونتاج الحكمة وزادها رسوخاً علم المرء بأنّه قادرٌ على السّير وفق تعاليم وأنظمةٍ ابتدعها العباقرة الأفذاذ وعلى الحياة عن بصيرة وهدى وبتماسٍ مع خلود الفكر الإلهيّ. ففي هذه الحالة عندما يوفّق الحكيم إلى إشاعة الانسجام بين نفسه وبين خير ما أبدع الفكر وأجمل ما حلم به الخيال ويتسامى بذلك من مرتبة الحسّ إلى مرتبة الرّوح، عندئذٍ يستطيع الظّفر بتلك الحرّية السامية التي هي مصدر قيمته الإنسانيّة وبقدر ما يشتدّ إيمان الحكماء بحرّيتهم بقدر ما يكتب للحرّية الحياة والبقاء، والضغط لا يؤثّر على نفوسهم ولا يحول دون تنفيذ إرادتهم، وقد تعمل وحشيّة المتعصّبين والحمقى على إخماد لهب الحرّيّة، لوقتٍ ما، ولكن الجزوة التي تحتفظ بها قلوب الحكماء المتأجّجة تعرف دوماً كيف تنفض الرّماد عنها وكيف تعيد إلى شعلة القلب لهب الحماسة ونعمة الضّياء. سعيد القضماني

الرسم وتربية الذوق

الرسم وتربية الذّوق للأستاذ نعيم الحمصي للرسم أكبر الأثر في تربي الذوق العام في ينمّي قوّة الملاحظة البصريّة ويرهف الحسّ ويوسّع الخيال ويقوّي الذّاكرة الفنيّة فيجعلها أقدر على استيعاب الصّور الجميلة وخزنها وأشدّ انتباهاً إلى جزئيّات الشّيء بعد استيعاب صورته الإجماليّة وهو يقويّ الإحساس بجمال الأشياء المرئية والإحساس بتفاوتها في الجمال، وهو ضروريّ لا غنىً عنه في عمليّة الانتقاء الفنيّ ومساعد على زيادة إطاعة الجوارح لأوامر الدّماغ، فإن اليد تسجّل فيه ما تراه العين تسجيلا فالوسيط فيه هو الوعي الفنّي. فإذا أضفنا إلى هذا أنّ الحسّ الفنّي عند الشّعراء فيه قسط كبير من الحسّ البصري التّصويري إلى جانب الحسّ الموسيقي الصّوتي وغيره من الإحساسات المساعدة على إخراج القطعة الفنّية أدركنا شأن المشاركة بين الفنّين فكلٌّ منهما يتأثّر بالمرئيّات إلى حدٍّ كبير وإن كانا يتفاوتان في ذلك، ولكنّ أحدهما يستعمل الألوان ليعبّر عن تجربته الفنّية والآخر يستعمل الكلمات وهذه المشاركة تجعلنا نقول بأنّ الشّاعر الذي يستحقّاسم مجيدٍ مبرز لابدّ أن يكون رسّاماً في ثنايا نفسه إن لم يكن يجيد الرّسم بالفعل. وكثير أولئك الشعراء الغربيّون الذين كانوا يتقنون الرسم. والرّسم في بيئتنا متقهقر ولعلّ الموسيقا خير حالاً منه فإننّا نجد كثيراً من العائلات يحسن أفرادها العزف على آلات موسيقيّة شرقيّة أو غربيّة مهما كان قدر الذّوق الفنّي الأصيل الذي يصدرون عنه، ولكن من النّادر جدّاً أن تجد عائلة يحسن أفرادها الرسم أو تحث طفلها على مزاولته وذلك لأنّ أفراد العائلة قد يدفعهم الطّرب إلى تعلّم الموسيقا وسماعها ولكنّ ذوق الرّسم الفنيّ أضعف من أن يدفع فرداً من العائلة إلى قضاء فراغ وقته في رسم لوحةٍ وأضعف من أن تجتمع العائلة للتمتّع بمرأى قطعة فنيّة انتخبها فرد منها، بل لا ترى جُلُّ عائلاتنا ضرورةً في أن تزور متحفاً فنيّاً أو معرضاً تعرض فيه صورٌ فنيّةٌ. وهذه هي الحال في عائلاتنا التي أدركت حظّاً لا بأس به من الثقافة، وأمّا في الأوساط الجاهلة فحدّث ولا حرج فالرّسم فيها مخالف للدين والمصور مضطرٌّ يوم القيامة أن يخنق الرّوح في صورته الميّتة وإلا كان مصيره نار جهنم. وإذا كان الذّوق الفنّي التّصويري في بيئتنا

ضعيفاً إلى هذا الحد فإن الواجب الأكبر في نهضة هذا الفنّ يقع حين إذٍ على المدرسة وعلى وزارة المعارف أن تقوم بجهود جبّارة في هذا السّبيل، فهل قامت المدرسة بواجبها هذا؟ وللجواب على هذا السؤال لا بدّ أن تستعرض بسرعةٍ هدف برنامج التعليم من درس الرسم ثم استعراض الصورة التي يدرّس بها الرسم في مدارسنا الرسمية. البرنامج ينصّ على أنّ الغاية من درس الرسم في المدارس الابتدائية ليست تكوين فّنانين ورسّامين وإنّما يدرّس الرسم للغاية التربوية التي تتحقق بواسطته فالرسم يقوّي حسن البصر عند الطفل ويكوّن عاملاً في تمرين اليد والملاحظة والذاكرة وخاصّةً ذاكرة الأشكال. ودروس الرسم التي تلقى في المدرسة تخلق في التّلميذ استعداداً للقيام في المستقبل ببعض المهن التي تتطلّب وقوفاً تامّاً على الرسم وتنمّي فيه الذّوق الفنّي. ثمّ يفيض البرنامج في ذكر الملاحظات التي يجب على المعلّم مراعاتها ليصل إلى الغاية من درس الرسم وهي ملاحظاتٌ قيّمةٌ، كما أنّ موادّ البرنامج في المدرسة الابتدائية لها قيمتها لو تحقّقت. وأنت ترى معي أنّ البرنامج قد جعل تنمية الذّوق الفنّي هدفاً له ورسم لتحقيق هذا الهدف طرقاً سليمةً ولكنّك لا ترى شيئاً من هذه الغايات محقّقاً والذّنب ليس ذنب نصّ البرنامج فهو شيّقٌ ومغرٍ ولكنّه ذنب تطبيقه. فدرس الرسم لا يؤدّي غايته التّربويّة للأسباب الآتية: 1 - ينظر المعلّمون إلى درس الرّسم على أنّه درسٌ ثانويٌّ فيأخذ المعلّم المجدُّ منهم ساعات الرسم ليقوّي طلاّبه في الدّروس الأخرى التي يراها أعظم شأناً وأكثر ضرورةً، وقليل أولئك المعلّمون الذين يولون هذا الدرس العناية اللائقة به. 2 - أكثر المعلّمين لا يحسنون الرسم بل لا يحسنون أن يصوّروا شيئاً فكيف يستطيعون أن يعلّموه لطلاّبهم. 3 - كان يجب، والمعلّمون على هذه الحالة من الضّعف الفنّي، أن تعيّن وزارة المعارف معلّمين مختصّين في هذه المادّة ولكنّها لم تفعل شيئاً من هذا. 4 - إنّ وزارة المعارف لا تعامل المختصّين في الرسم الذين يدرّسون هذه المادّة في الثانويّة معاملة المختصّين بالمواد الأخرى بل إنّها لا تحسّن رواتبهم وحالهم قليلاً ليكونوا

أكثر نشاطاً في عملهم. 5 - لم ترسل وزارة المعارف في الماضي طلاّباً لهم ميلٌ فنّيّ لدراسة هذا الفن على حسابها في البلاد التي يزدهر بها. 6 - ليس في المدارس الابتدائية بل لا ولا في الثانوية قاعات مخصّصة لهذا الفن زاخرة باللوحات الفنّية الرائعة التي تحيي الميل الفنّي في الطلاّب. ولابدّ أن يشارك الرسم غيره من الفنون في تنمية الذّوق العامّ من النهوض به بتعيين معلّمين مختصّين يدرّسونه في المدارس الابتدائية ريثما تستطيع دور المعلّمين والمعلّمات إخراج طلاّبٍ يحسنون هذا الفنّ ويحسنون تدريسه وحينئذٍ لا بأس من أن يستلم المعلّم صفّاً كاملاً بكلّ موادّه ولا بدّ من تنبيه المعلّمين إلى قيمة هذا الدّرس ومنعهم من إهماله ومن إرسال عددٍ كافٍ من الطلاّب لدراسة هذا الفنّ في مصر أو أوروبا بموجب مسابقةٍ تجريها الوزارة ليكونوا في المستقبل مدرّسين في المدارس الثانويّة ودور المعلّمين ولابدّ من تحسين حالة مدرّسي هذه المادّة المختصّين حتى لا يشعروا أنّهم مغبونون الحقّ ومن تخصيص قاعاتٍ لهذا الفن في المدارس الابتدائية والثانوية تعرض فيها الصور لأعاظم رجال الفنّ كما يجب إقامة معارض فنّية تجري فيها مسابقات بين رجال الفن لتنبعث الحياة الفنّية في ببيئتنا الآن. ولابدّ لنهضة الرسم أيضاً من أن تبدأ العناية به في دور الحضانة بأن تكون مجهّزةً باللوحات الفنّية المساعدة على نموّ الذّوق الفنّي وبأن يمرّن الأطفال وفق استعداداتهم على الملاحظة الفنّية المساعدة على نمو الذّوق الفنّي وبأن يمرّن الأطفال وفق استعداداتهم على الملاحظة الفنّيّة وعلى رسم الأشكال التي تلائم سنّهم. هذا قليلٌ من كثيرٍ مما يجب أن نقوم به لنهضة فنّ الرّسم في بلادنا ومشاركته في تنمية الذّوق العامّ وأترك الإفاضة في هذا الشأن لأستاذٍ مختصٍّ في هذا الفن فهو أدرى منّي بما يجب عمله وإنما تكلّمت عن ما أراه ضروريّاً لتربية الذّوق الفني العامّ وبالقدر الذي أدركه. حماه نعيم الحمصي

لا يزال الإنسان صغيرا

لا يزال الإنسان صغيراً الإنسان آلةٌ شديدة التعقّد إذ تبلغ عظامها أكثر من مئتين، وعضلاتها سبعة آلاف، وطول أنابيبها الغذائية عشرين قدماً، وأوعيتها الدموية مئة ألف قدم، وكريّات دمها الحمراء ترليوناً ونصف ترليون، وكريّات دمها البيضاء أربعة ملايين، وخليّات مخ آلاف الملايين، ومع ذلك فإنّ الإنسان حديثٌ في الخليقة التي مضى عليها ألف مليون سنة وتقلّبت في ألوفٍ من ألوان النّشوء وضروب التطوّر، ولا تزال مساحاتٌ واسعةٌ من خليّات المخِّ لم يطرأ عليها تغييرٌ أو تطوّرٌ منذ أن وُجِد الإنسان. ولذا لا يزال الإنسان طفلاً في المهد رضيعاً. ومن يعِشْ يرَ.

عقلية الماضي

عقليّة الماضي للأستاذ أنور هدى البرازي ترى في شبابنا اليوم هيئاتٍ وأفراداً وحلقاتٍ وجماعاتٍ وكتّاباً وأدباء لولا أنّهم يتنفّسون من هواء أيامنا هذه لما أثبت شيءٌ آخر أنهم يعيشون في القرن العشرين. . . آراؤهم وأفكارهم ونهجهم ودوافع أعمالهم وأساليب تصرّفهم كلّها عليها عنكبوت الماضي الغابر. . . ولكن لا يلبث المرء أن يبدي أسفه على ذلك الماضي حينما يسمح لهم بالدول إليه،،، فهم لا يعيشون في الماضي وإنّما أوهام الماضي وضلاله وباطله. . . ولو أنّهم يعيشون بحقائقه المثلى لكان لهم بعض العذر وإنّما هم يبكون على ديارٍ ابتعدوا عنها. . . وإذا هم يقضون أوقاتهم في البكاء عليها والالتفات إليها لا يرون متّسعاً من الوقت للعمل على بناء دارٍ جديدةٍ يسكنونها. . وهكذا يبقون ضعفاء مشرّدين بلا مسكنٍ ولا مأوى. . . وإنّ من أهمّ سيئات التفاتنا إلى الماضي وعيشنا دوماً فيه أننا خلقنا له في نفوسنا صورةً مبلورةً لامعةً وهميّةً تكاد تكون غير مرتبطةٍ بالعوامل الزمنية وأصبحنا نجد في تلك الصورة المبلورة عزاءً وارتخاءً يمنعانا غالباً من تحقيق أيّ عملٍ جدّيٍّ في سبيل تحسين الحاضر. . . إذا حادثت رجلاً عاديّاً عندنا عن تدخّلات الأجانب في بلادنا مثلاً وضرورة معالجتها لا تجد إلا وقد انحدر حديثك إلى في نفسه بصورةٍ طبيعيةٍ إلى أيام أبي بكرٍ وعثمان وعليّ. . . وأيام طارقٍ وموسى. . . أيام الرحمة والعدل والكرم والسّخاء. . وقد يطوف بك على صلاح الدين ثم يعرّج على هارون الرشيد بفعل ذلك دون أن يحاول التّفتيش عن حلٍّ عمليٍّ لتدبير الصعوبة المبحوث عنها في الحاضر. . . وهكذا تضيع وإيّاه في أجواء لا تستلزمها الفكرة ولا يقتضيها الموضوع الذي تعالجه وإياه ولا تعود من بحثك معه بنتيجةٍ عمليّةٍ. . . إنّ مقياس منطق الأمة هو منطق أفرداها العاديين، وإنّ انحراف منطق العاديين عندنا نحو الراحة الشخصية والفرار من الجهد والمصلحة لأمرٌ خطرٌ لا يبشّر بدعنا إلى اتّجاهاتٍ قوميّةٍ. . . إنّ نغمة التّحدّث عن حسنات الماضي لأنّه ماضي فحسب تجعل من ماضينا منعطفاً هائلاً

يمنع كلّ صلةٍ بين الفكر والعمل. . . وإذا فكّرنا جدّياً في الموضوع رأينا أنّ لأغلب الناس عندنا عذراً واضحاً في اتّباع هذا الأسلوب الفكريّ. . . فالطبيعة الإنسانية تحب الراحة والفرار من الجهد والانفلات من الصعوبات المتعبة، فأنت حينما تطرق موضوعاً صعب العلاج وثمين التضحية تميل بك غرائز الخمول والضّعف إلى الفرار من جهد معالجة الواقع القاسي بالالتجاء إلى تلك الفسحة الواسعة الكائنة في صورة الماضي القوي الغابر. . . إنّ رأيي الشخصي هو أنّ الماضي القوي أو التاريخ القوي يزيد الشعب الواعي قوّةً كما يزيد الشعب الجاهل انحلالاً وضلالاً. فالماضي القويّ للأمة الضّعيفة في نظري هو ميزابٌ واسعٌ لشلّ إمكانيّاتها الحاضرة وتصريف استعدادها الراهن للعمل. . . ذلك لأنّ الشعب الضعيف في الحاضر ينظر من الأسفل إلى منارة ماضيه القوي فلا يستطيع ان يبصرها بتدقيقٍ وتحقيقٍ ولا أن يتّجه صوب منارة تطوّره الزّمني لأنّ منارته الأولى لا تسمح له بالابتعاد عن أوارها. . . أما إذا وعت الأمة أنّ اتّجاه قابليّاتها نحو ماضيها يستنفذ أكثر طاقتها فليس بالصعب على قادة الفكر فيها أن ينظّموا حملةً واسعةً يستطيعون معها سدّ الثّغرة والالتفات إلى الأمام والاعتبار بالماضي كتجربةٍ مثبتةٍ لنجاح جهود الحاضر والمستقبل. . . وليست دعوتنا هذه إلى تبديل عقليّة الماضي والوقوف وجهاً لوجه مع الحياة المعاصرة. . . أقول ليست هذه الدعوة نظرية غريبة ولا مستهجنة. . . إنّها فكرةٌ ممكنةٌ وقابلةٌ للتّحقيق إذا اتّبعنا المناهج الخاصّة بمعالجة أحوالنا وإذا أخلصنا في تنفيذ ما يناسبنا منها. . . إنّ صلة الجيل العربي الجديد بماضيه يجب أن تكون في نظري كصلة مهاجرينا العرب إلى أمريكا به. . . يتمثّلون من ماضيهم ما ينسجم وروح العصر فقط. تاركين له أساليبه وإطاراته وزخرفاته السطحيّة وسيئاته وقدمه. . . لقد عرفت بعض الكهول العائدين من هرتهم من أمريكا إلى سوريّتهم فرأيتهم أشخاصاً طيّبين مدنيين عمليين يحبّون أمّتهم حبّاً متغلغلاً في سلوكهم ويمجّدون تاريخها، ولكنّهم لا يضيعون مثلنا في تلك الصورة الماضية مطلقاً فإنّ لهم إلى جانب صور ماضيهم التّذكاريّة صورة حياةٍ عصريةٍ عمليةٍ كبرى فيها كلّ أعمالهم وشؤونهم في الحاضر. . . إنّهم يعتزّون

بالماضي على ضوء نجاح أساليبه المضبوطة في الحاضر إنّهم يحبّون أوطانهم بصدقٍ يتجاوز كذب أكثرنا ومبالغاتهم في الهيام الكاذب. . . إنّهم يقبلون أكثر منّا على التضحية والإغاثة والتعاون الاجتماعي والعمل المثمر. . . ومع كلّ هذا فهم لا يزالوا منّا وإلينا. . . عربٌ. . . دمهم عربيٌ. . . وطنهم عربي. . . ماضيهم عربي. . . ولكن الشيء الوحيد الذي يمتازون به عنّا أن أسلوبهم جدّدته التجربة وفعاليتهم أنعشتها القدوة الحسنة. . . فتراهم حافظوا على قوميتهم محافظةً كافيةً مقرونةً بإثباتٍ عمليٍّ في قدرتهم على تحقيق الحياة المعاصرة أيضاً. . . يتّضح لنا من هذا أننا نحن العرب لسنا ضعيفي الإمكانيات ولا أردياء العنصر. . . وإنّما كلّ الخطأ عندنا كائنٌ في أنّ فعالياتنا مجمّدة لحساب الماضي. . . نحن شعبٌ تنقصه القدوة الحسنة والتدريب العملي في التّعامل والسلوك والأخلاق ولنستطيع أيّ الأساليب التاريخية النظرية أن تنعش فينا مواهبنا الإنسانية. . . ومن عرف داءه فليس له أيّ عذرٍ في إهماله. . . النّبك أنور هدى البرازي

الحياة الانسيابية

الحياة الانسيابية للأستاذ رياض الجابري شاء القدر أن يدبّ الإنسان، هذا المخلوق العجيب فوق سطح البسيطة، بعد أن هبط من سمائه، وفقد سعادته وهناءه، وشاء أيضاً أن يعيش جماعاتٍ وشعوباً، فهامَ على وجهه أما هذا اللغز الأبدي - القدر - الذي تركه يتساءل: من أين. .؟! وأين. . .؟! وإلى أين. . .؟! انتبه فتشبّث بأذيال الوجود، ونظر فكبّل نفسه بالقيود والحدود. . . قيود اجتماعية وحياتية لابدّ منها ما دام يروم الحياة والخلد. بيد أنّ هذا الحائر أبداً، المتسائل عبثاً، رأى حياته لا تتلوّن كما يريد وتتكيّف حسبما شاء، ورأى أنّه - من المحال - أن تكون الحياة نمطيّةً رتيبةً ينساق في تيّارها الثابت الوطيد لا يحول ولا يزول. . . قاوم وجاهد وهيهات أن يثمر عمله، وقد شاءت الحياة أن تكيّف كلّ فردٍ كما تريد هي، لا كما يهوى، - هذا الطفل - ويحب. . . وفرضت وجوب الانسياب معها والسير في مجراها. فهذه مخلوقات الله في أرضه. وأنعامه فوق بسيطته، وجوارحه في سمائه، كلّها تسعى وتساير الحياة وتمشي معها جنباً لجنب لئلاّ تُلقى على هامشها وتنبذ كالنواة من أصلها. . ولكن مالنا نذهب إلى السماء والأرض والأجواء ونترك الواقع حولنا؟ واقعنا المحيط بنا في كلّ لحظةٍ؟! واقعنا المريض المعذّب؟! أليس هو أحقّ الجميع بالفحص والنّقد؟! لننظر إلى هذه الكتل البشرية حولنا، بل لننظر إلى أبناء آدم وبنات حوّاء على السواء، ألسنا نرى أنّ كلاًّ منهما يتعرّض للسخرية والانتقاد بل للهزء والاحتقار إذا حاد عن تيار الحياة وعاكس مجراه؟! أوَ لم نرَ هذه الضّحايا الخفيّة التي تذهب بها الأقوال كلّ مذهب. ذلك لأنها لم تنسب مع الطبيعة بل كانت حجرة كأداء بل صخرةً صمّاء في سبيل تقدّمها؟! هناك ألوفٌ وألوفٌ من هذه الأجساد البشرية بل من هذه الأدمغة الحجرية التي تأبى إلا التّمسّك برأيها - الصميمي، القديم، الذي أصبح يتنافى والواقع، ويشذّ عن المحيط الحاضر، وتريد أن تنقل كلّ شيءٍ عن الماضي وعن الماضي فقط مهما تفه أو سما، دون نظرٍ إلى هذا الحاضر الذي يتطلّب تكييف النّفوس دون أن يتكيّف هو نفسه. .

أجل تريد هذه النفوس أن تتكيّف في الماضي والماضي فقط ناسيةً أنّ العقل قبل النقل، وتريد الفناء الكامل والدّهر يصيح: رويدك أيّها - الحجر - رويدك أيّها الإنسان فما حاضرك إلا سلسلةٌ بين الماضي والمستقبل، وما حاضرك إلا مولودٌ من ماضيك فاخضع له، وانسَب معه، ولا تتعلّق بكلّ الماضي، فقد خلقت لحاضرك، ووجدت من أجل ساعتك، فدعك وأيام غيرك، بل هيّا وانهش عيشك. . . ولكن مهلاً أيّها الإنسان، مهلاً لك ولهذا السؤال، الذي يتوارد فوراً لخاطرك، ويخالج توّاً نفسك. . . إنّك سوف تتساءل: وكيف يتسنّى لهذا المخلوق أن ينساب مع محيطه دائماً وأبداً مهما كان هذا المحيط! لنفرض - مثلاً - أنّ حياته في بيئته تلك هي سلبية إلى حدٍّ كبيرٍ، أعني في درجةٍ دنيا من سلّم الرّقي والحضارة، فهل يحقُّ لهذا الفرد أن يقف مكتوف اليدين إزاء واقعه هذا - لضرورة الانسياب معه -؟! وهل لا يجب أن يشذّ عن تيّار محيطه خطوةً ثم خطواتٍ إلى الأمام علّه يضيء طريق الحياة وينير سبيل التّقدّم فيهدي مواطنيه في ظلامهم الدّامس وينتشلهن بصورةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة نحو الصالح العام؟! أجل. . . وكيف لا والإنسانيّة سائرةٌ بخطىً سريعةٍ نحو العلاء! والفرد فيها يعرج متوثّباً نحو السّماء؟ فهو إن لم يفعل نُبِذ لأنّه لم يساير وينسب مع الحياة. . . الحياة الوثّابة الحياة التي تريد البقاء. إننا لا نطلب - ضرورة الانسياب هذا - إلا للقضاء على هوّةٍ سحيقةٍ وفجوةٍ كبرى تزيد وتتهيّأ للظهور بين أبناء القطر الواحد. . . تصوّر هذا الفرد بعقليةٍ وعاداتٍ وتقاليدٍ تخالف كلّ المخالفة ما يتمتّع به صاحبه بالمقابل ثم تصوّر هذا البون الشاسع في حياتهما العمليّة أو الفكريّة العقلية، فهلاّ تلاحظ معي أنّ الشقّة بعيدةٌ بين الطرفين؟ وهلاّ في أو تأخذ وسطهما المتناسب ليتسنّى لهما العيش؟! إننا ندعو إلى ضرورة الانسياب مهما كلّف الأمر على أن يكون انسياباً نحو الجوزاء. نابذين عقولاً متحجّرةً، ونفوساً ساكنةً تلك التي تريد أن تجعل من حاضرها ساحةً كبرى تتنوع فيها كلّ عناصر الماضي من غثٍّ وثمينٍ، ضاربةً بكلّ تقدّمٍ ونشاطٍ إنسانيٍّ، عرض الحائط، لأنه في نظرها - جديدٌ - جديدٌ فحسب. . .

نحن لا نفكّر بأنّ لكلّ جديدٍ أنصاراً وخصوماً مهما كانت قيمة هذا الجديد، ولا ننكر أيضاً هذا الغلوّ والإفراط من كلا الطرفين، ولكن لننظر منصفين إلى كلّ شيءٍ في واقعنا ولنستخلص منه ما يلائم الحياة الحاضرة، سواءٍ كان قديماً أو حديثاً، إذ أننا لا نريد أن نبني الحاضر على أنقاض الماضي، ولا نحبّ أن نبعث كلّ ماضي، بل همّنا أن نأخذ كلّ حسنٍ وجيّدٍ وملائمٍ للحاضر والوقت الواقع، كلّ شيءٍ ينساب ولكنّ المدنيّة المتحفّزة والحضارة المتوثّبة تنساب نحو السمو والعلاء. . . دمشق رياض الجابري كلّية الآداب

أهمية الآثار القديمة

أهميّة الآثار القديمة للأستاذ سليمان المقداد لعلّه من الصعب على الباحث أن يحدّد ما يشمله علم الآثار من فروعٍ عديدةٍ يندمج بعضها في بعضٍ بدرجاتٍ مختلفةٍ كالتاريخ وعلم الإنسان والفنون الجميلة، فعلم الآثار يعمل على إتمام الحقائق المستمدّة من الأدب والتاريخ منذ العصر الحجري القديم التي تطوّرت مع تقدّم البشرية، ومع ذلك ينتج أهمّية هذا العلم فيتعين العصور وكشف الألغاز التي أهمل أو طمس ذكرها فمنذ القرن الثامن عشر انتبه المؤرّخون والباحثون لأهمية هذه الناحية في دراساتهم عن تاريخ وحضارة الأمم القديمة فأسست المتاحف في أكثر البلاد المتمدّنة وأخذ العلماء في اكتشاف النقوش والكتابات والتماثيل والمناظر المصوّرة على الأواني والعملة وهي مصادرٌ تاريخيّةٌ تحدّث عن أحوال الأمم القديمة بصورةٍ لا تقبل الشّكّ والجدل، وقد توسّعت الدراسة عن العصور الماضية بفضل الاستكشافات التي ظهرت والتي ستظهر وبفضل أعمال التّنقيب والحفريّات وصيانة الآثار التي تتقدّم بصورةٍ متساويةٍ مع ارتفاع المستوى العلمي في كافّة أنحاء العالم. وقد أدهش العلماء تلك المقدرة التي كان يمتاز بها الإنسان في العصور القديمة، فالمكتشفات الأثريّة التي تكتشف الآن تدلّ على نشاطٍ وذوقٍ فنّيٍّ وقوّةٍ في التعبير وإبداعٍ في خلق الأشكال يفوق أقصى ما كان يتصوّر احتمال وجوده في تلك العصور، ومن أهمّ مصادر علم الآثار ما يعثر عليه من شظايا وأواني الفخّار القديمة التي تكاد تكون موجودةً في كلّ المناطق التي كانت آهلةً بالسكّان، وكان انتشاره واسعاً حول البحر المتوسّط، وقد درس الخبراء هذه الأشياء دراسةً وافيةً ومتواصلةً حتى استطاعوا الاستدلال بها على العصر الذي عاش بها صانعوها وعلى مبلغ تقدّمهم في شتّى الميادين الفن والحضارة والتّمدّن، ومن هنا ظهر أهميّة الآثار القديمة وضرورة الحرص على صيانتها وحفظها كمظهرٍ قوميٍّ وينبوعٍ علميٍّ يبعث فينا الحسّ الفنّي وروح الطموح وتقدير السّلَف المنتج الصّالح (وهذا أكثره مفقودٌ في برامج الدراسة) - وأقصد بذلك بعث الحثّ الفنّي في نفوس الطلاّب لتذوّقِ روعة وعظمة الآثار - فكم من كتاباتٍ أثريةٍ نفيسة تحطّمت أو طمست بدافع الإهمال والجهل وكم من عاديات فنّيّةٍ تسرّبت إلى أيدي لصوص وتجّار الآثار بثمنٍ بخس حيث تهرّب إلى الأسواق الأجنبية لتباع هناك بأغلى الأثمان،

وبذلك تفقد البلاد إلى الأبد كنوزاً لا يمكن تعويضها. هذه مصر، فتكاد أن تكون قضيّة تمثال رأس نفرتيتي من أهمّ القضايا القوميّة فيها، إذ تعمل الحكومة بإصرارٍ واهتمام لإرجاعه من متحف بافاريا في ألمانيا إلى مكانه في المتحف المصري. فالاهتمام بعلم الآثار وصيانة الأماكن والعاديات واجبٌ مفروضٌ على كلّ من يقدّر القيمة العلم والثقافة والنشاط في هذا السبيل جهادٌ قوميٌّ ينير صفحات التاريخ ويكشف عن أمجادٍ كثيرةٍ أهمل التاريخ ذكرها أو حرّف الكثير من حقائقها، وليس هذا بكثيرٍ على بلادٍ يمتدّ تاريخها إلى مدى بعيد يجعل منها مورداً ممتازاً في نظر كلّ من تستهويه المعارف والذّكريات التاريخية للتّنوّع العظيم في مواردها الثقافية. وإنّ من الملموس لدى القارئ العربيّ ذلك الغموض الكثيف في بعض نواحي تاريخ بلادنا المجيد فأكثر المؤرّخين الإفرنج يتحدّثون عن أجدادنا القدماء كأمّةٍ بدويّةٍ عاشت على الفطرة يئِدون البنات وينتهكون الحرمات ويقتلون ويتناهبون منذ أقدم عصورهم متناسين أنّ العرب كأمّةٍ قديمة العهد بالوجود عاصرت أعرق الأمم في المدنيّة لا يمكن أن يكونوا على مثل هذه الحال التي يذكرونها، كما أنّه لا يوجد في الكون أمّةٌ من الأمم التي عاصرت العرب لم يتقوّض عمرانها ولم تتبدّل في موطنها الأرض غير الأرض، فلا يبقى أمام الباحث المدهوش من أقوال أولئك المؤرّخين ألا يفتّش على الدلائل المحسوسة التي تكشف اللثام عن حياة أمّةٍ مجيدةٍ من أقدم الأمم ليست كما يتحدّث عنها أولئك المنحرفون عن جادّة الحقائق من الكاتبين ذوي النزعات الاستعماريّة، بل أمةٌ كانت لها حياةٌ حضريةٌ قارةٌ ونظامٌ اجتماعي واقتصادي ودولٌ منظّمة، وكان عمرو بن العلاء يقول: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلّه ولو جاءكم وافرٌ لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثيرٌ كما أنّ شيخ التاريخ العلامة ابن خلدون يقرر ما كان للعرب من الملك والحضارة وقد طال أمد ملكهم وازدهرت تجارتهم وصناعتهم فلم تبلُ ببلى الدولة وكانت المعارف الفكرية والعلوم الأدبيّة مزدهرةً ازدهاراً عظيماً، وقد اعترف كثيرٌ من المؤرّخين الأجانب بهذه الحقيقة أذكر منهم العالم الكبير دوسو وكليرمون غافو والمؤرّخ إرنست ريتان الذي قال: إنه من الخطأ وتجاوزٌ عن الحقيقة تصوير العرب بشعوبٍ همجيةٍ وجاهلةٍ، بل على العكس كان لها من ذكائها وتفوّقها أن جعلت لنفسها مدنيّةً خاصّةً زاهرةً رغماً عن وجود الرّومان وتقدّمهم في شتّى ميادين الحضارة في ذلك الزّمن والأدلّة صريحةٌ على بقايا تلك الحضارة من الشام إلى

العراق واليمن خاصّةً في حوران. وأحسن ما وصل إلينا من الأدب الذي بصوّر هذه الحضارة هو شعر حسّان بن ثابت إذ ذكر شيئاً عن تلك الحياة الزاخرة بالمجد والعلم والفن. وقد عثر الباحثون في بابل على نقوشٍ بالخطّ المسماري وقفوا منها على تاريخ العمالقة واستدلّوا بها قيام دولة حمورابي العربية وهو اسم أكبر ملوكها ومؤسّس أقدم شريعةٍ في العالم كما تحقّق ما كان لدولة الأنباط العربية من مجدٍ وغنى ورواجٍ في التجارة وهندسة معمارية لا تزال بقاياها الرائعة مائلة حتّى الآن. وربّما كان الغموض المحيط ببعض نواحي تاريخنا إغفالاً مقصوداً لأن التاريخ لم ينفرد بهذا الغموض، بل هو ككلّ تاريخٍ آخر قديمٍ في حاجةٍ إلى البحث والكشف عن حقائقه في مواطنه التي دلّ أوائل التنقيب فيها على ثروةٍ علميّةٍ تعاظم كلّ تاريخٍ في الدنيا، ومن المؤكّد أن الجهود التي ستبذل في هذا السبيل ستكشف عن ثنايا حضارةٍ عربيّةٍ زاهرةٍ وتدحض كلّ حديثٍ مدسوسٍ أو تعمّد في إقلال شأن العرب، ولعلّ حوران وهي إحدى ولايات العرب القديمة التي سكنوها من أقدم عصور تاريخهم ستكون من النّواحي التي لها نصيبٌ وافرٌ من هذه الجهود، فقد أينعت بها الثّقافة العربية وتغنّى بجمالها كبار شعرائها، فمدح ملوكها النابغة الذّبياني وحسان بن ثابت، كما أنها كانت أوّل محطّ مدني نلتقي به القوافل القادمة من الجزيرة واليمن والعراق وجلّهم من التجار والأدباء وراغبي التمتّع بمباهج المدنيّة في بلاط الملوك وقصور هذه الديار وحدائقها الغنّاء فكانت محيطاً جديداً وجوّاً فخماً يعيش فيه أرباب القوافل مدةً نم الزمن يعودون بعدها حاملين بضاعة الشام النفيسة وأخباراً وأقاصيص عن بلادٍ مدهشةٍ. ليتحدّثوا بها في مجالسهم العامرة بقلب الجزيرة المباركة فيهتزّ المستمع البدوي لذكرها طرباً ويهفو قلبه شوقاً لرؤياها، هذه هي حوران وحاضرتها بصرى أمّ المدن وعروس البلاد العربية عاصمة الأنباط ومساكن الغساسنة أهراء العالم القائمة بها صروح المجد التاريخية التي تنطق عن فنٍّ خالدٍ ومجدٍ تالدٍ وحضارةٍ كبرى. ولعلّ من أعجب مل مسته من طلاّب المدارس أثناء زيارتهم لآثار بصرى أن يرددوا اسم الغساسنة في حوارهم عن الذكريات التاريخية بحوران ويسألوا عن أماكنهم وبقايا حضارتهم دون أن أسمع من أيّ فردٍ منهم ذكراً للأنباط العرب أو استفهاماً عن آثارهم الكثيرة هذا مع الفرق الشّاسع بين الدولتين في شتّى نواحي الحياة وكلّ ذلك

دليلٌ قاطعٌ على النقص الواقع في تغذية نفوس الطلاّب بالاهتمام بالآثار القديمة وبثّ الثقافة الفنّية في أذهانهم وقد سمعت في الأسبوع الماضي حديثاً يذاع للأطفال من محطّة الإذاعة اللاسلكيّة للحكومة المصرية فمع أنّ الحديث كان معدّاً للإلقاء على أطفالٍ لا يتجاوز أكبرهم السادسة من عمره فإنّ موضوعه زيارة جميلة لآثار الأقصر وفي الحقيقة كان حديثاً شيّقاً جمع بين التسلية والتوجيه نحو تمجيد روائع الماضي والابتداء بالطّفل نحو التدرّج في سبيل معرفتها وتقدير قيمتها فحبّذا لو قام كلٌّ منّا بواجبه في هذا المضمار الوطنيّ وساعد عل قدر إمكانه وبكلّ الوسائل لخلق ثقافةٍ أثريّةٍ صحيحةٍ في نفوس المجموع لصيانة آثار بلادنا الخالدة والتلذذ بروائعها وتذوّق جمالها الغني وإنّا لناظروه قريباً إن شاء الله. بصرى الشام سليمان عبد الله المقداد موظف بمصلحة الآثار القديمة

عيد في دمشق

عيد في دمشق للسيّد أدهم عديّ قال أمير الشعراء شوقي رحمه الله: خلقت لبنان جنّات النّعيم وما ... نبئت أنّ طريق الخلد لبنان حتّى انحدرت إلى فيحاء وارفة ... فيها النّدى وبها طيّ وشيبان نزلت فيها بفتيانٍ حجا حجّةً ... آباؤهم في شباب الدّهر غسّان هذه دمشق التي أفتتن بها أمير الشّعراء منذ عشرات السّنين أيّام كان لاستعمار الفرنسيّ يرين على هذه الرّبوع وأيّام كانت دمشق تئنّ من جراحتها حيث تتجدّل الأبطال وتنتشر أشلاؤهم في الرّي والآكام. في تلك الفترة أبت دمشق إلا أن تظلّ مهوى القلوب ومشوى الأفئدة - فهي غرّة في جبين الدّهر - ولن يستطيع هذا الدّهر أن يحطّم من كبريائهم أو يطأطأ من عزّها وأنفتها. وها هي دمشق اليوم، ترفل بديباجها وتتيه بدلها وجمالها، فتربض حولها قاسيون تلو بمنديلها المتّقد لجاراتها العزيزة فتدعوهنّ للزيارة وتدعوهنّ للقيا الحبيب بالحبيب. في هذا اليوم تلتمع في دمشق آلام واحدةٌ وآمالٌ واحدةٌ وكيان وطنٍ واحد. في هذا اليوم ينتصر الحقّ على الباطل فتهزم جيوش الظّلم والاستعمار حيث تعبر البحار إلى أوكارها وحيث يختفي ذلك العلَم البغيض المثلّث الألوان. فإذا ما بدت دمشق في هذا العيد فرحةً طرويّة، فخورة مختالة، فمن حقّها أن تفتخر ومن حقّها أن تختال، فطالما زغردت في السّجون والمنافي ولطالما ذرفت الدّموع وروت الثّرى فوق قبور شهدائها، فهي تعرف حقّاً ذلك الثّمن الغالي الذي دفعته مهراً لهذا العيد وثمناً لهذا الجلاء. النّاس يقرؤون في كلّ يوم حديثاً عن السّيادة والاستقلال، ويسمع النّاس في كلّ يوم من يترنّم بالسيادة والاستقلال، فهل نحن مستقلّون استقلالاً تامّاً ناجزاً؟؟ لا ننكر أننا مستقلّون استقلالاً سياسياً ولكننا ننكر أن يكون الاستقلال السياسي وحده كلّ شيءٍ في حياة الأمم، أو الهدف الذي تسعى إليه وحده. كم استقلّت أممٌ سياسيّاً وواتتها الأيام، ولكنّ هذا الاستقلال لم تلبث أن تنهار أركانه وتندكّ معالمه من جرّاء عاصفةٍ تنتابه أو مصيبةٍ تلمّ به، وكم وجدت بلادٌ اكتسحتها جيوش المغير

وقذفتها قنابل المستعمر فخضعت للضربة القاصمة وفقدت استقلالها السياسي دفعةً واحدةً، ولكنّها لم تلبث أن جمعت شتاتها، واستمدّت من إمكانيّاتها ومؤهّلاتها، فاستعادت استقلالها بعد أن زال شبح المغير عنها، هذه البلاد التي أقصد بحديثي هذا قد فقدت كلّ شيءٍ إلا شيئاً واحداً لم تفقده، وهو ذلك الاستقلال النفسيّ الذي نحن أحوج الناس إليه. نحن بحاجةٍ إلى الشعور بالاستقلال في نفوسنا قبل الشعور به في مظاهرنا وأعيادنا. نحن بحاجةٍ لأن يشعر كلّ فردٍ منّا أننا مستقلّون حقّاً، وأنّ استقلالنا مدينٌ لنضالنا ونضال أجدادنا، فإذا ما استقرّت هذه العقيدة وآمن كلّ من في الوطن أنّ استقلاله ليس هبةً من مستعمرٍ ولا هديّةً من صديقٍ، يستطيع أن يشعر شعور المستقلّين حقّاً، وأن يقوم بأعمال المستقلّين حقّاً. أجل نحن بحاجةٍ إلى هذا الاستقلال النفسي المبنيّ على الثّقة والعقيدة والواقع. فإذا ما استطاعت البلاد العربية أن تنجب جيوشاً من هذا الشباب الواعي لقضيّة بلاده، المؤمن بحقيقة استقلاله، والواثق من عقيدته وإمكانياته، حقّ له أن يفخر بهذا الاستقلال وأن يستعيد ذكراه كلّ عامٍ، هذه الذّكرى الجميلة التي تتمثّل بعيد الجلاء، بأجلى صوره وأروع مظاهره. كلّية الآداب أدهم عدي

التمثيل والمدرسة

التمثيل والمدرسة تحدّثت في العدد الثالث من مجّلة المعرفة، عن مدى مساعدة السينما من الناحية الثقافية على سدّ النقص الذي يعتمر حياتنا الذّهنية. وذكرت بأنّ الأشرطة التعليمية تقوم بمهمّة المعلّم لدى التلميذ، الذي يغدو بوسعه أن إدراك أيّ درسٍ من الشريط السينمائي بأسرع من الطريقة المتّبعة في غرفة الصّفّ، إذ يجد إلى جانب مادّة الدرس متعةً وتسليةً في مشاهدة الفيلم. . . وفي هذا العدد أحاول أن أذكر بإيجازٍ عن مدى تأثير المسرح في التربية والتعليم وفوائده بصورةٍ عامّةٍ. المسرح المدرسي في مصر يرجع تاريخ نشأة المسرح المدرسي في مصر إلى عام 1919م. ومنذ ذلك العهد أصبحت لكلّ مدرسةٍ ثانويّةٍ فرقتها التمثيليّة والموسيقيّة. ثم اتّسع نطاق القسم الخاصّ بالإشراف على المسرح المدرسيّ، فصار إدارةً قائمةً بحدّ ذاتها في وزارة المعارف المصريّة. وفي أيامنا هذه ازدادت الحركة الفنية في مدارس مصر انتشاراً، حيث تمتلئ الأسابيع الأخيرة من السنة الدراسية، بحفلات الطلبة التمثيلية والموسيقية، في المسارح العامّة أو في المدارس. وقد أدخلت مادّة القصّة والتمثيل في مناهج الدراسة الثانويّة. وقرر معهد التربية للمعلّمين، اعتبار فنّ التمثيل والإلقاء من المواد الإجبارية في السنة النهائية. وسيؤدّي طلبة هذا المعهد الامتحان أمام لجنةٍ من كبار الممثّلين. أمّا المدارس الابتدائية، فيقصر فيها على الحفلات الخطابيّة والمشاهد التّمثيليّة القصيرة، التي تستغنيها أذواق التلاميذ. وتلقى في هذه الحفلات الأدبيّة والعلميّة، وتنشد الأغاني المدرسيّة، فُرادى وجماعاتٍ مع الرّقص الإيقاعيّ ويشترط في إخراج الرّوايات، أن تتّفق مع البيئة المدرسيّة، وأن تتجرّد ممّا يبعث الملل في النّفوس، ويجعل المسرح نشيطاً، تتوالى مشاهده. المسرح المدرسيّ في الدّول الرّاقية وهاهي روسيا وفرنسا وإنكلترا وأمريكا لجأت إلى المسرح لتنشئة أطفالها خير تنشئةٍ، فقد انتشرت فيها مسارح تدعى (مسارح الأطفال) يهيئ كلّ شيءٍ في هذه المسارح، من إعداد المناظر، وعمل المكياج والإخراج وما شابه ذلك، تحت إرشاد علماء في التّربية وعلم

النّفس، وينبغي أنّ نعلم أنّه يحظر على الأولاد الصّغار هناك ارتياد مثل المسارح ودور السّينما العامّة، على أن تخصّص لهم هذه الدّور حفلات نهاريّة يمنع من دخولها الكبار. وهنالك محطّات للإذاعة المدرسيّة، تتيح للتّلاميذ الاستماع إلى بلغاء المذيعين وفصحاء المحاضرين، حيث إذا ألفوا سماعهم، واعتادوا الإصغاء إلى أقوالهم أو إلقائهم، يشعرون في نفوسهم إلى محاكاتهم. التّمثيل وفوائده يكاد المعلّم في مدارسنا، يحصر جهوده كلّها في عمل واحد، وهو تلقين تلاميذه بادئ العلوم، وحشو آذانهم بها، ليجتازوا عقبة الامتحان. أمّا التلاميذ ودراسة نفسيّتهم، وعلاج أدواء بيئاتهم المختلفة، وأمّا رفع مستواهم الخلقي، فتلك معضلةٌ لا يجد متّسعاً لحلّها، وإن وجد، حالت دون ذلك الأنظمة الآليّة الموضوعة. . . والفرصة التي يمكن أن تستغلّ لعلاج هذا النقص، هي فرصة النشاط المدرسي، وفي المقدّمة التمثيل والإلقاء. إنّ اهتمام الأمم الراقية بالمسرح المدرسي، وليد الشعور بحاجة الجيل الصّاعد إلى هذه النهضة الفنيّة. فمتى تغمر مدارسنا موجة فنّ التمثيل والإلقاء الذي أصبح وسيلةً فعّالةً للإصلاح، وأداةً هامّةً لتثقيف النّشء وتهذيبه؟ فلعلّنا نجد في السنين القادمة ضمن البعثات الحكوميّة، بعثةً من الأساتذة أصحاب المواهب الفنّية، والكفاءة الثّقافيّة، للتّخصّص في فنّ التمثيل. وحبّذا لو تتدخّل وزارة المعارف تدخُّلاً عمليّاً في الإشراف على الحركة الفنية، وتدمج التربية الفنّية في مناهج التعليم، لاسيّما بعد أن انزاح عن الصّدور كابوس المستعمر، الذي كان يعرقل فكرة جعل الفنون الجميلة جزءاً مهمّاً من المناهج المدرسية. وليس هنا مجال الإسهاب في الحديث عن التمثيل، ولا الإطالة في البحث عن فوائده التي أصبحت غير خافيةٍ. إنّما الغرض الذي أرمي إليه، التلميح إلى أهمية فن التمثيل، عندما الأمم تريد أن تحسن إرشاد جيلها، وتوجّه شعبها. رؤوف جبري

أولادنا

أولادنا دخل الأحنف بن قيس على معاوية، ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه أعجاباً به، فقال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ ففهم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرّة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منّا لما بعدنا، فكن لهم أرضاً ذليلةً، وسماءً ظليلةً. إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم. لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك. فقال: لله درّك يا أبا بحرٍ! هم كما وصفت.

ثقافة المرأة

ثقافة المرأة للآنسة نبيهة الزبيدي لاشكّ في أنّ المرأة عنصرٌ أساسيٌّ من أركان نهضة الأمم والشعوب، ركنٌ يجب تعزيزه وتقويته وأنجع وسيلةٍ للنهوض بالمرأة تكوين شخصيّتها وذلك بتثقيفها ثقافةً حقيقيّةً وتوجيهها توجيهاً يلائم البيئة والعصر والأهداف الوطنيّة والقوميّة. وقد يكون المجتمع قاسياً والعادات مستحكمة ووطأة التقاليد محكمة الزّرد على تقدّم الفتاة ولكنّنا نودّ من الأعماق لو عرفت كيف تستعمل السلاح لطعن تلك الأسباب مجتمعةً طعنةً نجلاء. . . هذا السلاح هو الثقافة الحقّة. . . إنّ عدداً كبيراً من فتياتنا اليوم متعلّماتٌ ولكن نم النادر أن نجد فتاةً واصلت بعد ذلك العمل والجدّ كيما تصل إلى كمال حياتها العقلية والروحية والجسدية بأن تطّلع على ما تنتج قرائح عصرها من علومٍ ومعارفٍ. . فهل كوّنت علوم المدرسة شخصيّتها وهل عرفت إذا ما أصبحت زوجةً كيف تكون زوجةً فاضلةً مدبّرةً ملمّةً بمبادئ الصّحة والاقتصاد والتربية، وهل حاولت تفهّم نفسيّة زوجها وتكييف نفسها ما استطاعت لتمزج روحها بروحه وليتكوّن منهما إنسانٌ كاملٌ يهِبُ نفسه للحياة وإذا ما أصبحت أمّاً هل عرفت كيف تنشئُ طفلها وتجعل منه عضواً فعّالاً في المجتمع بأن تجعل منه شخصيّةً لها كيانها ووجودها. . وإذا ما كانت عضواً في إحدى الجمعيّات هل عرفت كيف تسير بخطى ثابتةٍ قدماً إلى الأمام حتى إذا ما اعترضتها الصعاب تغلّبت عليها وحالت دون تسرّب الملل والخمول إلى نفسها. وإذا كانت في اجتماعٍ أو حفلٍ هل فكّرت بأن تتحدّث بما هو أسمى وأجدر من التعرّض لذكر الزّينة والثياب وحوادث الزواج والطلاق وأحياناً التعرّض للسياسة والأخبار. وأخيراً إذا كانت معلّمةً وعهد إليها بتربية الجيل الجديد فهل فكّرت بكبت أنانيّتها وحقدها وهل عرفت كيف تكون مثالاً صالحاً يحتذى، وهل سمت بعواطفها فوجّهتها بحيث احترمت من تربّي ليحترمها، وهل قدّرت المسؤولية الملقاة على عاتقها والرسالة المقدّسة التي يجب عليها أن تؤدّيها لأبناء وطنها فعرفت كيف تغذّي النفوس والأرواح بكلّ ما يلهب الحماس والنّشاط ويبعث على الابتكار والتّجديد والتضحية والمساهمة بصدقٍ وإخلاصٍ أم أنّها نسيت أنّ التعليم معادلةٌ ذات طرفين فراحت تفرض احترامها وتثبت وجودها على أنقاض نفوس النّشء المحطّمة وراحت تستعمل كل ما

أوتيت من قوةٍ لتؤيّد أنّ لها حقوقاً ولكن ليس عليها واجبات؟ أعتقد أنّ الجواب سلبيّ عند أكثر سيّداتنا وفتياتنا المتعلّمات إن لم يكن عند جميعهنّ وعلى كلٍّ فالقليل لا يُتّخذ مقياساً. وما ذلك إلا لفقدان الثقة الحقّة فما أكثر المتعلّمات ولكن أين المثقّفات اللائي يجدن خوض معركة الحياة بحزمٍ وثباتٍ ويقضين على مشاكلها بحكمةٍ ورويّةٍ وصبرٍ وأناة. فالمعرفة القليلة المتّصلة بالروح المندمجة بالشّخصيّة هي أعظم فائدةً من معلوماتٍ متعدّدةٍ وفيرةٍ ولكن ليس لها صلةٌ بالقلب والروح. فنحن لا نريد منكِ أيتها الفتاة أن تكوني متعلّمةً فقط بل مثقّفةٌ والثقافة هي جهادٌ يسقى بدم القلب وصراعٌ يستمرّ مدى الحياة. فالفتاة المثقّفة الواعية هي التي لا تنظر إلى مظاهر الحياة الخدّاعة. وقد تفشّى لسوء الحظّ بين الكبير والصغير التقليد الذي سخر منه الله لدى انصراف الجاهليين عن الاستجابة للدّعوة الإسلاميّة فقال: إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون. فهذا التقليد الأعمى المقيت هو من أعظم أسباب الجمود والتأخّر بيننا ولكن ليس كلّ تقليدٍ هو تقليدٌ يضائل الشخصية ويقضي عليها فليت شعري لما لا نقلّد الشخصيات العظيمة ونتحلّى بصفاتها الحسنة؟ لمَ لا نقلّد السيّدات النبيلات المحترمات؟ لمَ لا نأخذ من زوجة الرئيس روزفلت مثلاً تلك المرأة التي تقوم بمهام منزلها بنفسها - وهي زوجة أكبر رئيس جمهوريّة في العالم - دون أن تخجل أو تفكّر بأن تفاخر بأنّها لا تحسن شيئاً من الأمور المنزلية كبعض سيّداتنا وفتياتنا المحترمات اللواتي بلغ منهنّ الهذر أن رحن يفاخرن بأنّهنّ لا يرضعن الأطفال وإنّما يعهدن بهم إلى إحدى المرضعات. وأمّا عن تقليد ممثلات هوليود فحدّث ولا حرج، وبديهيٌّ أنّ من كان هذا شأنه لهو أبعد الناس عن اكتساب شخصيّةٍ قويةٍ يفرض بواستطها الحبّ والإعجاب على من يحيطون بها. فلتعلم الفتاة أنّ دواعي الجمال كثيرةٌ وأنّ البهجة هي من أعظم أسباب الجمال. فاكسبي جمال الجسم بالنشاط والرياضة واكسبي جمال الروح بالثقافة والتهذيب. فالفتاة المثقفة هي التي لا تحصر اهتمامها بالمظاهر والملابس والأزياء وما إليها لعلمها أنّ هذه الأشياء ليست وحدها هي التي ترفع من قيمتها بين الناس وإنما تساهم في ذلك إلى حدٍّ ما وإنّ هناك ما هو أعظم وأجلُّ من كلّ ذلك، هناك الأخلاق الفاضلة والنفس الطاهرة الوثّابة إلى كلّ عملٍ مجيدٍ.

