مجلة الحقائق

عبد القادر الإسكندراني

الدين الإسلامي والتوحيد الحقائق ج1 م1

الدين الإسلامي والتوحيد الحقائق ج1 م1 مباحث دينية الدين الإسلامي والتوحيد ليس من الصعب على من منح عقلاً سامياً وفكراً نيراً ورزق براعة في الاستدلال ومهارة في الاستنباط أن يستعمل النظر فيما أسس عليه الدين الإسلامي من توحيد وتصديق وعلم وبرهان وتعبد وإذعان وأمر ونهي لتنكشف له حقيقته ويعلم سر قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً). تأمل أيها المستدل في حجته القويمة ومحجته الواضحة وسيرته الغراء وطريقته الحنيفة السمحاء تجد ما يبهر العقول ويدهش الألباب. سما بأمته في مدة وجيزة إلى أعلى مراقي الكمال وصعد بها إلى ذروة المجد وشاهق العزة وقدَّسها عما كانت عليه الجاهلية قبل من أوصاف الهمجية وسفاسف الدنايا حتى سادت على العالم بما أحرزته من مقتضيات المدينة وامتازت على الأمم بالشهامة والشجاعة وتهذيب الأخلاق وتسديد الأحكام، تدبرايها الواقف على أحوال سير الأمم في هذا الدين تراه أرشد معلم يهدي الأنفس إلى اكتساب الفضائل واقتناء العلوم والمعارف وأجل أستاذ يطبع الأرواح على مكارم الصفات ومحاسن الآداب. كان الناس في حيرة وتردد وتقاطع وتبدد في أسر الوسائط والشفعاء وتحت سيطرة المتكهنة والعرفاء يقودهم الجهل إلى أضيق المسالك ويسوقهم الغي إلى مهامة المهالك فجاء الإسلام بالدين القويم والذكر الحكيم أشرقت شموسه وسطعت أنواره وانتشرت محاسنه وهبن نسمات عدالته فطفق الناس يدخلون فيه أفواجاً تصافحهم أيدي العناية وتعانقهم كواعب الهداية وتبشرهم دواعي الرحمة بالسعادة والفوز بالحسنى وزيادة محا الله به عبادة الأوثان والعادات السيئة والمذاهب الباطلة التي كانت عليها العرب في الجاهلية ووضع الأصر والغلال التي كانت على الأمم وأحل الطيبات وحرم الخبائث، ورفع الحجر الذي كان وضعه رؤساء الأديان على عقول السذج والضرائب التي كانوا يأخذونها من سفلتهم وجهالهم وأصبح المسلم عبداً لله خالصاً من رق العبودية لكل ما سواه. كم هدى الدين ضالاً والآن قاسياً وهذب خشناً وعلم جاهلاً ونبه خاملاً وأصلح من الخلق

فاسداً فهو منبع العلم ومبعث الفضائل وسلسبيل الحكم فاض على الأمم فبث فيها روح الحياة المدنية (فاهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج) ابتدأ هذا الدين بالدعوة وكان الداعي إليه سيدنا (محمد) بن عبد الله الرسول المجتبى بأمر من ربه فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وبشر وأنذر ومازال يقتحم المخاطر ويتجشم المصاعب ويكابد خطوب الأسى وضروب الأذى من الكفار حتى شج وجهه وكسرت رباعيته ولم يصده عن التبليغ شي من ذلك بل كان يدعوهم إلى الدين بأنواع من الطرق المستحسنة بالخطابات البارعة والعبارات الباهرة. فأصحاب البصائر النافذة الذين يطلبون معرفة الأشياء على حقائقها كان يدعوهم بالدلائل القطعية اليقينية وأصحاب الفطرة السليمة والخلقة الأصلية الذين لم يبلغوا حد الكمال ولم ينزلوا إلى حضيض النقصان كان يدعوهم بالمواعظ الحسنة والترغيب والترهيب. وأصحاب الجدال والخصام والمعاندة كان يدعوهم بأحسن طريقة في المجادلة بالرفق واللين من غير غلظ ولا تعسف لأنه أنفع في تسكين لهبهم وتبيين شبههم (أدع إلي سيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). شرف الله هذا الدين ببعثة رسوله عليه الصلاة والسلام وأيده بالمعجزات الدالة على صدق دعواه وحماه من كل ما يكون قادحاً في مقامه العالي وأمر عباده على لسان نبيه أن يتلقوا الحكام التي شرعها بقبول وإذعان ولولا إرساله لما عرف الفرق بين الطاعة والمعصية ولا تميز الشقي من السعيد أخذ رسول الله صلى الله عليه ولسم يسوس الناس حتى جمع كلمتهم ووحدها وآلف بينهم وألف وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم بما طبعه الله عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وساوى بينهم فيما حكم الله لا رفيع في الحق ولا وضيع فأصبح المسلمون أقوياء أشداء أعزاء رحماء. استقام أمر المسلمين في عز ومجد وسؤدد وفخار إلى ما شاء الله أن يكون حتى وقع ما وقع في زمن عثمان رضى الله عنه وفتح للناس باب التعدي للحدود ووقعت الحروب بين المسلمين إلى أن أفضت الخلافة إلى الأمويين كل ذلك ولم يقف شيئ في سبيل الدعوة الإسلامية بل كان الناس يهرعون إلى الدخول في دين الإسلام فعلموا على توسيع دائرة مملكتهم وجردوا الجيوش وفتحوا المدن حتى وطئت حوافر خيولهم ما وراء النهر وفتحوا

إسبانيا وما جاورها من بلاد الإفرنج إلى نهر تورس وحولوا الاحتلال الموقت إلى السيادة الدائمة. ثم لما ظهر ضعف بني أمية بعد ذلك واضطرابهم هان على الناس الخروج عن طاعتهم وتوفق العباسيون يومئذ إلى رجل فارسي يدعى أبا مسلم الخراساني فأنقذوه في طلب البيعة لهم في خراسان لبعدها عن مركز الخلافة فتوفق توفيقاً عجيباً حتى أدني الخلافة لبني العباس وسلم أزمتها إلى السفاح أول خلفائهم اعتمد العباسيون على جماعة من الفرس تظاهروا بالعدالة والاستقامة فاتخذوهم أنصاراً في عواملهم السياسية وأعلوا مراتبهم وأجلسوهم على منصة الرفعة والعز وكان الكثير منهم ليس من الدين في شيئ بل كان منهم طوائف ضالة مضلة كالمانوية والباطنية والإسماعيلية وغيرهم من الطوائف المارقة وهكذا إلى أن ظهرت المعتزلة وتفرقت الأمة المحمدية فأخذوا يضلون الناس ويدعونهم إلى اتباعهم والنأسي بأقوالهم وأفعالهم فظهر الإلحاد وفشت الزندقة وكثر الغى واستفحل الأمر فصدر أمر المنصور بتأليف كتب لإظهار شباتهم ودحض دعاويهم الباطلة. كانت الأوائل من الصحابة والتابعين لسلامة عقائدهم وقلة الوقائع والاختلافات في زمنهم مستغنين عن تدوين على أصول الدين وفروعه أعني التوحيد والفقه فلما حدثت الفتن اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء وكثر جدال المبتدعه وتقووا بحيث لا يمكن زجرهم اشتغل علماء الدين بالنظر والاستدلال والاجتهاد والاستنباط وتمهيد القواعد وإيراد الشبه بأجوبتها وتعيين الأوضاع وتبين المذاهب. أول من أظهر الخلاف من فرقة المعتزلة وأصل بن عطاء وكان في مجلس الحسن البصري فقال رجل للحسن يا إمام زعم أناس كفر من فعل كبيرة وقال آخرون لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة فما الحق في ذلك فأطرق ملياً لينظر فأسرع وأصل بإثبات المنزلة بين المنزلتين وعقد له مجلساً وقال الناس ثلاثة (مؤمن، وكافر، ولا مؤمن، ولا كافر) فقال الحسن اعتزلنا وأصل ثم تعاظم الأمر لما عرب المأمون العلوم الفلسفية وكان طلبها من اليونان فضنوا بها فلم يزل حتى أرسلوها وخلطت تلك الشبه فكانت المعتزلة ينتحلون منها وذلك أن من قواعد الفلاسفة أن واجب الوجود لا يكون إلا واحداً من جميع جهاته أخذت منه المعتزلة نفى صفات المعاني ومن قواعدهم التأثير بالتعليل ونفي الاختيار بإثبات اللزوم أخذوا منه

وجوب الصلاح والأصلح ومن قواعدهم أن الرؤية بأشعة تتصل بالمرئي أخذوا منه أن الله لا يرى ومنها تأثير العقول أخذوا منه أن العباد يخلقون أفعالهم الاختيارية وكل ذلك باطل مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة كما هو مقرر في محله أن علماء الإسلام ما صنفوا كتب القواعد ليثبتوا في أنفسهم العلم بالله تعالى وإنما وضعوا ذلك ردعاً وسلم بالخصوص وإعادة الأجسام بعد الموت ونحو ذلك مما لا يصدر إلا من كافر فطلب علماء الإسلام إقامة الأدلة على هؤلاء ليرجعوا إلى اعتقاد وجوب الإيمان بذلك فكان البرهان عندهم كالمعجزة التي ينساقون بها إلى دين الإسلام. الأدلة على وجود الصانع وتوحيده تجري مجرى الأدوية التي يعالج بها مرض القلوب والطبيب أن لم يكن حاذقاً مستعملاً للأدوية على قدر قوة الطبيعة وضعها كان إفساده أكثر من إصلاحه كذلك الإرشاد بالأدلة إلى الهداية إذا لم يكن على قدر إدراك العقول كان الإفساد للعقائد بالأدلة أكثر من إصلاحها وحينئذ يجب أن لا يكون طريق الإرشاد لكل أحد على وتيرة واحدة فإن الناس تتفاوت بحسب مراتبهم واستعدادهم. فمن آمن بالله وصدق الرسول واعتقد الحق وأضمره واشتغل بعبادة أو صناعة فلا ينبغي أن تحرك عقيدته بتحرير الأدلة فإنه عليه الصلاة والسلام لم يطالب العرب في مخاطبته أياهم بأكثر من التصديق ولم يفرق بين أن يكون ذلك بإيمان وعقد تقليدي أو يقين برهاني وغير المؤمن الجافي الغليظ الضعيف العقل الجامد على التقليد المصر على الباطل لا تنفع معه الحجة والبرهان وإنما ينفع معه السيف والسنان إن كثير من الكفرة أسلم تحت ظلال السيوف ومن استقرأ التاريخ لم يصادف ملحمة بين المسلمين والكفار إلا انكشفت عن جماعة من أهل الكفر مالوا إلى الانقياد. وأما الشاكون الذين فيهم نوع الذكاء ولا تصل عقولهم إلى فهم البرهان العقلي فينبغي أن يتلطف في معالجتهم بما أمكن من الكلام المقنع المقبول عندهم بالأدلة البرهانية لقصور عقولهم عن إدراكها. وأما الفطن الذكي لا يقنعه الكلام الخطابي فتجب المحاجة معه بالدليل القطعي البرهاني فقد تبين أن أقسام الخلق أربعة وكل منهم له مرتبة في طريق الإرشاد يخاطب بحسبها فيما يناسب حالة فلا ينبغي أن يساوي بين الناس بالخطاب بالإرشاد كما هو دأب أهل التعصب الذين نصبوا للناس شرك التزلزل في عقائدهم ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير

والازدراء فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة ورسخت في نفوسهم الاعتقادات الباطلة حتى عسر على العلماء المتلطفين محوها مع ظهور فسادها. إذا تمهد هذا فعلينا أن نلتزم طريقة سهلة المأخذ جديرة في النفع واضحة البرهان ظاهرة الحجة ونتباعد عنا يشوش عقائد العامة ويدخل عليهم الريب من نشر الشبه والرد عليها إذا لا يلزمنا أن نطيل المشاغبة في اللوازم إلا عند الاقتضاء وقصارى مطلوبنا تقرير الأدلة الإقناعية والقطعية فالأولى للقسم الثالث والثانية للقسم الرابع:

الفقه والفقهاء

الفقه والفقهاء كلمة في الفقه والفقهاء (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) منقبة جليلة، ومأثرة عظيمة، ذكر كريم، ووصف جسيم، اعتناء باهر، وإكرام ظاهر، مجد شامخ، وفضل باذخ، خص به فقهاء الدين وحملة الشرع القويم على لسان أفضل البشر وسيد المرسلين عليه من الله أذكى صلاة وأتم تسليم. نوهت هذه الجملة بفضل المتفقهين وأبانت مركزهم في هذه المجتمع بأنهم خيرته من أفراده، وصفوته من رجاله، وهم (والحق يقال) جديرون بهذه المكانة، حقيقيون بتلك المرتبة لما لهم من الأيادي البيضاء في خدمة الدين بتأسيس قواعده وتشييد مبانيه واستخراج فروعه من أصوله وأحكام أبوابه وفصوله إلى غير ذلك من الأعمال التي دأبوا عليها الأزمنة التي لا تنحصر والأوقات التي لا تعد حتى بينوا محاسن الشريعة كالأنجم الزهر، أو كالغرة في جبين الدهر، فجزاهم الله خيراً. خلفهم خلف (وبئس الخلف هم) غمصوا حقوقهم وغضوا من فضلهم وجاوزوا إلى تزييف آرائهم وإبطال أقوالهم زاعمين أن غالبها لا مأخذ له من كتاب، ولا استناد به إلى سنة، ولا تعويل فيه على إجماع ولا اعتماد به على قياس، لا يوافق المعقول ولا ينطبق على المدنية بل هو خيالات تخيلوها وأكاذيب أفتروها حتى أخذوا يزينون لكل من علت رتبته في العلم أو نزلت أن يستقل بنفسه ويأخذ الأحكام التي تتعلق به من أدلتها ويرمي بأقوال أولئك الأئمة عرض الحائط وهناك والله الطامة الكبرى من محو الشريعة وتفريق الأمة (حمانا الله من ذلك) نقول هذا ولا نرتاب في أن فتح هذا الباب (باب الاجتهاد) وترك أقوال أئمة عظام وجهابذة فخام أحاطوا بالعلوم العربية من جوانبها وعلموا أصول الشرع وقواعده واستظهروا الكتاب وتأويله وحفظوا المائة ألف والمائتين منم أحاديث السنة بأسانيدها وتراجم رجالها وعرفوا الناسخ والمنسوخ ووقائع الأحوال وأسباب النزول مع ذكاء باهر، وفطنة متوقدة، نعتاض عنها بأراجيف من علم من الصرف الثلاثىَّ المجرد ومن النحو الفاعل والمفعول ومن غامض اللغة مادة أو مادتين ومن تفسير الكتاب تفسير آية أو آيتين ومن الأحاديث نزراً تلقفه من الأفواه لم يعلم سنده، ولا حال رجاله، لا أطلاع له على شيء من باقي العلوم إلا ما كان من شعر ينشده ونثر يسرده (وهذه حالة فغالب مدعى العلم في

هذا العصر المؤهلين أنفسهم لهذا الشأن) خرق كبير في الدين، وجناية على الأمة غفرانك اللهم، هذا وأن مجلتنا هذه بما هي معترفة به من العجز ومذعنة فيه من القصور متكلفة بالجواب عما يرد إليها من الأسئلة عن أدلة الأحكام الشرعية التي نقلت عن الأئمة الأربعة أو أحدهم نأتى بها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس مطبقة على المعقول مشيدة على أصول المدنية وبالله التوفيق ومنه المعونة.

اللغة العربية

اللغة العربية مجلة الحقائق لا يخفى مسيس الحاجة إلى مزيد العناية بشأن هذه اللغة الشريفة التي اختصت بمزايا ترتاح إليها النفوس الزكية والأحلام الراجحة وحسبها شرفاً مخلداً أنه قد ورد الذكر الحكيم وحديث أفصح من نطق بالضاد وأوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام، ولم يزل المولى سبحانه وسعدانه يقيض لهذه اللغة الكريمة من رجال العلم والأدب من يعني بضبط أصولها وفروعها وحفظ قواعدها وشواذها وبيان فصيحها وأفصحها مع التنبيه على ما يطرأ عليها من تحريف أو تصحيف أو تغيير وتبديل حتى بلغت العناية ببعض حفاظها من رجال السلف أنه بينما كان هائماً في بعض القفار هرباً من بأس الحجاج التقفى إذ سمع أحد فصحاء العرب من الثقات الإثبات يقول مات الحجاج ويتمثل بهذين البيتين: لا تضيقن في الأمور فقد تك ... شف غماؤها بغير احتيال ربما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحل العقال فقال ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً أبموت الحجاج الذي تخلصت من شره أم بسماعي هذه الكلمة (فرجه) بالفتح ممن يوثق بكلامه ويعتد به بعد أن طال ترددي فيها والتماسي للوجه الأفصح من هذه الوجوه الثلاثة (فتح الفاء وكسرها وضمها) فتأمل يا رعاك الله هذا التجرب في تلقي الكلمات العربية وقايس بين هذا الاعتناء وبيت التهاون الذي بلغ في زمانناً مبلغاً يقضى بالأسى والأسف ويكاد المرء ييأس معه من تصحيح الأغلاط المتداولة على الألسنة وتنفتح هذه اللغة الكريمة مما شوه وجوه كرائمها وأوشك أن يودي بنضارة محاسنها فترى بعضناً تعرض له الألفاظ العويصة والكلمات التي تستبهم وتستغلق عليه فيقدم على سردها ويلوكها بلسانه غير مبال بضبطها ولا مكترث بتحقيقها وربما كانت معاجم اللغة إلى جانبه وعلى طرق الثمام منه ولا يمنعه منها إلا تكاسله وإلقاؤه الكلام على عواهنه خطأ كان أو صواباً وقد أخذ هذا الداء يفشو وينتشر حتى سري إلى بعض الخواص الذين لا يتنازلون إلى كراجعة قواميس العربية فإذا وقع لأحدهم أشكال في لفظ أو التباس في كلمة طفق يكررها ويعيدها ويعرضها على لسانه كأنها أكلة يذوقها أو لقمة يتطعمها ثم يقول مثلاً الفتح عندي هو الصواب أو الضم أخف وأرشق أو الكسر الطف

وأسلس وما أشبه ذلك مما يدل على دعوى الاجتهاد فيما هو من العلوم النقلية التوقيفية التي لا مجال للعقل فيها وقد كان أبو علي القالي وهو من هو علماً وأدباً وفضلاً إذا استعجمت عليه كلمة فزع إلى كتب اللغة ولم يجسر على الحكم فيها برأيه شأن الموثوق بهم من علماء اللغة وأئمة العربية ومما يحكى عن أبي علي هذا أنه كان يقتني نسخة من الجمهرة بخط مؤلفها أبي بكر بن دريد وكان قد أعطى بها ثلاثمائة مثقال فأبى ولم يقبل ثم اشتدت به الحاجة حتى اضطرته أن يبيعها بأربعين مثقالاً إلا أن الذي اشتراها أعادها له ومعها أربعون ديناراً منحه أياها بباعث الشهامة والمروءة ومكارم الأخلاق حيث رأى عليها بخطه هذه الأبيات: أنست بها عشرين عاماً وبعتها ... وقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظنى أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لعجزي وافتقاري وصبيةٍ ... صغار عليهم تستهل شؤني فقلت ولم أملك سوابق عبرتي ... مقالة مكوي الفوآد حزين لقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين هكذا كان حرص علماء السلف على كتب اللغة ومراجعتها وقد قام اليوم من نوابغ العصر قوم أخذوا يحمون حوزة هذه اللغة ويذبون عنها باسنة أقلامهم وأسلات ألسنتهم فعسى أن تعود بهم إلى سابق عها وسامق مجدها حيث نحظى بطيب نشرها الجميل ونتعزز بها على فهم أسرار الحديث والتنزيل والله المرجو لتحقيق ذلك وعليه التكلان ومنه التوفيق. هذا وقد رأينا أن ننشر في هذه المجلة ما يقتضيه الحال من المباحث اللغوية مفتتحين ذلك بتحقيق معني هاتين الكلمتين (مجلة الحقائق) نقلاً عن أمهات كتب اللغة. (المجلة) بفتح الميم والجيم واللام المشددة بعدها تاء مربوطة. هي الصحيفة تكتب فيها الحكمة وكل كتاب عند العرب مجلة وفي حديث سويد بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام لعل الذي معك مثل الذي معي قال وما معك قال مجلة لقمان أي كتاب فيه حكمة لقمان وقال ابن الإعرابي أحد أئمة اللغة قلت لإعرابي ما المجلة وكانت في يدي كراسة فقال هي التي في يدك وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا أنشد شعر أمية قال مجلة أبي الصلت قال الراغب ويسمي المصحف محلة وقال النابغة الذبياني:

مجلتهم ذات الآلة ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب أي كتابهم طاعة الآله والمراد أنه مشتمل على طاعة الآلة وقال رجل من بني يربوع بعد أن ذكر داراً قد أندرست وعفت ولم يبق إلا آثار أطلالها. (مثل الكتاب لاح في المجلة) وقد ورد جمع المجلة على مجال بوزن مسرة ومسار ومضرة ومضار والشائع في الاستعمال اليوم مجلات وهو سائغ مطرد في القياس والمجلة قيل معربة وأصلها عبرانية وقيل هي عربية محضة وعلى هذا فهي مفعلة من الجلال بمعنى العظمة والوقار والفخار والرفعة وإنما سميت المجلة كذلك لأن ما يكتب فيها من الحكم والآداب والمواعظ والأحكام ونحوها حقه أن يكون موضع الإجلال والإعظام وأما (الحقائق) فهي جمع الحقيقة على القياس المطرد في جمع كل ما كان وزنه فعيلة على فعائل وهي بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول من حق الأمر إذا ثبت وتقرر أو من حقه إذا ثبته وقرره وهذا من الأفعال التي تستعمل لازمة ومتعدية ولذلك يقال حق لك أن تفعل كذا وحق لك بالبناء للمعلوم والمجهول والقياس في هذا الفعل ونحوه من ذوات التضعيف أن يكون متعديه من الباب الأول كمد ورد ولازمه من الثاني كخف وعف وصنيع القاموس يقتضي أن كلاً من حق اللازم والمتعدي قد ورد من كلا البابين الأول والثاني وعليه فمجيء لازمه من الأول شاذ في القياس دون الاستعمال ومجيء متعديه من الثاني كذلك وبما تقدم ظهر أن الحقائق بمعنى الأمور الثابتة المتقرره أو المثبتة المقررة ومنه حقيقة الشيء بمعنى ماهيته وما به هو ومنه أيضاً الحقيقة من الألفاظ بمعنى الثابت المستقر على معناه الأصلي الذي وضع له ومنه قولهم فلان حامي الحقيقة بمعنى ما يلزمه الدفاع ويحق عليه حفطه وحياطته قال لبيد: أتيت أبا هند بهند ومالكاً ... بأسماَء أني من حماة الحقائق وقال عامر بن الطفيل: لقد علمت هوازن أنني ... أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر وقال أبو المثلم يرثى صخراً الهذلي: أبي الهضيمةِ ناءٍ بالعظيمة مت ... لاف الكريمة جلد غيرُ ثنيان حامي الحقيقة نسال الوديقهِ مع ... ناق الوسيقة لا تكس ولاواني

فمعني الحقائق في هذه الأبيات ما يحق على الرجل أن يحميه ويحافظ عليه وتاء الحقيقة كتاء علامة ونسابه وفهامة ونحو ذلك وهي للتأنيث اللفظي الذي يراد منه المبالغة في أصل المعنى وحينئذ يكون معنى الحقيقة من الأمور ما ثبت ثبوتاً قطعياً بحيث لا يشك فيه وأصل هذه المادة كلها هو الحق الذي يدحض الباطل ويدفعه نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا أتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه أنه ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق.

العلماء

العلماء علماء الدين في الإسلام ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم ... على الهدى لمن استهدى أدلاء وقد كل أمرئ ما كان يحسنه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم تعش حياً به أبداً ... فالناس موتى وأهل العلم أحياءُ العلماء حياة الشعب وظل الله في الأرض وركن الدولة. وفريق الهدى، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام. قال الله تعالى (أنما يخشى الله من عباده العلماء). حكمة بالغة تعجز أفاضل الكتاب عن أن يلموا باطرافها أو يصوروا بعض معانيها أولو دأبو السنين العديدة. وكتبوا المجلدات الضخمة. تنزيل من رب العالمين. تصور أيها القارئ ما أفادته هذه الآية من تعظيم أمر العلماء وتبين مقامهم المحمود. حصرت خشية الله بهم ومعنى الخشية الرهبة من الله والخوف من عقابه. صفة جليلة إذا تخلق بها الإنسان ائتمر بأوامر الله. وانتهى عن مناهبه. وهناك الخير العظيم. والنفع العميم. ثم أرجع البصر إلى ما الزم الله به عباده. وما فرض عليهم التباعد عنه تجده غاية في الرقيّ. ونهاية في المدنية. وقانوناً كافلاً لسائر أسباب النجاح. لنأت بهذا الرجل الذي خصه الله بخشيته وآتاه الحكمة. وعلمه مما يشاء. ثم لنجله في هذا المجتمع الإنساني مجده هو (والله) حامل تلك الصفات التي يتلمسها علماء العمران. طهارة وجدان. وبراءة ذمة. وأناة وحلم. وأنصاف وعدل. ورفق وإحسان وتباعد من الظلم. واستنكاف من الباطل. ونبذ للرشا. ومحافظة على الحقوق قدر الجهد ونهاية الاستطاعة إلى غير ذلك مما نتصوره من الصفات العالية والأخلاق الفاضلة الكبيرة. وهي كلها على التحقيق فرع لخشية الله والإئتمار بأوامره. اللهم علمنا مدارك التأويل. كان الصدر الأول أيام كان الإسلام يشرف من أعلى قمم المجد ويخضع لسلطانه كل جبار عنيد. ظرفاً لإعزار العلماء ونفوذهم حتى أن الخلفاء كانوا يغشونهم في دورهم لسماع الوعظ وافرشاد كما وقع للرشيد مع ابن عبينة. وكان حكمهم فوق كل حكم. وكلمتهم تعلو كل كلمة. تدنو لهم رقاب الملوك. وتعنو لهم الخاصة والعامة وشواهد هذا في التاريخ كثيرة فقد حكى المؤرخون أن بني أمية لم يكونوا ليقطعوا أمراً إلا برأي علماء المدينة وذكر

الفخري أن الرشيد قد صب الماء على يدي أبي معاوية الضرير وهو يغسل وروى صاحب طبقات الأدباء أن الأمين والمأمون ولدي الرشيد تنازعاً في حمل نعل أستاذهما الفراء وتقديمها له حتى اصطلحا على أن يقدم كل منها واحدة. كذلك كانوا يكرمون العلماء الحقيقيين ويجلونهم استقام الأمر على ذلك مدة مديدة ثم طرأ على مركزهم التزلزل والانحطاط كما طرأ على المسلمين. وكان العامل الأقوى في هذا السقوط انخراط شرذمة من الجهلاء وأهل الأهواء في هذا السلك الشريف. أخذوا يدجلون على العاملة ثم التفوا حول المراء والملوك فجاورهم في أهوائهم وزينوا لهم سيئاتهم وقضوا لهم فيما يشتهون. أضف إلى ذلك ما جرت عليه الأمة من ذلك الحين. وأنها كانت إذا مات العالم وخلفه جاهل أفضت بالأمر إليه وأفرغت الدروس عليه كان العلم عقار أو مال أو متاع، وهكذا أخذ الجهال وظائف العلماء ولم يبق مرغب في العلم ولا داع إليه ولا حامل عليه. فسدت الأخلاق. وراج النفاق. وانقلب العز ذلاً، والعلم جهلاً. وصارت علماء الدين مرمي للسهام. ومشحذة للأقلام. بعدما كانوا في منزلة تقر بها عيون الدين. وتنشرح لها صدور المسلمين عظم الأمر وعم الخطب وبلغ التحامل على العلماء مبلغاً لم يعهد من قبل حتى قام بعض الكتاب ممن أولعوا بالتقليد العمى للغربيين ينددون بالسلطة الدينية. ويطلبون فصل السلطتين الدينية والسياسية. مدّعين أن الدين إذا خالط السياسية أفسدها إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة وخزعبلات القول ذلك لأنهم رأوا أن الغربيين ينتقدون السلطة الدينية ويطلبون القضاء عليها لأنهم ذاقوا من تلك السلطة ما أظهر لهم أنها تحول دون رقيهم العقلي فقلدوهم على غير هدى. (وهكذا الأمم المنحطة تتشبه بالأمم الراقية. ولو فيما لا ينطبق على مصالحا) اللهم أرزقنا استقلالاً في الفهم على رسلكم أيها الكتاب لا سلطة في الدين الإسلامي إلا للشرع، أن العالم ليقضى بين الناس ويصدر الفتاوي (هذا حلال وهذا حرام) ويأمر بالمعروف. وينهى عن المكر. ويهذب العامة. ويرشد الخاصة. وهو المرجع في الحيرة والمرجو لدفع الشبه عن المسلمين. لا سلطة ولا تسلط. ولا غفران ولا حرمان إنما هي رتبة خوله إياها العلم. وقضت له فيها الحكمة.

أيها الكاتبون: أن الدين الإسلامي هو دين الشورى دين المدنية، دين الحضارة. هو الدين وحده الذي يصلح أن يكون شريعة دائمة. وهداية عامة للبشر فكونوا يداً واحدة على نشر هذا الدين المبين. والصراط المستقيم. وما نشره إلا بإعزاز علمائه والسعي وراء رقيهم وإيجاد الوسائل لنشر التعليم الديني بين طبقات الأمة ليذوقوا طعم الإسلام وينبذوا من يريد تفريق حكمتهم باسم الدين تارة وباسم الجنس أخرى وليعلموا أن الشريعة الغراء تقضي بالاتحاد والائتلاف. والتكافل والتضامن. لتعيش الناس وادعين آمنين وفق الله الأمة لما فيه صلاحها.

الأخلاق1

الأخلاق1 إنما بثت لأتمم (مكارم الأخلاق) أول واجب على من أراد سعادة هذه الأمة أن يسعى بتهذيب أخلاقها وعبثاً يحاول المصلحون العروج إلى الرقي والنجاح من غير هذا الطريق، وفي هذا الحديث دلالة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أرسلوا بمكارم الأخلاق وأن الرسول متمم ما نقص. وجامع ما تفرق، وفي هذا مع ملاحظة الحصر بإنما من تعظيم قدر الأخلاق ما لا يقدره حق قدره لسان القلم، وقد أصبحنا في زمن نسى أو تناسى فيه المسلمون أخلاقهم تلك الأخلاق التي كانت سبباً لانتشار الدين الإسلامي في أكثر بقاع الأرض بسرعة لم يعهد لها نظير في تاريخ الأديان، صدق في الأقوال وإخلاص في الأعمال وتفان في نصرة الحق (وتعاون على البر والتقوى) قامت هذه العدد المعنوية أمام المعاقل والحصون، والقلاع والأبراج، وغالبتها فغلبتها، ودكت عروش الجبابرة، وهدمت صروح القياصرة، سنة الله في من استرشد بآياته، وتمسك بما أمر به، هذا حال المسلمين في زمن قلتهم وضعفهم. وضيق ثروتهم. فكيف حالهم اليوم نبذوا أوامر الله ظهرياً. واتبعوا أهوائهم، وانكبوا على شهواتهم، وساد فيهم الجهل بالدين وأصوله فبعدوا عن الفضائل، وتحلوا بالرذائل فأخذهم الله ببعض بذنوبهم (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كان سلفنا يقول هذا حلال وهذا حرام، وهذه فضيلة، وتلك رذيلة. وميزانهم الشرع ومرجعهم كتاب الله وسنة رسوله فأصبح الخلف يحكمون حكمهم. والميزان الشهوات. والمرجع الأهواء. وبعد أن كان (الحق) و (العدل) و (الأنصاف) (والانتصار للدين) وهكذا سائر الفصائل حقائق لأمور معلومة بينها الشارع ومحصها حتى لم يدع سبيلاً للاختلاف في حقيقتها. أصبحت اليوم تطلق لمعان اصطلاحية (ولا مشاحة في الاصطلاح) فالتهور شجاعة أدبية. والجبن أناة. والوقاحة حرية ضمير. والبعد عن آداب الدين تمدن والتمسك بالفضائل جمود. والقصد والاعتدال في الأمور تعصب. كتبت إحدى المجلات العلمية صورة كتاب ورد لأحد العلماء من صديق له بأميركا وقدم ذلك العالم بين يدي نجواه مقدمة يبين بها فائدة نشر هذا الكتاب يقول فيها بعد كلام طويل (حتى إذا رأيته نافعاً تتكرم بنشره ليرى الناس كيف يعيش ذلك الشعب الراقي في بحبوحة

السعادة والراحة والغنى إلى أن قال وكيف يعلم الشعوب دروس الآداب العالية والعلم الصحيح الخ)، تقرأ ذلك ثم تقرأ الكتاب فترى من جملته (أما محال التمثيل فإنها مرتقية أكثر من أوربا وأرخص أجوراً حتى أنك لترى في بعض الملاعب مائة فتاة يرقصن معاً وأجور الفرجة رخيصة للغاية) فأنظر يا رعاك الله إلى أي درجة وصلنا من الانحطاط في الأخلاق حتى صار من يدعي في عرف المجلات عالماً ألمعياً يرى أن رقص مائة فتاة بأجور رخيصة من دروس الآداب العالية والعلم الصحيح. اللهم أن هذا نهاية الخذلان. نام علماء الدين عن وظيفة الإرشاد فقام من ليس في العير ولا في النفير يدعون مقام المرشدين. ووظيفة المصلحين يسيطرون على الأمة في دينها وأخلاقها، وان كانوا خلواً من كل فضيلة. يقولون نحن قادة الأمم إلى خيرها نحن منقذوها من ظلمة الهمجية إلى نور التمدن نحن نحن. . ووجدانهم يكذبهم و (الحقائق) تتبرأ منهم والله من ورائهم محيط. رأوا أن بضاعتهم من العلم مزجاة فتلمسوا طريقة لأن يروق سعيهم في نظر العامة فلم يجدوا سوى تقيص العلماء واحتقارهم ليوهموا السذج أنهم كما يدعون وفوق ما يصفون. هذه مقدمة خطتهم في وضعهم أنفسهم أمام العامة موضع المصلحين. ثم يعمدون إلى إرضائهم بأن يدخلوا في الدين ما تميل إليه نفوسهم وترغبه شهواتهم، فيجعلوا من الحرام ما يهذب الأخلاق، ومن الرذائل ما يرفع إلى أوج الحضارة، والنفوس (إلا من هذبه العلم) مجبولة على حب الإطلاق ومن دعا إليه وأن كان فيه شرها وتدهورها إلى حضيض الذل والهوان. اللهم أكثر في هذه الأمة دعاة الخير والإصلاح الحقيقي ولا نحتاج إلى الدعاء على دعاة الشر بالانقراض فإنهم متى آنسوا أن صاحب البيت طلبه قوضوا خيامهم ورضوا من الغنيمة بالأياب ومن أين للظلام أن يثبت مع الشمس أو للجهل أن يقاوم العلم أو للتمويه أن يصادم الصدق وإنما يظهر الباطل في غفلة الحق عنه والحق أبلج والباطل لجلج وقل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقاً.

الانتقاد

الانتقاد الصحف والصحافيون ماذا أقول في الصحف الصادقة وما ينبغي أن أقول. أن القلم ليعجز والفكر ليمل دون ان يعرف ما لها من الفضائل أو يوفيها حقها من الثناء إذا كانت الأمور تشرف بشرف غاياتها وتعظم بعظم ثمراتها كان للصحف المفيدة من الكرامة أعظم وأوفر نصيب ذلك من حيث أن الوطن ومستوطنيه إذا غشيتهم غاشية ظالم. أو حقت عليهم كلمة آثم. لم يكن لهم موئل يئلون إليه. ولا منهل يتواردون عليه غير تلك الصحف النافعة الآخذة على عهدتها القيام بخدمة الوطن والانتصاب للذب عنه. وضعت الصحف لتبحث فيها يعود بالمنفعة العامة على هذا النوع البشري فليست أقل فائدة من الكتب المحترمة بل لا فرق بينهما إلا أن الصحف تنشر تباعاً والكتب تنشر دفعة واحدة ويشتمل الكتاب على بحث واحد والصحيفة على عدة أبحاث، فالمجموع من بحثها في الأخلاق أخلاقي، ومن بحثها في الدينيات كتاب ديني، ومن بحثها في الأدبيات كتاب إنشاء ومحاضرات الخ وضعت الصحف لتعرف الإنسان بماله وما عليه من الواجبات، لتعرفه أنه إنسان حر في أقواله. مطلق في أفعاله. لا سلطة ترهبه. ولا سيطرة تفزعه. اللهم إلا سلطة الشرع وسيطرة الدين وضعت الصحف لتعرف الإنسان أن الله تعالى برأه ليكون صوت رحمة على بني وطنه. وخيراً محضاً لبلاده. لا راحة له إلا أن رقت. ولا هناء له إلا أن علت لتعرفه كيف يصاحب ولمن يجانب، وكيف يسوس أهله، ويربي أولاده. ويعلمهم ويزكيهم ويهذبهم ويرشدهم وضعت الصحف لتطلع الإنسان على أحوال الناس وآرائهم وعاداتهم وأخلاقهم ليطرح الخبيث ويتحلى بالجيد ويقرب من العلماء ويبتعد عن السفهاء وضعت الصحف لتربي في الإنسان ملكتين أدبية وأخلاقية يتعرف بالأولى صحيح الكتابة من فاسدها وغثها من سمينها ويعتقد بالثانية أنه مدين لدينه بدين يجب وفاؤه وحق يلزم قضاؤه، نحن نجل الصحيفة بالوصف السابق ونقدرها قدرها ونرى أنها الدالة على حضارة قومها، وترقي آلها، وأنها يد البأس وعضد المسكين، ولسان الخائف، وساعد المظلوم، وأنها تاريخ عام للمحسن والمسيء، تنتقد للإصلاح وتسير على نهج الفلاح، تصدع بالحق ولو آلمها وتجهر بالصدق ولو جرحها، تبحث فيما تعلم، وتصدف عما لا تعلم وأنها للوطن كالغيث ينتفع منه الكبير

والصغير، والغني والفقير ولكنا نعترف بأن أكثر صحفنا اليوم خرج عن هذا الوضع، وتباعدت عن هذا الوصف، فاستبدل أصحابها المفاسد بالفوائد والمضار بالمنافع، يهتون عرض هذا، ويأكلون لحم ذاك، ثم لا يكفيهم هذا حتى يدعى أحدهم أنه رب الحرية وزعيمها، وشيخ المسائل العمومية وأميرها، وأن لا غرض له في ثلب أعراض الناس وهتكها إلا إظهار الحقيقة، وخدمة الوطن، أمثال هؤلاء المتهورين أخرجوا الصحف عن وضعها وساروا بها في غير مسيرها ففرقوا الكلمة والصحيفة وضعت لجمها، ونفروا القلوب والصحيفة أنشأت لإئتلافها وعاثو في الأخلاق والصحيفة أسست لإصلاحها، وأماتوا اللغة والصحيفة وجدت لإحيائها، ولذلك كثر عدد عذالها، ونما جمع لوامها، وانقسم الناس فيها شيعاً وأحزاباً، فمن حادث عليها موجب لقراءتها، ومن مانع منها محرم لها، لا لوم على المانع، ولا حرج على المحرم، فإن الصحف بخروجها عن وضعها الأصلي صارت محط الصفات الذميمة، والأخلاق السافلة، يفتتح الإنسان الصحيفة من صحف اليوم فيرى من أخبارها أن فلاناً قد تولى المنصب الفلاني وهو خير كفوء له، وأحق قائم يقوم به لما له من الهمة الفائقة، والفكرة الصادقة، والخبرة والمعرفة والدهاء والذكاء، وحسن الإدارة والسياسة، وصدق القول، وطهارة الوجدان، وغير ذلك مما يدهش القارئ والسامع، والعالم والجاهل، ثم لا يكاد يتم سروره حتى يتناول بعد أيام عدد آخر من تلك الصحيفة فيراها تقول أن فلاناً (الممدوح بالأمس) قد جرد من منصبه وهو رديء الحال، سيئ السمعة، طائش الفكرة، عديم المعرفة، مبغض للخير، عدة للمعارف، هناؤه في شهوته، وراحته في لذته إلى غير ذلك من الوصاف الدنيئة، والنعوت الوضعية التي توجب على القارئ أن يحكم بداهة بتكذيب أحد الخبرين أن لم نقل بكليهما زد على ذلك ما إذا مر نظره على تلك الأخبار الواهية التي يتناقلها أكثر الصحافيين ولا يعلمون لها سنداً أو تلك الأسطر المشوشة للأفكار. الصدعة للخواطر الصغيرة حقيقتها ترجمتها، أو تلك المبالغات والزيادات التي أفسدت خلق الناشئة وهونت الغلو عليها، أمثال هذه السيئات اضطرت المانع أن يمنع والمحرم أن يحرم والقارئ أن يقيس الصحف بمقياس واحد ويحكم بهذا الحكم على سائر الصحافيين ولا يسعنا وأكثر الصحف مصبوغ بهذه الصبغة أن نصوب نحو هذا المندد سهم الاعتراض، ونصلت عليه سيف الانتقاد بل الواجب أن نتدارك ما فرط به بعضنا وننصح

لله جهدنا أملاً بأن يرجع إلى الخطة القويمة والطريقة المستقيمة وإلا فنعده في زمرة المفترين، والقوم المفسدين، وبذلك نخدم الصحافة والصحافيين ونبين فضلهما للناس أجمعين.

التاريخ

التاريخ أبو بكر رضي الله عنه نأتي في هذا الباب على ترجمة أعاظم رجال المسلمين ممن أنتقع بهم العلم والدين، كما تعهدنا بذلك في المقدمة لما فيه من تجريك بواعث الهمم، للاقتداء بأولئك الرجال. في جلائل العمال. وكرائم الخصال. ولانا نرى كثيراً ممن يدعى التمدن يحفظون تاريخ فلاسفة الغربين. ويتلمظون به في المجالس ثم إذا سألتهم عن تاريخ رجل من عظماء المسلمين. أو عالم من العلماء المبرزين. تراهم لا يحفظون نبذة من كلامه ولا مأثرة من مأثره اللهم غفراً ينسون تاريخ قومهم ويحفظون تاريخ غيرهم أن هذه النهاية التعاسة وغاية الخذلان. وها نحن أولاء نتيمن بالابتداء بترجمة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل من طلعت عليه الشمس بعد النبيين. (أبي بكر الصديق) رضى الله تعالى وعنه وكان الأحرى بنا أن نبتدئ بترجمة الرسول صلى الله عليه وسلم لولا أن ألف في ترجمته مالا يحصى من المؤلفات عدا بل أن الكتب الدينية جمعاء ترجمة لحياته الشريفة صلى الله عليه وسلم. اسم أبي بكر عبد الله سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم وكان اسمه عبد الكعبة ولقبه بالعتيق لجمال وجهه ووصف بالصديق لبداره إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به عموماً واسم أبيه عثمان ويكنى أبا قحافة ويجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب. ولد رضى الله عنه لسنتين وأشهر من مولد النبي صلى الله عليه وسلم. صحب النبي صلى الله عليه وسلم صحبه لا يمكن للمؤرخ أن يحيط بها مهما بلغ من الإطلاع وأجاد في الشرح. صحبة تمثل التفاني في تأييد الحق بأجلى مظاهره وتعلم الناس كيف يتحدون. قداه بماله عند الاقتضاء. وبنفسه عند الشدائد صدقه حين كذبه الناس ونصره حين خذله الناس وآمن به حين كفر به الناس قال صلى الله عليه وسلم أنم آمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكر عنده أبو بكر فبكي وقال وددت لو أن عملي كله من عمله يوماً واحداً من أيامه وليلة من لياليه أما الليلة فليلة سار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار فلما انمتهيا إليه قال والله لا تدخله حتى أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخل فكسحه فوجد في جانبه ثقباً فشق

أزاره وسد به تلك الثقب وبقي منها اثنان فألقمهما رجله ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل فدخل فوضع رأسه في حجره ونام فلدغ أبو بكر في رجله من الحجر ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه فقال مالك يا أبا بكر فقال لدغت فداك أبي وأمي فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه فكان سبب موته وأما اليوم فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب وقالوا لا يؤدي زكاة فقال لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تالف الناس وأرفق بهم فقال أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام أنه قد انقطع الوحي وتم الدين ثم ينتقض وأنا حي ما هذه المحبة وما هذه المفاداة! أن هي إلا نور قذفه الله في قلب أبي بكر حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حب إليه من نفسه (ما فضلكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في صدره وكان أبو بكر رضي الله عنه أشجع الناس وقف في وجوه المشركين وقفات عديدة يعرض فيها نفسه للخطر دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علي كرم الله وجهه ورضي عنه قال أخبروني من أشجع الناس قالوا أنت قال أما أني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبروني من أشجع الناس قالوا لا نعلم قال أبو بكر أنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوى إليه أحد إلا هوي إليه فهو أشجع الناس قال ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخذته قريش فهذا يجبأه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً فو الله مادنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجبأ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلاً ان يقول ربي الله ثم رفع علي رضي الله عنه بردة كانت عليه فبكي حتى أخضلت لحيته ثم قال أنشدكم بالله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال إلا تجيبوني فو الله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد تابع ما قبله أسس هذا الدين على أصول وفروع، أما أصوله فتوحيد الله عز وجل وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وهذا (أي التوحيد) هو الأصل الذي ترجع إليه سائر الأصول، والقطب الذي تدور حوله جميع أفلاك العقائد الدينية، وأما فروعه فالاقتداء بالقرآن العظيم، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وأمتثال المأمورات واجتناب المنهيات والشفقة على عباد الله تعالى. وكف الأذى عنهم، وبذل النصح لهم إلى غير ذلك التوحيد هو أفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفات وأفعالاً وهو الغاية العظمى والنهاية القصوى، من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام الحكام الشرعية منها ما يتعلق بكيفية العمل ومنها ما يتعلق بالاعتقاد فالعلم المتعلق بالأولى يسمي علم الشرائع والأحكام، والمتعلق بالثانية يسمى علم التوحيد والصفات. وهو ما يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد. ولذا كان أشرف العلوم. انقسمت مباحث هذا العلم ثلاثة أقسام، في الإلهيات، وهي المسائل المبحوث فيها عن الآله من حيث صفاته، لا من حيث ذاته، للإجماع على عدم وقوع معرفة الكنه فإن الحادث يقصر بالطبع عن عظيم هذا المقام (سبحان من لا يعلم كنهه غيره) والعجز عن ذات الله إدراك والبحث فيها إشراك والثاني في النبويات وهي المسائل المبحوث فيها عن حقيقة النبوة وعن ما يجب للأنبياء، وما يجوز وما يمتنع، والثالث في السمعيات وهي المسائل التي لا تعرف إلا من طريق السمع ولا تؤخذ إلا من الأدلة النقلية كالصراط والميزان ونحو ذلك. أبحاث الإلهيات يتوقف الشروع فيها على معرفة ثلاثة أشياء، الوجوب والاستحالة والجواز، وهي أقسام المعلوم، فالواجب ما لا يتصور في العقل عدمه كصفات الله تعالى والمستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده كالجمع بين النقيضين. والجائز ما يصح في العقل وجوده وعدمه كهذا العالم. الواجب لله تعالى من الكمالات لا نهاية له لكن بعضه نصب لنا دليل على خصوصه فوجب علينا معرفته تفصيلاً وهو الصفات العشرون وبعضه لم ينصب لنا دليل عليه

بخصوصه فوجب علينا معرفته إجمالاً لعدم ما يدل على تعينه. الصفات العشرون الواجبة له تعالى هي الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بنفسه والوحدانية والقدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام وكونه قادراً مريداً عالماً حياً سمعياً بصيراً متكلماً. الوجود لاشك أن الإنسان إذا أعمل الفكر في عجائب مصنوعات الله تعالى اضطر إلى الحكم بأن هذه الموجودات مع هذا الترتيب المحكم لا تستغني عن صانع أوجدها من العدم، وحكيم رتبها على قانون أودع فيه فنون الحكم، قال إعرابي وقد سئل ما الدليل على وجود الصانع أثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي ومركز سفلي إلا يدلان على اللطيف الخبير ووقف قس ابن ساعدة الأيادي يعظ قومه في سوق عكاظ فقال يا أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا. وأن وعيتم شيئاً فانتقعوا. أن من عاش مات ومن مات فات. وكل ما هو آت آت. مظرونبات. وأرزاق وأقوات. وجمع وأشتات. وآيات بعد آيات، إن في السماء لخبرا، وفي الأرض لعبرا. نجوم تمور وبحار تغور. وسقف مرفوع. ومهاد موضوع. أقسم بالله قسماً. لا حانثاً ولا آتماً. أن الله ديناً أحب من دينكم. ونبياً قد أظلكم أوانه. وأدرككم أبانه. فطوبي لمن أدركه فآمن به وهداه. وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون. أرضوا بالمقام فأقاموا. أم تركوا هناك فناموا. يا معشر بني آدم أين الآباء والأجداد. أين المرضى والعواد. طحنهم الثري بكلكله ومزقهم الدهر بتطاوله كلا بل هو الله الواحد المعبود. ليس بوالد ولا مولود. وقال أبو حنيفة رحمه الله وقد همّ بقتله جماعة ممن أنكروا الآله هل يعقل أن سفينة مشحونة بالإحمال. مملوءة من الأثقال. قد احتوشها في لجة البحر أمواج متلاطمة وزياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية بلا اضطراب، لا ملاح لها يجريها. ولا متعهد يدفعها. قالوا لا هذا شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة يا سبحان الله إذا لم يجز في العقل جريان سفينة مستوية من غير متعهد ولا مجر فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها. وتغير أعمالها. وسعة أطرافها. وتباين أكنافها من غير وجود صانع فبكوا جميعاً ثم تابوا وانصرفوا. وعلى هذا درست العقلاء إلا من لا عبرة بمكابرته من الدهرية والطبيعية اتفقت كلمة من

يعتد بقولهم أنه لا طريق لرقي الإنسان إلى أوج السعادة واقتحامه عقبات هذه الحياة إلا بالنظر في النفس والتأمل في ملكوت السموات والأرض. ليقف على حقائق الكون وطبائعه، فيزداد إيماناً بوجود الصانع وكمال تدبيره. ليس المراد من النظر تقليب الحدقة فإن البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا رزقتها، ومن الأرض إلا غبرتها، فهو مشارك للبهائم وأدنى حالة منها وأشد غفلة (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل). فعلم أن المراد من النظر التفكر في المعقولات، والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها لتظهر حقائقها وكلما أمعن الإنسان النظر فيها ازداد هداية ويقيناً ونوراً وتحقيقاً وعجائب السموات والأرض بحار لا تدري سواحلها، ولا تعرف أوئلها ولا أواخرها (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) ومع هذا كله نرى أن الإنسان إذا دهاه أمر، أو ألمت به ملمة، فلابد أن يفزع إلى مرجع يرجع إليه، ويعتمد في كشف بلواه عليه، فيستغيث به طبعاً وجبلة، لا تكلفاً وتصنعاً هذا كله مر كزوفى جبلة الإنسان العاقل ولكن أكثر الناس يذهلون عن ذلك في السراء ويرجعون إليه تعالى في الضراء (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا أياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) فثبت بهذا أن عامة الناس ارتكز في طبائعهم وتمكن من نفوسهم من غير معلم أرشدهم، ولا اصطلاح وقع بينهم أن لهم خالقاً يدبر شئونهم وهم متساوون في هذا الاعتقاد مهما اختلفت طرائقهم ومشاربهم، وتضاربت آرائهم ونزعاتهم والرسل عليهم الصلاة والسلام لم يرسلوا ليعلموا الناس بوجود الصانع فإنه معلوم الوجود بداهة كما قدمنا وإنما أرسلوا عليهم الصلاة والسلام ليدعوا الناس إلى التوحيد كما تشهد آية (فاعلم أنه لا إله إلا الله). الصيام قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تنقون أياماً معدودات) أمر الله جبت حكمته عباده المؤمنين بالصيام وألزمهم به أعتناء بهم. وتفضلاً عليهم. ليطهرهم به من الآثام. ويحررهم من رق الشهوات ليخلقهم ببعض أخلاقه، ويلحق أوصافهم بأوصاف ملائكته، ليستخلصهم لنفسه، ويدخلهم حظيرة قدسه. ثبتت

فرضية صوم رمضان على المكلفين بالآية المتقدمة وبقوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وأيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وعلى هذا انعقد الإجماع فيكفر جاحده ويستحق عذاب النار تاركه. (مسئلة) الصوم هو الإمساك عن جميع المفطرات من الصبح إلى الغروب بنية مخصوصة وهاك نبذة من المفطرات أثبتناها هنا لكثرة طروها، وشدة الحاجة إليها، وهي الأكل والشرب والجماع، واستعمال الدخان، والسعوط. والاحتقان وسبق الماء إلى الفم أو الأنف في المضمضة والاستنشاق. وتعمد القيء ولو دون ملء الفم. وإعادة ما غلبه منه بصنعه. إذا كان ملء الفم. وأكل ما بين الأسنان إذا كان قدر الحمصة. واستعمال هذه المفطرات أو أحداها عمداً بعدما صدرت نسياناً أو مع الشك في طلوع الفجر والحال أنه قد طلع أو مع ظن أن الشمس غربت وهي لم تغرب. إلى غير ذلك مما يجب على الإنسان طلبه من محاله مهما وجد داعية إليه. ليس الصيام كما يظن من خصوصية أمة (محمد) صلى الله عليه وسلم بل هو عام في جميع الأمم. حضت عليه الأنبياء وحثت عليه عامة الشرائع لما له من المنافع الدينية والدنيوية. والفوائد الصحية والأدبية. حسبك من مناقبه أن الثواب عليه بعيد من مظان الحصر. وخارج عن دائرة التقدير. إذ كان متميزاً بخاصية نسبة إليه تعالى. لا يدانيه فيها غيره من جلائل الأعمال. ولا يشابهه فيها سواه من عظائم الخصال قال الله تعالى في الحديث القدسي كل حسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وأنه الغاية التي يرمى إليها كبار الأطباء في حفظ الصحة. والأمر الجامع لتقوية الجسم ونشاطه. وأنه من الدروس العالية في الأخلاق، تنكسر به شهوة النفس. وتضعف سيطرتها وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى. ضعف سيطرة النفس ويقلل الذنوب. ويكسب الإنسان ميلاً إلى الحق. ورغبة في الأنصاف. وبعداً عن كل ما يعيب. حتى أنه لا يهمز ولا يلمز. ولا يعتوا ولا يتعجرف بل يكون لين الجانب سهل الانقياد. (سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى. سمحاً إذا قضى. سمحاً إذا استقضى) لا يظلم ولا يخون. ولا يؤذي أحداً من خلق

الله، الصيام كما أنه يكثر شهوة النفس ويذهب بسيطرتها يسبب صفاء القلب. وسعة الفكر. وطيب السريرة. ويبعث في النفس رحمة تضطر الصائم إلى النظر في حال أولئك الضعفاء المساكين وهو أحد أسباب مشروعية الصيام. فمن أدكر أن بعض الفقراء تلجئه الضرورة في أيام رمضان إلى الاقتصار على لون واحد من الطعام وبعضهم يضطره العدم إلى أن يبيت حزيناً طاوياً يقع في قلبه أثر هذه الرحمة ويشعر بمذاق ذلك الحنان. فتراه يحن على الفقير حنينه على جسده. ويعطف إليه عطفه إلى ولده وبذلك يستوجب رضاء الله ورحمته (الراحمون يرحمهم الرحمان تبارك وتعالى) يكون متقبل العمل مكتوباً اسمه في ديوان الصائمين. أما من غفل عن أسرار الصيام وفوائده وظن أنه يحصل بمجرد ترك الكل والشرب وأن نام الإنسان ثلثي النهار وتناول الكثير من الأطعمة ليخفف وطئة الصوم ورفث وفسق وأكل الحرام. وسرح في ميدان الشهوات وأذى آله وجيرانه. ووقع في أعراض الناس. فليس لله حاجة في صيامه روى البخاري مرفوعاً (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وجاء في بعض روايات الحديث السابق أمره صلى الله عليه وسلم الصائم بحفظ اللسان بقوله (إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن أمرؤ قاتله أو شاتمة فليقل أني صائم أني صائم) زد على هذا إن الغافل لم يعرف مقدار نعمة الله على عباده فإن من لم يذق ألم الجوع ولا يعرف مقدار نعمة وجود الطعام. وإن نفسه ضعيفة لم تعتد الصبر على تحمل المشاق. والرضا بالقليل عند فقد الكثير. وإنها النفس الشريرة التي تكره الطاعات. وترغب في الشهوات. وبذلك تقل الحسنات وتكثر السيئات ويكون هذا الرجل هو الذي لم ينله من صيامه إلا الجوع وتحمل الأوزار. وفقنا الله لمرضاته وألهمنا العمل بواجباته. مع فهم أسرارها. وجنى ثمارها. وأعاد علينا وعلى المسلمين أمثال هذا الشهر المبارك ممتعين بما يسر الصديق. ويكبت العدو. أمين.

اللغة العربية

اللغة العربية ومن يسعى في محوها كالذهاوي حفظ اللغات علينا ... فرض كحفظ الصلاة إذ ليس يحفظ دين ... إلا بحفظ اللغات أطبق علماء الاجتماع والعمران، على أن احتفاظ كل أمة بلغتها مما يضمن لها حفظ حسبها ومجدها، وبقاء ميزاتها بين سائر الأمم وهي العلاقة الوثيقة التي تجمع بين أفراد الأمة مهما افترقوا وتباعدوا ومهما اختلفت آرائهم وتباينت أهوائهم، ومن أمعن النظر في أسرار الجامعة اللغوية، ظهر له فضل هذه الحكمة العمرية التي كتب بها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري وهي قوله له (خذ الناس بالعربية، فإنها تزيد في العقل، وتثبت المروءة). فإن العربي المطلع على كنه لغة قومه باستقراء أشعارهم وأمثالهم وتتبع حكمهم، وسائر أوقالهم، يعرف بذوقه العربي ما كانوا عليه من الأنفة والإباء، والشهامة والذكاء، وسمو المدارك والأفكار، وسائر مكارمه ومأثر أخلاقه، من سعة الصدر والسماحة والوفاء بالعهد والتزام الصدق. وبذل النفس والنفيس. في حماية الجار والمستجير. وإغاثة الملهوف والمتصرخ. مع الحذق في الفراسة. والمهارة في الفروسية والشجاعة. التي كانت تقلل في عيونهم جحافل الأعداء. وكتائب العاديين مهما بلغت عدداً وعدداً وماذا عسى أن أسرد للقراء مما يمكنهم أن يستنبطوه من خلال كلمات العرب وغضون عباراتهم من المناقب والمفاخر التي لم تذل تتناقلهم الأمم، جيلاً فجيلاً، وكابراً عن كابر ولولا هذه اللغة المجيدة لما ظفرنا بشيء من آثار تلك الأمة النجيبة التي أصبح تاريخها آية كبرى، وأكبر موعظة وذكرى، ولأن كان في كتب المؤرخين مجال لدعوى الارتياب في الحقائق التاريخية فلسان العرب المشتمل على كلامهم الجذل البليغ، أصدق شاهد ينبئ عما انطوت عليه تلك الأيام من الوقائع المأثورة التي (لها غرر مشهورة وحجول). وأما فصاحة هذه اللغة واتساعها، فمما لا يتمارى فيه اثنان، ولا يمتطح فيه عنزان، ولذلك قيل أن الحكمة تنزلت على ثلاثة أعضاء من أهل الأرض، ألسنت العرب، وأدمغة اليونان وأيدي أهل الصين، فالعربي الصحيح هو الذي إذا نطق أراك السحر الحلال، وأجرى

بسلاسة قوله الماء الزلال، على أنه هو الذي بين فكيه سيف صارم كما قال الشاعر: تقلقل بين فكيكَ ابنُ غمدٍ ... صليل غراره الكلم الفصاح تقطُّ به مفاصل كل قول ... ونت عنه المهندة الصحاح فقل لي يا ناشدتك الله أي ناطق بالضاد تتمثل له فضائل قومه هذه وضاحة جلية بالسان المبين ثم لا يدفعه ضميره إلى التحلي بآدابها. والتمسك بأهدابها. والاقتباس من محاسنها. جهد المستطيع اللهم إلا إذا كان ميت النفس. فاقد الحس. وهذا لا كلام لنا فيه لأنه ملحق بالجمادات أو العجماوات وإنما كلامنا في هذا المخلوق المكرم الذي يقال له المرء. والرجل. والإنسان. أي ذو المروءة والرجولية والإنسانية وهذا لابدان تدعوه نفسه الناطقة. الحساسة الدراكة. أن يعمل بمقتدية قول جد النبي صلى الله عليه وسلم: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل نبنى كما كانت أوائلنا ... تبنى ونفعل مثل ما فعلوا وحسبك دليلاً على أن اللغة تزيد في العقل، وتثبت المروءة. كونها تدعوا ابنها إلى التأسي بكرام. قومه ورجالات أمته. ليكون عصامياً عظامياً كما قال عامر بن الطفيل: فما سودتني عامر بن كلالة ... أبي الله أن أسموا بأم ولا أب ولكنني أحمي حماها وأتقى ... أذاها وأرمى من رماها بمنكب ومن ذا الذي يحيط علما بجزء صالح من هذه اللغة الكريمة ويشرف على بحور قواميسها الذاخرة. ثم يدعى أنها قليلة المادة لا تفي بالتعبير عن حاجيات هذا الزمن، ولا تكفي لأداء معاني العلوم العصرية ولا يمكن أن يوجد ألفاظها ما يليق اطلاقه على ما لم يذل يتجدد من هذه المخترعات والمكتشفات هكذا أصبح اليوم بعض الناس يتقولون فينسبون إلى هذه اللغة العظيمة تتزهها عنه (الحقائق). فاللهم غفراً غفراً. يئدون بناتها. ثم يدعون عقمها. ويعمون عن مخدراتها وغانياتها. ثم يصومونها بالقبح. ويصومون عن لحنها الرقيق ونغمتها الرخيمة. ثم يرمونها بالعي والحصر، ويتهمونها بالبكم والخرس، فساء ما تقول وبئس ما يدعون مما لا يمالئهم عليه إلا كل من يهرف بما لا يعرف. يشدو أحدنا من العلوم العربية شيئاً نزراً يسيراً لا يتجاوز قصائد معدودة وأمثالاً قليلة مع

بعض النوادر الإعرابية ثم يستظهر نتقة من الكلمات العويصة ويحفظ نبذة من القواعد اللغوية ثم يريد أن يظهر بين الملاء بمظهر ثعلب أو ابن السكيت أو غيرهما من أئمة اللغة غير أنه يرى نفسه تتضائل في ميدان أولئك الفرسان ويخشى أن يقال له أخطأت أستك الحفرة أو أطرق كرا أو ليس بعشك فادرجي فتأخذه العزة بالإثم لعجزه عن لحاق فحول رجال العربية ويتميز غيظاً فلا يجد ما يتشفى به لنفسه الكسلى أسهل عليه من الإفتراء على هذه اللغة الكريمة فيتحامل عليها تحاملاً يجعله مضغة في الأفواه، وضحكة بين العقلاء على انه لا يجد ما يلفقه غير زعمه أن لسان الناطقين بالضاد لا يليق بأنباء هذا العصر الممتلئ بالمخترعات الجديدة، والمكتشفات الحديثة، ثم يؤيد هذه الدعوة الواهية بأن لغة العرب تحتاج إلى علوم كثيرة يصعب تحصيلها فيا له من تأييد عاد صاحبه بنقض دعواه وكأنه لم يدر في غلده أن تلك العلوم الكثيرة أوضح برهان على رقي اللغة التي دونت هي لبيان محاسنها، والدلالة على بديع أساليبها الحكيمة، وإرشاد المتكلمين بها على وجوه الصواب ووضع كل قول في موضعه حيث أن لكل مقام مقالاً واللغة الغزيرة المادة التي تشتمل على دقائق المعاني الجمة هي التي تخدم بالعلوم الكثيرة من نحو وصرف ومعاني وبيان وبديع وغير ذلك وها نحن كل يوم نرى أن من تبحر في لغة الضاد وكل طويل الباع في تناول جواهرها ومحرزاً قصب السبق في مضمارها، يشهد لها بعظم الفضل والتميز بين سائر اللغات، ويعترف بالعجز عن بلوغ نهاياتها، هذا الإمام الشافعي وهو الثقة الثبت والحجة في المسائل اللغوية والذي لا ينعقد إجماع بدونه بل كان رجال العلم يتوقفون على رأيه في اللغة بلهو ثائر العلوم التي كان مجلياً في حلبتها وقد صرح رضي الله عنه أن الإحاطة بهذه اللغة العربية مما لا يمكن إلا للأنبياء يريد أن ذلك لا يكون الأمن طريق العناية الإلهية الخاصة بالأنبياء من وحي وإلهام وغيرهما ومن البراهين المحسوسة على هذا أن الكاتب العربي مهما سبق له التوفر على دراسة لغته وصرف الهمة إلى تحصيلها أو مهما بلغ من الحذق والمهارة والإتقان في فن الإنشاء قلماً تسلم كتابتهم من الهفوات والأغلاط اللغوية. وبهذا يزول العجب مما قد تزل به ألسنة بعض أكابر الكتاب البارعين في الإنشاء ويصدر من فحول أرباب اليراع النابغين في الكتابة نظماً ونثراً وإنما الفاضل المجيد منهم جداً هو

الذي تعد سقطاته وتحصى غلطاته والكمال من جميع الجهات في كل أمر إنما هو لله وحده. ولعمر الحق أننا أولي الأمم بالاعتناء والاحتفاظ بشأن لغتنا الفصحى التي هي عندنا لغة الدين والعلوم ونحن إذا أخلصنا الخدمة لهذا اللسان المبين وأحسنا القيام بواجباته فلسنا نخدم بذلك العرب فقد بل نخدم المسلمين قاطبة من أي عنصر كانوا وحيثما أقاموا. فموضوع اللغة هو الذي يجب علينا القيام بلم شعثه، وضم نشره، وإظهار معالمه وتصحيح الخطأ الذي ينتابه، ورد الشبه التي تتوارد عليه، فتمسخ الألفاظ وتنسخ المعاني. فحسبنا ما فرطناه في جنب اللغة حتى كادت تكون أثراً بعد عين، وتصبح عسلطة كرطانة البرابرة، وزمازم العلوج، وأصبحنا ونحن المنتمون إلى ملوك الكلام نرتضخ اللكنة الأعجمية ونوشك أن نندمج في بقية العناصر أو نستحيل انقلاب إلى عنصر جديد مستعجم. فيصدق علينا قول أبي العلاء: أين أمرء القيس والعزاري ... إذ مال من تحته الغبيط استنبط العرب في الموامي ... بعدك واستعرب النبيط وكأننا لا نبالي بأن ننسلخ من هذا العنصر الصميم الكريم الذي يشهد له بالمجد والسؤدد والعظمة حتى المستشرقون والمستشرقات من الإفرنجة والفضل ما شهدت به. وهلا نهب الآن من سباتنا ونزاول إزالة ما حال بيننا وبين لساننا المجيد من العقبات العنودة بأن نعمل معاً معاشر الكتاب على إزاحتها مهما كثرت وصعب خطبها فإن همم الرجال تزيح الجبال ولله در القائل: لاستسهلن الصعب وأدرك المنى ... فما قادت الآمال إلا لصابر وهلا نستمع لصوت هذه اللغة التي قامت اليوم تستصرخ بأبنائها مما ابتليت به ممن يتجرأ على القول بوجوب إهمالها وإلغائها ونبذها ظهرياً وأن يستعاض عنها بالمتداول على ألسنة السوقة وعامة الناس مما يتخاطب به الأوباش والهمج ويتحاور به الرعاع والطغام من تلك اللغة الملفقة والمبتذلة المشحونة بالرطانة واللكنة والمشينة بالكلمات الأعجمية التي عنها الحافظ إبراهيم ذلك الشاعر الخنذيذ المفلق بقوله: فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة ... منوعة الألوان مختلفات وإننا مع كوننا من عشاق حرية الفكر لنستهجن رفع العقيرة بمثل هذا الرأي الفطير البديهي

البظلان وهل هو يا رعاك الله إلا بمثابة من يطلب مسخ الغادة الحسناء الرائعة الوسية القسيمة ويحرص على جعلها قردة مشوهة قبيحة المنظر دميمة الخلقة شنيعة الهيئة سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ولولا خوف الإطالة لأوردت من اللغة المحكية العامية ما تمجه الإسماع وتنفر منه الطباع من ركاكة الألفاظ وتنافر التراكيب وقصور المعاني وغير ذلك مما يبرهن على أن اللغة المحكية اليوم بين العرب هي اللغة الفوضوية بين اللغات فلا يمكن أن تنحصر تحت قواعد أو تنضبط بأصول وقوانين على أن القائل بجعلها لغة الكتابة بدل اللغة الفصحى لابد أن تظهر له الأيام خطأه ويسقط رأيه بنفسه: وما كل قول قيل علم وحكمة ... ولا كل آراءِ الرجال صواب

الأخلاق

الأخلاق السعي والتوكل لامرية أن الإنسان مهما بلغ من الكمال، وعلا كعبه في الرقي، وتفلسف في الاختراع والاكتشاف وتمكن في الحضارة والتمدن ووصل في المعارف إلى رتبة لا تنال، وغاية ولا تدرك مفتقر إلى ما يقوت جسمه، ويمسك روحه وبدنه، من لدن نشؤه إلى يوم وفاته، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد). لم يفرق سبحانه في هذا الافتقار بين صغير وكبير، وغني وفقير، وعامل وجاهل، بل جعل الكل مفتقرين إليه محتاجين إلى منه وكرمه، ولم يدعهم وشأنهم بل هيأ لهم سبحانه أسباباً يتعاطونها، وأدر لهم الضرع، وأنبت لهم الزرع، وخلق ليلاً يسكنون فيه، ونهاراً يتعيشون في أوقاته، وجعل ما في هذا الكون لهم، (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ترى أيها القارئ إذا أنعمت النظر في هذه الآية الكريمة أن يد الإنسان مبسوطة على هذا الكون بما فيه، وأن الكل مسخرون لأمره، منقادون لعمله وفكره، ولكن لم يشأ تعالى أمره أن يكون له ذلك هنيئاً مريئاً، سيغ الشرب لذيذ الطعم بل يسر له ذلك وذلله يسر وجعله بعيداً منه بحيث يراه ثم أمره بالسعي إليه، والمشي والإقبال عليه، (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) فلابد من الجد والاجتهاد والتجول، ولا غنية عن السعي والكد والعمل، ولولا ذلك لهلك الناس، وفسد نظام وجودهم، وبطلت حكمة تميزا الخبيث والطيب منه، هذا (رسول الله) صلى الله عليه وسلم مع انه خيرة الخلق لم يكن ليدع التكسب والعمل فقد سافر مع عمه المرة الأولى في تجارة إلى الشام وسافر إليها المرة الثانية أيضاً لتجارة لخديجة بنت خويلد مع غلام لها يدعى ميسرة فباعا بيعاً عظيماً وربحا ربحاً جسيماً، وقال (أحل ما أكل الرجل من كسبه وكل بيع مبرور). وقال عليه الصلاة والسلام وكان جالساً مع أصحابه فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة يسعى فقالوا ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسئلة ويغنيها عن الناس فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفهم فهو في سبيل الله، وإن كان

يسعى تفاخراً وتكاثراً فهو في سبيل الشيطان وهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبله قد اشتهر عن أكثرهم لاحتراف بحرف مخصوصة كالزراعة والتجارة والخياطة وغير ذلك وهؤلاء السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا يكرهون البطالة أشد الكراهية، ويعدون صاحبها العضو الأشل في هذا المجتمع ومن عباراتهم تقعد عن الرزق وتقول اللهم أرزقني وقد علمت أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة فدع الحمول والكسل واسع لتستغني عن الناس، وقال عمر رضي الله عنه ما من موضع يأتيني فيه الموت أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع واشتري، وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العمل أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر الطير فقال تغدوا خماصاً وتروح بطاناً، فذكر أنها تغدوا في طلب الرزق فاستبان بهذا أن لا مندوحة لا حد عن السعي والعمل ولا غنى له عن التكسب والكدح، وأن على المسلمين أن يحترفوا ولا يتجروا، ويضربوا في الأرض، عملاً بمقتضى دينهم، وإرشاد نبيهم، وأن من يزعم أن دينهم يأمرهم بالجمود والحمل والكسل، هو الجاهل الدنيء المتعصب، أو العدو الأحمق المتفرنج، هل يعقل أن ديناً بين الناس سبل الحضارة والتقدم، والعمل والتمدن، وجاءهم بالبينات والهدى، والتربية والآداب يأمر بالجمود، هل يتصور أن ديناً جاء بتنمية العقول، وتهذيب النفوس، يأمر بالحمول هل يتوهم أن ديناً جاء بعلو الهمة وكرائم الأخلاق، ومحاسن الصفات والآباء عن الدنايا يأمر الكسل كلا؟ فإن قلت ما قررته ودعوت إليه ينافي التوكل ويباين الانقطاع إلى الله تعالى وأين هو من قوله عز أسمه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وقوله عليه الصلاة والسلام من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب قلنا الجواب عن هذا يحتاج إلي شرح معنى التوكل وبيان حقيقته إذ يتوهم كثير أن التوكل ترك الرجل هذه الأسباب بتاتاً وإهمال نفسه بحيث يجعلهم كالثوب الخلق الملقى عن الأرض ثم يكون في حاجاته كلا على الناس وهذا كما لا يخفى لا يرتاب عاقل بمنعه وتحريمه لأنه مع مخالفته ما تقدم من صريح الأدلة آية الذل، وعلامة الهون والمسكنة والمؤمنون مبرؤن عن ذلك قال الله تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين إذا تمهد هذا فاعلم أن التوكل هو الركون إلى الله وحده واعتقاد أنه هو الفاعل المختار والكافر لأرزاق عباده والمسلم من حيث هو مسلم يعتقدان لا إله إلا

الله وإن ما في هذا الكون من منع وإعطاء وموت وحياة وغنى وفقر بإيجاده تعالى وحده لا شريك له فيه وإن الكسر والسعي والعمل من سنن الله تعالى في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا وإن المسلم مأمور أن يتعاطاها ظاهراً مع الإيقان أن المأثر هو الله تعالى فلا يكفيه الاعتقاد بدون العمل، ولا العمل بدون الاعتقاد بل لابد منهما كليهما لا يكون هذا مفسداً للتوكل ولا منافياً له أرأيت لو أن أرضاً مسبعة علمها إنسان وتحقق هلكه فيها هل يجوز له الشرع بحيلة التوكل حلولها. أو النوم فيها كلا وكذلك لا يجوز الشرع للمرء أن يعرض عن العمل، ويدع السعي حتى يهلك وصبيته، أو يموت وأهله، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين ولم يصفهم بأنهم لا يكتسبون ولا يتعيشون بل وصفهم بأنهم يتعاطون هذه الأسباب معتقدين أن الفاعل هو الله سبحانه أخذك بالأسباب واعتمادك على رب الأرباب هو عين التوكل وثمرة التفويض، ولب الانقطاع، فالتوكل إذاً هو التوحيد الصرف الباعث على الشجاعة والإقدام وثبات القلب وعلو الهمة والاطمئنان لا كما يفتريه كثير من المتفرنجين فيزعمون أنه مخرب للبلاد مضر بالعباد وأن لا حياة للإنسان إلا بالاعتماد على نفسه. والركون إلى عمله. والثقة بحوله وقوته سبحانك ربنا وبحمدك. علمنا ما ينفعنا. ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا آله دبر هذا الكون بما فيه. وأمد أهله بالعون والقوة ندعه ونعتمد على أنفسنا آله له الملك والملوك. والعظمة والجبروت. أوجدنا من العدم ووهبنا هذه الحياة وكل شيء فيها نغفله ونتوكل على أنفسنا سبحانك ما عرفك الناس حق معرفتك فلا تهلكنا بما فعل السفهاء منا. أيها المتفرنج بعداً لك وسحقاً إن لم تتكل على مولاك. وتترك الثقة بنفسك وهواك. أين قوتك لو أمرضك. أين هولك لو أهملك. أين تدبيرك وحزمك لو سلب منك جوهرة عقلك. أين أنت من قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل لا أملك بنفسي ضر ولا نفعاً إلا ما شاء الله) اللهم اجعلنا ممن يرجع فيه أموره إليك. ويعمل هو متكل عليك. ولا تكلنا إلى أنفسنا ترفة عين. الاستعداد الإنساني كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يحسانه. من نظر في القرآن المجيد والأحاديث النبوية الشريفة ثم رجع إلى هذا العالم رأى أن النوع

الإنساني هو الملحوظ بالعناية المقصود بالكرامة. خلق لأمر عظيم ألا وهو عبادة الله وحده والإقرار بربوبيتهوالإذعان لأوامره ونواهيه ثم أنه تعالى من كمال العناية به قد خلق فيه القابلية لذلك وأشهده على نفسه فشهد بالربوبية لله قبل هذا الظهور. يعرف هذا ويؤمن به من يقر بأن القرآن كلام الله (ولا كلام لنا مع من يجحد القرآن أو بعض آياته) قال تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلا شهدنا) ولم تذل هذه الشهادة أي هذه الفطرة والقابلية مركوزة فيه حتى يبرز من عالم الخفاء وتلده أمه بهذا العالم عالم الظهور. فكل مولود يولد على الفطرة وهي الجبلة السليمة المتهيئة لقبول كل فضيلة فأل للعهد والمعهود تلك الفطرة (فطرة الله التي الفطر الناس عليها) إن الله تعالى خلق في قلوب بني آدم هذه القابلية كما خلق في أسماعهم وأبصارهم قابلية للمسموعات والمرئيات فلو تركوا على تلك القابلية وهذه الفطرة ولم يعرض لهم ما يصدمهم عن النظر الصحيح ونصب الأدلة الجلية على التوحيد وصدق الرسول لأدر كوادين الفطرة، دين الإسلام، دين الحق، ولم يختاروا إلا الملا الحنفية السمحاء، يدلك على هذا ما وقع في رواية البخاري في تتميم الحديث (كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء) يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليماً من الآفات فلو ترك على الأصل لبقي كامل الخلقة بريئاً من العيوب لكن تعرض له بعض الآفات والنقائص فتجدع أذنه، ويوسم وجهه، فيخرج عن الأصل وكذلك الإنسان يولد ظاهراً نظيفاً كاملاً شريفاً. مفطوراً على التوحيد والإذعان. مجبولاً على قبول الإسلام والإيمان. تناديه الفضائل من كل ناد. وتدعوه المعارف والعلوم بكل لسان. ولا يزال هدى شانه (حتى يعرب عنه لسانه) أي إلى زمان تمييزه وإدراكه (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمحسانه). الإنسان من أول نشأته معرض للآفات البشرية، وقد تأتيه البلايا وتصيبه الرزايا فمن يزعم أنه متفان في إيصال النفع إليه مجتهد في دفع الضير عنه لا بوان لهما أعظم المنة حتى يسعيا في نقض هذا البناء وتخريب هذا العمران. يولد الطفل فتذوق أمه من ألم الولادة ما الله أعلم به، ويتحمل أبوه من ثقل الكدح في استحصال القوت والكسوة له سيما أن كان فقيراً ما يعدل ألم أمه زد على هذا ما ينالهما بعد ذلك بسبب معاناة التربية من أنواع العذاب. سهر ليالٍ. وقلق بال. أمراض مبرحة عوارض

مترحة ولن يبرحا على ذلك حتى ينمو ذلك الطفل فيصير صبياً فغلاماً فشاباً وعند ذلك يبتدأن في تعليمه ما تلقفاه من آبائهما من أنواع الكفر روى عن النبي عليه الصلاة والسلام حكاية عن رب العزة (كل عبادي خلقت حنفاء فاغتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري) ذكر الأبوين في الحديث الشريف باعتبار الغالب وقد يكون الموصل لهذا الشقاء غيرهما من شياطين الأنس. الأستاذ. والمعلم. والمربي. وإن لم يكونوا آباء يكون لهم التأثير على عقل الصبي أو الشاب وكذلك الصاحب المخالط سيما أن كان هناك ميل قلبي وشغف زائد. يغدوا هذا الصبي الفطري لمدرسة علمية ليتعلم العلوم النافعة أو لمكان صناعي أو تجاري ليستفيد صنعة أو تجارة أو إلى مرب ليأخذ عنه الأدب والتربية الصحيحة فلا يلبث حتى يخرج تمثال أستاذه أو معلمه أو مربيه وهناك الطامة الكبرى مذلة الأقدام إن كان هذا الأستاذ أو المربي أو المعلم أجنبي أو خريج المدارس الأجانب ولا يأخذ منك الاستغراب أن تقول من أين سرى لنا هذا التفرنج وكيف أتتنا هذه اللوثة الغربية لأن حبك الشيء يعمي ويصم. هذا الوباء الساري قد عظم في هذه الأزمنة حتى كان لا يخلو منه العالم والصالح فضلاً عن العوام السذج وأنا نرى أن دام هذا الداء وتغضينا عن السعي وراء الدواء كان الأمر أخطر، والخرق أكبر، أولى الناس سعياً بتطهير هذه الجراثيم الفاسدة علماء الدين والأغنياء فالعلماء تبين المفاسد وتجاهر بها في المحافل والمساجد والأغنياء تقبل تلك الأقوال بالامتثال وتمتنع من ادخار أولادها يمثل هذه المد \ ارس خشية أن تتخلق بمثل هذه الأخلاق وتسعى بإنشاء مدارس إسلامية تعلم العلوم النافعة الخلية من شوائب الريب وتخلق بأخلاق أسلافنا العظام وحين إذ نرى التقدم الباهر الذي كان لأبنائنا الأول أعاد الله إلينا هذا المجد وباعد عنا الأغيار آمين.

الأسئلة والأجوبة

الأسئلة والأجوبة جائتنا هذه الرسالة من العالم الفاضل صاحب الإمضاء: سئلت عن معنى القاضي وعن المراد من تقسيم القضاة في الحديث الصحيح الذي رواه الحاكم في مستدركه عن بريدة رضي الله عنه وهو قوله عليه الصلاة والسلام (قاضيان في النار وقاض في الجنة قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فجار متمعداً أو قضى بغير علم فهما في النار) فأجبت بقولى القاضي هو من يعهد إليه بأن يحكم بين خصمين بحق من الحقوق ولو بتحكيمهما ولا فرق بين أن يكون المعهود إليه بالحكم واحداً أو جماعة كما هو المصطلح عليه في هذا العصر في ثائر المحاكم فكل واحد من علماء الجماعة المعهود إليهم في الحكم قاض ولا فرق بين كونه نائباً لمحكمة شرعية أو رئيساً لحقوقية أو حزائية أو عضواً في بعضها فلكل على السواء داخلون في أقسام قضاة الحديث الشريف. والمراد من التقسيم بقوله على الصلاة والسلام قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، التقسيم من جهة اتصافهم بالعلم ومعرفة الأحكام الشرعية والجهل لذلك وحكمهم بأوجه الشرعي على علم به أو جهل وجورهم بالحكم عمداً أو خطأ كما هو صريح تتمة الحديث. أما التقسيم باعتبار العدد فليس بمراد ومن توهم ذلك فجعل ثلثي قضاة في النار وثلثهم في الجنة من خير تفقه منه لتتمة الحديث فقد عرى من العلم وارتدى ردأ الجهل. الحديث يتضمن ستة أقسام يحسب الاعتبار الذي ذكرناه قسمان من قضاة الخير وأربعة من قضاة السوء فقوله عليه الصلاة والسلام قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، شروع في بيان هذه الأقسام وهذا أحد أقسام قضاة الخير وقوله قاض عرف الحق فجار متعمداً هو أحد أقسام قضاة السوء ومن قوله متعمداً يخرج غير المتعمد وهو من يعرف الحق ويحكم به ولكن أخطأ في الحكم لا عن قصد وهذا ثاني قضاة الخير لأن المؤاخذة بالخطأ مرفوعة عن هذه الأمة، قال عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكر هو عليه وقوله عليه الصلاة والسلام أوقد بغير علم شامل لثلاثة أقسام من قضاة السوء لأنه صادق بما إذا جال في الحكم عمداً وهذا قسم أو جار خطأ وهذا قسم ثان أو صادف في حكمه الحق على غير علم وهذا قسم ثالث والله أعلم نعوذ بالله من النار ومن كل عمل يقرب إليها ونسئله الجنة والتوفيق لكل عمل يقرب إليها.

حضرات أصحاب مجلة الحقائق الغراء: نرجو الجواب عن السؤال الأتي. وهو هل نرتقي؟ وبماذا نرتقي ع د (الحقائق) أرجأنا الجواب عن هذا السؤال بتأخر وروده وليحيط أهل الفضل به علماً فيتكرموا بما يوحيه العلم وتبعث عليه حقيقة والاختبار.

التاريخ

التاريخ تابع ما قبله أبو بكر رضي الله عنه ومن يتدبر التاريخ الإسلامي ويلاحظ الحوادث بعد رسول اله صلى الله عليه وسلم يعلم ما لأبي بكر رضي الله من الأعمال الخطيرة في سبيل التأيد مركز الإسلام. فهو مسكن ما حدث بالصحابة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. توفي رسول الله فأخذة الدهشة من الصحابة مأحذها حتى أن عمر رضى الله عنه جعل يهدد من يقول ان رسول الله قد مات إلى أن أتى أبو بكر رضي الله عنه وكان في أهله بالسنح بإذن من رسول الله صلى الله عليه فأقبل لايلوي على أحد حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة وهو مسجى في ناحية البيت عليه برد حبره فأقبل حتى كشف عن وجهه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذاقتها ثم لن يصيبك بعدها موتة أبداً ثم رد الثوب على وجهه وخرج وعمر يكلم الناس فقال على رسولك يا عمر فأنصت بأبي ألا أن يتكلم فلما رأه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فهمد الله وأثني عليه ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم تلا هذه الآية (وما محمد إلا رسول قد خلد من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقبلتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشاكرين) قال أبو هريرة فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله حتى تلاها أبو بكر يومئذ قال وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم قال عمر والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقلت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله قد مات فلله هذه القلوب ما أسرع أوبتها وأعترفها بالحق ولله در أبي بكر وأشد ثباته وأقوى جأشه رضي الله عنهم أجمعين. كان أبو بكر من أكبر العاملين على جمع كلمة الصحابة على الخلافة بعدما كادوا يتفرقون. اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة يتفاوضون بشئون الخلافة فنما الخبر إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فانطلاقا مسرعين خشية تغرق الكلمة فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأدلى بالحجة ثم قال إني أختار لكم أحد هذين الرجلين. عمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح فقالا لا نتقدم عليك أنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في النار وخليفة

رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين. ثم مد أبو بكر وعمر أيدهما كل منهم يريد أن يبايع صاحبه وكان عمر أقوى رجلين ففتح يد أبي بكر فبايعه وتتابع الناس على البيعة وكفى الله المؤمنين ما كان يخشى حدوثه من الفتنة وافتراق الكلمة. وهو الذي انفذ جيش أسامة في ذلك الوقت الحرج ولم تفزعه المصائب ولن تقف في سبيل مضاء عزمته الخطوب. عن الحسن ابن أبي الحسن البصرة قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز أخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر أرجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس ولا أمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون. وقالت الأنصار فإن أبي الآن نمضي فبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً قدم سناً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة فأتي أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاءً قضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال له ثكلتك أمة وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال أمضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله، ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال أسامة يا خليفة رسول الله والله لتركبن أولأ نزلن فقال والله لا تنزل ووالله لا أركب وما على أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة فإن للغازي لكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وترفع عنه سبعمائة خطيئة حتى إذا انتهى قال أن رأيت أن تعينني بعمر ففعل فإذن له ثم قال يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا ولا تغلوا ولا تقدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا أمرأ ولاة تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا

أنفسهم في السوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا الله عليها اسم وتلقون أقواماً قد فحصوا أوصات رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقاً اندفعوا باسم الله أقناكم الله بالطعن والطاعون وعظهم رضي الله عنه بحاله وقاله، مشى بين يدي أسامة وهو راكب ليعلمهم كيف يكون احترامهم لأميرهم وطاعتهم له وتعظيمهم لشأنه لأن الاستقامة لا توجد في جيش ما لم يكن أميرهم مطاعاً. وألقي عليهم تلك الخطبة الحكمية التي تمثل رفق الشريعة الغراء وعد لهم تمثيلاً تتضائل أمامه نفوس كبار الغربيين الذين يتشدقون بمحبة الإنسانية ويدعون إلى تخفيف ويلات الحروب. إلا فليعلموا أن الدين الإسلامي سبقهم لهذا وإنه هو الدين الوقيم. وهو الذي استعمل الثبات والحزم يوم ارتدت العرب ومنعوا الزكاة واشرأب النفاق، وتأججت جذوة الشقاق، وأشار عليه عمر رضي الله عنه بالرفق بهم فقال لو منعوني عقالاً لقتلتهم عليه كما قدمنا صحيفة 31ج وكان رأيه الصائب وفكره الموفق فجرد الجيوش لقتالهم فما هو إلا أن نصر الله أو لياءه وأيد هذا اليد على يد أبي بكر وعادت العرب إلى أداء الزكاة طائعين عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال والله الذي لا إله غيره ولا إن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قالها ثانية وثالثة فقيل مه يا أبا هريرة فذكر اليوم الذي ارتدت فيه العرب. هذه بعض حسنات أبي بكر رضي الله عنه تجاه الإسلام سجلها التاريخ ليذكر المسلمون ذلك الرجل العظيم والخليفة العادل الذي كان أيامه عقداً في جيد العالم الإسلامي ولا ينكر هذه الحقيقة التاريخية إلا من أعمى الله بصيرته فمال عن الحق واتبع سبيل الهوى (ومن يضلل الله فلا هادي له) ولم استقرت له الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فاعيوني. وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة. والكذب خيانة. والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ منه الحق والضعيف فيكم قوي عندي حتى أخذ له الحق إنشاء الله تعالى. لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله فالبذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما اطعت الله ورسوله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم فقوموا إلي صلاتكم

رحمكم الله. علم أبو بكر رضي الله عنه أن الأمة هي التي تنصب الحكام وتختارهم لمصلحها وانهالها الحق في انتقاد أعمالهم. ومراقبة أحوالهم. فإن عملوا بما ينطبق على مصالها. وسعوا وراء رقيها أعانتهم. وإن أساؤا أقومتهم. فصدح بما خالج ضميره من معرفة تلك السلطة وإنها حق طبيعي للأمة مهما حاول إبطاله المستبدون. كلمات قالها أول خليفة للمسلمين ليعلم الشعوب الإسلامية دروس الحرية والمساواة الحقيقة التي يتطلبها فلاسفة الغربيين اليوم وما هم لها بواجدين سار رضي الله عنه بالمسلمين أيام خلافته سيرة العدل والاستقامة والرأفة والحنان. يرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحمل كلهم، ويعينهم على نوائب الدهر، ولم يأل جهداً في تعزيز الدين وأعلاء كلمة المسلمين جيش الجيوش وبعث البعوث في سبيل الدعوة الإسلامية وتابعه عمر رضي الله عنه على ذلك فدكوا عروش القياصرة. وثلوا صروح إلا كاسرة. ونشروا لواء العدل بين تلك الأمم التي كانت ترسف في قيود العبودية لملوكهم. والله يتولى الصالحين.

الأدبيات

الأدبيات قال ابن عباس رضي الله عنه ملاك أمركم الدين. وزينتكم العلم وحصون أعراضكم الأدب وعزكم الحلم. وحليتكم الوفاء. من كلام الجاحظ جنبك الله الشبه. وعصمك من الحيرة. وجعل بينك وبين المعرفة نسبا. ومن الصدق سببا. وحبب إليك تثبت وزين في عينك الأنصاف. وأذاقك حلاوة التقوى، واشعر قلبك عز الحق. وأودع صدرك برد اليقين. وطرد عنك ذل اليأس. وعرفك ما في الباطل من الذلة. وما في الجهل من القلة. كتب البديع الهمداني إلى ابن أخته يحثه على تعلم العلم أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك. والمدرسة مكانك، والمحبرة حليفك. والدفتر إليفك. فإن قصرت ولا أخالك. فغيري خالك والسلام. كتب أبو الطيب المتبني إلى أحد إخوانه بعد أن أبل من مرضه وصلتني أعزك الله معتلا. وقطعتني مبلا. فإن رأيت أن لا تكدر الصحة على. وتحبب العلة إلى فعلت 1هـ قال أبو العتاهيه وهو من أحسن ما قيل في الصديق. صديقي من يقاسمني همومي ... ويرمي بالعداوة من رماني ويحفظني إذا ما غبت عنه ... وأرجوه لنائبة الزمان من أمثال أكثم بن الصيفي أحد حكام العرب 1 كفوا ألسنتكم فإن مقتل الرجل بين فكيه 2 الأمور تتشابه مقبلة فلا يعرفها إلا ذووا الرأي فإذا أدبرت عرفها الجاهل كما يعرفها العاقل 3 إن قول الحق لم يدع لي صديقاً 4 في طل بالمعالي يكون العناء 5 لم يهلك من مالك ما وعظك 6 ويل لعالم أمراً من جاهله 7 البطل عند الرخاء حمق 8 العجز عند البلاء أفن

9 نعم لهو الحرة المغزل 10 حيلة من لا حيلة له الصبر 11 المكثار كحاطب ليلاً قال أبو الفتح البستي في حفظ اللسان تكلم وسدد ما استطعت فإنما ... كلامك حي والسكوت جماد فإن لم تجد قولاً سديداً تقوله ... فصمتك عن غير السديد سداد أوصى زهير بن خباب بنيه وخطابهم فقال يا بني أني قد كبرت سني وحكمتني التجارب، فاحفظوا عن ما أقول وعوه إياكم والخور عند المصائب، والتواكل عن النوائب، فإن ذلك داعية للغم وشماتة للعدو وسوء ظن بالرب. وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين ولها آمنين ومنها ساخرين. فإنه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا ولكن توقعوها فإن الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة فمقصر دونه ومجاوز لموضعة.

المتفرقات

المتفرقات قيل للحسن البصري من شر الناس قال الذي يرى أنه خيرهم قال الرجل لابن سيرين أني وقعت فيك فاجعلني في حل قال ما أحب أن أحلك ما حرم الله عليك. قيل لعبد الله ابن المقفع أصديقك إليك أم نسيبك قال إنما أحب النسيب إذا كان صديقاً. أول من سمى التجار تجاراً سيدنا محمد (رسول الله) صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمون السماسرة. . أول من أمر الناس بالصوم من الملوك (طهمورث) وكان قد ظهر الغلاء والقحط في زمنه. امرأة لقيط بن زرارة قال لها زوجها الثاني يوماً ماذا استحسنت من لقيط فقالت كل أموره حسن ولكن أحدثك أنه خرج يوماً يتصيد فلما رجع إلي وبقميصه نضح من دماء صيده والمسك يتضوع من أعطافه ضمني ضمة، وشمني شمة، فليتني مت ثمة، ففعل زوجها الثاني مثل ذلك وضمها إليه وقال أين أنا من لقيط فقالت ماء ولا كصداء ومرعي ولا كسعدان وأرسلتها مثلاً يضرب لمن تحسر على شيء فاته وحصل على أدنى منه. تكرم بهذا التقريظ حضرة الأديب الفاضل صاحب الإمضاء متى كنا نرى بدمشق يوماً ... به تروي الحقيقة كل شائق لقد أوضحت يا زمن الترقي ... لنا سبلاً أبادت كل عائق فشكراً للعدالة ثم شكراص ... لأهل العلم أذ مهدوا الطرائق عسى ولعل داء الجهل يشفي ... وتمحوه المعارف و (الحقائق) عبد اللطيف البغدادي بيان واعتذار وشكر ورجاء إن للمران على العمل يداً في إتقانه، جرياً على ناموس بدء كل عمل ناقصاً ثم تكميله تدريجاً. لذلك صدر الجزء الأول في صحيفة 32 وهذا الثاني في صحيفة 40. ولم يخل الجزء الأول من أغلاط مطبعية قلت في هذا الجزء وخليق بمن رضي بسنة الله. ولم يدع الكمال في أعماله. أن يمده الله بعنايته وأن يقبل القراء عذره. وفي هذا المقام نرفع شكرنا لمن أحسنوا الظن بنا فكاتبونا وشافهونا بما يشف عن استحسان خطة مجلتنا ومواضيعها المفيدة كما نشكر من نوَّه بها من أرباب الصحف ومن تفضل

بمبادلتنا. وربما نعود فننشر بعض ما جادت به علينا أقلام أفاضل العلماء. في استحسان هذا العمل قياماً بواجب شكرهم وكنا ننتظر أن يرد علينا انتقادات قد لا يسلم منها كل مبتدأ في عمل وقد كنا طلبنا ذلك في الجزء الأول واليوم نكرر رجاءنا لأهل العلم، وحملة الأقلام أن ينتقدوا ما يجدونه محلاً للنقد خدمة للعلم والأدب. ونتعهد بنشره والعمل بإشارته أو الجواب عنه. كما نرجو منهم أن يضنوا علينا بمؤازرتهم وآرائهم الصائبة لنحلي بها جيد هذه المجلة. ونكون لهم من الشاكرين.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد سلك علماء التوحيد طريق الاستدلال على إثبات الوجود له تعالى وأن كان وجوده سبحانه مركوزاً في فطرة الإنسان كما قدمنا حسماً لمادة الشبهات التي طرأت على العقائد الدينية. الناشئة من الجهل والزيغ عن الهدى والطريق المستقيم أن المتكلمين وغيرهم وأن اختلفت مناهجهم في تقرير الأدلة على وجود الخالق جل وعز وتفاوتت بحسب الصورة مسالكهم انتهوا جميعاً إلى نتائج اتحدت في الأبحاث والإثبات. لكن منهم من سلك في بحثه مسالك الصراحة والوضوح فاستجلى أمام سامعه حوادث الكون. ومعاهد آثاره البديعة. وجال بفكره في مناحيه جولة المفكر الباحث. فرأى أنه لاشك في وجود واضع لهذا النظام البديع. وموجد لهذه الأشياء يمسكها بقوته. ويمدها بحوله ورحمته (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا أن امسكهما من أحد من بعده). ثم أنه قوى برهانه هذا ببرهان تاريخي. فاستعرض لذلك الأمم وشيوع تلك العقيدة بينها جيلاً بعد جيل مع اختلافها في اللغات والأجناس. وتفاوتها في الفكر والعلم. فاتخذ هذا الإجماع أيضاً دليلاً قوياً على أن العقيدة بوجود الصانع حاجة من حاجات الروح. وغريزة من غرائز العقل. لا يمكن الإنسان أن يلفت نظره عنها إلا بعارض من النقص. ولا ريب أن هذا البرهان لوضوحه. لا يعز إدراكه على أي عقل. ولا يعلو متناوله عن أقصر فكر. فهو أحسن البراهين أسلوباً. وأقواها على ذهن السامع تأثيراً. وأشدها لمقاتل الخصم إصابة. ومنهم من سلك طريقة النظار. على سبيل الاستظهار. فجعل الدليل مرتباً على مقدمتين: الأولى (العالم حادث) والثانية (كل حادث لا يستغني في حدوثه عن سبب يرجح وجوده على عدمه) أما برهان المقدمة الأولى. فلأن العالم أعيان وأعراض. والأعراض يدرك تغير بعضها بالمشاهدة كالحركة والسكون. والظلمة بعد الضوء. وبعضها بالدليل وهو طريان العدم كما في أضداد ذلك وهو إمارة الحدوث إذ العدم النافي القدم. والأعيان يدل على تغيرها ملازمتها للأعراض الحادثة وملازم الحادث حادث. وأما برهان المقدمة الثانية فجلي لأن كل حادث ممكن. والممكن لا يوجد بدون سبب ولا يعدم بدون سبب وإلا يلزم أن يكون أحد الأمرين متساويين راجحاً على الآخر بلا سبب وهو محال فجميع الممكنات بتمامها مفتقرة إلى موجد لها ولا يكون إلا واجب الوجود إذ لو

كان جائز الوجود لكان من جملة العالم فلا يصلح أن يكون محدثاً للعالم ومبدأً له وبعبارة ثانية لو ترتبت سلسلة الممكنات لا إلى نهاية لاحتاجت إلى علة مستقلة وهي لا يجوز أن تكون عينها ولا بعضها لاستحالة كون الشيء علة لنفسه ولما سبقه بل خارجاً عنها فيكون واجباً وأيضاً قد تقرران من القواعد وجوب سبق العلة فلابد من فرد لها ليس معلولاً وإلا كانت العلة والمعلول سيين في تعاقب قال العلامة الأمير، ومثل هذا يعد عمدة النظر. وعدة المناظرة. والأنور في شرح القلب الفزع للقرآن وألسنة المؤيدة بالمعجزات المتمم نورها على توالي الوقات ففيهما ما يدل على انه تعالى الأول الذي ليس قبله شيء. وانه خالق الممكنات. وكان الله ولا شيء معه. 1هـ قال الله سبحانه (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون. ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكونوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم أن في ذلك لآيات للعالمين. ومن آياته منانكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله أن في ذلك لآيات لقوم يسمعون. ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينظل من السماء ماء فيحي به الأرض بعد موتها أن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون. وله من في السموات والأرض كل له قانتون. وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه وله المثل الأعلي في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم). وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري من حديثعمران بن حصين رضي الله عنه كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض وعن ابن عباس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت لا يموت. والجن والأنس يموتون وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم (بقل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله تعالى يحبه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عن الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم. لا إله إلا الله رب العرش العظيم.

لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم. والإنسان على كل حال من أحواله لا يود البرهان على عقيدته إلا ظاهراً واضحاً لا فلسفياً غامضة. وكل ابتعد أصحاب الاعتقاد في حفظ عقائدهم عن الفلسفة وقضايا الجدل سلموا من آفات الافتراق في الدين والتحزب للمذاهب الباطلة. فإذا كان الإنسان ذا نفس ذكية. طاهرة نقية. رقيقة الإحساسات. دقيقة الشعور. حية العواطف. ينزل إلى هذا الكون وترتيبه فيشق عليه إن يعتقده خالياً من آله رحيم ينشر على المخلوقات أشعة رحمته ويقيم أمورها بحوله وقوته. ويفيض على أصنافها من إفاضات عنايته ورأفته. وهذا لا ينتظر برهاناً فلسفياً ليؤمن بخالقه. ويعتقد بوجوده. إذ هو مؤمن به بذاته. بل نفسه وحدها أصرح براهين على وجود مبدعه. وأما إذا كان مظلم النفس. غليظ الشعور. لا يدرك الكمال. ولا يحس بجلالة العلوم. فلا يبحث عن عقيدة. ولا يصغى لمن يرشد إليها. لفقدانه معنى الكمال الذاتي. وهذا ومن على شاكلته. معنيون بقوله تعالى (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم. ولو سمعوا ما استجابوا لكم) ومثل هذا لا يرغم أنفه. إلا الدليل الواضح. حتى إنك لو برهنت لواحد من هؤلاء الملاحدة على وجود الصانع. بالبراهين الفلسفية. لوجدته يطير فرحاً لأنك أفسحت له مجال القيل والقال. ويأخذ يرد عليك رداً. ويوسعك تأنيباً ونقضاً. وأما لو تركت له مجال تعسف في التفلسف وحاكمته للحس والعيان. لرأيته ينكص على عقبيه. وله رسيس في الصدر يذيب الحجر. قال في الحديقة الفكرية ما لفظه يتصرف. وبالجملة فإن مسألة وجود الخالق لا يصح أن تعد في صف المسائل المشكوك فيها والتي يتسع الرجال فيها للأخذ والرد. لأنها أجلى البدائه العقلية والحسية معاً. ولكن يجب أن يعد نكرانها من باب الجنون. ودليلاً المحسوس على أن مسألة نكران الصانع جل وعز ليست إلا نزعات شياطين سفلية، تبعث بعقول بعض الناس الذين تمكنا فيها داء الجهل بخالقهم واستولى عليهم ضرب من الهوس. فلا يفقهون شيئاً. حتى أن أكبر طبيعي أن دهري مهما كان غزير المادة. قوي الحجة. تراه عند تكلم على هذه المسألة يخبط خبط عشواء. ولا يهتدى إلى إرشاد سبيلاً. فهو يضرب في ليلاء من الشطحات. وظلمات من المدركات التافهة لا يقع في أمثالها الأطفال. بما اعتراه من سخافة العقل وخساسة الرأي. (حمانا الله من آفات الجهل).

اللغة العربية

اللغة العربية لا يتمالك المرء أن يزفر زفرة الثكلى ويتنفس الصعداء كلما أعاد النظر والتأمل في آفات الفترة التي أصابت هذه اللغة الكريمة، وأوشكت أن تذهب ببهجة لهجتها، ورونق فصاحتها ولولا إثارة من علم وصلت إلينا مما بقي في أيدينا من كتب حفاظها المتقدمين لأصحابنا اليوم لا نميز بين الثلة والتلة ولا بين الكوع والبوع فشكراً لأولئك العلماء الأعلام الذين كأنهم نظروا بلحظ الغيب إلى ما صرنا إليه من التكاسل والتغافل وقلة العناية والقيام بضبط هذا اللسان القرأني فاستودعوه لنا بطون الكتب وجعلوا له منها صواناً يحفظه من الضياع ريثما ينبهنا حادث الدهر المأدب فنصحوا ونستفيق ونهب إلى نقله من السطور إلى الصدور، ومن الأسفار الجادة والدواوين الصامتة إلى الأفكار النيرة، والألسنة الناطقة وما ذلك على رجال الهمم السامية ببعيد وها نحن قد دبت في قلوبنا روح هذا الإحساس الكريم ونفذت إلى أفئدتنا حياة الشعور بهذا الواجب المحتوم الذي يفرضه علينا الدين الإسلامي والكمال الإنساني، فقام بحول الكتبة وحملة اليراع يعملون على تلافي هذا النقص الذي هو في القادرين أشد منه قبحاً في القاصرين. كما قال أبو الطيب: ولم أر في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام ولعمل الحق أن من تصفح كتابة نوابغ العصر لا يسعه إلا الاعتراف بحسن صنيعه وبيض أياديهم في خدمة هذه اللغة وتمهيد السبيل لقصديها بعدما كادت تعفو آثارها، وتنتمس صواها ومنارها ولقد قضينا ردحاً من عنفوان شبابنا عاكفين على دراسة الإنشاء العربي القديم ومتباعدين عن الكتابة العصرية، تباعد السليم عن الأجرب تحامياً من أن يعلق في أذهاننا شيء من الآثار السيئة التي تنشأ من فرط التكلف وكثرة التعسف ورغبة في الوقوف على أسرار لغة التنزيل العزيز وتعرف أسلوبها الأصلي البديل بحسن ديباجته ورونقه كي نتبين كيف كانت هذه اللغة المجيدة في عهد العرب العرباء. قبل أن تتعاورها أيدي المذوقين والمبهجين من عشاق الجناس والبديع وكيف كانت تجري بسلاستها وعذوبتها على أسلات الألسنة أولئك الأقحاح اللذين كانوا يجيدون النطق بها وهم لم يضربوا زيداً ولا عمراً، ولا صرفوا نصر ينصر نصراً، وما أشوق النفس المشرأبة إلى تفهم تلك العربية، وما فصح من لغاتها وملح من بلاغاتها، مما كان يسمع من الإعراب في

بواديها ومن خطباء الحلل الحلل في نواديها ومن قراضبة نجد في أكلائها ومراتعها ومن سماسرة تهامه في أسواقها ومجامعها وما تراجزت بها السقات على أفواه قلوبها وتساجعة به الرعاة على شفاه علبها وما تقارضته شعراء قيس وتميم في ساعات المماتنة وتراملت به سفراء ثقيف وهزيل في أيام المفاتنة كما قاله العلامة الزمخشري. هكذا كنا نؤثر الاقتصار على استقراء كلام أهل الشيح والقيصوم من الإعراب والإعرابيات اللواتي قال فيهن أبو الطيب: ما أوجه الحضر المستحسنات بها ... كأوجه البدويات الرعابيب حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب أفدي ظباء فلاة ما عرفنا بها ... مضغ الكلاء ولا صبغ الحواجيب ولا برزنا من الحمام ما إلى ... أوراكهن ثقيلات العراقيب ومن هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب ولم نزل على ذلك حتى أتيح لنا النظر فيما حبرته أيدي الكتاب بهذا العهد ونمقته أناملهم، وخطه بنانهم، من نفثات صدورهم، وبنات أفكارهم وعبارات ألسنتهم، وتراجم ضمائرهم فرأينا أن الكثير منهم والحق يقال قد سلك في إنشائه طريق السهل الممتنع يرسل عنان قلمه في ميدان صحيفته، معرباً عن ضميره بما يجري على لسانه مما تمليه القريحة بدون إجهاد ولا أعنات مع التحرز من العامية المبتذلة واللغة المرزولة ومن غير تكلف للسجع الذي هو من ألد أعداء المعاني إلا ما جاء عفواً صفواً مما يزيد الكلام بهجة وحسناً مع المحافظة على آداء تمام المعنى وألئك هم صفوة كتابنا الذين نقتبط بهم ونتمنى أن يكثر المتأسون بهم في رفع التكلف الكتابي الذي هو اضطهاد \ للفكر وضغط على القريحة مما يضيق به صدر الكتاب وتشمئز منه نفسه، ولا يزال أحدنا يقصر عن بلوغ هذه المنزلة السامية في الإنشاء ما دامت في اللغة الفصحى أقل رسوغاً منها في اللغة العامية المحكية ولذلك نرى الكاتب العربي يقاسي عرق القربة في تحصيل لغته الكتابية ويعاني من الجهد والعناء أكثر مما يعانيه أبناء اللغات الأخرى المتحدة كتابة وحكاية بين الخواص والعوام وهذا هو السر في كون التركي مثلاً أجرى قلماً وأنجز كتابة فيما لو جمعت بينه وبين عربي لم تقو ملكته الكتابية قوتها المحكية واقترحت على كل منهما أن يكتب من موضوع

درساه مقداراً محدوداً بصحيفة أو صحفتين لأن التركي إنما يكتب بلغة لا فرق بينها وبين التي يمارسها في مخاطبة قومه إلا قليلاً بخلاف العربي فإنه عندما يمسك القلم يضطر إلى تناسي اللغة التي شب عليها وتلقنها من أبويه وتمرن عليها في التفاهم مع قومه وغنما يلي من اللغة التي تعلمها كبيراً وأعدها في صدره زغيرة لوقت الحاجة إليها حين الإنشاء فيالله كم وكم يعاني كل كاتب عربي خصوصاً وكل مسلم عموماً في تحصيل لغة الدين الحنيفة تحصيلاً يرقي به إلى درجة فهم كلام الله عز وجل وحديث رسوله عليه الصلاة والسلام ولولا الكتاب وألسنة لما كنا نأمن أن تسلم هذه اللغة الشريفة من الدروس والانمحاء ولما كنا نثق ببقائها مصونة محفوظة من التلاشي مهما انتابتها طواراق الحدثان وتعاقب عليها بتقلابات الأحوال الملوان. وها هي اليوم قد أخذت تنفض غبار الخمول وتنهض من عثرتها زاهية مفتخرة بخيرة الكتاب، ونخبة المنشئين، قريرة العين بحسن ترسلهم وإنشائهم حر الكلام الذي تحرر بهم من رق التكلف والتنطع بعد أن وسم بل وصم به زماناً طويلاً وسامه الدهر ذلك على فترة من دولة ملوك الأقلام وسلاطين اليراع كما قال البسامي: تباً لدهر قد أتى بعجاب ... ومحافنون العلم والآداب وأني بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم ردد تهمو إلي الكتاب هذا لا يخفى أن مقتضى الحالة الراهنة يدعو إلى متابعة البحث في شأن التنويه بفضل لغة الضاد والإشادة بذكر مزاياها وسرد الأدلة والبراهين على وجوب العناية بها مقاومة لغلبة إهمالها فإن النفس إذ مردت ومرنت على إهمال الواجب وأعتادت تركه ونبذه ظهرياً لا تزال تتناساه وتستصغره حتى تفقد وخز الضمير على ارتكابها تبعة ذلك ويموت إحساسها بمعرة القصور والتقاعس عما يتحتم أداؤه وتستمر ساهية لاهية عنه ولا تعود إليها حركة الضمير ونمو الإحساس إلا بالمبالغة في التنبيه والإيقاظ. ولذلك نراك تعذرنا إيها القارئ الكريم مهما أطلنا عليك في هذا الصدد بل تتوق مصغياً إلى الإفاضة في حديث لغة الضاد التي هي مصدر الشريعة السمحاء ومادة جميع العلوم العربية، ولاشك أنه يعز عليك أن تمسها الألسنة بسوء التحريف وفيك عرق نابض، ودم جار، وفؤاد شاعر، ولا يليق بنا أن نكون أقل حرصاً على مجدنا القديم من رجال الإفرنجة

القائمين اليوم بافتتاح المدارس وبذل النفوس والنفائس في سبيل تعلم اللغة العربية ابتغاء ترقية حضارتهم وتكميل مدنيتهم ومنافسة لنا في العلوم التي كان العرب ينفردون بالإخصاء فيها وطالما صرفوا أعماراً وأموالاً على احتواء احاش الكتب العربية القديمة حتى تسربت إلى بلادهم ولم يبق منها لدينا إلا غيض من فيض وها هم يترجمونها إلى لغاتهم مما ربما يؤدي إلى انقراضها من صحيفة الوجود العربي وهذا من الأسباب التي حملت الأجانب على أن تعني بشأن لغاتها التي أصبح العربي في حاجة إلى تعلمها لدراسة الكثير من فنون هذه الحياة الدنيا التي أستأسر الغربيون بإتقانها والحذق في تفهم أسرارها. هذه فرنسا لها جمعية مخصوصة للنظر في لغتها الأفرنسية والقيام بإصلاح ألفاظها وتحسينها حسبما تقتضي الحالة العصرية والذوق الجديد، فلا تزال تمحو وتثبت وتقرر وتنسخ وتزيد وتنقص ورجال الأقلام هنالك لا يخالفون لها قراراً بل يجرون على ما تخطه لهم وتسنه بينهم ويقتدون في كتابتهم بها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة هذا ولغتهم لم يبلغ التفاوت بين كتابيتها ومحليتها ما بلغ لدينا معاشر العرب. فنحن أولى بهذه العناية اللغوية منهم فأين جمعيتنا التي تستضيء بنورها في بيان العربي والمعرب والأعجمي والدخيل ونحو ذلك لنقتفى آثارها فيما نريد تدوينه بلغتنا الفصحى التي قامت لغتنا العامية المحكية تنازعها البقاء وتشن عليها الغارة بعد سلبتها من أصل مادتها جزأ لا ينبغي أن يستهان به نعم سلبتها ثلاثة أحرف وهي الثاء والذال والظاء ذهبت ويا للأسف فريسة الإهمال والتساهل المخل فأما الثاء والذال فقد حرمناهما لا إلى بدل مستحدث يقوم مقامها وغنما استعيض عنهما بالسين والزاي وبذلك نقص من حروف الهجاء العربي حرفان لهما نظير في بعض اللغات الأعجمية كالإنكليزية ولم يزل أهلها محافظين على التمسك بذلك والتلفظ به على أصله. وأما الظاء فقد استعيض عنها بحرف أجنبي عن اللغة العربية. مع أن العلماء ذكروا أن الظاء من خصائص لغة الضاد فلا توجد في سواها اللهم إلا إذا دخلت الآن في محدثات بعض اللغات وهكذا أصبحت حروف الهجاء العربي خمسة وعشرين مع حرف مبتدع محدث تصير به ستة وعشرين وربما وافينا القراء في العدد الآتي بنبذة تتعلق بهذا الموضوع الجليل. والله الهادي إلى سواء السبيل.