ثقي يا فتاتي أنّك إذا تمسّكت بالقشور ولم تجعلي هدفك التّحلّي بالصفات التي تجعل منك إنساناً كاملاً له قيمته بين الناس فإنّك حتماً ستبوئين بالفشل وستعيشين على هامش الحياة منبوذةً شريدةً. هيا يا فتاتي فقد فتحت لكِ البلاد أبواب العلم واسعةً فادخليها دون وجلٍ أو خجلٍ فاستنيري بشمس العلم الساطعة ثمّ تقدّمي إلى الأمام إلى الحياة العمليّة وسترين حلاوة النّضال. إنّ العلم والمطالعة ومتابعة نتاج الفكر العالمي هو الذي يخلق منك أديبةً لها آراؤها وأسلوبها المتجدّد. أديبةً تنهض لنصرة أخواتها المهضومات الحقوق المهيضات الجناح اللواتي ينتظرن فورة المتحمّسات أمثالك أمامك قيودٌ مستحكمةٌ وأنانيّةٌ حمقاء وأثرةٌ عرف بها الرجل منذ الأزل فذلّلي ما يعترضك وروّضي الصعاب واقتحمي اللُّجة بعزمٍ وثباتٍ ولا تفكّري ولو لحظةً واحدة بأنّك فردٌ واحدٌ لا يضرّ ولا ينفع بل بالعكس فكّري بأنّك حجرٌ أساسيٌّ في بناء المجتمع مت تحطّم انهار البناء بكامله وأنّك الجسر الذي تعبره مواكب الأجيال حاملةً نبراس الحرّية والحياة. نبيهة زبيدي دار المعلّمات

نحن والواقع

نحن والواقع للأستاذ صلاح مزهر إننا بحالة وعيٍ شاملٍ، لكنّه وعيٌ نائمٌ أيقظه خطرٌ داهمٌ، فهبّ للدفاع عن نفسه، وقد ثارت فبه قوى الانتقام وحبّ الذّات الكامنة، مستعملاً جميع الوسائل للتّخلّص من عدوٍّ مخيفٍ وخصمٍ عنيدٍ. فوعينا وليد ضغط الاحتلال وقسوته لا يرتكز على تعقّلٍ ورويّةٍ واتّزانٍ ومرونةٍ، إنّما هو وليد الحاجة الملحّة لنيل حقٍّ مغصوبٍ، تحكّمت فيه عاطفة الثورة على الاضطهاد والرّغبة في حفظ كيانٍ مهدّد بالهدم فأصبحنا حيال واقعٍ يطلب منّا حبّ الموت في سبيل الحياة شأن كلّ شعبٍ لا يطيق ذلاًّ ولا يرضى بهوانٍ، فقطعنا، على أشلاء ضحايانا، مرحلةً من أفظع المراحل وأقساها!. . إنّ كلّ أمّةٍ لا تسير مع واقعها لا تفوز، والفئة الواعية فيها بكلّ ما للوعي الصحيح من معانٍ هي التي تسهر على مصالحها وتدير شؤونها حسب مشيئة الظروف والأحوال، بل حسب إرادة الواقع، مراعية إمكانيّات الأفراد ودرجات استعدادهم لمجابهة الطوارئ النّاشئة، وكان واقعنا بالأمس يطلب منّا توجيه الشّعب توجيهاً سياسيّاً فنشأ عن ذلك التّوجيه العاطفي فوز الأماني باستقلالٍ طليقٍ من كلّ قيدٍ، لكن فوجئنا بواقعٍ آخر مملوءٍ بالمسؤوليّات الجسام والمشاكل الاجتماعية المعقّدة يقتضي أن نعالجها على ضوء الحقائق الراهنة وأن نعدّ لها العدّة لنتّقي شرّ السقوط. وأنّ المدرسة التي كانت مسرحاً لبثّ الدعاوات الوطنيّة ضدّ الاستعمار ومصدراً لقوى الشّعب المتوثّبة نحو التحرر والانطلاق والثائرة على الظلم والإرهاق يجب أن تكون مبعث الإصلاح المنشود وموئل التّوجيه القوميّ الكامل بجميع نواحيه ومراميه. إنّ المدرسة هي الأساس في نهضات الشّعوب، وعليها تتوقّف مصائر الأمم، ورغم اهتمام الحكومة الوطنيّة بها بقيت مناهج التّربية على حالها م ما فيها من حشوٍ والتواء لا نفرّق بين حاجة القرية وطلب المدينة، ولا تراعي قابليّات أطفال هذه ولا ميول أبناء تلك. ومن هو فارس المعركة الاصطلاحيّة، والمطلوب منه البعث والإنشاء في دورة المسؤوليّة؟ - المعلّم: إنّه مخلوق مثل غيره لكنّه مبعوثٌ لتأدية رسالة عظيمة تختلف عمّا دعي سواء للقيام به من مهام وواجبات. وإن تكن لكلّ مهنة أو حرفةٍ خاصّة لا تستغني خاصّة لا

تستغني عنها الشّعوب في تدعيم نهضاتها وتقويم حيويّاتها، فلمهنة التّعليم قدسيّة وجلالٌ وفاعليّةٌ تجعلها تستطيع رفع مستوى الأّمة، لذا يجب أن يكون المعلّم مثقّفاً من النّاحيتين الخلقيّة والعلميّة، مطلعاً على أسرار مهنته وأساليبها، محبّاً لها حبّاً شبيهاً بالعبادة لكي يتمكّن من تربية النّشء الحديث تربيةً صحيحةً، فلا يكون من الشّباب الذين يتّخذون من هذه المهنة وظيفة مؤقّتة ينصرفون، خلال إقامتهم فيها ولبثهم تحت لوائها، إلى إعداد نفوسهم لخوض ميدانٍ غير ميدانها لأنّها، في نظرهم، مبتذلةٌ لا تفي بحاجة نفوسهم الطّامحة إلى السّؤدد، لأنّهم لم يتعوّدوا على التّضحية والتّفاني في سبيل أمّتهم ووطنهم أو لأنّ الحكومة لم تنصف أبناء هذا السّلك، فاضطر هؤلاء الشّبّان إلى التّهرّب من أشرف المهن؟ أتيت في بحثي على ذكر القرية، وهنا أقول أنّ الحالة فيها تبعث الحزن في النّفس لأنّها بحاجة شديدةٍ إلى الإصلاح في جميع نواحي العمران. وهي، والفقر والجهل يخيّمان عليها، منبع الرّجولة الحقّة والذّكاء الوقّاد، لا يتطلّب إنهاضها من كبوتها كثير عناءٍ. وأرى أن يُجعل التّعليم فيها إلزاميّاً بقوم بتأدية رسالته شبّانٌ عمادهم الأخلاق الفاضلة وغايتهم تهيئةُ جيل جديد يترفّع عن النّعنات الحزبيّة الضّيقة ويتسامى عن النّعرات الطّائفيّة البغيضة، جيل مؤمنٌ بقوميّته متفانٍ بحبّ وطنه، لا يتنصّل من التّبعات، فتفيد البلاد من عبقريّات فذّةٍ مدفونة، وعقليّات عظيمةٍ مطمورةٍ. وأرى أن يكون إعداد النّشء للحياة العمليّة أكثر منه للحياة العلميّة وتعويده على الأعمال الزّراعيّة حسب الطّرق الفنّية الحديثة، لأن معظم القروييّن لا يتمكّنون من وضع أبنائه في المعاهد العالية لما لها من تكاليف باهظة، وإن القرويّ الذي أنهى دروسه الابتدائية وتطلّعت عيناه إلى نور الحياة ولم تتهيّأ له الأسباب لمتابعة الدّراسة، تأنف نفسه من العودة إلى العمل في الحقل، فتقوى الأزمة في القرى وتكثر البطالة، وتصاب زراعتنا بشللٍ يؤدّي إلى تأخير اقتصاديات الوطن. ولقد أهملت المدرسة اليوم النّاحية الحيويّة التي يتطلّبها محيط القرويّ وتقتضيه بيئته. فإكثار عدد المدارس الزّراعيّة في القرى وتخصيص قسمٍ كبير من برنامج التّعليم فيها للعمل أمرٌ حيويّ مفيدٌ يجب أن يراعا ويحقّق. وإننّا بإصلاحنا شؤون القرية نجعل منها مصدراً نستمدّ منه قوىً جبّارةً في جميع مرافق حياتنا ولن نتخلّص من كثير من أمراضنا الاجتماعية التي يتألّم منها المفكّرون إلاّ إذا رفعنا

مستوى القرية المادّي والمعنوي. وتصبح نهضتنا كاملةً، ووعينا صحيحاً مجرّداً وجسمنا الاجتماعي سالماً من كلّ مرضٍ، إذا دخل العلم إلى الكوخ مثله إلى القصر، لأنّ العظماء الذين بنوا العالم الحاضر بما فيه من اكتشافاتٍ واختراعات، وعلمٍ ورقيّ، ومدنيّةٍ وغنى، وسعادة وكمالٍ، كانوا غالباً من هناك. . . من الأكواخ!!. . مدرسة عرنة الرّسميّة صلاح مزهر

قطرة في بحر

قطرة في بحر يستطيع أن يرى الإنسان بالعين المجرّدة أربعة آلاف نجمٍ في حين أنّه يستطيع أن يرى بالمنظار (تلسكوب) عدّة ملايينٍ منها. وما الشمس إلاّ نجمٌ واحدٌ صغيرٌ من مجموعةٍ يبلغ عددها مليوناً إلى مليونين من النّجوم. ويلوم للضّوء أربعة ملايين من السّنين حتّى يصل من أقرب النّجوم إلى الكوكب الذي نعيش عليه. أليس كوكبنا هذا قطرةً من بحر هذا العالم؟

فن السؤال

فن السؤال للأستاذ عبد الرزاق جودة يسمو المرء في أفكاره وآراءه، ويعلو في معارفه وتأمّلاته، سواءً مع تدرّجه في درجات الدراسة والمطالعة، أو مع نشوئه ونموّه في فصول السنّ والأعمار، كلّ هذا يراه إذا ما عاد وتأمّل ذاته، وتعمّق في شخصيّته، يعود إلى عوامل عديدة، أسماها ما فطر عليه من حبّ السؤال والاستطلاع، ولذّة المحادثات والمحاورات، التي تمكّن الفهم والإدراك، وتقوّي الحكم والمحاكمة، وتزيد الإمعان والتّذوّق في العقول والنفوس. يتبيّن لنا من ذلك أنّ أهمّ ما يجب أن يلجأ إليه المربّون والمربيات، والمعلّمون والمعلّمات، في تلقين ناشئتهم العلوم والعرفان، والفضائل والأخلاق، هو السؤال والتّحدّث وقد بحثنا في لمحةٍ سابقةٍ عن ذلك، أما الآن فإني أرسل بنبذةٍ عن كيفيّة انتقاء السؤال والفن في اختياره. يتطلّب السؤال كثيراً من الحذاقة، وكثيراً من الإمعان، إذ هو فنٌّ حقيقي. ولنلاحظ ما فيه من الخصائص الدقيقة. 1 - يجب أن يكون السؤال واضحاً، وذا قيمةٍ: كيف يستطيع التلاميذ الردّ على سؤالٍ محدودٍ، في نتيجةٍ مظلمةٍ، أو فكرةٍ مبهمةٍ، في حين أنّ الأستاذ نفسه من المحتمل أن يلاقي صعوبةً في الإجابة عنه! إنّ الأسئلة العامة الغامضة توقع التلاميذ في حيرة وارتباك عظيمين، كيف نطلب إليهم أن يجيبوا بصورة واضحة وتامّة عن أسئلة كهذه؟ ماذا قلنا في المرة الأخيرة. . .؟ أو ما هي الممالك المشهورة. . .؟ أو ماذا تعرفون عن مجلس الإدارة. . .؟ يفهم من ذلك أنّ الأسئلة التي تعطي إنتاجاً حسناً، وتقدّماً محسوساً في الصّفّ هي غالباً ما تكون حسب منطوق مادّة الدّرس، المستوحاة من عناصره الأساسيّة، فالمعلّمون هم الذين يبذلون قصارى جهدهم لجعل أسئلتهم نيّرة وواضحة، فيخرجون الدرس معها بأجمل صورة، ويجعلون الوقت المكرّس لها كفرصةٍ معدّةٍ للراحة تتناحر فيها الأذهان، دونما قسوةٍ أو قصد. 2 - يجب أن يكون السؤال جذّاباً ومنطقيّاً: السؤال الواضح، الغضّ، المملوء طلاوةً، وتفسيراً جذّابين للدرس والتّمارين - لاشكّ - أنّه سوف لا يملك قسوة الغصن اليابس الذي

لا يلين، بل يتمشّى مع إصلاح ما هو فاسدٌ، ويربط عرى ما هو متفكك الأواصر، وبالعكس فالسؤال المغلوط والخارج عن نطاق ومنطوق مادّة الدرس، كأنّه يقذف بالتلميذ إلى هوّةٍ سحيقةٍ مظلمةٍ، فيبعث في فكرته التشويش، والارتباك، ويسوقه إلى الإيهام والإبهام الخطيرين. لذا يجدر بالمربّي الحقيقي أثناء أسئلته ومحادثاته الأخذ بيد التلميذ، والسير به بمعونة أسئلةٍ محكمة الارتباط، ومطبقةٍ على أشياءَ حسيةٍ توقظ فيه الحياة، وتظهر قواه الكامنة للمّ شعث أفكاره المبعثرة. وذلك بإحضار الأسئلة الأساسية، الموضّحة لمادّة الدرس بصورة فنّية دقيقة، واعتناءٍ فائقٍ صحيحٍ. 3 - يجب أن يكون السؤال في مستوى معرفة التلاميذ وعقليّتهم: الأسئلة الفارطة في الصعوبة تخمد - دوماً - الجواب، والاتّقاد، وتطفئ النشاط والاستعار، وتجلب السآمة والملل إلى النفوس. والأسئلة البالغة في السهولة لا تحدد شيئاً من المقدرة، بل تكون عديمة الفائدة، وقليلة الإنتاج. ففي الأسئلة الصعبة مثلاً: كيف تسأل في حساب الصف الأول كم ثلثاً في الأربع برتقالات؟ أو في مفردات الصف الثاني، آت لنا من كلمة طبخ اسماً وصفةً ومصغّراً؟ مع أننا لم نعطِ شيئاً من ذلك، وهكذا دواليك في بقية الصفوف. وفي الأسئلة السهلة، فكيف لا نبعث الفرح والمرح في التلميذ في أسئلة تلذّ له ظاهريّاً، وفيها الضرر بعينه، إذ تثير فيه الإعجاب بنفسه، وتجلب له الغبطة والسرور، ولا تحيجه في الجواب إلا لكلمة (نعم) أو (لا) والتي في بعض الأحايين يشرع المعلم في الإجابة عنها، فيعطي جلَّ الجواب أو أجمعه، ولا يترك للتلميذ إلا الجهد الضئيل لإيجاد آخر كلمةٍ أو آخر مقطعٍ في الجواب، نحو ولد محمد صلى الله عليه وسلّم في. . .؟ مكّة. وكان خالد بن الوليد في جيش العراق ال. . .؟ القائد. إنّ طائفةً من مثل هذه الأسئلة، أكانت أسئلةً صعبةً أم سهلةً، بدل أن تذكي الأذهان بالعكس فإنّها تميت الحركة الفكرية، ولا تترك للتلميذ حقّه في العمل الذّهني، والجهد التّفكيري، وتكون - محض - مميتة (للطريقة التعليميّة الفعّالة) بمجلّة فن التّربية في 15 كانون الثّاني عام 1888 م، إذ قال: إنّ نفس التّعاليم الشّرعيّة في الدّين المسيحي تتقدّم بأسئلة

وأجوبة، ولا تملك صفة تحيج إلى إجهاد وإعمال الفكر، بل العكس تلخّص إلى المحاورة بصورة لفظيّة، أدبيّة، مطابقة للمعرفة والعقل). 4 - يجب أن يكون السّؤال لا إفراط في السّرعة، ولا تفريط في البطء: هناك معلّمون كثيرون، عديمو الأناة والتؤدة، لا يعرفون معناً للتّريث من معنىً في أسئلتهم ومحادثاتهم، فلزاماً علينا أن نقول لهم: دعوا التلميذ أن يفكّر في السؤال فلا تضايقوه، ففي الإضافة إزعاج له، وشلٌ، لقواه، وإذا ما تأكدتم - بعد هذا - من عدم الجواب، انتقلوا به إلى غيره علّه يستوي إلى الطريق ثم إذا كان سؤالكم يشوبه شيءٌ من الغموض، وغير واضح بصورةٍ جليّة غيّروا شكله في التّقديم، أو التّأخير، أو بقلب العبارة المبهمة. والمشكلة الأعظم من ذلك هي النّاشئة من الشّطر الثاني من هذه الفقرة، وهو برودة وبطء السّؤال. فكلّ سؤال فيه جمودٌ وبلادةٌ يصطحب معه ضباباً قاتماً يخيّما في جميع أرجاء الصّف. لأنّه من المؤلم بمكانٍ أن يرى سؤالٌ واحدٌ يدور أمداً طويلاً حول تلميذٍ واحدٍ حيث يجنح الباقون في هذه البرهة الزّمنيّة الطّويلة إلى الصّمت العميق المضرّ، وينساب إليهم الضّجر والملل اللذان يعقبهما عدم الانتباه والفوضى. 5 - يجب توجيه السؤال إلى الجميع: المعلّم الذي يعني بتوجيه سؤاله - أبداً - بالأقوياء من التّلاميذ لا شكّ أنّه يرى أصابعهم - بلا فتور - تتقاذف إلى الأعلى، وما أعظم غبطتهم؟ عندما يجيبون بلا صعوبةٍ، أو إجهاد فكرٍ بالنسبة إليهم. أجل؟ لا يمكن الاستغناء عن سؤال أمثال هؤلاء التّلاميذ، وإغفالهم وشأنهم أو تركهم في عزلةٍ لوحدهم ظنّاً منّا أنّهم وصلوا إلى الغالية المنشودة، ونحن بغنى عنهم. ثمّ ولا يسعنا الاشتغال معهم وترك الباقين في جوّهم يعتهون، بل يجب الاستعانة بالقويّ، لأجل إذكاء الضّعيف، والالتفات إليه كيما ننعشه وندبّ فيه النشاط والرّوح. إن متوسّطي الطّلاّب أو ضعافهم. في أيّ صفٍّ جعلناهم، أو في أيّ جقبة من أيّام الدّراسة حسبناهم يجدر بنا أن لا ننظر إليهم كأشخاصٍ جامدة، أو صورٍ خياليّة قال - فيسيو -: (لمن دواعي السّرور العظيم أن لا يمرّ، ولا صفّ، تلاميذه كثيرون كانوا أم قليلون، دون أن ينتابهم - جميعاً - قسطهم من السّؤال وسيكون - بالعكس - الألم

الممض بعينه إذا ما ظنّ أحد التّلاميذ أنّه منسيّ أو مزدرىً به، لأنّ الإحساس بالسخرية، أو عدم العدل، كافٍ للتضليل والارتباك. قسماً بعيناي أحلفه؟ إنّ أفضل معلّمٍ هو الذي يستنبط من جميع تلاميذه - على السواء - أفضل كميّة). 6 - يجب أن لا يطلب السّؤال من تلميذ بمفرده: المثل الأعلى في السّؤال هو إشراك جميع التّلاميذ فيه وذلك بطرح أسئلة شاملة عامّة، تتردد دائماً في المكالمة والتّحديث، شريطة ألاّ تحدث جلبة أو ضجيجاً، يتسرّب معهما تشويش في فهم الفكرة، أو تعذّر في عدم نضوج وتثبيت الموضوع ثمّ ولا يسمح لنا بأيّ وجه من الوجوه أن نعيّن بادئ بدء، ونطلب إليه أن يجيب، فنقول، مثلاً: قم يا نزار وقل ما هي دول الجامعة العربيّة؟ بل يستحسن دائماً أن نوجّه السّؤال إلى علامّة الصف ونطلب الجواب بسرعة من أحد التّلاميذ الذين رفعوا أصابعهم إذا وجدناه مناسباً للرّد، وتحقّقنا استطاعته بالإجابة في غضون ثانية. . . أو ثالثة. . . أو أقلّ. وبذلك، وأن نستخدم في بعض الصعوبة لتسوية فاعليّة جميع التّلاميذ على السّواء، سواءً في التّكلّم أو الانتباه أو اليقظة أو المحاكمة. . . ولكن في النّهاية، ومع الممارسة والتّمرين لابدّ من الوصول إلى الغاية المنشودة ونثر بذور النّشاط، والمباراة، والغيرة بين الجميع مهما اختلفوا في المشارك والأهواء. وأخيراً قبل الانسحاب منن الموضوع ألفت النّظر إلى نقطة هامّة هي: أنّ جلّ المعلّمين يصادفون في تدريسهم نفراً من التلاميذ لا يهتزّون لما يطرح ويجري في الصّف من الأسئلة. فهؤلاء الصّامتون ليسوا - دائماً - أغبياء، بل استحوذ عليهم الخجل فأخمهم على المعلّم الحاذق أن لا يتركهم فريسة الأوهام بل ينشّطهم بكلماته الشّجيّة المشجّعة، ونبرة صوته الجذّابة الملأى بالعطف والرّقّة وإذا جرّ بعضهم إلى الاستجواء، ورآهم قد أجاب خلطاً فلا يستهزء به، ويفتّش عن خزيه، ويضحك الصّف لهفوته، إذ بهذا يؤصّل فيه البكم إلى الأبد، ويجني عليه ويجرّه إلى خطر البلادة، وسوء العاقبة. عبد الرزاق جودة

رد لاذع

رد لاذع بينما كان عازف البيان البولندي الشّهير بادرفيسكي يزور مدينة بوسطن منذ سنوات، اقترب منه ماسح أحذية وسله: هل أنظّف حذاءك يا سيّدي؟ فنظر بادرفيسكي إلى وجه الغلام الملطّخ بالأقذار وقال له: كلاّ يا بنيّ ولكن إذا غسلت وجهك فسأعطيك قطعة نقود! فأجاب الغلام: حسناً وأسرع إلى أقرب نافورة فغسل وجهه وعاد متهلّلاً. . . فأعطاه بادرفيسكي قطعة النّقود التي وعده بها. . . لكنّ الغلام تأمّل قليلاً رأس الفنّان الذي استطال شعره حتّى غطّى عنقه، ثمّ ردّ إليه قطعة النّقود قائلاً: كلاّ يا سيّدي. . . الأفضل أن تستبقي نقودك لتقصّ بها شعرك.

شذرات

شذرات وداد شمندري الأطفال الأشقياء الأطفال الأشقياء كثيرون في كلّ أمّةٍ وكلّ مجتمع، لاسيّما في الأمم التي يتفشّى فيها الجهل وعدم الاهتمام بالتربية والتعليم. وأمريكا بالرغم من تفوّقها في مدان المعارف والعلوم، ما زالت تشكو من شقاوة الأطفال وشذوذهم الخلقيّ ولهذا أخذ علماء وأساتذة علم النفس فيها يفكّرون بوسيلةٍ ناجعةٍ تقضي إلى حدٍّ ما، على تلك الشقاوة، وذلك الشذوذ. وقد افتتح الدكتور ويليام لانجفورد في نيويورك مستشفى لعلاج الأطفال بطريقةٍ مبتكرةٍ، وهي أن يتولّى فحصهم ودراستهم في بادئ الأمر جماعةٌ من الأخصّائيين في علم النفس والتربية، حتّى إذا ما وقفوا على حقيقة أمر كلّ طفلٍ وشخّصوا مرضه، شرعوا في معالجته علاجاً نفسيّاً يتّفق وحالته، وقد نجحت هذه التجربة، واستطاع الدكتور لانجفورد أن يشفي عدداً كبيراً من الأطفال من شقاوتهم وأن يجعل منهم أطفالاً وديعين أذكياء نابهين. وذكر الدكتور لانجفورد أخيراً في حديث له مع بعض الصّحافيين والمشتغلين بشؤون التربية، أنّه يقترح على الحكومة إنشاء عدّة مستشفيات من طراز مستشفاه في مختلف أنحاء الولايات المتّحدة، كما يقترح معالجة المسجونين والأشقياء في السجون بهذه الطريق، لأنّها أجدى وأنفع في إصلاح حال المعوجّين. الجامعيّون والانتخابات بعد حينٍ ستدور معركة الانتخابات النيابية التي تستعدّ لها البلاد استعداداً خاصّاً، لأنها أوّل معركةٍ تدور بعد تحرير البلاد، وجلاء الأجنبي عنها، ناهيك عن هذه الروح الوطنيّة، وهذا الوعي القومي الذي نلمسه في ونشهده في كلّ ناحيةٍ، وفي كلّ طبقةٍ من طبقات الشعب، ولاشكّ أنّ طلاب الجامعات عندنا سيساهمون في خوض تلك المعركة يلعبون دورهم فيها. ومن طريف ما قرأته في هذا الصدد، أنّ في البرلمان الإنكليزي الحالي، اثنا عشر عضواً يمثّلون الجامعات. وبذلك يتيسّر للجامعيين - طلاباً وخرّيجين - وهو أعلى طبقات الأمّة في ثقافتها، أن يساهموا في توجيه سياسة البلاد وشؤونها. كما أنّ الدستور الإسباني يحتّم على كلّ من يحمل الشهادةً الابتدائية فما فوق أن يعطي

صوته في الانتخابات. ملوحة ماء البحر يقول الدكتور جاجار، وهو اختصاصي في دراسة البراكين وتكوينها، أنّ البراكين هي السبب في ملوحة ماء البحر، فإنّها تقذف سنويّاً من جوفها ما لا يقلّ عن مليون طن غاز حمض الهيدروكلوريك، فيمتزج في أعالي الجو ببخار الماء ويسقط مطراً غزيراً في مجاري الأنهار، ويكوّن ملح الصوديوم. ويقول هذا الدكتور أنّه لولا سوائل البراكين، لكان ماء البحار عذباً، لأنّه عذبٌ بطبيعته. سرّ الحياة أراد أستاذٌ في علم النفس، أن يختبر شخصية تلاميذه، فأمرهم أن يملأوا إحدى الغرف بما يتراءى لهم، فملأها الأول بالقشّ فقال الأستاذ: - إنّك تسعى إلى العيش من أقصر الطرق وأسهلها. وملأها الثاني بالنّشارة فقال له: - أنت تميل إلى العمل الكثير، ولكنّك لا تجني ثمرة جهدك. وملأها الثالث بالكتب فقال له: - أنت لا تعتني إلا بالقشور والنّظريات، ولا تلمس الواقع أبداً. وملأها الرابع بالأزهار فقال له: - إنّ الحياة ليست جميلةً وسهلةً بالدّرجة التي تنظر إليها، هناك بعض الأشواك التي تدمي البنان. أما التلميذ الخامس، فإنّه وضع شمعةً مضيئةً في وسط الغرفة، فقال له الأستاذ: - أنت أعظمهم، لقد فهمت سرّ الحياة. . . إنّ واجبنا أن نضيء الطريق للآخرين. . .

تيسير الكتابة العربية

تيسير الكتابة العربية للأستاذ اديب شاكوج قامت في مصر ضجّةٌ جريئةٌ منذ سنين عدّة حول تيسير الكتابة العربية واختلفت الآراء، وتضاربت الأفكار حولها. فمن قائلٍ بضرورة الكتابة بالأحرف اللاتينية، ومن قائلٍ بإبقاء القديم على قدمه ومن منادٍ بضرورة إجراء تعديلٍ وتشذيبٍ على الطريقة المتّبعة حالياً. ولكلّ فئةٍ من هؤلاء الأعلام حججٌ دامغةٌ، وبراهين قوية يدعم بها نظريّته ويدافع عنه بقوة وإيمان. وقد اطّلعت على أكثر الاقتراحات المنشورة في مختلف المجلاّت حول هذا الموضوع، ولا أزال أنتظر بفارغ الصبر وعد المجمّع الملكي المصري الذي أخذ على عاتقه نشر كتابٍ يتضمّن جميع المقترحات في هذا الباب، واتّضح لي من دراستي لتلك المقترحات بأنّ الأكثرية تميل الآن إلى التهذيب والتبسيط وتعتبرهما خطوةً جريئةً نحو الهدف المنشود. وأنا من القائلين الآن بضرورة الإسراع إلى التسهيل قبل التبديل وقد هيّأت اقتراحاً حول الموضوع سأنشره بعد الإطّلاع على الكتاب الموعود! ولما كان هذا الموضوع حيويّاً وخطيراً ويهمّ الأساتذة والمعلّمين الذين يعانون هذا الأمر قبل كلّ أحدٍ أرى من الواجب الاهتمام به والاشتراك علمياً وعمليّاً ببحث هذا الموضوع الجليل وإنّي أدعو زملائي الأكارم أن يهتمّوا بهذا الجدل العلمي فيرسلوا بآرائهم واقتراحاتهم ونتائج تجاربهم وذلك لتنوير الآراء وتقريب وجهات النّظر وللوصول إلى طريقةٍ رشيدةٍ تقلّ عثرة الكتابة العربية وتجعلها في مصاف اللغات العالميّة الحيّة.

التوجيه المنزلي

التوجيه المنزلي للأستاذ بكري الزين لا يشكّ أحدٌ بفائدة التعاون بين البيت والأسرة وما لهذا التعاون من نفعٍ عظيمٍ يعود على التلميذ بأعظم الفوائد وأشهى الثمار. وللبيت وظيفةٌ أخرى أعظم وأهم وهي التوجيه العام وهو على أنواع: 1 التوجيه القومي 2 التوجيه الأدبي 3 التوجيه الفني 4 التوجيه العملي. أما التوجيه القومي: وأقصد به محبّة أمّتنا العربية فهذا يكون بسرد قصصٍ عربيةٍ جميلةٍ يعرضها الأب بحديثٍ مناسبٍ وفي أوقات الفراغ والتسلية فإذا أراد أن يتحدّث عن الجرأة فليذكر قصّة خالد بن الوليد ومعاركه التي تعرّض فيها لشتّى الأخطار ثمّ مات على فراشه، أو قصّة طارق بن زياد وفتح الأندلس، وإذا أراد أن يتحدّث عن التضحية فليذكر بذل الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي جميع أموالهم وأرواحهم في سبيل الجهاد، وإذا أراد أن يتحدّث عن الثبات والصبر فليتحدّث عن النبي (ص. ع) وما لاقاه من اضطهاد وتعذيب وهجرة حتى آمن بفكرته ومبدأه العرب. وأحسن من ذلك أن يحوي في مكتبته تراجم أولئك الأبطال الذين خلّفوا هذا التراث العظيم والمجد الخالد ويحبّب ولده بمطالعتها. وأرى أن يحتفظ بصور القادة وزعماء النهضة والبعث الفكري في شتّى أدوار النهضة القديمة والحديثة. أما التوجيه الأدبي: فأقصد به تنمية الذوق الأدبي الناشئ، وذلك يكون بتكليف الأب لولده بانتخاب بعض المقطوعات الأديبة ليمتحن ذوقه ثمّ يكلّفه بمقارنتها مع غيرها وإيجاد الفرق بينهما ليتحسس بجمال الأساليب الأدبية، وأن يحمله على الجرأة الأدبية منذ الحداثة، فيطلب منه في أحد المجتمعات ارتجال بعض الأبيات الأدبية الجميلة التي تناسب المقام أو الفصول. وكلّما نما نمت ثروته الأدبية واللغوية فإذا تكوّنت مداركه وازداد وعيه حمله على الخطابة، فإنشاء المحاورات والمباريات الأدبية الجميلة بينه وبين إخوته، وإن أمكن أن يستصحبه للمحاضرات ويحمله على الاشتراك بالمجلاّت. أما التوجيه الفنّي: فأقصد به إنماء التحسس بالجمال، وهذا يكون بتعويده وتعليمه العزف على إحدى الآلات الموسيقية وعلى الرسم والتلوين والخطّ، وأن يطلعه على آثار بعض

الفنّانين الموهوبين وحياتهم، أو يستصحبه للمتاحف وللروايات التمثيلية أو السينمائية التي يشترك فيها الممثّلون القديرون، وليرشده بين الفترة والفترة إلى مواطن الإجادة ثمّ يبعثه على نقد مواطن الضّعف. أما التوجيه العملي: فأقصد به تشجيعه على العمل وتحبيبه به، ففي أيام العطل المدرسية لا بأس أن يستصحب ولده غلى محلّ عمله ليطلعه على معاملة الناس ثم يسلّمه العمل أحياناً تحت إشرافه ليثق به ويلقّنه أنّ العمل شرفٌ عظيمٌ لا يقلّل من قيمة المتعلّم، وليفهمه أنّ أعظم الرجال في العالم هم الذين ساهموا بأعمالهم وبذلك ينتقل به إلى مواجهة الحياة الاجتماعية الواقعيّة والتلاؤم مع المجتمع. لقد شهدنا في التاريخ أنّ أغلب الرجال العظام كانوا يجمعون هذه المزايا العالية ففي الوقت الذي كان القائد يخطط ساحة الحرب كان يجمع بين العلم والعمل والفن والأدب، وإني لأقول للآباء المتعلّمين الذين يقدّرون مسؤوليتهم تجاه أولادهم بل تجاه جيل المستقبل أيقظوا النبوغ في أولادكم وأنا كفيلٌ بنهوض الأمة العربية، وكم من أمم نهضت برجلٍ واحدٍ. وآخر نصيحةٍ أبديها للآباء هي تعويد أولادهم على الإخلاص في العمل، والبساطة في حياتهم.

معلمة وأم

معلمة وأم للآنسة براءة مرابط لم أكن منشرحة الصدر، عندما أبلغت نبأ نقلي من مدينةٍ عامرةٍ إلى قريةٍ موحشةٍ. كنت أتصوّر أنّ الحياة في المدينة، هي حياة لينة مليئة بالراحة والهناء، وأنّ في القرية العيش الشّاقّ، والحياة الكالحة. ولكنّي ما كدت أستلم زمام العمل، وأتولّى تسجيل التّلميذات، حتّى انقلبت من معلّمةٍ رهينة الغرور، إلى أمّ كمل لها الخير والسّعد. لقد كان للتلميذات في البلدة الكبرى أمّهاتهن، يجدن منهنّ العناية بنظافتهنّ، أمّا بنت القرية فقد كنت أشعر بحرمانها من كلّ ذلك، وأنّ النقص الذي أجده فيها، كان مما يترتّب عليّ إتمامه. حدّثت التلميذات عن النظافة، وحدّثتهنّ عن الحياة السعيدة، وعن الفتاة المهذّبة، وجعلت أسوق لهنّ الشاهد تلو الشاهد لأوقظ فيهن دواعي الخير وأرسم لهنّ صور الجمال، حتى أشعرهنّ بأنّهنّ أصبحن لا ينعمن إلا بسعادة التّهذيب، ولا يهنان إلا بنور المعرفة. إن أنسَ لا أنسى أول درسٍ ألقيته على التلميذات وما شعرته من بريق عيونهنّ وانتباههنّ الكامل إلى كلّ كلمةٍ أتلفّظ بها. لقد أوقدت فيهنّ شعلة الشوق، ولا أنسى حالة التلميذات: ألبستهنّ، وشعورهنّ، وأظافرهنّ، في أوّل درسٍ جئن به إلى المدرسة، وما غدون عليه في اليوم الثاني من نظافةٍ ونشاطٍ وهدوءٍ وانتظامٍ. يفخر المصوّر بلوحةٍ أتمّها فأحسن التصوير، ويشعر النّحات بسعادته كاملةً إن أتمّ تمثالاً من إبداع خياله، ويتغنّى الشاعر إن أنشد قصيدةً. ولكن أين تلك الصورة، وأين ذلك التمثال، وأين هاتيكم الكلمات من الصور الحيّة، والتمثال الناطق، والألفاظ إلي هي معاني حية متحرّكة في الوجود؟. . إنّ المعلّمة بمفردها يرتفع لها الميزان، ولها عليهم جميعهم الرجحان، فكيف بالمعلّمة الأم؟. . يا الله!. . . إنني لن أستطيع بعد اليوم أن أترك قريتي أو أهجر بناتي، فلقد اكتملت لي سعادتي، وتمّت لي الحسنى وزيادة. وكان مدار سعادتي وموطن ابتهاجي أن غدوت معلّمةً. . . وغدوت أُمّاً: أُمَّاً بالروح.

المعلم بين الشقاء والسعادة

المعلم بين الشقاء والسعادة للأستاذ عبد المجيد السمّان الضحك ثمرة الفرح والابتهاج، وكذلك السعادة فإنها ثمرة الأفكار العالية والأجسام السليمة والقلوب المفعمة بالسرور والانشراح والنفوس المنطوية على التفاؤل والعواطف البريئة. لا أريد البحث في السعادة على وجهها الأكمل ولا على الوجه الذي يشرحها الفلاسفة ثمّ لا يخرجون منها على اتّفاقٍ، بل أريد أن أبحث فيها وفق حياتنا الاجتماعية وما سكن في نفوسنا من غرائز وميول مختصّاً بذلك زملائي المعلّمين. أظنّ الحرفة التي تزاولها هي التي أورثتك الكآبة ورفعت صوتك بالشكوى فإنّ جهادك كلّ يومٍ من الصباح إلى المساء مدرّساً ومراقباً ومؤدّياً. قال بعض الأطباء: أحسن وسائل السعادة واللذة قضاء المرء مع الأطفال ساعاتٍ قليلةً كل يومٍ نظراً إلى حياتهم الهنيئة وقلوبهم الساذجة وفرحهم الدائم. إلا أنّ هذا القول ينطبق على والدٍ من أولاده أكثر من انطباقه على معلّمٍ مع تلاميذه الذي يقضي معهم طول نهاره دون أن يسمع كلمةً من كلمات التشجيع، فالحكومة تضنّ عليه بحقوقه التي يتمتّع بها زميله في البلاد الأخرى. مع ذلك لا أستحسن منك أيها الزميل الكريم الاستسلام إلى الكآبة الممضة واليأس القاتل. فإذا كنت لم تصل إلى حقوقك التي لك فلا ينبغي لك أن تقصّر في الواجب الذي عليك. فانشر على الأمّة آراءك النافعة وأفضِ عليها من أنوار علمك وحلِّها بالفضيلة والخلق الكريم واطرح عنك صفات اليأس والشقاء. وأعتقد بأنّ السعادة كلّها في أداء الواجب وخدمة الإنسانية.

أقدر من العجول

أقدر من العجول دعي المعلم المشهور وليم. ر. وب إلى المحاضرة في إحدى الجامعات عن منزلة الأدب في التعليم وكان الرجل الذي تقدّمه يرى أنّه لا ينبغي أن تكون المنزلة الأولى في التعليم للآداب بل التربية العملية النافعة قال: إنّ ما نحتاج إليه هو مناهج عملية. فالشيء الذي أريد ابني أن يعرفه هو أن يحلب البقرة مثلاً. فلمّا جاء دور وب قال: هذا رأيٌ عظيمٌ. أمّا أنا فأريد لابني أن يكون قادراً على أن يحلب بقرة، بيد أنني أريده أيضاً أن يكون قادراً أن يصنع أشياءً أخرى لا تكون العجول أقدر منه على صنعها. الدكتور (رمسن بيرو)

درس نموذجي للجنة المحاضرات

درس نموذجي للجنة المحاضرات التاريخ الصف: الرابع المدة: 45 دقيقة المادة: تاريخ الموضوع: الفتوحات في زمن الوليد (من فتح الأندلس) وسائل الإيضاح: مصوّر يبيّن الدولة الأموية في أقصى اتّساعها (أو مصوّر آسيا) - صور لبعض الأسلحة العربية الأموية سبر الدرس: 5 دقائق - يستعيد المعلّم مع بعض الطلاب الدرس السابق (إصلاحات الوليد) ويستدلّ منه على حالة الرفاه والأمن والغنى والعمران التي كانت تتمتّع بها الأمة العربية في عهد الوليد. . . . . . . 20دقيقة - ثم يبدأ بذكر فتح محمد بن القاسم لبلاد السند وفتح قتيبة لبلاد الترك وأخذه الجزية من ملك الصين العظيم. ومحاربة مسلمة للروم وغزوه لبلادهم وخوفهم من قوة الدولة الأموية ويبيّن لهم أنّ أسباب هذه الفتوحات ليست حب التوسع والفتح فحسب، بل هي رغبة العرب المسلمين في إنقاذ الشعوب في ذلك العهد من حالة الانحطاط والتأخّر التي هم فيها وتخليصهم من ظلم ملوكهم المستبدّين. يذكر المعلّم هذه الفتوحات بأسلوبٍ قصصي جذّابٍ ويستعمل لغةً سهلةً واضحةً كما يقف عند كل جزءٍ ليسأل طلابه بعض الأسئلة التي تجعلهم منتبهين متابعين وبعض الأسئلة التي تجعل الطلاب يفكّرون ويستنتجون من هذه الفتوحات مقدار ما كانت عليه الدولة الأموية في عهد الوليد. وإن الوليد لم يقصر همّه على الفتوحات فقط بل كان (كما يعرف التلاميذ سابقاً) محبّاً لرعيته رؤوفاً بهم محبّاً للعمران وإن عهده كان عهد قوة وصولةٍ للعرب كما كان عهد رخاء ورفاهٍ وغنى وأمن. ويري المعلّم طلابه أثناء الحديث البلاد التي فتحها كل قائد على المصوَّر ويكتب على

اللوح الأسماء الجديدة، كما يعرض لهم صور الأسلحة الأموية أو يرسم مخططاً بسيطاً يعيّن البلاد التي فتحها كلّ قائدٍ. 10 دقائق - يستعيد المعلّم الدرس من بعض الطلاب تشجيعاً لهم على التعبير عن أفكارهم بسهولةٍ ووضوح. 10 دقائق - يستنتج المعلّم من الطلاب الخلاصة البسيطة فيكتبها على اللوح ويطلب إلى الطلاب نسخها. فتحت في عهد الوليد بلادٌ كثيرةٌ إنقاذاً لشعوبها من حالتهم المتأخرة ونشراً للعدل والمساواة والحرية والعلم والفضيلة بينهم. ففتح محمد بن القاسم بلاد السند وفتح قتيبة بن مسلم بلاد الترك وأخذ الجزية من ملك الصين. وكان مسلمة يغزو بلاد الروم وفتح كثيراً من حصونها ومدنها حتى كان الروم يخافون من بأس العرب. وقد كانت الدولة الأموية في عهد الوليد قوية وغنيّة، كما كان الشعب في أمن ورخاء وسعادة. الوظيفة: أجب عن الأسئلة التالية: كيف كان حال الأمة في عهد الوليد؟ أي البلاد فتحت في زمنه؟ من فتح كلاًّ من هذه البلاد؟ ماذا كانت غاية العرب المسلمين من الفتوحات؟ علامَ تدلّ هذه الفتوحات؟ هل تعتبر الوليد من أبطال التاريخ العربي؟ ولماذا؟.

ملاحظات على الدرس النموذجي

ملاحظات على الدرس النموذجي البط قرأت النموذج الذي وضعته مجلة المعرفة لدرس أشياء للصفّ الثاني في عددها الرابع، فرأيت أن أذكر هذه الملاحظات سعياً وراء الغاية التي تهدف إليها هذه المجلّة وهي خدمة العلم وفتح المجال أمام رجال التعليم لإبداء آرائهم وملاحظاتهم خاصّةً في ما يتعلّق بمهنتهم وأساليبها لجعلها نموذجية كثيرة الفائدة عظيمة الأثر. 1 - ذكر وسائل الإيضاح البطّة وبيضة البطّة وبيضة الدجاجة ورجل الدجاجة. والمفهوم من عرض هذه الوسائل أنّه يقصد من رجل الدجاجة مقارنتها برجل البطّة واستنتاج الفرق بينهما، فلمَ لا نعرض الدجاجة بأجمعها ثمّ نقارنها بالبطّة فنتوصّل إلى ما فيها من فروقٍ؟ وإذا عرضنا رجل الدجاجة فهل يدري الطفل أنها رجل دجاجة؟ 2 - يستحسن هذا النموذج أن يكون الدرس على ضفّة نهرٍ حيث يوجد البطّ، فهل يمكن إعطاء دروسٍ على ضفّة نهر؟ وما هي الغاية من إعطائه على ضفّة النهر؟ وهل يقصد من الدرس أن يرى الطلاب البط وهو يسبح في النهر؟ وهل يمكن للمعلّم أن يأتي على جميع عناصر الدرس من عرضٍ وانتباهٍ واستنتاجٍ وكتابةٍ خارج غرفة الصّفّ؟ 3 - يستحسن أيضاً هذا النموذج إحضار البطّة بذاتها إلى غرفة الدّرس، أمّا أنا فأرى أنّ إحضارها مجلبةٌ للفوضى والاضطراب، وبالإمكان عرضها على الطلاب في باحة المدرسة ووضعها في وعاءٍ ملئ بالماء ولفت النظر إلى الشبه بين البطّة والقارب، وإلى الميزة التي يمتاز بها ريشه إذ لا يبتلّ بالماء وإلى حركة غشاء رجليه حينما يتحرّك من مكانه، أمّا تتمّة ما يحتاجه هذا الدرس من إيضاحٍ ففي غرفة الدرس. 4 - انتقل السؤال من اسم الحيوان إلى منقاره، ومن الطبيعي أنّ المنقار لا يلفت نظر الطالب لأوّل وهلةٍ، لذلك كان من الأنسب أن نبدأ بجسم البطّة بشكله العامّ فنقارنه بجسم الدجاجة بشكله العامّ ثم ننتقل إلى الرأس ومن ثم إلى المنقار الذي هو فرعٌ من الرأس ثم ننتقل إلى العنق ثم إلى الجذع والأجنحة ثم إلى الذّنَب ثمّ إلى الرجلين، وهكذا تتم الدورة حول هذه الحلقة، فتقوى الملاحظة المنظّمة عند الطّفل، وهي من أهمّ غايات درس الأشياء. 5 - لا يمكن أن نبيّن ألوان البطّ المختلفة إلا إذا عرضنا أنواعً مختلفةً من صور البطّ.

6 - سؤاله كم رجلاً للبطّة لا ضرورة له، والأَولى أن يسأل طلاّبه ما هو الفرق بين رجل البطّة ورجل الدّجاجة سيّما وقد أحضر رجل الدّجاجة لهذه الغاية. 7 - قال إنّ لون الغشاء برتقالي، ثمّ عاد وقال أحمر، ولكنّه لم يذكر فائدته مطلقاً. 8 - التمارين التي أجراها المعلّم تجلب الفوضى إلى الدّرس، فكيف يسأل الطلاب بعضهم؟ 9 - بعد هذه التمارين يعود الأستاذ فيستجوب الطلاب ليستنتج الخلاصة منهم، وكان بإمكانه أن يثبّتها على السبّورة وهو يشرح الدرس بطريقة الفرض والاستنتاج فيقتصد من الوقت لأنّ 25 دقيقةً لا تسع الدرس إذا أراد المعلّم أن يستنتج الخلاصة في النهاية. حمص بدر الدين شاويش المعلّم في المدرسة الأمويّة

مشاكل التعليم

مشاكل التعليم مؤتمر تعليمي في حوران لمّا كان التعارف والتضامن بين المعلّمين في حقل التربية والتعليم، وتعيين أهدافهم وسيَرهم على خطّةٍ موحّدةٍ لبلوغها وإيجاد التناسق بين ما يقومون به من عملٍ ويبذلونه من جهدٍ من أهم الدعائم التي يقوم عليها كيان المعرفة في البلاد. لذلك رأى مدير معارف حوران أن يدعو معلّمي ومعلمات المحافظة لعقد اجتماعٍ تربويّ في الساعة الرابعة من بعد ظهر الخميس الواقع في 17 تشرين الأوّل سنة 1947، في بهو المدرسة الإكمالية بدرعا. وفي الوقت المعيّن كان مقرّ الاجتماع غاصّاً بجميع معلّمي الملحقات، ولم يتخلّف عن حضوره إلا من بعدت به الشّقة، ولم تسعفه وسائل السّفر. افتتح الاجتماع مدير المعارف الدكتور الأستاذ جميل سلطان بكلمةٍ بليغةٍ رحّب فيها بالمجتمعين وشرح الغاية من هذا الاجتماع وهي بحث ناحيتين من نواحي التعليم. وهما الناحية المسلكيّة، والناحية والناحية الإدارية. وعلى الأثر نهض السيد شكري فلوّح مدير مدرسة جباب فألقى كلمةً باسم المعلّمين والمعلّمات شكر فيها مدير المعارف لاهتمامه بمعالجة هذه النواحي الهامّة في التعليم، وبيّن الفوائد التي تعود على المعلّمين والطلاب من مثل هذه الاجتماعات وما يعالج فيها من أبحاثٍ وأنّ حوران لَفي حاجةٍ ماسّةٍ لأمثالها. وأهاب بالمجتمعين أن يحققوا بما عرف فيهم من تضحية، ويطبّقوا بما عرف فيهم من حزمٍ ما تسفر عنه أبحاث هذا الاجتماع من تقرير أو توجيه يعود بالفائدة على أبناء الجيل الجديد وبعد ذلك أخذ المدير يشرح النواحي المسلكية في التعليم والتي تلخّص فيها ما يلي: 1 - الغاية الأساسية من التعليم هي الإنقاذ من الأمية والجهل والمرض وإيجاد جيل قوي بفكره وجسمه. وجعل الطلاب فاعلين لا منفعلين، كثيري النشاط. 2 - القاعدة الأساسية في التعليم أن يعلّم الطالب ما دام يجد في نفسه نشاطاً لتلقّي المادة المقرّرة. وأن نوجد له النشاط إذا كان فاقداً إيّاه ويكون ذلك بتوزيع وتقسيم الحصص الدرسية. والانتقال من مادة إلى أخرى على أن تكون المادتين متناسبتين، فالقراءة يناسبها المحادثة والاستظهار والحساب يناسبه الرسم والأشغال. وبوضع الدروس السهلة إلى جانب

الصعبة. 3 - الطريقة المختارة في التعليم هي الاعتماد على المحسوس النادّي. وضرب الأمثلة من البيئة والمحيط. والإكثار من التمارين تطبيقاً على ذلك. 4 - وظيفة المعلّم الوطنية والعلمية. كونه مربّياً ومرشداً شاعراً بالمسؤولية. محافظاً على الكرامة. فإهماله لواجبه وتهاونه في أدائه، وتمارضه للتملّص منه يذهب بقدسية عمله ويحبط ما يعلّق عليه من آمال. 5 - النشاط المدرسي. يكون باستعمال الوقت المخصّص للأعمال الحرّة. للرحلات والمباريات والتمارين الرياضية في الربيع والخريف. وممارسة التمثيل والخطابة فيما عدا ذلك. بعد أن انتهى القسم النظري من النواحي المسلكية في التعليم، بُدِئ بالقسم العملي منه وهو المتعلّق بالبرامج وبعض طرق التدريس وقد افتتحه السيد مقداد مدير مدرسة بصرى بتلاوة كتاب وزارة المعارف وتقسيم الحصّة الدرسية فيها غلى مادّتين، وقد جرت مناقشة حول هذا الكتاب انتهت بالاتفاق على ما يلي: أ - أن يبقى منع استعمال الكتب ما عدا القراءة في الصفوف الثلاثة الأولى نافذاً. ب - أن تقسّم الحصة الدرسية إلى مادتين. الأولى أساسية والثانية مساعدة لها. ج - أن تستعمل وسائل الإيضاح بكثرةٍ ليكون الدرس محسوساً ومفهوماً. د - أن تكون الأمثلة المضروبة تطبيقاً على قاعدةٍ ما مأخوذةٍ من محيط الطالب. يمكنه تصوّرها وإدراكها بناءً على مشاهدته السابقة. ثم أعقبه السيد حنّا المع مدير المدرسة الأموية بدرعا بكلمةٍ عن أهمية اللغة العربية في التعليم، وأنه حتى يتمكّن الطالب من النطق بها نطقاً صحيحاً، وكتابة أي موضوعٍ كان كتابةً خاليةً من الخطأ، لا يكتفى بدروس القواعد وحدها، بل يجب أن يعقب ذلك تمارين تطبيقيّة على كيفيّة استعمال المذكّرة والمؤنّثة والمفردة والمثنّاة والجمع، ومطابقتها مع الأفعال، وكذلك الشأن فيما يتعلّق بالضمائر. وقد جاء بأمثلة ونماذج على اللوح الأسود توضّح ما ذكر. وأبان متى وكيف تطبّق هذه التمارين بالنسبة للصفوف والدروس. وبحث كذلك أهمية الحساب الذهني وما له من اثر في ترقية مواهب الطلاب العقلية، وتعويدهم

سرعة التفكير والمحاكمة. وإنّ أسئلة الحساب الذّهني إذا كانت موضوعة بشكل يتناسب مع سنّ الطالب تشكّل مقياساً صحيحاً لذكائه. وقد أتى بأمثلةٍ ونماذج تطبيقية لدروس الحساب الذّهني في الصفّين الأوّل والثاني، وبذلك انتهت الجلسة الأولى من جلسات الاجتماع. أمّا الجلسة الثانية فقد بحثت فيها النواحي الإدارية في التعليم من قبل مدير المعارف وأمين سرّه السيد ماجد صرّاف. وكان المجتمعون يناقشون كلّ فكرةٍ توردها المديرية ويبيّنون ما يعترض تطبيقها من مصاعب مادّية ومتطلّبات معنويّةٍ. كما أنّ المدير كان يأخذ بعين الاعتبار ملاحظات المعلّمين حول المواضيع المثارة ويحاول التوفيق بين المصلحة والواجب. ويمكن تلخيص نتيجة هذه الأبحاث فيما يلي: 1 - ضرورة سير المدسة حسب التعليمات الآتية: أ - اصطفاف الطلاب صباحاً وإجراء التفتيش حول النظافة وقيافة الطلاب ويستحسن في هذه الحال تعميم إلباسهم الصدرية السوداء ب - بيان وظائف العلّم المناوب بتنظيم العاب الطلاب وفضّ خلافاتهم ومعاقبتهم على ما يبدر منهم من ألفاظ نابية وتصرّفات شاذّة. وتنظيم خروجهم ودخولهم وانصرافهم. ج - تذكيرهم بكلّ مناسبة بآداب الطريق وواجباتهم كطلاّبٍ في البيت والمدرسة. 2 - أن لا يتّخذ المعلّمون في المدرسة وأوقات الدروس ما يعينهم على استكمال تحصيلهم الشخصي ضاربين عرض الحائط بالواجب الذي يطلب منهم أداؤه. 3 - ضرورة تحضير الدروس مع التوسّع بذكر الأمثلة والتمارين والوظائف ووسائل الإيضاح ومراقبة هذه الدفاتر من قبل المديرين وتوقيعها. 4 - المعلّمون المعيّنون حديثاّ بسبب عدم خبرتهم بنواحي التعليم يجب عليهم أن يسترشدوا بزملائهم القدماء. وألا يجدوا غضاضةً بعملهم هذا، وأن يستعينوا بكتب أصول التدريس. 5 - العقوبات المدرسية يجب أن لا يكون الباعث عليها الانتقام من التلميذ بل مساعدته على حفظ دروسه وإنماء ملكاته. 6 - كيفيّة تنظيم برنامج خاصّ للمدارس ذات المعلّم الواحد والصفوف الثلاثة وذات المعلّمين والصفين الأربعة ينظّم العمل فيها.

7 - إنّ توزيع الصفوف في مدرسةٍ ذات ثلاثة معلّمين وخمسة صفوف يكون على الشكل الآتي: الأول مستقلّ. والثاني والثالث مجتمعان. الرابع والخامس مجتمعان. 8 - ضرورة التقيّد بالبلاغات الواردة من مقام الوزارة والمرسلة من قبل المديرية ليكون المعلّم على صلةٍ لسير العمل الإداري في المدرسة. 9 - تنظيم برامج الدروس على نسختين حسب ما تقدّم وإرسالها إلى مدير المعارف للتصديق عليها. 10 - تكليف بعض الرياضيين وقادة الكشّاف بمساعدة الحركتين الكشفيّة والرياضية في المدارس. هذا وقد جرت أبحاث متفرّقة تتعلّق بازدحام الصفوف ونقص المقاعد والمعلّمين الوكلاء. ثمّ انتهى الاجتماع بأنّ وجَّه المدير اهتمام المعلّمين لحثّ الأهلين على التبرّع لبناء المدارس، ومراقبة ما بني وما يبنى منها، مسترشدين بالحكمة القائلة: كلّما بنيت مدرسةٌ أُغبق سجنق.

مدرسة رياض غريبة في بابها

مدرسة رياض غريبة في بابها في مدينة أربانا من أعمال ولاية إلينوي في أميركا توجد مدرسة للحضانة ورياض الأطفال لا يقبل فيها طفلٌ - صبيٌّ أو بنت - ما لم تتعهّد أمّه: 1 - أن تتلقّى دروساً في التربية على يد معلّماتٍ أخصائيّاتٍ في هذه المدرسة لمدّة ثمانية أسابيعٍ، وتختصّ هذه الدروس بتربية أطفال الحضانة والرياض. 2 - أن تساهم في العمل في هذه المدرسة كمعلّمةٍ للأطفال يوماً واحداً في كلّ أسبوع.

نشاط الهيئات

نشاط الهيئات هيئة التعليم الابتدائي تزور المجاهد القاوقجي زارت اللجنة الإدارية لهيئة التعليم الابتدائي، في النادي العربي، البطل المجاهد فوزي القاوقجي، فسلّمت عليه مرحّبةً بعودته سالماً إلى الوطن، وارتجل رئيس الهيئة الأستاذ خال قوطرش كلمةً قال فيها: إنّ هيئة التعليم الابتدائي التي يسرّها أن ترحّب وتجتمع إلى كلّ بطلٍ عربيٍّ كبيرٍ مثلكم، كافح الاستعمار وناضل في سبيل الاستقلال بالعمل في المعارك، واشترك في أكثر الثورات العربية ووشم جسمه بجروح الحرية، إنّ هيئة التعليم الابتدائي تعترف بأنّ بطولتكم سهّلت كثيراً عمل المعلّم في صفّه عندما كان يريد أن يلقّن طلابه حبّ الوطن والإقدام والجرأة والموت في سبيل الاستقلال والكرامة. إننا نحن المربّين الموجّهين كثيراً ما نلجأ إلى الأساطير لنصنع الأبطال ونغرس البطولة في قلوب الأطفال، ولكنّ أعمالكم الخارقة في الثورة السورية وفي ثورتي فلسطين والعراق صرفتنا عن الأساطير وأمدّتنا بفيضٍ من القصص الواقعيّة والبطولات الحقيقية نعلّمها لطلاّبنا بحماسةٍ وفخرٍ. فقد كنّا نلمس أثناء شرح حوادثكم، في عيونهم، الغبطة الممزوجة بالإعجاب والتّحفّز لمجاراتها. كم كان طلابنا يتحمّسون عندما كنّا نقول لهم إنّ صاحب هذه القصّة أو تلك المعركة هو عربيٌّ مثلكم لا يزال حيّاً يرزق اسمه فوزي القاوقجي. يوجد في أصول التدريس تعبيرٌ يطلق عليه وسائل الإيضاح، فإنّ بطولتكم كانت خير وسيلة لإيضاح دروس الأخلاق للطلاب. لربّما لم يعلم الكثيرون بهذه المساعدة التي زوّدتمونا بها نحن المعلمين. ففي هذه الفرصة السعيدة التي نجتمع بها إليكم على أرض وطننا المستقل المتحرر من كلّ احتلالٍ عسكريٍّ أجنبي، أحبّت هيئة التعليم الابتدائي أن تنقل إليكم شكرها وإعجابها بعملكم العظيم الذي على اعتقادنا، غنيٌّ عن الشكر، فأنتم كالسحابة العظيمة، تحيي الغرس ولا تطمع في الثمر. فشكر المجاهد العربي هيئة التعليم على زيارتها وتعاطفها. فريق هيئة التعليم يباري منتخب حامية الجيش في الساعة الرابعة من يوم الجمعة11 نيسان 1947م، تبارى على الملعب البلدي تحت

رعاية المجاهد العربي فوزي القاوقجي فريق هيئة التعليم الابتدائي المؤلّف حديثاً ولأوّل مرّةٍ في تاريخ سورية الرياضي، مع منتخب حامية الجيش وكانت المباراة فريدة، لم تشهد دمشق في روعتها وازدحامها فقد حضرها آلافٌ الطلاب من المدارس الابتدائية والثانوية والعالية، ومئات الأساتذة والشباب، كما حضرها من كبار شخصيات الجيش الركن السيد عبد الله عطفة لفيف من كبار الضباط. ومن شخصيات وزارة المعارف السيّد جودة الهاشمي مدير هيئة التعليم الابتدائي والسيّد رشدي بركات مدير معارف محافظ دمشق والمفتّش رمزي الركابي. وأسفرت المباراة عن تعادل الفريقين، حيث سجّل كلّ فريقٍ ثلاثة أهداف. . . إنّ هيئة التعليم الابتدائي رفعت شأن أسرة التعليم بهذا الفريق الذي توخّت من تأليفه إنقاذ لعبة كرة القدم من التّقهقر، وبعث النشاط الرياضي في المعلّمين وبثّ الروح الرياضية في نفوس الطلاب. ولابدّ من التنويه بالمهارة التي أبداها حارس المرمى الأستاذ فيصل شيخ الأرض الذي أثبت في هذه المباراة أنّه الفريد بفنّه وحنكته، ولا تنسى الإشادة بدراية ومقدرة لاعب الكرة المعروف، السيد لمعة قطنا، وكذلك اللاعبون جندلي وزين العابدين وخطّاب وفريد الذين انتزعوا إعجاب المتفرّجين وأثاروا حماسهم. المعرفة - لابدّ لنا من توجيه شكرٍ للأستاذ رؤوف جبري صاحب فكرة تأليف فريق كرة قدم من المعلّمين والذي بذل جهوداً متواصلةً وهو الأستاذ سليم الزعيم لتأليف الفريق وتحقيق هذه الأمنية التي كان لها صدى مستحبّ في الأوساط الرياضية الملاك لا يزال الملاك شغل المعلّمين الشّاغل بل الموظفين عامّةً، وقد تضاربت الآراء والأقوال حوله فمن قائلٍ أنّ المجلس سوف لا ينظر في الملاكات لانهماكه بقضايا الانتخابات وقصر مدّة هذه الدورة. ومن قائلٍ أن المجلس سوف يقرّ الملاكات حتماً وعلى كلّ حالٍ، فالقلق مستحوذٌ على الموظّفين، لقلّة رواتبهم وبقاء الأسعار على حالتها مرتفعة، كما كانت زمن الحرب، وقد بدأ ممثلو دوائر الموظّفين يتّصلون ببعضهم. وقابل فريقٌ منهم اللجنة الإدارية لهيئة التعليم الابتدائي فاقترحت اللجنة عقد اجتماع عامّ لبحث هذه القضية العامّة واتّخاذ

قرار موحّد وتقديمه للحكومة لوجوب إقرار الملاكات في هذه الدورة وتنفيذها. ورفع كل من رابطة المدرّسين وهيئة التعليم الابتدائي عريضة لوزارة المعارف معلنةً استعداد الأساتذة والمعلّمين للانقطاع عن العمل فيما إذا لم تعرض وتنفّّذ الملاكات في هذه الدورة. وقد قام أكثر هيئات المعلّمين والموظّفين بالخطّة نفسها في محافظاتهم. وقد ورّدت دمشق عريضة موقّعة من موظّفي حلب يطلبون فيها تنفيذ الملاكات وكذلك وقّع موظفو دمشق عريضة بنفس المعنى ورفعت لجنة الموظّفين العريضتين يوم الاثنين في 28 نيسان لدولة رئيس الوزراء ورجوه العمل على تنفيذ الملاكات فوعد دولته بعرضها على المجلس في دورته الحاليّة. وسيعقد في حلب، خلال شهر مايس، مؤتمر هيئات التعليم الابتدائي في المحافظات، وسيحضر عن كل هيئة مندوبان للنظر في قضية الملاكات واتّخاذ قرار موحّد حاسم. تعويضات الفحوص رفعت رابطة المدرّسين وهيئة التعليم الابتدائي إلى مقام وزارة المعارف عريضة موحّدة تطلبان فيها الإسراع في صرف تعويضات الفحوص للأساتذة والمعلّمين، فأعدّت الوزارة مشروع مناقلات لعرضه على المجلس النيابي في دورته الحاضرة وكذلك قابلت الهيئة والرابطة معالي وزير المالية وأشارتا إلى الأزمة التي يمكن أن تحدث في الفحوص القادمة، فيما إذا لم يقبض الأساتذة والمعلّمون تعويضاتهم، وطلبتا صرف هذه التعويضات من مادة الرواتب ومتمماتها، فوعد وزير المالية ببحث هذه القضية في جلسة مجلس الوزراء وطلب أن تقدّم وزارة المعارف اقتراحها بذلك للنظر فيه مجدّداً. فأرسلت وزارة المعارف جوابها مرفقاً بعريضة هيئة التعليم وقد جاء في كتاب الوزارة ما يلي: لمّا كان الأساتذة والمعلّمون قد سعوا طويلاً للحصول على هذه التعويضات واضطروا للتوقّف مراراً عن العمل لعدم إنصافهم إلى أن كانت الدورة الماضية ووعدتهم الحكومة بتلبية طلبهم عند صدور الملاك الخاص، وقد نفّذت الوعد وحدّدت لهم هذه التعويضات عن دورتي عام 1946م دون أن يكون لها اعتمادات خاصة في الموازنة مما اضطرّنا أن نطلب موافقة مقامكم على صرف هذه التعويضات من مجموع مادّة الرواتب لتتمكّن من إيصال الأساتذة

والمعلّمين إلى حقوقهم قبل ابتداء الدورة القادمة ونطمئن إلى حسن سير هذه الامتحانات في مواعيدها المحدّدة دون أيّ خلل. . .

سير التربية في العالم

سير التربية في العالم مصر أهداف التعليم تحدّث وزير معارف مصر الأستاذ السنهوري عن أهداف التعليم في وزارته فقال: تهدف السياسة التي تجري عليها وزارة المعارف إلى توحيد المرحلة الأولى من مراحل التعليم، بعد أن تعدّدت مدارسها وتنوّعت. فهناك المدارس الأولية ورياض الأطفال والمدارس الإلزامية والمدارس الابتدائية، وليس هناك من شكٍّ في أنّ الديمقراطية الصحيحة تملي علينا وتفرض توحيد هذه المرحلة وجعلها إجبارية وبالمجّان لجميع الشعب، حتى تتاح الفرصة لكلّ فردٍ لنيل حظّه من التعليم وتظهر مواهبه واستعداداته ونبوغه ومميزاته التي يقبرها الفقر ويقضي عليها الجهل. وترمي سياستنا إلى تنويع المرحلة الثانية من مراحل التعليم حتى يجد كلّ طالبٍ المدرسة التي توافق مواهبه واستعداداته، فلا يتكدّس غالبية أبناء الأمة في ناحية من النواحي دون غيرها. وهناك ناحية أخرى هي أخرى هي مكافحة الأمية ونتابع الجهد حتى تتمكّن الوزارة من محو وصمة الأمية التي لحقت التي لحقت بالبلاد وأعتقد أنّ محو الجهل سيتبعه حتماً محو الفقر ومقاومة المرض بل وسيعمل على تدعيم الأخلاق وإبراز تلك الفضائل الكامنة في الشعب المصري ويوجّهها إلى ميدان الإنتاج والعمل. أميركا كرامة العيش تعجّ مجلات التربية هذه الأيام بأحاديث الإدبار عن مهنة التعليم، والعسر المالي الذي يعيش به المربّون. وإليك نماذج منها: كتبت أرملة المرحوم الرئيس روزفلت تقول: من الصعب هذه الأيام أن نرغب الناس مهنة التعليم، وحتى النساء منهم. ولقد تحقّق في مؤتمر المعلمين المنعقد في نيويورك أنّ الشعور بهذه المأساة أصبح قويّاً، لا في البلاد الناطقة بالإنكليزية حسب، وإنّما في العالم أجمع.