الأخلاق

الأخلاق التفلسف الحديث ما احتفظت أمة من المم بعادتها. وتمسكت بأهداب أخلاقها. إلا وتوفرت لها ضروب السعادة وانفسح لمها مجال التقدم والنجاح. وعاشت بظل عيش وارف. تختال بمجدها التالد والطارف. وهي آمنة على مركزها الاجتماعي حيث تسير سيرها الحثيث في تقدم بلادها وعمرانها. وما اضمحلت أمة وانقضت أركان مجدها. وفقدت ثقة الغير بها. وسقطت في مهاوى الذل والازدراء إلا بنبذ أخلاقها وعاداتها ظهرياً والمغالاة في نشر أخلاق غيرها من الأمم. من هذه الخطة التي رسمتها في مقالي يظهر بداهة للقارئ ما وصلت إليه أخلاق المسلمين في هذه القرون المتأخرة. وما خالطها من الأخلاق الفاسدة التي يصعب استئصالها من محيط أدمغتهم. هذا وأنا لنسمع أقوال بعض الغربيين. ويدوى صداه في صماخ آذاننا من أن الإسلام بعيد عن التمدن الحديث. وأنه يستحيل على المسلمين أن يرتقوا سلم الحضارة والتقدم مع ما هم عليه من الانحطاط العظيم في الأخلاق والتربية. ولماذا قالوا لأن سيطرة دينهم والأحرى تعسف علماءهم ليمنعانهم عن الإطلاع على العلوم العصرية. والاكتشافات الجديدة وأن الدين الإسلامي نفسه هو عقبة كؤود في سبيل التقدم والحضارة. . هذه هي الوصمة الشنعاء التي جعل بعض الغربيين من أجلها الدين الإسلامي هدفاً لسهام ملامهم ولكن لو انصفوا وراجعوا تاريخ مدينتهم وحضارتهم لوجدوه شرارة طارت إليهم من كتلة التهبت في الشرق وكان موقد جذوتها (الدين الإسلامي الحنيف) وأن السبب الوحيد لانحطاطنا هو ما ورثه بعض أحداث متفلسفتنا من آثار الهمجية والأخلاق السافلة التي تخبطت بهما الأمم الغربية، قروناً كثيرة، وأني أود أن أصرح بأن القرآن الكريم ما بين دفتيه هو الناموس الآلهي الضامن لنا نيل السعادتين. والكفيل الوحيد لتقدمنا وحضارتنا وهو مصدر الأخلاق والأفكار الفاضلة. وأن تلك الشريعة السمحاء رحيبة الصدر. هنية المورد يرد زلالها المتعطشون في أي زمان مهما تطورت أطوارهم. وتشعبت أفكارهم بيد أن هنالك فئة قليلة حملت على عاتقها رؤساً ناتئة كرؤوس الشياطين وأدمغة انتخرت

عظامها من سوس الأباطيل والأضاليل. وكلفت نفسها بأن تقوم بإرشاد الأمة وهديها وإذا اندس أحد أفرادها بالمجتمعات العمومية المشتملة على السذج البسطاء الذين لا يفوقون (الغث والعث) (والطين والعجين) تراه كالأرقم ينفث من سموم الخرافات والخزعبلات في أفكارهم ما يخلب عقولهم السخيفة ويأخذ بمجامع قلوبهم الضعيفة. وترى جل ما يلقيه عليهم ويخدش به افكارهم هو ما جمعته مخيلته وتكبدت حفظه من الوقائع والحوادث التي هي أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة فتلك الفئة التي هي أحوج لإرشاد نفسها لا ينبغي قياسها على ما هنالك من العلماء الإعلام الذين صرفوا جل أوقاتهم في بيان حقيقة الدين الإسلامي وهم لا يرضون بمثل هذه الفوضى للإسلام والوصمة الشنعاء له ولمعتنقيه ودائماً يبثون روح الدين الحقيقي والعلم الصحيح في نفوس الأمة الإسلامية، ويظهرون مجد تاريخها وعظيم، رجالها (أكثر الله من أمثالهم). هذا وأني لا أنكر بأن هناك فئة أخرى قد شربت عقولهم حب الفلسفة العاطلة. والشقشقة الكاذبة، وقد درسوا شيئاً من تاريخ الطبيعة والعلوم النظرية، وخرجوا من المدارس وهم يديتون بدين أرسطو وجالينوس، ومتشيعون لمذهب فيثاغورس، وارشميدس، وقد تصفحوا نتفاً من فلسفة ابن رشد وابن سينا فعظمت نفوسهم وانتفخت أدمغتهم فنزعوا ربقة الدين من أعناقهم، وعدوا مسائلة ضرباً من الهذبان فوا ذهاب الرشد (وضيعة الأحلام). . أنا لا ننكر عليك إيتها الناشئة إطلاعك على العلوم الطبيعة ودرسك الفلسفة الحقيقة لأنا نعلم أنها مصدر حياتنا المادية، ولكن ننكر عليك درسك مذهب قدماء اليونان إذ لك بالقرآن غنى عن مثل تلك الشعوذات والخيالات. تدرسين تاريخ رجال الغرب وحياتهم وتتركين تاريخ الإسلام ورجاله الذين لهم ذكر مخلد في أعلى طبقات مكاتب الغربيين فأحرى بك أن تعلمين مقدار تفانيهم في حب الدين وانتشاره، وتنظرين عظمة نفوسهم وسعة علومهم ومعارفهم (وفقنا الله لاتباع أسلافنا، والتأسي بأخلاقهم وأفعالهم).

الانتقاد

الانتقاد الزهاوي يري في المرأة غير رأي القرآن مهما اتسع نطاق العلوم. وأينعت ثمارها. ونمت فروعها. وارتقت المدارك. وتسهلت أسباب المعارف والتحصيل. وتهيئت معدات الفهم فليس العلم بمغنى غنائه المطلوب ما لم يقل وجود الأدعياء والدخلاء فيه. ويكتف كل إنسان بنوع العلم الذي عاناه. والفرع الذي يمت به، فلا يدعى الفقيه علم الهندسة، ولا الطبيب علم الكلام. ولا الشاعر علم الشرائع. ولا الكاتب علم الكتاب هذا جميل صدقي الزهاوي الشاعر المشهور. صاحب القصائد الرنانة. أراد أن يزج نفسه في غمار العلماء فخانته معارفه. لأن العلم غير الشعر، وأن الحقيقة غير الخيال كتب في عدد 170 من المؤيد الأسبوعي الأغر مقالة في المرأة تفنن فيها ما شاء وشاءت له قريحته الشعرية الخيالية. بأسلوب يخلب الألباب. وان كان لا يغير وجه الحقيقة، ولا يغني من الحق شيئاً. ظن أن العلوم كلها خيال كالشعر فاستسهل هذا المنهج. واستلين هذا المركب. فمتى تيسر له اللفظ الأنيق. والمعنى الرشيق. لم يبال وافق الحقيقة أو باينها فكتب. واستدل. وحكم. وبرهن ولكن ياللأسف مقدمات لا تلازم بينها. ونتائج غير لازمة. وقياسات غير منتجة. وأحكام لا تنطبق على علك ولا عقل. ولولا تناسب بين الألفاظ. وارتباط بين الجمل. وأسلوب عربي فصيح لقلنا أنه هذيان المحموم أو عربدة النشوان. أن من إمارات ضعف الهمة. وخور العزيمة. أن ننظر إلى الغربيين نظر الرهبة والإجلال. حتى نتوهم أنهم من عالم فوق عالم البشر، فنستسلم لجميع أقوالهم. ونأخذ عنهم كل قضية نظرية. قضية مسلمة. ونرى جميع أعمالهم غاية في المدنية والحضارة. والأخلاق الفاضلة، مع أن الواقع المشاد أن منها الحسن، ومنها القبيح، ثم إذا أردنا الاقتباس منهم تركنا همتهم وأقدامهم ونشاطهم في سعيهم. ومحدثاتهم ومخترعاتهم. وعلومهم وعملهم، وجدهم وكدهم. وعمدنا إلى رذائل الأخلاق التي بات الغربيون أنفسهم يتذمرون منها، ويسعون السعي الحثيث لإبطالها، وتلافي ضررها فأخذناها على أنها مرقاة نصعد بها إلى أوج الترقي، وما هي إلا مهواة ننزل بها إلى حضيض الهوان، هذا حال الأمم الضعيفة بإزاء الأمم الراقية، تريد تقليدها فتقلدها بساسف الأمور، ورديء الأخلاق لاعتقادها في

نفسها العجز عن مجاراتها في إحاسنها كتب فريد أفندي وجدي أحد علماء الاجتماع نحن بغاية الأسف نرى أن تلك المدنية يعني الغربية تفتن الشرقيين لدرجة أصبحوا يعدون مقابحها التي ضج أصحابها منها كمالات يجب علينا الأخذ بها وبذل النفس والنفيس في السعي إليها، ويتصامون عن صيحات ذويها وأناتهم، ولقد كادت تلك الصيحات والأنات لا تدع صماخاً سليماً بين البشر اللهم ألهم كتابنا أن يربأوا بأنفسهم عن هذه المنزلة منزلة الضعة والمهانة، والذل والإستكانة، وأن لا يكونوا من المدنية الغربية كالغربال من دقيق الخبز يمسك خشاره، ويفلت لبابه، بل كالضمير في النقاد يختار الجيد، ويترك الزائف، وان يعلموا ما لوظيفتهم من المكانة في عالم الاجتماع فلا يكتبون إلا عن اجتهاد ووجدان، مطابقين للعلم والدين كتب مصطفى لطفي المنفلوطي من نوابغ كتاب مصر، أن في أيدينا معشر الكتاب من نفوس هذه الأمة وديعة يجب علينا تعهدها والاحتفاظ بها والحدب عليها حتى نؤديها إلى خلفائنا من بعدنا كما أداها إلينا أسلافنا سالمة غير مأروضة ولا مثلمة فإن فعلنا فذاك وإلا فرحمة الله على الصدق والوفاء وسلام على الكتاب الأمناء أن الله وحده هو خالق هذه العوالم بأسرها وهو وحده القادر على أن يضع لها قانوناً يكفل لها مصالح دنياها وسعادة أخراها في كل مكان وزمان، أما واضعوا القوانين فغنهم مهما علا كعبهم في العلم وارتقت مداركهم في الفهم فليسوا قادرين لأن يضعوا قانوناً إلا لزمنهم وللأمم التي تحت نظرهم فمن الحق وافن الرأي أن يأخذ الشرقي عن الغربي قانوناً وضع لغير زمنه ولغير أمته ولا يلتئم مع عوائد أمته وأخلاقها ولا مع تعاليم دينها، أن الزهاوى كتب ما كتب تقليداً لمتطرفة الغربيين ولو بحث ونقب، لرأى أن معتدلي الغربيين. أدركوا خطأ أمتهم فطفقوا يجاهرون بوجوب الرجوع إلى مادلت عليه التجارب من أن مجاراة المرأة للرجل في أعماله خروج عن سنن الفطرة وطبائع الكون. حاصل ما أراد الكاتب أن يبين من حقوق المرأة المسلوبة منها على زعمه مساواتها للرجل الطلاق كونه بيد الرجل وحده وتعدد الزوجات ونقصها في الميراث عن الرجل في الحجاب وها نحن نرد عليه بها على الترتيب ملتزمين جادة الأنصاف وبالله التوفيق. لابد للمتناظرين أن يكونا متفقين على مبادئ يرجعان إليها في الاستدلال على ما يحاولان إثباته أو نفيه. فنحن مع الكاتب من جهة كونه مسلماً واستشهد بآية (ولهن مثل الذي عليهن)

متفقون ومن جهة المسائل التي أنكر فيها صريح القرآن كتعدد الزوجات والميراث مختلفون أننا نناظره على الطرف الأول تغليباً لحسن الظن فنستدل عليه من الكتاب والسنة والإجماع وسنن الكون ولعل الطرف الثاني ناشئي عن جهل لا عن سوء قصد. أما تفنيد زعمه مساواة للرجل فمما لا يحتاج إلى برهان لأنه بديهي البطلان، ويحسن بنا أن ننقل هنا نبذة عن كلام فريد أفندي وجدي بهذا الموضوع. قال: هل المرأة مساوية للرجل في سائر الحيثيات فالجواب. لا وهل لدينا دليل حسي على هذا الجواب السلبي أصدق من وجود المرأة من ابتداء الخليقة للآن تحت سيطرة يوجهها كيف يشاء ويحكم عليها بما تقضى أمياله إذا كانت المرأة مساوية للرجل من الجهتين: الجسمية والعقلية فلماذا رضخت كل هذه الألوف المؤلفة من الأعوام لسلطان الرجل وجبروته لاشك أنا إذا لاحظنا ناموس الغلبة والقهر الذي مؤداه أن القوى يغلب الضعيف ويأسره، علمنا جيداً أن المرأة لا تساوي الرجل في جميع المواهب الطبيعية إذ لو ساوته فيها لحدثنا التاريخ بأخبار التدافع بين هذين الجنسين شأن كل عاملين متساوي القوة في هذا الوجود ولكن الأمر بالعكس فإن المرأة ظلت راضخة لنير الرجل، ولم تنل ما نالته من حريتها في أوربا إلا بسعي الرجل نفسه، ورضاه بتخفيف الوطأة كما هوشان القوي إذا أراد أن يخفف عن الضعيف المقهور له شيئاً من أثقاله ثم بحث في كون الرجل أقوى من المرأة جسماً وكون المرأة أضعف من الرجل إدراكاً واستشهد طبائع الكون فأفادوا جاد ومن أراده فليرجع إليه ومما يفندر زعم الكاتب المساواة قوله تعالى (وللرجل عليهن درجة) وقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام لو كنت أمراً أحداُ أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وقوله عليه السلام ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة الحديث وفيه والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى. ومثل هذا كثير مستفيض في كتب السنة وما ذكرناه كاف لمن كان له قلب. أن من يريد مساواة المرأة للرجل في سائر الشئون عامل على معاكسة سنة الله في هذا الكون التي قضت أن يكون لكل واحد من الجنسين كمال لا يشاركه فيه الآخر. فالرجل يسعى ويشقى، ويكد ويتعب ويشتغل ليحصل على رزقه ورزق عياله. والمرأة

ترتب له بيته وتربي له أولاده وتجهز له أكله وتحفظ عينه من الحرام الخ. والغربيون الذين عملوا على معاكسة هذه السنة زماناً اتضح لهم خطاءهم وافن رأيهم لما رأوا بناء عائلاتهم تقوض ونظام مدنيتهم فسد وأن أردت دليلاً على ذلك فاسمع ما كتب فريد أفندي وجدي تحت عنوان ما هي نتائج تحرير المرأة في أوربا قال لا نظن أن المرأة قاست من آلام الأسر في بلد مثل ما قاسته في أوربا من أول أدوارها لغاية القرن السابع عشر ونحن هنا لا نود أن نتوسع في بيان الفظائع التي كانت تعامل النساء بها في تلك البلاد الغربية، ولكنا نقول إجمالاً أن المرأة كانت هنالك تعد من ضمن العجماوات سواء بسواء بل ربما كانوا يكرمون العجماوات أكثر منهن في بعض الأحوال فإن أمامنا الآن من أخبار القرون الوسطى أنهم كانوا يحرمون على المرأة كل اللحوم ويجبرونها على ملازمة الملآكل النباتية كما يمنعونها من الضحك والكلام ولكننا لم نر من أخبار تلك القرون أنهم حرموا على الهرة تناول اللحم أو حرموها من اللعب والقفز أمام من يقتنيها نعم بلغ أسر المرأة في الغرب إلى درجة وحشية جداً، حتى تطرف كثير منهم وزعموا أن المرأة ليست من نوع الإنسان بل هي من نوع وسط بين الحيوان والبشر وألف أحد علمائهم في ذلك كتاباً سماه، هل للمرأة نفس، ولكن لما ترقت المدارك ولطفت الإحساسات أدرك الرجل شدة هضمه لحقوق المرأة فأخذ في إطلاق العنان لها شيئاً فشيئاً وساعد على ذلك فشو الإلحاد في بعض الطبقات تحت ثار التعاليم المادية التي انتزعت منهم كثيراً من الكمالات الإنسانية فمالت النفوس إلى الشهوات البهيمية واستلزم ذلك التغاضي عن تبرج النساء فقوى شأنهن تدريجاً حتى فمن في السنين الأخيرة (تحت حماية الرجل) يؤلفن الجمعيات للمطالبة بحقوقهن المهضومة التي تخولهن على زعمهن التربع في دسوت الوزارات وتقلد المراكز السياسية لقيادة الشؤون الاجتماعية وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل سرى فساد الأخلاق إليهن سرياناً يخجل الكاتب من سرد وقائعه الشائنة وتعداد حوادثه المخجلة. ألم تران المرأة التي كانت محرماً عليها أكل اللحم صارت تشاطر الرجال في الجلوس على المنتديات العمومية، ألم ترها بعد أن كانت محجوراً عليها غير الصلاة وطاعة زوجها طاعة عمياء قد صارت الآن تحسو بنت ألحان على رؤوس الإشهاد حتى لا تجد في ساقيها قوة توصلها إلى بيتها الذي فيه صغارها فتطرح نفسها على أفاريز الطرقات وهي سكرى

لا تستطيع حراكاً فيحملها رجال البوليس لتبيت في الضابطة، فقد دل الإحصاء في بعض البلاد المتمدنة على أن البوليس يجد فيها سنوياً ما يزيد عن العشرة آلاف امرأة ملقاة في الطريق ثملا وليتهن وقفن عند هذا الحد المدهش فإن بعض المتعلمات منهن قد فقدن فضيلة الحياء لدرجة صرن يؤلفن الكتب ينددن بعادة الزواج مدعيات أنها من آثار الوحشية الأولى قائلات ما هذه العادة السيئة التي تحرم المراة من التمتع بإبلاغ عواطفها الحبية مشتهياتها ما هذه المقاليد التي تربط المرأة بالرجل ارتباطاً دائماً فتجبرها على ملازمة رجل قبيح في عينها لرؤيتها من هو أجمل منه. ما هذا الرباط الحديدي الذي يمنع المرأة من أن تنصاع لأميال فؤادها. السريع التقلب الكثير الإحساس بالانفعالات المختلفة. يعاب على الهيئة الاجتماعية أن تذر هذه التقاليد حية للآن. ويجب على ربا الجمال أن يبذلن وسعهن للتخلص منها بكل الطرق الممكنة. هذه كلها مقولات بعض المتغاليات من نساء العالم المتمدن وهذه الحالة قد أقامت علماء العمران وأقعدتهم وجعلتهم يتوقعون انهدام عظمة أوربا بيد المرأة الضعيفة إذا لم يتوصلوا إلى إيقافها عند حدها. قال المسيو (جان فينو) مدير مجلة المجلات في فصل ذكر فيه غلواء النساء في الحرية والمصائب التي جرتها على المدينة (نقول بغاية الآسف أن المرأة التي بواسطتها تهذيب أوربا ستكون هي نفسها هادمة تلك المدينة الزهراة بيديها بإزاء هذه النزعات فإن عقلاء القوم لا يدرون كيف يوقفون سير هذا التيار الشديد الاندفاع الذي ابتدأ يجرف أمامه كل الكمالات الأخلاقية التي بنيت على أساسها عظمة العالم المتمدن ولا يظنن القارئ أن هذا ناشئ من حسد الرجال للنساء على ما نلن من حرية. فإن عقلاءهن أيضاً قد أدركن هذا الفساد ووخامة عاقبته فقمن ينصحن لأخوانهن بالاعتدال والتوسط في أمورهن ولا يتأخرن عن إظهار ما يختلج بضمائرهن عن رأيهن وإليك مضي ما قالته إحدى العاقلات للمسيو (جول بوا) بعد ذكرها أحوال النساء. هذه الحالة هي مهواة جنس من الأجناس. ونهاية جيل من الناس. لم يفكروا إلا في شهواتهم البهيمية حتى انتهى بهم الأمر إلى حد اليأس المهلك إلى أن قالت أن داء الضجر العضال ينتابنا معشر النساء المتبرجات جميعاً. وأن إذ كانا تدرك ساعة هدوها أنها غير صالحة لشيء ما. أرح نفسك فإنا سنتلاشي يهدو وسكينة بدون مقاضاتنا أمام العدالة وأن كان كل ما لنا من جمال ورواء سيصير أثراً

بعد عين هذه شهادة امرأة عاقلة على بنات جنسها ممن يتغالين في الحرية والترف فهل بعد هذا يجوز لنا أن نحتذي حذوا أوربا في هذا الشأن الخطير أليس يجب علينا بعد هذه المشاهدات أن ندرس هذه المسألة جيداً ليتضح لنا مثار الفساد الذي جرته أوربا على نفسها ولم تسطع أن تصدم تياره بما لديها من وسائل وحكمة نعم أن هذا من أوجب الواجبات علينا قبل أن نخطو خطوة واحدة في سبيل إعطاء المرأة حقوقها لأن العاقل من يتعظ بغيره، وأما الطلاق فقد استهجنه الكاتب حتى عدهأا قسوة فقال أجاز المسلمون أن يقسو الرجل فيطلق امرأته الخ. ثم لم يرض أن تكون عقدة الطلاق بيد الرجل وحده وسأل لم لا يجوز للمرأة أن تطلق الرجل عملاً بمدلول (ولهن مثل الذي عليهن) لتعم المساواة الخ. ومازلنا نستقبح قول الشاعر: ما قال ربك ويل للذي سكروا ... بل قال ربك ويل للمصلينا ونعده جرأة على الله وعلى الدين مع أنه أراد المجون لا محالة حتى جاءنا الشاعر العصري الاجتماعي فسلك طريقة ذاك من الاستدلال ببعض الآية قبل تمام المعنى المراد إلا أنه في مقام الجد والاستدلال على مسئلة دينية اجتماعية. فإن محل الاستدلال مساواة ما لهن بما عليهن وهي مشروطة بقوله تعالى بالمعروف المتعلقة بما تعلق به الخبر الذي هو لهن كما ذكره المفسرون وتمام الآية (وللرجال عليهن درجة) نص في عدم المساواة وإليك زبدة ما قاله المفسرون في تفسير هذه الآية (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) أي وللنساء من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات والمراد بالمماثلة بالوجوب لا بجنس الفعل فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك فعلى الرجل أن يحسن عشرتها ويقوم بنفقتها وعلى المرأة أن لا تخرج من بيتها ولا تمنعه من نفسها الخ. أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلا أن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً أما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن والدرجة هي درجة الرياسة والقيام على المصالح المفسرة بآية

(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) الخ. وذكر العلامة النيسابوري وجهاً آخر في تفسير الآية وهو أن فوائد الزواج هي السكن والأزدواج والألفة والمودة واشتباك الأنساب واستكثار الأعوان والأحباب وحصول اللذة وكل ذلك مشترك بين الجانبين بل يمكن أن يقال أن نصيب المرأة منها أوفر. ثم أن الزوج اختص بأنواع من الكلفة وهي التزام المهر والنفقة والذب عنها والقيام بمصالحها فيكون وجوب الخدمة على المرأة أشد رعاية لهذه الحقوق الزائدة ويكون هذا كقوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم). ولنرجع للموضوع وهو الطلاق فنقول. في مشروعية النكاح مصالح العباد الدينية والدنيوية. وفي الطلاق إكمال لها لأن الزوجة الخائنة العاهرة لولا الطلاق لكانت عبأً ثقيلاً على كاهل زوجها. وهيهات أن يثبت زناها ثبوتاً مشروعاً مبيحاً للطلاق في غير الشريعة الإسلامية. ولأن اختلاف الطباع والمشارب من سنن الكون الثابتة التي لا يمحوها مرور الأزمنة ونمو التهذيب والتأديب. وقد يكون بين الزوجين من تباين الأخلاق ما لا يستطاع معه اتفاقهما. فهل من العدل أن يقيا طول عمرهما في خصام وبغضاء ربما أفضت بهما إلى مالا تحمد عاقبته. وذلك لا يكون مقصوراً عليهما بل يسرى إلى أولادهما فتفسد تربيتهم ويختل نظام الحياة العائلية. واختلاط الزوجين قبل العقد المشروع في بعض الأديان المانعة للطلاق لا يفيد في استطلاع أحوال كل من الزوجين للآخر. لأن كلاً منهما يتكلف إظهار المحاسن وستر المقابح. وهذا الاختلاط مشروع عند الأوروبيين ومع ذلك يزداد بينهم شيوع الطلاق كثرة كلما تقدموا في المدنية. نعم أن الاختلاط يفيد عدم التنافر من جهة الصورة الظاهرة. والجمال الخلقي. فإن الأذواق تختلف باستحسان ما يستحسن من الجمال. وهذا يتأتي بمجرد النظر المباح في شريعتنا الإسلامية قبل العقد للزوجين. هذا وفي جعل الطلاق عدداً حكمة لطيفة ذكرها العلامة ابن الهمام في فتح القدير قال أن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إلى المرأة والحاجة إلى تركها وتسوله فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر، وعيل الصبر فشرعه سبحانه ثلاثاً ليجرب نفسه في المرة الأولى، فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم إذا عادت النفس لمثل الأول وغلبته حتى عاد

إلى طلاقها نظر أيضاً فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفقه حال نفسه. وبعدد الثلاث تبلى الأعذار فسبحان اللطيف الخبير الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. هذه الفوائد للطلاق لا يتماري فيها عاقل ومع ذلك فقد اعتمد الكمال ابن الهمام أنه غير مباح إلا عند الحاجة. وأطال في تقرير ذلك وأجاد إلى أن قال وأما إذا لم تكن حاجة فمحض كفران نعمة وسوء أدب فيكره وحمل قول عليه السلام أن أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق على المباح في وقت الحاجة. هذا وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن النووي القول بعدم إباحته مطلقاً قال الطلاق قد يكون حراماً أو مكروهاً أو واجباً أو مندوباً أو جائزاً. أما الأول ففيما إذا كان بدعياً وله صور. وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان. وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة. وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام بأن الطلاق في هذه الصورة لا يكره أفبعد ما سمعته من إباحته عند الحاجة إليه. وأنه أبغض المباحات إلى الله تعالى وبعدما رأيت من فوائده الاجتماعية يقال أجاز المسلمون أن يقسو الرجل ولكن (فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور). هذا والغربيون كلما ارتقوا في المدنية قربوا من الدين الإسلامي وبعدوا عن تقاليدهم القديمة ولكن تحت اسم التمدن لا التدين والطلاق لما كان من أهم الكمالات الاجتماعية عند الاحتياج إليه قرر. فلا سفتهم إباحته وهذا بنتام قرر في كتابه أصول الشرائع لزوم الطلاق. وأقام على ذلك البراهين العقلية. ولا بأس أن ننقل نبذة من فصل عقده لبيان اعتراضات ما نعي الطلاق والجواب عنها. قال الاعتراض الأول: أن الطلاق يولد عند الزوجين ريبة في مستقبلهما. فالرجل يلتفت يميناً وشمالاً ليجد امرأة توافقه أكثر من التي في عصمته. وكذلك يكون للمرأة مقاصد وأسباب تحملها على تغيير زوجها ونتيجة هذا الحال اضطراب في المعيشة حاضراً وعدم يقين بها في المستقبل. الجواب أولاً يوجد شيء من هذا المحظور في الزواج الدائمي وتختلف الأسماء فقط. فبدل الزوجة الجديدة هناك يقال عشيقة أو رفيقة هنا وبدل الزوج الجديد يقال العاشق أو الرفيق.

وربما كانت تلك الشروط القاسية. والقيود الثقيلة من أسباب القلق وعدم الثبات لا من دواعي الصبر والاستمرار. ألا يعلمون أن النهي والإكراه يحركان الشهوة ويقويانها. أما دلت التجارب على أن العوائق تشغل الفكر وتجمع العقل على الموضع الواحد فتقوى الرغبة في تذليلها، كذلك حرية الزواج أقل ضرراً من الأسر فيه وإذا وجد الطلاق عند أمة كثر فيها الافتراق الظاهري وقل الافتراق الحقيقي ثم أورد أجوبة أخرى على هذا الاعتراض وذكر اعتراضات أخر وأجاب عنها. ونحن نكتفي بما ذكرنا رعاية لكثرة المواد التي نريد البحث عنها في هذا العدد. وسنتكلم في العدد الرابع على بقية المسائل التي ذكرها الكاتب إنشاء الله.

الأسئلة والأجوبة

الأسئلة والأجوبة لهلال) المندرجة في عدد 480 من جريدة المقتبس فقد #أثبت فيها أن الأولي إثبات حضرات أصحاب مجلة الحقائق الإسلامية الغراء حفظهم الله تعالى بما أن مجلتكم الزاهية. مجلة علمية دينية. مقصدها الوحيد خدمة العلم، ورد الشبهات، وإثبات الحقيقة ظاهرة للعيان، جئت ألفت أنظاركم إلى مقاله الكاتب شكري أفندي العسلي المعنوية ب (رؤية رمضان على حساب المنجمين=الفلك وأسند ذلك إلى أقوال بعض علماء الدين. فالرجاء من حضرتكم أن كان ذلك حقاً أن تبينوه لنا على صفحات (الحقائق) أو غيره فغيرتكم على الدين وأقوال علماء المسلمين توجب عليكم بيان الحقيقة والله لكم معين. دمشق توفيق قويدر الجواب نحن لا نقول أن الكاتب كتب ما كتب عن سوء نية بل نقول أنه لم يصب الحقيقة لعدم تمسكه بأقوال الأئمة الموافقة لصريح السنة وأن استشهد بها. ولرغبته في ترجيح جانب العقل في مسائل لم يدع العقل مجالاً للاختلاف فيها لو اطلع الكاتب على ما ورد في هذه المسئلة من صريح الأحاديث الشريفة لما كانت (مسألة إثبات رؤية الهلال من أشكل المشكلات عنده ولما كان ثبوتها بشهادة رجل واحد من أغرب ما قرأه، ولما صعب عليه أن يرى الناس مفطرين في الشام وبيروت صائمين في صفد والناصرة) هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة بسهولة الأمر وأنه ليس من المشكلات والأحاديث الشريفة ناطقة بجواز ثبوت الهلال بشهادة رجل واحد وجواز ما عليه عمل الناس. فقد أخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال جاء إعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبصرت الهلال الليلة فقال أتشهد لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال نعم قال قم يا بلال فإذا في الناس أن يصوموا غداً وأخرج الجماعة إلا البخاري وابن ماجه من حديث كريب أن الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على شهر رمضان وأنا الشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متي رأيتم الهلال قلت ليلة الجمعة، فقال أنت رأيته، قلت نعم ورأه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكبار أبناء ليلة السبت قلا

نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت أولاً تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت ترى أيها القارئ أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صاحب الشرع الشريف لم يعد مسألة إثبات رؤية الهلال من أشكل المشكلات بل أثبتها بإعرابي واحد مسلم وأن أصحابه كسيدنا عبد الله بن عباس لم يصعب عليهم أن يصوموا وعم في المدينة مع علمهم بفطر أهل الشام وهنا ننصح للكاتب الفاضل أن يخنع لحملة الشرع، ويقتفي أثر الصحابة ومن بعدهم من العلماء مسألة الهلال مسألة جليلة لا تحوج الكاتب الفاضل لو لم يمل إلي فكره إلى أدنى تأمل يدرك هذا من له المام في كتب الفقه وقواعد الفقهاء بل من طالع رسالة العلامة السيد محمد ككاتبنا الفاضل. بيان ذلك أن العلامة ابن عابدين قسم رسالته إلى أربعة فصول أحدها في بيان ما ثبت به هلال رمضان، وخلاصته أن وجوب الصوم يتوقف عند الأئمة الأربعة على أحد أمرين إثبات الرؤية أو إكمال شعبان ثلاثين عملاً بنصوص الأحاديث الشريفة، وثانيها في بيان حكم رؤية القمر نهاراً، وخلاصته عدم اعتبار رؤية الهلال نهاراً عند الأئمة الأربعة لأن الشارع صلى الله عليه وسلم إنما ناط الحكم بالرؤية بعد الغروب، ورابعها في بيان حكم اختلاف المطابع وخلاصته عدم النزاع في اختلاف المطابع لتحققه وذكر الخلاف في اعتبار وعدم اعتباره، وثالثها في بيان حكم قول علماء النجوم والحساب ولا نذكر لك أيها القارئ خلاصته بل ننقل لك منه ما يعلمك أن الكاتب الفاضل لم يرد بما كتبه تقليد الأئمة رضي الله عنهم، وإنما تلقف جملاً نقلها العلامة ابن عابدين مردوداً عليها فذكرها الكاتب من غير أن يذكر الرد عليها ليثبت بذلك شبهته كما ستراه بعد أن شاء الله تعالى قال العلامة السيد محمد ما لفظه صرح علماؤها وغيرهم بوجوب التماس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فإن روأه صاموا وإلا اكملوا العدة فاعتبروا الرؤية أو إكمال العدة اتباعاً للأحاديث الآمرة بذلك دون الحساب والتنجيم. وقد اتفقت عبارات المتون وغيرها من كتب علمائنا الحنفية على قولهم يثبت رمضان برؤية هلاله وبعد شعبان ثلاثين. ومن المعلوم أن مفاهيم الكتب معتبرة فيفهم منها أنه لا يثبت بغير هذين. ولهذا بعدما عبر في الكنز بما مر قال صاحب النهر في شرح ما نصه، وحاصر كلامه أي كلام الكنز أن صوم رمضان لا يلزم إلا بأحد هذين فلا يلزم بقول الموقتين أنه يكون في السماء ليلة كذا وغن كانوا عدولاً

في الصحيح كما في الإيضاح، قال مجد الأئمة وعليه اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي وفسر في شرح المنظومة الموقت بالمنجم وهو من يرى أن أول الشهر طلوع النجم الفلاني والحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره في معنى المنجم هنا إذا تأملت تصريح العلامة ابن عابدين المرة بعد المرة بأن الصوم لا يلزم إلا بالرؤية أو بإكمال المدة، تعلم ما أسلفناه لك وتعلم أن ما رمي به الكاتب العلامة ابن عابدين من انه (أراد أن يبين فكرة في المسألة بطرف خفي خوفاً من جمود أبناء زمانه الذي أسكته عن التصريح) محض أفتراء عليه يتبرأ الحق منه ولا يرضاه ومتى كان العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى لا يجاهر بما يعتقد؟ بلا متى كان يخالف نصوص المذاهب الأربعة ثم قال السيد محمد عليه رحمة الله بعد أن بيين أن للسبك تأليف مال فيه إلى اعتماد قول الحساب وسنذكر أن المتأخرين من الشافعية ردوا كلام السبكي فالأولى الاستدلال بالأحاديث الدالة على اعتبار الرؤية لا العلم فإنه صلى الله عليه وسلم وقال (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) وقال (فإن غم عليكم فاكملوا العدة) ولم يقل فاسئلوا أهل الحساب بل قال (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) ثم نقل عن شمس الأئمة الحلواني وعن الدر المختار وعن البحر عن غاية البيان وعن معراج الدراية ما لخصه لا يلزم الأخذ بقول الحاسب ولا يثبت به الهلال اتفقاً. وقال هذا ما ظهر لي والله أعلم أفبعد هذه النقول التي نقلها العلامة ابن عابدين والأقوال التي صرح بها، نقول أنه يجوز اعتماد الحساب. أو يشير بطرف خفي؟ نترك الحكم في هذا بيننا وبين الكاتب الفاضل للعلماء الأعلام ثم نقل العلامة ابن عابدين عن مختصر الشيخ خليل للسادة المالكية عدم الاعتاد بقول المنجم والحاسب وذكر الفرق بينهما وقد تقدم، عن الشافعية في كتبهم كشرح المنهاج للعلامتين ابن حجر والرملي والأنوار للأردبيلي وغيرهم المنع أيضاً من الاعتماد على المحاسب. والمنجم إلا لمن يثق بصدقته عن العلامة الرملي ونقل أيضاً رد العلامة الشمس للرملي على السبكي وقال سئل والده الشهاب الرملي عن قول السبكي فأجاب بأنه مردود رده عليه جماعة من المتأخرين ووجه ذلك أن الشارع صلى الله عليه وسلم لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية. وقال ابن دقيق العيد الحساب لا يجوز الاعتماد عليه في الصيام والاحتمالات التي ذكرها السبكي لا أثر لها شرعاً لإمكان وجودها في غيرها من الشهادات كلام العلامة الرملي الكبير وهنا نعجب من

قول الكاتب (إذا كنا لا نقول بالاجتهاد فعلينا أن نقلد الإمام الشافعي وأتباعه مثل الإمام السبكي ونسلم المراصد لعلماء المذهب الشافعي الخ) وقد علمت مما نقلناه لك من نصوص اتباع الإمام الشافعي وردهم على السبكي أن مذهب الشافعي في هذه المسئلة كمذهب غيره من الأئمة رضى الله عنهم، فكيف يدعو الكاتب الناس إلى تقليده، الخ. ونختم هذا الرد بنقل العلامة السيد محمد عن السادة الحنابلة في كتاب الغاية وشرحها من باب صلاة الكسوف ما يؤيد ما ذكرناه أولاً من نصوص المذاهب الأربعة متفقة في هذه المسئلة على عدم اعتبار قول الحساب قال لا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به. ولا يجوز عمل به لأنه من الرجم بالغيب فلا يجوز تصديقهم في شيء من المغيبات قم قال ابن عابدين رحمه الله أن كون مقدمات الحساب حسية غير مسلم بل هي عقلية أي غير مدركة بإحدى الحواس والعقلي لا يثبت بالتواتر لأنه مما يخطئ فيه الجمع الكثير كخطأ الفلاسفة في قدم العالم. هذا وأنا ننتقد على حضرة الكاتب رمي علماء الدين بالجمود في مسألة علمت أنهم تمسكوا فيها بصريح السنة شأنهم في عامة المسائل الشرعية وننصح له أن لا يعود لمثل ذلك تمسكاً بأدب المناظرة. الجواب الأول عن سؤال هل نرتقي. وبماذا نرتقي المدرج في العدد الثاني ص61 كيف لا يبلغ الإنسان أعلى ذروة الرقي. وقد أوجده أله عليم حكيم. منحه عقلاً يهتدى به، وأمره أن ينظر في أسرار هذا العالم الباهر، (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً، ثم أوجب عليه أن يسعى فيما تكون فيها سعادته ترى أناساً محافظين على ما خلقوا الأجله، محافظين على هذا المبدأ السعيد الذي لا قوم لهم بغيره، ساعين إلى ما فيه خيرهم، لم يمض عليهم غير قليل من الزمن فأذاهم في غاية من الرقي الذي لا ينال. تأبى نفوسهم أن تسام ضيما فهم أشداء على الأعداء رحماء بينهم كأنهم بنيان مرصوص، وماء عذب سائغ للشاربين (إلا أنهم هم الفائزون)، وترى آخرين قد أهملوا آدابهم وما خلقوا الأجله، وضيعوا مبداهم، فعمهم الجهل، وفسدت تربيتهم، ولعب بهم أولوا الأغراض، وتوانوا وكسلوا فتلاشى أمرهم، وأصبحوا (كسراب بقعية) (بل هباء منتوراً) أولئك في الأذلين قل للمصلحين إنما نرقي بالمحافظة على شعائر الدين والمبدأ الطاهر، لا تظلموا ولا تستبدوا

أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، اتركوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن فهي التي بدلت الأخلاق واحلتنا في الدرك الأسفل من التأخر كل من حاد عن مبدأ سعادته لابد أن تزل قدمه فإذا هو يقلب كفيه، يسعى فيهتدي إلى رقي، هذا ديننا أن نؤسس على أصول الحرية الطاهرة، يوجب علينا مساعدة الضعيف، يحبب إلينا المساواة والعدالة، يؤدبنا بأطر الأخلاق، يؤمرنا بالاتحاد والاعتصام بحبل الله تعالى ينشطنا إلى الحياة الراقية يقول لنا (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، ولا تتبعوا خطوات الشيطان أنه لكم عدو مبين) قل للأغنياء (اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، انشئوا الشركات التجارية لتحي أمتكم، وتعمر أوطانكم وتقوي شوكتكم، ويكون فيه رقيكم. أن أوروبا ترسل لكم في كل يوم بضائع جديدة لتسلبكم ثروتكم، أنتم نيام، وغيركم يسعى بجد وأقدام، إذا لم يستغن عنهم وعن بضعاتهم ونعمل نحن لأنفسنا بأنفسنا لا نرقي، وقل لأولي الأمر تنهبوا فقط كاد ان يتسع الحذق، واعلموا أن خفض الرواتب، وإحالة من لا يصلح للخدمة على نظام التقاعد لا يغني فتيلاً إذا لم تطهروا الدوائر من جراثيم الرشوة والاستبداد، وقل للشعب العثماني توجه لتعزيز قوة الجيش المنظفر ليكون أتقن وأمنع جيش في العالم أمتثالاً لقول الله سبحانه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وقل للعامة أنه في حالاتكم اليوم عبرة وذكرى. ضاعت حياتكم ألم يأن لكم أن تخشع قلوبكم لذكر الله أين شهامتكم أين نزاهة وجدانكم أين طهارة أخلاقكم، والله لقد أفسدها حضروكم في مسرح رقص وملعب قمار، وساحة لهو،. ومحضر تمثيل (تياتروا) أمور تبعث الخواطر السيئة في النفس الإمارة بالسوء. وتميت العواطف الشريفة وتجلب المهالك. أحوال تنافي آداب دينكم القويم الذي لم يترك فضيلة ولا خلقاً كريماً إلا أرشدكم إليه. عمركم أجل من أن يضاع في مثل هذه السفاسف. عليكم بما يربي النفوس الكريمة ويحبب إليها الفضيلة. أقبلوا على محافل العلم. واجتمعوا على السحر في الأدب. ادرسوا أحوال دينكم وتمسكوا بها أنشئوا مدارس إسلامية تؤدب أطفالكم وتهذب نشأتكم تعلمهم الفضائل تباعدهم عن الرذائل. ترشدهم إلى حقيقة هذا الدين الذي تفجرت منه ينابيع المدنية ففاضت سلسبيلاً دين يغرس في النفوس الكرم والشجاعة. والعز والقناعة. ويهدي للتي هي أقوم وحين إذ تكون أرقى أمة في العالم كما كان سلفكم الطاهر.

من يزعم أن أوروبا هي راقية وأن دين الإسلام يحول دون رقينا فقد ضلت في حتمه وساء سبيلاً علم الغربيون أن لا سبيل إلى رجوعنا عن مبدأنا القويم لينالوا مأربهم لأن نفوسنا إسلامية. تسابق إلى الفضيلة وتأبى الرذيلة فعمدوا إلى إنشاء مدارس لهدم هذا الأساس. وإطفاء هذا النور. (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) أن التلميذ العثماني إذا دخل مدارس الأجانب مزعماً لشروطها صار بعيداً عن مبدئه مبغضاً لدولته ووطنه. متفانياً في الميل إليه. لما يشربون في قلبه من حبه عاداتهم. حسبنا برهاناً على ذلك ما نشاهده من فساد أخلاق كثير من الشبان المتخرجين في هذه المدارس. فتراهم يقولون لا صلاة. ولا صيام. ولا حلال. ولا حرام ويفعلون ما يفعلون. إن أوضح دليل لكلامنا ما كتبته الصحف في شأن كلية بيروت أن تلك المدارس تزعم أنها تسعى في نشر المعارف خدمة للإنسانية حتى أنها ليست في بعض قرى دمشق مدارس ابتدائية تقبل فيها التلامذة الفقراء مجاناً وهي تجتهد الاجتهاد العظيم حباً في نفعنا. وسعياً وراء رقينا. . . أي فائدة تعود عليها من رقينا. أية مصلحة لها في نفعنا متى عاهدناهم يعملون لنا كلا والله انهم لا يؤسسوا هذه المدارس إلا أحيولة لنيل مقاصدهم. وشركاً يقع فيه الجهلاء من الناس. نجاهر بهذا الحق الذي أمرنا الله أن نصدع به لا نخشى فيه سيطرة مستبدة. ولا استهزاء متلاعب. فإن زمن العدالة فسح لنا مجالاً لبيان (الحقائق) فلله جزيل الحمد وعظيم المنة فنسألك اللهم أن تهدي هذه الناشئة لما فيه صلاحها وتكشف عنها الغشاوة. ولا تجعلها محجوبة عن مشاهدة محاسن دينها القويم فتردي. دمشق (اعتذار) بعد طبع ما تقدم من الرد على الفاضل شكري أفندي العسلي وردتنا رسالة من الغيور المدقق العلامة الشيخ راغب أفندي السادات في الرد أيضاً على ما كتبه في رؤية الهلال باقة نطاق المجلة عن نشرها فمعذرة من محبرها الكريم. (شفيق بك المؤيد) (مبعوث دمشق) أبت شهامته وغيرته إلا أن يوآزر الحق. ويسعى في نشر العلم. فتبرع بعدة اشتراكات في

مجلتنا هذه لتوزع مجاناً على طلبة العلم. فنشكر حميته ونثني علىريحيته. ونسأل الله أن يكثره من أمثاله من أهل الوطنية الصادقة.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد تابع ما قبله 2 القدم إذا ثبت أن جميع الكائنات مفتقرة إلى موجد أوجدها. وصانع دبرها وحكيم رتبها وذلك الموجد هو الله سبحانه المستجمع لصفات الكمال وجب أن يكون قديماً لاستلزام وجوب وجوده وجوب القدم. والقدم عبارة عن سلب العدم السابق على الوجود. فلو لم يكن قديماً لكان حادثاً، فيكون وجوده مسبوقاً بعدم. وهو ينافي وجوب الوجود. ومن القواعد المقررة كل قضية بديهية فلوازمها البنية بديهية أيضاً. والقدم لازم بين لثبوت الوجود الذاتي. إذ كلما تصور القدم والوجود الواجب جزم العقل باللزوم بينهما. 3 البقاء هو عبارة عن سلب العدم اللحق. فما وجب قدمه. استحال عدمه ويؤيد ذلك البلهان النقلي قال تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) وورد من حديث طويل أخرجه الإمام مسلم والتلمذي أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الأخر فليس بعدك شيء. وفي البهيقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد (الأكل شيء ما خلا الله باطل) أي فإن مضمحل. 4 و5 المخالفة للحوادث والقيام بنفسه هاتان الصفتان لازمتان لصفتين القدم والبقاء وكلها 2 صفات سلبية دالة على التنزيه. إذ مفهوم كل صفة منها سلب أمر لا يليق به جل وعز. فيجب على الإنسان أن ينزهه سبحانه عن مشابهة الخلق وأن يتبرأ من كل ما يجيش بصدره من الميل إلى تكييفه وتصوريه. وأن يسد نافذة الخيال في مجال التفكر في ذاته تعالى وأن يعتقد انهم الحي القيوم اللطيف الخبير (ليس كمثله شيء) لا يحد بحد ولا يصور بصورة ذهنية. إذ هو تعالى أكبر من أن يحيط الوهم بسرادقات كماله وأعلى من أن يصعد التصور إلى معارج مجده وعلائه. قال علي رضي الله عنه هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته. وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات عيوب ملكوته. وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته. وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم

ذاته. ردعها وهي تجوب في مهاوي سدف الغيوم متخلصة إليه سبحانه فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بالاعتساف كنه ومعرفته ولا تخطر ببال أولى الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته وهذا هو معنى التنزيه الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطهير قلوب الخلق وتنقيتها من أوضار الشبه وأرجاس الشكرك. المخالفة للحوادث هي عبارة عن عدم المماثلة لها فلا يماثله سبحانه شيء من الممكنات مطلقاً لا في الذات ولا في الصفات. ولا في الأفعال فليس سبحانه وتعالى جسماً. لأن الجسم مركب وتحيز. وهو إمارة الحدوث (ولا جوهراً) لأنه عندنا اسم للجزء الذي لا يتجزأ وهو متحيز أيضاً ولا عرضاً لأنه لا يقوم لذاته بل يفتقر إلى محل يقومه فيكون ممكناً ولا محصوراً لأن التصوير من خواص الأجسام يحصل لها بواسطة الكميات والكيفيات وإحاطة الحدود والنهائيات له ولا محدوداً ولا معدولاً ولا متبعضاً ولا متركباً وملا متناهياً لما في ذلك كله من الاحتياج المنافي للوجوب (ولا متميزاً سبحانه بمكان) إذ المكان ما استقر عليه الجسم والحيز هو ما ملئه الجسم فالمكان والحيز من لواحق الأجسام والحق تعالى يستحيل عليه ذلك وأما الاستواء في قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) فليس معناه أنه استواء كاستواء الأجسام بل أستواء يليق به مع كمال تنزيهه سبحانه عن مشابهة كل شيء. أو يؤول الاستواء بالاستياء واضطر الخلف إلى هذا التأويل كما اضطروا إلى تأويل قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) حيث كمل على الإحاطة والعلم وقوله عليه السلام قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن الحديث) حيث حمل على القدرة والقهر وقوله على السلام (الحجر الأسود يمين الله في أرضه) حيث حمل على التشريف والإكرام. لأنه لو ترك على ظاهره للذم منه المحال. فكذا الاستواء لو ترك على معنى الاستقرار والتمكن للذم منه المحال أيضاً. وهذا البحث الذي نحن بصدده يحتاج في بيانه إلى زيادة توضيح ينقع غلة العقل ويشفي رسيس الصدر. ويسمو بالروح ويعلو بالحياة سيكون لنا إنشاء الله مزيد اعتناء في بسطه وتفصيله. توفية لحقه عند البحث على صفة الكلام. كذلك سبحانه لا يجري عليه زمان، إذ الزمان عندنا اقتران المتجدد بمتجدد آخر فهو نسبة بين الشيئين المتجددين والله تعالى ليس بمتجدد بل سابق على كل شيء من الأشياء

الماضية والحاضرة والمستقبلة سبقاً واحداً لا تفاوت فيه (وليس له جهة من الجهات ألست ولا هو في جهة) لأنها من طوابع الأجسام وأضافتها. إن ما ذكرناه من التنزيهات وإن كان بعضها يغني عن بعض إلا أننا حاولنا التفصيل والتوضيح في ذلك إداءً لحق الواجب سبحانه وتعالى في باب التنزيل ورداً على المشتهى والمرسمة وسائر فرق الضلال والطغيان بأبلغ وجه وأكده فلا نبالي إذاً بتكرر الألفاظ المترافدة والتصريح بما علم بطريق الالتزام. والتدليل على أنه تعالى مخالف للحوادث. أنه لو ماثل شيئاً منها لكان حادثاً مثلها ولوجب له مثل ما وجب لها من الحدوث فيفتقر إلى محدث وهو محال لما تقدم من وجوه القدم والبقاء له تعالى يؤكد هذا قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع والبصير) وحكمة تقديم السلب على الإثبات ليستفاد منه نفي التشبيه له مطلقاً حتى في السمع والبصر. وأما قيامه بنفسه فهو عبارة عن الغني المطلق أي لا يحتاج إلى محل ولا مخصص والمراد بالمحل الذات لا الحيز الذي يحل فيه الجسم. والدليل على ذلك أنه لو احتاج إلى محل لكان صفة إذ لا يحتاج إلى الذات إلا الصفات. والصفة لا تتصف بالصفات لامتناع قيام المعنى بالمعنى ولو احتاج إلى مخصص أي فاعل لكان حادثاً وهو محال (يا أيها الناس أنتم فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد). الحج الحج ركن من أركان الإسلام، ومبني من مباني الدين، فيه نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وفيه قال عليه الصلاة والسلام حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها وقال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فأعظم بعبادة حاز الإسلام بها الكمال. وأكرم بما جل عن أن يكون ثوابه غير الجنة، هذه منزلة الحج في الإسلام. ومكانته من الدين. وله رتبة في الاجتماع عجز عن الوصول إلى منتهى حكمتها الباحثون. وقصر عن نيل ذرى بغيتها المتطاولون. مهما تصورا من فضيلة للاجتماع. والموا بشرف للاتحاد. ذلك لأنه مجتمع يجمع المئات والألوف ما بين مشرقي ومغربي. وجنوبي وشمالي. من عربي وأعجمي. وهندي وصيني. وكلهم متأدبون بأدب واحد. ومتوجهون لوجهة واحدة.

غنيهم يساوي فقيرهم. وشريفهم يعدل وضيعهم. لا كبر ولا عجب. ولا خيلاء ولا استيلاء. غنما هو إزار ورداء. وحالة تأخذ بالعقول. مجتمع يوثق عري الإسلام ويحكم من روابطه يجمع هذه الألوف فيعرف بعضهم بعضاً. يعرفون أخوانهم في الدين. يعرفون مشاركيهم في أوامره ونواهيه. يعرفون مؤازريهم في تعظيم شعائره. ومناصريهم في الذب عن حياضه. فاعظم بهذه الرابطة التي ما تصورها متصور إلا وقدس من أحكمها. وخضع لعزته وجبروته. وأكرم بتلك الصلة التي لا يدانيها غيرها من الصلات. ولو دأب من تمسكوا بها على نشر فضائلها السنين العديدة. وحثوا على القيام بواجبها الأحقاب الطويلة مجتمع كلما تصوره الغربيون أخذتهم الرعدة. وتمكنت من قلوبهم الرجفة. وبادروا لعقد المؤتمرات والمنتديات يتبادلون فيها الأفكار. ويتجاذبون الآراء لحل عري هذه الرابطة القوية. بوضع عقبات نحول بين المسلمين وبين هذا الاجتماع. فكم عقدوا تحت عنوان (خطر الإسلام) من جمعيات وألفوا لتلافي هذا الأمر من شركات. وكم منعوا من يحكمونهم من المسلمين تارة بوضع المحاجر الصحية. وأخرى بأخذ الضرائب والرسوم وطوراً بالاسيثاق بالوثائق والعهود. (يريدون أن يطفؤ نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). مجتمع لو قدره أرباب التجارة وأصحاب الصنائع قدره لكان أكبر معرض في العالم تتقطع عليه قلوب الغربيين وأفئدتهم. وليس لهم من مثله ما يشفي من غلة. معرض تعرض فيه أصناف التجارة وسلع الصناعة فتبلغ أعلى درجة في الرواج. وتعلوا أرقى ذروة في الارتقاء. مجتمع يجمع الفاضل المتحقق بالأخلاق الحميدة. والغر الجاهل ذا الطباع الرديئة. فإذا رأى الأول وما هو عليه تبدو له معايبه فيبتعد عنها ويقتبس كرائم الخصال. مجتمع يتوصل به لحل مشكلات العلوم. ومعضلات الفنون. إذ أن هذا المشهد الحافل لا يخلو على التحقيق من فضلاء برزوا في كل فن واستسلم إليهم ما عصي فهمه على كثيرين من حملة العلوم. يعلم هذا من تصفح كتب التاريخ وأطلع على ما وقع في هذا المجتمع من المناظرات العلمية والمباحثات الفنية. التي انكشفت عن فتح باب كثير من المغلقات هذا ما استحضرناه الآن وأردنا نشره من فوائد هذا المجتمع. وما هو إلا قطرة من بحر مما حواه

من الفضائل. وأحاط به من الكمالات. وللحج فوائد أخرى أجلها التوصل لزيارة سيد العالمين. وفخر الأنبياء والمرسلين. صلى الله تعالى عليه وسلم. وزيارة أهل بيته وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم. حيث يقوم الزائر ببعض الواجب لهم. ويتوسل بهم إلى ربه في تكفير ذنبه. وكشف كربه. وإصلاح حياته ومعاده أجل أن من أعظم الواجب زيارة حضرة سيد الوجود عليه الصلاة والسلام. وزيارة آله وأصحابه. وسلف الأمة ومتقدميها. ممن قام بتأسيس هذا الدين القويم. وشيد مبانيه. وحبس نفسه على إرشاد الأمة. وقطعها لإفادتها الخير. بل الواجب تعظيم كل من سبقت له يد في إصلاح. أو كان له اعتناء ببعض المنافع العامة. واحترامه حياً وميتاً. وتقديس عمله في سائر الأوقات هذا الخلق مغروز في كل من منح عقلاً سليماً ورزق بصيرة نافذة. لا فرق بين أن يكون من المسلمين أو غيرهم. إذ نرى كثيراً من الأمم المتمدنة والشعوب الراقية. ينشئون الأسفار لزيارة من يرون له أثراً صالحاً في الاجتماع ويداً عاملة في سبيل الرقي والإصلاح تنويهاً بشكل ما فعل وحثا لغيره على العمل وقياماً بالواجب الإنساني له. بل نراهم يشدون الرحال لكل من روى لهم التاريخ عنه شيئاً من عظائم الأعمال. أو جلائل الخصال ولو كانوا من أعدائه ومحاربيه. هذا ضريح صلاح الدين بن أيوب يتوارده السائحون صباح مساء. ويأتونه بالهدايا والتحف. وجلهم ممن حاربهم وحاربون هذا ولولا الخروج عما نحن بصدده الآن لأسهبنا الكلام في هذا الموضوع فإنه من أجل المواضيع وعسانا نأتي عليه بأزيد مما ذكرناه عند سنوح الفرص. ومن فوائد الحج تهذيب النفس بتركها ملاذها وشهواتها. من التمتع بالأهل والأولاد. والإسئناس بالأخوان والأصحاب. والتخفيض من غلوائها بركوبها المشاق. والمتاعب. وتحمل ألم الحر والبرد ومشقة الركوب والمشي. وعناء التقشف في المطعم واللباس. ومنها ترويض الجسم بتفرغه من تعب الكسب. وتنقله من بلدة لأخرى. واستنشاقه هواء بعد هواء. بل أن السفر وهو من لوازم الحج معدود في مقدمة الأدوية الفعالة في الشفاء من الأمراض، وهو العلاج الفرد لبعض الأدواء، والمؤثر الوحيد في التخلص منها. قضية لا ينكرها أحد. ولا مجال فيها لارتياب مرتاب حيث قامت عليها قواطع الأدلة، وحكمت بصحتها شواهد التجربة هذا ولا يسعنا بعد ما أتينا على بعض ما وصل إليه دركنا

من حكم الحج وفوائده، إلا أن نحث من وجب عليه أن يبادر إليه فإنه من الفروض العينة على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) وقال عليه الصلاة والسلام يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا من مات ولم يحج فليمت أن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً. وقال عمر رضي الله تعالى عنه، لقد هممت أن أكتب إلى الأمصار بضرب الجزية على من لم يحج ممن يستطيع إليه سبيلاً، وروى عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد طاووس (وهم أئمة التابعين) أنهم قالوا لو علمنا رجلاً غنياً وجب عليه الحج ثم مات قبل أن يحج ما صلينا عليه. وقد ذهب الأئمة الأربعة ما عدا الشافعي رحمه الله في أصح الراويتين عنهم إلى أن افتراض الحج على الفور في أول سني الإمكان لأن فرضيته ثبتت بالكتاب والسنة وانعقد عليها الإجماع ولا يأمن أحد على نفسه من الموت إذا أخره فوجب على الفور احتياطاً، وللحج شروط وأركان وسنن وآداب لولا أن الكلام في بيانها يستدعي مجالاً واسعاً ووقتاً طويلاً لأتينا عليها مفصلة مبينة تتميماً للفائدة غير أنا نحيل على مناسك العلامة الألوسي الذي سماه (أوضح منهج لمناسك الحج) ففيه كفاية في هذا الباب، وبغية لأولي الألباب.

الأخلاق

الأخلاق كلمة في الاقتصاد كأن الكتاب يعنون به العلم بطرق تكثير المال وتوفيره، وتعظيم الثروة وتقويتها، وقد أفرد بعض الغربيين البحث عن هذه الطرق بالتأليف وبعض متفنني الأتراك كتب منها أيضاً عنوانها (بعلم الثروة) ويمكن أنه اقتطفها من كتب الغربيين، وقد اصطلحوا على قراءتها في المكاتب العالية لكننا لم نر نتيجة لهذا العلم عند من تخرجوا في تلك المكاتب، بل ربما رأينا ضده أعني العلم بسرف الأموال ومحقها، وهدم الثروات وسحقها. نرمق أكثر من يأتي من ناشئتنا المتخرجين في تلك المكاتب كلاً على الدولة، كلاً على ثروة والديه حتى يذهب بها، عليهما ولو كأننا فقيرين من فهم هذا العلم وبحث في الطرق التي تكون سبباً لتكثير المال وتوفيره، وتقوية الثروة لابد وأن يبحث في كيفية إتقان الصنائع والحرف وتنظيم أمور التجارة وتوسيع نطاقها وتسهيل عمل الزراعة وتعزيز استغلالها ومن أين يطرأ عليها الفساد والانحطاط. إلى الآن لم نعثر على مؤلفات عربية تبحث في هذا الموضوع تمام البحث ولا سمعنا بعالم غيور تظاهر بنشر هذا الفن النافع، وجال بمسائلة علماً وعملاً حتى ولا من ناشئتنا المدعين تنور الأفكار الذين تخرجوا في المدارس الأجنبية ودرسوا هذا العلم هناك ولا من أهل الصحف الذين تعهدوا بنشر بذلك وسموا صحفهم اقتصادية وقد جالوا في الغرب وأطلعوا على المدارس الزراعية والصناعية هناك ونظروا في أحوال التجارة وأسباب ترقيها بل ما رأينا فرعاً من فروع الصناعة والزراعة والتجارة بلغ من الإتقان أشده في بلادنا السورية ولعله في باقي البلاد العثمانية كذلك إلا ما كان من أعتناء الحكومة السنية بعلم الطب على اعتبار كونه من الصنائع وهنا مجال لأن تقترح على من عثر على تأليف مفيد بهذا الفن، وكان بغير اللغة العربية أن يعربه إليها لتعم الفائدة، وكذا على من عنده دراية حقيقية به ويمكنه التعليم والتطبيق أن يجاهر بذلك ليستفيد منه الوطن فائدة تذكر، وكذا على أصحاب المدارس الأهلية أن يدخلوا هذا الفن في برنامج دروسهم ويهتموا لتعليمه أسوة بالمدارس الراقية ولأنه على التحقيق عبارة عن درس أخلاقي عظيم الفائدة وبودنا لو تتألف جمعية ممن استنارت أفكارهم ويسعون بعقد شركات عمومية يكون

مقصدها الحقيقي تقوية الصنائع والحرف والتجارة والزراعة فيفتحون مدرسة لتعليم ذلك كله على نهج الترتيب والانتظام أن (مكتب الصنائع) الذي في حاضرتنا الآن قد اجتهد بتأسيسه المرحوم مدحت باشا ليفيد الوطن صنائع جديدة يستغني بها الشرق عن الغرب بعض الاستغناء قد أصبح بفضل الإهمال قليل النتيجة عديم الفائدة إذ الصنائع التي تدرس فيه اليوم هي حثالة الصنائع الدمشقية فحبذا لو أن ولاة الأمور يعيرونه نظرة فيحققون بها قصد المؤسس وبهذه المناسبة نطلب من قادة الأقلام أن يوسعوا نطاق هذا البحث وينتقدوا من الصنائع والحرف والتجارة والزراعة ما يظهر لهم من مواقع النقد على صفحات الصحف. أن المعنى الذي ذكرناه للاقتصاد كأنه اصطلاحي لكنه مأخوذ من المعنى اللغوي ولازم له لأن للاقتصاد في اللغة معان منها الاستقامة يقال اقتصد فلان في أمره لأي استقام ومنها الاعتدال في النفقة أي التوسط بين طرفي الإسراف والتقتير يقال اقتصد في نفقته أي لم يسرف ولم يقتر فالاستقامة في الأمور والتوسط في النفقة هما من أشرف الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان وهما من أعظم العوامل على توفير المال وتحسين الحال وتعظيم الثروة وتشيد القوة وجلب السعادة وطرد الشقاء في الحديث الشريف (ما عال مقتصد ولا يعيل) من حاد عن الاقتصاد ضل طريق الكرم الإسلامي لأنه أما أن يصعد على درجات شقاء السرف والتبذيرا وينزل لدركات البخل والتقتير. وفي كلا الأمرين انحراف عن سنن القرآن ووقوع في المقت وغضب الرحمن. قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً). وقال عز اسمه (ولا تبذر تبذيراً أن المبذرين كانوا أخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً) وقال جل سلطانه (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتيهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) نتلوا هذه الآيات الشريفة وكانا لا ندري من أنزلها أو لسنا داخلين في عموم الخطاب (أفلا يتدربون القرآن أم على قلوب أقفالها) نذكر للقراء نموذجاً من حالنا اليوم إذا أجرى أحدنا سنة النكاح لنفسه أو لولده أو سنة الختان أو الفرح بمولود أو بقدوم من حج أو غيره. تراه يتفنن في ارتكاب أنواع المنكرات وأعاجيب المخالفات. تبذير أموال. وتفاخر بالقوال والأفعال. ولو ذكرته أو نصحته لرد

نصحك أو اعتذاراك بما هذا معناه. أن عادات أمثالنا هكذا ولا محيد عن اتباع العادات مخافة أن يتكلم الناس علينا أو ان نسائنا عليهن مثل ذلك لأمثالهن فلا يرضين بغيره. أن أكثر من يريد إجراء هذه السنة لا يقصد منها مقاصدها الشرعية بل يقصد الفخفخة والجعجعة وجلب السعادة (الجهاز) فتراه لا يؤم في خطبته إلا من اشتهر بمحبة ما ذكر ولو كان في ذلك حتفه. بعد إجراء العقد يسعى كل من الأبوين فيما يطلب منه. . أما أبو الزوج فتراه أن كان دار ضيقة يسعى في توسيعها وتزيين محالها أو الانتقال لأوسع منها بطريق الشراء أو الاستئجار ثم يتغالى بعد في جلب المفروشات والملبوسات وأنواع المجوهرات يقصد بذلك الفوز على أهل عروسه وإظهار الغنى الواسع. حتى أنك لو ذهبت إلى داره ونظرت زخرفة متاعه وأثاثه لقلت هذا من الأكاسرة او القياصرة أو رب الثروات العظام ولكن وياللأسف يفعل هذا وهو في تجارته أو زراعته ضيق اليد ضعيف الساعد يتقلب على جمر الغضا ويشكو ألم الضيق. وقد يلجئه الأمر لأن يجسر على صرف أموال الناس ولو عاش باقي حياته كئيباً. وأما أبو الزوجة فيسلم زمام الأمر لناقصات العقل والدين. فتراهن يحملنه على إنفاق ثروته والاستدانة فوقها في سبيل شراء ملبوسات ومفروشات وغير ذلك لأجل تجهيز هذه العروس الكريمة ولا يرضيهن ولو أنفق ما في الأرض جميعاً. بعد وصول هذه السعادة (الجهاز) لدار الزوج الذي سعد بها بعد شقاء أبيه وحميه. يحتفل بمراسم العرس. ومن المؤكد الذي لا يمكن تركه إحضار المغنيات المتهتكات الراقصات. . لدار الزوج ليلة حفلة العريسين وصرف الأموال بغير مصرفها الشرعي بدعوى التخلص من العار ولو تأمل العاقل لوجد أن أعظم العار في ارتكاب المنكرات. وترك المأمورات. وتبذير الموال في سبيل التقرب من الشيطان وحزبه. تنهض العروس صبحة هذه الليلة متعجرفة متكبرة ترنو بهذه النفائس الجهاز وما والاه لما تعلم بأنها معدة لأجلها فتتيه عجباً وتعثو استكباراً وتلهو عن أنها مخطوبة لهذا الزوج لتسكن إليه ويسكن إليها ويقضيان الدهر بالتعاون على صرف حوادثه ومدافعه صدماته لكن لا تلبث إلا قليلاً حتى ينقلب الحال. ويقع بينهما الشجناء والبغضاء. وتكون على هذا

الزوج المسكين داهية دهماء لا يمكن دفعها وبلية نازلة لا يستطاع رفعها، فيضيع الحرث والنسل ويذهب عمرهما سدى. هذه هي السعادة التي بذل في سبيلها الأموال الكثيرة ودكت للإنفاق عليها أركان الثروات الطائلة سببت هذه النتائج الوخيمة. ولو فحصتها لوجدتها ظلاً زائلاً وسروراً باطلاً أن معظم الملابس التي أخذت لتتجمل بها العروس لا تلبث الأعشية أوضحاها حتى يذهب رونقها وتتمزق وتبقى عديمة النفع. قف هنا متأسفاً متحسراً على هذه الموال والثروات وعلى هذين العروسين وأبويهما ولا تلمهما بنبت شفة لأن لديهما العذر المقبول الذي قد علمته تمكنت فينا هذه العادات الخسيسة ببركة ساداتنا وكبرائنا ونحن على آثارهم متقدرون. نتحمل هذا كله ولا نبالي وترى الواحد منا لو اقترح عليه أن يتكرم بشيء من ماله إعانة لمشروعي خيري أو لمنفعة عمومية لبخل واستغنى واعرض ونأى أولي الحكم أيها الأخوان لو عقلتم ضرر هذا كله وأتفقتم على عدم إتلاف هذه الأموال وارتكاب هذه المنكرات واستعوضتم عن صرفها بمثل هذه السفاسف الدنيئة بصرفها في أمور نافعة تعود على وطنكم وأبنائه بالخير العميم، والنجاح الدائم. ويا حبذا لو تتألف جمعية اقتصادية تقوم بنصح وتذكير من يريد إجراء مثل هذه العادات فتبين له ضررها وترشيده لفعل ما هو المحمود بنظر العقلاء وانه لا اعتبار لذم الاراذل الحمقاء ولنا عودة إلى هذا الموضوع عند سنوح الفرصة إن شاء الله تعالى.

اللغة العربية

اللغة العربية (ث. ذ. ظ) حسبما وعدنا القراء الكرام نأتي هنا بكلمة تتعلق بتحريف هذه الأحرف اللثوية ليظهر كيف استدرجنا إهمال اللغة الفصحى إلى أن دفع بنا إلى ارتكاب تحريف الكلم عن مواضعه حتى في كتاب الله المجيد فشا تحريف هذه الأحرف في اللغة المحكية وتداولته جميع الألسنة وسرى عليها سرياناً عاماً لم تسلم منه كلمة تشتمل على شيء منها. فكأن الرأي العام أطبق على إعدامها كما جرى تنفيذه فعلاً على أن هذا الحكم الجائر قد شمل القاف أيضاً فأعدمها العوام عندنا واستعملوا عوضها الألف اليابسة الهمزة، وغنما قصرنا موضوعنا هنا على الحروف اللثوية لأنها هي التي دخل في تطرق الفساد إلى الكتب العلمية قراءة وكتابة. فتراهم يستبدلون بالثاء سيناً وبالذال زاياً وبالظاء أيضاً زاياً غير أن هذه يفخمونها جداً ولقد طغى تيار هذا الخطأ حتى شمل جميع رجال الطبقات العلمية الذين وافقوا العوام في هذا اللحن وعملوا معهم على إماتة الحروف اللثوية. وهجروها من اللغة المحكية هجر القلى كما أنهم وافقوهم في كثير من الأغلاط المتداولة فتنازلوا إلى التفاهم بالسوقي المبتذل مجاراة للرأي العام وتظرفاً بين العوام. اللهم إلا قليلاً منهم توسطوا في الأمر وانتهجوا طريقة بين بين. وهؤلاء هم الذين يتخلل كلامهم كثير من الألفاظ الفصيحة، والجمل الصحيحة، فإذا خاطبتهم رأيت على كلامهم مسبحة من حسن الديباجة والطلاوة وهذه هي الطريقة التي استحسنها السيد (البطليوسي في (الاقتضاب) وحض الأديب على العمل بها ومال إلى أنها هي اللائقة بأهل الفضل في تخاطبهم مع العوام ولو كان رجال العلم سالكين تلك السبيل لتحسنت اللغة المحكية ولتنقحت من سقطات كثيرة وربما كان ذلك من أكبر الوسائل لرفعها إلى درجة اللغة الفصحى ولكن مع الأسف نرى العمل جارياً بالعكس ولذلك غلبت علينا اللغة المحكية حتى صار أحدنا يتعمد الخطأ ويتقصد الغلط ويعير أخاه إذا استعمل فصيح الكلام وجرى على الأسلوب العربي فينبزه بالمتشدق المتفاصح ويلقبه بالمتنطع المتقعر كما أصبح إخراج الحروف اللثوية من مخارجها الأصلية معدوداً من المعايب والناطق فيها بالصواب مستثقلاً تمج كلامه الإسماع وتشمئز منه النفوس ولو كان هذا الخطأ المستظرف بزعم الزاعم منحصراً في اللغة المحكية لكان الخطب يسيراً غير أنه

تجاوزها إلى اللغة الكتابية فصار الذوق العصري يقضي على القارئ باستعمال هذا التحريف ابتغاء مرضاة جلسائه وإيناس سماره فإذا اتفق أن القارئ كان مطبوعاً على الفصاحة أو الثغ لا يقدر على النطق بالسين والزاي فهو لابد أن يخرج الحروف اللثوية من مخارجها الصحيحة وحينئذ ينفر منه سامعه وتستك عنه مسامعه ولاسيما إذا أتى بكلام طويل مشتمل على مثير من تلك الحروف فإنه يعتبر ذلك منه بمنزلة الهراء والهذيان فتأمل شهرة الخطأ الفاشي كيف تقضى على الصواب وتجعله سمجا مستكرهاً وشيناً مستقجاً وإذا أردت أن تتمثل لك حقيقة ذلك فاقرأ على جليسك هذه العبارة (فلان ذو نفوذ وحظ عظيم حيث ثابر على استثمار ثروته وظفر بذهب كثير وحظي بذخيرة ثمينة وهو يلبق في مثوى ذي أثاث لا مثيل له ويلبس أثمن الثياب وقد ذاع أنه ذكي لو ذعى منجذ ذرب اللسان ثبت الجنان، نافذ الذهن، متثبت متيقظ لحوادث الزمان وهو عذب الحديث إذا باحثته تسلتذ مباحثته، وإذا ذاكرته كرته تستعذب مذكراته يثنى عليه محادثه بسلاسة لفظه وكثرة حفظه إذ يأثر مستظرف الأحاديث فينث سمينها ولا يذكر غثها وله من ذريته ثلاثة ذكور أحداث أذكياء مهذبون وثمان إناث ذكيات مثقفات لا يزال ينظر إليهم ويلاحظهم ويؤثرهم بموعظه وهم يلبثون في ذراه المذكور والكل يحتذون حذوه ويمتثلون مثاله ويتأثرون آثاره ويتعظون بوعظه فينفذون ما ينفذ ويذرون ما يذرولا يثنيهم ثان عن ذلك فهم مثال الثبات على الطريقة المثلي والتشبث ياذيال مآثر التهذيب فثناء على الذي هذبهم وثقفهم متخذاً ذلك أعظم ذخر يتاب عليه ثواباً كثيراً إلى غير ذلك من هذه الكلمات لا تكاد تفرغ من حكايتها على الصواب حتى يفاجئك مستعمك بجمل الاستقباه والاستثقال وعبارات المقت والاستهجبان بعد أن ترى على وجهه أشكالاً وألواناً من إمارات التضجر والتبرم وعلائم السآمة والملالة وحينئذ يشبعك تأففاً وإنكاراً ويوسعك ازدراء وتعنيفاً كأنك جئت بفعله مادر أو أتيت بفرية غادر مع أنك لم تجن إلا النطق بالصواب وليس ذنبك إلا التكلم بالعربية الفصحى وإخراج الحروف اللثوية من مخارجها الصحيحة الأصلية وهيهات هيهات أن يعترف معك جليسك باستحسان الصواب فضلاً عن أن يقر بوجوب التزامه والعمل عليه وما أنت له بمقنع ولو أدليت بالألوف المؤلفة من البراهين اليقينية والحجج الدامغة.

الانتقاد

الانتقاد الزهاوي يرى في المرأة غير رأي القرأن أما جعل الطلاق بيد الرجل وحده فهو منتهى الحكمة. وغاية الرحمة للأمة. لأن الطلاق شرع للحاجة وكان أبغض المباح إلى الله تعالى كما أسلفنا تضييقاً لدائرته. فيجعله بيد الطرفين يتسع نطاقه وتضيع الحكمة والمرأة رقيقة الشعور. سريعة الانفعال. قاصرة العقل. كثيرة التقلب لا تكاد تثبت على حال. فلا يبعد لو كان الطلاق بيدها أن توقعه لأقل حادث. إطاعة لهواها ومجاراة لشهواتها. ولأن الحالة الزوجية حالة اجتماعية. ولابد لكل مجتمع من رئيس يرجع إلى رأيه عند اختلاف الآراء وتشعب المقاصد. ولولا ذلك لأختل النظام. وفسدت المجتمعات. لعدم إمكان الاتفاق على جميع المصالح ولمات كان الرجل أحق بالرياسة. وأقدر على التنفيذ بقوته وماله. جعل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) وبموجبه نال الرياسة العامة ومن متمماتها جعل عقدة النكاح بيده يحلها متى شاء. ومع ذلك فقد أجاز الشرع للمرأة أن تشترط في عقد قرانها أن يكون طلاقها بيدها. وحينئذ يمكنها متى رأت من الزوج نزوعاً إلى الأخلاق السافلة أن تعمل بمقتضى ما شرطت على تفصيل مذكور في كتب الفروع. ولا ينافي ذلك ما ذكر من حكمة كونه بيد الرجل وحده. فإن الرجل بهذه الصورة تنازل عن حقوقه. وقد انتهينا إلى مسألة تعدد الزوجات أباح الله جل ذكره تعدد الزوجات بآية [وأن خفتم إلا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا] فأنت ترى أن الإباحة مشروطة بعدم الخوف من الظلم. وذلك بأن يثق من نفسه بالعدل. ومتى كان عدم العدل متوقعاً سواء كان راجحاً أو مرجوحاً لزم الاكتفاء بواحدة. ومنه تعلم انه مباح مضيق فيه للمصلحة. وقد يستدل قوم ممن يريدون تطبيق القرآن على مرادهم وشهواتهم كيداً للإسلام ومنتحليه بآية [فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة] على تحريم التعدد. قالوا ومن ذا الذي يمكنه أن لا يخاف عدم العدل مع ما تقرر من أن العدل غير مستطاع. وهل لا يخاف الإنسان من عدم القيام

بالمحال. يريدون عدم الاستطاعة المستفادة من آية [ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم] وفاتهم أو تغافلوا عن كون العدل في الآيتين ليس واقعاً على شيء واحد فإن العدل المطلوب هو العدل في البيتوتة وفي النفقة وهذا مستطاع والعدل المنفي استطاعته هو العدل في المحبة والجماع ويدل عليه بقية الآية [فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة] وقد ذكر الإمام ابن جرير في تفسير الآية الثانية أن المارد بالعدل العدل في المحبة أو في الجماع أو بهما على اختلاف في الروايات التي وصلت إليه وقد سردها وهي كثيرة وتابعه على ذلك جمهور المفسرين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا (أي العدل في البيات والعطاء) قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. يريد الميل القلبي. جاء القرآن بهذه الإباحة المشروطة وجاءت السنة بوعيد من لم يعدل قال عليه الصلاو السلام [من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل] وكان عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه يسأل أين أنا غداً أنا غداً (يريد يوم عائشة) فإذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) فالرسول عليه الصلاة والسلام راعى العدل بين أزواجه في أشد أوقات مرضه. أفبعد هذا يظن أن تعدد الزوجات بشرطه مخالف للمدنية وارتقاء العائلات إلى آخر ما يهذون به هذا وللتعدد حكم كثيرة نذكر منها ما يأتي: الأول: كون الإناث أكثر عدداً من الذكور في أكثر بقاع الأرض فيما نعلم وخصوصاً في أعقاب الحروب. والرجال معرضون لموانع التزوج أكثر من النساء. ومنها مخاطر الأسفار والحروب ومشاق الارتزاق وكثيراً ما نرى العجز عن القيام بأعباء الزواج من المهر والنفقة مانعاً للزوج عن التزوج خصوصاً في هذه الأيام فإذا لم يبح التعدد لمن يثق من نفسه بالعدل تعطل عدد كثير من النساء وفاتت حكمة الزواج المقصود منه كثرة النسل ولا يقف الضرر عند هذا الحد بل لابد أن يوجد من هذا القسم المتعطل كثير ممن لا يقدرن على مغالبة شهواتهن فيجين أعراضهن وبذلك يكثر عدد العاهرات كما هو الشأن في كثير من البلاد الإفرنجية. الثاني: ما ذكره العلامة الجسر في (الرسائل الحميدية) نذكره بتصرف وزيادة لا شك أن الله

جل شأنه خلق كل من الزوجين ميلاً إلى الآخر لحكمة التناسل والرجل مستعد لأداء النسل من سن بلوغه إلى آخر العمر الطبيعي للإنسان الذي هو مائة سنة والمرأة تكون مستعدة للنسل إلى سن الخمسين في الغالب لأنها بعده تضعف قوتها وتنقطع مادة حيضها فلولا إباحة التعدد لكان خمسون سنة من عمر الرجل معطلة عن التناسل الذي شرع النكاح لأجله أو أكثر أو أقل فيما إذا تزوج بأصغر منه أو أكبر على أن عادة التزوج بأكثر من واحدة ليست من مخترعات الدين الإسلامي بل مما أقره، بعد ما هذبه وعدله، ولقد كان هذا الأمر شائعاً جداً قبل الإسلام بدون حد يقف عنده، أو نظام يعمل فيه فجاء الإسلام فأوجب الاكتفاء بأربع. وشرط أن يثق الإنسان من نفسه بالعدل وأوعد من لم يعدل بما تقدم ذكره ومما يدل على وجوده قبل الإسلام ما رواه أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال اختر منهن أربعاً والاعتراض بالتعدد سري إلى الكاتب مما ينتقده الغربيون على الإسلام كما هو الشأن في جميع ما كتبه على أن الغربيين أنفسهم حتى النساء منهم شعروا بفوائد التعدد فدعوا إليه وقد نقل في المجلد الرابع من المنار عن كاتبة غربية فاضلة مانصه (لقد كثرت الشاردات من بناتنا وعم البلاء وقل الباحثون عن أسباب ذلك وإذ كنت امرأة تراني انظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزناً وماذا عسي يفيدهن بثي وحزني وتوجعي وتفجعي وأن شاركني فيه الناس جميعاً. لا فائدة إلا فيما يمنع هذه الحالة الرجسة والله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل الشفاء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة وتصبح بناتنا ربات بيوت فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال ولابد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلا وعالة وعاراً على المجتمع الإنساني فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وبأماتهم ما هم فيه من العذاب الهون ولسلم عرضهن وعرض أولادهن فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار. ألم تران حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل وعليه ما ليس عليها وبأباحة تعدد الزوجات

تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين. وقد رأينا في (الإسلام روح المدنية) نبذة في هذا المعنى منقولة عن فيلسوف ألماني قال (أن قوانين الزواج في أوربا فاسدة المبني بمساواتها المرأة بالرجل فقد جعلتنا تقتصر على زوجة واحدة فافقدتنا نصف حقوقنا وضاعفت علينا واجباتنا على أنها مادامت أباحت للمرأة حقوقاً مثل الرجل كان من اللازم أن تمنحها عقلاً مثل عقله إلى أن يقول ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجاً يتكفل بشئونها والمتزوجات عندنا نفر قليل. وغيرهن لا يحصين عدداً تراهن بغير كفيل بين بكر من الطبقات العليا قد ساحت وهي هائمة متحسرة ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلي يتجشمن الصعاب ويتحملن مشاق الأعمال وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار ففي مدينة لوندرا وحدها ثمانون ألف بنت عمومية سفك دم شرفهن على مذبحة الزواج ضحية الاقتصار على زوجة واحدة إلى آخر ما نقل وفيه أيضاً أن حضرة أدوارد السابع ملك انكلترا أصدر منشوراً يبيح فيه تعدد الزوجات بالرغم من معارضة القسوس وكانت أمه قبله معارضة لهذا الرأي أشد المعارضة. ومنه يظهر لك أن الغربيين فازوا بأباحة التعدد كما فازوا بأباحة الطلاق وأن نهاية سير التمدن الوصول إلى ما عليه الدين الإسلامي الحنيف ونحن بعدما سردنا شيئاً من حكم تعدد الزوجات وبأنه مبني على غاية من العدالة والحكمة. وبعدما نقلنا عن الغربيين استحسانهم له وشيوعه حديثاً بينهم بعد كل ما تقدم من الفوائد لا ننكرانه في زماننا هذا قد يكون منه فساد للعائلات أكثر مما يرجي منه من الفوائد. لفشو الخلاق السافلة وسوء التربية. فقد يتزوج الرجل الزوجة الثانية وزوجته الأولى صالحة للتناسل حسنة الأخلاق. وهو لا يقصد بذلك تكثير النسل ولا إعالة من يتزوجها ثانية ولا غير ذلك مما هو من حكم التعدد. إنما يدفعه إلى ذلك الشره بالشهوة البهيمية. ثم لما كان الدافع الشهوة كان ميزانه في معاملتهن الحب والبغض فهو يعامل كل واحدة بنسبة موضعها من قلبه. فتدب الغيرة في نفس المظلومة ويروج بينهم سوق الكذب والنميمة والأباطيل إلى آخر ما يكون هناك من ضروب المفاسد الاجتماعية لا ننكر وجود ذلك وشيوعه. إلا أنه لا يعترض به على مشروعية إباحة التعدد لأن ذلك ليس طبيعياً له بدليل تخلفه. فقد شوهد من تزوج بأكثر من

المتفرقات

واحدة وراعي ما شرط من العدل فكانت معيشته في غاية الانتظام. ونهاية الراحة. على أن السبب الحقيقي لجميع ما يشاهد من اختلال نظام العائلات عند التعدد هو عدم العدل من جهة الرجال. وسوء التربية وفساد الأخلاق من جهة النساء. فتربية النساء تربية دينية من أول نشأتهن يتعلمن بها ما يجب عليهن نحو أزواجهن ومجتمعهن هي التي تجعل للدين السلطان القوي على القلوب فيحملها على مجاهدة غيرتها التي هي منشأ أكثر المساوي العائلية. إذا تربى النساء هذه التربية وراعى الرجال شرط العدل وتركوا وحي المحبة وحكمها الجائر. لاشك أنه يزول جميع ما يسمع وما يشاهد مما يجره التعدد من الفساد. الفاضل الشيخ محي الدين أفندي الخياط وضعه لتلامذة المدارس على أسلوب سهل المأخذ جليل الفائدة وهو يباع في المكتبة الأهلية وثمنه قرشان ونصف فنحث على إقتنائه نجاحاً، ولنا كلمة فيه أرجأناها لعدد آخر. فسخ النكاح التقليد والتلفيق البسملة الشريفة رسائل إهدانا إياها الأديب الفاضل الشيخ جميل أفندي الشطي من تأليف جده الأعلى العلامة المحقق الشيخ حسن الشطي الحنبلي صرح في الأولى أن فسخ النكاح عند السادة الحنابلة مشروط بشروط (بينها) لا كما هو الشائع عند العامة، واعتمد في الثانية صحة التلفيق وهو خلاف ما عليه محققوا الأصوليين وتكلم في الثالثة على البسملة الشريفة بكلام مفيد والرسائل جديرة بالمطالعة فنحث على اقتنائها ونشكر همة حفيد المؤلف التي بذلها في نشر آثار سلفه ونسأل الله لمؤلفها جزاء حسناً ولناشرها تقدماً وارتقاء. المتفرقات العصر الجديد جريدة علمية سياسية أدبية تجارية مصورة (كذا) تصدر يوم السبت من كل أسبوع في طرابلس الغرب لصاحبها الفاضل محمد علي أفندي البارودي قيمة اشتراكها ثم مجيديان وخمسون قرشاً بباقي الولايات العثمانية وعشرة فريكات بالبلاد الأجنبية تناولنا منها العددين السابع والثامن لسنتها الثانية فإذا هما حافلان بالموضوعات الجليلة والأخبار المفيدة. فنرجوا لها التقدم والنجاح.

سبيل الرشاد جريدة عربية تركية تصدر مرة في الأسبوع موقتاً لصاحبها ومديرها الفاضل محمد أفندي بهجت بدل اشتراكها 25 قرشاً في الولايات العثمانية و8 فرنكات في المماليك الأجنبية فنرجوا لها التقدم الذي يليق ببغداد مهد العلم والحضارة العربية. وردتنا هذه التقاريز من حضرات العلماء الأفاضل أصحاب التواقيع فأثبتناها (على حسب ورودها) اعترافاً بشكرهم. أصحاب مجلة الحقائق الغراء حققكم الله بحقائق دينه. ومكنكم بعوارف يقينه. ووفقكم بتوفيقه القويم. وهداكم إلى صراطه المستقيم. وحماكم بحمايته المحمودة من كل شكل عقيم وبارك لكم فيما علمكم من لسان البيان. وجعل لكم اليد الطولي في كل حكمة وعرفان جاء الحق وسطع نوره، وزهق الباطل وانمحى ديجوره، بظهور شموس دين الله القويم، وانهزام قطاع صراطه المستقيم. أيد اللهم المجاهدين في سبيلك، ومدهم بمدد تبيك وخليلك، إلا وهم العلماء الأعلام، والأماجد الكرام، الذين انتصبوا للدفاع عن المسلمين والإسلام، وقاموا بواجب كفائي طالما تاقت إليه نفوس أهل السنة والجماعة وتفكرت رجال الإصلاح الحقيقي فيما يؤسس عليه. أيها السادة سقطتم على الحقيقة المقصودة. بتمامها ووفقتم لما سيكون بحوله تعالي وطوله كافلاً للأمة بمرامها، أعلا الله مناركم على كل منار، وقبض لحقائقكم أنصاراً إلى أنصار والسلام. السيد صالح الشريف حضرة الأفاضل أصحاب مجلة الحقائق الغراء سطعت علينا شمس الحقائق فتلونت وجوهنا قبل أن نقرأها خشية أن يزاد في طين التضليل بلة وحين قرأناها تهللت وجوهنا طرباً. وكبرت قلوبنا جذلاً وذرفت عيوننا دموع السرور، أجل سررنا إذ وجدنا ناصراً للحق. وقابضاً على الدين. ومحبطاً لمساعي المفسدين. فاحمدوا الله أيها الأفاضل إن وفقتك لعمل يرضي عنه ربكم. وتقدسه ملائكته بألسنة رطبة بشكركم. أثبتوا على هذا المبدأ، وكيولهم الصاع بالصاع، فإن شررهم تطاير، وشرهم استطار الله لكم معين. ومحمد \ صلى الله عليه وسلم ممد. وسلف الأمة وخلفها

لعملكم هذا من الشاكرين. عبارتي هذه غيض من فيض مما بقلبي من الحزازات من أرباب المبادئ الثقيلة، وعسى أن (الحقائق) لا تدع مجالاً لأ باطليلهم. هذا وأن عموم طلبة العلم عندنا وبخص وبسائر الأقطار الإسلامية على مشربكم، ومعززون لمبدأكم، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، والله معكم وأياه أسئل أن يدين النفع بحقائقكم والسلام. محمد سعيد زهور جادت دمشق لنا وذا ما نبتغي ... بمجلة قد سميت بحقائق جمعت كلام أفاضل قد مزقوا ... ظلم الأباطل في ضياء حقائق دمشق محي الدين الخاني أمط بالجد وسوسة الحواسد ... ويمم ما صفت منه الموارد وفز بمجلة الإرشاد وأغنم ... (حقائق) قد علت فيها الفوائد عدول بادروا بسني فكر ... بها بذلوا لنا خير العوائد مجلتهم بأسرار الترقي ... بها انتفع الأقارب والأباعد أتوا في طيها بفنون سحر ... يقر لهم بها الضد المعاند فنون أرخت يمناً بهيجاً ... حقائقها بأخلاص المقاصد نتيجة عصرها عن كل ترب ... سمت فضلاً به افتخر الأماجد لها حرية الأفكار أضحت ... مصادر ما استطاب لكل رائد أدام الله فضل من انتقاها ... بخير أدلة وأجل شاهد وجاء بها لمن رام ارتقاء ... مهذية لها التوفيق عاضد أقول بأمر سيدنا وشيخنا العلامة الشيخ عبد الرزاق أفندي البيطار نظمت هذه الأبيات تقريظاً على هذه المجلة الفريدة الغراء وأنا الفقير. محمد علي بك الميداني

اللغة العربية

اللغة العربية ث. ذ. ظ وليس براض عنك ما لم تحرف الكلم عن مواضعه فتجعل الثروة سروة والثمينة سمينة واللبث لبساً والأثاث أساساً والمثيل مسيلاً والنفوذ نفوزاً والذكي زكياً والحديث حديساً والثلاثة سلاسة والثمر سمرا والمأثورة مأسورة والثاني سانياً والثناء سناء والمثقف مسقفاً والكثير كسيراً. هكذا يود منك جليسك وربما حاول موافقتك له على الباطل طامعاً في إقناعك بمجرد زعمه أن شهرة الخطأ وحدها تكفي للحكم بترجيحه على الصواب بدليل ما استفاض بين الناس مما رواه فلان بن فلان عن هيان بن بيان وهوان (الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور) وليس أسخف وأحمق من واضع هذه الجملة البديهية البطلان إلا الذي يتلقاها بالقبول والتسليم كأنها قاعدة مطردة أو أصل متفق عليه مع وضوح كونها مصادمة للحقيقة من جميع الوجوه نقلاً وعقلاً وإلا نكى أنها تؤيد نفسها نفسها لأنها من الخطأ الشمهور ولذلك يتوهم بعضهم أنها مظنة الصحة وقد توقعه في ورطة الشبه والشكوك في مسائل لا مجال للريب فيها وهكذا شأن سائر البدع والنكرات إذا تطرقت إلى أقوام لا يتناهون عن منكر فعلوه فلا تزال تفشو بينهم وهي كلما زادت شيوعاً زادت تمكناً منهم واستحكاماً فيهم حتى تصير لهم عادة مألوفة يذم المرء على تركها بقدر ما كان يذم على فعلها ولذلك تأبى النفوس مستصعبة أن تنصاع للحق الذي جرت العادة بخلافه وهذا مما قضي علينا أن نستبشع استعمال الحروف اللثوية غير أن ذوي الفضل والنبل وأهل العلم والأدب ومنهم المتصدون للتعليم والمتصدرون للإرشاد ينبغي أن لا يستأسروا لهذه العادة المضرة ولا أقل من أن يتجنبوها في مواطن الإملاء والتدريس ولا سيما في أثناء دروس التفسير والحديث ولله در بعض العلماء حيث أتى إليه يوماً رجل فسأله عن قوله عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات) هل هو حديث صحيح أم لا؟ فقال له أما هذا الكلام الذي تلوكه بلسانك فتهذ الحديث هذا كما تلف البقرة الكلأ بلسانها فليس ذاك بكلام أفصح من نطق بالضاد وإنما هو حديث صحيح إذا سمعته فوعيته فاديته كما سمعته، وقرأته كما يقرؤه العربي الصميم أو الأعجمي الذي أتقن العربية فمابالك بمن يدخل التحريف على جوهر الحروف فيستحيل

المعنى والمبنى ويتخالف المراد والمؤدى وقد يتفق أن يكون للكلمة بعد تحريفها معنى فاحش يناقض مراد المتكلم كل المناقضة ويبعد عنه بعد الثري عن الثريا ومثل هذه الكلمة إذا وقعت في عبارة خالية عن قرينة تعضد إرادة المعنى المقصود فهناك الطامة الكبرى. كما إذا جعلت الثاء سيناً بقولك (فلان ثابت على دينه) إذ يدل حينئذ على أن الرجل يهودي قد دخل في حكم يوم السبت وباشر إعمال العبادات المتعلقة به على حسب ما تجري عليه الملة اليهودية وكذلك في قولك (فلان له بيت لا مثيل له) إذ يدل على انه ليس له مجرى ليسيل المياه الجارية وكذلك في قولك (مات زيد ثم عمرو) إذ يدل على أن زيداً مات لمجرد انقضاء أجله بلا سبب خارجي وإن عمراً مات مسموماً وإذا جعلت الذال زاياً في قولك (فلان أكثر قومه نعماً إلا أنه لا يذكي) يدل على أنه لا يؤدي الزكاة التي هي صدقة مفروضة وإما بالزال فالمعنى أنه لا يذبح ولا ينحر ومنه المثل (شر المال ما لا يذكي ولا يذكي) وهو الحمير الأهلية ويحسن بنا أن نذكر هنا قصة وقعت لبعض أفاضل الأدباء وذلك أن رجل شكى إليه ذات يوم من لصوص طرقوا داره فسرقوا ما فيها من الأدوات والأمتعة البيتية، فقال له يا سيدي قد سرق اللصوص (أساس) داري ففهم ذلك الفاضل أن المسروق إنما هو أساس الجدران فأخذه المقيم المقعد من العجب والدهش فقال له وماذا يجذيهم (أساس) دارك وكيف تمكن من سرقته دون أن تشعر ويشعر جيرانك فقال له هكذا وقع الأمر وإذا نزل القدر عمى البصر فلم يزل معه في أخذ ورد حتى فهم أن مراده من الأساس (الأثاث) فحينئذ زال دهشه وعجبه وعلم أن عذره في عدم فهمه فوراً إنما هو فضله وأدبه وهذا الذي أوردناه قليل من كثير مما يوقع في الشبه ويوجب سوء الفهم ويحمل السامع على ضد ما يقصده المتكلم بنحو هذه الكلمات ذوات الثاء والذال وأما ذوات الظاء المشارة فلا حاجة إلى الإتيان بمثال لما ينشأ من تحريفها لأنها على الاستعمال العامي لا معنى لها البتة وهي مهمة مفقودة لا وجود لها في اللغة الفصحى ولذلك ترى انه لا سبيل لنا إلى كتابتها على الصورة المحكية اليوم إذ ليس في الهجاء العربي حرف يدل عليها بخلاف غيرها من الحروف الفاشي تخريفها فإن كلاً منها له صورة يرسل بها مع الاختلاف بين صورته في الأصل وصورته بعد التحريف. والزهاوي الذي يريد أن يستعيض في الكتابة عن اللغة الفصحى بالسوقية المتداولة لاشك

أنه يقع في حيص بيص في مثل هذا الموطن حيث يجد نفسه مضطراً إلى اختراع رسم حرف جديد يدل على الظاء العامية بصورة تكفل بيانها وتقريبها للذهن. إذ الظاء في اللغة المحكية أو لغة الزهاوي الكتابية ليست إلا عبارة عن زاي ضخمة غليظة مفخمة تفخيماً فاحشاً تكرار الزاي في الرسم يشعر بذلك وإما الظاء المنشودة في اللغة الفصحى فغن الزهاوي يضطر للحكم بإعدام صورتها كما حكم مع السوقة بإعدام لفظها الفصيح ونحن إذا كنا نعتبر هذا من قبيل المشخ لعرائس العربية فإن الزهاوي يعتبره من قبيل الترقي والتقدم. مما يتشدق به أشياع اللغة السوقية قولهم أن إخراج الحروف اللثوية من مخارجها الأصلية ينبو عنه الذوق العصري الجديد فهو على الاستعمال المتبذل أخف وأرشق ويجدر بنا أن نقول لهؤلاء المتشدقين لو كان التمدن يدخل أيضاً في مخارج الحروف لكان الإفرنج أولى بذلك منكم وها هي الأمة الإنكليزية على ما تعتقدون فيها من العراقة في الحضارة والمدنية ومجاراة الأحوال العصرية وتقدمها في فنون الابتداع وأساليب الاختراع وتشبعها بالأفكار الجديدة ومع ذلك كله فإن في لغتها نظير هذه الأحرف اللثوية وها هي تنطق بها كما ينطق بها صرحاء العرب الخلص فيقولون (ثري) بمعنى ثلاثة (ثرد) بمعنى الثالث (ثانك يو) بمعنى شكراً لك (ثميبل) بمعنى الحديدة المجوفة التي يضعها الخياط في إصبعه ليدفع بها الإبرة (باث) بمعنى الطريق (ثنك) بمعنى تفكرو (بريث) بمعنى نفس (ذس) بمعنى هذا هذه (ذات) بمعنى تلك ذلك (ذم) بمعنى هم (ذي) بمعنى لام التعريف (بوذ) بمعنى خيمة خص وقد تفخم الذال في اللغة الإنكليزية فتلفظ كالظاء العربية مثل (مظر) بمعنى والدة ولو حرف الإنكليزي هذه الحروف تحريفها الجاري في لغتنا المحكية لآض هزأة بين قومه ولأصبح عندهم موضع التهكم ومناط السخرية مع انه لم ينزل بلغتهم كتاب مقدس يحذرون أن يتطرق إليه شيء من آفات ذلك التحريف كما نخذره نحن معاشر المسلمين على التنزيل القرآني العزيز وأن كنا نعتقد أنه مصون محفوظ بعناية الله جل جلاله كما قال فيه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) فغن اعتقادنا هذا لا ينبغي أن يحملنا على التساهل في لغة ذلك القرآن الكريم الذي يتحتم علينا تقويم السنتنابه بأن نتلوه حق تلاوته ونتحري قراءته كما انزل بلسان عربي مبين ولا يخفى إننا إذا تعمدنا في

قراءته تحريف الثاء سيناً والذال زاياً والظاء أيضاً زاياً مفخمة مع قدرتنا على النطق بالصواب يشملنا حينئذ قوله تعالى (يحرفون الكلم عن مواضعه) إذا لكلم تطلق على الحروف كما تطلق على ما يتركب منها ومواضعها تشمل مخارجها كما تشمل مدلولاتها التي تفهم منها بواسطة الوضع. ولا عذر في مثل هذا الأمر لأحد من المسلمين سواء كان عربياً أو أعجمياً اللهم إلا رجلاً تحقق عجزه عن التخلص من هذا الخطأ والحروف في الحروف اللثوية وتعذر عليه إخراجها من مخارجها الصحيحة فاستعصي عليه لسانه بعدما حاول أن يلينه وبعد أن مارس تعويده وتمرينه ويندر جداً بلوغ اليبوسه والصلابة إلى هذا الحد في بعض الألسنة وقد ساوى الخالق جلت حكمته بين جميعها في تكوينها من أعصاب وعضلات ومع ذلك نرى كثيراً من الناس يدعون أنهم مضطرون إلى هذا التخريف للعجز عن إقامة ألسنتهم على الصواب ولعل أكثر هؤلاء إذا دققوا على أنفسهم يجدون انهم يجيدون النطق بها كما هو شأن عامة مواطننا السوريين ومهما تمحل بعضهم من المعازير في التسامح بمثل هذا الخطأ الجاري في اللغة المحكية فليس في وسع أحد من العقلاء أن يتهجم بمثل ذلك على قراءة التنزيل العزيز ويجب علينا أن نتذكر دائماً ولا ننسى ما أصاب الكتب العربية من وخامة مغبة هذا التحريف الفاشي فإن فيها كثيراً من سوء أثاره لأن النساخ وعملة المطابع قلما يوجد بينهم من يفرق بين الحروف اللثوية والحروف التي تحرفت إليها وزد على ذلك قلة الانتباه لوجود انتقاء الأكفاء من رجال التصحيح الإخصائيين بالعناية في تنقيح الكتب أثناء طبعها وتدارك أغلاطها وتلافي سقطتها قبل انتشارها على علاتها والذي زاد هذا الخطب تفاقماً واستفحالاً أن أكثر المعلمين والأساتذة إن لم نقل كلهم لا يتحاشون من هذا التحريف المخل أثناء دروسهم التي يلقونها على التلاميذ فيشب هؤلاء على التهاون بذلك ومن شب على شيء شاب عليه فنلفت أنظار رجال المدارس والمكاتب كما نلفت أنظار العلماء إلى هذا الأمر الذي يظهر في بادئ الرأي أنه جزئي بسيط وهو في الحقيقة من أضر المصائب على لغتنا الكتابية التي يسعى الزهاوي إلى محوها من بين أبناء العرب في جميع أقطار العالم.

رأينا في إصلاح المدارس

رأينا في إصلاح المدارس لم يتفق العقلاء في شيء اتفاقهم على هذه الكلمة الجليلة (العلم حياة الإنسان والمدارس أس العمران) وقد كثر بحث الباحثين عن فضائل المدارس وتنوعت أساليبهم وكان نتيجة ذلك اتفاقهم على أنها باب العمران، وعنوان العرفان، والسبب الوحيد في توحيد الكلمة وتعزيز الجامعة، وحفظ الكلام، وترقية الأذهان، على أن هذا الأمر لا يختلف فيه اثنان، ولا يحتاج إلى بيان وليس من يطلب دليلاً عليه الأمكن يطلب دليلاً على كون الشمس منيرة والقمر مضيئاً. تتنوع مدارسنا اليوم أنواعاً خمسة دينية وأهلية، أميرية وصناعية والخامسة أجنبية، يقصد من الأولى تحصيل العلوم الشرعية ووسائلها ومن الثانية ما يجعل في نفس الطالب استعداداً يمكنه بسببه أن يسلك أي مسلك أراد، ومن الثالثة وظائف الحكومة والانخراط في سلكها، ومن الرابعة ما يؤهل الطالب للخوض في معترك هذه الحياة، ومن الخامسة قالوا تعلم العلوم واللغات وغير ذلك ونقول إفساد العقائد والعادات وفوق ذلك، وها نحن أولاء نتكلم على هذه المدارس كلاماً عاماً ثم نعود فنتلكم على كل واحدة منها بالخصوص مبينين ما لها وما عليها وما يلزمها من أسباب الرقي إنشاء الله تعالى. الأخلاق أول شيء ينتقد على المدارس الأخلاق. وعدم التأدب بالآداب المرضية إذ لا نمتري بأن الكثير منهم أغفلوا ذلك الأمر بتاتاً، والباقون نظروا غليه نظراً ثانوياً، والتفتوا نحوه التفاتاً عرضياً، نعم تواطئوا على ذلك الحكم الجائر واتفقوا عليه حتى كاد أمر الخلاق يعفو ويصبح اسماً بلا مسمى وجسماً بلا روح على أننا نحن نجهر بأن اللوم في ذلك كله لا يجوز حمله على معلمي المدارس والقائمين بإصلاح المعارف فقط بل لابد من وضع قسم كبير منه على عاتق الآباء الأوصياء إذ أن التخلق بجميل الأخلاق لا يمكن إلا بالجود الآلهي أو المجاهدة والتدرب على أفعال أهل الكمال ومرافقتهم والنظر إلى أحوالهم، فإذا كان أقرباء الطالب أو عشراؤه ذووا فساد وشره، فماذا عسى ينفع نصح الناصح، وأي شيء يفيد تعليم المعلم لذلك نقول ما يجب على المعلمين يجب مثله على الأولياء والأقربين وما يؤاخذ به القسم الأول يؤاخذ به القسم الثاني ومن بينهما نخرج التلميذ نجيباً أديباً يطلب

الكمال ويسعى إليه المدرسة يقصد منها بحسب الوضع أمران التعليم والتربية فبالأول يكون الإنسان عالماً مطلق الفكر، لا تعتقد نفسه بنهاية للكمال، يطلب التقدم ما وجد إليه سبيلاً وبالثانية يكون شريف النفس، مهذب الأخلاق، يطلب ما ينفع ويبتعد عما يضره، ويعامل الناس بما يجب أن يعاملوه العلم وحده مجرداً عن الأخلاق يشقي صاحبه أو لا ينفعه ويكون به ممقوتاً بين النسا، فلا يغني عنه علمه شيئاً، خل عنك ما يحدثه من الضرر يوم ينبث صاحبه بين أفراد الأمة ويسعى باسم الإصلاح والإرشاد فمهما تصورت من الأضرار في الأخلاق من جانب الجهل فتصور مثله أيضاً من جانب التعليم الخالي عن الأخلاق وإحيائها إذ لولا فساد الأخلاق لما رأيت الفسق والفحش على مرأى من الأبصار، لولا فساد أخلاق لما رأيت الكذب وهو الصفة الوحيدة في الدلالة على الدنائة فاشياً بين طبقات الناس، لولا فساد الأخلاق لما رأيت الغيبة والبهتان والمداهنة والتعبير والتحقير وتزكية النفس والتكلم بما لا يعني والتنابز بالألقاب والظلم والعجب وقطع رحم الأهل وقطع رحم الوطن وغير ذلك أوصافاً لنا لا تفارقنا ولا نفارقها لولا فساد الخلاق لما رأيت العجلة وسرعة الحكم على الأمور من غير ترو ذائعاً بين رجال الطبقة العليا ومن يؤمل منهم خدمة الوطن لولا فساد الأخلاق لما رأيت منا من يهجر لغة دينه وقومه ويقبل على تعلم لغة أجنبية ليس بينه وبينها صلة ولا نسب، لولا فساد الأخلاق لما رأيت المئات من شبان مدارسنا عاكفين على مسارح الرقص والخلاعة وسائر الموبقات لما رأيتهم يتبرجون تبرج العانيات، ويتثنون تثني الراقصات لما رأيتهم يقلدون الغربيين في الضار من أقوالهم وأفعالهم، لما رأيتهم يدعون الحلف بالله تعالى إلى الحلف بالوجدان، لما رأيتهم يجهلون سيرة سيد الوجود ومن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن بعده من سلف الأمة ويعلمون سيرة نابليون وغيره من ملوك الإفرنجة، لما رأيتهم يؤثرون الحكم الغربية على الحكم العربية، لما رأيتهم يهملون التحية الإسلامية ويحيون بالتحية الأوربية. رأينا أكثر دروس هذه المدارس فلم نر فيها وياللأسف درساً للأخلاق ولا بحثاً للآداب، كأن أمر الأخلاق ليس بالكبير الفائدة، وليست ناشئتنا بحاجة إليه أو كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليتمم مكارم الأخلاق. يخ يخ اهتمام يحسدنا عليه الأخلاقيون، واعتناء يعجب منه الحكماء الراسخون، جهلنا حقيقة مكارم الأخلاق وما يترتب عليها من الفوائد العامة

والخاصة ولو علمنا أن صاحب الخلق الحسن يحي حياة طيبة، يحي فتسعد به أمته ووطنه لأقللنا من تهاملنا ولأدركنا أنا عن أمر الأخلاق معرضون، يكفي من فوائد الأخلاق أن صاحبها لا يجادل ولا يظلم ولا يخاصم، يسع الناس بحمله ويسالمهم بأخلاقه، عكس فاسد الأخلاق، فإن القلم ليمل من وصف مرارة عيشه وسخط الناس جميعاً عليه وبالجملة حسن الأخلاق مدعاة كل خير، وفسادها منشأ كل شر ومن تأمل قول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام (وإنك لعلى خلق عظيم) يعلم ما للأخلاق من القدر والشأن فعلى علمائنا ومحبي الإصلاح منا أن يتكرموا بنشر ما تجود به قرائحهم من فضائل الأخلاق وما لها من المنافع الدينية، والفوائد العمرانية، وعلى رؤساء المدارس بأنواعها أن يتداركوا هذا الأمر العظيم، ويرتقوا هذا الفتق الكبير فيضموا إلى دروسهم هذا الدرس المفيد ويختاروا له معلمين عاملين به، عالمين بطرائقه إذ أن من الجهل الفادح اعتقاد هون المر، وسهولة هذا الخطب حتى نرضى لتربية أحداثنا كل دعي في التهذيب وسالك مسلك المعلمين رؤساء المدارس اتقوا الله في اختيار المعلمين الأخيار فإن ذلك من أهم الأمور وأوكدها والتلامذة عندكم وديعة وأمانة، وقلوبهم الطاهرة جواهر خالية عن كل نقش وصورة قابلة لكل نقش وصورة فإن عودتموهم الخير سعدوا في الدنيا والآخرة وأنتم شركاؤهم، وإلا فأنتم السبب في هلاكهم وإحباط مستقبلهم ياتيكم الطالب من داره وقد طرأ مسمعه آلاف الكلمات البذيئة ورأت عينه أنواع العادات الضارة مما عليه أمه وأخوه، وابن عمه وذووه فيرى من عادات بعض من جعلتموهم أنتم معلمين ما يثبت في نفسه تلك العادات السافلة ويجعلها بحيث توازى السجية وتستحكم استحكام الطبع وهناك البلية العظمى. المعلم الأمين هو الذي يهذب الأطفال بعاداته كما يهذبهم بأقواله نحن لا نعتقد أنا إهمالنا لانتقاء المعلمين الأخيار متى بلغنا أن فلاناً على شيء من المعرفة أو أنه انفرد بإتقان علم من العلوم، أو أن لديه شهادة من بعض المدارس العالية، أو أنه اشتهر بأنه من أصحاب الأفكار نخف إليه مسرعين ونخوله التربع على كرسي التعليم ونسلم إليه مئات القلوب من أولادنا غير ملتفتين إلى أخلاقه وعاداته وميوله وأهوائه رأينا بعض من خولتهم المعارف التدريس في بعض مدارسها يشرب الماء في نهار رمضان عمداً وهو صحيح الجسم بدعوى أن الصيام يجب أن لم يحدث مشقة، وسمعنا أن بعضهم ينكر وجود السموات

وبعضهم يتجاهر بارتكاب الموبقات والمفسدات بل أن بعض مديري المدارس يأمر الطلبة بالذهاب إلى الروايات وما شاكلها ومن ثم يمنحهم من لدنه ورقة تؤذن بالنسبة إلى ذلك المكتب ليؤخذ منهم نصف الأجرة ولا يخفي ما في ذلك من الضرر والأضرار كيف يقوم أمر من أمامه في إعوجاج؟ كيف يبصر من مرشده في عماء؟ كيف يسجد ويركع من معلمه لا يقول بالفقه ولا الفقهاء؟ اللهم أن هذا هو الخذلان المعلم والأستاذ والمرشد والناصح كلمات رشيقة اللفظ. عظيمة المعنى. فالواجب رعاية لمعناها أن يختار لها أئمة عالمون وقادة مصلحون يربون الطلبة بالأعمال قبل الأقوال وما ذلك على أرباب الهمة بعزيز. لها بقية

الانتقاد

الانتقاد الزهاوي يرى في المرأة غير رأي القرأن (3) أما نقص المرأة في الميراث عن الرجل فتتضح حكمته مما يأتي: كان العرب قبل الإسلام يتوارثون بسببين: النسب والعهد أما للنسب فكان خاصاً بالرجال الذين يركبون الخيل ويقاتلون الأعداء ويأخذون الغنائم ليس للنساء ولا للأطفال شيء من ذلك. وأما العهد فهو يشمل صورتين: الأولى الحلف كان الرجل يقول للرجل دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فإذا تعاهدا على ذلك فمات أحدهما قبل الأخر كان للحي ما اشترط من مال الميت والثانية التبني كان الرجل يتبنى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النسب ويرثه ولما جاء الإسلام تركهم في أول الأمر على ما كانوا عليه ثم أبطل التبني لما أباح لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب جحش مطلقة متبناه زيد بن حارثة رضى الله عنه بآية (فلما قضي زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً) وأبطله أيضاً بآيه (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) وبآية (أدعوهم لآبائهم) روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماكنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن (داعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت زيد بن حارثة بن شراحيل. وأبطل العهد بآيات الميراث وبآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وأبطل بآية (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاثنيين) منع توريث النساء على وجه بليغ حيث قال للذكر مثل حظ الانثيين ولم يقل للأنثى نصف حظ الذكر كأنه جعل إرث المرأة مقرراً معروفاً، وإرث الرجل محمولاً عليه، ويعرف بالإضافة إليه، وأبطل بها أيضاً منه توريث الأطفال لأنه أثر اسمي الذكر والأنثى على الرجال والنساء تنصيصاً على استواء الصغار والكبار من الفريقين في الاستحقاق ومن جميع ذلك تعلم أن الإسلام جاء لرحمة المرأة لا لهضم حقوقها كما زعم الكاتب والحكمة في جعل حظ الذكر كحظ الانثيين

هي أن الذكر يحتاج إلى الإنفاق على نفسه وعلى زوجه أما النساء فلا يحتجن إلى المال لأن نفقتهن على ازواجهن ولأن النساء مظنة الإسراف وخصوصاً فيما يتعلق بأمور الزينة والرجال أعلم بقدر المال لعلمهم بمقدار التعب والكد في تحصيله فلا ينفقونه إلا في محل الحاجة إليه غالباً بخلاف النساء وله حكم كثيرة لا تخفى على الفطن. (وقد بلغ بنا الحديث إلى مسئلة الحجاب) الحجاب أس فضائل النساء، وعليه يرتكز جميع مالهن من حياء وصيانة وعفة وأمانة ولولاه لبقيت هذه الأسماء قليلة المسميات في أخلاق النساء ومن ذا ينكر أن اجتماع النساء والرجال في مكان واحد خصوصاً بلباس الزينة الذي يستحيل أن تخرج أو تختلط المرأة بدونه يحدث تيار غرام لا يقطعه في الغالب إلا الوصال فإن الإنسان ليس في وسعه مغالبة شهواته بالوازع العقلي ولا بالوازع الديني إذا أبيح ترك الحجاب على هذا المبدأ الشريف [الحجاب] بني حياء المرأة وغيرة الرجل ومتى أبيح تركه تعودت المرأة على عدم التأثر بعاطفة الحياء الذي هو من أشرف خصالها واعتاد الرجل على أن لا يبالي بنظرات الأجانب ومغازلة الأباعد والأقارب، مما يضعف وصف الغيرة فيه. ولا يظنن ظان أن تعليم النساء يكفل لنا صونهن فإن التعليم مهما بلغ ليس بقادر أن ينزع من الرجل والمرأة ما جبلا عليه من انعطاف كل للآخر ذلك الانعطاف الفطري فكان من رحمة الله بالبشر أن شرع الحجاب ولولاه لوقعت الفوضى في النساب تلك مقدمات تكاد تكون بديهية في نظر العقل ولا ينكر أحد ما لترك الحجاب من المضار العظيمة إلا رجل محجوب عن النظر لهذا المجتمع البشري وحوادثه. فإن في أحوال الأمم التي اعتادت الابتذال عظة لقوم يعقلون مع كل ما للحجاب من الفوائد الدينية والأدبية نرى بعض جهلاء الكتاب ينسبون له من المضار كثيراً مما يوحي به إليهم شيطان الغرور حتى كادوا لا يتركون في معاجم اللغة لفظاً يدل على مفسدة إلا الصقوه بهذه الفضيلة وقد ذكر الكاتب طرفاً من ذلك ومن رأينا أن لا نتكلف الرد عليه في ذلك فإن الوقت أجل من أن يصرف في رد مثل هذه السفاسف البديهية البطلان إنما نبين الحق في مسئلة الحجاب مستمدين من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (وماذا بعد الحق إلا الضلال).

مسألة التلغراف

مسألة التلغراف (وخلاصة القول فيها) اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه منذ أيام علمنا أن العالم الفاضل الشيخ جمال أفندي القاسمي نشر في عدد (500) من المقتبس مقالة تحت عنوان (بشرى علمية) أبان فيها صحة العمل بالتلغراف وجواز الاعتماد عليه وقوى فكرة ذلك بنقله عن فئة من أهل العلم أقاويل قال أنها تقتضي جواز العمل به ولما كانت هذه المسئلة من المسائل ذوات البال أجبنا أن نبين اعتقادنا فيها مستندين في ذلك لما عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها رجاء أن يتمحص الحق وينكشف عن وجه الحقيقة النقاب وقبل القول في ذلك نقدم بين يدي مقالنا جملة نبين فيها فضل الشهادة ومقدارها من الدين ليعلم القراء أي بحث يبحثون، وفي أي حديث يخوضون، قال الله تعالى (ي أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين أن يكن غنياً أو فقير فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وأن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعلمون خبيراً). وقال (وأقيموا الشهادة لله) وقال (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث خريم ابن فاتك قال صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما انصرف قام قائماً فقال (عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات) ثم قرأ (فاجتنبوا الرجس من الوثان واجتنبوا قول الزور) فعلم بهذا أن الشهادة من الأمور العظيمة في الإسلام ولها في الدين المرتبة الأولى ويكفي أم أكثر أحكامه يتوقف عليها فلو أردنا عدم العناية بها وبعبارة ثانية حل عقدتها لكنا بذلك هادمين لأكثر أحكام الدين ومعطلين قسماً كبيراً من مسائله وبهذا يظهر لك سبب عناية العلماء رضي الله عنهم بها وإليك شيئاً من كلامهم المؤيد بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبه تعلم فساد الاعتماد على التلغراف (قالوا) شرط الشاهد أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً ناطقاً عدلاً عالماً بما يشهد به لا يجر بتلك الشهادة منفعة إلى نفسه ولا يدفع مضرة عنها ولا يكون معروفاً بكثرة الغلط ولا بترك المروءة ولا يكون بينه وبين من يشهد عليه عداوة والأصل في هذا قول الله تعالى (واستشهدوا شهدين من رجالكم) قال ابن جرير يعني بذلك جل ثناؤه واستشهدوا على

حقوقكم شاهدين يقال فلان شهيدي على هذا المال وشاهدي عليه وأما قوله (من رجالكم) فإنه يعني من أحراركم المسلمين دون عبيدكم ودون أحراركم الكفار وقوله سبحانه (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء يعني سبحانه فإن لم يكونا رجلين فليكن رجلاً وامرأتين على الشهادة وقوله ممن ترضون من الشهداء يعني من العدول المرتضى دينهم وصلاحهم وعلل كون المرأتان بمقابلة الرجل الواحد بقوله سبحانه (أن تضل إحداهما نتذكر إحداهما الأخرى) أي لا تهتدي إحداهما للشهادة بأن تنساها الغلبة الرطوبة على مزاجها فتذكر إحداهما الأخرى وقوله سبحانه (واشهدوا ذوي عدل منكم) أي من المسلمين (وأقيموا الشهادة لله (أي لوجهه خالصاً وذلك أن يقيمها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه ولا لغرض من الأغراض كجلب نفع ودفع ضر ذاتيين وقوله صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة (ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت فهذا صريح بأن أمر الشهادة مبني على اليقين التام. خال عما يوجب الالتباس أو يوقع في الشك ولذلك ألغى الإسلام شهادة الصبيان ولو مميزين مسلمين لضعف إدراكهم الموجب للشك في كلامهم وهو مناف ليقين الشهادة ومنع شهادة الكافر على المسلم للشك في صدقه، ومنع شهادة النساء فيما لا يعلمنه عادة ولو مسلمات بالغات عاقلات للشك في كلامهن أيضاً بسبب ضعف إدراكهن بالنسبة للرجل ومنع شهادة مرتكبي الكبائر ومن عرفوا بالخيانة والسفه للشك أيضاً في أدائهم الشهادة خالصة والشك كما تقدم ينافي في ما بنيت عليه الشهادة من اليقين ويوجب الالتباس في الأحكام. فكيف يجوز لنا العمل بالتلغراف وهو آية الشك وسبيل الالتباس بل أن المخبر الذي لم يستوف شروط الشهادة لم يعتبره الشرع وألغى كلامه مع انه أقوى خبراً من التلغراف لا محالة إيضاح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الشرع الطاهر سئل عن الشهادة فقال للسائل (هل ترى الشمس قال نعم قال صلى الله عليه وسلم على مثلها فأشهد أودع) فهل التلغراف يوجب اليقين ويزيل الالتباس والاحتمالات بحيث يجعلها كالشمس الواضحة أم لا؟ الصغير قبل الكبير والجاهل قبل العالم والناس أجمعون يقولون (لا) أفبعد هذا يجوز لنا أن نبني أحكام ديننا على التلغراف كم وقع الناس في حيرة بسبب التلغراف؟ كم فهموا عكس المعنى المراد.

ورد لبعضهم تلغراف هذا نصه (والتك مريض جيدة) فقام صاحبه وقعد، وبكى واستبكى ووقع في أشد الحيرة ولم يدر أوالدته مريضة أم صحيحة وورد لآخر تلغراف نصه (احضروا مهرة) وصوابه حضر فلان الفلاني ولآخر (قدموا كميه) وصوابه كمأة ولغيره قدموا قازمات وصوابه بقسماط وسئل بعضهم عن سعر العناب فقرأه من التلغراف القناب وظنه القنب فأخبر السائل أن سعر الرطل قرش 9 فاشتري جملة خسر بها ستين ليرة ولبعضهم (قيصري أحضر كذا) وصوابه (نص أحضر كذا) إلى غير ذلك مما لو أردنا استقصاء لأدى بنا إلى الخروج عن المقصود فثبت بهذا أن القول بأن التلغراف من الأمور اليقينة لا يصح وأن الإدعاء بأنه بنية والبينة ما يبين الأمر ويوضحه في غير محله أيضاً لما علمت ما فيه من الاحتمالات بل قد يكون مغايراً للحقيقية وقد لا تمكن قراءته البتة على أن دعوى أنه بينة وأنه داخل في كلام ابن القيم غير مسلمة لأن البينة على فرض تسليم كلام ابن القيم ما يبين الأمر ويوضحه لا ما يوجب فيه الشك والالتباس هذا الإمام أحمد الذي كان ابن القيم من اتباعه لم يجوز الشهادة على المرأة حتى ينظر إلى وجهها لاحتمال اشتباه صوتها فكيف نقول أن كلام ابن القيم يشمل التلغراف وفيه ما علمت اللهم علمنا مدارك التأويل وفهمنا أسرار الشرع والتنزيل هذا وليعلم أن إثبات هلال رمضان والشهادة وغيرهما من الأحكام لا يكون بالتشهي (والتطبيق على كثير من الأمور المتجددة في العمران) ولا بالأقيسة الباطلة وغيرها بل بما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فالتساهل في الشهادة وقبولها من أي إنسان كان بل من آلة صماء كالتلغراف غير ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد ثبت أن سيدنا عمر وهو من هو في الدين دعا الشهود من الكوفة إلى المدينة ولم يكتف بمجرد الأخبار عنهم مع أنه أقوى من التلغراف وكان في وسعه أن يكاتبهم ويتأكد الخبر عنهم ولكن لما كان أمر الشهادة يجب أن يكون خالياً من الاحتمالات كما قدمنا عدل رضي الله عنه لإحضارهم إليه المفيد لليقين التام بقي هنا أن الكاتب الفاضل قوي فكره كما قدمنا بنقله حججاً ثمانية قال أنها تفيد صحة العمل بالتلغراف والصحيح غير ذلك لما أن إبلاغ محافظة القاهرة قاضي مصر بأن قاضي مركز الدار حكم بانسلاخ رمضان استناداً على من راى الهلال ثم وتلقيه أي قاضي مصر تلغرافاً آخر من قاضي محكمة قنا بالمعنى نفسه لا يكون موجباً لرضائه بذلك وحكمه به

بدليل استفتاءه مفتي مصر وبقاءه بعد ذلك متردداً وكذلك نقل مفتي مصر فتوى الشيخ العباسي لا يكون فتوى لأنه حكاية حال ماضية ومثله حكم قاضي (مركز الدار) وقاضي (قنا) لأنهما بنياه على شهادة من رأي الهلال ثم ولا دخل لهما بفتوى التلغراف وإدعاء أن الشيخ عبد الباقي الأفغاني الحنفي أفتى بذلك سيظهر لك بطلانه وذلك أنه أي الشيخ عبد الباقي بعد أن بحث في خبر التلغراف واستظهر اعتباره كحكم الكتاب أو كحكم الساعة المجربة قال ويمكن أن يكون حكمه كحكم الواحد وفرع على ذلك اعتباره في بعض حقوق العباد وعدم اعتباره في أخرى ثم صرح في آخر كلامه على مسئلة إثبات هلال رمضان تصريحاً لأشبهة في أنه خلاف ما فهم وأفتات عليه الكاتب الفاضل وها نحن أولاء ننقل لك عبارة الرسالة لتعلم ما فيها قال يعتبر السلك ويجعل حكمه كحكم الكتاب ثم قال ويجوز أن يكون حكمه كحكم الساعة المجربة ويمكن أن يكون حكمه كحكم أواحد فيعتبر خبره في بعض حقوق العباد كالحقوق التي لا إلزام فيها أصلاً كخبر الوكالة والمضاربة والرسالة في الهدايا ونحوها من الودائع فإنه لا إلزام فيها على أحد بل مختار بين أن يقبل الوكالة وبين أن لا يقبل فهذه الحقوق وأمثالها مما لا إلزام فيه على أحد كما تثبت بخبر الواحد كيفما كان ذلك الواحد كذلك تثبت بخبر السلك إلى أن قال وأما الحقوق التي فيها إلزام محض كخبر إثبات الحق على أحد في الديون والأعيان المبيعة والمرتهنة والمغصوبة فتشرط فيها سائر شرائط الأخبار من العقل والعدالة والضبط والإسلام مع العدد ولفظ الشهادة والولاية ثم قال بخلاف خبر السلك فإنه لا يقبل في هذه الحقوق وأمثالها التي فيها إلزام لأنه فاقد للشرائط المذكورة ثم قال وإما الحقوق التي فيها إلزام من وجه دون وجه كخبر عزل الوكيل وحجر المأذون فيشترط فيه أحد شطري الشهادة عند أبي حنيفة رضي الله عنه أعني العدد أو العدالة وعندهما لا يشترط فيه شيء ثم قال ففي هذا النوع من الحقوق لا يقبل خبر السلك على ما ذهب إليه الإمام ويقبل على ما ذهب إليه صاحباه ثم نص على مسئلة هلال رمضان بخصوصها فقال ولا يعتبر خبره في صيام رمضان وأن كان خبره خبر الواحد لاشتراط الشهادة فيه وهو ليس من أهل الشهادة فلا يجوز للقاضي أن يحكم بصيام رمضان بخبره بل لابد لإثباته من عدل واحد يشهد بروية هلاله ذكراً كان أو أنثى هذا عندنا وكذا عند الشافعي رضي الله عنه في أصح قوليه والعدل عنده لابد أن يكون ذكراً حراً إلى أن

قال هذا عندنا يوم العلة في السماء كالغيم والغبار ونحوها وأن لم يكن بالسماء علة فيشترط جمع عظيم لرمضان وللفطر يقع العلم بخبرهم وقيل أهل المحلة وعند أبي يوسف خمسون رجلاً والاكتفاء باثنين رواية عن أبي حنيفة رضى الله عنه وبه قال ملك والشافعي في قول وعند أحمد يكتفي بعدل والأضحى كالفطر فلا يثبت إلا بما ثبت به الفطر إلى آخر عبارته. فأنت ترى أن الشيخ عبد الباقي الأفغاني صرح بعدم اعتبار السلك في ثبوت هلال رمضان والفطر ومنه تعلم مبلغ الوثوق بما ينقله ذلك الكاتب الفاضل عن العلماء الأعلام إذ لو لم تكن رسالة الشيخ عبد الباقي مطبوعة لكنا في حاجة إلى التسليم بما قاله الكاتب الفاضل من نسبة جواز أمر شرعي لمن يصرح بمنعه وبم نعذر الكاتب الفاضل بعدما رأيت أن عبارة الشيخ عبد الباقي صريحة بضد ما أفتات عليه لا تحتمل تأويلاً، ولا تقبل تحويلاً، ومتى كان العلم يؤيد بالتشهى؟ كان سلفنا رضى الله عنهم يعتنون بضبط لفظ من ألفاظ اللغة العربية أكثر من اعتناء هذا الكاتب الفاضل بنقل حكم من أحكام الشرع. وقوله أن الشيخ العباسي أفتى بذلك باطل أيضاً وهذا نص فتوى الشيخ المذكور قال رحمه الله وما يستفاد بالتلغراف من الأخبار بثبوت هلال رمضان الظاهر أنه ينزل منزلة خبر الواحد بإثبات هلال الصوم أو الفطر فلا يكون موجباً على القاضي الحكم بذلك وإلزام الناس بموجبه غاية الأمر أن وقع في قلبه صدق هذا الخبر يلزمه الصوم فإذا ضربت المدافع بناء على هذا الخبر التلغرافي فحكم سامعها كحكمه هذا ما ظهر لي والله أعلم فمن تأمل هذه الفتوى أيضاً بإمعان يظهر له أن الشيخ العباسي ممن يمنع إثبات هلال رمضان أو الفطر بخبر التلغراف وذلك لأنه نزل خبر التلغراف منزلة خبر الواحد ومعلوم أن خبر الواحد لا يثبت به هلال رمضان ولا الفطر إذا كانت السماء مصحية بل يشترط وقتئذ الجمع العظيم فوجب حمل كلام الشيخ العباسي على ما إذا كان في السماء علة وفي قوله فلا يجب على القاضي الحكم بذلك تأييد لما ذكرنا لأن خبر الواحد في حالة الصحو لا يجوز الحكم به وإشعار بأن خبر التلغراف منزل منزلة خبر الواحد الغير العدل لأن خبر الواحد العدل فيما إذا كان بالسماء علة يجب على القاضي الحكم به فثبت بهذا أن الشيخ العباسي يمنع إثبات رمضان بالتلغراف في حالة الصحو وغيرها وقصارى ما يصح أن ينسب إليه استظهاره تنزيل التلغراف منزلة خبر الواحد غير العدل والحكم على من صدقه

بالصوم وتمسكه بفتوى الشيخ عليش لا يصح أيضاً وإليك نص عبارتها سئل رحمه الله بما قولكم في حادثة في سنة إحدى وثمانين هي أنه بعد صلاة الجمعة حضر خبر من الشام في التلغراف لبعض الثغور بأنه ثبت في الشام رؤية هلال رمضان ليلة اليوم الحاضر يوم الجمعة فأفتى مفتيه بالعمل بهذا الخبر والحكم بثبوت الشهر في ذلك الثغر وحكم قاضيه بذلك تمسكاً بقول بعض حواشي التنوير الظاهر أنه يلزم أهل القرى بسماع المدافع أو رؤية القناديل من المصر لأنها علامة ظاهرة تفيد غلبة الظن بثبوته عند قاضي المصر وغلبة الظن حجة موجبة كما صرحوا به واحتمال كون ذلك غير رمضان بعيد إذ لا يفعل مثل ذلك عادة ليلة الشك إلا لثبوت رمضان. ولما سمع ذلك بعض علماء القطر الشامي عارضوا ذلك غاية المعارضة وردوا الفتوى المذكورة قائلين بعدم جواز الحكم بثبوت رمضان بناء على ذلك مستدلين بعبارة من الكتب المحررة فهل يعول على الفتوى المذكورة أو على قول المعارضين أفيدوا الجواب (فأجاب بما نصه) الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله يعول على الفتوى المذكورة لأن سلاطين المسلمين وضعوا التلغراف لتبليغ الأخبار من البلاد القريبة والبعيدة في مدة يسيرة جداً وأقاموا لأعماله أشخاصاً مسلمين وأنفقوا على ذلك أموالاً جسيمة واستغنوا به عن السعاة وإرسال المكاتيب غالباً فصار قانوناً معتبراً في ذلك يخاطب به السلاطين بعضهم بعضاً في مهمات الأمور وتبعهم الناس إلى آخر ما قال فمن تأمل بعين التحقيق نص السؤال والجواب ير أن تمسك من أفتى بالجواز بقول بعض حواشي التنوير الظاهر أنه يلزم أهل القرى بسماع المدافع أو رؤية القناديل الخ تمسك بلا تفقه لأن جواز الاعتماد على نحو القناديل والمدافع معلل بإطلاع عموم الناس عليها وسماعهم لما مع توفر الدواعي على الإنكار ولذلك أفادت غلبة الظن ولا كذلك التلغراف لانتفاء جميع ذلك فيه بل من المشاهد يومياً خطؤه في الأخبار كما أسلفنا الموجب وقوع الريب فيه البتة ولعدم صحة هذا التمسك عدل عنه الشيخ عليش إلى تعليل آخر سترى بطلانه وهو قوله (لأن سلاطين) الخ إذ لا يخفى عليك أن هذا التعليل لا ينهض دليلاً على مدعاه وكيف يستدل بأن سلاطين المسلمين اعتمدوا عليه في مخابراتهم وينسى أنهم لم يعتمدوا عليه في المسألة نفسها إذ لو اعتمدوا عليه بها لكان إثبات رمضان في عاصمة الخلافة الإسلامية وتبليغها الخبر بذلك

المتفرقات

على لسان البرق إلى سائر الولايات مغنياً عن تحمل مشاق الإثبات في كل بلدة ولم يثبت أنهم من زمن حدوث هذه الآلة إلى يومنا هذا فعلوا ذلك مما دل على عدم اعتمادهم إياه أيد الله دولتهم بتأييده ونقله عن العلامة الشيخ محمد الشطي الحنبلي باطل أيضاً إذ على فرض تسليم عبارته ليس فيها تنصيص على إثبات هلال رمضان أو الفطر بل مفادها جواز العمل به في العقود ومسألتنا ليست من العقود في شيء وقد انتهينا من الرد على الكاتب الفاضل وربما زدنا المسألة بياناً وإيضاحاً على إعدادنا الآتية إن شاء الله تعالى. المتفرقات تشطير بيتى أبي العتاهية في الصديق المندرجين في العدد الثاني من هذه المجلة ص (68) صديقي من يقاسمني همومي ... ويطرح بي مقالة كل شاني ويرغب في امرئ يرعى ودادي ... ويرمي بالعداوة من رماني ويحفظني إذا ما غبت عنه ... ولا ينسى أو يقات التداني ولا أخشى بوادره بجرمي ... وأرجوه لنائبة الزمان الكائنات جريدة جديدة يصدرها مرتين في الأسبوع متوقتاً حضرة الكاتب اللوذعي الفاضل أديب أفندي نظمي تصفحنا ما صدر منها فوجد طافحاً بالآراء الإصلاحية، والنبذ الأدبية مما يجمع بين الفائدة واللذة، ولا غرو ف [الأديب] معروف فضله، مشهور أديه، وفي سيرته القلمية والأخلاقية ما يضمن لنا بقاءها طويلاً سارية على سنن الرقي جاعلة الاعتدال رائدها والحقيقة وجهتها إن شاء الله تعالى. خطاب خطاب ألقاه حضرة الأستاذ الفاضل الشيخ صالح أفندي الشريف في جمعية الإيرانيين التي أقيمت في الاستانة العلية بمحضر من أفاضل العلماء وأكابر الكتاب والوجهاء: بسم الله الرحمن الرحيم

معاشر الإسلام: إن العقل ليندهش وأن النفس لتحتار وإن العين لتحمد وأن اللسان يلجم من هذا المشهد المزعج الذي تجلى على العالم الإسلامي ذلك العالم الذي كان تميل الدنيا حيث يميل وتضطرب حيث يضطرب وتسكن حيث يسكن. ذلك العالم الذي مثل في البشر الحكمة. مثل فيه العلم. مثل فيه الطهارة. مثل فيه العدل. مثل فيه الشهامة والمرؤة وإباء الضم. مثل فيه عزة النفس. مثل فيه الشجاعة. مثل الاتحاد. مثل الاستعداد والتيقظ. مثل الجود وبذل المال والنفس في إعلاء شأن الدين والملة والوطن. ما هذا الانقلاب المهول الذي نزل به؟ ما هذا المنظر الأسيف المحزن الذي غشيه. أن النفوس لصعق من هذا التجلي الجلالي وإن الأكباد لثتفثت والعيون لتسيل دماً أسفاً وحزناً عليه وأن فلاسفة العمران لتقف محتارة في سببه وتشخيص الداء الذي أصيب به وأصابه الدواء الشافي له. ولكن الجواب عن ذلك عندكم يا أمة الإسلام مسطور والداء مشخص والدواء موصوف قبل ألف وثلثمائة سنة ونيف وأنتم عنه غافلون أو متغافلون أما الجواب فقد أخبركم به من لا ينطق عن الهوى بقوله (يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها قال قائل ومن قلة ذلك يا رسول الله قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت). أي أمة محمد! لقد تحقق وحي نبيكم صلى الله عليه وسلم بكل معناه فيكم وها أنتم متهافتة عليكم الأمم تهافت الجياع على القصاع. وهاأنتم بعدما كانت عداؤكم باسمكم يسكتون صبيانهم وبذكر كم ترتعد فرائص ملوكهم وتنذهل قلوب صناديدهم. قد نزعت مهابتكم من قلوبهم واستبدلت بهذه الدرجة من الاستخفاف بكم والتهاون بيضتكم وجامعتكم. أي أمة الإسلام! هاأنتم بعدما كنتم مثال الشهامة والشجاعة والفتوة والأعراض عن زخارف الدنيا وسفاسفها والاشتغال بالجديات وبذل النفس والمال في سبيل الله والدفاع عن بيضتكم وإعلاء شأنها واستعذاب الموت دون ذلك. حل بكم حب الدنيا والانهماك في لذائذها السافلة والانغماس في شهواتها القتالة وكراهية

الموت الجسماني والرضا بالذلة والهوان والإقامة على الخسف الذي هو في الحقيقة الموت الأبدي هذا سبب ما حل بكم وهذا جواب سؤالكم. سبب ما أحل بكم الوهن. الشح بالنفس والمال عن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن بيضتكم ووطنكم وحريمكم وذراريكم. وما هو هذا الشح يا ترى؟ هو حب الدنيا وكراهية الموت. أن فلاسفة الأخلاق قاطبة لو اجتمعوا ليشخصوا سبب ضعف الأمم الجوهري لما أمنكنهم أن يتعدوا معنى الوهن. ولو أرادوا أن يعرفوه تعريفاً جامعاً مانعاً لما خرجوا عن قولهم حب الدنيا وكراهية الموت. ليس المراد بحب الدنيا المذموم الوهن للأمم والمنهك لقواها السعي ورائها والكد والجد في تحصيلها لإقامة شؤون الله في عالم الله كلا ثم كلا! فقد قال مرشدكم الأعظم صلى الله عليه وسلم، نعم مطيه الدنيا الآخرة وقال المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. وقال الله تعالى: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين. فهل هناك تحريض على جمع الدنيا من حلها لإقامة شؤونها الناجعة التي ترضى الله ورسوله وترضيكم من هذا. بل المعنى من ذلك الترامي عليها وجمعها بغير الطرق المشروعة والإسراف في لذائدها والأعراض عن النفقة في الجديات وسبيل الله وسبيل ما يعلو شأننا به. أما تشخيص دائكم الذي حل بكم بسبب هذا الوهن. فهو تفرقكم وإهمال شؤونكم. أي أمة الإسلام! ما هذا التفرق؟ ما هذا التدابر ما هذا التخاذل؟ أليست عقيدتكم واحدة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر فما هذا التفرق؟ أليست أخلاقنا واحدة وهي الائتمار بالعدل والإحسان وأبناء ذي القربى والبعد عن الفحشاء والمنكر والبغي. فما هذا التشتت؟ أليست أدابنا واحدة وهي التأدب بآداب رسول الله الحكيم الرباني عليه السلام وواحد حكماء الوجود بشهادة القريب والبعيد والعدو والصديق. فما الذي يباعد بيننا؟ أليست صوالحنا واحدة؟ وهي التعاون على البر والتقوى وترك الإثم والعدوان. فما الذي يفضل بيننا؟ أليس معبودنا واحداً؟ أليس رسولنا واحداً أليس كتابنا واحداً. أليست

قبلتنا واحدة. أليست كلمتنا واحدة. فمن أين يدخل الفساد بيننا. أي أمة الحبيب! قد هداكم خالقكم وبارئكم إلى أن بينكم وشيجة رحمين رحم البشرية ورحم الإيمان. قال كتابكم الحكيم. يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم. هذا رحمكم الإنساني وقال تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم إنما المؤمنين اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. هذا رحمكم الإيماني فاتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيباً. أي أمة أبي القاسم: أي خلف ذلك السلف الطاهر. أي نابتة أولئك الرجال. أي ناشئة أولئك الأبطال. ما هذا التهامل ما هذا الاستخفاف بدينكم؟ ما هذا الزهد في حريمكم وذراريكم ووطنكم. ما هذا التهاون بالأخطار المتراكمة عليكم. أين استعداد أسلافكم. أين تيقظهم. أين حذرهم. أين خروجهم من كل أموالهم للجهاد في سبيل الله. أين تقديم أفلاذ أكبادهم وتضحيتهم أرواحهم للدفاع عن حوزتهم وحوزة الله وإعلاء كلمة الله في ملك الله. فكأنكم ماسمعتم قول الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. فكأنكم ماثلي عليكم قول الله تعالى: خذوا حذركم! فكأنكم ما أمركم كتابكم بقوله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي تبرك الإنفاق من أموالكم. أي أمة الإسلام! هذا انتخاذل وهذا الإهمال والتهاون هو دائكم الوحيد وسببه الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت. فما هو الدواء يا ترى؟ الدواء الوحيد والترياق الناجع من دائكم الدفين هو اتحادكم واستعدادكم. ترياقكم الوحيد تعارفكم. ترياقكم الوحيد تكاتفكم وتعاضدكم ترياقكم الوحيد أن يأخذ كل واحد منكم جماعات ووحدانا بساعد الآخر حتى تكون واحد كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. دوائكم الناجع. أن تكونوا أمة واحدة كالبنيان المرصوص أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص. المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.

دوائكم الناجع. أن تنزعوا حب الدنيا حب الدنيا من قلوبكم فثبذلوا جميع أموالكم في سبيل الله وسبيل الاستعداد لما يرضي الله وأن تسثعذبوا الموت أمام الذب عن حوزتكم وإعلاء كلمتكم فثبذلوا أروحكم في الدفاع عن وطنكم والجهاد في سبيل الله. دوائكم الناجع. أن ترجعوا إلى دينكم وتعلموا بنصائحه. فقد قال لكم: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. حبل الله المتين هو الجماعة وقد قال المرشد العظم صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة هي معية توفيق. معية عصمة. معية معونة. وقال: يد الله على الجماعة هي علاوة حرز علاوة رعاية وصيانة. الجماعة موفقة. الجماعة معصومة. الجماعة في حصن حصين محفوظة ومصونة. عليكم بها أي أمة الحبيب! أسرعوا إليها إسراع الظمآن إلى الماء الزلال فروا إليها فرار الصبي من الأسد إلى أمه وأبيه! نادوا بها وأجيبوا إليها بدون تفكر بقلوبكم ولا فترة في أبدانكم ولا تلعثم في ألسنتكم. البدار البدار! فقد ضاق الوقت واشتد الخناق. قال ربكم الأعلى ترجمة عن المؤمنين الصادقين: يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لأئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد قال تعالى (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون. أي أمة الإسلام! إن ما كان فرضاً كفائياً عليكم قد صار فرضاً عينياً على كل كبير وصغير وغني وفقير وضعيف وقوي ورجل وامرأة فانفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء. أي أمة الإسلام! فلتعلموا وليعلم العالم البشري اجمع. أنكم جسم واحد وأن كل طائفة من الإسلام هي عضو منك إيها الجسم الشريف وأن من أعظم أعضائك الرئيسة أمتك الإيرانية. كيف لا وهي أمة العلم كيف لا وهي أمة الحكمة. كيف لا وهي أمة المدنية. كيف لا وهي أمة الشهامة والمروءة والشجاعة. كيف لا وهي من أقدم أمم العالم أصالة وعرافة مجداً وإسلاماً. كفاها فخراً أن لسانها عذب البيان. كفاها شرفاً قول سيد الوجود في حقها لو كان العلم في الثريا لنالته رجال فارس أو كما قال.

هي درة في تاجك إيها الإسلام! فهل يرضى أحد من المسلمين أن يمس ما هو من أعظم أعضائها الرئيسة بأدنى سوء كلا ثم كلا. أي أمة الإسلام! إن شعبكم العثماني المصون بالله نسبته منكم نسبة الرأس من الجسد والقلب من الصدر. فهل يرضى أن يخدش أحد أعضاء جسمه الرئيسة بأدنى خدش سيما من كان مثل الأمة الإيرانية العزيزة المقداة بأرواح إخوانها المسلمين؟ وهل يرضى رأس أن تنفصل منه عيناه؟ وهل يرضى قلب أن يمس في سويداه؟ كلا ثم كلا. أيها الشعبان الكاملان الشريفان العمدتان للإسلام الخوان الشقيقان أروحان في جسد واحد! تصافحوا. تعانقوا. تمازحوا. كونوا روحاً واحدة. قلباً واحداً. سمعاً واحداً. بصراً واحداً. رجلاً واحدة تسعى وراء صالح واحد يداً واحدة تبطش بكل من أرادها بسوء بقوة واحدة فلتكن ذراريكم واحدة وليكن خريمكم واحداً وأموالكم واحدة ووطنكم واحداً وأعراضكم وناموسكم وشرفكم واحداً وقوموا للدفاع عن حوزتكم قومة رجل واحد. أيها الشعبان المجيدان الخوان الشقيقان! أن أحد الشقيقين وأن كان ينسب بيته إلى نفسه عند تدبير الضروريان الداخلية. لكن عند أدنى حادث أجنبي يصير البيتان بيت العائلة والحريمان حريماً والأخوان الشقيقان رئيساً العائلة كلها. فليكن رجال الشعبين هما الشقيقان ولتكن بقية الشعبين هي العائلة. فهيا بنا يا رجالنا لننفر خفافاً وثقالاً ونجاهد في سبيل الله بأموالنا وأنفسنا فيها بنا يا رجالنا لنسير القدم بالقدم جاعلين ذرارينا ونساءنا وراء ظهورنا باذلين أموالنا وأرواحنا بين أيدينا. حاملين أكفاننا إعلاماً فوق حرابنا فإما أن نعز اوطاننا ونعيش عيشة رضية أو نواري حريمنا وذرارينا التراب ونموت في سبيل الله شهداء. تلك الموتة الشهية الرضية المرضية قال ربكم الأعلى: قل هي تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بإيدينا. إيها الشعب الإيراني الباسل المفدي بالأرواح! احملوا علمائكم على التطواف في كل أرجائكم ليفهموا عامتكم وخاصتكم قرويكم وبدويكم نسائكم ورجالكم وصبيانكم الخطر الذي اسدق بكم وحلق عليكم وأن لم يتدارككم ربكم بلطفه وتتنبهوا من ثباتكم ليطمكم (لا قدر الله ذلك) وقظو الشعب قاطبة أن يقف أمام هذا الخطر بنفوس ملئها الشهامة. بقلوب ملئها

الثبات والشجاعة. برؤس ملئها الحكمة والتدبير. فهموا الشعب كله أن يسكن تمام السكون في داخله ويشتغل بما يعنيه حتى لا يجد العدو إليه سبيلاً. حرضوهم على أن يجعلوا كل أموالهم ما عدا ما يسد الرمق ويحفظ الحياة الجسمانية رأس مال في سبيل الله ربحه وطنهم. ربحه دينهم. ربحه حريمهم وزراريهم وناموسهم ووضا ربهم. ذكرووهم بقول الله تعالى: يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب إليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله أموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون بغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين. بصروهم بعاقبة سوء التفاهم الذي أسسه بعض أرباب الغايات السافلة انفخوا فيهم روح الاتحاد والاستعداد والترقي حسب تعاليم دينهم. فليقف الشعبان في صعيد واحد ماسكاً اليد باليد. كاشر الأنياب متحفزاً للوثوب على كل من ناوأه أو أراد عرقلته عن رقيه. ماداً يده. باسماً في وجه كل من ساعده أو كف عنه شره في الأقل. قال ربكم الأعلى ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين لا ينهيكم الله عن الذي لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين إنما ينهيكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون. هذا هو الدواء الناجح يا أمة: أي سادة: أني عبد ضعيف أدنى واحد في الأمة الإسلامية لكني أعلم علم اليقين قول فخر الكائنات: إلا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلوة والصدقة إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة وقال المؤمنون تتكافأ دمائهم يسعى بذمتهم أدناهم يد واحدة على من عاداهم. فها أنا أحمل ذمتكم الشريفة أيها الشعبان الحكيمان الخبيران بكل تجلة وعظام. احملها باسم الرحمة المهداة عليه السلام. أحملها باسم فاطمة الزهرا أحملها باسم زوج

البتول وابن عم الرسول أسد الله الغالب علي ابن أبي طالب أحملها باسم جدي الحسن أحملها باسم عمي الحسين أحملها باسم الأئمة الاثني عشر أحملها باسمكم يا أهل بين رسول الله أمان الأرض في هذا الدهر وأقول على بركة الله: قد اتحد الشعبان اتحاداً خاصاً وتعاقدوا على ما يعلي شأنهم وشأن ملتهم ودينهم ووطنهم. وهاتان اليدان القاصرتان العاجزتان وحدهما القويتان المتينتان العزيزتان بالله ثم بكما. أيها الشعبان الشريفان. قد نابنا عنكما في تلك المبايعة ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً. أختم كلامي بجملة مناسبة لما أفاض فيه وأجاد صديقنا الشهم الغيور الخطيب المصقع فضيلة عبيد الله صاحب جريدة العرب مبعوث آيدين من مسئلة مصر ومراكش بين إنكلترا وفرنسا فأقول إن تلك القسمة هي أول قسمة ثنائية ولدولة بريطانيا فيها السهم الأوفى حسب وهم القاسمين. وهذه القسمة المرموز إليها بتهديد إخواننا الإيرانيين هي القسمة الثانية الثنائية أيضاً. ولدولة إنكلترا في زعمها القسم الأول لكن يجب على العالم البشري اجمع ولي الخصوص الأمم المهضومة الحقوق المهجوم عليها أن تنظر في هذه القسمة وتدقق النظر فيها أتم تدقيق وتتيقظ لخطرها ولتعلم أنها أن تمت (لا قدر الله) وإن تتم إن شاء الله حتى يلج الجمل في سم الخياط وحتى لا يبقى متنفس من الإسلام ولا ذرة تتحرك منه فستكون مقدمة لقسمات آخر لكنها ثلاثيات. أولاها لمملكتنا المصونة معاشر العثمانيين ثانيها لمملكتكم أمة الجابونيين ثالثها لمملكتكم أمة الصينيين خاتمتها لمملكتكم يا شعب الألمانيين فإنكم في نظر هؤلاء الساعين في استعباد العالم كله ملحقون بالشرقيين إذاً فأوجب الواجبات وآكد المؤكدات على الشعب الإسلامي كله والشعوب الجابونية والصينية والألمانية أن يمدوا يد المساعدة إلى بعضهم ويتحدوا جمعاء على جلب المصالح إلى أوطانهم وصد هذه الهجمات العدوانية عليهم.

تقريظ للمجلة

ومن المحقق أن مبادئ الشعوب الأربعة لا تمنع من ذلك بل توجبه إذ المرء قليل وحده. ضعيف. كثير مع أخيه قوي. وواجب علينا معشر المعلمين أن نبتدئ ونظهر للشعوب الثلاثة الأخرى المعظمة أن ذلك من أسهل الممكنات الحصول عليه بيننا وبينهم وان الأمة كلها لها تمام الرغبة فيه وأن فائدته الجسيمة وهي الدواء الوحيد لتوطيد السلم العام وحقن دماء البشر وتوفير رفاهيته وراحته في كل المعمورة وإيقاف أرباب المطامع والأثرة وأعداء الإنسانية العابثين بها وبراحتها والمحتكرين لرزق الله من بينها قبالة سفاسفهم الساقطة وجشعهم المتوحش عند حدهم. وهذه وظيفتكم معاشر الخطباء. وظيفتكم معاشر الحكماء والعلماء والأدباء واجبكم العيني معاشر أرباب الصحف والمجلات. قوموا بها واستفتحوا باسم الله وتوكلوا على الله فمن توكل عليه كفاه وأني على يقين تام من أن أساطين أولئك الشعوب الفخام المبرورين من كل الإسلام وساستهم وفلاسفتهم وحكمائهم وعلمائهم وأرباب الصحف والمجلات منهم سيجيبونكم بأول إشارة وسيظهر للعالم البشري اجمع من ذلك الاتحاد الخير الكثير والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. تقريظ للمجلة وردنا من حضرة الأديب الفاضل صاحب التوقيع هذه القصيدة الفريدة فنشرناها اعترافاً بفضله شاكرين حسن ظنه قال حفظه الله: أو ميض برق في دمشق يظهر ... أم كوكب فوق المجرة يزهر أم شمس فضل من سنا أنوارها ... نشرت عَلَى أهل العلا ما يبهر وقلائد المرجان طوق عقدها ... جيد الزمان لذا غدا يتجتر أم صفر آداب وعلم عن بدا ... عة منشئيه لقارئه يسفر وجوامع الكلم المهذبة التي ... عن أن تعارض أو تضاهي تكبر أم تلك خير مجلة علمية ... بسنا الحقائق للأنام تحبر هي هذه فأحرص ثليها أن تكن ... ممن بصيرتهم تحس وتبصر هذي أجل مجلة أدبية ... بالفضل تطوى والفضيلة تنشر

هذي الكتاب المعتنى فيه الذي ... بسطوره نور البيان مسطر هذي هي العقد النفيس جواهراً ... من يشتريه بنفسه لا يخسر هذي الحسام لقطع السنة الأولى ... زاغوا لكي يتقدموا فتأخروا هذي السهام لقلب من ضوا عَلَى ... علم لكي يستكبر وأفاستصغروا ذي الكهرباء المستضاء بها ومن ... بالسوء يلمسها يموت ويقهر نور بمقلة مهتد مسترشد ... نار بمهجة ملحد يتكبر حجج با أضحى عدو الدين مد ... موغ الدماغ بما يشق ويفزر. . صحف بها الإسلام سرو وجهه ... من حسنها متهلل مستبشر وفصول فضل لا فصول تحذلق ... وشذور علم لا شذور ينفر لله در مهذبي تحريرها ... فهم أفضل فضلهم لا ينكر نهجوا بها خيراً وأموا الحق وال ... توفيق يدعوهم إلى ما يشكر والسعد ينشئُ والكمال مصحح ... والفضل يطبع والبديع يحرر قي كل سطر سطوره بها لنا ... سطر من الآمال فيه يذكر فاليكها يا طالباً علماً فكل ... الصيد في جوف الفرا متيسر وأحفظ فوائد كالجواهر في فرا ... ئدها فأنت بها أحق وأجدرواهنأ وقل بشرى إلينا هذه=ارخ مجلة بالحقائق تزهر

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد (تابع ما قبله) 6 الوحدانية لا نعلم بحثاً أ أشرف موضوعاً. وأدعى إلى العناية والاهتمام بالنسبة للنوع الإنساني من هذا الموضوع السامي. إذ الغاية القصوى. والمطلوب الأسمى تخليص فطرة الإنسان مما ران عليها من ظلم الأوهام. وأوضار المعتقدات الباطلة. حتى يصل إلى مقام التوحيد. وتنزيه الآله سبحانه عن الشريك والولد. فلا يلبث حينئذ أن يكون عبداً موحداً مخلصاً في عبوديته. حكيماً في عقيدته فإذا عقد فؤاده على هذه العقيدة وسرت أنوارها في أعماق سرائره. واخترق شعاعها طويات ضمائره , تحقق بعلم اليقين أو بعين اليقين أن لا معبود إلا الله. ولا نافع ولا ضار سواه. وأن الأنس والجن لو اجتمعوا على أن ينالوا أحداً بخير أو يصيبوه بشر لما استطاعوا ذلك إلا بإذن الله وقضائه. وان كل مادونه تعالى وجود حائل. وظل زائل. وأن الملوك في قصورها. والكبراء في ثرواتها ورياشها مربوبون مملوكون لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً. ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ليس الطريق لإثبات الوحدانية بالدلائل الواضحة بصعب على سالكيه. فإن من وجه العقل أولاً إلى النظر في الكون واستعمل الفكر فيما حواه من الترتيب والانتظام وارتباط الأسباب بالمسببات مع بديع الأحكام وعجيب الإتقان. اضطر إلى الحكم بأن هذا الكون صانعاً واحداً لوحدة النظام في الأكوان قال الله تعالى (الله خيراً ما يشركون. أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن نجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تتذكرون. أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته ألإله مع الله تعالى الله عما يشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ألإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وقال جل ذكره (وآلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وقال سبحانه (إن

آلهكم لواحد رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق) إلى غير ذلك من الآيات القاطعة والأدلة الساطعة ولعظيم العناية بالتوحيد كررت آية في القرآن العظيم بضعاً وثلاثين مرة فأي فؤاد لا يمتلئ إيماناً. وأي إحساس لا يتشبع يقيناً وتثبيتاً حينما تتلى هذه الآيات الدالة على وحدانيته عز وجل (عن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) على ان المقصود الأعظم كما تقدم من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة إلى توحيد الله عز وجل المنزه عن كل ما يجيش بالفؤاد من صور وأشكال. ومقتضيات وشؤون لا تليق بمقامه سبحانه ومطالبة العقول بأن تتخلص من الغواشي الوهمية، التي غشاها بها قادة الأديان. ورؤساء العقائد الباطلة والمذاهب الفاسدة. إذا التوحيد حصن الروح وموئل العواطف ومطمأن العقل، متى وصل إليه الإنسان تأدت قواه ومواهبه إلى جهة الأمان الآلهي والسلام الصمداني ألم تر أن العرب كانوا في حنادس حالكة. وظلمات متكاثفة. هذا يعدد الآلهة. وذاك يشبه الله بمخلوقاته. ويعطيه صفات عباده. وذلك يتخيله على ما يحدد له وهمه وتتردد به أخلاقه. ولم يكن بينهم وهم في الجاهلية الجهلاء. والفتن الصماء. وبين ما آلوا إليه بعد إسلامهم من المكانات العلية. والمقامات الكريمة. إلا أن يصلوا إلى درجة التوحيد والتنزيه على الأسلوب القرآني، والتعليم المحمدي. فلا غرابة أن شواهد هذا الانتقال الباهر من جاهلية جهلاء. إلى ملكية علياء. فأدى إلى القول بأنه لابد أن يكون لتلك العقيدة يد قوية في إحداثه (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) هذا ولما كان بحث التوحيد أشرف المباحث الاعتقادية يحفى القلم دون توفيته بعض حقوقه وتضيق مجالات التعبير عن تصوير شطر من حقيقته. قد خاض علماء الكلام في لجج باحاته. وسبحوا في سبحات أنواره. فاستخرجوا من صدف معانيه درراً تيجان الكتب بها مرصعة. حسن بنا أن نلتقط منها ما يكون واسطة لجيد هذه المجلة فنقول: التوحيد هو اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات والأفعال فوحدانية الذات تنفي التعدد المتصل بأن يكون ذاتاً مركبة من جواهر وأعراض والتعدد المنفصل بأن تكون ذات تماثل ذاته تعالى ووحدانية في الصفات تنفي كذلك التعدد المتصل بأن تكون له قدرتان أو إرادتان أو علمان فأكثر وهكذا والتعدد المنفصل بأن تكون صفة في ذات تماثل صفاته الأزلية ووحدانية الأفعال تنفي أن يكون فعل أو اختراع أو إيجاد لغيره تعالى من الممكنات فليس

للعبد تأثير في فعل من الأفعال وغنما تسند إليه على سبيل الكسب والاختيار (الله خالق كل شيء) ولنا في هذا المقام زيادة تفصيل تأتي في محله إن شاء الله تعالى. والدليل على اتصافه بالوحدانية أنه لو أمكن وجود آلهين لأمكن بينهما تمانع كأن يريد أحدهما حركة زيد مثلاً والآخر سكونه لأن كلا من الحركة والسكون أمر ممكن في نفسه وكذا تعلق الإرادة بهما وحينئذ إما أن تحصيل الأمران فيجتمع الضادان أو لا يحصلا فيلزم عجزهما أو يحصل أحدهما فيلزم عجز أحدهما وهو إمارة الحدوث والإمكان لما فيه من شائبة الاحتياج وهو نقص يستحيل على الله تعالى. وقد أرشدنا سبحانه إلى هذا البرهان بقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لقسدنا) وبيانه أنه لو كان في السموات والأرض آلهة سوى الله تعالى لأنفرد كل إله بمخلوقاته. ولغالب بعضهم بعضاً ففسد نظام العالم ولم يبق على طريقة واحدة لكن الشمس والقمر يجريان بحسبان واحد والجواري الكنس والبروج من الكواكب وسائر النجوم لم تختل أحوالها. فيما خلقت له، ولم تختل مراكزها ومسالكها والسماء قائمة قياماً لا يختلف، والسحاب يجري بالماء لمنافع أهل الأرض في أوقات الحاجة إليه، والحبوب والثمار تخرج على وتيرة واحدة والبشر كلهم وكل جنس من الحيوان على ما هم عليه من الصور المخصوصة بكل جنس. وكان من المحال عقلاً اتفاق آلهين مشتركين على تدبير واحد لا يعارض بعضهم بعضاً. فانتقاء الفساد المعلوم قطعاً ويقيناً مستلزم لانتقاد تعدد الآلهة. هذا وأن العادة المستمرة التي لم يعهد قط إخلالها في ملكين مقتدرين في مدينة واحدة عدم الإقامة على موافقة كل للآخر في كل جليل وحقير من الأمور بل تأبى نفس كل منهما دوام الموافقة وتطلب الانفراد بالمملكة والقهر للآخر فكيف بالآلهين والحال أن يوصف بأقصى غايات التكبر فكيف لا تطلب نفسه الإنفراد بالملك والعلو على الآخر كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) أي من كل ما لا يليق بجناب قدسه من الأضداد والانداد فإن مقام الألوهية يقتضي الغلبة وقد روى أن عبد الملك بن مروان قال حين قتل عمر بن سعيد الأشدق كان والله أعز علي من دم ناظري ولكن لا يجتمع فحلان في شول لما يعلم أن الرغبة تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر

والاختلاف. ولا مرية أن من سلمت فطرته. وزكت طويته. ومن الله عليه بروح خاصة إقامته على الصراط السوي. وأبعدت فؤاده عن شياطين التأويلات وأبالسة التحريفات. إذا أطلق العنان للعقل ليجري في سبيله الذي سنته له الفطرة من التدبر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير البحر لحمل الفلك مع قوة سلطانه وإرسال الرياح لتنير السحاب فينزل من السحاب ماء. فتحيا به الأرض بعد موتها. وتنبت ما شاء الله من الشجر والنبات مما فيه رزق الحي وحفاظ كيانه ينتهي به الأمر إلى الحكم البات الذي لا يعتر به شك ولا يشوبه تردد بأن له مصرفاً قوياً ومدبراً علياً يهيمن عليه ويقوم بشؤونه واحداً أحداً أنفرد بالخلق والإبداع. واستقل بالإيجاد والاختراع. لا مثل له يشابهه ويساويه ولا ضد له فينازعه ويناويه (أن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعلقون) أي علامات على توحده على أن تعدد الآلهة وتفرقها (فضلاً عن بداهة فساده) مضر يفرق بين البشر في وجهة قلوبهم إلى اعظم سلطان يتخذونه فوق قوتهم وفي ذلك فساد نظامهم إما اعتقاد جميعهم بآله واحد فهو توحيد لمنازع نفوسهم إلى سلطان واحد يخضع الجميع لحكمه وفي ذلك نظام حياتهم وهي قاعدة سعادتهم وإليها مآلهم وفي الكشاف في قوله تعالى (أارباب متفوقون خير أم الله الواحد القهار؟) المراد بالتفرق في الآية التفرق في العدد والتكاثر يقول أن تكون لكما أرباب شتى يستعبد كما هذا ويستعبد كما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية بل هو القهار الغالب. تباركت اللهم أوجدت هذا العالم الكبير المتباعد الأطراف. الواسع الأكناف. المفتقر إلى لطيف التقدير. وعظيم التصريف. وأحسنت كل شيء خلقه. وأبدعت في كل كائن صنعه. وجدت على كل حي بما إليه حاجته. ولم تحرم من رحمتك حقيراً ولا جليلاً من خلقك. أيكون في الوجود من ينازعك في ملكك. ويعارضك في تصرفك وتدبيرك، أيكون لك شريك في الملك. وولي من الذل تعاليت عما يقول الظالمون علواً كبيراً (قل لو كان معه آلهة يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً).

يتبع

التلفيق

التلفيق جاءتنا هذه الرسالة من الفاضل صاحب الإمضاء التلفيق في التقليد باطل ولا يحل لأحد أن يعمل به كما نص على ذلك المحققون في الأصول والفروع قال العلامة القرافي (وهو من كبار محققي الأصوليين) في شرح تنقيح الفصول في الأصول ما نصه قال يحيى الزناتي تقليد المذاهب في النوازل والانتقال من مذهب إلى مذهب بثلاثة شروط أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد وأن يعتقد فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه ولا يقلده رمياً في عماية وان يتتبع رخص المذاهب. وقال في الدر المختار ما نصه الحكم الملفق باطل بالإجماع وقال العلامة المحقق ابن عابدين في حاشيته عليه المراد بالحكم الحكم الوضعي كالصحة مثاله متوضئي سال من بدنه دم ولمس امرأة ثم صلى فإن صحة هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعي والحنفي والتلفيق باطل فصحته منتقية ثم نقل العلامة المذكور ابن عابدين عن الآمدي وابن الحاجب وغيرهم (وهم أجلاء علماء الأصول) أنهم نصوا على عدم التقليد بعد العمل (وهذا ليس نصاً في حرمة التلفيق لكنه يشير لذلك كما ستضح إن شاء الله الآن) وقال العلامة ابن حجر رحمه الله في الفتاوى الحديثية ما مفاده لمقلد غير أمامه أحوال ذكرها السبكي أخذا من كلامهم إلى أن قال الحالة الرابعة أن يقصد مجرد الترخص فيمتنع لأنه حينئذ متبع لهواه لا للذين. الحالة الخامسة أن يكثر منه ذلك بحيث يصير متتبعاً للرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه فيمتنع أيضاً لأنه يشعر بانحلال ربقة التكليف الحالة السادسة أن يجتمع من ذلك حقيقة مركبة ممتنعة بالإجماع فيمتنع كأن يقلد شافعي مالكاً في طهارة الكلب ويمسح بعض رأسه ويصلي لأن صلاته حينئذ لا يقول بها مالك ولا الشافعي (وكفى بنص العلامة السبكي رحمه الله على حرمة التلفيق بياناً) وقال أيضاً أي العلامة ابن حجر في تحفته ما نصه ومحل ذلك وغيره من سائر صور التقليد ما لم يتتبع الرخص بحيث تنحل ربقة التكليف من عنقه وإلا أثم به بل قيل فسق ثم قال ما مؤداه ومن عمل في مسئلة على رأي إمام فلا يجوز له أن يقلد غيره في المسئلة نفسها اتفاقاً إذا بقي من آثار العمل الأول ما يلزم عليه مع الثاني تركب حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس ومالك في طهارة الكلب في صلاة واحدة وقال الجلال المحلي في شرح جمع

الجوامع الأصح أنه يمتنع الرخص في المذاهب أي بأن يأخذ من كل منها ما هو إلا هون فيما يقع من المسائل ونقل العلامة الشطي عن حاشية الخلوتي على المنتهى وعن الشيخ عثمان النجدي الحنبلي وعن العلامة السفاريني الحنبلي أنهم نصوا على المنع من التلفيق وذكراي العلامة الشطي رحمه الله أن كتب الحنابلة تفيد جواز التقليد ما لم يتبع الرخص ونقل العلامة صاحب الوسم عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال إذا تجدوا لي نصاً في مسئلة فأقول بمذهب ابن أدريس فما تقدم من نصوص المحققين في الأصول والفروع يفيد عدم جواز التلفيق حتى عند الإمام أحمد فإن الحنابلة لم يجوزوا التقليد إذا أدى إلى تتبع الرخص فالتلفيق إن لم يكن أولى بالمنع من تتبع الرخص فليكن نظيره إذ متتبع الرخص يأخذ من كل مذهب بالسهل لكنه يراعي ما لابد عنه من يقلد والملفق يفعل ذلك ولا يراعي ما لابد منه فنصهم على عدم جواز التقليد إذا أدى إلى تتبع الرخص برهان قاطع على عدم جواز التلفيق. ولاشك أن ما حكاه ابن حجر والسبكي من حرمة التلفيق جار على قواعد الإمام الشافعي ومذهبه فإذا فرض أن الإمام أحمد لم ينص على حرمة التلفيق فليكن هذا قولاً له أخذا مما نقله عنه العلامة صاحب الوسم ومن لم يقبل بذلك فلا أقل من توقفه حتى يطلع على نص معتمد سالم من الطعن وافي به وفيما نقله المحقق ابن عابدين عن ابن الحاجب والآمدي وغيرهم من عدم جواز التقليد بعد العمل دليل واضح على عدم جواز التلفيق بعد العمل سواء بقى على عمومه أو خص بما إذا ترتب عليه التلفيق، وبقي ما إذا كان التلفيق قبل العمل فهذا وإن لم ينص هؤلاء على منعه يؤخذ من تعليل الكثيرين امتناع تتبع الرخص بأنه يؤدي إلى انحلال ربقة التكليف إذا التلفيق يؤدي إلى ذلك بل العلة المذكورة فيه أظهر على ما بيناه لك آنفاً. وكيف يليق التلفيق بهذه الشريعة الحنيفية السمحة وهو أمر لا تضبط معه الحكام ولا يتميز به الحلال من الحرام بل هو الضربة القاضية على قواعد الشرع الشريف ونظام الاجتماع وأحقاق الحق الذي جاء به الدين الإسلامي وخطره على الدين والملة لا ينكر ولو فتح هذا الباب لأفسد شأن الأمة والقول بأنه يلزم من عدم جواز التلفيق إلزام العامي بمذهب معين وتكليفه بما فيه حرج عليه لا يظهر له وجه إذا لزام العامي بمذهب هو أن يلتزمه في جميع

المسائل ولسنا نكلفه به واشتراطنا عليه أن لا يأتي بمناف عند من يقلده لا حرج فيه ولا يلزم منه اشتراط معرفة الشروط والأركان والمفسدات ونحوها إذا الشرط أن لا يترك ما لا بد منه عند من يقلده كما تقدم وهذا سهل موجود في كثير من الأمة وإذا فرضنا وجود أفراد بخلون بذلك فإنجاب التعلم عليهم أولى من القول بجواز أمر يؤدي إلى التلاعب بالدين ويشوش على الأمة قواعدها وأي حرج على العامي وهو بين أظهر العلماء وفي بلاد المسلمين إذا كلف بأن لا يترك شيئاً لابد منه عند من يقلده وقد قال تعالى (فاسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون) وقال صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وقد نص الفقهاء في كثير من المسائل على أن الجاهل لا يعذر فيها ما لم يكن قريب عهد بالإسلام أو نشأ بعيداً عن العلماء فإذا توضأ شخص ومسح بعض رأسه ثم مس فرجه فوضوءه لا يجوز له أن يصلي به لا على مذهب الشافعي ولا على مذهب الحنفي لأن وضوءه باطل عندهما فادعاء أن هذا الوضوء صحيح بالاتفاق ليس بصحيح إذ هذا الوضوء لا يقول به واحد منهما على انفراده فضلاً عن الاتفاق وكذا القول بان هذا إنما قلدا بالحنيفة وجوده فكيف يعقل استمرار ما لا وجود له والاستدلال لجواز التلفيق بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين أنه قال لمن استفتاه يجب عليك أن تراعي أحكام مذهب من قلدته لا يفيد ذلك أما أو لا فلأنه لا يلزم من عدم نقل ذلك عنهم انهم لم يبينوه لمن يسئلهم وثانياً لو سلمنا عدم بيانهم لذلك لا يلزم منه وقوع التلفيق من السائل بالفعل ومن زعمه فعليه إثبات صدور ذلك منهم وإذا جزم المحققون بحرمة التلفيق بعد إطلاعهم على ذلك فالوقوف عنده أولى إلى أن يثبت نقل صحيح يخالفه وأنى بذلك فيؤخذ مما ذكرناه حرمة التلفيق وهو الحق الأحق بأن يتبع فنسئله تعالى أن يلهم الجميع صواباً، ونعوذ من جهل بدا بسببه سوء الفهم والله أعلم. الحقائق. وإليك بعض (أقوال علماء الأصول في إبطال التلفيق وتتبع الرخص زيادة على ما تقدم) الأسنوي في منهاجه (فرعان) حكاهما ابن الحاجب (الثاني) إذا قلد مجتهداص في مسئلة فليس له تقليد غيره فيها إتفاقاً.

وقال أيضاً ص (350) (فائدتان) إحداهما ذكر القرافي في شرح المحصول أن تقليد مذهب الغير حيث جوزناه شرطه أن لا يكون واقعاً في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه والإمام الذي انتقل إليه فمن قلد مالكاً مثلاً في عدم النقض باللمس الخالي عن الشهوة وصلى فلابد أن يدلك بدنه ويمسح جميع رأسه وإلا فتكون صلاته باطلة عند الإمامين. ابن الهمام في التحرير ص (351) جزء (3) وقيده [أي جواز تقليد غير أمامه) متأخر بأن لا يترتب عليه ما يمنعانه فمن قلد الشافعي في عدم الدلك ومالكاً في عدم نقض اللمس بلا شهوة وصل أن كان الوضوء بذلك صحت وإلا بطلت عندهما ابن أمير حاج في شرح التحرير ص (352). قال الروياني يجوز تقليد المذاهب والانتقال إليها بثلاثة شروط أن لا يجمع بينهما على صورة تخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد. الغزالي في المستصفى ص (391) وليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسئلة أطيبها عنده فيتوسع بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتى فإنه يتبع ظنه في الترجيح فكذلك ههنا وأن صوبنا كل مجتهد ولكن الخطأ ممكن بالغفلة عند دليل قاطع وبالحكم قبل تمام الاجتهاد واستفراغ الوسع، والغلط على الأعلم بعيد لا محالة وهذا التحقيق وهو أنا نعتقد أن الله تعالى سراً في رد أباد إلى ظنونهم حتى لا يكونوا مهملين متبعين للهوى مسترسلين استرسال البهائم من غير أن يزمهم لجام التكليف فيردهم من جانب إلى جانب فيتذكرون العبودية ونفاذ حكم الله تعالى فيهم في كل حركة وسكون يمنعهم من جانب إلى جانب فما دمنا نقدر على ضبطهم بضابط فذلك أولى من تخيرهم وإهمالهم كالبهائم أو الصبيان.

التماثيل السياسية

التماثيل السياسية في البلاد العثمانية فتوى فضيلة المفتي تمثال مدحت باشا في البصرة في مصر جرائد إفرنجية راقية تكتب فصولاً لا أجدها في غيرها من صحف مصر، ومن هذه الجرائد الجورنال دي كير وقد عثرت في عددها المؤرخ باليوم الرابع من هذا الشهر على مقالة في (التماثيل والإسلام) عنيت بدرسها، وعن لي بعد ذلك أن أتناول الموضوع نفسه. هان على اختيار الموضوع ولكنني ما بدأت بمعالجته حتى شعرت بصعوبته فكتبت إلى فضيلة الأستاذ الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت الفاضل كتاباً جملته سيدي الأستاذ: عرض لي مبحث في (التماثيل والإسلام) فتهيبت وعورة مسكله وفكرت فيمن اتجه إليه فقادني التفكير إلى مقامكم السامي وعلمكم الجم نفعنا الله به إلا يجوز إقامة التماثيل في البلاد الإسلامية؟ وإذا حرم ذلك على إطلاقه فهل يشمل التحريم الأنصاب السياسية. ثم كيف تجيز الحكومة إقامة التماثيل للموتى في المقابر وهل لا يجوز اعتبار هذه كتلك ثم كيف أقيمت تماثيل محمد علي باشا وإبراهيم باشا وسليمان باشا الفرنسوي في مصر وكيف أجازها مقام الأفتاء السامي بمصر. هذه هي الأسئلة التي استميج فضيلتكم إجابتي عليها شاكراً مقدماً احتراماتي (التوقيع) وقد وردني من فضيلته الجواب التالي: حضرة. . . رئيس تحرير النصير هذا جواب على سؤالكم المؤرخ في 12 تشرين الثاني سنة 1910 حررناه ونحن نثنى على آدابكم وندعو لكم بمزيد التوفيق حرر في 15 ذي القعدة سنة 1328 الموافق 7 ت2 سنة 1910. (الختم) الحمد لله تعالى

لا يجوز وضع التماثيل والأنصاب في البلاد الإسلامية لأنها عبدت من دون الله ولذلك هدمها الإسلام ولم يجوز إعادتها بعد ذلك لأحد سداً للذريعة ومنعاً للتشبه بالوثنيين واتخاذها حرام بالإجماع للنهي عنه وكذلك تعظيمها لأنه يفتح باب عبادة الأصنام وينوه أمر الوثنية وهذا التحريم بإطلاقه شامل للسياسة وغيرها ولذا منع ناظر الداخلية من وضع تمثال مدحت باشا في مدينة البصرة وأجاب بأنه مخالف للشرع الشريف كما نقلته الجرائد من عهد قريب. والحكومة التي تجيب بهذا الجواب لا تجيز إقامة التماثيل للموتى في المقابر وهي لا توجد في مقابر المسلمين وأما نصب تلك التماثيل لمحمد علي باشا وغيره فلم يكن عن فتوى صادرة عن مقام الإفتاء في مصر لما علم من أن الشرع الشريف يمنع ذلك وقد أفتى العلامة العباسي مفتي الديار رحمه الله بوجوب إزالة الصنم الموضوع بالأزبكية وكسر رؤوس الصور الموجود في فتحتي كبرى قصر النيل حين سئل عنها كما في فتاويه والله تعالى أعلم حرر في 15 ذي القعدة سنة 1328. الفقير إليه سبحانه مفتي بيروت مصطفى نجا (مكان الختم) إن الكثير من جاهلي الحقيقية الظاهرة في كتاب فضيلة المفتي ينسبون منع إقامة الأنصاب السياسية إلى تعصب أو غرض على ان البلاد العثمانية وهي بلاد أكثر رعاياها يدينون بالإسلام لمن الضروري أن تراعى فيها المور الدينية الواجب مراعاتها ومما يروى أن أحد علماء الألمان أراد نشر كتاب يبين فيه (على زعمه) أن فلسفة المسيح منقولة عن شارع قبله فكتب إليه الإمبراطور غليوم كتابه المشهور قائلاً له: حافظ على إحساسات الملايين من الناس الذين يعتقدون ما تريد نقضه ونحن نقول أنه إذا لم يكن في إبطال التماثيل السياسية غير مراعاة عواطف الملايين من العثمانيين المسلمين لكان ذلك موجباً لإبطالها والسلام. (النصير البيروتي) (سعيد)

مناظرة بين عالمين

مناظرة بين عالمين حضرة العلامة الفاضل الشيخ جمال الدين القاسمي دام نفعه آمين قد أطلعنا في جريدة المقتبس عدد (539) على جوابكم الضمني المعنون ب (فتوى شيخ الجامع الأزهر) لآن في العمل بالتلغراف في الصوم والفطر على سؤالنا فضيلتكم المدرج في العدد الرابع من مجلة (الحقائق) فوجدناه منتقداً من أحد عشر نوعاً الأول تصديركم إياه بالعنوان المذكور عادلين عن طريق الأجوبة للأسئلة. وما ذلك إلا لغرض وهو على ما يظهر تعظيم الجواب في أعين الذين ينظرون إلى من قال ولا ينظرون للمقال وهم كل من ليس له يد طولى في العلوم وقدم راسخة في فهم المنطوق وإدراك المفهوم فقد خلتم أن من يقف على عنوان جوابكم هذا (فتوى شيخ الجامع الأزهر) لا يجسران أن لا يصدق ولا يقدران ينتقد لتوهمه أن شيخ الجامع الأزهر بمصر شيء عظيم كبير لا تتصوره العقول فيقف الذي يرى أو يسمع هذا العنوان مندهشاً مبهوتاً حيران مرتعشاً يسلم ما تضمنه لأول وهلة وهيهات هيهات فإن من قرأ ألف با يعلم أن شيخ الجامع الأزهر بل شيخ الإسلام بالنسبة لأمور الدين كأحد أفراد العلماء المتبحرين أو غير المتبحرين بحسب درجتهما في العلوم كيف وقد قال عالم المدينة المنورة وإمام دار الهجرة مالك بن أصبح رضى الله تعالى عنه (ما منا إلا من رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرف وكرم الذي شيخ الأزهر المنوه به يفتخر بأنه من اتباعه المتمذهبين بمذهبه فمثل هذا العنوان لا يرهبنا ولا عن المناقشة معه ومعكم والتنقيب بالحق يوقفنا الثاني قولكم كنا أثرنا في مقالتين متقدمتين في المقتبس الأغر ذكر من قطع بهذه المسئلة من الإعلام كالعباسي والشيخ عليش والعلامة الشطي وذكرنا من عمل بمقتضاها في هذا العام وحكم بموجبها وهم قضاة مصر والإسكندرية وغيرهما وهذا مجموعه غير صحيح فإن سماحة قاضي مصر عبد الرحمن أفندي نسيب أيده الله تعالى بالشريعة وأيد الشريعة به وبأمثاله لم يحكم به أصلاً فكن أنت وأمثالك على ثقة من قولي هذا لا كما عزي إليه فإن قاضي مصر المشار إليه لم يحكم به كما تقدم وإنما كان الحكم فيها بالإطار بمجرد إشهار من محافظ مصر بضرب المدافع بثبوت هلال شوال بناء على التلغراف الوارد إليه من محافظ الإسكندرية بأنه ثبت عند قاضي الإسكندرية، وفتاوى الباقين سيظهر ما أنطوت عليه من التناقض في بعضها وعدم البت في البعض الآخر واستظهارها الحكم به إلى غير ذلك مما

سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى الثالث قولكم، وبينا أن هذه المسئلة جازت القنطرة فأنا أسألكم ما مرادكم بالقنطرة الذي جازتها هل قنطرة الشريعة بمعنى أنها خرجت عن دائرة الشريعة التي شرعها الله ورسوله لعدم انطباقها على أحكامها أو قنطرة أخرى أم ماذا؟ الرابع قولكم بمعنى أنه فرغ منها ولم يبق مجال للتردد والسفسطة فهل مرادكم بانتفاء بقاء المجال والتردد لكم ولا مثالكم خاصة أو لعامة العلماء فإن كان الأول كان يلزمكم قيده وأن كان الثاني فغير مسلم كما هو ظاهر الوضوح. الخامس قولكم وأحببت أن أنقل موضع الشاهد منه دليل على أنكم حذقتم الذي ليس فيه موضع الشاهد لكم بل حذقتم الذي هو شاهد عليكم مثل اصل السؤال المندرج في مجلة المنار التي نقلتم عنها وسنوافي القراء به عن شاء الله تعالى السادس قولكم، ويكفينا في الرد الخ نعم هذا يكفى لكم ولأمثالكم أما لغيركم فليس كافياً لأن حضرة شيخ الجامع الأزهر مقلد للإمام مالك رضى الله عنه ليس بمشرع معصوم بل ناقل مقلد إذا خالف أحكام أئمة مذهبه في فتاويه لا يعول عليها بل لا يلتفت إليها التاسع قولكم على ذوي الشغب والسفسطة فإن كنتم عنيتمونا فلا نجاوبكم ونقول سلاماً وإن لم تعنونا كما هو الأجدر بكم كان الأولى أن تجاوبونا بمقتضى ما خاطبناكم به ثم إني أقول لك على رسلك أيها الفاضل لا تتبع نفسك هواها ولا تقل شططاً لسؤالي فضلتكم إن كنت مجتهداً الخ فالعذر إليك فلم تكن نسبة الاجتهاد إليك اعني تدعي الاجتهاد أو يدعى لك بدعاً مني بل هو معلوم عند كل أحد يعرف ذاتكم أو يسمع أخباركم ولو كنت لا تدعيه لتبرأت منه حينما سألتك عنه وقلت أنا مقلد للإمام الأعظم الشافعي رضي الله تعالى عنه كالإمام الغزالي وإمام الحرمين وأمثالهما أو لغيره من الأئمة رضي الله تعالى عنهم. ومواربتك التي تأتي الإشارة إليها وعدم تبريئك منها دليل صريح مثبت لما هنالك والعذر لك في عدم التبري منها على فرض صحتها لأنه يكون كذباً وأني أجلك عن مثله وها أنا أكرر لك هذا السؤال فأقول هل أنت مجتهد أو مقلد كما أني أكرر لك طلبي بيان أسماء من ذكرت من علماء الشافعية أنهم ممن وافقوا على العمل في التلغراف الصيام والإفطار ليعلم ذلك أولوا الأبصار، الثامن قولكم كلام شيخ الأزهر ومقدم العلماء فيه عود على بدء للتمويه وهذا التمويه عند عرضه على محك النقد لم يثبت فتنبهوا له فغنا لا ننظر إلى شخصه ولا إلى وصفه بل ننظر إلى قوله

كما قدمنا فلك يكن كلامه كافياً لنا التاسع قولكم عن كل من أفتى في هذه المسئلة ممن سميناهم قد برهن على فتواه واحتج لحكمه وما قضاه فبالله عليك بين لنا براهينهم وحججهم التي أوردوها في فتاويهم وليست منقوضة ولا باطلة من أصلها فلم نر منها غير المنقوضة الباطلة التي منها قول الشيخ عبد الباقي ومما يكفينا في اعتباره ابتنا السلطنة عليه شرقاً وغرباً إسلاماً وكفراً فتكذيبه تكذيب العالم كله وتعليل الشيخ عليش بأن سلاطين المسلمين وضعوا التلغراف لتبليغ الأخبار وأقاموا لأعماله أشخاصاً مسلمين وأنفقوا على ذلك أموالاً جسيمة واستغنوا به عن السعاة وإرسال المكاتيب غالباً فصار قانوناً معتبراً الخ وقياس الحكم بورده على الحكم بخبر الواحد وعلى الكتاب بالدين والوصية ونحوها وعلى العمل بالسعة وعلى الاستفاضة إذا تعدد وروده وعلى كتاب القاضي للقاضي إذا كان الآمر بالتلغراف القاضي الذي حكم به وعلى إيقاد القناديل في المنابر وعلى ضرب المدافع وهذه كلها لا تصلح للقياس ولا للتخريج عليها لكونها قياساً مع الفارق وللمباينة بينها وبين التلغراف وسنأتى على بيان عدم صلاحية كل فرد منها لذلك إن شاء الله تعالى: العاشر قولكم نحن آثرون وناقلون، موافقون ومستجيدون هو من قبيل قول القاضي حسين وأمثاله على ما أذكره لسنا مقلدين للشافعي رضي الله تعالى عنه ولكن وافق رأينا رأيه وهو مشعر بأنكم أردتم ما أرادوا من أنكم لستم مقلدين لمن أفتى بالعمل بالتلغراف ولكن وافق رأيكم رأيهم وهذا ما أشرنا إليه سابقاً الحادي عشر أن نشركم لهذا البحث في الجرائد اليومية مع كونه من المسائل الدينية غير مناسب لأن المجلات الدينية أولى بهذه المباحث وأبعد عن الضياع وأقرب للاحترام وحبذا لو ترسلون كتاباتكم إلى مجلة الحقائق لتنشرها مع كتاباتنا فتكون جامعة لهما ويظهر للقراء الحق بالمقابلة بينهما فإنها مستعدة لنشر مقالاتكم ومقالات غيركم لتخصيصها نفسها بخدمة الدين والذب عنه من غبر غرض ولا تصحب لجانب دون جانب وعلى كل فالأمر راجع إليكم هذا وقد آليت على نفسي أن أكتب في هذا الموضوع حتى يتبين الحكم الشرعي ويظهر الغث من السمين وإني لا التفت لكتابة غير فضيلتكم سواء كان سالكاً سبيل الأدب أو خارجاً عنه مظهر ذاته بوضع توقيعه أو متوارباً بإغفاله وسواء كان بقلمكم معزواً لغيركم أو بإشاراتكم أولاً كما أني صممت على تحرير تأليف مستقل أجمع فيه ما يحصل من الأبحاث بيننا وبينكم وما ينتج عنها إن شاء

الله تعالى وقد اكتفينا الآن بهذه الأسطر وسنتبعها بالكلام على الفتاوى التي اعتمدتم عليها بما يفتح الله به علينا ومنه نسأل السداد والثبات فإنه المحبب للدعوات وهو اعلم بالنيات. دمشق محمد عارف المنير الحسيني

مسألة المرأة المصرية

مسألة المرأة المصرية لحضرة الأستاذ المفكر الكبير فريد بك وجدي في كل أمة مسالة خطيرة تكسب بحروف عريضة في المجلات والجراءة اليومية هي مسألة المرأة، ففي أوروبا ذات المدينة العتيقة وفي أمريكا صاحبة الحضارة الحديثة والحرية المطلقة تتجلى هذه المسألة بأشكال وحالات شتى. يغم على الباحث الاجتماعي وجه الحل فيها فيكاد يعتقد أنها عضلة العقد، والمعمى الذي لا يفك ما دام الوجود الإنساني قائماً. ونحن الذين أخذنا لندفع وراء المدنية الأوروبية بغير حساب بحكم قانون التقليد الذي هو بعض ما تمنى به الأمم الضعيفة المغلوبة على أمرها حيال الأمم القوية، قد أصبح لدينا شيء يقال له مسألة المرأة أيضاً. ولكن شتان بين الدوافع التي تدفعنا إلى الصباح والولولة والدوافع التي تدفع الغريبين لذلك، إنهم هنالك يشكون عافية الأضاليل الاجتماعية التي سماها كتابهم قبل قرن من الزمان باسم تحرير المرأة، فتأدوا بها إلى عكس ما يطلبون لها وإذا بلغ الشيء إلى حده انعكس بضده. كانت المرأة في أوروبا مستعبدة ليس لها شخصية ممتازة فكانت لا ترث ولا تملك وقد غولى معها حتى حرم عليها الضحك وأكل اللحم ووضعت على فمها الأقفال الحديدية وحكم عليها بأنها مجردة عن الروح الإنسانية التي للرجل. فقام أفراد يطلبون لها الحرية، وحسناً طلبوا لو كانوا وقفوا بمطالبهم عند حدود الحكمة ولكن دفعتهم الأهواء إلى تيه التعسف فطلبوا للمرأة باسمها كل شيء حتى ما ينافي وظيفتها ويفسد خصائصها، طلبوا أن تستخدم في المعامل وأن تكون محامية وطبيبة ومهندسة. كان لهم ما طلبوا، فإن الدعوة إلى الأهواء لا تجد في العالم الإنساني حداً تقف عنده إلا يوم يصيح بها صائح الفطرة فترتكس إلى الضد ولن تجد لسنة الله تبديلاً. أصبح لأوروبا وأمريكا محاميات وطبيبات ومهندسات، وخرجت المرأة من التقاليد العائلية ولكن لا تنسى أن ترى أن بجانب كل مهندسة أو طبيبة أو محامية مائة ألف من بنات جنسها وقعت في أسر الأعمال الشاقة تكد أجسادهن الأعمال وتلفح وجوههن النار. غصت المعامل بالنساء الضعيفات، وشحنت بهن مخازن التجارات، في مقابل أجور لا تبلغهن البلغة من العيش، وهل في ذلك من عجب بعد أن انزلهن محبوهن إلى ميدان

الأعمال، وقدر على مزاولة المشاق. قال الفيلسوف الاقتصادي برودون في كتابه ابتكار النظام في تعليل سبق الرجل للمرأة في ميدان الأعمال. قال: إن نبسة مجموعة قوى الرجل إلى قوى المرأة تساوي ثلاثة إلى اثنين فيكون التحرير الذي يطلبه بعضهم باسمهن هو تسجيل الشقاء عليهن تسجيلاً شرعياً إن لم أقل تسجيل العبودية. وقال العلامة (أجوست كونت) مؤسس علم الاجتماع البشري في كتابه (النظام السياسي) قال: إنه لو نال النساء هذه المساواة (المادية) التي يتطلبها لهن الذين يزعمون الدفاع عنهن بغير رضاهن فإن ضمانتهن الاجتماعية تفسد على قدر ما تفسد حالتهن الأدبية لأنهن في تلك الحالة سيكن خاضعات في أغلب الصنائع لمزاحمة يومية قوية بحيث لا يمكنهم القيام بها كما أنه في الوقت نفسه تتكدر المنابع الأصلية للمحبة المتبادلة انتهى. أحست الهيئة الاجتماعية في أوروبا بفداحة المصاب فصاح العلماء يستغيثون ولكن بمن يصيحون؟ إن لكل دور حداً هو بالغه، ينتهي منه إلى نهاية ثم يرتكس بذويه إلى الضد، عقاباً على التفريط، وزجراً عن الاندفاع وراء الأهواء. من تلك الصيحات التي فتت أكباد الأحرار ما كتبه العلامة قورييه قال: ما هي حالة المرأة اليوم؟ إنها لا تعيش إلا في الحرمان حتى في عالم الصناعة الذي ألم الرجل بجميع أنحائه لغاية الاشتغالات التافهة بالخياطة وصنع الريش. أما المرأة فيراها الناس منكبة على أشق الأعمال في الخلاء ومنها ما كتبه الاقتصادي الأشهر جول شيمون قال: النساء قد صرن الآن نساجات وطباعات إلخ إلخ وقد استخدمتهن الحكومة في معاملها ولهذا فقد اكتسبن بعض دريهمات ولكنهن في مقابل ذلك قد فوضن دعائم عائلاتهن تقويضاً انتهى. إلخ إلخ أهذه هي غاية محرري المرأة، يدعون أنهم يحصلون لها حقوقاً مسلوبة فيوقعونها في هذه المضانك الحيوية؟ أبعد من النتائج الحسنة للحركة المسماة بتحرير المرأة أن يصبح في أوروبا أكثر من ثلاثين

مليون تصهر أجسادهن نيران المصانع، وتبل زهرة جمالهن المزاحمات؟ ليست هذه الصيحات هي التي تفتن الشرقيين فهم بمعزل عنها بل هي تلك الأسراب النسائية من بنات الغرب يرونهن غاديات رائحات بين الجزيرة والأهرام على حال يوهم الناظر السطحي أنهن بلغن غايات المدنية، وأن رجالهن قد حصلوا بهن علي أقصى نهايات الراحة العائلية. لذلك الناظر أن يظن ذلك فليس هو بأول سار غره قمر. وليكتمه في نفسه وليسأل عنه خبيراً. أما جعله نتائج هذه المشاهدات السطحية مبادئ ثم النهوض لنشرها بين الناس فلا نسلم له فيه. إن هذا المظهر الفاتن الذي يؤثر على مشاعر بعض شباننا في أمر النساء ويضرم في نفوسهم نار الغيرة لإبلاغ نسائنا هذه الدرجة الراقية في أعينهم يكفينا لأجل أن نر مبلغ خطأهم في النظر للأشياء أن نبرهن لهم أنه مثار البلاء على أهله. ومنبعث الانحلال على مدنيتهم. جاء في دائرة معارف لاروس بعد ذكرها أن خراب مدنية روما إنما جاء من انطلاق النساء مع الأهواء قالت: وعي هيآتنا الاجتماعية الحاضرة التي فيها النساء يتمتعن بحرية مفرطة نرى أن دناءة ذوقهن وميلهن الشديد الذي يحملهن دائماً إلى الاشتغال بجمالهن وبكل ما يزيد حسنهن، كل ذلك خطراً وهو لا مما كانت عليه الحالة في روما. نعم لسنا أول من لاحظ هذا الأثر السيء الذي يحدثه حب النساء للزينة يوماً فيوماً على أخلاقنا (تأمل) فإن أشهر كتابنا لم يهملوا الاشتغال بهذا الموضوع الكبير وكثير من أقاصيصنا التي قوبلت بالاستحسان العام قد وصفت بطريقة مؤثرة الخراب الذي يجره على العائلات الشغف الجنوني بالتزيين والتبرج فكيف النجاة من هذا الداء الذي يقرض مدينتنا الحالية (تأمل) ويهددها بسوط سريع جداً وإن شئت فقل بانحطاط الأدواء له هذه أقوال أصحاب الدار ولكن أتى لها أن تصل إلى الواقفين مع الظواهر وخصوصاً هذه الظواهر الفتانة. يخيل لمن يكتب في المواضيع الاجتماعية عن شعوره الذاتي بدون علم أن جميع المسائل

تابعة للقانون المنطقي والاستحسان الشخصي فمتى رأى رأيا وقدره بنظره تقديراً ما لم يجد أمامه بعد ذلك أدلى صعوبة في جملة مبدأ له يصح أن يدلي به الناس كأصل من أصول الحياة فما المانع بعد ذلك في رأي الكاتب من أن يأخذ به الناس وأن يعملوا به مندفعين. هكذا يخيل لمن يكتب في المسائل الاجتماعية عن شعوره الخاص بلا علم ولاهدى ولا كتاب منير، ولو حقق النظر واخترق غلف المظاهر المحيطة به واستعرض أمام عينه حالات الاجتماع بعواملها المتراكبة وبراعتها المتشبعة ونظرا للهيئة الاجتماعية وهي في حالة تدافع وتفاعل لها له ما يرى ولوقف حيث هو يتطلب من الله بصراً نافذاً يهديه إلى العلل الأولى للأشياء وإلى العوامل المهيئة للأهوال. قلنا أن للمرأة مسألة حية في كل أمة فهي في أوروبا وأمريكا كما أثبتنا هنا عبارة عن شكوى الرجال من إفراطهن في التبرج وتخوفهم من انحلال هيئاتهم الاجتماعية بما يستتبع ذلك من الأعراض ولم أعرض فيما كتبت على ما يجأرون منه من فساد الأخلاق وشيوع المخزيات ولكن لهذه المسألة في بلادنا موضوع آخر وهو شكوى الرجال من انحطاط النساء في المعارف ووقوعهن بذلك في الأسر والاستعباد وما يتتبع ذلك من قلة إقبال الشبان على الزواج لقلة الأكفاء منهن ويلقي بعض الكاتبين تبعة ذلك كله على الحجاب. فالحجاب في اعتقادهم صاد للمرأة عن العلم ومسقط لها تحت كلا كل الرق مفسد لأخلاقها الكريمة مانع من رؤية الخاطب لخطيبته ومعاشرته لها قبل الزواج فهو مجتمع الإزراء ومنار كل بلاء! ولو زال الحجاب في يقينهم أصبحت المرأة عالمة بما لها وما عليها حاصلة على تمام حريتها بإزاء الرجل. أديبة مهذبة منزهة عن الأهواء وفوق ذلك تصبح عرضة للخطاب فيتهافت عليها الشبان ويستطيعون أن يعاشروها قبل الزواج فيقترن بها من يهواها عن بينة واختبار فيعيش معها عيشة السعداء (كما يعيش الأوروبي مع امرأته. . . خالي البال من المنغصات فارغ لبصدر من المكدرات فينعدم الطلاق ويقل (كما هو في أوروبا. . .) ثم يكون من أثر هذا الانتقال البديع إقبال الشبان على الزواج ورواج سوق المصاهرات فلا يعود الشرق يشكو من انتشار مبدأ العزوبة (كما لا يشكو منه الغرب الآن. . . .) هكذا يقولون

كل هذه المسائل الخطيرة سببها هذا الحجاب الشفاف الذي يشبه كما قالت جريدة لابورص اللثام الذي يضعه الآن الأوربيات المغاليات في حب الظهور بأقصى شكل من الجمال. ما الذي يمنع أن يكون الحجاب في نظر باحثنا الشرقي علة كل هذه الأرزاء وهو لم من علة سواء. لا شك عندنا في أن هذا النظر المعوج من بعض الكتاب وهذه الخفة المتناهية في تقدير المسائل الاجتماعية سيكون لها نتائج وخيمة جداً على مجموعنا الإسلامي إن لم يسرع أهل الذكر بالوقوف أمام تيارها وإن هذه المسائل الخطيرة ما دامت متروكة لأقلام السطحيين من الكتاب فلا ينتظر منها إلا أسوأ العواقب على العفاف والأعراض. وإني أعرف أن كثر الذين يلجون هذا الباب هم من الشبان الذين ليس لهم زوجات وإن ليس المقصود بهذه الحركة الشؤمى خلع النساء للحجاب فقط بل المقصود منها أمر وراء ذلك وهو تسهيل سبيل مخالطة النساء للرجال ولاندري ماالذي رآه غيرنا من الخير من وراء هذه المخالطة حتى نخف لتقليدهم فيها بدون نقد ولاتدبر ولا استبصار. يقولون أن الحجاب يصد المرأة عن التعلم وهو ادعاء يكذبه العيان فإن المرأة لاتتنقب إلا في الطرقات وليست الطرقات بمجامع للعلماء ولكنها مضطرب الفساق ومزدحم الغوغاء. وهذه مدارس البنات يوجد فيها كثير من المحجبات يذهبن إلى المدرسة بالنقاب فإذا وصلن إليها خلعته وتلقين دروسهن سافرات فإذا أتممن النهار رجعن إلى دورهن محتجبات فهل في هذا من زاب للعلم أو فيه للجهل أقل سبب من الأسباب. يقولون أن الحجاب يفسد الأخلاق وهو ادعاء أدخل في الخطأ مما سبقه فإن الحجاب إن لم يمنع الفساد بتاتاً فهو من أكبر موانعه لمن ينظر للأمور بعقل وإنصاف. هل يجهل المعادون للحجاب أن أكبر الفساد لايتأتى إلا من اختلاط البيان وماعلينا أن يرضى المتعنتون من خفاف الأقلام. يقولون الحجاب يسبب كثرة الطلاق لعدم تمكن الخاطب من رؤية خطيبته بسببه وهو قول من لم يبحث عن حقيقة الأسباب ولو كلف هؤلاء الباحثون أنفسهم لوجدوا أن تسعمائة وتسعة وتسعين حالة من أحوال الطلاق سببها الشقاق العائلي الذي يسببه في أكثر الأحوال الرجال بسوء سيرتهم نحو نسائهم ولتطلعهم إلى سواهن ممن قابلوهن في الأسواق ولانظن

أن في كل ألف أكثر من حالة واحدة يطلق الرجل امرأته لعدم الاستحسان. يقولون أن الحجاب هو سبب كل هذا الطلاق لأن الرجل بعد إمكان معاشرة المرأة قبل زواجها يجهل أخلاقها تمام الجهل فإذا اقترن بها وجدها على ما لا يرام فيطلقها. وهذا قول بعيد عن الصواب لأن الإنسان لاتظهر أخلاقه بمجرد التنزه في الخلوات والجلوس على القهوات خصوصاً إذ وراء ذلك الزواج فيسهله على كل من الزوج والزوجة أن يتصنعا الكمال ويتكلفا محاسن الخصال ليتم المراد. ولو كان هذا النظر صادق لبطل الطلاق عند الأوربيين والأميركيين وهو لديهم آخذ في الازدياد فلو كان هؤلاء المعارضون للحجاب ممن يطالعون الكتب الاجتماعية ويستأنسون بالحوادث الوجودية لخجلوا أن ينسبوا للحجاب هذه العلة الوهمي. كتب الكاتب الأميركي الشهير (لوسن) في المجلد الخامس والعشرين من مجلة المجلات الفرنسية إحصاء عن الطلاق في أميركا بلد حر المطلقة بناءً على طلب المجلة نقتطف منه مايأتي قال: سجلت المحاكم في مملكة (مساشوزيت) من ولايات الممالك المتحدة (1622) ورقة طلاق سنة 1894 بعد إن كانت في سنة قبلها (770) فقط أي أنه آخذ في الازدياد بسرعة مدهشة. أما في مملكة (أهيو) من الممالك المتحدة فقد سجلت المحاكم سنة 1865 98/ 22 زواجاً حدث في 837 طلاقاً يعني أنه يخص كل (36 ونصف) زواجاً طلقة واحدة. وأما في سنة (1894) أي بعد مضي 35 سنة فسجلت المحاكم (33858) زواجاً وبلغ الطلاق (2753) أي أن في كل (12) زواجاً ونصف طلقة واحدة. وقد شوهد أن عدد الطلاق فيها في مدة عشر سنين بلغ زيادة عن معدله بمقدار (11000) ونقص الزواج عن معدله بمقدار (84889). وفي كاليفورنيا من الممالك المتحدة حصل في ألفي زواج في سنة 1897 (641) طلاقاً أي في كل ثلاث عقود طلقة واحدة. قال الكاتب عقب هذا الإحصاء بالحرف الواحد: فالطلاق ينتشر إذن للدرجة القصوى والمدهش أن (80) في المائة من طلبات الطلاق آتية

من جهة النساء مما يثبت أن ليس للرجل إلا دور ضعيف في حل عروة الزواج وذلك لأن الطلاق يخجله جداً ولذلك تراه إذا تعب من امرأته يبحث عن سواها (تأمل) ولا يسعى في انفصاله من الأولى إلا إذا طالبته الثانية بالزواج انتهى. تم وصف هذا الكاتب سهولة الطلاق هناك قتال: وكثير من الأزواج لا يعرفون أن نساءهم طلقتهم إلا بعد أن يتزوجن ثانياً. ثم ذكر الكاتب السبب الذي يحمل النساء في طلب تطليق الرجال فقال عند افتتاح المحكمة العليا في السنة الماضية أي سنة (1897) في مدينة (بوستون) ملئت المحكمة ثلاثة أيام متوالية بالناس رجالاً ونساءً وكلهم يطلب الطلاق فأمضى في الأسبوع الأول (75) طلاقاً وكان السبب على العموم في طلبه هو هجر الرجال لنسائهم. ثم عقبت المجلة تحت هذا الإحصاء بقولها: الرابطة الاجتماعية آخذة إذن في الاحتراق ولكن ليس من طرفيها فقط بل سعوا في اشتعالها من وسطها أيضاً. ولاشك عندنا أن المرأة الجديدة هي التي تسعى في هذه العائلة انتهى. نقول ماذا يقول أضداد الحجاب في هذه الإحصاءات فهل كثرة الطلاق في أميركا هي من زوايا الحجاب والمرأة الأميركية أكثر نساء العالم حرية وانطلاقا من القيود. اللهم إن هؤلاء الكتاب يكتبون بلا علم ويتفلسفون بلا اطلاع وأن بعض الجرائد تنشر مقالاتهم بلا نقد ولا تمحيص. . فاهد اللهم القارئين لأن يدركوا هذا الضعف فيهم فلا يرفعون بما يكتبون رأساً وإلا أضلوا عبادك إنك بالمؤمنين رحيم. يقول هؤلاء الكتاب أن العزوبة تنتشر في مصر ولا سبب لإضراب الشبان عن الزواج مخافة الإقدام على ما يجهلون. والحقيقة أن الشبان في مصر يتأخرون عن الزواج ليتسع لهم الوقت لاصطياد فريسة واكتساب مغنم. فليس لأكثرهم من هم إلا التزوج بالثريات فترى أحدهم لا يزال يتحرى مواقع الثروة غير مفكر في كمال ولا جمال حتى يعثر بمطلوبه فيعمل كل ما في وسعه للتزوج بها وهي تأبى أن ترضاه لطمعها فيمن هو أغنى منها فحدث ما نراه من قلة الإقبال على الزواج.

وهناك سبب آخر ساعد كثيراً على انتشار مبدأ العزوبة وهو شيوع الفحشاء في البلاد وسهولة إتيانها سرا وعلانية. وهذا المبدأ بجميع علله ومعلولاته إحدى هدايا المدينة الأوربية التي نفحتنا بها مع علومها وآدابها. وليس سببه هذا الحجاب الشفاف كما يذهب إليه المفتونون ببدع الحياة الغربية المادية. كتب العمراني الخطير (جيوم فريرو) في مجلة سنة 1895 من مجلات الفرنسية ما يأتي: إن العلامات المنذرة بقرب حلول الأزمة النهائية لهذا الشكل من المدنية التي تعيس فيه كثيرة جداً (تأمل) بحيث لا يمر يوم حتى يقف الباحث على إنذارات جديدة فيه. فلنعط نحن أيضاً أنفسنا وظيفة الطبيب ولنساعد في مساعدة ما شخصه الأطباء من هذا المرض الاجتماعي في زماننا هذا بدرس هذا الشكل الجديد من الرهينة التي هي مع عدم استنادها على دين تهددنا بأنها ستصل إلى الحد الذي وصلت إليه الرهينة الدينية في زمن من أزمنة القرون الوسطى. يعلم الرجال والنساء بالتجربة وفي كل بلد تلقي العقبات التي تحول دون الزواج تزداد يوماً بعد يوم وأن هناك أسباباً لا عداد لها اقتصادية على الخصوص تقف في طريقه حتى أن كثير من الناس لما يئسوا من إمكان تذليلها صبروا على العزوبة بكل وسعهم ومن السهل علينا أن نقول أن عددا عديداً من أشخاص من كلا الجنسين يجب أن يحدثوا آثارا هائلة على كيان الهيئة الاجتماعية كلها. وذلك بمعيشتهم بلا زواج أعني في شروط حيوية صناعية ويجب أن الآثار التي تنتج من النساء العازبات تكون أكبر من التي تنتج من آثار الرجال العازبين فإن عزوبة الرجل تكسبه في الواقع ونفس الأمر صفات نفسية خاصة به ولكنها لا تقلب كيان شخصيته تماما لأنها لا تستلزم عنده العفة مطلقاً ويمكنها أن تجبره على المعيشة بين بنات الهوى أو ترغمه على الفساد وعلى هذا فالعزوبة لا تقلل فيه تلك الوظيفة الفيزيولوجية دفعة واحدة وأما المرأة فبخلاف ذلك فإن الشروط الاجتماعية الحالية تستدعى عفتها في عزوبتها والعفاف يقتضي حذف وظيفة الأمومة وهي الوظيفة التي خلقت المرأة لأجلها جسداً وروحاً لاشك إذن في أن هذه الحالة يجب أن تفسد شخصيتها إفساداً ذريعاً ولاشك أيضاً أن عددا كبيراً من هذه النسوة يحدثن آثارا هائلة على الهيئة

الاجتماعية ثم قال: وقد ابتدأ علماء العمران يشعرون بوخامة عاقبة هذا الأمر المنافي للسنن الطبيعية فإن هذه النسوة بمزاحمتهن للرجال صار بعضهن عالة على الهيئة الاجتماعية لا يجدن ما يشتغلن به ولو دام الحال على هذا المنوال لنشأ عنه خلل اجتماعي عظيم انتهى. وقالت مجلة المجلات الفرنسية في المجلد الثامن عشر في فصل على المرأة: إن الزواج الذي كان آباؤنا يعتبرونه ضرورياً يظهر أنه قد صدم صدمة شديدة في كل جهة فإن الرقي العقلي الذي قالته المرأة وامتداد حقوقها يوما بعد يوم وغرامها الشديد بمساواة الرجل في حقوقه وافراطاته كل ذلك يهدد مدركاتنا التي ورثناها على الزواج. ثم قالت: إن رفض الناس للزواج ومحبتهم للطلاق وهما الأمران اللذان ينتشران يوماً فيوماً في أمريكا وفي كل الممالك الأوربية ثم كل هذه الاعتصابات النسائية تشعر بمرض يجب أن يتنبه له المتشرعون. انتهى ماذا يقول أضداد الحجاب بعد هذا البيان. ومتى يشعرون بأن الكلام في المسائل الاجتماعية لا يصح أن يكون بغير عرق راسخ في النظر وبلا هدى من أحوال البشر. نسبوا للحجاب إضراب الفتيان عن الزواج في مصر وهذا الإضراب في الحقيقة عرض من أعراض هذه المدينة الأوربية فعزوا المعلولات لغير عللها الحقيقة واستهتروا في ذلك استهتار افعقدوا معه أدب الكاتب وأدب الاجتماع معاً. حتى أضروا بمبدئهم من حيث يريدون تأييده وإذاعته. إن هؤلاء أغرقوا فيما هم فيه حتى عزوا لتكشف النساء كل آثار التعليم والتربية والآداب الصحيحة وغاب عنهم أن فلاحات مصر وبدويات الصحارى وزنجيات إفريقيا منكشفات وهن مع ذلك محرومات من كل ثمرات الحياة الصالحة وراسفات في أثقل قيود الأسرة والعبودية لرجالهن فلماذا لم يؤثر تكشفهن على حالتهن الاجتماعية فنخفف من وطأة النوازل عليهن؟ إن الاختلاط بين النساء والرجال إذا كان له أثر على حالة النساء فلا يكون إلا في تدنيس قلوبهن وإفساد فطرهن وتسهيل سبيل الفسق والفجور على الأرذال من الرجال ومنهن يقول

قسم بك أمين رحمه الله أنه يجب علينا أن نكشف نساءنا واو أدى ذلك إلى دخولهن في جميع الأدوار التي دخلت فيها المرأة الأوربية يريد بذلك ولو أصبح الحال في العالم الإسلامي كما هو في العالم الأوربي من شيوع الزنا ورواج سوق الفسق والغرام وانتشار العزوبة إلى الحد الذي بلغت إليه أوروبا وهو كلام لا نفهمه وليس هو من الحكمة في شيء فقد كان يصح ما يقول إذا كانت المرأة الأوربية خرجت من كل هذه الأدوار راقية شريفة. أما هي لا تزال تتخبط في تلك الأدوار ويجأر فلاسفة بلادها إلى الله من فداحة مصابها ومصاب الرجال. ويعتبرون ذلك علة أصلية لتلاشي مدينتهم وتقوض دولتهم فلا يصح في عقل عاقل أن ينصح ناصح قومه بأن يدفعوا نساءهم في هذا السبيل المحفوف بالمكارم الذي هو إلى الشر أقرب منه إلى الخير. فأما أن نصبر على ما نحن عليه حتى يتبين لنا ما وراء كل هذه المقاذر التي تخوضها المرأة الغربية وأما أن نعمل عقولنا فندرك أن أحسن السبل هو أن نقوي في مجتمعاتنا مبدأ عدم الاختلاط حتى لا نقع فيما وقع فيه سوانا من الإرزاء. مساكين الكتاب السطحيون ينظرون إلى السراب فيحسبونه ماء فيملأون الدنيا صباحاً بالدعوة إلى وروده ولو تبعهم الناس لما تأدوا إلى شيء بل لتأدوا إلى اخلاط يضل في الحجى ويتوه فيها الصواب ولا يكون من ورائها إلا الهلاك. يقولون بالاختلاط يتمكن الخاطب من رؤية خطيبته ومعاشرتها ليعجم عودها ويخبر خيمها فما أعجب هذه الآراء وما أبعدها عن التعقل. إن نتيجة هذه المعاشرة في أوروبا قد سببت من المفاسد الاجتماعية ما لو أردنا إحصاء بعضه للزمن كتاب خاص. منها خدع الفساق من الرجال للنساء فترى أحدهم يتصدى لشابة فيوهمها أنه يريد أن يتزوج بها ويظهر لها من اللطف والحب ما يجلب لها فإذا آنس أنه تمكن من قلبها عاشرها معاشرة الزوج لزوجته فتلد منه ولدا واثنين وثلاثة ثم يهجرها بأولادها هجر غير جميل فلا تجد المرأة المسكينة بعد هذه النكبة وسيلة أسهل من الانتحار فأما أن تقتل أولادها بيدها أو تدعهم لملاجئ الأيتام وترسل بنفسها إلى عالم الأرواح انظر إلى ما تقوله الإحصاءات. جاء في المجلد الحادي عشر من مجلة المجلات الفرنسية نقلا عن الإحصاءات الرسمية أنه

متفرقات

حصل في إيطاليا من سنة (1889) إلى سنة (1893) أي في مدة خمس سنين (569) انتحارا من جهة النساء وحصل في فرنسا في تلك المدة عينها (5869) حادثة أي أن فرنسا ينتحر فيها في كل سنة نحو (2000) امرأة وهو عدد ليس بالقليل لمن فيه ولو كانت هذه المعاشرة قبل الزواج تكفي لدوام الارتباط العائلي أو لتقليل الطلاق لكان الطلاق نادرا وقد رأيت أنه أخذ في الانتشار بسرعة مدهشة. وهناك أمر جدير بالنظر وذلك أن النخوة الأدبية في أوروبا أرقى منها في مصر فإذا كان يسهل على جمهور من المصريين أن يروا بأعينهم مداعبة تحدث بين فاسق وفاسقة على قارعة الطريق فلا ينفعلون فإن مثل هذه المخازي في انجلترة وفرنسا مثلا مما لا يتصور حدوثه على مرأى المارين والجالسين ولا البوليس الموكل بحفظ الآداب فإذا شاع عندنا الاختلاط بين الرجال والنساء غلبت مبادئ الفساق على تصون الفضلاء وأصبحت بلادنا مسارح يمثل فيها الفجور عيانا. إن المصريين تساهلوا قليلا في أمر الحجاب فنشأ لديهم من أنواع الخناما لايغيب عن ذهن القراء فما من بيت في مصر الآن إلا ويجاوره أو يحاذيه بيت عامر بالخلاعة مقفر من الكرامة فيرى الراؤون الحال ولايزيدون عن الحوفلة والاسترجاع وهي من صفات العاجزين إن لم تصحب بالنخوة الحافظة لكرامة الجوار. هذا اللين المتناهي عيب من عيوننا المعهودة ولا سبيل لشفائنا منه إلا بعد أجيال فإذا اختلط النساء بالرجال ونحن متلبسون بهذه النقيضة زاد الطين بلة وقضينا بأيدينا على البقية الباقية من الآداب. أنا لست ممن يذهب إلى أن المرأة أميل من الرجال إلى الفسوق بل أنا ممن يعتقد أنها أقرب للطهر والكمال وأكثر تمسكا بأذيال العفاف من الرجل واعتقد من جهة أن الحجاب فيه شيء من الحبس لحريتها ولكن ما الحيلة إذا كان هو الضمان الوحيد لعدم الاختلاط الذي وراءه كل هذه الآفات وكم من الحياة من قيود وأغلال نضعها في أرجلنا مضطرين إذا كانت الحياة تقتضيها أو كان وراءها الخلاص من بلاء مبين. أظنني قد أزلت شبهة أضداد الحجاب بهذه العجالة إن كان فيما يكتبون ما يصح أن يسمى شبهة وإن عادوا عدنا والله من ورائهم محيط. متفرقات

جاءنا هذا الكتاب من العالم الفاضل صاحب الإمضاء حضرة الأفاضل المحترمين أصحاب مجلة الحقائق الغراء غلب تقديم واجبات التعليم والاحترام أرجو من فضلكم التأمل بالحديث المذكور في خطاب العلامة الشيخ صالح أفندي المدرج في الجزء الخامس من مجلتكم ص (127) التي صواب نمرتها (185) س8 بلفظ نعم مطية الدنيا الآخرة فإنه ظهر لي من هذا اللفظ كون الآخرة مطية للدنيا وأشكل علي ذلك فإن كنت متوهماً أفيدوني وإلا فإما أن يكون فيه خطأ من الطبع أو سبق قلم من الأستاذ على كل أرى لزوم التنبيه على ذلك مع بعض غلطات بديهية وقعت في طبع هذا الجزء كما هو محرر في جانبه وما القصد إلا أن تبلغ مجلتكم الدرجة القصوى من التحقيق والتدقيق من جميع الوجوه جزاكم الله خيراً على هذا المشروع الخيري هذا ويوجد عند الداعي تلغراف بهذا اللفظ - شام جامع الدرويشية سليم أفندي السكري: عن خالتي طمنتكم ... يا صاحب القدر الرفيع لبت لعت طارت فيا ... بشرى وزارت للشفيع نزلت معان بصحت ... منو بتطمن الجميع الأمضا توفيق العلمي وصواب البيت الأول عن خالتي لأن المقصود مرسله تطميننا عن خالتنا وخالته بأنها وصلت إلى معان بصحة بعد أداء فريضة الحج وصواب البيت الثاني لبت سعت_فأين لفظ لعت من سعت وطارت من طافت وصواب البيت الثالث_نزلت معان بصحة منوا بتطمين الجميع_وخطؤه بديهي وقد تكرر معنا الخطأ بجملة تلغرافات غير هذا كما بينتم حفظكم لله كثرة خطائه والله يحفظكم آمين. (محمد سعيد السكري) (الحقائق) - نشكر للكاتب عنايته ونثني على همته وقد نبهنا أيضاً حفظه الله إلى بعض غلطات أثبتناها وغيرها مع بيان الصواب فيها في هذا الجزء وعلمنا من ثقة أن قد تسامع في بعض الولايات خبر إثبات بعض الشهور فاستنبأ قاضي تلك الولاية من قاضي المتصرفية الخبر فورد إليه الجواب بالتلغراف أنه ثبت فطلب أن يرسل إليه على العادة الإعلام والشهود فجاءه الخبر ثانية ألم نخبرك بأنه لم يثبت فكيف تطلب منا

الإعلام_التلغراف كتب بأنه لم يثبت بأنه ثبت_تأمل (تشطير بيتي أبي العتاهية في الصديق * للعالم الفاضل صاحب الإمضاء) (صديقي من يقاسمني همومي) ... ويفرح إذ تساعدني الأماني ويمسك بالصداقة أصدقائي ... (ويرمي بالعداوة من رماني) (ويحفظني إذ ما غبت عنه) ... ويهديني الخير إن رآني فهذا يرتجي لي كل خير ... (وأرجوه لنائبة الزمان) دمشق محي الدين الخاني

أغلاط الجزئين الخامس والسادس

أغلاط الجزئين الخامس والسادس صحيفةسطرخطأصواب16018والحروف في الحروففي الحروف1645فساد أخلاقفساد الأخلاق17114غنياً أو فقيراغنياً أو فقيراً17212شهدينشهيدين1732المرأتانالمرأتين1753اليقينةاليقينية1723لما أمنكهملما أمكنهم1727نعم مطية الدنيا الآخرةنعم مطية الآخرة الدنيا18312إنما المؤمنينإنما المؤمنون18611روحانالروحان1874شهدءشهداء1878يالأرواحبالأرواح18712وقظووقظوا18718وزراريهموذراريهم18718ووضاورضا18721أموالكمبأموالكم18817وعظاموأعظام1903بعضمبعضهم1946بداعةبراعة19410لاشدورلاشذوذ19716هذهذا1971قليلاً ماتتذكرونقليلاً ماتذكرون19813ووحدانية في الصفاتووحدانية الصفات19919في مدنيةفي مدينة2133الذيالتي2141فضلتكمفضيلتكم2181إن نبسةإن نسبة22215يالنساءبالنساء2233قيطلقهافيطلقها2258منهامنه22617للسنننللسنن2189يمكنهميمكنهن21919إلىعلى2223من وراءوراء22210زابذاب11تحدستحدث $ الجزء السابع - المجلد الأول - 1 شباط 1911 الدين الإسلامي والتوحيد (تابع ما قبله) القدرة 7 الإنسان كلما ترقى في مراقي العقل، وعرج في معارج العلم، ومدارج الفهم، وازداد نظره نفوذاً في الكون وموجوداته ينكشف له من عجائب المصنوعات، وبدائع المخلوقات ما يسوقه سوقاً اضطرارياً إلى الإخبات لفاطر الأرض والسموات، والإيقان بقدرة باهرة له أبدعت هذا الوجود على مقتضى الحكمة ونهاية العدل. لاشبهة أن الذي تفرد بالملك والتدبير، وتوحد بالخلق والتقدير متصف بقدرة شاملة لسائر الكائنات لها السلطان الأعلى في إيجاد الموجودات على حسب ماخصصته الإرادة واقتضته الحكمة الباهرة فالقدرة من الصفات الأزلية القائمة بذاته تعالى المتعلقة بجميع الممكنات بها الإيجاد والإعدام على وفق الإرادة فليس من وظيفتها أن تتعلق بالواجب لأنه لايقبل العدم ولا بالمستحيل لأنه لايقبل الوجود. والدليل على اتصافه سبحانه وتعالى بها صدور الأفعال المحكمة المتقنة عنه جل وعز مثل خلق السموات والأرض وغيرهما من بدائع المصنوعات وعجائب المكونات وماهديت إليه

الحيوانات من مصالحها وأعطيته من الآلات المناسبة لها وذلك يدل قطعاً على كون صانعها قادراً فإن من رآى ثوباً من ديباج حسن النسج والتأليف متناسب التطريز والتطريف ثم توهم صدوره من جاهل به وعاجز لا استطاعة له ولاقدرة كان عن حيز العقل خارجاً وفي سباسب الجهل راتعاً. شعورك أيها الإنسان بتلك القدرة الأزلية التي تولتك وأنت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وربتك تلك التربية الجنينية، ثم هدت والدتك وساقتها للعناية بك حتى كبرت وترعرعت، وبأنها لتولاك الآن وتبعثك بالدوافع التي وضعتها فيك إلى كمال أنت مستأهل له يجعلك هادئ الضمير، ثلج الصدر، مطمئن الفؤاد، آمناً من جيشات الشبه الهائلة، وسطوات الشكوك الفادحة، (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) يزيدك بياناً وبرهاناً أنك لو استعرضت شيئاً قليلاً من عجائب النباتات ورأيت أنك تلقي إلى الأرض بذرة لا تكاد تحس بها بين أصابعك فتراها بعد سنين شجرة ذات جذع غليظ وفروع ممتدة وأوراق وأثمار ذات ألوان وطعوم وأريج ثم لو طفت أيضاً على مملكة الحيوانات واستحضرت إلى فكرك تلك الكائنات المختلفة في الصور والأحجام والأشكال والطبائع والغرائز ثم لو تفكرت في أن الماهية التي هي أصل كل هذه الصور البديعة مجهولة لديك بالمرة لرجعت وكلك شعور بضعفك وعجزك ولوجدت فؤادك ساجداً بفطرته أمام هذه القدرة العظمى التي بهرت العقول وأدهشت الألباب خاضعاً لعظيم سلطانها راضخاً لتصرفات هذا الرب جل وعلا معترفاً بأنه على كل شيء قدير (لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. فالكون والكائنات آيات لتمام قدرته ودلالات واضحة على كمال تدبيره فسبحانه وتعالى (خلق فسوى وقدر فهدى) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعاً لكم ولأنعامكم). الإرادة 8 مما يجب لله تعالى أيضاً الإرادة: وهي صفة أزلية لتقتضي تخصيص لمكونات بما يجوز عليها من الوجوه الممكنة على وفق العلم فكل موجود لابد أن يكون على قدر مخصوص

الانتقاد

وصفة معينة وله وقت ومكان محدودان وتخصيص هذه الوجوه لكل ممكن إنما هو على وفق علمه سبحانه وتعالى فتأثير القدرة فرع تأثير الإرادة إذ لا يوجد سبحانه شيئاً من الممكنات أو يعدمه بقدرته إلا ما أراد وجوده أو عدمه وهذا معنى قولهم ما خصصه الله بإرادته أبرزه بقدرته وتأثير الإرادة على وفق العلم أيضاً فكل ماعلم أن يكون أولايكون فذلك مراده سبحانه هذا ولاخلاف بين أهل السنة والجماعة في اعتقاد أن الكائنات من خير وشر، وإيمان وكفر، وعرفان ونكر، وغواية ورشد، بإرادة الله تعالى فلا يجري في الملك والملكوت طرفة عين ولا فلتة خاطر، ولا لفتة ناظر، إلا بمشيئته لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) لا يسأل عما يفعل والدليل على اتصافه تعالى بالإرادة أنه فاعل بالاختيار، وكل فاعل بالاختيار تجب له الإرادة، وأيضاً لو كانت أفعال العباد واقعة على خلاف مراد الله تعالى كان ذلك نقصاً في ملكه وقصوراً وعجزاً إذ العقول قاضية بأن قصور الإرادة وعدم نفوذ المشيئة من أصدق الآيات الدالة على سمات النقص والاتصاف بالعجز وهو محلل عليه تعالى ومن ثمة قالوا من ترسم للملك ثم كان لا ينفذ مراده في أهل مملكته عدٌ ضعيف المنة مضياعاً للفرصة فإن كان ذلك يزري بمن ترسم للملك فكيف يتصور في صفة ملك الملوك ورب الأرباب تعالى عن قول الظالمين علواً كبيراً، ويؤيد ذلك الدلائل النقلية، قال تعالى (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) وقال ولو شاء ربك مافعلوه) وورد (ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) ومعناه أنه لايتحقق من العبد قصد جازم متعلق بالعقل صارف للقدرة إليه إلا تبعاً لإرادة الله عز وجل ولنختم هذا الموضوع الجليل بأبيات نسبت للإمام الشافعي رضي الله عنه لما لها من التعلق الشديد بهذا المبحث العظيم قال: ماشئت كان وإن لم أشأ ... وماشئت أن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ماأردت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن يتبع الانتقاد

الزهاوي يرى في المرأة غير رأي القرآن الحجاب المبحوث عنه مجموع أمرين ملازمة البيت وستر الوجه ويظهر من كلام الكاتب أنه منكر لكلا الأمرين لأن المضار التي زعم ترتبها على الحجاب بنى بعضها على الحبس في البيوت وبعضها على عدم كشف الوجه ونريد هنا أن نبين أن كلا الأمرين شرعي يأمر به الدين أما الأول فدليله قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) قال العلامة الآلوسي في تفسيره الخطاب للنساء الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمرهن رضي الله عليهن بملازمة البيوت وهو أمر مطلوب من جميع النساء أخرج الترمذي وليزار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المرأة عورة فإن خرجت من بيتها انتشر فيها الشيطان وأقرب ماتكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها وأخرج البزار عن أنس قال جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يارسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين فقال عليه الصلاة والسلام من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى. وقد يحرم عليهن الخروج بل قد يكون كبيرة كخروجهن لزيارة القبور إذا عظمت مفسدته وخروجهن ولو إلى المسجد وقد استعطرن وتزين إذا تحققت الفتنة أما إذا ظنت فهو حرام غير كبيرة وما يجوز من الخروج كالخروج للحج وزيارة الوالدين وعيادة المرضى وتعزية الأموات من الأقارب ونحو ذلك فإنه يجوز بشروط مذكورة في محلها أهم. وأما الثاني فدليله قوله تعالى (قل للمؤمنين بغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم أن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ماظهر منها إلى آخر الآية) - (قال الألوسي قي سبب نزول هذه الآية) أخرج إبن مردوية عن علي كرم الله وجهه_قال مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة فنظر إلى امرأة ونظرت إليه فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجاباً به فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها إذا استقبله الحائط فشق أنفه فقال والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أمري فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي صلى الله عليه

وسلم هذا عقوبة ذنبك وأنزل الله تعالى الآية) بدأ الله سبحانه الآية بالإرشاد إلى غض البصر لما في ذلك من سد باب الشر فإن النظر سهم مسموم من سهام ابليس وهو بريد الزنا ورائد الفجور ولله در من قال: والمرء مادام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر يسر ناظره ما ساء مهجته ... لا مرحباً بسرور عاد بالضرر فأوجب غض البصر عما يحرم النظر إليه_وجاءت السنة السنية بالعفو عن نظرة الفجأة التي لاتعمد بها قال عليه الصلاة والسلام (لاتتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة). ومحل الاستدلال على المدعى قوله تعالى (ولا يبدبن زينتهن إلا ما ظهر منها) قا القاضي البيضاوي في تفسيره (ولا يبدين زينتهن) كالحلي والثياب والأصباغ فضلاً عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له (إلا ما ظهر منها) عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجاً وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والزينة_والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة_وإلا ظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر_فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج ومحرم النظر إلى شيء منها إلا للضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة. وقال الزمخشري في الكشف لزينة ماتزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبقائه للأجانب_وماخفي منها كالسوار والخلخال والدماج (3) أو القلادة (4) والإكليل (5) والوشاح (6) والقرط (7) فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين. وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لايحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهي عن إبداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها ممكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة وشاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتيقن الله في الكشف عنها.