ذلك أنّ احترام مهنة التعليم أخذ يتضاءل بنمو حضارتنا الصناعية المادّية. وإذا أريد لأجيال المستقبل معلّمون من ذوي الكفاءات والمواهب، فلابدّ أن تزاد رواتب المعلّمين، بحيث يعيشون مرفّهين، أسوةً بأقرانهم الذين في التجارة والمهن الأخرى. ومن اللازم أيضاً أن تمنح مهنة التعليم حرية الفكر والعمل، فلا يحقّ للهيئات المشرفة على التعليم أن تضيِّق الخناق على تفكير المعلّمين، وإلا لن نظفر بمعلمٍ يحترم نفسه، ويرضى هذا العسر المالي، وهذه الرقابة. وقال مدير معهد الفيزياء الأميركي: لم تحظَ رواتب المعلّمين بغير زياداتٍ طفيفةٍ بينما ارتفعت إيرادات المهن الأخرى قفزاً وطفراً. ولن نستطيع الاحتفاظ بتفوّقنا العلمي في هذا العصر الذرّي ما لم نعالج هذه المشكلة. ومما كتبته مجلّة لايف: مدارسنا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى معلّمين قديرين، ومعلّمونا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى كرامة العيش!. وسائل إيضاح رغم عظمة المباني المدرسية في أمريكا وفخامة أثاثها ومعدّاتها، مما قد يعدّ إسرافاً وترفاً لا مبرر لهما في كثيرٍ من الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، فإنّ الأخصّائيين من رجال التربية يطالبون بعدّة إصلاحاتٍ في هذه المباني، في أول فرصةٍ ممكنةٍ، ومن هذه الإصلاحات أن تشمل المكتبات المدرسية موائد ومقاعد خاصّة معدّة بسماعات يضعها الطلاب على آذانهم ليستمعوا إلى أسطوانات موسيقية من جميع أنواع الموسيقا الكلاسيك والشعبية وأن تشمل المكتبات كذلك مثل هذه الأجهزة لمن يريد الاستماع إلى الراديو، وان يكون في كل حجرةٍ من حجر الدراسة جهاز للصور المتحرّكة وغير المتحرّكة وأن يكون بناء هذه الغرف ومعدّاتها مجهّزاً بالوسائل التي تجعل استعمال هذه الصور والرسوم والقطع الخاصة من أفلام معيّنة أمراً ميسوراً في أقلّ وقتٍ ممكنٍ، ثم أن تعمّم أجهزة التلفون في كل غرف الدراسة في جميع معاهد التعليم وهي الآن في كثير من المدارس الابتدائية والثانويّة في كلّ حجرة من حجر الدراسة. إعداد الطلبة للحياة يرى علماء التربية أن منهج الدراسة يجب أن يشمل دراسات عملية تعدّ الطلاب لمجابهة

الحياة والنجاح فيها. وعلى هذا الأساس نشأت مدرسة شوكي في مدينة دنيتيكا بولاية ألينواز إحدى الولايات المتّحدة. كانت الأطباق تتعرّض للكسر أثناء تناول الطلبة غذائهم فتألّفت شركة للتأمين استطاعت بعد أيامٍ أن تدفع أرباحاً مغرية للمساهمين فيها. ثم أنشئت مزرعة نموذجية لتربية الدواجن والماشية وعقد الطلاب سوقاً أسبوعيّاً لبيع منتجات المزرعة، وكذلك صنع الطلاب المداد ومعجون الأسنان والروائح العطرية. ويشرف المدرّسون على أعمال الطلبة ويوجّهونهم، ويعزون السبب في تفوّق الطلبة على الجو المرح الذي يسود الدراسة ويحفّزهم إلى العمل. انكلترا إصلاح التعليم نلخّص فيما يلي مقالاً للمستر فريد كلارك، مدير معهد التربية في جامعة لندن، قال الكاتب: وافق البرلمان البريطاني عام1944م على اتّخاذ أشمل التدابير بصدد إصلاح التعليم، ومع أنّ القانون الجديد يعترف بقوّة التقاليد التربوية وعمقها في حياة الأمّة إلا أنّه طبقاً لمستحدثاته وما أدخله من وسائط وغايات بجعل تتلك التقاليد عرضة للتعديل الصارم، والحق إن القانون يرمي لجعل ما كان وفقاً على الخاصة مباحاً للعامة أيضاً. ويتلخّص القانون بثلاثة مبادئ عامة يعبّر عنها بأسلوب لا يقبل الجدل - فالمبدأ الأول يتطلّب إذكاء الفهم بإعطاء الفرصة للجميع بالنسبة لمؤهّلاتهم الطبيعية واستعمال الوسائط المختلفة لمصلحة الطالب المتدرّج. وبفرض المبدأ الثاني على السلطات التربوية المحلية واجب تيسير فرص التعليم لجميع الطلاب على أن تلقى عليهم أنواع مختلفة من الإرشاد والتدريب تتلائم مع أعمارهم ومواهبهم المتباينة. ويقسم المبدأ الثالث أدوار التعليم إلى ابتدائي وثانوي وعالٍ تحديد تربوي عصري يبيّن الغايات المرجوّة من كل دور. الإتّحاد السوفييتي

مكافحة الأمية وانتشار التعليم إنّ من أهم الدلائل على ارتفاع المستوى الثقافي في الإتحاد السوفييتي نجاحه في مكافحة الأمية بين أبناء شعوبه، فقد أصدر مجلس مفوّضي الشعب مرسوماً في 26 - 12 - 1919م جاء فيه: لكي يتمكّن جميع المواطنين، من مختلف القوميّات، أن يشتركوا في الحياة السياسية للبلاد، يجب على كلّ أمّيٍّ منهم من سنّ (8 - 50) سنة أن يتعلّم القراءة والكتابة، إمّا بلغة بلاده الأصلية أو باللغة الروسية كما يختار ويرضى. وبدأ منذ ذلك الحين العمل المنظّم للقضاء على الأمية، فافتتحت مدارس موسمية للمراهقين وهيئت صفوف خاصة ليلية وأعطيت دروس إفراديّة. واتّجه افتتاح المدارس ومكافحة الأمية اتّجاهاً تقدّمياً واسعاً فانتشر التعليم حتى في أقصى الشمال، حيث لم تكن الكتابة معروفة قبل الحكم السوفياتي بين القبائل المستوطنة تلك الأصقاع النائية، وانتشرت كذلك في سهول آسيا الوسطى وفي القرى المنتشرة في سفوح جبال القوقاز، وكان من جرّاء ذلك أن بني خلال عشرين سنة من الحكم السوفياتي، عدد من المدارس أكبر مما بني خلال مئتي سنة من الحكم القيصري. ومن الأمور التعليمية التي انفرد بها الإتّحاد السوفياتي جعله التعليم الثانوي إجباريّاً في المدن، ودفعه رواتب كافية علاوةً عن المصاريف المدرسية لطلاّب الجامعات. فرنسا النظام الحديث نشرت مدام ريو في مجلّة (الطرائق الفاعلة) مقالاً عن النظام في التربية الحديثة، فبيّنت بوضوح الفوارق التي تفصل بين النظام التقليدي القديم وبين نظام المدرسة الحديثة وقد جاء فيها: إنّ هذين النظامين هما طريقتان للتربية متعاكستان. . . هما فلسفتان ونظرتان مختلفتان بالنسبة إلى شعور وقيمة الحياة الإنسانية، النظام القديم يرى في الطفل مخلوقاً صغيراً والنظام الحديث يساير نظرة التربية الحديثة التي ترى في الطفولة مرحلةً من مراحل الحياة الإنسانية لها، هي أيضاً، مشاعرها وأهدافها وغايتها. اليونان

المؤسسات التربوية تدرّس التربية في جامعة أثينا لمدّة سنتين للطلاب الذين سيتخرّجون أساتذةً في المدارس الثانويّة من كلّيتي الآداب والعلوم. وعدا هذه الدروس النظرية يتابع الطلاب الدروس العملية في معهد التربية التجريبية وغاية هذا المعهد تمرين طلاب دور المعلّمين على الطرق الحديثة والدراسات التربويّة وتهيئة الوسائل العلمية لتطبيق هذه الطرائق، ومن ثم القيام بدراسات حول الطفل والشاب اليوناني من الوجهة الجسمية والعقلية والخلقيّة، ومن هذه الدراسات التي قام بها: ذكاء الطفل، حبّ المطالعة، ملكة الرسم، أثر الوسط العائلي في الطفل، الاستعداد الفطري والتوجيه المسلكي. وإلى جانب معهد التربية التجريبية هناك المدرسة التجريبية التي تطبّق فيها نظريّات التعليم والتربية الحديثة وتحوي مجموعة كاملة من المدارس، والصف فيها لا يتجاوز عدد طلابه الثلاثين. والتعليم في الصفوف الأربعة الأولى مستمدٌّ من حياة الطفل ومحيطه بطريقةٍ بسيطةٍ طبيعيّةٍ، ويعتني في الصفّين الأخيرين من المدرسة الابتدائية بتنمية روح التعاون بين الطلاب بأن يعهد إلى جماعاتٍ منهم بالقيام بعمل مشترك، وبإنشاء الجمعيات المدرسية الفنية والأدبية والرياضية. ويترك في هذه الصفوف للطلاب وقت كافٍ بعد الظهر ليقوموا بأعمال اختيارية حسب أذواقهم وذلك للتعرّف على استعداداتهم الخاصة وميولهم.

أخبار المعارف

أخبار المعارف الأستاذان الحموي والملوحي ينتدبان للتفتيش انتدبت وزارة المعارف الأستاذين ياسين الحموي وعبد الإله الملوحي للقيام بمهمة التفتيش في محافظتي جبل الدروز وحوران، ونحن إذ نشكر للوزارة خطّتها الحميدة هذه في انتقاء المفتّشين من ملاك التعليم الابتدائي فإننا نهنّئ الأستاذين بما حازا عليه من الثقة. الكتب المدرسية كان يوم31آذار سنة1947مآخر موعد حددته وزارة المعارف لتقديم المؤلّفات المدرسية، وقد لجأت لجنة التربية والتعليم في الوزارة إلى هذا الإجراء الصالح ليتّسع لديها الوقت الكافي لتدقيق هذه المؤلّفات تجنّباً للارتباك الذي كان يعتري سير مدارسنا في مطلع كل عام دراسي من جراء التأخّر في إقرار الكتب، وبالتالي الإبطاء في طبعها وتوزيعها. والكتب التي ستقرّ هذا العام ستدرّس لمدّة ثلاث سنوات. وقد علمنا أنّ أصحاب المكتبات ودور النشر تقدّموا بطلب إلى وزارة المعارف للإبقاء على الكتب القديمة، ظاهره الرحمة بالطلاب وباطنه احتكار الكتب وتصريف المخزون وجرّ المغانم. ونحن لا نعتقد أنّ الوزارة ستسمع إلى هذا المطلب التجاري الشخصي، وخاصة أنّ الكتب التي ستدرس الآن قد سمح بها لعام واحدٍ ولم تقر إقراراً. وقد علمنا بأنّ جمهرة كبيرة من الأساتذة والمعلمين والمؤلفين قد تقدموا بعريضة يستنكرون بها هذه المحولة التجارية الاحتكارية. مديرية المعارف تعقد اجتماعاً هاماً في الساعة الرابعة والنصف من يوم الأربعاء 9 - 4 - 1947م عقد في مديرية المعارف اجتماع برئاسة مدير المعارف الأستاذ السيد رشدي بركات، حضره مديرو مدارس دمشق الابتدائية فبحث في الاجتماع عدّة قضايا مسلكية وإدارية هامة. 1 - اشترك المدارس الابتدائية بمواكب عيد الجلاء فتقرر أن تخصص لكل مدرسة ترغب في الاشتراك بتلك الحفلات سيارة كبيرة تتولى هي تنظيمها وأن تقدّم المديرية أيضاً الأعلام اللازمة للزينة والاحتفالات. 2 - دراسة اقتراح وارد من وزارة المعارف على المديرية يتضمّن فصل مادّتي الإنشاء

والمحادثة عن بقيّة مواد اللغة العربية وإفرادهما بالبحث والتأليف ودمجهما معاً وذلك لما تقتضيه المحادثة من توجيه يختلف عن درس القراءة والقواعد ويراعى فيه اختلاف البيئة وتعلّم المفردات اللغوية المختلفة الضرورية لكل موضوع من الموضوعات. وقد طلب مدير المعارف إلى المديرين والمعلّمين أن يبدو آرائهم في هذا الموضوع. وبحث في هذا الاجتماع: اقتراح إحداث دورة ثانية لفحص الشهادة الابتدائية. كما حبّذ المجتمعون إجراء فحص الشهادة الابتدائية في مدينة دمشق ومراكز الأقضية كما جرى في العام المنصرم شريطة أن يؤمّن عددٌ وافٍ من المراقبين. وبحثت أيضاً قضية الإكمال في الصفوف الابتدائية وسأل أحد المجتمعين عن تعويضات الفحوص والملاك، فكلّف مدير المعارف رئيس هيئة التعليم الابتدائي بشرح هذه القضية فشرحها بشكل لا يختلف عما جاء في باب نشاط الهيئات من هذا العدد. لجنة المحاضرات تنهي أعمالها عقدت لجنة المحاضرات في 22 نيسان آخر جلسة من جلساتها برئاسة المفتش الأستاذ السيد رمزي الركابي وكان آخر مواضيعها بحث في التاريخ وأصول تدريسه. ولابدّ من الإشارة إلى الفائدة العمليّة التي قدّمتها لجان المحاضرات للمعلمين والمعلّمات عن طريق نشراتها. الكتب والصحف

مع الكتب والصحف

مع الكتب والصحف عصر النبي وبيئته قبل البعثة للأستاذ محمد عزّة دروزه (مطبعة دار اليقظة العربي بدمشق 1946م) يطالعنا الأستاذ المؤلّف بهذا السفر القيّم في الوقت المناسب الذي يعمل به العرب على توحيد كلمتهم وبناء قوميّتهم على أسس من العلم ثابتة ودعائم محقّقة من التاريخ، فيأتي عمله مجدياً كثير الفائدة يظهر خصائص البيئة التي انبثق فيها القرآن، عندما حملت العطفة الدينية في عصر التمخّض الأول أبناء العالم العربي على تأليف أمة واحدة تحت راية نبي الإسلام. وقد أضفى أسلوب الكتاب الرصين وتنظيمه المنطقي، حلّة عقلية دائمة تزيّن صفحاته، فلا تكاد ترى نتيجة تقبل الجدل إلا مؤيّدة أو مستلهمة من الآيات القرآنية المتّصلة بها. ولعلّ من ميّزات المؤلّف النادرة عند غيره، اجتناب الغلو في الحكم، والابتعاد عن الإفراط في التبجّح التاريخي، والخلو من النزعة التّقريظية الخالصة فما ينتهي من تفحّص الوثائق التاريخية، ويأتي على أحكام موقوتة تريد أن تتكامل كلّما ازدادت معرفتنا بمعطيات التاريخ. ولئن كان نجاح نهضتنا القومية يستند اليوم على الرجوع إلى أصولها السابقة، والاستيحاء من ماضيها الأول، فما أجدر من عصر النبي العربي عليه السلام أن يعرف وينار ويدرس وهذا ما مهّد إليه الأستاذ دروزه. ونحن نعتبر هذا الكتاب مقدّمة لدعوة تهيب بنا أن ندرس تاريخنا القديم بصورة جديدةحتى تتضح شخصيتنا العربية في ضوء من اليقين الإنساني والعلم الأرجح والأكيد. ع. ع. روض البشر في أعيان دمشق في القرن الثالث عشر (1201 - 1300) تأليف الشيخ محمد جميل الشطي مفتي الحنابلة بدمشق

يعرف المتتبعون للتاريخ العربي الحديث أهمية المراجع الحديثة في تراجم أشخاص كلّ عصر يأخذون به دراسة وبحث. وليس من يجهل وظيفة المعاجم الأبجدية في تسهيل الإطلاع على حياة ممثلي العصور التاريخية المتعاقبة. وقد شاء الله أن يسير المؤلّف في طريق التقاليد الثقافية الإسلامية، ومنها أن يتمم الخلف أعمال السلف، فعني في هذا الكتاب بدراسة أعيان دمشق في القرن الثالث عشر بعد أن سبقه المحبّي بدراسة أعيان القرن الحادي عشر والمرادي بدراسة أعيان القرن الثاني عشر وبعد أن تقدّمها الغزيّ بدراسة أعيان القرن العاشر وهكذا. وقد بذل المؤلّف في تحضير سفره أعواماً طويلةً بدأها سنة 1323 واقتصر اخيراً على أعيان دمشق في القرن الثالث عشر. ونحن نتمنّى إليه أن يوفّق في إتمامه كما يأمل حتى يأتينا بتاريخ كامل عن رجال القرن الثالث عشر في دمشق وفي حلب ومصر والعراق والحجاز واليمن. . . ففي كل مرحلة من إنهاء هذا العمل خدمة جلّى للثقافة الإسلامية والتاريخ العربي ع. ع. التيمس تُقرأ الصحيفة اللندنية (التايمس) بكثير من الأهمية في كلّ أرجاء العالم، ويطالعها جلّ رؤساء الحكومات والسفراء والأدباء وأصحاب الأعمال بكل انتباه لمعرفة رأي البريطاني المثقّف في مختلف القضايا الحاضرة. اشتهرت هذه الصحيفة بأّنها لسان حال الطبقة الحاكمة فأدّى ذلك إلى اعتقاد الناس بأنها تنطق رسميّاً باسم الحكومة البريطانية، والحقيقة أنّ التايمس صحيفة مستقلّة تديرها شركة تجاريّة خاصة. في عام1785م أسّس جون والتر في لندن صحيفة سمّاها الدابلي يونيفيرسال وكانت غايته من ذلك الدعوة إلى طريقة لغويّة جديدة من طرق الإشتقاق والتركيب ومع أنّ هذه الطريقة لم يكتب لها النجاح فإنّ الصحيفة ازدهرت وذاعت، ثمّ بدّل أسمها بالتايمس، وأصبحت الآن أعظم جريدةٍ في العالم وغدت أكبر من أن تكون مشروعاً صحفيّاً فهي قوة هائلة في بريطانيا، ذات تأثير عظيم في سياسة الحكومة يصل بعض الأحيان إلى درجة التوجيه.

ومنذ سنة1841م أصبحت التايمس صحيفة قوية التأثير شديدة النفوذ في إنكلترا وخارجها، وشرع الكتّاب العظام كديزرائيلي وستيرلنج واللّورد لايندروست كبير وزراء إنكلترا بقوله: إنّ رئيس تحرير التّايمس هو أقوى رجلٍ في بريطانيا العظمى. وتعني التّايمس بباب الإعلانات عناية كبرى، لا تدانيها فيها أيّة صحيفة بريطانيّة حتّى الآن، فترى فيه طلبات لأساتذة الجامعات والعملاء التّجاريين والخدم، وعرضاً لسيّارات ومعاطف وكتب حديثةٍ، وهناك قسم المواليد والزواج والوفيّات. وفي منتصف القرن التّاسع عشر، شرعت التايمس بتخصيص صفحة مليّةٍ، تحوي معلومات قيّمةٍ تهمّ رجال الأعمال. كما ساهم في تحريرها كتّابٌ شهيرون أمثال ناكراي وتوماس مور واللورد ماكولاي ينشر فصول في الأدب والنّقد، ممّا يساعد على الاحتفاظ بشهرتها العالميّة. وكان لمقالات اللورد سيلبورن ورئيس الجامعة فايس أثرٌ كبير جعل التايمس تنهج سياسة معتدلةً هي بين تطرّف الأحرار وتطرّف المحافظين. وفي مطلع القرن الحاضر أخذت التّيمس تصدر الملاحق في الأدب والفنّ والتربية، وقد ظلّت التّايمس خلال الحرب العالميّة الأولى في طليعة الصّحف البريطانيّة، ولم تدع صحيفة مجالاً للّحاق بها أو التّفوّق عليها، وقامت على تحقيق عدّة مشاريع أهمّها إنشاء الصّليب الأحمر، وإقامة الإتحاد لرجال الإسعاف، وجمع اكتتاب بلغ 16مليون جنيه. كما قامت بعد الحرب مجمع 35مليوناً من الفرنكات لتجديد بناء كنيسة وستمنسر و50 مليون من الفرنكات لكاتددرائيّة سانت بول. وفي مايس 1926 عندما شمل الإضراب مرافق البلاد الانكليزيّة أصدرت التايمس نشرة صغيرة، كانت هي الوحيدة التي ظلّت تصدر يوميّاً في لندن طول مدّة الإضراب، وعند انتهاء الإضراب جمعت التايمس 241833 جنيهاً قد قدّمتها إلى رجال الشّرطة الذين أظهروا حنكةً ومهارةً خلال الحوادث بإنقاذهم حياة وأموال كثيرين من النّاس. والتايمس اليوم أكثر ازدهاراً وأشد انتشاراً عن ذي قبل، وقد ظلّت محافظة على مظهرها الممتاز بالرغم من اضطرارها، كغيرها من الصّحف، إلى تخفيض عدد صفحاتها حقلاً خصباً لمقالات وآراء أبرز وأشهر العلماء والأدباء وفي الحقيقة فإن جميع الرّجال والنّساء في كلّ أطراف العالم الذين ينشدون أطراد التّقدم في الإنسان، دون اللجوء إلى الانقلابات

العنيفة المفاجئة لا يزالون يطالعون التّايمس، أشهر صحيفة في العالم، والتي فيها تنعكس آراء ومشاعر أكثريّة المواطنين البريطانيّين حول سير الحياة العصريّة. س. ق.

من إدارة المجلة

من إدارة المجلّة إلى المشتركين الكرام ترد إلى الإدارة من المشتركين الكرام شكاوى بخصوص عدم وصول المجلّة إليهم في البريد. فنحن نأسف ذلك، وقد راجعنا البريد في دمشق وطلبنا إليهم الحرص على إرسال الأعداد. والإدارة لا تستطيع ملاحقة هذا الأمر في جميع المحافظات، فالرجاء من المشتركين السّؤال عن أعدادهم في مراكز بريد مدنهم. ورغم أنّ الإدارة غير مسؤولة عن ضياع الأعداد في البريد، فهي على استعداد لتأمين ما ينقص المشتركين منها. إلى الزملاء الكرام لمّا كانت المدارس الأوليّة تعطل اعتباراً من 29 مايس1947 عملاً ببلاغ وزارة المعارف ذي الرّقم 516 - 13 المؤرّخ في 19 نيسان 1947، لذا ترجو الإدارة من الزّملاء الكرام إعلامهم عن عناوينهم الجديدة. المعرفة مجلّة شهرية ثقافية تربوية تشرف على إصدارها: هيئات التعليم. غاية المجلّة: خدمة أسرة التعليم من الوجهة الثقافية والتربوية والدفاع عن حقوقها الأدبية والمادية. المراسلات: جميع المراسلات باسم مدير الإدارة الأستاذ رشاد الأسطواني. الاشتراك (8) ليرة في سورية ولبنان، وجنيه في الأقطار العربية. و (16) ليرة سوريّة للدوائر الرسمية. وترسل الاشتراكات باسم محاسب المجلّة الأستاذ خالد على: العنوان: دمشق - مدرسة الملك الظاهر. 1

السعادة

السعادة للدكتور: عادل العوا المرأة والرجل، في جميع الأقطار، وفي كافة الأوقات، ينشدان السعادة. والمرأة مثل الرجل، بل وأكثر منه، تأسف لاستحالة تحقق السعادة، حتى في النسيان، وفي الحب. فما هو هذا الآلهة العاصي، الحبيب الرهيب، آلهة السعادة؟ ليسمح لي القارئ الكريم أن أقوم وإياه بنزهة قصيرة في عالم الغرب أولاً. حمامة وامرأة ذهبت ذات يوم حمامة جميلة بيضاء، هي روح القدس المباركة، ورمز روح القدس، من منبر الكنيسة الكبرى حيث وضعتها يد الفنان القدير، وطارت خلال الأقواس والهياكل، حتى مرت بين قضبان نافذة قديمة، ووصلت إلى الفضاء الرحب، وحلقت فيه، وسارت في طريق لا تعلم نهايتها، هي طريق السعادة المبتغاة. وكانت إحدى السيدات، وأسمها (ماري). زوج كاتب العدل في القرية، تسير في ذات الطريق التي لا تعلم نهايتها، وهي طريق السعادة. وكانت (ماري) تحدث نفسها قائلة: لقد مضى على زواجي خمس سنوات طوال، قضيتها مع قريني الضخم، أزرء بالعيش ليل نهار، لقد سئمت عشرته الليل كله، وثلاث مرات في كل نهار، في سائر أوقات الطعام. وكلما حانت ساعة الأكل، تكتل على الكرسي، ولم ينسى في الشارع أمعاءه الواسعة، وفتح جريدته اليومية، المملة، وفرك يديه بانتظار اللذة، لذة البطن والفم، من غير أن يلفظ حرفاً، أو يقول ابتسامة وسلاماً، وفي السرير، كان ينام ويغالي في النوم. لا ينشد إلا أصواتاً نكراء، حتى إذا استيقظ عاد إلى دفاتره وأرقامه، وإن شاء تبديلاً وتجدداً، نظر إلى موظفة البريد، وأبتسم لها بملء دماغه، وبادلها الفكاهة والتعريض، وهي تستدعيه نفسها على قبحه وجسامته انه ضخم، سمين، رهل، ممل، إلا مع موظفة البريد. وقد كرهت البقاء وإياه، ولذلك فأني أغادره وأسلك هذه الطريق التي لا تعرف نهايتها، طريق السعادة دركي ونائب وكان يسير خلف السيدة (ماري) في طريق السعادة، رجل من أفراد الدرك، وكان يفكر في نفسه، ويتكلم وحده، وقد سمعته يقول: إن الدركي موظف يجب أن يفرض احترامه على

الناس. غير أن شعب القرية بأسره يتهامس قصة الدركي الذي خانت امرأته العهد، وقطعت العفاف بالغدر. فليس الدركي أن يبقى في القرية حيث لا يحترمه الشعب، فلذلك يغادرها هائماً على وجهه، سالكاً الطريق التي لا تعرف نهايتها، طريق السعادة. وكان على الطريق ظل خبيث، فارغ، غامض، كثيف، مخروطي، يتقدم ببطء وتأرجح. انه ظل النائب (جورج) الذي ارتدى أفخر ما لديه من ثياب، ووضع عويناته العريضة، فوق عينيه الصغيرتين، ونظم ذقنه الكثيفة، السمجة، ومشى يبحث عن السعادة في الطريق التي لا تعرف نهايتها. وكان لسانه صامتاً. غير أنه يقول: إن مهنة النائب أصبحت لا تطاق. عليه أن يكذب دوماً، مثل المحامين، وعلى سامعه أن يصدق دوماً، كما يصدق المريض الطبيب. غير ان ذكاء النائب، إن كان ذكياً، يأبى عليه المثابرة في الغش والخداع، ويحمله على الفرار من منطقته الانتخابية وإلا كان الفقر نصيبه بعد حين، إذا تجلى الموقف، وأبصر الناس، وعندها تذهب الدعوات والتكارم والبذخ عبثاً، وفوق ذلك، إنه سيصاب بتصلب الشرايين، لما يقضي من ساعات ودهور في الوقوف خطيباً، أو معارضاً، أو متزعماً!. إن هذه المهنة قد انحطت، مثل سائر المهن السحرية، لقد كان النائب ينمق الخطب، ويتحدث عن الحرية والمساواة والاستقلال. كما كان رجال القرون الوسطى يتحدثون عن الكبريت الأحمر، أو الحجر النادر، الذي يقلب الحديد ذهباً، والظلام إلى نور، وكان المجال رحباً، وكانت الصور زاهية وضاءة، أما اليوم، وقد قيدت الحرية في العالم، وأصبحت تمشي على أربع، مثل حريات الأمم المتحدة، فهي حريات مضحكة، طليقة مقيدة، يضحك منها حق الاعتراض، أي حق النفع الشخصي في مجلس الأمن. . . وأظنه مجلس الخوف، خوف أعضائه فيما بينهم، وخوف الناس منهم، وعلى النائب أن يتحدث، رغم ذلك، عن العدالة والسلام، على مسمع القنابل الذرية، وضوء تجارب بيكيني، وأنشودة مؤتمر لندن ونيويورك وباريز. . كلا، إن مهنة النائب أصبحت لا تطاق، فليس فيها كرامة الجسد والنفع، وليس على النائب (جورج) إلا أن يعنى بالزراعة والتجارة ومعاطاة الصناعة والاقتصاد والسيارات. . . فهذه سبيل السعادة، سعادة النائب الذكي، المعاصرة الحديث. . . القديس

وكان الأغراب من كل هذا حديث القديس (دنيس). وهو أيضاً يسير في الطريق التي لا تعرف نهايتها، طريق السعادة، يحمل رأسه بين يديه، وليس في قولي هذا غلو أو خيال، فمن المعلوم أن الأساطير تروي سيرة هذا القديس المبارك، الذي بترت رأسه فالتقطها وبقي على قيد الحياة. وأقيمت لها التماثيل على هذا الشكل في الكنائس والبيع، وقد سمعته يتأوه مرتلا هذا القول: يا لها من كآبة. . . أنني لا أزال احمل رأسي فاسمع وأرى. . . وقد تعاقبت علي العصور والسنون، وبلغت من العمر جد عتياً. لقد سئمت أحاديث المتدينات الساذجات. وكل منهن تسر إلي أحلامها، وأمانيها، وتطلب مني الصحة والجمال أو زوجاً مخلصاً مع كثير من المال، لم تتبدل أقوالهن منذ مئات الأعوام. وهن يلمسن قدمي حتى ذابتا، ويرقن العبرات من عيون خلقت للجمال، وأنا لا أبصر غير شعرهن المخضب، وعنقهن من الخلف، وكلهن خاضع أمامي، راكع دوني، وفي قلوبهن المرارة أو الغيرة، وعلى شفاههن الابتسامة والصلاة، يسبحن مجد الآلهة الحنون. لن أطيق بعد الآن صبراً، إن عملي أصعب من عمل قديس بسيط. . . أود أن أرى هذه الوجوه، وألمس هذه القلوب، فمن السعادة الإنسانية أبحث، والسعادة طريق لا تعرف نهايتها، ولكنها طريق محببة، حارة، تستهوي القديس. . . رجوع إلى العقل ثم ماذا حدث بعدئذ؟ ظلت السيدة (ماري) تتابع سيرها في طريق السعادة، فتعثر خطاها من حين إلى حين، ويصطدم حذاؤها العالي بالحصى والأحجار، وكان يسير خلفها الدركي التعيس، مكسور القلب، خائب الأمل، وكان يحمل نفسه على الشجاعة والإقدام، كلما سمع صوت نعيله الكبيرين يرفسان الأرض، كما تفعل الخيول من أفراد الحيوان، وأما النائب (جورج) فقط كان يرفع يده يمنة ويسرة، وكأنه يحيي الناس من غير تفكير ولا إرادة ولا عاطفة، بل بدافع العادة والتمرين. وكان القديس (دنيس) يعدو خلف الجميع لاهثاً، يقمع جسمه الرخامي البارد، ويحمل رأسه الذي يقطر دماً فيقع الدم على الأرض، ويرسم نجوماً وأزهاراً ووروداً.

غير ان الحمامة الصغيرة البيضاء، وهي تمثل روح القدس، هبطت بظلها إلى السعادة فأمست جبين السيدة (ماري) وأعادت إلى رأسها العقل، وما أصعب أن يعود العقل إلى رأس امرأة أحياناً. . . عندما رجعت روح الرحمن المقدسة إلى زوجة كاتب العدل، تساءلت عن نهاية الطريق التي لا تعرف نهايتها، وعما ينتظرها إذا تابعت سيرها في طريق السعادة المجهولة قالت: اعتقد أن كل أنواع الحب تتشابه، وتؤول نهايتها إلى مثل حالي من الضجر والسآمة والملل. غير أني في الواقع لست تعيسة إلى حد كبير. لقد أعدت طراز حياة زوجي، كاتب العدل، وألفت عيناي رؤيته يتمطى ويتثاءب ويحمل أحشاءه من غرفة الطعام إلى السرير. أجل. أن له صوتاً نكراً، حين ينام، ولكن كثيراً مالا أنتبه إليه، وليست قراءة الجريدة اليومية التي تشغله عني ثلاث مرات كل نهار، تسؤوني إلى أقصى حد. فعندما يفتح جريدته أنظر إلى الصفحة الأخيرة منها وأرى نماذج الأزياء، وأخباراً منوعة عن حوادث الزواج والحفلات والسهرات والسرقات والإجرام. . . فما يكون نصيبي إذا تركت زوجي، كاتب العدل، وعثرت على رجل جديد لا أعرف عنه الشيء القليل قبل الشيء الكثير؟! انتهت المرأة الغربية إلى حكمة المرأة الشرقية فقالت: إن الوجه الذي تعرفه خير من وجه لا تتعرف إليه ثم عادت أدراجها في الطريق التي يعرف أولها، طريق السعادة. وعندما التفتت السيدة (ماري) إلى الوراء واصطدمت بالدركي الذي كان يسير خلفها في الطريق، فابتسمت له، واعتذرت منه، ووجدت فيه رجلاً قوي الجسم، عليه مسحة من جمال الخشونة، وفي خشونة بعض الرجال جمال. قهقهة الدركي في نفسه، وقد سمعته يفكر قائلاً: إن الدركي يأمل ويثق بمئات النساء غيرها. فالدركي يولد دركياً، ولا يموت إلا دركياً. فلماذا يفتش عن غير ما خلق له. ويسعى في طريق السعادة التي يعرف أولها. وهاهي السيدة (ماري) زوج كاتب العدل، تعجب بي، تعجب بالدركي وباللباس الحربي، ولا ريب ان اللباس الحربي يشوق كثيراً من النساء، ولولا ذلك لما التفتت إلى الوراء، وابتسمت لي، واقتربت مني. انتهى تفكير الدركي الغربي السخيف بما يماثل تفكير جميع زملائه في الشرق، وحسب أن اللباس العسكري وحده يشوف الفؤاد، ويخلق العاطفة والإعجاب، وعاد إلى القرية والأمل

يملأ صدره، والهوى يضل عقله وروحه. تقدمت السيدة (ماري) يصحبها الدركي العاشق، عدة خطوات، فصادفا السيد (جورج) نائب المنطقة الانتخابية، وقد كانت علامات التعب بادية على وجهه، وكأن تصلب شرايينه أصبح جموداً بارداً في نظرته وابتسامته. وقد توقف ذراعاه عن حركة التحية ذات اليمين وذات اليسار. وكان يتمتم من غير أن يحرك لسانه وقد عرفت انه يقول: قسماً بالحريات المقيدة، وبميثاق استيلاء، القوي على الضعيف، إنني ثمل الآن، حقاً وصدقاً، لقد شربت كثيراً من الكحول في الدعوة التي أقمتها للناخبين، وان كانوا غير ثانويين، وقد فقدت ذكائي، وكيف يصح لي أن أترك النيابة وأذهب في طريق السعادة باحثاً عن التجارة والاقتصاد والنفع، فما قيمة نائب لا ينتخب، وما شأن تاجر تجعل منه الأمة نائباً يمثلها ويدافع عن حقوقها، ويعمل على التقدم بها في سبيل الكرامة والمجد! قاتل الله الإكثار من البطن، أنها ذهبت بفطنة السيد (جورج) نائب المنطقة الانتخابية، وحمداً لله الذي أعاد عقل النائب إليه، وانتهى التفكير الذكي بالنائب الغربي إلى ما يماثل تفكير زملائه في الشرق، وعاد أدراجه مفصلاً النيابة على كل شيء، يسعى إليها السعي المستجد الحثيث، كأن النيابة غاية ليس وراءها قصد، وعمل ينال بخطاب بارع، طويل أو قصير. . . أما القديس (دنيس) فقد دهش لرؤية السيدة (ماري) والدركي ونائب المنطقة الانتخابية يعودون في الطريق التي يعرف أولها، وهز كتفيه الرخاميين الناصعين، وبقيت رأسه بين يديه، بعيدة عن منكبيه، وقد ظننت أنه يقول: عفوك اللهم، أن هؤلاء البشر لا يعرفون ما يصنعون. وهبتهم العقل ولكنهم لا يعقلون. يبحثون عن السعادة في الطريق التي لا تعرف نهايتها ولا أكاد أتابعهم في ذلك حتى أجدهم على تراجع غريب. كلهم الآن يعود على قريته الصغيرة، ويقنع بما قسم له، السيدة (ماري) تعود إلى زوجها، وتأمل في ألا تكره وجهه وجثته ويديه. والدركي يعود إلى القرية يزهو بثوبه العسكري الفاتر، البعيد عن إبداع الزي الجديد وتطور الجمال والفن. والنائب الذي بذل ماله وصوته سخياً يعود إلى استثمار هذا المال في حانوت الوطنية، وسوقها، وأنا ليس لي إلا الرجوع إلى الله فراراً من هؤلاء البشر جميعاً، ما أجمل مقامي على مر العصور والأجيال في رخام التماثيل، تسجد أمامي

الكواعب من النساء، وتحدثني كل منهن عما تكتمه عن أبيها وأخيها وزوجها، أعاهدك اللهم إني أن أمل حديث النساء اللاتي حلقت وأحسنت، وأحمدك على هذه النعمة التي وهبتن فما هي قدسية القديس لولا المرأة، وما أعطيها من جمال وإغراء؟ سأعود إلى قرية البشر منذ الآن. واسلك الطريق التي يعرف أولها، طريق السعادة. لم تنته هذه الصلاة حتى انتفضت الحمامة الجميلة البيضاء، وانتشرت روح القدس وهي من روح الله، والله يعلم أن نظام الأرض قد فسد اليوم في الشرق والغرب، الناس جميعهم أفراداً وشعوباً يتحرون السعادة ولكنهم يتقاتلون ويغلظون كأكثر ما تتقاتل الوحوش الضارية وأدهى. يظلم بعضهم بعضاً، ويتناهون إلى الكذب والكبرياء، وهذا الله العظيم يعلم إن السعادة لا تسود أرض الإنسان الآن، وهو يعلم إنها تحقق في نفوس الناس حين يرضى الناس العيش في قريتهم الأرضية بعد آلاف القرون، وحتى آلاف القرون، من الأعمار. في الشرق لنرجع الآن - يا قارئي العزيز - من الغرب إلى الشرق، ولنعد من الخيال إلى الواقع، ومن التصور إلى الثبوت، فأين نحن من السعادة في وطننا العربي الحبيب، وفي بلدتنا السورية الجميلة، وفي قريتنا الأرضية الرائعة، دمشق؟ ليست سعادتنا في مكان ما من هذا البلد، ولكنها في كل مكان، في المسجد والشارع والبيت والنادي والسراي ومجلس النواب. . . المؤمن والمؤمنة لا تزال الروح الدينية أساس فلسفة السعادة والوجود في الشرق، والجامع الأموي مثل البيع والكنائس، رمز في دمشق لنوع واسع من السعادة يمثل عقلية الناس عندنا، ويوحد عواطفهم وآمالهم وأحلامهم وهدفهم في الدارين على السواء. إن المؤمن يعشق خالقه الرؤوف الرحيم، ويجد فيه أمل السعادة كأنه يموت غداً. فمنه يطلب الشفاء إذا مرض، وبه يستعيض عن الطب والعلم والقنابل الذرية للقضاء على الأعداء. والمؤمنة ترى أن طفلها يعيش عمره المقدر له حتماً، فلا تكلف نفسها عناء حفظ صحته جسمياً وخلقياً، فما كتب على ابنها لا يتبدل، وهي قادرة على إنجاب ما استطاعت من الأطفال، البنت تنمو سريعاً ومن تلقاء ذاتها، والابن موفور الحظ، تربيه رياض الأزقة والشوارع، وفي كل هذا راحة

من التفكير بواجب التربية والمعرفة، وفي زوال التفكير شعور بالسعادة. التاجر نعم، إن الحياة الدينية مفعمة بالشعر والعاطفة، ولكنها في هذه المدينة صورة أولى واسعة نجد إلى جانبها إشكالاً أخرى من نماذج السعادة. فالتاجر - وان كان مؤمناً - له سعادة تجارية أيضاً يقيسها بالمال ويفصلها عن تعاليم الخير والدين، هذه السعادة التجارية غايتها الربح مهما كلف الأمر، على حساب الفقير قبل الغني، وشعار التاجر في ذلك انه يعيش أبداً، وليس من قيمة للعدل في تحديد الربح والسعر والاحتكار، لا في القانون ولا في الواقع. والسعي إلى السعادة التجارية هو طريق الحلال المباح، لا بأس إن أهمل التاجر في سبيله أمور الحياة الراقية الأخرى من ثقافة وفن ومعرفة واجتماع. . . سعادته تمثل في الراحة من كل مالاً يجلب الدينار، وكل ماعدا المال ترهات فارغة لا تقدر بالأسهم في الشركات. الجمود والسعادة في دمشق تبدو في حركة الناس الهادئة، المطمئنة، التقليدية، الصامتة. بلغ من خدرهم وجمودهم أن توفي عندهم الشعور بالصور المزعجة الأليمة التي تشوه الحياة في الشارع والدار. ما أبلغ التفاوت بين مظهر الناس عندنا وبين تفكيرهم وبؤسهم، وكم من طفل مزق التشرد قلبه ورأينا صدره الصغير خشناً عارياً كأخمص قدميه. وبات سروده البريء بطولة في إزعاج الناس، سيما المحسنين، وكم من تفاوت بين أحياء بلد ليس هو أكبر بلد في العالم الآن حتى يستحيل تدارك الأمر، فلا الآداب واحدة، ولا اللياقة تامة، ولا العطف على الشيوخ سائداً، ولا احترام النساء طبيعياً شاملاً. ورغم ذلك كله. فالحياة العامة في دمشق لها سعادتها العجيبة، وهي سعادة على كل حال. تنقصها الموسيقى، وتنقصها الحيوية، وينقصها الفن، ولكنها سعادة بالمعنى السوري، سعادة لا تتبدل، لان التبدل يقتضي التفكير الصالح والجهد والثبات، بل الجرأة على التفكير والجرأة في بذل الجهد، والجرأة في الثبات. وهذه كلها تتطلب أمراً أخيراً غير الراحة والدعة. والسعادة عندنا جمود وراحة وارتياح. الأسرة

إن حياة المنزل سعيدة عندنا، لولا أنها في بعض أحوال الأسرة أقرب إلى الشقاء. أين احترام جميع الرجال جميع النساء؟ أين التفاهم بين الزوجين أو بين الزوج ومختلف الزوجات؟ أين التعاون في خدمة الوطن عن قصد وشعور؟ نعم، نسمع بتمنيات الإصلاح ولكن أين هو هذا الإصلاح؟ إن سعادة الأسرة تقاس عندنا بالقناعة، قناعة المرأة بأي زوج كان. حتى وان كان لم يرها، وإن كانت لم تعرفه. وهي قناعة الأم بأي ولد كان، هزيل أو قوي، قبيح أو جميل. وهي قناعة أفراد كل أسرة بمصلحة أسرتهم قبل مصلحة الوطن الأكبر، وان الوطن حقاً هو فوق جميع الأسر وصالحه فوق صالح الإقطاعيين. الحكومة وأما الحكومة عندنا، فهي سعيدة حتماً، ونحن بها سعداء، ألا تراها تغدق في البناء الهادئ الحكيم الرزين، ونحن في الشرق نعشق كل قول يتسم بالأناة والهدوء والحذر والوقار، وأما الدهر والتطور والزمان فتباً له إن كان لا ينتظر وصولنا، ونحن سنتغلب عندها. . . بالارتجال الوثاب السريع. التفاؤل والتشاؤم أما وان كنت يا عزيزي القارئ صابراً كريماً، واسع الصدر عطوفاً، فلا تثريب علي في الابتعاد بك الآن عن الغرب حيث لا نعيش، وعن الشرق حيث يجب أن نلطف القول والنقد، وسنبحث معاً عن السعادة في قبس من نور التاريخ، علناً نلمح هذا الإله الموهوم، الغامض، القصي، الناقص، أو العاجز المسكين. لقد اختلف مفكرو الإنسانية في أمر السعادة وتقديرها من جهة، واتفقوا في الإيمان بها واعتبارها من جهة أخرى، وهم في رأيي خاطئون في الحالين. إن نجدهم على اختلاف في تقدير السعادة، لكل منهم رأيه، ورأيه يختلف باختلاف مزاجه في الصباح والمساء، في الراحة والتعب، وهم بين متفائل ومتشائم. يرى (معرينا) العظيم أن الحياة كلها تعب ولا أعجب إلا من راغبة وراغب في ازدياد، ويؤكد (شو بنهاور) أننا أبصرنا النور خلال الدموع، وكلما تقدمنا في السن تعقدت أواصر الفاجعة حتى تنتهي بالموت، وليس في الموت سعادة، وما معنى حياة أولها نواح وأوسطها كفاح وآخرها زوال وفناء، غير أن المتفائلين ينكرون البؤس ويرى أحدهمإلا وجود للبؤس في أي حادث كان،

وكل ما في الواقع حوادث يسيء البؤساء قبولها والحياة ثقة وورد وحب وجمال ونجاح. وإنا نجدهم على اتفاق غريب في اتخاذ السعادة غاية الحياة، في الأرض وفي السماء. يعلن ذلك رجال الفكر والفلسفة والدين والأدب والأخلاق من كتاب وكاتبات، ومصلحين وقديسات صديقات. شعار السعادة الدنيوية أن تعيش على الأرض أبداً. وشعار السعادة الأخرى أن لا تفنى في الفردوس أبداً. وسأتغلب أيها الصديق القارئ على بعض من شعور التواضع والاعتذار فأظهر لك أن هؤلاء جميعاً يخطئون حيث يتفقون في أمر السعادة وحيث يختلفون. السعادة تفسير إن السعادة في رأيي ليست غاية الحياة، كلا. أنها هي تفسير الحياة، وهي تفسير للحياة فحسب. ليست السعادة ابتسام طفل، وحكمة عجوز، بل هي تفسير كل إنسان لفلسفته في الحياة. وذلك التفسير هو الذي حارت فيه عقول الناس منذ أقدم العصور حتى الآن، وأن نعرف نحن تفسيراً مناسباً للسعادة وللحياة إلا إذا أحطنا قليلاً بناموس الثقافة وسنة الفكر. الإنسان موجود له غرائزه وميوله وفكره ويداه. ومن كل هذا يستمد تفسير وجوده في الحياة، وحينما يكون تفسير العيش مطابقاً للعيش، تحصل السعادة. وحينما يخالف تفسير العيش واقع العيش، يكون الشقاء. إن الحمامة الصغيرة البيضاء، أي العقل والثقافة وروح القدس، حينما تغادر عقول الناس في الطريق التي لا تعرف نهايتها، طرق المجهول والممكن، يتيه الناس. فالسيدة (ماري) تفسر بقاءها مع زوجها تفسيراً يخالف طبيعة الزواج. أنها تفسر الحب بعد خمسة أعوام مثل تفسيرها له في سن الصبا، وقبيل الزفاف. وليست السعادة هي التي تخطئ السيدة (ماري) بل تفسير السيدة (ماري) للسعادة هو الخطأ المبين. إن طريق السعادة التي يعرف أولها تبدأ - في رأيي - بتفسير الحب تفسيراً صحيحاً. فالنظر في علم النفس وقوانين العاطفة وآثار العادة لاشك يوضح للعقل أن ممارسة الحياة الزوجية يؤثر على حماس الحب، فيقلبه إلى صداقة رائعة ذكية غالباً، ويزيده اتقاداً ونوراً أحياناً. لا عاصم من أن رؤية أله جمال ليل نهار، طول كل ليلة، وخلال كل فترة طعام من كل نهار، يضعف الشعور بالجمال، ولذا يبدو كاتب العدل القديم في نظر زوجته رجلاً عادياً كسائر الناس، له

حسناته والسيئات، له جماله وقبحه، يخطئ ويصيب، وعندما لمست الحمامة البيضاء جبين السيدة (ماري). أعادت إلى رأسها العقل، ففسرت السعادة تفسيراً ملائماً يطابق حقيقة الزواج، وعندها عادت أدراجها تتابع العيش بين ذراعي رجل كثيف، رهل، سمين. وليس شأن الدركي ونائب المنطقة الانتخابية والقديس (دنيس) يخالف حال السيدة (ماري) من حيث البحث عن السعادة والضلال في تفسيرهم أولاً، ثم الرجوع إلى الصواب عند الرجوع إلى الطريق التي يعرف أولها، وهذه الطريق في رأيي هي حقيقة الإنسان، كما نعرفها اليوم، وقد أصبح في قدرتنا أن نعلمها الآن إلى حد كبير بعد رقي علم النفس وعلم الاجتماع. أننا نملك مفتاح السعادة في هذين العلمين. التفسير العربي السعادة في دمشق، وفي سوريا، وفي الشرق العربي وغير العربي، كلها تفسير، وهي تفسير الحياة، لا غاية الحياة. المجسد الأموي معبد السعادة حين يفسر المؤمن المسلم الحياة الدنيا بالآخرة، ويرى إن رضا الله وطاعته قبل وفوق كل شيء، من العلم إلى الحكومة، والمعابد والكنائس هي في نظر المؤمنين من غير المسلمين مساجد تكفل السعادة من غير فشل. بل هي طريق الوثوق والهدي، طريق بعيدة جداً، ولكنها قاب قوسين أو أدنى. طريق لا تعرف نهايتها، ولكنها أوضح من الشمس، وأعظم ربحاً من اكبر جائزة في أصدق يانصيب!. . ليس الخطأ في وجود السعادة أو عدم وجودها. بل الخطأ في جهلها، والبحث عنها حيث لا توجد. كان الإنسان منذ أقدم العصور يرى أن السعادة شيئاً جامداً، أو سلعة تباع وتشتري، وكان الرجل الابتدائي يظنها طعاماً يقيه من الجوع، ومدية يطعن بها الوحوش، وبيتاً ينحته في الصخر فيعصمه من الماء، وإذا تقدم الإنسان أعتقد إن السعادة قواقع نادرة أو أحجار كريمة وجواهر يزهو بها على غيره من الناس، بها يتقرب السحرة من ألآلهة، فتتم التجارة بين العالمين، وتتسع السعادة من الدنيا إلى الأخرى، ومن الأحياء إلى الأموات، فهذه الحلي والجواهر تزين قبور المصريين كما تزين الهياكل والصدور اليوم. بها كانت تشتري الآخرة، كما تشتري بها اليوم ضمائر الناس. ولم تكن الآخرة تشتري إلا لأجل السعادة، كما

إن الوجدان لا يباع اليوم إلا في سبيل السعادة. والخطأ في هذين العقدين مؤسف عظيم. وهو خطأ الاعتقاد إن السعادة شيء ثابت جامد، مع إن السعادة عمل نفسر به العيش مادمنا نعيش. إن سعادة المرأة العربية وسعادة الرجل العربي، ليست كلها في مكان واحد، وزمان واحد، فليست هي الماضي فحسب، ولا الحاضر من غير المستقبل، إنها ليست الحب وحده، ولا الزواج، ولا التجارة، ولا الزراعة، ولا الشارع، ولا المقهى، ولا الصحافة ولا الحكومة ولا الأحزاب. السعادة هي كل ذاك معاً، وفي آن واحد، لي هي تفسيرنا الجيد الصالح لكل ذاك، دونما حصر ولا استثناء. وعندي إن واجب المرأة العربية، مثل واجب الرجل العربي، في الليل والنهار، لا يخرج عن أمر ممكن، غير مستحيل. إنه سبيل سعادتنا: وهو الجرأة على فهم الحياة فهما صحيحاً، ومعرفة تقديم الأهم على الهام، والتضحية في سبيل الصالح الأعم وفوزه على الصالح الفردي والصالح العام. أن هذا كله شرط نجاح العرب من حيث أنهم أمة تامة الجسد والنفس، موحدة الأقطار والقلوب والعقول يقظة في الأقطار وفي القلوب، وفي العقول. إن السعادة تفسير، والتفسير العربي للسعادة لا نريده أن يكون سحرياً رجعياً غامضاً متقاعساً. عليه أن يضع الأمور مواضعها، ولا يضحي في سبيل الزواج ضرورة التعارف والحب، وفي سبيل الغني الفقراء كافةً، وفي سبيل الربح التجاري شؤون المعرفة والفن والاجتماع. لسنا نقل عن الغربيين والأمريكيين استعداداً طبيعةً ورغائب وحاجات وميولاً، وربما تفوقنا عليهم في كثير، ولكننا نساويهم في القدر والقيمة حتماً، ودوماً، وفي كل حال. وأصل ما يفرق بيننا أنهم يفسرون الحياة تفسيراً يخالف مالا نزال نذهب إليه، لقد تقدم الزمان في السن، ولا يسعنا إلا التبصر في فهم عمر الزمان فنعرف فلسفة الوجود التي توجهنا ونوجهها، معرفة صحيحة تستند إلى العلم والثبات ولكنها تعيش بالمرونة والتطور والذكاء. سعادتنا أن نعيش كأمة صالحة، لا ينقصها شيء، ولا تجمد على شيء، نفسر الإنسان تفسير الحق، فنعرف السعادة، ونسعى إلى بناءها في حديقة الأرض، قبل السماء، والعربي فردي النفس ولكنه اجتماعي العقل واليد واللسان، لم يكن زيل الشعوب فيما مضى، ولن يبقى دون التطلع إلى المجد والحياة منذ الآن، وسيهزم كل عدو ويفوز العرب

بالسعادة، وبالمجد وبالحياة. عادل العوا

معاهد المعلمين والتربية الوطنية

معاهد المعلمين والتربية الوطنية الدكتور جميل صليبا الوسائل والطرق التي يجب أن تتخذ في مدارس المعلمين ومعاهدهم حتى يخرجوا قادرين على أن يجعلوا من تلاميذهم مواطنين صالحين لمدارس المعلمين صفتان أساسيتان: جميع المواد العلمية التي يدرسها غيرهم من الطلاب ولكنهم يدرسونها من وجهة نظر معينة تمكنهم من تعليمها في المستقبل لتلاميذهم. وهم يدرسون أيضاً بعض المواد المهنية كعلم التربية العام وأصول التدريس وعلم النفس التربوي وتاريخ التربية وغيرها. ويخصصون وقتاً كافياً لملاحظة الأطفال والتمرين على إلقاء الدروس في المدارس الابتدائية. على أن مدارس المعلمين لا تحقق الغاية المرجوة منها إلا إذا أخذت ببعض الطرق والوسائل التي تكسب طلابها صفات حسية وفكرية وخلقية تعينهم على النجاح في مهام التربية والتعليم التي سيعهد إليهم فيها وتعدهم لتربية مواطنيهم صالحين يفهمون حقوقهم وواجباتهم ويحبون بلادهم. وهذه الطرق والوسائل مقيدة في مدارس المعلمين بأمرين أحدهما المدرسي الذي يطبقها والثاني الطالب الذي وضعت من أجله. لذلك كان لابد في مدارس المعلمين من العناية أولاً بانتقاء المدرسين عناية تامة فأن روح التعليم في كل مدرسة تابعة بالدرجة الأولى للمدرسين القائمين على شؤونها ومتى صلح المدرسون وتفرغوا لعملهم التربوي تفرغاً تاماً كان تأثيرهم في نفوس تلاميذهم أبعد وأبلغ. لذلك أيضاً وجب التقيد في انتقاء الطلاب بشروط مختلفة فلا يقبل في مدارس المعلمين إلا من كان قوي البنية تام الحواس وأضح الصوت سالماً من الأمراض والعاهات البدنية حسن الخلق صحيح التفكير محباً لمهنة التعليم. ومع أن الإحصاءات قد دلت على إن أكثر التلاميذ لم يختاروا مهنة التعليم من ميل إليها واستعداد نظري لها فأن عناية لجان الانتقاء باختبار أصلح التلاميذ قد أدت في الواقع إلى إصلاح مدارس المعلمين ونجاح تلاميذها في مهنتهم. وكلما كانت قابليات التلاميذ الفكرية وخصائصهم الخلقية أوفق كان الأخذ بالطرق والوسائل اللازمة لإعدادهم المسلكي أسهل.

لنفرض الآن أننا انتقينا لمدارس المعلمين أصلح المدرسين وقبلنا فيها أحسن التلاميذ تفكيراً وخلقاً وجسماً فما هي الطرق والوسائل التي يجب الأخذ بها في هذه المدارس لتخريج معلمين قادرين على أن يجعلوا من تلاميذهم مواطنين صالحين. تنحصر هذه الوسائل عندنا في ثلاثة أمور: (1) - الإعداد العلمي (2) - الإعداد الاجتماعي (3) - الإعداد العملي. (1) - الإعداد العلمي إن مهنة التعليم لا تطلب من المعلم أن يكون عالماً بمبادئ التربية وأصول التدريس فحسب بل تشترط عليه أيضاً أن يكون محيطاً بالمواد العلمية التي يريد تدريسها. ومن الخطأ أن نعلم طلاب مدارس المعلمين كيف يعلمون من غير أن نعلمهم ماذا يعلمون. لذلك يجب أن تشتمل المناهج في مدارس المعلمين على جميع المواد العلمية التي تتمم ثقافة المعلم وتنمي في الوقت نفسه ملكاته الفكرية. ولا يتسع لنا المجال هنا للبحث في الطريقة التي يجب على أساتذة مدارس المعلمين أن يسلكوها في تدريس كل مادة من المواد العلمية. فأن لكل علم من هذه العلوم طريقته الخاصة. إلا إن هناك ملاحظة عامة تنطبق على جميع المواد العلمية وهي أن التعليم في مدارس المعلمين يجب أن يحقق غرضين أساسين الأول ثقافي والآخر مسلكي. أما الغرض الثقافي فيوصل إليه بانتهاء الطريقة التي توقظ الفكر من نومه وتنمي ملكات العقل وتحبب العمل الشخصي إلى الطالب حتى يتعود الكشف عن الحقائق بنفسه. والطريقة الفعالة هذه تصلح للعمل الفردي كما تصلح للعمل المشترك بين أفراد كل فرقة من فرق الصف. وفي وسع الأساتذة أن يأخذوا بها من غير أن يؤدي ذلك إلى أي تعب أو تعقيد أو تأخير. وهي تناسب الاستقراء والاستنتاج معاً وتعتمد على الحدس الفكري كما تعتمد على الحدس الحسي وتحبب الدرس إلى التلاميذ حتى لقد قيل أنها طلسم ينقذ التلاميذ من الملل ويعين المعلم على تقدير مواهبهم ويولد فيهم روح الانتقاد ويعودهم التأمل الشخصي والتفكير الحر والإبداع. فإذا خرجوا من مدارس المعلمين نقلوا إلى تلاميذهم هذه العادات الفكرية وأبعدوهم عن التقليد الأعمى. وأعدوهم لحياة اجتماعية ديموقراطية يتمتع كل فرد من أفرادها بحريته الشخصية. أما التعليم التلقيني فينصب ينابيع الفكر ويقلب أفراد المجتمع إلى عبيد يخضعون لما يفرض عليهم من غير أن يفكروا فيه. وأما الغرض

المسلكي فيوصل إليه بإعداد التلاميذ تربوياً ونفسياً معاً. فالإعداد التربوي يتم بدراسة علم التربية العام وتاريخ التربية وأصول التدريس وعلم التربية التجريبي وعلم إدارة الصفوف والتشريع المدرسي وعلم رعاية الطفل. ويشترط في هذه الدراسة أن تكون نظرية وعملية معاً فلا يقتصر فيها على استماع الدروس والمحاضرات بل يجب أيضاً أن تقوم الطلاب أنفسهم بملاحظات تربوية وتجارب وأشغال عملية ولا نغالي إذا قلنا إن تربية المعلمين يجب أن تكون مماثلة لتربية المهن الأخرى كالقانون والطب والهندسة. فكما أن هناك قوانين فيزيولوجية عامة يأخذ بها الطبيب عند حل المشاكل التي تعترضه كذلك يشتمل علم التربية على مبادئ عامة للتعليم إذا أخذنا بها المعلم استطاع أن يتغلب على جميع الصعوبات التي يصادفها. ولو أن مبادئ التعليم هذه وضعت في صورة قواعد واضحة يتلقاها معلمو المستقبل لتم لنا الكثير مما يتطلبه إعداد المعلمين إلا أن التباين لايزال عظيماً بين الواقع وبين ما يجب أن يكون. فقواعد حفظ الصحة على كثرتها لم تق الأفراد من الوقوع في الأمراض كما أن قواعد التعليم على مرونتها لم تؤد بعد إلى إعداد معلمين حاذقين. والإعداد النفسي يتم بدراسة علم النفس هو دراسة علم النفس العام وعلم النفس التجريبي وعلم نفس الطفل وعلم النفس التربوي والمنطق ومبادئ العلوم. والغرض الأول من هذا الإعداد النفسي هو دراسة حياة الطفل دراسة عميقة محيطة بنموه الجسدي ونموه الفكري والخلقي. ولا تبلغ هذه الدراسات النفسية غايتها إلا إذا كانت مصحوبة بملاحظات وتمارين عملية في مختبرات المدرسة وصفوف الأحداث ويجب لذلك أن يضع كل طالب في مدارس المعلمين صوراً نفسية لتلاميذ بعض الصفوف تبين صفاتهم الفكرية واستعداداتهم وتدل على شخصية التلميذ الفكرية كما تمثل مجموع الصف. وعلى طلاب مدارس المعلمين أن يعتمدوا في وضع هذه التصاوير الفردية والعامة على ملاحظات ألعاب الأطفال ورسومهم وأشغالهم وسلوكهم ودرجاتهم في الامتحانات والاختبارات. إن هذا الإعداد النفسي والتربوي قد أصبح من الأوليات المسلم بها فعلم التربية والتعليم يجب أن يستند إلى علم الطفل كما يستند علم الزراعة إلى معرفة طبيعة الأرض والنبات

وكما لا يمكننا أن نتصور مدرسة للمعلمين خالية من العلوم النفسية والتربوية. ولكن هذه العلوم لا تفيد المعلم إلا إذا عرف كيف يوفق أحكامها وبين الحالات الجزئية التي تعترضه. وما أكثر المعلمين الذين يتفهمون هذه العلوم من الناحية النظرية ويعجزون في الصف عن العمل بها. إن المعلم الذي يجيد هذه العلوم ويعجز عن تطبيقها على الأحوال الفردية يشبه النحلة التي تجهد نفسها في ملء خلية العسل المثقوبة. فهو وفقاً لقواعد علم النفس والتربية التي قرأها في الكتب ولكنه يطبقها في صف خيالي من غير أن يشعر بالمشاكل التي تعترضه في الواقع فكأنه آلة مسجلة تكرر الأمور القديمة بصورة آلية من غير أن توفق بينها وبين الشروط الجديدة. إن هذا التعليم الآلي لا يهيئ لنا مواطنين صالحين بل يصوغ عقول التلاميذ في قوالب جامدة وخير طريقة لتربية الأحداث تربية صحيحة هي تكييف قواعد علم النفس والتربية بحسب حاجتهم. فإذا أردنا أن نجعل طلاب مدارس المعلمين قادرين على تربية مواطنين صالحين وجب علينا أولاً أن نصلح إعدادهم العلمي. وهذا الإصلاح يقتضي أن تدرس المواد العلمية في مدارس المعلمين من وجهة نظر خاصة تمكن الطلاب من تعليمها في المستقبل كما توجههم إلى الاستفادة منها في التربية الوطنية ففي مسائل علم الحساب مثلاً مجال واسع لذكر بعض المبادئ كفائدة التوفير وضرورة الضرائب وفي درس التاريخ والجغرافية أمثلة كثيرة لإحياء الوعي القومي وإعطاء فكرة واضحة عن الدولة والأمة والوطن وفي قراءة النصوص الأدبية وسيلة أيضاً للبحث في الروابط الاجتماعية وواجبات المواطن وحقوقه. فإن تدريس التربية الوطنية في المدارس الابتدائية لا يمكن أن يقتصر مباشرة على الساعات المحددة في البرنامج بل أن المعلم يستطيع أن يجد في كل مناسبة وفي كل درس منفذاً للتربية والإرشاد والمربي الحق هو الذي يخلق هذه المناسبات ويستفيد منها. 2_الإعداد الاجتماعي إن غاية الإعداد الاجتماعي في مدارس المعلمين هي إنماء شخصية الطالب وتهذيب أخلاقه وإذكاء شعوره بالروابط الاجتماعية والمثل العليا الإنسانية وإذا علمنا أن من أهداف المدارس إنماء الوعي القومي وتوليد الشعور بالتعاون والمسؤولية أدركنا ما للأعداد

الاجتماعي في مدارس المعلمين من عميق الأثر في توجيه التعليم العام. والمثل الأعلى للمواطن العربي كما نتصوره اليوم يقتضي أن يكون المواطن صحيح الجسم جيد التفكير ملما بما يحتاج إليه من العلوم في الحياة العملية حسن الخلق قوي الإرادة متجملا بأدب الطفل والمعاشرة مدركا حقوقه وواجباته محباً لوطنه وقوميته رائدة الأمانة والإخلاص في العمل وغايته الإنشاء والبناء راغباً في الاستقلال الفردي والسياسي شاعراً بضرورة التعاون الاجتماعي. ويجب أيضاً أن تكزن الغاية من التربية الوطنية في بلادنا أن يحب الفرد الوطن العربي العام كما يحب وطنه الخاص وأن يدرك المثل العربية كما يفهم المثل الإنسانية العامة وأن يتعلم القيام بواجبه السياسي في دائرته الخاصة سواء أكانت قرية أم مدينة. وهذه الأهداف العامة تقتضي أن يكون الفرد عضواً عاملاً في أسرته عضواً عاملاً في المجتمع عن طريق المهنة التي يزاولها قادراً على الاستمتاع في أوقات الفراغ بالموسيقا والفن والأدب والتمثيل وغير ذلك من الصلات الاجتماعية. هناك وسيلتان لتحقيق هذا الإعداد الاجتماعي في مدارس المعلمين: الأولى هي تدريس بعض المواد التي تعد الطالب لفهم المشاكل الاجتماعية وتولد فيه الحس الاجتماعي والثانية هي تنظيم العمل التربوي في مدارس المعلمين على وجه يحقق النشاط المدرسي من جميع نواحيه. 1_أما الوسيلة الأولى فيمكن تحقيقها بتدريس علم الاجتماع والمعلومات الحقوقية والمدنية. إن هذه الدروس تعد الطالب مباشرة لفهم النظم الاجتماعية وتعينه على إدراك تطور الحضارة ومعرفة العلاقات الدولية. ويمكن تحقيقها أيضاً كما بينا سابقا عن طريق بعض المواد الأخرى بصورة غير مباشرة كتدريس التاريخ العربي القديم والحديث وتدريس جغرافية البلاد العربية وعلم الصحة المدرسي والوقائي. فبرنامج علم الاجتماع يجب أن يتضمن دراسة بعض المبادئ العامة في تطور المجتمعات مع دراسة بعض الأوضاع الاجتماعية كالأسرة والمهنة والأمة والدولة والحياة الفكرية والروحية والحياة الاجتماعية والإنسانية. ويجب أن يتضمن أيضاً دراسة عملية لبعض الأوضاع الاجتماعية المحلية بحيث يطلب من كل تلميذ في مدارس المعلمين أن يقوم

بدراسة اجتماعية عن قرية من القرى ووضع من الأوضاع المعروفة كالمستشفيات والجوامع والمدارس والمحاكم والسجون وطرق المواصلات والجمعيات والنوادي والمعامل وحياة العمال وغير ذلك من المباحث التي تعوده ملاحظة الظواهر الاجتماعية المحيطة به وتمرنه على تحليلها ونقدها وتعينه على فهم تكونها وتطورها. وبرنامج المعلومات المدنية يجب أن يعرف الطالب بقوانين البلاد ويطلعه على حقوق المواطن وواجباته ويبين له أنظمة الحكم المختلفة ووظائف السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في النظام الديموقراطي وحدود الحريات وضوامنها الدستورية والقانونية والأخلاقية. وبرنامج التعليم الصحي يجب أن يتضمن المقاييس الشخصية للنمو والتطور الجسماني والتغذية والقيمة الغذائية للأطعمة مع بيان القواعد الصحية الجيدة في التهوية والتدفئة والمسكن واللباس والمحافظة على الحياة ووقايتها من الأمراض والصحة الاجتماعية وصحة الفرد والصحة المدرسية. 2_وأما الوسيلة الثانية في الإعداد الاجتماعي فتستند إلى مبدأ النظام الحر والحكم الذاتي وإلى فكرة التوسع في النشاط المدرسي واعتباره جزءاً أساسياً في تربية الخلق وتهيئة المراهق من حيث هو مواطن للقيام بالأعمال والواجبات التي يفرضها عليه المجتمع. ونرى أن خير وسيلة لذلك هي: أن يخلق في مدارس المعلمين بيئة معنوية صالحة لإنماء حسن المسؤولية وتقوية الشعور بالواجب في نفوس الطلاب. وفي سبيل تحقيق ذلك يرشح الطلاب مندوبين عنهم لمعاونة الإدارة في مختلف الأعمال مثل مراقبة نظام المدرسة ونظافتها وإدارة المكتبة ومراقبة المطعم وتنظيم الحياة الاجتماعية والرحلات العلمية. ويدعى الطلاب إلى تأليف الفرق الرياضية والكشفية والموسيقية والجمعيات والأندية واللجان المدرسية. فمن الجمعيات المدرسية جمعيات خدمة المدرسة والجمعيات العلمية والأدبية والتمثيلية والخطابية وجمعيات الحفلات والمناظرات والجمعيات التعاونية وجمعيات الخدمة الصحية ومن الأندية نادي الألعاب ونادي الموسيقا ونادي الرياضة ومن اللجان لجنة المطبوعات التي تعني بإصدار جريدة أسبوعية أو مجلة شهرية أو نشرة مدرسية سنوية ولجنة الطلبة التي تشرف

على تنظيم مجالس الطلبة وتدير الحياة الاجتماعية في المدرسة وتشرف عليها ولجنة الرحلات العلمية التي تشرف على تنظيم الرحلات الأثرية والجغرافية والاجتماعية داخل البلاد وخارجها. ويجب عل طلاب مدارس المعلمين فوق ذلك أن يشتركوا في جميع الأعمال المتممة التي تدعوهم إليها المدرسة خلال العطلة الصيفية من مجتمعات كشفية وتمارين عسكرية وأشغال في المعامل والحقول وأعمال إصلاح القرى ومكافحة الأمية وإلقاء المحاضرات الشعبية العامة وإقامة المعارض التربوية. ومن وسائل الإعداد الاجتماعي التي يجب الأخذ بها تكليف طلاب مدارس المعلمين دراسة الحالة الاجتماعية لبعض تلاميذ المدرسة الابتدائية كالبحث عن أسرهم وموارد حياتهم وطراز معيشتهم ومشاكلهم الخاصة. إن هذه الطريقة تحبب إلى طلاب مدارس المعلمين البحث عن أحوال تلاميذهم وتعينهم على تربيتهم ضمن الشروط الاجتماعية الواقعية. ومن الوسائل التي يجب الأخذ بها أيضاً تبادل خريجي مدارس المعلمين بين الدول العربية. إن هذا التبادل يتمم إعداد المعلم العربي ويهيئه لفهم المشاكل الخاصة بكل قطر من الأقطار العربية ويؤدي إلى توحيد العواطف والآمال المشتركة ويعين على خلق روح عربية عامة. ومن الوسائل المتممة لإعداد المعلمين عقد مؤتمرات تربوية تدرس فيها المشاكل الاجتماعية والخلقية والمسلكية التي تعترض المعلمين. إن الاشتراك في هذه المؤتمرات يطلع المعلم على المشاكل التي صادفها زملاؤه في مناطقهم ويولد في نفوس المعلمين روح التعاون والتفاهم ويقوي روابطهم ويحبب إليهم مهنهم. 3_الإعداد العملي يجب أن يكون للإعداد العملي في مدارس المعلمين منزلة كبيرة. وهو يتم في المدارس الابتدائية أو المدارس التجريبية الملحقة بمدارس المعلمين. إن طلاب مدارس المعلمين يتعلمون في هذه المدارس الملحقة كيف يطبقون أصول التدريس العامة والخاصة في مختلف المواد العلمية. فيبدؤون أولاً بملاحظة الأعمال في المدرسة الابتدائية وينظمون الألعاب والرحلات ويراقبون الأطفال في باحة المدرسة ويديرون جماعات الأطفال ثم يستمعون بعض الدروس المثالية التي يلقيها معلمو المدرسة الابتدائية أو أساتذة التربية. إن هذه الدروس المثالية لا تأتي بالفائدة المرجوة منها إلا إذا

أعدلها طلاب مدارس المعلمين قبل إلقائها وبعد الانتهاء منها إذ يعرض أستاذ التربية أو معلم الصف عليهم المبادئ النفسية والتربوية والمنطقية التي استند إليها في إلقاء الدرس وبين لهم كيفية عداده وغايته ونتائجه. وعلى الطلاب أن يحضروا بعض الدروس تحضيرا كتابيا مختصرا يعرضونه على أساتذتهم وأن يسجلوا في دفاترهم ملاحظات الأساتذة عليها ونتائج المناقشة التي تدور حولها. وهذه الدروس التجريبية التي يلقيها طلاب مدارس المعلمين يجب أن تشمل جميع صفوف المدرسة الابتدائية وجميع المواد وهي تعود الطالب حسن استعمال الأدوات المدرسية وتمرنه على تطبيق مبادئ التربية والتعليم بنفسه ويجب أن يعهد أيضاً إلى طلاب مدارس المعلمين في إدارة صف من صفوف المدرسة الابتدائية تحت إشراف أستاذ التربية أو مفتش المعارف يعلمون فيه جميع المواد ويتمرنون على طرق التربية الحديثة كطريقة وذكر ولي وطريقة دالتون وطريقة فنيتكا وغيرها. * * * ينتج مما تقدم أن مدارس المعلمين لا تحقق الغاية المرجوة منها في تنشئة المعلمين إلا إذا جمعت بين الإعداد العلمي والإعداد الاجتماعي والإعداد العملي. فالإعداد العلمي يقتضي العناية بتدريس الآداب القومية والتاريخ العربي وتاريخ الحضارة وجغرافية البلاد العربية وعلم الاجتماع والمعلومات الحقوقية والمدنية وعلم التربية وعلم النفس وغيرها. والإعداد الاجتماعي يقتضي خلق بيئة اجتماعية تولد في نفوس الطلاب حسن المسؤولية ومحبة الوطن والشعور بالروابط الاجتماعية. والإعداد العملي يقتضي تدريب الطالب على أصول التدريس كما يدرب المهندسون في المعامل على أعمال البناء والصناعة. وهذا كله يقتضي أن تكون روح التعليم في مدارس المعلمين متجهة إلى تحقيق المثل الأعلى الذي نصبو إليه في مجتمعنا الحديث. وفي كل نظام تربوي أمران أساسيان لابد من مراعاتهما الغاية والواسطة. فغاية التربية في التعليم العام هي إعداد مواطنين متصفين بجميع الصفات الفكرية والخلقية والجسمية التي

يتطلبها مجتمعنا الحديث. وواسطة التربية هي مجموع الطرق التي تؤدي إلى نقل هذه الصفات إلى الطفل. فإذا أردنا أن نحقق المثل الأعلى الذي نتطلع إليه في تربيتنا الحديثة وجب علينا أولاً أن نحسن إعداد المعلمين الذين سنعهد إليهم في تربية النشء. وعلينا أن نحرر نفوسهم من الفتور والقلق والتواني والتشاؤم. فإن إتقان وسائل التربية وطرق التعليم لا يؤدي على تنشئة المواطنين الصالحين إلا إذا كان المعلم نفسه مؤمنا برسالته لا يستطيع المعلم أن يكون رسولا إلا إذا كان قبل كل شيء مواطنا صالحا. لذلك يجب على طلاب مدارس المعلمين أن يدركوا خطورة المهمة التي رشحوا نفوسهم لها وأن يحصروا جميع قواهم المادية والمعنوية في حسن القيام بأعمالهم ووجباتهم المدرسية وأن يحاسبوا أنفسهم ويسعوا دائما لترقية مداركهم وتنقية عواطفهم وتقوية إرادتهم. وأن يتمسكوا بالأخلاق الفاضلة والأهداف القومية ويراعوا الآداب الاجتماعية ويبتعدوا عن التحزبات السياسية والنزعات الطائفية. لقد دلت الحرب العالمية الثانية على أن العالم محتاج إلى إنماء الروح الديمقراطية في نفوس جميع الأفراد. وأن فكرة الحرب لا يمكن أن تزول من النفوس إلا إذا تقربت أهداف التربية عند جميع الأمم بعضها من بعض فالأمم العربية لا تستطيع المحافظة على استقلالها إلا إذا عنيت بإعداد معلمين يجمعون بين مبادئ التربية الديمقراطية والأهداف القومية العربية. أن الصف لم يصبح بعد في بلادنا جمهورية صغيرة يتعاون أفرادها في سبيل الخير العام وإنما هو الآن مثال مصغر من أمثلة الحكم المطلق. إن الديمقراطية الحقيقية تدعو المواطن إلى أن ينمي في نفسه صفتين مختلفتين في الظاهر ولكنهما متفقتان في الحقيقة وهما: الشخصية الفردية والشعور الاجتماعي. وكل صفة من هاتين الصفتين ضرورية في عمرنا الحديث لكل مواطن عربي. فالصفة الأولى تحبب الاستقلال إليه وتحرره من التقليد والإتباع والعبودية الفكرية والاجتماعية والسياسية. والصفة الثانية تدفعه إلى التعاون والتفاهم الاجتماعي وتبادل المنفعة وتحبب إليه الحياة المشتركة والارتباط بالماضي والدفاع عن كيانه السياسي والتطلع إلى مستقبل يضمن له ولأبناء جنسه حياة أكمل من الحياة الحاضرة. فعلى طلاب مدارس المعلمين أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم وهي أن

صيانة استقلالنا وتقدم مجتمعنا الحديث يتوقفان إلى حد بعيد على درجة إيمانهم بالرسالة الملقاة على عاتقهم وهذه الرسالة تتطلب منهم أن يحبوا مهنتهم كما يحبون وطنهم وأن يحبوا تلاميذهم كما يحبون أسرتهم وأن يؤمنوا بالمثل الأعلى الإنساني كما يؤمنون بمبدأ الحرية الفردية وضرورة التعاون الاجتماعي. وجملة القول يجب أن يرمي التعليم في مدارس المعلمين إلى تحقيق الأغراض الآتية: 1_إحاطة الطلاب بالمواد العلمية التي يجب عليهم تدريسها وحملهم على إكمال ثقافتهم العامة ومتابعة البحث كل أيام حياتهم. 2_معرفة المبادئ النفسية والحقائق التربوية التي يجب الاستناد إليها في التعليم. 3_تدريب الطلاب على التدريس في المدارس الابتدائية تحت إشراف الأساتذة. 4_تعويد الطلاب العمل الشخصي الحر وخلق بيئة معنوية صالحة لتقوية إرادتهم وتهذيب عواطفهم الوطنية والقومية وتوليد حسن المسؤولية والشعور بالروابط الاجتماعية في نفوسهم. 5_حسن استعمال أوقات الفراغ بالاستمتاع بالموسيقا والتصوير والرياضة والأدب والتمثيل. وهذه الأغراض كلها مجتمعة في قاعدة واحدة وهي أن نجاح المعلم في تأدية رسالته متوقف على درجة إيمانه بالمثل الأعلى وعلى مقدار اتصافه بالصفات الجسمية والخلقية والفكرية التي يريد نقلها إلى تلاميذه فلا يستطيع أن يعد المواطنين الصالحين إلا إذا كان هو نفسه قبل كل شيء مثالا صالحا يقتدى به. فإذا رأيت معلما يذكر لتلاميذه في دروس التاريخ بعض الأمثلة التي تصور البطولة القومية والإخلاص للوطن والتضحية في سبيل الواجب وإنكار الذات أو رأيت معلما يوقظ في نفوس تلاميذه حب الآباء والشرف والشجاعة وبغض الكذب والخسة والجبن واحتقار الرذائل والمنافع المادية الضيقة أو رأيت معلما يحبب إلى تلاميذه المجد والطموح ويسمو بهم إلى المثل العليا ويعودهم بذل الجهد في تفهم الحقائق الجديدة ويوفر عليهم عناء الحفظ الآلي والتسرع في الحكم والتقليد الأعمى. فقل أن هذا المعلم قد أدى رسالته. نعمل إذن في مدارس المعلمين على صقل العقول الصحيحة وتهذيب القلوب الشريفة

وإنماء القوى الجسمية، فإن اجتماع هذه الصفات في معلمي المستقبل كفيل بأن يضمن لنا قيامهم بخدمتهم القومية على وجه أتم وأوفى. رئيس لجنة التربية والتعليم جميل صليبا

التوجيه المدرسي

التوجيه المدرسي الدكتور كامل عياد ماذا يجب أن يتعلم؟ وكيف ينبغي توجيه دراستهم؟ إن الجواب على هذا السؤال كان سهلاً في العصور الماضية. فقد كان هناك نظام ثابت للمجتمع يقرر مقدرات كل فرد من الأفراد. إن ابن الفلاح كان مفروضا عليه أن يصبح فلاحاً. وكان الصناع يهيئون أولادهم ليحلوا مكانهم. وما زالت أكثر المحلات التجارية في سوريا حتى اليوم تنتقل من الآباء إلى الأبناء، والوظائف الدينية والحكومية أيضاً كانت وراثية، بل إنها لا تزال كذلك في كثير من الأحوال. في مثل هذا النظام الطبقي، الذي، كانت الحياة تسير فيه على وتيرة واحدة ولا تتطور إلا بصورة بطيئة جداً، كان الإنسان يولد إما فلاحاً أو صانعاً أو تاجراً أو جندياً أو حاكماً. وكان على كل فرد أن يخضع لإرادة المجتمع ويقبل المصير الذي ينتظره كأنه قدر محتوم. كم كانت مهمة التربية والتعليم بسيطة في هذا النظام! إن أولاد الفلاحين والصناع لم يكونوا قادرين على دخول المدارس واكتساب العلم بالمرة. إنهم كانوا في أحسن الحالات يرسلون إلى الكتاتيب مدة قصيرة ليحفظوا شيئا من القرآن ويتعلموا قواعد الدين ثم يجبرون على مرافقة آبائهم إلى الحقول أو المصانع حيث يتهيأون لمهنتهم المحتومة عن طريق التقليد والتمرين العملي، ولم يكن أبناء التجار الغالب، يتلقون هذه المعارف البسيطة عن آبائهم. وهكذا كانت معاهد العلم القليلة مقتصرة على أولاد الحكام والكتاب والعلماء الذين كانوا، بعد الانتهاء من حفظ القرآن وقواعد الدين ومعرفة مبادئ القراءة والكتابة والحساب، يدرسون إما التاريخ وتراجم الأحوال أو اللغة والأدب أو العلوم الدينية. إن منهاج التربية والتعليم لكل واحد من الناشئين كان مقرراً ومعروفاً منذ بادئ الأمر حسب طبقته الاجتماعية ومهنة أسرته، لا حسب استعداداته وميوله. ولم يكن يشذ عن هذه القاعدة إلا بعض الأفراد الذين يدفعهم حب المغامرة وروح الثورة إلى مخالفة التقاليد الاجتماعية وتساعدهم مواهبهم النادرة وإرادتهم القوية على أن يشقوا طريقهم في الحياة حسب ميولهم الشخصية. ولكن هؤلاء العباقرة قلائل في كل عصر ولم يكن في استطاعتهم أن يبدلوا النظام العام. إما بقية الناس فإنهم في كل وقت لا يتصفون بالإرادة

القوية للخروج على المألوف. وهم أنفسهم يجهلون في الغالب مواهبهم واستعداداتهم ولا يعرفون الطريق التي يجب أن يسلكوها. لذلك ينقادون بسهولة لتقاليد الأسرة والمجتمع فينشأون ويعيشون كما نشأ آباءهم وعاشوا. وقد كانت مادة الثقافة لطلاب العلم القليلين محدودة يمكن للشخص الواحد أن يحيط بها. فهي تقتصر على اللغة والأدب والعلوم الدينية وبعض المسائل الرياضية ثم الفلسفة التي تشمل المنطق والطبيعيات والإلهيات. إذا أراد أحد طلاب العلم الاختصاص بنوع من هذه العلوم فإن الانتقاء لم يكن صعبا لقلة عددها ووضوح حدودها. ولكن الطلاب كانوا الطلاب كانوا على الأكثر يدرسونها كلها. هذا ابن رشد مثلاً كان فقيها وطبيبا ورياضيا وفيلسوفا. ومن المعروف أن (ديكارت) و (لايبيتز) و (باسكال) كانوا يحيطون بمعارف عصرهم جميعها. في هذه الحالة لم تكن هناك مشكلة تسمى التوجيه المدرسي. أو على الأقل لم يكن التوجيه المدرسي من الأمور التي تهم المجتمع، لأن مسائل التربية والتعليم كانت متروكة للأفراد ولا أثر لها في الحياة الاقتصادية. على أن الوضع قد تبدل الآن. وقد بدأ هذا الانقلاب في بلاد الغرب منذ مائة وخمسين سنة وأخذت تظهر آثاره في بلادنا أيضاً منذ أوائل القرن العشرين. إن الثورة الصناعية وما رافقها من تطور في طرق الإنتاج وأساليب العمل كل ذلك قد أحدث انقلاباً عميقاً في الأوضاع الاجتماعية ونظام المعيشة. لقد أصبح التعليم والثقافة من أهم وسائل النجاح والتقدم في الحياة الاجتماعية وطرق الإنتاج الحديث تتطلب كثيراً من المعرفة العلمية والمهارة الفنية وتحتاج إلى تهيئة طويلة في معاهد مسلكية خاصة. فالتجارة والصناعة والزراعة في الوقت الحاضر لا يمكنها استخدام كل راغب في العمل إذا لم يكن صالحاً لذلك وحائزاً على الشروط اللازمة للنجاح وهي لا ترضى بإضاعة الوقت والجهود في تهيئة العمال الماهرين عن طريق التدريب العملي كما في السابق. إنها تحرض على انتفاء الأشخاص الذين حصلوا على المعلومات الفنية الضرورية والذين تظمئن إلى استعداداتهم ومواهبهم وتتأكد من مهارتهم العملية. كذلك الأمر في حقول النشاط الأخرى سواء الوظائف الحكومية أو الأعمال الحرة وسواء

المهن الفكرية، فإنها - في هذا العالم الذي يتطور بسرعة مدهشة وتسود فيه المنافسة - تتطلب من كل الأشخاص مقداراً كافياً من الاختصاص المسلكي والمعرفة الدقيقة، لواسعة والمهارة الفنية. لقد بدأت البلاد الغربية منذ مدة تعتني بالتوجيه المسلكي. ويقصد بذلك توجيه الناشئين الذين لا يصلحون أو لا تسمح لهم حالتهم الاقتصادية بالاستمرار في الدراسة النظرية للحصول على الشهادة الثانوية ودخول الجامعات، فتتولى الدولة تهيئتهم إلى مختلف المهن العملية - الفنية في مدارس مسلكية خاصة من صناعية وزراعية وتجارية. على أن هذا التوجيه لا يستند إلى اختيارات علمية - دقيقة تكشف عن مواهب الناشئين واستعداداتهم الكامنة بل ما زال يعتمد على مجموع العلامات في فحوص الشهادة الابتدائية أو شهادة الدراسة المتوسطة كما إنه يتأثر في أغلب الأحوال بالعوامل الاقتصادية والاعتبارات الاجتماعية. فنرى الطبقات الفقيرة هي التي تضطر إلى إدخال أولادها في المدارس المهنية ليخرجوا بأسرع ما يمكن إلى الحياة العملية ويستطيعوا كسب معيشتهم بأنفسهم دون أية ملاحظة لمواهبهم واستعداداتهم. ولعل أعظم نقص في هذا التوجيه هو الإقدام عليه بعد الدراسة الابتدائية مباشرة أي في سن مبكرة لا يمكن معها الكشف عن ميول الناشئين ومواهبهم. فقد دلت المباحث العلمية على أن الناشئين لا تبرز شخصياتهم وتظهر ميولهم العميقة واستعداداتهم الحقيقية ومواهبهم الكامنة إلا بعد أزمة المراهقة أي في السن الخامسة عشر. وهذا ما دفع الحكومة السوفياتية إلى تمديد الدراسة الابتدائية، الإجبارية، الموحدة حتى الخامسة عشر من العمر. إن التوجيه المسلكي لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج المطلوبة إذا لم يقم على أساس صحيح من معرفة شخصية الطفل. ولا يكفي هنا الاستناد إلى الاختبارات النفسية والمقاييس العقلية وحدها بل لا بد قبل ذلك من تغيير جوهري في برامج التعليم وأساليب التربية والتنظيم المدرسي. وهذا ما نقصده بالتوجيه المدرسي. إن التوجيه المدرسي معناه تنظيم الحياة المدرسية في جميع مراحلها، وعلى الأخص في المراحل الأولى حتى السن الخامسة عشر، بصورة تساعد على انكشاف ميول الناشئين واستعداداتهم ومواهبهم لنستطيع بعد ذلك تهيئتهم إلى المهمة التي يصلحون لها في

المجتمع. كانت الفكرة السائدة قبلاً هي أنه يجب توجيه العناية في الدراسة الابتدائية والمتوسطة إلى الثقافة العامة المشتركة التي يحتاج إليها جميع المواطنين والتي لا غنى عنها في كافة المهن والأعمال. على أننا إذا دققنا النظر نلاحظ بأن مفهوم الثقافة العامة هذا غامض، مضطرب، ومغلوط. ماذا نعلم اليوم الناشئين في المدارس الابتدائية والمتوسطة لتجهيزهم لما يسمونه الثقافة العامة؟ مجموعة كبيرة من العلوم النظرية المجردة التي لا صلة تربط بين بعضها والآخر والتي لا علاقة لها بالحياة الحقيقية في البيئة الطبيعية والاجتماعية وإننا نعلم الناشئين اللغة والأدب - ولكن ليس كوسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار بل كعلم نظري يؤلف كتلة من التعاريف والاصطلاحات والمفاهيم ويرهق الذاكرة كذلك نعلمهم الحساب والهندسة والجبر والفيزياء والكيمياء والنباتات والحيوانات والطبقات والتشريح والتاريخ والجغرافيا والمعلومات المدنية والأخلاقية والرسم والموسيقا والأشغال اليدوية وتدبير المنزل ولكن جميعها بصورة نظرية، مجردة لفظية، آلية، بعيدة عن الحياة، منفصلة بعضها عن بعض، يقرر لهم المدرسون بعض الدساتير والحقائق في كل منها ويطلبون إليهم استظهارها دون أن يعرفوا كيف توصل العقل البشري إليها ودون أن يدركوا ما هي فائدتها وقيمتها. هذه المعلومات المتفرقة، المتنافرة لا يمكن أن تثقف العقل ولا أن تساعد على نمو الشخصية وانكشافها. فهي لا تكون ثقافة وإنما تصبح عبثاً يعرقل التطور الفكري لدى الناشئين. وليس المثقف في العصر الحاضر من يستظهر كمية كبيرة من المعلومات المتنوعة بل هو الذي يحسن التفكير ويعرف طرائق البحث ويستطيع الإبداع ويميز بين الخطأ والصواب ويتصف بروح الدقة وملكة النقد. إن اكتساب الثقافة الحقيقية، التي لا بد منها مع الاختصاص. لا يتم عن الطريق المتبع في مدارس اليوم وإنما يجب السير على العكس من ذلك. يجب أن يبدأ التعليم بالمسائل الجزئية التي تلائم ميول الناشئين وتثير اهتمامهم ويرغبون في معرفتها فترشدهم إلى دراستها بأنفسهم ونعودهم على الملاحظة والمقارنة والاستقراء والإنتاج والنقد. والتطور الطبيعي للعقل الإنساني إنما بالانتقال من العمل إلى الفكر فمن الضروري أن نجاري هذه الطريق

في تعليم الناشئين وتثقيفهم. فالثقافة العامة يجب أن لا تكتسب في أول مراحل الدراسة بل في آخرها وبعد الاختصاص بفرع من العلوم أو الفنون والتعمق في مباحثه وإدراك علاقاته بغيره من أنواع المعرفة. . ولا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق التوجيه المدرسي وتغيير برامج التعليم وأساليب التربية. . كامل عياد من وحي البر والبحر للأستاذ عزة النص حنين في ظلمة هذا الليل الموحش على البحر الرهيب، رقد المسافرون إلا أقلهم، فما يصل إلى سمعك إلا أنين السفينة الحزين وهي تجر نفسها على الماء وكأنها تردد أغنية من أغاني الشرق! جلست في ركن منزو على سطح السفينة ساهماً ساهداً انظر إلى الشاطئ المتباعد وقد تملكني شعور غامض ثقيل ضاقت به نفسي وفاضت منه عيني. . ما أعجب طبيعة الإنسان! أنه أبدا يشكو واقعه المألوف ويذم حاضره الرتيب ويصبو إلى حياة تتبدل وتتجدد، فإذا ما أتيح له أن يفر من بيئته التي طالما تبرم بها ويفلت من الجو الذي عافه وينطلق إلى عالم حافل بالطرافة - تهيبت نفسه الجديد المجهول فندم على ما فرط وتاق إلى ما تعود وحن إلى ما كان يظنه بالأمس سبب تململه ومصدر سآمته. إن الحاضر بفيض أبدا فإذا ما أصبح ماضيا صار محببا مرغوبا. . أنني رأيت النسيان - تلك النعمة الإلهية الكبرى - يعفو سراعا على المآسي الغابرة ويبقي على الذكريات الحلوة الرضية، بل - يا له من ساحر ماهر! _هو يجعل من الألم لذة ومن الشقاء سعادة، هو الشمس الساطعة تشرق بعد الغيوم الدكناء فتجفف المبتل وتحيي الميت وتنبت الزهر. موت الحياة

وبعد يا نفس إلى مَ تحنين؟ تعالي نحاسب الزمن ونزن الماضي! لقد أتلفت من الأيام أكثر مما بقي لي فيها! فهذا الشطر من أحسن العمر كيف قضيته؟ وهذه السنوات الطوال كم تركت في من أثر وخلفت من ذكريات؟ فتحت سفر الذاكرة لأقرأ سطورها فلم أجد سطرا. . فكأن الأيام والليالي على تعاقبها لم تخط فيها حرفا. حياتنا كتاب لا كتابة فيه يتساوى شيخنا والطفل في محصول العمر ويختلفان في عدد سنواته. وما قيمة العدد إذ لم يكن هناك ما يعد؟ حياتنا صفحة سوداء. . نقية، لم تمسها يد فنان. . . هذا التبلد في الحسن ما علته؟ والحذر في الأعصاب ما مبعثه؟ أهو الشرق في إشراق سمائه وتلظي حرارته، أم المجتمع في قيوده وعنعناته؟ أهي المدرسة أم الشارع، لبيت أم المقهى الكنيسة أم الجامع؟ ما السعر إلا هيجان النفس وفرحة القلب ما العمر إلا حرية تنعم بها وهناءة مستجدة تفيء إليها وتجربة تكتسبها وعاطفة تبادلها وثقافة تستمتع بها وعمل مثمر تؤديه. ما العيش والإحساس بأن الحياة جديرة بأن تحيى. فإذا فقد كل ذلك فسيان إن عشت مائة وإن مت وليداً. حياتنا كهذا الأخدود الأبيض الذي تخطه السفينة على أديم الماء، تحسبه خالداً فلا يلبث أن يزول ويعود الماء إلى صفائه. دود على عود السفينة مدرسة تعلمك التواضع. هذه المدينة السابحة الضخمة ذرة صغيرة على الخضم الواسع، تتلهى بها الأمواج فتعلو وتهبط وتترنح ذات اليمين وذات الشمال، وأنت على ظهرها تنظر إلى الأفق الممتد فتشعر بأنك شيء حقير. . . إنك دود على عود. والسفينة تعلمك أدب الاجتماع، فهي صورة مصغرة للمدينة الفاضلة، يجتمع فيها أشتات الناس من كل جنس وملة فلا يلبثون أن يتعارفوا ويتآلفوا ويتناسوا ما بينهم من فوارق وتربطهم روابط العيش معاً. وهذا الكوكب الأرضي هو أيضاً مركب يمخر في الفضاء، فلم لا يتعارف سكانه ويتآلفوا ويتناسوا ما بينهم من فوارق؟ لم لا تصبح لهم جنسية واحدة هي (جنسية الأرض)؟ إنني

أهم أحياناً أن أعتقد بأن (التاريخ) مصدر شقاء البشر! والسفينة بعد مدرسة تعلمك الإيمان، فإذا ما عصف الريح بها وجف قلبك وخشعت نفسك وآبت برغمك إلى بارئها ترجو عونه ورحمته. إن الإيمان يرافق الضعف ويصدر عن العجز، والضعف والعجز حالة طبيعية لكل من ركب من لحم ودم. والمؤمن يجد في السفينة رمزاً لهذا العالم الفاني فهي ممر لدار مقر ووسيلة مؤقتة لغاية باقية، هي الطريق إلى الرجاء والخوف والسبيل إلى عالم جديد لا تعرف ما يرتقبك فيه. وإني لأجد في السفينة مثالاً مجسماً لبعض من يمشي على رجلين. . . هم يثورون ويغضبون ويهدؤون ويرضون، ولست تدري متى تغضبون ولماذا يسخطون، ثم كيف يهدؤون وبم يرضون! إنه الهوى يلعب بأفئدتهم كما يلعب بالسفينة الهواء. . . عود على بدء قلت لصاحبي: هذه باريس بمغانيها وغوانيها وفتنة رياضها ومبانيها، أكاد لا أطيق البقاء فيها ساعة واحدة. أممتها وفي النفس حرارة التلهف وفي الجنان خفقة ما قبل اللقاء، لقد كنت آمل أن أعاود فيها ما سلف وأصل حبل ما انصرم! وكان الخيال المبدع يضفي على الماضي البعيد بهجة مشعة وروعة أخاذة. لقد زرت يا صاحبي كل ربع منها كان ترك فيّ نشوة أو خلف ذكرى أو أتاح متعة، فماذا لقيت؟ لقيت برودة تجمد لها النفس فما أشعر بخالجة ولا أحس برعشة، ووجدتني أفر مما كنت إليه أهفو وأتجافى ما كنت إليه أتوق. قال صاحبي: لست أجد في هذا الذي تذكر موضعاً للدهشة، فمباهج باريس ومفاتنها باقية على العهد لم تبل ولم تتبدل، وإذا كان هناك تحول ما هو في نفسك وذوقك ولون حياتك وطراز تفكيرك. إن المنظر هو هو ولكن المنظار لم يعد كما كان. . . لقد كان لك آنذاك ثروة من طراوة العمر ونضارة القلب ويقظة الفكر وحرارة الشعور، وكان بينك وبين بيئة هذا البلد تجاوب وانسجام فأين أنت الآن من كل ذلك؟ ألا تزال تذكر ما قصه (لابرويير) في كتاب (السجايا) عن (أيرين) التي جاءت إليه الطب (اسكولاب) تستشيره ي آلامها؟ لقد عرفها (أسكولاب) بحقيقة مرة كانت تتجاهلها. قال لها

أن مرض السن. . . هو علة ما بها وليس لهذا المرض من دواء. . . وأنت يا صاحبي قد بدأ يدركك هذا الداء. . . وأنت فوق هذا قد أصبت بداء آخر أشد فتكاً وأبلغ أثراً وهو داء التعليم. . . تلك (المهنة المقدسة) يا صاحبي، يعرف أصحابها بسيماهم فهي تطبعهم بطابعها الخاص: تلزمهم السكينة وتفقدهم البهجة، وتحرمهم الطلاقة والبشر وتفرض عليهم لجفوة والعبوس، إنها تخلع عليهم لباس التزمت وحلة الوقار وقناع الجلد. لقد صدق صاحبي: شتان بين العودة والبدء! إن ماءاً كثيراً قد جرى في (السين) منذ عهدي الأول به. طبيعة وفن هذه سويسرا متحف لفتنة الطبيعة: الجبال الخضر ذات الرأس الأشيب تحتضن البحيرات الحالمة ذات الرداء الأزرق، وكأني بها ترمز للحب الأبدي الذي لا يفتر ولا يبلى. والزهر العبق يملأ الربى والرياض وكأنه يبارك هذا الحب ويمده بالنشوة والدفء، إنه البخور في مجامر المعابد. هذه طبيعة أرستقراطية امتلكت من كل شيء أحسنه وجمعت من كل لون أبهاه، جمال وجلال تخشع لهما النفس وتنعم العين ويخفق القلب. هذه بلاد ترقص السعادة في كل شعاع من أشعة شمسها ويستظل الحب تحت كل غصن من أفنانها، إنها توحي إليك المحبة وتنتزع البغضاء، تهبك الغبطة وتمحو اليأس، تمنحك اللم وتسلبك التفكير فأنت فيها مستيقظ نائم، صاح ونشوان. . . وهذا شعب حبته الطبيعة خير ما عندها وحباها ما عنده، فقد استجاب لها وأحبها وأتم نقصها وأبرز فتنها وأظهر سحرها. وإذا تزاوج الفن والطبيعة والتأما على انسجام رأيت عجباً. لقد من الله على هذه البلد بالعافية من السياسة. . . فهي لا تشغل حيزا من تفكيرهم ولا نصيب لها في أحاديثهم، وهي تحتل في صحفهم المكان الذي تحتله الموضوعات الثقافية في صحفنا. . . وما للقوم والسياسة! حسبهم الطبيعة يتذوقون جمالها ويلهجون بآلائها ويتسامرون بمتعتها وروائها، حسبهم الزهر يتنشقون عبيره ويزينون صدورهم بألوانه والجبل يتسلقون ذراه

ويزحفون على جليده، والنهر والبحيرة يمتعون بها الطرف ويروضون الجسم. حسبهم الموسيقا تمتزج بأرواحهم وتحرك نفوسهم وتجري على ألسنتهم إنك لتؤخذ بهذه اللغة الفريدة التي يتكلمون بها وكأنهم يغنون. أمة لم تبل بحمى العمل في أغوار المناجم وغياهب المعامل، هي غنية بالراحة والنوم والمتعة، فلا مجال هنا للصخب والضجيج والعجلة وإنهاك العقل وتبديد القوي. هذه بحيرة (ليمان) أتأملها من نافذتي أو أساير ضفافها ساعات طويلة من الليل حالما مشدوها، وبيني وبينها أبدا حديث صامت بليغ: الجبال الشم ترقد في أفقها القريب تحت دثار من غمام الليل، والرياض والخمائل تحف بجوانبها وقد أبدت زينتها لإغواء الرواد، والأنوار المتلألئة الوهاجة تنعكس على صفحة المياه الهادئة الرقراقة فيخيل إليك أن الماء يشف ويشف حتى يتحول إلى ضياء، وزمر الناس على المقاعد وبين الشجر والزهر يستجمون من حياة النهار كهذه المراكب البيض المتكئة إلى الشطان، وهذا البناء الضخم الرابض على الرابية الخضراء ينتظر الصباح ليستقبل زبائنه من وفود الدول وأقطاب السياسة العالمية، وما هؤلاء في نظر كان (جنيف) إلا ضيوف أغنياء أغبياء يأتون لينفقوا مالهم ويتعبوا لسانهم. . هنا وهناك إنني لا استكمل الوصف وأتم اللوحة إلا إذا عمدت للمقارنة والمقايسة، فهنا شعب ربي على حب الجمال وجمال الحب ولقن عذوبة الفن وفن العذوبة، فثقف بثقافة الزهر والنهر ودرب على الريشة واللحن، وحمل على رياضة الجسم والفكر. هنا الطفل الناشئ يفرد ويعزف ويصور ويقفز ويحفظ من أسماء المصورين وأنغام الموسيقيين أكثر مما يخزن من أسماء البلدان ووقائع التاريخ ودساتير الحكمة ورموز الكيمياء! وهنالك في سورية. . أنت تعرف ما هنالك. . وليس في هذا البلد تباعد وتنافر بين معسكر المرأة ومعسكر الرجل بل تقوم الحياة كلها على ما بينهما من تساند وتشارك وتفاهم. وما مبعث الدماثة في الطبع والاستقامة في الخلق والرقة في الحديث والتهذيب في اللسان إلا هذا التمازج المنسجم القديم.

أين ما حللت وأيان ذهبت يطالعك هنا ثغر باسم ووجه أزهر مشرق، وشعر أشقر وقوام أهيف وقد ممشوق وعيون كأنها صنعت من زرقة هذا الماء أو من صفاء هذه السماء. أو تحسب أن الفضيلة تتأذى من ذلك؟ نحن لا نفتأ نثرثر بالفضيلة ونردد ألفاظ الأخلاق، والله يعلم أننا لا نؤمن بما نقول ونفعل خلاف ما نقول! أما هنا فالقوم أبرياء من الرياء. . ضريبة الفكر لأولي الفكر ورجال التعليم ظاهرة مشتركة في سائر أنحاء العالم وهي ظاهرة الفقر. . قرأت في (أخبار اليوم) المصرية أن بائع (فول) دفع ضريبة سنوية عن أرباحه ستة آلاف جنيه وعجز عن تسطير توقيعه لأنه أمي. . . ورأيت هنا أساتذة الجامعة لا تكاد رواتبهم تسد رمقهم، ولشد ما دهشت أن يكون لرئيس الجامعة (دراجة) يمتطيها إذ لا قبل له بدفع أجرة (الترام) الباهظة. . إن الفقر ضريبة الفكر. . فاختر لنفسك! جنيف عزة النص

حفريات رأس شمرة

حفريات رأس شمرة للدكتور سليم عادل عبد الحق محافظ دار الآثار الوطنية بدمشق ومدارس التاريخ القديم بكلية الآداب يقع التل المسمى (رأس شمرة) على بعد أحد عشر كيلو متراً من شمال مدينة اللاذقية. ولم يكن فيه ما يسترعي الانتباه ويميزه بشيء عن غيره من التلال الكثيرة الممتدة بحدباتها المتطامنة في مختلف المناطق السورية والتي يتألف بعضها من أنقاض أبنية قديمة من عصور مختلفة علت بعضها بعضا، واختفت معالمها منذ أزمان طويلة بفعل الرياح الساقيات، وشكله بسيط للغاية يشبه شبه منحرف يبلغ طول قطره الأكبر كيلو متراً واحدا، وطول ضلعه الشمالي - الجنوبي ستمائة متر وطول ضلعه الشرقي_الغربي خمسمائة وثمانين متراً. وظل يجرر أذيال حياة تكاد تكون منسية، متحفظا لنفسه بما فيه من أسرار حتى سنة 1928 حيث عثر أحد الفلاحين وهو يحرث حقله على بلاطة فرفعها فإذا تحتها درج ينحدر إلى مدفن عميق. فسارع إلى إخبار السلطات المسؤولة عن اكتشافه، فتولت مصلحة الآثار القائمة آنئذ على العمل، دراسة المنطقة دراسة دقيقة. ودلت تحرياتها الأولى على أن هنالك مقبرة قديمة جداً. ولما أعدت العدة لإماطة اللثام عما خفي من هذه المنطقة، وبوشر في أعمال الحفر والتنقيب، ظهر يوجد على التل مجموعتان من الأطلال تبعد الأولى منهما قليلا عن المرفا الطبيعي المدعو (مينة البيضا) وتقوم الثانية إلى شرق الأولى على مسافة تقدر بثمانمائة متر. وهذه الأخيرة هي أطلال مدينة رأس شمرة القديمة. ولقد دلت الكتابات المسمارية التي وجدت في تل العمرنة بمصر وأيدتها النصوص المكتشفة فيما بعد في رأس شمرة نفسها على أنها هي (أوغاريت) المدينة الفينيقية المشهورة في العالم القديم. ومنذ عام 1929 حتى أول الحرب الماضية جرت فيها حفريات كان يقودها (كلودشيفر) و (جورج شنيه) في فاتحة كل ربيع، وكان بنتيجتها أن ظهرت معالم المدينة القديمة وأشياء أثرية كثيرة استنتج منها العلماء، وما زالوا يستنتجون معلومات على غاية من الأهمية عن حياة ومدنية الشعوب التي سكنت هذه البقعة من الشرق القديم، مما طير اسم رأس شمرة في الآفاق وجعله معروفا لدى الرأي العلمي العالمي الذي يترقب الآن بصير فارغ متابعة

أعمال الحفر فيها بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانصرف الناس من جديد إلى الاهتمام بكشف مخبئات الماضي. ومن أسباب الدعاية لسورية الجديدة أن تعود إلى التنقيبات فيها هي نفسها أو أن تفوض أحد المنقبين الذين نثق بمقدرتهم ونزاهتهم لأن يقوم لحسابها بهذا العمل. وقد تبين من الآثار المكتشفة في رأس شمرة أن هذه المنطقة قد جذبت البشر إليها منذ أقدم الأزمنة لما لها من مميزات جغرافية كبرى، فهي تقع على الشاطئ تلقاء جزيرة قبرص التي كانت مركزا للصناعات المعدنية في العالم القديم. وفيها تلتقي عدة طرق طبيعية تنفذ إلى سورية الداخلية فتنتقل عليها البضائع والحاصلات إلى حلب وحمص وحماه وبلاد الرافدين. لهذا فقد سكنها الناس منذ زمن العصر الحجري الحديث وجعلوا يبنون فيها بيوتهم فتراكمت على مرور الأجيال حتى ألفت التل المتقدم الذكر والذي يبلغ ارتفاعه عشرين مترا. ويقول المسيو شيفر أنه استطاع أن يميز في هذا التل خمس طبقات من المنشآت البشرية يعاصر كل منها زمنا من الأزمان التي مرت على سورية قبل الألف الأولى قبل الميلاد. فالطبقة السفلية وهي الطبقة الخامسة يرجع عهدها إلى العصر الحجري الحديث أي إلى عصر يمتد بين (2000) و (5000) سنة قبل المسيح. وفوق الطبقة الخامسة تأتي الطبقة الرابعة وهي تعاصر فاتحة الألف الرابعة قبل الميلاد. وقد وجد فيها كثير من الأواني الفخارية التي عثر على ما يماثلها في بقاع مختلفة من المناطق الواقعة بين البحر المتوسط وتركستان. مما يدل على أن لأقدم سكان رأس شمرة كانت لهم علاقات وثيقة مع سورية الشمالية وبلاد الرافدين، وأن (أوغاريت) كانت تقع منذ ذلك الزمن على نهاية الطريق البرية التجارية الكبرى التي تمر بحلب. وهذا ما دعى الفينيقيين الذين شبهوا بانكليز العصور القديمة ليسارعوا إلى احتلالها وجعلها إحدى القواعد الحساسة التي ساعدتهم على سيادة البحر المتوسط. ثم إن طبقة التل الثالثة تحوي آثارا تدل على أنها ترجع إلى آخر الألف الرابعة ومعظم الألف الثالثة قبل الميلاد وتكثر فيها الأواني الفخارية من النوع الفينيقي. وتكثر في الطبقة الثانية التي تليها الآثار والأواني والأدوات التي يمكن نسبتها إلى الزمن الذي مر بين القرن الواحد والعشرين والقرن السادس عشر قبل الميلاد. وكلها تدل على أن الفينيقيين بنوا فيها أبنية متعددة وأنهم كانوا يحملون إليها منتوجات

معاملهم وحاصلات أراضيهم كالأواني الزجاجية والبرونزية والفخارية والقمح والحبوب والخمور. وكانوا يوجهون إليها أيضاً البضائع الشرقية التي كانت تأتي إلى فينيقية عن طريق البحر الأحمر كالذهب والعطور والأفاوية والطواويس وغيرها، ويظهر أنهم كانوا يبادلون كل ذلك في أوغاريت خلال هذا الدور بالخشب ومعدن النحاس والأدوات البرونزية والجياد. وتدل كل الدلائل على أن تجارة الترانزيت هذه ساعات الصناعة المحلية على الازدهار فنشأت فيها معامل للأواني والأدوات البرونزية والفخارية ولصنع الصباغ الأرجواني. وأخيرا تبين الطبقة الأولى من التل التي تعاصر الزمن الممتد بين القرن الخامس عشر والثاني عشر على أن مدينة أوغاريت ازدهرت ازدهارا عظيما وجعلت تتأخر مع قبرص ومر عليها رخاء لا مثيل له. فكبرت واتسعت وامتدت إلى خارج سوريا القديم وغدت بذلك مدينة مفتوحة. وأكبر الظن أنها لم تعمر إلى أبعد من القرن الثاني عشر. ويظن أن الملك الآشوري (تغلات فالازار) الذي استولى على سورية الشمالية، وبلغ البحر، قد هاجمها وهدمها وقضى على حضارتها. ومنذ ذلك الوقت اختفت من الوجود ولم يعد يرد ذكر لها في التاريخ. ومما يجدر ملاحظته أن حفريات (شيفر) و (شينه) في رأس شمرة وجهت خاصة لكشف النقاب عن مدينة (أوغاريت) الأخيرة أي التي عاشت بين القرنين الخامس عشر والثاني عشر. فأظهرت فيها شوارع ومنازل ومباني عامة أشهرها معبدان أحدهما للإله (بعل) والثاني للإله (داغون). ويتألف كل منهما من قاعة محصورة مسبوقة بإيوان يطل على باحة، فيها مذبح. وتجمع كل القرائن على أنهما بنيا في زمن واحد مما يجعلنا نعتقد أن أوغاريت كانت تعبد هذين الإلهين معا. هذا ويحاط هذان المعبدان بمنازل وأبنية كثيرة من جميع الجهات مما يدل على أن المدينة كانت واسعة في هذا العصر وأن أهلها كانوا أثرياء مترفين. فمنازلها فسيحة تتألف من باحة في وسطها بئر يقوم إلى جانبها درج، يصعد منه إلى الطابق الأول المعد إلى السكن. وتلحق بهذه المنازل أحيانا مدافن أصحابها التي تتألف من رواق ينتهي بدرج يهبط منه إلى المدفن المسقوف. ويحوي هذا الأخير محرابا توضع فيه جرة ماء أو بئرا يساق إليها الماء بالأنابيب.

والأشياء الأثرية المكتشفة في هذه الطبقة مصنوعة كلها في النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد. وهي كثيرة ومتنوعة. بعضها من الذهب، وبعضها من الفضة أو البرونز أو العاج أو الفخار أو الألباتر. وصنعتها تدل على تأثرها بالفن المصري والفن الميسيني المعاصرين، وأشهرها صحيفة من الذهب تتوزع زخارفها التي تمثل وعولا في أوضاع مختلفة على سطح دائرة متوسطة، وزخارفها التي تمثل صيادا قائما على عربة يجرها حصان وهو يطارد أبقارا مختلفة حول إطار يحيط بالدائرة المتوسطة. ومن أجملها كأس ذهبية عليها زخرفة تمثل حوادث أسطورة يصعب معرفة تفاصيلها، ولوحة حجرية منحوتة تمثل الإله (بعل) وهو يهز الصاعقة بيده اليمنى ويحمل رمحا بيده اليسرى وتمثال لهذا الإله مصنوع من الذهب والفضة والأكتروم والبرونز والحجر يمثله واقفا وعلى رأسه قرنان، وتمثال لإحدى الربات العاريات وهي تحمل بكل يد من يديها زهرة اللوتس وتضع على رأسها قبعة شبيهة بقبعة الربة المصرية (هاتور). والمجال يضيق هنا حتى عن تعداد المقطع الأثرية المهمة التي تدل على ما بلغته صناعة (أوغاريت) من نقدم وازدهار في هذا العصر. على أن أشهر الأشياء المكتشفة في رأس شمرة هي النصوص المكتوبة بالفباء تشبه الألفباء المسمارية على لوحات فخارية نقلت عقب العثور عليها إلى فرنسا لدراستها، وما تزال فيها حتى الآن وسيصار إلى إرجاع حصة الحكومة السومرية منها إلى متحف حلب في القريب العاجل. ولقد وجدت في دار حسنة البناء من دور أوغاريت سماها مكتشفوها (المكتبة) ولهذه الدار باب واسع يقع في جهتها الشمالية ولها باحة تحيط بها غرف واسعة مبلطة تبليطا جيدا. وفي صدر الباحة بئر محفورة لها حافة عالية وإلى جانبها باب يؤدي إلى رواق ينتهي بدرج يصعد منه إلى الطابق الأول. وقد وجد في هذه الدار إلى جانب النصوص المتقدمة نصوص أخرى مكتوبة باللغات السومرية والخورية والفينيقية ويظهر أنها كانت مدرسة يتدرب فيها الكتبة على تعلم هذه اللغات ويقول أحد النصوص أن هؤلاء الكتبة كانوا يعملون في خدمة الملك (نيقماد). وأكبر الظن أن هذا الملك كان محبا للأدب الديني لأنه أمر، كما سترى، بتسجيل الأساطير الميتولوجية الفينيقية القديمة.

وقد اقتضى حل ألغاز النصوص الأولى والتوصل إلى قراءة ما تحويه كثيراً من الجهود لأن إشارتها لم تكن معروفة قبل اكتشافات رأس شمرة. فانكب على دراستها علماء عديدون منهم (هانس بوير) و (ادوار دورم) و (شارل فيروللو) وبعد دراسات طويلة تبين أنها مكتوبة بلغة آكادية ذات ثلاثين إشارة استخدمها الفينيقيون منذ الزمن الذي كانوا فيه مقيمين في أراضي كنعان الجنوبية قبل انتقالهم إلى شواطئ لبنان حتى القرن الثالث عشر. وهذه الكتابة أبسط من الكتابات التي كان يستعملها شعوب العالم القديم بما فيهم من مصريين وسومريين وساميين وحيثيين الذي لم يتوصلوا إلى تسهيل خطوطهم الحاوية على إشارات تصويرية وصوتية بآن واحد ويعود الفضل، كما هو معروف، إلى الفينيقيين بإيجاد خط عملي يسجل فقط الأصوات المستعملة في الكلام بواسطة إشارات يمكن رسمها بسهولة والتواضع على شكلها الاتفاقي. وخط رأس شمرة يبين لنا مرحلة من المراحل التي قطعتها الألفباء الصوتية حتى تأسست وهو محاولة لتبسيط الكتابة المسمارية وجعلها صوتية تخط بواسطتها كلمات وجمل اللغة الفينيقية. والمعلومات التي أدلت لنا بها هذه النصوص على كبير من الأهمية. فقد كانت معرفتنا بالأدب الفينيقي الديني ضئيلة قبل اكتشافها. ولم يكن بأيدي الباحثين إلا نصوص قصيرة وبعض الكلمات الجنازية التي عثر عليها في صيدا وقرطاجة. وأخبار التوراة وبعض الكتابات الإغريقية اللاتينية التي تشرح المفاهيم الدينية الفينيقية بصورة مجردة ومصطنعة. ويحوي قسم من نصوص رأس شمرة على تعاليم دينية وبعض المراسلات وقوائم الأشياء المتعلقة بالعبادات. ويحوي قسم آخر منها على قصائد تسرد الأساطير الفينيقية التي نشأت قبل القرن الرابع عشر. ويتبين من دراسة هذه القصائد كثير من عقائد الفينيقيين الدينية. فالإله (إيل) هو أبو السنوات وملك الطبيعة وسيد الآلهة وحكيمهم وقاضيهم ولا يحدث شيء في العالم إلا بأمره. وهو يملي إرادته على بقية الأرباب ويلهم مشيئة الأبطال بواسطة الأحلام، وله ابن هو الإله (بعل) الذي يعبد في كل المدن لأنه سيد السماء وإله العواصف والزوابغ، ويكفي أن يهز الصاعقة حتى تهطل الأمطار، وهو يعيش في ذرى الجبال ويمتطي السحاب. وولده الإله (ايلايين) يمثل المياه التي تجري تحت الأرض وتنبت النبات، وهناك آلهة أخرى

تذكرها كثيراً قصائد رأس شمرة أهمها (داغون) وإشارته صورة الأسد و (رشيف) وعلامته رأس الغزال وهو إله البرق، و (عنات) وهي شقيقة (ايلايين) وتسمى (البتول). وتوضح نصوص رأس شمرة خاصة الأساطير الزراعية الفينيقية التي تصف بصورة فاجعة موت قوى الطبيعة وانبعاثها وتكشف عن شكلها الابتدائي بعبارات دقيقة واضحة، وفي الواقع كان الفينيقيون يعتقدون كغيرهم من الأمم القديمة أنه بإمكانهم أن يعجلوا تجدد المياه والنباتات إذا احتفوا بمراسيم وطقوس معينة تمثل حياة ومصرع وانبعاث أرواح المياه والنباتات. بيد أن كل ما وصلنا عن ديانة أدونيس التي ترمز إلى كل ذلك كلن عن طريق شهادات العصور اليونانية والرومانية ويمكن تلخيصها بما يأتي: ولد أدونيس من شجرة مقدسة وعندما شب وترعرع التقطته أفروديت ربة الجمال وعهدت به إلى (برسفونة) ربة الموت التي تعيش تحت الأرض. وقد رفضت هذه أن تعيده إلى أفروديت، فنزلت ربة الجمال إلى جهنم ورجت (زوث) كبير الآلهة أن يتوسط بينها وبين (برسفونة) ففعل وحكم بأن يعيش أدونيس ستة أشهر تحت الأرض وستة أشهر فوقها مع أفروديت وقد اتخذته هذه خليلا لها. غير أنها لم تنعم به طويلاً. فقد قتله خنزير بري في ريعان الشباب عندما كان يصطاد في الغابة وبكته أحر البكاء ثم دفنته في الثرى حيث سيبعث كل عام مع النباتات الجديدة. فأدونيس هو إله الزراعة ويمثل روح النبات. وكان يعبد في كل أنحاء فينيقية وتقام له أعياد تسمى الأدونيسيات يمثل الفينيقيون خلالها مصرعه وانبعاثه، وتجري في كل بلدة من بلادهم ولاسيما في جبيل القريبة من نهر إبراهيم الذي يسمى بنهر أدونيس. ففي الصيف يتألف موكب كبير يسير من جبيل ويصعد إلى مرتفعات لبنان ويقف بين حين وآخر، وما يزال حتى يصل إلى منبع النهر في مغارة أفقا، وهناك يضع بعضهم صورة الإله القتيل. ثم تعود كاهنات أفروديت المشتركات في الموكب إلى معبد جبيل بما يشبه جثته بين العويل والرقص الجنازي على نغمات الناي الحزين. وأخيرا تدفن هذه الجثة لكي ينبعث مرة ثانية في فصل الربيع. وكان الفينيقيون يعتقدون أنه يعود إلى الحياة وأنه يصعد السماء قبل أن يحتوي القبر جثته، فكان لزاما على جماهيرهم أن يشتركوا في الحزن ويتحتم على النساء أن يقصصن

شعورهن أو أن يشترينها بأن يبعن أنفسهن إلى بعض الرجال وأن يؤدين ثمن ذلك إلى المعبد. وتحزن الطبيعة وتشارك الناس في ألمهم فتخضب مياه نهر أدونيس بلون النجيع (وهو لون الطين الأحمر الذي تحمله أمطار الربيع) وتتلون الأزهار بلون دمه. وفي اليوم الثالث من هذا المأتم يعلن الكهان على المتعبدين أدونيس انبعث من مثواه. وقد بلغنا كل هذا من نصوص وأوابد يرجع عهدها إلى ما قبل الميلاد بقليل. وعندما فكت رموز نصوص رأس شمرة وجد في بعضها شكل قديم لأسطورة أدونيس يتلخص في وجود آلهين: الأول (ايلايين) وهو روح المياه الذي يسود في الفصل المطير ويعبيء غيومه ورياحه وأمطاره لكي يسمن الآلهة والبشر. والثاني (موت) وهو روح النبات والحصاد، يفرض حكمه الحار بعد موت (ايلايين) فتنضج الحبوب والكروم. ثم يموت بدوره عندما تطارده الربة (عنات) فتظفر به وتقطعه إربا إربا ثم تلقي بفتات لحمه إلى الحقول فتعيد إليها بذلك روح النباتات التي أفناها الحصاد. ولكي يتم ذلك يجب على المتعبدين أن ينشدوا نشيداً خاصا وأن يلقوا تماثيله وبعض النباتات الخاصة التي تمثله في البحر فتزداد الغيوم وتنعقد أمطاراً. وعندها تسعى الربة (ساباس) وهي الشمس إلى ارتياد كل الينابيع للبحث عن (ايلايين) الذي يكون مختبئاً في بطن الأرض ولا حلاله محل (موت). * * * والخلاصة إن للوحات رأس شمرة أهمية أثرية وتاريخية عظيمة. وتضارع في سعة المعلومات التي قدمتها للعلم عن معتقدات الساميين الأولى وآراء الكنعانيين الدينية وعلاقاتها بمعتقدات بني إسرائيل الأولين، الوثائق التاريخية الثمينة التي وجدت في آخر القرن الماضي وأول القرن الحاضر في (تل العمرنة) و (بوغاز كوي) والتي غيرت كثيراً من معارفنا عن تنظيمات أمم الشرق القديم الاجتماعية والسياسية. وليس يستغرب إذا توبعت حفريات رأس شمرة أن تظهر نصوص أخرى تطلع علينا بأدب فينيقي غزير تزيد في ما نعرفه عن أول البلاد التي توصلت إلى اختراع الكتابة الصوتية فقدمت بذلك أثمن خدمة إلى البشرية. سليم عادل عبد الحق

وجهة التربية في إنكلترا

وجهة التربية في إنكلترا الأستاذ خلدون الكناني التصدي لهذا الموضوع في مقال واحد، ليس في الحقيقة، محاولة عسيرة بل (مخاطرة). وكاتب هذا البحث يعلم أنه لن يستطيع لمه من أطرافه إلا بإسقاط أمور كثيرة لها شأنها في دراسة متجهات التربية والتعليم في بلاد الإنكليز والاقتصار على ما برز منها واشرأب للعيان. وفائدة هذه الموضوع لا تأتي فحسب من أنه عرض لقضية التربية في دولة عريقة في الثقافة، تتولى اليوم مع بعض الدول الأخرى زعامة العالم، وإنما تأتي أيضاً من أن كثيراً من مشكلات التعليم في إنكلترا من الأمور التي تشغل بال المثقفين والقائمين على شؤون التربية في وطننا. وهذه المشكلات - حينما وجدت_إرث الماضي ووليدة التطور، ولابد في فهمها من استرجاع الماضي ولو في لمحة خاطفة. كانت التربية الإنكليزية في القرون الوسطى دينية صرفا، تعنى بتربية الروح وتغذية أكثر مما تعنى بتثقيف العقل وتعليمه. غير أنها كانت تفهم الروح والطبيعة الإنسانية فهما خاصا غريبا وتعتقد أن الأصل فيهما الشر والفساد. لذا استصوبت الضرب والتعذيب الجسدي في المدارس وصرفت همها لا إلى تعليم الطالب (ما ينبغي) أن يفعله في الحياة - بل (ما لا ينبغي) أن يفعله، فغلت يديه ووأدت حريته ونشاطه. إلى جانب هذه المدارس الدينية قامت في قصور الرؤساء وبروج الحكام مدارس تعلم الفروسية كما كان يتعلمها العرب في البادية، وتغذي النفوس الوليدة بقصص شبيهة بقصص عنترة والهلالي تنشئ النفس على حب المغامرة والبطولة ونصرة الضعيف. ولعل المصانع في تلك العصور وبيوت أرباب الحرف كانت_مع بعض التجوز - ضربا ثالثا من المدارس يتعلم فيها التلميذ الحرفة من الأستاذ بالممارسة والملازمة وطول الصحبة. وشر سمات التربية في تلك القرون أن الثقافة والتربية كانتا من حظ الطبقات الخاصة الرفيعة، من حظ أبناء الأشراف الذين جاؤوا إلى الدنيا وفي فمهم قطعة من الحلوى. فلما جاء عصر النهضة وبعثت الثقافة اليونانية والرومانية من مرقدها قامت إلى جانب تلك المدارس مدارس جديدة تعنى بالتعليم وتزويد الطلاب بالمعارف أكثر مما تعنى بالتربية، وتعتقد أن الهدف الأسمى للثقافة معرفة حضارة الرومان واليونان ليس غير، سواء أاتصلت

هذه المعرفة بالحياة اليومية الحقيقية وأغنت أم لم تتصل ولم تغن. وقد تعددت المدارس الدينية في هذا العهد بتعدد المذاهب وانقسام الناس إلى نحل وطوائف. وظلت التربية، في هذا العصر أيضا، وقفا على السعداء أبناء الطبقات الرفيعة. ولما بزغت النهضة الصناعية في إنكلترا ونزح العمال من الريف إلى المدن وغصت بهم وبأولادهم الغرف الصغيرة والبيوت المظلمة والأحياء الموبوءة شعر أرباب المعامل بحاجة العمال وأولادهم إلى التعليم، لأن العامل المتعلم القادر على (التوقيع) أقدر على ضبط حسابه وعلى فهم بعض الأمور الفنية في المعمل من العامل الجاهل فأنشأوا لأولاد مدارس تعلمهم مبادئ القراءة والكتابة والحساب (فقط) فكانت نواة التعليم الابتدائي في إنكلترا. في هذا الدور شرعت الدولة بملاحظة شؤون التعليم - عن كثب - بعد أن كانت تتحاماها من قبل وتعتقد أنها من شؤون رجال الدين وجمعيات البر والإحسان. ولم يقبل الإنكليز على دراسة قضايا التربية والتعليم في بلادهم بشغف وجد وإقبال إلا بعد الحرب العالمية الأولى حين ظهرت أمتع الكتب والدراسات عن المدارس والمناهج وأهداف التربية والثقافة. لكن الدولة لم تتدخل تدخلا فعليا في سبيل تنظيم شؤون التربية ومختلف الميادين والإشراف على سير المعاهد على أنواعها ودرجاتها، والسهر على توجيه التربية ونشر المعرفة والعناية بعقول المواطنين جميعا وأرواحهم وأجسادهم إلا في أواخر الحرب العالمية الثانية حين صدر التشريع المعروف (بقانون عام 1944). نظر القوم فيما خلفه الماضي في نظامهم التربوي فوجدوا فيه ثلاثة أدواء لابد من معالجتها في الحال. الداء الأول أن المدارس القائمة غير واضحة البدايات والنهايات. فمنها ما أمد الدراسة فيها قصير، ومنها ما أمد الدراسة فيها طويل جداً، وأكثرها لا يفرق بين درجات التعليم ويخلطها بعضها ببعض. فسارعوا إلى تقسيم التعليم (المقرر) إلى ثلاثة أدوار: ابتدائي وثانوي وما بعد الثانوي. وجعلوا بداية التعليم الابتدائي السنة (الثانية) من العمر، وإن كان لا يتحتم ويصبح إجباريا إلا في السنة الخامسة (بعد عهد الحضانة). وفي الحادية عشرة من العمر يغادر التلميذ المدرسة الابتدائية إلى الثانوية حيث يبقى حتما ولزاما حتى يبلغ الخامسة عشرة، وإن كان التعليم الثانوي لا ينتهي إلا في الثامنة عشرة. وأما المرحلة الثالثة فتبدأ بعد سن الثامنة عشرة للطلاب الذين أتموا الدراسة الثانوية. أما الذين غادروا