وكلام البيضاوي مبني على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه من أن الوجه والكفين عورة في غير الصلاة_وكلام الزمخشري مبني على مبنى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه_من أنهما ليسا بعورة مطلقاً وفي ظاهر القولين خلاف لكن متى علمت أن مذهب الإمام أبي حنيفة معلل بالضرورة ومقيد بعدم خوف الفتنة وأن مذهب الإمام الشافعي جواز النظر للضرورة كما رأيت في عبارة البيضاوي سهل عليك أن تحكم بأن القولين يؤديان إلى نتيجة واحدة_ألا وهي عدم جواز النظر - لأن شرط أمن الفتنة مفقود التحقق في هذا الزمان. وقد نص السادة الحنفية على أن الشك في حصول الفتنة موجب للتحريم_قال في الدر المختار_فإن خاف الشهوة أوشك امتنع نظره إلى وجهها (أي الأجنبية) فحل النظر مقيد بعدم الشهوة وإلا فيحرم وهذا في زمانهم أما في زماننا فممتنع من الشابة قهستاني وغيره. وقال الله تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) - قال الألوسي في تفسير هذه الآية أخرج البخاري وابن جرير وابن مردوية عن أنس رضي الله عنه قال قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يارسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب وأخرج ابن جرير عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن في الليل إذا برزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم أحجب نسائك فلم يكن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر رضي الله عنه بصوته الأعلى قد عرفناك ياسودة_حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله تعالى الحجاب وذلك إحدى موافقات عمر رضي الله عته وهي مشهورة. وقال الله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) _ذكر العلامة الواحدي في أسباب النزول قال كانت نساء المؤمنين يخرجن بالليل إلى حاجتهن وكان المنافقون يتعرضون لهن ويؤذوهن فنزلت هذه الآية وقال السدي كانت المدينة ضيقة المنازل وكان النساء إذا كان الليل خرجن فقضين الحاجة وكان فساق المدينة يخرجون فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا هذه حرة

فتركوها وإذا رأوها بغير قناع قالوا هذه أمة فكانوا يراودونها فأنزل الله تعالى هذه الآية. وجلابيب جمع جلباب وهو على ما روي عن ابن عباس الذي يستر من فوق لأسفل ولإدناء التقريب وضمن معنى الإرخاء والسدل ولذلك عدي بعلى وفي الكشاف معنى بديني عليهن يرخين عليهن يقال إذا دلَ الثوب عن وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك. والمراد بعليهن على جميع أجسادهن وقيل على رؤوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهم أما كيفية هذا الستر في الجاهلية هو الوجه فقد اخرج ابن جرير عن محمد ابن سيرين قال سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطي وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر ويوجد روايات أخر في الكيفية قريبة في المعنى مما ذكر هذا غيض من فيض مما يمكن أن يستدل به من كلام الله وسنة رسوله على مشروعية الحجاب وقد وعدنا أن لانرد على الكاتب فيما رآه من مضار الحجاب ويكفينا أن نبين للقراء أن الله أمر به ولاشك أن القارئ المسلم يكتفي بذلك ويعلم أن الله لم يشرع لعباده إلا مافيه خيرهم وسعادتهم ويحسن بنا أن نختم مقالنا بقصيدة منقولة من المجلد (12) ص (351) من مجلة (المنار) في الحجاب من نظم أحد أدباء العراق في معارضة بعض شعراء العصر قال: لنعم مؤدب الخفرات ... يقمن به إلى يوم الممات يقرن به كواكب في بروج ... ولايعدونه متبرجات فمالك ياغيور نظمت شعراً ... نثرت به عقود البينات تعرض في نساء القوم قدماً ... وتعرض عن أوامر صادعات فقد قال الإله وقرن أمرا ... يؤدب فيه خير الأمهات فإن تفهم سوى المعنى فبين ... وإن تزعم له نسخاً فهلت نشدتك هل قصدت بذا بياناً ... على حسن اقتدار والتفات أواستنبطت ذا من فعل خير ال ... نساء العالمات العاملات فإن تك أُمَنا في العلم بحراً ... تحل لسائليها المشكلات فقد كان المعلم خير زوج ... بحجرة بيته لا المدرسات

وقد كان الأولى سئلوا علوماً ... بنيها لاالبعيد من العدات فمن تغدوا على ال. . . كيما ... تعلم ضرب عودا وكرات وتأتيها الرجال تنال منها ... فتؤتى في منازلها وتأتي كمن أخذت عن المختار علماً ... وعلمت البنين أو البنات قياس لاينسم في هواه ... ولاينساغ في ماء فرات فهل هذا لعمر أبيك إلا ... كتسوية الذين مع اللواتي وما ذكر كأنثى نص فيها ال ... كتاب مقال إحدى العالمات ونقصان النساء حجاً وديناً ... صحيح في مسانيد الروات أَأُم المؤمنين إليك نشكوا ... مصيبتنا بهتك المؤمنات يريد الله أن يغضضن طرفاً ... ويدنين الجلابب ساترات ولا يبدين زينتهن إلا ... لطفل ليس يعلم بالهنات ويسئلن الالمتاع ورا حجاب ... ويلقين الرجال محجبات فكيف يليق أن تلقي حجاباً ... وتبرز بين الأعضاء الأُبات فتلك مصيبة ياأم منها ... تكاد نغص بالماء الفرات هذا وقد كان لمقالة الكاتب الزهاوي وقع سيء في جميع البلاد الإسلامية وقد ردت عليه كثير من الصحف في سوريا ومصر وغيرها وكما ذكرنا في العدد الخامس أن الحكومة فصلته من وظيفة التدريس وشكرنا عنايتها بالدين المبين. وكانت الصحف متباينة الفكر فيما فعلته الحكومة فريق يثني عليها ويشكرها وفريق ينتقد عملها ويقول أنه ضغط على حرية الأفكار. وفصل الخطاب في ذلك ما ذكرته مجلة (المنار) بقلم صاحبها محل الشاهد منه باختصار_قال: هذه الأحكام التي اعترض عليها الكاتب اعتراض تهكم وازدراء هي من القوانين الشرعية التي يحكم بها في محاكم الدولة الدستورية وهي من دين الإسلام الذي هو الدين الرسمي للدولة العثمانية بمقتضى قانونها الأساسي. _ وقانون المطبوعات الذي وضعه وأقره مجلس الأمة لا يبيح الاعتراض والتهكم بدين

الحكومة التي يجب عليها حمايته بل ولا بغيره من الأديان التي أقرتها الحكومة الدستورية في بلادها فالدستور العثماني لا يبيح إذاً نشر تلك المقالة التي نشرت باسم الزهاوي فالذي ينتصر له بعد العلم بحقيقة ذنبه في نشرها يكون جانباً على الدستور خارجاً عن محيط الحرية التي يشترط عند جميع الأمم أن لا يتعدى بها حدود القوانين التي عليها العمل. لو أن الزهاوي اتبع سبيل الحكمة والعقل في اعتدائه حدود القانون والشرع لقال كثير من العقلاء أنه يستحق الرأفة في الحكم. وأين الحكمة والعقل ممن يزعم أنه يريد إصلاح قوم فينكر عليهم ما هو ثابت في أصل دينهم وكتاب ربهم لأنه لا يفقهه ولا يدري ما حكمه إلى أن قال بعد هذا كله_أقول فيما ذكر من عزله واضطهاد الناس له أنه كان ينبغي له أن يسأل أولاً عن هذه المقالة فإن اعترف بأنه هو الكاتب لها فللحكومة أن تعزله قائلة أنه لاينبغي أن يدرس الشريعة من ينكر أصلها إلا حكم وسراجها إلا نور للناس أن ينكروا عليه ذلك إذ لا يأمن آباء التلاميذ على أولادهم من يشككهم في عدل شريعتهم وحقبتها ويجب عليهم شرعاً أن يطالبوا الحكومة بمنعه من التدريس ويجب على الحكومة أن تجيبهم إلى ذلك وإذا رفع أمره إلى القاضي الشرعي وثبت عنده أنه هو الذي تهكم بالشريعة ونسبها إلى الجور والظلم في أحكام الإرث والطلاق وتعدد الزوجات_فعليه أن يحكم بردته ويفرق بينه وبين زوجته إن كانت مسلمة.

المعارف

المعارف حالتنا تقضي أن لانغفل هذا الموضوع من العناية بالبحث فيه وفي برنامجه من حيث كونه ممهداً لنشر العلم الصحيح ومفضياً إلى توفير وسائله وتسهيل طرق تحصيله للتمسية ونحن نضم صوتنا إلى أصوات الصحافيين الذين لا يفتؤُن يصرحون بأن بث روح العلم هو أقوى سبب يكفل سلامة المملكة العثمانية ويضمن لها مستقبلاً زاهياً ويعيد لها نضارة العصر الذهبي المأموني الذي لم يزل يضرب به المثل حيث بلغ من مراتب الكمالات العلمية درجة تقطعت دون نيلها إذ ذاك أعناق سائر الأمم شاخصة الأبصار مع قياصرتها وأكاسرتها وعباهلتها تنظر نظر غبطة إلى ذلك الرقي الباهر ولسان حالها يقول (وأين الثريا من يد المتناول) ولا غرو فقد كان المأمون (3) يستهين بالنفس والنفيس في سبيل العلم ويبذل لأجله كل مرتخص وغال_ولو كان يؤثر على ذلك شحن خزائنه بالأموال واحتجان المسجد والرقة (4) لما خلدت له في بطون التواريخ ذكرى أياديه البيضاء في سبيل العلم ولا كان الدهر يردد ذكر آثاره الغراء مقرونة بالإجلال والتبجيل ولكان انطوى خبره مع أخبار ملوك اللهو واللعب ولله در القائل: أنا غدا ملك باللهو مشتغلاً ... فأحكم على ملكه بالويل والحرب أما ترى الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا وهو برج اللهو واللعب قد ثبت عند جميع الأمم أن نشر المعارف هو مدار الترقي ومناط النجاح ومن استقصى النظر في مجالس جميع الممالك ودوائرها وجد أن المختص منها بالعلوم والفنون هو أكثر انتظاماً وأقوى نهضة وأسرع ترقياً من غيره حتى أن الرجال الذين ينتخبون للمشاريع العلمية أعظم اقتداراً وحزماً وغيرة من سائر رجال الحكومة من حيث المجموع وقد أصبح فلاسفة الغربيين اليوم يقولون من أراد أن يقف على حقيقة أحوال كل مملكة فلينظر إلى معارفها بعد أن كانوا يقولون فلينظر إلى مقدار ما تستعمله من أنواع الجيد لأسلحة الجنود وبناء الأساطيل وسائر أدوات الكر والفر وآلات الهجوم والدفاع ومعدات المعارك والحروب ولا يخفى أنه ليس المراد من هذا إن الدول بأجمعها قد خضعت لكلمة الحق واستسلمت لأحكام العقلاء فلم يبق لها احتياج إلى اعداد ما تستطيعه من القوى لسحق بني أبيهم آدم بدليل أن حكومات الاستعمار لم تبرح تطحن البشر وتحصدهم حصداً في سبيل تمديد نفوذها إلى بلادهم وإدخالهم تحت سلطتها مع الضغط عليهم ضغطاً لا يسوغ العقل

الراجح وقوع مثله على العجماوات وإنما المراد أن المعارف إذا تم انتشارها بين أفراد الأمة وسائر طبقاتها قضى عليها بالاتحاد والوئام وبرهن لها على وجوب السعي في سبيل الاستعداد بإكفاء الرجال وخزائن الأموال وروائع العدد الحربية حيث يمكنها حينئذ أن تحتفظ بكيانها وتصون أوطانها وتقف في أرقى مستوى يتاح للدول الوصول إليه وهانحن ندرك بجميع حواسنا أن كل حكومة تذرعت بوسائل التقدم الدستوري والترقي وأخذت بالحيطة في شؤونها من جميع أطرافها لا تلبث عشية أو ضحاها حتى تثور من مرابضها وتنظر إلى غيرها نظر الساخط الساخر ولسان حالها يملأ الفضاء بمثل قول الشاعر: وترعى حمى الأقوام غير محرم ... علينا ولا يرعى حمانا الذي تحمى كما أن الأمم القاصرة المقصرة التي لاتعنى بالمعارف لاتزال إزاء غيرها من الدول القوية خافضة الجناح استكانة ومذلة خافتة الصوت بمثل وقول الشاعر: إذا مرضنا أتيناكم تعودكمو ... وتذنبون فنأتيكم وتعتذر وصفوة المقال أن النهضة العلمية هي برهان النجاح وحجة الترقي فما الذي عملناه نحن وحكومتنا الشوروية إزاء هذه النهضة منذ الانقلاب إلى اليوم هذا سؤال يردده كل عثماني يغار على الحكومة والوطن ويعنى بالفحص عن أسرار انحطاط هذه المملكة العثمانية التي قاس سكانها من العناء والبلاء ما لا يعلم به إلا الذي يحيط علماً بالجزئيات والكليات. ونحن كنا نود أن نصرح هنا بما نشأ عن أعمال نظارة المعارف من التقدم العلمي في هذا الدور الجديد وماذا تجدد فيه من المدارس والمكاتب ودور المعلمين وماالحكمة التي روعيت في تنظيم برنامجاتها وانتخاب أساتذتها ومعلميها مع بيان الكيفية في إلقاء الدروس وإملاء التقريرات كل ذلك كنا نرغب في بسط إيضاحه بسطاً يتمكن المطلع عليه من الوقوف على مقدار الحركة العلمية والإشراف على سير المعارف في المملكة العثمانية بيد أننا نرى عنان القلم ينكمش منقبضاً عن الجري في مضمار هذه التصريحات ويقصر عن بلوغ المدى في ميدان تلك الإيضاحات مع أن في هذا المقام متسعاً للباحثين وكأن اليراع توقع إذا هو استقصى البحث واسترسل في الكلام وخاض هذا الموضوع غير هياب ولا وكل أن يقع في مضيق قانون المطبوعات الذي يصعب التقصي (3) منه كما يسهل التورط فيه على حد قول الشاعر:

دخولك من باب الهوى إن أردته ... يسير ولكن الخروج عسير وعلى تقدير السلامة فهل يؤثر مقالنا هذا التأثير الذي تتطال إليه الأعناق وتشرئب نحوه النفوس فيعود علينا بالجدوى (4) المرغوبة ونجتني من ثمراته ماينسينا مرارة الجهالة التي تجرعتها سكان المملكة العثمانية كارهة مكرهة وتوجرتها (5) مقهورة مضطهدة (6) حتى وصلنا إلى زمن تقلصت (7) فيه عن بلادنا ظلال العلوم الوارفة (8) وأصبح المستحق لاسم العالم والحاوي لشرف العرفان أعز من الكبريت الأحمر (9) وقل العلم والعلماء قلة يتضاءل (10) لها الإنسان وجلاً وخجلاً من خالقه الذي وهبه ميزة (11) الاستعداد لنيل مناصب العلوم ومراتب المعارف وطفق مبتغي اقتباس نور العلم يضرب آباط الإبل (12) ويجوب فيا في الأقطار العثمانية وهو ينشد ذلك الرجل الذي يقال له على سبيل الحقيقة عالم أخصائي بله المتضلع من جميع العلوم الدينية الشرعية أو الدنيوية العصرية ولو أردنا تعداد العلماء الحقيقيين عندنا في دمشق ذات التاريخ المجيد لما جاوزوا عدد نجوم الثريا على أنها في مقدمة البلاد السورية عناية بالعلوم والمعارف. فحتى متى ونحن نقضي على الجهل وهو الداء الدفين الذي يقتل من كتمه ولم يستطب له والأنكى أن الخطباء والكتاب الذين بحت أصواتهم وكلت أقلامهم وهم يقولون (إلى العلم إلى العلم) قد سهل على المحاولين جوابهم لأنهم إذا أسندوا القصور والاقصار إلى الحكومة وأرادوها على إسعاف الشعب في سبيل التقدم العلمي قيل لهم دعوها وشأنها فهي من أمرها في شغل شاغل ولا ينبغي للشعب أن يتكئ أو يتكل عليها في كل شيئ_وأن أسندوا ذلك إلى الشعب وقصروا الملامة والتبعة عليه قيل لهم أن الشعب ليس عليه إلا أن يقوم بأداء ما تكلفه به الحكومة من الضرائب والرسوم التي تحيي منه باسم المعارف ومن أين للشعب أن يستسهل المصاعب والمتاعب ويقتحم عقبات المشاق الحائلة دون العلم وهو حديث عهد بالنقة من أمراضه الاجتماعية وبالخلاص من أعباء القيود الفادحة (3) التي ظل يرزح (4) تحتها ردحاً طويلاً وفي الحقيقة هذه كلها مماحكات ومواربات لاتغني من الحق شيئاً ولئن كانت زخرفة المعاذير الملفقة تفيد في دفع احتجاجات المطالبين بالإصلاح المعنوي وتسكين ضجيج المتبرمين من فشو الجهل فهي ليست تفيد نقيراً ولاقطميراً أمام الخطاب الشرعي القاضي بسؤال كل راع عن رعيته وبفرضية العلم على كل أحد وبأعداد ما في الوسع

والطاقة من القوى وبوجوب التحرز والاحتياط من الأخطار والمهالك ونحو ذلك مما لايتوصل إليه إلا من طريق العلم فالعلم هو سبيل السعادة التي هي الضالة المنشودة لكل فرد من أفراد البشر ولسنا نعني علماً مخصوصاً بل نريد جميع العلوم سواء كانت دينية أو دنيوية_أما الدينية فوجوبها على كل إنسان لايحتاج إلى بيان_وأما الدنيوية أو العصرية فقد أصبحت اليوم من قبيل القوى التي أمرنا باعدادها وليس في المملكة العثمانية من مدارس الفنون العصرية ما يفي بالغرض ويكفي الناشئة ويكون فيه سداد من عوز يقوم بمطالب الشعب_اللهم إلا ما تأسس وافتتح قديماً وحديثاً من المدارس الأجنبية والمكاتب الافرنجية التي لا أثر فيها لغير أيدي الأجانب وهذه لاثقة لنا ولا لحكومتنا بإخلاصها في خدمة ناشئتنا الذين يطلق عليهم بالنسبة إلى أصحاب تلك المدارس الأجنبية أنهم أولاد الأجانب كما يقال لهم أبناء العثمانيين ولا ندري بعد ذلك كيف يرجى سلامة عقيدتهم ووطنيتهم من الفساد إن لم ينقلبوا أعداء مبغضين لنا ولحكومتنا بعد أم كانوا أبناءنا وأخواننا المحبين لنا والمحبوبين عندنا والمنضوين (3) معنا تحت ظل الهلال العثماني فلا نشعر إلا وقد خرجوا من تلك المدارس وقلبوا لنا ظهر المحن ويصبح أحدنا وهو يقول بلسان حاله لابنه أو أخيه أو غيرهما. وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفع وموتك لا ضر وإذا كان مثل ملك الجبل الأسود يقول لأولاده اذهبوا إلى أوروبا واجتهدوا على تحصيل العلوم وبلوغ الغاية منها لكن بشرط أنكم تتعهدون أن تعودوا إلينا بعد انتهاء تحصيلكم وأنتم في ذلك الحين على ماأنتم عليه الآن من الإخلاص لبني قومكم وصدقكم في حب وطنكم هذا (الجبل الأسود) وبقاء غيرتكم الليلة فإن رجعتم هكذا فعلى الرحب والسعة حيث نحتفل باستقبالكم ونكرم ملقاكم ويكون قدومكم علينا حينئذ بمنزلة أجمل مواسم الأفراح والمسرات وأما إذا رجعتم على العكس من ذلك فليس لكم عندنا جزاء إلا القتل والإعدام هكذا قال ملك الجبل الأسود لأولاده حين أرسلهم إلى مدارس الأجانب فنحن ماذا قلنا وماذا نقول لمواطنينا الذين لم يزالوا حتى الآن يهاجرون من بلاد سورية وغيرها إلى أمير كاوسواها من بلاد الغربيين ألا يحق لنا أن نعتبر بما نسمعه من صدى تصريحات بعض المنسلخين عنا بعد أن شبوا وترعرعوا في حجر البلاد العثمانية أليس لنا عبرة في هذه القاعدة الجديدة التي

اخترعت في أوروبا وأصبحوا يبثون روحها الخبيثة في أجسام مواطنينا الذين هم بين ظهرانيهم فيقولون لهم (وطن المرء حيث يعيش لا حيث ينشأ) ويدعمونها لهم * * * * * * * * * * والأضاليل التي لا يغتر بها إلا البله والصبيان إلا أن الاستهانة بها وعدم الاحتياط لها ليسا من الحزم (فمعظم النار من مستصغر الشرر) ولاشك في اهتمام حكومتنا بدوام المحافظة على تقوية علائق الجامعة الإسلامية والرابطة العثمانية وإذا كان كذلك فيتحتم عليها مؤازرة المدارس الدينية والوطنية والمبادرة إلى تسهيل وسائل التحصيل فيها بحيث يؤمن على المتخرجين فيها من فساد العقيدة والوطنية فهل لنظارة المعارف ورجالها أن يبرهنوا لنا على القيام بالتدابير الفعالة إزاء هذا الخطر الذي يهددنا بخسران ناشئتنا ورجالنا خسراناً يؤدي إلى نقص مادي ومعنوي. وإذا تأملنا في سر تخصيص شؤون المعارف بدوائر ومجالس رسمية وجعل إرادتها منوطة برجال لهم الصلاحية نقضاً وإبراماً في كل مايتعلق بالمعارف عرفنا أن للحكومة دخلاً وتأثيراً في تنوير الأفكار وتوسيع المدارك أو طمسها وحصرها في دائرة ضيقة وإلا فما معنى وزير نظارة المعارف ورجاله في القسطنطينية ومامعنى مدير مجلس المعارف وأعضائه في كل ولاية عثمانية وهلم جرا إلى آخر الشؤون العلمية الرسمية وسائر رجالها الرسميين وإذا كانوا يعتذرون لفشوا الجهل في الدور الغابر بضغط المابين فيما يعتذرون في هذه المادة الجديدة التي لم تشاهد فيها من النهضة العلمية غير الأقوال والمواعيد والأعمال التي يشهد العقل بعقمها وسقمها أو قلة نتائجها فإن كانوا يعتذرون بارتباك الدولة وكثرة مشاغلها ومشاكلها فهم لا دخل لهم بشيء من ذلك * * * * * * * بغير وظائفهم التي إذا قاموا بحقوقها ظهرت نتائجها لإلجام كل معترض عليهم وإفحام كل من يدعي عجزهم أو تهاونهم_فالواجبات الملية تقضي على ناظر المعارف ثم على بقية رجالها أن يبرهنوا للملأ على رؤوس الاشهاد فعلاً لا قولاً بأن زمن الشورى هو زمن النور والعلم والعدالة وبأن رجال الشورى يحرصون على تثقيف أبناء المملكة وتهذيبهم وتعليمهم ويريدون لهم الخير بكل معنى الكلمة لا كالحكومات الغاشمة التي تحرص على بقاء الجهل فاشياً بين جميع طبقات شعوبهم ليصطادوا في الماء الرنق الكدر ومما لم نفهم معناه في هذا

الزمان النوراني أن تصرف في العاصمة بعض الرسوم التي تجبى من الولايات وغيرها باسم المعارف وتنفق على ناشئة العاصمة مع غناهم وثروتهم وفقرنا وإملاقنا بالنظر إلى المجموع وإذا كان ناظر المعارف مضطراً إلى سلوك هذه الخطة فلماذا لم يحتج كما احتج غيره من النظار أو لماذا لم يعلن استعفاءه مصرحاً بعدم استحسان هذه العادة القديمة كما فعل غيره من الوزراء فلم يقبل استعفاؤه فخرج فائزاً بالظفر ونجح في كل ما طلب ولعل مبعوثينا يتعقبون كل هذه الدقائق ويكشفون لنا عنها حجاب الخفاء فإن الشورى مبنية على حكم الشعب الذي ينبغي أن يقف على تفصيل كل شيء من أحوال المملكة_وأما البقاء على إهمال شؤون المدارس الدينية وعدم تنظيمها وقلة العناية بها فقد استاء منه كل محب لخير بلاده ولاسيما أهل العلم والمنتمين إليه ولا يمكن لرجال الدين وسائر العلماء أن يتنصلوا من التقصير في هذا الصدد وإلا فأين المتصدون منهم لأداء واجب الأمة من إرشادهم إلى قرار الدين وحكمه ومواعظه وسائر ما يتعلق به مما يكفل لنا المراد به سعادة الدارسين وخص هنا بالذكر علماء الكلام الذي هو أساس الدين وأصله فما كان يجب على شيوخنا وأساتذتنا أن يتخولوا الناس بالنصائح الحسنة ولاسيما فيما يتعلق بالعقائد التي لم تزل تكثر طرق الفساد المتطرق إليها والشبهات الطارئة عليها أما كان عليهم أن يثمروا المساجد والمدارس بمثل هذه الدروس التي هي في المقام الأول بالنسبة إلى غيرها_أما كان على كل رئيس مدرسة أن يكون لديه نظام وقانون يحملان مرؤوسيه على حسن السلوك والاستقامة والمحافظة على أوقات الدروس والمطالعة والمذاكرة أما كان على رجال المدارس وكبار العلماء أن يتفاوضوا فيما يعود على الوطن بالنجاح العلمي ويحملوا الحكومة على وضع مقرراتهما موضع الاعتبار_ما كان عليهم أن يحثوا الأهالي على مواساة المتقين الذين يطلبون العلوم أناء الليل وأطراف النهار وليس لهم من المال إلا ما يطالونه من الصدقات والتبرعات التي تأتيهم على سبيل المصادفة وهكذا الواجبات التي لامجال لاستيفائها وختام المقال، إن دام هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود دمشق. ع

أيتها الناشئة

أيتها الناشئة حضرة الأفاضل الأجلاء أصاب مجلة الحقائق لازال سعيكم مشكوراً ومجلتكم نوراً أرجو درج الأبيات الآتية في مجلتكم خدمة لدين والله لا يضيع أجر المحسنين. ويلٌ لكل معاند ومعطل ... من لم يقر بخالق صمد علي تباً له قال الطبيعة أوجدت ... تلك العوالم من أثير ول وعزا أوعزا إلى الأسباب خلق مسبب ... إذا لم يصل إدراكه للأول ويخال أن العقل منه منور ... كلا ولكن مظلم بتخيل هل للطبيعة فكرة وإرادة ... فأتت بذا الصنع البديع الأكمل أو شاهد الأكوان حين حدوثها ... في العالم العلوي أو في الأسفل بل ضل فكرا وهو يحسب أنه ... حسن فيا خسران كل مضلل فليأت بالبرهان أن يك صادقاً ... هيهات برهان لدعوى المبطل برهانه آوربا قالت هكذا ... أو لو أتت بزخارف وخزعبل هم أنكروا ما غاب عن إدراكهم ... وغدوا أسارى الحس للشيء الجلي أفكلما قد سطروا أسطورة ... يتشدقنَّ بها بدون تعقل حتى يخادع نفسه لقبولها ... إذ أن فطرته بذا لم تقبل * * * قوم أرادوا حل رابطة لنا ... فرأوه في إفساد بن أفضل فسعوا ليخفوا فضله بتقول ... سعياً لستر ضيا النهار بأسدل خسئوا فقد وعد الإله بحفظه ... من كل تغيير له وتبدل وأتوا بذم العالمين بحكمه ... كي يصرفوا عنهم قلوب الغفل يم ينقموا منهم سوى إذ أنهم ... نور بهم ظلم الضلالة تنجلي * * * دسوا بدعوى العلم سم تفلسف ... فسرى الذهن بليدنا المتعقل فنراه صار أسير تقليد لهم ... لكن بعادات لهم لم تجمل هلا يقلدهم بفن نافع ... كالدر يلقط من مكان أرذل إذ قد ترقوا في أتم صناعة ... وهمموا عن الخلق الكريم بمعزل

أيظن فعل الملهيات تمدنا ... شتان بين تمدن وتعطل ليس التمدن غير فعل تعاون ... في كل خير للسعادة موصل * * * سمى اجتناب المنكرات تعصباً ... ما ضر قبح اسم لمعنى أجمل إن كان ترك المنكرات تعصباً ... أجمل به وصفاً لذاك وأكمل كم يدعي إصلاح أوطان وقد ... أضحى غريق مآثم وتسفل من كان عن إصلاح نفسه قاصراً ... هل يصلحن الغير ما لم يكمل أو كان في تيه الضلالة هائماً ... هل يهدين إلى الطريق الأعدل * * * ومن البلاهة أن يقول تفرنجاً ... الذين يمنع من ترقّ للعلى الدين يأمرنا بكل فضيلةٍ ... ما بعدها إلا رذيلة أجهل أو صح ذلك لما ارتقت أسلافنا ... بالدين أسمى رتبة لم تجهل ذا مانع لو كان ديناً باطلاً ... لادين حق بالرقي متكفل هو دين الإسلام الذي ضاءت ال ... آفاق علماً بعد جهل الليل وهو الذي منح النهي حرية ... إذ قد نهى عن ذلة وتذلل ما قال ذا الشدة جهله ... في فضل أحكام الكتاب المنزل في (لبس للإنسان إلا ما سعى ... وتعاونوا) سر الرقي الأمثل قول كريم فيه إرشاد إلى ... إن ليس ترك السعي قط بتوكل لازال شمس هداية وسعادة ... قبل الكنود الوغد أم لم يقبل دمشق م ح خ

أعظم رجل في العالم

أعظم رجل في العالم سألت جريدة الوطن فريقاً من الأفاضل عمن هو أعظم رجل في العالم ولماذا فوردت إليها أجوبة نأخذ منها جواب الكاتب الفاضل داود أفندي مجاعص قال: من هو أعظم رجل في العالم ولماذا؟ أعظم رجال العالم على الإطلاق رجل وضع في عشر سنين ديناً وفلسفة وشريعة اجتماعية وقوانين مدنية وغير شريعة الحرب وأنشأ أمة ودولة طاولت الدهر وكان أمياً، ذلك هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي العربي بين المسلمين وقد تدارك النبي لمشروعه العظيم كل حاجاته فوفر لأمته ولتابعيه وللملك الذي أنشأه أسباب الانتشار والخلود بحيث إذا انقطع المسلم على القرآن والحديث وجد فيهما ما يهمه من أمر دينه ودنياه وجعل للمسلمين مؤتمراً ينعقد كل عام في مكة ومن تنبه إلى فرض الحج على من يملك الراحلة والنفقة وإسقاطه عمن لا يملكها أدرك أن الغاية من الحج اجتماع الموسرين والوجوه من الأمة للبحث في شؤون جامعتهم وأمور سياستها واجتماعها وتعاونها وتدارك أمر الفقير بالزكاة المفروضة على كل مسلم بحيث إذا أداها المسلمون على حقها لم يبقَ في الأمة فقير. وجعل نواة لبداية للإسلام بكون القرآن كتاباً عربياً يتحتم على كل مسلم أن يتفهمه بلغة العرب إذا لم يكن في هذا غير أن فهم العربية حتم على كل عالم وأمام لكفى به جامعة لسان المسلمين. ومهد طريق النبوغ لأفراد الأمة بكون المسلم لا يفضل المسلم إلا بالتقوى فكان الإسلام جمهورية حقيقية يختار المسلمون رئيسها الذي هو الخليفة وقد ساروا على هذه السنة حيناً من الدهر ولن تزال المبايعة بالخلافة رمزاً من رموزها وسهل اعتناق الإسلام لغير العرب بقوله لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي. ويسر لغير المسلمين العيش برخاء في بلاد الإسلام بقوله (الخلق كلهم عيال الله حبهم غليه أنفعهم لعياله) ونظر في أمر (العائلة) فرتب أمور الزواج والتناسل والتوارث ورفع من شأن المرأة.

وعاد إلى الأمور المدنية فوضع قوانين وقضاء للنظر في شؤون الأفراد ولم يهمل مالية الدولة بل وضع سناً لبيت المال وكان للعلم من همته نصيب وافر فجعل الحكمة ضالة المؤمن وأوصاهم بأن يطلبوا العلم ولو بالصين فكان لهذه الوصية شأن عظيم في اقتباس المسلمين العلم من كل أبوابه وازدهاره في أيامهم أفلا يكون الذي فعل كل هذا أعظم الرجال؟ (الحقائق) نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل البشر على الإطلاق بإجماع المسلمين وهذا الجواب شهادة له من غير المسلمين نشرناه ليعلم الناس أن اعتقاد المسلمين بنبيهم ما ذكر ليس من باب استحسان الإنسان ما ألفه بل من الحقائق المثبتة بالأدلة التي يشهد الموافق والمخالف وإننا حمدنا من الكاتب حرية ضميره ومجاهرته بما يتقد وعدم خوفه في سبيل الصدق ملام اللائمين وتعنت المتعصبين واستبشرنا بأن هذه الشهادة ستكون مقدمة لغيرنا من نوعها فيسود في العالم معرفة قدر هذا النبي الكريم والرسول العظيم.

مناظرة بين عالمين

مناظرة بين عالمين كنت ذكرت أن سماحة قاضي مصر الآن عبد الرحمن أفندي نسيب لم يحكم بالإفطار ليلة عيد الفطر الماضي سنة 1328 بناء على ورود التلغراف بذلك كما عزاه غليه بعض الجرائد ونقله عنها الشيخ جمال أفندي واعتمد عليه في فتواه بالعمل به في الصوم والفطر وإنه إنما كان إفطار أهل مصر بمجرد إشعار محافظها بضرب المدافع بثبوت هلال شوال من غير حكم شرعي من قاضي مصر المشار إليه بل باستناد محافظها على تلغراف ورد إليه من حافظ الإسكندرية. وهاك ما يثبت ذلك لما رأيت البحث جرى في الجرائد في هذه المسألة ونسب على القاضي المشار إليه الحكم به وكان مغايراً لما عليه مقلد والإمام الأعظم أبي حنفة رضي الله تعالى عنه والقاضي مولى على أن يحكم بأصح أقوال الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه لم أصدق أنه حكم بغير ما هو المذهب أصلاً ولا بما ينطبق على قواعده فكتبت إليه استجليه حقيقة الأمر فورد إلي الجواب بخطه مذيلاً بتوقيعه وهذا نص تجريره أعرض عن شأن ثبوت هلال شوال الذي جرى هنا ففي اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك بعد المغرب اجتمعنا في المحكمة الشرعية مع علماء مصر ومن بينهم شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية وانتظرنا إلى الساعة السادسة العربية وما جاء الشهود وقلنا إن جاء خبر من أقطار مصر نلاحظ وانصرفنا وفي الساعة الثامنة جاء تلغراف من أصوان بثبوت هلال شوال المكرم وما فعلنا شيئاً وبعد ساعة جاء تلغراف إلى المحافظة من مدير أصوان وبلغت المحافظة إلى داعيكم وما قلنا بثبوت هلال شوال وبعد ساعة جاء تلغراف من رئيس النظار في الإسكندرية قبل هذا وضربت المدافع وسألتني المحافظة فقلت نحن لا نقدر ن نحكم وعلى هذا قال المحافظ ونحن نأمر بضرب المدافع فقلت أنا لا آمر أنتم علم وذهب وضرب المدافع وبعد ساعتين جاء الخبر من مواقع كثيرة واشتهر هذا ما جرى هنا وقاضي الإسكندرية قائل بثبوت شوال بالتلغراف لأنه يعتبر التلغراف كخبر الواحد لكن هذا أن صح ينطبق في شهر رمضان لا في شوال حرر في 16 تشرين الثاني سنة 326 التوقيع. (عبد الرحمن نسيب) فعلم منه أن الإيذان بالإفطار يوم الثلاثين من رمضان المذكور لم يكن عن ثبوت شرعي ولا عن حكم حاكم شرعي بل كان بمجرد رأي محافظ مصر واستحسان هوهذا الذي نخاف أن نصل إلى مثله فتصير أحكام الدين بيد الحكام الجاهلين المستبدين المفتاتين في أحكام

الدين على الله عز وجل ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فحيا الله قاضى مصر المشار إليه. ولله دره من مسلم لم يخف غير الله. هذا وقد رأينا في عدد 686 من جريدة الاتحاد العثماني أن الشيخ جمال أفندي السابق الذكر قد أرسل إلى شيخ الإسلام كتاباً خاصاً يسأله فيه عن حكم التلغراف في إثبات الصوم والإفطار وأورد إليه نصوص من أفتى بهذه المسألة من العلماء ثم لخص السؤال على طريق الفتاوى وذكر صورة السؤال إلخ فنقول أن بعثه كتاباً خاصاً لشيخ الإسلام وإيراده له نصوص من فتى بهذه المسألة من العلماء واستفتأه منه ليس يجدي نفعاً إذ العلماء أياً من كانوا لايلتفت إلى أقوالهم ولا إلى فتاويهم إذا خالفوا أئمة مذهبهم فشيخ الإسلام وأمين الفتوى ومن في معينة من فحول العلماء لا يلتفتون إلى مثل هذه الأقاويل ولا ينظرون إليها نظر اعتماد بل يقصرون النظر على المفتى به من مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ولذا كان من القواعد المقررة بين المفتيين والعلماء أن يغزوا القول إلى من قاله وأفتى به على أن الكتابة لشيخ الإسلام كالكتابة لبيت الفتوى لأن القاعدة أنه يحول على دار الفتيا وقد أرسلنا سؤالاً إليها بواسطة أحد علماءالاستانة الأفاضل وهذا نصه (ما قول مولانا شيخ الإسلام ومفتي الأنام حفظه الملك السلام فيما إذا ورد تلغراف بثبوت رمضان أو شوال والحكم به من حاكم شرعي في بلد ثبت عنده رمضان أو شوال بالطريق الشرعي على حاكم شرعي في بلد أخرى فهل لا يجوز للحاكم الشرعي الذي ورد غليه التلغراف من الحاكم الذي ثبت عنده وحكم بموجبه أن يحكم بثبوت رمضان أو شوال سواء كان في السماء علة ولا بناء على التلغراف الوارد إليه من ذلك الحاكم المذكور لأن التلغراف لا يكون مداراً للثبوت والحكم شرعاً وقد أخذت منه جواباً مختوماً يقول فيه أن باب المشيخة قنن لدار الفتوى أن لا تفتي تحريراً لكل مستفت بصورة غير رسمية إلا شفاهاً وأما جواباتها التحريرية فلابد أن يكون فيها السؤال والاستفتاء رسمياً أعني أن يستفتي الحاكم الشرعي وصدق أكبر مأمور ملكي في محل ولاية ذلك الحاكم الشرعي المولى فيه مثل الوالي والمتصرف والقائم مقام ولا يكون الاستفتاء إلا تحريراً حتى لوسائل الوالي مع القاضي بالتلغراف الرسمي لا يجاوبونهم على سؤالهم بل يجاوبونهم أن أسئلوا تحريراً (ومع هذا فقد استفتينا شفاهاً لمسألتكم فقالوا لا نجيب على السؤال التلغرافي أبداً

وهم متعصبون في هذه المسألة فلله الحمد على وجود رجال يحامون عن الدين رضي الله تعال عنهم في 4 محرم الحرام سنة 1329. بقى أني لما وجدت بعض من لهم تعلق بالشيخ جمال أفندي المومى إليه يسعون فساداً بيني وبينه أحببت أن أزوره إذ لم تكن المناظرة غلا لإظهار الحق لا لأمر ذاتي بيننا فتذاكرنا وسألته عما كنت سألته عنه أولاً (هل هو مجتهد أم لا) فقال لست مجتهداً لكني أقلد الإمام الأعظم الشافعي رضي الله عنه وقد أقلد غيره من الأئمة في بعض المسائل فقلت له وفي معظم أعمالك تقلد من منهم فقال الإمام الأعظم الشافعي فقلت إذاً أنت شافعي فقال نعم وقد أخبرني أنه أتم تأليف رسالة في هذا الموضوع فلذا ترجح عندي التربص بالتكلم على الفتاوى التي استند عليها وكنت وعدت بالرد عليها ريثما تصل إلينا هذه الرسالة وبالله التوفيق ربنا عليك توكلنا وغليك أنبنا وإليك المصير. دمشق محمد عارف المنير الحسيني

التاريخ

التاريخ تابع ترجمة أبي بكر رضي الله عنه خير موضوع يخوض فيه الكتاب في هذا العصر هو ما يذكر المسلمين بعزهم السابق، ومجدهم السامق، ويبعث في نفوسهم الرجاء والأمل بأن المستقل الزاهر لهم إذا نهضوا من رقادهم واقتدوا بأسلافهم، وتسربلوا حلل الأخلاق الإسلامية، وتمسكوا بالشريعة المحمدية، فلا غر وإذا أرسلنا عنان القلم في بحث حروب أبي بكر وفتوحاته ليكون ذكرى للمسلمين يعملون بها أن سلفهم قد افتتحوا هذه الأقطار بالعدل والحزم. والتضامن والتناصح. لا بالتخاذل والتدابر كما هو جار بين المسلمين الآن مما تذرف له العيون وتضيق به الصدور. نرى أن الشارع قد أمرهم بالاتحاد والائتلاف فما بالهم يتفرقون؟ نرى أن الشارع قد أمرهم بأعداد القوى ما استطاعوا فما بالهم لا يعدون؟ نرى أن الشارع قد أمرهم بالصدق في العزيمة فما بالهم يترددون؟ نرى أن الشارع قد أمرهم بالإقدام والعمل فما بالهم يحجمون؟ إن القلب لينفطر حين يعدد هذه الأدواء التي ألمت بالمسلمين ويتلمس لها الدواء فلا يكاد يجده بلى أن دوائهم الناجع هو النظر في سيرة أسلافهم وماكانوا عليه وكيف جابوا أطراف المعمور داعين على الحرية والعدل والدين الحق وكيف تسنى لهم أن يدوخوا أقوى دول الأرض في زمن يسير ثم يسيروا سيرهم ويحسنوا الاقتداء بهم وبذلك تعلو مكانتهم بين الأمم ويرتقون إلى أوج من الحضارة لا ينال وفي الجملة فإن في نشر سيرة عظماء المسلمين بين طبقات الأمة سواء في ذلك حروبهم وأخلاقهم ومآثرهم وأعمالهم ما يدفع بهم على الاقتداء وذلك مفيد ونافع في إيقاظ شعور الأمة. وها نحن نذكر ما قام به أبو بكر رضي الله عنه من الحروب والفتوحات قياماً بواجب لتذكير وإيفاء بحق الترجمة لأن أولى ما يترجم به الرجل أعماله. إنفاذ جيش أسامة أول ما قام به أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إنفاذ جيش أسامة الذي جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء

الداروم من أرض فلسطين واختلف الصحابة في إنفاذه كما قدمنا صحيفة (64) فسيره في اليوم الثالث من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فشن الغارة على ذي المروة والوادي وانتهى إلى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم فسلم وغنم وكان فراغه في أربعين يوماً سوى مقامه ومنقلبه راجعاً وكان إنفاذ هذا الجيش من أعظم الأمور نفعاً للمسلمين فإن العرب قالوا لو لم يكن بهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش فكفوا عن كثي مما كانوا يريدون أن يفعلوه. لما توفي رسول الله صلى الله علي وسلم وسير أبو بكر رضي الله عنه جيش أسامة تضرمت الأرض ناراً وارتدت قبائل العرب عامة أو خاصة إلا قريشاً وثقيفاً وكان العرب في ذك على قسمين فمنهم التارك للدين بالمرة وهم بنو طئ وأسد ومن تبعهم من غطفان الذين اتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي وبنو حنيفة الذين اتبعوا مسيلمة وأهل اليمن الذين اتبعوا الاسود العنسي وكثير غيرهم ومنهم المعطل للزكاة وهم بعض بني تميم الذين يرأسهم مالك ابن نويرة وبنو هوازن وغيرهم وقدمت كتب أمراء النبي صلى الله علي وسلم من كل مكان بانتقاض العرب عامة أو خاصة وتسلطهم على المسلمين وظهر النفاق واشرأبت يهود والنصرانية وبقي المسلمون كالغنم في الليلة المطيرة لفقد نبيهم وقلة عددهم وكثرة عدوهم. قال ابن مسعود رضي الله عنه لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله علي وسلم مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أن من الله علينا بأبي بكر أجمعنا على أن لا نقاتل على ابنة مخاض وابنة لبون وأن أكل قرى عربية ونعبد الله حتى يأتينا اليقين. فعزم الله لأبي بكر على قتالهم فو الله مارضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية فأما الخطة المخزية فإن يقروا بأن من قتل منهم في النار ومن قتل منا في الجنة وأن يدو واقتلانا ونغنم ما أخذنا منهم وأن ما أخذوا منا مردود علينا وأما الحرب المجلية فإن يخرجوا من ديارهم. هكذا تسعد الأمم وتشقى بقادتها وزعمائها فأنت ترى أن كثيراً من الصحابة ارتأوا عدم محاربة من أبى دفع الزكاة من أهل الردة وما ذلك الاجتهاد منهم وضن بدم المسلمين عن أن يهراق بطلب فرض مالي منعته العرب مع إقرارهم بالشهاة وقد استدلوا بقوله صلى الله علي وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله غلا الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه

إلا بحقها وحسابهم على الله ولكن أباب بكر رضي الله عنه كان أحسن رأياً وأبعد نظراً في العواقب وأعلم بأمور الدين فرد عليهم بقوله إن الزكاة حق المال وقد قال إلا بحقها ولمح من خلال تلك الفتنة الدماء التي تضطرب بالعرب أن الإسلام لا تقوم له قائمة إذا لم تقمع ويضرب على مثيريها بيد من حديد فاستعد لقتالهم وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة. أخبار الردة عبس وذبيان أقام أبو بكر رضي الله عنه ينتظر جيش أسامة فعاجلته عبس وذبيان وانضم لهم بعض بني أسد وكلهم من تباع طليحة وافترقوا فرقتين فرقة أقامت بالإبريق وسارت فرقة إلى ذي القصة وأمدهم طليحة باخيه حبال فكان عليهم وأرسلوا وفداً إلى أبي بكر يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة فقال أبو بكر والله لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه وردهم خائبين فرجعوا إلى عشائرهم وأخبروهم بقلة أهل المدنية وأطعموهم فيها وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب المدينة عليا والزبير وطلحة وابن مسعود وألزم أهل المدينة بحضور المسجد وقال لهم أن الأرض كافرة وقد رأى وفدهم منكم قلة وأنكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهاراً وأدناهم منكم على بريد وقد كان القوم يألمون أن نقبل عليهم ونوادعهم وقد أبينا عليهم ونبذنا غليهم عهدهم فاستعدوا وأعدوا فما لبثوا ألا ثلاثاً حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم رد فوافوا ليلاً الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم وأرسلوا على أبي بكر بالخبر فأرسل لهم من ألزموا أماكنكم ففعلوا وخرج في أهل المسد على النواضح ودوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي فخرج عليهم أردء بأنحاء قد نفخوها كل نحمي في طوله فنفرت إبل المسلمين وما تنفر من شيء نفارها من الأنحاء وباحت بهم ما يملكونها حتى دخلت بهم المدينة فلم يصرع مسلم وطن الكفار بالمسلمين الوهن وبعثوا على أهل ذي القصة بالخبر فقدموا عليهم وبات ابو بكر يعبي الناس وخرج ليلاً فما طلع الفجر إلا وهم العدو على صعيد واحد فما شعرواو بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف فما ذو قرن الشمس حتى ولوهم الأذبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل حبال وكان أول الفتح وأتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد ورجع إلى المدينة فذل بها المشركون ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من

المسلمين فقتلوهم كل قتلة وفعل من وراءهم فعلهم وعز المسلمون من يهم من المسلمين فقتلوهم كل قتلة وفعل من وراءهم فعلهم وعز المسلمون وقعة أبي بكر وحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين كل قتلة وليقتلن في كل قبيلة من قتلوا بالمسلمين وزيادة وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس وذلك لتمام ستين يوماً من مخرج أسامة وقدم أسامة بعد ذلك بأيام فاستخلفه أبو بكر على المدينة وجنده ليستريحوا ويريحوا ثم خرج فيمن كان معه فناشده المسلمون ليقيم فأبى وقال لا أواسينكم حتى يرق فقاتل من به من المشركين فهزمهم وغلب على بني ذبيان وبلادهم وحماها لذواب المسلمين ثم عاد إلى المدينة فلما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم بادر أبو بكر إلى تسيير الجيوش إلى أهل الردة. (يتبع)

متفرقات

متفرقات حديقة الجنان في تاريخ لبنان أصدر الرصيف الفاضل الخوري سطفان ضو منشئ مجلة العثماني الغراء الجزء الأول من هذا المؤلف وقد وجدنا فيه من الحوادث التي طرأت على الجبل وساكنيه ما بلغت الأنظار فنشكر لمؤلفه هديته ونرجو له ما يستحق من الإقبال. النفائس العصرية مجلة أدبية فكاهية تاريخية شهرية تصدر في القدس لمنشئها الكاتب الفاضل خليل أفندي بيدس قيمة اشتراكها ريال مجيدي في البلاد العثمانية وفرنكات في غيرها فبحث على مؤازرتها ونتمنى لها دوام الرواج. السيف جريدة أسبوعية سياسية انتقادية إخبارية تصدر في حماة مرة في كل أسبوع قيمة اشتراكها سنوياً في حماة مجيدي واحد وفي سائر الجهات مجيدي وربع فنرجو لها إشاعة الذكر والثبات. الحقائق والتلفيق أر سل لنا ثلاث رسائل للتنويه بها في الحقائق. فكتبنا عنها في العدد الرابع ما رأيناه بمرتبتها وقلنا عن اعتماد المؤلف في إحداها جواز التلفيق نه مخالف لما عليه محققوا الأصرليين فاستغرب المرسل أن تكون هذه المسالة الفروعية من مباحث علم الأصول وسألنا في جريدة المنتخبات عن محققي الأسوليين الذين ذكروا هذه المسألة. وصادف أن كان لدينا مقالة لأحد الفضلاء في التلفيق استدل بها على بطلانه بكلام كثيرين من محققي الأصوليين وبين ضرر جوازه وأجاد فنشرناها في العدد السادس مذيلة بالتوقيع الرمزي واتبعناها بكلام فريق من الأصوليين الذين ذكروا هذه المسألة ممن فاته ذكرهم مع نص ما ذكروه ورأينا أن ذلك كافٍ للسائل ثم قرأنا في جريدة (العصر الجديد) مقالة له بعنوان (مجلة الحقائق والتلفيق) تكلم فيها على المقالة السابقة المدرجة في العدد السادس مع ما زدنا عليها وأطال فيما ظنه نقضاً لكلام المانعين. ونحن نرى أن لا نشغل وقت القراء بتحقيق مسألة فرغ من تحقيقها وفي نظرنا أن ابن

الحاجب والغزالي والقرافي وابن الهمام والاسنوي والسكي وابن عابدين وخلافهم رضي الله عنهم ممن ذكرناهم يحسن أن يستدل بأقوالهم فلا حاجة إلى أن نتكلم ثانية على هذه المسألة هذا ونرجو من أهل العلم النظر فيما نشر في العدد السادس وفيما نشر في (العصر الجديد) ليتبين الحق وليعلم أن مجرد الكتابة في الجرائد واستصغار شأن العلم وأهله لا بغير حكماً ثابتاً، ولا يؤيد باطلاً.

مولد سيد الوجود

مولد سيد الوجود صلى الله عليه وسلم أرى كل مدح في النبي مقصراً ... وإن بالغ المثني عليه وأكثرا إذا الله أثنى بالذي هو أهله ... عليه فما مقدار ما تصنع الورى نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل مظهر إنساني ظهر في الوجود، وأعظم صورة من صور الإبداع الإلهي، ولا يستطيع إنسان أن يصفه بما يستحقه من مراتب الإجلال لأن الإحاطة بمقامه ليست مما يطمع به تصور البشر فهو فوق الوصف ولا يعلم مقامه إلا من أرسله رحمة للعالمين. أشرق نوره صلى الله عليه وسلم على الأكوان بمكة لاثنتي عشرة ليلة مضت من مثل هذا الشهر المبارك (ربيع الأول) على أشهر الأقوال ضاءت به غرة الاثنين وابتسمت * عن حسنه في ربيع روضة الحرم كما كان صلى الله عليه وسلم فرداً في كمالاته فذاً في أخلاقه التي لم يطمع أحد من الخلق في مبارتها كانت ليلة مولده صلى الله عليه وسلم فذة بين الليالي ظهر فيها من الآيات البينات والأرهاصات الباهرات ما لم يحلم به الزمن لأحد قبله أو بعده. رتج ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم إيوان كسرى أنوشروان وكان من عجائب الدنيا سعة وأحكام بناء وسقط من شرفاته أربع عشرة وفسر ذلك بما حصل لملك فارس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الذلة والهوان والطرد إلى أقصى مملكته ثم ما كان في زمن عثمان رضي الله عنه من قتله وزوال ملكه وخمدت نار فارس وكانوا يعيدونها وكان لها ألف عام تخمد إشارة إلى خمود نار الكفر وظهور نور الإيمان وتنكست الأصنام التي كانت فوق الكعبة إشارة لانقضاء زمن الوثنية وحلول زمن التوحيد وغارت ساوه أي يبس ماؤها وهي لفارس أيضاً قال البوصيري رضي الله عنه في الهمزية. وعيون للفرس غارت فهل كا ... ن لنيرانهم بها إطفاء وضعته أمه صلى الله عليه وسلم جاثياً على ركبتيه رافعاً رأسه على السماء. رافعا رأسه إلى السماء وفي ذلك الرف ... ع إلى كل سؤدد إيماء رامقاً طرفه السماء وترمي ... عين من شأنه العلو العلاء

هذه شذرة مما ظهر في ليلة ولادته من الآيات فضلاً عما رأت أمه في حمله وقبيل ولاده وحليمة في زمن إرضاعه وقريش في عام ولادته وغير ذلك ويحسن بنا أن نأتي على خلاصة الأحوال التي كانت سائدة على العالم قبيل بعثته ليقابل القارئ بينها وبين ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الدين الحق والأخلاق الكاملة والمدنية الصحيحة وما عرجت إليه أمته من صروح العز والمدنية ويعلم أنه هو وحده كان سبباً في بلوغها ذروة المجد والتقدم والفلاح. كان أكثر الأمم قبل الإسلام خاضعاً لدولتين دول العرب في الشرق ودولة الرومان في الغرب، وكان بينهما من الضغائن والأحقاد ما جعل همهما سفك الدماء وإنهاك القوى وبذلك شقيت أمتهما واستولى عليها ضروب من الفقر والذل والخوف على الأرواح والأموال. وكانت العرب قبائل بعيدين عن مناحي المدينة وليسوا على شيء من الدين ليهذب أخلاقهم ويشذب من طباعهم فكانوا يسجدون للأصنام ويستقسمون بالأزلام وكان بأسهم بينهم فتراهم في جلاد مستمر وكفاح دائم حتى أنهم كانوا يقتتلون عشرات من السنين لأجل سبق فرس أوهجو شاعر إلى غير ذلك من مفاسد الأخلاق ومساوئ الصفات. جاء هذا الرسول الكريم ودعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وجاهد في سبيله غير هياب ولا وكل وقام بنصرته نفر ممن كتب لهم السبق في الإسلام فاحرزوا في عشرة سنين ما تعجز عنه الملوك والأقيال في آلاف من السنين رحمة من الله للبشر حيث أراد أن ينقلهم من غاية الشقاء إلى السعادة ومن يدقق في البحث يرى أن تلك الأمم التي كانت قبل البعثة المحمدية رازحة تحت كلاكل الجهل فاقدة لجميع الروابط الاجتماعية. لا يمكنها في سنين قليلة أن تظهر بذلك المظهر المهيب الذي أدهش العالم بأسره، وزعزع أركان القياصرة والأكاسرة لولا أن العناية الإلهية أمدت هذا المجدد العظيم بالنصر والتسديد واللفز والتوفيق قال علي كرم الله وجهه من خطبة. أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظ من الحروب، والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست منار الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها لجيفة،

وشعارها الخوف، ودثارها السيف. إلخ ما قال وقال بعثه والناس ضلال في حيرة. وخابطون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء واستخفتهم الجاهلية الجهلاء حيارى في زلزال من الأمر وبلأ من الجهل فبالغ صلى الله عليه وسلم في النصيحة ومضى على الطريق ودعا إلى الحكمة. هذا وقد اتفق جميع العقلاء على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم على أن شكر المنعم واجب وقد علمت أنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة العظمى في إنقاذنا من ظلمات الكفر والجاهلية وعبادة الأوثان، إلى نور الحق والإيمان، وجعلنا خير أمة وشهداء على الناس وغير ذلك من ضروب الإكرام أفلا يجب علينا تعظيم هذا النبي الكريم لنكون قائمين بواجب شكره ومن تعظيمة أن نحتفل بيوم مولده صلى الله عليه وسلم على صفة مشروعة فنظهر فيه معالم السرور والابتهاج والاحتفاء. وهو أحق بذلك من جميع الأيام لأنه يوم ظهور نبي الرحمة. وبعقد المحافل لقراءة ما صح من سيرة مولده صلى الله عليه وسلم. ونجعله يوماً مصروفاً لعمل البر بأنواعه من العبادة والصدقة على المعوزين، وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين. وشكر الله سبحانه على أن جعلنامن أتباع هذا النبي الكريم ذي القدر العظيم. وأول من قام بهذا الواجب الملك المظهر صاحب أربل نقل عنه أنه كان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار. وذكر ابن حجر في مولده الكبير أنه في سنة 785 احتفل الظهر برقوق سلطان مصر بالمولد بقلعة مصر وأنفق على إطعام الطعام والإحسان لفقراء والقراء والمداح ما يبلغ عشرة آلاف مثقال من الذهب. وأن ابن دحية صنف له كتابا في المولد سماه التنوير بمولد البشير النذير فأجازه بألف دينار. وقد نقل عن الحافظ بن حجر أنه قال وقد سئل عن مشروعية المولد وظهر لي تخريجة على اصل ثابت وهو ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً قال فيستفاد منه فعل الشكر على ما من به تعالى في فعل معين وأي نعمة أعظم من بروز نبي الرحمة وقد اعتاد الناس عند قراءة قصة المولد الشريف أن يقوموا عند ذكر وضعه صلى الله عليه وسلم احتراماً لمقامه. وتعظيماً لقدره، ولو أمكن

القيام له كلما ذكر في جميع الأحوال لكان حسناً ونريد أن تنقل هنا نبذة ذكرها الحلبي في السيرة في مشروعية القيام عند ذكر وضعه صلى الله عليه وسلم قال جرت إعادة إذا سمعوا ذكر وضعه صلى الله عليه وسلم أن يقوموا تعظيماً له صلى الله عليه وسلم. وهذا القيام بدعة حسنة لأن ليس كل بدعة مذمومة. وقد قال عمر رضي الله عنه في اجتماع الناس لصلاة التراويح نعمت البدعة. وقال العز ابن عبد السلام ن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة. وقال أمامنا الشافعي رضي الله عنه ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً فهو البدعة الضلالة. وما أحدث خيراً ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو البدعة المحمودة. وقد وجد القيام عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم من عالم الأمة. ومقتدى الائمة تقي الدين السبكي وتابعه على ذلك مشايخ الإسلام في عصره فقد حكى بعضهم ن السبكي اجتمع عنده خلق كثير من علماء عصره فأنشد منشد قول الصرصري في مدحه صلى الله عليه وسلم: قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب ... على ورق من خط أحسن من كتب وأن تنهض الإشراف عند سماعه ... قياماً صفوفاً أو جثياً على الركب فند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من في المجلس وحصل أنس كبير باختصار ومن أحسن ما يحتفل في يوم مولده صلى الله عليه وسلم تذكر أخلاقه صلى الله عليه وسلم من التواضع والصبر والحلم والشجاعة والأمانة والزهد وجميع مكارم الأخلاق والتخلق بها يقدر الاستطاعة وهذا أحسن شكر له صلى الله عليه وسلم.

الوطن والوطنية

الوطن والوطنية طالما نادى الكتاب على منابر الصحف مكررين هاتين الكلمتين ويريدون بذلك أنه يجب على كل فرد من أفراد هذا المجتمع أن يحب وطنه وأن يبذل في سبيل ترقية غاية الجهد لكنهم لم يتفلسفوا في معنى الوطن واكتفوا بظاهر معناه فلذا طفق الناس وأهل الغايات مسرعين للعمل في سبيل الترقي الموهوم إجابة للنداء وأداءً لحق هذا الواجب في زعمهم فدخل عملهم في طور الفوضوية. وكل يدعي وصلابليلي ... وليلي لا تقر له بذاك روج البعض هذا النداء بحديث (حب الوطن من الإيمان) مع أنه متكلم فيه. وها نحن نبين لك معنى الوطن في اصطلاح اللغويين والفقهاء لتعلم عدم ظهور إرادته. قال في الكليات الوطن هو منزل الإقامة وهو صادق على الوطن الأصلي وهو محل الولادة والتأهل وعلى وطن الإقامة وهو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل ونوى أن يقيم فيها خمسة عشر يوم فصاعداً وعلى وطن السكني وهو المكان الذي يريد المسافر أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوماً فليت شعري أي وطن هو المعني بذاك الحديث وإذا عين فما وجه التخصيص؟ وربما يكون الوطن من البلاد الأجنبية وإذا بقي على عمومه شمل الوطن الأجنبي واي إيمان ينشأ منه حب الوطن أجنبي؟ إذاً على الحاث على حب الوطن أن يوضح معناه وأن يبين جهة الحب وطرق الترقي المقصود له. الوطن أن حمل على محل الولادة أو التأهل أو. . . أو. . . يكون للمحسوسات المرئيات بالعين الباصرة لا للمعنويات المعقولات بقوة الفكر ومن المعلوم أن الحب للمحسوسات يقوم بقيامها ويبقى ببقائها بخلافة للمعنويات فإذا أحببت وطنك على كونه محلاً لولادتك أو لتأهلك ربما تكون هذه المحبة ضعيفة القوى سريعة الزوال. التفلسف الذي ينبغي أن يقصد بمعنى الوطن أن تريد به أولاً الفطرة الإسلامية وكلمة التوحيد إذ هما أولى بالاعتبار وأجدر بالدعوة إليهما من المنزل الذي تقيم به وتولد فيه لأنهما يجمعانك مع ثلاثمائة مليون من أهل الكرة الأرضية وهذه هي الصلة التي لا ينقطع أصلها والعروة الوثقى لا انفصام لها فأول واجب عليك أن تسعى لترقية هذه الجامعة وإعلاء كلمتها بأداء حق كل فرد من أفراد أهلها بالإحسان غليهم والنصرة لهم والزن لحزنهم والفرح لفرحهم، وبذل النصح لهم وتقوية روابط الألفة والاتحاد بينهم وعدم تفرقة

كلمتهم على اختلاف العناصر والأجناس لأن الشرع المحمدي ساوى بينهم بلا تفرقة بين تركي وعربي وكردي وأرنؤدي وفارسي وهندي إلا بتقوى الله [يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (سلمان منا أهل البيت). ولك أن تريد بالوطن العثمانية إذ هي التي تؤويك حيث أويت وتحفظك حيث ححللت والواجب الثاني عليك أن تسعى لتعزيزها وتقوية شوكتها وبذل النفس والنفيس في سبيل ترقيها وخدمتها بالصدق والإخلاص وعدم خيانتها أو مسها بسوء وانتخاب الخبرة الكرام ليكونوا لها أعواناً وأنصاراً فهي دولة الخلافة الإسلامية وسلطانها حامي المسلمين في جميع أقطار الأرض فإعزازه إعزاز لهذه الجامعة الدينية المار ذكرها. ولك أن تريد بالوطن الإنسانية إذ هي التي أكرمتك وأعزتك وميزتك عما سواك من أنواع المخلوقات وجعلتك مع كونك جرماً صغيراً ذا سلطان كبير يهابه جميع من سواه ويعترف بمكانته كل من رآه. فالواجب الثالث عليك أن تسعى لحفظها بالتخلق بالأخلاق الفاضلة التي تليق بها كالصدق والأمانة والعدل والحلم والكرم والاستقامة وعدم تشويه وجهها بالأخلاق السافلة من الكذب والغدر والجور والمكر ونحو ذلك فإن مثل هذه الأخلاق ليست أصلية في الإنسان بل هي أخلاق بهيمية لم يرتكبها الإنسان إلا جهلاً بفضل إنسانيته فعليك أيها الإنسان أن تسعى لها ببث العلم والمعرفة وتقوية روابط الألفة بين أفرادها أياً كانوا الآن الإنسان من حيث إنسانيته واجب حفظه وعدم التعرض له بسوء إلا بحق وقد جاء في بعض الروايات المسلم من سلم الناس من لسانه ويده أخرجه ابن حيان في صحيحه بلفظ سمعت عبد الله بن عمر يقوب ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (المهاجر من هجر السيئات والمسم من سلم الناس من لسانه يه).

رأينا في إصلاح المدارس

رأينا في إصلاح المدارس الثبات في الأعمال كثر فينا القائلون، وقل الرجال العاملون، ولو دققت النظر لوجدت أن القسم الأكبر من هؤلاء العاملين لا نتيجة لأعمالهم ولا ثمرة لها يفرح أحدهم ببدائة العمل. ويهتم بإحداث المشاريع ولكن لا ينظر إلى المستقبل نظر من يريد أن يستفاد من عمله نعم قضي علينا معاشر العثمانيين أن لا نثبت في أمر ولا ندأب على عمل فكأنا خلقنا للأقوال لا للأفعال ولأحداث الأعمال لا لإتمامها. أين نحن ممن يداومون الأعمال، وينتهون الفرص لتحقيق المال، لا تزعزعهم الشكوك والاحتمالات، ويوقفهم التردد عن إدراك الغايات، أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم أحب العمل على الله أدومه ألف كثير في حاضرتنا جمعيات لأعمال ومنافع لو ثبت منها عمل واحد لرجونا أن نكون مع الفائزين. وفي مصاف الراقين، عدم الثبات في الأعمال، والتقلب من حال إلى حال، أعظم أمر أتى علينا فنال منا بل كاد يودي بحياتنا المدرسية يبتدئ أحدنا العمل بهمة وعزيمة فما هي الأعشة أو ضحاها حتى يأخذه الخور. ويعتوره الملل. فتذهب تلك الهمة، وتفتر شرة ذلك الاجتهاد كم من مؤلف لم يتم تأليفه، ومصنف لم يكمل تصنيفه. وأمير خلب العقول بكاذب وعوده وصحا في عاهد الله على أن يعمل لأمته. ثم كان عمله لنفسه وشهوته، وكم من جمعية نادت بالإصلاح ثم همدت، وأناس دعوا إلى خير الأعمال ثم كانوا أول المتبرئين منه. مدارسنا والثبات مدارس حاضرتنا على اختلاف أنواعها، وتغاير مقاصدها، لا تثبت على عمل. ولا تستقيم على حال، فهي بين التقلب والتحول دائرة. وبين التغير والتبدل سائرة. وها نحن نتكلم عليها بما نرى راجين أن نوافق لإصابة الحق وقول الصدق وأن لا نلام من جانب رؤوساء المدارس بمجاهرتنا بما نعتقد فكلنا ساع للفائدة راغب في الإصلاح. المدارس الدينية يدخل الطالب مدرسة دينية فيرى أحد شيوخها يقرئ كتاباً في النحو أوفى الأصول مثلاً فيعزم على الاستفادة يبتدئ لكن لا يكاد يمر عليهما بضعة أيام حتى يمل هو أو يمل الأستاذ وينالهما الضجر. ومن كان في ريب مما قدمنا فليسأل الشيخ أولاً عن ما ابتدأه من الكتب

ولم يتمه والتلميذ ثانياً عن السؤال نفسه. وعن عدد رفقائه أول الكتاب وعددهم بعده هذا ولا تظنن أيها القارئ أن صاحبنا اذلي مل دام ملله بل قد علم من أحد أصدقائه أن الشيخ الفلاني يبتدئ يوم الأحد الكتاب السابق عينه فأعددته للحضور بين يديه مع تلامذته وفي الصباح أسرع حتى لا يفوته شيء من تقرير الشيخ وحضر ولكنه لم يلبث حتى تحول إلى درس آخر وهكذا تذهب حياته بين غدو ورواح ورغبة وملل. وفي ذلك ما فيه من حدوث العداوة بين ذلك الطالب ومطلوبه. إذ يثبت في قلبه بعدئذ أن وصوله إلى الغاية متعسر أو متعذر فيعرض عن العلم ويدعه ظهرياً وبسبب ذلك وغيره مما سنبين كثيرة قل عدد المتعلمين الحقيقيين. (ودخل في القوم من ليس منهم) فانحطت درجة هذا السلك الشريف وبقي إلا قليلاً مظاهر ترضي العين وتحزن القلب. الدواء لهذا الداء لا نرى دواءً أنجع لهذا الداء من إلزام المشايخ أنفسهم بالعمل بنظام مخصوص يسيرون عليه ويعملون بمقتضاه وامتناعهم بتاتاً من إهمال كتاب لبدائة آخر ومثلهم في كل ذلك التلامذة أيضاً مع ما يتبع ذلك من حسن المعاملة من الشقين والحض والتبشير من الأستاذ وهذا بلا ريب باعث على النشاط والأمل وقوة العزيمة والثبات والخير كله في الثبات بقية المدارس مر بنطرك نحو المدارس الأهلية عندنا فترى فيها التبدل والتقلب على أئمة ترى فهرس دروسها في رجب غيره في شعبان وفي رمضان فيره في شوال ترى عزيمة من بيده أمر شيء منها مصروفة تارة إلى ترقية اللغة التركية. وأخرى إلى تقوية اللغة العربية، ومرة إلى غير ذلك فهو بعد أن يعد عدته الأولى ويدخر لها ما في وسعه يعرض عنها ويستبدل بها الثانية. وهكذا حاله يوم ينتخب الكتب ويختار لها المعلمين، ففي كل شهر يتغير اجتهاده فيهم فيثبت منهم قسماً ويحذف الآخرين وهذا يتبعه تغير الكتب أيضاً لرجوعها في الغالب لرأي المعلم ومثل المدارس الأهلية في ذلك المدارس الأميرية فيبقى التلميذ فيها عرضة لأفكار الرؤوساء يسمعونه في كل شهر صوتاً وفي كل آونة نغماً. وهذا مع مافيه من سوء الصنيع وإضاعة الوقت الثمين بلا فائدة يعود على التلميذ بالضرر في مستقبله حيث يصير التقلب خلقاً ذاتياً له.

كلمة أو رجاء نقترح عليكم أيها الرؤساء أن تطرحوا هذه العادة جانباً وأن تتقوا الله في أطفال المسلمين وأفلاذاً أكبادهم وأن تحافظوا على أواتهم من الضياع فإن الله محاسيكم عليها. وعليكم أن تدققوا أول السنة في ترتيب بروغرام الدروس واختيار المعلمين الأكفاء. وفي ذلك ما يكفل لكم الثبات وعدم التقلب أثناء السنة ولا يخفى ما يحصل من ذلك من الانتظام في المدارس. وعدم الفوضى في التعليم، وذلك خير ما يرقي مدارسنا. أولياء التلامذة وضرر تقلبهم على المدارس إن في الأهلين قسماً كبيراً درجوا على هذه العادة السيئة، وتخلقوا بهذا الخلق الشائن ألا وهو التقلب يأتي الرجل وله ثلاثة أولاد مثلاً فيرى في أول الأمر أن تفريقهم أولى لما يترتب على اجتماعهم من تضييع الوقت باللهو ونحوه فيجعل كل واحد منهم في مدرسة وهو لا يدري ما حقيقة المدارس التي وضعهم فيها ولا مراده في المستقبل من أولاده يترك الوالد في هذه المدارس أولاده وشأنهم ولا يعلم من أمرهم إلا أن المعلم طلب منهم كتباً ودفاتر وأوراقاً وغير ذلك فينقدهم ثمنها ثم يكتفي منهم بالذهاب في الصباح والإياب في المساء يظل هذا الرجل وحالته هذه بضعة اشهر وفي بعض الأيام يأتيه أحد أولاده قائلاً أي به أنا لا أذهب إلى المدرسة. اجعلني مع أخي في مدرسته فإنها أرقى من مدرستنا وأنفع. وفيها دروس كثيرة، وأنا لم أتعلم من مدرستي شيئاً، وعندنا شيخ لا يحسن التعليم، وربما تحامل علي أكثر من غيري. ولقد يضربني في حين لا أستحق الضرب وهكذا يذم مدرسته ويمدح مدرسة أخيه، ويغضب عليها، بعد أن كان راضياً عنها، ولا يزال يلح على أبيه حتى يجعله مع أخيه، وحينئذٍ يترائى له أن وضع أولاده معاً أحسن وأقرب للنفع والفائدة فيجعلهم في مكان واحد ولكن لا تمضي مدة طويلة حتى يتسامع في البلدة أن إحدى المدارس ستقيم ليلة كذا حفلة تختبر بها تلامذتها فيتسرع صاحبنا في اليوم الثاني إلى وضع أولاده في تلك المدرسة ظناً منه بأنها المدرسة التي تخرج له أولاداً نجباء ولم يدر أنه بذلك أهلك أولاده وأعدمهم نتيجة مستقبلهم إذ أنهم يوم كانوا متفرقين كان كل واحد منهم آخذاً بنصيب من الدروس وحظ من الفائدة ولكن لسوء الطالع لم يكمل لهم ذلك حتى جمعهم والدهم عملاً بنصيحة ولده الصغير في مدرسة واحدةة فابتدأوا بدروس غير تلك الدروس.

ودفاتر غير تلك الدفاتر. وكتب غير تلك الكتب، ورأوا معلمين لم يكونوا رأوهم من قبل، وتناسوا جميع ما علق في أذهانهم من مدرستهم الأولى لأن مدرستهم الجديدة تقرئ الصرف التركي ولكن غير ما كانوا يعلمونه. وتقرئ أيضاً النحو والفقه والتوحيد والحساب والجغرافيا ولكن بأسلوب يغاير أسلوب الأولى وهذا ما اضطرهم إلى تناسي ما كان ثابتاً في أذهانهم أقبل الأولاد يقتطفون ثمرات جديدة، ويتعلمون أسلوباً حديثاً، ولكن مع الأسف ما أوشكوا أن يتعرفوا هذا الأسلوب الحديث ويأخذوا بأول ثمراته حتى سمع والدهم العزيز صوت حفلة أخرى فعزم على إخراجهم إلى المدرسة الرابعة لينالوا ثمت من العلم أكمله وأوفاه ندع الوالد لفكره ورأيه وننظر الأولاد فإنهم لما دخلوا المدرسة امتحنهم مديرها (وهكذا مديرة المدارس عندنا لا يقبلون أحداً إلا بالامتحان) ووزعهم على حسب استعدادهم وفي المساء جاء الأولاد بيد كل واحد منهم جريدة كتب فيها أسماء الكتب والدفاتر والوالد التي تلزمه فنقدهم الأب كامل وكثيراً ما يضع من رتبتهم بخساً ليوهمهم قلة علم من كانوا عنده ما طلبوه، وأرسل عليهم رحماته الأبوية ودعا لهم بكلمات الرضا والإحسان. مضى على الأولاد في المدرسة الرابعة مدة أيام نزعوا فيها ما ثبت في أذهانهم من مدرستهم السابقة وابتدروا يأخذون من الجديدة ما فيها أما الوالد فبينا كان مع أصحابه في بعض الأيام إذ رأى بيد أحدهم ورقة فطلبها ليعلم ما فيها فأذاها تقول تدرس مدرستنا العلوم العصرية والعلوم الدينية وتعني عناية تامة باللغات الإفرنسية والتركية والعربية مع ما يلزم الإنسان معرفته من العلوم الرياضية كالجغرافيا والهندسة المسطحة والهندسة المجسمة والحساب بأنواعه إلخ. . إلخ فاعجب بها وبكثرة دروسها وفكر أنه ليس بين أولاده وتحصيلهم هذه الدروس كلها غلا أن ينقلهم إليها ويجعلهم في عداد تلامذتها ومتى أتموا دروسهم فيها ينتخبون مبعوثين أو يختارون ولاة أو مشيرين وما تنفس صبح اليوم التالي حتى أسرع فنادى كبير أولاده ليؤذن أخويه بعدم الذهاب إلى المدرسة ففعل وكان الأخ الصغير يجتهد ليلة كله لوعد سلف منه لمعلمه بحفظ دروس الفقه فلما علم بأمر والده فرح وذهب ما كان يجده من حرارة الوعد وثقله ثم ساروا جميعاً ضحوة النهار إلى المدرسة الجديدة وهي خامسة المدارس وهكذا مضت حياتهم بين قديم وحديث ومدرسة كبيرة وأكبر

وحسنة وأحسن. إلى أن حان وقت خروجهم من المدارس وليس لديهم من المعارف ما ينفعهم في دينهم أو يرقيهم في دنياهم شأن المتقلبين في الأمور، المبتلين بتقاطع الأعمال أمثال هؤلاء المتهوسين لا يكون ضررهم قاصراً على أنفسهم بل يتناول بني جنسهم أيضاً فقد يرزقون أولاداً فلا يحسنون تربيتهم ويسيئون عشرتهم ولا أقل من أنهم يورثونهمو تلك العادة القبيحة عادة التقلب وعدم حفظ المبدأ فتفسد حالهم، ويختل نظام حياتهم ويعيشون عالة على الناس، وعباء ثقيلاً على الوطن. إن الوالد يدعي محبة ولده وأنه يتمنى له الخير ولكن لا يعلم الطريق إلى ذلك وربما عاد سعيه بالفائدة له ضرراً وأضراراً يحب على الولدان أن قلب الولد كالمرآة الصافية ينعكس فيها نطلق خيال فذلا كان من أعظم الواجبات عليه أن يسير به السير الحسن. ويخلقه بكامل الأخلاق فإذا رأى منه يوماً عدم الثبات في الأمور والتقلب في الأحوال نصحه وعظه. وردعه وزجره مخافة أن يثبت على التلون وينشأ على التقلب وعدم الصبر فيكون في الأمة العضو العاطل بل الضربة المؤلمة على المجتمع كله هذا في الدنيا وفي الآخرة يشترك الأب وابنه في عذاب الله ومقته. ويستحقان معاً نار الله وحجيمه. قال الإمام الغزالي في أحيائه (أن الولد أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية عن كل نقش وصورة فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم ومؤدب وأن عود الشر وأهمل شقي وهلك وكان الوزر في رقبة وليه). ووزر الولد أيضاً ثابت كما قدمنا لتقصيره في غصلاح نفسه بعد بلوغه وإن كان أنقص من وزر الوالد والوالد تعاظم وزره لتضييعه هذه الجوهرة التي وهبها الله له وأضراره بتلك الوديعة التي لا ذنب لها إلا أنها انقادت لإشارته وصارت طوع كلمته ولولا أن الآباء شعروا بثقل هذا الحمل. وصعوبة هذه الوديعة، وما يترتب على إهمالها من الفساد لسعوا في تأديبها وتهذيبها قبل سعيهم لغذاء أجسامهم (ولو أنهم فعلوا لرأينا من نشئنا ما ينفع ويفيد). الدواء لهذا الداء

لا نرى دواءً أنجع لداء تقلب الأهلين من تعاضد أرباب المدارس واتفاقهم، وإزالة البغضاء من صدورهم، فيجمعون أمرهم على ما يعود بالنفع لهذه الناشئة وأول ذلك توحيد يورغراماتهم (فهرس الدروس) واعتماد كتب مخصوصة يكون العمل عليها تدرس في سائر المدارس لا تبدل بعد اتفاق أكثرهم عليها ولا تغير ولو وجد ما هو خير من بعضها وأقرب منه تناولاً فلؤجل إلى انتهاء العالم ليعرض على رؤساء المدارس ويكون العمل عليه في السنة التالية وبذلك نأمن مفاسد كبيرة ونوفر للطالب جزأ من عمره كان من قبل فريسة التنافر وعدم الائتلاف. والثاني اتفاقهم جميعاً على زيادة راتب الأولاد زيادة وسطاً وجعلها في السنة قسطاً أو قسطين تدفع سلفاً لمدير المدرسة وتعيين مادة مخصوصة يرحم بها الفقير والمسكين وبذلك تحصل الفائدة التامة إذ أن زيادة الماديات أكبر مقو للمعنويات، والفوائد لا تقوم إلا بقيام العوائد زيادة هذه الرواتب مما ينشط معلمي المدارس ويزيد في رغبتهم بالتعليم والإفادة وجعل الأجرة في السنة قسطاً أو قسطين هو الحافظ الوحيد لمستقبل الأولاد إذ به يجبر التلميذ على المداومة ريثما تنقضي المدة التي دفع راتبها وبالمداومة يجد حلاوة المدرسة ويذوق لذة العلم والتعلم وتعيين مادة مخصوصة لرحمة الفقير لا يختلف بفائدتها اثنان بل هي أعظم ما يسعى إليه المصلحون وفي رأينا أن استعمال وهذا الدواء مما يقدم المدارس ويعود عليها بالغصلاح التام وليس هو بالأمر الصعب على رؤسائها فهم القدوة في محاسن الصفات ولا صفة تعلو صفة الاتحاد والاتفاق على ما يرقي هذا النشئ الكريم. فإن قال قائل لاشك أن ما ذكرتموه هو الدواء النافع ومدارسنا إليه في أشد الاحتياج ولكن نظن أنه لا يفيد رؤساء المدارس لما نعلمه بينهم من التنافر اذلي يستحيل معه مطلق اتفاق قلنا له ما علمته من رؤساء المدارس غير ما علمناه وعلمه غيرنا منهم فقد عرفوا عندنا بلين العريكة، وقبول النصيحة، وتهذيب الأخلاق، فلا يحتاجون إلا إلى التذكير [والذكرى تنفع المؤمنين].

كلمتنا في كتاب دروس التاريخ الإسلامي

كلمتنا في كتاب دروس التاريخ الإسلامي لاريب في أن كل عالم بما بني عليه الدين الإسلامي من دعائم العمران وآداب الاجتماع ينفطر قلبه حينما يشاهد من ناشئة العصر أناساً جاهلين بتاريخه غير واقفين على حقيقته. ذلك الدين الذي صارت هذه الأمة بسببه أرقى الأمم أخلاقاً وأحكمها ارتباطاً وأشدها باساً وأكثرها اعتناء بالإنسانية، وقد سرنا ما ينشره في هذه الآونة حضرة الكاتب الألمعي الشيخ محي الدين أفندي الخياط باسم (دروس التاريخ الإسلامي) حيث وجدناه ضالتنا المنشودة فإنه جمع في ذلك خلاصة ما ينبغي لناشئة المسلمين أن يطلعوا عليه بعبارات قلت ألفاظها وكثرت فوائدها على طريق مختصر وأسلوب سهل فجزاه الله على هذا العمل خيراً ووفقه لإتمام هذا المشروع المفيد. غير أن موضوعاً كهذا الموضوع الجليل المخترع في أسلوبه قد لا يسلم من هفوات شأن كل عمل في مبدئه. وكنا اطلعنا على الجزء الثاني وكتبنا عنه جملة مختصرة في عدد من هذه المجلة ووعدنا أن نبين رأينا فيه. وها نحن نذكر ما عثرنا عليه مما يلزم بيانه إيفاءً بالوعد وخدمة للتاريخ جملة ما انتدبناه عليه ثمانية أشياء: عدم إتيانه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتب اسمه الكريم. مع أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن فقد أنقذنا عليه الصلاة والسلام من الظلمات إلى النور وخلصنا من غياهب الجهل الحالك إلى مشارق أنوار العلم وطهرنا مما كان عليه الجاهلية وعبدة الأوثان حتى بلغنا أرقى ذروة في الآداب وانتهينا إلى أشرف مدينة محفوفة بأحسن الأخلاق وأسدى غلينا صلى الله عليه وسلم من الإحسان مالا نبلغ معشار واجب شكره فجزاه الله عنا ما هو أهله. وكيف لا يجب علينا أن نربي الناشئة على تعظيمه صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: [إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه كلمتنا دروس التاريخ الإسلامي (الحقائق ج8م1) وتوقروه] أي تجلوه وتبالغوا في تعظيمه. ما ذكره ص6 من أن عمر بن الخطاب أمر بقتل سعد بن عباده لتخلفه عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهم قال فرحل سعد إلى الشام فأرسل عمر إليه رجلاً ليقتله إذا أبى عن البيعة فأدركه الرجل بحوران فدعاه فأبى فقتله. وقد تتبعنا كثيراً من المظان فلم نجد أن عمر رضي الله عنه أمر بذلك بل رأينا ما يؤيد خلافة فقد نقل القسطلاني عن ابن الأثير أنهم لم يختلفوا في كون سعد رضي الله عنه وجد

ائلاً في بئر يسمعون صوته ولا يرون أحداً ينشد هذين البيتين: #نحن قتلنا سيد الخز ... رج ميتاً على مغتسله ولم يشعر أهل المدينة بموته ولم يشعر أهل المدينة بموته حتى سمعوا سعد بن عباده فرميناه يسهم ... فلم يخط فؤاده فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام وقال ابن سيرين بينا سعد يبول قائماً إذا أتكأ قتله الجن. فعلى المؤلف إذا كان مستنداً بما نقله لشيء أن بينه (3) ذكر ص 8 أن الأسود العنسي قتل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه والحال أنه قتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه حينما كان المسلمون في صنعاء وهي البلدة التي يقيم فيها العنسي يومئذ قدم عليهم وبر بن يحنس ومعه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم فيه بالنهوض في الحرب والعمل في الأسود أما غيلة وأما مصادمة فأجمع المسلمون أمرهم على أن يقتلوه. فاجتمع فيروز وقيس وداذويه وجشيش بن الديلي ودخلوا على الأسود ليلاً وهو نائم في بيته فقتله فيروز وحز رأسه. وذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوا من يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوصلت رسلهم إلى المدينة صبيحة الليلة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن النبي عليه الصلاة والسلام قد أتاه الخبر من السماء في الليلة التي فتل فيها العنسي فبشر المسلمين بذلك وقال ومن هو قال فيروز ذكر ذلك الطبري في تاريخه. (4) ما قاله ص 10 من أبا بكر رضي الله عنه كان واضع أول أساس للفتح الإسلامي وقد عجبنا من وصفه أبا بكر رضي الله عنه بذلك مع أن الفاتح الأول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه قوله [إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك] وخاطبه بقوله [إنا فتحنا فتحاً مبيناً] ولعل المؤلف أراد أول فاتح بعده صلى الله عليه وسلم. (5) ما نقله ص 3 من أن سعداً اتخذ إيوان كسرى مسجداً والتماثيل وفيه كنا نود من المؤلف لايذكر ذلك في رسالة ألفها لينتفع بها أولاد المسلمين من غير أن ينتبه على حرمة التماثيل أو أن يغفل مثل هذه القصة في مثل هذا المختصر.

(6) ما ذكره ص 53 وص78 من أن سيدنا عثمان وسيدنا عليا رضي الله عنهما كانا بعيدين عن الحزم. و (7) ما تهور فيه ص 59 من إطلاقه كلمة ح (محبو الفتنة) على بعض من وجد في جيش وقعة الجمل. و (8) ما انفرد به ص 84 من إطلاقه لفظ اشتراكي على سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وقد عجبنا من المؤلف بعد درسه تاريخ الإسلام واطلاعه على ما ورد في فضل عثمان وعلى وسائر الصحابة رضوان الله عليهم وما ورد من الوعيد فيمن يقدح في أحد منهم كيف تجاسر أن يحكم على أحد منهم بأنه بعيد عن الجزم أو محب للفتنة وكيف التبس عليه مبدأ الزهد الذي كان عليه سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه بما يسمونه اليوم (مبدأ الاشتراكية) وهي ألفاظ لا تليق أن تطلق على أحد من خاصة المسلمين فضلاً عن الصحابة الكرام رجال الدين ومصابيح الهدى سبحانك هذا بهتان عظيم وكيف يرمى بشيء من هذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه حديث صحيح رواه الترمذي عن عبد الله بن مغفل وقال صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحابي فأمسكوا حديث رجاله رجال الصحيح إلا واحداً اختلف فيه وقد وثقه ابن حيان وغيره كما ذكره العلامة ابن حجر الهيتمي ص 6 من هامش الصواعق المحرقة وقال صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) أخرجه البيهقي وأبو الحسن رزين بن معاوية العبدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هذا وقد ذكرت مجلة المقتبس في انتقاد الكتاب المذكور وجرها آخر جديرة بالنظر ونحن نتمنى لمؤلفه حفظه الله أن يتثبت في النقل لينال تأليفه من الإقبال ما يستحق ونرجوه أن لا يضن علينا بحكمه وأن لا يعتب علينا في بيان الحق فالمؤمن مرآة أخيه. ونسأل الله أن يوفقنا وإياه لخدمة الأمة الإسلامية بكل ما يمكننا إنه ولي التوفيق.

الحقائق ومكانة الدين من الرقي

الحقائق ومكانة الدين من الرقي من استعمل القوة الفكرية في الوسائط الموصلة إلى إدراك حقائق الأشياء لاحت له بوارقها وبدت له أشعة شموسها لا يذهب بك الوهم ولا يغري بك الخيال أن معرفة الحقائق تحصل بمجرد قراءة ألفاظ الكتاب وسرد العبارة من غير تعقل وإمعان ونظر في المقدمات المنتجة للمطلوب. كل إنسان مستعد لإدراك الحقائق لأن القلب الذي هو محل العلم كالمرآة بالنسبة إلى صور المتلونات تظهر كل فيها على التعاقب فكل قلب بالفطرة الإلهية صالح لإدراك الحقائق. العقل إذا لم يتحرك من معقول إلى معقول لم يدرك شيئاً من النظريات تلك الحركة هي المسماة بالفكر فكما أن العين الباصرة لا يمكنها إدراك الأشياء إلا عند ظهور النيرات كالشمس والقمر ونحوهما كذلك العقل لا يقدر على إدراك الحقائق إلا إذا أشرقت عليه أنوار التوفيق والهداية. فخاصية الإنسان هي معرفة الحقائق على الوجه الذي هي عليه بحيث يرتفع على قلبه حجاب الشك والوهم وبكمال هذه الخاصية ونقصانها يفضل بعض أفراد الإنسان على بعض. الحقائق سر مصون من ضمائر الكون لا يطلع عليه إلا من أفعم قلبه نوراً وامتلأ صدره إيماناً. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. معرفة الحقائق تتوقف على قوة العقل التي هي إحدى القوى الأربع التي إذا اعتدلت في الإنسان كان إنساناً كاملاً وهي قوة العقل وقوة الشجاعة وقوة العفة وقوة العدل فمن اعتدال هذه القوى الأربع تصدر الأخلاق المحمودة ثم أن العقول متفاوتة في فهم الحقائق على حسب استعدادها ومهما بالغ الإنسان في تعاطي الوسائط لا يتأتى له أن يستقصيها علماً بل لا يحوز إلا على المقدار الذي يناسب حاله مما هو من مقدور البشر فأهم شيء للإنسان الإقبال على طلب كشف حقائق الأشياء والإعراض عما يشغل سره من العوارض التي تحول بينه وبين طلبها ومتى انكشفت له تحقق عنده أن سعادة كل أمة تكون برجوعها إلى أصول الدين القويم والأخذ بأحكامه والتصدي لإرشاد العامة بمواعظ تستدعي تطهير القلوب وتهذيب الأخلاق ولم الشعث وجمع الكلمة. هل يكابر أحد أن صلاح هذه الأمة لا يكون إلا بالتمسك بقواعد الدين؟ هل ينكر أحد أن

الدواء الناجع لنهضتها هو امتثال أوامر الرب جل وعز واجتناب نواهيه والرضوخ لأحكامه. فإذا كان التمسك بأصول الدين ينشئ للأمة قوة الاتحاد وائتلاف الشمل ويبعثها على اقتناء الفضائل وتوسيع دائرة المعارف وينتهي بها إلى أقصى غاية في المدنية فلم لا تسارع إلى ما يكون وسيلة لنجاحنا وذريعة لإعادة مجدنا ونتجافى عما يطوح بنا إلى هوة التقهقر. لو جعلنا تاريخ الأمم مطمح نظرنا ونصب أعيننا لعلمنا أنه ما انقض صرح عز أمة. ولا انقلب عرش مجدها إلا التساهل في الدين واختلاف وشقاق. أو توسيد الأمور لغير أهلها وفي ذلك حيد عن سنن الله تعالى. لو تأملنا في آيات القرآن واعتبرنا الحوادث التي أملت بالإسلام لوجدنا أن سببها ترك الأوامر والميل عن الصراط السوي واتباع الهوى وخطوات الشيطان ولا يظلم ربك أحداً. نرجع إلى مداركنا ونصبر أخلاقنا ونلاحظ مسالك سيرنا هل نحن الآن متسربلون بسيرة الأسلاف الذين سبقونا الإيمان؟ هل فينا من يقتفي أثر العلماء ممن جاهدوا بأنفسهم وأموالهم في طاعة الله تعالى؟ كان من سيرتهم لتخلق بآداب الشريعة من استقامة الرأي وصدق القول وسلامة الصدر وصفاء الطوية والعفة عن الشهوات والحمية للحق والشفقة على عباد الله تعالى وهذا هو نتيجة التمدن الحقيقي. وأما سيرتنا الآن فلا يرتاب أحد أنها مباينة لما كان عليه السلف تبايناً جلياً. هل تنفع حكمة أفلاطون وأرسطو؟ هل يغني طب أبقراط وجالينوس؟ هل تفيد هندسة إقليدس، وهيئة بطليموس مع الانحراف عن الدين والإعراض عن الحق. والأخذ بالصد عن الاقتداء بالقرآن العظيم، والعمل بسنة النبي عليه الصلاة والسلام! لا يتبادر إلى ذهن القارئ أن كلامنا هذا من قبيل التنفير عن الاشتغال بدراسة الطب والهندسة وغيرهما أو من قبيل ذمها وتثبيط الهمم عن تعاطيها كلا ولكن من باب التقريع لمن أقبل بشراشره على تحصيلها ونبذ علوم الدين وراءه ظهرياً، زعماً منه أنه بلغ بذلك نم الترقي في المدنية غاية لا مطلع للرغبة وراءها وأداه الجهل بأحكام الله التي شرعها وحدوده التي حدها إلى انتهاك حرمة الدين وارتكاب ما نهى عنه. وإلا فتلك العلوم في ذاتها لا ينكر عاقل أنها من جملة

الأسباب في ترقي النوع الإنساني ومن البواعث على تنوير عقله واتساع دائرة فكره. نحن لا نذم علماً من العلوم لذاته لأن كل علم لا يخلو من منفعة أما في المعاد أو المعاش أو في الكمال الإنساني وإنما نذم بعض العلوم لأحد أسباب إما لكره مؤدياً لضرر بصاحبه في دينه وإما يكون المتعلم يقصد بالعلم أمراً فوق غايته. فينبغي أن يكون للإنسان نظران يرمي بأحدهما إلى الدنيا في انتظام الشؤون وتحسين الأحوال، وبالآخر إلى الآخرة في استعمال الوسائل الموصلة إلى رضاء الله والفوز بما وعد به. خير رجال هذه الأمة من لا تشغله آخرته عن دنياه ولا دنياه عن آخرته. فمن كان له قلب يفقه وعين تبصر وأذن تسمع وتتبع حوادث العالم يحكم حكماً لا يشوبه الريب بأنه ما حاق السوء بالأمة لا وكانت هي الظالمة لنفسها بما تجاوزت من حدود الله تعالى وانتهكت حرماته وانحرفت عن شرائعه. لكن هذه الأمة المحمدية ما زال الخير فيها إن شاء الله ولا يزال إلى يوم القيامة كما جاءت الأخبار ودلت الآثار. وهذا الانحراف الذي نشاهده اليوم من بعض الناس والتساهل في الدين نرجو أن يكون من العوارض التي يحكم بسرعة زوالها خصوصاً إذا تداركتهم العناية والتوفيق ورجعوا إلى ما يأمرهم به ربهم وراجعوا علماء الدين المعروفين بالفقه والتقوى والاستقامة والصدق فأخذوا عنهم معالم دينهم وعلى العلماء الأتقياء أن يسارعوا إلى إرشاد الخلق بأداء ما عليهم من النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين ويشمروا عن ساعد الجد بتذكيرهم بالمواعظ وآداب الشريعة المطهرة لعل الله يزحزح عن قلوبهم غيوم الأوهام ويشرح صدروهم لتلقي الأحكام التي لا يرتاب عاقل بأنها السبب الأقوى لترقيهم ذرى المجد وتنسمهم شاهق العزة والله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل.

التايخ

التايخ تابع ترجمة أبي بكر رضي الله عنه خرج أبو بكر رضي الله عنه إلى ذي القصة فعسكر بها وعقد لقتال المرتدين أحد عشر لواء لأحد عشر قائداًَ: لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة. لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة. (3) للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء ثم يمضي إلى كندا بحضرموت (4) لخالد بن سعيد وبعثه إلى مشارف الشام. (5) لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة. (6) لحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا (7) لعجرفة بن هرثمة وأمره بمهرة (8) لشرحبيل بن حسنة وبعثه في أثر عكرمة بن أبي جهل (9) لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم م هوازن. (10) لسويد بن مقرن وأمره بتهامة اليمن (11) للعلاء بن الحضرمي وأمره بالبحرين. وكتب للأمراء عهداً هذا صورته: بسم الله الرحمن الرحيم_هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان حين بعثه في من بعثه لقتال من رجع عن الإسلام وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله، سره وجهره، وأمره بالجد في أمر الله، ومجاهدة من تولى عنه، ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان، بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بدعاية الإسلام فإن أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا لبه ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم فمن أجاب إلى أمر الله وأقر له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه فيما

استسر به ومن لم يجب إلى داعية الله قتل وقوتل حيث كان وبلغ مراغمه ولا يقبل الله من أحد شيئاً مما أعطي إلا الإسلام فمن أجابه وأقر قبل منه وأعانه ومن أبى قاتله فإن أظهره الله عز وجل عليه قتلهم فيهم كل قتلة بالسلاح والنيران ثم قسم ما أقدر الله عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه ويمنع أصحابه العجلة والفساد وإن من يدخل فيهم حشواً حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيوناً ولئلا يؤتى المسلمون منقبلهم وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول. وكتب للمرتدين كتباً يأمرهم فيها بالرجوع إلى الإسلام ويهددهم إذا لم يجيبوا لذلك وسير هذه الكتب قبل مسير الأمراء ثم خرجت الأمراء معهم العهود كل إلى وجهته والله ناصره. خبر طلحة كان طليحة بن خويلد الأسدي رجلاً كاهناً ادعى النبوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليه الصلاة والسلام ضرار بن الأزور رضي الله عنه لمقاتلته فسار إليه ولما هم بأخذه جاءت الأخبار بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقام عيينة بن حصن في بني غطفان وقال إني متابع طليحة والله لأن نتبع نبياً من الحليفين أحب إلينا من أن نتبع نبياً من قريش وقد مات محمد وبقي طلحة فطابقوه على رأيه فلما اجتمعت غطفان على المطابقة لطليحة رجع ضرار بن الأزور ومن كان معه إلى المدينة فأخبروا أبا بكر رضي الله عنه الخبر وأمروه بالحذر قال ضرار فوالله ما رأيت أحد ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم إملاء بحرب شعواء من أبي بكر فجعلنا نخبره بالخبر ونأمره بالحذر ولكأنما نخبره بما له ولا عليه أه. فلله در أبي بكر رضي الله عنه ما أشجع قلبه، واشد بأسه ولما انهزمت عبس وذبيان كما قدمنا في خبرهم رجعوا إلى طليحة وكان نازلاً على بزاخة فضمهم إليه وارسل إلى جديلة والغوث من بني طيء يأمرهم باللحاق به فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم باللحاق بهم وكان أبو بكر رضي الله عنه أرسل عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيء فدعاهم وخوفهم فأجابوه ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب فكان عدي خير مولود في أرض طيء وأعظم بركة عليهم فسار خالد يريد طليحة فالتقى بالمرتدين ببزاخة فقاتلهم قتالاً شديداً وطليحة

متلفف كسائه يتنبأ لهم فلما اشتد الحرب كر عيينة على طليحة وقال له هل جاءك جبريل بعد قال لا فرجع فقاتل ثم كر على طليحة فقال له لا أبا لك أجاءك جبريل قال لا فقال عيينة حتى متى قد والله بلغ منا ثم رجع فقاتل قتالاً شديداً ثم كر على طليحة فقال هل جاءك جبريل قال نعم قال فماذا قال لك قال قال لي إن لك رحى كرحاه وحديثاً لا تنساه فقال عيينة قد علم الله أنه سيكون حديث لا ننساه انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب فانصرفوا وانهخزم الناس وكان طليحة قد عد فرسه وهيأ بعيراً لامرأته فلما أن غشوه الناس يقولون ماذا تأمرنا قام فوثب على فرسه وحمل امرأته وقال من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل ثم انهزم فلحق بالشام ثم نزل على كلب وارفض جمعه وقتل الله من قتل وأسر عيينة بن حصن فقدم على أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك فيقول والله ما آمنت بالله طرفة عين فتجاوز عنه أبو بكر رضي الله عنه وحقن دمع وقد أسلم طليحة بعد ذلك لما بلغه أن اسداً وغطفان قد أسلموا وسيأتي له ذكر جميل في فتح العراق.