الثانويات من قبل - أي في الخامسة عشرة - فمرحلة دراستهم الثالثة تبدأ منذ تركهم معاهدهم. هذا التقسيم في وضوحه من جهة وتداخله من جهة أخرى يبغي معالجة العلة الثانية من النظام القديم ويقوم على فهم جديد للتربية هو زينة النظام الجديد. كان رجال التربية، إلى عهد قريب، يجعلون التعليم الإلزامي خاصا بالمدارس الابتدائية، كان الطالب لا يحتاج بعد عهد الدراسة الابتدائية إلى ثقافة قط، زكان هناك مقدارا معلوما من شراب (العرفان والتربية) ينهله التلميذ في الصفوف الابتدائية ولا يظمأ من بعده أبدا. وقد طرح المربون الإنكليز هذا الرأي وقالوا بأن حاجة المرء إلى الثقافة (أي إلى التربية والتعليم) كحاجة الجسم إلى الغذاء، تبدأ بالولادة وتدوم طول الحياة، يطلبها المرء ما عاش لا يجدها عهد الدراسة الابتدائية ولا الثانوية ولا الدراسة الجامعية. وقسموا الثقافة إلى نوعين: ثقافة (مقررة) منظمة تنشرها المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات، وثقافة (غير مقررة) تسهر على نشرها المؤسسات العالية في المدن ومجالس المحافظات والبلديات في القرى والأرياف، وتقوم على المحاضرات والمناظرات الفردية والفنون الجميلة وتغذية العواطف الكريمة وتيسر للناس الاستفادة من المكتبات والمتاحف والمخابر والملاعب والمسابح وكل ما يغري بتنشيط الجسم والعقل والروح. أما الثقافة (المقررة) فيتلقاها الطلاب الإنكليز إلزاما ومجانا في مدارسهم من الخامسة إلى الخامسة عشرة. ولأولياء الأطفال الخيرة في إرسالهم من قبل ذلك إلى مدارس الحضانة أو حضنهم في بيوتهم والإشراف على تربيتهم الفطيرة. وإذا ما أكمل الطالب الخامسة عشرة واصل الدراسة الثانوية إلى الثامنة عشرة إذا شاء أو ترك الدراسة للعمل وكسب القوت. وفي هذه الحال يجبر الطالب على متابعة الدراسة (المجزأة) يوما كل أسبوع، في مدارس خاصة نهارية أو ليلية أعدت لهذا الغرض إلى أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره. ومديره الذي يستخدمه في مكتبه أو معمله أو في مخزنه مجبر على أن يمنحه هذا اليوم في الأسبوع علاوة على العطلة الأسبوعية. أما الثقافة (غير المقررة) التي يتلقاها الطفل في بيته وفي دور الحضانة قبل دخول المدرسة الابتدائية، أو التي تنفع كل الراشدين الذين تركوا المعاهد وجازوا سن الثامنة

عشرة فإن المواطنين عموما مدعوون لاكتسابها دعوة اختيارية لا إجبارية. لكن السلطات الإدارية المحلية والدوائر الحكومية ملزمة بتسيير اكتساب هذه الثقافة الاختيارية لكل إنسان على تنوع ألوانها سواء كانت روحية أم مادية علمية أم عملية، فنية أم رياضية. هذا الفهم الجديد لأهداف التربية ساق إلى معالجة العلة الثالثة في النظام التربوي القديم. كانت المدارس الإنكليزية على الغالب تعنى بالثقافة النظرية وتهمل الثقافة العملية والصناعية والزراعية وتتجاهل ميول الطلاب المختلفة ومواهبهم المنوعة، وتلبسهم على اختلاف قاماتهم ملابس من الثقافة الموحدة لذلك سارع قانون عام1944 إلى إلغاء الثقافة (الجاهزة) في التعليم وتقرير طريقة (التفصيل) التي تراعي اختلاف القدود والاستعدادات والميول. أما في التعليم فقد أطلقوا يد المعلم في اختيار المنهاج الذي يريده في التعليم والذي يراعي حاجات طلابه وبيئتهم والظروف العارضة المحيطة بالمدرسة. وأما في التعليم الثانوي فقسموا المعاهد إلى معاهد (أدبية) يوجه إليها الطلاب المهرة بالصناعات العملية، ومعاهد (عصرية) يوجه إليها باقي الطلاب - وهم الكثرة - الذين لم تستبن بعد ميولهم. وهذه الثانويات (العصرية) أشبه شيء بثانوياتنا في سورية (ولاسيما في الحلقة المتوسطة). أما الثقافة (غير المقررة) فتتنوع مؤسساتها وحلقاتها ونواديها وجمعياتها تنوعا يشمل كل فاعليات المجتمع الإنكليزي ونشاطه الفكري والروحي والعلمي والفني والرياضي. فترى في بعض المراكز مثلاً دائرة زراعة القرنبيط، ودائرة تنوير الراشدين إلى جانب ناد يعنى بتربية البط وصيد الحمام أو لعب الكولف. وقد عرف واضعو قانون عام1944 أن قانونهم كنز ثمين مفتاحه (المعلم). لذلك عنوا عناية شديدة بتخريج المعلمين القادرين على تحقيق أهداف التربية الحديثة وقد رأوا أن الحاجة تدعوهم إلى الإكثار من دور المعلمين الابتدائية (المستقلة) لتخريج العدد الهائل من المعلمين الذين يفتقرون إليهم لتنفيذ هذا القانون على أن ينظر في أقرب وقت في أمر إلحاق هذه الدور بالجامعات لرفع مستواها الثقافي وتمكين معلمي المستقبل من الاستفادة من خبرة أساتذة الجامعات القديرين. وإذ أن عمل المعلمين في المستقبل لن يقتصر على تعليم القراءة والكتابة والحساب، بل على توجيه مختلف الفاعليات والمواهب

التي تتراءى هزيلة في المدارس الابتدائية، وتحاول أن تتركز في المدارس الثانوية، والتي تنبثق واضحة بارزة في كل الحلقات والمؤسسات الناشرة للثقافة (غير المقررة) لجأ القائمون على إدارة التعليم في إنكلترا إلى حشد المعلمين من مختلف البيئات العلمية والطبقات الاجتماعية والحرف والصناعات والوظائف ليخرجوا للأمة قادة مدريين في مختلف أنواع النشاط الإنساني والاجتماعي. وفي رأي واضعي هذا القانون أن التربية لا ترمي إلى تغذية الروح وحده ولا إلى تنوير العقل وحده ولا إلى رياضة الجسم دون غيره بل ترمي إلى تربية الإنسان كله تربية كاملة تشمل روحه وعقله وعاطفته وجسمه وحياته الخاصة وحياته الاجتماعية ومهنته. ولكي يظهروا عنايتهم بتربية الروح والعاطفة فرضوا التعليم الديني في جميع المدارس وجعلوا لدروس الفنون الجميلة المكان الرفيع. ولعل أظهر ما يميز هذا القانون أن تدخل الدولة في شؤون التعليم لا يقيد حرية المعلمين والمديرين، وإن إشرافها الشامل على سياسة التربية والتعليم لا يعوق قط التشبث الشخصي والنشاط العفوي والاستقلال الذاتي. إنه لا شك قيد في عنق (غادة) التعليم لكنه رخو كأنه القلادة، خيوطه مصنوعة من حرير - لكي لا يؤذي - ومن ذهب أيضاً ليحسن في العيون ويثمن - وكذلك - لكي لا ينقطع. فكأن بريطانيا في العصر الحاضر، وهي ترى العالم قد انقسم إلى معسكرين: أحدهما يتهم الآخر بأن تدخل الدولة في سبيل ضمانة المساواة والعدالة الاجتماعية أفضى إلى قتل الحرية الفردية، والثاني يتهم الأول بأن حرصه الشديد على الحرية الفردية عاقه عن تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، نقول كأن بريطانيا وهي تشهد انقسام العالم إلى هذين المعسكرين تحاول أن تشق لنفسها طريقاً وسطاً بين الحرية والعدالة الاجتماعية، ويوفق بين تدخل الدولة والاستقلال الفردي. فإلى أي مدى تستطيع بريطانيا أن تجري في هذا الطريق؟ هذا ما سيكشفه المستقبل. خلدون الكناني

نظرتنا إلى الحياة

نظرتنا إلى الحياة الأستاذ شكري فيصل أتساءل فيما بيني وبين نفسي، لم يغلب علينا التململ في مجتمعنا العربي، وفي سورية بوجه خاص. فتغدو حين نغدو متبرمين، ونروح حين نروح قلقين، على حين نستطيع أن نجد دائما النقطة التي نبدأ منها في أن تنهض بالمجتمع العربي، وأن نهبه الحياة الحرة الطلقة؟. . وأتساءل مرة ثانية: هل نحن عاجزون عن أن نعثر على هذه النقطة التي نرتكز إليها. . على حين قد أطلقت لنا في سورية الآفاق، واتسعت الآماد، وأضحى في مقدورنا أن نعمل في يسر أو شيء يشبه اليسر، بعيدين عن الأغلال التي كانت مضروبة من حولنا، والقيود التي كانت تتعثر بها خطانا؟ وترن في أذني أصداء من الوطن. . أصداء أغنيات الفرح في ذكرى الجلاء، وتلمع في خيالي أضواء. . أضواء من هذه الأنوار التي أرسلت في كل مكان، وتنساب البسمات التي كانت ترتسم على كل شفة فتمر من أمامي في استعراض مرح رواف ثم تضيع الأصداء، وتخبو الأضواء، وتذبل البسمات على الشفاه، وأعود لأتساءل ماذا استطعنا أن نفعل من أجل مستقبلنا؟ وتحاول القناعة - والقناعة كنز لا يفنى - أن تردني إلى شيء من الصبر ومن التمعل. . تحاول أن تفرض على منطق هؤلاء الذين يبررون كل قصور، ويعتذرون عن كل فتور، ويجدون السبيل إلى أن يتهربوا من أثقال الأمانة التي ألقيت على عاتقهم. . ولكني أنفر منها. . فقد استطال الزمن، وامتدت السنوات، وحن لا نزال قريبين أشد ما يكون القرب من النقطة التي بدأنا منها، كأن لم تتزحزح. وأكاد أحسب أن ذلك طبيعي في حياة شعب لم يستطع حتى اليوم أن يبلور نظرته إلى الحياة. . إن هذه النظرة لا تزال بعيدة عن أن تكون واضحة من نحو أو صحيحة من نحو آخر. . إننا نعيش في جو من الضباب، وجو من الخمول. . وحين يقدر لها أن تبدو، تبدو عند المثقفين نسخا لما تضطرب به المجتمعات الغربية ولما تمتحن به. وتبدو عند بعض آخر خلاصة ملفقة لما كان يضطرب به الناس منذ حين.

وما لم يكن هنالك نظرة واضحة إلى الحياة تتركز في أذهان الناس جميعا - على تفاوت في مقدار التركز - نظرة سليمة نقية تصدر عنها أعمالنا، وينسجم معها سلوكنا. ما لم يكن لنا هذه النظرة التي تستطيع أن تفجر لنا الماء الذي نرتوي منه، وتفيء علينا الظل الذي نستظل به أو ترسم لنا آفاقنا البعيدة فإن هذا الشعب الذي يعيش على ذكريات الجلاء وأفراحه، سيظل يعيش هذه الحياة التي تبرق فيها ساعة واحدة من السرور في محيط من الحزن. ساعة واحدة من النور في أفق مظلم. يوم واحد من ثلاثمائة وخمسة وستين يوما كلها أعراض للمرض والعجز والكسل. لم نملك بعد واقعنا الذي نحياه، هذه النظرة السليمة إلى الحياة. بل نحن لم نحاول أن نملكها، ولا نزال ننتظر أن تهبط علينا من السماء، أو تنبع بين أيدينا من جوف الأرض، أو تخترق علينا هذا الجدار من هنا، أو ذاك الجدار من هناك. لا يزال الذين يفكرون أحد اثنين - وكدت أقول أحد رجلين لولا هذا الضجيج الذي يتساقط حولي فلا أدري أهو نغم منسق يعرف عم يصدر عنه وماذا يبغي، أم هو ثرثرة وعبث نفسي - واحد يفكر في عقول الذين ملكوا عليه عقله من هنا، من أقرب عصور التاريخ على بعد ما بينهم وبينه في المكان. ورجل يفكر في عقول الذين ورثوا عقله من هناك ومن أبعد عصور التاريخ على بعد ما بينه وبينهم في الزمان. بل لا يزال هؤلاء جميعا يضلون، وقد يختصمون في هذا الضلال وبين أيديهم هذه الأمانة التي استودعها الله نفوسهم: أمانة الحياة الكريمة الحرة التي يجب أن تحقق وجودها الحر الكريم. يجب أن نخرج من هذا التململ الذي نعيش في وطأته الثقيلة. وليس هناك شيء آخر يكفل ذلك المجتمع العربي إلا أن يصحح نظرته إلى الحياة: نظرته المادية والمعنوية. إن هذه الحياة التي ألقيت بين أيدينا ليست وديعة للحفاظ ولكنها وديعة للاستثمار، ومادة للعمل وأفقاً للتفكير وسلماً لا يراد منه أن نتأمله ونصعّد النظر إلى درجاته العليا أو درجاته الدنيا، وإنما يراد منه أن نصطنعه، أن نرقى درجاته وأن نسمو بها لأننا كلما استطعنا السمو كلما انفرجت لنا المطلات الواسعة والآفاق البعيدة. * * * هذه الحياة إذاً ليست رصيداً للحفظ والتسليم ولكنها للتمرس بها. وهي كفيلة أن تبيح للذين

يتمرسون بها. للذين يعانوها بكل ما في أعماقهم من قوة وما في أذهانهم من شوق ومطامح، كفيلة أن تبيح لهم خيراً كثيراً أن هم استطاعوا أن يتبينوا فيها وجهيها: وجهها المادي ووجها المعنوي. إن خطأ نظرتنا إلى الحياة في الشرق العربي هذه النظرة التي ت \ تسرف في المعنوية فتطير على الأجنحة، وتحلق فوق السحاب وتعيش في هالات من الغموض أو من الإشراق وفق ما يتاح لها. ومن أجل هذا الإسراف تتسرب في هذا الشرق العربي نظرات أخرى لا تسرف في الجانب المعنوي ولا تلزم القصد فيه، ولكنها تسرف في جانب مادي مناقض، إنها تريد أن تقيم حياتها وفاق هذا الواقع القريب الذي يلفها، ومن أجل ها الواقع، وعلى نية إصلاحه تحاول أن تميت كل شيء آخر، التسامي والتطلع وارتياد آفاق الروح تحاول أن تطمس في الحياة وجهها المشرق الآخر. * * * في هاتين النظرتين إلى الحياة يوشك الشرق العربي أن يضل طريقه إلى الحياة يوشك أن يضلله هؤلاء وأولئك إن لم تأخذ بيده فكرة نيرة تعرف كيف توازن بين ما تحمل باليمين وما تحمل بالشمال. وتدرك كيف تمد يداً إلى الأرض ويداً إلى السماء وتستطيع أن ترعى في الحياة وجهيها الذين لا يستطيع أن تستغني عنها: وجهها الذي يعفره التراب والدخان والعمل المبارك المثمر ووجهها الذي يغمره الإشراق والنور وسبحة الروح الواسعة. ومن العبث أن نقدر النجاح إن نحن لم نصحح كذلك نظرتنا إلى الحياة، وليس هذا التصحيح ارتجالاً ولا خيالاً، ولكنه استمداد من (الواقع) نفسه، فهذا (الواقع) يعلمنا أن وراءه جواً آخر يتوجه، وهذه (الضرورة) تلفتنا إلى أن في أعماقها أفقاً تسمو إليه، وكل محاولة أخرى يقبل عليها الشباب العربي لن تكون إلا تجربة ستنتهي حتماً إلى التعديل وليس من مصلحة الشباب العربي أن يفني حياته في التجارب، لأن هذه التجربة نفسها ليست مرحلة ضرورية في طريق الحياة. بل أن كل محاولة أخرى ليست إلا رفرفة غير منتظمة. إن للحياة جناحيها ولن تستطيع أن تحقق غايتها إن هي لم توازن بين هذين الجناحين، فيكمل كل منها حركة الآخر. * * *

ومن هنا كانت عبقرية الإسلام حين وجه العرب إلى الحياة، إنه فتح أعينهم على الواقع ودعاهم أن ينظروا في كل ما حولهم نظرة قائمة على التدبر والتفكر. . إنه دلهم على آفاق النفس وآفاق العالم، واتجه بهم في هاتين الناحيتين التي تملآن على الإنسان دربه منذ أوجده الله على ظهر الأرض. إنه لم يعلق أبصارهم في السماء ولم ينكس هذه الأبصار إلى الأرض. . لم يعودهم إطراقة الخضوع إلى الأرض، ولا تطلع الحبيس إلى السماء. ولكنه مزج بين التأمل في الأعماق والتأمل في الآفاق. . وأخذ بيدهم إلى محاربة الطبيعة ولا للخضوع الأعمى لها بل إلى التجارب معها وتسخيرها، لا إلى الالتجاء السلبي إليها بل إلى التزود الإيجابي منها. فإذا كان للشرق العربي اليوم من سبيل إلى أن يصحح نظرته إلى الحياة فهو سيجد في عبقرية النظرة الإسلامية ومرونتها كثيراً من الخير. . . ولن ينفعه أن يعمى عنها أو يتجاهلها لا لأنه حين ذاك يعمى عن الحق فقط، بل لأنه يعمى عن ثروة كبرى في تاريخ الإنسانية وفي مستقبلها أيضاً، ومن أعجب العجب أنها هي ثروته التي يضل الطريق إليها. * * * والأساتذة المعلمون ينهضون بأكبر العبء في هذه المرحلة من مراحل التاريخ العربي. . . إنهم لا يعلمون القراءة والكتابة فذلك أهون الأمور. . . ولكنهم يحاولون أن يخلقوا جيلاً صحيح النظرة إلى الحياة. . . وأحسب إنهم مضطرون حتماً أن لا يلتمسوا هذه النظرة بعيداً: إنها قريبة منهم. وحين تستوي لنا هذه النظرة الأصلية في جيل جديد فسيكون من السهل السير أن تلتقي في الفروع وقد يكون من الخير الكثير أن نختلف فيها. أعني أن يصدر هذا الجيل عن نبعة واحدة وأن ينسرح منها بعد في كل قبلة. القاهرة // شكري الفيصل

الحرية

الحرية الحرية حق لازم لاستقرار الحياة الاجتماعية، وفقدان الحرية معناه فقدان الشخصية معناه الانحطاط إلى ما يقرب من مستوى الحيوانات فالفرد والجماعات والشعوب والأمم كلها تطالب بالحرية.

لنثقب الكرة الأرضية

لنثقب الكرة الأرضية للدكتور محمد علي صبري الخبير الفني الجيولوجي في وزارة الاقتصاد الوطني اقترح الفلكي الفرنسي الطيب الذكر كاميل فلاماريون بعد أن هزم الزلزال مدينتي ميسينا وريجو في إيطاليا سنة 1908 أن يسعى البشر إلى خرق ثقب في الكرة الأرضية بصورة يقوم عليها بئر عميق واسع يستفيد منه الإنسان في دراساته وعملياته. فماذا يوجد في قشرة الأرض وتحتها؟ فلماذا لا يقوم الإنسان بأعمال مباشرة عوضاً عن النظريات ويرى بأم عينه ويلمس في يديه؟ ثم كتب مقالاً قيماً في هذا الموضوع نقتطف منه ما يلي: يجهل سكان العالم الأرضي كوكبهم ولا يعرفون عنه إلا الشيء القليل. فقد اكتشفوه من الناحية الجغرافية وطافوا حول ممتلكاته البرية والبحرية. لقد اكتشفوه من الناحية الفلكية وحددوا موضوعه بين عالم الفراغات السماوية وحددوا شكله ووزنه ومدته، لكنهم جهلوا تماماً ما يتعلق بتركيب جسمه وماهيته، وعرضاً تسربوا إليه تسرباً خفيفاً بصورة غير مباشرة وتدخلوا جزئياً في جوفه. فالعمال الذين يخرقون الجبال ليسمحوا للقطارات بعبور هذه الكتل الأرضية لا يقومون باجتياز تجعدات القشرة الأرضية ولا تنخفض الألغام التي تقام في مناجم الفحم والمعادن مهما كان انخفاضها أكثر من كيلومترين تحت سطح البحر أو أقل. وأكبر فتحة توصل إليها البشر على الكرة الأرضية أقيمت في سنة 1893 إلى سنة 1902 في مدينة باروشوفيز في سيليزيا العليا وفاقت تلك الفتحة التي أقيمت في شلاديباخ قرب مير سبورغ في ساسونيا البروسية 225متر. فكان عمق الأولى 2003 والثانية 1748 متر فقط. وكما يرى فإن هذه الأنقاب ليست إلا خدشاً بسيطاً على بشرة كرتنا الأرضية. ترى هل الكرة الأرضية مائعة أم صلبة؟ لم يمض من الوقت إلا أقله على اعتراف العلماء بوجود كتلة مائعة ملتهبة تحيط بها طبقة نحيفة صلبة. فالحرارة التي يعثر عليها الناقبون في الأنفاق المعدنية ووجود مراكز بركانية وسيل الحمم على سطح الأرض تحملنا على الاعتقاد بأن كل ما يوجد تحت عمق80 أو100 كيلومتراً هو مائع ومزاب، غير أن الجيولوجيا الحديثة ليست مستعدة على الاعتراف بأن مصير البشر قائم على طبقة نحيفة

كهذه فوق فرن من هذا النوع. فإذا كان حقا ما يقولون من أن جوف الكرة الأرضية مائع تماما أصبح من المحتمل أن ترتفع هذه الكتلة الهائلة مرتين كل يوم تحت تأثير جاذبية القمر وأن تؤلف مدودا وجذورا هائلة تتحطم القشرة الأرضية الصلبة على أثرها يوميا كلما وقفت في وجه هذا الجذب. فقشرة لا تتجاوز سماكتها ال - 100 كيلومتر لا يمكنها أن تقاوم اصطداما عنيفاً هائلا من هذا القبيل، وإلا تحطمت أو تمزقت كلما انفجرت فقاعات الحمم المتأججة ولكانت الكرة الأرضية غير قابلة للسكن وحياتنا في غم شديد تنتظر من ساعة لأخرى انهيارها في بعض الشقوق الفجائية التي تتصدع تحت أقدامنا. تعترف النظريات الجديدة بأن الكرة الأرضية تضارع في مجموعها قساوة الفولاذ وتتمتع في بعض الأحيان بالصلابة والمرونة. وما ذلك إلا نظرية من النظريات ربما تكون حقا أو باطلا ولذلك يجب مراقبتها والتحقق منها. وكل ما نعرفه بدقة هو أن حرارة الكرة الأرضية الباطنية تزداد بازدياد التعمق فيها. ورغما عن هذا نرى أن ازدياد الحرارة عديم الانتظام والتتابع لأن الحرارة بينما تزداد في بعض الأمكنة درجة واحدة كلما ازداد العمق33 متراً تراها تتناقص أو يكثر ازديادها في بعض الأمكنة الأخرى كالمواقع القريبة من البراكين حيث يشعر بهذا الازدياد كلما ازداد الانخفاض من10 إلى15 مترا. لنتوقف هنيهة عند الحد ولنسمع ما كتبه عالم فرنسي آخر هو شاعر الحيوانات الصغرى هنري فابر: توجد تحت الأرض درجة حرارة عالية جداً ليست مستقلة عن حرارة الشمس. فإذا فرضنا أن درجة الحرارة ترتفع درجة واحدة كلما زاد الانخفاض30 متراً تحت الأرض يمكننا أن نتصور مبلغ ما يقع في أشد الطبقات الأرضية انخفاضا. فيجب على درجة الحرارة أن تكون على عمق 3 كيلومتراًت 100 درجة وهي النقطة التي يغلي بها الماء، وتصل هذه الدرجة إلى 700 عندما يبلغ هبوطنا 21 كيلومتراً وهي الدرجة الكافية لصهر أكبر عدد ممكن من الأجسام، وعندما يصل انخفاضنا إلى 40 كيلومتراً تكون درجة الحرارة قد وصلت إلى 1600 وهي نقطة سيلان البلاتين وهو أصعب المعادن ذوبانا. فإذا ظلت هذه النسبة محافظة على نفسها كانت درجة الحرارة في مركز الكرة الأرضية 21000 وهي درجة حرارة مخيفة جداً لا يمكن التعبير عنها مطلقاً.

فإذا ما أردنا أن نحل هذه المسألة العويصة علينا أن نثقب الأرض! ويتابع فلاماريون كلامه: ليست المسألة إلا عبارة عن تحقيق ما قد أقيم إلى الآن بصورة سطحية، غير مباشرة، أو بالأحرى من قبيل الصدفة. فأول ما يمكن الحصول عليه إذن هو إيجاد ينبوع دائم الحرارة يمكن استخدامه في الأوائل الصناعية وفي مراقبة درجة الحرارة الهندسية مراقبة علمية. ومن الممكن العثور على الماء الغالي وفقاً لهذه الدرجة على انخفاض3000 متراً عن سح البحر. فما هي الغرائب الجيولوجية أو الباليونتولوجية التي يمكن الحصول عليها في استقصاء الأعماق الأرضية؟ هي مناجم الحديد والنحاس والمعادن الثمينة وعروق الذهب والبلاتين والفضة والراديوم، وكلها من المواد التي لم يشك أحد في العثور عليها. وهي مستحاثات أبعد العصور الجيولوجية التي كانت تعيش في عالم مجهول يرقد في تلك المقاطعات. ومن الممكن حقا العثور، أثناء العمل، على منابع من المياه المعدنية الحارة كالتي تدفقت خلال فتح نفق سمبيونة سنة 1903 بدرجة حرارة تتراوح بين 48 و 53 وعلى مجار مائية تسيل تحت الأرض وعلى شلالات يمكن استخدامها للحصول على القوى الكهربائية، وعلى بحيرات واسعة تقطنها الأسماك والحيوانات البرية - البحرية العمياء كالتي عثر عليها في مغاور كارنيولا. وسيمثل فعلا أمام أعيننا المندهشة منظر جموع من الحيوانات والنباتات العجيبة، وأجسام متألقة تضارع المخلوقات التي تعيش اليوم في أعماق بحارنا المحيطية. وستضيء بمناظرها الخلابة مناظر ما تحت الأرض التي تتزين بالصواعد الهائلة والنوازل العظيمة. ومن الممكن أيضاً العثور على كهوف ومغاور ليست في الحسبان وعلى أجسام غريبة تنتشر تحت ضغوط كبيرة هائلة. لقد ألمعنا أنه من الممكن، وفقاً للنظريات الحديثة، العثور على درجة حرارة المياه الغالية على انخفاض3 كيلومتراًت فقط عن السطح، فما هي قيمة ثلاثة كيلومتراًت بالنسبة إلى 6371 كيلومتر، التي تفصلنا عن مركز الكرة الأرضية؟ يجب علينا أن نهبط إلى أعمق منها بكثير!. إن فكرة خرق بئر عظيمة العمق تكشف لنا عن حقائق جوف الكرة الأرضية ليست بفكرة حديثة العهد. لقد فكروا بخرق مغارة تخترق الكرة الأرضية من ناحيتيها. وكان يجب على

هذه المغارة الهائلة أن تسمح لنا وللسكان المتقاطرين أن ننظر إلى بعضنا بواسطة منظارات موجهة إلى النظير. ولا حاجة إلى القول من أن الانحناء فوق هذه البئر العظيمة العمق والنظر إليها مخيف جداً، ولا يظهر أن كثيراً منا يتحمل عقبات الدوخة المؤلمة الناتجة عن ذلك. ومن الممكن أيضاً أن نتساءل عن مصير جسم يتساقط في هذه الهاوية. غير أن بلوتارك قد سبقنا إلى هذا السؤال قبل أن يقوم غاليليه بتجاربه المشهورة في سقوط الأجسام وقبل أن يسن نيوتن قوانينه المعروفة بالجذب العام. وعندها يصبح في إمكاننا أن نجيب على هذا السؤال دون تفكير عميق بأن الجسم سوف يتوقف في مركز الكرة الأرضية وهو المكان الذي يمكن للجذب أن يكون فيه عظيما. وهو جواب يناقض الحقيقة بصورة مضاعفة لأن لقوة الجذب في مركز الأرض قيمة صغرى، وبأن الجسم عندما يبلغ المركز المذكور سيتمتع بقوة كافية للوصول إلى النقطة المتقاطرة، وبعبارة أخرى في إمكانه أن يخترق قطعة من البئر مساوية إلى القطعة التي اجتازها قبلا. وإذا نظرنا إلى المسألة من وجهتها النظرية نرى أن الجسم إذا أهمل لوحده في البئر كان في استطاعته الوصول إلى الفتحة المتقاطرة ثم يعود من جديد على أثر جاذبية مركز الكرة الأرضية إلى النقطة التي ذهب منها، وهكذا دواليك، قائما بحركة اهتزازية دائمة ويؤلف بذلك رقاصا فريدا في بابه. فما هي المدة الكافية لهذا السقوط العميق؟ إن مدة الرحلة إلى ما وراء الأرض تقع في 84 دقيقة أو في ساعة و24 دقيقة، وبكلمة أخرى يصل الجسم الساقط إلى مركز كوكبنا الأرضي في مدة 21 دقيقة ويبلغ نقطة التقاطر في 21 دقيقة أخرى وسيكفيه 42 دقيقة للعودة إلى مكانه الأول. ويصل الراحل الأبدي إلى مركز البئر بسرعة 9546 متراً في الدقيقة. فإذا ما وصل إلى فتحة البئر الأخرى أثرت عليه قوانين الجذب العام فتعود القنبلة البشرية بعد ما تبلغ الفوهة المتقاطرة نحو مركز الأرض حيث تصل إلينا بنفس سرعة 9546 متراً في الدقيقة. توضح التجربة التي تكلمنا عنها الآن ناحية العملية الخيالية وتأخذ بنا إلى تلك الحقيقة الرياضية وهي أن الارتفاعات والانخفاضات في الكرة الأرضية لا أثر لها مطلقاً. وكل ما في الأمر أننا أمام عملية نظرية إطلاقا، لأن الجسم الثقيل لا يمكنه أن يقوم مع الضغط برحلة كهذه وسيغرق في الهواء اللزج الكثيف الذي يرقد في أعماق الكرة الأرضية.

هذه هي كلمات الفيلسوف الفلكي كميل فلاماريون. غير أن العلوم الحديثة قد تكهنت، دون أن تقوم بخرق جوف الأرض، ببنيتها وماهيتها، وعلى كل لا تتألف أمعاء الكرة الأرضية من مواد سائلة متأججة، لأنه لو صح ذلك لكونت قوة الجذب القمرية والشمسية الهائلة، كما لاحظنا، مدوداً وجذوراً داخلية عظيمة تكفي لتحطيم القشرة الأرضية وهي سريعة العطب، وبعثرتها شذرمذر في عاصفة شديدة عامة. وحقيقي أيضاً أن الكرة الأرضية برمتها قاسية صلبة، وتزداد هذه القساوة كلما ازداد العمق شيئا فشيئا من السطح نحو مركز الأرض. وتفكر العلوم الحديثة من جهة بأن الكرة التي تسير بنا إلى غياهب السموات اللانهائية تتكون من أربعة كرات أخرى متحدة المركز تضم الواحدة الأخرى، فالكرة المركزية هي نواة من الحديد والنيكل تفوق قساوتها خمس مرات قساوة الفولاذ وذلك على أثر الضغط الهائل الذي تقوم به الطبقات العليا. وتقوم فوق هذه النواة كرة يبلغ سمكها 1400 كيلومتراً وهي أخف من الكرة التي تحضنها. وتتبع ذلك كرة سمكها 1500 كيلومتراً تتألف على الأغلب من السيليكات، وترقد عليها كرة ثالثة يقدر عمقها بأربعين كيلومتراً تقريبا من الأحجار البازلتية اللزجة التي تشبه العجين وتغذي الحوادث البركانية. ويقوم في النهاية على الجميع غطاء رابع ارتفاعه عشرين كيلومتراً نصب عليه الإنسان خيمته، فطورا يتقهقر وطورا يتغلب على المصاعب التي تقوم بين ضآلة جسمه والتصدع الهائل الذي تقوم به الطبيعة الجبارة. علي صبري

الغرفة المغلقة

الغرفة المغلقة للأستاذ محمد روحي فيصل كانت غرفتها تجاور غرفتي في البنسيون، ولكني لا أذكر أني وجدتها مفتحة الأبواب أو دخلت إليها في نهار أو ليل على طول ما لبثنا معا متجاورين متصلين، فقد امتد التعارف بيننا - وأكاد أقول: صداقتنا - سنتين وبعض الشهور. كم مرة رأيتها تفتح باب غرفتي بنفسها، وتطل علي بعينيها الضاحكتين وثوبها الأزرق، فتلقي التحية أو تسأل عن الحال أو تصلح من شؤون سريري أو تنسق كتب طاولتي، وقد تذكرني بأن الشهر الجديد قد هل، ولابد لها عما قريب أن تدفع ما عليها إلى صاحب البنسيون، فأرحب بها وأدخل مع في حد الغرفة المغلقة للأستاذ محمد روحي فيصل كانت غرفتها تجاور غرفتي في البنسيون، ولكني لا أذكر أني وجدتها مفتحة الأبواب أو دخلت إليها في نهار أو ليل على طول ما لبثنا معا متجاورين متصلين، فقد امتد التعارف بيننا - وأكاد أقول: صداقتنا - سنتين وبعض الشهور. كم مرة رأيتها تفتح باب غرفتي بنفسها، وتطل علي بعينيها الضاحكتين وثوبها الأزرق، فتلقي التحية أو تسأل عن الحال أو تصلح من شؤون سريري أو تنسق كتب طاولتي، وقد تذكرني بأن الشهر الجديد قد هل، ولابد لها عما قريب أن تدفع ما عليها إلى صاحب البنسيون، فأرحب بها وأدخل مع في حديث قصير أو طويل، سخيف أو غير سخيف، ولكنه محبب إلى نفسي، حلو الوقع على قلبي، ثم أمنحها أجرة الغرفة فتنطلق من عندي شاكرة متهللة، وتقعد وحدها في البهو تداعب كلبها الصغير أو تغزل حاجة لها من قطن أو صوف. فإذا لبست ثيابي وانطلقت أنا بدوري إلى البهو، وجدتها مضطربة ناشطة مقيمها في مكانها، فأما غرفتها فمحكمة الإغلاق، والله وحده أدرى ما بها من أشياء، وما عرض لها من أحداث، وما دخل إليها من ناس! وربما جئت إلى بيت في ساعة متأخرة من الليل، فألقى غرفتها السرية مضاءة بالكهرباء على أسطع ما تكون الأنوار، والهدوء الصامت يلف أركانها وجنباتها، وصاحبتها جالسة إلى بعض نوافذها على الشارع العام تدخن سيجارة في سهوم طويل، وتتفحص ببصرها الحاد من يغدو ويروح على ندرة المارين آنذاك. فأسلم عليها وتسلم علي ثم أدخل غرفتي العريانة، وأستلقي على فراشي البارد. . . وما أكاد ألتمس النوم حتى أجدني أرسم في الفضاء المظلم وبالخط العريض ألف علامة استفهام وتعجب!. . وما زايلني قط شبح الغرفة ذات الأسرار. لقد ألفت هذا الشبح على الزمان، وربما أحببته في بعض الأحيان، وقد يكون أغراني بسره وشاقني بغموضه، ولكني كنت أبدأ معه في شك من حقيقته، وخوف من ظله، وحرص على كشفه. ولطالما راودتني نفسي أن أركل برجلي باب الغرفة المغلقة فلعلي أطلع على مواقع الأقدام فيها، وعلى ما يتراقص من ذكريات في حواشيها، ثم لا ألبت أن أرعوى وأثوب إلى الهدي

وأقول لنفسي: ليس هذا يا نفس سبيلاً رشداً ولا هو بمأمون العواقب. ودخل علي جورج ذات مساء، وهو طالب من تشيكوسلوفاكيا ونزيل البنسيون نفسه منذ نحو شهرين، فأخذنا بأطراف الحديث ثم قص علي أنه أفاق من نومه في يومه ذاك مع أول الفجر فإذا هو يسمع صوتا خافتا دقياً هادئاً كأنه صوت باب الدار يفتحه إنسان من داخل ثم يغلقه وينطلق. وسألني ماذا أرى فيما سمع، فقلت له إنما تلك بقية رؤى علقت بين جفنه ونفسه، ولهذا أشباه فيما يحدث لي أنا بالذات!. . . وحدث أني لقيت في الغداة صاحبتي وهي في مكانها ذاك من البهو تغزل حاجتها وإلى جوارها كلبها الذي لا يفارقها، فقلت لها إني جالب بعد ساعة فروجين وشيئا من سمن وأرز وبعضا من الخضار والحشائش والليمون من أجل التوابل ثم رجوتها أن تتلطف فتصنع لي من ذلك كله مائدة شهية للغداء نجلس إليها في الظهيرة مع صديقنا جورج، فإن اليوم يوم وقفة، وغداً عطلة العيد الأضحى، ولا بأس أن تكون هي لي في غربتي بمثابة الأهل، يوم كان لي أهل، أعني يوم كان لي أب وأخوة، وليتهم ما كانوا. . . يرحم الله الأحياء منهم دون الأموات!. . . وجلسنا ثلاثتنا إلى طاولة لم يزنها أول الأمر سوى اللحم الطري الذي احمر بعض الشيء، ثم لم تلبث أن امتلأت على مهل بصحاف الطعام الساخن والمقبلات وأشياء أخرى يسمونها منعشات. . . وما كنت أمد يدي إلى زجاجة من تلك الزجاجات المنعشات فأصب منها إلى النصف من كأسي، وأملأ بالماء النصف الآخر، لأني ما كرهت في حياتي شيئا مثلما كرهت العرق، هذا السائل الثقيل الغليظ الذي ما يكاد الشارب يدفع بعضه في حلقه حتى يدفع وراءه لقمة من طعام أو جرعة من حوامض أو حفنة من موالح، كأنما يستر أو يمحو بذلك مذاق ما عب من شراب حاد بغيض. وجيء لي أنا بنرجيلة، وهي عندي ألطف كأس وأحلى شراب، فجعلت أعب من دخانها، وألهو بكركرتها، واستمتع بمنظرها. وصاحباي يشربان تارة ويأكلان معي تارة أخرى. ونلغو ثلاثتنا مع ذلك بسلاسل من الكلام لا تنقطع ولا تفيد وإنما تتصل وتلذ على ضحك وابتسامات وغمزات ولمزات، ينطلق أكثره في الجو، ويمتد أثره إلى البعيد، ولا ندري من بواعثه ولا من نتائجه شيئا، فإنما المجلس مجلس شراب، والاجتماع على أنس وعلى لذة،

ونحن لنا الدار كلها، والخلوة تامة عميقة، ولا عذول ولا رقيب. وهذه نرجيلتي قدامي، والدخان من فوقها أعمدة وحلقات، وصاحبتي العجيبة المغلقة قد انبسطت أساريرها، واحمرت عيناها، وأشرق خداها، ومشى لسانها، وعلا ضحكها، ثم كثر دوران يديها بين الصحون، كما كثر دوران رأسها من العرق. أفتراها، وهي في تلك النشوة، تعي ما تعمل على الضبط، وتعرف أين هي من نفسها ومني ومن الوجود؟ وناولتها سيجارة، فما أسرع ما التهمتها، حتى لكأن نارا في عروقها تحاول أن تطفئها بالدخان فما تستطيع، وكأن الجيشان الملتهب قد جاوز مقدور طاقتها فطلبت سيجارة أخرى. ونظرت فإذا الليل يتساقط على الأشياء والأحياء رويداً رويداً فقمت إلى الكهرباء فأضأتها. وسطع بسطوعها الأنس، وتجددت اللذة، وأترعت الكؤوس، كأنما بدأ الاجتماع من أوله. هنالك شرعت صاحبتي في شيء من الغناء الذي يطربها ولا يكاد يصل إلى آذاننا، ولكنها توقفت فجأة إذ مر على بالها خاطر، فقانت إلى غرفتها التي ما رأيتها قط إلا محكمة الإغلاق، ففتحتها على عجل وعادت منها بصندوق أسود ما كادت أناملها تديره حتى شرع هو في غناء مطرب جميل. ولاحظت من ذهابها وإيابها أنها كانت لا تجري على خط مستقيم، وأنها كانت تتعتع في مشيتها، فعرفت أن السكر لوى رأسها وعقد رجليها. وما جلست على كرسيها حتى أخذت تستجيب لغناء الحاكي بغناء من عندها مردد في صوت بسيط. والغناء إذا التقى في الرأس مع العرق يزيد في السكر حتى يصرع. لقد بدا عليها شيء من الثقل والإعياء، فتداخل كلامها، واختلطت نظراتها. وفيما هي تغني وتشرب وتأكل وتدخن، رأيتها تلتفت بسرعة إلى وراء فتلمح، في بطء باب الغرفة مفتوحا على مصراعيه، وهي التي حرصت زماناً طويلاً على أن يبقى موصداً. . . كيف السبيل إلى إغلاقه؟ لن تستطيع هي أن تصنع شيئا من ذلك إلا إذا وجدت معينا تتكئ عليه، فكنت هذا المعين، كما كان جورج ذلك الرقيب. . . وفي نفسي ونفسه معان مشتركة. . . ومشيت معها، ولحق بنا صاحبنا، حتى إذا كنا ثلاثتنا على الباب المفتوح، رأيتني أدخل الغرفة واسحبها إلى جوفها، فأمسكت وترددت وكادت أن ترفض لولا أني أنرت الكهرباء فتطامنت وأذعنت، بعد أن وجدت حرصها على الكتمان قد طار كله في

غفلة الوعي. . . ماذا؟ هل ترى عيناي؟ ماذا رأيت؟ سريران متجاوران تشعث نظامهما، فالمخدة مطروحة، واللحاف مجتمع، والشرشف مقلوب، وكل شيء في السريرين يدل على أن الذي استلقى عليهما أو نام فيهما لم يكن إنسانا في بعض اللحظات، وإنما كان شيطانا اضطرب وجاهد في سبيل جسده. . . جهاداً طويلاً عنيفاً. وفي الغرفة هنا وهناك، ثياب رجل، وصورة له أو لغيره معلقة على الجدار، وزجاجات فارغة وأشياء أخرى مريبة جعلتني التفت إلى صاحبتي فإذا هي حيرى جاحظة العينين مشدوهة الوجه. . . ورأيت أن ألملم الموقف، فأبديت إعجابي في الغرفة المذخورة بالذكريات. . . المنسقة كأحسن ما تنسق الغرف. . . وكادت صاحبتي لاضطرابها أن تشكر وتجيب لولا أننا خرجنا ثلاثتنا إلى البهو نحيي فيه ما جمد من حياة المائدة، ونصل ما انقطع من حكاية اللذة. وقمت بعد قليل إلى الحاكي فأدرت عليه أسطوانة (لامانتو جينانو) يغنيها جوي لوس مع فرقته الموسيقية. لشد ما طربت صاحبتي لهذه الأغنية التصويرية الرائعة، حتى لقد كانت الآهات تنطلق من حنجرتها صاخبة مدوية، وحتى لقد نهضت من فورها تريد أن ترقص على إيقاعها. وطلبت إلي أن أكون شريكها في الرقص، فأعلنت لها جهلي بهذا الفن، واعتذرت فرفضت، ثم ترددت فألحت، ثم قبلت ففرحت. ورأيتني على جهلي أحتضنها، ويدي خلفها، وصدري إلى صدرها، وفمي إلى وجهها. ونظرت فإذا جورج يطوق هو الآخر. . . كرسيا كان يجلس عليه منذ هنيهة! وجلت مع صاحبتي السكرى بضع جولات أحسست معها أن دنيانا التي في البهو، بطاولتها وجدرانها وكهربائها، تدور كلها معنا تشاركنا في اللذة والمرح واللهو. ويأبى جهلي بالرقص إلا أن يدل على نفسه، لأني كلما خطوت خطوة ارتطمت بقدمي مع قدميها. وما استشرفت الأغنية الجميلة على النهاية حتى تراخت يداي عن صاحبتي، وتباعد صدرانا. ثم تذكرت السريرين في غرفتها فعدت معها إلى مكاني على نجوى خافية وأمل يشيع. . . محمد روحي فيصل

تربية سن المراهقة

تربية سن المراهقة للدكتور جميل محفوظ لم نتعرض طيلة البحث إلى الناحية التربوية اللازمة. وعمدنا إلى دراسة الحوادث من الناحية النفسية كي نتمكن بعد إظهار الخطوط الأساسية والتعرف إلى بروز الشخصية من معالجة هذه الاضطرابات والسعي لتوجيه المراهقين توجيهاً بصيراً. فمعرفة مراحل المراهقة وسبر غور نفسية الناشئ تخفف من حدة الأزمة ولا شك. وعلى العكس فإن جهلها يزيد في تعقيدها. يجب إذن أن نبتعد عن الوقوع في الوقوع في الخطأ وعن الضغط على الحرية الفردية ونسعى لمعاملة كل مراهق حسب ما يقتضيه الظرف؟ إذ لكل واحد منهم خصائص فردية تحتاج إلى معالجته على حدة. ومن الضروري أن ننبه الأفكار بأن هذه الدراسات رغم عمقها وكثرتها لم تنته بعد ولم تعط إلا نتائج وقتية خاضعة للتبديل وللتحوير. ومما لا شك فيه أن ثورة المراهق تظهر جليا للوالدين وللأستاذ، فما عليهم إلا الفهم، الفهم، والفهم حقا، عوضاً عن الخوف والاضطراب. لأن المراهقة تسبب مصادمة بين الراشد والناشئ، وينتج عدم الفهم زيادة في حدة الأزمة وزيادة في المشاحنة. ولقد لوحظ بأن الأقرباء والأساتذة من حيث العموم يعاملون المراهقين في سن الثورة النفسية كرجال أو كأطفال، ناسين أنهم مراهقين، لا يمكن معاملتهم كرجال لأنهم بأن يكونوا مثل سائر الرجال بل يختلفون عنهم. ولا يمكن معاملتهم كأطفال لشعورهم بقيمة شخصية كبيرة يرفضون معها الانقياد إلى أوامر الراشد. والنتيجة فالعامل الأساسي في كسب ثقة الشباب هو فهم نفسيتهم ومخاطبتهم باللغة التي يأنسون بها، واحترام مثلهم العليا وحماستهم دون قسرهم على قبول وجهات نظرنا. ولا نريد من ذلك أن يعمد الراشد إلى النزول إلى مستواهم لدرجة لينسى نعها أنه رجل، ثم يقبل لوجهات نظرهم، إنما نريد أن يظهر شخصية قوية. وحزما، وتفوقا في جميع الميادين. وبهذا يكون المثال الحي الذي يقتدى به بمجرد اختيار ورغبة، لا يعامل الضغط والقسوة. ويكفيه أيظهر عطفا على آراء بعض الطلاب لا لأنها أقوى من آرائه وأحصف، بل لأنها ملكهم ومن منتجات تفكيرهم. ولقد ذكر العالم مندوس: بأن ملاحظات الأستاذ

المخلص لطلابه والذي يفهمهم حق الفهم هي برد وسلام مهما كانت قاسية وعنيفة. ولقد بين ستانلي هول بأن مهمة المربي هي إكساب المراهق معرفة أسرار الحياة لا حشو دماغه بالمعارف. ولا شك بأن هذا المبدأ التربوي هو أساس التربية الحديثة، ويشتق عن قول مونتن: بأن الدماغ الناضج خير من الدماغ المثقل بالمعلومات. هذا وأننا أمام أزمة المراهقة نتساءل عما إذا كان من الضروري كبتها، أم تشجيعها، أم الوقوف على الحياد؟ والحقيقة فإن كل مفهوم تربوي ينبثق عن فلسفة، أو عن مبادئ أخلاقية، أو عن مجموعة فكر اجتماعية، ولا يمكننا مناقشة جميع الآراء في هذا الصدد، إنما نرى من الضروري الاستفادة من دراستنا اللازمة كي نقبل بوجهة نظر حيادية. ولقد تبين معنا بأن هذه الأزمة هي ثورة لابد منها وهي مرحلة من الحياة ضرورية، ليتوصل معها الشاب إلى الشعور بشخصيته، وإلى تحديد اتجاهاته، وإلى فهم المحيط وإلى الاندماج فيه. لذا علينا أن نقبل بوجودها، ونحاول فهم نفسية المراهقين دون أن نتعرض إلى المداخلة في أسرارهم، وقد يحدث أن يأتي إلينا بعضهم بعد أن تكسب ثقتهم ليفتحوا لنا كوامن صدورهم، ويطلعونا على ما يقض مضاجعهم. وإذا اعتمدنا على الحوادث المهمة التي حللناها حتى الآن يمكن أن نقسم التربية الخاصة بسن الأزمة إلى أربعة قضايا: 1_ماذا نعمل أمام ثورة الشباب؟ 2_كيف يمكننا تقدير القيمة الخاصة بهذه الفترة من الحياة؟ 3_ما هي الاحتياطات التي يجب أخذها؟ 4_خير الوسائل التي تساعدنا على تكييفه مع المحيط. 1_إن هذه الثورة تزعجنا جداً لأنها تبعد الشاب عن المألوف وتجعله عنصر شغب، لا يحترم الراشد، ولا يأبه بالنظام. لذا نضطر إلى مجابهته بالعنف طالبين منه أن يتمسك بالآداب وأن لا يشد عن المعتاد، ناسين أن للطلاب الحق القطعي في بقائهم شبابا، وعلينا أن نحترم إلى أقصى حد شخصياتهم وطرقهم في التفكير. لأن هؤلاء الشباب هم في بدء فهمهم لقواهم الكامنة، ويجب أن لا نقتلها في المهد. وإذا ما بدرت منهم شذوذ فهي في

غالب الأحيان وقتية وتضمحل مع انحلال الأزمة. وقد لاحظ كثير من الأساتذة بأن بعض طلابهم يمرون من طور غريب إلى آخر أعزب منه ثم تتلاشى هذه الحالات، ولا يبقى لها أثر. فيجب إذن - عوضاً عن مجازاة الطالب الذي يذهب للتدخين في زاوية من زوايا المدرسة، أو يشيح بوجهه عن أساتذته في الطريق كي لا يلقي عليهم السلام - أن نستفيد من هذه الفترة المندفعة والناشئة، ونوجهه - بعد تطبيق العقاب الملائم - نحو الحياة الداخلية ليصلح نفسه بنفسه بعد تأمل وتفكير، أو نوجهه نحو العمل المنتج المبدع. ولا يغرب عن البال بأنه من المستحيل إبعاد المراهق عن كل اصطدام مع المحيط، لأننا بذلك نقتل فيه كل حيوية، ونحرمه من كل تجربة، هو بأشد الحاجة إليها ليتمكن من معرفة قواه، وليتعرف على المحيط الذي يعيش فيه. يجب أن نترك له المجال لكتابة ما يفكر به إذ نعلم مدى احترام المراهقين لفكرهم. ونرى في غالب الأحيان أخطاء كبيرة، وانحرافات صريحة في كتاباتهم يجب أن تكون نقطة البدء فنصححها عوضاً عن فرض وجهة نظرنا، وإهمال وجهات نظرهم. وأخيرا فإن ملاحظة المراهق والأعمال الغريبة التي يقوم بها تقدم للمربي فائدة أخرى مهمة، إذ يمكن أن يرى، من وراء المظاهر المختلفة، الاتجاه الذي يسير فيه الناشئ. 2_هل تسمح للشاب تقدير قيمته؟ لا شك في ذلك، إذ من الضروري أن يتعرف إلى قيمته بالنظر لغيره من أفراد المجتمع، وينمو لديه الشعور بالشرف، ذلك الشعور الذي هو عنصر هام من عناصر الفضيلة. 3_الاحتياطات التي يجب أخذها - يظن بأن كثرة الدراسات والمطالعات هي خير معين للطالب في أزمته. إنه لظن خاطئ، لأنها تخنق الشعور بالذات. ولا تترك المجال للشخصية الناشئة للتكون والنمو. بل على العكس يحتاج المراهق إلى كثير من التسلية والراحة. ولا شك بأن كثرة المواد الدرسية وتكثف البرامج هي وسائل ترفضها التربية الحديثة ويشكو منها مربُّو العالم أجمع. فإذا كان التعليم في أكثر بلاد العالم بعيداً عما يرغبه علماء النفس والتربية فما ذلك إلا لأن أذهان القائمين على الأمر لا تزال متجهة نحو النمو العقلي، وضرورة تلقي أكبر كمية ممكنة من المعلومات، مبتعدين عن

الغاية الأساسية للتربية، ألا وهي - تكون أشخاص يملكون توازنا وانسجاماً تاماً بين القوى المختلفة للإنسان، قوى عقلية وروحية، وأخلاقية، وجسمية. يجب أن نحتاط كثيراً عندما نريد توجيه شاب انتابته الأزمة لأنه يقوم بأعماله خاضعا لهزات عنيفة فجائية، فيميل بشغف إلى أمر ثم ينحرف عنه، وينتقل إلى غيره، وهذا ما يهيب بنا إلى القول بضرورة فحص الميول من قبل الراشد ومعرفة ما هو قوي منها وما هو ضعيف، ما هو دائم وما هو وقتي، أي معرفة الذوق الحقيقي للمراهق ثم تقويته وتوجيهه. وما الاختبارات الخاصة من اكتشاف قابليات الفتيان إلا مساعد كبير للمربين. وإذا أردنا أن نحدد السن الذي يسمح فيه للمراهق اختيار المهنة أو الاتجاه الحقيقي الذي يتلاءم مع مواهبه نقول هو سن التاسعة عشرة أو العشرين. أي حينما يخرج من أزمته ويكون قد تقلب من ميول وقتية مختلفة ثم تركها ليحقق نهائيا ما تدفعه إليه قابلياته الحقة والدائمة. إن هذا الأمر صعب ولا يتسنى إلا لقسم ضئيل من أبناء الأمة. 4_هل يمكننا الاستفادة من الأزمة كي نهيئ دخول الشاب في المجتمع وقبوله تقاليده ونواميسه؟ لا شك في ذلك. نحن نعلم أنه يثور في أزمته على المحيط ونعلم أيضاً بأنه يسعى للتأثير فيه. فهو حانق من جهة وراغب من جهة ثانية في إصلاحه وتحقيقه مثله العليا، وهذا الميل يساعدنا على تقريبه من المحيط والاندماج به. ولذا يجب أن يكون المراهق حرا في أعماله، شاعراً بالمسؤولية الملقاة على عاتقه يقوم بأعمال تامة تؤدي إلى نتائج فعلية، ونبعده عن العمل لأمور لا توصله إلى نتائج حقيقية. ولا يكون ذلك إلا بخلق محيط خاص للشباب يعملون فيه بحرية تامة ويعتمدون على تشبثهم الشخصي. يمكن أن نجعل من المدرسة المحيط الملائم بإشراك الطلاب في إدارة بعض الأعمال المدرسية، والثقة بكفاءاتهم، فيأنسون بالراشد ويتعاونون معه وتصبح الثقة متبادلة. إن المحيط الذي نريده للشباب هو جمعيات المراهقين للرياض البدنية والسباحة وخاصة للقيام بالأعمال الكشفية، إذ يعيش الكشافون - في غالب الأحيان - في الحقول والغابات، أو على شواطئ البحار والأنهار أو في الأماكن الجبلية أي يعيشون في الهواء الطلق في حضن الطبيعة معتمدين على وجوههم الشخصية وعلى حرية العمل، يقرءون في كتاب

الطبيعة الجميل ما لا يرونه في بطون الكتب، فتنمو لديهم المسؤولية - ولذا فإنهم يشبعون ميلهم نحو الغريب، ويحققون ما لا يمكن تحقيقه في مجتمع يحيا أفراده حياة جدية ينقص المخيم وسائل الراحة غير أنه - أي المخيم - من صنع الشباب أنفسهم. لا تشبع الكشفية فهم المراهق في حب الغريب فحسب بل هي قائمة على مبادئ أخلاقية ومثل عليا، وترغب في تكوين الفرد تكوينا تاماً فستعمل المنافسة والاعتياد على العمل المشترك وتهيئ الفتى إلى الحياة الاجتماعية. هناك جمعيات في ألمانيا وفرنسا تجعل لكل فرد عملا خاصا به يلائم ميوله، مثلهم في ذلك مثل القرية الهندية التقليدية، إذ كان للأهلين مهنهم المتسلسلة، من عمل الأحذية إلى المنجم. كان بينهم المحاسب، والكاتب، والمستشار الحكيم الخ. . . إن هذه الجمعيات تحقق تماما ما يصبوا إليه الناشئ من حب لكل ما هو غريب والعمل بحرية وسرور. ولا تخلو هذه الحياة من صعوبات يجب اجتيازها مما ينمي الشخصية والإرادة ويزيد التجربة غناء ثم ينتقل المراهق من طور العمل مع رفاقه إلى العمل الفردي فيقوم برحلاته لوحده، أو مع رفيق، ويلتقي من آن لآخر مع شباب، يتعرف إليهم في الملاجئ المعدة لإيوائهم بعد السفر، وللراحة بعد التعب، فيحتك بهم وتزيد خبرته ويتكون شخصه. رغب جماعة أن يجعلوا من منظمات الشباب بؤرات تربوية تحل محل المدرسة. ففي سنة1919 اجتمع الشباب بمؤتمر عقد في مونيخ وطالبوا فيه بإصلاحات في التعليم، يقوم بها الشباب أنفسهم: أرادوا إدخال الصداقة والتفاهم والثقة والعمل الحر. إن هذه المطاليب هي نفس المطاليب التي سمعناها من أفواه المراهقين ونفس ما توصل إليه الباحثون في استقصاءاتهم. يريد المراهقون أساتذة شبابا يتفاهمون معهم ويصبحون لهم رفاقا، وعملا مدرسيا حرا لا يتقيد بساعات الدرس ولا بتوقيف جاف لا يتبدل من أول السنة لآخرها. أي يرغبون في التربية الذاتية المعتمدة على الجهد، والتشبث الشخصي والإبداع. إن المدارس الحديثة في إنكلترا للمربية ردي - والمدارس الألمانية (1897) للمربي لينز راعت حاجات المرهقين: فهي في الحقول، ويختلف التدريس فيها حسب الفصول، والحياة فيها حرة والعلائق بين الطلاب والأساتذة أوثق مما هي عليه قبلاً.

إن العالم - ذهب في إشراك الطلاب في الحياة المدرسية إلى حد بعيد كي تنمو لديهم الشخصية. وخصص للتربية البديعية أوقاتاً كثيرة. فالطلاب يعزفون على الآلات المختلفة، وينشدون مشتركين، ويمثلون الروايات ويقومون برياضات ورقص شعبي وسياحات. وهذا التعاون الحربية الطلاب والمدرسة صعب التحقيق لأسباب عديدة، منها أن الراشد لا يتساهل إلا في ترك الصلاحيات الصغيرة إلى طلابه. ومن جهة ثانية فإن الإرادة تحتاج إلى قواعد لا غنى عنها في تسيير دفة الأمور. وهناك بعض الطلاب ممن يحاولون الهرب من المسؤولية عوضاً عن التمسك بها. وعلى كل حال فإنه من الممكن أن نشرك من الطلاب من يحب النظام ويحترمه، وممن نثق بتفانيهم في المصلحة والخدمة. فيعملون في تنظيم الجمعيات وإقامة الحفلات الرياضية والتمثيلية وشراء الكتب من الريع الذي يمكن الحصول عليه أو من الاشتراكات. وتعتمد مدرسة - ده لاروش - على أكبر أو أبرز الطلاب لإشراكه في اجتماعات الأساتذة التي تدرس فيها أمور تتعلق بالطلبة. يمكن أن يتداول معهم أيضاً في قضايا النظام المدرسي. ولقد لوحظ بأن الشباب أو الشابات البالغين من العمر التاسعة عشرة يقدمون من الآراء الهامة ما لا يفكر بها الأساتذة مطلقاً. أما خارج المدرسة وفي أوقات العطل الصيفية فإن المجال واسع أمام الشباب للقيام بأعمال نافعة تدر على الفرد بعض المال وتقدم للمجتمع أكبر الخدمات. لقد ساهم أكثر الطالبات والطلاب أثناء الحرب المنصرمة، في أعمال الزراعة بغية الحصول على مؤونة غذائية يستفيدون منها في الشتاء. فعمل أكثرهم في الحقول كأبسط المزارعين حصدوا الأرض، ونقلوا المياه إلى البساتين، وقطفوا الأثمار، وبهذا فقد عرفوا مدى قيمهم العملية، وتعرفوا على صعوبة الحياة، وخاصة حياة المزارع والعامل، وأحبوا الطبيعة، وامتزجوا بجماعة من طبقة اجتماعية تختلف عن محيط المدرسة، وتمكنوا من قياس قواهم وتحديد اتجاهاتهم وإظهار مواهبهم. يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول بأن المهام التي قاموا بها كانت كبيرة، منها الدفاع السلبي، وإنقاذ النساء والأطفال، والشيوخ من الأنقاض التي دفنوا تحتها أثر الغارات الجوية. ولقد كان المراهقون في جميع أمم العالم - أثناء الحرب المنصرمة - العنصر

الفعال في الدفاع عن بلادهم ومنهم ذهبت أكثر ضحايا الحرية. يجب أن يتعرف الشاب إلى الحياة بواسطة التجربة لا من وراء ما يلقنه الآباء والأساتذة. دون ما يمكن تحقيقه وما يجب إقصاءه والابتعاد عنه كي يصلوا إلى سن الرجولة ببرنامج واضح وموضوعي. وبذا نرى بأن الأزمة ليست مرحلة اضطراب وقتي وعقيم بل هي جوهر قابل للتحوير، وجدير بأن يقوم بنهضة جبارة في عالم الحضارة. جميل محفوظ

الطبيعة البشرية

الطبيعة البشرية يمكن رد جميع النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكل ما في الحياة وفي معيشة الإنسان من حسنات وسيئات أو قل المدنية البشرية وتطورها ونموها واضمحلالها ثم عودتها إلى الظهور والتقدم - يمكن ردها جميعها إلى الغرائز البشرية وإلى طبيعة الإنسان وما خصه به الخالق جل جلاله.

أيهما على حق

أيهما على حق الآنسة فلك الطرزي عن فكتور هوجو بتصرف لم يستطع الأسقف ميربيل (رجل الدين الذي تحدث عنه هوغو في مطلع البؤساء) لم يستطع التخلص من رغبة كانت ملحة فيه وعنيفة، رغم ما بذله من جهد الإرادة في سبيل إبعادها. فقد كانت نفسه تحدثه أبدا بزيارة هذا الشيخ الثوري الذي لجأ إلى ناحية منعزلة من أسقفيته وذلك بعد سقوط نابليون في واترلو وعودة الملكية إلى فرنسة، وبعد أن تشتت الثوريون في أنحاء البلاد. فهذا الأسقف الذي لم يتخلل حياته قلق ولا اضطراب مذ هجر فجأة حياة اللهو والمجون إلى حياة التقى والورع، وهذا القديس الذي تعود أن يحل ما تعرض له الحياة من مشاكلها ببساطة لا تعقيد فيها، قد أخذت نفسه في هذه الآونة تقلق وتضطرب وتتنازعها شتى المتناقضات. هي مقسمة بين نزعتين: فنزعة تتجلى فيها كنفس إنسان تواضع على ما تواضع عليه الآخرون من احترام الوضع الراهن، والخضوع للتقاليد فيندفع إلى ما يندفعون إليه من تصديق مختلف الأقوال والشائعات التي يثيرها عن قصد وتعمد من يبتغي تأمين مصالحه بتضليل الرأي العام وتشويشه. ونزعة ثانية تتجلى في شخصيته الأخرى المكتسبة، التي تفرض عليه ما تفرضه عادة على رجل الدين من واجب المساواة بين أفراد الرعية: إذ عليه هداية الضالين منها إلى السبيل السوي، كما عليه أيضاً نهيهم عن المنكرات، وكثيراً ما كانت هذه النزعة تثور في نفسه وتضطرب، فتحول نظرة الأسقف نحو الأفق، حيث يأخذ بتأمل شيء قد توارى خلف الشجر والأدغال، فيهتف حين ذاك صوت في أعماقه: هناك نفس تتخبط في ظلمة الوحدة ووحشتها لها عليك حق المؤانسة، ولكن سرعان ما كانت النزعة الأولى تكبت هذه وتنفره منها وتجعله يندفع بعواطفه مع أولئك الذين يرمون هذا الثوري بأقسى اللوم والشتائم: لقد نبذ الناس هذا الثوري العجوز وتجنبوه، فنبذه أيضاً وتجنبه. وإن هم تحدثوا عنه فبازدراء واحتقار أفلا يلمس الثورة والثورة عن ظنهم إلحاد وتمرد وقضاء على الملكية؟ وكفى بالثورة إثماً أنها حطمت النظام الذي يستمد قوته من الله وشرائعه من السماء، وحكمت بالموت على من يمثله. إنه مجرم وملحد كما كان زملاءه الذين شردوا وأقصوا

عن البلاد مجرمين أيضاً وملحدين. وعلى هذا النمط كانت تدور أحاديث الناس في أسقفية ميربيل حول هذا العجوز الذي اعتزلهم كما يعتزل النسر بقية الحشرات ويكمن في وكره، فلا جار ولا مار ولا زائر يقصد هذا الكوخ المرتفع الشامخ الذي انفرد عن بقية الدنيا، حتى الطريق المؤدية إليه فقد اختفت معالمها وأتى على كل أثر من آثارها أكداس الحشيش التي تكاثفت فوق دروبها. لكنه في ذات يوم انتشرت في البلد شائعة مفادها أن الثوري اللعين قد أرسل إليه خادمه في طلب طبيب، فما كان النبأ يبلغ مسامع الأسقف ويتحققه، حتى اعتزم زيارة المريض. فإذا بلغ مسكنه بعد عسر ومشقة، نظر أمامه فرأى كوخاً صغيراً قامت من حوله بواسق الشجر وجللت جدرانه بالعرائش، التي امتدت أوراقها وانبسطت على طوله وعرضه، وإذا تقدم خطوات من الكوخ رأى عجوزاً بدت على سيمائه هيبة الشيخوخة ووقارها، جالساً أمام المدخل يبتسم للشمس التي كانت أشعتها تتلاعب بشعراته البيض وتبعثرها في الهواء، فحانت من العجوز التفاتة إذ سمع وقع خطوات تخفق في القرب منه، وإذ تبين أن القادم إنسان بشري ارتسمت على وجهه علائم تلك الدهشة التي تدخرها النفس حيناً طويلاً ثم تطلقها من محبسها عن أول مناسبة. فخاطب رجل الثورة رجل الدين قائلاً: إنها المرة الأولى التي أرى فيها بشرياً يطأ منزلي منذ لجأت إلى هذا المكان. فمن تكون يا سيدي؟ أجابه القسيس: أنا الأسقف ميربيل لقد سمعت بهذا الاسم، أو لست أنت من يدعى سيدنا بيانفنو؟ هو ذاك يا سيدي فبسط الثوري يده للأسقف محيياً. غير أن هذا الأخير تجاهل اليد الممتدة، واقتصر على الجلوس بالقرب من الشيخ وابتدره بقوله: يسرني أن يكذب الواقع ما سمعته منذ حين، فالعافية ليست بعيدة منك، فقابل الشيخ ملاحظة الأسقف بصمت في بادئ الأمر، ثم قال: إن معرفتي اليسيرة في الطب تجعلني أقدر الساعة التي تدنو من نهايتها حياة المرء. فلا ريب عندي أن لحظاتي أصبحت معدودة، فالبرد لم يكن بالأمس قد بلغ بعد قدمي، أم اليوم فقد وصل حد الركبتين، والآن أشعر به أنه يتصاعد إلى جنبي وسوف يبلغ القلب عما قريب. على أنطك تستطيع أن تحدثني بما شئت من الأحاديث فإن هذا الأمر لا يزعجني، فقال الأسقف بلهجة التهكم والتأنيب معاً: من واجبي تهنئتك على فعلة لم ترتكبها، فأنت على الأقل ما كنت من القائلين

بإعدام الملك فتجاهل الثوري ما تنطوي عليه كلمة على الأقل هذه من معنى لاذع وأجابه بلهجة الجد والحزم وقد غابت البسمة عن وجهه: لا تهنئني فإن أنا أيدت شيئاً أو صوتت لشيء فلنهاية الطاغية. ماذا تعني بهذا القول؟ أعني به أن في إنسان طاغية يدعى جهلاً، وقد ناديت بسحق هذه الطاغية لأن السلطة بشكلها الباطل ليست هي إلا وليدة الملكية المنبعثة منه، بينما السلطة يشكلها الحق تسمى عاماً، لا يجب أن يحكم الإنسان إلا العلم فعقب الأسقف والضمير أيضاً. لا خلاف في ذلك لأن الضمير ما هو إلا العلم الفطري الكامن فينا، والذي يتخذ الاتجاهات التي يوجه إليها. أخذ الأسقف يصغي إلى حديث رجل الثورة باهتمام مبعثه الدهشة، فإن لغة هذا الحديث كانت غريبة عليه وجديدة أيضاً على أن الشيخ استمر في كلامه يقول: فإن أنا ناديت بسحق الطاغية وإن أنا ثرت على النظام القائم على الظلم والطغيان، وإن أنا ناديت بتحطيم أصنام محنطة يرغم الشعب على عبادتها ولو هي تستحقه، فمعنى ذلك أنني ناديت تحرير الرجل من العبودية وإنقاذ المرأة من التدهور والبغاء والطفل من التشرد معنى ذلك أنني ناديت بالاتحاد والحرية والإخاء، وساهمت في تركيز قواعد العهد الجديد، معنى ذلك أنني قمت مع من قام على تحطيم ما كان يسود حياتنا من فساد الأوهام والعقائد، لقد حطمنا العالم القديم، بؤرة البؤس والظلم والأثرة لنشيد على أنقاضه عالماً سوف نبزغ من آفاقه أشعة فجر جديد، فعلق الأسقف: لقد حطمتم، وحطمتم! وقد يصدر عن التحطيم فائدة ما، لكي أتحدى كل تحطيم يداخله الغضب والعنف فأجابه الشيخ بحدة: ولكن للحق غضبته يا سيدي الأسقف، وليست غضبة الحق إلا عنصر هام من عناصر التطور، ومهما اختلف رأي الناس في الثورة الفرنسية فإنها أعظم وأجرأ خطوة خطتها الإنسانية منذ فجر التاريخ، صحيح أن هذه الثورة قد حطمت وهدمت وأراقت دماء لكنها أنارت وأطلقت جميع الإمكانيات الاجتماعية المغمورة. الإنسانية يا سيدي قد قدست الثورة الفرنسية. فغمغم الأسقف: و93 فانتصب الثوري بجلال مؤثر فوق كرسيه وصاح على قد ما يستطيع محتضر أن يصيح: 93 كنت أرتقب ذكر هذه الكلمة منك وقد ذكرتها ليست ثورة ال 93 إلا انفجار السحب التي تراكمت طبقاتها فوق بعضها البعض خلال خمسة عشر قرناً من الزمن. شعر الأسقف كأن رعشة تنتابه فتهتز لها أركانه، غير أنه تماسك وأجاب: القاضي

يقضي في أمور الناس باسم العدل والقسيس باسم الرحمة التي هي أسمى وأرفع، كان على الصاعقة أن لا تخطئ المرمى، ثم ثبت نظره على الثوري وقال بلهجة المقتنع: ولويس السابع عشر؟ أجابه الثوري على الفور: لننظر ملياً في هذه القضية، فمن تبكي أنت؟ أتبكي الطفل البريء؟ إذاً أبكيه معك، أتبكي ابن الملك؟ فإن هذا الأمر يحتاج إلى تفكير. لا فرق عندي بين كارتوش الصغير الذي أعدم شنقاً بعد التمثيل والتشنيع في ساحة كرييف لكون كارتوش الثوري أخوه، وبين حفيد لويس الخامس عشر، وهو أيضاً طفل بريء، وما أجري فيه من تعذيب في برج التنبل لكونه حفيد لويس الخامس عشر. فقال الأسقف: لا أحب تقرب الأسماء هذا فأجاب الشيخ: كارتوش؟ لويس السابع عشر؟ لمن تتحيز؟ ثم صمت للحظة قال بعدها بحزن: آه يا سيدي الأسقف أنت لا تحب الحق مع أن يسوع كان يحبه إذ لم يفرق يوماً بين طفل وطفل، إن براءة الطفولة في غنى عن الجلالة والفخامة فهي تحمل تاجها في ذاتها لأنها جليلة مزرية كانت أم مرصعة، فتمتم الأسقف: هذا صحيح غير أن الثوري استمر في متابعة كلامه قائلاً: أنا مصر على أن نتفق! فأنا لا أخالفك إن نحن بكينا جميع الأبرياء والشهداء سواء كانوا متحدرين من الأعالي أم منبعثين من القادة، أنا أبكي معك أبناء الملوك على أن تبكي معي أبناء الشعب، وإذا كان لا بد من رجحان كفة الميزان إلى ناحية دون ناحية، فليكن هذا من ناحية الشعب فإن عهده بالآلام جد بعيد. قال الأسقف وقد أدرك أن جميع حججه إلى انهيار يجرب سهمه الأخير: إن هذه الساعة هي ساعة الله، أفلا ترى معي أنه من المؤسف أن نكون قد اجتمعنا على ير جدوى؟ فتح رجل الثورة عينيه، فبدا وجهه وقد ارتسمت عليه تباشير الموت، محاطاً بهالة من الجلال والوقار وقال: يا سيدي الأسقف! لقد قضيت حياتي في التأمل والدرس والنضال وكنت قد ناهزت الستين من عمري عندما لبيت داعي الوطن وانضممت إلى صفوف العاملين فيه. كان هناك طغيان فعملت على دك حصونه. وكانت فوضى فساهمت في محاربتها وكانت هناك حقوق مغبونة فطالبت بها. صحيح أنني مزقت ستائر المذبح لكن لأضمد بها جراحات الوطن، لقد قمت بواجبي قدر استطاعتي حتى أعدائي حافظت عليهم فقد أنقذت في الفلاندر ديراً في ثورة ال93. لكن ما أصابني بعد ذلك إلا الملاحقة والطرد واللعنة. فأنا أعلم منذ سنين، منذ

اشتعل بالبياض رأسي أن معظم الناس يخولون لأنفسهم حق تحقيري، وإذا بدو لهم وجهاً من تلك الوجوه المقضي عليها. غير أنني احتملت عزلتي هذه التي أحاطني بها كرهكم دون أن أضمر لكم شراً أو حقداً، والآن أسألك وأنا على أبواب الموت وقد بلغت الثمانين من عمري هللا تنبئني عن غيتك في المجيء إلي؟ فأجابه الأسقف: بركتك ثم انحنى جاثياً على ركبتيه. فلك طرزي

حقائق الحبيب

حقائق الحبيب وقف شاعر أمام مخزن في باريس وأخذ يرمق المناديل النسائية المعروضة فيه، وكانت هذه المناديل مطرزة بالأزهار البسيطة، وقد لفت نظره جمل قصيرة طرزت عليها بأناقة شديدة ومنها: _ إن من يحب ويتزوج من أحب إنما يقضي الليل سعيداً والنهار طريداً. _ تتزين المرأة لتسر الرجال وتغيظ النساء. _ عندما يخاطبك رجل ابتسمي له ولكن إياك أن تجيبي. _ امرأة واحدة غاية السعادة ولكن اثنتين. . . فابتسم الشاعر قائلاً: حقاً هذه هي الحقائق التي يجب أن يحملها الإنسان في جيبه.

التعليم الفني

التعليم الفني للأستاذ خالد قرطوش في هذا العصر المضطرب الصاخب عصر الاكتشافات العلمية نجد الإنسانية المتنازعة تقف على عتبة عهد جديد بين البأس والرجاء، تبحث عن مستقر لها أمين وسلم عادل قوي. وقد أجمع المفكرون أو كادوا يجمعون على أن سعادة المجتمع الإنساني يجب أن تشاد على دعائم اقتصادية اجتماعية يساندها التقدم العلمي والفني وتهدف مصلحة العوام، ولا ينحصر خيرها في طبقة الخواص فقط. . . فالناس مدعوون ولاسيما الخواص منهم إلى ترويض مشاعرهم على قبول فكرة الخير العام. وليس ذلك بعسير أو مستحيل، بل هو ممكن وحاصل بفضل العلم الذي علم الإنسان استثمار قوى الطبيعة وإخضاعها لمنفعته، وعلمه كيف يجب أن يكون سيد الإنتاج يضاعفه ويضعفه حسب الربح أو حسب قوة المستهلكين الشرائية. ولكن العلم الذي نشأ وترعرع في ساحة العقل الحر يأبى أن يقيده الربح فهو طليق يسمو أبداً ويطور الآلة ويزيد في إنتاجها وسرعتها. فمرت البضاعة التي صنعتها الأنامل منذ آلاف السنين، بآلات البخار فاللهب السائل فالكهرباء فالذرة، ولا نعلم بأي قوة ستمر بعد أن مرت بالتي مرت. . . فنحن في عصر مدنية قائمة على العلم وفي إمكان هذه المدنية أن ترفه عن الناس جميعاً. . . فعلى هذه الخطة العامة نرى من واجب الأمم تعميم العلم والفن بين ربوعها وهذا لا يمكن أن يكون إلا عن طريق إدخال التعليم الفني في المدارس وتوسيعه توسيعاً مطرداً. ونحن هنا في سوريا، سوريا التي أصبحت مستقلة وذات كيان دولي مرموق، علينا أن نعني بهذه الناحية من التعليم الفني الذي لعب دوراً أساسياً ي مراحل تطور الإنسانية. لقد ولد التعليم الفني في النصف الأخير من القرن التاسع عشر عندما تقدمت العلوم تقدماً سريعاً هائلاً. صحيح أننا مقصرون بهذه الناحية تقصيراً واضحاً، فالاستعمار الفرنسي وقبله التركي الجائر الجاهل حرم هذه البلاد من التطور ومجاراة التقدم العالمي، ولكن إما ونحن اليوم أسياد بلادنا فمن الجريمة أن نستكين أو أن نهادن ونتهاون في سلوك هذه الطريقة. وقد تكون إمكانياتنا حكومة وشعباً قليلة أو مفقودة للقيام بمهمة إدخال التعليم الفني

في برامجنا وتعميمه شيئاً فشيئاً في مدارسنا. أجل! قد يكون ذلك واقعاً، لكن هذا لا يمنع من أن نبدأ والبداية معناها إدراك النهاية. وقد ذكر خطاب فخامة الرئيس الأول في خطبة في عيد الجلاء وفي مناسبات أخرى كثيرة: إن الاستقلال الذي انتزعناه بدمائنا يجب أن نحافظ عليه. وليس من واجبنا أن نحافظ على استقلالنا فحسب بل علينا أن نوطده ونوسعه ولكي نبلغ ما نريد علينا أن نبحث عن الطرق التي تؤدي بنا إلى المحافظة على الاستقلال وتوطيده وتوسيعه. وإذا كنا نريد حقاً وصدقاً المحافظة على هذا الاستقلال كمحافظتنا على حدقة عيوننا، علينا إتباع السبل التي تزدهر بها اقتصادياتنا من صناعة وزراعة إذ لا سبيل إلى استقلال سياسي مكين إذ لم يؤيده الاستقلال الاقتصادي. وأوضاعنا الاقتصادية الحاضرة لا تسر، ولتدارك ذلك علينا أن نخلق في البلاد نهضة اقتصادية من زراعة وصناعة، ولتهيئة أسباب هذه النهضة علينا أن نعرف مقدار مواردنا الطبيعية. وقد أكد الباحثون والمنقبون أن بلادنا غنية تجري من تحتها أنهار البترول كما ظهر ذلك في بيروت واللاذقية، وباطن أديمنا مثقل بشتى المعادن والخيرات يترقب من يخرج أثقاله وأحماله بفن أحذق ما أوحى إليه. . . وسهولنا وفيافينا شاسعة تكفي عشرات الملايين من الخلائق إذا استثمرت فنياً. فلا ينقصنا إذاً إلا المتخصصون وقد يمكن استخدام المتخصصين من الأجانب ريثما يتخرج طلابنا من معاهدنا الفنية التي يجب أن نبدأ بتأسيسها فوراً كما ذكرت آنفاً. ولكي نمهد السبيل للتعليم الفني علينا تغيير برامجنا الحالية على الأقل رويداً رويداً إذا كنا نخشى الطفرة. . . إن من يطوف في حقولنا الفسيحة المنبتة الجرداء يسمع نداء يدوي: اعملوا، أنتجوا وهل بإمكاننا أن نعمل وننتج بدون جيش من العمال الفنيين والزراع والمهندسين. . . يسعى بعض الرأسماليين عندنا إلى تأليف شركات صناعية استثمارية ولا بأس في هذا المسعى فهو تطور طبيعي لمجتمع اقتصادي كمجتمعنا تفككت أوصال إقطاعيته الزراعية ليتدرج نحو مجتمع صناعي رأسمالي. فعلى الحكومة أن تساعد الرأسمال الوطني وتهيأ له الأخصائيين واليد العاملة الحاذقة، ولا يتهيأ ذلك بإتقان وانتظام إلا بتدريب آلاف الطلاب في معامل المدرسة المصغرة. . .

تضم المدرسة السورية ما يزيد على 150000 طالب وطالبة. إن هذا العدد يتخرج من المدارس الابتدائية دون أن كون لديه أقل إلمام عملي بمبادئ الصناعات وإن من سعفه حظه الغني ويكمل تحصيله الثانوي، يغرق في النظريات والأبحاث العقيمة التي تضعف الجسم ولا تنمي الملكات والنماء الكافي المطلوب. . . إن مرحلة انتقال الطلاب من الجو المدرسي إلى الحياة العملية هي أدق المراحل وأهمها بالنسبة إلى مستقبل الشبيبة، ولكن مدارسنا مع الأسف لا تزودهم بأي سلاح بسيط يدفعون به عن أنفسهم طاعون البطالة وحمى الفاقة. إن مجتمعنا السوري كأي مجتمع آخر في عصرنا هذا يجابه معضلة اقتصادية اجتماعية عليه أن يذللها ويحللها بشكل يتفق ومصلحة المجتمع ويصون في الوقت نفسه كرامة الفرد. ومن هنا تبدو الصلة الوثيقة بين الفكر والعمل كشيء أساسي لدوام تقدم المجتمع. فالتعليم النظري والعملي صنوان متلازمتان. ومن الخطأ فصلهما عن بعضهما فالأمل يهدف الثقافة النظرية والثاني يؤدي إلى العمل اليدوي، فالاثنان واحد في الحقيقة، لأنهما يجتمعان في الإنسان ولا يمكن أن نفصل عمل الإنسان عن فكرته، والفصل في حالة كهذه تشويه للحياة نفسها. . . إن التقدم الحقيقي لا يتم باستيعاب الحكمة النظرية من شعر وأدب وفلسفة، بل يحتاج هذا التقدم اليوم إلى دعائم قوية من الكيمياء والفيزياء والميكانيك أي يحتاج إلى حشد واستثمار قوى البلاد الفكرية والمادية. . . إن البلاد التي سبقتنا صناعياً ترى نفسها مضطرة لتغيير أساليب الإنتاج وتحويله من إنتاج يستهدف نفع أفراد معينين إلى إنتاج يبغي النفع العام. فما بالك ونحن لا نزال في المؤخرة مما يدعونا إلى الإسراع لنجاري الأمم المستقلة التي نتبوأ وإياها كراسي مجلس الأمة. . . إن ذلك لا يتم ولا يمكن أن يتم إلا بالمدرسة، بالمدرسة التي تتعهد المواهب والكفاءات منذ الحداثة وتحمي هذه المواهب وتلك الكفاءات من طغيان التراخي والتواكل والجمود، وتبشراً أولاً وآخر بالثقافة العلمية النيرة الواضحة المفيدة، الثقافة التي تحرر الإنسان من العوز والعبودية وتجعله يشعر شعوراً عميقاً راسخاً بأن حاضره ومستقبله يرتكزان على أسس من السعادة الاجتماعية المضمونة وأنه عامل من العوامل الرئيسية التي ترص المجتمع وتزيد

في قوته وتضامنه وضمانته. أجل المدرسة هي التي تلعب الدور الأساسي في خلق هذا الشعور الاجتماعي عند المواطنين، وتزودهم بالوسائل التي تنمي هذا الشعور وتوسعه، ورسالتنا أولاً وآخراً هي اكتشاف القابليات الفكرية والعلمية لدى الأحداث وتمهيد السبل لتطويرها دون أن تتأثر بأوضاع الطلاب العائلية والمالية، فتخلق رجالاً أشداء، متمتعين بإرادة قوية وحماس عظيم مزودين بموارد ثقافية تجعلهم مدركون فوراً مفاهيم التقدم الحديث كل ذلك يستدره الطلاب في جو مدرسي باسم لا ضغط فيه ولا إكراه بل يبتهجون لأنهم يجدون أن المجال واسع أمامهم لإرضاء ميولهم اليدوية التي تظهر فيهم عادة قبل أي ميل ثقافي آخر. كل بناء يبنى على أساس وأساس المجتمع الجديد يصنع في المدرسة فإذا أردنا أن نشيد مجتمعنا على دعائم حديثة قوية فلنبدأ بالمدرسة فمنها تنبثق طلائع الفجر الجديد. . . خالد قوطرش

أيتها الطبيعة

أيتها الطبيعة لما كنت عبداً لك_أيتها الطبيعة_آثرت بعض أجزاء قلبي على بعض، وبعثتها في حرب دموية انتحاراً في سبيل الدنيا وسلطت علي الشهوات التي ليس لها من غاية إلا أن يأكل بعضها بعض وأن تلتهم كل ما يسعه فمها فأمضتني ألماًَ وفرقاً. لقد قذفت بي إلى قضاء الشهوات بما بعثت علي من وميض لذائذ الخلب. وإن ميولي_التي هي حبائلك وشراكك_قد أسلمت بي إلى قحط لا نهاية له، فاستحال الغذاء تراباً، والماء بخاراً. تاغور

الرياضة والأدب

الرياضة والأدب للأستاذ نعيم الحمصي أثر الرياضة في تنمية الذوق العام لا أريد الآن أن أتعرض لفوائد الرياضة البدنية الجسمية من حيث القوة والصحة ولا لفوائدها الاجتماعية والخلقية فكل ذلك بديهي لا حاجة للخوض فيه فضلاً عن أنه لا يتصل مباشرة بموضوعي الأصلي وهو تنمية الذوق العام وإنما أتعرض فقط للهدف الثالث من أهداف الرياضة الثلاثة وهي الصحة والقوة والجمال لعلاقة هذا الأخير المباشرة ببحثي. وإذا كانت الحكمة القديمة تقول بأن العقل السليم في الجسم السليم فأنا أقول أيضاً أن الذوق السليم في الجسم السليم، فإن للرياضة أثرها في تجميل جسم المرأة والرجل معاً فإذا كان الجمال هو المعين الذي يستمد منه الأدباء، ورجال الفن عامة وحيهم، فإن جمال المرأة من بين ضروب الجمال يحتل بينها المكانة الأولى ولهذا كان لا بد من العناية برياضة الرجال والنساء معاً ولا يصح أن نهمل نصف أفراد الأمة إهمالاً مشيناً ويترك عرضة للضعف وفريسة للأمراض، فينشأ بين الجنسين هذا التباين الكبير الذي نشاهده الآن في الأجسام والذي يأخذ بالتناقص تناقصاً بطيئاً كان الأولى أن يحل محله سرعة خاطفة وإن لهذه الغاية بتجميل الأجسام بالرياضة أثرها في القضاء على الكثير من المشاكل الاجتماعية المشينة الناتجة عن فساد الأذواق وشذوذها فضلاً عن آثارها التي ذكرتها من قبل. وعلاوة على هذا فإن للرياضة أثرها في خلق روح المغامرة وما لها من أثر في الإنتاج الأدبي: القصصي ومنه غير القصصي وهي تخلق إلى جانب النشاط الجسماني نشاطاً نفسياً عميقاً عنيفاً واسعاً فيتسع ميدان التجارب النفسية وتزيد قوة وينتج عن ذلك أدب البطولة والقوة ويزول عن أدبنا طابع الضعف والبكاء والخور الذي يعاب عليه ويجب أن يتخلص منه. وفي البلاد اليوم نهضة رياضية مباركة مختلفة المظاهر والأشكال ولست أريد الآن أن أتعرض إلى برامج الرياضة المدرسية وغير المدرسية وكيف يجب أن تكون_وأنا أرى أن تمارين الرياضة يجب أن تكون مستمدة ما أمكن من الحركات الطبيعية التي يتعرض لها العامل والزارع وغيرهما من ذوي الفعاليات الجسمية_وإنما أقول أنه من الضروري جداً

إنشاء نواي رياضية خاصة بالفتيات وأن تنشأ لهن أحواض للسباحة لا يختلطن فيها بالرجال، وأن تنشأ لهن كذلك حدائق عامة كثيرة في كل بلدة بحيث تتعرض أجسادهن للنور والشمس وتقوم بنصيبهن من الحركة منذ الطفولة المبكرة، ويرى النساء بعضهن بعضاً في هذه الحدائق فتتمازج الأذواق وتتصفى بما تتعرض له من سنن الاصطفاء الطبيعي فتسمو السمو المنشود من دون خوف على الأخلاق أن تنهار. أثر الأشغال اليدوية في الذوق العام وكل ما قلته عن الرسم يصح أن يقال هنا وليس ينكر أحد أثر درس الأشغال اليدوية في المدارس في تنمية الذوق وهنا أقول أيضاً أنه يجب تعيين معلمين ومعلمات مختصين بهذا الفن وإقامة معارض للأشغال اليدوية في المدارس ومعارض عامة أيضاً لتثقيف الجمهور. النهوض بأساليب تعليم اللغة العربية ركن أساسي في إنتاج الأدب وتذوقه قلت أن تنمية الذوق العام الفني ضروري جداً لتذوق الأدب وإنتاجه وتكلمت عن الطرق الموصلة في رأيي إلى نهضة الفنون الجميلة المختلفة حتى تنمي هذا الذوق الأدبي وإلى جانبه أسباب كثيرة بعضها في الماضي وبعضها في الحاضر، ومنها: قلة التجارب النفسية لخمول الحياة الاجتماعية وانعدام الهزات العنيفة التي تثير أعماق النفوس أو ضعف تأثر النفوس بهذه الهزات. فإن أدب كل كلمة صورة عن حياتها نفسها يخمل بخمولها وينبه بانتباهها ولا ينكران الأحداث العظيمة في أمة من انتصارات جيوش أو انهزامها ومن هجرات كبيرة وأسفار طويلة ومغامرات خطيرة تثير الخيال وتذكي العواطف وتدفع إلى التعبير عن خلجات الأفئدة ولواعج النفس. ومنها ضعف الثقافة وعدم الميل إلى المطالعة وموت حب الإطلاع على كل جديد ومنها ضعف القدرة على التعبير باللغة العربية عن التجارب النفسية في حين أنه لا يمكن التعبير عنها باللغة العامية لأسباب قومية ودينية وأسباب هذا الضعف كثيرة ومنها: آ_استعمال اللغة العامية في حياتنا اليومية وفي منازلنا مما يجعل اللغة العامية أكثر حياة من اللغة العربية فاللفظة العربية بالنسبة لنا لفظة متينة نريد أن نبعثها بالقوة وهي لا تصدر عنا سليقة وطبعاً، واللفظة العامية حية لها قوة إيحاء وحركة في النفس يعبّر الإنسان

بها عن معناه بسهولة فلا ينصرف إلى السعي لإيجاد اللفظة ويجور بذلك على المعنى وعلى تسلل الأفكار، فعلى الرغم من ذلك فأنا لا أريد استعمال اللغة العربية البتة فإن أضرارها الكثيرة وخاصة منها القومية أكبر من نفعها وحيث أننا لا يمكن أن نكتب باللغة العامية أولاً ثم نسبك جملنا من جديد باللغة العربية فيجب في هذه الحالة أن نملك القدرة على التعبير باللغة الفصحى مباشرة وبقوة وأن نجعل الكلام الكتابة باللغة العربية طبعاً وسليقة فينا منذ الطفولة الأولى. ب_ومن أسباب عدم القدرة الكثيرة منذ الصغر. فالشاب الغربي يقرأ منذ طفولته ما ناسبه من القصص والآثار الأدبية الكثيرة فتقوى نزعته الأدبية ويشارك في تذوق آداب أمته ويشب وقد عرف أو ألم بكل الآثار الأدبية المشهورة، أما الطفل عندنا فلا يقرأ إلا قليلاً وذلك لأنه لم يغرس فيه الميل إلى القراءة لأنه لا يجد مكتبة تناسب مداركه وتحوي قصصاً خاصة بالأطفال أكثر ما هو موجود منها بالأسواق يجب أن يرفع من بين يديه أو يسبك سبكاً جديداً بلغة حديثة كما يفعل الإنكليز مثلاً في آثار شكسبير، وغيره من كبار الكتّاب حتى يفهمها الصغار. د_ومنها ضعف أسلوب تعميم اللغة العربية في مدارسنا فإنه لا يتبع فيه الأسلوب الطبيعي الذي هو نفس أسلوب الأم في تعليمها لغتها لأبنها، ورغم ما حصل في برنامج التعليم من إصلاح قيّم فإن نصيب القواعد المجردة في مدارسنا لا يزال كبيراً وتدريس القواعد لا يفيد فائدة استظهار الشواهد والنصوص الأدبية الرفيعة وفائدة المطالعة في كتب مشكولة بحيث تصبح اللغة عادة وسليقة في الطفل لا قواعد جافة يضطر إلى حفظها وقد تنبه ابن خلدون منذ القديم لفساد هذه الطريقة ولكننا لا نزال نئن منها ومكتبة الطفل عندنا لا تزال فقيرة بل خاوية. ولا يتسع المجال الآن لنقد البرنامج والكتب المتداولة وبيان خطة جديدة لتدريس علوم العربية كلها بالتفصيل وأكتفي الآن برسم بعض الخطوط البارزة التي أرتأيها ومها: 1_تعميم مدارس الحضانة فيلقى الطفل منذ السنة الثالثة مفردات اللغة العربية الصحيحة عن معلمات قديرات يقضي في صحبتهن أكثر وقته يحدثنه ففي كل شيء يلائمه وبهذا يضعف في نفسه أثر اللغة العامية التي تلقاها عن أمه الجاهلة وتصبح اللغة العربية أصيلة

فيه ويصبح للكلمات حياة وقوة إيحاء ويسار في تعليمها وفق الطريقة الطبيعية التي يتعلم بها اللغة العامية: تحدثه بها المعلمة عن الأشياء وتجيب بها عن أسئلته وتقص عليه قصصاً تناسبه ويطلب إليه إعادة هذه القصص القصيرة السهلة اللغة، ومن الهام جداً وضع قصص قصيرة بالترجمة أو التأليف تكون مناسبة للمقام كما أنه من الضروري جداً توزيع نشرات على الأمهات بلغة بسيطة تبحث في التربية وإلقاء المحاضرات عليهن لتوسيع ثقافتهن وغرس حب المطالعة فيهن وبهذا ترقى لغة الأم نفسها. 2_الكلام في المدارس الابتدائية باللغة العربية بصورة دائمة وتنمية ميل الطلاب إلى الحديث باللغة العربية باستعمال الشارة (السينيال)، كما كان يتبع في تعلم اللغات الأخرى في المدارس الأجنبية، لتصبح اللغة العربية سليقة فيهم. 3_غرس ميل قوي للقراءة عند الطلاب بوضع الكتب الجذابة وخصوصاً القصص ويجب أن يكون في مكتبة الطفل عندنا مئات منها. ويتلافى عجزنا في هذه الناحية الآن: 1ً) بترجمة قصص كثيرة تناسب الأطفال وتنمي خيالهم وترشدهم إلى التعبير الصحيح عن أفكارهم وتجاربهم بتقليدها وتأثيرها اللاشعوري فيهم وتترجم هذه القصص عن اللغات المختلفة من شرقية وغربية وخصوصاً القصص الإنكليزية والفرنسية والروسية والألمانية. 2) بأخذ القصص العربية القديمة وسكبها في قالب جديد وفي لغة جديدة مع تهذيبها ما يحتاج إلى التهذيب منها كألف ليلة وليلة وعنترة والمهلهل وذات الهمة وسيف بن ذي يزن وبني هلال والملك الظاهر وقصص أخرى صغيرة وكبيرة تؤخذ من التاريخ العربي ومن أمهات كتب الأدب. 3) قصص جديدة توضع للأطفال وتستمد من حياتنا الماضية والحاضرة وتعطى المكافئات من الحكومة لواضعيها المجدين. وينمى ميل الطفل إلى الكتابة بأن يعلم كيف يجد أفكاره وكيف يرتبها ويعبر عنها ثم بتعويده على كتابة المذكرات اليومية فإنها خير وسيلة لمرونة الفكر والأسلوب والقدرة على التعبير بلغة صحيحة وتثبيت الألفاظ الجديدة في ذهن الطالب وهي تمد الطالب بالألفاظ الضرورية له في حياته اليومية والفكرية لأنه تضطره إلى التعبير عن كل الأشياء التي تتصل به بلغة صحيحة ويجب تأسيس مكتبة غنية في كل مدرسة ابتدائية ومكتبة كبيرة

عامة في كل مدينة أو قرية كبيرة وأنا أرى أن تضبط حركات الكلمات في المدارس الابتدائية ليتعلم الطالب النطق بالكلمات الفصيحة نطقاً صححاً بالمران. 4) ويأتي تدريس قواعد اللغة العربية بشكل ضوابط ثانوياً في الحلقة الدنيا من المدارس الثانوية وأساسياً بمقدار ما تمس به الحاجة في الحلقة الدنيا، وينمى فيها عوضاً عنها ملكة النقد الأدبي. أما البلاغة فلا تدرس بشكل قواعد جافة وإنما يقارن المدروس بين كلام وكلام ومفاضلاً بينها في الحسن ويطلب من الطالب أن يأتي بصور متعددة في التعبير عن معنى من المعاني وأن يقارن بينها وبين ما فيها من جمال. وفي كل المراحل التعليمية يجب أن يستعان بالفنون الجميلة كلها فإنها كلها سلسلة لا يمكن أن تهمل حلقة منها فتنقطع. نعيم الحمصي

يا سعد

يا سعد يا سعد! متى طواك الردى؟! وكيف استسلمت للبلى؟! لقد دوى صدى نومك الأخير كالرعد، في سماء البلاد العربية فأبكيت الأمة من أقصاها إلى أقصاها، وتركت في كل قلب قصيدة حزن على فقدك وزفرة ملتهبة على ثكلك، ودمعة حارة على قوة كامنة في نفسك، تلك القوة التي دفعتك لتنفخ في قلوب العرب أجمع، صوتك العلوي المجهور ولتكون المجدد للرسالة العربية القومية. نعم! آلمتك هذه السنة من الكرى التي استسلم لها العرب، وأغضبك هذا الوسن الذي استولى مدة عليهم، بعد أن نشروا رسالتهم العليا التي غمرت العالم حكمة وهدى، والآن. .! هل ينامون عن هذه الرسالة وفيهم قلوب نابضة وقبس من نور؟؟! لقد دفعتهم ووجهتهم في الطريق المختارة التي تؤهلهم للاستقلال، ولكن الشعب السوري كان يتعجل الحرية المنشودة ويتطلبها سريعاً ولذا استهان في كل شيء في سبيلها حتى النظام، وبتهيب الحكام. والآن. . أتندثر صحيفة عملك البيضاء وتندرج في معالم الظلام؟! وهلا يضل اسمك على كل ثغر، وتاريخك في كل فكر؟! لقد عشت لوطنك ومتّ من أجل وطنك، ولم تقف في وجهك ظروف الدهر ولم تغير من بسمتك عبسة الزمن بل اندفعت بجهادك ووجودك ولم تسلم لجور أو لطغيان. . . أجل. .! إن الأقدار داعبتك زمناً طويلاً لتعرف مدى عزيمتك ومدى إيمانك برسالتك، فإذا أنت تيأس ولم تسقط بل مضيت بحماس متقد ونشاط متأجج وتفاني في سبل العروبة قاومت الاستعمار وناضلت الطغيان حتى ظفرت بالاستقلال، وعدت من جديد إلى الجهاد لتوطيد دعائم هذا العهد الاستقلالي ولقيت كل معارضة برحابة صدر وصدق شكيمة، ووقفت صامداً أمام تيارات الرجعية القاسية. . . لكن أيبتسم الكون طويلاً؟! لقد زمجر وعبس ثم تولى إذ لم يأتي عام 1921 إلا وزججت في السجن وكنت تتنقل من معتقل لمعتقل، ولم تكد تطأ أرض الأوطان من جديد حتى شردت ونفيت ثانياً، ولا أنس يوماً ودعت فيه سوريا الحبيبة أجل لا أنس ذلك اليوم الذي أنذروك فيه بمغادرة سوريا، فأذعنت للأمر الواقع وودعت سوريا وداع عبد الله الصغير لغرناطة الحمراء، ولكن لم يكن سعد الله كعبد الله. ذهبت إلى العراق حاملاً في نفسك الكبيرة جيشاً من الذكريات المرة والآمال الكبيرة،

ابتعدت عن سوريا في غبش الفجر بعد أن استودعت آمالك وأحلامك ضمير الزمن. . . لكنك ذهبت لتعود، وابتعدت لتقرب. وحياته. . كانت سلسة جهاد وآلام لكنها متجددة مع ذلك في كل حين ففي عام 1928 انتخب نائباً في المجلس التأسيسي وعضو في الكتلة الوطنية وبذل جهداً لم يعرف التعب والكلل، حتى كاد جهاد (36) فقاد النضال بقوة وصبر على المكاره، واعتقل في عين ديواروما عاد منها إلا ليشترك في الوفد السوري إلى باريس ثم ليقوم بدوره بتأسيس الدور الوطني، وانتخب للمرة الثالثة والرابعة وتألفت الحكومة الدستورية الثانية المستقلة حيث لعبت دوراً كبيراً باستعادة التمثيل السياسي وبتسلم الصلاحيات. . . جهود جبارة لا ننكرها عليك يا [سعد]. حقاً قد كنت لك سعد فعلى يدك بل وفي زمنك ثم جلاء الجيوش الأجنبية عن البلاد العربية - السورية_وسنت القوانين والأنظمة التي أحدثت انقلاباً خطيراً في حياتنا يتفق مع ما بلغت إليه وأدركته من مكانة ومقام. . . إيه يا سعد! كيف استطاع هذا الجسم البشري أن يساير نفسك الكبيرة ويماشي همتك العالية وفكرتك التي تميل إلى أن تجعل العالم بأجمعه عربياً. . . لقد طرقت أبواب العدالة الموصودة وفتحتها فجئت منها بقبس حق وإنصاف أنرت به سبيل العرب. ثلث قرن في جهاد متواصل، ثلث قرن في نضال مستمر، ثلث قرن في بلاء طويل وأخيراً ناء الجسم الضعيف، ناء هذا الهيكل المرهق، بما تحمله النفس من آمال وأحلام، فألح عليه المرض العضال، ولكنه لم ينل حتى الساعة الأخيرة شيئاً من قوة إيمانه وصفاء نفسه. وأخيراً أغمض جفنيه لحظة فإذا بهما لا يرتفعان بعد، بل أخلدا إلى هذا السكون الدائم، هذا السكون الأبدي. . . وما كاد الرق يملأ الأجواء نبأ نعيه حتى اضطرمت الأفهام وتلعثم اللسان وتساءل الجميع: أصحيح مات الجابري. . .؟ ألا رحمك الله يا سعد! وأسكنك فسيح جنانه، فنم هانئاً مطمئناً قرير العين، نم آمناً مرتاحاً مبتهج الصدر أن الأمة العربية لتسعى لتنفيذ وصيتك الخالدة: . . . وصيتي إليكم أيها السوريون المحافظة والسهر على استقلال البلاد والتمسك بأهداب النظام الجمهوري الرشيد القائم فيها.

الآنسة: رياض الجابري

المعلمة والمجتمع

المعلمة والمجتمع الآنسة فكتوريا نعمان كدت أقول في (صنع) المجتمع، فلست أعرف إنساناً يشتغل في هذا (الصنع) الدقيق الخطير: (صنع) الناس للمجتمع كمعلمة، تراها محنية على كل فرد ناشئ منه وسعته ذراعاها، تلقنه المعرفة كلمة كلمة. . . بل تلقنه الحياة نفساً نفساً! وهو لا يجهل نسم الحياة، وهي لا تجهل منه ذلك إنما هي تمرن فيه الطبيعة وفنونها، وتؤكد أساسها، وتنمق حواشيها لتفلته من ثم. . . يواجه الحياة إنساناً جديراً بفهمها كما نفعل أم الطيور بصغارها يوم تحملها من غصن إلى غصن، تمرن فيها الطبيعة، ومن ثم. . الاستقلال! والمعلمة، على شدة ما يقتضيه عملها هذا من دأب لا يتصل به، أو يجب ألا يتصل به الكلل في وقت من أوقاته، تراها أشبه ما تكون بالذي حمل على راحة كفه البذرة تكمن في قلبها الحياة، إلى أرض اختارها ليزرعها هناك وما يبرح يسقيها ويرعاها. . . ثم يرقبها في الليل والنهار حتى تنبثق من قلبها الحياة أغصاناً وأوراقاً غضة خضراء. . . وأزهار تضحك في ألوانها الحياة! وليس يتم هذا بالطبع إلا بالجهد العظيم، لكنه ليس كفاية بالجهد فالشجرة اليافعة لا تزال تستهدف للعواصف كلما شب عودها فوق الأرض، والعاصفة لا ترحم تكسر كل عود لم يقوى على الوقوف في وجهها فهل تترك الشجرة وحيدة.؟! إنها المعلمة الشخص القوي الحنون لاتني تدور حول (شجرتها) وقد شبت، تسند الطري من الأغصان حتى يكتمل نموه وتنتزع الأصفر من الأوراق وترعى الناضر الحي حتى إذا أكملت نموها وذهبت في الفضاء فارعة قوية تطاول العاصفة ولا تطولها العاصفة، ماتني المعلمة تدور أيضاً حول (شجرتها) رعاية ومحبة، تمسح الغبار عن كل ورقة وتتنسم العبير من كل زهرة متفتحة! إنها المعلمة ذلك الشخص القوي الحنون، المعلمة والمجتمع الآنسة فكتوريا نعمان كدت أقول في (صنع) المجتمع، فلست أعرف إنساناً يشتغل في هذا (الصنع) الدقيق الخطير: (صنع) الناس للمجتمع كمعلمة، تراها محنية على كل فرد ناشئ منه وسعته ذراعاها، تلقنه المعرفة كلمة كلمة. . . بل تلقنه الحياة نفساً نفساً! وهو لا يجهل نسم الحياة، وهي لا تجهل منه ذلك إنما هي تمرن فيه الطبيعة وفنونها، وتؤكد أساسها، وتنمق حواشيها لتفلته من ثم. . . يواجه الحياة إنساناً جديراً بفهمها كما نفعل أم الطيور بصغارها يوم تحملها من غصن إلى غصن، تمرن فيها الطبيعة، ومن ثم. . الاستقلال! والمعلمة، على شدة ما يقتضيه عملها هذا من دأب لا يتصل به، أو يجب ألا يتصل به الكلل في وقت من أوقاته، تراها أشبه ما تكون بالذي حمل على راحة كفه البذرة تكمن في قلبها الحياة، إلى أرض اختارها ليزرعها هناك وما يبرح يسقيها ويرعاها. . . ثم يرقبها في الليل والنهار حتى تنبثق من قلبها الحياة أغصاناً وأوراقاً غضة خضراء. . . وأزهار تضحك في ألوانها الحياة! وليس يتم هذا بالطبع إلا بالجهد العظيم، لكنه ليس كفاية بالجهد فالشجرة اليافعة لا تزال تستهدف للعواصف كلما شب عودها فوق الأرض، والعاصفة لا ترحم تكسر كل عود لم يقوى على الوقوف في وجهها فهل تترك الشجرة وحيدة.؟! إنها المعلمة الشخص القوي الحنون لاتني تدور حول (شجرتها) وقد شبت، تسند الطري من الأغصان حتى يكتمل نموه وتنتزع الأصفر من الأوراق وترعى الناضر الحي حتى إذا أكملت نموها وذهبت في الفضاء فارعة قوية تطاول العاصفة ولا تطولها العاصفة، ماتني المعلمة تدور أيضاً حول (شجرتها) رعاية ومحبة، تمسح الغبار عن كل ورقة وتتنسم العبير من كل زهرة متفتحة! إنها المعلمة ذلك الشخص القوي الحنون، الدائب على (صنع) الناس للمجتمع، ولقد قلت المعلمة وليس لي في هذا بالطبع أن أنكر دور المعلم في هذا (الصنع) لكن ثمة أمور واضحة جعلت الدور الأول فيه للمعلمة وعززت أهمية هذا الدور فما هي تلك الأمور. وما هي أهمية دور المعلمة في بناء المجتمع؟ من الواضح أن بلادنا تجتاز الآن - بالنسبة إلى وضع المرأة الاجتماعي_مرحلة الانتقال

بين عهد كانت تسوده شعارات باللغة الرجعية شعارات المحافظة على المرأة ضمن جدران البيت، وإبقائها جاهلة متأخرة، منعزلة عن العالم تنفق العمر كله بأتفه الأمور وأسخفها، إلى عهد تعاونت فيه أحوال اقتصادية اجتماعية داخلية وخارجية، على تخفيف حدة تلك الشعارات والحماس لها، وإحلال ما هو أحسن محلها مما أدى إلى تطوير وضع المرأة شيئاً فشيئاً، والخروج بها من واقعها الضيق القديم إلى أفق أوسع وأرحب وأهم، هو أفق المجتمع الآخذ بالتعلم وأسبابه، فكشف لها عن عوالم جديدة، أدركت منذ ممارسة الحياة فيها لأول مرة أنها تستطيع أن تكون إنسان آخر، غير ذلك الذي يعيش ضمن حلقة متكررة مفرغة، إنساناً يستطيع أن يقدم لمجتمعه خدمة وأن تكون حياته في بيته ولأهله ولشخصه، أفيد وأجدى، كل ذلك إذا استطاعت أن تبدد شيئاً من ظلمات الجهل المحيطة بها، وأن تخرج إلى عالم نير يشرق في أرجائه العلم. وكان إن سلكت المرأة طريقها نحو العلم، ولما بهرت عينيها الساذجتين أضواءه الساطعة الحلوة، لم تشأ، بل لم تستطع أن تحول عينيها عن سحره الأخاذ فبقيت هناك تطلب المزيد. وأخذت تيسر السبل لبنات جنسها الناشئات للارتشاف من مناهله العذبة، فكان هذا الجمهور العامل النشيط جمهور المعلمات تلك الفئة التي تؤدي لوطنها أجل الخدمات. هذا إلى جانب أمر من الأهمية بمكان لعله المكان الأول هو شعور المرأة المتعلمة بضرورة استقلالها الاقتصادي كإنسان مكتمل النضج وعزيز الشخصية، هذا الشعور الكريم الذي كان سلماً للمرأة ما تزال ترتقي درجاته إلى مكانها العزيز مكان الإنسان الحر المستقل، الإنسان الذي يأبى أن يكون عالة. . . ومن ثم أن يكون أشبه شيء بالبضاعة التي يخشى عليها الكساد! فيعمل على (تصريفها) بشكل فيه الكثير من المساس بالشخصية، بل بكرامة الإنسان! كانت مهنة (نشر العلم) أول المهن وأوسعها في فتح أبواب الاستقلال الاقتصادي أمام المرأة، وقد صادفت هذه المهنة الجليلة إقبالاً ما يزال آخذاً بالتزايد يوماً بعد يوم للأسباب التي أسلفت، ولغلبة العقلية المتحررة على العقلية الجامحة المتأخرة. وذلك كنتيجة حتمية لتطور العالم الاقتصادي والاجتماعي، وتأثر مجتمعنا بتطوره ذاك. فالتعليم إذاً أول المهن التي حررت المرأة ومن ثم أخذت في تحرير البيت وبالتالي في

تحرير المجتمع من كثير مما كان يسود هؤلاء جميعاً من مظاهر الجهل والتأخر والجمود بل لست أغالي إذا قلت: والانحطاط! هذا هو إذن مركز المعلمة في المجتمع في هذه المرحلة الحاضرة وهو مركز له أهميته ويرتب على المعلمة واجبات كبرى عظيمة. فما هي الواجبات المترتبة على المعلمة في المجتمع الحاضر تبعاً لمركزها.؟ أول تلك الواجبات أن تكون المعلمة عضواً فعالاً في مساعدة المجتمع لتكميل مرحلته التطورية الحاضرة، وانتقاله إلى مرحلة أرقى وأحسن، أي لمساعدة المجتمع في أن يخطو دائماً خطوة جديدة نحو التقدم، وبين يدي المعلمة مجال واسع للقيام بهذا الواجب الهام، بحكم طبيعة عملها الإنشائي الجماهيري الواسع بين صفوف الناشئة وهي تستطيع الوصول إلى تحقيق هدفها ذاك بتلقين الناشئة العلم الصحيح الخالي من الأوهام والشكوك والغموض، وبحملهم على تحكيم العلم في تفسير كل غامض وبتعويدهم على تسييد العقل أي جعل العقل سيداً لكل شيء، والتفكير السليم الصحيح وسيلة لتفهم الحياة. إن التفتيش عن الحقيقة وإتباع طريقها يجب أن يكون الهدف الذي تضعه المعلمة أمام تلاميذها وباستمرار ذلك تتوصل إلى بث وعي صحيح فيهم فتنمو القدرة على تعيين الحقيقة في كل شيء حولهم فلا يسهل عندئذ أخذهم بالأضاليل، إذ أن شمس الحقيقة تذيب الزبد ولا تبقي إلا ما ينفع الناس. إن الواجب الخطير الذي يواجه المعلمة هو أن تعرف كيف تربط الحياة بالكتاب! وأن تحطم هذا الحاجز الرجعي الذي يحاول أنصار الجهل إقامته سداً بين الحياة والكتاب أي بين العلم والحياة فيلقنون الطالب ما يحمله الكتاب من علم لكنهم يغلقون هذا الكتاب ويعتمدون على الخرافات والأوهام والجهل في تفسير الحياة ومظاهرها وحل أمورها، وهكذا يقطعون الحلقة بين العلم والحياة ويضعون ثقة النشء بالعلم ويبعدونه عن تفكيرهم وحياتهم فيخونون رسالتهم العلمية ويعبثون بعقول الناشئة ويدسون سوس الخراب في تكوينهم وتهيئتهم، لذلك وجب أن يكون شعار المعلمة أمام صغارها، إن الكتاب قاموس الحياة! والمعلمة قد درست تاريخ بلادها واطلعت على أمجاد أمتها، فالواجب الوطني يدعوها إلى

اطلاع الناشئة على تلك الأمجاد بأمانة وإفهامهم أن رسالتهم ليست بالاكتفاء بالتأخر بتراثهم القومي ذاك، بل للعمل على تكميله وتنميته، ومن هنا كان عليها حمل الناشئة على الشعور بواجب النضال في سبيل رفع مستوى بلادهم وترقية شعبهم ليكون جدير بماضيه وأمجاده وجدوده حمل الناشئة على الشعور بالمسؤولية أمام هذه البلاد وتاريخها ومستقبلها، حملهم على الشعور أن كلاً منهم جندي في خدمة بلاده والتفاني في حبها، ومن هنا كان على المعلمة أن تعلمهم تقديس المثل العليا وتقديس الحرية وحب الوطن، وتقدير الإنسان وكرامته كأعز المخلوقات وأشرفها، وبتحقيق هذا تكون مهنة المعلمة مهنة حية تستمد قوة وتجدد دائمين، من قوة الحياة وتجددها الدائمين! من أجل هذا كله، كان المجال الحيوي لنشاط المعلمة أوسع من دائرة مدرستها وكتابها، فهي كواحدة من أوائل المتعلمات في البلد، ومن حاملات مثل هذه الرسالة الكبرى، رسالة تهيئة النشء للبلاد أو رسالة (صنع) المجتمع! يجب - لكي تستطيع القيام بأداء تلك الرسالة - أن تعمل جاهدة على تنمية مواهبها باستمرار وزيادة ثقافتها، وتنظيم نفسها وجهودها في حركات تخدم مجتمعها وبلادها لكي تساير العالم في تطوره، فليس يعقل أن تقف مربية الجيل الطالع، متفرجة على دولاب الحياة السائر قدما إلى أمام!. فكتوريا نعمان

التعليم

التعليم تقضي العدالة الاجتماعية بإعطاء قسط من التعليم لكل مواطن سواء أكان فقيرا أو غنيا ذكرا أو أنثى دون تفرقة أو تمييز. هذا مبدأ مسلم به ولا شك ولا مكابرة فيه ولكن لكل بلد ملابسات وظروف وكل شعب تقاليد وعوائد وهذه لا يمكن التغاضي عنها ولا الاستخفاف بها في وضع سياسة التعليم بحيث تتحقق العدالة الاجتماعية ومهما كانت غيرتنا كأمة ناشئة ومهما كانت غيرة دعاة الإصلاح وبعض قادة الفكر والزعماء في نشر التعليم فيجب ألا نفعل أن تحقيق حق المواطن في التعليم يجب ألا ينظر إليه بمفرده دون مراعاة النسيج الاجتماعي والاقتصادي للشعب وقدرة الحكومة على التنفيذ وإلا ضاع المجهود سدى.

جبان

غي دومو باسان الكاتب الفرنسي الشهير جَبَان تعريب: الأستاذ خالد علي كان جميع معارفه يسمونه: سينيول الجميل، أما اسمه الحقيقي فكان: الفيكونت غونتران - جوزيف دوسينيول. يتيم وصاحب ثروة كافية، تساعده على أن يظهر بالمظهر اللائق، كما كانوا يقولون. وفوق ذلك فقد كان جميل القامة، حسن الهندام، يتكلم بطلاقة تجعل سامعه يعتقد أنه أمام رجل من رجال الفكر، هذا إلى ما كان يتحلى به من لطف طبيعي، ومظهر نبيل، واعتزاز لائق، وشارب طرير، وعين طيبة حلوة. وبالاختصار فقد كان يتحلى بكل شيء يعجب النساء. كان مدعو (الصالونات) الدائم، وهدف الراقصات المفضل، ولذا فقد كان يوحي إلى الرجال القيام ضده بشغب مرح ضاحك يكنه كل فرد منا لأصحاب المظهر الأنيق النشيط. وقد اشتهر بعضهم غراميات جديرة بأن تعطي عنه فكرة بأنه شاب ككل شاب، ولذا فقد كان سعيدا، هانئا، وعلى أحسن حال فكري ولأتمه. وقد أشيع بأنه لاعب ماهر بالسيف، وأمهر في الرمي بالمسدس. وكان يقول: _ عندما أبارز أحدا أختار المسدس، إذ بهذا السلاح أكون على ثقة من قتل خصمي. وفي ذات مساء، دعا شابتين من صديقاته مع زوجيهما، بعد خروجهم من المسرح، إلى تناول شيء من المرطبات عند (تورتوني). ولم يمض على دخولهم المقهى بضع دقائق حتى لاحظوا أن سيدا، يجلس إلى منضدة قريبة منهم، ينظر بإلحاح ووقاحة إلى إحدى مدعواته، فاضطربت، واحمر وجهها، ثم أطرقت برأسها وأخيرا قالت لزوجها: _ إن هذا الرجل يحدق بي النظر بوقاحة. إني لا أعرفه، فهل تعرفه أنت فرفع الزوج رأسه ونظر إلى الرجل وقال: _ كلا، أبدا. فقالت الشابة، وهي تبتسم ابتسامة مغتصبة: _ إنه شيء مزعج حقا. إن هذا الغريب ينغص علي شرابي. فرفع الزوج بكتفيه، وقال:

_ كفى، لا تهتمي به، إذ لو كان علينا أن نهتم بكل وقح نصادفه، فما كنا لننتهي من الحوادث. ولكن الفيكونت نهض فجأة، إذ لم يستطع أن يقبل أن ينغص هذا المجهول شرابا قدمه. ولقد اعتبر أن هذه الإهانة قد وجهت إليه، ما دام دخول أصدقائه إلى هذا المقهى كان بدعوة منه وبسببه. فالحادث إذن لا يعني إلا إياه. تقدم من الرجل وقال له: _ إنك تنظر، يا سيدي، إلى هاتين السيدتين نظرة لا أستطيع تحملها. فأرجوك أن تقلع عن هذه النظرة الملحة. فأجابه الرجل: _ هل تريد أن تدعني بسلام، أيها الرجل. فقال الفيكونت، وقد حد على أسنانه: _ حذار، يا سيدي، إنك تدفعني إلى تجاوز حدود الأدب. فلم يجب الرجل إلا بكلمة واحدة، كلمة بذيئة رن صداها في جميع أنحاء المقهى فأدار كل من في المقهى وجهه نحوهما، وحدقوا بهما، وفتل ثلاثة ندل على أكعابهم كما تدور الدوامة، وانتفضت السيدتان اللتان كانتا خلف منضدة الحسابات. وساد المقهى صمت رهيب. ثم، وبشكل مفاجئ، رن صدى صفعة عنيفة في أجواء المقهى. لقد صفع الفيكونت خصمه. فنه الشرب للتدخل، بينما تبادل الخصمان بطاقتيهما. * * * ولما دخل الفيكونت إلى منزله، أخذ يسير في غرفته، بخطوات سريعة عصبية، وكان شديد الاضطراب، لا يستطيع التفكير في شيء، وحلقت في أجواء مخيلته فكرة واحدة: مبارزة، دون أن توقظ، في نفسه هذه الفكرة، شعوراً ما. لقد قام بما كان عليه أن يقوم به، وأظهر نفسه بالمظهر اللائق بأمثاله. سوف يتكلمون عن عمله هذا، وسوف يقرونه عليه، ويهنئونه على ثأره لكرامته. . . وأخذ يعيد بصوت عال، كمن يتكلم وقد ملأت رأسه أفكار مضطربة هائجة: _ ما أشد فظاظة هذا الرجل!. . .

ثم جلس على مقعد، في طرف الغرفة، وأخذ يفكر: يجب عليه، منذ الصباح أن يهيئ شهوده. فمن ينتقي؟. . . أخذ يبحث في ذاكرته عن الأشخاص الأكثر رزانة والأثر شهرة من بين معارفه. . . وأخيرا، انتقى المركيز دولاتور - نوار والضابط بوردان: سيد عظيم، وجندي كبير. . هذا أحسن حل سوف تنشر أسمائهم الصحف فيتضح لأصدقائه أنه أحسن الاختيار. عندئذ شعر بأنه عطشان فشرب: مرة أثر أخرى، ثلاثة أقداح من الماء، ثم نهض وعاد إلى السير. وشعر بنفسه أنه يتفجر نشاطا. وفجأة خطرت له خاطرة: لو أنه أظهر شجاعة فائقة، وتصميما راسخا على الوصول إلى هدفه مهما كلفه الأمر، ولو أنه طلب شروطا قاسية خطيرة، وأصر على أن تكون المبارزة جدية، جدية حقا ورهيبة، لو أنه أصر على كل هذا فلسوف ينسحب خصمه حتما ويعتذر. أخذ بيده البطاقة - التي كان قد أخرجها من جيبه ورمى بها على المنضدة - وقرأها مرة أخرى، كما كان قرأها في المقهى بلمحة خاطفة، وفي العربة على ضوء مصابيح الشوارع وهو يعود إلى المنزل: جورج لاميل 51، شارع مونسي، لا شيء سوى هذه الكلمات. وأخذ ينظر بتمعن إلى هذه الحروف المتجمعة، التي كانت تتراءى له كأنها سرية، ملأى بالمعاني المضطربة: جورج لاميل! من يكن هذا الرجل؟! وماذا يعمل؟ لماذا نظر إلى هذه المرأة بمثل هذا الإلحاح؟ أليس مما يثير النفس، أن يقدم غريب مجهول على تعكير صفو حياتك بمثل هذه الصورة، وبشكل مفاجئ لأنه حلاله أن ينظر بكل وقاحة إلى امرأة تجاوره! ثم ردد الفيكونت، مرة أخرى، وبصوت عال: _ ما أشد فظاظته!. ثم وقف مكانه جامداً، مفكراً، وقد ثبت ناظريه في البطاقة، فتأجج في فسه غضب شديد من هذه القطعة من الورق المقوى، غضب حقود مازجه شعور بالانزعاج غريب. . . كم كان هذا الحادث سخيفاً!. . . وأخذ موسى مفتوحة، وقعت يده عليها، وغرسها في وسط الاسم المطبوع على البطاقة، كأنه يطعن شخصا أمامه في قلبه. إذن يجب عليه أن يبارز! وهل ينتخب لهذه المبارزة السيف أم المسدس؟ لأنه كان يعتبر نفسه مهانا فله إذن حق الاختيار. ولكن المبارزة بالسيف تكون قليلة الخطر، أما بالمسدس فله أمل واسع بأن يساعده الحظ على إجبار خصمه على التراجع والانسحاب. ومن النادر

جداً أن تفضي المبارزة بالسيف إلى الموت، إذ تمنع اليقظة والاحتياط المتبارزين الدنو من بعضهما لدرجة تتمكن معها ذبالة السيف من احتراق الجسم والغرض فيه. أما بالمسدس فيخاطر الإنسان بحياته بشكل جدي، ولكنه يستطيع، مع ذلك، أن ينهي قضيته، عن بعد، بشرف، دون الوصول إلى صدام. ثم قال: _ يجب أن أكون ثابت الجنان، عندئذ، حتما، يخاف. ولكن نغمة صوته جعلته ينتفض مندهشا، وينظر إلى ما حوله. وشعر بنفسه أنه أصبح شديد الحساسية، فتناول قدحا آخر من الماء وشربه دفعة واحدة. ثم بدأ ينزع ثيابه ويرتدي ثياب النوم. ولم يكد يستلقي على سريره حتى أطفأ النور، وأغمض عينيه. . . وهو يقول في نفسه: _ لدي يوم الغد بطوله كي أهتم بإنهاء هذه القضية. فلأنم الآن لأستيقظ غدا هادئ النفس. شعر بحرارة شديدة في السرير، ولم يستطع النوم، فأخذ يتقلب على الفراش: يستلقي على ظهره، وبعد برهة وجيزة، ينقلب إلى جنبه الأيمن تارة ثم إلى جنبه الأيسر تارة أخرى. إنه لا يزال يشعر بالعطش. نهض ليشرب ولما أصبح خارج السرير استولت عليه فكرة جديدة: _ هل سأكون عرضة للخوف؟ لماذا أخذ قلبه يضرب بشدة لكل حركة مأنوسة في غرفته؟ إذ عندما توشك ساعة الجدار أن تدق، يرعبه صوت صرير النابض الذي يشتد ليحك المطرقة، ويضطر بعدها أن يفتح فمه ليستطيع التنفس مدة من الزمن ما دام يشعر بضيق في صدره من شدة الخوف والاضطراب. وأخذ يناقش نفسه بنفسه عن الإمكانيات التي تجرها مثل هذه الحالة: هل سيستولي علي الخوف؟ كلا بالتأكيد، سوف لا يستولي علي الخوف، ما دام قد قرر لأن يذهب في هذه القضية إلى نهايتها، وما دام يملك هذه الإرادة الجازمة في أن يبارز، وأن لا يضطرب. ولكنه، مع ذلك، كان يشعر بالاضطراب في قرارة نفسه، حتى أنه تساءل.