مسألة التلغراف

مسألة التلغراف اطلعت على مقالة في المقتبس عدد 500 للعالم الفاضل جمال الدين القاسمي فيما يتعلق بالتلغراف من ثبوت الأحكام الشرعية وقد ذكر أنه كان من الباحثين في هذه المسألة من سنين وأنه الآن رأى في الاتحاد العثماني مقالة تحت عنوان (كيف أعلن العيد وجواز العمل بالتلغراف) مضمونها صحة العمل به في ثبوت الهلال وأن قاضي مصر قضى بذلك. بعد مذاكرته مع مفتيها استناداً على التلغراف الوارد في رؤية الهلال هناك وأكده بفتوى الشيخ عليش المالكي بذلك ونقل عن الشيخ عبد الباقي الأفغاني الحنفي والشيخ محمد الشطي الحنبلي أنها أفتيا بذلك وأن الأول وافق كبار علماء الشافعية بدمشق الذين كانوا يفتون بها واستدل عليه بابتناء السلطنة السنية عليه قائلاً بأنها أيدها الله تعالى وضعت التلغراف لتبليغ الأخبار من البلاد البعيدة والقريبة في مدة يسيرة وأقامت لأعماله أشخاصاً مسلمين وأنفقوا على ذلك إلى آخر ما ذكره. فأقول وبالله تعالى التوفيق والهداية لأقوم طريق إن ما ذكره من الأدلة لا ينهض دليلاً لثبوت ذلك شرعاً فإن الشارع صلى الله عليه وسلم قال صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين. واتفقت علماء المذاهب الأربعة على رد قول من قال أنه يثبت بقول أهل الحساب مع أنه أولى من التلغراف وأجدر منه بالاعتبار لما هو مشاهد من شيوع الغلط فيه على أن الشيخ عليش رحمه الله س ل عن حكم شرب الدخان فيما نقله عنه في الفتاوى الكمالية فأجاب بأن الدخان لا نص فيه للمتقدمين لعدم وجوده في زمانهم وإنما حدث بعد الألف من الهجرة ولذلك اختلف العلماء فيه الخ. . فأنت ترى أن الشيخ المذكور ناقض نفسه لأنه لم يفت بحكم الدخان لعدم وجوده في زمن المتقدمين وأفتى بالتلغراف وكلاهما لم يوجدا بزمن المتقدمين بل حدوث التلغراف بعد الدخان بأعوام عديدة وهذا منه عجيب وأما ما نقله عن رسالة الشيخ عبد الباقي الأفغاني ورسالة الشيخ محمد الشطي فهو نقل محرف لأنهما بعد تقديم مقدمات حقوقية يجري فيها قبول الكتابة المحفوظة كالمبرآات السلطانية والفرمانات الخاقانية ألحقا بذلك قبول التلغراف بالحقوق كالوكالة وما شابهها إلا أنهما أفتيا بأنه تثبت به أركان الدين ولولا خوف الإطالة لنقلت ما ذكراه بتينك الرسالتين فعليك أيها القارئ بمراجعتهما وحقاً إني لأعجب من هذا الفاضل كيف ينقل من عبارة صدرها الذي هو

مقصوده ويترك محل الشاهد الذي هو مقصود المؤلف منها وهذا ليس من شأن العلماء لأن العلم أمانة. وأما نقله عن بعض الطلبة القائل ليس هذا أي ثبوت شهر رمضان بالتلغراف من مذهبنا أو ليس عندنا الخ ثم رده عليه بقوله أن هذا اشتباه لأن المذهب الذي ينسب إلى إمام نفياً أو إثباتاً هو ما قاله أو نص عليه إلى آخر ما رده فأجيب عنه بأن ما قاله هذا البعض هو الحق الصريح وخلافه باطل وغير صحيح وكون إثبات رمضان غير منصوص عليه من صاحب المذهب غير صحيح وأيضاً بل نصت علماء المذاهب على حصر ثبوت شهر رمضان بالرؤية أو بإتمام العدة وذلك نص صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم والحاصل أن من له أدنى إلمام بفروع الشرع وأصوله لا يقول بثبوت شهري رمضان وشوال بالتلغراف بل أكثر ما يقال فيه أنه يورث شبهة بالحقوق لا بالديانات ثم ليت شعلاري من هم علماء الشافعية في دمشق الذين أفتوا به ووافقهم الشيخ عبد الباقي الأفغاني ليتنا نطلع على أسماءهم وعلى ما ذكروه من الأدلة وأظن أنه ليس عندهم إلا الاستحسان العقي ومن المعلوم المقرر أن أسرار الشرع المطهر لا يستقل بها العقل أعفانا الله تعالى من هذه الترهات ودخلنا بواسع الرحمات بجاه صاحب المعجزات صلى الله عليه وسلم دمشق راغب السادات

عود على بدء

عود على بدء لحضرة الأستاذ الشيخ جمال أفندي القاسمي لا أعجب ولا أستغرب من جاهل يتعالم أو أحمق يتعاقل لأن الفطرة في ذاتها توحي للجاهل بفضل العلم وللأحمق بفضيلة العقل والنفس خلقت جالبة ما ليس لها حريصة على التحلي بغير حليها (هم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله) لكن أتعجب من عالم لا خلاف في عالميته وفضله يتجاهل في محاولة إثبات محال ممتنع. يا أستاذ ليس هذا الدين من الأديان المنوط تبديلها وتغييرها بعلمائها وأمرائها وذوي الحل والعقد منها ولا يستطيع أحد أن يجعل محكماً من نصوصه متشابهاً ولا ناسخاً ولا منسوخاً ولا منسوخاً ناسخاً إلا (الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) وأعيذك بالله أن تكون منهم إثبات الإفطار والصيام من مسائل الدين المستندة إلى الصول الشرعية فدع ما قال وقالوا وانبذ ما سوى قول الله وقول رسوله ثقال الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) الحديث. فأنت ترى أن الله تعالى قال (حتى يتبين لكم) فكيف يصح لنا اعتماد ما تبين لغيرنا ولم يتبين لنا والرسول عليه الصلاة والسلام قال (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) فأنى لنا أن نصوم ونفطر لرؤية غيرنا سيما في قطر يخالف مطلعه قطرنا. لا يرتاب ذو مسكة من العلم أن الذين أمروا بهذا الأمر كانوا عالمين باختلاف المطالع وفهموا معنى هذا القيد ولذا لم يسالوا عنه على عادتهم الاستفهام عن كل ما يشكل عليهم حتى الكلمة الواحدة. كنت قدمت لكم أمثلة عن اختلاف المطالع في الطول لكن هذا الاختلاف ليس منحصراً في الطول فقط بل هو موجود في العرض أيضاً وكما أن الفرق في الطول يعرف من تقسيم 24 ساعة على درجة 360 ففي العرض كذلك مثلاً أن الفرق في العرض بين دمشق والمدينة المنور 9 درجات و10 دقائق فاضربهن بأربع دقائق الخاصة كل درجة تجد الفرق بين المطلعين تماماً فالآن في 15 كانون الثاني طلعت الشمس في المدينة في الساعة الواحدة وبعض دقائق في حين أنها تطلع في دمشق في الساعة الواحدة وبضع وثلاثين دقيقة فإذا كان هذا الدليل العلمي والحسي معاً ظاهراً كالشمس في اختلاف دون عشر

درجات وهو كاف لتولد الهلال به في أحد المطلعين فكيف لا يكون كافياً في ما بين الاستانة ودمشق وبغداد وأرض روم وصنعاء ولعمري أن المكابرة بقال فلان وقال فلان ونؤمل أن يقول فلان لا تغني من الحق شيئاً أترى يا أستاذ أنك لو نويت صيام يوم وفي الصباح أتاك تلغراف من بطرسيبرج يقول لك كل واشرب إلى وقت كذا لأنه عندنا ليل وأنت تنظر الشمس طلعت أو كادت تطلع أكنت تتبع قوله أم ترفضه؟ ثم بقيت صائماً فقبل الغروب جاءك تلغراف من بغداد بأن الشمس غربت والليل طلع وأنت تنظر الشمس لم تغرب أكنت تفطر وتأمر أخاك الذي في مراكش بأن يفطر والوقت عصر عنده؟ كلا ما أنت فاعل هذا ولا ذاك فهل ترى أنك مضطر بالدين إلى اعتبار المطالع أم لا. . أراك يا أستاذ حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء فبأي قياس عقلي تجوزون الاعتماد على التلغراف في الأمور الشرعية مع أنه عبارة عن ناقل يملي بغير فهم وآخر يفهم غير ما ألقي إليه وكل منهما يحرف كما يفهم ولو تتبعنا سقطاته بالأخبار لملأت كتاباً وحيث أن مجلة الحقائق استوفت نقص أسس ما بنيتم عليه صرح بشارتكم فلا حاجة للبحث معكم في زخرفه ووهنه (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا حرف هار). لماذا يا أستاذ اكتفيت بهذه البشارة عن (طبارة) عن (مصر) بخ بخ (يوحي بعضهم إلى بعض) ولم تبشر المسلمين كافة والناشئة المتمدنة خاصة بسائر البدع العصرية لا جرم أنك لو بشرت هؤلاء المتمدنين بها قبل ما بشرتهم بشيء لا علاقة بينهم وبينه ولا تعارف لكانوا أكثر سروراً منك واشد غبطة بفضلك هذا ما حضرني الآن راجياً تغاضيك عن مزجاة بضاعتي وعسى أن تعود فنعود. المدينة المنورة مختار المؤيد

حجاب الفتاة

حجاب الفتاة بقلم الشاعر الكبير عبد الحميد أفندي الرافعي عن الرأي العام الأغر بنت الحجاب ترينهم ظلموك ... والصون أمك والعفاف أبوك خافوا عليك من العيون وربما ... من سحر عينك للورى خافوك ستروك عن مقل الرجال وليتهم ... حتى عن الجارات لو ستروك أنت الزجاجة بينهم لولا الحمى ... في كسر بيتك خلتهم كسروك إن اللحاظ سهام شيطان الهوى ... لن تتقى بفؤادك المضنوك قد لذ عيشك بالعفاف وإنه ... شرف توارث مجده أهلوك وألفت روض الخدر حتى خلتهم ... لو أخرجوك لنزهة مقتوك لم يرضهم سقف السما وبودهم ... لو أنهم عن شبهها حجبوك وتصد عنك الشمس أختك غيرة ... ويكاد يمتشق الحسام أخوك وكذاك أنت كما ربيت نزوعة ... للستر لن يلفى وينطق فوك ومن العجائب أن بعض بنيك في ... هذا الزمان برأيه الموعوك قدر أم كشف عنك سفاهة ... يا بئس ما رام الغداة بنوك ودت رجال الدين زخرف قولهم ... ولو أنهم نجحوا إذن فضحوك قالوا الحجاب ظلام ظلم للنسا ... وتشدقوا بالعلقم المعلوك رامو بمثلك خطة بل خزية ... من دونها خوض الدم المسفوك ما شم ريح الدين يوماً من يرى ... فضلاً عن المستور للمهتوك يدعو النسا لوظائف قد خصها ... برجالها رب بغير شريك متحككاً بعوائد البعداء لم ... يبرح منها متحنكاً يهجوك ويرى التبرج كالمباح وذاك ما ... يأباه بين العالمين ذووك ويرى مخالطة الفتاة مع الفتى ... تدعو إلى التسكين لا التحريك وتعود البصرين نظرة مخلص ... أبعصمة كحلوة أو كحلوك أوليس من قد حام من حول الحمى ... في موقف من أن يهال وشيك

وأرى شباك الحسن أعظم قانص ... قل لي فما هي حالة المشبوك والناس أكثرهم عبيد فروجهم ... من مالك منهم ومن مملوك إن قيل أن الوجه ليس بعورة ... ومرادهم هذا بلا تشكيك فثقي بأن الوجه أكبر فتنة ... ولو انجلى لملائك وملوك إلى أن يقول هذا إذا اكتفت النساء بالوجه لم ... تتعداه وبعقلها ناهيك أما إذا كشفت خصائل شعرها ... ما بين محلول إلى محبوك وتدرجت من بعد ذا يوماً إلى ... كشف الصدور وددت لو وأدوك فمصائب التقليد قد كثرت ومن ... ذا الداء غير الستر ليس يقيك ثم قال ماذا يكون من النتائج ويحكم ... لا تعبثوا بالمذهب المسلوك فالدين والناموس يأبى كلما ... جئتم به من ذلك التأفيك إن الحجاب يصون من عين الفتى ... بنت الغني وزوجة الصعلوك وهناك أمر لو دريتم شره ... لم تجعلوه كمهمل متروك إن ابتذال الوجه منه مجفف ... ماء الحياء فويل كل هتوك وجمال ذي الخفر المهيب مؤثر ... في القلب سطراً ليس بالمحكوك متضمناً معنى عجيباً مشبهاً ... سحر التواضع في اعتزاز مليك وجلالة الحسن المصون يحسها ... من كان ذا دين وحسن سلوك تقتاد أملاك القلوب كأنما ... وضعت عليها خاتم التمليك بالله يا ذات النقاب تشبثي ... ودعي أقاويل الأُلى امتهنوك زعموا إناب تتهذبي في كشفه ... وتهذبي كذبوا ودين أبيك إن كان تعليم النسا بترجل ... فالجهل عندي موجب التبريك عز الفتاة هي الصيانة وحدها ... وكمالها بالستر لا التهتيك يكفيك بعد الدين أن تتعلمي ... تدبير منزلك الذي يؤويك لا الناس في هذا الزمان كما نرى ... ناس وليس النهج غير مشوك

ساروا على سنن الأُلى من قبلهم ... شبراً بشبر فالزمي ناديك وتمسكي بحمى الحجاب على المدى ... وسلي الإله هداية لبنيك

المولد الشريف

المولد الشريف بعد طبع ما تقدم قرأنا في (الكائنات) للشاعر المجيد الشيخ أحمد أفندي الصابوني أحد كتاب حماه قصيدة عنوانها (المولد الشريف قال في أولها: ما في المواسم والعادات في العيد ... يوم كميلاد أبهى كل مولود فيا ربيه شهور العام جئت به ... يوليك من كل شخص كل تمجيد تزهو لياليك إشراقاً بطلعته ... فهنَّ بيض المحيا لسن بالسود إلى أن قال: قف إن تبدى لك القبر الشريف وقل ... في صوت مبتئس بالحزم مكمود المسلمون أضاعوا ما أمرت به ... واستبدلوا البعض منه بالتقاليد تفرقوا فأبوا إلا مناجزة ... بعضاً لبعض وخلقاً غير محمود للعلم عادوا وما عادوا له فغدا ... لهم عدوّ أو من عادى فقد عودي ومن يهن نفسه لم يلق مكرمة ... إن الهوان أتى في كل تنكيد يراد منهم بأن يسعوا لما نجحت ... به الأجانب من قصد ومقصود لا يريدون إلا ما يؤخرهم ... حتى استقاموا على عجز وتسهيد ماذا يرى مدعي الإصلاح حين يرى ... مقتل الوقت بين الدف والعود وصاحب الجاه إذ يختاره شركاً ... لصيد مال عظيم القدر منقود لله كم من ضمير بات محترقاً ... حزناً بناء أتنى لا نار أخدود ونادب أسفاً مما يشاهده ... وقائل يا ليالي مجدهم عودي

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد تابع لما قبله العلم 9 إن بداهة العقل جازمة، بأن الذي وجد العالم وأتقنه، وأقامه على هذا النمط البديع وأحكمه، وأبرزه إلى حيز الوجود مشحوناً ببدائع تأخذ بالألباب وتحار فيها المدارك ووضع الأشياء في مواضعها وهدى كل ممكن لما يحتاج إليه في وجوده وحياته، وركب في كل إنسان عواطف وأميالاً صالحة لتكميله وإيصاله إلى غاية عالية من الرفعة الصورية والمعنوية وهو موصوف بصفة العلم وقد تقرر أن من ثبتت له الألوهية ثبتت استناداً لحوادث في وجودها إليه وذلك لا ريب مستلزم علمه بما يفعله. فهو عالم بجميع المعلومات محيط بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السموات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يدرك حركة الذر في جو الهواء، يعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات الأسرار. تأمل هذه الحيوانات كيف اختلفت في الصور والهيئات وتنوعت في القدر والأحجام وتباينت في التراكيب والأجسام وكيف نشأ فيها ذلك الإلهام العجيب الذي يهديها لبناء مساكنها وتغذية صغارها والهيمنة على أحوالها وأمورها أنى اهتدت إلى معايشها ووفقت لسبل غذائها وما يقيم حياتها وهذا النحل على صغر حجمه كيف هدي إلى اتخاذ البيوت مسدسة الشكل متساوية الأضلاع لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طبعها والعقلاء من البشر لا يمكنهم مثل تلك البيوت إلا بآلات وأنظار دقيقة فجل العليم الحكيم الذي يعلم ذلك كله بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفاً به أزل الآزال لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال. اتفق جمهور العقلاء على أن العلم صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى تنكشف بها المعلومات عند تعلقها بها سواء كانت المعلومات موجودة أو معدومة قديمة أو حادثة كلية أو جزئية، وهو ليس بعرض ولا ضروري ولا مكتسب لأن الضروري قد يطلق على ما قارنته الضرورة من الحوادث والكسبي من صفات العلم الحصولي وكل ذلك محال في حق الله تعالى.

ومن الأدلة على وجوب صفة العلم له عز وجل كونه فاعلاً بالاختيار في جميع الأشياء لا وجوب ولا إيجاب عليه والفاعل المختار يجب أن يعلم ما يقصده إيجاده_فهل كون هذه الكائنات سبحانه وتعالى على ما هي عليه من إبداع وجمال ونظام وهو غر عالم (معاذ الله) ماذا يصنع وغير مدرك (حاشا لله) ماذا يعمل. . ألا يدل ذلك على أن مصدره هو الله الذي لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء العالم بحال الإنسان وهو جنين في بطن أمه وتقلبه من طور إلى طور حتى بلغ قمة الإبداع التكويني (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). وقد أرشدنا الله تعالى إلى ما هو المنتهى في الاستدلال قال تعالى (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء إلى غير ذلك من الآيات فسبحان من أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً) بقي شيء ينبغي التنبيه عليه وهو أن المخلوقات وإن كان لها حظ من وصف العلم إلا أن علمه تعالى مباين لعلمها إذ علمه سبحانه وتعالى لذاته لا بسبب من السباب فلا يفتقر إلى آلة ولا إلى جولان الفكر وأفاعيل النظر بخلاف علم غيره من الممكنات فإنه لا يتأتى حصوله إلا بأحد أسباب ثلاثة: الحواس السليمة، والخبر الصادق، ونظر العقل فيكون علم كل إنسان حادثاً ومتجدداً وما حصله فليس إلا جزء محدود_وبعبارة أخرى ليس إلا عدماً بالنسبة لما يجهله من المعلومات لا تتناهى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ومع ذلك لم يحرمه العليم الحكيم جل شأنه مما ييل أوام مطامحه، وينقع أوار مطامعه، فلا تجده خطا خطوة إلى الأمام حتى أوسع الله أمامه من الباحات، ومهد له من الساحات ما لا يستطيع معه أن يدعي ضيق المجال وحرج المضمار (وقل رب زدني علماً). الحياة 10 ومما يجب له سبحانه صفة الحياة وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تقتضي صحة اتصافه بالعلم وغيره من الصفات والدليل على وجوب الحياة له تعالى أنه متصف بالقدرة وافرادة والعلم كما قدمنا وهي ملزومات للحياة وتحقق الملزوم يقتضي تحقق اللازم وحياته تعالى

مباينة لحياة غيره من الممكنات بالضرورة إذ كل ممكن حياته حادثة ولا تكون إلا بواسطة_انظر إلى هذا الهيكل الإنساني تظهر لك ماهية حياته_حركات دائمة، مجهودات من أجزائه متواصلة، لا تهدأ مطرف عين، ولا تقف لحظة من زمان، قلب يرتجف، ومعدة تعمل، وعصارات تفرز، وسوائل تتحلل، وتتركب وتترشح وتتصاعد، وغدد تختزن السوائل لحين الحاجة، ودم دائب الجريان في أجزاء الجسد، وخلايا بسيطة تتلاشى وتتكون وتتكاثر إلى غير نهاية_وكل هذا لا يهدأ لحظة ولا يسكن آونة في ليل أو نهار فالإنسان أبدع الأنواع الحية وأكمل نموذج للصورة المادية فسبحان الخلاق العظيم.

حجاب المرأة في الإسلام

حجاب المرأة في الإسلام تحت هذا العنوان قرأنا في المقتبس عدد 593 و594 مقالة للكاتب المغربي ذكر فيها ما محصله أن الحجاب على الطريقة المألوفة اليوم ليس مما أشار إليه الإسلام بل هو من جملة ما طرأ على المسلمين بما أحاط بهم من المؤثرات والعادات وتقاليد الأسر وتقريرات الشيوخ وآراء علماء المذاهب ونحو ذلك_وأن الغرض من الحجاب حفظ كرامة النساء وذلك يحصل بترك التبرج وعدم الخلوة بالأجنبي والسفر مع محرم، وأن ما ألزم به المسلمون نساءهم من تلفع المرأة بإزار يسترها من فرقها إلى قدمها ومنعها الخروج من دارها إلا لضرورة وعدم محادثتها الرجل الأجنبي وتركها المساجد في الجمع والجماعات وكونها لا تزاول بعض أعمال الرجال (أي لا تسعى مع الرجل في طلب الرزق) ليس مما شرعه الإسلام. ثم نقول قولاً يعارض بها مثبتي الحجاب ليس لها نصيب من الصحة ولا طريق من الاعتماد إذ أكثرها غير معروف المصدر وربما كانت جميعها من كتب الأقاصيص والسمر على أن جلها يشهد عليه لا له كما يتضح للمتأمل. اعتمد الكاتب أثناء مقالته الوجهة الاجتماعية وقال أن الإسلام لا يصادم نواميس الاجتماع وهو بطبيعته السمحة لا يمكنه أن يقول لهؤلاء الأقوام افعلوا غير ما يقتضيه عمرانكم وطبيعة اجتماعكم_وهكذا هرف بما يرضاه الهوى، وتحبه النفس، عدا عما منه في كلامه من الفروض الممتنعة الباطلة والمغامز الصريحة بإيذاء أهل الدين وحملة العلم مما سنبينه بعد_كل هذا كتبه الكاتب المغربي ولم يراع إلا ولا ذمة، ولا عهد ولا وفاء، وهكذا شأن بعض كتبة اليوم_كان سلفنا يكتبون وخشية الله ملء قلوبهم وهو السؤال نصب أعينهم، يروجون يواب الله ويخافون عقابه، فخلف من بعدهم خلف نسوا السؤال والحساب، وذهولا عن أهوال العقاب، يكتبون للشهرة، ويسيرون وراء الغاية، أضرت بالدين أم لم تضر، ناقضت ما بني عليه من الآداب أم لم تناقض. الكاتب المغربي معروف الرأي عند قومه وكل مطلع على كتاباته، وليست هذه المسألة_حجاب المرأة_بأول مسائله، على أنه هو ليس بأول قارع لها طرقها قبله فئة من المتطرفين وأكثرهم يجد في هتك ستر هذه المرأة المسلمة ويسعى في أن تكون كالمرأة الغربية من كل وجه.

جاء في مقالة الكاتب بعد نقله أن عائشة بنت طلحة وسكينة وعمرة الجمحية كان يجتمع إليهن الرجال لإنشاد الشعر ما نصه_وكما يقال عن عقائل لوندره وباريس اليوم أن فلانة منهن (صاحبة صالون) يجتمع فيه الفضلاء والعلماء والأدباء للمسامرة والحديث_يصح أن نقول نحن أن أولئك العقائل الثلاث العربيات (عائشة وسكينة وعمرة) كن من ذوات الأندية في صدر الإسلام فهذا كما ترى أيها القارئ صريح بأن غاية ما يحبه المغربي وما يتمناه بل يعده خطوة عظيمة في سبيل ترقي المسلمين هو أن تلقب نساؤنا بما تلقب به تلك النساء الغربيات، وربما تهكم بمن يتباعد من مخالطتهن ويمنع نساؤه من محادثتهن_اقرأ ما كتب أثناء مقالته وبه تعلم الغاية التي يرمي إليها وكيفية ازدرائه بالمتدينين_قال وبلغ الأمر ببعض الصلحاء المتنطعين (كذا) أن كان لا يأذن لنسوة بيته بالخروج أبداً فلزمن البيت وكن لا يعرفن الدواب والأنعام فكان لأستاذ يصف ذلك لهن وقد أرادت إحدى الفلاحات المسيحيات الدخول عليهن فمنعها بداعي أن دخولها لا يجوز شرعاً كما علمهن والدهن أه قلنا أن الكاتب المغربي لم يكن أول مريد لكشف حجاب المرأة المسلمة بل سبقه إلى ذلك شرذمة ممن احتكوا بالغربيين وتغذوا بغذائهم وشربوا من شرابهم وهذه الشرذمة هي الشرذمة التي يصح أن نلقبها بالشرذمة المفتونة شرذمة الطيش والحمق هي الشرذمة التي ابتليت بحب الفرنجة وصارت بحيث ترى الكمال وسائر الفضائل لهم وحدهم. هي الشرذمة التي غرتها زخرفة الغربيين وقوي عليها شيطان مكرهم وخداعهم فحسبت أن قانون الغرب مطابق لقانون الشرق وأن ما هناك من الميول والعادات ينطبق على ما هنا من الأخلاق والآداب هي الشرذمة التي نسيت تاريخ الإسلام والمسلمين فلم تحفظ للمسلمين مزية ولم تعرف لهم فضيلة هي الشرذمة التي يجب على كل ذي دين أن ينبذها نبذ النواة لأنها أضرت بالدين والمتدينين. حسبك أيتها الفئة المفتونة بحب الأعداء أنا لم نسمع لك قبل أن تعلن فرنسا براءتها من الدين صوتاً. ولم نعرف ذلك ذكراً. وبعد أن احتك الغربيون بالشرقيين ورموا عليهم ويلاتهم وشرور أفكارهم_سبقت جميع الطبقات لإجابة ندائهم وتلبية دعائهم فجعلت وجهتك في كل حال وقبلتك في كل زمان تتلمذت لهم واقتفيت آثارهم وأحييت لهم لغاتهم وحبذت جميع أعمالهم ثم لم تقفي عند هذا الحد من الولوع بهم بل قمت تدعين أبناءنا إلى ذلك

وتريدين شبابنا عليه من غير استحياء ولا خجل وآخر الأمر ناديت بناتنا وأمهاتنا ليرفعن الحجاب كما رفعوه ويمتن الحياء كما أماتوه وبعبارة ثانية ليدخلن جحر الضب الذي دخلوه_لم يكفك ايها المتفرنجون أنكم أخذتم أولادنا إلى مدارسهم وحببتم إلينا كل أعمالهم حتى جئتم لهذه الدرة المصونة (المرأة المسلمة) ربة العفاف وصاحبة الحياء تقربون إليها البعيد وتعلمونها ما لم تكن تعلم. هذا وربما لايروق في ذهن الكاتب المغربي ما سنكتبه في رد مزاعمه ويمكن أن يستجمع قواه لمقاومتنا فيما نطلبه منه من الرجوع معنا بمسألة الحجاب إلى الحد الشرعي ولكن مهما يكن لديه من قوة لا تنفعه ولا تفيده ما دام الشرع في غير جانبه. وهل بعد شريعة الله من شيء؟ وفي أملنا أن يسير معنا سير المفكرين المنصفين وأن يعدنا من النصحاء الأمناء. جملة الشبه التي أوجبته أن يقول بهتك النساء المسلمات أربع لا يصح واحدة بل بعضها يمتنع ذكره بتاتاً كما سنعلمه بعد إن شاء الله تعالى. الأولى: كون الغرض من الحجاب صيانة كرامة النساء (وصونه الكرامة يتأتى على رأيه مع التكشف) ولذا لم يحدد له الإسلام صورة ولا كيفية وهو على الطريقة المعروفة اليوم في مصر والشام ووو الخ مما أحدثه المسلمون. ثم قال_وكأني بالقارئ يستشهد على دعواه (الحجاب) على صورته بنقول تاريخية وآثار دينية أما أنا فلا أجادل في تلك النقول والآثار وإنما أعراضها بنقول وآثار أخرى تدل على أن الحجاب المتعارف عليه بيننا اليوم ليس مما شرعه الإسلام على سبيل الحتم وإنما ألزم المسلمون به نساؤهم سداً للذريعة ثم استدل على دعواه بنتف تاريخية فاسدة. الحجاب المبحوث فيه مجموع شيئين ستر وجه المرأة أمام الرجل الأجنبي وملازمتها البيت إلا لحاجة أما الأول فقد قال تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقال عامة المفسرين ما مؤداه_معنى يدني عليهن من جلابيبهن يرخينا عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن ويقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة ادن ثوبك على وجهك والجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة ومن للتبعيض أي ترجي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع به_وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك) الآية أمر الله

نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. وبسنده أيضاً إلى ابن سيرين قال سألت عبيدة التلمساني عن هذه الآية فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر أه. فهذه الآية الشريفة من كتاب الله تعالى مصرحة على ما يرى القارئ بوجوب الحجاب على النساء_فكيف يجترأ الكاتب المغربي على معارضتها مع أن المعارض يلزمه أن يعارض بأقوى أو بالمثل على الأقل والكاتب المغربي يعارض بجمل من كتب اللهو والأدب كالأغاني والعقد الفريد ونحوهما_ولم ندر متى كانت أمثال هذه الكتب يحتج فيها للأمور الشرعية حتى يصح له أن يعارض بها كلام الله_وتفسير ابن عباس وعبيدة رضي الله عنهم الآية واضح أيضاً ببيان الكيفية المراد من الحجاب وهي ستر وجه المرأة ورأسها بمنديل أو إزار أو نقاب أو ملاءة أو قناع أو غير ذلك من كل ما يحصل به الستر المؤدي إلى توفير حرمة الأعراض وراحة العائلات وطمأنينة النفوس، لا كما زعم الكاتب من أنها غير مراده وإنما المراد قناع بسيط يتلفعن به ويسدلنه على صدروهن_وهذا ما يعتقده الكاتب ولذا حار فيما إذا قام فينا (دعاة) يستبشرون بديننا وجاؤوا إلى مسألة الحجاب قال_فبماذا نأمر أولئك الدعاة أن يكلفوا به الأمم ويلزموا به نساءهم وما هو نوع الحجاب الذي يعلمونه؟ ثم قال هنالك تقوم قيامة الدعاة من سكان الأمصار الإسلامية وتحتدم نار الجدال بينهم لأن دعاة القرى والبوادي يخالفونهم فإن الحجاب عندهم أي كما تقدم للكاتب قناع بسيط يسدل على الصدر وليت شعري من هم الدعاة الذي يحب المغربي أن يأمرهم وهل وصل الدعاة في الجهل إلى حالة يحتاجون إلى أمر المغربي وتقوم قيامتهم وتحتدم نار الجدال بينهم ولا يدرون أن الغاية من الحجاب ستر الوجه بمطلق النقاب_اللهم إن هذا افتراء على علماء دينك وتهكم بهم وتصور سببته الشهوة والهوى وأما الثاني وهو ملازمة المرأة البيت إلا لحاجة فهو الشبهة الثانية للكاتب حيث ادعي أن القرار في البيوت حجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم أي فليس واجباً على غيرهن ولم يأت على ذلك بدليل اللهم لا أن يكون قد عد ما نقله عن بعض كتب الأدب المار ذكرها بعضها دليلاً وبرهاناً_وها نحن نبين أن ذلك ليس مخصوصاً بهن قال الله تعالى: (يا نساء النبي لستن

كأحد من النساء) قال صديق خان رحمه الله أي بل أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم لدي (أي اتقيتن) بين سبحانه وتعالى أن هذه الفضيلة لهن إنما تكون لملازمتهن للتقى (فلا تخضعن بالقول) أي لا تلن القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المريبات من النساء ولا ترققن الكلام (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي فجور أو شهوة أو شك أو ريبة أو نفاق_والمعنى لا تقلن قولاً يجد المنافق والفاجر به سبيلاً على الطمع فيكن. والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقال إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فيهن (تأمل) (وقلن قولاً معروفاً) أي حسناً مع كونه خشناً بعيداً عن الريبة على سنن الشرع (وقرن في بيوتكن) الزمنها (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) التبرج أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها ما يجب ستره مما تستدعي به شهوة النساء قال ابن عطية وأشار بالجاهلية إلى الجاهلية التي لحقتها وأدركتها وجعلها أولى بالنسبة على ما كن عليه (وأقمن الصلاة) الواجبة (وآتين الزكاة) المفروضة (وأطعن الله ورسوله) فيما أمر ونهى. . قال تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) قال ابن جرير رحمه الله تعالى يقول تعالى ذكره وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً (فاسألوهن من وراء حجاب) يقول من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من عوارض العين فيها التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء وفي صدور النساء من أمر الرجال وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيلا. . ثم قال تعالى (لا جناح عليهن من آبائهن ولا أبنائهن ولا أخوانهن) الخ قال ابن جرير أيضاً لا إثم على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين في إذنهن لآبائهن وترك الحجاب منهن ولا لأبنائهن ولا لأخوانهن ولا لأبناء أخوانهن وعنى أخوتهن وأبناء أخوتهن. الخ. فقد تبين بهذا تفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم في آية_لستن كأحد من النساء_مرتبط بالتقوى لا بالستقرار في البيوت وآية القرار كآية الحجاب خاصة الألفاظ، عامة الأحكام، وادعاء أنهما خاصتان بنساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح وأما آية الحجاب فلأن الاستثناء وهو لا جناح عليهم في. . . الآية بعدها لا خلاف بين علماء المسلمين بأنه عام وهو فرد من الأصل الذي هو الحجاب ولو قلنا بتخصيص الأصل كما يدعيه بعض المفتونين للزم عنه تخصيص الفرع وقد علمت تعميمه أي فكيف نقول لامرأة قد أباح لك

الظهور على أبيك وابنك وأخيك وغيرهم مما هو مذكور في آية لا جناح حال كونه تعالى لم يوجب عليها التحجب عن غيرهم فضلاً عنهم وأما آية القرار فلأنها اشتمت على ثمانية أحكام: الأمر بالتقوى، وعدم الخضوع بالقول، وقول المعروف، والإقرار في البيوت، وعدم التبرج، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله وإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا خلاف واجبة على كل مسلمة والثامن كذلك لا محالة وأيضاً لو قلنا باختصاص نزول الآيتين بنسائه صلى الله عليه وسلم لا يقصر الحكم على من نزل بحقهن وإلا للزم عنه حصر أكثر أحكام القرآن حيث أن نزول أكحثرها بلا خلاف كان بسباب خاصة والقاعدة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على واحد (ابدؤا بما بدأ الله) و (صلوا كما رأيتموني أصلي) فعلم من هذا أن آية (فاسألوهن من وراء حجاب) عامة لسائر النساء_فإن قلت ما حكمه تخصيص نزول آية (فاسالوهن) بنساء النبي صلى الله عليه وسلم قلنا لأنها مظنة جواز ترك الحجاب من حيث كونهن أمهات المؤمنين وتحريم نكاحهن تأييداً على كل مسلم بخلاف غيرهن من النساء فلذا كان من المناسب تخصيص الآية بهن_وفي الزواجر لابن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال أربعة من النساء في الجنة وأربعة في النار وعد من الأربعة اللواتي في الناي المرأة التي لا تستر نفسها من الرجال وتخرج من بيتها متبهرجة وقال أيضاً وفي الحديث المرأة عورة فاحبسوهن في البيوت فإن المرأة إذا خرجت للطريق قال لها أهلها أين تريدين قالت أعود مريضاً أشيع جنازة فلا يزال الشيطان حتى تخرج ذراعها وما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقعد في بيتها وتعبد ربها وتطيع بعلها. وروى الطبراني في الأوسط مرفوعاً المرأة عورة وأنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وروى الترمذي عن ابن مسعود وقال حسن صحيح بلفظ المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها وقال علي رضي الله عنه لزوجته فاطمة بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما ما خير للمرأة قالت أن لا ترى الرجال ولا يروها وكان علي رضي الله عنه يقول ألا تستحون ألا تغارون يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر غليهم وينظرون إليها. الشبهة الثالثة: قال الكاتب أن الحجاب يؤدي إلى سقوط المرأة وضياع حقوقها وغلبه الجهل

عليها وأن بعض النساء كن يجتمعن ببعض الرجال لإنشاد الشعر وأن النساء في الدولتين العباسية والأندلسية كن يحادثن الرجال ويجتمعن بهن ويغنين أمامهم ثم قال ما نصه: ناهيك أن علية بنت الخليفة المهدي وحفيدة الخليفة المنصور وأخت الخليفة هارون الرشيد وعمة الخليفة المأمون اخترعت ألحاناً في الغناء بلغت ثلاثة وسبعين طصوتاً وكلها من بديع الصنعة على ما رواه صاحب الأغاني أه. ومن هذا يرى القارئ أن الكاتب مترقب من رفع الحجاب أن يحادث النساء المسلمات الرجال ويغنين أمامهم. وقد اتهم (علية) بأنها برعت في الغناء وعد ذلك لها تمدناً ورقياً_وفي رأينا أن لا يرد على من يتوقع بنساء المسلمين ذلك بل يجب نبذه وعدم الوثوق به وإعلام الناس بما يتمناه للمسلمين ويرضاه لهم. ودعواه أن الحجاب يؤدي على سقوط شأن المرأة وضياع حقوقها وغلبة الجهل عليها دعوى باطلة كان بودنا أن لا يتمسك بها لمخالفتها الواقع المشاهد. قال فريد بك وجدي في مقالة نشرت في الحقائق ص 222 يقولون أن الحجاب يصد المرأة عن التعلم وهو ادعاء يكذبه العيان فإن المرأة لا تتنقب إلا في الطرقات وليست الطرقات بمجامع العلماء لكنها مضطرب الفساق ومزدحم الغوغاء. وهذه مدارس البنات يوجد بها كثير من المحجبات يذهبن إلى المدرسة بالنقاب فإذا وصلن إليها خلعنه وتلقين دروسهن سافرات فإذا أتممن النهار رجعن إلى دورهن متحجبات. فهل في هذا من ذاب للعلم أو فيه للجل أقل سبب من الأسباب. هذا ما كتبه الاجتماعي الخبير وهو في غاية الجودة فهل يقنع به الكاتب المغربي وتزول به شبهته؟ أو يعده قول رجل جمد على التقليد؟ اللهم إنك تعلم المفاسد التي يسببها كشف الحجاب والمضار التي تنشأ عن الاختلاط وكيف أن ذلك يهدم أساس الأدب والعفة ويميد ركن الشرف والصيانة. ويكون الضربة القاضية على ما بقي لدينا من العادات والأخلاق. الشبهة الرابعة: اضطرار المرأة مشاركة الرجل في السعي والعمل قال فإن الإسكيمو الزولوب وأهل القرى والبوادي وعمران أمم أوروبا وأمريكا لا يفرطون قط بقوة النساء فيلففونهن بالإزار ويلزمونهن بالقرار ويقولون لهن أنتن ضعاف لدوا وربوا واطبخوا ولستن مكلفات بغير ذلك وإنما يقولون لهن قوموا بوظيفتكن الطبيعية المذكورة واستعملوا

قواكن المختلفة في مساعدتنا وتوفير كل ما به فائدة لهيئة اجتماعنا. هذا ما يقوله الكاتب عن نساء الزولوب والأسكيمو وأهل القرى والبوادي ويود أن تكون مثلهم النساء المسلمات أما نحن فنقول أهل القرى والبوادي ليسوا مشرعين وعملهم لا يكون حجة على غيرهم وما تواطئوا على فعله ليس له مستند شرعي ونفعه الاجتماعي يقابله ضرر عظيم يشكو منه عقلاء الأوروبيين أنفسهم. والشرع افسلامي لم يحظر مشاركة المرأة الرجل في السعي إن توفرت مسألة الحجاب لكنه لم يوجب عليها ذلك إيجاباً محتماً والنص الذي أوجبه الله في كتابه والزم به عباده هو أن الرجل مكلف بنفقة المرأة وكسوتها وكل ما تحتاج إليه ولا تكلف المرأة بشيء من ذلك قال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وهذه هي حالة الوسط المرضية عند العقلاء وتكليف الرجل عدل محض مطابق لشهامته ومروءته وهو مقتضى قوله عز اسمه (الرجال قوامون على النساء) وبهذا كله اتضح أن القروي لا يجوز له إجبار امرأته على السعي معه وأحكام الله تعالى عامة لا تختص بقروي أو مدني ونساء الأسكيمو والزولوب ليسوا لنا قدوة وليس مل ما يحسنه الإفرنجة واجب علينا اتباعه والعمل به على أن تكليف المرأة العمل فضلاً عن كونه مخالفاً للأوامر الإلهية كما تقدم مضيع على المرأة وظائفها البيتية ومانع لها من تربية أولادها وتعهدهم. كتب كاتب في أمريكا على صديقه تحت عنوان الفتاة الشرقية والفتاة الغربية ما محصله: لا شيء يستدعي الشفقة مثل حال المرأة في هذه البلاد (أمريكا) فإنها مضطرة للعمل مثل الرجال فبينا تكون الفناة السورية أو المصرية لا تزال في خدرها إذ ترى الفتاة هنا خارجة من بيتها حتى في أيام البرد والزمهرير لتشتغل إما في معمل أو مكتب أو حانوت أو مطعم أو صالون حيث قد تستنكف الفتاة السورية أو المصرية أن تدخل زائرة أو مشترية وقد يكون رئيسها فظ الأخلاق غليظ الطبع فإذا تأخرت ولو بضع دقائق تلقاها بوجه باسر وإذا تكرر ذلك منها طردها أو خصم من أجرتها. وقد يكون من جملة الذين يشتغلون معها رجال أسافل قد أماطوا قناع الحياء وخلعوا ربقة الحشمة فلا تسلم تلك الحسناء من نظراتهم الدنيئة وكلماتهم البذيئة.

والأعجب أنهم يدعون أنهم خولوا المرأة من الحرية والاحترام ما لم تحلم به الفتاة السورية أو المصرية أو أي فتاة تحت سماء الشرق إلى أن قال: لم تطالب المرأة الأوروبية أو الأمريكية بالحرية حتى منحوها إياها ليس احتراماً ولكن تخلصاً منها وطمعاً في الانتفاع بتعبها وقد حسبت المرأة أن ذلك نعمة لها تفاخر بها بنات جنسها وكانت النتيجة أنها دخلت في زحام كانت في غنى عنه واستدرجت إلى مواقف لا تأمن معها المزلة. وفضلاً عن أنها فقدت مركزها الأنثوي الطبيعي الجميل فإنها أخذت تفقد جمالها فرأسها الصغير أصبح كبيراً وشعرها الكثيف المسترسل أصبح ضعيفاً وربما أصبحت بعد قليل صلعاء من إدمان التفكير وجسمها الرقيق أصبح خشناً وغليظاً من إدمان العمل_وناب عن حيائها الذي تقابله القلوب بالخفقان عين لا تطرف وأصبح لبسها الذي كانت تختاره من الألوان الزاهية وتبالغ في التأنق فيه بسيطاَ قصيراً بل ربما عدلت عنه إلى لبس الرجال لتستطيع معه العمل. وبيتها الذي كان موضع اهتمامها تزينه وتزخرفه أصبح اليوم غرفة بسيطة لا يقر بها الناظر ولا يبتهج لها الخاطر_وعلى الجملة فقد أصبحت المرأة بفضل هذه المدنية مسترجلة وإذا كان التاريخ يستفظع وأد بعض رعاع العرب في الجاهلية وليداتهم خوف العار فكم يكون استفظاعه لإعدام حياة كثيرات من الفتيات في هذه المدنية. . هذا وقد كان لكتابة الكاتب المغربي وقع سيء في نفوس المسلمين ولذا انهالت عليه الردود فرأى التخلص من ذلك بإلزام من اعترضه بالقول بالجواز منشر سؤالاً في (المفيد والمقتبس) خلاصته_هل القروي إذا تزوج مدنية أن يمنعها عادات أهلها ويكلفها عادات أهله كأن يحظر عليها استعمال الإزار والمنديل خوف المثلة ويأمرها بوضع خمار تديره حول رأسها وتسدله على صدرها وبالذهاب إلى محل شغله على هذا الزي لتساعده كما يساعد الرجال نساء الحي فتخدم كما يخدمن وتعلف الدواب كما يعلفن وتجمع أكداس الحصيد على البيدر وتهيء له ولضيوفه الطعام وغير ذلك. ويعلم الجواب عنه بعدم الجواز مما كتبناه في رد الشبهة الرابعة فراجعه إن شئت في الختام نضرع إلى الله أن يهدينا والكاتب سواء السبيل ويحمينا جميعاً من التفرنج والتضليل إنه أكرم مسؤول وأجل مأمول.

التماثيل والصور في الإسلام

التماثيل والصور في الإسلام إن الزمن الجاهلي قد أبقى عادات سيئة. ولم يزل بعض المسلمين مصراً على العمل بها، إما جهلاً بأن الدين الإسلامي قد أنكرها، وتجاهلاً مع العلم بخروجها عن دائرة الشرع المنيف. من تلك العادات ما كثر في هذه الأزمنة من اقتناء التماثيل والصور واستعمالها في الأواني والملبوسات والمفروشات ميلاً لاستحسان عوائد الفرنجة بسبب شيوع التفرنج بين بعض مدعي التنور واتخاذ البعض لها صنعة يتعيش بها ويعدون كل ذلك من الترقي. النفوس الشريرة لها على أصحاب العقول القاصرة سلطان قاهر وحكم نافذ يصعب التخلص منه. إن لم يلجئوا للانقياد لأوامر الشرع ونواهيه. التماثيل والصور بمعنى واحد جمع صورة تمثال يطلقان لغة على الشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله أعم من أن أيكون مجسماً أو منقوشاً حيواناً أو غيره ويطلقان أيضاًُ على الأوثان والأصنام التي كانت الجاهلية الملحدة تتخذها آلهة من دون الله. وقد أحلت بعض الشرائع جواز عمل التماثيل والصور قال الله تعالى: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل). قال المفسرون كانت الجن تصور صور الأنبياء والعباد في حال عبادتهم يجعلونها من نحاس وغيره ويضعونها في المساجد ليراها الناس فيتعبدون بمثل عبادتهم وكان ذلك جائزاً في شريعة سليمان عليه السلام. وما زال أمر التماثيل قبل الإسلام يتعاظم حتى صار الناس يعبدونها ويتخذونها آلهة من دون الله. جاء الدين الإسلامي بالتوحيد الخالص فأبطل الأوثان وكسر الأصنام وأنكر التماثيل ومزقها ومنع اتخاذها على وجه يأتي تفصيله سداً لداعية الفساد وحسماً لعروق الشرك والعصيان. عمل التماثيل إما أن يكون فيه مضاهاة لخلق الله أو تشبه بالوثنيين أو اقتناء لما عبد من دون الله. (وابغض الأشياء وأفظعها الاقتراب مما عصى به الله). ربما قال المتفرنجون أننا لا نقصد كل ذلك لأن هذا الوقت منير لا يصح فيه شيء من تلك الخزعبلات والتماثيل إنما نستعملها تذكاراً لمن مضى وتقدير لأعمالهم وتخليداً لذكراهم وللتصوير سر في المدنية غامض لا يصل لإدراكه إلا المتنورون.

قلنا في الجواب لهم أما قصدكم فالله أعلم به وأما إنكاركم أن يكون في مثل هذا الوقت المنير شيء من ذلك فهو مردود لأنا لم نزل نسمع أن في الهند وثنيين ويعبدون الهياكل القديمة ويتقربون إليها بقصد النفع ودفع الضر ويوجد أيضاً من يعبد الشمس أو القمر. أفهل يقال بعد هذا كله أن هذا الزمن زمن نور لا يمكن أن تعبد فيه التماثيل وأما زعم أن استعمالها تذكاراً لمن مضى وتقديراً لعمله وتخليداً لذكراه فهو زعم باطل أيضاً لأن التاريخ هو الذي يقدر أعمال الرجال ويحفظ لها ذكرها ويشيد لها مجدها ويجعلها محترمة في القلوب معظمة في الصدور. ولا دخل للصورة في شيء من ذلك فكم من صور حفظت ولم يعرف لصاحبها عمل يذكر به وكم من مصلحين دوى صدى آثارهم في جميع الأقطار بما حفظ التاريخ لهم من الأعمال والآثار ولم يقم لهم تمثال ولم ترسم لهم صورة ولم يتساءل العقلاء عن أشكالهم وهيآتهم واكتفوا بنتائج عقولهم وثمرات أفكارهم هؤلاء الرسل والأنبياء والخلفاء والعلماء وأساطين الأمة ومصلحوها ونقلت أخبارهم وبقيت آثارهم ووصلت إلينا سيرهم وهي باقية كما ترونها (وستبقى أبد الآبدين إن شاء الله) وليس لهم صورة ولا رسم. هذا القرآن العظيم وسائر الكتب السماوية المنزلة لهداية البشر وفيها ذكر من مضى وبيان عاداتهم وسيرهم وأخبارهم لنعتبر بها لم نعهد أنها رسمت تمثالاً أو صورة_فيا متخذي الصور والتماثيل أبتقليد الفرنجة تترقون؟ أم بما حرم الله تعتبرون بخ بخ لهذا الارتقاء أليس من الحكمة أن ندع تقليد الفرنجة ونقتدي بكتاب الله تعالى ونأتمر بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وننكر ما أنكره؟ أليس من الحكمة أن لانتغالى في تقليد أعدائنا مغالاة تضر في ديننا وأخلاقنا_في الزواجر لابن حجر في تفسيره قوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) قال عكرمة الذين يصنعون الصور وأخرج الشيخان أن ابن عباس رضي الله عنهما جاءه رجل فقال إني رجل أصور هذه الصور فأفتني بها فقال ادن مني فدنا ثم قال ادن مني فدنا منه حتى وضع يده على رأسه وقال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور في النار ويجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم قال ابن عباس فإن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفسه له.

وأخرج البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقوام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين. وأخرج البخاري أيضاً في صحيحه من حديث مسلم ابن صبيح قال كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته (بضم المهملة وتشديد الفاء) تماثيل فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أشد الناس عذاباً المصورون وفي الصحيحان عن ابن عباس من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ. وأخرج ابو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام شرقية (تماثيل) وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فليجعل وسادتين منبوذتين توطأن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب لحسن أو لحسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج_هذا وقد أجمعت الأئمة الأربعة بل لم نعلم خلافاً لأحد من علماء الإسلام على حرمة تصوير الحيوان المجسم الكامل الخلقة حرمة شديدة وصرحوا بأنه كبيرة من الكبائر للوعيد الشديد عليه في الأحاديث المارة وغيرها وأما إن كان أي التصوير لغير كامل الخلقة بأن نقص منه ما لا تبقى معه الحياة فصرحت السادة المالكية بكراهة المجسم وقال علماء باقي المذاهب لا بأس به سواء كان لجسم أو غيره. وأما إذا كان التصوير لغير مجسم بأن كان نقشاً على حائط أو ثوب أو كتاب فحكمه حكم المجسم في الحرمة عند الأئمة الثلاثة وصرحت السادة المالكية بالكراهة التنزيهية فيه فإن نقص ما لا تبقى معه الحياة فلا بأس به عندهم جميعاً وإن نقص ما تبقى معه الحياة فهو الكامل سواء ولا فرق عند الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي في حرمة التصوير بين كونه لممتهن أو غيره صغير أو كبير وسواء في ثوب أو بساط أو يد أو حائط أو درهم لأن المضاهاة لخلق الله ثابتة في الكل قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه في الأحاديث الشريفة بالوعيد الشديد وسواء صنعه لما

يمتهن أو لغيرته فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو حائط أو غيرها أه ونقل العلامة ابن نجيم في البحر هذه العبارة فقال فظاهر كلامه أي الإمام النووي الإجماع على تحريم تصوير الحيوان أه ثم نقل هذا الكلام عتن البحر العلامة السيد محمد عابدين في حاشيته على الدر وأقره وذكر كلاماً يؤديه فيستفاد منه أن مذهب السادة الحنفية في ذلك موافق لما قاله الإمام النووي رحمه الله والذي يظهر في مذهب المالكية رحمهم الله تعالى التفرقة بين ما صورة يمتهن بأن كان على بساط أو زلاربية فيجوز وبين ما صور لا للامتهان بأن علق على حائط أو رسم فيه أو في ثوب وشبهه فيحرم في الكامل المجسم ويكره في الناقص أو غير المجسم الكامل. قال السيد أحمد بن محي الدين الحسني الجزائري المالكي في جوابه عن سؤال ورد عليه في هذه المسألة نص السؤال: الحمد لله ما قول السادة المالكية رضي الله عنهم في تصوير صور الحيوانات العاقلة وغيرها المجسدة التي لها ظل الكاملة الصورة والتي لا ظل لها بأن كانت على ورق أو حائط أفيدونا مأجورين. الجواب: إن تصوير الحيوان مطلقاً عاقلاً أو غيره كان كامل الصورة وله ظل فلا يجوز وإن كان على ورق أو حائط ولا ظل له أو ناقص الأعضاء التي لا يعيش بدونها فيجوز مع الكراهة التنزيهة هذا إن كان غير ممتهن بأن كان معلقاً على حائط أو مرسوماً فيه وأما إذا كان ممتهناً بأن كان على زريبة أو بساط فيجوز بلا كراهة وإن كان الأولى والأحسن تركه هذا ملخص ما ذكروه. أحمد بن محي الدين الحسيني وكذا يظهر من مذهب الحنابلة التفرقة بين ما جعل في ستر وسقف وحائط وسرير ونحوه فحرام وبين ما افترش أو جعل مخداً فيجوز بلا كراهة. قال في الإقناع وتصويره (أي الحيوان) كبيرة حتى في ستر وسقف وحائط وسرير ونحوها لا افتراشه وجعله مخداً فيجوز بلا كراهة أه هذا حكم التصوير. وأما حكم استعمال الصورة فإن كانت لحيوان وكانت مجسمة كاملة الأعضاء فيحرم

استعمالها واتخاذها بإجماع المذاهب الأربعة بل لم نسمع في ذلك خلافاً لأحد من علماء المسلمين وقد صرح علماء المالكية بحرمة النظر إليها إذ النظر إلى المحرم حرام واعتبروا المكان الذي تكون فيه من محال المنكرات قالوا ويسقط عنه وجوب الإجابة لدعوة الوليمة إذا كان هناك صورة إذ محال المنكرات يفترض على المكلف تجنبها. ويدخل تحت حرمة النظر للصور حرمة ذهاب المكلف إلى المصور أو طلبه منه أن يصوره أو يصور ولده أو صديقه وبيع الصورة وشراءها ودفع الأجرة عليها حرام أيضاً يجب اجتنابه والتباعد منه لأنه إعانة على المعصية وقد كثر فعل ذلك لشيوع التفرنج في هذه الأزمنة نعهم استثنى العلماء من الصور المحرمة لعب البنات الصغار والحكمة في ذلك تدريبهن على تربية الأولاد وإن كانت أي لصور غير الحيوانات كشجر وسفينة فيجوز استعمالها واتخاذها مطلقاً وإن كانت كاملة غير مجسمة بأن كانت منقوشة على ورق أو ثوب أو آنية أو بساط فاتفق العلماء على أن استعمالها ممتهنة مما لا بأس به وإن كان الأولى تركه واستعمالها على غير صفة الامتهان سواء للزينة أو للتعظيم حرام عند الأئمة الثلاثة مكروه عند السادة المالكية واتفقوا أيضاً على كراهة السجود على الصورة قال في الإقناع وتكره الصلاة على ما فيه صورة ولو على ما يداس والسجود عليها أشد كراهة ونص السادة الحنفية أيضاً على كراهة الصلاة في ثوب أو مكان رسم أو علق فيه تمثال، وقال النووي أن الصورة في البيت تمنع دخول ملائكة الرحمة له أي فيحرم صاحبه زيادة على ما تقدم من الإثم استغفار الملائكة له وحفظهم إياه من الجن وغيرهم نسأل الله الحفظ والسلامة إنه بالمؤمنين رحيم.

شيء عن المرأة

شيء عن المرأة لحضرة الباحث الأديب صاحب الإمضاء تبارت الأقلام باسم الله مجراها في أنهار لجرائد ناحية نحو مستقبل المرأة في هذه البلاد والبحث جليل لأن النساء نصف الهيئة الاجتماعية ورقيهن مقدمة ببلوغ الرجال الشأو الذي تشرأب غليه أعناقهم وهو شأن لا أدعي أنهم لا يصلون إليه قبل أن ترقى المرأة المكانة التي نطلبها لها ولكنه غير قريب المنال ذلك لأن التربية الأولى إذا أحسنت أثبتت في النفوس قوة الإرادة وشجاعة القلب التي تورث الإقدام وبثت فيها الآداب التي يستعين بها المرء على الصعاب وهيأتها لتعلم العلوم والفنون التي نرى الميول إليها ضعيفة ومكنت منها حب العمل الذي لا تقوم لأمة أو فرد قائمة إلا به. وكل هذه مزايا لا خلاف في أن تعود المر إياها في سنيه الأولى يجعل فوائدها مضاعفة محققة في جميع أدوار الحياة والمرأة في العالم بأسره هي التي تتولى شؤون تلك السنين الأولى فهي أم ومعلم ومؤدب معاً ويا ويح الابن التلميذ المتأدب إذا لم يتوله كفء لهذه الوظائف الثلاث جميعاً. فالبحث الذي نريد أن نخوض فيه مقصود به الوصول إلى نتيجة تضمن لنا هذه الكفاءة وقد نرى الرجل في أدوار حياته فنجده لا يستفيد في الدور الأول الفوائد التي لو كانت للمرأة كفاءة في وظائفها هذه لجمع منها شيئاً كثيراً فإنه يعاني الآلام في تحصيله بالتجارب التي لا بد منها لمن يريد التحصيل. فيستقيم تارة في سبيله ويضل أخرى وربما انتهى أمره إلى ما يلزمه الحزن الدائم أو الصغار من ضعف الشأن واليأس أو الرضا بما يصير إليه. فلا نجد بداً من البدء بتربية المرأة تربية تصلح بها لأن تكون أماً ومعلمة ومهذبة لأبنائها لأن هذه الوسائل هي الضرورية ولا أراها داخلة ضمن مسألة الحجاب والسفور التي ملأ الكتاب البلد حديثاً عنها وجدالاً فيها وكأنهم لا ينظرون إلى ماضي الشرقيات وحاضر الغربيات ليعرفوا أن الحجاب الذي شرعه الإسلام غير هذا الحجاب وأن السفور في أوروبا قد رفع القوم ل ما علا منه صياحهم وحملهم من أمرهم نصباً كثرت منه شكاياتهم. كان النساء في صدر الإسلام متحجبات وكان لهن شأن غير شأن نساء اليوم. وقد كانت لهن مواقف صدق في تقويم أود الرجال كما نعلم من تعرض إحداهن لأبي

محجن الشاعر الشهير وهو راجع عن الحرب بعد الانتصار تعيره بالفرار وتحثه على العودة إلى الميدان لظنها أنه مخذول. وإن الذي حفظه التاريخ للمرأة في العصور الأولى خير مدافع عن الحجاب وهذه هي كتب الأدب والمعارف مشحونة بالرواية عنهن فأي ضير كان عليهن من الحجاب؟!! الحجاب في الحقيقة ومراد الشارع امتناع عن اجتماع المرأة بغريب إلا مع قريب أو جماعة تؤمن مع وجودها الفتنة وستر الأعضاء التي يشتغل الفكر عند النظر إليها بالهوى فهو مفيد ضروري لا ضرر فيه. فالذي على أعداء الحجاب أن يتأملوا في حقيقته لعلهم يطلبون رده إليها وأن يذودوا عن أذهانهم فكرة السفور. فإن السفور هو الذي دفع الغربيات إلى مزاحمة الرجل في المصانع والمتاجر وهو الذي أشقى البائسات منهن فتدهورن في حضيض الفاقة وبؤرة العار وهو الذي روج سوق اتخاذ الخليلات الذي تصرخ منه فرنسا لقلة النسل اليوم. وسيقع غير فرنسا في الذي وقعت هي فيه: ولولا السفور لما رأينا المطالبات بحقوق الانتخاب ولما خطر ببالنا أنه يجوز أن يطلبن في المستقبل تقلد الوظائف الكبيرة في الحكومة بعد ما هو حاصل الآن من تقلدهن وظائف في الشركات والمصارف ونحوها وسيبالغن في هذه الأمور مبالغة وخيمة العاقبة لأنها انصراف عن العناية بتربية أبنائهن وبناتهن. وإن هذا الإهمال قد يجر إلى أن يخلف العالم عالم جديد فاسد التربية جاهل وذلك في المستقبل القريب أو البعيد فلم لا يفكرون في عواقب السفور من حيث هذه الأمور ولم يطلبونه لمجرد ظنهم أنه يمكن المرأة من الاختلاء بالرجل والتعامل معه؟؟ إني لست ممن يرون حجة واحدة لطلاب السفور فكل الذي يوردونه سفسطة ولا أدري كيف حسبوها براهين اقتنعت بها نفوسهم. ولكنهم معذورون لأن الحجاب على حالته الحاضرة سيء ضار يجب تبديله بالحجاب الشرعي كيلا يكون في الاندفاع إليه ما يتجاوزه بالنساء وكل ما أميل إليه تقرير القواعد الثابتة لتعليم المرأة كيف تحسن الأمومة وتعليم النسل وتهذيبه.

وكل مسألة من هذه المسائل لها ارتباط بالآخر فإن تربية الجسم تقتضي معرفة قواعد الصحة التي يسميها الفرنجة هيجين وليس في نساء الشرق من تلقت قليلاً ولا كثيراً من هذا العلم الضروري بل رجالنا أكثرهم يجهلونه لأن تربية المرأة إنما هي تربية الطفلة حتى تصير جدة ومحاولة تعليم النساء وهن نساء كمحاولة اتخاذ الحبال من خيوط الشمس. الحقيقة عن العلم محمد راغب

حجاب المرأة

حجاب المرأة بعث إلينا أحد كبار العلماء في مصر يقول عن حجاب المرأة ما خلاصته أن الكلام في مسألة الحجاب في بلادنا بالحق وبالباطل ضار غير نافع وضد أضر في مصر على ما فيها من الحرية والتفرنج والهتك ومن كتب فيها لا يعرف مقدار ضررها ولكنه ينحدر في التيار. قلما يوجد أحد من الشبان لا يتأثر بما يقرأه من الترغيب في تغيير عاداتنا وتقاليدنا القومية بما هو مستحسن في المدنية الغربية وقلما يوجد منهم من يفكر في خطر هذا التغيير ولو كان استبدال الذي هو ادنى بالذي هو خير فكيف يغيره وإن أنفع أخلاق الإنكليز لهم وأفعلها في سيادتهم الواسعة هو شدة محافظتهم على عاداتهم وتقليدهم وعدم التحول عنها ولو إلى أحسن منها غلا ببطء وزمن طويل يأمنون فيه من ضرر التحول والانقلاب وبهذا كانت حكومتهم أرسخ حكومات أوروبا في الديمقراطية والشورى على ما فيها من المحافظة على السروات والإشراف الذي هو ذد الديمقراطية وأضر التحول والتغيير ما كان سببه الباطن تقليد الأمة لأمة أقوى منها ولا سيما إذا كانت خصماً لها في السياسة والاجتماع كحالنا مع أوروبا الآن. نهى الأستاذ الإمام قاسم أن يبحث في كتابه تحرير المرأة عن مسألة الحجاب فلم يقبل وأرضى الأستاذ في الجملة بتقييده بنصوص الشرع ولكن المقيدين بنصوص الشرع من المصريين لا يحفلون بكلام مثل قاسم وإن كان حسناً والمفتون بمثله هم المتفرنجون وقد زادهم جرأة على هتك الحجاب حتى أن بعض وجهاء المصريين صاروا يسافرون بنسائهم إلى أوروبا بزي الإفرنجيات ويجلس معهم منفردات على الموائد العامة يأكلن ويشربن الخمر ولم يكن لقول قاسم بالوقوف عند حدود الشرع ولو على بعض الأقوال تأثير في نفوس هذا الصنف ويتحدث كثير من الشبان المتفرنجين بأنهم لا يتزوجون إلا بشرط أن يخرج نساؤهم سافرات ويحضرن المجامع العامة وأن يفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. عن (المفيد)

التربية

التربية للتربية المقام الأول في تهذيب النفوس وتنمية الملكات الفاضلة وتدميث الأخلاق وهي من أقوى العوامل على النهوض من عثرة النقائص. والصعود إلى مرتقى الفضائل. ومن أراد أن يعرف مستقبل أمة فليبحث عنه في أطفالها ومبلغ الاعتناء بتعليمهم وتهذيبهم. فهم عنوان المستقبل ومرآة ما فيه من سعادة وشقاء. يولد المولود على الفطرة وفيه قوى خيرية كامنة مفتقرة إلى مرب عاقل عالم بطرق التربية الصحيحة ليظهر تلك القوى بأجلى مظاهرها الفخيمة ويهيء هذا الطفل لما خلق مستعداً له. وما كمون هذه القوى في الإنسان إلا ككمون النار في الحجر المحتاج في أن يري إلى القدح. فليس من العقل أن يترك الطفل وشأنه فتصدأ قواه السامية ومبادئه الشريفة وربما ذهبت تلك القوى ضحية الإهمال بتغلب رذائل الأخلاق المكتسبة عليها. أودع الله في هذا المخلوق (الإنسان) قابلية لاستحسان الخير واستقباح الشر وعقلاً هادياً إلى مواضيع الخير لتتبع. ومصارع الشر لتجتنب. فلا يبعد على من أحسنت تربيته ومهد له الطريق لاستعمال عقله فيما خلق مستعداً له من مراتب الكمال أن ينشأ إنساناً كاملاً. بل ملكاً كريماً تسعد به أمته وقومه بل جميع بني جنسه. كما لا يبعد على من تركه بدون تربيه وزج به في هذا المجتمع الحافل بالعادات السيئة والأخلاق السافلة أن تخنق فيه تلك الفضائل الكامنة ويستولي على أمكنتها الكثير من أضداد تلك المزايا ونقائض تلك الفضائل. وقد اعتاد أكثر الناس حتى الطبقات العالية أن يتركوا أطفالهم غفلاً من العناية بالتأديب والتهذيب ويزعمون أن هذا الإهمال من باب الاتكال ويقولون: نرى كثيراً يعيشون ولا أولياء تهذبهم سواء طريق الخير، وتنكبهم طرق الشر، ثم ينشئون مهذبين مهديين إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وآخرين اعتنى بتأديبهم واحتيط لتهذيبهم ثم نشأوا فاسدي الأخلاق سيء الطباع ويحفظون من الشواهد على هذه الدعوى ما يظنونه مبرراً لعملهم الذي لم يكن منشؤه إلا الكسل وضعف الرأي وفاتهم أن الاتكال في عرف الشارع هو تعاطي الأسباب وعدم الاعتماد عليها. وأن ما يشاهد من نبوغ المهمل وفساد المعتنى به ليس إلا نادراً بالنسبة لضده. والعاقل لا يتكل على الصدف بعد العلم بالأسباب الموصلة للمقصود وليس المرء معذوراً في أن يسلك مفازة محفوفة بالمخاطر وهو أعزل مع قدرته على أن يكون شاكي السلاح آخذاً بالحيطة ولم ذلك المتهوس يترك حبل ولده على غاربه

اتكالاً ولا يترك السعي للرزق ومعاطاة أسبابه اتكالاً لأن الله متكفل به، أجل إن السعي مطلوب في جميع ذلك. ولا يجوز لأحد أن يترك الوسائل ويطلب المقاصد وإن كان الله جل شأنه يمكن أن يوصل الخير إلى العبد بدون سعي إليه ولكنه جل شأنه خلق الأسباب والمسببات ودعى العباد إلى الأخذ بالأسباب والاعتماد عليه في حصول المسببات هذا وإن للأطفال حقوقاً على أوليائهم تختلف باختلاف الزمان والمكان فعلى الأولياء أن يعلموا أن هؤلاء الأطفال هم رجال الغد وينظروا ما يحتاج إليه من تهذيب وتأديب وعلوم وفنون فيسيروا بهم في الطرق المؤدية لذلك ويعتنوا بتعويدهم على الآداب الدينية والأخلاق الفاضلة. ويسعوا في تثقيف عقولهم وتهذيب طباعهم وتحبيب العمل إليهم وتزيين الجد في نفوسهم ليخرجوا ن عهدة هذا الحق ويهيئوا لأطفالهم مستقبلاً زاهراً ولأوطانهم أدمغة مفكرة وأيد عاملة وإن لم يفعلوا بل تركوا أبناءهم تتلاعب بهم الأهواء وتتقاذفهم الشهوات فقد خانوا حق الله وحق أبنائهم وحق أوطانهم وأكثروا من تلك الأعضاء الشلاء التي تضر المجتمع الإنساني وتقف حجر عثرة في سبيل الترقي والفلاح. فإلى التربية أيها الأولياء فإن جريمة منكم بإهمال تربية طفل واحد على المبادئ الدينية والأخلاق الفاضلة ربما تجر على الوطن الشر والبلاء ما لا يقدر على مثله العدو بخيله ورجله وكتائبه ومقانبه. فإن هذا الطفل المهمل من التربية بالكلية أو المربى تربية فاسدة لا تلتئم مع روح الأخلاق الدينية ينشأ فاسد الطباع دنيء النفس خامل المروءة ضعيف العزيمة فتنطبع تلك الصفات المشينة في نفوس من يليه من أهله وأولاده وأخدانه وعشرائه فيكثر سواد الجاهلين وعدد الخاملين وهذا يكون عند سيادة الجهل، وشيوع نقص التربية أما متى كان أصحاب التربية الحقة أكثر عدداً وأعز نفراً كما أسلفنا فإن بوسعهم أن يحصروا تلك الجريمة ضمن دائرة ضيقة ربما لا تعدوا أكثر من ابناء ذلك الأخرق الذين لم تساعدهم الظروف على تلقي المبادئ الصحيحة في المدارس الراقية. قال بعض الحكماء رأينا شباباً أساء المربون تأديبهم غلماناً فلم يبصروهم العواقب، فنشأوا أغراراً حمقى لا تكف جورهم حدود ولا تدعم عملهم قواعد أهمل رياضتهم المؤدبون صغاراً فراضتهم الخطوب كباراً منهم من أذعن وانقاد ومنهم من جمح فأصبح حرب الأمن

والسلام وآفة البشر. هذا إجمال في موضوع التربية ربما تبعه تفصيل في أعدادنا المقبلة إن شاء الله.

الإفتاء

الإفتاء من غريب ما يشاهد في هذه الحاضرة أنه إذا وقع بها حادث سواء كان جليلاً أو حقيراً اشترك في البحث فيه الخاصة والعامة فلا يستحي الجاهل من أن يبدي رأياً فيمن ينبغي أن يكون والياً للولاية ولا الأمي فيمن يكون نائباً في مجلس الأمة، وإن كانوا لا يفقهون من الصفات الواجب وجودها شيئاً ليعلموا إن كانت توجد فيمن وقع اختيارهم عليه أم لا. ذلك أمر كاد يكون عاماً في الطبقة الوسطى من الناس كما أنه فشا في الطبقة العليا أن يكون الانتخاب على طبق الهوى لا على ميزان المصلحة ينتخب أحدهم زيداً لكونه من اصدقائه والثاني عمراً لأنه من أقاربه وكلا المنتخبين (بكسر الخاء) لولا الصداقة ما وقع اختيارهما على زيد وعمرو، بل كانا يتفقان على اختيار الأفضل، واصطفاء الأمثل ومن اجتمعت فيه الشروط اللازمة لمن يتولى منصباً مثل منصبه. ومنهم من لا ينتخب إلا من يشترط عليه أن يعمل بإشارته وحسب أمياله وضرر هذا القسم أعظم وكلمته إلى القبول أقرب. يتجلى ذلك ما ذكر بأجلى مظاهره في حالتنا الحاضرة اليوم حيث ينتخبون مفتياً للحاضرة بدلاً من فضيلة سليل العلم والفضل سليمان أفندي الجوخدار فترى كثيراً ممن رشحوا أنفسهم لهذا المنصب الجليل وشهد لهم باللياقة عدد لا يستهان به من الخاصة والعامة مع أنهم خلو من كل ما يؤهل للجلوس على منصة الأحكام الشريعة وما الحامل للشاهدين إلا ما اسلفنا بيانه مجاملة من الخاصة وتضحية للمصلحة العمومية في سبيل المصلحة الذاتية وجهل من العامة بقدر المناصب والصفات المؤهلة له وتهاون من الطرفين بوعيد شاهد الزور. سألنا نفراً ممن يبحثون في خلف المفتي عمن وقع اختيارهم عليه فرأيناهم على اختلاف في الأشخاص المرشحين، وعلى شبه وفاق في الصفات اللازمة لمن يرشحون، فهم يريدونه لطيفاً مجاملاً للطبقة العالية متقناً للغة التركية، ويريدونه جسوراً ليناضل في مجلس إدارة الولاية عن حقوقهم. يذكرون تلك الصفات الكمالية وينسون الصفات الحقيقية التي لا يكون المفتي مفتياً إلا بها (ألا وهي العلم والأمانة) فالمفتي ممثل للشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم في أحد وظائفه وعلى فتواه يعتمد الحكام والقضاة في المخاصمات والحدود وغير ذلك وهو وحده المسؤول

فيما يحدث من الوقائع ويشتبه من المسائل وتطبيقها على أصل من أصول الدين فإذا لم يكن المفتي عالماً محققاً مضطلعاً بالحوادث والفتاوى ودقائق الفقه وعويص مسائله متوقد الذهن صحيح الفكر لا يؤمن أن يرد الفرع المسؤول عنه إلى أصل غير أصله فيحلل الحرام ويحرم الحلال، كما أنه إذا لم يكن أميناً على أحكام الدين لا يبعد أن يلتمس وجهاً لإحقاق الباطل وتبرئة المجرم لإيفاء بالشرط، أو حباً بالأصفر الرنان. يا أيها المؤمنون انتخبوا من تثقون بعلمه وعمله، وتقواه وورعه، وإلا فسلام على العلم والعلماء وحسرة على المفتين الأمناء.

وصف بعض الجرائد

وصف بعض الجرائد ذكرنا ما نشرته بعض الجرائد الدمشقية من الشتائم والسباب بحق بعض النزهاء من أهل العلم ما كتبة (حافظ أفندي إبراهيم) مخاطباً بعض أصحاب الجرائد. أي فلان إن للصحافة رجالاً، وللسياسة أبطالاً طرقوا لها إلى الضمائر وتناولوا بها ما وراء السرائر فسددوا الكلام كما تسدد السهام وبلغوا بالمقال ما لا تبلغه النصال يعجبونك فتعجب ويستغضبونك فتغضب فهم ملوك الأفكار ينقشون في النفوس ما نقشوا في الطروس. ويودعون في الصدور ما أودعوا في السطور وهم كما قال صاحب كليلة (يحقون الباطل، ويبطلون الحق، كالمصور الذي يصور في الحائط صوراً كأنها خارجة وليست بخارجة وأخرى كنها داخلة وليست بداخلة) فأين أنت من رجال إذا استلوا أقلامهم ثلوا العروش الراسية وذا أرسلوا بيانهم عطفوا القلوب القاسية تجري على أسنة أقلامهم أرزاق البائسين وتسبح في قطرات مدادهم آمال الراجين. تبتدر الأسماع ما يقولون. وتنهب الأبصار ما يكتبون. فما أنت يا ولدي من الرأي منهم ولا الذنب. ولا علمك من ذلك العلم ولا أدبك من ذلك الأدب ولكن تأنق الشيطان لك في تزيين الضلال وألقى في أمنيتك أن تصبح من رجال هذا المجال. فأخرجت للناس تلك الصحيفة ثم جعلته لك فيها خليفة. فما فتئ يملي عليك. وهو جاثم بين كتفيك. . حتى أصبحت أشد سواداً من صحيفة أبي لهب وأظلم ممن افترى على الله الكذب. فأتعبت الكرام الكاتبين وأحرجت الكتبة الراشدين. وشد منك إقبال العامة وسكون الخاصة وشاركك القارئ في آثامك. وافتتن الجاهل بكلامك إلى آخر ما قال ثم استطرد لذكر مضار أمثال هذه الجرائد فقال أما وجوه المضرة في بقاء هذه الجرائد فقد أصبحت شيئاً يحس وأصبح مثلها كمثل الهواء فقد كنا نشعر به ولا نره حتى سلطوا عليه ضغط الجو فتكاثفت حتى همت الأيدي بلمسه وتلون حتى وقع من النظر تحت حسه ومنها أنهم نصبوها حبائل لصيد المال فأقاموا لها سوقاً فرشت فيها الصحف وركزت الأقلام وعرضت للبيع أعراض الناس فتراهم يجلسون للمساومة في تلك الأعراض ويأتي حامل الضب لأخيه فيساومهم في تمزيق عرض من أراد ويشهر ذلك في المزاد. ومنها دبيب الفساد إلى أخلاق العامة لكثرة ما يقرأون ويسمعون من ألفاظ السباب وإذا فسدت الأخلاق في أمة فسد فيها كل شي. ومنها دخول السقاط في زمرة المحررين اللهم إلا نفر من أنصار الفضيلة ذهب صرير

أقلامهم ضياعاً في وسط تلك الضجة القائمة وهذا قليل من كثير. اقتراح اقترح صاحب الإمضاء تشطير أو تخميس هذين البيتين وخص بالإشارة حضرة الأفاضل الشيخ عبد الرحمن أفندي القصار والسيد عبد القادر أفندي المبارك والشيخ عبد القادر أفندي كيوان وجعل الجائزة إنشادهما عنه تجاه الحجرة الطاهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام والبيتان هما وما مصدر الأشياء إلا محمد ... وناهيك طول المدح فيه قصور بدائرة التكوين نور جماله ... عليه جميع الكائنات تدور المدينة المنورة مختار المؤيد

الدين النصيحة

دمشق غرة جمادى الأولى 1329 و 17 نيسان و 30 نيسان 1911 الدين النصيحة لا شيء أتم نفعاً وأكمل فائدة لانتظام الهيئة الاجتماعية من بث النصيحة بين أفراد الأمة لينبعث عنها روح التعاون على البر الذي هو قوام حياة المجتمع الإنساني. أدل أمر على حسن حال الأمة وانتظام شؤونها شيوع النصيحة بين أفرادها وإرشاد بعضها بعضاً إلى ما يجمع كلمتها ويرأب صدعها. ويسلك بها مسالك الجد في أعمالها والدأب وراء تحقيق آمالها وما تركت أمة النصيحة إلا وتشتت جمعها وانحلت عرى ألفتها وضرب عليها الذل وسجل عليها الشقاء وجعل بأسها بينها شديداً. النصيحة كلمة جامعة وهي من وجيز السماء ومختصر الكلام قالوا (وليس في كلام العرب كلمة مفردة تسوفي العبارة غير معنى هذه الكلمة) فهي ينبوع يتفجر منه سلسبيل الحياة الاجتماعية وتتدفق منه أمواج النور عليها وهي التي تأخذ بالأيدي عن السفاسف وتصعد بالأرواح إلى مكانات الفضائل ومقامات المكارم وبها يستبين الحق في أهبى مجاليه ويتضاءل الباطل في أقصى مراميه. فهم الكثير من الناس أن النصيحة خاصة في ترك الغش في المعاملات الدنيوية من بيعه وشراء ونحو ذلك من العقود مع أنها في لسان العرب واصطلاح الشرع أعم مما فهم إذ هي عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع صيانة الأقوال والأفعال عن شوائب الغش والخيانة والنفاق بحيث لا يصدر من الإنسان قول ولا عمل إلا وقد أراد به حسن المعاملة مع الخالق جل شأنه والخلائق. إذا تأملت أيها القارئ في قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة يتبين لك بالبداهة: أن النصيحة هي القطب الذي تدور عليه أفلاك الدين الحق والأساس الذي ترتكز عليه دعائمه والدين الحق هو ضالة الأرواح وأنشودة العواطف ونسيم الرحمة. بالنصيحة بعث الله أنبياءه ورسله صلوات الله وسلمه عليهم وأمر بها عباده بقوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) فما من نبي إلا وجهر بالنصح لأمته واجتهد في إرشادهم واستفرغ. . . . . . .) من حديث شريف أخرجه الإمام مسلم.

الوسع في إسعادهم ولم يصدهم عليهم الصلاة والسلام عن سبيل النصيحة ما كانوا يقاسونه من الأذى ويلقونه من الشدائد والجفا بل منحهم الله من الصبر والثبات ما هون عليهم البلايا وحبب إليهم تكبد المشاق في سبيل النصح والإرشاد. وعلى هذا سلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة وسلف الأمة عملاً بقوله تعالى (ولتكن منك أمة يدعون إلى الخير الآية) واهتداء بيديه صلى الله عليه وسلم فلم يألوا جهداً في بذل النصيحة إلى الإضرار بدنياه فكلم في ذلك فقال عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم ولم يهابوا في نصحهم ملكاً لسطوته ولا غنياً لشوكته يروى أنه لما تولى هارون الرشيد الخلافة جلس للناس مجلساً عاماً فدخل عليه رجل ممن اشتهر بالصلاح يقال له بهلول فقال يا أمير المؤمنين احذر جلساء السوء واعتمد جليساً صالحاً يذكرك بمصالح الخلق إذا غفلت والنظر فيهم إذا لهوت فإن هذا نفع لك وللناس وأكثر في الأجر مما يأتي به من صوم وصلاة وقراءة وحج ولا تكن كمن قال الله في حقه (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) فقال له هرون زدني فقال إن الله قد قاد لك الناس وجعل أمرك فيهم مطاعاً وكلمتك فيهم نافذة وما ذلك إلا لتحملهم على الإتيان بما أمر الله والانتهاء عما نهى عنه وتعطي من هذا المال الأرملة واليتيم والشيخ والكبير وابن السبيل يا أمير المؤمنين أخبرني فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد أحشر الملوك وغيرهم من ولاة أمور الناس فيقول ألم أمكنكم من بلادي وأطعه لكم عبادي لا لجمع الأموال وحشد الرجال بل لتجمعوهم على طاعتي وتنفذوا فيهم أمري ونهي وتنصروا المظلومين من الظالمين يا هرون تفكر كيف يكون جوابك عما تسل عنه من أمور العباد في ذلك الموقف فبكى هارون بكاءً شديداً فقال بعض الحاضرين كدرت على أمير المؤمنين مجلسه فقال هرون لهم إن المغرور من غررتموه والسعيد من بعدتم عنه. فانظر يا رعاك الله إلى نصيحة هذا الرجل كيف واجه بها الخليفة مع ما هو عليه من الملك والسطوة والجاه والثروة ولم يخش بأسه ولم يرهب سلطانه هكذا كانت نصائح السلف الصالح ومواعظهم ويرويها لنا التاريخ تذكيراً للساهي وتنبيهاً للغافل ومضياً مع الهمم العالية والعزائم الصادقة. أصبح المسلمون اليوم في حالة يصهر لها الجسم أسفاً ويذوب الفؤاد حسرة ولهفاً لا ناصح

للخير ينصحهم ولا مرشد إلى معالم دينهم يرشدهم ولا هاد إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأدب يهديهم وقد ابتلوا بكتّاب أبدلوا النصائح بالتئام واستعطاف العزائم بسرد الذمائم وتشهير المآثم يذهبون في القدح كل مذهب ويسهبون في شرح المساوي ونشر القبائح لا مادة لمقالاتهم إلا الطعن والهمز ولا روح لنصائحهم إلا الغمز واللمز رغبة في أن يقال فلان بل الغليل وجاء بما يشفي العليل بأمر الآمر منهم بالمعروف وهو أول المنتهكين لحماه وينهي الناهي عن المنكر وهو أول من يغشاه ويذم الخمر وهو في دنها غريق ويزرى بالميسر وهو له زعيم يدعو إلى الإصلاح وهو أول المفسدين ويحض على التمسك بالعدالة وهو رأس الظالمين، ويحث على الاقتصاد وهو أول المسرفين. وتراه يبالغ في الأسى والأسف علا صلابة القلوب وخمود العواطف ومن لم يأتمر به من الناس كيف يطمع أن يطاع له أمر أو يعمل له بنصيحة (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). لو أن أولئك الكتاب حفظوا لأنفسهم أمام الأمة مكاناً صالحاً لوضعت فيهم ثقتها وعلقت عليهم مستقبل آمالها ولكن أكثرهم (كما هو مشاهد) لم يحفظ لنفسه تلك المكانة فسقط من عين الأمة أنشدكم الله أيها الكتاب أهكذا كانت نصيحة المسلمين في عهد السلف الصالح وأئمة الدين؟ أهكذا كانت وصاياهم ومواعظهم للناس؟ (جدال وخصام وشتائم وسباب) كلا ثم كلا بل كانوا يأخذون الناس باللطف لا بالعنف، باللين لا بالشدة، بالهدوء لا بهذا اللغط المزعج، وبالاتحاد والتحابب لا بالتخاصم والتباغض، وبالتعاطف والتراحم، لا بالتقاطع والتنابذ، وببث روح الحياة لا بنفخ روح اليأس، مع قيامهم بالأوامر واجتنابهم المناهي. ما أحوج هذه الأمة واشد عوزها إلى أقوام قوام بأعباء الشريعة أقوياء في دين الله نصحاء أمناء يعرفون مكامن الداء ومظان الدواء يحيون ما درس من أطلالها ويوقفون الناس عند حدودها ويميزون لهم حرامها من حلالها يصدعون بأمر الله ولا يخشون في الحق لومة لائم ولا يؤثرون العاجلة على الآجلة يسلكون في تربية عواطف الأمة تربية الحكيم العارف بمكان الضعف والقوة من ثنيات القلوب وأحناء الصدور ويهدونها إلى أمثل الطرق التي يجب اتباعها وأقوم السبل الموصلة إلى خير معاشها ومعادها بالمواعظ الحسنة والنصائح المؤثرة الباعثة على تهذيب الأخلاق وتدميث الطباع وتطهير القلوب من أرجاس الرذائل وأوضاء المثالب لعلها تدرك شأو سلفها الصالح وترتقي أوج النجاح وتصبح قابضة على

ناصية العزة والمجد وزمام السعادة والتقدم. ولا ريب لو قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة المحمدية أهل العلم (ورثة الأنبياء) وقاموا بما يجب عليهم من النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتذكير بآيات الله زمناً قليلاً وتصدوا لإرشاد الناس ووعظهم بما جاء به القرآن العظيم والسنة المطهرة لرأينا لذلك اثراً عظيماً في هذه الأمة يبقى ذكره ولشاهدنا لها يوماً تسترجع فيه سابق مجدها وسالف عزها إذ المسلمون بما ورثوا عن أسلافهم وبما تمكن من أفئدتهم من آثار العقائد الصحيحة والانقياد لأوامر الشرع في غنى عمن يدعو بالويل والبال ويندب الحال والمآل والله يتولى الصالحين. سؤال: حضرة الفاضل أصحاب مجلة الحقائق الغراء انتشرت منذ مدة رسالة للشيخ محسن العاملي اعتمد فيها حل المتعة وحط من قدر بعض أجلاء الصحابة الكرام وأورد شبهات على أهل السنة القائلين بتحريم المتعة فكان للرسالة وقع سيء في نفسو المسلمين خصوصاً لما رأينا بعض العامة قد اغتروا بها وتوهموا أنها حجة على أهل السنة وكنا نتوقع صدور ردود من العلماء الأعلام في هذه المسألة لمكانتها من الأهمية لما ينشأ عنها من استباحة الفروج التي حرمها الله تعالى. وقد مضى على تأليف الرسالة نحو سنة ولم نر أحد من العلماء تعرض لها ولما كانت مجلتكم هي المجلة الوحيدة التي أنشئت لخدمة الدين وتوفرت على رد الشبه الواردة عليه جئت بهذا السؤال راجياً منكم تبيين الحقيقة في هذه المسألة وكشف الحجاب عنها لتطمئن قلوب أهل السنة وترتاح ضمائرهم والله يكتبكم مع الهادين المصلحين. . دمشق ط ي الجواب: إن تحريم المتعة من الأمور المقررة المفروغ منها ولذلك لم يتعرض علماء العصر للرد على مؤلف الرسالة المذكورة ونحن أيضاً كنا نود أن لا نشغل وقت القراء ببيان أمر

مفروغ منه كهذا لكن ضرورة السؤال ألجأتنا أن نبين الصواب في هذه المسألة صدعاً للحق ودحضاً للشبهات راجين من الله تعالى أن يحفظنا من الزيغ ويهدينا لسلوك محجة الإنصاف أنه ولي التوفيق إن من قرأ ما استدل به مؤلف الحصون المنيعة على بقاء مشروعية المتعة ربما يتوهم في بادئ الأمر أن ما كتبه يقدح في مذهب أهل السنة لكن كل من علم ما ذكره علماء السنة في ذلك يتحقق بالبداهة فساد ما قاله مؤلف الرسالة المذكورة في المتعة وها نحن نبين ذلك بأجلى بيان إن شاء الله تعالى. . حاصل ما استدل به مؤلف الرسالة على مدعاه ثلاثة أمور (الأول) قوله تعالى في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) قال أن الآية واردة في المتعة وقد اعترف بذلك غير واحد من علماء السنة. ثم قال واحتمال أن يراد بالآية النكاح الدائم مدفوع بأنه خلاف ظاهر لفظ الاستمتاع والأجور الخ. . (ونقول) أما ادعاؤه أن الآية واردة في المتعة فهو مخالف لما عليه السواد الأعظم من المسلمين وجماهير علماء التفسير قال ابن جرير ما مؤداه اختلف أهل التأويل في هذه الآية قال بعضهم أنها واردة في النكاح الدائم وقال آخرون أنها واردة في نكاح المتعة إلى أجل وأولى التأويلين في ذلك الصواب الأول لقيام الحجة بتحريم الله المتعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الفخر الرازي: في الآية قولان أحدهما وهو قول أكثر علماء الأمة أن المراد بالآية ابتغاء بالأموال عن طريق النكاح والأجور المهور والقول الثاني أن المراد بها حكم المتعة. ويستفاد من كلام الحافظ بن كثير في تفسيره أن الجمهور ذهبوا إلى أن الآية نزلت في النكاح الدائم وتابعهم على ذلك السيوطي والزمخشري والبيضاوي والنسفي والخطيب والشربيني والألوسي والخازن وصاحب روح البيان وغيرهم. وقال في لسان العرب ما خلاصته أما قول الله تعالى في سورة النساء (وأحل لكم ما وراء ذلكم ما تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) فالمراد بها النكاح الدائم ومعنى الآية ما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في

الآية أنها الإحصان والمراد بالأجور المهور، هذه الآية قد غلط فيها قوم غلطاً عظيماً لجهلهم باللغة فزعموا أن المراد بها المتعة التي أجمع أهل العلم أنها حرام وهذا الزعم خطأ عظيم لأن الآية واضحة بينة وقد صح أن ابن عباس رضي الله عنه لما صح له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة الشرطية رجع عن إحلالها إلى تحريمها وإنما بينت هذا البيان لئلا يغر بعض الرافضة غراً من المسلمين فيحل له ما حرمه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأن النهي عن المتعة صح من جهات لو لم يكن فيها غير ما وري عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه ونهيه ابن عباس عنها لكان ذلك كافياً أه. وأما قول مؤلف الرسالة أن حمل الآية على النكاح الدائم مدفوع بأنه خلاف ظاهر لفظ الاستمتاع والأجور فهو دليل على عدم تضلعه بالكتاب ومعانية وقد رأيت أن صاحب لسان العرب وهو من كبار أئمة اللغة فسر الآية كما ذكرنا أما الاستمتاع فالظاهر أن معناه الانتفاع قال الله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض) أي انتفع بعضنا ببعض وقال الله تعالى (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها) أي تعجلتم الانتفاع بها وفي حديث ابن الأكوع كما في النهاية الأثيرية قالوا يا رسول الله لولا متعتنا به هلا تركتنا ننتفع به أه والشواهد على ذلك كثيرة فتبين أن الاستمتاع قد ورد في القرآن والسنة بمعنى الانتفاع ولا يخفى أن الانتفاع أظهر في النكاح الدائم من المتعة. وأما الأجور فمعناها المهور قال الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) والمراد بالأجور في هاتين الآيتين المهور ولا يصح حمل الأجور فيهما على غير المهور بالاتفاق. فظهر بطلان قول مؤلف الرسالة أن حمل آية النساء على النكاح الدائم مخالف لظاهر لفظ الاستمتاع والأجور. على أن حمل الآية على المتعة مخالف لسياق الكلام قال الشهاب الألوسي ما مفاده أن نظم القرآن الكريم يقتضي أن تكون آية فما استمتعتم واردة في النكاح الدائم. وأما حملها على المتعة فهو بعيد

فإنه سبحانه بين أولاً المحرمات ثم قال عز شأنه (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وفيه إشارة إلى النهي عن كون القصد مجرد قضاء شهوة وصب الماء واستفراغ أوعية المني فبطلت المتعة بهذا القيد لأن المقصود المتمتع ليس إلا ذاك دون التأهل والاستيلاد وحماية الذمار والعرض لذا تجد المتمتع بها في كل شهر تحت صاحب وفي كل سنة بحجر ملاعب فالإحصان غير حاصل في امرأة المتعة أصلاً ولهذا قالت الشيعة أن المتمتع الغير الناكح إذا زنا لا رجم عليه وقد أردف سبحانه الآية المذكورة بقوله (ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) ثم قال تعالى: (ذلك لمن خشي العنت منكم) وفي هذه الآية أيضاً إشارة إلى المنع فإن من لم يستطع غنى لنكاح الحرائر وخاف الوقوع في الزنا قد أمره الله أن ينكح من الإماء ولو كانت المتعة حلالاً لقال الله تعالى ومن لم يستطع منكم طولاً فليتمتع. لأن المتعة أخف مؤونة وأقل كلفة فإنها مادة يكفي فيها الدرهم والدرهمان. فلو كانت مباحة لما كان ثم ضرورة داعية إلى نكاح الإماء. وعلى تقدير أن المراد من الآية نكاح المتعة فغاية ما يفيده أن ذلك كان مباحاً ونحن لا ننكره بل نقول أن الله نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة المؤمنون (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) روى الترمذي في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إنما كانت المتعة حلالاً في أول الإسلام حتى إذا نزلت آية إلا على أزواجهم أو ما مالكت أيمانهم قال ابن عباس فكر فرج سواهما فهوا حرام أه. وبيان هذا أن الله تعالى جعل من ابتغى غير زوجته وملك يمينه من العادين والمتمتع بها ليست ملك يمين وهو ظاهر ولا زوجة لأنها لو كانت زوجة لجرت عليها أحكام الزواج من الإرث وتوقف الفرقة على الطلاق وعدم صحة نفي ولدها إلا باللعان كما في النكاح الدائم والمتمتع بها لا تجري عليها هذه الأحكام حتى عند الشيعة فإنها لا ترث عند على الأظهر الأصح من الأقوال إذا لم يشترط الإرث. وفراقها لا يتوقف على الطلاق بل يحصل لمجرد مضي الأجل وإن لم يرض المتمتع بها كما هو واضح الولد منها يصح نفيه بمجرد إنكاره ولو من غير لعان كما نقله مؤلف السالة

صحيفة 72 وقال الشهاب الألوسي في تفسيره قد صرح علماء الشيعة بانتفاء لوازم الزوجية كالميراث والطلاق والنفقة في المتعة وروى أبو منصور منهم في صحيحه عن الصادق رضي الله عنه تعالى أنه سئل عن امرأة المتعة أهي من الربع قال لا ولا من السبعين وهو صريح في أنها ليست زوجة وإلا لكانت محسوبة في الأربع. أما زعم مؤلف الرسالة أن آية المؤمنون مكية فلا دليل عليه لأن قول المفسرين أن سورة كذا مكية أو مدنية مثلاً لا يستلزم أن تكون فيها من الآيات ما ليس بمكي وأوضح دليل على أن آية إلا على ازواجهم مدنية استدلال ابن عباس بها على تحريم المتعة كما تقدم في حديث الترمذي وابن عباس رضي الله عنهما أدرى بعلوم القرآن وأعلم بمواقع نزول الآيات. بقي أن مؤلف الرسال نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ فيما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن والجواب أنها قراءة شاذة ولا يصح الاعتماد عليها وما دل على التحريم كآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قطعي فلا تعارضه القراءة الشاذة على أن الدليلين إذا تساويا في القوة وتعارضنا في الحل والحرمة وقدم دليل الحرمة منها لا سيما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حرم المتعة تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة كما يأتي إن شاء الله. (للكلام صلة)

صاحب المقتبس يفتري على علماء الدين

صاحب المقتبس يفتري على علماء الدين اعتاد هذا الصحفي أن يدور في أثناء كتاباته على مناهضة علماء الدين وتحقيرهم أمام الشعب فتارة يصفهم بالجمود وأخرى يندد بسلطتهم الدينية وآونة يزعم أنهم عقبة في سبيل الترقي والنجاح وغير ذلك من المزاعم الباطلة. وما نخال الحامل له على ذلك إلا ما يراه من بعض متطرفة الغربيين الذين يناوؤن سلطة أحبارهم ورهبانهم مع أن بيننا وبينهم بون كبير فإن أولئك يحسون بوطئة تلك السلطة ولا سلطة في الدين إلا العلم. وها هو اليوم قد قام ينتصر للزنادقة لينال من علماء المسلمين فنشر في مقتبسه الشهري في الجزء العاشر في المجلد الخامس مقالة بقلمه ترجم فيها كتاب الدرر الكامنة في أعيان الماية الثامنة لحافظ عصره ونابغة دهره العلامة ابن حجر العسقلاني_ابتدء فيها بالكلام على ترتيب الكتاب وتراجمه ثم قال (ومن أعظم ما يلفت نظرك في هذا الكتاب روح التعصب التي كانت مستحوذة في ذاك العصر أيام كان يقتل كل من يخالف رأي الجمهور في فكر أو مذهب فنقرأ فيه صورة مكبرة من حال ذاك القرن الذي استولت فيه على هذه البلاد الجراكسة والتتار ممن أصبحوا ألعوبة في أيدي المتعصبة من رجال الدين) أه ثم استشهد على مدعاه بتراجم بعض من قتلوا في ذلك العصر مما هو واضح في الشهادة عليه لا له فنقل ترجمة إسماعيل بن سعيد الكردي وقال ما خلاصته: أنه رمي بالزندقة حتى صار يقال له إسماعيل الكافر أو إسماعيل الزنديق فحبس ثم أن بعض الصلحاء رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأمره أن يقول للقاضي اقتل اسمعيل (ثم قال) فاستدعي إلى مجلس القضاء فأقيمت عليه البينة الشرعية (تأمل) لدى القاضي تقي الدين الأخناي فقتل. ثم نقل ترجمة ناصر بن أبي الفضل بن إسماعيل المقري وخلاصتها أنه أقيمت البينة على زندقته عند القاضي شرف الدين المالكي فأعذر إليه فما أبدى عذراً فقتل، ثم نقل عن ابن كثير أن ناصراً هذا ضربت عنقه على كفره واستهتاره بآيات الله وشركه وحبته الزنادقة وحضر قتله العلماء والأكابر وأرباب الدولة وكان يوماً مشهوداً أعز الله فيه الإسلام وأذل فيه الزنادقة وأهل البدع وكان ابن تيمية حاضؤراً فأنبه وقرعه على ما كان يصدر منه. ثم ذكر ترجمة علي بن حسن الرافضي وحاصلها أن علياً هذا حمل إلى القاضي تقي الدين السبكي فاعترف بسب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكرروا عليه التوبة ثلاثة ايام فأصر فضربت عنقه أه. ثم قال صاحب المقتبس بعد أن سرد هذه التراجم (ومن أنعم النظر

في تراجم من قتلوا يتضح له أنهم كانوا على جانب عظيم من العقل والعلم وأن أكثر ما وري عنهم منقول عليهم ليجدوا السبيل إلى إقناع العامة والحكام لإزهاق أرواحهم). هذا ما أورده صاحب المقتبس دليلاً على قيام التعصب في ذاك العصر أوردناه ليعلم الناس مبلغه من العلم ومكانته من الفهم وتشبثه بالحط من قدر علماء الدين والانتصار للزنادقة والملحدين مع أنه لا ذنب للعلماء والقضاة كما يرى القارئ إلا محافظتهم على دين الله وإقامة حدوده لكبح جماح أهل البدع والضلالة فما أكثر بلاء هؤلاء الكتاب البسطاء على الأمة والدين وما أشد تغريرهم بالعامة المساكين ذا كان جميع الأمم متفقين على وضع عقوبات شديدة من السجن والنفي والقتل للمحافظة على القانون الذي وضعوه والحد الذي رسموه ويرون أن ذلك ضروري لحصول الانتظام وقمع الفتن فكيف يتجرأ صحاب المقتبس على الله بأن يسمي المحافظة على دينه تعصباً وهو القانون السماوي الذي أنزله الله رحمة للعالمين به تحفظ الحقوق وتدرأ المفاسد وهو مناط السعادتين من اعتصم به نجا ومن انحرف عنه ضل وغوى. ربما يقال أن في من عوقبوا على الاستهتار بالدين من قد يكون براء مما وصموا به كما يديعه صاحب المقتبس فنقول أن ذلك الاحمال يمكن أن يقال في أكثر المحاكمات ولو كان مجرد احتمال البراءة يدرء عن الجاني العقوبة لتعطلت الحدود وسادت الفوضى ولترك الجاني وجنايته والسارق وسرقته والقاتل وفعلته والملحد وضلالته والمفتري وفريته. فلا يحاكمون ولا يعاقبون لاحتمال ان يكونوا براء إن هذا لعمر الحق لا يقول به م عنده مسكة من عقل ولو نتفة من إدراك. هل يعد من التعصب قتل من ثبتت عليه الزندقة وطلب منه أن يعتذر فلم يفعل بل ظل معانداً؟. هل يعد من التعصب قتل من يصرح بسب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتعرض عليه التوبة لثلاثة أيام فلا يقبل وهما أفضل م طلعت عليه الشمس بعد النبيين. هل يعد من التعصب قتل من ثبت عليه بالبينة الشرعية أنه خرج عن الدين والصراط المستقيم. إن هذا لعجيب وأعجب منه هذه الجملة الأخيرة التي لم تر في كلام صاحب المقتبس

أغرب منها وهي أن الزندقة متقولة على هؤلاء المترجمين وقد علمت أن أولهم ثبتت عليه بإقراره والثاني أخذ بالبينة الشرعية والثالث طلب منه أن يعتذر فلم يعتذر. على رسلك أيها الكاتب فإنك محسوب علينا معاشر الدمشقيين فلا تدع الأغيار ينظرون إلينا نظر الاحتقار والجهل فإن الصحافة عنوان البلاد التي تصدر فيها وما نظنك نحيت هذا المنحى في انتقاد ذاك العصر وتبرئة المتزندقين إلا انتصاراً لابن تيمية لأنه سجن في ذاك العصر ولكن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل فإنك أردت الانتصار له فعددته مع المتزندقين مع أن ابن تيمية مشهود له بالعلم والمعرفة والتقوى وسعة الاطلاع وإن كان ينكر عليه مسائل يؤاخذ بها والعصمة لأنبياء الله. وكان بودنا لو ينشر صاحب المقتبس ما يهذب أمته ويرقي مداركها ويزيدها تمسكاً بالدين الذي هو مبعث كل فضيلة بدلاً من أن ينشر ما يحمل المسلمين على إساءة الظن بعلمائهم الذين خدموا الدين وأفادوا الأمة بعلومهم وأفكارهم وأولى لكم أيها الكتاب أن تحافظوا على الصحافة فإنها موضوعة لغير ما تكتبون والمقصود منها غير ما تتوهمون فرفقاً بالأمة رفقاً، وسيراً على الخطة المثلى فإن الله من ورائكم محيط.

التاريخ

التاريخ تابع ترجمة أبي بكر رضي الله عنه خبر عامر وهوازن وسليم كان لانتصار خالد على طليحة فإن بني عامر كانت تراقب ما تصنع أسد وغطفان فلما أحيط بهم وهزمتهم جيوش المسلمين ألقي الرعب في قلوبهم وأتوا خالداً وقالوا ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله فبايعهم على الإسلام وكانت بيعته: عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله ولتقيمن الصلاة ولتؤتين الزكاة وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم فيقولون نعم ولم يقبل / ن أحد منهم إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على الإسلام فأتوه بهم ففعل بهم مثل ما فعلوا وأرسل إلى أبي بكر رضي الله عنه يعلمه ما فعل. خبر أم زمل لما انهزم جيش طليحة اجتمع فلال غطفان وأسد وطيء وعامر وهوازن وغيرها إلى أم زمل وهي امرأة كانت سبيت فوقعت لعائشة فأعتقتها فرجعت إلى قومها وارتدت فلما اجتمع إليه الكل أمرتهم بالقتال وكثف جمعها فسار إليها خالد فقتلها وفرق جمعها وبعث بالفتح إلى أبي بكر. خبر الفجأة السلمي اسمه إياس بن عبد يا ليل من بني سليم جاء إلى أبي بكر فقال أعني بالسلاح أقاتل أهل الردة فأعطاه سلاحاً فخرج حتى نزل بالجواء وبعث نخبة من أبي الميثاء وأمره أن يقاتل المسلمين فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن فبلغ ذلك أبا بكر فأرسل إلى طريفة بن حاجز وأمره أن يجمع له ويسير لقتاله وبعث إليه عبد الله بن قيس الحاشي عوناً فنهضا إليه وطلباه فلا ذمنهما ثم لقياه على الجواء فاقتتلوا وقتل نخبة وهرب الفجأة فلحقه طريفة فأسره ثم بعثه إلى أبي بكر فلما قدم عليه أمر أبو بكر بقتله فقتل. خبر مالك بن نويرة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أمراء في تميم وهم الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وصفوان بن صفوان وسبرة ابن عمرو ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة فلما بلغهم

خبر موت النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم من ثبت على الإسلام وأرسل الصدقة إلى أبي بكر ومنهم من تردد أول الأمر ثم أرسلها ولم يبق إلا مالك بن نويرة فإنه بقي متردداً فسار إليه خالد بن الوليد فلما علم مالك بمسيؤره أمر قومه فتفرقوا في المياه فبعث خالد السرايا في أثرهم فأتي بكثير منهم أسرى وبينهم مالك بن نويرة فاختلفت السرية فيهم وكان فيها أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر خالد بحبسهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم فيها شيء فأمر خالد منادياً فنادى دفئوا أسراكم وهي في لغة بني كنانة القتل فظن القوم أنه اراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكاً وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال إذا أراد الله أمراً اصابه وتزوج خالد امرأة مالك فلما وصل الخبر المدينة قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما أن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك فقال يا عمر ارفع لسانك عن خالد فإني لا اشيم سيفاً سله الله على الكافرين وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فقبل عذره وعفا عنه وعنفه على التزوج أيام الحرب لأن العرب كانت تكرهه وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطالب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر رضي الله عنه برد السبي وودى مالكاً من بيت مال المسلمين. خبر مسيلمة كان بنو حنيفة ممن وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم مسيلمة بن ثمامة فجعل يقول أن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه وقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك ولن تراجعه دبرت ليعقرنك الله فلما رجع مسيلمة ومن معه إلى منازلهم ادعى النبوة وأنه أشرك مع محمد في الأمر فتبعه قومة وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: سلام عليك فإني قد اشركت في الأمر معك وأن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشاً قوم لا يعقلون فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: من محمد رسول الله على مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسير أبو بكر رضي الله عنه

الجيوش إلى أهل الردة عقد لواء لعكرمة بن أبي جهل وسيره إلى مسيلمة في أثره شرحبيل بن حسنة مدداً له كما أسلفنا فلم ينتظر عكرمة قدوم مدده بل تعجل ليكون الفضل له خاصة فواقعهم فنكبوه فكتب إلى أبي بكر بالخبر فكتب إليه لا أريتك ولا تراني ولا ترجعن فتوهن الناس امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير إلى المهاجر بن أبي أميه لتساعد على جنود العنسي وأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالمسير إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار وأرسل إلى شرجبيل يأمره بانتظار خالد حتى يجتمعان على جنود مسيلمة. فتقدم خالد وعلى مقدمته شرحبيل قاصداً اليمامة فلما بلغ مسيلمة دنو خالد خرج فعسكر في عقرباء فلما كان خالد على ليلة من معسكر بني حنيفة التقى بسرية منهم وعليهم مجاعة بن مرارة فقتلهم المسلمون إلا مجاعة فاستبقاه خالد لشرفه ثم سار خالد حتى التقى بجيوش المرتدين وكانوا أربعين ألفاً فاقتتل الفريقان قتالاً شديداً ولما حمي القتال انكشف المسلمون بادئ الأمر حتى وصل المرتدون إلى فسطاط خالد وأرادوا أخذ زوجته فمنعهم من ذلك مجاعة وقال نعم الحرة هي ثم تداعىة المسلمون وحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وكانت الحرب تارة للمسلمين وتارة للمرتدين وقتل كثيرون من أهل البصائر فلما رأى خالد ما الناس فيه قال امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي فامتازوا وقال بعضهم لبعض اليوم يستحي من الفرار وقاتلوا قتالاً شديداً فعلم خالد أن رحى الحرب تدور على مسيلمة فطلبه للبراز فبرز إليه فلما اشتد الأمر أدبر فنادى خالد في المسلمين فحملوا حتى هزموا المرتدين شر هزيمة فقالوا لمسيلمة أينما كنت تعدنا قال قاتلوا عن أحسابكم ثم دخلوا الحديقة وهي بستان لمسيلمة وأغلقوها عليهم فقال البراء بن مالك أحد شجعان الأنصار ألقوني عليهم فألقوه فقااتل على الباب وفتحه للمسلمين فدخلوها عليهم واقتتلوا أشد قتال وكثر القتلى بين الفريقين لاسيما في بني حنيفة فلم يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة اشترك في قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار فصرخ رجل قتله العبد الأسود فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة وأخذهم بالسيف من كل جانب وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بجماعة يوسف في قيوده حتى دلهم على مسيلمة فإذا رجل أصيفر أخينس فقال خالد لمجاعة هذا الذي فعل بكم ما فعل فقال مجاعة لخالد ما جاءكم إلا سرعان

الناس وأن الحصون ممل} هـ فهلم أصالحك على ما ورائي فصالحه على كل شيء دون النفوس فقال انطلق إليهم فاشاورهم فانطلق إليهم وليس في الحصون إلا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفى فألبسهم الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهن ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم فرجع إلى خالد فقال قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت فرأى خالد الحصون مملوءة وقد نهكت المسلمين الحرب وقتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلثمائة وستون ومن المهاجرين من غير المدينة ثلثمائة وقد فشت الجراحات فيمن بقي فجنح للسلم وصالحه على الذهب والفضة والسلام ونصف السبي وحائط ومزرعة من كل قرية فصالحوه وفتحت الحصون فلم يجد خالد إلا النساء والمستضعفين فقال لمجاعة خدعتني قال قومي ولم أستطع إلا ما فعلت وبعد هذا الصلح جاءه كتاب من أبي بكر يأمره فيه بقتل كل محتلم فوفى لهم بصلحه ولم يغدر ثم أرسل وفداً منهم إلى أبي بكر بإسلامهم فلقيهم وسألهم بما يدعوكم به مسيلمة فقال كانوا يقول (يا ضفدع نقي نقي لا الشارب تمنعني ولا الماء تكدرين لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريش قوم يعتدون) فقال أبو بكر رضي الله عنه سبحان الله ويحكم أن هذا الكلام ما خرج من ال ولا بر فأين يذهب بكم عن أحلامكم. (يتبع)

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد أجاب طلب مختار بك المؤيد نخبة من الفضلاء فثبتنا ما جاءنا منهم على حسب وروده شاكرين اعتناءهم وحسن صنيعهم. تفرد بين الرسل بالمجد أحمد ... نبي هدى الله أتقى وأحمد وماذا على علياه أثنى وأحمد ... (وما مصدر الأشياء إلا محمد) (وناهيك طول المدح فيه قصور) أنار دياجي الجهل بدر كماله ... وعم الورى بالفضل بحر نواله سباهم بمغناطيس حسن جلاله ... (بدائرة التكوين نور جماله) (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق محمد بن محمد المبارك (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... فكم غمرتها من نداه بخور لم توف مدحاً عشر معشار حقه ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... به للورى بعد البطون ظهور بسر تجلي الذات أصبح محوراً ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق عبد القادر المبارك الأول (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... وموردها العذب الهنيء غزير وقصاره مهما أطال مقصر ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... لمرآه كم شمس عنت وبدور بباب حماه ألجأ ولذ فهو ملجأ ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق عبد الرحمن القصار (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... فزره ورد حوضاً نداه بحور

ويقصر مدحي عن سمو مقامه ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... له سجد الأقمار وهي بدور فهاك مديحي أنشده بالله في حمى ... (عليه جميع الكائنات تدور) (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... شفيع الورى والأنبياء حضور رسول لقد باهى الإله بفضله ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... يضيء دواماً ما عليه ستور ومبلغ علم الخلق فيه بأنه ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق عارف محملجي (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... ومرجعها أيضاً إليه يصير فقل ما تشاء في مدحه أنت عاجز ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... تبدي وما شيء سواه منير هو الأصل في الإيجاد والكل فرعه ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق عبد القادر كيوان وله أيضاً حفظه الله (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... وسيلة كل العالمين بشير توسل به دوماً ولازم مديحه ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... بدا منه بدء للورى وظهور هو المقصد الأصلي من كل كائن ... (عليه جميع الكائنات تدور) (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... ولولاه لانتاب الوجود بثور كثير الثنا منا قليل بحقه ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... محيط وفي أفق الكمال منير وكوكبه الدري أقدس مركز ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق

محمد أبو السعود مراد (الحقائق) وقد انتقد حضرة المشطر أبو السعود أفندي على المقترح تخصيص الإشارة بالأفاضل الثلاثة الذين نوهنا بهم في الجزء التاسع وعجب من هذا التقييد وعدم الإطلاق حسب عوائد المقترحين وقال ما معناه ولكن. . . . . . . . . وعلوها هو الذي حدا بي إلى التشطير. (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... ولولاه ما شق الدياجر نور تقاصرت الألباب عن كنه فضله ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... ذكاءٌ وباقي المرسلين بدور هو المصطفى قطب الوجود باسره ... (عليه جميع الكائنات تدور) طرابلس الشامة خالد الكاظم (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... فمنه لها بعد البطون ظهور ومن نوره بعد الظهورامتدادها ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... كشمس ومنها الأنبياء بدور حسبك أن الفضل منه كمحور ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق ع (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... ولولاه لم يبدو لآدم نور وفي مدحه البلغاء باد قصورها ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... محيط وأملاك السماء حضور بني هدى خير البرايا وأصلها ... (عليه جميع الكائنات تدور) م. ي (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... أمام الهدى للعالمين بشير

رسول لقد سادت مزاياه في الملا ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... فكم بزغت شمس به وبدور هو القطب تبغي مكانة قدره ... (عليه جميع الكائنات تدور) حماه ع. ب (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... نبي كريم صادق ووقور تقي نقي سيد متفضل ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... أزاح ظلام الكفر والجهل ذا النور وذاك رسول الله وخاتم رسله ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق محمد سليم حنفي (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... فلولاه لا خلق تبدى ولا نور حقائق أتلوها وما أنا مادح ... (ناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... هو السر في المخلوق فيه يسير هو النعمة العليا هو المقصد الذي ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق م

المآخذ الشعرية

المآخذ الشعرية عقد أقوال فلاسفة اليونان قرأنا في المقتطف الأغر تحت هذا العنوان نبذة أخلاقية أدبية للكاتب الشهير عيسى اسكندر المعلوف فأحببنا أن ننقل منها لقرائنا ما يأتي قال الكاتب اخذ شعراء العرب كثيراً من أقوال الفلاسفة والحكماء ولاسيما اليونان وأدمجوها في منظومهم ولقد جمعت منها ما وصلت إليه يد البحث فمن ذلك قول صولون الفيلسوف الشهير (خير الأمور أوسطها) فعقده بعضهم بقوله: فرط التناهي غلط ... خير الأمور الوسط وقال الآخر عاقداً قول أفلاطون (لم تذخر المال والموت راصد) قال أن يموت الإنسان ويخلف مالاً لأعدائه خير من أن يحتاج في حياته إلى أصدقائه. مال يخلفه الفتى ... للشامتين من العدى خير من قصده ... أخوانه مسترفدا وعقد أبو العتاهية قول بعض الحكماء عند موت الاسكندر المكدوني الكبير (لقد كان الملك أمس أنطق منه اليوم وهو اليوم أوعظ منه أمس) كفى حزناً بدفنك ثم أني ... نفضت تراب قبرك من يديا وكانت في حياتك لي عظات ... فأنت اليوم أوعظ منك حيا وعقد صفي الدين الحلي قول زينون الفيلسوف لشاب جاهل ومهذار (كف فقد خلق لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم) اسمع مخاطبة الجليس ولا تكن ... عجلاً بنطقك فيلما تفهم لم تعط مع أذنيك نطقاً واحداً ... إلا لتسمع ضعف ما تتكلم وأخذ بعضهم قول أرسطو الغني في الغربة والمقل في أهله غريب لعمري ما الغريب بذي التنائي ... ولكن المقل هو الغريب إذا ما المرء اعوز ضاق ذرعاً ... بحاجته وأبعده القريب ولقد ألف الإمام أبو علي محمد بن الحسن بن المظفر المعروف بالحاتمي رسالة في سرقات المتنبي من أقوال فلاسفة اليونان منها قوله عاقداً حكمة أرسو (إذا كانت الشهوة فوق القدرة

كان هلاك النفس دون بلوغها) وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام وقوله في نصيحته (من لم يقدر على الفضائل فلتكن فضائله ترك الرذائل) إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال ومما لم ينبه عليه الحاتمي قوله عاقد أقول جالينوس (نأكل لنحيا ولسنا نحيا لنأكل) شرابه النشح لا للريء يطلبه ... وطعمه لقوام الجسم لا السمن وعقد قوله الظلم من طبع النفوس وإنما يصدها عن ذلك إحدى علتين دينية كخوف معاد أو سياسية كخوف سيف) وقيل أنه تناول في وقال الفلاسفة الرواقيين (الناس يخلقون أخياراً بالطبع ثم ينصرفون إلى الشر بمصاحبة أهل الشر والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم وقال آخر عاقد أقوال فيلسوف يوناني: ما استكمل المرء من لذاته طرفاً ... إلا وأعقبه النقصان من طرف وقال محمد بن عثمان بك جلال الشاعر المصري ناظماً حكمة سقراط: سقراط لما بنى بيتاً ليسكنه ... جاءت لتنظر هذا البيت جيران قالوا له ضيق لم يأته أحد ... وكله عطف سور واركان وكيف تصنع يا سقراط إن دخلت ... في كسؤر بيتك أحباب وخلان فقال ما ضره ضيق ولا صغر ... (سم الخياط مع الأحباب ميدان) عقد أقوال فلاسفة الفرس عقد بعضهم قول أنوشروان (إن أحببت أن لا تغتم فلا تقنن ما به تهتم) الم تر أن الدهر من سوء فعله ... يكدر ما أعطى ويسلب ما أسدى فمن سره أن لا يرى ما يسؤوه ... فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقدا وتناول الآخر قول بزرجمهر (فإذا أقبلت عليك الدنيا فانفق منها فإنها لا تبقى) لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف وإن تولت فأحرة أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف واقتبس ابن المعتز قول كسرى أنوشروان في النرجس (هو ياقوت أصفر بين در أبيض

على زمرد أخضر) بقوله: وياقوتة صفراء في رأس درة ... مركبة في قائم من زبرجد كمثل بهي الدر عقد نظامها ... تنثر فرند قد أطاف بعسجد كأن بقايا الطل في جنباتها ... بقية دمع فوق خد مورد وعقد المظفر البلخي قول الحكيم الفارسي بزر جمهر مروك لا ترضين من الصديق ... بكيف أنت ومر حبابك حتى تجرب ما لديه ... لحاجة أما بدت لك فإذا وجدت فعاله ... كمقاله فبه تمسك

الحقائق والسائح

الحقائق والسائح كتب (سائح) في بعلبك في جريدة المفيد الغراء مقالة عنوانها (مجلة الحقائق) وصم فيها المجلة وأصحابها بما أوحى إليه الجهل والغرور وحب مقاومة المشاريع العلمية فأتينا بهذه الكلمات تفنيداً لمزاعمه الباطلة وبياناً لحقيقة المجلة وما أنشئت له وكان الأولى بنا السكوت أمام هذا التمويه لأن (الحقائق) ارفع من أن تفسح مجالاً للمجادلات التي لا تعود بالفائدة على القراء ولأنها لا تجيب إلا عما كان مبيناً فيه وجه الخطأ بالدليل ولكن رأى كثير من أفاضل القراء وجوب الكتابة وألحوا علينا بذلك فأجبنا طلبهم والله المسؤول أن يسدد اقوالنا ويهدينا أقوم الطريق. قال (السائح في وصف المجلة ما ملخصه) أنشأها جماعة من طلبة العلم لنشر أفكار أستاذهم الشيخ صالح التونسي المحجوز عليه في الأستانة لذلك لا تكاد ترى عدداً منها خلواً من الطعن في العلماء المخلصين كالقاسمي والمغربي وصاحب المقتبس الخ. . (أصحاب المقتبس يفتخرون بأن نفراً منهم من مريدي الأستاذ العلامة السيد صالح الشريف التونسي وقد أنشاءوا هذه المجلة لخدمة الدين والذب عن حياضه ودحض شبه الضالين وإخفاق مساعي المتفرنجين وهذا ليس فكراً للأساذ فقط بل لكل مسلم يحب دينه. ويغار عليه وهم مسوقون إليه بسائق الحمية الدينيةوالغيرة افسلامية ولا ينشرون في ذلك فكر شخص معين ولا يقاومون فئة معينة وليس الكبير عندهم بألقابه بل بعلمه ولا المصلح عندهم مصلحاً بدعواه بل بآثاره (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) أما كون الأستاذ محجوزاً عليه في الأستانة فهو من الكذب الصراح الذي ليس له ظل من الحقيقة إلا في مجلة السائح المخترعة لهذا الخبر. قال السائح: وقد أطلعني بعض القادمين من دمشق على عددها الأخير فإذا هو جزء صغير مفتتح ببعض مسائل العقائد وكأنها مأخوذة عن السنوسية وأمثالها. الحقائق متبعة لا مبتدعة لذلك لا تستنكف إذا قيل أن ما تكتبه في التوحيد مأخوذ عن السنوسية لكن لما كان الواقع أن السنوسية جميعها لا تبلغ مقدار ما كتبنا في عدد واحد في مسألة توحيدية علم أن السائح لم يطلع على السنوسية (000نصف صفحة غير واضحة ص 390) وسنن الاجتماع أفما كان من الأولى بالسائح بدلاً من أن يغار عليه كلمة حق تقال فيه أن

ينظر فيما كتبنا فإن رآه حقاً كتب إلى المغربي ينصحه بالرجوع عن مفترياته وإن رأى غير ذلك دافع بالبرهان ولكن قاتل الله الجهل والغرض فإنها يعميان البصائر. أنكر علينا السائح كوننا مقلدين ثم وصف المقلدين بما شاء الهوى وقد أسلفنا أننا متبعون لا مبتدعون وليس ادعاء صفة الاجتهاد أمراً سهلاً بل يحتاج إلى اطلاع واسع وجهاد طويل ومن الغريب أن أكثر من يتجاسرون على ادعاء صفة الاجتهاد هم أقل الناس عملاً بالدين واحتراماً لأحكامه وأبعدهم عن فهم معانية والتأمل بأسراه ومراميه وكيف يستطيع إنسان أن يبرز فكرة لم يتصل موضوعها بنفسه ولم يمتزج مضمونها بحسع وأغرب من ذلك أنهم لا يظهرون غيرتهم إلا في هدم حكم نافع أو تعطيل فضيلة من فضائل الأخلاق، وابتداع حكم ليس من الدين في شيء وكأنهم إباحيون لا يحبون أن يتقيدوا بشيء يحول دون نزغات نفوسهم ونزوات شهواتهم ولكنهم يستترون بالاجتهاد. قال السائح (قام أصحاب هذه المجلة ليوقفوا سير المصلحين ويوغروا صدور الناس عليهم ولكن خاب ظنهم من أين يوقفون هذا السير المبارك. . الذي سيجدد لهذه الأمة مجدها سيراً ما أريد به إلا إصلاحاًً. . . الخ من أين لهم أن يقفوا سداً منيعاً على زعمهم في طريق عمل هؤلاء الأجلاء الذين قتلوا الأيام علماً. . . وتجارباً. . . دروسوا مصلحة هذه الأمة الخ). نحن لا نوقف سير المصلحين الحقيقيين الذين يخدمون الدين بلا ابتداع بل نتبعهم ونؤيدهم أما الذين انتحلوا لأنفسهم هذا اللقب والله يعلم غير ما يدعون فإننا نقاوم أباطيلهم ونقف سداً منيعاً دون ما يمنون به أنفسهم من هدم أركان الإسلام ولا يوقفنا عن ذلك تهور الجاهلين وجعجعة المفسدين ما دمنا واثقين بأن الله ينصر من ينصره ويؤيد حزب ألا إن حزب الله هم الغالبون. حضرة أصحاب مجلة الحقائق الغراء وفقهم الله آمين ما نشره السائح في المفيد من الهذيان ثقل على كل مسلم يقدس مبادئ دينه الجليلة ولذا أتيت بهذه الرسالة رداً على مزاعمه الباطلة فالمرجو درجها في المجلة ولكم مني وافر الشكر. أحد تلمذة المكتب الطبي بدمشق

ع

الرسالة

الرسالة جاء في العدد 682 من جريدة المفيد الغراء مقالة لسائح في بعلبك انتقد كاتبها مجلة الحقائق لأنها ردت على الشيخ جمال أفندي القاسمي والمغربي وأمثالهم من الباحثين ولم يكن انتقاد بطريقة علمية بل كان تارة يكتفى بمدح هؤلاء العلماء وتارة يذكر حجم المجلة وأنها تحتوي على مقالات توحيدية أخذت من السنوسية وأمثالها ولم يعلم أن كلام المجلة في واد وكلامه في واد. أيها السائح إن الدليل المحكم لا يقبل إلا بدليل مثله وكل هذه التمويهات لا تعد شيئاً عند أهل العقول السليمة على رسلك فإن من تنكب الغرض وقايس بين قولك وتحقيق الحقائق علم أن مقالتك مدح للمجلة لا ذم كما أردت لأن بها يتضح للقراء الفرق ويعرف الغث من السمين. كتب المغربي مقالة في رفع الحجاب وادعى أن لا أصل له في الدين مؤيداً دعواه بسرد بعض مسائل اجتماعية ليس لها من الحقيقة نصيب فانتقدت مجلة الحقائق قوله وأفهمته ما أشكل عليه والله يعلم أنها ردته إلى سواء السبيل. زعمت بمقالتك أن المجلة لم تستعمل آداب المناظرة مع أمثال المغربي على أن مع أعداد الجلة شاهد بأن خطتها جامعة للآداب الإسلامية لا مجال للاعتراض عليها ولكن حملها على بيان ما يضمر المغربي وأمثاله من الأفكار المضرة تنبيه المسلمين لئلا يضل الساذج منهم_فهذا كان جزاؤها منك أيها المسلم_كذلك انتقدت المجلة أقوال من أثبت الهلال بالتلغراف وردت عليه بآيات قرآنية وأحاديت صحيحة لا خلاف فيها. ومعلوم أن الردود لم تكن لأصحاب الحقائق فقط بل كانت لأجلاء من العلماء المشهورين كمختار بك المؤيد وأمثاله. كل يعلم الحقيقة بنت بحث لا جناح على العلماء لا متعالين إن خاضوا غمار هكذا أبحاث حرصاً على الحقيقة لا بقصد التشفي والعالم تارة يخطي وتارة يصيب فلا يلزم الرجل أن يكون مصيباً أو مخطئاً دائماً مهما علت درجته في العلم أو نزلت وعلى هذا لا يجوز لمن له نصيب من العقل والعلم أن يقول لمن خالف أحد العلماء بحكم أنه مخطئ لمخالفته فلاناً العالم بل يحكم بخطأ الناقد إذا هرف بما لم يعرف وقاس بدون قضايا وحكم بدون قياس كما يفعل أكثر مدعي الإصلاح في زماننا.

زعمت أن المجلة أسست من قبل الشيخ صالح أفندي التونسي كأنك تريد بذلك تنزيل قدرها ونكران فضلها فأرني أي فكر تشرت من الأفكار المضرة أتقول أنها طهرت الخمر أو أحلت لحم الخنزير ولبس البرنيطة. . الخ. أصحاب المجلة شهد العموم بفضلهم وشكر الجميع منهجهم ولو أردت أن أعقب جميع أقوالك في تلك المقالة لأضعت كثيراً من وقتي الثمين فدع نك هكذا ترهات وأقبل على العلم الصحيح فإن وجدت اعتراضاً بوجه علمي كان لك فضل الباحثين واستعمل آداب المناظرة التي أوصيت بها غيرك وابتدأ بنفسك وتيقن أن إماتة الوقت بهكذا تمويهات لا يجديك ولا أمتك نفعاً ارشدنا الله وإياك العمل الصالح وسواء السبيل. وجاءنا أيضاً من الفاضل صاحب الإمضاء ما يأتي: اطلعنا على مقالة في جريدة المفيد عدد 682 بإمضاء سائح يصم فيها مجلة الحقائق ويسم أصحابها بما سرده من المثالب التي لا يؤيدها من الحق دليل ولا يعززها من الحس برهان بل هما يتبرآن مما استولى على مهاب مشاعره ومسارب مداركه من الأوهام التي تجافي الحقيقة وتصافي الخيال فتراه قد ضل الطريق وأخطأ المهيع وأوقع نفسه في أوهام الحيرة فقذفت به إلى متائه من التخرصات فلم ير المخلص منها إلا ابتكار أنواع السفسطات التي لو خلا بها يوماً وحكم فيها فطرته لضرب بها عرض الحائط. جرد الكاتب على هذه المجلة الإسلامية عضباً من لسانه مرهفاً وجعل يرميها بنصال من بيانه تكلفاً انتصاراً لقوم من أخلائه وأخدانه رد عليهم في مزاعم خالفوا فيها ظواهر الشرع الشريف وحاولوا إثباتها بلا تأييد من كتاب ولا سنة زعماً منه أنه بلغ في التشفي والانتقام شأواً يجعله فائزاً بالقدح المعلى عندهم حائزاً على كمال الحظوة والحفاوة لديهم. من تأمل قليلاً في مقالة هذا الكاتب يحكم بالبداهة أنه لم يضرب في العلم بسهولة فيفز بقدحه بحظ ولا سهم بل لم يخرج عن دائرة التصورات الوهمية التي لا يقصد بها إلا معاداة الشريعة ومصادمات الحق. يدعي أن الشيخ صالحاً أفندي التونسي أستاذ أصحابها وأن ما نشرته مستمداً من أفكاره على غير ذلك مما لم يحفظ ذاكرته سواه ولم تجد قريحته بأكثر مما أداه مع أنه لا أصل له يعتمد عليه ولا برهان له يركن إليه على أنهما فيما نحسب يفتخرون لمثل هذا المصلح

الكبير (وهل بدارة يا للناس من عار). رويدك أيها الكاتب لا تطلق لفكرك عنان الجولان ولعقلك حرية الجزم في الأحكام من غير روية واعتبار وتأمل واختيار فتنعق بما لا يسمع وتستصرخ فلا تجاب_كبر عليك أيها الكاتب ما دعاهم إلى القيام بواجب دينهم من الرد على المغربي وأمثاله ودحض أباطيلهم بالدلائل الثابتة في الكتاب والسنة ولم يعظم عليك ما جاء به هؤلاء المتهورون من المحاولات التي تدمغها نصوص الشرع ولا يرتضيها الحس والعيان يأباها كل مسلم طاهر الوجدان سليم الفطرة. إن كنت تجهل أيها الكاتب فضل مجلة الحقائق ولم تقدرها قدرها وتنكر مكانة اصحابها في العلم والغيرة على الدين والسعي في إيقاظ الأمة من سباتها وتنبهها من طوارق العوارض التي تقف في سبيل هداها التي تصدر ممن هو على شاكلة المغربي فليس لنا إلا أن نتمثل قول الشاعر. . ومن أين للخفاش أن يبصر الضيا ... وهل يألف الجعلان ورد الخمائل حماه غيور

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد تابع ما قبله السمع والبصر مما ثبت لواجب الوجود سبحانه من الصفات السمعية التي يجب علينا اعتقاد ثبوتها بالنقل صفة السمع وهي صفة أزلية تتعلق بجميع المسموعات وصفة البصر وهي صفة أزلية تتعلق بجميع المبصرات فلا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق، ولا يحجب سمعه بعد ولا يدفع رؤيته ظلام بسمع من غير أصمخة وآذان، ويرى من غير حدقة وأجفان، كما يعلم بغير قلب ويبطش بدون جارحة ويخلق بلا آلة إذ لا تشبه صفاته صفات المخلوقات ولا تشبه ذاته ذواتهم. والعمدة في الاستدلال على ثبوتهما الدليل النقلي فقد ورد بهما في الكتاب العزيز والسنة الشريفة قال تعالى: (وهو السميع البصير) وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري قال أبي موسى الأشعري قال صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعو سميعاً بصيراً قريباً. الكلام إن مسألة الكلام من أمهات مباحث التوحيد ودقائق مسائل العقائد كم زلت فيها أقدام وذلك بسببها أقوام وتفرقت فيها المذاهب واضطربت الآراء وكثر الجدال والنزاع بين أهل السنة وغيرهم من الفرق التي سلكت سبيل الغي وخبطت في متاهات الإلحاد. كان مبدأ ذلك في أوائل القرن الثالث من الهجرة في زمن الدولة العباسية واستمر الحال إلى أن ولي الخلافة المتوكل فأظهر بتوفيق الله السنة وأخمد البدعة وحث الناس على رواية الآثار النبوية وفاز أهل السنة بالنصر والظفر (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه). لا نقصد من بحثنا أن نشتغل بنقل المذاهب والأقوال وأدلتها وما يرد عليها بل الغاية التي ترومها والوجهة التي تؤمها هي بيان السبيل الأقوم والمنهج الراجح الأعدل ليتخذ دستوراً في العقائد وزكناً شديداًُ لنيل المقاصد فنقول: الكلام من الصفات السمعية التي يجب الاعتقاد بثبوتها لله عز وجل كما جاء به الشرع وأيده العقل وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى منزهة عن الحروف والأصوات ومنافية

للسكوت والآفة فليس كلامه يشبه كلام غيره كما أن وجوده تعالى ليس مشابهاً لوجود غيره إذ لا مشابهة بين صفات الباري وصفات مخلوقاته ثم إذا عبرت عن هذه الصفة بالعربية فقرآن وبالعبرانية فتوراة وبالسريانية فإنجيل والاختلاف في العبارات دون المسمى فالتلاوة والقراءة والكتبة حادثة والمتلو والمقروء والمكتوب قديم أي ما دلت عليه القراءة والكتابة والتلاوة كما إذ ذكر الله تعالى بالسنة متعددة ولغات مختلفة فإن الذكر حادث والمذكور قديم. وهو صفة واحدة لا تعدد فيها لكن له أقسام اعتبارية فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة أمر ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا نهي ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا خبر وبأن الطائع له الجنة وعدوان العاصي يدخل النار وعيد وهكذا. والعمدة في الاستدلال على ثبوت الكلام له عز وجل الدليل النقلي قال تعالى (وكلم الله موسى تكليماً) والأصل في الإطلاق الحقيقة وقد ثبت أن الرسل عليهم الصلاة والسلام حسبما تواتر النقل عنهم كانوا ينسبون إليه الكلام فيقولون أمر بكذا ونهى عن كذا ولا شك أن الأمر والنهي من أقسام الكلام ويؤيد ذلك البرهان العقلي وهو أنه لو لم يتصف بهذه الصفة لاتصف بضدها وهو نقص والنقص عليه محال. ولا شبهة في أن القرآن العظيم كلام الله وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن ومع ذلك ليس حالاً فيها بل هو معنى قديم قائم بذاته يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالنظم المخيل في الذهن ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال النار جوهر محرق يذكر باللفظ ويكتب بالقلم ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتاً وحرفا وبيان ذلك أن الشيء يكون له وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في العبارة ووجود في الكتابة فالكتابة تدل على العبارة وهي تدل على ما في الأذهان وهو يدل على ما في الأعيان (أي نفس الأمر) فحيث يوصف القرآن بما هو من لوازم القديم كما قولنا القرآن غير مخلوق فالمراد منه حقيقته الموجودة في نفس الأمر وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات والمحدثات يراد به الألفاظ المنطوقة والمسموعة كما في ذلك قولك قرأت نصف القرآن والمخيلة كما في قولك حفظت القرآن والأشكال المنقوشة كما في قولك يحرم على المحدث مس القرآن. فتبين أن القرآن المجيد كلام الله وأنه يطلق على معنيين أحدهما المعنى القائم بالذات

المقدسة وهذا ليس بحرف ولا صوت الثاني على اللفظ المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلاً متواتراً بمعنى أنه تعالى أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) وعلى المعنى الثاني يحمل قول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى) وحيث أن القرآن يطلق على المعنى (القائم بذاته تعالى وعلى الذي نقرأه ونتعبد بتلاوته يمتنع أن يقال القرآن مخلوق لئلا يتبادر إلى الذهن المعنى الأول. ولذلك امتنعت الأئمة الكرام كالإمام أحمد بن حنبل وسفيان وأصحاب الحديث عن القول بخلق القرآن مع أنهم كانوا من أكثر الناس علماً وأغزرهم فهماً وأكملهم عقلاً وزجروا أصحابهم في الخوض في ذلك لدقته وغموضه إذ غالب الناس لا يتفطنون للفرق بين المقروء والقرآن فخافوا من تسلط الشبيه والشكوك على أفئدتهم وتزلزل أركان عقائدهم فأمروهم بمحافظة الأمر الظاهر من غير بحث عن المعنى الحقيقي لأنه آثر في الوقاية من غوائل الزيغ وأحفظ من هبوب عواصف النزغات ولا مرية أن في ذلك مصلحة عظيمة وفائدة جليلة لصيانة العقيدة وسلامة الفطرة وأما الأئمة رضي الله عنهم فمحال أن يخفى عليهم التحقيق في هذه المسألة وبيان التفصيل فيها. المتشابهات قد ورد في القرآن العظيم كثير من المتشابه كإثبات الوجه له تعالى واليد والعين والاستواء ونحوها وقد اتفقت الرواة وتواترت الأخبار أن القرآن أنزل في عصر أرقى الأعصار عند العرب وأغزرها مادة في الفصاحة وأنه الممتاز بوفرة رجال البلاغة وسلاطين الخطاب وأنفس ما كانت العرب تتنافس فيه ثمار العقل ونتائج الذكاء والفطنة ومع ذلك لم يشتهر عنهم الاختلاف في معانيها فكانت الصحابة والسلف الصالح يؤمنون بها مع التفويض والتنزيه ثم لما ظهرت البدع وانتشرت الفتن في الدين بعد عصر الثلاثمائة وانقرضت الصحابة والتابعون كثر الكلام في الأوصاف بين أهل الإسلام ولم يرضوا مذهب السلف في صرف اللفظ عن ظاهره والتوقف عن تعيين المعنى المراد وذهبوا في رأيهم كل مذهب. . عمدت طائفة من أهل السنة إلى تأويل المتشابه وصرفه عن ظاهره المتبادر إلينا لئلا يحتج المبتدعة على مذاهبهم الفاسدة فكان تأويلهم ليدفعوا حجج الخصوم فيما استدلوا

عليه من الزيغ لا ليعتقدوا أن ذلك التأويل هو المراد لله تعالى ومن عرف التأويل لم يحتج إلى الإنكار عليهم فإن صرف اللفظ إلى معنى من المعاني مع عدم القطع بأنه مراد من اللفظ على أن التأويل منقول عن بعض السلف أيضاً حتى نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه وأنا ممن يعلم تأويله لكن عامة السلف كانوا يسكتون عن معناه ويعدون السؤال عنه بدعة ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن مععنى قوله (الرحمن على العرش استوى) الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب ومن أنعم النظر يرى أنه لا خلاف بين السلف والخلف في صحة إطلاق المتشابه عليه تعالى على المعنى الذي يليق به وإنما الخلاف في صرف ذلك المتشابه إلى معنى من المعاني مما يحتمله ذلك اللفظ مع عدم القطع به وهو مذهب الخلف وهو الأحكم لأن فيه زيادة على مذهب السلف باعتبار فهم معنى وتسليم بقية المعاني المحتملة إلى الشارع فهو تسليم وزيادة والسلف كان مذهبهم التسليم فقط من غير فهم من محتملات اللفظ وهو الأسلم وحيث أجمع السلف والخلف على صحة الإطلاق فنؤمن ونعتقد أن له تعالى روحاً ونفساً وعيناً ويداً ووجهاً وغضباً ورضا وكلاماً على غير ذلك مما أطلق على الله تعالى في القرآن والسنة من المتشابه مع تنزيهه سبحانه عن المعاني الحقيقية لتلك الألفاظ. (يتبع)

الدين النصيحة

الدين النصيحة تحريم المتعة تابع لما جاء في الجزء العاشر ص 363 الثاني مما استدل به مؤلف الرسالة على ما زعمه من حل المتعة ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وذكر مؤلف الرسالة غير هذا من الأحاديث التي تقاربه في المعنى وزعم أنها متواترة. . والجواب على ذلك أولاً: أن الأحاديث التي ذكرها ليست متواترة كما ادعى أن للمتوتر شروط لم تتوفر إلا في بعض أحاديث معروفة كما هو مقرر في محلة وليس ما ذكره منها. وثانياً: أن ما نقله عن البخاري من أن ابن مسعود قرأ (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل اله لكم) الآية لا يفيده شيئاً إذ الحديث المذكور لم يذكروه في معرض الاستدلال على حل المتعة كما أوهمه صنيع مؤلف الرسالة بل أورده البخاري في باب ما يكره من. . . . . والآية المذكورة إنما وردت في نهي المؤمنين عن الخصاء وعن تحريم ما أحل لهم من الطيبات قال القسطلاني قال الراغب لما ذكر الله تعالى حلال الذين قالوا أنا نصارى ذكر منهم قسيسين ورهباناً فمدحهم بذلك كانت الرهبانية قد حرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم ورأى الله قوماً تشوقوا إلى حالهم وهموا أن يقتدوا بهم فنهاهم عن ذلك. ثالثاً: إن الأحاديث التي ساقها مؤلف الرسالة لا يصلح له أن يستدل بها على مدعاه لأن غاية ما يفهم منها أن المتعة كانت مباحة في أول افسلام ونحن لا ننكره بل نقول قد نسخ جميع ذلك بما صح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الشريفة روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً وفي صحيح البخاري في باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخراً قال وبينه (أي حكم المتعة) علي عن

لنبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ وروى مسلم أيضاً عن أبي نصرة قال كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما أه. وليس لقائل أن يقول أن هذا الحديث مصرح بأن النهي إنما كان من عمر رضي الله عنه لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا نقول أن عمر رضي الله عنه لم ينه عن ذلك من تلقاء نفسه بل إنما بين نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة كما جاء في التصريح بذلك في بعض الروايات روى ابن ماجة في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب بالناس فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها والله لا أعلم أحد يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد إذا حرمها أه. ويؤيد ذلك ما في صحيح مسلم أيضاً عن سلمة عن أبيه قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها وفي صحيح مسلم أيضاً عن الربيع بن سبرة أنه قال أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة وذكر الحديث إلى أن قال فمكثت معها ثلاثاً ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بها فليخل سبيلها وفي صحيح مسلم من طريق آخر عن سبرة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً بين الركن والباب وهو يقول بمثل الحديث المتقدم وفي صحي مسلم أيضاً من سند آخر عن سبرة رضي الله عنه قال في آخره فكن معنا ثلاثاً ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن وفي صحيح مسلم أيضاً عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه بينا هو جالس عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري مهلاً قال ما هي والله لفقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن أبي عمرة أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها أه. والظاهر أن الرجل الذي أفتى بها في هذا الحديث هو ابن عباس رضي الله عنهما على ما يظهر من تصريح النووي في الكلام على الحديث الذي ذكره مسلم قبل هذا الحديث ويظهر من سكوت ابن عباس كما أفاده الحديث المذكور أنه رضي الله عنه رجع إلى تحريمها

بدليل أنه لم يرد على ابن أبي عمرة كلامه بل سلمه له وفي صحيح مسلم أيضاً ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال ألا أنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة أه. وسنستوفي الكلام على ما بحثه مؤلف الرسالة ونبين أن ما أتى به من التمويه والسفسطة لا يغنيه من الحق شيئاً وإذا جاء الحق زهق الباطل وأن الباطل كان زهوقاً. (الثالث) وهو آخر الأدلة لمؤلف الرسالة ادعاؤه إجماع المؤمنين قال أنهم أجمعوا على مشروعيتها وإن اختلفوا في نسخها والجواب أن ادعاءه إجماع المسلمين على مشروعيتها غير مسلم إذ لم يقل به أحد ولأن جميع متن نقل الرخصة فيها في أول الإسلام للضرورة قائل بتحريمها إلا ابن عباس في إحدى الروايتين عنه ولا يعقل أن ينسب حلها لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على انفراده فضلاً عن إجماعهم بعد أن صرحوا بتحريمها وبينوا أنها منسوخة بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها آخراً وتحريمها تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة بل إنا نقول قد وقع الإجماع على تحريم المتعة كما نقله غير واحد قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم نقلاً عن القاضي عياض وأقره قد وقع الإجماع على تحريم المتعة من جميع العلماء ولم يخالف ذلك إلا الروافض. وقال الإمام الزرقاني في شرح الموطأ ما خلاصته أن الخلاف في تحريم المتعة إنما كان في الصدر الأول وأما بعد ذلك فقد وقع الإجماع على تحريمها. وكذلك نقل الإمام القسطلاني في شرح البخاري في بابنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أنه وقع الإجماع على تحريمها. ويؤيد ذلك ما صح عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجع عن حلها إلى تحريمها روى الترمذي في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إنما كانت المتعة في أول الإسلام حتى نزلت الآية (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن عباس فكل فرج سواهما فهو حرام أه. فمن أين لمؤلف الرسالة أن يزعم الإجماع على حلها مع أنه لم ينقل عن أحد أنه قال بذلك لا في الصدر الأول ولا بعده بل ثبت كما بيناه أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا في الصدر الأول مختلفين في تحريم المتعة لأن النسخ حينئذ لم يكن قد بلغ جميعهم وأما بعد

ذلك فقد اشتهر النسخ فيما بينهم ولذلك وقع الإجماع على تحريمها. ومستنده ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم المتعة تحريماً مؤبداً على يوم القيامة فوجب الأخذ به ولا يحل لمؤمن أن يعلو على خلافه. وقال مؤلف الرسالة أن سهولة الشريعة تقضي بعدم نسخ المتعة لأنها شرعت تسهيلاً على العباد وصيانة لهم عن الزنا ولولا المنع منها ما كانت ديار المومسات مشهورة في مدن الإسلام العظام الخ أه. ونقول كيف يحل لمؤمن أن يقول هذا بعد ثبوت نهي صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم عن المتعة مع أن النكاح فيه الصيانة عن الزنا والمتعة وهو من أسهل الأمور ومن أعظم الأسباب لحفظ شرف العالم الإنساني وينبني عليه من دعائم العمران وروابط الاجتماع ما لا يوجد في غيره والمتعة لا يقصد بها إلا قضاء الشهوة، فلو بقيت مباحة لضاعت الأنساب وفسدت التربية والأخلاق، فالشريعة المطهرة التي يتوقف عليها انتظام العالم اقتضت نسخ هذا الحكم الذي لو بقي مباحاً لتلاشى بسببه أمر النكاح وتقوض نظام العائلات، وأما فشو الزنا في هذه الأزمنة فليس سببه المنع من المتعة كما زعمه مؤلف الرسالة بل إنما فشا ذلك ونحوه كشرب الخمر من إهمال الحدود التي شرعها الله لحفظ آداب دينه وقمع الأشرار الأراذل عن تلك الأمور المضرة بالعباد والبلاد ولا ينكر هذا إلا مكابر إذا كثير ممن لهم أزواج يأتون هذا المنكر وهم في غنى عنه. وقد ذكر مؤلف الرسالة بعض الأحاديث الدالة على تحريم المتعة تحريماً مؤبداً وأجاب عليها بما لا يسمن ولا يغني عن جوع وحاول أن يطعن في صحتها فلم يستطع فعمد إلى التدليس والافتراء وتوهم أن هذا الأمر يثبت مزاعمه وهيهات أن يقوى الباطل على مصادمة الحق وها نحن نأتي على تفنيد ما أتى به من الترهات والأكاذيب مؤيدين كلامنا بالبرهين لا بالسفسطات الواهية. نقل مؤلف الرسالة بعد أن ذكر حديثاً من سنن النسائي أن السندي قال في الحاشية وكأن ابن عباس لم يلتفت إلى النهي يوم خيبر لما ثبت عنده من الرخصة في أيام الفتح. ونقول أن السندي قد استدرك على الجملة المذكورة بقول_لكن قد ثبت النسخ بعد ذلك نسخاً مؤبداً وهذا ظاهر لمن يتتبع الأحاديث أه كلام السندي رحمه الله فنقل بعض الجملة عنه وترك

بعضها الآخر يعد تدليساً في النقل وخيانة في العلم. ثم بعد أن ساق مؤلف الرسالة جملة من الأحاديث المروية في تحريم المتعة قال ومنها ما رووه عن عمر في تحريمها مع إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبدونه ثم زعم أنه قدج اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه خطب الناس فقال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحرمهما الخ. . قال وممن روا الإمام الرازي في تفسيره ثم أجاب مؤلف الرسالة عن الأحاديث التي وردت في التحريم بقوله أما ما أسند فيه التحريم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه بالاتفاق وأما بقية الأخبار فالجواب عنه: أولاً: أنها لا تصلح حجة على الشيعة لأنها من طريق أهل السنة. ثانياً: إنها معارضة بما ورد في صحيح مسلم أن بعض الصحابة استمتع على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. والقول بأن هذا محمول على أن الذي استمتع في عهدهما لم يبلغه النسخ تكلف غير مسموع فإن مثل ذلك لم يكن ليخفى على مثل جابر وعمروا وهما من أكابر الصحابة وموجودان دائماً في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمر إن ابن حصين رضي الله عنه أن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء ثم قال مؤلف الرسالة وفي الروضة عن صحيح الترمذي أن رجلاً من أهل الشام سأل عمر عن متعة النساء فقال هي حلال فقال إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر أرايت إن كان أبي قد نهى عنها وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنترك السنة ونتبع قول أبي أه. وثالثاً: أنها مضطربة متعارضة وتعارضها من وجوه الأول اختلافها في تاريخ الإباحة والنسخ الخ ما قاله. ونقول: أما ما نقله عن الإمام الرازي في تفسيره فهو كذب وبهتان فإن الرازي رحمه الله لم ينقل عن سيدنا عمر أنه قال أحرمهما بل قال عنه قال أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما أه. والفرق بين النهي والتحريم ظاهر فإن النهي من غير المشرع صلى الله عليه وسلم إنما يراد به الزجر والكف عن أمر ثبت تحريمه في الدين وليس في الإسلام حكم إلا لله ورسوله كما هو مقرر ومن الغريب أن ينقل مؤلف الرسالة أحاديث من غير مصادرها المعروفة ثم يستدل بها على مزاعمه فإن الفخر الرازي ليس من المحدثين ولم يسند لأحد

منهم. وأما قول مؤلف الرسالة أن الأحاديث التي وردت في التحريم لا تصلح حجة على الشيعة لأنها عن طريق أهل السنة الخ فهو من خرافات الروافض وغلوهم وعجيب من مؤلف الرسالة أن يتفوه بذلك من غير استحياء من الله عز وجل ولا مبالاة بعقابه فإن هذا لكلام مبني على مذهب باطل فاسد قد نقله الألوسي رحمه الله في رسالته المعروفة بالأجوبة العراقية وبين أن القائلين به يلزمهم أن لا يصح لهم دين البتة لأنهم بنو هذا المذهب على أن الصحابة وحاشاهم من ذلك قد ارتدوا كلهم إلا أربعة أو ستة وهم يزعمون أن هؤلاء الأربعة والستة هم المعصومون الذين لا يصح لأحد لأن يحتج إلا بكلامهم وفي ذلك صور صريح لأن الخبر لا يقبل إلا من المعصوم على زعمهم. والعصمة لا تثبت لأحد بعينه إلا بخبر المعصوم فقد توقف قبول الخبر على ثبوت العصمة وثبوت العصمة متوقف على قبول الخبر فلزم الدور وهو باطل وكل ما أدى إلى باطل يكون باطلاً ويحسن بنا في هذا المقام أن ننقل شيئاً مما نقله الشهاب الألوسي في رسالته قال رحمه الله ما خلاصته: أعلم أن أهل السنة إلا من شذ أجمعوا على أن جميع الصحابة عدول يجب على الأمة تعظيمهم فقد أخلصوا الأعمال من الرياء واجتهدوا في الطاعة وغضوا أبصارهم عن الشهوات. ومن ارتكب منهم ما يخالف بعض هذه الأوصاف لم يمت إلا وهو أنقى من ليلة الصدر غير مدنس بوصمة ولا مصر على سيئة. فعدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله تعالى لهم وأخباره عن طهارتهم واختياره لهم ومن سبر الآيات والأخبار والسير والآثار وجد أن الله تعالى قد عدلهم وأعدلهم من الكرامة ما أعد لهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى له إلى تعديل أحد من الخلق ولو لم يرد من الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرتهم الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم وهذا مذهب كافة العلماء ممن يعتمد قوله فإذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق والقرآن حق وما جاء به حق وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة رضي الله عنهم والمنتقصون لهم يريدون أ، يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وقد ذهبت الشيعة إلى أن أكثر الصحابة غير عدول بل روى سليم بن قيس الهلالي

منهم في كتاب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس عن أمير المؤمنين وعن غير واحد عن الصادق أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عن الصادق إلا ستة وسبب ارتدادهم زعمهم تقديمهم أبا بكر رضي الله عنه على علي كرم الله وجهه في الخلافة وزعموا أن الخلافة أخت النبوة ولا فرق بيننا في النبوة عن النبي صلى الله عليه وسلم ونا في الخلافة عن علي كرم الله وجهه من أن كلا منهما كافر وكذا لا فرق بين الإخلال بشأن النبي عليه الصلاة والسلام والإخلال بشأن الأمير كرم الله وجهه في أن كلا منهما كفر وقد جحد الجميع وأخلوا إلا الربعة أو الستة بشأنه رضي الله عنه فكفروا والعياذ بالله تعالى ولا يخفى أن هذا المذهب في غاية البطلان ونهاية الفساد لأنه يلزم عليه عدم إمكان إثبات مطلب ما من المطالب الدينية لأن الأدلة عندهم أربعة كتاب وخبر واجتماع وعقل أما الكتاب فنقلته هم الصحابة المرتدون بزعمهم وحاشاهم وأما الخبر فحاله عندهم أشهر من نار على علم. . تأمل_وهو أيضاً لا بد له من ناقل فهو إما من الشيعة أو من غيرهم ولا اعتبار لغيرهم عندهم أصلاً لأن منتهى وسائطهم في رواياتهم المرتدون على زعمهم وأما الشيعة فيقال لهم كون الخبر حجة أما لأنه قول المعصوم أو وصل بواسطة المعصوم الآخر وعصمة أحد بعينه لا تثبت إلا بخبر لأن الكتاب ساكت على ذلك ومع هذا لا يصح التمسك به والعقل عاجز والمعجزة على تقدير الصدور أيضاً موقوفة على الخبر لأن مشاهدي التحدي ورؤية المعجزة لم تتيسر للكل والإجماع إنما يكون أيضاً حجة بدخول المعصوم مع أن في نقل إجماع الغائبين لا بد من الخبر وفي إثبات عصمة رجل بعينه بخبره أو بخبر المعصوم الآخر الذي وصل الخبر بواسطته دور صريح وأيضاً كون الخبر حجة متوقف على نبوة نبي أو إمامة إمام وإذا لم يثبت بعد أصله كيف يثبت هو والتواتر ساقط عن حيز الاعتبار عندهم وخبر الآحاد غير معتبر في هذه المطالب بالإجماع وأما الإجماع فبطلانه أظهر لأنه ثبوته فرع ثبوت الشرع وإذا لم يثبت الأصل لا يثبت الفرع وأيضاً كون الإجماع حجة عندهم ليس بالأصالة بل لكون قول المعصوم في ضمنه وثبوت المعصوم قد علم حاله وأيضاً دخول المعصوم في الإجماع لا يثبت إلا بالخبر وقد مر آنفاً ما فيه. وأما العقل فالتمسك به إما في الشرعيات أو في غيرها أما في الشرعيات فيرجع الأمر إلى القياس وهم لا يقولون حجيته وأما في غيرها فيتوقف تجريده من شوائب

الوهم والألف والعادة والاحتراز على الخطأ في الترتيب ونحو والعلم بخلوصه مما يخل يتوقف على مرشد معصوم كنبي وإمام يحكم بذلك ولا يمكن أن يكون الحاكم العقل إذ يعود لكلام في خلوص حكمه عما ذكر على أن الكلام في الأمور الدينية لا غير والعقل الصرف عاجز عن معرفتها تفصيلاً نعم يمكن للعقل ذلك إذا كان مستمداً من الشريعة كأن يكون أصل الحكم مأخوذاً من الشارع فحينئذ يقاس عليه ولما كان القياس باطلاً عند هذه الفرقة تعذرت تلك المعرفة وبطل حكم العقل وقد يقال أنهم لو التزموا صحة القياس لا يجديهم نفعاً لأنه يبقى الكلام في طريق ثبوت الحكم في الأصل المقيس عليه وقد انسد عليهم كل طريق كما لا يخفى والحاصل أن القول بارتداد كل الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أو ستة مع ما ورد فيهم وعنهم ولهم مما لا يقدم عليه أحد ممن يؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واليوم الآخر ولشناعة هذا القول وبطلانه عدل عنه بعض الشيعة زاعماً ارتداد كبار الصحابة وعلمائهم فقط كأبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله تعالى عنهما ولا يخفى أنه من البطلان بمكان أيضاً لما فيه من تكذيب الآيات الدالة على أنهم أفضل المؤمنين وأنه سبحانه قد رضي عنهم وقد رضوا عنه ومنزلة الرضا غاية قصد العابدين والحق الحقيق بالقبول أن القوم رضي الله عنهم كانوا على غاية من الكمال والاتباع لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويشهد لذلك حسن معاملة الأمير كرم الله وجهه للخليفتين الأولين والامتثال لأمرهما والنصح لهما والأدب معهما والصلاة وراءهما والثناء عليهما والرضا عنهما في حياتهما وبعد موتهما فقد روى الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الشيعي في آخر كتابه طوق الحمامة في مباحث الإمامة عن سويد بن غفلة أنه قال مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فأخبرت علياً كرم الله وجهه وقلت لولا أنهم يرونك تضمر ما أعلنوا ما اجترؤا على ذلك فقال نعوذ بالله سبحانه من ذلك رحمهما الله تعالى ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته فجعلت دموعه تتحدر عليها وجعل ينظر للبقاع حتى اجتمع الناس ثم خطب فقال ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وأنا بريء مما يذكرون وعليه معاقب صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم للوفاء والجد في أمر الله تعالى يأمران وينهيان

ويعاقبان لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهما رأياً ولا يحب كحبهما حباً لما يرى في عزمهما في الله عز وجل فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهما الله تعالى فوالله الذي خلق الحب وبرأ النسمة لا يحبهما غلا مؤمن فاضل ولا يبغضهما إلا شقي مارق وحبهما قرب وبغضهما مود إلى آخر الحديث وفي رواية لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل فانظر وفقك الله تعالى هذا المدح العظيم من الأمير كرم الله وجهه على منبر الكوفة ومقر الخلافة الذي يجعل التقية كرماد اشتدت به الريح هل يبقى معه القول بارتدادهما والعياذ بالله تعالى وارتداد أتباعهما سبحانك هذا بهتان عظيم أه ما أردنا نقله من رسالة الألوسي وفيه البلاغ للمنصف الذي لا يتعصب لغير الحق وأما قول مؤلف الرسالة أن أحاديث التحريم معارضة بما في صحي مسلم من تمتع جابر رضي الله عنه على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فنجيب عنه بما قاله محققوا علماء السنة من أن فاعل ذلك محمول فعله على عدم علمه بالنسخ ويؤيده التصريخ في الرواية المذكورة في صحيح مسلم أن جابراً رضي الله عنه قال كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق للأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حتى نهى عنهما عمر في شأن عمر وبن حريث وفي رواية أن جابراً رضي الله عنه أتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما أه. وجابر رضي الله عنه أجل من أن يسمع ذلك من عمر رضي الله عنه ثم يقره عليه من غير أن يكون علم يومئذ أن نكاح المتعة ثبت نسخه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصريح جابر بعدم عودته للمتعة دليل واضح لما ذكرنا والصحابة والذين رووا التحريم عن رسول الله كانوا كثيري الملازمة له عليه الصلاة والسلام. على أن من حفظ حجة على من لم يحفظ لتقدم المثبت على النافي كما هو مقرر ونحن لا نسلم أن جابراً وعمراً كانا موجودين دائماً في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم إذ هذه الجملة قضية دائمة مطلقة وهي لا تصح إلا بعد تحقق ثبوت المحمول للموضع ما دامت ذات الموضوع. ومن البديهي أن جابراً وعمراً كانا ينصرفان عنه وقت النوم والأكل ونحو ذلك بل من أين لمؤلف الرسالة

أن يثبت وجودهما في جميع المواطن التي كان صلى الله عليه وسلم يقيم بها والغزوات التي سافر فيها. وأما ما نقله عن الفخر الرازي أنه روى عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال أن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها الخ فإنا لم نجده في شيء من كتب الحديث المعروفة والفخر ليس من المحدثين كما قدمنا بل الذي ثبت في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال نزلت آية المتعة في كتاب الله يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج. الحديث. فأنت ترى أن الحديث المذكور فيه التصريح بأن ذلك إنما هو متعة الحج لا في متعة النساء. وبينهما فرق ظاهر. وسيأتي الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث من أحكام متعة الحج.

نصيحة لليمانيين

نصيحة لليمانيين عن الأستانة بقلك العلم العلامة المصلح الكبير السيد صالح أفندي الشريف واعتصموا بحبل الله جميعاً وال تفرقوا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. أخواننا المحترمين اليمانيين أهل الحكمة والتقوى والدين، بناء على ما أنتم عليه معروفون به من الرقة وطهارة الوجدان والكمال جئتكم بهذه السطر قياماً بواجب نصيحة الإسلام لله ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم عملاً بقول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وبقوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة) جازماً بأنه ينطبق عليكم انطباقاً قول الله تعالى (فبشر عبادي الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) أخواننا المحترمين لكم جميع تعلمون ما حل بالأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها من استيلاء العدو عليها وشده على خناقها وعبثه بدينها ومحوه لعلومها وعمله على رفع القرآن العظيم من بين أيديها وإفساده لأخلاق صبيانها ونسائها والحيلولة بينها وبين كل كمال يرقي عقلها أو يزكي نفسها أو يطهر وجدانها أو يكسبها حظاً من حظوظ الدنيا والآخرة واستئثاره بأسباب الثروة من الفلاحة والصناعة والتجارة وبإدارة الشئون العامة كلها من عسكرية وسياسية وقبضه غصباً على كرائم الأرض وإجلائه المسلمين إلى الكهوف والجبال القحلة إلى غير ذلك من التسلط على كل حق بشري للمسلمين ومحو كل قوة أدبية ومادية لهم وجعلهم عبيد فلاحة يباعون ويشترون مع الأرض مثل البغال والحمير والبقر ولا ذنب لهم سوى كونهم مسلمين انخدعوا ووقعوا في شرك العدو المتسلط. إن هاته الحالة المدهشة للعقول المفتتة للأكباد قد ابتدأت من الأندلس وأفضت بأهلها إلى ما هو معلوم وحلت بما يقرب من تسعة أعشار المسلمين بعد ذلك وكل فرقة من العدو قابضة على طائفة من المسلمين تجد بها السير ليلاً ونهاراً لتبلغها إلى أسفل مما بلغت إليه الأمة

الأندلسية بيد الإسبانيول الذي كان يدعو لمجرد الدين المسيحي فمن اعتنق الدين المسيحي كانت له الحقوق المدنية أما هؤلاء المتسلطون في هذا الوقت فإن دينهم هو لهم واستئثارهم ولا قيمة للأديان عندهم ويعاملون من عاداهم معاملة الوحوش ولو ترك المسلم دينه وتجنس بجنسهم فلا يرونه أهلاً للحقوق المدنية وبذلك يخسر الدنيا والآخرة. هذه حقائق راهنة يعلمها من حلت به من المسلمين ومن أتيح له فدخل بلاد الإسلام المقهورة للأجنبي. أخواننا المحترمين أن هذه الحالة المزعجة المذهلة للعقول الحالة بغالب الإسلام قد اتفق العدو على تعميمها ومحو البقية الباقية من العالم الإسلامي بها وهناك الطامة الكبرى على الدين والملة والبلاء المعمم على هذه الأمة الأسيفة التي أهملت دينها ورأيها وخربت بيتها بيدها وسلمت مقاليدها عفواً لعدوها. أخواننا المحترمين إن الشرك الذي نصوبه لنا ووقع غالبنا بأيديهم بسببه شيء واحد وهو شقاقنا لبعضنا وسوء التفاهم بيننا وعدم النظر في العواقب والغفلة عن مكر العدو وحيله وما يقصده منا والجهل بالحقائق حتى بأنفسنا وضعفنا أمام العدو وقوته واستعداده واغتنامه الفرص فينا هذا كله وإلى الآن ما تيقظنا وأخذنا حذرنا. أخواننا المحترمين هيا بنا لنتفاهم في أسباب سوء التفاهم بين أمتين مسلمتين يتطاحنان بالصواعق المحرقة والعدو من جميع الجهات متحفز منتظر الفرصة للوثوب عليهما في وقت كان من أول الواجبات على كل المسلمين سيما من بقي فيهم رمق من الحياة مثلنا معاشر العثمانيين ن يتركوا كل ما يشم منه رائحة الخلاف وأن يأخذ كل واحد منهم جماعات ووحدانا بعضد أخيه وأن يغضوا الطرف عن كل حق شخصي بينهم ويتسامحوا ويتساهلوا مع لبعضهم وأن يتركوا كل مطمع وكل حب رياسة ويلتفوا على مقام الخلافة مقام البقية الباقية من قوة الإسلام وعزته ومنعته ومهابته ليكون سداً منيعاً أمام هجمات الأعداء الذين قد تم اتحادهم علينا وتراضوا في اقتسامهم لتراثنا. أخواننا المحترمين إن إشهار السلاح منكم على قلب الإسلام ومعقله الوحيد في هذا الزمان الحرج الذي ما رأى الإسلام أحرج منه ماذا تقصدون به يا ترى إن ما يمكن أن يتصور من الأسباب الحاملة لكم على فعلكم هذا أمور أربعة الطمع في الرياسة وحب المال والرغبة في إقامة الشريعة المطهرة والخلاص من ظلم المأمورين.

فأما السبب الأول والثاني فإني مع كوني بحسب كمالكم وتيقظكم أنزه وجدانكم وعقلكم وحكمتكم وغيرتكم على الإسلام عنهما أقول لكم أخواننا الأعزاء اعتبروا فيمن هم أشد منكم قوة وآثاراً على الأرض وأغزر عرفاناً وأكثر عدداً وأكمل عدداً فقد اغتروا مثل اغتراركم وطمعوا مثل طمعكم فما سلموا حتى ودعوا وما تم لهم السعي المدسوس في الانفصال عن الدولة العلية حتى التقمهم العدو وحاق بهم وبزعمائهم الشقاء الأبدي ولا نذهب بالتاريخ بعيداً بل نلتفت أدنى التفاتة إلى مصر والجزائر وتونس وها هي مراكش بين فرانسا وإسبانيا في حالة نزع ولا سبب لذلك سوى الطمع في الرياسة وحب المال على أن زعيمكم أخواننا الأعزاء تكفيه رتبته الأدبية التي حصل عليها في نظركم ونظر الدولة والعموم فإنها عند الله وعند الناس أكبر من كل رياسة لأنها توجب أن رؤساء السياسة يخدمونه ويمتثلون أمره ويهتدون بهديه وتصلح به العباد والبلاد وتفاض عليه النعم الدنيوية والأخروية ويكسب بذلك رضا الله والالتفاف التام من خلق الله وأما إن كان إشهاركم السيف وهجومكم على سفك دماء المسلمين وركوبكم هذا المركب الوعر ديناً ودنيا تتقصدون به دفع الظلم عنكم وإقامة الشريعة المطهرة بينكم وهذان هما السببان الثالث والرابع فاعملوا يا أخواننا الأعزاء أن دار الخلافة في هذا الوقت أول بلاد الله في الإسلام يقام بها دين الإسلام وأن سلطنة آل عثمان هي السلطنة الوحيدة المحافظة على شعائر الإسلام وهاكم البيان أن الصلاة التي هي عماد الدين مقامة بدار الخلافة بأبهى معناها وأن الجماعات والجمع محافظ عليها تمام المحافظة ولن تذهب مائة خطوة في الغالب إلا وتجد جامعاً أو مسجداً مقاماً حساً ومعنى ولن تدخل إلى جامع في وقت من الصلوت إلا وتجده عامراً بكل طبقات الأمة من الصبيان والشبان والكهول والشيوخ ورجال السياسة ورجال الجهلاد ورجال العلم وعامة الناس من الذوات والتجار وغيرهم ترى الضابط من فريق فما دون يدخل وقت الصلاة إلى الجامع بسيفه وأوسمته التي تمثل منه رجلاً عزيز الجانب قوياًَ متيناً كالأسد الكاسر أمام العدو فينزع ذلك ويضعه أمامه ويندمج في أخوانه المسلمين بغاية التذلل والخضوع قابضاً يديه مستقبلاً القبلة معترفاً بتمام الذل والعبودية والفقر ممثلاً في عينيه قوله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) (أربع أسطر غير واضحة صفحة422)

وحديث سيد ولد عدنان في مقر الخلافة لا يوجد لها نظير فيما سمعنا ورأينا إن إقامة موسم الحج لولا دار الخلافة ما كان وها هي أوروبا تحاربه حرباً عواناً من جهة بمنع من قضي عليه فوقع تحت نيرها والبدو يعبثون به من جهة ثانية إن كلمة التوحيد مقامة على كل المنارات والمنابر وعلى أعلام الجهاد في سبيل الله إن الجيش مستعد بكل ما في وسعه حسب الشريعة المطهرة فمن بينه الصلحاء والفضلاء وأرباب الغيرة والوجدان الطاهر والقصد ومن بينه أرباب العمائم من الفتيين والأئمة والخطباء والوعاظ إن باب المشيخة مفتوح لكل الحقوق الشرعية ولا يعقد عقداً ولا يحله إلا حسب الشريعة المطهرة وبإشارة باب الفتوى القائمة به رجل من أهل العلم والتقوى والصلابة في الدين الذين لا تأخذهم فيه لومة لائم إن دروس العلم مقامة وأن التكايا عامرة وأن شكل الحكومة على العموم شكل حكومة إسلامية متدينة سالكة مسلك أهل السنة والجماعة وقائمة بواجبات خلافة الإسلام في هذا الزمان بقدر الاستطاعة. نعم يوجد بعض الأفراد الجهلاء الفاسقين أو المارقين يوجد بعض الظلمة المتغلبة عليهم شهواتهم ومطامعهم الشخصية الأمر الذي لا تنجو منه أمة ولا بلدة بل ربما ولا قرية فهل يسوغ لنا شرعاً وعقلاً وحكمة أن نحمل وزرهم للأمة قاطبة المعدودة بالملايين والله جلت قدرته يقول (لا تزر وازرة وزر أخرى) ثم نقول هل منعنا بسبب هذه الأفراد المنحرفة من صلاتنا هل منعنا من جماعتنا وجمعنا هل منعنا من زكاة هل منعنا من صومنا وحجنا وإشهارنا الكلمة جامعتنا هل أفسدت أنكحتنا هل انتهكت مواريثنا هل ألزمنا على الخنا والفسوق وترك الدين منا كلا ثم كلا بل الشعائر محفوظة والقائم بها والمحافظ عليها معزز ومكرم من البر والفاجر ثم نقول هل يعد ما تأخذه الدولة من الضرائب منكم لسد الثغور وبناء الأساطيل وإعداد المعدات وصد الهجمات وتأمين الطرقات وتنظيم الشؤون والذي عن حوزتكم وحوزتها وصون بيضة الإسلام من الآفات ظلماً وهو أمر يقتضيه الشرع والعقل والعمران والأمم المتمدنة تكلفها دولها أضعاف ما تكلفنا به دولتنا وكلهم لا يحركون بذلك حراكاً بل يعطونه عن طيب نفس لعلمهم بواجب وطنهم وملتهم ولمعرفتهم لقيمة محيطهن وبعد نظرهم في عواقب الأمور ثم نقول هل سدت طرق طلب الشريعة ورفع الظلم ولم يبق إلا إشهار السيف والله يقول (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ثم نقول هل أباح لنا الشرع والعقل

والسياسة والحمية والرأفة بالإسلام والمحافظة على دينه وناموسه وحريمه وذراريه أنا بسبب ظلم مأمور جاهل أو فسقه أو كفره نحمل المسلمين على شق عصا الطاعة وتعرضها لسفك الدماء وتلف الأرواح والأموات ويتم الصبيان وترميل النساء وهلاك الحرث والنسل وتعريض الدولة للمشاكال وتعريض أنفسكم لالتقام العدو هل ما ارتكبتموه أخف الضررين الواجب ارتكابه شرعاً وعقلاً هل ما ارتكبتموه هو طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشروط بإجماع الأديان والعقلاء أن لا يكون بطريقة تؤدي إلى ما هو أوخم من الحال الحاضرة إني أكل جواب ذلك لدينكم وأمانتكم وحكمتكم وإلى العالم الإسلامي المعرض للاضمحلال بأمثال هذه الحركات بين أخوانه. أخواننا الأعزاء في دين الله أتوسل عليكم بالله وبرسول الله وبدين الله وبكتاب الله وبوجدانكم الطاهر أن تتيقظوا وتفيقوا من غفلتكم ولا تطعنوا قلوبكم وقلوب أخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأيديكم. أخواننا إن دولتنا العلية وأمتنا العثمانية هي البقية الباقية من الإسلام وهي بمثابة القلب منه وكل أخوانكم المغلوبين على أمرهم للعدو ينظرون إليهم ويعلقون كل آمالهم عليهم وأن العدو ما أخر الإجهاز النهائي على دينهم وإدماجهم في اسفل طبقة منه إلا خوفاً واحتراماً لكم معاشر العثمانيين وها هو كلما رأى ضعفاً فيكم واشتغالاً بداخلكم اتخذ ذلك فرصة وأسرع في القضاء على أخوانكم تعساء الحظ من جهة وبادر إلى نقصكم من أطرافكم وإحكام التدخل في شئونكم من جهة أخرى أخواننا لاتغتروا بكثرة عددكم فلستم بأكثر من الهند ولا تغتروا بمعلوماتكم فلستم بأكثر معلومات من مصر ولا تغتروا ببأسكم وشجاعتكم ووعورة بلادكم وتمسككم بدينكم فلستم بأشد من الجزائر وتونس ومراكش أخواننا إن القسمة النهائية قد تمت وإنكم في حصة أردء خلق الله وأوحش خلق الله وأخبث خلق الله وحوادث الجديدة تنبئكم عمن هو متحفز للوثوب عليكم وإذا تمكن منك لا قدر اللع سيمزق أحشاءكم ويعبث بدينكم ويهتك عرضكم وحريمكم ويحكم حفظكم الله والمسلمون من كل سوء نعم إن كنتم قد بلغتم عن دار الخلافة سواء من حيث الدين أو من حيث السياسة بأخبار مدسوسة أو غاش صاحب أغراض شخصية أو جاهل فعليكم بالتثبت والعمل بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم

نادمين) واعلموا أن الغلط في مثل هذا الباب ليس بالسهل وها مبعوثوكم يخبرونكم بالحقيقة ويبلغونكم ما تقصدون من الحقوق المشروعة المنطبعة على الزمان فلتكونوا أخواننا الأعزاء عاملين بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم) ولنكن يداً واحدة لجمع كلمة الإسلام على دار الخلافة ورفع الغش منهم وإرشادهم بالحكمة آمرهم ومأمورهم عالمهم وجاهلهم ولنترك هذا الشقاق ولنرجع إلى خدمة جامعة الإسلام التي هي في الحقيقة دار الخلافة متمسكين بديننا طالبين حقوقنا بالأوجه المشروعة آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر بالحكمة ذلك هو طريق النجاح والفلاح لكم وللإسلام قاطبة والسلام الأتم من أخ شفوق متفتت الكبد على الإسلام وما حل به مجرب في نفسه مشاهد بعينه ولله فينا وفيكم علم غيب وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد (تابع ما قبله) تراكمت الأدواء والبرء مبعد ... ومالي من بين البرية مسعد سوى المصطفى الحبيب الممجد ... (وما مصدر الشياء إلا محمد) وناهيك طول المدح فيه قصور) نبي سبى كل الورى بكماله ... ترى عنده من كل صب وواله هو المجتبى يا مستهام فواله ... (بدائرة التكوين نور جماله) (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق محمد سليم الحنفي وقال حفظه الله (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... هو المرتجى والعالمين نشور رسول عظيم عظم الله قدره ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... تخر له الأقمار وهي بدور هو السيد المختار والمجتبى الذي ... (عليه جميع الكائنات تدور) (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... ولا كائن وإلا إليه فقير ولا أحد يدري سوى الله فضائله ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... مضيء يرد الطرف وهو حسير هو المجتبى قطب العزة كلها ... (عليه جميع الكائنات تدور) بيروت محمد سعيد إياس بمدحك يا خير الورى نتعبد ... وننظم دراً في مديحك ينشد فعفواً فمن يوفي بمدحك أحمد ... (وما مصدر الشياء إلا محمد) (وناهيك طول المدح فيه قصور) نبي لقد جلت جميع خصاله ... وعم الورى والله فضل نواله

شمائله الحسنى تدل لحاله ... (بدائرة التكوين نور جماله) (عليه جميع الكائنات تدور) قاسم حرز الله (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... لولاه لم يعرف لكنت ظهور تقاصرت الإفهام عن درك ذاته ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... هو الروح في جسم الوجود يدور تفرد هو والكل ذاتاً ومركزاً ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق سليم قصاب حسن (وما مصدر الأشياء إلا محمد) ... رسول على عبئ البلاغ صبور نبي عليه الله اثنا أبعد ذا ... (وناهيك طول المدح فيه قصور) (بدائرة التكوين نور جماله) ... فغمنه لهذا الطون ثم ظهور وأم بأمرا الأنبياء لأنه ... (عليه جميع الكائنات تدور) دمشق أج

مضار البغاء

مضار البغاء خلق الله الإنسان في هذه الحياة ليعيش أبي النفس هني البال لا يغضي على أذى ولا يسكت على نقيصة يضم للشرف الغيرة وللشهامة المروءة والعفاف وبين أن صيانة الأعراض هي المنزلة الرفيعة وأن العناية بها أفضل ما يتطلبه الطالبون، وخير ما يسعى إليه الباحثون، ولو قيض الله لرجل أن يجمع أنواع اللذة والهناء وأتيح له أن يملك قناطير الذهب والفضة وأن يستمتع بأقوى أسباب الراحة في هذه الحياة وكان قليل الغيرة نزر المروءة والحمية لكتب في الأذلين الشعور بفظاعة الزنا يكاد يكون عاماً في جميع الطبقات إلا أنه يختلف قوة وضعفاً باختلاف مصدره والباعث عليه فمن كان مصدر آدابه محيطه فأحربه أن لا يثبت على مبدأ ولا يقف عند حد بل يتغير بتغير العادات والأحوال ومن كان مصدر آدابه الدين الذي شرعه الله على لسان رسله فلا شك أنه يدوم ولا يتبدل ما دام هذا الدين ثابتاً لم يحرم الدين الإسلامي شيئاً أعناتاً للناس وجلباً للضرر عليهم ولا لغرض أن يمتنعوا عن استعمال الطيبات وإنما حظر عليهم أن يأتوا ما فيه ضرر لهم، وتعذيب حياتهم ومن أشد ما منع وحرم البغاء (الزنا) لما فيه من الضرر الجلي والمفاسد الكثيرة إن ما تفعله العاهرات من إتيان هذا المنكر (الزنا) وجعله حرفة مخصوصة تسام كما تسام السلع هو من الأمور الفظيعة بمكان بالنسبة لما يترتب عليه من الضرر والفساد وضياع النسب وفقد الثقة بالأصول والإخلال بالصحة والآداب وتقليل النسل وإيقاع الشقاق في البيوت وإماتة الأخلاق وفشو الدياثة والقيادة والوصول إلى حالة تبكي منها الفضيلة ويموت معها الحياء. كتبت مجلة الهلال الأغر مقالة في هذا الموضوع تحت عنوان منافذ جهنم نقتطف منها ما يأتي مع أننا مع احترامنا للتمدن الحديث نعترف بأن كثيراً من عوامله الملائمة لأمم أوروبا لا تلائمنا لاختلاف طبائعنا وسائر أحوالنا عما لأولئك وزد على ذلك أن هذه الرذيلة (الزنا) مكروهة ومحرمة شرعاً وعرفاً عند سائر الأمم قديماً وحديثاً والتاريخ أصدق شاهد على ذلك هذه شريعة حمورابي أقدم الشرائع المعروفة تقول إذا وجدت امرأة مع غير زوجها فالاثنان يوثقان ويطرحان في الماء. وتليها شريعة موسى وهي تحكم على الزاني والزانية بالقتل وكذلك تقضي عليه شريعة ليكورغوس (884 ق م) وكان السكسونيون القدماء يحرقون الزانية ويبنون فوق قبرها مشنقة يشنقون بها الزاني وكان كانوت يحكم على الزاني بصلم الأذنين وجدع الأنف سنة

1034م وقرر برلمان إنكلترا سنة 1650 أن يعاقب الزاني بقطع الرأس وأكثر الشرائع تشدد النكير على الزاني إن لم بالقتل فبما يقرب منه وقلنا والحكم عندنا في الشريعة المحمدية واضح جلي لا خفاء معه وهو أن الزاني إما محصن أو غير محصن فالمحصن سواء أكان رجلاً أو امرأة إذا ثبت لدى الإمام زناه ببينة وإقرار أخرج إلى أرض فضاء ثم رجم بالحجارة حتى يموت وغير المحصن إن كان حراً فحده مائة جلدة وإن كان عبداً خمسون جلدة قال الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال سبحانة (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقال عز اسمه (ةوالذين لايدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهماناً غلا من تاب) ورجم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أحمد والطبراني واللفظ له أن الله يدنو من خلقه أي بلطفه ورحمته فيغفر لمن يستغفر غلا لبغي بفرجها لو عشار والطبراني عنه صلى الله عليه وسلم أن الزناة تشعل وجوههم ناراً إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قبح هذه الخطيئة وشدة نكرها ويكفي أنها الضربة القاضية على العفاف والشرف والعنوان الصريح على التأخر والانحطاط. قال صاحب الهلال ويدلنا التاريخ على أن الأمة إنما يبقى عمرانها إذا أحاطته بسور من العفاف وإلا فإنه منقوض ولا خلاف في أن الأمة الناهضة لا فائدة من مساعيها إن لم يكن العفاف نبراسها واعتبر ذلك بما مر على الأمم من أدوار التاريخ قديماً وحديثاً فلا ترى دولة قامت وتأيدت إلا وكان العفاف سياجها مع اعتبار طبائعها وسار أحوالها وما من دولة ذهبت إلا كان الانغماس في المنكرات من أكبر أسباب ذهابها انظر إلى دولة الرومان التي امتد رواق سلطانها على الخافقين وحملت إليها الجزية من أربعة أقطار المسكونة فإنها حال فسدت آداب أهلها فسد نظامها ووهنت قواها وما لبثت أن سقطت وكان سقوطها عظيماً ولو تتبعت تاريخ الأمم على اختلاف الزمان والمكان لرأيتها تتشابه من هذه الحيثية وكلها ذهبت فريسة التهتك والابتذال.

ثم قال ما معناه فما أجدر الحكومة أن تقتدي بأقرب الدول مصلحة منها نعني إنكلترا فإن هذه الرذيلة غير مباحة فيها ليس في إنكلترا أماكن عمومية لهذا العرض مطلقاً وربما كان ذلك عندها فيما مضى لكنها أصدرت الأوامر المشددة بمنع هذا المنكر من بلادها. منذ عشرات السنين فهل نعد ذلك انحطاطاً؟ أم هو فضيلة يحق لإنكلترا أن تفاخر بها أمم الأرض؟ أه. تأمل أيها القارئ وناد معنا أين المتفرنجون أينهم الذين يحبون أن نقلد الغربيين هلا كرهوا البغاء كما كرهته إنكلترا وشددوا على البغايا كما شددت هي عليهم هلا طلبوا من الحكومة وهي إسلامية منع أن يكون في البلاد أماكن عامة لهذا الغرض السافل ولو بقصد تقليد الإنكليز كما هي عاداتهم ولكن أبى الله إلا أن يظهر للناس مكنونات سرائرهم وخفايا ضمائرهم وأنهم إنما يدعون لتقليد الغربيين فيما يضر بالأمة ويفسد عليها أخلاقها وإلا فلم لم يقتدوا بالحكومة الإنكليزية ولم يطلب بعضهم من حكومة دمشق (وهي قاعدة البلاد الإسلامية) إرجاعهم إلى محالهم الأولى أو تخصيص محلة مستقلة لهم وأن تعين لهم الحكومة الأطباء والمستشفيات سيقول بعض الناس وماذا عسى تفيد الكتابة أو ينفع الالتجاء إلى الحكومة؟ ومتى كان الخصم الحكم؟ لولا رضا الحكومة لما قامت للمنكرات والفواحش قائمة والدستور أباح كل شيء الخ نقول في الجواب لهم هذه الفكرة بعينها هي فكرة أولئك المتفرنجين أعداء الخلافة الإسلامية والحكومة العثمانية فهم يجتهدون في إذاعتها ويسعون جهدهم بانتشارها لتتحدث في داخلية الحكومة المشاكل وتخلق الحوادث وتكره الحكومة الشعب ويكره الشعب الحكومة ويتخذون من وراء ذلك يداً عند الحكومات الأجنبية وذكراً لديها ألا فليتق الله هؤلاء المتفرنجون وليعلموا أن زخرف أقاويلهم وبهرج أباطيلهم لا يحول قط بين الحكومة والشعب ولا بين الشعب والحكومة فحكومتنا على كل حال إسلامية وإن رغمت أنفوهم دستورية وإن حرجت صدروهم تقوم إن شاء الله بمحافظة الشرع وآداب الدين. فلقد علمنا أنها منعت ما هو أدنى من الزنا وأقل نكراً منه منعت من عاصمتها تبرج النساء واختلاطهن بالرجال في مثل يوم عيد الدستور منعت الصبيان من الحمامات، منعت أهل البصرة من نصب تمثال لمدحت باشا، قرر مجلس وكلائها منع انتشار كتاب تحريم المرأة

إذ طبع مترجماً بالتركية لئلا يكون سبباً لكثرة الخوض في مسألة رفع الحجاب عن النساء منعت الزهاوي من التدريس في المكتب السلطاني البغدادي لما علمت تهوره في الدين الإسلامي، أذاع شيخ الإسلام حفظه الله نشرة أبان فيها حرمة المبارزة بين مسلمين لما بلغه أمر صاحب طنين وخصمه كل ذلك منعته الحكومة عناية بالآداب الإسلامية ومحافظة على العادات الدينية فيقال بعد ذلك أن الحكومة راضية بانتشار الزنا والفواحش وأن قانونها الأساسي أباح كل شيء؟ كلا ثم كلا. . نعم قد يتساهل بعض المأمورين بمنع ما يخل بالأخلاق والآداب الدينية فيظن بعض البسطاء ممن يصغون لأكاذيب المتفرنجين أن هذا التساهل والتغاضي من الحكومة نفسها والحقيقة ما أسلفنا ذكره فعليكم أيها الناس أن تكرروا مطالبة حكوماتكم المحلية المتساهلة لتمنع ما يخالف آدابكم العمومية التي نص القانون على وجوب احترامها. أيها الناس وبالأحرى أيها الدمشقيون إن حادثة الفواحش عندكم استاء منها العقلاء في كل مكان فيجب على أهل العلم والدين والمروءة منكم أن يعيدوا الكرة بمطالبة الحكومة الدمشقية بمنع هذا المنكر من بلدتكم الطاهرة بطريقة قانونية مشروعة خالية من كل ما يخل بالآداب العمومية أيها الدمشقيون لا تتوانوا لا تتوانوا عن مطالبة حكومتكم المحلية بمنع هذا المنكر فإنه علاوة على كونه من الأدواء التي تسري بضروب من العدوى وإفساده الأخلاق وإتلافه للأموال وإحلاله الروابط الزوجية يهتك حرمة الدين الذي كفل القانون الأساسي وحفظه واحترمه بل لم يقبل إلا ببنائه على أساسه واقتباسه من نوره فإن لم تبادر الحكومة المحلية إلى إجابة طلبكم وهذا غير ما نظنه فيها فارفعوا الأمر إلى حكومة العاصمة فهي تلبي طلبكم وما عرف فيه مولانا شيخ الإسلام من الغيرة على الآداب الدينية يؤكد ذلك وإذا كانت الحكومة معنية بتنقية البلدة من الأمراض وتنظيفها من الموبقات فهي مطالبة بالأولى بدفع هذه المحظورات وتطهير البلد من هذه الأرجاس قالت مجلة الهلال وكما تبذل الحكومة الأموال في وقاية رعاياها من الأمراض وتجبرهم غي تلقيح أبنائهم بالجدري وتحملهم قهراً على اتقاء الأوبئة الوافدة فهي مطالبة بوقايتهم من شر هو أشد وطأة من المرض وتنظيف الوطن من تلك الأقذار أولى من تنظيف الشوارع من الغبار ووقاية الشبيبة من مهاوي الفساد وحماية أبدانهم من تلك الأمراض القذرة أولى في اعتبارنا من تطهير منزل حدثت فيه إصابة بالتيفوئيد والدفتريا لأن عدوى هذه الأمراض

وأمثالها تنحصر في بعض الأقربين ولا تتعدى الجيل الواحد من الناس وأما تلك فإنها تنتقل في الأعقاب حتى تؤول إلى فناء الذرية أه. هذا ما أردنا بيانه قياماً بواجب النصيحة الشرعية فعسى من يهمهم أمر الأخلاق وصيانة الأعراض أن يفكروا في هذه القضية من قبل أن يتسع الخرق. . ولله في عباده شؤون.

قصيدة نبوية

قصيدة نبوية وردتنا هذه القصيدة النبوية الغراء من حضرة الوجيه الفاضل والأديب الكامل سليم أفندي قصاب حسن نظمها بمناسبة زيارته لحضر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. . قال حفظه الله يا سيداً تسمو به العلياء ... قدام بابك مذنب مخطاء ضعيف ضعيف يرتجي منك القرى ... وعلى الأكارم للضيوف قراء حاشا لجودك أن أعود بخيبة ... وسحاب كفك دونه الأنواء ذنبي تأخر بي وجئتك راجياً ... فعسى يقربني إليك رجاء إني المسيء وأنت أكرم شافع ... بجنابه تتوسل الشفعاء إن الذنوب وإن تعاظم جرمها ... في جانب الغفران فهي هباء أطريت في تمداحه متوسلاً ... أنم الكريم يهزه الإطراء يممت مهبط وحيه متمسكاً ... بشذى به تتأرجح الأرجاء من زاره لله نال شفاعة ... قد أوجبتها الشيمة الشيماء ما قدر مثلي أن يؤم رحابه ... لكنما عاداته الإغضاء أيام عمري كلها لهو سوى ... يوم بطيبة طلب فيه ثواء طابت بتربة أحمد ورداً وقد ... رقد الهواء بها وراق الماء تتطوف الأملاك في أرجائها ... جزلاً ومن خدامها الكبراء بلد تبدى الدين منها كاملاً ... للعالمين وتمت النعماء روحي الفداء لروضة القبر الذي ... تهوي على أعتابه العظماء قبر بساكنه تسامى رفعة ... ما العرش ما الكرسي ما العلياء قد ضم خير المرسلين فكيف لا ... تزهو على فلك السما الغبراء هذا النبي وهذه أنواره ... قد عم منها الكائنات ضياء يدر هدى الله الأنام بنوره ... لما تجلى والقلوب سماء قد شرف المولى به سمواته ... لما سرى يا حبذا الإسراء سبحان من أعطاه منزلة لها ... في الرفرف الأعلى سناً وسناء من قاب أو أدنى حباه مكانة ... قد قصرت عن دركها العقلاء

جلت فلم تدرك حقيقتها لذا ... حارت بمدحه ذاته الشعراء بعد المنال من يطيق مديحه ... هيهات أين الأرض والجوزاء عفواً رسول الله إني عاجز ... والعذر تسمح عنده الكرماء لا أستطيع بأن أفيك محامداً ... لكن بقدر الطاقة الإهداء من لي بأن أقضي الحياة بطيبة ... وتضم جسمي بقعة فيحاء فهي السعادة والشهادة والرضا ... والحسن والإحسان والإرضاء ودعت قبر محمد مستمطراً ... دمعي وما يغني المشوق بكاء يا ليتني فارقت روحي عندما ... فارقته إن الفناء بقاء أرجو القبول وذاك أعظم منحة ... من نظرة هي نظرة وهناء صلى عليه الله جل جلاله ... أزكى صلاة مالها إحصاء والآل والأصحاب ماهز الصبا ... بان الغصون وغردت ورقاء

متفرقات

متفرقات اعتذار وشكر وردتنا رسالة من حضرة المهذب الغيور أحمد أفندي القصاص ينتصر فيها (للحقائق) ويرد على السائح البعلبكي مزاعمه مما يشهد صراحة بما جبل عليه الكاتب من الحمية الإسلامية والغيرة الدينية وكنا نود أن ننشرها لما حوته من الفوائد ولولا أنا لا نريد إعادة البحث في هذا الموضوع وعلى كل نشكر للكاتب اعتناءه بالدين والحقائق والله يتولى الصالحين. أول قطرة من غيث اسم لوريقات سافلة تأليف محمد فرج ص النجار أطلعنا عليها فوجدناها جعبة أقوال سخيفة اعترض فيها على أئمة الدين بما لا ينطبق على عقل ولا نقل وصرح بأنه عامي يجهل اللغة والمنطق والأصول وانتصر للإباضية (فرقة من الخوارج على سيدنا علي رضي الله عنه) وبالجملة فالرسالة تمثل مؤلفها جاهلاً بليداً أشيبه شيء بمن يتعاطون المخدرات فنصون أفكار القراء عن الرد عليه. جمعية التعاون الخيري في العقيبة هي أول جمعية إسلامية تأسست لإعالة الفقراء في دمشق وكان عدد من تنفق عليهم من التلامذة 22 تلميذاً واليوم جعلتهم 40 تلميذاً كلهم من أبناء المحاويج يدرسون في مدرسة واحدة (المدرسة التجارية) ويتأدبون بأدب واحد، وينهجون نهجاً واحداً فنستدر أيدي أهل النعمة والثراء لمساعدتها ونسأل الله لها التقدم والنجاح.

الإسراء والمعراج

الإسراء والمعراج سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. قال جل اسمه: والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق من الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدنى، فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى. الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صادقون مصدقون منزهون عن الدعاوي الكاذبة ثبت ذلك بالبراهين القاطعة والحجج الدامغة. فأخبارهم بصدور أمر خارق للعادة واجب تصديقه والإذعان إليه. إن الله جلت قدرته قد أيدهم بالتأييدات الإلهية وأظهر على أيديهم المعجزات الباهرة الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة مدعاهم وخص نبينا صلى الله عليه وسلم بأعظم المعجزات وأجلاها وأسماها وأسناها فمن ذلك الإسراء والمعراج وهما من المعجزات التي خص بها نبينا محمد صلى الله عليه وسل وقد جرى فيهما من خوارق العادات وغرائب الحوادث ما يقضي بالعجب العجاب ويؤكد سمو مقام الرسول العظيم صلى الله عليه وسل عند ربه سبحانه وتعالى. من عرف مقام النبوة وتحقق أنها لا بد لها من التاييدات الإلهية وتيقن عظيم قدرة الله سبحانه ونه تعالى مطلق الإرادة واسع الأمر بيده ملكوت السموات والأرض يفعل بعباده ما يشاء ويختار لهم ما يريد ونظر إلى الخصوصية التي حازها سيد الخلق على الإطلاق الحبيب المصطفى والرسول المجتبى لا بد وأن يذعن بلا مراء لخبر المعراج والإسراء الدالين على عظيم قدرة الله ورفعه مقام هذا النبي العربي القرشي صلى الله عليه وسلم الإسراء والمعراج وقوعهما ثابت لا شك فيه باتفاق جميع المسلمين وقد اتفق العلماء على أنهما في ليلة واحدة وأن فريضة الصلوات كانت في تلك الليلة وقد اختار الحافظ المقدسي أن ذلك في السابع والعشرين من رجب. ثبت الإسراء والمعراج باليات السابقة والأحاديث الصحيحة المشهورة التي قاربت حد

التواتر منها ما رواه مسلم بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه كرعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل عليه السلام اخترت الفطرة قال ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير إلى أن قال ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها قال فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فال ما فرض ربك على امتك قلت خمسين صلاة قال فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمساًُ فرجعت إلى موسى فقلت قد حط عني خمساً قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال ارجع ربك فاسأله الخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه أه وقد روى البخاري في صحيحه حديث المعراج بأطول من هذا وذكره عند عدة مواضع تركنا إيراده خيفة التطويل وروى البيهقي في الدلائل من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال افتتن ناس يعني عقب الإسراء فجاء ناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فذكروا له فقال أشهد أنه صادق فقالوا أوتصدقه أنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة قال نعم أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء قال فسمي بذلك الصديق قال القاضي عياض ما ملخصه اختلف هل كان الإسراء بروجه أو بجسده فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح ورؤيا في المنام وذهب معظم السلف (وذكر عدداً كبيراً من

الصحابة والتابعين) إلى أنه إسراء بالجسد وفي اليقظة قال وهذا هو الحق وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين وقالت طائفة كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح قال العلامة القاري وهذا يشبه قول المعتزلة قال القاضي والحق من هذا والصحي أنه إسراء بالجسد والروح في القضية كلها وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة وليس في افسراء بجسده وحال يقظته استحالة أه. وبيانه أن لفظة اسرى في الآية تدل على اليقظة لا النوم لأن معنى الإسراء لغة السير في الليل ولم يعهد على العرب أنهم أطلقوا على من حلم بشيء أنه أسرى به وادعاء المجازية هنا ضعيف جداً لأنه فضلاً عن كون اعتبار الحقيقة هو الأصل مخالف للظاهر وقوله تعالى (بعبده) الذي هو اسم للروح والجسد يلائم اليقظة أيضاً ولو كان المراد الإسراء بالنوم مجازاً لقال أسرى بروح عبده مما يلاءم النوم ويدل على المجازية. وأيضاً يفهم من التعبير بلفظ (سبحان) أن الإسراء باليقظة والجسد لأن معناه التنزيه وهو متضمن لمعنى التعجب فلو كان الإسراء مناماً لضاعت لكنة التعجب إذ الرؤيا المنامية لا تقضي العجب ولو كان بالروح لخفيت لكنة التنزيه إذ ليس للروح تمييز وليس في الإسراء بها ما يوهم أمراً يوجب التنزيه. وأيضاً بين سبحانه بقوله (لنريه من آياتنا) الغاية والحكمة من الإسراء وهو إراءة الله تعالى هذا النبي الكريم من الآيات المخصوصة به صلى الله عليه وسلم التي ما شرف بإراءتها أحداً من الأنبياء غيره ولو كانت منامية لما كان فيها مزية عظيمة ولا حكمة بالغة وقد قال سبحانه لقد (رأى من آيات ربه الكبرى) ومما يؤكد أنه بالجسد واليقظة قوله جل اسمه في الآيات السابقة (ما زاغ البصر وما طغى) إذ ليس للروح بصر حتى ينفي عنه الزيغ والطغيان ولو قيل بالمجازية ففضلاً عن كونه خلاف الأصل بنافيه ظاهر سياق الآية لأنها مسوقة للمدح وتعداد المزايا وأي مزية بل أي مدح في نفي الزيغ والطغيان عن بصر النائم. وأيضاً قوله تعالى (وما جعلنا الرؤيا الني أريناك إلا فتنة) يدل على ذلك ومثل ذلك الأحاديث الصحيحة على أنه حصل للكفار إنكار واستبعاد وتكذيب لهذا الخبر وارتد به

بعض من أسلم من الضعفاء وافتتنوا به وما ذلك غلا لأنهم فهوا أن الإسراء والمعراج كانا بالجسم واليقضة إذ لو كانا بالنوم والروح لما كان في ذلك ما يوجب الاستبعاد والتكذيب والافتتتان لأن مثل هذا في حال النوم لا ينكر على آحاد الناس فضلاً عن سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام وذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في قوله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) يعود لجبريل عليه السلام أي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سيدنا جبريل عليه السلام مرة أخرى على صورته الصلية عند سدرة المنتهى ومعلوم أن المرة الأولى كانت عند بدء البعثة وكانت على يقظة بإجماع المسلمين فلو حملت هذه على الروحية لما كان في الأخبار بلاغة واستغراب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى سيدنا جبريل عليه السلام رؤيا روحية في أكثر الأوقات. وأما دلالة الأخبار فإن ما ذكر في الحديث المتقدم من إتيان جبريل عليه السلام بالبراق للنبي صلى الله عليه وسلم وركوبه عليه الصلاة والسلام على البراق وربطه بالحلقة ودخوله المسجد وصلاته فيه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومجيء جبريل عليه السلام له بالإنائين وإخباره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه اختار الفطرة واستفتاح جبريل السماء وسؤال الملك بقوله أو قد بعث إليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم وسلام النبي صلى الله عليه وسلم على الأنبياء وترحيب الأنبياء به وذهاب جبريل عليه السلام على سدرة المنتهى ووصفه صلى الله عليه وسلم لها وفرض الله تعالى عليه وعلى أمته الصلاة ومراجعة صلى الله عليه وسلم لربه جل شأنه بالتخفيف بإشارة سيدنا موسى عليه السلام وغير ذلك مما ذكر في حديث مسلم المار وغيره كله ظاهر الدلالة على اليقظة والجسد والحمل على ذلك حمل على الحقيقة وهو الأصل والحمل على حالة النوم خلاف الظاهر والأصل من غير داع إليه وما ذكر في حديث البيهقي من إنكار الذين جاؤوا إلى ابي بكر رضي الله عنه وقالوا له أو تصدقه أنه أتى الشام في ليلة واحدة يدل صراحة على اليقظة والجسد ويمنع احتمال النوم قطعاً وأما دلالة الاعتبار فالمراد به المقايسة يعني إذا ثبت إسراؤه من الحرم إلى الحرم معجزة بدلالة الآية فلم لا يجوز إسراؤه إلى السماء بالمقايسة المقرونة بالأحاديث الثابتة إذ لا فرق بينهما في تعلق الإرادة والقدرة. وأما عدم استحالته أي عقلاً وشرعاً فبيانه أن كفار قريش وبعض ضعفاء المسلمين توهموا

أن قطع مثل هذه المسافة ذهاباً وغياباً في بعض ليلة محال عقلاً لأن مثل هذه المسافة لا تقطع عادة إلا في أيام كثيرة وأن بعض علماء الهيئة قالوا أن الفلاك لا فرجة فيها ولا تقبلالخرق والالتئام والجواب أن الأجسام كلها متماثلة في قبول الإعراض من قطع مسافة وخرق والتئام وغير ذلك وأما سرعة قطع المسافة فقد ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي الكرة الأرضية مائة ونيفاً وستين مرة ثم أن طرفها الأسفل يصل لموضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية والطير والريح مشاهد سرعة قطعهما المسافة والله تعالى قادر على كل الممكنات فيقدر على أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلى الله عليه وسلم ا , فيما حمل عليه وقد دل القرآن على نقل عرش بلقيس من مسافة بعيدة بأقل من طرفة عين. وأما الخرق والالتئام فهو مشاهد في الماء والسماء مماثلة له في الجسمية فما جاز على جسم بقدر الله تعالى يجوز على جسم آخر على أن النصوص الصحيحة قد نطقت بأن السماء لها ابواب تفتح وتغلق فلا عبرة بغيرها فإن قال قائل يلزم من إثبات وقوع المعراج محال لأن فيه ألفاظاً توهم المكان والقرب وغير ذلك مما هو محال نسبته إلى الله تعالى. قلنا الألفاظ التي توهم ذلك هي من المتشابه التي ورد القرآن والأحاديث الصحيحة كثير منها فأما إن تؤل كما هي قاعدة الخلف وإما أن يفوض العلم بها إلى الله كما هي قاعدة السلف وقد حققا ذلك في الجزء الحادي عشر فارجع إليه إن شئت وهنا نلفت أنظار الوعاظ والمدرسين الذين يقرؤون قصة المعراج الشريف على أسماع العامة في المساجد إلى تبيين هذا الجواب بأوسع مما ذكرنا مخافة أن يعلق في أذهان العامة ما يخالف عقيدة المسلمين.

دروس التاريخ الإسلامي

دروس التاريخ الإسلامي صدر القسم الثالث من هذا الكتاب لجامعه الأديب الشيخ محي الدين الخياط وهو يحتوي على نبذ من تاريخ بني أمية وفي أول صحيفة مرسوم فيها خريطة الدول العربية الإسلامية وقد أهدانا مؤلفه الفاضل نسخة منع أصحبها بكتاب شكر فيه للحقائق حسن ظنها قال وربما أبين رأي في انتقادكم قلنا حبذا العمل ونعم الصنيع فمن احتكاك الآراء تسطع أنوار الحق ومن تبادل الأفكار يستبين الصواب وقد أحببنا خدمة العلم وتمحيصاً للحق أن نتابع العمل فنبدي رأينا في القسم (الثلاث) وإنا مع تقديرنا لخدمته الدينية وغيرته الإسلامية قدرهما نواخذه على تسرعه في الحط من قدر سيدنا معاوية رضي الله عنه وهو واحد من اتفقت كلمة الأمة على جلالة قدره ورفعة شأنه وأنه كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمينه على أمته. إذ نسب إليه أموراً تشعر بذمه وتحط من مرتبته منها ما هو متقول عليه ومنه ما له عذر صحيح فيه أغضى عنه المؤلف. سند إليه أنه عاهد الإمام الحسن رضي الله تعالى عتهما على أن يمكنه من جميع مات يطلب إن هو نزل عن الخلافة قال ما مؤداه فاشترط عليه شروطاً فقبل بها حتى إذا نزل عن الخلافة لم يقم إلا ببعضها وقال عنه ما نصه (بلغ من حرصه على الملك أن حاول خصره في آله ورهطه فنجح وأول عمل عمله لذلك حمله الناس على مبايعة ابنه يزيد وهو يعلم منه سوء السيرة والتهتك) تأمل وعزا غليه على إحدى الروايتين (أنه عمل على موت الحسن رضي الله تعالى عنه حتى مات مسموماً بإيعازه ونمي إليه أنه أوصى ابنه يزيد إن ظفر بابن الزبير (وهو من أجلاء الصحابة وأكابرهم) أن يقطعه إرباً إرباً وأنه أول من سب الإمام علياً كرم الله وجهه على المنابر. كل ما تقدم رمى به المؤلف هذا الصحابي الجليل والخليفة العظيم ولم يرع عهد الله ولا ذمته ولم يخش فيما جاهر فيه لومة لائم وما ندري لعله اعتمد في نقل هذه الأخبار على بعض مؤرخي الشيعة واعتد بافترأتهم والحق أن معاوية وفى للإمام الحسن رضي الله تعالى عنه بجميع ما عاهده إلا واحدة وهي أن الإمام الحسن طلب منه أن يعهد له بالخلافة من بعده فلم يتمكن معاوية من ذلك لما رأى من شدة قومه ومنعتهم بل اضطره الأمر إلى أن يعهد بالخلافة ليزيد خوفاً على المسلمين من التفرق وشفقة عليهم من الانشقاق. قال المؤرخ الكبير ابن خلدون في مقدمته بعد كلام على ولاية العهد ما نصه (سطرين غير

مفهومين نهاية الصفحة 448) حينئذ من بني أمية إذ بنو أمية لا يرضون يومئذ سواهم وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصاً على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع ون كان لا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه وفرار عبد الله بن عمر من ذلك إنما هو محمول على تورعه من الدخول في شيء من الأمور مباحاًَ كان أو محظوراً كما هو معروف عنه ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير ولدور المخالف معروف ثم أنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به مثل عبد الملك وسليمان من بني أمية والسفاح والمنصور والمهدي والرشيد من بني العباس وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم وحسن رأيهم للمسلمين والنظر لهم ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وأخوانهم وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة في ذلك فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك وكان الوازع دنيا فعند كل أحد وازع من نفسه فعهدوا إلى من يرتضيه الدين فقط وآثروه على غيره ووكلوا كل من يسموا إلى ذلك إلى وازعه وأما من بعدهم من لدن معاوية فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها والوازع الديني قد ضعف واحتيج إلى الوازع السلطاني والعصباني فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعاً وصارت الجماعة إلى الفرقة والاختلاف إلى أن قال. أفلا ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق وسماه الرضا كيف أنكرت العباسية ذلك ونقضوا بيعته وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي وظهر من الهرج والخلاف وانقطاع السبل وتعدد الثوار والخوارج ما كاد أن يصطلم الأمر حتى بادر المأمون من خراسان على بغداد ورد أمرهم لمعاهده فلا بد من اعتبار ذلك في العهد فالعصور تختلف باختلاف ما يحدث فيها من الأمور والقبائل والعصبيات وتختلف باختلاف المصالح ولكل واحد منها حكم يخصه لطفاً من الله بعباده وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ

التراث على البناء فليس من المقاصد الدينية إذ هو أمر من الله يخص به من يشاء من عباده ينبغي أن تحسن فيه النية ما أمكن خوفاً من العبث بالمناصب الدينية والملك لله يؤتيه من يشاء. وعرض هنا أمور تدعو الضرورة إلى بيان الحق فيها. فالأول منها ما حدث في يزيد من الفسق أيام خلافته فإياك أن تظن بمعاوية رضي الله عنه أنه علم بذلك من يزيد فإنه أعدل من ذلك وأفضل بل كان يعذله أيام حياته في سماع الغناء وينهاه عنه وهو أقل من ذلك إلى أن قال فمقاصدهم أي الصحابة رضي الله عنهم في البر وتحري الحق معروفة وفقنا الله للاقتداء بهم الخ ومنه يعلم الجواب عن التهمتين الأولى والثانية وأما الجواب عما أسند إليه من أن الإمام الحسن رضي الله تعالى عنه مات مسموماً بإيعازه مما لم يصح بل الصحيح ما قاله العلامة الشبراوي في الإتحاف من أن يزيد بن معاوية هو الذي أوعز إلى جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن رضي الله تعالى عنه أن تسمه ويتزوجها ففعلت وأرسلت إليه ليفي بالوعد فامتنع. وأما الجواب عما ألصقه به من أنه أوصى ابنه يزيد إن ظفر بابن الزبير أن يقطعه إرباً وأنه أول من سب الإمام علياً كرم الله وجهه على المنابر فهو مما لم نجده في كتب المؤرخين من أهل السنة وليس مما تصح نسبته إلى مثل هذا الخليفة الكبير بل هو من مفتريات الشيعة وأكاذيبهم ولولاهم ما كان له ذكر في صحيفة الوجود فالواجب يقضي على المؤلف أن لا يدنس هذا الكتاب سيما وقد وضعه لناشئة المسلمين وأطفالهم بأمثال هذه الأقاصيص الموضوعة حرصاً على أخلاقهم وآدابهم فلا يحملهم على أن يعتقدوا بأعيان أسلافهم السوء بل الواجب على كل من رام جمع شيء من سير السلف وأخبارهم أن يتئد فلا يثبت إلا ما يوافق السنة ويجانب البدعة فللسلف رضي الله تعالى عنهم ميزة تامة على كافة من عداهم بشهادته عليه الصلاة والسلام. بقي أن المؤلف ذكر من الوقائع التي صدرت زمن خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه خروج شوذب الخارجي وعلق عليها تعليقاً حاد فيه عن سنن الشريعة الغراء ونسب إليها ما هي منه براء وخلاصة هذه القصة كما أوردها المؤلف (انه في سنة مائة من الهجرة خرج رجل يشكري اسمه شوذب ويلقب ببسطام في ثمانين رجلاً فكتب عمر إلى عامله بأن يدعهم وشأنهم ما لم يسفكوا دماً أو أفسدوا فإن فعلوا وجه إليهم رجلاً حازماً

في جند) ذكر هذا المؤلف بحروفه وعلق عليه ما نصه (إن هذا كالصريح في أن للإنسان أن يعتقد ما شاء ما لم يؤد اعتقاده إلى سفك دم أو إفساد) وقال عنه أنه حرية الاعتقاد وعجيب من المؤلف كيف تهجم هذا التهجم على الدين الإسلامي وافترى على عمر هذا الافتراء في حين رضي الله تعالى عنه بعد ما كتب إلى عامله ما كتب أرسل إلى شوذب المذكور يسأله عن مخرجه ولم يزل يكاتبه ويناظر صاحبيه حتى مات رضي الله تعالى عنه ويجمل بنا أن نورد قصة شوذب بتمامها وإن كان فيها بعض الطول لما حوته من الدلائل على أن عمر رضي الله عنه بريء مما نسب إليه وأنه ما كان ليقدم على ما ينهى عنه الشرع وتأباه المصلحة على أن هذه القصة تعد من بديع المناظرات وغرر الكلام الذي يليق بنا أن نحلي به جيد (الحقائق) وبها نختم هذا الانتقاد شاكرين للمؤلف صنيعه معترفين بأن كتابه هذا من آثاره التي يحمد عليها. ذكر خروج شوذب الخارجي تحت هذا العنوان قال ابن الأثير في الكامل ما نصه: في هذه السنة خرج شوذب واسمه بسطام بن يشكر من جوخي وكان في ثمانين رجلاً فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد عامله بالكوفة أن لا يحركهم حتى يسفكوا دماً ويفسدوا في الأرض فإن فعلوا وجه غليه رجلاً صليباً حازماً في جند فبعث عبد الحميد محمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين وأمره بما كاتب وكتب عمر إلى بسطام يسأله عن مخرجه فقدم كتاب عمر عليه وقد قم عليه محمد بن جرير فقام بإزائه لا يتحرك فكان في كتاب عمر_بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني فهلم إلي أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فغيما دخل فيه الناس وإن كان في يدك نظرنا في أمرك فكتب بسطام إلى عمر قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك وأرسل على عمر مولى لبني شيبان حبشياً اسمه عاصم ورجلاً من بني يشكر فقدما على عمر بخناصرة فدخلا إليه فقال لهما ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي تقمتم فقال عاصم ما نقمنا سيرتك إنك تتحرى العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضا الناس ومشورة أم ابتززتم أمرهم فقال عمر ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها وعهد إلي رجل كان قبلي فقمت ولم ينكره أحد علي ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا بكل عدل وأنصف

من كان من الناس فاتركوني ذلك الرجل فإن خالفت الحق ورغبت عنه فلا طاعة لي عليكم فقالا بيننا وبينكم أمر واحد قال ما هو قالوا رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم فإن كنت على هدى وهم على ضلال فالعنهم وابرأ منهم فقال عمر قد علمت أنكم لم تخرجوا طلباً للدنيا ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها إن الله عز وجل لم يبعث رسوله صلى الله عليه وسلم لعاناً وقال إبراهمي (فمن اتبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) وقال الله عز وجل (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وقد سميت أعمالهم ظلماً وكفى بذلك ذماً ونقصاً وليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بد منها فإن قلتم أنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون قال ماذا كرمتى لعنته قال أفيسعك أن لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق واشرهم ولا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون قال أما هم كفار بظلمهم قال لا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى افيمان فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه فإن أحدث حدثاً أقيم عليه الحد فقال الخارجي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده قال عمر فليس أحد منهم يقول لا أعمل بسنة رسول الله ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم ولكن غلب عليهم الشقاء قال عاصم فابرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم قال عمر أخبرني عن أبي بكر وعمر أليسا على حق قالا بلى قال أتعلمان أن أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم وسبى الذرارى وأخذ الأموال قالا بلى قال أتعلمون أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية قالا نعم قال فهل برئ عمر من أبي بكر قالا لا قال أفتبرؤون أنتم من واحد منهما قالا لا قال فأخبراني عن أهل النهروان وهم أسلافكم هل تعلمان أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دماً ولم يأخذوا مالاً وأن من خرج إليهم من أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجاريته وهي حامل قالا نعم قال هل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض قالا لا قال أفتبرأون أنتم من واحد من الطائفتين قالا لا قال أفيسعكم أن تتولوا أبا بكر وعمر وأهل البصرة وأهل الكوفة وقد علمتم اختلاف أعمالهم ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد فاتقوا الله فإنكم جهال تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتردون عليهم ما قبل ويأمن عندكم من خاف عنده ويخاف عندكم من أمن عنده فإنكم يخاف عندكم من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وكان من

فعل ذلك عند رسول الله آمناً وحقن دمه وماله وأنتم تقتلونه ويأمن عندكم سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم وأموالهم فقال اليشكري أرايت رجلاً ولي قوماً وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأموم أتره أدى الحق الذي يلزمه لله عز وجل وتراه قد سلم قال عمر لا قال أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق قال إنما ولاه غيري والمسلمون أعلم بما يكون منهم فيه بعدي قال فترى ذلك من صنع من ولاه حقاً فبكى عمر وقال انظراني ثلاثاً فخرجا من عنده ثم عادا إليه فقال عاصم أشهد أنك على حق فقال عمر لليشكري ما تقول أنت قال ما أحسن ما وصفت ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر أعر عليهم ما قلت وأعلم ما حجتهم فأما عاصم فأقام عند عمر فأمر له عمر بالعطاء فتوفي بعد خمسة عشر يوماً فكان عمر بن عبد العزيز يقول أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه فاستغفر الله فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد من ولاية العهد فوضعوا على عمر من سقاه سماً فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات ومحمد بن جرير مقابل الخوارج لا يتعرض إليهم ولا يتعرضون إليه كل منهم ينتظر عود الرسل من عند عمر بن عبد العزيز فتوفي والأمر على ذلك.

رأينا في إصلاح المدارس

رأينا في إصلاح المدارس مدارسنا والتربية الدينية الخالصة طالما تشوفت النفوس لأن تكون التربية في مدارسنا تربية دينية محضة لا تشوبها شوائب التفرنج ولا تخالطها منكرات البدع والأهواء مدارسنا الأميرية والأهلية والدينية والصناعية لا تعنى بالتربية الدينية العناية التامة وبعبارة ثانية لا تدقق النظر في تطبيق حركات المتعلم على الشريعة الغراء. فعلى من بيده أمر شيء من هذه المدارس أن يتدارك هذا الأمر ويصلح هذا الخلل الطارئ من قبل أن يجل الخطب ويسود فساد الأخلاق. الخوض في مثل هذا المبحث العظيم قد لا يرضى عنه بعض الناس لأنهم يتعامون عن فوائد الدين ويعدون الدعوة إليه تفريقاً لا تجميعاً وإفساداً لا إصلاحاً ولا غرو فإن من كان مصاحباً لدهري أو تلميذاً لطبيعي يضطر أن لا يذعن لدين ولا يخنع لسلطة ولو عقل ما هو الدين وعلم أن التربية إذا كانت على وفق مع ما أبانته الشريعة الطاهرة تبعث في الإنسان الغيرة والحمية وتجعله محباً لوطنه ودولته ولغته وأمته لتاب من ذنبه ولرجع إلى ربه. أنبث أفراد هذه الشرذمة من الناس وعم بلاؤهم وجهلوا أن تربية الطفل تربية دينية تبعث في قلبه الخوف من عذاب الله الدائم وتحيي فيه ذلك الصوت الطاهر (الضمير) فتحسن معاملته وتصفو مودته ويدع النفاق والرياء ويحب الخير لمواطنيه ويكون مصلحاً كبيراً. أشرف ما يسعى إليه العقلاء هو تهذيب الإنسان تهذيباً حقيقياً يعرف به ما يجب له وما يجب عليه. ولا يتأتى هذا إلا من قبل الدين وجهة الاعتقاد بهذه الوجهة الدينية يتمكن المسلم أن يعامل مخلوقات الله جميعاً بالحسنى ويعطي كل ذي حق حقه فيحفظ عرض الذمي وماله ويمتنع من سبه وغشه وغدره والحقد عليه. ويعامل جميع الناس معاملة مرتبطة بتلك الرابطة العظيمة رابطة (لهم مالنا وعليهم ما علينا) إذا فالتربية على هذه الشاكلة هي الدواء الناجع لهذه الأمة والصراط المستقيم الذي إن زحزحت عنه إلى غيره سقطت لا قدر الله إلى حيث لا يتسنى لها منه الخلاص. قال حكيم شرقي ما مؤداه: باعث الدين أقوى البواعث وعامله أقوى العوامل، ومن حسب أن هناك ما يعادله من تلك الكلمات الحديثة مثل وطن وجدان. . وازع أدبي. . مصالح عامة. . فقد ضل الطريق القويم.

إنا أذ استقرينا أحوال المسلمين للبحث عن أسباب هذا الخذلان لا نجد له إلا سبباً واحداً وهو الثور في التعليم الديني وها نحن بعد تشخيص الداء نشرع في بيان الدواء ونقصر كلامنا على المدارس لأن البحث بحث إصلاحها والله أعلم بالنيات. المدارس الأميرية والمدارس الأهلية ل مرية عندنا في أن ما أحدث حديثاً من المدارس الأهلية على قلته أشد عناية في الأمور الدينية من المدارس الأميرية وبيان السبب في ذلك مما لا يكلفنا به القراء على ما نعتقد شاهدنا فئة كثيرة من متخرجي المكاتب الأميرية ورصدناها في أمر الصلاة التي هي عماد الدين الإسلامي فإذا هي عن هذا الفكر بمعزل ومثل الصلاة وغيرها من الأمور الدينية. يدخل الزائر أكبر هذه المكاتب فلا يكاد يشاهد من أكثر تلامذتها ما يشعر بتعظيم الدين والاهتمام بأوامره بل لو دقق النظر لرأى كثيراً من منكرات الشرع ومنافيات الآداب ما يجعله يعتقد بفساد الزمن الذي تكون تلك الناشئة رجاله. كل هذا يجري مع أن الحكومة السنية قد عينت في كل مدرسة من مدارسها معلمين للقرآن الكريم والتوحيد والفقه الشريف وأئمة للصلاة وأوجبت على التلاميذ التخلق بالأخلاق الفاضلة وحظرت عليهم أتيان الفواحش والمنكرات وعينت لهم أستاذ للإرشاد والنصح وآخر ليؤمهم إذا حان وقت الصلاة فلم يبق إلا أن يلاحظ حضرة مدير المعارف النزيه تطبيق هذه المقررات بالعمل ومن أهم ما نلفت نضره غليه انتقاء المعلمين الأكفاء أصحاب الأخلاق الفاضلة الذين يؤثرون على التلامذة بأخلاقهم وعاداتهم وميولهم إذ لا يخفى ما لأعمال الأساتذة من التأثير العظيم في أفكار التلامذة علمنا كثيراُ من هؤلاء العمال المنبثين بين الأطفال برتب متنوعة ووظائف مختلفة ورقبناهم أمام الواجبات الإسلامية أمام الأخلاق أمام الصدق والعفاف أمام طهارة القلب أمام براءة الذمة أمام الجامعة العثمانية أمام الوطن والوطنية الخ رقبناهم أما ذلك كله فإذا هم وإياه ضدان أو نقيضان بل يحاول بعضهم أن يتعلم التلامذة من أعماله ويتخلقوا بأخلاقه لتمحى من قلوبهم تلك الشعائر الفاضلة والمآثر الطاهرة ويصيح التلميذ عدواً للصلاة والمصلين خصماً للصدق والصادقين لا وطنية يذب عنها ولا جامعة يلتف حولها يصبح وقد رضي عن نفسه بمسائل علمية تلقفها من أولئك الأساتذة المتفرنجين فأضحى يقول بقولهم ويدعو بدعائهم وفي اعتقادنا أن الأساتذة لو

يهتمون بإقامة الشعائر الإسلامية والفرائض الملية فيتوضئون جميعاً للصلاة قبل دخولها وقتها، ويصطفون وراء الإمام الذي عينته لهم الحكومة خاضعين خاشعين يركعون ركوعاً واحداً ويسجدون سجوداً واحداً الخ لرأينا التلامذة عموماً صغيرهم يسبق كبيرهم وكبيرهم يسبق صغيرهم إلى أداء هذه الصلاة التي هي من أعظم ما فرض الله تعالى على أتم حالة من الحضور والأدب مع الله تعالى مطبقين دروس الفقه التي علمهم إياها أستاذ الفقه تطبيقاً عملياً فتكون الصلاة مع ما فيها من الفوائد الدينية الدنيوية (أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) درساً عملياً محكماً لا يشذ عن ذهن الطالب منه مسألة البتة. وكم يروج سوق الصدق يوم يعاقب الأساتذة التلميذ على الكذبة يكذبها ويكافئونه على مسألة يصدق بها. وهكذا سائر الآداب والأخلاق وبديهي أن التلميذ إذا نشأ هذا النشء الإسلامي وترى هذه التربية الدينية مع ما يتعلمه في المدرسة من العلوم النافعة والفنون الراقية يخرج عضواً نافعاً لوطنه ودولته وأمته. طريقة التربية الدينية يجب علينا أن نعنى بمسألتي التعليم والأخلاق فيلزم المعلم أن يجتهد في تربية نفوس الأطفال التي ينبغي السير عليها لتوجد فيها الملكات والصفات الفاضلة ويروضها على التباعد عن الرذائل حتى يكون المتحلي بمحاسن الصفات ناشئاً على ما يوافق الاجتماع البشري لا سبيل للمعلم إلى ذلك إلا من قبل الدين وآياته. فيجب عليه أن يملأ قلب هذا الطفل الساذج من خشية الله تعالى وتعظيمه وإجلاله وتوقيره بحيث يجل مقام الألوهية السامي فإذا ذكر اسم الله أمامه ارتعدت فرائصه خشية له سبحانه وهذا يكون إذا حمل المعلم الصبي على ملاحظة أن الله هو الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأنبت لنا به ما كان سبب حياتنا وأنه يبدأ الخلق ثم يعيده وأنه جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً وهكذا يذكر له من حكم الله تعالى في مخلوقاته ما يضطره إلى الإذعان لسيطرة هذا الإله الكبير والاعتراف بكبريائه وعظيم سلطانه فيمتلئ حينئذ قلبه خشية وصدره رهبة ويمثل الأوامر ويقف عند الحدود. أهمل معلمو مدارسنا التربية على هذه الطريقة الدينية والسير على هذه الخطة الشرعية فهم يأمرون الأولاد بالنظافة مثلاً ولكن لا يعلمونهم أن الشرع الشريف حث عليها يحرضونهم

على تقليم الأظفاؤ وتحسين الثياب ولا يذكرون لهم ما في ذلك من المنافع الدينية يأمرونهم بالصلاة ولا يعلمونهم ما للمصلين عند الله يحاسبونهم على الصغيرة والكبيرة ولكن لما يتعلق بشؤونهم الخاصة وقانون مدارسهم الداخلي ويوم يجني الطفل على الأخلاق والآداب فيؤذي أولياءه أو رفقاءه بكذباته أو نميماته لا يحاسب ولا يعاقب ولأن حوسب فللضرر الذي أحدثته جريمته لا لنفس الكذب والخطيئة باعتبار قبحهما وذم الشارع لهما ما أتعس هذا لطريق وأوعر هذا المسلك ماذا نأمل من ولد هذه تربيته وتلك خطته ونشأته ولا يؤنب على الكذب ولا يعنف على الخيانة ولا يلام وإن أحاطت به الخطيئات. فيا رؤساء المدارس ربوا للدين وهذبوا للدين واجعلوا أعمالكم لما يرضى به الدين أفهموا الصغير بعض ما يقرأه من القرىن العظيم علموه إجمالاً معنى قول الله سبحانه ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وقوله ثم نبتهل فنجعل لعنى الله على الكاذبين وقوله شسبحانه والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه تيوب إلى الله متاباً والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً وقوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله سبحانه لا تقف ما ليس لك به عليم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروهاً وقوله سبحانه يل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. وقوله تعالى: ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب ان ماله خلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي طلع على الأفئدة إنها عليهم موصدة في عمد ممددة وقوله سبحانه أرأيت الذي يكذب في الدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون وغير ذلك من الأوامر والنواهي التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب المجيد لانتظام حياة

البشر ثم ارصدوه أمام ثمرات هذه الآيات العظيمة وناقشوه الحساب إن تباطأ أو تكاسل وحينئذ تخرجون أطفالاً آمنت ظواهرهم وبواطنهم وملأت خشبة الله قلوبهم يفرون من الكذب والغدر والغش والتدليس يخدمون أمتهم ودولتهم بصدق وأمانة ووفاء. أمثال هؤلاء هم الذين تطمئن غليهم نفوسنا هم الذين نعهد إليهم بتربية أولادنا وإصلاح تجارتنا وزراعتنا هم الذين نختارهم هم الذين ننتخبهم هم الذين نجعلهم وكلائنا ونرضى أن يصلحوا أوطاننا نسلمهم مقاليد أمورنا قرب الله أياماً تسير فيها مدارسنا هذا لسير المبارك فتجمع أمورها على ما يوافق الدين الذي هو روح حياة البشر جميعاً. لها بقية

رأي الغزالي في تربية الأطفال

رأي الغزالي في تربية الأطفال (بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول مشوهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم) اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنو قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من القرناء السوء ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاخية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه فإذا وقع عليه نشو الصبي انعجنت طينته من الخبث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث ومهما رأى فيه مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته وأول ذلك ظهور أوائل الحياة فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه حتى يرى بعض الأشياء قبيحاً ومخالفاً للبعض فصار يستحي من شيء دون شيء وهذه هدية من الله تعالى إليه وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهم بل يستعان على تأد \ يبه بحيائه وتمييزه وأول ما يغلب عليه من الصفات شره الطعام فينبغي أن يؤدب فيه مثل أن يأخد الطعام بيمينه وأن يقول عليه بسم الله عند أخذه وأن يأكل مما يليه وأن لا يبادر إلى طعام قبل غيره وأن لا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل وأن لا يسرع في الأكل وأن يجيد المضغ وأن لايوالي بين اللقم ولا يلطخ يده ولا ثوبه وأن يعود الخبز القفاز في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث لا يرى الأدم حتماً وتقبح عنده كثرة الأكل بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل ويمدح عنده الصبي المتأدب قليل الأكل وأن يجب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به والقناعة بالطعام الخشن أي طعام كان وأن تحبب إليه من الثياب البيض دون الملون والأبريسم ويقرر عنده إن ذلك شأن النساء والمخنثين وأن

الرجال يستنكفون منه ويكرر عليه ذلك ومهما رأى من صبي ثوباً من أبريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه ويحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغبه فيه فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوه خرج على الأغلب ردئ الأخلاق كذاباً حسوداً سروقاً نماماً لحوحاً ذو فضول وضحك وكياد ومجانة وإنما يحفظ عن ذلك بحسن التأديب ثم يشغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين ويحفظ الأشعار التي ذكر فيها العشق وأهل ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس. فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة فعند ذلك إن عاد ثانياً فينبغي أن يعاتب سراً ويعظم الأمر فيه ويقال له إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفتضح بين الناس ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحياناً والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح وينبغي أن يمنع من النوم نهاراً فإنه يورث الكسل ولا يمنع منه ليلاً ولكن يمنع الفرش الوطيئة حتى تتصلب أعضاؤه ولا يسمن بدنه فلا يصبر على التنعم بل يعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله في خفية فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح فإذا ترك تعود فعل القبيح ويعود في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل ويعود أن لا يكشف أطرافه ولا يسرع المشي ولا يرخي يديه بل يضمهما إلى صدره ويمنع أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والده أو بشيء من مطعمه وملابسه أو لوحه وأدواته بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره والتلطف في الكلام معهم ويمنع من أن يأخذ من الصبيان شيئاً بدا له حشمة إن كان من أولاد المحتشمين بل يعلم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ وأن الأخذ لؤم وخسة ودناءة وإن كان من أولاد

الفقراء فيعلم أن الطمع والأخذ مهانة وذلة وإن ذلك من دأب الكلب فإنه يبصبص في انتظار لقمة والطمع فيها وبالجملة يقبح في الصبيان حب الذهب والفضة والطمع فيهما ويحذر منهما أكثر مما يحذر من الحيات والعقارب فإن آفة حب الذهب والفضة والطمع فيهما أضر من آفة السموم على الصبيان بل على الأكابر أيضاً وينبغي أيعود أن لا يبصق في مجلسه ولا يمتخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ولا يستدبر غيره ولا يضع رجلاً على رجل ولا يضع كفه تحت ذقنه ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل كسل ويعلم كيفية الجلوس ويمنع كثرة الكلام ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وإنه فعل أبناء اللئام ويمنع اليمين رأساً صادقاً كان أو كاذباً حتى لا يعتاد ذلك في الصغر ويمنع أن يبتدئ الكلام ويعود أن لا يتكلم جواباً إلا وبقدر السؤال وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سناً وأن يقوم لمن فوقه ويوسع له المكان ويجلس بين يده ويمنع من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والسب ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسري لا محالة من القرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء إلى أن قال وينبغي أتن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعب دائماً يميت قلبه ويبطل ذكاؤه وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه وكل من هو أكبر منه سناً من قريب أو أجنبي وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم وأن يترك اللعب بين أيديهم ومهما بلغ من التمييز فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان ويجنب لبس الديباج والحرير والذهب ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع ويخوف من السرقة وأكل الحرام ومن الخيانة والكذب والفحش وكل ما يغلب على الصبيان فإذا وقع نشؤه كلك في الصبا فمهما قارب البلوغ أمكن أن يعرف أسرار هذه الأمور فيذكر له أن الأطعمة أدوية وإنما المقصود منها أن يقوى الإنسان بها على طاعة الله عز وجل وأن الدنيا كلها لا أصل لها إذ لا بقاء لها وأن الموت يقطع نعيمها وأنها دار ممر لا دار مقر وأن الآخرة دار مقر لا دار ممر وأن الموت منتظر في كل ساعة وأن الكيس العاقل من تزود من الدنيا للآخرة حتى تعظم درجته عند الله تعالى ويتسع نعيمه في الجنان فإن كان النشو صالحاً كان

هذا الكلام عند البلوغ وقعاً مؤثراً ناجعاً يثبت في قلبه كما يثبت النقش في الحجر وإن وقع النشو بخلاف ذلك حتى الف الصبي اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس التزين والتفاخر نبا قلبه عن قبول الحق نبوة الحائط عن التراب اليابس فأوائل الأمور هي التي ينبغي أن تراعى فإن الصبي بجوهره خلق قابلاً للخير والشر جميعاً وإنما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.