_ هل يخاف الإنسان بالرغم منه؟ واكتسحته موجة من الشك والقلق والرعب. فلو أن قوة أقوى من الإرادة تسلطت عليه، قوة كاسحة لا يمكن مقاومتها أو الوقوف في وجهها، فماذا يحصل؟ أجل، ماذا يحصل؟. . سوف يذهب إلى مكان المبارزة حتما، ما دام يريد الذهاب ولكن إذا فقد وعيه هناك؟! وأخذ يفكر في حالته عندئذ، وفي سمعته، وفي شهرته. وتملكته رغبة غريبة مفاجئة، في أن يذهب إلى المرآة لينظر فيها إلى نفسه. وأضاء شمعته، ونظر في المرآة. ولكنه لم يعرف نفسه بصعوبة من الصورة التي عكستها له صفحة المرآة. وخيل إليه أنه لم يكن قد رأى نفسه قط. رأى عينين ضخمتين وارمتين، ووجه أصفر. بالتأكيد كان أصفر الوجه، صفرة فاقعة. . . بقي واقفا أمام المرآة. ومد لسانه كأنه يريد أن يعرف منه حالته الصحية. . وفجأة لمعت في رأسه فكرة كما تلمع الرصاصة عند خروجها من فوهة المسدس: _ بعد غد، وفي مثل هذه الساعة، من الممكن أن أصبح في عداد الأموات. هذا الإنسان الواقف أمامي، هذا الأنا الذي أراه في هذه المرآة سوف لا يكون حيا أبدا. كيف! ها أنا ذا إني أنظر إلى نفسي، إنني أشعر بنفسي إنني حي ولكن بعد أربع وعشرين ساعة سأكون ممددا فوق هذا السرير، ميتا، مغمض العينين، باردا، لا حراك بي، سأكون قد اختفيت من عالم الوجود. أدار وجهه نحو السرير، فتراءى له أنه يرى نفسه، بكل وضوح، مستلقيا على ظهره، في نفس الأغطية التي تركها منذ لحظة، بوجه أجوف كوجوه الموتى ويدين رخوتين، لا تتحركان أبدا. فاستولى عليه خوف شديد من سريرته، وغادر غرفة نومه إلى غرفة التدخين حتى لا يعود يراه. وتناول سيكارا فأشعله وأخذ يسير. شعر ببرد شديد يكتسح جسمه فذهب إلى الجرس ليقرعه ويوقظ خادمه، ولكنه توقف بعد أن امتدت يده إلى حبل الجرس: _ سيلحظ الخادم أني خائف. فلم يقرع الجرس، وأشعل المدفأة بنفسه. وشعر بأن يديه كانتا ترتجفان ارتجافا عصبيا، كلما كانتا تلمسان شيئا. وأحس برأسه كأنه يدور، وأصبحت أفكاره المضطربة سريعة

الانفلات، كثيرة التقلب المفاجئ، مؤلمة. . واكتسحت مخيلته نشوة هنيئة لينة كأنه سكران. وكان لا يني يتساءل: _ ماذا يجب علي أن أعمل؟ وماذا سيكون من لأمري؟ وكانت جميع أعضاء جسمه ترتجف، وقد اجتاحته اهتزازات متقطعة، فاتجه نحو النافذة واقترب منها، وأزاح الستائر عنها. بدأت طلائع الصباح تظهر. . طلائع صباح يوم من أيام الصيف، وقد صبغت السماء الحمراء المدينة بلونها الأحمر، وكذلك صبغت السقوف والجدران، وأخذ بلف العالم المستيقظ نور لطيف أشبه بمداعبة الشمس المشرفة. وإلى جانب هذا النور الذي يستولي على العالم، استولى على قلب الفيكونت أمل باسم، سريع، مفاجئ! هل أصابته نوبة من الجنون حتى بدع نفسه هكذا فريسة الخوف والقلق والاضطراب، قبل أن يتقرر شيء نهائي، وقبل أن تجتمع شهوده بشهود جورج لاميل، وقبل أن يعلم ما إذا كان خصمه سيقبل المبارزة بشروطها القاسية؟ غسل وجهه، وارتدى ثيابه، وخرج بخطى ثابتة. * * * كلا يردد، وهو يسير: _ يجب أن أكون مرحا ونشيطا. يجب أن أثبت أن الخوف لم يجد سبيلاً إلى نفسي. وضع شاهداه: المركيز والضابط، نفسيهما تحت تصرفه. وبعد أن صافحاه بحرارة، أخذا في مناقشة الشروط: سأل الضابط: _ هل تريد أن تكون المبارزة جدية؟ فأجابه الفيكونت: _ أجل! جدية. فقال المركيز: _ وهل تصر على استعمال المسدس؟ _ نعم.

_ هل تترك لنا الحرية في تسوية بقية الأمور؟ فقال الفيكونت بصوت أجش متقطع: _ عشرون خطوة. وعند الإيعاز يرفع السلاح بدل خفضه. تبادل إطلاق النار حتى يجرح أحدنا جرحا خطيرا. فأعلن الضابط بصوت بهيج راض: _ إنها شروط عظيمة. ولما كنت تجيد إطلاق النار، فجميع الظروف في جانبك. ثم ودعاه، وذهبا، وعاد الفيكونت إلى منزله لينتظرهما. وأخذ اضطرابه، الذي هدأ نوعا مدة من الزمان، يشتد الآن من وقت لآخر، حتى أصبح يشعر بارتجاف واهتزاز متواصلين يكتسحان كيانه بكامله، فصعب عليه البقاء والجلوس أو الوقوف في مكان واحد. وأصبح لا يوجد في فمه أي أثر للعاب، وصار لا يستطيع تحريك لسانه في فمه إلا بشدة يخرج بعدها صوت ناشف فمن يريد أن يقتلعه من قبة الحنك. أراد أن يفطر، فلم يستطع الأكل، ففكر في أن يشرب، لعل الشراب يعطيه شيئا من الجرأة، فأحضر زجاجة من الروم، ابتلع منها قدحا بعد قدح: ستة أقداح صغيرة. فشعر بحرارة محرقة تبعتها نشوة روحية. فقال في نفسه: _ وجدت الآن الوسيلة. لقد سار كل شيء على ما يرام. ولكن بعد ساعة كان قد أفرغ جميع ما في الزجاجة في جوفه، دون أن يصل إلى تخفيف اضطرابه وقلقة، فشعر برغبة جنونية في أن يمرغ نفسه على الأرض. . في أن يصرخ. . ويعض. وأخيرا بدأ يرخي سدوله على المدينة. قرع الجرس، فأجفل واضطرب ولم يتمكن من النهوض لاستقبال شاهديه. لم يجرؤ حتى على مخاطبتهم، ولا على القول لهم سعد نهاركم، وكذلك لم يجرؤ على أن يفتح فمه ولو بكلمة واحدة، خوفا من أن يلحظ أن شيئا قد تغير في نبرات صوته. قال له الضابط: _ لقد هيأنا كل شيء، حسب الشروط التي عينتها. لقد طلب خصمك، في أول الأمر، أن تكون له امتيازات المهان، ولكنه عدل حالا عن طلبه، ورضي بكل شروطك. وقد عين

شاهديه، وهما جنديان. فلقط الفيكونت كلمة: _ شكراً. وقال المركيز: _ نأسف على أننا لا نعمل إلا الدخول إلى منزلك والخروج منه، ولكن لا يزال علينا أن ننهي كثيراً من المهام. يجب أن نهيئ طبيبا ماهرا، ما دامت المبارزة لا تنتهي إلا بجرح خطير، وأنت تعلم أن الرصاص لا مزاح معه. وكذلك يجب أن نعين مكانا قريبا من أحد المنازل لكي ينقل إليه الجريح بالسرعة التي تدعو إليها الضرورة. . الخ. ولذا فلا نزال بحاجة إلى ساعتين من الزمان لإنهاء أعمالنا. . فأعاد الفيكونت مرة ثانية: _ شكراً. فسأله الضابط: _ هل تتمتع بصحة جيدة؟ وهل تشعر بهدوء وراحة؟ _ أجل أشعر بهدوء تام. شكراً. وانسحب الرجلان. وعندما رأى نفسه قد أصبح وحيداً مرة أخرى تراءى له أنه صار مجنوناً. وبعد أن أضاء له خادمه النور جلس خلف مكتبه ليكتب بعض الرسائل. تناول القلم وخط فوق صفحة من القرطاس: هذه هي وصيتي. ثم انتفض فجأة ونهض مطرباً وابتعد عن المكتب، وقد شعر بنفسه أنه عاجز حتى عن التوحيد بين فكرتين أو اتخاذ قرار ما أو تقرير أي شيء من الأشياء. إذاً لقد تحقق الأمر ولسوف يذهب حتماً إلى المبارزة! إنه لم يتمكن من تفادي هذا الأمر. . . ماذا جرى له؟ كان يريد أن يبارز ولكن إرادته هذه قد توقفت تماماً الآن، وأصبح يشعر شعوراً واضحاً_رغم كل مجهود فكري، وكل إرادة قوية - بأنه سوف لا يستطيع المحافظة حتى على قواه الضرورية التي تساعده على الوصول إلى مكان المبارزة. . . أخذ يجهد أفكاره ليتخيل المبارزة ويتخيل وضعه ووضع خصمه.

وأخذت أسنانه تصطك في فمه من وقت لآخر. . . أراد أن يقرأ شيئاً يتعلق بالمبارزة فتناول كتاب: قانون المبارزة لمؤلفه شاتوقيار. ثم تساءل: _ هل كان خصمي يرتاد أماكن الرمي بالرصاص؟ وهل حاز على درجات فيها؟ كيف أستطيع معرفة ذلك؟ فتذكر كتاب البارون دوفو على أبطال الرمي بالمسدس فتصفحه من أوله إلى آخره. جورج لاميل لم يجد هذا الاسم بين أسماء الأبطال المسجلين في الكتاب. ولكن بالرغم من هذا إذا لم يكن الرجل من أبطال الرمي بالمسدس لما قبل بهذه السرعة المبارزة بهذا السلاح الخطر وبشروطي القاتلة!! ثم فتح وهو يسير في الغرفة عليه مسجلاً عليها اسم محل غاستين رونيت كانت موضوعة فوق منضدة صغيرة إلى جانب مكتبه، وتناول منها أحد المسدسين الموجودين فيها، وأخذ وضع من يريد أن يطلق النار ورفع يده بالمسدس ولكنه كان يرتجف من قمة رأسه حتى أخمص قدميه وكانت فوهة المسدس تهتز وتضطرب بيده المرتجفة. عندئذ قال في نفسه: _ مستحيل. لا أستطيع المبارزة وأنا على هذه الحالة من الاضطراب. ثم أدار المسدس نحو وجهه وأخذ ينظر في فوهته، ينظر إلى هذا الثقب الصغير الأسود العميق، الذي يبصق منه الموت، وأخذ يفكر كيف سيلطخ اسمه بالعار وكيف ستلوك سمعته الألسنة في النوادي، وكيف سيقابل في ضحكات الهزء والسخرية في (الصالونات) وكيف ستحقره النساء وستعرض به الصحف وكيف سيقذف الجبناء في وجهه بالشتائم والسب. إنه لا يزال ينظر إلى المسدس، ثم رفع الزناد فرأى تحته كبسولة حمراء تلمع كأنها شعلة صغيرة من نار. فالمسدس إذاً محشو، صدفة أو نسياناً، فشعر لهذا بفرح مبهم غامض. إذ لم يقف أمام خصمه الموقف النبيل الهادئ الذي يجب أن يقف عليه، يكون قد أضاع نفسه إلى الأبد، يكون قد لطخ اسمه ووسم نفسه بميسم العار، ويطرد بعدها من المحيط الذي يعيش فيه! لكنه بالتأكيد لا يستطيع الوقوف بهذا الموقف الهادئ العنيد، إنه يعلم ذلك ويشعر به منذ الآن. ومع ذلك فقد كان شجاعاً، ما دام. . . ولكن الفكرة التي خطرت له لم تتم في ذهنه، إذ فتح فمه إلى أقصى حد يستطيعه وأدخل فيه فجأة فوهة المسدس حتى وصلت إلى حنجرته ثم ضغط على الزناد. . .

وعندما أسرع خادمه إلى الغرفة بعد أن سمع صوت الطلق الناري وجده قد فارق الحياة وقد انقلب على ظهره، ولوثت دفعة من الدم الورقة البيضاء الموجودة فوق مكتبه، ورسمت بقعة كبيرة حمراء فوق هذه الكلمات: هذه هي وصيتي خالد علي

نادي المعلمين

نادي المعلمين للأستاذ سعيد القضماني بهذا العدد المزدوج الممتاز تطوي المعرفة سنتها الأولى وهي على خير ما تختتم مجلة سنتها في هذا البلد، وفي مثل هذه الظروف حيث تعثرت فيها صناعة الفكر والتوت سبل النشر. وما كان ليستقيم لنا أمر المجلة وتطرد فيها أسباب الحياة، لولا صحة العزم وتضافر الجهد ونبل الغاية. وأعضاء أسرة التعليم هم الذين حققوا لك العزم الأكيد، والتعاون الوطيد، والغاية النبيلة الخالصة فالمجلة انبثقت عنهم وتحققت بهم والنفع إليهم آخر الأمر فهي منهم وبهم وإليهم. وإذا كانت المجلة رمزاً للتعاون المشترك بين أسرة التعليم كافة من مسؤول شجع وآزر، وأستاذ أيد وحرر ومعلم عمل وبذل ومعلمة دعت واشتركت فهي أيضاً الدليل البين الحي على قدرة الأسرة لأن تنهض بجلائل الأعمال وتحقق خير المشاريع وأبدعها غاية. وما كنت لأرغب بأن أقحم الحديث عن المجلة في مستهل البحث لولا رغبتي في أن أقرر في الأذهان قدرة أسرة التعليم على القيام بالأعباء وأن أدلل على القوة الكامنة في أوساط المعلمين والمعلمات التي يجب أن تنجمع وتتكتل وتوجه لصالح الأمة أولاً ولصالح الأسرة آخراً. أما المشروع الجديد الذي ندعو أسرة التعليم لتحقيقه فهو إقامة نادي للمعلمين أو أندية لهم على الأصح. وفكرة إقامة أندية للمعلمين ليست بالفكرة الطارئة بل ترجع إلى عشر من السنوات عندما هبت على البلاد نسمة طرية منعشة من الحرية وانزاح عنها شيء من كابوس بغيض ثقيل وكان انبثاق فكرة النادي مع انبثاق فكرة هيئة التعليم وإذ كانت الحياة قد توفرت لهيئة التعليم فإن عقبات وصعاباً أقيمت في وجه قيام النادي فلقد رأى المسئولون وقتئذ أن تكتل المعلمين الطبقة المثقفة الواعية قد يدفع بهم لأن يكون لهم رأي في الوضع القائم لا ينسجم مع رأي الدولة السائدة. فكان جواب وزير المعارف لوفد المعلمين الذي حمل إليه فكرة تأسيس النادي اذهبوا فمدارسكم أنديتكم كان هذا الجواب منذ عشر سنوات خلت مرت بهذه

البلاد، والعالم أجمع بتجارب قاسية نضج فيها الوعي واتسعت الصدور وانفسحت رحاب التفكير عند الرعية والرعاة. بالأمس تكرم فخامة الرئيس الأول فافتتح نادي المحامين الذي ضم شمل رجال القانون على اختلاف ألوانهم الحزبية ومنازعهم السياسية، ثم تبرعت لهم الدولة بأرض تشاد عليها بناية للنادي. وبالأمس أيضاً تفضل جلالة الملك فاروق فافتتح في القاهرة نادياً فخماً ضخماً للمعلمين باحتفال فخم ضخم مهيب، ساق فيه وزير المعارف كلمات حلوة مشجعة أنصف فيها فئة المعلمين والفئة الكادحة المغبونة الراحمة المظلومة. ومنذ زمن بعيد نجد أندية المعلمين منتشرة في العراق لا تقتصر على العاصمة بغداد، بل يقوم للمعلمين ناد في كل مركز من مراكز الألوية والأقاليم. إن إنشاء نادي للمعلمين تدعو إليه حاجات ملحة وتقتضيه ضرورة قاهرة: مادية وأدبية ومسلكية وثقافية واجتماعية وترفيهية أيضاً. فالنادي ضرورة مادية لأن كل فئة أو جماعة من الناس لا تستطيع أن تصل إلى حقها المادي ما لم تفرض وجودها واحترامها على الناس عن طريق اتحادها وتضامنها، وتلك سنة طبيعية تسير عليها نواميس الحياة، ونرى لها شواهد كل يوم في منطق الحوادث وواقع الأمور. والنادي ضرورة أدبية لأنه من غير الجائز ألا تحتل أسرة التعليم مكانتها الأدبية في المجتمع، وهي خير أسرة تجمع بين أفرادها وحدة الثقافة ووحدة الغاية وهذا العمل الشاق الخطير النبيل. وإنها لظاهرة تدعو إلى الفخر والألم معاً ذلك أن غالبية الأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية وحتى بعض السياسية، يساهم في توجيهها والإشراف عليها والعمل فيها نفر من أسرة التعليم فمن الحق والمنطق أن يتجمع هذا الجهد ويتركز هذا النشاط في نادي المعلمين المنتظر. والنادي ضرورة مسلكية: إذ من البداهة أن اجتماع أبناء السلك الواحد في نادي واحد، مما يعود بالنفع على السلك نفسه، فيتداول الملمون مشاكل المهنة ويتذاكرون في طرق معالجتها. ثم إن مكتبة النادي تؤمن لهم الإطلاع على أحسن كتب التربية الحديثة وأرقى لمجالات المسلكية عدا عن المحاضرات وعقد المؤتمرات التربوية.

والنادي ضرورة ثقافية: إذ لا يكفي أن يقتصر المعلم على الثقافة المسلكية، بل من الواجب أن ينهل من موارد الثقافة العامة ويجول في أفق المعرفة الرحيب وقديماً قيل: المعلم تلميذ دائم فالنادي يسهل لهذا المعلم التلميذ جواً ثقافياً ملائماً. وسعة الإطلاع عدا عن أنها ضرورية للمعلم لتعينه في مهنته، وهي أشد ضرورة له لتجلي ما يعتري النفوس والعقول من صدأ العمل الآلي الرتيب ومتاعب ذاك الصراع الدائم بين أن نرفع الأطفال إلى مستوانا أو أن ننخفض إلى مستواهم. والنادي ضرورة اجتماعية: وهل من هو أجدر من المعلم لأن يشارك في حياة المجتمع ويندمج في مظاهر النشاط الاجتماعي العام حتى يستطيع أن يطبق مبدأ المدرسة إعداد للحياة الذي يتطلب منه مشاركة في ألوان الحياة وتفهماً لحاجاتها ليتمكن من إعداد الجيل وفق مقتضيات المجتمع ومن جهة أخرى فإن لمشاركة في مظاهر النشاط الاجتماعي، يخرج بجمهرة المعلمين من آفة الانطواء على النفس التي إذا أضيفت إلى متاعب المهنة وآليتها كانت لها أسوأ النتائج. والنادي أخيراً ضرورة ترفيهية: فالمعلم جدير بالترفيه الخالص والتسلية البريئة لأنه يعمل بعقله وأعصابه. فمن حقه أن يفتش عن راحة لهذا العقل المتعب والأعصاب المرهقة إذا ما انفلت مساء من جوه المدرسي وانطلق إلى ناديه الذي يجب أن يضم كل أنواع التسلية والذي سيكون له فريقه الموسيقي والتمثيلي والرياضي، والذي سينظم الرحلات ويقوم بالزيارات في داخل البلاد وفي العالم العربي. سعيد القضماني

الحد الأدنى لمستوى المعيشة

الحد الأدنى لمستوى المعيشة أول حق يجب أن يتمتع به المواطنون، وهو أهم دعامة لتحقق العدالة الاجتماعية هو عدم الهبوط عن حد أدنى لمستوى المعيشة المادية. فالفقر أسس الرذيلة والعوز المادي من أشد عوامل السقوط وأقوى الدوافع على الإجرام، والفقر مرض من أشد الأمراض والفاقة آفة من أفتك الآفات. وفي جميع شعوب العالم نجد أن عظمة الدولة ورقيها وهيبتها حكومة وشعباً يصحبها دائماً ارتفاع في مستوى معيشة الشعب أو على الأقل الأغلبية الساحقة منه. أما الدول المتأخرة الضعيفة فتتميز دائماً بانحطاط مستوى المعيشة لعامة شعوبها وفقرهم، وكلما كانت الدولة غنية في مواردها الطبيعية وفقيرة في شعبها كلما كان عارها عظيماً حكومة وشعباً وكلما كانت فريسة للسطو والاستعمار.

أيصبح معلما

أيصبح معلما للأستاذ رشاد الأسطواني لست أدري لماذا وقع اختيارك علي في توجيه هذا السؤال؟ إن ما أعرفه عنك أنك رجل قد أتيحت له الحياة الرياضية، وتستقبل نهارك مغتبطا مبتهجا، وتقضي أيامك فرحا جذلا، فكيف ترغب لابنك الشقاء والعذاب وشظف العيش ومرارة الحرمان، وتود أن تدفع به إلى عمل مضن، لا يؤمن له حتى الكفاف؟ فاسمع أيها الصديق قصة معلم قضى عشرين سنة في مهنة التعليم ثم اختر لابنك ما يحلو!. . إن مهنة التعليم من أجل المهن أسماها، ومركز صاحبها من أكبر وأعظم وأقدر المراكز. فهو منشئ النفوس، وباعث الحياة، وقائد الزمن، وموقظ العقول، وممهد الطرق الوعرة، ومعبد المسالك المحفوفة بالمخاطر، وهو أرفع الناس شأنا، وأعزهم مكانا، لما ينقشه على الصدور، وينفخه في الأرواح، ويخلقه في الجيل. وهو الذي يقاتل الجهل، ويحارب الأمية، ويقضي حياته في خدمة أمته وأبناء وطنه وتقدم بلاده. وهو الذي جاهد وناضل وكافح وجاد بالنفس والنفيس، حتى كتب النصر لنا وأقصي المستعمر الغاشم عن بلادنا بدون ردة. وقد صدق بسمارك في قوله: لقد غلبنا جارتنا بمعلم المدرسة. وهو الذي اعترف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفضله لما رأى مجلسين: أحدهما فيه قوم يدعون الله عز وجل ويرغبون إليه، وفي الثاني جماعة يعلمون الناس فقال: إنما بعثت معلما ثم عدل إليهم وجلس معهم. وهو الذي شاد بذكره مارتن لوثر المصلح الألماني وجعله في مصاف القادة الروحيين إذ قال: لو أتيحت لي الفرصة في ترك وظيفة الوعظ والإرشاد، ما اخترت مهنة غير مهنة التعليم. وهو الذي طلب إليه العالم الاسرائيلي هي بن شريرا المكافأة على عمله، لأن ما يقدم إليه في الحقيقة يقدم إلى الأبناء. فلا غرابة إذن، إذا أوصى العالم السويسري المشهور أجاسيز ألا يكتب على قبره إلا كلمة واحدة، هي كلمة معلم. ولا غرابة أيضاً إذ قال المغفور له الملك فيصل الأول: لو لم أكن ملكاً لكنت معلماً. * * * أما في سورية، فقد تعودنا حكومة وشعبا أن نحقر أمر التعليم الابتدائي، ونحقر القائمين

عليه والمتفرغين له، ونبتذلهم ونستهين بهم، وننظر إليهم كنظرتنا إلى خوجه أفندي العثمانيين، ونجعلهم يشعرون أنهم مراكز متواضعة، وأنهم من طبقة منحطة ذليلة، ونعتبر عملهم من أسهل وأيسر وأبسط الأعمال. أيها الصديق! لم أفكر أبدا أن أكون موظفا في يوم من الأيام، لأني لا أعد الوظائف الحكومية حتى مناصبها الرفيعة غنما عظيما كما يعدها العاجزون فاخترت بادئ ذي بدء التجارة، وعملت عند أحد تجار دمشق ثلاثة أشهر لم أتعلم خلالها سوى تنظيف البلاط، ومسح الزجاج، وعرض البضائع، وترديد: هذا بخمسة وذاك بستة، وتلك بعشرة، والسعر محدود، والدين ممنوع، والعتب مرفوع، والرزق على الله. فسئمت هذا النوع من التجارة ومللته. وأخذت أبحث عن عمل آخر أكسب منه رزقي، فسدت جميع الأبواب في وجهي، إلا باب التعليم، فدخلته مكرها وبعد اجتياز مسابقة. دخلته لأتاجر في العقول والأرواح والمشاعر، دخلته لأربح نفوسا وقلوبا. ولكني لم أخلق لهذه التجارة ولم أعد إعدادا خاصا لها ولا أعرف شيئا عن خفاياها. فأخذت أخيط خيط عشواء، أحشو أذهان الطلاب بألفاظ وعبارات دون الاهتمام بمدلولاتها وبمعانيها، وأشحن أدمغتهم بقواعد جافة مجردة، وأدفعهم إلى العلم دفعا، وأكلفهم حمل ما لا طاقة لهم به، وأحملهم على إدراك ما لا تقوى عليه مداركهم من غير مراعاة لميولهم ونزعاتهم وسنهم وحالهم الصحية ومستواهم العقلي والبيئة التي يعيشون فيها، حاملا الكتاب بيميني والعصا بشمالي، مهددا بالعقاب الصارم، مرغما على إظهار الخضوع والإطاعة العمياء، داعيا إلى حفظ النظام. وهكذا أخذت أتلف العقول، وأفسد النفوس حتى ضاقت نفسي اضطرب عقلي، وأخذت أشكو من الزمن الذي رماني بهذه التجارة الفاشلة المفلسة، وأسب القدر الذي بلاني بها، مفتشا عن طريق النجاة والخلاص، إلى أن أتيح لي من ولد في نفسي حب الأطفال وتعليمهم، ومن أرشدني إلى أقوم الطريق وأحسنها، ومن دفعني إلى البحث والدرس والتنقيب والإطلاع، ومن وضع بين يدي الكتب العلمية والاجتماعية والأدبية، وكتب التربية وعلم النفس، ومن أهداني إلى المجلات المسلكية حتى أصبح تدريسي خصبا منتجا، وعملي منظما مرتبا والمناهج التي بين يدي حية مثمرة. وانقلب شقائي وعذابي إلى لذة وسعادة، وخسارتي إلى ربح، وفشلي إلى نجاح.

قضيت مدة على هذا المنوال، عشت فيها عيشة راضية، أتقاضى أجرا يلائم عملي، ويؤمن لي منزلا فخما ومأكلا شهيا وملبسا فاخرا. والمعلم إنسان كغيره من الناس، له الحق المطلق في أن يعيش ويتزوج. أقدمت على الزواج ولم أفكر أن أقدم عليه تحسينا لحالتي المادية، ولم أطلب به مالا أدخره، أو صفقة تجارية أربحها، أو مكانا مرموقا في المجتمع أظفر به، بل حبا بالحياة المشتركة وبناء أسرة جديدة. . . لم تدم الحياة الراضية، والنعمة السابغة طويلاً بعد الزواج، إذ أعلنت الحرب، وارتفعت الأسعار، وأثقلت الأسرة، وأصبح الراتب لا يفي ثمن خبز أفرادها. فأخذت أبيع مما ورثته وأنفق في سبيل تربية أبنائي وبناتي وتعليمهم خيرا مما ربيت وعلمت. وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى ضاع مني كل ما أملك من حطام الدنيا. ها قد جاء دوري في الإفلاس، ولكن تجارتي في العقول والأرواح والمشاعر بقيت محافظة على ازدهارها. . وها أني أحيا حياة ثقيلة مملوءة بالظلمات والمتاعب، لا أنعم بلحظة من سرور، ولم تعد تغمرني موجة من فرح أو حبور، أعيش ولا أدري لماذا أنا عائش، ولا لماذا يبقيني الزمان. ولا أرى عندما أغفو سوى وجوه الدائنين وهم ينظرون إلي شذراً وكل منهم يلوك كلمات يحاول توجيهها. أوليس الموت أحب من الحياة؟. وما قيمة الشباب الذي يذوي ويفنى بالوجوم والحزن وذهول العقل؟. وما قيمة الشاب الذي يقضي شهرا كاملا مطأطئ الرأس منتظرا الراتب الذي يؤمن له اللقمة السوداء. أين الديموقراطية التي تكفل للناس الحياة القابلة للتطور والرقي من ناحيتها المادية ومن ناحيتها المعنوية؟ أين الديموقراطية التي لا تكتفي إذا بلغ الفرد طورا من أطوار الحياة المادية أن يقف عنده ولا يعدوه حتى يموت وتمكنه. يجوزه إلى غيره خير منه؟ كيف يراد مني أن أبعث الحياة والنشاط في نفوس أبناء الأمة، إذا كنت أقاسي شظف العيش ومرارة الحرمان!. وكيف يراد مني أن أؤتمن على التلميذ، وأحميه، وأحيطه، وأربيه، وأتعهده بالرعاية والعناية حتى يصبح رجلا نافعا لأمته ووطنه، وأولادي في البيت يئنون من شدة المرض، لا طبيب يعودهم، ولا علاج يمكن آلامهم، ولا غذاء يملأ بطونهم، ولا كساء يحميهم من شدة البرد!.

فحياتي أصبحت حياة هموم وأكدار، كلها كد وجد وإرهاق، تسير على وتيرة واحدة. فليس هناك أي تجدد أو تنوع. وإنما هو جهد يبذل دائما في غير شوق، وإرهاق يعاني في غير لذة أو بهجة. أبذل أكثر مما أنال، وآخذ أقل مما أستحق. وقد تقول لي - أيها الصديق - ألم تر تمتع رفاق لك بالمناصب الرفيعة يجنون ما جهدت في سبيله وإياهم وأنت أنت لا تحول ولا تبدل؟ أجل! إن في هذا البلد رجالا يفهمون من الحياة النسيان والغدر والخداع، إذا ابتسم الدهر لأحدهم بنى سراعاً بينه وبين ماضيه سدا يخيل إليه أنه سد منيع، وأخذ يتلكع وراء هذا السد الصفيق، ضاربا بالذكريات والأخوة عرض الحائط، وجاعلا من حطام الصداقة سدى أثرته الكريهة ولحمة نفعيته المقيتة. وهؤلاء هم أقسى الناس قلبا، وأعظمهم كيدا، وأكثرهم دهاء ومكرا، يبطنون ما لا يظهرون، ويظهرون ما لا يبطنون، لا يقلقهم بؤس البائسين، ولا تزعجهم نكبات المنكوبين. * * * أيها الصديق! هذا حالي، وما آل إليه أمري من فقر وبؤس وشقاء وعذاب بعد قضاء عشرين سنة في مهنة التعليم!. . أجل إن التعليم صناعة شريفة، وفن جميل، به نصنع النفوس، ونزين الأرواح غير أن المعلم إنسان لا يقدر أن يحيا دونما يأكل، ولا يستطيع العيش من الماء النقي والهواء الطلق، إن للمعلم حاجات يكتفي بالأقل القليل منها، ولا بد من إقامة عوزه وإرضاء رغباته الأساسية الأولى، وإذا كانت هذه هي الحقيقة المرة، فالخير كل الخير في مجابهتها وعلاجها، ذلك لأن التعليم - في وضعه الحالي على الأقل - عمل مضن شاق، لا يجد فيه صاحبه ما يسد به رمقه، فأشفق على ابنك وارحمه من هذا المصير المحزن أو اختر له ما يحلو. . رشاد الأسطواني

إهانة

إهانة كانت الملكة جان زوجة لويس الثاني عشر تضيق بالكتب التي تهدي إليها، إذ لا نجد لديها متسعا من الوقت لمطالعتها. وحدث أن ألف أحد الكتاب كتابا عن حياتها وعنوانه كما يلي: (جان الفرنسية) وبعد مدة تلقى منها رسالة ودية جاء فيها: _ أشكرك على كتابك الممتع القيم عن (جان دارك).

العروس

العروس للآنسة نور الهدى محروس بدأ الهواء يتحرك قليلاً قليلاً قبل أن تهتز النواقيس بفترة وجيزة، وأخذ النسيم يحدث تبدلا عظيماً لا في الأصوات والألوان، ولا في الروائح والعطور، بل في شيء آخر هو حفيف جسم العصافير الحار، في زاوية من سماء باريز حيث ينساب نهر السين على مقربة من كنيسة (نوتردام). وكان رجل قد اضطجع ليلا في شق من شاطئ النهر. وقد اختار حفرة مستطيلة بين الأحجار تمدد فيها واستسلم للنوم، في تلك البقعة حيث اعتادت الشمس أن تنصب خيمتها الذهبية الفاترة، وقد مضى الليل وهذا الرجل طريح الأرض، وما كاد يفتح عينيه لنور الغد حتى تراءى له الفضاء الرهيب، الموحش رهبة وقسوة، وكانت الغيوم تتراكض مسرعة وقد راح الهواء يطردها ويدفعها إلى الأمام دفعاً لا هوادة فيه. وتمتم الشريد مخاطباً نفسه فقال: _ يا لك من يوم رديء! فما راعه إلا صوت يجيبه _ بل قل. . يا لك من يوم بديع. وأدار الشريد رأسه على طريقته الخاصة وقد ظهرت عليه سيماء الملوك بثيابه الممزقة المهلهلة المسدلة على جسمه الهزيل بأناقة ونبل، ونظر ملياً إلى قارع الأجراس وقد اتكأ على مسافة قريبة منه ثم نظر في كتاب (الأفكار) لباسكال وأخذ يقرأ. وود قارع الأجراس أن يعبر عن احتقاره لهذا الشريد فاقترب منه متحدياً وقال: يوم سعيد يا سيدي. وبسرعة البرق تذكر الشريد أن الأجراس ستقرع بعد هنيهة، فاخفي رأسه في حقيبته القماشية التي كان يستخدمها كوسادة للنوم. وجمد في مكانه لا يبدي حراكا بينما سد أذنيه بأصابعه بقوة وعصبية وقد اخذ قلبه يضرب كمطارق الحداد ويتصارع مع أضلاع صدره البارزة. انتهت هذه الفترة الوجيزة الرهيبة فصعد الرجل الدرج متكأ على حاجز الجسر وقد ظهرت

أمامه كنيسة نوتردام بعظمتها الجبارة، كأنها كائن متعجرف ينفس بصعوبة ويزخر صدره بالحقد والضغينة بينما غاصت جدرانها في الماء الباسم الشاحب وقد غطاها اللبلاب السابح. وابتعد الرجل وهو يجر قدميه جراً. كان هيكله المنحني يوحي بان أعضاءه لم تركز في مواضعها المعينة فقد كان احد ذراعيه اقصر من الآخر وقد انخفض كتفه الأيسر نسبياً كما انه ليمكن القول بأن ضربة قوية قد أزاحت فكه الأسفل عن موضعه الأصلي فرد على ذلك اللحية الغبراء والوجه الشاحب والهالة السوداء التي تحيط بعينيه الكسيرتين. وعرته رعشة قوية ولج احد الأزقة الصامتة حيث لا تصل أشعة الشمس بسهولة وتابع سيره ورأسه غارق بين كتفيه وقد تملكه الفزع من أن تفاجئه الأجراس بأصواتها القاسية مرة أخرى لإحياء هذا اليوم. . . يوم عيد الفصح فهو يود أن يدفن هذا اليوم ويواريه النسيان قبل أن يحيا. وراح يسير على غير هدى إلى أن ساقته قدماه إلى شارع تطل عليه الواجهة الخلفية لإحدى الكنائس وقد ربضت كأنها فارة ضخمة عاتية بلون الرصاصي وما أن رآها حتى دار على عقبيه بسرعة ليعدل عن الطريق وللحال ألفى نفسه وجهاً بوجه أمام عروس تسير خلفه بخطى وئيدة وقد ارتدت حذاء مخمليا ناعماً. كانت تتكسر وتتعطف وقد ظهر وجهها الملألئ من تحت برقعها الشفاف البضة فقد أخفتها في قفازين مصنوعة من خيوط بيضاء. نظر إليها الرجل نظرة حادة جعلتها تتسمر في مكانها وقال لها:_كم تشبهين سيسيل؟. . فهل أنت سيسيل تعود إلى الأرض من جديد؟ وبعد فترة من التردد أجابته العروس الصغيرة بان لا إذ شعرت بحاجة لان تقول له نعم كي تواسيه. ولكنها أخيرا تمتمت: _ لقد أخطأت يا سيدي. . فانا لست سيسيل بل أنا نيومي بيسون وقد كللت هذا الصباح فقط ونظراً لكوني وحيدة في منزلي فقد تحتم علي أن أهيئ الطعام بنفسي وان اجلب ما يلزم لذلك من السوق، وقد عرض علي (جان لويس) _اعني زوجي_بان يصحبني ولكني رفضت لأنني أفضل السير وحدي. . . وفي هذه الأثناء قرعت الأجراس ونظرت الفتاة في وجه الشريد فإذا بعينيه وقد احمرتا حتى أصبحتا كالدم تجول فيهما الدموع. فحيته قائلة: الوداع يا سيدي وليحرسك الله. . .

_ ليحرسني الله. . يا لك من غريرة أو تذهبين هكذا مسرعة دون أن تصغي إلي، أنني أحب أن أقص عليك قصة سيسيل فهي ستعلمك أشياء كثيرة يا صغيرتي. . اجل لو صادفت سيسيل يوم زفافها أي منذ ثلاثين عاماً، شخصاً مثلي يحدثها عن الحياة لتغير كل شيء. . حارت الفتاة في أمرها فركضت إلى زاوية الشارع، ورأى الرجل ثيابها الحريرية المتوجة وقد ألقت عليها الشمس شعاعها المذهب فأهاجه ذلك وحرك في نفسه الذكريات الأليمة فلحق بها وامسك ذراعيها بقوة ثم قال بلهجة الآمر: _ تعالي معي. وألقى عليها نظراته المعهودة ففقدت كل إرادة ولم تقو على المقاومة بل سارت طائعة مختارة وكأنها في حلم ثم همست كالمأخوذة: ولكن الطعام لن يكون جاهزاً في حينه وسيثور جان لويس لذلك. . _ ها ها ها. . سيكون جان لويس مخطئا إذا ثار إذ انه سيمضي بقية عمره رهين المخاوف. وسار في طريق يؤدي إلى ساحة هادئة تتوسطها حديقة صغيرة وتحيط بها أشجار الدلب المكسية بالقشور الذهبية وقال الشريد: _ لندخل الساحة. ودخلا. كان الظل مخيما، والهدوء شاملا. وما من كائن حي هناك عدا قطة متوحشة لاذت بالفرار خوفا من ثياب العروس البيضاء. وتوجه الشريد إلى مقعد واجبر نيومي على أن تجلس بجانبه فقد كان يتأبط ذراعها بقوة بحيث لم تتمكن من الخلاص منه. وقال الرجل: دعيني أقص عليك قصة سيسيل. وصمت يستجمع قواه ثم قال: لقد مضت مدة طويلة لم اذكر خلالها اسم سيسيل كما أن زمناً طويلاً مضى أيضاً دون أن أرفع رأسي كي انظر إلى السماء وجمالها في الربيع. . فالظلمة هي صديقتي الوحيدة المفضلة. ولكن هذا اليوم سيكون أتعس أيام حياتي وأكثرها شؤما إذا افتتح بأصوات الأجراس التي أحيت في نفسي الذكريات. ومسح الرجل دمعة انحدرت فوق وجنته وتابع: عرفت سيسيل في الثامنة من عمري إذ كنا نذهب سوية في كل يوم إلى مدرسة القرية.

وكانت إذ ذاك تظهر كالسنجاب بعينيها المشعتين يتطاير الشرر منهما وبأنفها المغطى ببقع الكلف فأضمرت لها إعجابا لا حد له. كان والدها حذاء واذكر أنني كنت أميزها من ألف فتاة بحذائها المخملي الأحمر وكانت الأولى في الصف. وقد سمتني على سبيل المزاح والتفكه (بيك بيك) _. كانت تحتقرني ولكنها في الوقت نفسه تحبني نوعاً ما إذ أنني كنت بين يديها كما تشاء ألبي طلباتها وانصاع لأوامرها فإذا قالت لي: _ أيها الشيطان انك لن تحسن لعبة (الدومينو) في يوم من الأيام، كنت اشعر وكأن قلبي في قبضة جبار. وإذا ما قالت أيضا: _ سأقرأ عليك شيئاً من مجلة الصور الرائعة. كان قلبي يتمشى بين ضلوعي وعندها أكون أسعد غلام في القرية بل وفي الدنيا بأسرها. أما والدي_وكان أستاذا في الجامعة_وكذلك والدتي فلم تعجبهما سيسيل بحال حتى أنهما مانعا في حضورها إلى منزلها بل وكثيرا ما قالا لي إنها فتاة خطرة وإنها ليست من الصف الذي يستحسن إن يركن أليه. وتوقف الشريد عن الكلام وهو يلهث ثم اندفع: في الثانية عشرة من عمري دخلت المدرسة الثانوية بينما بدأت سيسيل تتعلم الخياطة وقد اتفقت معها على إن نرى بعضنا قدر المستطاع دون علم أهلي. والحق إن أول شيء أذهلني فيها آنئذ أنها تعدت دور الطفولة وأصبحت شابة دفعة واحدة. فقد غبت عنها عشرة أيام فقط وهي طفلة وعدت لأقابلها شابة وشعرت بنشوة لا توصف إذ لاحظت أنها قد تغيرت تماما عن ذي قبل فقد تلآلآت بشرتها فسحرتني كما أخذت بشعرها المنساب على كتفيها كالعسل. . وضغط الشريد الذراع (نيومي) وكأنه يحثها على إن تستجمع أفكارها وتركز انتباهها المتابعة القصة: وتجاوبت أجراس الكنائس في لحظة واحدة فهز رأسه بيأس وقال: هل تسمعين صوت الأجراس عن بعد؟. . لقد أحننت سيسيل حتى الجنون ولكني كنت اشعر أنها تنفر مني. وقد راح الشباب يلتفون حولها فكانت تتقبل صداقتهم وهداياهم برحابة صدر. وفي الثمانية عشرة من عمري دخلي الجامعة وتانعت دراستي بحزم وثبات لأحصل على سيسيل. وفي كل مرة كنت أقابلها بها كانت تظهر أكثر نفورا وأكثر برودة بل أكثر سخرية واستهزاء.

كلا يا ينومي لا يحق لك إن ترفعي حاجبيك وتغفري فيك دهشة بل عليك إن تستمعي حتى النهاية فهذا اليوم هو يومي. . . ففي صبحيه إحدى أيام العيد الفصيح المشابهة لهذا اليوم تماما تزوجت من سيسيل بعد إن أتممت دراستي وحزت على أجازة في العلوم الرياضية وأصبحت مدرسا في مدرسة تجهيزية لها قيمتها ومنذ ذلك الحين سعدت حبيبتي وملاكي بأن انتصرت علي. وصمت الشريدة فترة طويلة وحدق في (نيومي) ليقرأ على وجهها ما يجول في خاطرها فسألته بصوت كأنه آت من غور بعد: _ وبعد ذلك. .؟ فتناول الرجل زجاجة الخمر من حقيبته وغب منها ثم مسح فمه بكمه وتنهد قائلا: _ اجل أنني اذكر تماما أنها مثل هذا اليوم بالضبط قالت لي لأؤل وآخر مرة أنها تحبني وأنها فخورة بأن تكون زوجتي ولا غر في ذلك فقد كانت سكرى ومن ثم بدأت تتلاعب بي فخانتني مع عامل شركة الكهرباء وقد أتى منزلنا لاصطلاح الأسلاك ثم مع طبيب الأسنان. . حتى ومع الصيدلي كنا نتعامل معه. وفي كل مرة كانت تخدعني بها كانت تسرع وتقص علي كل شيء وكانت تصرح دوما أنها لم تحبني في يوم من الأيام وأنها كانت ولا تزال تحتقرني كما كنت ولا زلت في نظرها (بيك بيك) الطفولة الذي لا يجيد لعبة (الدومينو). فهمهمت العروس وقد أغمضت عينيها نصف إغماضة. _ يظهر انك نسيت أنها كانت تقول أشياء جميلة خلابة. . _ لقد قالت لي غير مرة أنها لن تغفر لي أنني أخضعتها لإرادتي القوية. كنت يا صغيرتي في غاية التعاسة ولكني أخفيت ألمي خوفا من أن تتركني (سيسيل) لأنني كنت أوقن تمتما أن حياتي بدونها مستحيلة. وقد حاولت مرة أو اثنتين أن ازجرها وافهمها انه يجب أن تكف عن هذه الإهانة التي جعلت روحي في سجن لا يطاق فيظهر عليها أنها اقتنعت وما أن يمضي شهر واحد تظهر خلاله وديعة هادئة حتى تعود سيرتها الأولى من جديد. وكلما اختلطت بالرجال وازدادت إساءتها لي كلما شع جمالها وزادت رونقا وبهاء. وفي إحدى الأمسيات بعد أن سردت علي مغامراتها قالت: _ ليس هذا كل ما هنالك (يا بيك بيك) فانا أخبئ لك أشياء وأشياء. كانت تتكلم كعالم متجر

في العلم وراحت تسرد علي حوادث اليوم دون أن تتعب ذاكرتها في متابعة دقائق الحوادث. وهنا سقط رأس الشريد على صدره وانتفض جسمه الهزيل الضاوي واستطرد: وفي إحدى الأمسيات بينما كانت عائدة إلى منزلي بعد أن قضت سهرتها مع احد عشاقها دهستها عربة فنقلتها إلى منزلي وألبستها ثوب زفافها المماثل لهذا الذي ترتديه أنت اليوم. . اقسم أن وجهها لم يكن في لحظة من حياتها أبهى وأنضر منه وهو يخيم عليه جلال الموت كانت تظهر وكأنها مستغرقة في سبات عميق وعلى شفتيها ابتسامة تدل أنها سعيدة كل السعادة بان طعنتي هذه الطعنة الأخيرة. ودفع الرجل رأسه متكاسلاً ونظر إلى الوريقات الخضراء واخذ يرهف السمع إلى أصوات الأجراس الناعية الحزينة ثم نظر حوله بضجر وقال: _ هل تسمعين هذه الأجراس. .؟ ستدق وستدق في كل يوم كهذا اليوم من كل عام ولكن اليوم هي (نيومي) التي تزف. . أما أنا فيمكنني أن أتحامل على نفسي وحيداً مجهولا عديم النفع حاملاً حبي الذي يأبى الفناء في أعماق قلبي. والآن خبريني يا صغيرتي متى ستخدعين (جان لويس) واعتباراً من أي لحظة لن يتمكن من سماع الترتيل في الكنيسة دون أن يشعر بحاجة إلى سحق كل من يحيط به؟ وانحنى فوق نيومي الحسناء حتى كان يلامسها وحدق في وجهها وكأنه يود أن يسبر غور نفسها ووان يصل إلى أعماقها أما نيومي فقد كانت جامدة كالصخرة وراح النسيم يتلاعب بشعرها الذهبي المتدلي فوق جبهتها ثم همست بصوت رخيم عذب أنه يجب عليها أن تعود إلى منزلها إذ أن جان سيثور لتأخرها الطويل ونهضت وقد عرتها رعشة كمن ينفض عن نفسه غباراً علق بثيابه وبسمت للشريد ثم قالت: _ سأعطيك هذا الخبز الذي أحمله فقد يسرك أن تحصل عليه. فأشار الرجل برأسه أن لا ولم يعد ينبس بكلمة واحدة تدل على أنه يود منها أن تبقى بل شعر بحاجته للعزلة والانفراد فهو لا يريد أن يرى ولا أن يسمع حتى ولا أن يتنفس بل يريد أن ينام. . . وأن ينام فقط. ووهلة صرخ وهو يشير بيديه كأنه يبعد عنه أشباحاً تطاردده

_ ابتعدي عن. . . وراح يتابع بنظره نيومي وهي تبتعد وما أن تخطت أشجار الدلب الباسقة حتى انطوى على نفسه وراح ينتحب كالأطفال.

السينما في خدمة المدرسة

السينما في خدمة المدرسة إن مهمة السنما الرئيسية هي التعليم وقد يجري بصورة مباشرة كما هو في السينما المدرسية كما أنه قد يجري أيضاً بصورة غير مباشرة كما هو في السينما القصصية والثقافية. من الملاحظ غالباً أن كل محدث أتيح له أن يتحدث عن السينما - بمختلف ألوانها سواء أكانت قصصية أم مدرسية أم ثقافية - بدأ كلامه بالحديث عن الحركة وما ذلك إلا لأن الحركة (كما سنبينه فيما بعد) هي قوام وعمادها. ولكننا في الحديث عن هذا اللون من ألوان السينما وهو السينما المدرسية ينبغي لنا بصورة خاصة ألا نغفل هذا الأمر بل يجب علينا أن نفصله ونفيض فيه، لأن السينما ما كانت لتصبح ذات صلة وثيقة بالمدرسة لولا الحركة وهذا ما سنحاول بحثه الآن. الإنسان والحركة استخدم الإنسان في المراحل الأولى من التطور البشري الصور للتعبير عما يختلج بنفسه من المشاعر والأحاسيس وكانت هذه الصور بداية الفن لديه، ثم استلهم من الطبيعة الحركة فافتتن بها وادخلها على فنه ابتغاء الزيادة من قوة التعبير ثم لم تلبث أن أوحت إليه من شغفه به أن أحله موضع التقديس فكان وسيلته في إبداء إعجابه بما حوله من مظاهر الكون التي كان يقف حيالها حائراً ثم وسيلته في التخاطب مع آلهته بعد أن جعل لنفسه آلهة هذا الفن هو الرقص وبه أصبحت الحركة تشغل حيزاً هاماً من حياة الإنسان أي أنها أصبحت أداته في الكلام والعبادة والفن. ويعلل العلماء ظاهرة افتتان الإنسان بالحركة إلى أنه وجد فيها سبيلاً جديداً من سبل المعرفة ففي الحركة معنى من معاني الحياة وبها يمتاز الحي عن غير الحي فلا غرابة أن تفتن الإنسان ومشكلة الحياة وسرها كانا ولا يزالان شغله الشاغل وما ينطبق على الإنسان في عهده الأول أي عهد طفولة الإنسانية ينطبق أيضاً على الطفل إذ أن الطفل في تصرفاته وأعماله ليشبه إلى حد كبير الإنسان في حب الاستطلاع وهي التي ينشأ عنها الميل إلى المعرفة ولكنه لا يعرف شيئاً يهديه إلى ذلك سوى الحركة فهي لديه كما كانت لدى الإنسان القديم العلامة الفارقة للشيء

الحي فنراه يعتمد إلى شيء يراه ويحركه مدفوعاً برغبة الكشف عن سره بل وكثيراً ما يلجأ إلى جماد معين فيربطه بخيط ويجره كي يقنع نفسه بان هذا الجماد حي إذ انه يتحرك وطالما هو يتحرك فقد عرف شيئاً عنه. وما قصة الطفل الذي فضل أن يمس جمرة متأججة وضعت أمامه على ان يمس بلحة إلى جوارها إلا دليلاً على أن الجمرة بتأججها قد فتنت الطفل واسترعت انتباهه. ويروي احد علماء النفس حادثة طفل وقف مع أبيه أمام صورة تمثل سباحاً يتأهب للاندفاع في الماء وطال وقوفه ثم التفت إلى أبيه وقال بتذمر: لم لا ينزل هذا السباح إلى الماء فهذا الطفل ضاق ذرعا بالصورة وهو يشهدها على هذا الشكل فهو يود رؤية السباح وهو يندفع والماء يتناثر من حوله أي أنه يرغب في رؤية الحركة في هذه الصورة. والطفلة التي تفتعل الحركة في لعبتها الصغيرة فتضعها معها إلى المائدة أثناء الطعام وتأوي بها إلى السرير في الليل فهي ترى فيها نموذجاً لإنسان حي يأكل وينام ويمارس كل ما يمارسه الأحياء. وثمة تجربة قام بها أحد الرجال التربية فقد قرر على إحدى مدارس الأطفال كتاباً للحروف الهجائية خال من الصور فوجد أن الأطفال يصورون ما توحي به الحروف إليهم على هوامش الكتاب فمثلاً حرف ب يرسم الطفل إلى جانبه ما يشابه البيت وحرف ك. . . كرسي. . . الخ، ثم عندما أعاد إليهم كتبهم السابقة وهي كتب مصورة وجد أنهم يضيفون إلى الصور ما يوحي بأن الحركة تملؤها فصورة البيت مثلاً يضيف الطفل إليها المدخنة التي تعلو سقفه والدخان يتصاعد منها أي أن البيت يزخر بالحركة وصورة الرجل أيضاً يضيف إليها شارباً كي تذكره بأبيه أو أستاذه الذي يراه كل يوم وكذلك صورة المنظر الطبيعي إذ يضيف إليها العصافير في طيرانها. . . الخ. ونستدل من هذه الأمثلة عن مدى تأثير الحركة في الطفل وأخذها بجانب كبير من انتباهه والتفاته لا لأن فيها معنى الحياة فحسب بل لأنها أيضاً ترمز إلى الواقع الملموس أي الواقع الذي يقنع الطفل ويروي ظمأه للمعرفة. السينما والحركة في صالة المقهى الكبير في باريس وفي يوم 28 كانون الأول من عام 1895 كان هناك

نفر ضئيل جداً من علماء المدينة ورجالها لا يتعدى الثلاثين شخصاً يشهد أول عرض لأول فيلم في العالم. ولم يكن يدور بخلد أحد من هؤلاء أن ما يشهده الآن بدهشة يشو بها الشك سيصبح بعد بضع من السنين ذا أثر هام في الحياة والمجتمع حتى العالمين لويس واوغست لومبير صاحبي الفيلم لم يكن يخطر ببالها هذا فقد كان الغرض الأول والأخير من هذا الاختراع تسجيل الحركة بشكل يحاكي تسجيل الفوتوغرافيا أو بمعنى اصح أن السينما أعبرت في أول الأمر امتداداً للفوتوغرافيا. إذ أن هذه كانت وظيفتها تسجيل جزء من الحركة وهو الجزء الذي تتمكن عدستها من اقتناصه أما السينما فقد تمكن المصورون بواسطتها من تسجيل جميع أجزاء الحركة بصورة متتالية وعرضها أيضاً على أنها وحدة كاملة. والواقع أن هذه الظاهرة ليست جديدة في الفن فقد قلنا في السابق أن الإنسان انتقل في تعبيره من الرسوم التي كان ينقشها في مغاوره وكهوفه إلى الرقص يقيمه للآلهة والطبيعة معبراً به ولائه وطاعته وإعجابه ثم الحركة على الشعر وذلك بظهور المسرح على فن التصوير وذلك باكتشاف فن المنظور فكان أن ظهر البعد الثالث في اللوحات والرسوم بعد كانت مفتقره على بعدين وهذا أيضاً من مظاهر الحركة في فن التصوير ثم اخترعت الفوتوغرافيا ثم السينما. السينما المدرسية إن مهمة السينما الرئيسية هي التعليم وقد يجري بصورة مباشرة كما هو في السينما المدرسية كما أنه قد يجري أيضاً بصورة غير مباشرة كما هو في السينما القصصية والثقافية ومن هذا ندرك أن السينما المدرسية ليست إلا وسيلة يستند إليها المعلم في شرحه أي أنها تقوم مقام وسائل الإيضاح ومن أهم مميزاتها أنها تقوم أيضاً مقام المخبر في المدرسة فإن أغلب المخابر تفتقر إلى كثير من الأدوات والمواد الأولية فالسينما تعوض هذا بأن تعرض على الطلبة مختلف التجاوب التي قد يكون بعضها ذا خطر عليهم إذ أجريت أمامهم ولم تفتقر السينما في مهمتها هذه على المدارس بل تعدتها إلى الجامعات. وهناك حكمة صينية تقول: إن الصورة غالباً ما تكون خير من ألف كلمة كما أن الشاعر اللاتيني هو راس يقول: إن الصعوبة التي نصادفها عندما نحاول أن نثبت في النفس

الأشياء الآتية عن طريق الأذن لهي أشد من تلك التي نصادفها في الأشياء التي تقع عليها نظرنا والتي نطالعها بأنفسنا. وهذا أيضاً يلخص في كلمة الفيلسوف كانت: لا بد للفهم من الرؤية. وقد لجأ رجال التعليم في السابق إلى الصور كي تساعدهم على أداء مهمتهم ولكنها لم تف بكل الفرصة فما أن ظهرت السينما حتى كانوا أول من سخرها لخدمتهم. ففي سنة 1898 أي بعد ظهور اختراع لوميير بثلاث سنوات، عمد الدكتور دويان وهو أحد كبار جراحي فرنسا إلى تصوير إحدى عملياته الجراحية بمصورة لومبير ثم عرضها على تلاميذه ممن لم يتمكنوا من شهود العملية أثناء القيام بها. وقد كتب بعد ذلك في إحدى المجلات الطبية مقالاً قال فيه أنه عند مشاهدته على الشاشة البيضاء العملية الجراحية التي قام بها، لاحظ أن كثيراً من الأمور الفنية التي كان يعتبر كمالها أمرا مفروغا منه، بدت له ناقصة من نواح عدة، وأن الفضل يعود للسينما إذ أنها مكنته من تلافي هذا النقص وإصلاحه. ولكن هذا ليس معناه أن السينما قوبلت لأول وهلة بالترحيب من جميع أوساط التعليم ذلك أن حالة الدكتور دويان تعتبر نادرة إذا قيست بغيرها من الحالات التي مرت بها السينما. فقد شن المربون في أول الأمر حرباً شعواء عليها بدعوى أنها مفسدة لأخلاق الأطفال والشباب، ولكنهم مع ذلك لم ينكروا مالها من قوة التأثير الأمر الذي جعلهم فيما بعد يعملون على استغلالها وضمها إلى معسكرهم. وقام في فرنسا فريق من كبار الرجال يدعون للسينما المدرسية منهم: بول يانليفية نائب رئيس أكاديمية العلوم الذي كتب أثناء الحرب العالمية الأولى في الجريدة الرسمية مقالا دعا فيه للسينما المدرسية وقال أنها الوسيلة الناجعة التي يجب أن نلجأ إليها في إنشاء جيل جديد تعتمد عليه البلاد في المستقبل. وكذلك خطب أدوار هريو قائلا بأن السينما المدرسية قد فتحت أمام رجال التعليم آفاق جديدة تساعدهم على أداء مهمتهم على أحسن وجه. وكان لهذه الدعوات أثرها مما جعل وزارة التربية تنشئ قسماً يعنى بشؤون السينما المدرسية وبذلك عمت السينما في المدارس الفرنسية بصفة رسمية. وقام في أمريكا سيدني برنستين يدعو للسينما المدرسية ويؤيده فريق من رجال علم النفس. ثم أخذت المدارس والجامعات تلبي نداءهم. وما أن مضى عدة سنوات على هذه الدعوة

حتى أصبحت جميع مدارس الولايات المتحدة تستخدم السينما في برامجها أما الآن فيكاد يكون استعمال السينما المدرسية عاماً في جميع البلدان المتمدنة لا سيما روسيا وفرنسا وأمريكا. . . الفيلم المدرسي ويشرف على إخراج الفيلم المدرسي مخرج جمع إلى جانب الثقافة الفنية ثقافة تربوية تساعده على تفهم نفسية الطالب. ووظيفة المعلم، إذ أنه في فيلم كهذا سيساعد الاثنين: الأول على الفهم والثاني على الشرح. وينقسم إخراج الفيلم المدرسي إلى ثلاثة مراحل رئيسية: 1_مرحلة اختيار الموضوع وتكون بمساعدة أحد المعلمين ويختار من البرنامج الدراسي 2_مرحلة سبك الموضوع في قالب سينمائي (السيناريو) ثم إعداده للإخراج (الديكوباج). 3_مرحلة التصوير، وأحياناً تكون بالألوان الطبيعية، خصوصاً في الأفلام التي تدور حول دروس الجغرافية والفيزياء. . ويصور الفيلم أحيانا على فيلم 35م م وهو الفيلم العادي الذي تصور به الأفلام القصصية، والذي نشاهده في دور العرض العادية، وأحيانا على فيلم 16م م وهو أصغر حجما كما أن آلة عرضة وشاشته تكونان أصغر حجما أيضاً وتنقلان بسهولة، وهناك أيضاً فيلم 9. 5م م وفيلم 8 م م وهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة تستعمل بكثرة في السينما لسهولة اقتنائها وصغر حجم آلتها. السينما المدرسية والسينما الثقافية والمسرح المدرسي يختلف الناس أحيانا بين السينما المدرسية والسينما الثقافية، فبعضهم يعتقد أنهما اسمان لمسمى واحد، والواقع أن هناك اختلافاً كبيرا بينهما، وكما بينا في السابق، فالتعليم يجري في الأولى بصورة مباشرة أما في الثانية فيجري بصورة غير مباشرة. والسينما المدرسية صنعت خصيصا للمدارس والمعاهد على أن تعرض في قاعات الدرس، أما الثقافية فهي ملك لجميع الناس ومواضيعها جميع الناس. والفرق بين النوعين كالفرق بين الكتب المدرسية والكتب الموجودة في المكاتب العامة، والتي يستعملها الطلبة في أوقات فراغهم إرادة تثقيف أذهانهم وتنمية أذواقهم. وهناك أفلام

ذات صبغة مدرسية وثقافية في آن واحد وهي الأفلام التي تدور حول حياة عظماء الرجال أمثال نابوليون وباستور وغيرهما. . وأيضاً أفلام الرسام الشهير والت ديزني. كما أننا نجد في بعض الأحيان أفلاما قصصية تحمل طابعاً مدرسيا تعليمياً، وهي غالباً ما تفيد طلبة علم النفس إذ أنها تعالج المواضع النفسية وتحللها وتبسطها وأشهرها فيلم هنشكوكالمأخوذ وفيلم رحلة مرجريت الذي يعالج العقد النفسية عند الأطفال وقد عرضا منذ أشهر في إحدى دور العرض بدمشق. وثمة فرق آخر بين السينما المدرسية والمسرح المدرسي_الذي تحدثنا عنه في مقال سابق_فهو يحمل صفات السينما الثقافية من حيث أنه وسيلة لتثقيف الذهن وتنمية الذوق، ويشترك الطلبة جميعاً في العمل به وذلك بتمثيل الأدوار. ولكن هناك بعض التقارب بينهما في الروايات التاريخية التي يراد من ورائها تبسيط التاريخ وتقديمه للطلبة بأسلوب شيق عن طريق التمثيل، وكذلك الروايات الشعرية التي تساعد على تلقي دروس الأدب وفهمها. كيف نفيد من السينما المدرسية عندما دعونا للمسرح المدرسي (في مقال سابق) كان يساورنا شك من جهة الاستجابة إلى ما دعونا إليه، فالمسرح المدرسي تقوم في طريقه مصاعب جمة لعل أهمها فقدان الأمكنة الأزمة له، وفقدان المدربين أيضاً. .!، أما السينما المدرسية فلا يحول دون تحقيقها حائل. إذ أنه يمكننا أن نجلب من أمريكا وفرنسا كمية كبيرة من هذه الأفلام ونترجمها بالطريقة المعروفة ب (الدوبلاج) وهي طريقة سهلة التكاليف يمكننا تحقيقها في سورية أو في مصر. فنوجه أنظار معالي وزير المعارف. . . لا سيما وللمشروع فائدة جمة ويكفي أنه خطوات إلى الأمام القاهرة أكرم الميداني

النمو والتربية

النمو والتربية الأستاذ ناظم الطحان إن من المفيد جداً للمعلم أن يقرأ بانتباه كتاباً جيداً في علم النفس، ولكن من المفيد أكثر من ذلك أن يدرس المشاكل التربوية المماثلة للمشاكل التي يلقاها ويدعى لحلها أثناء قيامه بعمله اليومي. وأنا إذ أعرض هنا بعضاً من هذا المشاكل اعتقد أني أقدم بعض المعونة لزملائي المعلمين. يمكننا أن نبحث حياة الطالب من وجهتين متكاملتين: أولاً ما يتعلق ببرنامج الدراسة. ثانياً، ما يتعلق بنمو الطالب الجسماني والفكري وأيهما يجب أن يسود. ودون أن نقلل من أهمية المادة الدرسية فإن كل مريد للتربية الحديثة. يعلم أن النمو المنسجم يجب أن يكون رائده الأول لهذا سأبدأ بحث هذه المشاكل التي تتعلق بالنمو: النمو_لا يزال كثير من المعلمات والمعلمين يرون أن هذه المشاكل تهم الآباء والأطباء فحسب، ولكن الذي يتأمل سواء بتذكره طفولته الخاصة أو بقراءة ذكريات كبار الكتاب واعترافاتهم يرى مقدار الهموم والحسرات والقلق التي كانت تعكر في بعض الأحيان هذه الفترة السعيدة من العمر، ويدرك كم كانت عزيزة عليهم تلك اليد الرحيمة التي تعرف مواساتهم!؟. . . ونحن نعرض الآن لدراسة هذه الأمور مستعينين بجهود عدد من الاختصاصيين في إيضاح بعض الوقائع: إذا نظرنا إلى الخطوط البيانية للنمو تبادر لأعيننا أنها تختلف بحسب الأطفال، البنين والبنات، الأسوياء والشواذ والعباقرة. وبصورة عامة نرى: بين السنة السادسة والسادسة عشرة. يزداد طول القامة بقدر النصف. ويتضاعف الوزن، إلا أن الفتيات يتقدمن البنين بثلاث سنوات تقريباً فبنور هذه الحقيقة يجدر بنا أن نلاحظ العلاقات بين الأطفال من جنسين مختلفين، سواء أكانوا في البيت أم في المدرسة. فالفتاة تتحول وتتطور من السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة. وفي السنة السادسة عشرة تمسي امرأة، بينما الصبي يتطور خاصة بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة، وفي السنة السادسة عشرة نلاحظ أنه لا يزال طفلاً مهما كان مستوى تفكيره. ومهما كان سير هذا النمو. فإننا إذا فكرنا بتأثيره الجسمي والنفسي. غفرنا للأطفال عدم

استقرار طبائعهم وسلوكهم وتقدمهم. ومن المفيد دائماً أن نقارن منحنيات النمو الفردية مع المنحنيات المتوسطة إذ أن كل شذوذ واضح يثير مشكلة لنا غيرها. وعلينا أيضاً أن ننس أن النمو السوي نفسه عرضة للانحراف بصورة محسوسة في بعض الأحيان. وإن استخدام اختبارات الذكاء يسمح بمقارنة النمو البدني والنمو الفكري رغم الرأي الشائع بأن الطفل المتقدم في ذكائه متقدم في عضويته أيضاً. كثيراً ما نجد طفلا يشعر بأنه شاذ، فينطوي على نفسه. وينكب على المطالعة ويستغرق فيها أكثر من الألعاب الجمعية ويفتش عن الرفاق الراشدين، إلا أن هذه الأوضاع قد تنتج ببغائية سهلة تخدعنا. إن ملاحظة الجملة العصبية والجهاز العضلي والهيكل العظمي والأعضاء التناسلية لهما حقاً أصعب من ملاحظة نمو القامة أو الوزن. وعلى الرغم من ذلك علينا أن نهتم دائماً بمثل هذه الأمور، وها نحن نشير هنا إلى بعض الحوادث التي قلما تعرف: بينما الجملة العصبية تقترب من النضوج ويتم نموها في السنة الثانية عشرة فإن أعضاء التناسلية تبدأ في النمو في هذه السن فتثير بعض الاضطرابات التي تضطرنا لإعادة البحث عن التوازن المكتسب سابقاً. إن الجهاز العضلي يختلف في سير نموه عن الهيكل العظمي. لذلك يحتمل أن ينتج من هذا التباين عدم الاتزان في الحركات ذلك المرض الذي نهزأ من الطفل بسببه فنجعله يتألم. ويجب أن نعلم أيضاً أن القلب والشرايين لا تنمو بانسجام تام فبعضها يتضاعف قطره ثلاث مرات بينما بعضها الأخر ينمو بقدر اثني عشرة مرة عن حجمها الأول فينتج عن ذلك فترة ضعف وقتي يجب أن نجلب الطفل خلالها التمارين الرياضية العنيفة التي قد تؤثر به إلى الأبد. إضافة إلى ذلك فأن النمو الجنسي يختلف بصورة غريبة باختلاف الأفراد، وقد دلت دراسة (3500) أنثى إن ظهور الحيض قد يحدث من السنة الثامنة وقد يتأخر حتى سن السادسة والعشرين ولا شك أن هذه حالات شاذة جداً ويغلب ظهور (العادة) بين الثانية عشرة والثامنة عشرة من العمر، وكل منا يعرف الاضطراب المعنوي والأخلاقي لهذا الاضطراب الفسيولوجي. ولكن كثيراً من المعلمات اللواتي يتغافلن فلا يسألن عن ذلك من أولياء

الفتيات فيصطدمن بمشاكل لا تحل. ولنبحث الآن عوامل النمو وللسهولة نقسم هذه العوامل إلى أربعة رئيسية هي: البيئة، العادات النظامية، الاستجمام والهيجانات. البيئة أنا أفهم من البيئة: المسكن والتغذية والصحة والعناية الخ وتكفي المقابلة بين المدارس القديمة والمدارس الحديثة_على الأقل في المدن_لنرى إن أهمية الوسط لم تغرب عن البال بناة المدارس. ولكن كم من الأطفال الذين يخرجون من هذه القصور المدرسية فيعودون إلى بيوتهم الحقيرة ليعيشوا قيها وهنا وهنا ينكشف لنا الواقع المؤلم: أن الطفل الذي عاش في وسط فقير معدم يكون أصغر حجما وأقل فعالية ونشاطا من رفاقه أبناء الممتازين. وإذا كانت قد تغيرت أبنية المدارس وتطورت فعلى الغالب نجد طرق التدريس قد بقيت على ما كانت عليه، مع انه أصبح من بديهيات التربية الحديثة إن إتباع الطرق التي لا تلائم حاجات الأطفال واستعداداتهم وسنبحث ذلك في فرصة أخرى عندما سندرس في مقال أخر المناهج المدرسية. العادات النظامية وهي تشمل النوم، والطعام، والتبرز ماذا كان الرضيع يجب إن ينام اثنين وعشرين ساعة تقريبا من أربعة وعشرين ساعة، فالطفل في دراسته الابتدائية بحاجة إن ينام (13) ساعة وبعد هذه السن يكفيه من النوم (8_9) ساعات. ولكن كثيراً من طلابنا لا ينامون نومنا كافيا وقليلا من أوليائهم يهتمون لذلك على إننا يجب إن نعزي النزق والحالات العصبية عند الطلاب إلى هذا النقص في النوم. التغذية معلوم إن التغذية يجب إن تكون ملائمة تماما لحاجات الأطفال الذين ليسوا رجالا صغارا ومع الأسف يجب إن نغض الطرف في الوقت الحاضر عن هذا الموضوع ونحث على تنظيم ساعات الطعام وترك هذه العادات السيئة التي تتبعها الأمهات بإعطاء أطفالهن الحلويات في كل إن. الاستجمام

وهو الراحة الضرورية والفرصة. ومع ذلك فان الشائع إن يمنع الأطفال من الراحة وان يجبروا على أداء بعض الإعمال الشاقة والسحر المتعبة كثيراً ما يعاقبون بإعمال أضافية رغم الإخطار والإضرار التي تجرها هذه المعاملة في صحة الطفل الجسمية والنفسية وهذا طبعا مؤسف جداً. وأخيرا نقول كلمة في وموضوع مهم هو موضوع الهيجانات: من المعلوم بالتجربة إن الهيجان القوي يؤثر في التنفس والقلب والعضلات. . الخ. . ولا نريد ان نرى كم تبعث حبات المدن الكبرى من الهيجانات الشديدة عند الأطفال فتشوش أعصابهم وإحكامهم أحيانا، فعلينا إن لا نضيف إلى ذلك صراخنا ووعيدنا وغضبنا. ويجب إن لا ننس مطلقاً إن يمكن إن ينفرد به الطفل من ثياب مضحكة وألقاب غريبة يمكن إن يكون له منبع إلام خفية ولكنها عميقة. والآن بعد إن عرضنا هذا الملخص عن النمو نريد إن نجيب على اعتراض طالما سمعناه وهو) إن كل هذا لا يدخل في نطاق عمل المعلم أو المعلمة). حقا لو إن في كل مدرسة طبيبا وموظفة اجتماعية فأن كثيراً من هذه العقبات تلقى على عاتق غيرهم على إننا بانتظار تحقيق ذلك يجب إن نعيش ونعلم وكما قيل عن السياسة من انك إذ لم تهتم فيك، فكذلك الحال في أمر النمو فأن إهمال مشاكله يجعلها تظهر لنا في الصفوف بإشكال من الفوضى والكسل وعدم ألانتباه. ونختم هذا المقال ببعض النصائح البسيطة التي تبين هذا العمل ليس فوق قدرتنا. 1_يكون الطفل شديد الإحساس بفوارق القدم والقامة عندما يتصل مع رفاقه من الأطفال ومع الراشدين. وسيأتي يوم يحس فيه الطفل بدوره، بأنه أصبح ذا قامة تمكنه من إن يفرض نفسه، فافهموا ما يجري في نفسه عندئذ وكونوا في ذلك حكماء. 2_ابذلوا جهودكم وخاصة في العاب الأطفال ونشاطهم الحر إن تقسموهم حسب مستويات نموهم والفتوا انتباه أولياء الأطفال وطبيب المدرسة إلى حالاتهم الشاذة التي تشاهدونها. 3_بما إنكم_أيها المعلمون_مسئولين جزئيا عن المحيط الذي يعيش فيه الطفل فاهتموا بخلق وصيانة المحيط المدرسي الملائم لاصقي نمو يستطيع الأطفال بلوغه. 4_في الصف وفي الفرصة اجتنبوا دائما الأسباب التي تثير أو تتهج الأطفال بشدة لأن

الأطفال اقرب الناس إلى الوقوع في الإمراض العصبية. 5_وأخيرا كونوا صابرين ومتسامحين إمام هذه الكائنات الصغيرة التي تمر إثناء نموها بادوار فاجعة كثيراً ما تجهلونها. عن مجلة (الطرق الفعالة) الفرنسية ناظم طحان

التربية الجنسية

التربية الجنسية للأستاذ رؤوف جبري التربية الجنسية معدومة في مدارسنا وخاصة الثانوية منها، ومع أنها تأتي في المرتبة الأولى من حيث أهميتها، وجدارتها لتكوين النشء تكوينا قويا سليما وبوسعنا مصارحة التلاميذ عن هذه الشؤون في دروس الصحة، كسائر الدروس. ولا خلاف في أن العلاج يكون في تحويل اهتمام التلاميذ إلى نواح أخرى، وذلك بتلهية وساءل التسلية وأعداد وسائل التسلية وأعداد وسائط الرياضة واللعب، الذي يصرفهم عن التفكير فيما هو مستحكم بهم. ولكي لا تتأصل العادات الضارة في نفوسهم فتصبح (عقدة نقص) أو مرضا عضالا يخشى من عواقبه. أن بعض التلاميذ يسترسلون في (العادة السرية) للفرار من الحياة التي فشلوا فيها، لنقص فيهم، فتراهم ينطوون على أنفسهم، فلا يتحول تفكيرهم ألا نحو هذه العادة. وقد لا تبدو عليهم أعراض غير عادية، غير انه كلما تقدموا في السن بدت عليهم بعض الأعراض عند إفراطهم في ممارسة العادة. قيهم في الغالب ميالون إلى العزلة يعتريهم صداع متكرر، ويتعبون بسرعة، وتبدو عليهم مظاهر الأدب، ويلاحظ في الكثير منهم شحوب وذبول، يعزي في كثير من الأحيان إلى عسر هضم أو الإجهاد المدرسي. ومن العبث سؤال التلاميذ عما أذا كانوا يمارسون العادة أم لا، فيهم لابد منكرون بشدة، ولذا لابد من المستحسن تحذيرهم من الأمراض السرية دون سؤالهم. ثم أرشادهم إلى طرق الوقاية منها. ويجب تجنب الشدة أو الضغط معهم، فهذه قضايا لا تحل ألا باللين، وليس يجدي أن نهددهم أو أن نحضهم على أن يكفوا عن الاستمرار في هذه العادة دون أن نرشدهم إلى السبيل الذي يجب أن يسلكوه لتجنها، كتحذيرهم من قراءة الروايات الغرامية المثيرة ومشاهدة الأفلام الرخيصة، وسماع الأغاني المبتذلة، ومنعهم من مصاحبة الأشرار حتى لا يأخذوا عنهم العادات وهم في سن مبكرة. وعلى كل يحتاج الأمر ألي حكمة المرشد المخلص والمربي الفاضل الذي بوسعه سبر أغوار التلاميذ، وإيجاد العلاج الحاسم. ولا بد من التنويه في مثل هذا المقام. بأن بعض نقابات الأطباء في البلاد الأوروبية، توجه النصح إلى الطلاب، في مطلع كل عام دراسي وفي نهايته، وتحذرهم من شتى الأمراض

التي قد تعتريهم، والأمم الراقية تعتمد كل اعتماد إلى السينما، للإرشاد والتوجيه الصحي. فحبذا لو جاءت نقابة الأطباء إلى عندنا إلى مثل هذا العمل فتوزع نشرات صحية، أو تنشر في الصحف، أو تلقي محاضرات، تفيد الطلاب وغير الطلاب. فتصون أجسامكم وتحفظها من الأمراض والتلف. والخلاصة أن هذا الموضوع هام حيوي، الغاية منه أثارة اهتمام المربين والأخصائيين فلعلهم يدلون برأيهم بصورة واضحة كاملة. . فنحن أحوج ما نكون إلى مثل هذه الأبحاث، لمحاربة الأخطاء الشائعة، وللقضاء على العادات الضارة المنتشرة بين النشء. رؤوف جبري

دروس التربية البدنية

دروس التربية البدنية للأستاذين أنور تللو يحيى الشركس مراقب التربية البدنية العام مراقب التربية البدنية في محافظة دمشق الجدول السابع 1_المشي حول الملعب ثم التبديل للجري فالوقوف في التكوينات المفتوحة. 2_[وقوف] الوثب فتحاً مع رفع الذراعين جانباً وتحريكهما عاليا جانباً أماماً أسفل. النداء: بالوثب مع رفع الذراعين جانباً. . . القدمان متباعدتان. . . ضع بالوثب مع رفع الذراعين عاليا. . . القدمان متلاصقتان. . . ضم بالوثب مع تحيك الذراعين جانباً. . . القدمان متباعدتان. . . ضع بالوثب مع تحريك الذراعين أماما. . . القدمان متلاصقتان. . . ضم بالوثب مع تحريك الذراعين جانباً. . . القدمان متباعدتان. . . ضع بالوثب مع خفض الذراعين. . . القدمان متلاصقتان. . . ضم التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدىء جنب، فوق، جنب، أمام، جنب، تحت (يكرر) 3_[وقوف فتحاً في دائرة. تشبيك وعد الصف مثنى] أخذ وضع الجلوس بالعدة الأولى للأرقام الزوجية وفي العدة الثانية مد الجسم بثني الذراعين ورفع الوسط عن الأرض، ثم تبادل رفع الرجلين عالياً عن الأرض وخفضهما بالعدد من1_4. النداء: الأرقام الزوجية على الأرض. . . جلوس لمد الجسم الوسط عن الأرض. . . رفع تبادل رفع الرجلين عن الأرض. . . ابتدئ، رفع، خفض، رفع، خفض التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ مد، رفع، خفض، رفع، خفض، أو مد. شمال، تحت. يمين تحت (يكرر بعد تبادل الأوضاع بين الأرقام الزوجية والفردية) 4_[جثو. الذراعان جانباً]. قذف الجسم أماماً لأخذ وضع الانبطاح المائل فثني الذراعين ثم

سحب الوسط والجذع خلفاً لملامسة الركبتين بالصدر النداء: الجذع أماماً لأخذ وضع الانبطاح المائل. . ز قذف. الذراعان. . . ثني سحب الجذع خلفاً لملامسة الركبتين بالصدر بعدتين. . . سحب 1، 2 للوضع الأساسي الجذع عالياً. . . رفع التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ قذف. ثني. 2، 1 مد (يكرر) 5_[وقوف فتحاً. 1/ 2 ثبات الوسط] لف الجذع مع مرجحة الذراع مائلاً عالياً. النداء: مع مرجحة الذراع اليسرى مائلا عاليا الجذع لليسار. . ابتدئ مع مرجحة الذراع لجذع أماماً لف الذراعان. . . تبديل نفس التمرين للجهة اليمنى. . . ابتدئ لف. لف، لف (يكرر) 6_[وقوف فتحاً] ثني الجذع أماماً أسفل لمسك الكعبين بالتبادل مع الضغط (عدتين) ثم مسك الكعبين والضغط. النداء: لمسك الكعب اليسرى ثني الجذع أماماً أسفل مع الضغط عدتين. . . . ابتدئ ثني. ضغط الجذع عاليا. . . مد (يكرر بمسك الكعب اليمنى ثم بمسك الكعبين) التمرين كله مع التوقيت مبتدئاً باليسار. . . ابتدئ يسار. ضغط، مد، يمين. ضغط. مد. الاثنين، ضغط. مد 7_[وقوف] رفع العقبين وثني الركبتين فمدهما وخفض العقبين مع تحريك الذراعين أماماً وعالياً فجانباً فأسفل. التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ أمام. فوق. جنب. تحت أو رفع، ثني، مد خفض (يكرر) 8_[وقوف فتحاً. انثناء عرضاً] ضغط المرفقين خلفاً مرتين ثم قذف الذراعين جانباً والضغط مرتين. التمرين كله مع التوقيت. . . . . ابتدئ ضغط. ضغط، قذف. ضغط أو 4، 3، 2، 1 (يكرر) 9_[جلوس طويل في الرتل الرباعي الذراعان جانباً] سباق رفع الزميل بين الأرتال (يقف آخر تلميذ من كل رتل على قدميه وعند إعطاء الإشارة يبدأ برفع زميله الجالس وهذا بدوره يرفع من هو أمامه)

10_[وقوف فتحاً في التكوينات. لمس الرقبة] ثني الجذع أماماً أسفل والضغط ثلاث مرات ثم ثني الجذع جانباً بأربع عدات النداء: الجذع أماما أسفل. . . ثني، ضغط ضغط مد ثني الجذع جانبا لليسار. . . . . . ثني، مد ثني الجذع جانبا لليمين. . . ثني، مد التمرين كله معا لتوقيت. . . ابتدئ ثني ضغط، مد، شمال، مد، يمين، مد (يكرر) 11_ (وقوف) ميل الجذع أماما مع رفع الذراعين جانبا وتحريك رجل خلفاً. النداء: ميل الجذع أماما وتحريك الذراعين جانبا مع رفع قدم خلفا والانتظار عدتين. . . ابتدىء1، 2انتظار2 12_ (انبطاح مائل) ثني الذراعين ومدها مع رفع قدم خلفا النداء: مع رفع القدم اليسرى خلفا الذراعان. . . ثني مع خفض القدم الذراعان. . . مد نفس التمرين مع التوقيت ورفع القدمين بالتبادل. . . ابتدىء1، 2، 3، 4 (يكرر). 13_ (رقود القرفصاء) رفع الذراعين أماما عاليا بعده ثم رفع القدمين ومد الركبتين مع تحريك الذراعين جانبا بالعدة الثانية ثم الرجوع للوضع الأساسي بعيدتين. النداء: الذراعان عاليا. . . رفع لمد الركبتين القدمان عن الأرض مع تحريك الذراعين جانبا. . . رفع للوضع الأساسي بعيدتين. . . رجوع 1، 2 14_ (جلوس على أربع) قذف الرجلين خلفا ثم أماما ثم فتحهما وضمهما النداء: الرجلين خلفا. . . قذف الرجلين أماما. . . وضع الرجلين جانبا. . . فتح الرجلين متلاصقتين. . . ضم التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ قذف وضع، فتح، ضم (يكرر). 15_ (وقوف على المقعد) الوثب فوق حبل مشدود بين زميلين 16_ (رقود القرفصاء) سند زميل من كتفيه ومعاونته للوقوف على يديه، يتبادل التلميذان

الأوضاع بعد مدة 17_ (جلوس على أربع) وقوف التوازن على اليدين. يحاول التلميذ بعد ان يرفع قدميه عن الأرض أن يرفع فخذيه مع جسمه عاليا. 18_ (وقوف) مرجحة النواس مع تبادل وضع قدم إماما النداء: مع مرجحة الذراعين أماما اليسرى إماما. . . ضع مع مرجحة الذراعين أسفل جانبا القدم ليسرى بجانب اليمنى. . ضع مع مرجحة الذراعين أسفل أماماً القدم اليمنى أماماً. . . ضع مع مرجحة الذراعين أسفل جانباً القدم اليمنى بجانب اليسرى. . ضع التمرين كله مع التوقيت. . . ابتدئ أمام، جنب، إمام، جنب (يكرر) جدول تمرينات بدنية استعراضية للطلاب من سن11_15 1_الجري إلى التكوينات المفتوحة. 2_ (وقوف) الوثب فتحا مع رفع الذراعين جانبا ثم تحريكهما عاليا فجانبا فإماما فجانبا فأسفل. (جنب، فوق، جنب، أمام، جنب، تحت. أو1، 2، 3، 4، 5، 6) يكرر أربع مرات. ولوصل هذا التمرين بالتمرين الثالث: ينادي المدرس بجملة (آخر مرة) على العددين3، 4 فينهي الطلاب التمرين في العددين5، 6حيث يبدأون بمرجحة النواس. 3_ (وقوف) مرجحة الذ1راعين كالنواس مع وضع قدم جانبا ثم مرجحتها أسفل أمام ولف الجذع 6 عدات لليمين و 6 عدات لليسار (مرة واحدة). طريقة الوصل: ينادي المدرب بالجملة (آخر مرة) على أن تقع كلمة - أخر_على العد (3) وكلمة - مرة_على العد (4) فينهي الطلاب التمرين في العددين_5، 6_حيث يبدأون دون توقف بالتمرين الرابع وذلك بمرجحة الذراعين أماما وثني الركبتين كاملا. . . 4_ (وقوف) مرجحة الذراعين أماما فثني الركبتين كاملا ثم مدهما مع ضربهما باليدين فثني الجذع لضرب المشطين باليدين فمد الجذع عاليا مع ثني الذراعين عرضاً وضغط المرفقين

للخلف مرتين ثم الذراعين جانباً مع الضغط مرتين. (أمام، ثني، ضرب، ضرب، مد، ضغط، قذف، قذف، أو 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1،) يكرر 4 مرات. طريقة الوصل: بعد جملة - آخر، مرة - على العددين 6، 5 تنقل القدم اليسرى جانباً مع العد 7 وتكمل التمرين بالعد 8 حيث ينتهي التمرين في الوضع الأساسي للتمرين الخامس، 5_ (وقوف فتحاً. الذراعان جانباً) ثني الجذع جانباً مع خفض ذراع على الرجل الأخرى فوق الرأس. (ثني، مد، ثني، مد أو 4، 3، 2، 1) يكرر أربع مرات لكل جهة. طريقة الوصل: تعطي جملة (آخر، مرة) على العددين 2، 1 فيكمل الطلاب العد 3 وعند مد الجذع في العد 4 تنقل القدم اليسرى داخلاً حيث ينتهي التمرين في الوضع الأساسي للتمرين السادس. 6_ (وقوف. الذراعان جانباً) تقاطع الذراعين مع دورانهما أمام الجسم بأربعة عدات ثم تقاطعهما مع مرجحتها عالياً متبوعاً برفع الركبة اليسرى عالياً ثم خفضها مع تقاطع الذراعين أمام الجسم ثم مرجحتها مائلاً عالياً مع رفع الركبة اليمنى وخفضها مع تقاطع الذراعين للدوران. . . (دوران، اثنين، ثلاث، أربعة، شمال، تحت، يمين، تحت أو 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1) يكرر 4 مرات. طريقة الوصل: تعطى الجملة (آخر، مرة) على العددين 6، 5 فتكمل التمرين في العددين 8، 7 حيث ينتهي بتقاطع الذراعين وخفض الركبة فتؤخذ وضع الميل مع رفع الذراعين جانباً بعدتين وفي (3) تثنى الذراعان وفي (4) تمتدان عالياً. 7_ (الذراعان جانباً. ميل) ثني الذراعين ومدهما عالياً ثم ثنيهما ومدهما جانباً. (ثني، فوق، ثني، جنب أو 4، 3، 2، 1). يكرر أربع مرات. طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) على العددين 2، 1 وإكمال التمرين في 4، 3 تمرجح الذراعان أسفل

أماماً مع الجثو على الأرض بعدد (1) وفي (2) توضع اليدان على الأرض حيث تكون في الوضع الأساسي للتمرين: 8_ (جثو افقي) وضع الذراع اليسرى تحت الجسم مع خفض الكتف ثم قذفها عمودياً مع لف لبجذع وضغطها مرتين ثم خفضها على الأرض فإعادة التمرين للجهة اليمنى. (تحت، لف، لف، خفض أو 4، 3، 2، 1) يكرر أربع مرات لكل جهة بالتبادل. طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) وإكمال التمرين يبتدئ بالتمرين التاسع فوراً: 9_ (جثو أفقي) ثني الوسط فوق القدم ليلمس الصدر الركبتين وتصبح الذراعان باستقامة الجذع بعدتين ثم الرجوع للوضع الأساسي بعدتين أيضاً فمد الركبتين للوقوف على أربع وضغط الكتفين خلفاً مرتين والرجوع للوضع الأساسي. (ثني، 2، أمام، 4، مد، ضغط، ضغط، رجوع أو 4، 3، 2، 1، 4، 3، 2، 1) يكرر أربع مرات. طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) وإكمال التمرين يؤخذ وضع جلوس التربيع بأربع عدات: 10_ (جلوس تربيع، الذراعان مائلاً أسفل) ضرب الأرض بأصابع اليدين مرتين ثم التصفيق فوق الرأس مرتين فثني الذراعين ومدهما جانباً ودوران الكتفين لأعلى مرتين فثني الذراعين ومدهما أسفل مائلاً. (ضرب، ضرب، تصفيق، تصفيق، ثني، مد، دوران 2 دوران 4 ثني أسفل أو 12، 11، 10، 9، 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1 (يكرر 4 مرات). طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) على العددين 10، 9 وإكمال التمرين تثنى الركبتان مع وضع باطن القدمين على الأرض بعدد (1) وفي العد (2) توضع اليدان عرضاً أمام الصدر حيث تأخذ وضع جلوس القرفصاء: 11_ (جلوس القرفصاء، انثناء عرضاً) لف الجذع مع الذراع جانباً بالتبادل ثم قذفهما جانباً فالتصفيق فوق الرأس مرتين والرجوع الوضع الأساسي:

(شمال، أمام، يمين، قذف، تصفيق، تصفيق، رجوع أو 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1) يكرر أربع مرات. طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) على العددين (6، 5) وانتهاء التصفيق تمد الركبتان أماماً وتخفض الذراعان أسفل بدلاً من وضعهما أمام الصدر: 12_ (جلوس طويل. الذراعان مائلاً أسفل) قذف الرجلين جانباً بالتبادل ثم فتحهما مع ثني الجذع أماماً أسفل ولمس الأرض بين الرجلين (مرتين.) (شمال، ضم، يمين، ضم، ثني، مد، ثني، مد، أو 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1) يكرر أربع مرات طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) وإكمال التمرين يبتدأ بالتمرين (13) فوراً: 13_ (جلوس طويل، الذراعان مائلاً أسفل) ثني الجذع أماماً مع الضغط مرة فقذف الذراعين مائلاً عالياً في العدة الثالثة ثم مائلاً أسفل في العدة الرابعة فأخذ وضع الانبطاح المائل الجانبي على الجهة اليسرى في العدة الخامسة فرفع الذراع الأيمن عالياً في العدة السادسة فخفضها في العدة السابعة مع ضرب الفخذ فالرجوع للوضع الأساسي في العدة الثامنة. (ثني، ضغط، قذف، خفض، انبطاح، رفع، ضرب، رجوع أو 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1) يكرر التمرين (مرتين) باعتبار إعادة التمرين للشمال واليمين (مرة واحدة). طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) يؤخذ وضع الرقود بعدتين. 14_ (رقود) رفع الذراع عالياً مع رفع الرجلين لزاوية 45 بعدتين ثم فتحهما وضمهما مرتين ثم خفضهما على الأرض مع تحريك الذراعين أماماً أسفل بعدتين. (رفع، اثنين، فتح، ضم، فتح، ضم، خفض، اثنين أو 8، 7، 6، 5، 4، 3، 2، 1) يكرر أربع مرات. طريقة الوصل: بعد جملة (آخر، مرة) يبتدأ بالتمرين التالي فوراً:

16_ (رقود) رفع الرجلين وثنيهما فوق الجسم لملامسة الأرض وراء الرأس بالقدمين بأربع عدات ثم مدهما عالياً مع سند الوسط باليدين ففتح الرجلين وضمهما مرتين ثم خفضهما على الأرض (بنترة) لأخذ وضع الجلوس فالاعتدال بعد ذلك بعدتين. (رفع، 3، 2، لمس، فوق، فوق، فتح، ضم، فتح، ضم، خفض، 2، وقوف) 15_ (وقوف) الوثب في المكان مرتين ووثبة مع ثني رجل خلفاً وفع الذراعين جانباً بالتبادل. (2، 1، شمال، 2، 1، يمين). يكرر أربع مرات. الأجهزة الرياضية تستعمل الأجهزة الرياضية في التمرينات كوسائط استناد لتسهيل إجراء التمرينات أو لزيادة مدى الحركة فيها أو تعقيدها وتستعمل أيضاً في العاب القفز والرشاقة والقوة والتوازن ولذا يستفاد منها في جميع مراحل النمو للطلاب ولها أهمية كبرى في التربية البدنية لما لها من فوائد صحية وتربوية. ولكن صعوبة تداركها وفقدان الصالات الرياضية التي يجب أن تقام فيها الأجهزة المذكورة جعلنا نستعيض عنها بتمرينات أخرى في جداول التمرينات على أننا رأينا من الواجب تخصيص هذا الفصل لتعداد الأجهزة المذكورة بمقاسها مع قسم من التمرينات التي تعمل عليها: المقعد السويدي: يصنع من خشب سمكه ثلاث سنتيمترات وعرضه خمسة وعشرون سنتيمتراً ويتراوح طوله من ثلاثة أمتار ونصف ويستند على ثلاث قوائم يصل بينهما عارضة خشبية مقطعها مربع ضلعه خمس سنتيمترات ويثبت في أحد طرفيه كلابتان لتعليقه على العارضة الخشبية أو عقل الحائط لتشكيل سطح مائل منه وأما ارتفاعه فأربعون سنتيمتراً. وفيما يلي تمرينات الجذع والتوازن التي تعمل عليه ليستعين بها المدرس عند تحضير جداوله عندما يكون لديه هذا الجهاز: (وقوف عال جانبي) السير بخطوات جانبية ذهاباً وإياباً عدة مرات (تمرين توازن) (مقعد مقلوب) (وقوف وضع قدم عالياً. الذراعان عالياً. ميل) ثني الجذع أماماً أسفل فوق الرجل الموضوعة على المقعد ثم مد الجذع عالياً مع رفع الذراعين عالياً. (مقعد مقلوب) (انبطاح مائل جانبي عال) رفع الرجل عالياً وخفضها. يكرر عدة مرات. (مقعد) (انبطاح عال مع

التثبيت) مد الذراعين عالياً ثم أسفل لملامسة الأرض باليدين. يكرر عدة مرات (مقعد وعقل حائط) (جلوس عال مواجهة. مع التثبيت) ميل الجذع خلفاً مع تحريك الذراعين جانباً. يكرر عدة مرات (مقاعد) (وقوف) السير صعوداً ثم الدوران والنزول. (تمرين للتوازن) (مقعد مائل). عقل الحائط وهي عبارة عن سلم خشبي فيه 18 عارضة تبعد كل واحدة عن الأخرى 12 س م صعوداً حتى العارضة السابعة عشر وأما العارضة الأخيرة فتبعد عن العارضة السابعة عشر 50 س م وتكون العارضة بيضاوية المقلع وقطرها 2س م و 2. 5 س م وتثبت في ثقوب محفورة في القائمين اللذين يتباعدان بمقدار 12 س م وأما عرض العقلة الواحدة التي تتسع لطالب واحد فهو 80 س م وتحوي كل صالة رياضية على 20 عقلة تثبيت على حائط واحد أو حائطين من صالة التدريب والعقل من أهم الأجهزة الرياضية لاستخدامها في جميع تمرينات الجذع (البطن_والظهر_والجانبين) كما أنها تفيد في تمرينات الرجلين وتكون مسنداً للرجلين واليدين في كثير من التمرينات التي تعمل على المقعد السويدي. وفيما يلي بعض التمرينات التي تعمل على هذا الجهاز موضحة بالرسم: (تعلق على العارضة) ثني ركبة ومدها أماماً بالتبادل ثم ثنيهما ومدهما أماماً بالتبادل ثم مدهما معاً. (انبطاح مائل) تسلق عكسي بالقدمين (مسك العقلة من الأمام مع سند القدمين) (مد الركبتين ثم نقل اليدين أسفل) (انبطاح مائل جانبي. مسك) رفع رجل وخفضها التوقيت. الحبال وتعلق في سقف صالة الرياضة للتدريب بأشكال مختلفة: فأما أن تكون عمودياً أو مائلاً وثخنها 2. 5 س م. وتحتاج الصالة الواحدة إلى ثمان حبال عمودية وأربعة مائلة وأربع سلالم من الحبل. وتستخدم جميعها للتعليق والتسلق والقفز وتمريناتها تعتبر من تمرينات القوة وفيما يلي قسم من هذه التمرينات موضحة بالرسوم:

التعليق على الحبل المزدوج والجري للقفز عالياً فوق حبل مشدود على قائمتين التسلق على الحبل المزدوج ورفع الجسم من الأمام وقلبه إلى الخلف التعلق على الحبل المزدوج ورفع الرجلين عالياً. الصندوق والمهر يتركب الصندوق من خمسة طبقات ترتكز على بعضها وهو هرمي رباعي مقطوع الشكل ويمكن فصل كل طبقة عن رفيقاتها على حدة حيث يمكن جعل الصندوق بالارتفاع المطلوب. عرض القاعدة السفلية والكبرى 75 س م وطولها 150 س م وارتفاع الصندوق وهو كامل التركيب 120 س م. يكسى القسم العلوي منه بالقش الناعم ثم يغطى بجلد قوي وأما المهر فيرتكز على أربع قوائم يمكن تقصيرها وإطالتها وكلا الجهازين يستعملان في تمارين القفز المتنوعة. وفيما يلي بعض التمارين التي تعمل عليها: القفز على المهر فتحاً بمعاونة زميلين. القفز فتحاً (صندوق بالطول). القفز من الداخل (صندوق بالطول). قفز اللص. القفز فتحاً فوق المهر. القفز من الداخل (صندوق بالعرض).

مع الكتب والصحف

مع الكتب والصحف عبقرية الإسلام في أصول الحكم لمعالي الدكتور منير العجلاني طبع في مطبعة النضال بدمشق لا يفيد التاريخ إلا إذا أصبح عقلا ونورا، والدين يكون عاطفة وهدايا ورجاء عندما تسمو النفس وتتلاقى فيها نزعات الإنسانية كاملة، وتجاوب حيويتها مع اندفاعات التقدم البشري، فيتاح لصاحبها أن يجمع بين الإيمان والإبداع، ويغدو عبقريا بطبعه، ويجوز له أن يتحدث عن العبقرية. وهذا ما تم لمعالي الدكتور منير العجلاني، وزير الشؤون الاجتماعية، حين كان للشؤون الاجتماعية عندنا وزارة نافعة، فقد جاءنا اليوم بهذا السفر الممتع وإضافة إلى مؤلفاته القيمة السابقة، وأتى بالحكمة سائغة، وجعلها شعلة وضاءة، وأسبغ على حيوية العبقرية الإسلامية الخالدة صوراً تفيض بالقوة والطلاوة والوضوح. لا نود أن نقدم للقراء المؤلف الدكتور العجلاني، فكلهم أدرى به، وكلهم أعلم بثقافته وإيمانه وأدبه، وهو لديهم الراجح عقلا، والواسع معرفة وعلماً. ولكننا نقتصر على مؤلفه الأخير، وفيه يتناول بالبحث تاريخ الحكومة الإسلامية من عهد الرسول العربي، مؤسس الوحدة القوية. وصانع الأمة العربية، وواضح حقوق الإنسان. كما يذكر المؤلف في صدر الكتاب. لقد بحث الدكتور العجلاني في بنية الدولة العربية والإسلامية، واستضاء بمعطيات محققة من التاريخ، وأوضح في فصول من المحاضرات التي كان ألقاها أمام طلابه المعجبين في كلية الحقوق بدمشق، والتي هي نسج الكتاب. أموراً دقيقة جداً تتصل بطبقات الناس وحال المرأة والأرقاء والموالي وأهل الذمة والإشراف، ثم أتى على ذكر الحكومة قبل البعثة وفي زمن النبي وأوضح معنى الخلافة وألقابها وشعارها وأبهتها ثم ذكر شروطها وكيفية وقوعها وواجبات الخليفة وحقوقه وانتقل إلى تعريف الوزارة وصفات الوزير ومدى سلطانه وأفاض في تاريخ الوزارة وأدبهم سيما في العصر العباسي وعند الفاطميين ولم يلبث أن أوضح أصول التقليد والعزل واختيار الأمراء وأتى إلى دراسة قضية هامة هي قضية الحسبة ووظائف المحتسب وسلطانه وراتبه وآدابه، ثم اقترب من نهاية البحث فذكر الشرطة والدواوين وعرف المظالم العامة والخاصة واختتم سفره النافع ببحث تاريخي

وإيضاحي عن القضاء والعقوبات. ونحن الذين نحرص على أن تنهض البلاد العربية وتتابع نهضتها الحالية لا يسعنا إلا أن نشكر المؤلف على المساهمة القيمة التي أضافتها إلى سلسلة جهوده الكثيرة في هذا المضمار. وأننا إذ نؤمن بقوة الإنسان ورسالة الإنسان في ظل قدرة الله، لنرجو للشابات والشباب من قومنا أن يقدموا على فهم تاريخنا المجيد على ضوء بحث الدكتور العجلاني في عبقرية الإسلام القضائية والتشريعية والتنفيذية إلى جانب صور عبقرياته الخالدة الأخرى، ومن إحقاق الحق أن يعترف بفضل الدكتور المؤلف الحريص على أداء رسالة فتية في الجامعة السورية_كما يقول، ونحن نود إليه إظهار جميع ما تحمله شخصيته القوية من مواهب وإمكانيات، وإذا كان يكتب أن العلم فوق السياسة فنحن نذكره أيضاً أن خير السياسات ما بني على العلم، وأن ظواهر الحياة الاجتماعية يحسن لها أن تتكافل وتتكامل. . .

مجلة علم النفس

مجلة علم النفس (المجلد الثالث_العدد الأول_يونيو 947) يسر المعرفة أن تزف إلى قرائها نبأ صدور العدد الأول من المجلد الثالث (يونيو 1947) لمجلة علم النفس وبه تفتتح الزميلة الغراء السنة الثالثة من حياتها وقد سلخت من قبل عامين جاءت خلالهما على نشر دراسات قيمة ومبتكرة في علم النفس وتناولت من نتائج البحث العلمي الحديث الشيء الطريف. ومن دواعي الغبطة والأمل أن يكتب الاستمرار في الوجود لهذه المجلة الراقية وهي الوحيدة من نوعها حتى الآن في البلاد العربية، وهي على كل حال السابقة إلى رفع الأبحاث النفسية المحققة من مستوى التعميم الرخيص والنشر المبتذل إلى نطاق الدراسة الصحيحة، ودرجة البحث الوضعي، والثقافة النافعة، ولا يسعنا نحن إلا أن ننوه عن الجهود الطيبة التي بذلها_ويبذلها_القائمون على تحرير هذه المجلة وإخراجها تحت إشراف الدكتورين الأستاذ يوسف مراد والأستاذ مصطفى زيور من غير فتور ولا تواكل، وقد أحاط العدد المشار إليه بشتى المواضيع النفسية، كما ضم بوجه خاص مقالين حول تقدير المراهقين لشخصية زملائهم للأستاذ ماهر كامل وتدخين المراهقين للأستاذ عبده ميخائيل رزق، وفيها تتجلى الروح التجريبية القائمة على الاتصال مباشرة بالواقع النفسي وعلى استقاء النتائج من أصولها وورد العلم من مناهله، ومن جميل ما تفتخر به البلاد العربية اليوم أن تلقى في جماعة علم النفس التكاملي هذا الحرص الصادق على دراسة أهم المسائل النفسية في البلاد الشرقية ذاتها والأقطار العربية منها على الأخص، من غير أن تمهل الوقت ذاته اتجاهات العلم الحديث في سائر أقطار المعمورة. وقد ضرب تصدير هذا العدد موعداً قريباً لنشر نتائج الاستقصاء الذي قامت به هذه الجماعة لدراسة نفسية المراهقين والمراهقات في مختلف الأقطار العربية. وأن البلاد السورية التي ساهمت شتاء العام الماضي في هذه التجربة المفيدة لتنتظر يسروان نتوج الجهود العربية المشتركة بأكثر ما يكتب للعالم العربي من نصيب في التقدم الثقافي والرقي العلمي. ولا بد من أن نشير - أخيراً_إلي الآمال الكبيرة المعقودة على النهضة النفسية والفلسفية التي يقوم بها رجال العلم والفكر في مصر وهذه أنباء جديدة ممتعة حملها ألينا هذا العدد من

مجلة علم النفس وهي تردد صدى الاجتماعات الأولى لجمعية اتحاد خريجي الفلسفة بالجامعات المصرية، ونحن الذين نرجو لها ولمثيلاتها الحياة والنجاح يسرنا أن يساهم الدكتور مراد فيها وأن يقبل تخصيص جزء من مجلة علم النفس لنشر مقالات وبحوث مرتقبة باسم هذا الاتحاد.

نشاط الهيئات

نشاط الهيئات كان شهر مايس حافلاً بنشاط الهيئات. فالمجلس النيابي يعقد أخر جلساته، وأسرة التعليم تنتظر لصديق ملاكها في هذه الدورة. ولكن هيئة التعليم الابتدائي لاحظت أن قضية الملاك لم يؤبه لها كثيراً، فقد تنقضي الدورة والملاكات لا تزال نائمة في الدر وج. فقررت عقد مؤتمر بدمشق، في اليوم السادس من شهر مايس يحضره مندوبو الهيئات للإنفاق على طريقة موحدة علها توقظ مشاريع الملاكات الحالة. مؤتمر 6 مايس بدمشق وفي الوقت المعين عقد مؤتمر الهيئات بمدرسة الفيحاء برئاسة الأستاذ السيد خالد قوطرش وأمانة سر الأستاذين مصطفى فيض الله وصلاح أدهم، ومثل هيئة محافظة اللاذقية رئيسها الأستاذ خليل الريس، وحلب الأستاذ محمد الجزار رئيس هيئة التعليم الثانوي، والفرات نائب الرئيس الأستاذ توفيق شاكر، وحماة رئيسها الأستاذ احمد الفرجي، وحمص رئيسها نجيب سامي، وحوران الأستاذ توفيق شقير، وجبل الدروز رئيسها الأستاذ عيسى عصفور، ودام المؤتمر يومين، عقد خلالها جلستين: بحثت في الجلسة الأولى قضية الملاك والطرق المجدية التي توصله إلى المجلس النيابي لتصديقه فتقرر: أولا_تقديم كتاب غالى وزارة المعارف والى جميع المراجع المسؤولية فيه بيان صريح بأن أسرة التعليم في جميع المحافظات سف تنقطع عن العمل فيما أذا لم يصدق الملاك حتى 15 مايس 1947 على أن تقوم الهيئات في الوقت نفسه بما يلي: أ_يوقع معلمو كل محافظة في هذه الفترة عريضة باستعدادهم للتوقف عن العمل فيما أذا لم يصدق الملاك حتى 15 مايس. ب_يجتمع مندوب كل محافظة بتاريخ 15_16 مايس في حلب للاتفاق على يوم الإضراب وطريقة تنفيذه دون اللجوء إلى تقديم كتاب تهديد ثان إلى المراجع المسؤولة. . . ثانياً_إرسال برقيات باسم المؤتمر إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي ووزير المعارف بطلب تصديق الملاك. ثالثاً_اتصال الوفود بالنواب لأثرة قضية الملاك. رابعاً_عند عودة المندوبين تبرق كل هيئة إلى رئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس

الوزراء ووزير المعارف بتأمين مقررات المؤتمر وضرورة تصديق الملاكات. سادساً_تتصل كل هيئة بموظفي محافظيها وتطلب منهم إرسال برقيات وتوقيع عرائض للمراجع المسئولة يطلبون فيها تصديق الملاكات في الدورة الحاضرة. سابعاً_إرسال برقية إلى وزير المعارف يشكر فيها المؤتمرون معالي للمساعي التي يبذلها في سبيل إيصال المعلمين إلى حقوقهم. وبحث في الجلسة الثانية قضية تعويضات الفحوص فتقرر ما يلي: 1_تقديم كتاب إلى مجلس الوزراء لتحكيمه في الخلاف القائم بين وزارة المعارف ووزارة المالية بشأن تعويضات الفحوص لعامي 946_947 وتابعة العمل مع وزارة المعارف لتأمينها قبل دورة الفحوص القادمة لعام 1947. 2_في حال عدم تأمينها قبل موعد فحوص الشهادة الابتدائية لعام 1947 يجري المعلمون الفحوص رحمة بالطلاب ويتوقفون عن التصحيح ريثما تصرف التعويضات المنوه عنها. أما ما يتعلق بتعويضات فحوص عام 1947، فتكلف هيئة دمشق بمتابعة العمل مع وزارة المعارف لتأمين التعويضات اللازمة قبل البدء بهذه الفحوص. وبعد الانتهاء من ذلك عرضت قضية تعويضات الإدارة فتبين من تقرير رئيس المؤتمر بان وزارة المالية قد وافقت على المشروع الذي قدمته وزارة المعارف بجعل التعويض منحصراً بين6_18ليرة سورية حسب عدد الصفوف. فرأى المؤتمرون قبول هذا الحل مؤقتاً لاسيما وأن المراسيم التنظيمية يمكن تبديلها بين عام وعام. ثم اقتراح مندوب حمص تعديل المادة الرابعة من النظام الأساسي، فقرر المؤتمرون الموافقة على تعديل المادة كما يلي: (أن أفراد أسرة التعليم الابتدائي هم المعلمون والمعلمات المصنفون في ملاك التعليم الابتدائي) وتقرر تأجيل البحث في مناقشة بقية المواد إلى حين انعقاد المؤتمر المني عقده فيحلب سواء بمناسبة تأخير عرض الملاك على المجلس أو البحث في التصنيف في حال تصديق الملاك. وقد أقام معالي وزير المعارف على شرف أعضاء المؤتمر حفلة غداء فاخرة في نادي العاصمة، كما أقامت هيئة دمشق حفلة عشاء ممتازة، وحضر الحفلتين كبار موظفي

المعارف. جلسة مجلس الهيئة عقد مجلس الهيئة في اليوم الثاني عشر من شهر مايس جلسة هامة بحثت خلالها مقررات المؤتمر فوفق عليها بالإجماع. ثم ألقى المحاسب الأستاذ عزة الصيداوي تقريراً عن مالية الهيئة استهله بالثناء على وحدة صف المعلمين ثم ذكر الطرق التي يجب اللجوء أليها لجمع المال الكافي وتأسيس ناد للمعلمين هم بأشد الحاجة إليه. كما بحثت قضية عضوي الهيئة الأستاذين السيدين مسلم العقاد وحسن العشا المنقولين كمراقبين إلى معهدي التجهيز والمعلمين. فقررت الأكثرية ضرورة بقائها باللجنة طالما لا يزالون مصنفين في والابتدائي وللاستفادة من خبرتهما ونشاطهما. وفي أخر الاجتماع ألقى السيد عبد الرزاق جوده خطاباً حماسياً حث زملاءه فيه على الاتحاد والتضامن. هيئة التعليم ولجنة الموظفين رأت هيئة التعليم الابتدائي أن قضية تصديق الملاكات ليست قضيتها فحسب بل قضية جميع موظفي الدولة. فكثرت الإيصالات بين الهيئة ولجنة الموظفين فوافقت اللجنة في اجتماع كبير عقدته في مقهى العباسية على تأييد مقررات مؤتمر هيئات التعليم الابتدائي. مؤتمر الهيئات في حلب استنادا إلى مقررات مؤتمر 6 مايس عقدت هيئات التعليم في اليوم الخامس عشر من شهر مايس مؤتمراً في حلب برئاسة الأستاذ السيد جميل كفر تخاريمي وأمانة سر الأستاذين مصطفى فيض الله وراسم المحصي وحضور ممثلين عن جميع هيئات المحافظات فتقرر فيه ما يلي: 1_الموافقة على إعلان الإضراب العام اعتباراً من صباح السبت المصادف في 17 مايس 1947. 2_الإبراق إلى كافة المراجع المسؤولة لإعلامها الإضراب. . . 3_إرسال مندوب من قبل كل هيئة غالى دمشق اعتباراً من يوم السبت ليكون على علم بتطورات الحوادث أبان الإضراب.

4_دعوة المندوبين غالى عقد مؤتمر سريع عند حدوث عرض حل جديد من قبل الحكومة لاتخاذ قرار جديد يتفق ومصلحة أسرة التعليم. وأقامت هيئة حلب على شرف أعضاء المؤتمر حفلة عشاء فاخرة دلت على ذوق وكرم عظيمين. مؤتمر لجان الموظفين وفي الوقت نفسه أي في اليوم الخامس عشر من شهر مايس عقدت لجان موظفي الجمهورية السورية مؤتمراً في حلب بحثت فيه قضية الملاكات فتقرر التوقف عن العمل في كافة محافظات وأقضيه الجمهورية السورية حتى تصديق الملاكات. بيان مؤتمر هيئات التعليم عن أسباب إعلان الإضراب لقد اقتفت هيئات التعليم جميع الطرق الايجابية لدى المراجع المسئولة لأجل تصديق الملاك الذي به تتعلق حياة موظفي التعليم وتتحقق بعض الشروط المادية الضرورية لاستقرارهم ولمتابعة إعمالهم الدائبة الصامتة. لكنهم كانوا يلقون إهمالا وتسويقا من قبل الحكومة والنواب معاً وقد استبان ذلك خاصة في جلسته يوم الثلاثاء الماضية وهذا ما دعا مؤتمر التعليم المنعقد في حلب بتاريخ 15 مايس 1947 إلى إقرار التوقف عن العمل ابتداء من صباح يوم السبت المصادف في 17 مايس 1947 وستثابر على هذا التوقف حيى تجاب المطالب التي اجتمع المؤتمر عليها. وهم أذا يلجئون إلى هذا الموقف السلبي لا يسهم إلا أن يأسفوا له وأن يحملوا المراجع المسئولة تبعته وهم يأملون منها العمل على أعادة الهدوء والاستقرار حفظا على المصلحة العامة. بيان مؤتمر لجان الموظفين عن أسباب إعلان الإضراب أن مؤتمر لجان الموظفين للجمهورية السورية المنعقد في حلب بتاريخ 15 أيار 1947 والذي يمثل موظفي جميع المحافظات السورية يرى أن تصديق الملاكات في هذه الدورة الحالية للمجلس النيابي هو خير ضمان يؤمن به الموظف على مستقبله، ولما الدورة مشرفة على الانتهاء وطالما طالب الموظفين بعرض ملاكاتهم على المجلس النيابي وتصديقها وقدموا العرائض والبرقيات المختلفة بهذا الصدد لذلك فأن جميع المؤتمر الذي يتكلم باسم

جميع الموظفين يرى نفسه مضطراً إلى إقرار ما يلي: التوقف عن العمل اعتبارا من صباح يوم السبت المصادف في 17 مايس 1947 والمثابرة على هذا التوقف حتى تصديق الملاكات وهو يطالب في الوقت نفسه الحكومة بتنفيذ المادة 139 من قانون الموظفين رقم 135 القاضية بتنصيف الموظفين خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تصديق الملاكات مع مراعاة القدم في هذا التنصيف. هذا وأن المؤتمر إذ يرى نفسه مضطراً إلى اتخاذ قرار فهو يأمل أن تعمل الحكومة على عدم أطالة هذا الضرب المستولي على نفوس الموظفين وتسعى لعرض الملاكات على المجلس وتقديمها في هذه الدورة الحالية وبذلك يعود الاستقرار إلى نفوسهم ويعودون إلى مزاولة إعمالهم بهدوء وانتظام. حلب في 15_5_1947. الإضراب العام تنفيذاً لمقررات هيئات والتعليم ولجان الموظفين، اضرب المعلمون والموظفون في سورية إضرابا عاما شاملا منظما دل على ألم ووعي عميقين. . . وقد اهتمت الحكومة بهذا الإضراب اهتماما عظيما لأنه عطل أعمال الدولة وشل الحركة. فجمعت النواب من مناطقهم وألحت عليهم بوجوب حضور جلسة يوم السبت فعقدت الجلسة وتقدمت الحكومة بمشروع القانون التالي: إلى مقام رئاسة مجلس النواب بالنظر للضرورة الماسة لإصدار ملاكات الموظفين ومشاريع القوانين الملحقة بها. وبالنظر لصعوبة إقرارها في المجلس الكريم في دورته هذه لضيق الوقت، فقد رأت لجنة الملاكات أن تقترح على المجلس إقرار مشروع القانون التالي وذلك بغية إيجاد حل مناسب لإنصاف الموظفين راجية أقراره ودمتم. دمشق في 17_5_1947 مشروع قانون مادة 1_تفوض الحكومة حق إصدار مراسيم اشتراعية بمشاريع قوانين الملاكات التي

أقرئها لجنة الملاكات المؤلفة بموجب قرار المجلس في جلسته المنعقدة بتاريخ 14 كانون الثاني 1947 مع مشاريع القوانين المتعلقة بمجلس الشورى ولآثار والأوقاف على أن تعرض هذه المراسم على مجلس النواب في آذار 1948. مادة 2_يجري التنصيف وفقاً للمراسم الاشتراعية المنصوص عنها في المادة السابقة اعتبارا من أول أيلول 1947. مادة 3_تلغي المادة 39 من قانون (300) المؤرخ في 29_1_1947. مادة 4_وزراء الدولة مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون. اجتماع الموظفين على أثر موافقة المجلس على مشروع القانون السابق، اجتمع الموظفون في العباسية لدراسة الموقف، فألغى القاضي الشرعي الأستاذ عادل العلواني كلمة شكر فيها هيئة التعليم على موقفها الجريء وعملها المنظم إذ إليها يعود الفضل الأكبر في تصديق الملاكات. فرد عليه شاكراً رئيس هيئة دمشق الأستاذ خالد قوطرش، مبيناً أن هيئة التعليم ولجنة الموظفين تعملان معاً من أجل غاية عامة وهي رفع مكانة الموظف والترفيه عنه. ثم ابتدأ النقاش حول القانون الجديد، فدعا البعض إلى إنهاء الإضراب والبعض الآخر إلى المثابرة عليه. حتى يعتبر القدم أساسا في التصنيف وتنفذ الملاكات فوراً. وأخيراً فاز رأي الفريق القائل بمتابعة الإضراب. وفعلاً اضرب الموظفون يوم الأحد أيضاً وقابلت اللجنة دولة رئيس مجلس الوزراء ثم عقدت اجتماعا عاماً في مقهى المولوية. وطلب إلى هيئة التعليم الابتدائي بيان رأيها في الموضوع لأن على موقفها يتوقف إنهاء الإضراب أو المثابرة عليه. فعقدت هيئات التعليم في الحال اجتماعاً قررت إنهاء الإضراب طالما صدقت الملاكات وطالما اضرب الموظفون احتجاجاً على عدم تصديقها، وعلى اللجان متابعة العمل لدى المراجع المسؤولة لتنفيذ المطالب الأخرى. فأعلن إنهاء الإضراب وعاد الموظفون والمعلمون في جميع المحافظات السورية من صباح يوم الاثنين إلى مزاولة أعمالهم. وقد أصدرت هيئات التعليم الثانوي والابتدائي بياناً في التوقف عن الإضراب كما أصدرت لجان الموظفين بياناً لا يختلف عن بيان هيئة التعليم. . .

عبرة وهكذا فقد انتهى الإضراب بسلام ونال المعلمون والموظفون بعض حقوقهم، منتظرين أيلول الآتي، وما أيلول ببعيد، فكل آت قريب. فعلى الحكومة القادمة مهما كان شكلها ولونها، أن تجري التصنيف فوراً لأن حالة الموظفين السيئة لا تقنعهم أن ينتظروا أكثر مما انتظروا أو أن يتحملوا أعباء الفاقة والحرمان سنين أخرى. . وما هذا الشعور العام المتضامن الذي تجلى في يومي الإضراب. إلا ظاهرة من مظاهر التضامن الأصلية في الشعب السوري المناضل الذي يتحد في سبيل الحق. . . آملين من الحكومة القادمة أن تصنف الموظفين وترفه عنهم ترفيهاً صحيحاً ليكون إضرابهم هذا الأول والأخير من نوعه، وحتى لا يجد الأعداء مغمزاً يشوهون به سمعة الجمهورية والاستقلال. تعويضات الفحوص وافق المجلس على إضافة مبلغ (330) ألف ليرة على ميزانية وزارة المعارف، تؤخذ من الأموال الاحتياطية لصرف تعويضات الفحوص عن عامي 1946_1947 وإنجاز أمور أخرى. . . التعويض الإداري صدر مرسوم بتحديد تعويضات المعلمين المكلفين بإدارة المدارس على الوجه التالي: 6ليرات سورية لمدرسة ذات معلم واحد، 8لذات اثنين أو ثلاثة، 12لذات أربعة أو خمسة أو ستة، 15لذات سبعة أو ثمانية أو تسعة، و18لذات افوق. . تبرئة الأستاذ خالد الرفاعي والحكم على الذين اعتدوا عليه من رجال الشرطة يعلم الزملاء الحادثة التي حدثت في الصيف الماضي للأستاذ خالد الرفاعي واعتداء رجال الشرطة عليه، واعتقاله ستة أيام لإجباره على ترك الدار التي يسكنها إرضاء لصاحبة الدار المؤجرة. وقد احتجت هيئة التعليم على معاملة الشرطة القاسية لمخالفتها الروح الديمقراطية

والأنظمة الجمهورية الدستورية. فقدمت عرائض وبرقيات احتجاج لفخامة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ومديرية الشرطة. ثم أحيلت القضية للقضاء وبعد مضي ما يقارب من السنة وبعد سبع وعشرين جلسة أبرأت محكمة الجزاء الابتدائية الأولى الأستاذ خالد الرفاعي من تهمة عرقلة مهمة رجال الأمن وتقريعهم وضربهم. وحكمت المحكمة في الوقت نفسه المفوض والشرطيين الأربعة بحبسهم شهراً وإخراجهم من الوظيفة وتغريمهم نفقات المحاكمة. ثم نزلت الحكم إلى خمسة عشر يوماً لأنهم ليسوا من أصحاب السوابق. . ولا بد من الإشادة بنزاهة قضائنا والافتخار برجاله العادلين. . . جائزة هيئة التعليم الابتدائي وزعت هيئة التعليم ثلاث ساعات يد على ثلاثة طلاب فازوا بالدرجة الأولى في فحص الشهادة الابتدائية وهم: الطالب وليد جريس مراد من المدرسة الغسانية بدمشق والطالبة عزيزة بيروتي من مدرسة العصماء والطالب محمود صالح الأديب من مدرسة النبك. والمعرفة تهنئ الطلاب الفائزين وتتمنى لهم النجاح المطرد. . .

§1/1