المقتبس والمومسات

المقتبس والمومسات كتب بعض المتفرنجين الذين طبع الله على قلوبهم، يطلب من حكومة دمشق إرجاع المومسات إلى محالهن أو إنشاء بيوت لهن تباع فيها الفروج بيع السلعات وتنتهك فيها حرمات الله جهازاً في بلاد المسلمين فكتبت الحقائق مقالة مسهبة بينت فيها ضرر الزنا بالأخلاق والآداب والعمران وأن الإسلام وجميع الشرائع حرمته وزادت في عقوبات مرتكبيه وحثت الدمشقيين على مطالبة الحكومة بالقضاء على هذه الفاحشة بما يخولها إياه القانون وتراه مناسباً وكرت على المتفرنجين الذين لا يقنعون بالأدلة الدينية مخاطبة لهم بما معناه أنكم تدعون إلى تقليد الغربيين في جميع مناحيهم فهلا دعوتم إلى تقليد إنكلترا في منع محلات الفحش بدلاً من أن تطلبوا من الحكومة وهي إسلامية بنص القانون الأساسي بإرجاع المومسات إلى محالهن أو إنشاء بيوت خاصة لهن ونقلت عن مجلة الهلال لصاحبها الشهير جرجي زيدان أن انكلترا ليس عندها محال عامة رسمية للبغاء إلى آخر ما كتبت الحقائق فراجعه فإنه ينبغي لكل مسلم الاطلاع عليه. صدرت الحقائق فكان للمقالة وقع حسن عند جميع المتدينين وقدروها حق قدرها وشكروا عناية أصحاب المجلة بهذه المسألة الخطيرة كما أن صاحب المقتبس استاء منها شأنه في الأمور التي يدعو إليها لدين فكتب مقالة في المقتبس عدد 722 حشر فيها لطعن والبذاءة ما ننزه قلمنا عن الرد عليه ظاناً أنه يؤثر بذلك على عزائمنا وفاته أننا قوم نرى الموت في سبيل الدين والرقي حياة وها نحن نعود إلى بيان ضرر هذا المحل (المرقص) والنفع الذي حصل من إبطاله فنقول: فوائد إبطال المرقص لو لم يكن من إبطال هذا المحل فائدة إلا ما حدث من توبة كثير من المومسات من هذه الخطيئة الشنيعة التي تستوجب غضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لكفى ذلك فضلاً فهنيئاً لك أيها الوالي الصالح وهنيئاً لكم ايها الساعون بإخراجهن فقد نلتم رضا الله ورضاء عموم أهل الدين والعرض قال عليه الصلاة والسلام لأن يهدي الله بك رجلاًَ واحداً خير لك من حمر النعم لو لم يكن من إبطال هذا المحل فائدة إلا انقطاع تجدد المومسات وخروج بعض النساء على أهلهن ودخولهن إلى هذا المحل لتقهر المرأة زوجها وأخيها وعمها

وتتخلص من حكمهم على زعمها وبذلك تصير سبب الشقاء لأهلها وأمتها ونفسها لكفى. وهنا مجال لأن نسأل من يريد إبقاء محال الزنا إذا كان المرقص موجوداً وأراد حرمه الطاهر (لا سمح الله) أن يدخل في سلكه فماذا يعمل؟. لو لم يكن من إبطال هذا المحل فائدة إلا حفظ أخلاق الشبان ودينهم وتزوج من كان يكتفي بدخوله إلى هذا المحل المشؤوم لكفى وأما مضاره الناشئة عن وجوده فواضحة جلية لمن له قلب. مضار وجود المرقص منها فشو الفحشاء وفساد الأخلاق وشبوع الدياثة والقيادة والسكون إلى اللهو والخلاعة وغير ذلك مما أودى بكثير من الدول كما دلنا التاريخ على ذلك ومنها إضراره بالصحة العامة فإن أكثر المومسات مصابات بالداء الزهري فيأتي من شملته التعاسة ليقضي شهوته وينال اللذة على زعمه الفاسد فيخرج وقد حمل الشقاء إلى بنيه وأهله وأمته وحمل لهم داء عضالاً يثنون منه مدى حياتهم وينتقل في أعقابهم وذرياتهم. ومنها أن بيوت المرقص هي ملك لبعض الخاطئات جعلنها معاشاً فتراهن يستغوين النساء ويرغبنهن بهذا الأمر الشنيع وحدثنا بعض من له علم بحقيقة الأمر أنمه يعلم كثيراً من المومسات قد التحقن بالمرقص (لأمور طفيفة) مثلاً تطلب المرأة من زوجها حلياً أو مصاغاً أو ثياباًَ ثمينة فيمنعه فقره من القيام بما تطلبه فتذهب إلى المرقص فتجد من هذه المالكات المتجرات بالأعراض وجوهاً باسمة وصدوراً رحبة فيعطينها بيتاً ويلبسنها ثياباً وحلياً ويكتبن بذلك سنداً عليها فتصبح شقية تعيسة تكدح بعرضها لتقوم بما كتب عليها فهل بعد هذا يقال أن المرقص سياج الحرائر والحال أنه سبب فسادهن ثم قال المخبر فهؤلاء المتجرات هن اللواتي يعجزن الحكومة اليوم ويطلبن الرجوع إلى محلهن ويدعين أنهن بائسات فقيرات فيجدر بالحكومة أن تحقق عنهن. هذه أدلة اجتماعية عمرانية تحكم بها المشاهدة فيجب أن يقنع بها المتفرنجون الذين أعماهم جهلهم عن حسنات الدين وكونه نافعاً للبشر ونراها كافية لمن يريد أن يعتبر أما عمي البصائر فلا يقنعهم شيء. بقي علينا أن نبين للمتدينين ما يلحقهم من التبعات والآثام إزاء دينهم إذا رضوا بإرجاعهن

إلى محالهن أو إسكانهن في محل آخر. إن الزنا مما علم تحريمه في الدين بالضرورة فإتيانه حرام والرضى به حرام عليه حرام ثبت بالأدلة الواضحة المسندة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما ادعاء حدوث الضرر من إخراج المومسات من محالهن لأنهن قد اختلطن بالحرائر وكثر فسادهن فهو على فرض تسليمه يجب تلافيه بالطرق المشروعة القانونية لا بإرجاعهن أو باسكانهن في محل آخر على أنا قد كفينا والحمد لله أمر غالبهن فإن كثيراً منهن قد قدمنا وكثيراً منهن قد سافرن إلى بلاد أخرى وطبقات الحكومة قانون المتشردين على بعضهن أما الباقيات فيكفيهن أثل عناية بأمرهن ليخرجن من هذا الشقاء. هذا ما أردنا أن ننصح به أخواننا الدمشقيين ليكونوا على حذر ممن يريد السوء بهذا البلد الطيب ويكفي في الفرق بيننا وبين المتفرنجين أنهم يدعون إلى الزنا ونصد عنه ويريدون شيوع الفحش بين المسلمين وننفر عنه (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).

الحقائق وأعداؤها

الحقائق وأعداؤها لو أني بليت بهاشمي ... خؤلته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن ... (تعالوا فانظروا بمن ابتلاني) خلق الله الخير وقيض له أهلاً وأنصاراً وقدر الشر وجعل له فئة وأعواناً فطوبى لمن كان من عوامل الخير وأنصاره وويل لمن كان من أهل الشر وأعوانه. منيت هذه الأمة الإسلامية بما منيت به من الضعف لما انحطت فيها رتبة الوازع الديني وقل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أهمل أهل الدين والعلم هذه الفريضة فقام زعماء الباطل وأعداء الدين دعاة الفساد ينشرون بين ذويهم ومعارفهم وعلى صفحات الصحف ما يتبرأ منه العقل وتنبذه الأخلاق الفاضلة ويصادم ضروريات الدين ظناً منهم بأن سلطة الدين انتهى أمدها بسكوت رجاله عن الذود عن حياضه. غرهم هذا السكوت وزمناً فكانوا يسرحون ويمرحون فرحين بما خولهم الدستور من حرية القول معلقين الآمال الطويلة على خفوت صوت العلم وأهله وخلو الجو لهم إلى أن قيض الله تعالى أصحاب مجلة الحقائق الذين يعلم الله وملائكته والناس أجمعين أنهم أنشؤوها لمحض خدمة العلم والدين. هال هؤلاء السفلة المتفرنجين ظهور الحقائق بهذا المظهر الديني بعدما وهموا بأن السيطرة تمت لهم ولم يرق في أعينهم قيامها في وجه البدع ومحاربتها للمنكرات فطفقوا يناصبونها العداء ظناً منهم أنهم يقطعون عليها سيرها وجهلاً بقوله صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله). أما والحق إن الحقائق ستقطع ألسنتهم وترد كيدهم إلى نحورهم وتوقفهم عند الحد الذي ينبغي أن يقفوا عنده وهم مهما جدوا في سبيل التفرنج ودعوة الناس إليه فليسوا بقادرين أن يحللوا المنكر من الدين بالضرورة فقد تكفل الله بحفظ شرعه وهو يقبض له في كل زمن من يغار عليه ويذب عنه. لم يكتف أولئك الجهلة الأغبياء بتعمدهم إيذاء أهل الدين فهم لا يحمدون من الحكام لا من كان موالياً لهم وعلى شاكلتهم وأما الحاكم الذي يعرف مكنونات ضمائرهم وما يبطنون من بغض الدين، وأهله والصلاح ورجاله، فيقصيهم ويبعدهم ويحلهم حيث يستوجب أقدارهم

فهم لا يفتئون يتربصون به الدوائر ويصورون أعماله المنطبقة على الدين والمصلحة بصورة المنكرات التي يجب إزالتها. (ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا). تمسك أولئك المتفرنجون الزعانف بالمثل العامي (الوقاحة بضاعة رابحة) لذلك لا يخجلون أن يقولوا للعامة أن إزالة المنكرات جريمة، وأن تسهيل طرق البغاء أمر لازم يجب على الحكومة القيام به وعلى الأمة المطالبة به. وأغرب من ذلك أن زعموا أن العقلاء المتدينين قائلون بقولهم إذ ليس معروفاً في معنى المتدين إلا المتمسك بالدين وهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يصرحان بكبيرة الزنا وعقاب مرتكبيه فهل يكون الطالب لتسهيل الطرق لمنكرات الدين والمجاهرة بها متديناً وهل هذا إلا تلاعب بالدين وزواجره واحتقار أهله؟ وأغرب منه في الوقاحة أن زعموا أن الدين نتقص يحتاج أن يكملوه فهم يقولون أن إباحة المنكرات لازمة للمصلحة وأن تسهيل طرق الزنا ارتكاب لأخف الضررين كأن الله تعالى لم يتم شرائعه! ولم ينزل في كتابه العزيز (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).

المقتبس يطلب من الحكومة محال للزنا

المقتبس يطلب من الحكومة محال للزنا أعيذك بالرحمن من شر كاتب ... له قلم باغ وآخر كاذب إن الله ورسوله ينهون عن الفحشاء والمنكر والبغي والمقتبس ورهطه يسعون في فساد أخلاق شبان دمشق ويرضون بالفحشاء والمنكر والبغي وإليك أيها القارئ الكريم بيان ذلك. أولاً يطالبون الحكومة بمحال للزنا لتسهل طرق البغاء لكل امرأة نشزت عن أهلها مغاضبه لهم بسبب تأديبهم لها فتعتصم بتلك الأماكن وتحترف بعرضها وتترك صبية لها يشبون في حجرات المذلة والهوان. وأهلاً ينكسون رؤوسهم بما ألصقته بهم من العار مدة حياتها وحياتهم. ثانياً /: يقول المقتبس بعدد 722 (وما قط انقطعت شأفة الموبقات حتى في أشرف البقاع الطاهرة أيام كان الدين غضاً والأخلاق الفطرية راسخة) فكأن المقتبس يشير بذلك إلى الحرمين الشريفين في عصر الخلفاء الراشدين عصر إقامة الحدود العصر الذي نفى فيه عمر رضي الله عنه الشاب من المدينة لما بلغه تغزل النساء به وأبعده عنها وذلك حفظاً للأخلاق الإسلامية وقطعاً لسريان الفساد فأنت ترى كيف نفى عمر رضي الله عنه هذا الشاب لتوهم وقوع الفساد بين الأمة وكيف يضلل صاحب المقتبس الناس بمثل تلك الأقاويل وهل يطلب من الحكومة إلا إقامة الحدود ودرء المفاسد بالقدر المستطاع ولكن ما الحيلة في مثل هؤلاء الكتاب الذين لا يعلمون من أمور الدين شيئاً. ثالثاً: نشر المقتبس في العدد المذكور قوله (فكيف بنا نطمع في مثل هذه الأماني البعيدة في زمان وصل فيه فساد الأخلاق حتى رأينا الأخ يسطو على عرض امرأة (أخيه وعلى امرأة أبيه وعلى ابنته وامرأة عمه وكثرت أساليب الفحش) فكل من طلع على المقتبس وكان جاهلاً أحوال الأمة يقول أن الأمة انتهكت لا سمح الله حرماتها وضاعت لا قدر الله أنسابها وارتكبت أعظم المنكرات وأحلت ما حرم الله ورسوله. انظر يا رعاك الله كيف يصم المقتبس أمته بالمروق من المروءة والعرض والناموس وكيف صورها عارية من الإنسانية والشرف والإخلاص وأنها أدنى حالة من بعض البهائم والوحوش إلى غير ذلك من الصور الفظيعة التي حملت الناس على إساءة الظن به وتخرصهم عليه بأنه إنما يشرح من هم على شاكلته. رحماك اللهم إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور لأجل إرضاء

المومسات صاحب المقتبس نص القرآن الكريم وأحاديث الرسول الفخيم ويلصق الفعل القبيح والعار الصريح بالبلد الطاهر وعصر الخلفاء الزاهر سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم. إن محرري الحقائق نخبة من أهلب العلم والفضل ارهفوا أقلامهم وأرووا محابرهم ووقفوا بالمرصاد لكل مبتدع يدعو الناس إلى ما يخالف الله ورسوله وما عليه أئمة المسلمين ومن جملة المفاسد التي قاموا بردها مفاسد المقتبس التي يرتشفها من كؤوس أقلام دعاة الضلال الذين خذوا يطالبون الحكومة بتشييد محلات للزنا أو رد الزواني إلى محالهن (المرقص) فدحضت الحقائق شبهته وردت أقاويله وبينت تحريم الزنا وعقوبات مرتكبيه في عامة الأديان وجميع النواميس البشرية وأثبتت أن الإنكليز وهم من أرقى أمم الأرض لم يفتحوا مواخر للمومسات بجميع ممالكهم فكان جوابه الطعن والقدح شأن قصار الحجة وضعاف الأحلام. إن ال دمشق مضى عليهم خمسة عشر عاماً وهم يراجعون حكومة الأستانة لتطهير دمشق من أولئك العاهرات الفاجرات الزواني الذين أمرنا الله تعالى بإجراء الحدود عليهن وأن لا تأخذنا بهن رأفة إن كنا نؤمن بالله واليوم الآخر حتى صدر ولله الحمد في هذه الأيام الدستور والمشروطية لأمر من حكومة الأستانة بإخراجهن وطردهن أولاً وثانياً وقد صدق على أخراجهن مجلس الأعيان ومجلس المبعوثان وصدرت الإرادة السنية آمرة بذلك أيضاً وفق الله دولة والينا الدستوري الصالح لتنفيذ هذا الأمر فصدع بذلك وطهر تلك المحلة بل جميع دمشق من هذه الخبائث فجزاه الله وكل محب للدين وأحسن الجزاء هذا ولعل قائلاً يقولم هل ما عليه المومسات اليوم من انتشارهن في ضواحي المدينة وتهتكهن جهاراً بين الناس ينطبق على الآداب ويلائم الشرف والغيرة؟ فنقول في الجواب له: إن ما يشاهده الناس اليوم كانوا يشاهدونه من قبل ولم يكن محظوراً على أولئك الشقيات قبل إخراجهن من محالهن التجول في الشوارع بل كن يغازلن أراذل الجهال في الأسواق على مرأى من الناس ومسمع وفي رأينا أن الحكومة التي وفقت لمنع المفسدة الأولى وهي وجود محال لهن يمكنها أن تتدارك بالحكمة المفسدة الثانية وهي انتشارهن في الشوارع وذلك بأن تؤلف في الحارة جمعية من أهل الدين والغيرة تحت نظر الحكومة المحلية لتنظر في أمر الباقيات منهن فتميز ذوي اليسار لتضرب الحكومة على أيديهن لأنهن المادة الفعالة في هذه المفسدة وترسل بهن المرض الزهري إلى المستشفيات

ومن يبقى منهن يجمع في محل خاص يقف على بابه مراقب من طرف الحكومة لمنعهن من الخروج ويتعهدن بالموعظة الحسنة ويحبب إليهن التزوج ويبين لهن فظائع هذا المنكر وتتكفل هذه الجمعية بالإنفاق عليهن مما تجمعه من أهل اليسار والخير وتحرض أهل النخوة والحمية من الشبان على الاقتران بهن بالنكاح الشرعي بواسطة نائب الشرع الشريف ولا بأس إذا أعدوا لهن صنائع يتعلمنها أثناء النهار فلا يمضي زمن قليل إلا وقدامنا من غوائل هذا المصاب العظيم وتكون الحكومة والجمعية قد خدمتا الأمة والدين أحسن خدمة يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإلى هذه الجمعية ندعو أرباب الدين وإلى تأليفها ننادي المصلحين والأمر لله وهو ولي المحسنين.

خاتمة السنة الأولى

خاتمة السنة الأولى انتهت السنة الأولى من هذه المجلة وقد كانت كما عرفها القراء حافلة بالمواضيع النافعة، ذابة عن الدين وأهله، مقاومة للبدع والضلالات، داعية إلى أحاسن الأخلاق، وقد لاقت من العقبات والصعوبات ما لا يسلم منه مبتدئ في عمل وداع إلى خير فقد عارضها في بدء ظهورها بعض المتفرنجين بالتنفير منها، ومحاولة عدم انتشارها، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، والحقيقة لا بد أن تظهر مهما حاول أعداء الإصلاح القضاء عليها. وستصدر إن شاء الله تعالى في السنة الثانية أكبر حجماً وأغزر مادة مع بقاء قيمة الاشتراك بحالها والمحافظة على مبدئها الشريف وهو خدمة الدين والدعوة على التخلق بالأخلاق الإسلامية ومحاربة العادات الضارة والأمل أن لا تحرم من أهل الفضل إقبالاً وهنا نشكر من آزرونا في هذا المشروع الجليل (على قلتهم) بأفكارهم وكتاباتهم ونسأل الله أن يجزيهم حسن الجزاء ويوفقنا وإياهم لخدمة الدين والأمة.

فاتحة السنة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة السنة الثانية يا من مننت علينا بخدمة (الحقائق) أوزعنا شكر نعمائك. ويا من ألهمتنا الرشد أفض علينا من جزيل آلائك. وصل وسلم على نبيك محمد المبعوث بالبيضاء النقية. والسمحاء الحنيفية. وارض عن آله وأصحابه المتبعين هديه. والمقتفين آثاره. وبعد فقد اجتازت مجلتنا (الحقائق) عامها الأول وهاهي على رأس عامها الثاني تحمد الله على أن جعل الثبات في نصرة الحق رائدها والتفاني في خدمة الدين وجهتها. أنشئت هذه المجلة لغرض هو كل عصر أسمى ما يتطلبه أصحاب العقول السليمة. خصوصاً في هذا العصر الذي انتشرت فيه البدع وتظاهر أهلها وأخذ أهل الزيغ يفتنون العامة عن دينهم باسم المدينة الغربية، وشبه الفنون العصرية. وإن كان منها ما يضاد مبادئ الأديان ونواميس العمران. ويوهمونهم أن الغربيين وصلوا إلى ما وصلوا إليه بترك الائتمار بأوامر الدين. دعانا هذا الغرض السامي (خدمة الدين) إلى إنشاء هذه الصحيفة لنقوم بهذا الواجب الكفائي. ولم نتكل في المساعدة الأعلى وعد الله تعالى بنصرة من ينصره. وأنا لنشكر من تفضلوا بآرائهم وكتاباتهم جزاهم الله خيراً. وأملنا أن يكثر سواد المؤازرين في هذا العام لأن أهل العلم والدين كثيرون ويدهم العليا. وكلمتهم النافذة وكنا حينما نسمع تأففهم من الحالة الحاضرة وقيام أهل البدع بنشر ضلالاتهم على صفحات الصحف وانحياز كثير من أهل الصحف لهذا الفريق نظن أنهم سيكونون عوناً لنا على هذا المشروع الذي أنشئ على ما يحبون من نشر السنة، وقمع البدعة فلم نر من كثير منهم إلا مدحاً للمشروع والقائمين. به وضناً بما يجب من المساعدة الفعلية. ونحن على مثل اليقين من مساعدتهم لهذا العمل المبرور في دوره الثاني حقق الله الآمال. ولم نتمكن في سنتنا الماضية من التوسع في جميع مباحث المجلة التي نوهنا عنها في الخطبة. وخصوصاً مبحث الأخلاق الذي يجب صرف مزيد العناية إليه ذلك لأنه عرض لنا لزوم الرد على كثير من البدع الحادثة في الدين فضاق نطاق المجلة عن الإسهاب في بقية المواضيع على أننا ما أغفلنا مبحثاً مما نوهنا به فكتبنا في التوحيد. واللغة العربية.

والأخلاق. والأسئلة والأجوبة. والانتقاد. والتاريخ. والأدبيات. سنتوسع إن شاء الله في عامنا الثاني في هذه المباحث سيما الأخلاق ورد البدع الحادثة. لأنه بهذين النوعين يتحقق مبدأ المجلة من خدمة الدين. والمسلمون لا يعوزهم في عروجهم لمعارج الرقي إلا التخلق بأخلاق الدين. ونبذ البدع الحادثة التي يدسها في الدين أعداؤه باسم الإصلاح. وعملاً بسنة الرقي عمدنا عدا عن التوسع في المباحث إلى توسيع حجم المجلة وإتقان طبعها وتصحيحها. وستكون إن شاء الله عاملة على سنن الرقي التدريجي يوماً فيوماً. ولم نزد في قيمة الاشتراك الزهيدة شيئاً ليسهل تناول (الحقائق) على كل محب للاستفادة. ولأن الربح المادي ليس له حظ من النظر في هذا المشروع. وأصحابه بعيدون عن تجارة الصحف والانتفاع منها. واعتمدنا في تأييد الحق. وتزييف البطل. على البرهان الساطع. والدليل القاطع. ونرغب إلى من يريد انتقاد المجلة أن يجعل سلاحه البرهان. لا السفه والبهتان. ونكرر رجاءنا لأهل العلم والفضل أن لا يضنوا علينا بنصائحهم وآرائهم وانتقاد ما يرون في المجلة من مظان الخطأ (ويرحم الله من أهدى إلى عيوبي) وإننا نرتاح إلى الانتقاد العادل أكثر من تحبيذ العمل والإطراء بالمدح. وفي الختام نطلب من الله تعالى أن تكون (الحقائق) في عامها الجديد أكثر تجويداً للمباحث. وإقداماً في نصرة الحقيقة. وفائدة للقراء وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم. ويرد عنه تحامل الجاهلين. وكيد المتفرجين. إنه جزيل العطاء. مجيب الدعاء.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 9 صفات الأفعال قد أرشدنا البرهان إلى أن الله تعالى هو الخالق للكون لا عن مادة استمدها والصانع له لا بآلة استعملها والقيوم الذي لا تشغله الشؤون والقدير الذي لا تؤوده المعضلات ولا تعيبه المشكلات خلق فأحسن، وأسس فأتقن وبرأ البرايا صنوفاً وضروباً، وقسمها فرقا وشعوبا، ونظم الكون ورتب مصالحه العظمى إلى أكمل إتقان حسبما خصصت إرادته واقتضت حكمته (خلق كل شيء فقدره تقديراً). هنا لا نريد أن نسوق البراهين الدالة على وحدانيته تعالى وانفراده بالخلق والإيجاد، وتنزهه عما شاكل مخلوقاته وعلوه عن كل ما يخطر بالبال، إذ الكون بجملته وتفصيله يدل على هاتين العقيدتين دلالة واضحة لا تحتاج لإحالة نظر وإعمال فكر وقد أشبعنا الكلام على ذلك في بحث الوحدانية وإنما الغاية التي نريدها هنا أن نبين مقصدين الأول أن كل ما يشاهد في الكون هو مخلوق لله تعالى وحده وأن ما ينسب إلى العباد من الأفعال والحركات هي نسبة مجازية (الله خالق كل شيء) (والله خلقكم وما تعملون) المقصد الثاني أن أفعال الله تعالى من خلق ورزق وإحياء وإماتة وتنعيم وتعذيب وإعطاء ومنع كلها محكمة ملقنة صادرة عن علم وإرادة واختيار مشتملة على حكم ومصالح لعباده ليست أسبابا باعثة على إقدامه ولا على مقتضية لفاعليته حتى يلزم استكماله بها فليس من أفعاله تعالى ما يكون واجبا عنه لذاته بحيث يصدر عنه بالعلية المحضة والاستلزام الوجودي إذ هو الفاعل المختار المتصرف في ملكه بما يقتضيه كمال ربوبيته وبالغ حكمته وليس من مصالح ما يجب عليه مراعاته وجوب إلزام بحيث لو لم يراعه لتوجه عليه اللوم إذ هو المتفضل بالخلق والإبداع والمتطول بالإيجاد والاختراع والوجوب عليه يستدعى القهر والتكليف (وهو القاهر فوق عباده). فلا يلتفت إلى قول المتهورين الذين يزعمون أنه يجب على الله تعالى رعاية المصلحة في أفعاله وتحقيق وعيده فيمن تعدى حدوده وأن أفعاله تعلل بالأغراض إلى غير ذلك من شطحات الظنون ونزعات الأهواء التي ينزه مقام الإله عن نسبتها إليه.

أبرز الله تعالى هذا العالم مشحوناً بضروب من الحكم فكل ذرة من الذرات من جوهر وعرض وصفة وموصوف لا تخلو عن حكمة وتلك الحكمة منقسمة إلى جلية وخفية إما الجلية فكالعلم بأن الحكمة في خلق الشمس أن يحصل بها الفرق بين الليل والنهار فيكون النهار معاشاً والليل لباساً فتيسر الحركة عند الأبصار والسكون عند الاستتار وهذا من جملة حكمها الجلية ولها حكم دقيقة لا يعرفها إلا من عرف الحكمة (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً). وكذا الحكمة في خلق السحاب ونزول الأمطار أن تنشق الأرض بأنواع النبات مطعماً للخلق ومرعى للأنعام وقد انطوى القرآن الكريم على جملة من الحكم الجلية التي تحملها إفهام الخلق تظهر لمن تتبعها دون الدقيق الذي تقصر إفهامهم قال تعالى (إنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضبا وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلبا وفاكهة وأبا). وأما الحكمة الخفية فكما في سائر الكواكب السيار منها والثابت بأنه لا يطلع عليها كافة الخلق والقدر الذي يحتمله فهم العامة أنها زينة للسماء وليهتدي بها في ظلمات البر والبحر وقد لا تدرك الحكمة أصلاً كما في إيلام البهائم والأطفال لقصور العقول عن إدراك سرها فيجب التسليم له تعالى فيما يفعله إذ هو تصرف في ما يملك له الحكم والخلق والأمر لا شريك له في إيجاد شيء من المخلوقات ولا في إمداده بالبقاء ولا في إعدامه بالفناء لا يسأل عما يفعل بحكم ربو بيته وكمال علمه وحكمته الباهرة وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً) فحدوث هذه المبدعات المحيرة للعقول وهذه الصنائع البالغة نهاية الدقة على مقتضى الحكمة أمر لا ينكره مكابر مهما بلغت منه الرعونة بل محض النظر لأجهزة الحيوانات ودقة تركب أعضائها على بعضها يدفع الإنسان رغم أنفه لأن يندهش من سعة سلطان هذه الحكمة فما بالك لو صعد بفكره إلى استعراض سائر عوالم الكون مما يعلمه بالحس وما يدركه بالاستدلال.

الإصلاح ومنتحلوه

الإصلاح ومنتحلوه ودعوة إلى الإصلاح من ينظر إلى كثرة مدعي الإصلاح اليوم نظرة عارية من التدقيق يتخيل أن الأمة أخذت تتمسك بأهداب الرقي وأنها قد تهيأ لها من رجال الإصلاح ما يكفل سعادتها وينهض بها في قليل من الزمن ولكن المفكرين لا يأبهون لهذه الضجة القائمة بل يعدونها ضغثاً على إبالة وسبباً جديداً من أسباب الانحطاط لم تبل الأمة بشيء بلاءها بهؤلاء الذين ينادون بالإصلاح وهم منه براء، ويدعون إليه وأفئدتهم هواء، يقولون ما لا يفعلون، ويهرفون بما لا يعرفون يقوم قائمهم يدعو الأمة إلى اتباع رأيه، والاهتداء بهديه، ولو فكرت فيه لوجدته أقل من أن يسمع له رأي أو يعمل له بفكر بل لوجدته في الغالب من شذاذ الناس الذين قعد بهم حب البطالة أو قصر الباع عن أن ينفعوا الأمة بشيء من الأعمال فاستلانوا هذا المركب الخشن ظناً منهم أن كل من كتب على صفحات الجرائد يعد كاتباً، وكل من نادى بالإصلاح يعد مصلحاً ولو دفع الأمة إلى الشقاء وأوقعها في أقصى درجات الانحطاط وفاتهم أن الأمة وإن تغاضت عنهم ردحا من الزمن فلا بد من أن تنبه إليهم وتناقشهم الحساب فيذوقوا وبال أمرهم ويلاقوا عاقبة شرهم. لو تأملنا قليلاً لوجدنا أن أكثر هؤلاء الذين يدعون الإصلاح هم ينبوع الشر وجرثومة الفساد وأن الأمة لا ينساب إليها الضرر إلا بسببهم ولا يحيق بها الخطر إلا من تهورهم فمنهم من غلب عليه حب الشهرة والرغبة في الصيت فتراه يكتب ويخطب وينخرط في سلك الجمعيات السياسية والخيرية ليقال عنه الكاتب المفكر والحر الغيور فإذا زفت له هذه الألقاب الفارغة سكنت ثائرته ولانت شرته وانكفأ يحمد مسعاه ولاهمَ له إلا أن يعرض على من عرف ومن لم يعرف أنه كتب مقالة نشرت في جريدة كذا وقريء شعره في حزب كذا وخطب ارتجالاً في حفلة كذا وأنه أصبح من العالمين ومنهم من يخدم شهوته ويعمل لذاتياته لا للنفع العام فينظم وينثر وينتقد أعمال الحكومة بصورة مفسدة لا مصلحة ويتسلط على الكبير والصغير ويحتقر المأمور والأمير ويتظاهر بحب الوطن ورقيه كل ذلك لينال وظيفة أو يروج جريدة فهو دائماً يميل مع الأهواء ويتقلب مع الأحوال فيذم اليوم من يمدحه بالأمس ويقدس في الغد من ينتقده اليوم حتى إذا ما أتيح له ذلك قال ذلك ما كنت أبغ

فاجعلني اللهم من الشاكرين ومنهم من يتظاهر بالإصلاح الديني فيجعل من الدين ما ليس منه وينكر منه ما هو ثابت فيه ويغرر العامة فتارة يدعوهم للاجتهاد وأخرى يريدهم على أن لا يتوسلوا بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومرة يطعن بالصحابة الكرام وعلماء الدين الأعلام وآونة ينقض أسس الدين فينكر الإجماع والقياس ويفسر الكتاب والسنة بما لا يرضاه الله ورسوله فهذا القسم أشد الأقسام ضرراً وأعظمهم خطراً وما الدافع له على ذلك إلا جهله المشين أو خدمة المبادئ الأجنبية لقاء وعد خلب أو مال يتقاضاه أجرة على تفريق المسلمين. ومنهم من يرى الإصلاح بتقليد الغربيين فيدعو إلى التمثيل والخلاعة واللهو والفحش ويطلب الاقتداء بهم في الأزياء ورفع الحجاب وغير ذلك من الأمور الضارة ويترك ما للغريبين من الصنائع والمعامل والاختراعات والاكتشافات ويظهر للناس إن الأمم الغربية لم ترق هذا الرقي إلا بترك الدين الذي هو العقبة الكؤد في سبيل الترقي والنجاح على زعمه الفاسد ويحملهم على الاستخفاف بعلماء الدين ويلصق بهم التهم ويعرض بهم في الجرائد والمحافل لأنهم يحولون بينه وبين ما يريده من دفع الأمة في تيار الفوضى الأدبية والانغماس في الملذات الجسمية السافلة - ومنهم من ينفخ بالأمة روح العصبية الجسمية والنعرة القومية جاهلاً أو متجاهلاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدعاء للعصبية - إن مسألة الجنسيات اليوم كادت أن تكون مسألة المسائل ولم يطرأ على الأمة شيء أكثر وأعظم ضرراً من هذه الفادحة التي إذا دامت تتزايد على هذه الصورة المزعجة تكون سبباً في تفريق جماعة المسلمين وفصم عرى الوحدة بين العثمانيين وبذلك يكون الداعون إلى هذه المسألة قد مهدوا السبيل للطامعين في البلاد وذللوا لهم الصعاب - إلا فليتق الله أولئك المفرقون وليعتبروا بما آلت إليه حال المسلمين من جراء تفرقهم واختلافهم وكيف وقعوا في شرك العدو فأذل رجالهم وأفقر بلادهم واضطهدهم في دينهم وعاداتهم. هؤلاء الذين تقدم ذكرهم لا يبالون بالأمة ارتقت أو انحطت تقدمت أو تأخرت. وإنما يجرون حسب أغراضهم وأهوائهم التي سبق تفصيلها حتى إنا رأينا كثيراً منهم وخصوصاً الصحافيين يتقلبون في المسألة الواحدة مرات عديدة حسبما تدور مصلحتهم ويكون نفعهم. ويوهمون البسطاء من الناس أنهم إنما يريدون بهم خيراً وأنهم ساعون في تثقيفهم وتهذيبهم

ويدسون من وراء ذلك من عوامل الشر والفساد ما يفت في ساعد الأمة ويجعلها في أخريات الأمم وقد استعملوا لتنفيذ مآربهم ونشر مفاسدهم سلاح الوقاحة والكذب فيأتون مثلاً إلى من أطبقت الناس على علمه وفضله فيصفونه بالجهل لمخالفته لهم في الرأي ويأتون إلى أجهل الناس وأحقرهم فيسمونه عالماً اجتماعياً أو زعيماً من زعماء الإرشاد ولا ثمن لتلك الألقاب إلا انصياعه لهم وتقديسه لأعمالهم وهم لا يخجلون إذا ظهر كذبهم وافتضح أمرهم لما اعتادوا عليه من الوقاحة وقلة الحياء (إذا لم تستح فافعل ما شئت) وشر كذبهم ما ينشرونه على صفحات الجرائد من غير مبالاة مع أن واجب على الصحافة أن تتحرى الصدق في أخبارها لأنها ستكون يوماً ما مادة للمؤرخ ومرجعاً للباحث نحن نعتقد أنه يوجد من بين هؤلاء الذين ينادون بالإصلاح رجال أخلصوا لأمتهم وأجهدوا أنفسهم لأن يرقوا بها في معارج الكمال ولكن العالمين من هؤلاء المخلصين قليلون لذلك كان عملهم عقيماً إذا لم نقل أن ضرره أكثر من نفعه. فالإصلاح يحتاج إلى العمل والجد والإخلاص واحتياجه إلى العلم اشد وافتقاره إليه أكد ولا فائدة من مصلح لا علم له كما لا فائدة من حاكم لا سلطة له فالخسران لأمة تقودها العمي ويصلحها الجهال. أيها العلماء المخلصون إن زمن السكوت قد انقضى بما منحتم من حرية الكلام والمجاهرة بالرأي فلا تتركوا الأمة تقع في مهاوي الدمار بسب هؤلاء المفسدين. أيها العلماء إن الله محاسبكم غداً عن هذه الأمة المسكينة التي تتقاذفها الأهواء منكل جانب فإنا لا نعلم وظيفة جوهرية لكم غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخذوا بيد هذه الأمة وأنقذوها مما هي فيه. واعملوا يداً واحدة على إيقاظ شعور المسلمين. علموهم كيف يرجعون إلى أخلاقهم علموهم كيف يكونون أقوياء في دينهم ودنياهم انشروا الآداب الإسلامية بينهم أصدروا الصحف الدينية لتسير في مشارق الأرض ومغاربها اعملوا على أن تقوموا بوظيفة الإرشاد حق القيام فإنكم منذ أهملتم وظيفتكم أخذ دعاة الفساد يسممون الأفكار ويضللون العامة ويتسلطون على الآداب ويطالبون الحكومة مطالبة حثيثة باسم الأمة أن تسير على أفكارهم وتنصاع لآرائهم وفي ذلك من ضرر مالا يخفى عليكم أيها العلماء. هذه الشريعة المطهرة ما اعتصم

بها أحد إلا نجا وفيها ما يوسرنا عليه لفقنا أمم الأرض وهذه كتب الفقه ملئ بالقوانين والمسائل المطابقة لحالة الزمن ولا ينقصها إلا أن تستخرج بأيديكم ألفوا الجمعيات لهذا الغرض الشريف وغيره من الأمور العامة. فإن الأمة معكم ولا تبخل بما لها عليكم ويد الله مع الجماعة أليس من العار أن نسام الخسف ونحن المسلمون وفينا العلماء والصلحاء والكتاب والمؤلفون والمفكرون مع أنه لا ينقصنا إلا أن نجتمع ونعمل يداً واحدة لنفوز في معترك هذه الحياة التي أصبحت بيد غيرنا بسبب ما أحدثوه من الاستعدادات وعلى كلٍ فأول واجب عليكم أن تكموا أفواه هؤلاء الذين يدعون الإصلاح من المتفرنجين والدساسين والساعين إلى أغراضهم حتى لا نكون عاملين على الخير وغيرنا عامل على الشر وفي ذلك من الخير مالا يقدر. وفق الله علماءنا إلى ما فيه لسعاد المسلمين.

مختارات

مختارات من الإيجاز والإعجاز للثعالبي الحكمة ضالة المؤمن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم والمؤمن لا يكون طعاناً ولا لعاناً صنائع المعروف تقي مصارع السوء اتقوا من تبغضه قلوبكم شقي الولاة من شقيت به رعيته من لم يعرف الشر يقع فيه شر الأمير من خافه البري قيمة كل امرئ ما يحسن الناس أعداء لمل جهلوا لا ترجون إلا ربك ولا تخافن إلا ذنبك الرخصة من الله صدقة فلا تردوا صدقته خير المال ما وقي به العرض نعم المحدث الدفتر كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج الأيام صفائح الأعمار فخلدوها بأحسن الأعمال عفو الملك أبقى لملكه أعفى الملوك أبصرهم بعواقب الأمور أعظم الخطاء محاربة من يحب الصلح إن الميت ومن لا دين له سواء ولا أمانة لمن لا دين له لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة وقل لا تستخفن الرأي الجليل يأتيك به الرجل الحقير فإن الدرة الفائقة لا يستهان بها لهوان

غائصها المسيء لا يظن بالناس الأشرار لأنه يراهم بعين طبعه من ودك لأمر بغضك عند انقضائه العاقل من يصدق بالقضاء ويأخذ بالحزم إذا شاورت العاقل صار عقله لك من سل سيف البغي قتل به ومن أوقد نار الفتنة كان وقود لها ما ذل ذو حق وإن أطبق العالم عليه ولا عز ذو باطل وإن طلع من جيبه القمر خلف الوعد خلق الوغد من لم يتعرض للنوائب تعرضت هي له أفقرك الولد أو عاداك من طلب عزاً بباطل أورثه الله ذلاً بحق أثقل الناس من شغل مشغولاً شر المال ما لزمك مكسبه وحرمت الأجر في إنفاقه الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل وما استنذر بمثل الجور الرفق لقاء الصلاح وجناح النجاح من افتقر إلى الله استغني به عجبت لمن يرجو من فوقه كيف يحرم من دونه قيل للحسن بن سهل وزير المأمون لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير فرد اللفظ واستوفى المعنى المسألة عن الصديق لقاء عقل الكاتب في قلمه والكلام الحسن مصايد القلوب عرف عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان البلاغة فقال هي ما رضيته الخاصة وفهمته العامة المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل فيه من منشئه من صنف فقد استهدف - فإن أحسن فقد استطرف وإن أساء فقد استقذف

إذا بقي ما قاتك فلا تأس على ما فاتك لا تسلم حتى تسلم ولا تأمن حتى تؤمن

تحريم المتعة

تحريم المتعة 3 تابع لما جاء في المجلد الأول ص403 علم مما قدمنا أن مؤلف الرسالة نقل عن صحيح الترمذي أن رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر رضي الله عنهما عن متعة النساء فقال هي حلال الخ. والجواب أن ما نقله مؤلف الرسالة لم نجده في باب المتعة من صحيح الترمذي بل رأينا فيه ما يؤيد خلافه وهو حديث ابن عباس المصرح بتحريم المتعة وقد تقدم ص 407 من هذه المجلة. فعلى مؤلف الرسالة أن يبين لنل موضعه من ذلك الكتاب لننظر فيه. وأما ما ادعاه من أن أحاديث التحريم مضطربة متناقضة الخ فنجيب عنه بعد أن نبين فساد ما زعمه من التناقض ليتميز السقيم من الصحيح والحق من الباطل وهاك خلاصة كلامه قال أن أحاديث التحريم مختلفة في تاريخ الإباحة والنسخ فان في بعضها أن النسخ كان في غزوة خيبر وكانت في المحرم سنة سبع من الهجرة. وفي بعضها أنه كان في عمرة القضاء وكانت في ذي الحجة سنة سبع من الهجرة. وفي بعضها أنه كان يوم فتح مكة بعد أن أباحها وكان فتح مكة في رمضان ثمان من الهجرة وفي بعضها أنه كان عام أوطاس بعد أن رخص فيها ثلاثة أيام وكانت غزوة أوطاس في شوال بعد غزوة حنين بقليل وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة وفي بعضها أنه كان في حجة الوداع بعد أن أباحها وكانت سنة عشر من الهجرة فعلى هذه الروايات تكون قد أبيحت ونسخت سبع مرات لا مرتين فقط كما حكاه النووي فأي اختلاف وتهافت أعظم من هذا. وبين غزوة حنين وفتح مكة نحواً من شهر فتكون قد أبيحت وحرمت في شهر مرتين وبإضافة أوطاس تكون قد حرمت وأبيحت في نحو من شهر ثلاث مرات وما سمعنا في الشريعة بحكم نسخ ثم أعيد ولو مرة واحدة. فضلاً عن سبع مرات أو مرتين فما هذا إلا تلاعب في الأحكام وما هذا إلا شأن المتقلبين المتلونين تعالى عن ذلك رب العالمين فهذا مع ما سيأتي من وجوه الاختلاف يقضي بأن تلك الأحاديث موضوعة مختلقة قصد بكل واحد منها تصحيح ما حرمه عمر ولم يطلع أحدهم على ما وضعه الآخر فوقع هذا الاختلاف إلى أن قال فالأولى الاعتراف بأن تلك الروايات كغيرها مكذوبة موضوعة ثم

قال فلابد من طرحها جميعها والأخذ بما علم ثبوته بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ثم زعم مؤلف الرسالة أن الروايات المتقدمة تدل على إباحة المتعة ثم تحريمها مراراً عديدة وأن النهي ظاهر في التأسيس لا التأكيد الخ ما قاله. . . . ونقول إما اعترافه بأنه لم يسمع في الشريعة بحكم نسخ ثم أعيد ولو مرة واحدة وأن تكرر النسخ تلاعب في الأحكام فهو دليل على عدم اطلاعه. إذ قد ثبت تكرار النسخ في استقبال القبلة وأكل لحوم الحمر الأهلية كما هو معروف وأما قوله ما هذا إلا شأن المتقلبين إلى قوله قصد كل واحد منها تصحيح ما حرمه عمر إلخ. . ففيه أولاً أن عمر رضي الله عنه ليس هو الذي حرم المتعة بل إنما حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما علم مما بيناه وثانياً أن أهل السنة إنما يروون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحزب لرأي ولا انحياد لمذهب ولم يتعودا النفاق كما اعتاده بعض المبتدعة الذين لم يرقبوا في دين الله إلا ولا ذمة. فالقول بأن أهل السنة قصدوا تصحيح كلام عمر رضي الله عنه ما هو إلا افتراء عليهم إذ لو صح غير ذلك لرووه وبينوه. . . . وأما ما زعمه مؤلف الرسالة من أن أحاديث التحريم متعارضة متناقصة وأن النهي ظاهر في التأسيس لا التأكيد وأن الأحاديث تدل على الإباحة مرارا عديدة فهو زعم فاسد وفساده من وجهين الأول أن النهي لايقتضي سبق الإباحة بل قد يكون لرفع الإباحة السابقة وقد يكون لغير ذلك كالتأكيد ونحوه ويدل لذلك ماورد في كتاب الله عز وجل كقوله تعالى واشكروا لي ولاتكفرون فإن الكفر لم يكن مباحاً البتة ويدل له أيضاً ماأخرجه البخاري وغيره من حديث نفيع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره بمنى يوم النحر في حجة الوداع وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه ثم قال أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه فبهذا الحديث الشريف يتضمن النهي عن انتهاك الدماء والأموال والأعراض ولاريب في أن ذلك كله كان معلوما تحريمه عند الصحابة رضي الله عنهم كما هو واضح فنهي النبي عليه الصلاة والسلام

يومئذ عن انتهاك شيء منها إنما هو لمجرد التأكيد، فكذلك النهي على فرض صحة تكراره أكثر من مرتين إنما كان للتأكيد. وأمثال ذلك لاتحصى. (والثاني) إن ماذكره من الأحاديث ليس كله بدرجة واحدة بل منها الصحيح وغيره فلا تصح دعوى التعارض إذا التعارض هو تقابل الحجتين على السواء وها نحن نبين رتبة كل حديث منها تأييداً للحق وحفظا للشرع خشية أن يغتر بمثل الرسالة المذكورة جاهل من بسطاء العامة فنقول. أما حديث النهي يوم خيبر عن المتعة فهو حديث صحيح لامطعن فيه ولايصح لمؤلف الرسالة أن يقول أن حمل رواية حنين على الوهم ليس بأولى من حمل رواية خيبر عليه لأن حديث النهي يوم خيبر ثابت من رواية الثقات الإثبات وقد تعددت طرقه رواه البخاري عن مالك بن اسماعيل عن ابن عبينة عن الزهري عن ابن الحنيفة ورواه مسلم عن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن الحنفية ورواه أيضاً عن عبد الله عن جويرية عن مالك بالإسناد المذكور رواه أيضاً عن ابن أبي شيبة وابن نمير وزهير ابن حرب عن ابن عيينة عن زهير عن سفيان عن عيينة عن الزهري عن ابن الحنفية رواه أيضاً عن محمد عن عبيد الله عن ابن شهاب عن ابن الحنفية ورواه أيضاً أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن ابني الحنفية عن أبيهما عن أبيه على ابن أبي طالب ورواه النسائي أيضاً من عدة طرق ورواه ابن ماجة أيضاً في سننه ورواها الإمام مالك أيضاً في الموطأ ومن قال أن النهى عن المتعة يوم خيبر شيء لايعرفه علماء الأثر الخ لايعول على كلامه لأن المثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ كما هو مشهور وتمسك مؤلف الرسالة بذلك بعد اطلاعه على نقضه لا يفيده بل هو مكابرة ومصادمة للحق فاحفظه وتنبه له. وأما حديث إباحتها في عمرة القضاء فهو حديث مرسل ضعيف كما قاله الإمام الزرقاني في شرح الموطأ. وأما حديث إباحتها يوم فتح مكة فهو حديث صحيح ولكن قد نسخ ذلك بعد ثلاثة أيام ووقع التحريم المؤبد كما جاء في باب تحريم المتعة من صحيح مسلم من حديث سيرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال إلا أنها حرام من يومكم هذا

إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه آه والعجب من مؤلف الرسالة كيف أطلع على مارواه الإمام مسلم في تحريم المتعة ونقل عنه كثيراً من الأحاديث ثم تعامى عن الحديث المذكور فزعم أنه لم يجده فيه. وأما ذكر النهي يوم حنين فهو وهم تفرد به عبد الوهاب الثقفي كما نبه عليه الإمام القسطلاني واتفق سائر أصحاب الزهري كلهم على لفظ خيبر وأما قول مؤلف الرسالة أن دعوى الوهم غير مسموعة وإلا لما صح الاستدلال بحديث فيرده أن علماء السنة لم يحكموا على تلك الرواية بالوهم إلا بعد استفاضة سائر طرق الحديث المذكور واتفاق الرواة على لفظ خيبر على أنه ليس فيه التعرض للإباحة بل إنما ورد في النهي فقط فعلى تقدير صحته على تأكيد النهي فلا معارضة بينه وبين غيره. وأما حديث التحريم عام أوطاس بعد أن رخص فيها ثلاثا فهو حديث صحيح والمراد به يوم الفتح لأن غزوة الفتح وغزوة أوطاس في عام واحد وحمل يوم اوطاس على يوم الفتح ظاهر للعالم بلغة العرب فإن المراد باليوم في ذلك مجرد الزمن لاخصوص اليوم الذي حصلت فيه وقعة أوطاس. وكثيرا ما تستعمل العرب ذلك فيقولون يوم كذا ومرادهم وقت حصوله لاخصوص يوم بعينه على أننا لم نجد في ما اطلعنا عليه من كتب الحديث أنه رخص فيها يوم اوطاس بل الرواية إنما جاءت بلفظ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثن نهى عنها رواه مسلم فظهر أن المراد بذلك إنما هو الرخصة التي حصلت يوم فتح مكة إذ فتح مكة وغزوة أوطاس كلاهما في عام واحد كما تقدم. وأما حديث النهي عنها في غزوة تبوك فهو حديث ضعيف كما نص عليه القسطلاني والزرقاني على أنه ليس فيه تعرض للإباحة فعلى تقدير صحته يحمل على التأكيد ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قرن النهي بالغضب كما في رواية الحازمي من حديث جابر ولو لم يكن صلى الله عليه وسلم حرم المتعة قبل ذلك لاقتصر على مجرد النهي كما فعل يوم فتح مكة وأما ذكر الإباحة في حجة الوداع فهو خطأ ولم يرو ذلك أحد من الثقات الإثبات وما رأينا أحداً من المحدثين قال أن ذلك جاء من طريق صحيح بل إنما رواه ابن ماجة في سننه وليست كل أحاديثه صحيحة وعلى تقدير صحة الحديث المذكور لا يصلح

لمعارضة سائر الروايات لأنها صح فيسقط ما يخالفها قال الإمام النووي إذا روى الثقات الإثبات عنه (أي عن سيرة) الإباحة يوم فتح مكة والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم فيؤخذ من حديثه مااتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم من النهي عنها يوم الفتح ويكون تحريمها يوم حجة الوداع توكيداً وإشاعة له وقد صرح الزرقاني بنحو ذلك في شرح الموطأ وبما ذكرنا يظهران حكمهم بالخطأ على رواية الإباحة في حجة الوداع ليس رد للرواية بمجرد التشهي كما زعمه مؤلف الرسالة بل لآن سائر الطرق اتفقت على أن الإباحة إنما ثبتت عن الثقات في يوم الفتح ولا يصح لمؤلف الرسالة أن يقول أن ذلك لا يمنع رواية الإباحة في حجة الوداع لا نقول أن حكمهم على الرواية المذكورة بالخطأ ليس لما ذكرناه فقط بل لما صح من التحريم المؤبد يوم الفتح كما نقله الإمام النووي في شرح صحيح مسلم والقسطلاني في شرح صحيح البخاري والزرقاني في شرح الموطأ وابن تيمية في منهاج السنة وكما رواه الإمام مسلم في صحيحه من رواية سيرة الجهني المتقدمة. ومما يؤيد الحكم على تلك الرواية بالخطأ أيضاً أن أكثرهم حجوا بنسائهم في حجة الوداع ولم يكن يومئذ ضرورة تدعو إلى التمتع وقد وسع الله عليهم بالسبي وغيره وإنما أسقط علماء السنة الرواية المذكورة وقبلوا رواية أبي داود التي في النهي_فقط لأن الأولى قد عارضها ما هو أصح منها فسقطت وأما الثانية فلا معارضة بينها وبين غيرها. فلم يبق حديث صحيح سوى حديث خيبر ويوم الفتح وعام أوطاس وقد بينا أن ما ورد من الرخصة عام أوطاس إنما المراد به ما وقع يوم الفتح فلم يبق بين ما صح من أحاديث التحريم تعارض ولا تناقص بل ثبت صحة ما قاله محققوا علماء السنة وهو الصواب من أن النسخ والإباحة كانا مرتين فكانت المتعة جلالاً قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت في عام أوطاس يوم فتح مكة ثم حرمت يومئذ تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة ومن هنا يعلم صحة ما قرره الإمام النووي والقسطلاني وفساد ما قاله مؤلف الرسالة في رد كلامهما وبعد هذا البيان ما نظن أن أحداً من العقلاء يغتر بما قاله من أن الأحاديث المذكورة تقتضي أن المتعة قد أبيحت ونسخت سبم مرات إذ أصبح كلامه كسراب بقيعة أو كزبد دفعه السيل فذهب جفاء ولم يبق له عين ولا أثر.

وأما الروايات التي جاءت عن سيرة رضي الله عنه في تحريم المتعة تحريماً مؤبداً فقد تعددت طرقها وكثر رواتها. ومن العيب الفاضح أن مؤلف الرسالة لم يستحسن تعدد أسانيدها الذي يزيدها قوة بل جعله من جملة الوجوه التي تدعو إلى عدم التعويل عليها كما صرح بذلك في رسالته ص60 حيث قال ومن وجوه اختلاف أخبار تحريم المتعة ما وقع في روايات سيرة خاصة فإنها مختلفة اختلافاً لا يصح معه التعويل عليها ففي بعضها أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء. وفي بعضها أن الإباحة والنسخ كانا عام الفتح وفي بعضها أنهما كانا في حجة الوداع وفي بعضها الاقتصار على التحريم في حجة الوداع وفي بعضها لم يعين الوقت وهذه التي لم يعين فيها الوقت منها ما اقتصر فيها على مجرد الإباحة والتحريم ومنها على الأذن والتحريم المؤبد ومنها على مجرد النهي ومنها على النهي المؤبد ثم أخبار فتح مكة منها ما اقتصر فيه على مجرد النهي ومنها ما ذكر فيه الإباحة والتحريم ومنها ما ظاهر أن الأذن كان بعد خمسة عشر يوماً من دخول مكة ومنها ما دل على أنه كان حين دخولهم أو منها ما دل على أنه خرج مع رجل من قومه ابن عم له ومنها ما دل على أنه خرج مع رجل من بني سليم ومنها ما دل على أنه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد ومنها ما دل على أنه تمتع بامرأة منهم ببرد ين أحمرين فكم مرة تمتع سبرة في يوم فتح مكة إلخ ما ذكره. ونقول كأن مؤلف الرسالة ظن أن الأمر إذا تعدد ناقلوه وكثر الذين حفظوه يلزم أن يكون مكذوباً وأن يتعدد وقوعه بعدد من ذكره وما نظن عاقلاً يتوهم هذا خيال والروايات المذكورة عن سبرة ليس بينها اختلاف يقتضي عدم تعويل عليها بل فيها الصحيح وغيره والجمع بين ما صح منها ظاهر وذلك أن الرواية عنه بأنها ما حلت إلا في عمرة القضاء إنما جاءت عن الحسن البصري كما نبه عليه القاضي عياض وقد بينا أنه حديث مرسل ضعيف مخالف للروايات الصحيحة فيجب تركه ولا يبقى معارضاً لغيره من الأحاديث الصحيحة. والرواية التي فيها الإباحة في حجة الوداع خطأ كما وضحناه قريباً وأما باقي الروايات فلا منافاة بينها إذ رواية التحريم في حجة الوداع سواء كان مطلقاً أم مقيداً بالتأييد لايستلزم سبق الإباحة يومئذ بل إنما كان للإشاعة كما قررناه فيما تقدم أيضاً وللروايات التي لم يعين

فيها الوقت إنما يفيد مجموعها أن المتعة كانت حلالا ثم حرمت تحريماً مؤبداً وهذا هو مطلوبنا وأما أخبار فتح مكة فما دل منها على مجرد الإباحة والنهي فواضح أنه لامنافاة بينه وبين غيره إذ لايستفاد منه إلا مااستفيد مما قبله من أن المتعة كانت حلالا ثم حرمت. وأما الروايتان اللتان زعم مؤلف الرسالة أن ظاهر إحداهما يدل على أن الأذن إنما كان بعد خمسة عشر يوماً من دخول مكة وأن الثانية تدل على أن الأذن قد حصل حين دخولها فليس بينهما اختلاف يدعو إلى عدم التعويل عليها كما زعم إذ الاختلاف الذي يدعو إلى عدم التعويل إنما هو التناقض الذي هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب. وما هنا ليس كذلك وقول سيرة فأقمنا بها خمس عشرة ثلاثين بين ليلة ويوم فأذن لنا الخ لا يقتضي أن الأذن لم يحصل إلا بعد دخولهم بخمسة عشر يوماً إذ الفاء كثيراً ما تستعمل لمجرد العطف من غير تعقيب كما هو مقرر في محله وعلى تسليم أن الأمر كذلك لا منافاة بين هذه الرواية والرواية الثانية التي ظاهرها حصول الأذن حين دخول مكة إذ المراد بالحين المذكور في هذه الرواية هو مجرد الزمن سواء كان ساعة الدخول من غير تراخٍ أو كان بعد ذلك ولو بمدة طويلة وهذا الاستعمال شائع معروف حتى في لفظ يوم الذي هو من ظرف الزمان المحدود له وله نهاية ومع ذلك فقط أطلقوه غير مرة على معنى الزمن المطلق كقولهم يوم الفتح ويوم بدر ونحو ذلك يعنون به جميع الوقت الذي حصلت فيه الوقعة فإذا صح هذا في مثل يوم وهو زمان محدود كما تقدم فصحته في مثل لفظ الحين من باب أولى. وأما الرواية التي أفادت أن سبرة رضي الله عنه خرج مع رجل من قومه ابن عم له فلا منافاة بينها وبين الرواية التي أفادت أنه خرج مع رجل من بني سليم إذ كثيراً ما يكون الإنسان منسوباً إلى قبيلة من القبائل ثم ينسب لقبيلة ثانية أيضاً لأمر يستدعي ذلك ككون إقامته في القبيلة الثانية أو أن ولاءه لها فتارة ينسبونه إلى القبيلة الأولى لأن نسبه فيها وتارة ينسبونه إلى القبيلة الثانية لأن إقامته فيها مثلاً وكذلك قول الراوي خرج مع رجل من قومه ابن عم له وقوله خرج مع رجل من بني سليم فلا مخالفة بين الروايتين المذكورتين وأما الراوية التي أفادت أن سبرة رضي الله عنه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد لا منافاة بينها وبين الرواية التي أفادت أنه تمتع بامرأة منهم ببردين أحمرين إذا

لتنصيص على الشيء لا ينفي ماعداه فقول الراوي تمتع بامرأة ببرد لا يستلزم أنه لم يعطها شيئاً آخر وأيضاً لفظ واحد في الرواية الأولى لم يثبت فيما أطلعنا عليه من الأحاديث بل إنما زاده مؤلف الرسالة للتمويه وقد فعل نظير ذلك غير مرة كما علم مما أثبتناه على أنه يمكن أن يحمل ذلك على تعدد الواقعة إذ الرواية الثانية ليست مقيدة بيوم الفتح ولم يذكر فيها شيء من الخصوصيات المذكورة في الرواية الأولى بل غاية ما يستفاد من الرواية الثانية هو أن سبرة رضي الله عنه تمتع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني عامر ببردين أحمرين فلم يبق تعارض ولا اختلاف بينهما. فاتضح مما بيناه أن روايات سبرة رضي الله عنه لم يكن بين ما صح منها اختلاف يستدعي عدم التعويل عليها بل هي ظاهرة جلية لكل منصف فنسئل الله أن يحفظ قلوبنا من الزيغ والزلل ويطهر أفئدتنا من الحقد إنه ولي المؤمنين. (للكلام صلة)

التاريخ

التاريخ تابع ترجمة أبو بكر رضي الله عنه خبر أهل البحرين ارتد أهل البحرين فيمن ارتد من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من عبد القيس فإنها رجعت إلى الإسلام بهمة الجارود بن المعلى العبدي فأرسل لهم أبو بكر رضي الله عنه حين عقد الألوية لقتال أهل الردة العلاء الحضرمي فسار بمن معه من الجند بقصد البحرين فلما كان (بخيال العمامة) لحق به من بني حنيفة وغيرهم مثل عسكره فسلك بهم (الدهناء) حتى إذا كانوا في بحبوتها نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم لا جمل ولا ماء ولا زاد ولا بناء فلحقهم من الغم مالا يعلم علمه إلا الله ووصى بعضهم بعضاً فدعاهم العلاء وقال ما هذا الذي دخل عليكم من الغم فقالوا كيف نلام ونحن إن بلغنا غداً لم تحم الشمس حتى نهلك فقال أيها الناس لا تراعوا ألستم مسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا بلى قال فابشروا فو الله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال المنجاب بن راشد لأبي هريرة كيف علمك بمواضع الماء قال عارف به قال قم معي حتى تقيمني عليه قال فرجعت به إلى ذلك المكان فإذا هو لا غدير به ولا أثر للماء فقلت له والله لولا أني لا أرى الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان بعينه وما رأيت بهذا المكان ماء نافعاً قبل اليوم ثم التفتنا فإذا أداوة مملوءة ماء فعرفنا أنه هو المكان وأن الماء من منّ الله وليس بعين. هذه حال من أخلصوا في المجاهدة في سبيل الله يمدهم الله بأنواع من عنايته يفجر لهم الماء في المكان القفر ويجمع لهم الإبل بعد شرودها وينصرهم على عدوهم وهي منقبة عظيمة للعلاء ومن معه وكرامة ظاهرة لا تحتمل التأويل فاللهم اجعلنا ممن يصدق بكرامات أوليائك ولا تجعلنا ممن يرون آياتك فينكرونها وتتجلى لهم الحقيقة فيصدقون عنها ووافقنا للإخلاص في أعمالنا حتى نكون موضع العناية منك أنك سميع الدعاء. ثم أرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينازل الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل

مما يلي هجر فاجتمع المشركون إلى الحطم واجتمع المسلمون إلى العلاء وخندق كلّ على نفسه وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم فكانوا كذلك شهراً حتى إذا كانت ليلة سمع المسلمون فيها ضوضاء شديدة في عسكر المشركين فاستطلعوا الخبر فجاءهم بأنهم سكارى فبيتهم المسلمون شربيات ووضعوا السيف فيهم حيث شاءوا حتى هربوا بين مأسور ومقتول وقتل الحطم ثم ركب منهزمون السفن إلى دارين. فجمع العلاء الناس وخطبهم وقال إن الله قد جمع لكم أحزاب الشيطان وشرَّد الحرب في هذا البحر وقد أراكم آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم ثم استعرضوا البحر إليهم فإن الله قد جمعهم فقالوا نفعل ولا نهاب والله بعد الدهناء هولاً مابقينا فارتحل وارتحلوا حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموه راكبهم وراجلهم ودعا ودعوا فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعاً يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر إخفاق الإبل وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر في بعض الحالات فالتقوا بهم واقتتلوا قتالاً شديداً حتى أظفرهم الله بهم فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم وفي ذلك يقول عفيف ابن المنذر: ألم تر أن الله ذلك بحره ... وانزل بالكفار إحدى الجلائل دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل وكتب العلاء إلى أبي بكر أما بعد فإنَّ الله تبارك وتعالى فجر لنا الدهناء فيضاً لا ترى غوار به وأرانا آية وعبرة بعد غم وكرب لنحمد الله تعالى ونمجده فادع الله واستغفره لجنوده وأعوان دينه فحمد أبو بكر الله ودعاه وقال أن شأن هذا الفيض من عظيم الآيات وما سمعنا به في أمة قبلها اللهم أخلف محمداً صلى الله عليه وسلم فينا وكتب العلاء إلى أبي بكر بالفتح. ردة عمان ومهرة ولى رسول الله عليه وسلم على أهل عمان حين أسلموا جيفرا وعياذ ابني الجلندي وكان قد نبغ في عمان لقيط بن مالك الأزدي فلما توفي رسول الله صلى الله عليه ادعى النبوة فتبعه كثير من أهل عمان فخافه ابنا الجلندي فبعثا إلى أبي بكر بذلك فأرسل إليهما حذيفة ابن محصن وعرفجة بن هرثمة وعكرمة بن أبي جهل فالتقوا بلقيط واقتتلوا قتالاً شديداً كاد

ينهزم فيه المسلمون لولا أن من الله عليهم بمدد من بني ناجية فنصر الله المسلمين وخذل المرتدين وقتل منهم خلق كثير ثم أقام حذيفة بعمان يسكن الناس وسار عكرمة إلى مهرة فوجد أهلها قسمين مختلفين فكاتب أحد القسمين فرجع إلى الإسلام وبقي الآخر على ردته فقاتله حتى هزمه وسارعوا إلى اليمن للقاء المهاجرين أبي أمية كما عهد إليهم أبو بكر رضي الله عنه. ردة اليمن ثانية كان على اليمن أيام الأكاسرة باذان الفارسي فلما فتحها رسول الله صلى الله وسلم أبقاه عليها. ولما مات قسم عليه الصلاة والسلام عمله على نفر من الصحابة وولى ابنه شهر على صنعاء فقبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثار رجل باليمن اسمه عبهلة ولقبه الأسود وادعى النبوة فأجابته قبيلة مذحج وتوجه إلى صنعاء فقتل شهربن باذان واستولى على ما بين صنعاء وحضرموت من الجنوب إلى أعمال الطائف من الشمال إلى البحرين من الشرق واستفحل أمره فبلع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى الأبناء (قوم من الفرس أقاموا باليمن) وعماله باليمن أن يقوموا بقتال الأسود وقتله إما غيلة أو مصادمة فقتله فيروز وداذويه من الأبناء بمساعدة زوجته ليلاً وأقام أصحاب الأسود بعده يترددون بين صنعاء وعدن لا يأؤون إلى أحد وتراجع عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وبعثوا إلى المدينة بالخبر فوصل البريد وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت هذه أول بشارة أتت أبا بكر رضي الله عنه. ولما شاع خبر الوفاة ارتد قيس من عبديغوث وكاتب المنهزمين من جنود الأسود فاجتمعوا إليه فقاتل بهم الأبناء وغدر بداذويه أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم وقتله فاستعان الأبناء ببعض القبائل وقاتلوه وفي أثناء قتاله وافاهم المهاجر بن أبي أمية وعكرمة بن أبي جهل بالجنود فساعدوا الأبناء على قتال قيس حتى هزموه وأسروا قيسا وعمرو بن معد كرب الزبيدي وكان قد ارتد وتبع الأسود العنسي وسيروهما إلى أبي بكر فلما قدما عليه قال يا قيس قتلت عباد الله واتخذت المرتدين وليجة من دون المؤمنين فأنكر أن يكون قارف من أمر داذويه شيئاً وكان قتله سراً فتجافى له عن دمه وقال لعمرو إما تستحي أنك

كل يوم مهزوم أو مأسور لو نصرت هذا الدين لرفعك الله فقال لاجرم لأقبلن ولا أعود ثم رجعا إلى عشائرهما وأما المهاجر فتتبع جنود الأسود وقتلهم بكل مكان حتى لم تقم لهم قائمة وكانت مدة الأسود إلى أن هلك قريباً من أربعة أشهر. إلى هنا انتهت حروب الردة وكان من نتيجتها أن ثاب العرب إلى السكون والتفوا حول الإسلام ووقعت هيبته في قلوبهم وعرفوا أنه الحق لا يقاوم ولا تقف في سبيله العثرات مهما عظمت أدعى رؤساؤهم القوة فأظهر الله عجزهم وادعى مشعوذوهم النبوة فاتضح كذبهم وافتراؤهم أرم ببصرك نحو هذه الجموع العظيمة كيف ناوأت المسلمين وهم قليلو العدد والعدد وكيف كانت الغلبة لهم على هذه الجيوش الكثيرة والعنصر واحد والمحيط واحد مما يدلنا على أن الله ينصر من ينصره ويؤيد من يدعو لدينه مهما كثر الصادون عن سبيله فاللهم وفقنا لخدمة دينك وأجز أبا بكر عن الإسلام ما هو أهله.

التقريظ والانتقاد

التقريظ والانتقاد الرائية الكبرى للعلامة النبهاني المؤلفون في هذا الدور من الزمن من أكثرهم يؤلف للتجارة ومعلوم أن التاجر يجلب ما يرى رواجه لاما يتحقق فائدته وغنائه لذلك كثرت بيننا التآليف السخيفة كالروايات والقصص الهزلية وأمثالها مما يضيع الوقت به سدى ولا يأتي بفائدة للقارئ إن لم يعد عليه بضرر كأن يعتقد أمر واقعاً وهو غير واقع ويكون من الأمور التي يترتب عليها حكم شرعي والشعب لقلة علمه ونضوب فهمه لعدم تعهد أهل العلم الحقيقيين له بالمواعظ يروج بينه هذا النوع من المؤلفات وتجار التأليف مازالوا كل يوم يتحفون هذا المجتمع بشيء جديد من هذه السخافات. وقسم من المؤلفين وهو أقل من الأول يؤلف لينشر بدعة أو ليروج ضلالة وهذا القسم يروج عند فريق قليل من الناس وقد يدعون العامة إليه ليزحزحوهم عن الصراط السوي. وندر جداً من يؤلف ليفيد علماً ويستفيد مثوبة وأجراً من هؤلاء المؤلفين العلامة الأستاذ الفاضل الشيخ يوسف أفندي النبهاني من أجلة علماء بيروت وصالحيها ومصلحيها فهو حفظه الله مازال يؤلف ما يتحقق أن فيه فائدة للمسلمين، وتثبيتاً لإيمانهم وحفظاً لعقائدهم، وتطهيراً لقلوبهم وقد طبع له من المؤلفات ما يشهد بطول باعه وغزارة عمله وحبه للدين وأهله وبغضه للبدع ومنتحليها والضلالات ومروجيها وقد أطلعنا أخيراً على كتاب مطبوع بمصر محتوٍ على ثلاث رسائل الأولى منها الرائية الكبرى وهي تبلغ ما ينوف على السبعمائة بيت كلها غرر وفيها من حسن السبك ورقة المعاني وبلاغة الأسلوب ما يشهد للمؤلف الأستاذ حفظه الله بالتفوق على كثير من الشعراء الذين أفنوا عمرهم بنظم الشعر دون مشاركة فن غيره من الفنون وقد حوت كثيراً مما تمس إليه الحاجة من العقائد الحقة والسيرة النبوية والأخلاق الفاضلة وأحسن ترجمة لها أن ننقل للقارئ قسماً منها فليس الخبر كالخبر وماراء كمن سمعا قال أمده الله بروح منه في مطلعها: بربك ذكرهم عسى تنفع الذكرى ... فكم نعم أجدى وكم منن أجرى وأعظمها دين النبي محمد ... هو النعمة العظمى هو المنة الكبرى * * *

وقال في تنزيهه تعالى: تقدس عن أن يعلم الخلق كنهه ... وأن يدركوا من علمه غير ما أجرى ولا العرش يدريه ولا هو حله ... ولكن براه مثلما برأ الذرا عليه استوى كيف استوى ليس عرشه ... بهذا درى فيه خليفته حيرى وهل قط مصنوع بصانعه درى ... لقد ضل عبد يدعيه ومابرا وسل إن تشأ عن ناسج من نسيجه ... وعمن بنى قصراً فسل ذلك القصرا إذا كان كل حارثاً كصنيعه ... ولم يدره فالله أعظم أن يدرى وللعقل حد لا يجاوزه كما ... لأبصارنا حد ترى بعده حسرى * * * وقال في مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: جزى الله عنا خير ما كان جازياً ... أبا القاسم المختار خير الورى طرا فلولاه لم تبرح عقائد ديننا ... ملوثة شركاً ملطخة كفرا هدانا به والجاهلية قد طغت ... وقد غمر الأقطار طوفانها غمرا هدانا به والناس في ليل شركهم ... فاطلع دين الله ما بينهم فجرا هدانا به والناس ما بين عابد ... لشمس ومن دانوا الكواكب والدهرا هدانا به والسود كالبيض كلهم ... وحوش نعم والصفر قد اشبهوا الحمرا هدانا به والعرب ما بين شاعر ... ومن عبد الأصنام أو عبد الشعرى هدانا به والفرس بالنور وقد غووا ... له نسبوا خيراً وللظلمة الشرا وكم عبدوا كالهند ناراً تأججت ... وكم عبدوا عجلاً وكم عبدوا ثورا * * * ومنها في مدح المجاهدين من المهاجرين والأنصار: ولما اشترى الرحمن منه ومنهم ... بجنته هاتيكم الأنفس الطهرا غداً ربحهم أعلى وأغلى تجارة ... فأعظم به ربحاً وأكرم بهم تجرا فكم جاهدوا في نصرة الدين كافراً ... وخاضوا إليه الحرب والحر والقرا وما نفروا يوم الوغى من عدوهم ... بل في سبيل الله قد نفروا نفرا

وبروا بغزوا البر في كل وجهة ... وبالحرب خاضوا البحر واستغرقوا العمرا ربيع خريف صيفهم كشتائهم ... فلم يرهبوا بردا ولم يرهبوا حرا وكم رمضان جاءهم ما تسحروا ... وقد أطعموا أسمر القنا النحر والسحرا وصاموا وما صاموا عن الطعن في العدا ... ولكن على أرواحهم جعلوا الفطرا وأصبح فطر الشرك عيداً لفطرهم ... سعيداً ونحر المشركين غدا نحرا وقد زهدوا في مالهم وجمالهم ... ما عشقوا بيضا ولا عشقوا صفرا أحب إليهم لثم سيف مورد ... بحمر الدما من لثم وجنتها الحمرا سل البيض والسمر العوالي عنهم ... وسل عنهم الحمر المذاكي والشقرا فكم خفضوا بالكسر رأساً لمشرك ... وكم للعد أجروا كتائبهم جرا وكم رفعوا رمحاً مهنداً ... وكم نصبوا حرباً وكم فتحوا ثغراً * * * ومنها في مدح الآل والأصحاب: وأصحابه لا يبلغ الناس مدهم ... ولا نصفه لو أنفقوا أحداً تبرا نجوم هدى من شمسه اقتبسوا الضيا ... وقد نشروا في الناس أنواره نشرا * * * وقال في وجوب تأييد العقل للدين: وكيف بلا عقل يكون تدين ... إذن كلفوا المجنون والطفل والعيرا أليس مدار الدين عقلاً مكملاً ... ليدرك حكم الله والنفي والأمرا عبارة فوق العقل سجن مضيق ... لقد حصروهم في مضايقه حصرا * * * ومنها في ذكر مخترعات الإفرنجة وكونها حقيرة محدودة: على يدهم أبدى القدير بفضله ... من الخلق من آثار قدرته قدرا كقطرة بحر من بحر اقتداره ... إلى الناس أجراها فكانوا لها مجرى لها افتتنوا كالخمر طاشت عقولهم ... بها وبها زادوا على سكرهم سكرا على أنها في الكون لا في مكون ... . . وصلت للب بل خصت القشرا

بها كشفوا عن بعض ما هو كامن ... من السر سر الله في خلقه سترا وأسراره في كل شيء كثيرة ... وقد تنجلي طوراً ولا تنجلي طورا وإن أنكروا من غيهم خلق ربنا ... جميع الذي فيهم وفي غيرهم أجرى فقولوا لهم فليخلقوا لشعيرة ... ومنهم أصول الخلق أو يخلقوا برا ولن يقدروا لو أفرغوا كل وسعهم ... مدى الدهر في التخليق أن يخلقوا شعرا وكل اختراع جاء منهم فاصله ... من الله مخلوق فما صنعوا غيرا ولكنه أوصافه قد تبدلت ... وخالق أصل خالق كل ما يطرأ ومع كونهم في الطب فاقوا وخيلوا ... بتصوير أمر كونه ذلك الأمرا لو اجتمعوا من أول الدهر جملة ... لما اخترعوا روحاً إذا صوروا ذرا وقد صوروا عيناً لفاقد نورها ... وما صوروا نوراً فما برحت عورا وكم من صحيح مات إذ تم عمره ... وقد حكموا أن لا يرى ميتاً دهرا وكم من سقيم قرروا حتم موته ... فعاش برغم من قواعدهم وعمرا عجائبهم مهما تعاظم شأنها ... أقل شؤون الحق يجعلها صغرى * * * ومنها في نصيحة المسلمين وتحذيرهم من التفرنج: فيا أمة الإسلام في الدين مجدكم ... وقد أدركت أعداؤكم ذلك السرا عقاربهم دبت لكم فتحفظوا ... ولا تحسبوا جمراً أتوكم به تمرا وقد زعموا مع لينهم حب خيركم ... فلا تخدعوا من في الأفاعي رأى خيرا ألا انتبهوا فالقوم دسوا لدينكم ... دسائس كفر قد تغو امرأ غرا وأعظمها شراً مدارس في القرى ... وفي البدو والأمصار قد نشرت نشرا تربي لكم أطفالكم في حجورها ... وقد جعلت درس الضلال لهم درا فصار كثير منهم مثل أهلها ... سوى الزي والأسماء واتحدوا كفرا ألا فانظروا كم أخرجت من بنيكم ... زنادقة جاروا على دينكم جورا وصاروا من الأعداء لا فرق بينهم ... سوى أنهم في الدين أعظمهم ضرا وهم كل يوم بازدياد ودينكم ... يزيد بهم نقصاً وربحكم خسرا

فكيف بمن يأتون بعد عصركم ... إذا دام هذا فالعنو ذلك العصرا وكم نادم من وضع أولاده بها ... وقد سبقت أسيافها العذل والعذرا ألا انتبهوا ما قد مضى غير عائد ... وبالحزم بعد اليوم فاستقبلوا الأمرا ومن يدعي الإسلام وهو مثابر ... على الغي لم يبرح به الشهر والدهرا وليس له أعمال خير فؤاده ... بأنوارها يبيض من بعد ما اغبرا فلا صام لا صلى ولا حج لإله ... زكاة ولا أعمال بر بها برا كمن قد تربى في مدارس شيدت ... لتخريب دين الله عاش بها عمرا فصار يحب الكافرين وشبههم ... يرى لذة في قربهم ويرى فخرا مناسبة قد الفت بين أهلها ... تجر إلى الأشكال أشكالهم جرا ويكره أهل الدين حتى قريبه ... ولاسيما من كان أشعث مغبرا وما ذنبهم إلا تمدنهم وهم ... على فطرة الإسلام قد فطروا فطرا فإسلام هذا مثل ثوب مزور ... رقيق فمن يكساه في حكم من يعرى فذلك عريان وإن كان كاسياً ... وأفضل منة مؤمن من لبس الطمرا وكم هالك في الكافرين عناده ... وإن كان بين المسلمين حوى قبرا نعم علموا أولادكم كل نافع ... من العلم إن العلم أعظم أن يزرى ولاسيما ما فيه تأييد دينكم ... فأعداؤكم بالعلم قد ملكوا الأمرا أعدوا لهم من قوة ما استطعتم ... فلا يقبل المولى لإهمالكم عذرا ومن دون علم كيف تحصل قوة ... نكف بها عنا من المعتدي الضرا فيلزمنا بالمال والحال كسبها ... وبالعلم أن العلم آلتها الكبرى ولكن حفظ الدين شرط محتم ... فللأخير في الدنيا إذا ضاعت الأخرى ولا تيأسوا من رحمة الله أنكم ... متى ما أطلعتم ربكم جبر الكسرا وهذا الذي من سخطة تشهدونه ... جرائدكم ردت فجرت لكم جمرا وكم صالح فيكم ولكن فتنة ... بها كثر الأخباث عممت الشرا وينصركم أن تنصروه بطاعة ... بأن تتبعوا من شرعه النهي والأمرا ألم تعهدوه ناصراً عند نصركم ... له فبترك النصر قد ترك النصرا

فعودوا يعد فهو الكريم وإنه ... إذا اعتذر الجاني له يقبل العذرا والقصيدة كلها غرر. فنثني على الأستاذ الناظم أكثر الله من أمثاله، ونحث كل محب على مطالعتها، واقتباس فوائدها. القراءة العربية في المعلومات المدنية كتاب نشر في بيان التعاليم الاجتماعية. ترجمه من التركية إلى العربية الفاضل السيد عبد القادر أفندي المبارك معلم القسم الديني في المكتب الإعدادي الملكي في هذه الحاضرة وقد تصفحنا أكثره وجدناه حافلاً بالمسائل المفيدة. سهل العبارة حسن الأسلوب فنحض على اقتنائه. ونسدي جامعه شكراً جزيلاً. وفقنا الله جميعنا لخدمة الأمة والعمل بما يعلي شأنها.

وظائف العلماء

وظائف العلماء يجب على العلماء نحو الأمة أمور ثلاثة (أولها) العمل بما علموا ليكون ذلك أدعى لقبول ما يأمرون به وإلا حارت الأمة بين أن تقتدي بأعمالهم أو أقوالهم وأحر بالعالم إذا أمر وائتمر ونهى وانتهى أن يقبل قوله ويعمل بإرشاده وإلا فهو (طبيب يداوى الناس وهو سقيم) قال الله تعالى: [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون] وقال عليه الصلاة والسلام: أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه. واستعاذ عليه الصلاة والسلام من أربع أولاها من علم لا ينفع. وقال صلى الله عليه وسلم: أن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون أنا كنا نقول ولا نفعل. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي ظاهرها التغليظ والوعيد الشديد لمن لم يعمل بعلمه على أن ترك العمل بالعلم داعٍ لنفرة الناس وأعراضهم عن الأوامر والنواهي ولله در القائل: يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم لاتنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (الثاني) الإصلاح بنشر العلم والمعنى أن يكون القصد بالنشر القيام بما يجب عليه من إيصال أمانة العلم إلى مستحقيها من غير التفات إلى حب الشهرة أو أمل بنوال شيء من حطام الدنيا أو رغبة بالعظمة والتعالي إلى غير ذلك من شهوات النفس الأمارة (الثالث) الاجتهاد بإيصال هذه الأمانة (العلم) إلى أهلها. وأهلها كل محتاج إليها وجاهل بها وحائد عن طريقها. فينبغي السعي بكل الطرق الممكنة لتعليم الجاهل والأخذ بيد الحائد ليهدى الطريق الأقوم ولا يظن أن قعود العالم في كسر بيته وأجابته الناس عما يسألونه من أمور دينهم يكفي في أداء هذه الأمانة بل فاعل ذلك مقصر في وظيفته وربما استحق وعيد كاتم العلم لأن نشر العلم يفسر في كل زمان بما يلائمه ففي القرون الأولى حيث كانت البدع نادرة وروح الدين مستولية على الأفكار كانت إجابة السائل كافية في نشر العلم أما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه البدع وزاد شيوعها وأخذ مروجوها يبعدون بالعامة عن طريق فلاحهم بما يلفقونه لهم من الشبه التي تقف سداً بينهم وبين الدين وأوامره فيتعين حينئذ على

العلماء أن يبثوا علمهم بأنجح الوسائل الممكنة فيقظونهم في المساجد والمدارس، ويغشونهم في منتدياتهم ومجتمعاتهم، ولا يدعون فرصة تذهب دون استمالتهم نحو الأخلاق الفاضلة، وإجلاء ماطرأ على فطرهم السليمة من الصدأ الذي سببه بعدهم عن أوامر الدين وهدايته ومتى قام العلماء بهذه الوظيفة المقدسة التي حملوا العلم لأجلها وأخلصوا بأدائها وعملوا بما علموا لا تلبث أن تبدو أعمالهم مكللة بالنجاح وتظهر كلمة الحق على الباطل، ولا ييأس أولئك الداعون إلى الخير من نجاح أعمالهم لما يصادفون في طريق دعوتهم من العقبات المانعة من تسلط الأشرار المتفرنجين الذين لا يريدون الدين ولا تدين، ويصدون أمة عن سبيله بكل ما في وسعهم فإن داعي الحق مسموع الكلمة مجاب الدعوة مهما حاول أنصار الباطل التنفير منه وتقبيحه. ومن يتصفح التاريخ ويرى ما لقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أممهم من الإعراض عن دعوتهم وتقبيح ما أتوا به من البينات والهدى وتعمد تحقيرهم إلى غير ذلك من ضروب الإيذاء ويرى أنهم عليهم الصلاة والسلام لم يصدهم ذلك عن الدأب على الإرشاد ولم ييأسوا من رد أممهم إلى الصراط السوي بل ظلوا مثابرين على تعهدهم بأنواع العظات وتذكيرهم بالله وآياته وإقامة الحجج على صدق مدعاهم. من ير ذلك كله يحكم بأن العلماء وهم (ورثة الأنبياء) مقصرون بوظائفهم مطالبون من الله تعالى ببث ما آتاهم من العلم محاسبون مسؤولون عن ذلك يوم القيامة. أخرج الترمذي بسند حسن عنه صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس. عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيما علم وفقنا الله جميعاً لامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، أنه خير مسؤول كريم.

شيء عن الأناضول الشرقي

شيء عن الأناضول الشرقي عادات وأخلاق تختلف العادات والأخلاق بين الأمم باختلاف الأقاليم والبلاد فما يستحسنه قوم من العادات يستقبحه آخرون ولو أمعنا النظر في عادات البلاد لوجدنا لكل بلدة عادة تمتاز بها عن الأخرى وبهذه المناسبة يجدر بنا أن نبحث قليلاً عن تأثير التمدن الحالي في أخلاق الأمم وهو بحث طالما تاقت النفس إليه ثم وجمت عنه لصعوبته - فنقول ليس التمدن في قوم إلا حصولهم على أسباب السعادة في الحياتين المادية والمعنوية وكان للمؤرخ ابن خلدون العمراني الشهير بحث في أسباب انحطاط الأمم بعد رقيها وتكلم على انقراض الدول بعد نجاحها فقال ما معناه: متى صارت الدولة غنية وتوفرت لديها وسائط الدعة والراحة مالت بكليتها للسرف والبذخ وانهمكت في الملاذ وفسدت أخلاقها فلا تلبث أن تضمحل وتنقرض هي وحضارتها: هذه القاعدة الاجتماعية كانت تنطبق على أحوال الأمم ودولها في زمن المؤرخ وقبله أما الآن وقد كاد التمدن يعم أقطار الأرض فلا سبيل للانقراض والاضمحلال سيما وأن كل دولة من الدول الحاضرة قد أعدت العدد الكاملة لصيانة حقوقها وحفظ كيانها بين الهيئات الاجتماعية وصار لها حظ وافر من الرقي المادي والمعنوي وقسط عظيم من التمدن والحضارة. (اللهم إلا بعض الدول الشرقية الغارقة في سبات الخمول والكسل ثم يوجد بين الدول المتمدنة روابط اجتماعية وعهود ومواثيق دولية يكفل لكل واحدة منها صيانة حقها في الغالب قلنا في الغالب لأن حقوق الدول لم تبن في الحقيقة إلا على أساس (الحكم لمن غلب) فالقوة إذاً هي التي تصون حق الدولة من أن يعبث به وتحفظ لها كيانها بين الدول ولما كانت قوات الدول الآن تكاد تكون متقاربة إن لم نقل متكافئة امتنع حينئذ تغلب دولة على أخرى وابتلاعها بتاتا كما يجري في القرون الأولى. بقي علينا قضية الانهماك في الملاذ وفساد الأخلاق فهذه القضية لا تزال مسلمة في كل عصر وفي كل أمة فالبلاد التي توفرت فيها أسباب العمران والحضارة وزادت ثروتها وتنوعت موارد الارتزاق والكسب فيها كثرت فيها ترايضاً الملاهي وانهمك سكانها في

الملاذ ومالوا للسرف والبذخ كما قال العلامة في مقدمته_أما الأخلاق الفاسدة فهي عندي على قسمين منها ما يكون له علاقة كبرى بالوسط الذي تعيش فيه المرأة مثل الكذب والافتراء وشهادة الزور والاحتيال والغش والسرقة والخيانة ومنها ما يتعلق بالشخص ويكون له علاقة أيضاً بالمجتمع الإنساني مثل معاقرة الخمر والاشتغال بالميسر والسفاح وغير ذلك من ارتكاب المنكرات. ثم من المعلوم المقرر أن الفضيلة في حد ذاتها فضيلة والرذيلة كذلك بيد أن قبح الشيء وحسنه يتوقفان على الألفة والعادة فالغريبون ألفوا مثلا معاقرة الخمر واعتادوا الاشتغال بالميسر وولعوا بالسفاح والفحش ولذلك لا يرون هذا العمل قبيحاً ولربما كان عندهم حسنا أما الشرق فيعده عملا قبيحا للغاية. وفي الغرب أيضاً يستأجرون الناس للافتراش إلى أمد معلوم بأجرة معلومة ولا يعدونه قبيحاً بل يعدونه من دواعي التمدن والمرأة هناك تزاحم الرجل في الملاهي والمسارح وتكاتفه وتخاصره فوق مسارح الرقص ولا يعيبها ذلك إلى غير هذا من العادات والأخلاق التي يضيق عن وسعها الطرش وتعد في الغرب من دواعي التمدن ونتائج الحضارة والعمران على أنها قبيحة جداً في نظر الشرقيين. ينتج معنا من هذه المقدمات أن التمدن يفسد بعض الأخلاق كما يصلح بعضها ففي البلاد الراقية يقولون أنه يقل الكذب والزور والخيانة والغش والخداع وتكثر أضدادها سيما احترام الشعور والعواطف ومراعاة سنن الاجتماع وحفظ آداب المعاشرة وبالجملة يقوم القانون المدني هناك مقام النواميس الشرعية وتقل العناية بأمر الدين ويندر الالتفات إليه. ثم يكثر هناك الفسق وإدمان الخمر والميسر وتزيد الخلاعة في النساء. يزيد بذخهن وتبرجهن ويكثر التردد على الملاهي والانغماس في الشهوات النفسانية أما البلاد التي قسطها من ذلك التمدن قليل فإنك ترى القضية فيها معكوسة نعم تكثر في هذه البلاد الشرور وتفسد الأخلاق التي لها علاقة كبرى كما قلنا بالمجتمع الإنساني ولكن يقل فيها الانهماك والميل للسرف والبذخ وسببه فقدان الوسائط فقط فمتى توفرت لديهم أسبابه أقدموا عليه لا محالة لأن النفس أمارة بالسوء ومطالبها كثيرة جداً في باب ملذاتها فهي لا تقنع بالقليل وليس لمطامعها في اللهو حد اللهم إلا النفوس التي أنشأت على الفضيلة منذ الصغر وشبت وشابت عليها.

إذا تنقلنا من بيوت الشعر في الصحراء إلى بيوت الحجر في القرى ومنها أتينا المدن الصغيرة ثم زرنا المدن من الشرق إلى الغرب نرى حينئذٍ الفرق الواضح بين عادات البلاد وتأثير التمدن في أخلاق الأمم وها أنا ذا واصف شيئاً من الأخلاق والعادات في الأناضول الشرقي فأقول: هذه البلاد تكاد تكون محرومة من وسائط النقل بل من وسائل التمدن والحضارة فالأخلاق والعادات هناك تغلب عليها السذاجة وهي أقرب إلى الفشيلة منها إلى الرذيلة ويعجبني تمسكهم في تلك البلاد بأهداب الدين تمسكاً حقيقياً لا يشوبه رياء. حتى أن الفقير منهم يخرج زكاة ما ملكته يداه ولهم عناية عظيمة بصلاة الجماعة وتلاوة القرآن الكريم سيما في شهر رمضان المبارك والرجل والمرأة متساويان في العبادة والأخلاق الفاضلة كما أن المسيحي لا يكون أقل تمسكاً بدينه من المسلم. أما الملاهي فيمكننا أن نقول لا أثر لها في تلك البلاد حتى أنها تندر جداً في مراكز الولاية وتقدم بتاتاً في مراكز الأقضية وأما أهل القرى فهم لا يعرفون معنى اللهو والملهى. وقد اتفق في قضاء (ناظمية) أن بعض الضباط هناك كانوا يقصدون القهوة في ليالي رمضان ويلعبون بالورق ترويضاً للنفس وقتلاً للوقت الطويل ولربما كانوا يقامرون مقامرة خفيفة جداً لا يعبأ بها وليست من الأهمية بمكان فاشترك معهم بعض شبان البلدة فثارت لذلك ثورة الغضب من السكان وطلبوا إلى الحكومة تعطيل القهوة ومنع المقامرة وإلا تفاقم الشر وعظم المصاب فلبت الحكومة طلبهم ومنعت المقامرة واللعب بالورق وحدث أيضاً أن مفتي البلدة جمعته الصدفة ببعض الشبان من المأمورين والأهالي خارج البلدة ومعم موسيقي قروي يزمر لهم وهم يصفقون له وينشدون بعض الألحان فتاقت نفس المفتي للسماع فجلس إليهم غير متعمد ولما شاع الخبر أن المفتي يجالس الشبان في الملاهي وأنه يصغي لسماع الألحان المطربة قامت عليه القيامة وسلقوه بألسنة حداد حتى اضطر أن يكفر عن سيئاته ويعدهم بأن لا يعود لمثلها وإن عاد فهو من الظالمين. أما المرأة في الأناضول فهي إذا خرجت من بيتها تكون متحجبة والحجاب هناك حجاب حقيقي يقصد به التستر الحقيقي فلا يكاد يرى من المرأة شيء تحت الحجاب حتى ولا تظهر تحته رشاقة قدها وانتظام هندامها وإذا مشت إلى الرياض ترويحاً للنفس وترويضاً

للبال فهي تمشي محفوفة بالوقار والحياء لا تبختر ولا تبرج في مشيها وهي لا تبدي زينتها للناظرين ولا تسحب ذيلها (الشاحط) أو ترفعه بيدها اليسرى ولتوكأ على الشمسية باليمنى وقناعها ثخين ولا فرق في ذلك بين المسلمة والمسيحية هناك حتى أنك لا تكاد تفرق بين المرأتين إلا باختلاف بعض الأزياء في الملبس. المرأة هناك جاهلة ومن عجيب ما اتفق لحكومة (جارسنجاق) أنها لما رأت الأرمن هناك يعنون بتهذيب بناتهم وتعليمهن وأن لهم مدرستين للبنات إحداهما راقية جداً قصدت أن تفتح مدرسة لبنات المسلمين وبعد عناء كبير تيسر لها ذلك فكان الساخطون عليها أكثر من الراضين عنها بيد أنهم مالبثوا أن عادوا على الهدى لما شاهدوا بناتهم يتدرجن في مدارج التهذيب وصار لهن حظ من الأدب والتربية والنظافة حتى أن أولئك الآبار الذين نقموا على الحكومة بسبب تلك المدرسة فتحوا بعد ذلك اكتتاباً وجمعوا بعض النقود فاشتروا بها ماكينة للخياطة وأخرى للتطريز. قلنا أن المرأة في الأناضول جاهلة ولكن ليس سبب جهلها الحجاب كما يتوهمه البعض بل سببه فقدان العلم ووسائطه وهنا نذكر بالمناسبة (والشيء بالشيء يذكر) ما يعن لنا في مسألة الحجاب فنقول ينبغي أن نعلم المرأة ولكن يجب علينا أن نحتفظ بحجابها وإن كان كلامنا هذا لا يروق بعض الشيء الجديد ورجال المستقبل الذين يودون أن نمزق حجاب المرأة بأظفار من حديد فإنه سيروق العقلاء من الأمة. ومن المضحكات أن يذهب بعضهم إلى أن الحجاب يمنع رقي المرأة وأنه إذا امتنع رقيها امتنع رقي الأمة التي تربيها تلك المرأة فنحن نقول أن الحجاب لا يمنع من رقي المرأة بتاتاً لأنه لا يمنع من تعلمها وتهذيبها بل يصون حقوقها ويحفظ مركزها الأدبي في الهيئة الاجتماعية ولا يخرج بها عن حدودها الطبيعية كما خرجت المرأة في الغرب والحجاب هو الضمانة الوحيدة لصيانة المرأة من التبرج والخلاعة والاسترسال في الملاهي ومزاحمة الرجل في معارك الحياة لأن على المرأة وظائف سامية في الهيئة الاجتماعية لا يجوز أن تشتغل بغيرها وهنا يعترض علينا منكرو الحجاب قائلين أن تحت الحجاب خلاعة وتبرجاً يفوقان الوصف وان الحجاب يساعد على ارتكاب المنكر أكثر من غيره فالمرأة المتحجبة تذهب لقضاء شهوتها وتعود من حيث لا يشعر بها أحد وأما إذا كانت مكشوفة الوجه فلا تجسر على الإتيان بهذا المنكر

لأنها تخشى أن يفضح أمرها وينكشف سترها ونحن نقول نعم قد يقع ذلك. ولكن خطأ صغيراً نادراً مثل هذا لا يقلل أهمية الحجاب وسيئة مثل هذه لا تمحو حسناته الكبيرة على حين أن المرأة التي يجوز لها الاختلاط بالرجال تكون معرضة كل آن لذلك الخطر الذي يتوهمه أصحابنا فإذا لم يكن للمرأة وازع من ضميرها ورادع من شرفها فلا الحجاب ولا عدمه يمنعانها من ارتكاب المنكر وأني لا عجب من قول القائلين بأن التعليم والتهذيب المدرسي يمنعان المرأة من الميل إلى شهواتها والانغماس في الملاهي والاسترسال للبذخ والسرف وأقول أن هذه سفسطة لا تنطبق مع نواميس الطبيعة البشرية ورقة إحساس المرأة وضعف إرادتها أليست المرأة هي المخلوق الضعيف الذي لا يمكن لجلساته الرفيقة أن تقاوم أقل حادثة من حادثات السكون؟ أليست هي التي تترنح لأقل نغمة من نغمات السرور وتحزن وتتألم لأقل طارق فجائي بل تحي وتسعد بالأمل والرجاء وتذبل وتذوي عند اليأس والقنوط فلا صبر لديها ولا جلد تلك طبيعة المرأة التي فطرت عليها وهذا تركيبها الجسماني وهذه حياتها الاجتماعية فليتق الله أولئك الذين يدعون أنهم أنصار المرأة وهم في الحقيقة أعداؤها الألداء ليتقوا الله في حرمانها من وظائفها التي خلقت لأجلها؛ إلى أن قال الكاتب: إن رفع الحجاب عن المرأة يدفعها للاختلاط بالرجل ومزاحمتها إياه في وظائفه ويفسد أخلاقها ويعطل جيد آدابها ويطوح بها في مهاوي الفسق والفجور وبالجملة فإنه يحيد بها عن طريق الهدى، ثم قال: أيها الأنصار هل يليق بكم أن تكلفوا المرأة بوظائف مهمة سامية مثل إدامة النسل وفيها ما فيها من أدوا الحمل والوضع والرضاع تلك الأدوار الهائلة ثم تكلفوها بتربية الأولاد وتسمونها المدرسة الأولى ثم بترتيب البيت وحسن إدارته ثم بخدمة الزوج خدمة حقة ومشاركتها إياه في السراء والضراء من أتعابه وأفراحه المعنوية هل يليق أن تكل بهذه التكاليف ثم ترفعوا عنها حجابها الذي يكفل لها حسن القيام بهذه الوظائف وتقذفوا بها في تيار المصائب الاجتماعية على ضعف جانبها ورقة شعورها؟ أما سمعتم ما قاله ويقوله علماء الغرب وفلاسفته في حق المرأة الغربية فما أحلى ذلك الفيلسوف الإنكليزي الذي قال (ينبغي أن تبقى المرأة امرأة ولا تخرج عن حدودها

الطبيعية، ولا سبيل على العمل بقول هذا الفيلسوف إلا بالحجاب. الحضارة أ. ح

مقالة خيالية

مقالة خيالية في المفاضلة بين الشريف الرضي وأبي الطبيب المتنبي للعالم الفاضل صاحب الإمضاء يا رواة الشعر وناظميه وأئمة النثر وعالميه ونقدة الكلام نقد الصيرف للدرهم والدينار ومآل الأنام في محاسن الخطب وأحاسن الأشعار. لديكم يا شموس الأرض شمنا ... يد الآداب قد ألقت عصاها فإن لتصور الآداب أرضاً ... فأنتم قد حللتم في رباها وما الأشعار إلا ما رويتم ... فأخبار القريض بكم تباهى وما ترووه من خطب ونثر ... يشق على الأنام بأن يضاهى لازالت سماء أنديتكم زاهرة بكواكب العلوم ولا برج طير المسرة والألفة في رياض محافلكم يحوم. إني منذ أعوام غالها غول الانصرام انتظمت في سلك جماعة من آل البراعة واليراعة يتفاوضون في الأدب وفضله ويسعون في نظم ما انتثر من شمله فتعلقت بأهداب فكري أتأمل ألفاظه وفتكت بسويداء قلبي سيوف ألحاظه وأخذت بمجامع لبي جواهر فوائده وسحرت نهاي إذ حسرت اللثام وجوه خرائده فآليت إني لا أزال مردداً تلاوة ذكره دائباً سائر أوقاتي على الاهتمام بنظمه ونثره فوقع مني في النثر الاختيار وأكبر ظني أنه المختار على مقامات من فاز بالقدح المعلى من أسهم البلاغة وحاز المقام لا على من صياغة الإبداع وإبداع الصياغة وهو محمد أبو القاسم بن علي الحريري البصري الذي أعجز الأنام ولو كانت في ضوء مشكاته تسري. فكنت من النظر إليها بين الكوثر والجنان أو محاورة الأدباء ومغازلة الغزلان ثم طفقت أجيل الفكر في ميدان دواوين الشعراء وأستجيد محاسن أشعار الفصحاء فأجابني لسان حال أهل العلم والمعارف وأومأت إلي لواحظ من إليهم تسب اللطائف أن الدواوين ثلاثة من غير شك مريب ديوان أبي الطيب والبحتري وحبيب فعول رأيي منها على ديوان أبي الطيب أحمد فكنت كما ازددت تأملاً فيه الشكر بلاغة ناظمه وأحمد فلازمته لزوم عاشق أباحه الوصل لائمه وعكفت عليه عكوف شحيح ضاع في الترب خاتمه إلى أن جذب بيد التأنيب أطراف توجهي غليه أحد الأفاضل ولفت هوادى عزمي عن أن تطارد في مضمار

فصاحته وتناضل وقال عليك بديوان أبلغ الفصحاء وأفصح البلغاء أشعر الهاشميين الذين هم أفصح العرب العرباء إلا وهو الشريف الموسوي الحسيب النسيب الذي له لدى اقتسام البلاغة أوفر نصيب فإنه البحر الذي ليس لتياره ساحل والعبقري الذي لم يكن لغيره مساجل فركبت جواد الحيرة وجريت في حلبة الأوهام والعبقري الذي لم يكن لغيره مساجل فركبت جواد الحيرة وجريت في حلبة الأوهام وغدوت متردداً بين أقدام وأحجام إلى أن قرع باب مسمعي خبر وجود منتدى جليل تتغذي الألباب بدر معينة والسلسبيل فقصدناه لنتحاكم عند أعضائه أنصار القريض وأساة القول المريض فمذ حللنا رحبة الواسعة وانتظمنا في سلك أنجمه الساطعة قام صاحبي وأنشد: عليك بديوان الشريف فإنه ... إلى نظمه روض البلاغة ينسب ولازم إذا رمت القريض كتابه ... صباح مساء فهو عنقاء مغرب هو الويل إلا أن من كان عالماً ... به روضه بين الخلائق مخصب أو السحر لكن كل سحر محرم ... وذا يا بني الآداب والعلم يندب وليس بمحص فضل ماقد حواه من ... بديع فنون الشعر قس ويعرب فلا يكن لك عنه محيد إذا رمت أن تكون في الأدب وحيد ودع عنك نفاضة الجراب ولا يغرك خلب البرق ولمع السراب فكل الصيد في جوف الفرا وأين الثريا من الثرى. قلت: دع القول زور أو استقم يا مهذب ... فما كل غيث يمطر الأفق صيب لعمرك ما تقديم شعر الشريف أن ... تحققت ياذا الفضل ألا تعصب تمسك إذا ما شئت في النظم رفعة ... على كل ذي نظم يقول فيعجب بأهداب شعر صاغ در عقوده ... همام به لسن البلاغة تخطب أبو الطيب الفرد الذي شمس فضله ... بنسبتها شمس البسيطة كوكب قريض ترى شعر الكميت وجرول ... على قدم الآداب إبان يركب فدع عنك قول الزور وأشهد بأنه ... على غيره ذيل الفصاحة يسحب فاسرح في رياض شعره وخل عنك القيل والقال وكن ممن تفي في ظلال خمائل نظمه وقال: فإن من ثبت نبت ومن راغ رغبت عنه المعارف ونبت.

فلست له مثلا مدي الدهر لاقيا ... ومن ورد البحر استقل السواقيا قال: لقد جاوزت حداً يقصر عنه المجادل ويقف دون مداه كل معاند ومتحامل ماهذه الزخرفة التي لا يرضاها لنفسه إلا تقي ويعاف ورد زعافها من له قلب أو ألقى كأنك خلت أن تنميق كلامك يسري وزعمت أن سراب دعواك في غدير التمويه على البرية يجري. دع عنك زخرفة المقال فإنها ... لم يرض فيها غير غر جاهل واعلم بأنك إن أردت تحاملاً ... ترجع وأنت بصفقة المتحامل فالزور قول ما تحمل عبأه ... إلا امرؤ يأبى مقام الفاضل قلت: إليك فإن الحمق مني ومنك لا ... يفيد سوى الأضغان يا من يناظر ومن كان ذا حمق لدى الخصم تاركاً ... سبيل التأني فهو لاشك خاسر فهلم بنا إلى مورد الأنصاف وخلنا عن رنق الاعتساف ولندع طريق الخصام ونمسك ولنقل الحق لو على نفسي أو نفسك واعلم بأنك لن تجد مخالفاً أو مجتري يفضل شاعراً على أحمد أو حبيب أو البحتري بل الكل متفق على هذه المقالة ولا تتفق أمة الأدب على ضلاله. تمسك بأذيال الذين تقدموا ... عليك فليس البدر منهم بآفل إذا أنهل طل من عيون سمائهم ... فليس سحاب الفضل منك بهاطل فكن تابعاً آراء من قد بنوالنا المعالي ولا تتبع مقالة قائل قال: أيا من يروم علينا احتكام ... بتقليدنا الأقدمين العظام فحسبك إني بصير إذا ... رأيت مقالاً عراه سقام وإن كان قولاً صحيحاً له ... لدى كل شهم أجل احترام زلفت إليه ازدلاف فتى ... بحب المعالي غدا مستهام فعني إليك فلا أقتدي ... وإن جل قدراً مقام الإمام وهذا كلام الشريف فكن ... سميعاً إذا ما تكن ذا اعتيام فتسمع طير العلا صادحاً ... كلام الشريف شريف الكلام

قلت: أيامن تجرأ على الأقدم ... ين بالحط منهم بغير احتشام فما كان ظني بأن امرأ ... يقول بما قلت بين الأنام وهبك فريداً سما فكره ... ألست وحيداً وهذه فئام وحاشا تساوي جميع الورى ... وقد قال طه عليه السلام بنفي اجتماع الأنام على ... خلاف صواب والالتئام على أنني طالب أن يبي ... ن فضل المجلي بهذا المقام فأوضح محاسن من قد ترى ... له الفضل تاجاً على كل هام قال: أرعني أذنك وأسمع، وشم برق محاسنه يسطع، أما الفخر فله فيه القدم الأعلى، وطريقته به هي الطريقة المثلى، فهو ذا افتخر سجد له كسرى، وقيصر وإن شئت الارتشاف من عذب بحره، وإن تتقلد بفرائد جوهره ودره، فإليك ما غرديه صادح نظامه، ونثر على عروس الآذان من فرائد المرجان ثغر كلامه، قال من فخرية له: خصيم من الأيام لي وشفيع ... كذا الدهر يعطي مرة ويطيع وبي ظمأ لولا العلى ما بللته ... وفي كل قلب غلة ونزوع وما أنا ممن يطلب الماء للصدى ... ويجمعني والواردين شروع رضاعي من الدنيا الممات فطامهُ ... وما نزح الثدي الغزير رضيع أبينا ولا ضيم أصاب أنوفنا ... وفي الأرض مصطاف لنا وربيع إذا أغدرت نفس الجبان بصبره ... حمتنا ذروع طلقة ودروع (لها بقية محمد أبو الخير الطباع)

صلاح الأمة بالدين

صلاح الأمة بالدين اعتاد كثير من أرباب الأقلام الشكوى من فساد الخلاق، وضياع الفضائل والكمالات، وموت العواطف الشريفة وتراهم يبالغون في الأسى والأسف على الحالة التي وصلت إليها الأمة من الوهن والتقهقر والخور والضعف من غيران يبحثوا عن معرفة السبب الذي نزل بالأبصار فغشاها وبالنفوس فدساها وبالأفكار فأوقفها، وبالفضائل فأجلاها، ليهتدوا على جرثومة العلل فيتذرعوا بالوسائل في إزالتها ويمهدوا السبل في استئصال شأفتها. كاد هؤلاء الكتاب يبذرون روح اليأس في القلوب بكثرة ندبهم ونعيهم على الناس سوء حالهم وإنذارهم لهم وبيل منقلبهم، حتى ظل الواحد يتخيل أن دور صلاح الأمة قد انقضى، ونجم مجدها قدافل، بل ربما يقوم في فكرة استحالة النهوض من وهدة الانحطاط فيتأصل فيه فقد الآمال وترك صالح الأعمال والبعد عن الجد والارتياح إلى الكسل والانغماس في حمأة اللهو والعبث. نسمع لهم كل يوم صخباً ولجباً، ليس لها تأثير في تعديل طبع، أو تهذيب نفس، مدعين أنهم دعاة الخير زعماء الإصلاح وهم مع الأسف يستصرخون فلا يلبون ويجأرون فلا يجابون ولم ذلك؟ لأنهم لم يفهموا سبب الانحطاط فيبينو للأمة طرق نجاحها ويسلكوا في تربية عواطفها مسلك الحكيم الناصح العالم بمكان الضعف والقوة ولكنهم بدل ذلك أخذ ينددون بعلماء الأمة وأمرائها وكبرائهم وجعلوا أهم مباحثهم التنقيب عن عوراتهم وكشف الغطاء عن مساويهم وما اجترحوا من المخازي حتى جردوهم عن كل مزية فضيلة فانتزعت الثقة بهم من قلوب العامة والخاصة ووقر في نفوس الناس أنه ليس لهم في أمتهم مرجع يرجعون إليه عند الحيرة ولا موئل يعتصمون به وقت الشدة. لو بحث هؤلاء الكتاب بحثاً دقيقاً عن السبب الوحيد لما يشكونه من فساد الأخلاق وانحلال عرى العزائم وتراخي أواصر الروابط التي أفضت بالأمة إلى تأخرها لوجدوا (وايم الحق) الباعث لذلك هو الأعراض عن الدين وتعاليمه نبذ أحكامه ظهرياً. نعم أن الأمة انحرفت عن الأخذ بالدين وتركت التمسك بآدابه وسننه القويمة ومالت مع الأهواء واسترسلت في الشهوات حل بها من الأحن والبلايل ما أضحت معه في حاجة شديدة إلى العلماء العارفين بأحوال الأمم وارتقائها ليأخذ بيدها نحو تلك الذرة العليا والمنزلة

القصوى وليحيدوا بها عن طريق الغواية ويسلكوا بها منهاج الرشد والسعادة أفلا يجدر بم أيها الكتاب أن تيقظوا الأمة من سباتها وترشدوها إلى معالم دينها وتوقفوها على أحكام شريعة خالقها التي هي مصدر قواها ومنبع سعادتها وإكليل عزها ومجدها إلا تتقون الله في القيام بما ينفع الأمة في دينها ودنياها ويجعلها في أسمى مقام هذا كتاب الله ناطق بالحجة أمام وهدى ونور مبين يشهد لمن أخذ به وتمسك بأحكامه وينعي من حاد عنه وتنكب عن طريقه بسط لنا فيه من وسائل السعادة ومقاصد السيادة وأسباب ارتفاع الأمم وانحطاطها وضرب لنا من الأمثال لأجل العظة والاعتبار ومراعاة السنن الإلهية ما فيه بلاغ وكفاية لأولي الألباب هذه السنة المطهرة بين ظهرانينا ترشدنا إلى معاني الأمور وكرائم الخصال وتحثنا على فضائل العمال وفعل الخيرات وترك المنكرات هذا التاريخ يشهد أن الأمم ما تدرجت في مدارج الحضارة ولا اجتازت عقبات الحياة الوحشية إلا والدين قائدها ومرشدها والتدين مسخرها ومصرفها ألم يأن لكم أيها الكتاب أن تدأبوا في إصلاح شؤون الأمة وتقويم اعوجاج بالحض على اتباع السنة وقمع البدعة واقتفاء أثر السلف الصالح الذين عرفوا واجبات الدين وقيمة نفعه للبشر ولم يكن للأغراض الذاتية والشهوات النفسانية منفذ في نفوسهم ولا في خواطرهم بل كانت بغيتهم التفاني في ارتقاء الأمة وارتفاع مجدها وبقاء سؤددها فهم يتعهدونها بالحكمة والمواعظ الحسنة التي تؤثر في القلوب وتنشط النفوس للدأب في الجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة وفقنا الله للقيام بواجب ديننا وأمدنا بروح منه تقيمنا على السبيل الأمثل والطريق المستقيم وفي الختام نقول: يا قوم كونوا يداً في الدين واحدة ... واستنصروا بالهدى فالحق قد ظهرا يا قوم ن تنصروا لله ينصركم ... ويرحم الله من للدين قد نصرا

التاريخ

التاريخ تابع ترجمة أبي بكر رضي الله عنه 7 فتح العراق لم يكد ينتهي سيدنا أبو بكر رضي الله عنه من حروب الردة وجمع كلمة العرب على الإسلام حتى قام بهمته العلياء بجيش الجيوش وينازل جبابرة الملوك في عقر دارهم وثوقاً بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستفتح عليكم فارس والروم حاملاً إليهم الدعوة إلى الإسلام دين الحق دين الحرية الحقيقية دين الفطرة دين العدل والمساواة ليخلص تلك الأمم التي كان أمراؤها يسومونها سوء العذاب ويعدون نفوسهم آلهة وأممهم عبيداً لينزع عن تلك الأمم الأغلال التي كانت عليها ويبعدها عن جور الحكام وخسف الظلام فتعيش آمنة مطمئنة لا تعبد إلا الله ولا تخاف إلا إياه ولم تكن الدعوة إلى الإسلام أمراً حتماً حتى تكون بمثابة الإكراه بل كان يخيرها بينه وبين الجزية وهي أن تدفع في كل سنة مالاً قليلاً وتكون حرة في عباداتها وتقاليدها على شروط مقررة في الشرع الشريف وهي في ذمة الله ورسوله لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم فإن لم تقبل أحد الأمرين كان السيف هو الحكم الفصل لأنها لم يبقَ لها عذر تعتذر به فانتدب أبو بكر رضي الله عنه البطل المغوار سيف الله خالد بن الوليد المخزومي وأمره أن يسير إلى العراف ويبدأ بالأبله وكتب إلى عياض بن غنم أن يقصد العراق أيضاً ويدخل من أعلاه ويسير حتى يلقى خالداً وكان المثنى بن حارثة الشيباني قدم على أبي بكر رضي الله عنه ورغب إليه أن يستعمله على من أسلم من قومه ليغزو بهم أطراف فارس فكتب له أبو بكر بذلك فكان يغزوهم قبل قدوم خالد وأوصى أبو بكر خالداً وعياضاً رضي الله عنهم أن لا يضرا بفلاحي العراق حرصاً على منابع الثروة وأن يستنفرا من قاتل أهل الردة وأن لا يغزون معهما مرتد حتى يرى رأيه لإناء كان يرى أن لا يستعان بمن ارتد على الغزو وكتب أبو بكر على المثنى ومن معه ن يلحقا بخالد بالأبله فسار خالد حتى قارب الأبله والتقى بالمثنى ومن معه وكانوا ثمانية آلاف مقاتل وكان مع خالد عشرة آلاف مقاتل فكان الجيش ثمانية عشر ألفاً فقسمه على ثلاث فرق وسير الفرقتين أمامه وواعدهما الحفير وكان صاحبه عظيماً من عظماء الفرس اسمه

هرمز فلما سمع بخبر خالد كتب إلى أزدشير ملك الفرس بالخبر وتعجل بأصحابه إلى الحفير فمال خالد بلناس على كاظمة فسبقه هرمز إليها وقرن جيشه بالسلاسل كي لا يفروا وقد خالد فنزل في جيشه وخرج هرمز ودعى خالداً إلى البراز واتفق مع أصحابه أن يغدروا به فبرز خالد ومشى نحوه راجلاً ونزل هرمز أيضاً وتضاربا فاحتضنه خالد وهجم الفرس يريدون أن يغدروا به فلم يشغل ذلك خالداً عن قتله وحمل القعقاع بجيش المسلمين مازال الفرس عن خالد وانهزم المشركون وكانت هذه أول موقعة بين المسلمين والفرس وبعث خالد بالأخماس والفتح على أبي بكر. وقعة الثنىّ ولما وصل كتاب هرمز إلى أزدشير بخبر خالد أمده بجيش عظيم يقوده قارن بن قريانس فلقيه المنهزمون في الطريق فاجتمعوا ورجعوا معه ونزلوا بالثنى فسار إليه خالد ولما التقى الجيشان خرج قارن يلب البراز ليدرك ثأر هرمز فبرز إليه فارس من المسلمين فقتله وحمل المسلمون عليهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة تبلغ ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم ثم أخذ خالد الجزية من الفلاحين وصيرهم ذمة وبعث بالفتح والأخماس إلى أبي بكر. وقعة الولجة لما بلغ أزدشير ملك الفرس انهزام جيشه سير إلى المسلمين جيشاً آخر يقوده رجل يقال له الأندر زعز وفي أثره جيش آخر يقوده بهمن جاوذيه فعسكر الجيشان بمكان يقال له الولجة فسار إليهم خالد ووضع لهم كميناً ثم لقيهم فقاتلهم قتالاً شديداً حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ واستبطأ خالد كمينه ثم خرج الكمين وانهزمت الأعاجم وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم وقتل منهم خلق كثير وفر الأندرزعز منهزماً فمات عطشاً وأصاب خالد أبناء من بكر بن وائل فقتلهم فغضب لهم قومهم من نصارى بكر وكاتبوا أزدشير ليساعدهم على قتال المسلمين فكتب إلى بهمن جاذويه المنهزم أن ينضم بمن معه إليهم فلما جاءته الرسالة قدم أمامه قائداً اسمه جابان وذهب هو إلى أزدشير ليستشيره فوجده مريضاً فبقي عنده.

وقعة اللبس وأما جابان فاجتمع عليه نصارى بكر بالليس فسار إليهم خالد وكانوا على طعامهم فعاجلهم وهزمهم شر هزيمة. فتح الحيرة ثم سار خالد قاصداً الحيرة فخرج غليه مرز بأنها واسمه الزادية وعسكر بظاهرها وأرسل ابنه فقطع الماء عن سفن المسلمين فبقيت على الأرض فسار خالد على الخيل نحو ابن الأزادية فحاصر خالد قصورها ودعا أمراءها إلى الإسلام وأجلهم يوماً وليلة فأبوا فقاتلهم المسلمون وافتتحوا الديور وأكثروا القتل فنادى القسيسون والرهبان بأهل القصور ما يقتلنا غيركم فصاح أهل القصور قد قبلنا الجزية فصالحهم خالد عليها وقدرت بمائة ألف وتسعين ألفاً واهدوا له هدايا فبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر فلك يقبلها على أنها هدايا بل عدها لهم من الجزية. فلله ما اسمي هذه النفوس وما أحرصها على العدل تساق لأبي بكر رضي الله عنه التحف العظيمة، والأموال الجسيمة، يهديها إليه هؤلاء الأعاجم عن طيب نفس واختيار من غير مشوق يشوقهم لها، ولا دافع يدفعهم غليها فلا يقبلها رضي الله عنه بل يعدها لهم من الجزية المرتبة عليهم، لئلا يتوهمون أنهم بمثل هذه الهدايا يكونون موضع نظره وأولى برأفته وعدله، فكان بذلك مبيناً لهم أن المسلمين لا تؤثر في نفوسهم أمثال هذه الهدايا ولا يعبأون بها، وأن من دخل تحت حكمهم لابد وأن تشمله العدالة الحقة، والحرية التامة، يحمونه في ماله وعرضه مادام طائعاً لهم، قائماً بشروطهم. هكذا كان المسلمون أيام كانوا متمسكين بدينهم، عاملين بكتابهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم يتركون كون ما فيه شبهه، ويأخذون ما وضح حله وبذلك خضعت لهم الملوك العظيمة ودانت لهم الأمم التي لم يكن يخطر في خلدانهم أنهم يستولون عليها، فاللهم وفقنا للعمل بأوامر الدين والاقتداء بهؤلاء الأخيار الصادقين.

الأسئلة والأجوبة

الأسئلة والأجوبة أصحاب مجلة الحقائق. . السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد فقد كنت راجعت أحد علماء السادة الحنفية في حكم استعمال الماء الذي جلب لهذه الحاضرة من عين الفيجة فكان جوابه الشك والتوقف لاعتقاده أن ممر الماء وما صرف عليه من الأموال مغصوب بغير وجه شرعي وحيث أن أهالي دمشق نبذوا مياه الأنهر القديمة لقذارتها وأخذوا يستعملون هذا الماء (ماء عين الفيجة) في أكثر حاجياتهم وذلك لنظافته وخلوه عن المدنسات جئت بأسطري هذه أستبين من حضراتكم بيان الحكم عند السادة الحنفية في استعمال هذا الماء شرباً وطبخاً وطهارة راجياً درج سؤالي هذا بحروفه والإجابة عنه بما يروي ويشفي. أحمد (الجواب) لم نجد للفقهاء من السادة الحنفية ما يدل على حرمة استعمال هذا الماء شربا وطبخاً وطهارة ولم نر في عباراتهم ما يصلح لأن يكون مثاراً للشك والتوقف فيه بل هم مصرحون بحل استعماله متفقون عليه وإليك نصوص أئمتهم في ذلك قال شيخ الإسلام برهان الدين أبو بكر المرغباني في كتابه شرح بداية المبتدئ وهو من أصحاب الترجيح وكتابة هذا من أجل ما يعتمد عليه من كتب الحنفية: أعلم أن المياه أنواع الأول ماء البحار ولكل واحد من الناس فيه حق الشفة وسقي الأراضي والانتفاع بهذا الماء كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء لا يمنع منه أحد على أي وجه شاء الثاني ماء الأودية العظام كسيحون وجيحون ودجلة والفرات وللناس فيه حق الشفة وسقي الأراضي الثالث الماء الذي دخل في المقاسم وحق الشفة ثابت فيه لكل واحد والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلام والنار) أهم ملخصاً وفي تنوير الأبصار مع شرحه الدر المختار ولكل واحد حقها (أي الشفة) في كل ما لم يحرز بإناء أو حب (ج) أهم واقره ابن عابدين ومثله في غير هذين الكتابين من الكتب المعتمدة وهو تصريح منهم بثبوت حق الشفة لكل إنسان في كل نوع من أنواع المياه عدا الماء المحرز بالأماني ويدخل في هذا العموم ماء عين الفيجة كما هو ظاهر ولا يؤثر في حل استعماله كونه جرى في أرض مغصوبة وعمر طريقة من مال مغصوب حيث أن حق الشفة ثابت فيه على كل حال هذا

إذا تحقق غصبه على أن هذا الماء لم يجر في مجراه إلا برضا أملاكه ملاكه وقد دفع لهم من الدراهم مقابل مروره في أرضيهم مارضوا به والمال الذي صرف على عمارة هذا الطريق ليس لمال المصادر بعينه بل هو من أموال الخزينة العمومية وهنا نرى من اللازم تنبيه عامة مواطنينا إلى أن ينبذوا تلك المياه القديمة القذرة ويستعملوا هذا الماء النقي الصافي الشرب والطبخ وما ماثلهما نرى ذلك من اللازم اللازب سيما في مثل هذه الأيام التي أخذت تزداد فيها الأمراض وتنتشر دفع الله عن المسلمين المكارة وحفهم بألطافه الخفية.

رواية زهير الأندلسي

رواية زهير الأندلسي أصحاب مجلة الحقائق. . قد شهدت رواية زهير الأندلسي التي قام بتمثيلها لفيف من غلمان المدرسة العثمانية الدمشقية فدهشت لبراعة أولئك الطلبة المرد الممثلين الذين حازوا قصب السبق في مضمار التمثيل وقد افتتح الرواية أحد أساتذة المدرسة المذكورة عارف الشهابي بخطاب أطال فيه بمدح التمثيل وبلغ به الغلو حتى قال أنه قد ورد في القرآن العظيم والحديث الشريف الحث عليه واستشهد لذلك بقوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وقوله عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وفسر الاعتبار في الآية من عنده) بالتمثيل وزعم أنه من تتميم مكارم الأخلاق. ثم ارتفع الستار الأول عن سائر الغلمان الممثلين حاسري الرؤوس مسرحي الشعور فأنشدوا أدوار منها. إنما التمثيل فرض جاء في القرآن وقد اشتملت الرواية الأدبية (بزعمهم) على تخنث وتلوو انحناء قارب الركوع وتزي بزي إفرنجة الإسبانيين بلبس القبعة (البرنيطة) إلى غير ذلك من الأفعال التي يأباها الدين والمرؤة لذلك استعظمت هذا التهجم من الشهابي على القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأنكرت ذلك في نفسي ثم توقفت عن الإنكار لأنه كان من الحاضرين المستمعين طائفة من العلماء الأعلام الذي نقتدي بهم الخواص والعوام ولم ينكر أحد منهم ذلك الأمر على الشهابي فخطأت وقتئذٍ نفسي وقلت لو كان الأمر كما خطر لي لقام أحد هؤلاء العلماء الأفاضل ورد على القائل وبين الحقيقة للعوام المساكين الذين كانوا يصفقون لكل ما يسمعون ولا يعلمون. ثم أني حضرت صلاة الجمعة في الجامع الأموي فقام على منبره خطيبه المشهود له بالفضل، المشهور بالتقى والصلاح الشيخ حسن أفندي الأسطواني فتلا خطبة طويلة وعرض بتمثيل تلك الرواية فيها وقبحها ولام من قاموا بتمثيلها، وحذر الإسلام من قبول تلك الخرافات، ونصحهم بتنزيه أولادهم عن أمثال هذه الخزعبلات، وخطأ من قال أن التمثيل ورد الحث عليه في القرآن والحديث وأنه فرض الخ فلما سمعت من الخطيب

خطبته أخذتني الحيرة ووقعت في دهشة وقلت يا ترى من نصدق ومن نكذب؟ ومن نخطئ ومن نصوب؟ الخطيب ومن يقول بقوله أم الشهابي ومن أقره على كلامه لذلك أتيت بعباراتي هذه أسطرها على صفحات حقائقكم الموقوفة لخدمة الدين راجياً منكم ومن رجال العلم المحافظين على الدين بيان الخطأ من الصواب وتمييز الحق من الباطل والله أفادي إلى سواء السبيل. دمشق ي ص (الحقائق) عهدنا في مدير هذه المدرسة الفاضل المحافظة على الآداب الشرعية، والتخلق بالأخلاق الدينية، ولا نظن أن كل ما ذكر في هذه السؤال جار برضائه ولقد بلغنا عنه أخيراً أنه أدرك خطأ إطلاق اليد هؤلاء المعلمين الذين لا تنطبق مبادئهم على مبادئ المدرسة وعساه يعمل على إبدالهم بمن استجمعوا الصفات اللازمة لتأديب أطفال المسلمين وتربيتهم حسب التعاليم الشرعية. وحيث أن المجلة متعهدة بنشر مايرد عليها من الأسئلة الدينية الشرعية نشرنا هذا السؤال ليطلع عليه علماء الدين ومن يرجع إليهم في مثل هذه المسائل رجين منهم أن يكتبوا ما يظهر لهم في هذا الموضوع الديني وسننشر جوابنا عن ذلك مع سائر ما يرد إلينا من الأجوبة في الإعداد الآتية إن شاء الله تعالى وفقنا الله جميعاً لخدمة دينه وألهمنا العمل بما يرضاه.

فتوى شرعية

فتوى شرعية في أداء زكاة الأموال لإعانة الأسطول العثماني الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل خلق الله وآله وصحبه أجمعين أما بعد فقد سئلت عن إعطاء الزكاة للدونانمه (الأسطول) فأحببت بما يأتي مذهب أمام دار الهجرة أن آية المصرف وهي قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) مسوقة للبيان لا للتقسيم وإن الواو بمثابة أو كأنه قيل والله أعلم إنما الصدقات للفقراء أو المساكين الخ ومعنى ذلك أن الزكاة لا يجوز أن تخرج عن الأصناف الثمانية وممكن أن تدفع كلها الصنف وأحد سيما إذا كان أحوج من غيره فإن تخصيصه بها يصير مطلوباً كما أن المراد بقوله تعالى (وفي سبيل الله) الجهاد في سبيل الله من أعداد المعدات والصرف على الغزاة ومن ذلك بناء الأساطيل على التحقيق من المذهب. قال في الكبير ما نصه قال مالك رضي الله عنه اللام في قوله تعالى للفقراء لبيان المصرف لا للملك يعني ولو كانت للملك للزم عموم الأصناف الثمانية لأن الملك يكون لكل صنف منهم ثم قال وفي المجموعة آية الصدقة ليس فيها قسم بل أعلام بأهلها فلذلك لو أعطيت لصنف أجزأ وقيده ابن عبد السلام بما عدا العامل وإلا فلا معنى لدفع جميعها له ونص القطب الدردير في أقرب المسالك وندب إيثار المضطر المحتاج على غيره بأن يخص بالإعطاء أو يزاد له فيه على غيره على حسب ما يقتضيه الحال إذا المقصود سد الخلة لا تعميم الأصناف فلا يندب بل متى عطي لأي شخص موصوف بكونه من أحد الأصناف الثمانية كفى. ونص الدسوقي عند قول الإمام خليل في بيان صرف الزكاة (ومجاهد وآلته ولوغنيا كجاسوس لا سور ومركب) وهذا قول ابن بشير ومقابله لابن عبد الحكم فيجوز عنده عمل الأسوار والمراكب منها ولم ينقل اللخمي غيره واستظهره في التوضيح قال ابن عبد السلام وهو الصحيح ولذا اعترض المواق على المصنف بأنه تبع تشهير ابن بشير وقال أنه لم ير المنع لغير ابن بشير فضلاً عن تشهيره وانتهى من البنانين هذه نصوص السادة المالكية

وبناء الأسطول وإعداد معداته بل إذا نظرنا إلى الاضطرار وشدة الاحتياج نقول لمن وجبت عليه الزكاة يستحب في حقك أن تدفع الزكاة لهذا الجانب لأن الضرورة إليه في هذا الزمان أشد بأضعاف متضاعفة من غيره بل إذا نظرنا لمحيطنا نظر متبصر خالص النية نجد الإسلام قاطبة في حالة هجوم عليه ومفاجأة العدو له ومعلوم أن هاته الحالة توجب وتحتم شرعاً باتفاق المذاهب في سبيل الله ودفع هجمات العدو على أوطان المسلمين ودينهم وحريمهم وذراريهم بالأموال كلها وإلا راح من غير تفرقة بين مال الزكاة وغيره وبين الغني والفقير والكبير والصغير والرجل والمرأة والعبد والحر من دفع زكاته كلها بل دفع ماله كله في الاستعداد للجهاد في هذا الزمن الحرج فقد قام بواجب من أكبر واجبات الإسلام وأعظمها على أنا نعني بالزكاة التي نطالب إخواننا المسلمين بدفعها للأسطول زكوات الدراهم والدنانير الموكولة لأمانتهم وهي بعض قليل من مال الزكاة والقسم الأعظم هو زكاة الحرق والماشية وذلك قائمة بجبايته الدولة فلا كلام لنا فيه وها هي قائمة في الجملة بغالب الأصناف الممكنة بحسب الزمان من تعيين معاشات للفقراء المتعففين عن صناعة التسول ومن إعانة أبناء السبيل ومن نفقة الاستعدادات في سبيل الله والغزاة ومن معاشات العاملين عليها إلى غير ذلك وحيث كان من المقرر المعلوم عند عموم المذاهب إن كل من التزم مذهباً من المذاهب لا ينبغي له أن يخرج عنه لغيره إلا عند الضرورة فيسوغ له ذلك فالعمل بمقتضى هذا الفقه يخاطب به كل أهل المذاهب الأربعة للضرورة التامة الظاهرة التي لا تحتاج إلى إيضاح فلا عذر للمتخلف عن ذلك ورجائي من مقام مشيخة الإسلام أن توافق على هذه الفتوى بعد أن تقف على نصوصها المنقولة في محالها حتى يقنع العموم ويعمل بمقتضاها. ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد الكبرى لأسطول الإسلام ومعلوم أيضاً أن مشيخة السلام ليست مشيخة السادات الحنفية بل مشيخة السادات المسلمين قاطبة فكل المذاهب الأربعة لها حظ فيها وفتواها ترجع إليها كما أن خلافة الإسلام أيضاً لا تتقيد بقول دون قول في تدبير صوالح المسلمين بل كل قول في مذهب من المذاهب الأربعة دعت الضرورة إليه إذا طابق الزمان والحال ولو كان ضعيفاً هو مذهبها ونسأل الله جل جلاله أن يلهمنا الرشد ويعلمنا التأويل ويفقهنا في الدين.

حرره صالح الشريف التونسي (الحقائق) قرأنا هذه الرسالة وألسنتنا رطبة بالثناء على حضرة منشئها المصلح الكبير وقد نشرناها خدمة للأمة عساها تصادف من أغنيائها آذاناً واعية ونفوساً تتأثر بما فيها من المؤثرات فتهب من سباتها لتأخذ بيد هذا الوطن من عثرته وترد إليه ما فقده من قوة ومنعة، وليطلع القراء على ما لحضرة مؤلفها الفاضل من الأيادي البيضاء على هذه الأمة وما حباه به مولاه من طول الباع وسعة الاطلاع فقد أفاد الملة بهذا الفتوى وأجاد في تعليلها بما يطابق المنقول والمعقول أكثر الله في هذه الأمة أمثاله من المصلحين.

جرائم الكتاب

جرائم الكتاب المتطفلون على موائد العلم والمشاريع العلمية كانوا ولا يزالون عقبة في سبيل الإصلاح وعثرة في طريق الترقي والفلاح والنفوس مجبولة على حب التقليد للعلى وادعاء التفوق ولو فيما لا تفهمه فضلاً عن الذي تجيده إلا من وفقه الله للأخذ بنصيب من العلم وقسط من الأخلاق الفاضلة، والآداب الشرعية، فهذا يمنعه دينه وأخلاقه من ادعاء ما ليس فيه، ولا يرضى أن يظهر بمظهر الإصلاح ما لم يكن إهلاله، ويعد له عدته، خشية أن يغش الأمة من حيث يريد نفعها وفائدتها. أعلن الدستور والأمة غير متمرنة على المشاريع الاجتماعية والشعب محروم من وسائلها بسبب الحجر على الأفواه والأقلام في الدور الماضي وكان من حسنات الدستوران أطلقت الألسن من قيودها عملاً بمبدأ الحرية فقام لأنشأ الصحف جماعة فيهم القريب من الكفاءة والمعد لها بعض عدتها وفيهم الغبي الساقط الذي لم يعد من الوسائل لها إلا ما يعرف من عبارات لجرائد المحفوظة عنده، وهو على جهل في كل ما تحتاج إليه تلك المهنة حتى في اللغة التي يكتب فيها صحيفته، ولم تعمل الحكومة على منع إعطاء الأذن لغير الكفؤ لذلك دخل في زمرة الكتاب من ليس في الغير ولا في النفير واحتقرت الأمة الصحف لما يشاهد من أدعيائها من الأخلاق لتي لا تلائم ديناً ولا فضيلة، ولو عنت الحكومة بامتحان من يريد أذناً لمشروع علمي كإنشاء مجلة أو جريدة لكانت أحسنت صنعاً وليس كافياً أن تسأل عن أخلاقه سواءً سطحياً كما يشاهد الآن تطبيقاً للقانون بل ينبغي أن تختبره بالفنون التي يريد أن يبحث بها في صحيفته بمعرفة أفاضل مشهود لهم بالعلم والنزاهة وطهارة الوجدان فإن أجادها تمام الإجادة بحثت عن أخلاقه وآدابه بحثاً مدققاً لا يكتفي فيه بالشهادات المزورة بل يلتزم الإمعان في البحث عن أخلاقه الدينية وآدابه الاجتماعية حتى إذا كان على نهاية الإجادة في كل ما ذكر أذنت له أن ينتشر تلك الصحيفة كيلا يكون عليها مغبة ما يجني على الأمة من إفساد المبادئ وتشويش الأذهان. ولا إذا بقيت الحكومة لا تعنى بهذا الأمر الحيوي يدخل في زمرة الكتاب أصحاب الغايات وأرباب المآرب السافلة ومن لا يحسن أن يمسك قلماً، ومن يريد أن يتسلط على الأمة في أعراضها وأموالها، ومن يود تقسيم الأمة وتخربها وإيقاع البغضاء والشقاق بينها وغير ذلك من المفاسد التي تضر بالقريب وتطمع البعيد ظناً منهم أن الشعب جاهل غافل متهيء

لقبول الوساوس والأباطيل وسخف القول: الصحف في غير هذه البلاد يتولى أمرها جماعة من عليه القوم وأصحاب الرأي فيهم ومن المعروفين بحسن المبادئ ومكارم الخصال، وحبذا لو يكونوا في بلادنا صحف راقية على هذا النحو تحصل عنها الفائدة التي وجدت الصحف لأجلها من تنوير الأذهان وتثقيف العقول وحب الخير للوطن وأهله وإلا فهذه الصحف الخالية من المواضيع الاجتماعية والفوائد العمومية، الحافلة بالسباب، وهجر القول، لا تستفيد منها الخاصة والعامة إلا دبيب الفساد في الأخلاق وإذا فسدت الأخلاق في أمة فقد فسد فيها كل شيء. اللهم الهم رجال الحكومة ملافاة هذا الخلل الطارئ حرصاً على أخلاق الأمة من شريان الفساد إليها أنك مجيب الدعاء.

الأمير عبد القادر والجمعية الماسونية

الأمير عبد القادر والجمعية الماسونية في سنة ست وثمانين دعي الأمير (عبد القادر) مع من دعي من ملوك أوربا ليحضر احتفال فتح ترعة السويس وبينما كان عائداً لسوريا عن طريق الإسكندرية اغتنمت الجمعية الماسونية فرصة وجوده في ذلك القطر فأوقت إليه هيئة من أعضائها لتعرض عليه المبادئ الماسونية وعندما ذكر الوفد المشار إليه فضائل الماسون وخدمتها في الإنسانية شكرها الأمير على عملها الذي ادعته شن كل رجل يدعي له شخص أنه يخدم الإنسانية ويسعى في سبيل خير البشر فيستحسن أعماله ويشكر مقاصده. اتخذ بعض المنتمين للجمعية ذلك الاجتماع ذريعة حسنة لنسبة دخول الأمير في جمعيتهم وبدأوا يترجمون سيرته ويشكرون عظيم خدماته في الإنسانية بيد أن هذا الاجتماع وتلك الدعوى لا تثبت ولا تحقق دخول الأمير في الجمعية الماسونية لأن هذه الحجة ضعيفة تحتاج إلى أدلة مؤدية. ومن المعلوم أن لجمعية الماسون نظاما كما لسائر باقي الجمعيات تطبق أعمالها بموجبه ومن جملة مواد نظام جمعية الماسون أنه لابد لكل شخص يريد الدخول على هذه الجمعية أن يطلب الانخراط بموجب استدعاء يلتمس منها قبوله فإذا تم له ذلك واستحسنت الجمعية إدخاله تكلفه بوضع إمضائه في سجل أعمالها وعليه أن يكتب أنه دخل بإرادته واختياره هذا مايدعيه أيضاً بعض أفراد الجمعية الذين ينسبون دخول الأمير في هذه الجمعية بمجرد القول وحيث أن وجود مثل هذه المواثيق المادية هي أعظم دليل وأقوى برهان بيد كل من يريدان يثبت حجته فإنني أطالب كل من يدعي من أفراد هذه الجمعية النظام الأمير بها بإبراز هذه الوثائق الراهنة مطبوعة نسخها على الحجر وما من أحد يجهل خط الأمير وإمضائه هذا ما نطالب به من يفترون على الأمير والجمعية معاً الكذب والبهتان. وأما نحن فإننا نقول أن الأمير (عبد القادر الذي اشتهر بالتقى وبصلابة الدين سيما وأنه كان يقيم الحدود الشرعية في هذه البلاد السورية كما أقامها في وطنه لا يخالف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويدخل في جمعية سرية لا يعلم حقيقتها إلا من انخرط بين جماعتها وإننا بصرف النظر عن كون مبادئ هذه الجمعية حسنة أم سيئة فالشرع لا يسمح للمسلم أن يدخل بها قبل معرفته حقائقها وقد قال الله تعالى (يا ايها الذين منوا ألا تتخذوا بطانة من دونكم) الآية وقوله جل شنه (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله

ورسول ولو كانوا آباءهم الآية). وقال رسول عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا رواه ابن عباس) وقال: (ليس منا من تشبه بغيرنا) رواه بن عمرو رضي الله عنه وأمثال هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية كثيرة سما وأن الجمعية الماسونية وأصلها (فران ماسون) أي البنائين مأخوذة عن الأمم الغربية والملل الأجنبية ولا جرم أن جمعية مبدؤها خدمة الإنسانية وخطتها تعميم الأخوة والمساواة والحرية لا ترضى بأن يفتري بعض أفرادها عليها الكذب قصد إغراء بعض الناس بنسبة دخول زيد وعمرو بها وخلاصة القول أن الجمعية التي هي على يقين من طهارة وجدانها لا تحتاج لترغيب لأنها ترتقي بسنة الطبيعة وعليه فأنا نحذر كل من يتشدقون بنسبة انتظام الأمير بسلك الجمعية الماسونية أن يرجعوا عن غيهم أو يأتوا لنا ببرهان من البراهين الآنفة (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين). دمشق ابن الأمير محمد سعيد

الحقائق المؤلمة

الحقائق المؤلمة لحضرة الشاعر المجيد عبد الرحيم أفندي قليلات بلادي وهل يجدي لديك التذمر ... وما فيك إلا الجاهل المتكبر هجرتك أعواماً وكلي عواطف ... ولكن دار الذل تهجي وتهجر وراقبت عن بعد الطلول وقربها ... مصارعة الدورين والكون ينظر فلم ير من هذا سوى الضر والأذى ... ولم يبدِ من ذا بعد إلا التحير أجل إن قومي يدهش الدهر غيهم ... ويعي الليالي جهلهم والتجبر يقولون ذا الحر الغيور وكلهم ... أرقاء حب الذات لم يتحررا يقولون دين الله يفضي بذا وذا ... وجلهم عن منهج الدين مدير يقولون لا نبغي اليهود وأن رأوا ... سنا صفرة الدينار حالاً تخيبروا ففي الفولة التعساء حينا تفآلوا ... وسرعان ما زيح الغطا فتطيروا وفي معضلات الغور غاروا وغيروا ... واغروا وغروا غيرهم وتغيروا وعن فكرة الأرض المدورة انثنوا ... ولما بدا الدينار داروا ودوروا على رسلكم يا قوم فالكل أصفر ... وصاحب ذا المشروع ما عاش أصفر ولكن جل الصحف فيكم تلونت ... وما من صحا في كذا يتطور فمن قبل مصفر وبالأمس زرق ... وذا اليوم مخضر ومن بعد أحمر وأعرب من ذا خوضهم في مسائل ... وما ينهم في كنهها متنور فكل بأبواب القضا متشرع ... وكل بحل المشكلات مفكر وكل بآداب الكتابة مبدع ... وكل من بنت الخيال مسيطر وكل على صرح الخطابة مصقع ... وكل على صرح السياسة منبهر وفي الفقه كلٌ عالم متنطع ... وفي النحو كل بارع متقعر وكل قريب بالعيوب ملوث ... وكل غريب طاهر ومطهر وكل غني بيننا ذو زعامة ... وكل فقير مجرم متقهقر يطبل هذا قصد تنفيذ مآرب ... فنرقص تشجيعاً له ونرمز مطاليب أترك وعرب وأرمن ... وحال لها قلب النهى يتفطر

وتشكيل أحزاب وتفريق وحدة ... فما هذه الفوضى وماذا التهور غدونا بأفواه الأجانب مضغه ... وكلهم يشكوا ولا نحن نشكر ألا قل لذي الإصلاح قد بلغ الزبي ... سيول الشقا في القوم فليتدبروا عن الرأي العام

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد القضاء والقدر 10 القضاء إرادة الله تعالى الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال والقدر إيجاده تعالى الأشياء على وفق علمه وإرادته فكل حادث في الكون بقضاء الله وقدره وللعباد اختيارات جزئية قابلة للتعلق بالضدين الطاعات والمعاصي تسمى بالكسب وهي مناط الثواب والعقاب ومدار التكليف الشرعي وقد جعلها الله تعالى شرطاً عادياً لخلقه أفعال العباد بمنزلة الأسباب العادية كالسكين للقطع والنار للإحراق وكون أفعال العباد بعلم الله تعالى وإرادته لا ستلزم كون صدورها منهم بالجبر كما زعمت (الجبرية) القائلون بأنه لا فعل للهبد أصلاً وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة للعبد عليها ولا قصد ولا اختيار وهو مذهب باطل لانا نفرق بالضرورة بين حركة البطش وحركة الارتعاش ونعلم أن الأول باختيار دون الثاني ولأنه أو لم يكن للعبد فعل أصلاً لما صح تكليفه ولما ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعاله ولما ورد الأمر بالعمل في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) وقال تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وقال رسول صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل مسير لما خلق له على غير ذلك من الآيات والأحاديث ويؤيد ذلك أيضاً ما روي أن عمر رضي الله عنه آتي بسارق فقال له ما حملك على السرقة فقال قضاء الله وقدره فقطع يده فحسمت ثم آتي به فجلده فقال له عمر قطعت يدك لسرقتك وجلدتك لكذبك على الله تعالى. وما روي أن شيخاً من أهل الشام حضر صفين مع علي رضي الله عنه فقال له أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره فقال له نعم يا أخا أهل الشام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئاً ولا هبطنا وادياً ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدرة فقال الشامي فعند ذلك احتسب عنائي يا أمير المؤمنين وما أظن أن لي أجراً في سعيي إذا كان الله تعالى قضاه عليّ وقدره فقال له علي أن الله تعالى قد أعظم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلي مقامكم وأنتم مقيمون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم

مكرهين ولا إليها مضطرين ولا عليها مجبورين فقال الشامي وكيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا فقال على ويحك يا أخا الشام لعلك ظننت قضاء حتماً لازماً وقدرا حاتماً جازماً لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي وما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء ولا المسيء بعقوبة الذنب من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وحزب الشيطان وخصماً الرحمن وشهداً الزرر وقدرية هذه الأمة ومجوسها أن الله تعالى أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا ولم يرسل الأنبياء لعبا ولم ينزل الكتاب عبثاً ولا خلق السموات والأرض باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقال الشامي وما القضاء والقدر اللذان ساقانا وكان مسيرنا بهما وعنهما فقال علي الأمر من الله بذلك ثم تلا قوله تعالى (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) فقام الشامي فرحاً مسروراً لما سمع من المقال وقال فرجت عني فرج الله عنك. إذا تبين هذا عرفت فساد ما يتقوله المتفرجون على الدين الإسلامي من أن الاعتقاد بالقضاء والقدر يقعد عن العمل، ويورث الفتور في العزائم وأنه السبب الوحيد في انحطاطو المسلمين والعقبة الكؤد في سبيل رقيهم. تالله أنهم أعظموا الفرية وتجاوزوا واحد الاعتدال بتقولهم على الإسلام والمسلمين ما هم منه براء. إلا فليقصر هؤلاء المتحرضون على الدين الإسلامي ولينظروا على ما فعله المسلمون في زمن قصير ومدة يسيرة مع قلة عددهم وعددهم وكيف نهضوا نهضة لم يسبق لها مثيل في التاريخ حتى دخلوا الدول وقهروا الأمم وفتحوا البلاد وإذا والأكاسر وأرغموا القياصرة وكانت عقيدة القضاء والقدر من أكبر الأسباب الباعثة على أقدامهم واقتحامهم تلك المشاق العظيمة عقيدة القضاء والقدر أصل من أصول العقائد الإسلامية وركن من أركان الإيمان وهي من المسائل العظمى التي تستدعي إقامة الإنسان على منهاج الفطرة بالاستسلام إلى خالقه والرضوخ لأحكامه والرضا بتدبيره ولا يستقيم إيمان المرء حتى يعتقد من صميم قلبه اعتقاداً جازماً لا يعتريه شك ولا يشوبه تردد بأن الله تعالى قدر الخير والشر وأن جميع الكائنات بقضاء الله وقدره وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه عقيدة القضاء والقدر تطبع النفوس على الثبات والسكينة وتؤثر في القلوب

الراحة والطمأنينة وتزحزح عن الأفئدة غيوم القلق والاضطراب وتسهل على الخلق صعوبات الحياة ومرارة العيش كما أنهم تبعثهم على احتمال المكاره ومقارعة الشدائد وتهون عليهم مصادمة الأهوال واقتحام المهالك وتأخذ بهم إلى مصاعد الكرامة ومعارج العز والسعادة وهي نعم المسلي عند حلول المصائب واشتداد النوائب وأقوى باعث للإنسان على ملازمة الصبر عند تفاقم الأحزان وتراكم النوازل وأكرم مرشد على الاعتصام بالخالق في المخاوف والالتجاء إليه في المعاطب من فقدها فقد طيب الجياة وعاش في الدنيا مهينا قال صاحب العروة الوثقى ما نصه أنه ما وجد فاتح عظيم ولا محارب شهير ثبت في أواسط الطبقات ثم رقى بهمته أعلا الدرجات فذللت له الصعاب، وخضعت له الرقاب، وبلغ من بسطه ما يدعو إلى العجب ويبعث الفكر على طلب السبب إلا كان معتقداً بأن الأمور تجري بقضاء وقدر وهذا أمر يعترف به طلاب الحقائق فضلاً عن الواصلين وأن بعض حلماء الإفرنج وعلماء سياستها التجأوا إلى الخضوع لسلطة القضاء والقدر وأطالوا البيان في إثباتهما ولسنا في حاجة إلى الاستشهاد بآرائهم. أهـ

أجوبة العلماء عن التمثيل

أجوبة العلماء عن التمثيل ننشرها على حسب ورودها الجواب الأول للعلامة الكبير الأستاذ الفاضل صاحب الإمضاء بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله تعالى ملهم الصواب، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى جميع الآل والأصحاب. ومن به آمن وله وإليه في كل أموره آب. أما بعد فقد رأيت في الجزء الثاني من مجلد السنة الثانية من مجلتكم الغراء سؤالاً بإمضاء ي. ص يسأل فيه صاحبه عن حكم التمثيل المسمى (بالرواية) هل هو محظور أو جائز شرعاً ويطلب الجواب عنه من أهل العلم بالدين وفي الحديث الشريف من كتم علماً عن أهله ألجمه لله تعالى يوم القيامة بلجام من نار وأني وإن كنت لست من رجال هذا الميدان ولم يتعين علي الجواب لو كنت منهم وفيهم ولله الحمد كثرة أحببت أن أذكر ما رأيته في هذا الباب تاركاً الحكم فيه لأولي البصائر والألباب فأقول: إنَّ السؤال ورد في تمثيل مخصوص وقع في جمعية مخصوصة وبما أن الحكم على الشيء فرع من تصوره ولم أكن حاضراً فأتصوره أذكر حكم الفقهاء على أصل التمثيل وأترك الجواب عن سائره لمن كان من العلماء حاضراً قال العلامة ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في قسم الكلام على الغيبة بعد الاستدلال على تحريمها وبيان أقسامها وحدها بأنها ذكرك أخاك بما يكره قد يتوهم من حدهم السابق للغيبة أنها تختص باللسان وليس كذلك لأن علة تحريمها الإيذاء بتفهيم الغير نقصان المغتاب وهذا موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريض أو الفعل أو الإشارة أو الإيماء أو الغمز أو الرمز أو الكتابة قال النووي بلا خلاف وكذا سائر ما يتوصل به فهم المقصود كأن يمشي مشيته فهو غيبة بل هو أعظم من الغيبة كما قال الغزالي لأنه أبلغ في التصوير أو التفهيم وأنكى للقلب وقال ومنها أي من التنبيهات التي ذكرها البواعث على الغيبة كثيرة أما تشفي الغيظ بذكر مساوي من أغضبك ثم قال وأما اللعب والهزل فيذكر عن غيره ما يضحك الناس به وأما السخرية والاستهزاء به في غيبته كهو في حضرته تحقيراً له. وروى أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها

قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال بعض الرواة تعني قصيرة فقال لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته أي لا تنته وغيرت رائحته قالت وحكيت له إنساناً فقال ما أحب إني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا انتهى. وهذا بالنسبة لتمثيل المسلم أما تمثيل الكافر فإن ذمياً فقال ابن حجر في الزواجر أيضاً الوجه بل الصواب تحريم غيبة الذمي كما تقرر أو لا وروى ابن حيان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سمع يهودياً أو نصرانياً فله النار وقال ومعنى سمعه اسمعه بما يؤذيه ولا كلام بعد هذا أي لظهور دلالته على الحرمة وقال الغزالي وأما المبتدع فإن كفر أي ببدعته فكا الحربي وإلا فكا لمسلم وأما ذكره ببدعته فليس مكروهاً انتهى ومن هذا يعلم أن التمثيل وهو حكاية حال الغير سواء كان مسلماً أو ذمياً أو مبتدعاً لا يكفر ببدعته حرام غلا ذكر بدعته فليس حراماً ولا مكروهاً. وأما الجواب عن سائر ما وقع في الجمعية التمثيلية بما أشار له السائل وطلب الجواب عنه فإنه منوط كما قدمنا بمن شاهده من علماء الدين مثل أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الرزاق أفندي البيطار والشيخ جمال أفندي القاسمي الحلاق والشيخ رشيد أفندي سنان وعبد الرزاق أفندي الدردري ومحمد أفندي الحكيم وأبي السعود أفندي مراد الذين حضروها وشاهدوا الأعمال التي حوتها (فماء راء كمن سمعا) والله تعالى أعلم. دمشق محمد عارف المنير الحسيني الجواب الثاني للعلامة المحقق الأستاذ الفاضل صاحب الإمضاء بينما كنت أراجع الجزء الثاني من مجلة (الحقائق) الغراء من السنة الثانية عثرت على سؤال تحت عنوان رواية زهير الأندلسي لصاحب الإمضاء ي. ص سأل فيها أصحاب المجلة المذكورة وفضلاء العلماء عن التمثيل هل هو جائز وارد في الشرع أو محظور فهي عنه وتفصيل السؤال هناك وخلاصته أن السائل المذكور شهد تمثيل غلمان المدرسة العثمانية لهذه الرواية فقام أحد أساتذتها ومدح التمثيل بغلو حتى جعله من الاعتبار الوارد في قوله تعالى (فاعتبروا) الآية ومن مكارم الأخلاق الواردة في السنة (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ثم ظهر غلمان متزينون ينشدون أدواراً منها (إنما التمثيل فرض جاء في

القرآن) وبعده ظهر بعض الممثلين لابساً البرنيطة كل ذلك بحضور بعض أهل العلم من غير إنكار أحد منهم على ذلك ثم أن السائل حضر خطبة الجمعة في الأموي فسمع خطيبه العلامة المفضال يذم التمثيل المذكور ويحظره بتاتاً فوقع السائل المذكور في حيرة عظيمة فالتمس الجواب. (الجواب) إن الكلام على ذلك من وجهين (الأول) في التمثيل وهو في اللغة التصوير في الصحاح ومثل له كذا تمثيلاً إذا صور له مثاله بالكتابة أو غيرها وأما المثل فجمعه أمثال في الصحاح أيضاً والمثل ما يضرب به من الأمثال وهو قول سائر لتشبيه شيء بشيء آخر وبهذا تبين أن التمثيل الذي نحن بصدده ليس من التمثيل لا من الأمثال بل الأليق والأحرى به أن يدعى تلبيساً أو تدليساً وكذباً الخ وإذا لقب أثناء الحجاج بالتمثيل فلقصد الحكاية فقط فليتنبه له. والتمثيل المذكور عبارة عن تمويه وجوه الصبيان المرد بما للرجال من شارب ولحية وكلاهما عارية من شعر أو صوف أو غير ذلك وتبديل ثيابهم ولبستهم بزي تخيلوه بفكرهم يحكي زي الملوك الماضيين والأمم السالفين حتى أن كل شخص منهم يسمى باسم ملك أو وزير أو جليل أو حقير هذا هو التمثيل الذي نوهبه ذلك الجاهل فليتأمل. وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع لوجوه (الأول) كونه كذباً قولاً وفعلاً كما سمعت وهو أيضاً من الافتراء على أولئك الرفات قال تعالى (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) الآية إذ كل قول أو فعل ما لم يعلم أخذن من كتاب أو سنة ولم يقل به أمام من أئمة الدين فهو رد لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وهو أيضاً من البدع السيئة المنهي عنها كما في آخر حديث طويل إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة رواه أبو داود والترمذي وفي مسلم في شق حديث ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ولا عبرة في الأقوال والأفعال بمجرد عمل العوام بها وأن غلوا في مدحها لأنهم ليسوا من أهل النظر في الشرعيات ولا يفهمون الحجة ولا يعقلون البرهان وأعظم من هذا افتراء وأشد معصية تفسيره القرآن برأيه لحديث من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار قال في الأحياء، هنا أثناء كلام له ما لفظه وأما النهي فإنه ينزل على أحد أمرين أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه

فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه ليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى. أه هـ وعليه فمن قال أن التمثيل ورد في القرآن والحديث الحث عليه أو مما أمر الله به أو من الاعتبار أو فرض جاء في القرآن أو تكلم في الدين بلا علم أو أعان من تكلم فيه بلا علم أو أدخل في الدين ما ليس منه أو حرف القرآن عن موضعه أو غير ذلك مما لا مستند له سوى مجرد عقله وهواه فإن كان جاهلاً فيعرف ويستتاب فإن تاب وإلا فن قامت عليه الحجة وجب على أولياء الأمور أن يعاملوه بما يقضي عليه الشرع لأنه ممن قال على الله بغير علم وهو مضاة لقول المشركين (الذين إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل أن الله لا يأمر بالفحشاء القولون على الله مالا تعلمون) وفاحشة أولئك إنما كانت طوافهم بالبيت عراة وكانوا يقولون. . لا نطوف في الثياب التي عصينا الله فيها فهؤلاء إنما كانوا يطوفون عراة على وجه اجتناب ثياب المعصية وقد ذكر فكيف بمن يجعل شيئاً من المحرمات التي يعلم تحريمها من دين الإسلام من الاعتبار المأمور به في الآية ولو كان التمثيل مما أمر الله به أو من المكارم لبينه عليه الصلاة والسلام ومثله لهم أو أمر أصحابه أن يمثلوه ولو بقصة واحدة مما في القرآن المنطوي على الأخبار عن حوادث الأمم التي قبلنا وما فعلوا وما فعل بهم وما صاروا إليه كقصة أهل الكهف وذي القرنين وبني إسرائيل مع أنبيائهم وقصة يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وما جرى له مع أخوته أو غير ذلك لقوله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بطرق البيان لمحتاج إليه وأنصح الخلق لعباد الله تعالى ولما تيقنا أنه صلى الله عليه وسلم ما فعل التمثيل ولا مر به ولا أقر عليه أحداً ولا دعا الناس إليه ولا تكلم فيه الصحابة ولا فعله أحد من أئمة الدين علمنا أنه قول مفتعل ومختلق وكذب على الله وكتابه وعلى رسوله وسنته وأن هذا الفعل محض تقليد للإفرنجة قال تعالى (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) فهذا جزاء الكذب على الله تعالى وأما الكذب عليه صلى الله عليه وسلم فجزاؤه ما في الصحيحين وغيرهما (من كذب علي معتمداً فليتبوأ مقعده من النار) ولهذا الحديث طرق كثيرة صحيحة ويلزم على كون التمثيل من مكارم الأخلاق عدم وتتميم مكارم الأخلاق في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الصحابة الكرام لأنه صلى الله

عليه وسلم انتقل إلى أعلى عليين ولم يفعله ولا أصحابه كما تقدم حتى انبعث من أشقاه الله وعليه ما يستحق من الله تعالى وجعل هذا التمثيل منها وتممها فمزيد المقت منه تعالى يلجئ الشخص على أن يقول مالا يعقله ولا يفهمه نعوذ بالله من الجهل (الوجه الثاني) اشتماله على نشيد إنما التمثيل فرض الخ. فقد اشتمل على محرم بل على محرمات منها كونه كذباً أيضاً وافتراء محضاً على القرآن بإجماع سلف هذه الأمة وخلفها عالمها وجاهلها خاصها وعامها من غير نزاع ومنها أن فيه تضليل جميع الأئمة سلفاً وخلفاً حيث أنه فرض ولم يظهروه ولم يفعلوه كما مر وقد جمع الناس على أنه ليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله دون ما يشتهيه ويهواه قال تعالى (ولا تتبعوا هواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن وساء السبيل) ومنها تغرير العوام السامعين المصفقين له بكل انشراح ونشاط حيث اعتقدوا أنه من فروض الدين لاسيما بحضور من شأنه الإنكار ولم ينكر ولم يغير هذا المنكر وقتئذٍ لا نطقاً ولا إشارة. (الوجه الثالث) اشتماله على الغيبة والسخرية والاستهزاء وكلها حرام من الكبائر أما الغيبة فلقوله تعالى (أيحب حدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) وفي الصحيحين في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وبلدكم هذا الأهل بلغت وفي مسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله وفي هذا الباب أحاديث كثيرة لا يسعها هذا الجواب ومعلوم أن الغيبة بالقول والفعل كالمحاكاة كما هو معلوم وأما السخرية والاستهزاء فهما محرمان كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ن يكونوا خيراً منهم) الآية ومعنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول وقد يكون بالإشارة والإيماء (الوجه الرابع) ما فيه من مجالسة المرد والنظر إليهم مع تخنثهم وتلويهم وإنشادهم الشعر ملحناً بأصواتهم المطربة وهذا مخالف لما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من عبادته وطاعته وطاعة رسوله ومرتكبه غير متبع للدين بل متبع لهواه وكما يحرم ما ذكر تحرم الإعانة عليه وبالجملة فكل ما اشتمل على سخف أو مدح معصية أو محرم فحضوره والرضا به حرام وقد رفع على عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه قوم يشربون الخمر فأمر بضربهم فقيل له ن فيهم صائماً فقال ابدأوا به ثم

قال أما سمعت قوله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره أنكم إذاً مثلهم) فاستدل عمر بالآية لأن الله تعالى جعل حاضر المنكر مثل فاعله بل إذا كان من دعا إلى دعوة مباحة كدعوة العرس لا تجاب دعوته إذا اشتملت على منكر حتى يدعه مع أن إجابة الدعوة حق فكيف بمشاهدة المنكر من غير حق (فصل في رياضة الصبيان) قال في الأحياء أعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبي أمانة عند والده وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب وأن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرنا، السوء إلى أن قال ويمنع من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والسب ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسرى لا محالة من قرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء فإذ كان الصبي يصان عما نحن بصدده وهو التمثيل أولى وأحرى لاشتماله على محرمات وفواحش أعظم مما ذكر كما تقدم فاعتقاد هؤلاء الجهلاء أن التمثيل من الاعتبار وأنه ينبه الأفكار وغير ذلك مما موهوا به خطأ وكذب وضرر على الأمة وأولادهم فهو بضد ماموهوا به إذ هو يثبط الأفكار ويبطئ الإفهام لأن الاعتبار والاتعاظ لهذه الأمة إنما هو بالمعاني كالأمثال المضروبة في القرآن لا بالمحسوسات كالتمثيل المخصص بغيرهم من الأمم وذلك أن التمثيل المذكور هو من الأعيان المحسوسة المشاهدة بحاسة البصر كما هو معلوم فإن كان الاعتبار والاتعاظ بمثل هذا على زعمهم وارتاضت الصبيان عليه صار حكمهم حكم بعض الأمم الماضية في البلادة حيث أن البليد لا يدرك ولا يعقل إلا ما شاهد بعيني رأسه وإذا كان كذلك فقد غيروا سنة الله في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس المشهورين بالفصاحة والبلاغة حيث أنهم يتعظون ويعتبرون بمجرد ضرب الأمثال وقصص الأحوال التي تضمنها القرآن الكريم بأوجز عبارة وألطف إشارة قال تعالى (وتبين لكم كيف فعلنا

بهم وضربنا لكم الأمثال) وقال عز اسمه (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) قال بعض المفسرين يعني أن ضرب الأمثال زيادة في الإفهام وتصويراً للمعاني وتذكيراً ومواعظ لمن تذكر واتعظوا افترك هؤلاء المعطلون للسنن الإلهية ما أمر الله تعالى به من التدبر والتفكير فيما في القرآن من المواعظ ونسوا حظاً مما ذكروا به وجاؤوا بهذا التمثيل المنوط بذي البلادة كما تقدم التي تأباها أذواق هذه الأمة وذكاؤها يروضون الصبيان السذج عليه ليعتادوا من أول نشوهم عليها وعلى الكذب والحيل والافتراء والسخرية والغيبة وغير ذلك مما تقدم من الأوصاف التي ينيو عنها العقل والطبع وبهذه المناسبة تنقل عن العلامة الماوردي ما نصه (والثاني) أن المعجزة في كل قوم بحسب إفهامهم وعلى قدر عقولهم وأذهانهم وكان في بني إسرائيل من قوم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بلادة وغباوة لأنه لم ينقل عنهم ما تدون من كلام مستحسن أو يستفاد من معنى مبتكر وقالوا لنبيهم حين مروا بقوم يعكفون على أصنام لهم أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فخصوا من الإعجاز بما يصلون إليه ببداية حواسهم وهذه الأمة أصح الناس إفهاماً وأحدهم أذهاناً قد ابتكروا من الفصاحة أبلغها ومن المعاني أغربها ومن الآداب أحسنها فخصوا من معجز القرآن بما تجول فيه إفهامها وتصل إليه أذهانهم فيدركوه بالفطنة دون البديهة وبالروية دون المبادرة لتكون كل أمة مخصوصة بما يشاكل طبعها ويوافق فهمها بتصرف (الوجه الخامس) حدوث هذه المحرمات في محل أنشئ للطاعة لأن المدارس إنما أنشئت لتعليم العلوم الشرعية وللعبادة والطاعة فهي من البيوت التي إذن الله أن ترفع وبذكر فيها اسمه لا للملاهي والخلاعة فوجود مثل هذا المحرم في مثل هذا المحل جهل على جهل وظلمات بعضها فوق بعض هذا وإني أوجه خطابي إليك أيها المدير الكامل لأن حبي القديم محقق لديك ونصحي الخالص أقدمه إليك أن تخدم وطنك أحسن خدمة وتعنى بتربية تلامذتك تربية دينية وتخلقهم بالأخلاق الإسلامية كي تصلح الأحوال وتنجح الآمال (الفصل الثاني في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ويدل على ذلك كما قال في الأحياء بعد إجماع الأمة عليه وأشارت العقول السليمة إليه الآيات والأخبار والآثار أما الآيات فقوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ففي الآية بيان الإيجاب فإن قوله تعالى ولتكن أمر وظاهر الأمر الإيجاب وفيها

بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر وقال أولئك هم المفلحون وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين وانه إذا قامت به أمة سقط الفرض عن الآخرين إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف بل قال ولتكن منكم أمة فإن ذلك مهما قام به واحد وجماعة سقط الحرج عن الآخرين واختص الفلاح بالقائمين به المباشرين وإن تقاعد عنه الخلق أجمعون عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة وقال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله إناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة) فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين بهذه الآية إلى أن قال وقال عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وهذا يدل على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ بين أنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس وقال تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بيئس بما كانوا يفسقون) فبين أنهم استفادوا والنجاة بالنهي عن السوء ويدل ذلك على الوجوب أيضاً إلى أن قال وأما الأخبار فمنها ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة خطبها أيها الناس أنكم تقرؤون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده وقل صلى الله عليه وسلم إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا مالنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال فإن أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقها وما حقها قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أه قلت وأخرج أبو داوود وابن ماجة وابن حيان في صحيحه ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن

يموتوا ومسلم في صحيحه من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فياللعجب من رجال حاضرة ولهم السنة ناطقة وعيون باصرة وأذان صاغية واعية ترى أفعالاً منكرات وتسمع أقوالاً محرمات وتستطيع أن تغير بالأقوى فضلاً عن الأضعف فلم تفعل كيف وقد أجمعوا على أنه يجب على أئمة الدين وعلماء المسلمين إيضاح المشكلات ورد شبه أهل الضلالات وبيان ما يجب وما يحرم وغير ذلك ليكونوا من جملة المرادين بقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوُ له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين أو كما قال والله تعالى أعلم. دمشق محمد القاسمي الحلاق

طرابلس الغرب

طرابلس الغرب جغرافيتها وتاريخها هي عبارة عن قطعة واسعة من شمالي أفريقيا واقعة بين مصر وتونس يمتد طولها من مصر حتى إيالة تونس وشمل هذه البلاد مطل على البحر المتوسط ومن الجنوب تتصل بالصحراء الإفريقية الكبرى مساحتها نحو 400 ألف ميل مربع وبعبارة ثانية بقدر إيطاليا ثلاث مرات أو بقدر ثمانية أضعاف سورية. سكانها 1. 600. 000 وهم مزيج من البرابرة والإعراب والزنوج وهم مسلمون يتكلمون بالعربية ومن هذا العدد نحو 40 ألفاً في نفس مدينة طرابلس و300 ألف في بنغازي وملحقاتها والبقية في ملحقات طرابلس. وقد افتتحها المسلمون عام 23 للهجرة ابتدأ فتحها عمرو بن العاص والزبير بن العوام في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهم. والبقية في ملحقات طرابلس. وقد استولت الدولة العثمانية عليها في المائة العاشرة من الهجرة سنة 958 وذلك أن الدولة الحفصية التي قاعدتها تونس لما ضعف أمرها واستبد عليها الولاة في الأطراف كان من جملة من عصى عليها وإلى طرابلس وقد كان تابعاً لها وجار على الأهالي فتهجز إليه السلطان الناصر الحفصي وغلبه وولى على طرابلس أبا محمد عبد الواحد بن حفص فقبل الولاية بعد امتناع طويل على شروط أولها إبقاؤه والياً إلى أن يعيد البلاد إلى أعز ما كانت عليه من الرفاهية والراحة. الثاني أن يستقل بالإدارة مدة ولايته بحيث لا يعارض ولا يرد أمره في شيء. الثالث أن ينتخب مقداراً من العساكر حسب إرادته لإبقائهم في إعانته فأجيز له ذلك فبقي في الولاية إلى أن مات وولي بعده ولده فاستقر العدل والغني في المملكة حتى بلغ النهاية وأخلدت الأهالي إلى الراحة والاطمئنان وتركوا حمل السلاح وكان ذلك سبباً لطمع العدو فيهم وذلك أنه قدمت إلى ثغر طرابلس سفينتان مشحونتان تجارة فاشترى جميع ما فيهما رجل واحد ونقد الثمن حالاً واستدعى من فيهما لوليمة أعدها لهم وقد كانوا من الأسبنيول القائم أمره في ذلك الوقت فعلموا بضعف الأهلين وما هم عليه من الغفلة واللهو فأخبروا دولتهم بما رأوا فطعمت في طرابلس وكان عندها ابن السلطان الحفصي مستنجداً بها على أبيه فحملت بجيش قليل على طرابلس وامتلكتها باسم أحمد الحفصي ابن السلطان المذكور وجار في البلاد أشد الجور هو والأسبينول ولما رأى ذلك النابلطان الذي هو أحد

ممالك إيطاليا تداخل بين الأهالي بالإفساد ووعدهم بالحماية من الظلم وأنهم إذا أطاعوا حماهم من المظالم ولا يتداخل في أمورهم وإنما يستولي على الحصون فقط فكان ما كان وأجرى فيهم الأمر أولاً على نحو ما وعد ثم ابتدأ بالتداخل في أمرهم فامتنع بعض أعيان الأهالي وتحصنوا في (تاجوري) وكانت الحرب بينهم قائمة غير أنهم عملوا بضعفهم عن امتداد المقاومة فأرسلوا وفداً منهم إلى الأستانة مستنجدين بالدولة العثمانية في إنقاذهم ودعوها للاستيلاء على جميع البلاد وكانت أقوى دول الإسلام وقد جمعت رايتها أغلب الممالك الإسلامية ولما وصل الوفد إلى الأستانة تعجب من شكلهم كل من رآهم فأخذوا للقصر السلطاني وكان أحد رجاله عالماً باللغة العربية فكان الواسطة في إبلاغ مطالبهم للدولة فأولته على تلك البلدة وأرسلته معهم مع حامية ضعيفة لأنهم سهلوا الأمر على الدولة لكن لما وصل ذلك الوالي وعلم حقيقة الأمر راسل بتفصيل الأخبار إلى الدولة وكان إذ ذاك أسطولها الموجه إلى الاستيلاء على تونس على أهبة السفر تحت رئاسة سنان باشا فأمر بالتعريج على طرابلس أولاً فافتكها من أيدي النابلطان وبقيت مستقلة بالإدارة وليس للدولة عليها إلا هدايا وإعانات في وقت الحرب إلى أن عصى يوسف باشا القره منلي وحاربته الدولة في أواسط هذا القرن أي سنة 1251 هـ واستولت استيلاءً باتاً على المملكة وصارت إدارتها مثل إدارة سائر الولايات العثمانية ومركز الولاية طرابلس ولشهرة هذه المدينة سميت الولاية باسمها وكانت قديماً تسمى برقة وتقسيماتها الإدارية هي كما يأتي: طرابلس الغرب ويدخل في هذا اللواء قضاء زاوية. غريان عجيلات، ترهوته، أورفلة. فزان مركزه مرزوق، ويدخل فيه قضاء سوكنة. شاملي، غان. جبل غربيه مركزه غدامس. ويدخل فيه قضاء فساطو نالوت، حوض، بفرين. حمس ويدخل فيه قضاء مصراطة، ظلتين. مسلاطة، سرت. بنغازي ويدخل فيه قضاء درنة، برقه، أوجله. جالوت. ويبلغ طول سواحل هذه البلاد 1600 كيلو متر وهي شواطئ نظيفة الداخلية ذات رمال متحركة، وتلال وجبال. وأهم جبالها جبل أطلس فهو يمتد من الشرق إلى الغرب موازياً البحر المتوسط والجبال السوداء الكائنة في صحاري فزان. وأنهار هذه البلاد قليلة ولذا صار ريها بمياه الأمطار المحزونة بمخازن واسعة نعم الأنحاء الشمالية الغربية من بلاد

برقة وبني غازي منبتة وبها عيون ومراع يخرج منها القمح والذرة وغيرها من أنواع الحبوب وسواحلها محصنة بالقلاع المتينة وتمسك أهلها بالعصبة العربية الإسلامية والخلافة العثمانية يحول دون مطامع كل طامع والتعليمات العسكرية منبثة هناك بين سائر العشائر والقبائل وهم في غاية الإقبال على تعلمها والميل إليها والخدمة العسكرية عندهم فرض على كل قادر على حمل السلاح. هذا وقد اضطررنا لكتابة ما تقدم ليعلم من لم يكن عظمة هذه البلاد وغزارتها وما كانت عليه من الجودة والرخاء وكيف أن غفلة أهلها عن مكايد الأعداء واسترسالهم في صحبتهم أدى بهم أولاً وأخراً إلى ما هم عليه الآن. وبعد فليعلم العالم أجمع أن هذه البلاد عثمانية وأن كل شبر منها جزء عظيم من الدولة لايمكن أن ينفصل عنها بقوة الله حتى لا يبقى في العثمانيين دم يجري ولا عرق ينبض. إيطاليا وطرابلس الغرب باغتتنا دولة إيطاليا بأمر غير منتظر ألا وهو رغبتها باحتلال طرابلس الغرب وضمها إلى أملاكها وقد قدمت مذكرة للباب العالي جعلتها مبررة لهذا العمل الفظيع بينتا فيه أن الحكومة تسعى في عرقلة مساعيها الاقتصادية في تلك الولاية وتمنعها بعض امتيازاتها المشروعة إلى غير ذلك من الأباطيل التي تستند عليها لتموه أنها مطالبة بحق. أو مضطرة إلى حماية رعاياها ومصالحها، والحقيقة التي ينبغي أن نعتقدها ونثق بصحتها تام الوثوق هو أن دول أوروبا منذ تداخلت في شؤوننا لم ننتظر منا إلا مضايق الضعف لتوسعها. ومكامن المغانم لتجرها. وكل دولة من دول أوروبا إذا بدن لنا مودة وصداقة فلمطمع وغاية فليس منها من يضمر لنا الخير مجاناً. وأو يحبنا رغبة بنشر مبادئ العدالة والإنسانية الكاملة كما يدعون وسوق الأدلة على ذلك يكاد عبثاً بعد ما صار معلوماً عند أكثر العقلاء بالبداهة. استعادت الأمة العثمانية دستورها بسيوف أبطال جيشها وأركان أحرارها وتأهبت للسير في طريق الإصلاح من جميع وجوهه وأملت بمستقبل زاهر يرفعها إلى مصاف أعظم الدول الراقية لما لها من الاستعداد العقلي لكل رقي ونجاح. فبدأت بإصلاح جيشها وبحريتها وتنظيم ماليتها فشعرت أوروبا بأن الدولة العثمانية إذا سلكت طريق الإصلاح لا تلبث غير قليل حتى تصبح ذات مكانة، تساعدها على حفظ أملاكها. وعلى المطالبة بحقوقها المهضومة.

فعولت على عرقلة مساعيها وخلق المشاكل لها حتى لا تتمكن مما تبتغيه من الإصلاح فلم يمض ثلاثة أشهر على إعلان المشروطية حتى أعلنت دولة بلغارية استقلالها ورفع سيادة الدولة العلية عنها. وما صدقت النمسا إن رأت بلغاريا تفعل هذا الفعل حتى قامت تعبث بحقوق سيادة الدولة العلية على ولايتي البوسنة والهرسك فأعلنت ضم هاتين الولايتين إلى أملاكها. فقامت الدولة العليا تحتج لدى الدول على هذه الأعمال الغير المشروعة والمخالفة لمعاهدة برلين الموقع عليها من جميع الدول العظمى (ومتى كان الخصم قاضياً منصفاً؟) ولم يكن من مصلحة الدولة العلية أن تعلن الحرب على دولتين معاً في وقت تعد فيه كأنها في مبدأ تكوينها وأول نشأتها ولم ترَ من باقي الدول مساعداً لها على الاحتفاظ بحقوقها وإيقاف المعتدين عند حدهم فاضطرت لارتكاب أخف الضررين فمنحت بلغاريا استقلالها. والنمسا الولايتين المذكورتين في مقابلة تعويض مالي وظن العثمانيون إن ما جرى نهاية الحوادث. وخاتمة الكوارث وأخذوا يمهدون طرق الرقي للسير عليها. فلم يرق ذلك في أعين أوروبا لأنها اعتقدت أننا صائرون إلى الإصلاح وأننا إذا بلغنا الوطر منه وأصبحنا دولة منظمة قوية مالاً وجنداً لا يتأتى لها العبث بحقوقنا كلما لاحت بارقة أمل وساعد عليها الطمع الشعبي فما فتئت تخلق لنا المشاكل الداخلية والخارجية. ولا نكاد ننتهي من ضمد جرح حتى نجد أنفسنا أمام غيره. فمشكلة كريد واليونان لا تزال على حالها من يوم أعلن الدستور إلى اليوم ولا تزيد على طول الأيام إلا تعقيداً. ولا نزال من وقت إلى آخر يزداد صداها في الأندية السياسية على غير جدوى. والمسلمون في كريد يضطهدون ويسامون العذاب. ولم تشأ الدول الأربع الحامية لكريد محافظة على حقوقنا أن تحل هذه العقدة وتوعز إلى ملك اليونان بأن يتنازل عن المطالبو بشيء غير مشروع أضف إلى ذلك مشاكلنا الداخلية التي أدمت القلوب وكانت تذهب القوى وأعظمها فتنة الألبان واليمن التي لم يكن منشؤها إلا دسائس أجنبية وما أصعب أن يقتل المرء ولده في ساحة الوغى ولكن؛ إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا ... فلا يسع المضطر إلا ركوبها وهل يحتاج ما ذكر إلى دليل في الفتنة الأخيرة. وتؤدي الفار منهم وأخيراً تساعد العصاة الماليسور في الفتنة الأخيرة. وتؤوي الفار منهم وأخيراً لما اتفقوا مع أمهم العثمانية واخلدوا

إلى الطاعة ساء ذلك حكومة الجبل المذكور. وسعت بعقلة المساعي السلمية بكل مافي وسعها فلم تنجح. وهاهي اليوم إيطاليا تحفزت لالتهام ولاية طرابلس الغرب تلك الولاية العظيمة الواسعة المدى المترامية الأطراف فأرسلت إليها أسطولها بقصد احتلالها وإنزال جندها إليها واحتجت لتبرير عملها كما أسلفنا بحجج واهية لم ير أحد حقيقتها حتى أن الدافعين لإيطاليا على هذا العمل والمشوقين لها عليه لم يقدروا على المجاهرة باستحسان هذا العذر المشين وكثير من ساسة الأوروبيين صرحوا بفظاعته ولكن هل يفيد التصريح بالفظاعة شيئاً مع الإقرار على العمل. إن دول أوروبا لا تروق بعينها نهضة العثمانيين لأنهم يعملون أن رقي العثمانيين رقي للعالم الإسلامي بأسره الخاضع للخلافة العمى والإمامة الكبرى فلا عجب إذ لم نر منها تداخلاً حقيقياً في مسألتنا الحاضرة وإيقافاً لإيطاليا عن أن تطال إلى ما ليس من حقها ولا في وسعها الحصول عليه ولكنهم سيتوسطون متى رأوا فشل إيطاليا الذي ظهرت بوادره ولله الحمد فقد بشرت البرقيات بغرق جملة من سفنها الحربية تجاه طرابلس بقنابل معاقلها وحصونها وهمة وغيرة جندها وأهلها وسترى من بأس العثمانيين وشدتهم ما تذم معه غب سراها وتنحي باللائمة على تطوحها والدافعين لها إليه (وعلى الباغي تدور الدوائر) ولن تصل إن شاء الله لامتلاك شبر من طرابلس الغرب مادام العثمانيون يبذلون آخر نقطة من دمهم في سبيل المحافظة عليها. فيا أيها المسلمون حافظوا على إخوانكم وساعدوا دولة الخلافة التي هي عزكم وعليها مدار وجودكم واستقلالكم وحفظ دينكم فأنتم معروفون بالشمم وإباء الضيم وحب المجد وكراهية الذل واخلصوا النية في الأعمال (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). طرابلس والإعانة في دمشق كان لنبأ اعتداء إيطاليا وقع سيء في نفوس عموم العثمانيين، تمزقت له الأحشاء، وانفطرت له الأكباد، وبدت علائم الحمية على وجه كل عثماني، وأخذت منهم الحماسة مأخذها. وأصبح أكثرهم يجب أن يكتب في دفتر المتطوعين، نعم أخذوا يشعرون بوجوب

التآخي والتعاضد والقيام يداً واحداً لمعونة جولتنا المحبوبة. وقد كان للدمشقيين من ذلك الحظ الأوفر فقد رأينا الكبير والصغير والغني والفقير والتاجر والزارع والناس جميعاً ينقدون حمية وشهامة وقد ظهرت عليهم علامات التأثر والتألم. رأينا ظهر يوم الخميس الموافق 13 شوال الناس يهرعون للاجتماع في جامع بني أمية ومن بينهم العلماء والصلحاء والأمراء ووالي الولاية وبعد أن أدوا صلاة الظهر تحلقوا أمام ضريح النبي الحصور عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام لختم صحيح الإمام البخاري الجليل المجربة قراءته لدفع البلايا ورفع النوازل فحصل خشوع عم الحاضرين ثم بعد ذلك شاع الخبر في دمشق فتسارع الناس لحضور بركة هذا الختام وكنت ترى طلبة مدارس المسلمين من سائر الأنحاء صفاً صفاً يتسابقون للانتظام في سلك هذا المجتمع وجعل القوم يذكرون الله تعالى باسمه (اللطيف) نحواً من ساعة ثم صاروا يرددون صيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من ذلك ثم ختم هذا المشهد المهيب خطيب المسجد الشريف وبلبل منبره (الشيخ حسن أفندي الأسطواني) بدعاء مؤثر للغاية رجا الله فيه أن ينصر دولتنا ويؤدها بروح من عنده وأن يخذل كلمة الباغين المعتدين. والشيوخ والأطفال والكبار والعلماء والأمراء يؤمنون على دعائه تأميناً خالصاً من قلوب تبكي حناناً ورحمة لأولئك الأقوام البائسين مع انكسار وخضوع لله ورجوع إليه سبحانه اعترافاً بأن بيده مقاليد كل شيء وأن الأمر له كله. وبعد الدعاء انبرى حضرة العالم العلامة المصلح الكبير الأستاذ الشيخ صالح أفندي الشريف فخطب الناس بخطاب وجلت منه القلوب وذرفت منه الدموع وجعل الناس على كثرتهم كأنهم الرجل الواحد يسمع للأمر يهمه وكان مدار خطابه على أمور ثلاثة الأول التأسف على طرابلس وذكر حدودها وأنها لبقية الباقية من أفريقيا. والثاني دعوى الناس إلى رفع الخلاف والشحنأ وأن يتحدوا ويتفقوا ويكونوا يداً واحدة على إنقاذ بلادهم والثالث دعوتهم إلى جمع الإعانات لهذه الحرب وإعلامهم بأن المال في مثل هذه الأوقات الحرجة أعظم معين لصد هجمات هذا العدو المتوحش. وقد ظهر في هذه الخطبة العظيمة لمن لم يعرف الاستاذ حفظه الله مقدار همته، وشدة غيرته، على جمع كلمة العثمانيين، وتفانيه في تأييد هذه الخلافة وجمع القلوب عليها وأن قلبه يتفتت رحمة وحناناً لأولئك الضعفاء

المساكين. ثم تلاه حضرة العالم الفاضل والأديب الكامل الشيخ عبد الجليل أفندي الدرا بخطاب مؤثر للغاية. دعا الناس فيه إلى الجهاد في سبيل الله فيما إذا دعتهم الدولة العلية. وبين لهم لذة الاتفاق والوفاق وأمرهم بالاطمئنان والسكون ثم تلاه الشاعر المجيد الفاضل الشيخ عبد الرحمن أفندي القصار فتلا قصيدة حركت العواطف وبثت في الناس روح الشجاعة والشهامة وسننشرها بعد تتميماً للفائدة ثم ختمت هذه الجلسة المباركة كما بدأت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وابتدر الناس يجودون بما في وسعهم من المال كل على حسبه ومقدار وطنيته إعانة لهذه الحرب ومعاضدة لإخوانهم الطرابلسيين والله يعلم بما خامر قلوبنا من الاستبشار بسبب هذه المظاهر الوطنية والاحساسات القومية. ثم انفض القوم وكلهم يبتهل إلى الله تعالى بأن ينصر دولتنا العلية المحبوبة. أما الذين كانوا يقبضون أموال الإعانة من الناس فقد نشطوا لهذا العمل المبرور فهرعوا إلى الأسواق يدعون الناس إلى الإعانة فكنت ترى الإقبال عليهم من كل صوب من المسلمين والمسيحيين والإسرائيليين. وقد كان هذا الاجتماع باعثاً على تأليف جمعية عمومية يرأسها مفتي الشام غايتها جمع الإعانة من أهل الإحسان والمروءة لتنفق في ما نحتاج إليه إبان هذه الحرب وقد جعلت هذه الجمعية مركزها دائرة البلدية لأنها المحل العام للأهلين ودعت بعض سراة الحاضرة ليقوموا معاً في هذا المشروع الخيري وقر قرارها على أن تجتمع في كل أسبوع ثلاث ليال وأن تعين في كل ثمن من أثمان البلدة ستة أشخاص ليستوردوا المال من ساكني محلتهم بموجب وصولات مختومة بختم الرئيس وأميني الصندوق ثم يردون في كل جمعة ما استوردوه إلى الجمعية العمومية وقد بدأ القوم بعملهم هذا واستمطروا كف أهل الخير. وهو عمل كبير يدل على وطنية صادقة ومروءة تامة وتعلق شديد بعرش الخلافة العظمى فنشكرهم شكراً خالصاً. ونخص عامة الدمشقيين مؤملين فيهم كبير المساعدة بالنظر لما اشتهر عنهم من الحمية والغيرة وحب الإحسان والمعاضدة للأعمال الخيرية والمشاريع العمومية ونذكرهم بأن هذا الوقت وقت إظهار الحمية وقت الغيرة والشفقة على اليائسين وقت إبداء المعروف وإغاثة الملهوف. هذا وقد دبت الغيرة في جميع الأنحاء العثمانية فقام والله الحمد أهل كل قطر يجمعون

الإعانة لهذه الغاية والأمل من شهامة كل عثماني بذل الجهد في هذا السبيل والله لا يضيع أجر المحسنين. الجهاد والاستعداد الجهاد والاستعداد للحرب هما قوام الأمم، وحياة الشعوب، بهما يحفظ كيانهم، وتصان معتقداتهم وأخلاقهم، وبهما يرقون مراقي العز. ويتسنمون ذرى المجد، كما أنهم بإهمالهما يتلاشى أمرهم، ويفقدون استقلالهم ويضطرون للخنوع لسلطة العدو، والاستسلام لبأسه وشدته. الجهاد والاستعداد من أجل ما يعنى بأمره المفكرون، وأعظم ما يبحث عن شأنه الباحثون، إذ كان من نتائجهما أنه ما قامت أمه بهما وأحسنت استعمالها إلا وتم لها الحصول على ما تريد، وأرهبت بسطوتها عظماء ملوك الأرض. الجهاد والاستعداد مما تأمر به الأديان السماوية، وتدعو إليه النواميس الطبيعية، لأنهما الحافظان لهذا النوع الإنساني والعاملان الوحيدان على بقائه حيث كان حب التفوق على الأفران، والاستئثار بمرافق الحياة غريزة من غرائز النوع البشري، وخاصة من خواصه، يتطلبهما ما وجد غليهما سبيلاً، ولا يصده عنهما إلا ما يرهبه من القوي، ويهوله من المعدات الجهاد والاستعداد يتشكلان بأشكال مختلفة، ولهما مظاهر متنوعة، يتبعان في ذلك اختلاف الزمان والمكان، وتغير الأقوام والشعوب، فشكلهما اليوم غيره بالأمس. وستكون صورتهما غداً غيرها اليوم. كان مجموعهما بالأمس مقصوراً على المدافعة والهجوم وعلى السيف والرمح وما مثلهما وكان ذلك كافياً للتغلب على العدو ونيل الوطر منه أما هما اليوم فالاستعداد إنشاء المدرعات الضخمة ذات المدافع الهائلة وعمل المدافع الرشاشة والموز وغيرهما من آلات الرماية وتشييد المعاقل التي لا تتأثر بقذائف المدرعات واستحضار الآلات التي تمكن كل لحظة من معرفة حال العدد ما هو عليه في عامة شؤونه إلى غير ذلك من الاختراعات التي تحير الأفكار وتدهش الألباب. والجهاد أربعة أقسام مقاومة وسياسة ونشر للمبادئ واستنزاف للثروة. فجهاد المقاومة ظاهرة وهو القيام بوجه العدو بالآلات الحربية للتمكن منه والاستيلاء عليه.

وجهاد السياسة هو أن تبذر الأمة المجاهدة بذور الشقاق بين عناصر الشعب الذي تحاربه. وتنفخ فيهم روح التعصب لأجناسهم ومذاهبهم وتعمل على حل عرى جامعتهم من دين أو وطن. وتسعى بما فيها من قوة لتنفيرهم من ساستهم وعلمائهم فلا يلبثون إلا قليلاً حي تثور ثائرتهم. وتضرم نيران الحرب فيما بينهم وعند ذلك تتمكن من الدخول فيهم فلا تخرج إلا وقد استولت عليهم وأصبحوا من المحكومين لها والخاضعين لسلطانها. وجهاد نشر المبادئ هو أن تنشئ الأمة المحاربة المدارس في مدن أعدائها وتبث المبشرين بدينها في عامة قراهم لتسلبهم دينهم وأخلاقهم وتعوضهم عنها بدينها وأخلاقها وبذلك يتأتى لها أخذهم بدون مقاومة وتستفيد منهم مالاً تستفيده ممن استولت عليهم بالتغلب. وجهاد استنزاف الثروة هو أن تعمد الأمة القوية إلى تجارة الشعب الذي تريد ابتلاعه فتسعى لإضعافها، وتأتي إلى ما بيده من الحرف والصناعات فتعمل على انتزاعها. وذلك بأن تبعث إليه ما بيده من الحرف والصناعات فتعمل على انتزاعها. وذلك بأن تبعث غليه بالعارفين بفنون التجارة من شعبها. فيقبضون على زمام تجارته وتتحفه بمصنوعاتها المزخرفة فتقضي بها على حرفة وصنائعه. ولا تزال به حتى تستأصل ثروته وتسلبه جميع ما يملك وتذهله عن كل استعداد وتضعفه عن كل مقاومة وبذلك تجد فرصة لابتلاعه. ومساغاً لالتقامه. هذا الجهاد بأنواعه الأربعة المارة، وذلك الاستعداد بشكله المتقدم هما اللذان رفعا من مقام دول أوروبا ومكناها من العالم بأسره كما أن فقد هما هو الذي حط من قدر من دونها، وأوصلها إلى ما هي عليه من الضعف. ومن تأمل في قول الله تعالى (وجاهدوا في الله حق جهاده) وقوله عز من قائل (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) يرى أن الله جلت عظمته أوجب على هذه الأمة المحمدية أن يكون جهادها في كل وقت بحسبه إذ هو حق الجهاد (وهو شامل للجهاد بالأنواع الأربعة المارة كما هو ظاهر) وأن يكون استعدادها كذلك لأنه مما تستطيعه. يدخل في وسعها. نعم من الواجب عليها أن يكون جهادها اليوم كجهاد الدول الكبرى واستعدادها كاستعدادهم ولكنها تركت ما افترض عليها وتمادت في غفلتها فأصابها ما نشاهده من الضعف وما نبصره من الانحطاط حتى تمكن أعداؤها من محاربتها بجميع أنواع الحرب. وقدروا أن

يسلبوها كل حق ومنفعة فما أحراها والحالة هذه أن تهب من سباتها وتبتصر في أمرها فتجمع كلمتها وتوحد غايتها وتعد لأعدائها فوق ما أعدوه لها وتجاهد فيهم مثل جهادهم فيها وبذلك تحفظ كيانها وتصون شرفها وأخلاقها وتسترجع مجد أسلافها وما حصلوا عليه من العز والمهابة هذا ما نذكر به أولي الأمر ومن بيدهم الحل والعقد إذ هم الأمة بهم تذل وتعز وبهم تشقى وتسعد هذا وليعملوا أن كل فرد من العثمانيين رهن إشارتهم ماعدلوا. وطوع أمرهم ما استقاموا وأهون شيء عليه أن يبذل نفسه وماله في سبيل تأييد هذا الوطن وإعزازه. دعوة إلى الإعانة من خطبة للعلامة الفاضل صاحب الإمضاء أيها المؤمنون سارعوا إلى فعل الخير قبل أن ينزل بكم المنون (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) اعلموا إخواني أن ارتفاع شأن الملة الحنفية بارتفاع شأن الخلافة العثمانية وذلك بإعداد المعدات البحرية والبرية وتجنيد الجيوش واتخاذ الأساطيل المدرعة السليمة القوية وحفظ الثغور والقلاع بجيوش تردون بها غارات من يرومونكم قال تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) إخواني رحمكم الله وهداكم هذه الأعداء أحاطت بنا إحاطة السوار بالمعصم وأخذوا من بلادنا المعظم فيجب علينا أن نتوسل بكل الذراع لنحفظ كياننا وأموالنا ونساءنا وناموسنا وعرضنا وبلادنا ولا أظنكم ترضون بالدمار وخراب الديار وانتساف الآثار وتلبسون ثوب الذل والعار فلهذا تنبهت الأفكار وقامت الملة على قدم وساق لتدفع هذا الأمر المدلهم الذي هو حميم وغساق وأسسوا جمعيات خيرية وصناديق للإعانة البحرية وبرز الموحدون إلى ميدان السباق ولم يبخلوا بالبذل والإنفاق فلو نظرتم إلى أقدام أهالي مركز الخلافة والأناطول والروم إيلي وسائر البلاد العثمانية لاستصغرتم أنفسكم عندهم في بذل الإعانة فمنهم من تعهد بشراء سفينة مدرعة ومنهم من بذل جل ما معه وملئوا الصناديق وذلك المهم أن هذا المال لا يضيع منه درهم بل يصرف في سبيل الله لكشف

هذا الأمر المدلهم فيا طوبى لهم قد شروا الدار الآخرة بالعرض الأدنى وعلموا أن الله مخلفة فهو الذي أعطى وأغنى وأنتم أيها الإخوان تعلمون أن هذا المال ظل زائل ولا فائدة في كنزه ولا طائل ولا سمح الله إذا استولى عليكم العدو يلحقكم الذل والصغار ويسومكم أنواع الخسف والاحتقار ويبتز أموالكم بما فيه الهلاك والدمار فليكن كل منا لأمر الله سميعاً مطيعاً واعتصموا بحبل الله جميعاً واسمعوا ما أتلوه عليكم من الكتاب والسنة قال تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين وروى البخاري بسنده إلى سهل رضي الله تعالى عنه أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولغدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها فرحم الله عبداً سمع النصيحة ووعاها وبادر إلى العمل بمقتضاها. مفتي الاى 76 محمد رضا

النجدة النجدة يا حماة الوطن

النجدة النجدة يا حماة الوطن السيف يفعل مالا يفعل القلم ... فهو الذي في الوغى دانت له الأمم إن اليراع رسول للحسام فإن ... لم يجد نفعاً فحد الصارم الحكم يا دولة الدين والدنيا بأجمعها ... ويا مليكاً فدته العرب والعجم أضحى يناديكمو الإسلام ملتجأ ... والدين والكعبة الغراء والحرم يا جيش ملك بني عثمان من شهدت ... له الأعادي وموج الموت يلتطم هذا أوانك فالهيجا قد استعرت ... ونارها في مواني البحر تضطرم يا أيها العسكر الجرار صن شرفا ... إذ دون إذلاله الأرواح تنعدم يا أمة الدين هذا يوم نجدتكم ... بالروح والمال أين العزم والهمم فليبذل المال من لم يستطع عملا ... ولا يكلف من الوى به العدم فأين من ينقذ الأوطان من خطر ... بها ألم ونار الحرب تحتدم هل من مجيب لأصوات الجهاد بعز ... مٍ دونه قلل الأجبال تنهدم إن الأجانب نحو الملك قد فغرت ... أفواهها وعراً أمعاءها النهم هبوا لنصرة دين الله ليس على ال ... رحمن ينتصر الشيطان والبُهم هبوا فأنتم جنود الله ما برحوا ... يقودهم للنزال النصر والشمم فالغارة الغارة الشعواء يا أسداً ... لحم الأعادي غداها والشراب دم جنات عدنٍ لمن نال الشهادة قد ... تزينت ووجوه الحور تبتسم فالدين والوطن المحبوب يندبكم ... والله فيكم من الأعداء ينتقم هذي الأجانب قد حلت بلادكمو ... هلا اعتراكم على فقدانها ألم صونوا البلاد مع الأعراض واحتفظوا ... بدينكم قبل أن يستفحل الندم واحموا حمى دولة الإسلام بل فثبوا ... وثوب أسد ترامت دونها الغنم فالنار لا العار أسمى للرجال إذا ... حقوقها غصبت والعهد منصرم فهل يطيب لكم عيش إذا ظفرت ... تلك العلوج وسادت فيكم القزم إن المنايا وإن جلت مصائبها ... أحلى من الشهد أن صينت بها الحرم يا أمة الدين شدوا أزر دولتكم ... ببذل مال فعنكم يؤخذ الكرم أما من العار أن نسخو لشهوتنا ... ونلزم الشح فيما فيه نحترم

دمشق عبد الرحمن القصار

الإعانة بالوسائل المنكرة

الإعانة بالوسائل المنكرة لايشك مسلم اعتقد أن هذا الدين المحمدي حق، وإن القرآن الكريم صدق، وأن سيدنا الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان ينطق عن الهوى، وقرأ قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله) الآية وقوله سبحانه: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) وقوله جل جلاله: (فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وقوله عز شأنه: (الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) وبلغه ماروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وقد حكيت له أي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إنساناً فقال ما أحب إني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا وأنه لا يجوز التوصل بالمحرم إلى الحلال في الصدقة من علم هذا كله لا يشك في أن قسماً من الزكاة الثمانية يجب أن يصرف في سبيل الله وهو الجهاد وأن الجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال وأن المسلم لا يتزكى عند الله ماله إذا آتاه لأحد له عنده نعمة تجزى وأن الصدقة رثاء الناس موصوف بها الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وأن روايات التمثيل التي تحكي الناس حظرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الصدقة التي تؤتى بواسطة أمر محرم شرعاً لا أجر فيها ولا يقبلها الله تعالى بل تكون مردودة على صاحبها وفيها الإثم والوبال والعذاب والخزي والنكال. إذا صح هذا عند المسلم وتقرر وعرف أنه من الدين المحمدي الحنيفي وأراد أن يعطي إعانة للحرب أو للفقراء أو لمنفعة عامة للمسلمين أو غيرها من الصدقات سواء كانت واجبة وهي الزكاة وما شابهها أو تطوعاً وهي ماعداها لا يدفعها ذلك المسلم بواسطة حضور رواية تمثيل أو اجتماع يشتمل على محرم إذا كان قصده بتلك الصدقة من حيث هي وجه الله تعالى والثواب في الآخرة فإن دفع الصدقة بواسطة من هذه الوسائط أو مثلها خسران الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين وحق لذلك المتصدق أن ينشد له: مربية الأيتام من كد فرجها ... لك الويل لا تزني ولا تتصدقِ فإن فيها الوزر بدل الثواب والأجر وذلك لأن المتصدق بواسطة حضور روايات التمثيل

وأمثالها لو لم يحضر لم يتصدق فكانت منه لأجل حضور الرواية واتباع نفسه سبيل الغواية لا لوجه الله عز علاه ولا للثواب يوم المآب. ولا ريب أن الذين يمثلون الرواية ليسوا ذوي مروءة وشهامة لخروجهم أمام الناس بهيئة تشينهم في دينهم وتثلم عرضهم بين المجتمعين عليهم إذا كان يصدق على أمر دهم قول الشاعر: يرينا صفحتي قمر ... يفوق سناهما القمرا يزيدك وجهه حسنا ... إذا مازدته نظرا ونتأكد أن لا أحد من المواطنين سيما أصحاب المروءة والدين يؤازر هذا العمل الشري المنكور وأن موه بأنه تدعو إليه الوطنية الصحيحة في مثل هذه الأزمات الشديدة إذ كانت إعانة الحملة الطرابلسية يمكن جمعها أضعافاً مضاعفة بدون فحش وثلم عرض وإخلال بالمروءة وارتكاب محرمات جمة لا يرتضيها صاحب دين أو ذمة ونشكر بلسان الدين والمروءة والشهامة أصحاب الوجدان الذين يتركون مؤازرة المشخصين المرد لما علموا أن قصد الواردين إليهم التمتع بجمالهم وما كنا نحتال أن يسترسل في دمشق بعض أبناء العائلات الكرمة في مثل هذه المفاسد المميتة للأخلاق ولم ندرِ كيف سمح ولهم أولياؤهم بالانغماس في سبيل هذه السفاسف الغربية وهم يعلمون أن اقتداءنا بالغربيين بالضار من عاداتهم دون المنافع هو داؤنا العضال وكان الأولى بهؤلاء الشبان أن يجتهدوا في نفع أمتهم بما يرفع شأنهم ويعلى من أقدارهم ولعلهم إلى ذلك صائرون. محمد عارف المنير الحسيني

جنايات المقتبس على الدولة والوطن

جنايات المقتبس على الدولة والوطن (شر ملحقاً للعدد الثاني من السنة الثانية) يقوم بيننا دعاة الفساد ينشرون أفكارهم، ويجرون علينا ويلاتهم، يفسدون علينا سياستنا، يغرقون بين عناصرنا، ينفروننا من دولتنا، يساعدون علينا أعداءنا يتسلطون على علماءنا، يحقرون كبرياءنا، يضروننا في ديننا، يسقطون مهابة حكامنا، يسعون في إفساد شباننا، يعملون على إماتة عواطفنا، يعمدون لانتزاع الشجاعة والشهامة منا، كل ذلك يفعله المفسدون ونحن ساهون لاهون. لا ينبض لنا عرق، ولا يتحرك فينا دم، كأننا لسنا من أهل الحياة فإلى متى هذا النوم يا قوم، هذا صاحب المقتلس منذ إعلان الحرب بين دولتنا المحبوبة وبين إيطاليا أخذ ينشر الأخبار المنكوبة التي تجلب اليأس وتضعف القوى. نشر قوات إيطاليا وما عندها من الاستعدادات الحربية ليرهبنا بذلك ويقطع عزائمنا. بين ضعف الدولة وفقرها وثبط العثمانيين عن جمع الإعانات وتحرص بأنهم لا يجمعون من المملكة أكثر من ربع مليون ليرة وأن من الحكمة أن يصرف على أعمار بلادهم. وقال في الرد على من يحث العثمانيين وعموم البلاد الإسلامية على مساعدة الدولة بأموالهم كما فعل الفرنسيون واليابانيون (فأين نحن من يا بأن مملكة الشمس المشرقة وفرنسا ممدنة العالم) كأن العثمانيين ليسوا من بني البشر. وقارب أن يفضل السياسة المدنية على السياسة الشرعية الربانية في مقالة نشرها بإمضاء س. ز. ولما رأى أن مسألة اختلاف العرب والترك قد زالت وأن الأمة أدركت خطأها وتبين لها بفضل الوعظ الديني أن الواجب عليها أن تتضامن وتتكافل وتنسى الأحقاد وتدع الشخصيات ليتسنى لها الخروج من هذا المأزق الحرج الذي وقعت فيه لم يرق له ذلك فقام ينشر ما يدعو إلى النفور ويزعم أن خطباء المسلمين يهيجون الناس لأنهم يأمرونهم بالجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ويحثونهم على مساعدة دولتهم والدفاع عن إخوانهم بالإعانات والتطوع مموها أن في ذلك ما يثير الخواطر على المسيحيين كذب والله فأله، وطاش سهمه، وخاب ظنه فليس في الحث على الجهاد ما يوجب شيئاً من ذلك. وهل المسلمون والمسيحيون إلا سواء في الوطنية، سواء في العثمانية وهاهم يعملون معاً يداً واحدة على جمع الإعانات لإنقاذ دولتهم وأهل وطنهم

والحماسة سائدة بين الجميع على رغم أنف من يريد التفرقة بينهم فليدع المتخرصون تخرصاتهم فإن الشرع الشريف يعتبر مواطنينا المسيحيين قسمين ذمي ومعاهد فالذمي له ما المسلمين وعليه ما عليهم دمه حرام، وعرضه حرام، وماله حرام ولا يحل لمسلم أن بمثابة فضلاً عن أن يتعرض له بسوء والمعاهد الأجنبي قد دخل البلاد بإذن الخليفة الأعظم فهو محقون الدم مصون العرض محفوظ الحقوق عملاً بالأمان الذي منحته الحكومة إياه ومن أوفى ذمة من المسلمين وليرجع القارئ إلى مقالة صاحب المقتبس (التكهن السياسي المنشورة عدد (795) ومقالة ماليتنا والإعانات (المنشورة عدد 799 وإلى مقالة الأقاويل والأراجيف الموقعة بإمضاء س. ز المنشورة عدد 801 ويتصفح جريدته وليقابل بينها وبين غيرها من الجرائد العثمانية التي تتقد حماسة وغيرة وتحمل العثمانيين على أن يفدوا دولتهم العثمانية بأنفسهم وأموالهم وأولادهم وأن يعيشوا شرفاء أو يموتوا أعزاء قال لنا بعض الناس أنني حينما أقرأ جريدة المفيد تأخذ في الحماسة الشديدة وآخذ العهود على نفسي أنني إذا وجدت احتياجاً في دولتي لا مثالي لا فدينها بنفسي ومالي وإذا طالعت جريدة المقتبس يعتورني اليأس والخور وأتصور أن الطليان لابد أن يأخذوا طرابلس الغرب وأن حماستنا وغيرتنا وإعاناتنا وقوتنا لا تقيد شيئاً وقد اجتمعنا بكثير ممن كانوا يعتقدون فيه الوطنية فرأيناهم ساخطين عليه وقد ظهر لهم ما كان يخفيه من العداء للأمة والملة. ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى علي الناس تعلم ذلك بعض ما قام به صاحب المقتبس من المفاسد فلما كان عمل العثمانيين تجاهها هل رهبوا إليه ونصحوه وبينوا له خطورة الأمر هل أقاموا عليه احتجاجاً مشروعاً ليرتدع فما هو عليه من الغي ويرجع إلى الصواب شاء أم أبى هل رفعوا أمره إلى الحكومة لتتلاقى الخطر قبل أن يتسع الخرق؟ هل قاطعوا جريدته ورفضوا الاشتراك ليتضح له خلل رأيه وأن الأمة قد انتبهت له فيعدل خطته أو يعتزل الصحافة فيريح الناس من إفساده وسخافة رأيه حقاً ليس الوقت وقت خصام وشحناء وتضاغن وعداء وتخطئ مخطئ وتفيد مزاعم متحرض وإنما الوقت وقت أن نجتمع بدا واحدة ونعمل على تلاقي هذا الخطر المحدق بنا الذي لا يعلم ما تكون النتيجة فيه (وستكون خيراً أن شاطئه) وليكن من لنا بتقييد تلك اليد الأثيمة عن تفريق وحدتنا والعبث بمصالحنا وزرع اليأس في قلوبنا والتلاعب بديننا. نحن

والله لا نطلب من صاحب المقتبس إصلاحاً لأنه بعيد عن الخير والخير بعيد عنه ولا نعلم أن جريدته بجريدة أجنبية منها بجريدة عثمانية وأنها لا تعمل على نفع العثمانيين وإنما نريد أن يكف عنا شروره ويكفينا وتعزيزه أو يرغم على ترك هذه السياسات السخيفة والآراء الصبيانية الضعيفة ويحزنها في فؤاده فلا يراها أحد من العالمين وخلاصة القول أن الواجب على من عنده غيرة وحمية مقاطعة كل جريدة إفسادية ورفض الاشتراك بها ليرتدع بذلك المفسدون.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد النبويات 11 لامرية في أن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من متممات البشر ومن أهم حاجاته، وأكمل وسيلة لنظام اجتماعه وأعظم طريق لسعادته الدنيوية والآخروية التصديق ببعثة الرسل ركن من أركان الإيمان، ودعامة من دعائمه، فيتحتم على كل مكلف أن يعتقد أن الله بعث رسلاً من البشر مبشرين بثوابه ومنذرين بعقابه اصطفاهم لرسالته، وفضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم سفراء بينه وبين خلقه، يعرفونهم بمصالحهم ويسعون لهدايتهم ويرشونهم إلى طريق النجاة ويخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. إن في إرسال الرسل إلى العباد حكمة بالغة، ورحمة للعالم شاملة، ونعمة من نعم واهب الوجود سابقة، إذ يبعثهم تهتدي العقول إلى معرفة الخالق جل وعلا وما يجب له من الصفات المقدسة، وتتكامل النفوس البشرية بحسب استعداداتها في العمليات والعمليات وتعلم الأخلاق الفاضلة والسياسات الكاملة، وتصان الحقوق وتحفظ الأمانات. ولولا إرسال الرسل ماعرفت الشرائع ولأحكام، ولا تميز الحلال من الحرام، ولا استبان ما يؤهل لرضاء الله، وما يعرض لسخطه، ولا استقامت أحوال، ولا انتظمت مصالح، وذلك لأن الناس لا يدركون مصالحهم بأنفسهم ولا يشعرون بعواقب أمورهم بغرائزهم، ولا ينزجرون مع اختلاف أهوائهم دون أن ترد عليهم آداب المرسلين، وتتلى عليهم آيات رب العالمين، فتكون آداب الله فيهم مستعملة، وحدوده متبعة، وأوامره فيهم ممثلة، ووعده لهم جاذباً ووعيدة زاجراً وقصص من غبر من الأمم وأعظا أليس من حكمة الخلق جل شأنه أن يرسل إلى عباده من يصطفيهم من خلقه ليبينوا لهم ما شرعه تعالى من الأحكام ويعلموهم ما تحتمله عقولهم ولا يبعد عن تناول إفهامهم مما يصلح به معاشهم ومعادهم ثم يؤيدهم بالآيات البينات والمعجزات الباهرات تصديقاً لدعواهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وقد جرت سنة الله في بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يصطفيهم من أشرف معاصريهم نسباً وأعلاهم حسباً وأذكاهم عقلاً وأكرمهم خلقاً وأكثرهم علماً وأحكمهم سياسة

رأفة بالناس ورحمة بضعفهم ليسهل الرضوخ لهم من الملك في سطوته والشريف في سمو محتدة ومن الشجاع في قوته والفيلسوفي في نفوذ فكرته والسياسي في دقة أساليبه ودلت الآثار على أن الله تعالى منح كل رسول من الصفات أوفى ما كان شائعاً بين قومه ومحلاً لمباراتهم وإعجابهم حتى تتم الصلة بينه وبينهم ثم يكون سموه في كل تلك المفاخر والمحامد وزيادته عليها بما يكرمه به الله من إشراقات النبوة وأنوار الوحي مدعاة إلى الانقياد له والخضوع لما يجيء به من الأوامر الإلهية، والحكم التشريعية. ومن الدلائل المؤيدة لنبوتهم أن الله تعالى أرسلهم في أمم مختلفة وأزمنة متعاقبة متحدين في الوجهة متوافقين في الغاية يظهر أمرهم أولا ضعيفاً هينا ثم يقوى ويشتد ولا يزال كذلك حتى تصير كل قوة بإزائهم ضعفا وكل مقاومة استسلاماً وهم في زمان قوتهم كما في زمان ضعفهم كبراء الأفئدة لا تستخفهم المموهات الأرضية والملذات الوهمية أحرار لم تأسرهم فواتن الدنيا ولا سواحر الحياة مسمين وجوههم لله لا يخافون بطش جبار ولا سطوة غاشم داعين إلى سبيل الله لا يفترون ولا يملون ولا يضعفون ولا يجبنون. أجسام بشرية وأخلاق ملكية قد وسع الناس حلمهم واتسع للكل صدورهم فقراء ولكن تستخذي الملوك أمامهم، حلماء ولكن ترتعد العتاة بحضرتهم. هؤلاء القادة العظماء الذين برهنت أفعالهم على صدق أقوالهم وجاءت الحوادث مؤمنة على دعائهم اتحدوا كلهم على القول بأنهم رسل الله إلى خلقه وأمنته على أسرار وحيه وأن بينهم وبين العالم العلوي صلة مستمرة ومددا لا ينقطع وأنهم جاؤوا للأرواح بنورها وللعقول بريحانها وللقلوب بمطلوبها وللصدور بشفائها. يرشدون الناس إلى أن للكون إلهاً واحدا متصفا بصفات الكمال منزها عن صفات النقصان ويبينون لهم الحد الذي يجب أن يقفوا عنده. يعرفون من أين تقتاد العقول المستعصية وكيف تستلين القلوب القاسية وبأي وسيلة تلجأ الجباه العالية العاتية إلى السجود والاخبات أمام عظمة الله وجبروته. وقد اتفق العلماء على أن النبوة خصيصة من الله تعالى لا يبلغ العبد أن يكتسبها ويفسرونها باختصاص العبد بسماع وحي من الله تعالى بحكم شرعي تكليفي سواء أمر بتبليغه أم لا وليست مكتسبة للعبد بمباشرة أسباب خاصة كالرياضيات والتخلي عن الأمور الذميمة

والتخلق بالأخلاق الحميدة كما زعمت الفلاسفة وليس أمر هذا الاختصاص بعجيب فإننا نشاهد أمام أعيننا رجالاً متعهم الله تعالى بقوة عضلية لا يكاد يتصورها إلا من يراهم فإن كان لا يمكن التردد في أن هذه القوة الهائلة موهبة خاصة لا يستطاع كسبها بوجه من الوجوه فأي غرابة في أن أمر النبوة وهي قوة روحانية من المواهب الخصوصية التي يمتع الله بها أفراد من النوع الإنساني ليهدوا الناس إلى أقصد المناهج وليحملوا إليهم أنوار الحقائق وأسرار الشرائع ولا ندري كيف غفل عن مثل هذه المحسوسات أولئك الذين زعموا أن النبوة مكتسبة. وفي مقدمة ابن خلدون أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جعل الله لهم الانسلاخ من البشرية في حالة الوحي إلى الملكية فطرة فطرهم عليها وجبلة صورهم فيها ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ماداموا ملابسين لها بالبشرية بما ركب في غرائزهم من القصد والاستقامة التي يحاذون بها تلك الوجهة وركز في طبائعهم رغبة في العبادة تكشف بتلك الوجهة فهم يتوجهون إلى الأفق الأعلى بذلك النوع من الانسلاخ متى شاؤوا بتلك الفطرة التي فطروا عليها لا باكتساب ولا صناعة له إذا تقرر هذا فلا مناص من التسليم والاعتراف بأن النبوة محض فضل من الله يختص بها من يشاء من عباده لا تنال باكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية ولا بأمر من الأمور بل هي خصيصة وهبها الله بالفطرة لمن يصطفيه من خلقه فيكرمه بالإشراف على ما في الحضرة الروحانية فيرى من أمر الملأ الأعلى ما لا يرى الناس ويأتي لهم من ذلك الطريق بمعلومات يقصر العالم أن يتوهمها فضلاً عن أن يطلع على شيء منها (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس). وللأنبياء عليهم الصلاة والسلام صفات كمال يجب الاعتقاد بثبوتها وهي الصدق والأمانة والعصمة والتبليغ والفطانة ويستحيل عليهم أضدادها وهي الكذب والخيانة والكتمان والغباوة ومقارفة ذنب من الصغائر والكبائر كما يجب سلامة أبدانهم من كل منفر طبعا فلا يعتريهم جنون ولا جذام ولا برص ولا عمى ولا غير ذلك مما يؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية وما نقل في الإسرائيليات من ابتلاء أيوب بأنواع البلاء المنفرة فهو باطل لا يعبأ به.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنأمرن بالمعروف وتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم حديث شريف بين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم درجة الأمر بالمعروف وأنها لأزمة واجبة وأن الناس إذا أهملوها فلم ينكروا منكرا ولم يرشدوا آثما سلط الله عليهم شرارهم فلا يقوون على دفعهم ثم يشتد الضيق والضنك حتى يدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عظيم الفائدة، كبير التيجة يدل على ثبات في الجأش، وقوة في قول الحق، وصلابة في الدين والعقيدة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال العلماء رضي الله عنهم هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين، والأمر الذي به تحيى الصفات والأخلاق والقربة التي تتضاءل دونها درجات القربات. لو طوي بساطه. وهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاع الجهل والجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد. وقد كان الذي خفنا أن يكون فكل ما نشاهده بأم العين اليوم من التهتك والخلاعة والفحش والجهل وفساد الأخلاق وشتم أهل الدين وثلم أعراض المصلحين وشرب الخمور وترك الصلوات والخيانة والإيذاء والرشوة والظلم والدعاء إلى العصبية الجنسية وتفريق الكلمة وإيقاع الشقاق والكذب وتنفير الأمة من حاكمها والنداء بذم الحكومة لتسقط هيبتها وتخفض شوكتها وتسمية السفلة والأوباش بالمصلحين وسكوت أهل العلم عنهم و. و. والخ ناشئ ذلك كله ومتسبب عن عدم إنكار المنكرات والنهي عنها ولو أنا أنكرنا كل شيء نراه في ديننا منكرا لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التأخر والانحطاط. عدم إنكار المنكرات يترتب عليه كما قلنا كل مفسدة وعنه ينشأ كل رذيلة وهو العادة الوخيمة والخصلة الذميمة التي أنهكت قوانا وأذهبت روح آدابنا وجعلتنا عبرة لغيرنا وصيرت كلمة الباطل حقاً وكلمة الحق باطلاً كل من تدين بالدين الإسلامي ودخل قلبه نور هداه يتأكد أن الشريعة الطاهرة ما جاءت إلا لهدي البشر ونفعه وإنقاذ من مهاوي النفس والشيطان فهي أبداً تحث على التناصح وتحض على التواصي بالحق وقد جعلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين والعمل بضد ذلك من صفات المنافقين

قال تعالى (المنافقون والمنافقات بعضهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) وقال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ولذا قال العلماء رضي الله عنهم هنا نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية الشريفة هذا وقد انعقد إجماع الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) بين أنهم آثمون بتك النهي وقال تعالى (فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا اللذين ظلموا بعذاب بئس بما كانوا يفسقون) بين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء. قال العلماء رضي الله عنهم وهو يدل على الوجوب وقال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) بين أن ترك نكران المنكر تعاون على الإثم والعدوان. وقال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك من الصالحين) لم يشهد له بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بمعروف أو صدقة أو إصلاح بين الناس) ومن تأمل قول الله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون علم أن ترك النهي عن المنكر فيه غاية الوعيد، ونهاية التشديد إذ تسبب عنه استحقاقهم اللعنة على لسان داود وعيسى ابن مريم قال ابن جرير عند الكلام على هذه الآية الشريفة بسنده إلى ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً فإذا كان من الغد لم منعه ما رأى منه أن يكون ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ثم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي المسيء ولا تواطئونه على الخواطر أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم. وبسنده إلى عبيدة عن عبد الله قال لما فشا المنكر في بني إسرائيل جعل الرجل يلقى الرجل فيقول يا

هذا اتق الله ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم أنزل فيهم كتابا (لعن اللذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطرا. وأخرج مسلم وغيره عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وأخرج أحمد والترمذي واللفظ له وابن حيان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر. وأخرج أبو داود وابن ماجة وابن حيان في صحيحه وغيرهم ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم المعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيروا إلا أصابهم منه بعقاب قبل أن يموتوا وابن ماجة وابن حيان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء فتوضأ وما كلم أحداً فلصقت بالحجرة استمع ما يقول فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس إن الله يقول لكم أمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا استجيب لكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم فما زاد عليهن حتى نزل وروى أبو إمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله قال كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفا قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيسكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قالوا وكائن ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون يقول الله تعالى بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم

فيها حيران إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تؤكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مكلف أعم من أن يكون عالماً وجاهلاً ذكراً أو أنثى لا يختص ذلك بصنف دون صنف ولا بطائفة دون طائفة. وهذا هو شأن الفرض الكفائي فمهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين واختص الثواب بالقائمين به المباشرين له وإن تقاعس عنه الخلق كلهم عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة. قال النووي رضي الله عنه ما نصه: قال العلماء رضي الله عنهم ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية والله أعلم ثم أنه يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها وأن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء. ثم قال وهو أي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب فليحذر الذين يخالفون أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضاء الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لاسيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهاب من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال (ولينصرن الله من نصره) وقال تعالى (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) وقال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقال تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) واعلم أن الأجر على قدر النصب ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً من حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الإنسان ومحبه هو من يسعى في عمارة آخرته وأن

أدى ذلك إلى نقص في دنياه. وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. وإنما كان إبليس عدواً لنا لهذا. وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها انتهى كلام الإمام النووي رضي الله عنه فتأمله فإن فيه الكفاية. هذا وربما يقول بعض الناس يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم) وهذا أمر لا يعنينا فنقول لهم هذا جهل محض بدين الله عز وجل وافتراء على شريعته المطهرة إذ لو ثبت هذا لتعطل جميع ما قدمناه من الآيات والأحاديث ولبطل الوعظ والإرشاد، ولا نهدم أكثر أحكام الشريعة كما تقدم وما تفسير هذه الآية بما تقدم إلا من الجهل الذي غلب على بعض الناس في هذه الأزمنة وهو إرداف لذنب نكران المنكر بذنب تفسير القرآن الكريم بالرأي وهو كما قال العلامة ابن حجر من الكبائر وإنما معنى الآية كما نقله ابن حجر نفسه عن ابن المسيب عليكم أنفسكم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهو يؤيده ما أخرجه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أن يعمهم الله بعقاب من عنده أهو مما تقدم وضح أن وجوب نكران المنكر على عموم المؤمنين وليس لأحد منهم أن يتبرم من ذلك. على أن الناس لو ذاقوا حلاوة نكران المنكر وعرفوا ما اشتمل عليه من الفوائد لاستبقوا إليه وفي اعتقادنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسبب لكل خير وسلم لكل رقي ومعراج لكل فلاح وبه يعيش الإنسان مرتاح البال في الهيئة الاجتماعية أميناً على نفسه وماله وعرضه. به يقوم داعي الحق ويقوى ويتقهقر الباطل ويمحق. والقائمون به هم بالحقيقة المنفذون لأحكام الدين وأوامره ولذا ورد من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه نعم للأمر بالمعروف شروط وآداب يجدر بأهل العلم بثها وتعليمها للناس كما يلزمهم التعاضد والقيام معاً يداً واحدة لنصرة الدين ونكران منكراته ويا حبذا لو يسمع ندائنا بعض أهل العلم فيقومون بتأليف جمعية يكون

غايتها التعاون والاتفاق على نصرة الدين بصدق وإخلاص ثم على نشر العلم في جميع الأنحاء حتى لا يخلو جهة من مدرس يبين للناس ما يضطرون إلى معرفته الأهم فالأهم مراعياً الوقائع والحوادث وما يطرأ من فساد المفسدين وإضرار المتفرنجين ويحبب للناس دولتهم ويرغبهم بمساعدتها ويعلمهم أن ببقائها بقاء الإسلام كافة في مشارق الأرض ومغاربها ويرشدهم إلى أمر تدبير منزلهم وما لنسائهم عليهم وما عليهم لنسائهم وأولادهم وجيرانهم ومجتمعهم وهكذا ترصد الجمعية بعد هذا كل ما يحدث من المنكرات المغايرة للدين المضرة بالاجتماع البشري فتنكره بالوعظ فإن أفاد فيها وإلا فبغيره من الوسائط التي تمنع وجود هذا المنكر ولو بإعلام الحكومة لتنفذ طلبهم (الموافق للمصلحة) بالقوة فإن مراتب إنكار المنكر كثيرة كما لا يخفى أولها التعريف وثانيها الوعظ وثالثها الإغلاظ في القول ورابعها المنع بالقهر في الحمل على الحق بالضرب والعقوبة من الحكومة. وإن يقدم أعضاء الجمعية بين يدي ذلك كله ترك المنكرات من أنفسهم فإنه أدعى للقدوة والله تعالى يقول (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون أو يقول (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) وأخرج الشيخان عن أسامة ابن يزيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته ويجنبنا منهياته إنه قريب مجيب.

تحريم المتعة

تحريم المتعة 4 تابع لما نشر ص 14 من المجلد الثاني قال مؤلف الرسالة (ومنها) أي من وجود اختلاف أخبار التحريم أن رواية ابن ماجة عن ابن عمر تدل على أن عمر بين التحريم في أول ولايته وتوعد بالرجم وهو ينافي ما في رواية الموطأ من قوله لو كنت تقدمت فيها لرجمت الخ. ونقول لا منافاة بين الروايتين لأن الأولى لا تفيد أن عمر رضي الله عنه بين التحريم في أول وقت من ولايته كما زعمه مؤلف الرسالة بل الذي يستفاد منها أن عمر رضي الله عنه بين التحريم في حال ولايته. وذلك لأن لما لا تقتضي وقوع الخطبة من عمر في أول وقت من خلافته بدليل قول الله تعالى (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) إذ من المعلوم أنه مضى حول كامل بين موت سليمان عليه الصلاة والسلام ودلالة دابة الأرض على موته كما ذكره المفسرون وتمتع ربيعه إنما كان قبل نهي عمر كما يشهد له ما نقله الزرقاني في شرح الموطأ قال ابن عبد البر الخبر وعن عمر من رواية مالك منقطع ورويناه متصلا ثم أسنده عن يحي ابن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال عمر لو تقدمت فيها لرجمت يعني المتعة وهذا القول منه قبل نهيه عنها وهو تغليظ ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذهبهم وقبيح تأويلاتهم الخ. قال مؤلف الرسالة (ومنها) أي من وجوه اختلاف أخبار التحريم أن في نصها أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها ثلاثا فإن أريد ثلاث مرات نافت جميع هذه الروايات لدلالتها على أن الأذن كحان أكثر من ذلك وأن أريد ثلاث ليال دلت على أن الأذن كان مرة واحدة محددة بثلاث ليال فنافت جميع هذه الروايات أيضاً الدالة على أنه كان أكثر من مرة واحدة ونافت رواية ابن عباس الدالة على أن الرجل كان يتزوج بقدر ما يرى أنه مقيم بل ربما دلت رواية سبرة على أن ذلك كان في حجة الوداع يوما وليلة نافت ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركاً الحديث فإنها وإن دلت على أن العقد يكون على ثلاث ليال لكنها دلت على جواز الزيادة بعد انقضاء الثلاث وتلك تدل على عدم جواز

الزيادة بمفهوم العدد. ونقول لا يصح أن يراد من الحديث ثلاث مرات لأن التحقيق أنها أحلت مرتين فقط بل المراد ثلاث ليال كما هو ظاهر حديث سلمة بن الأكوع الذي رواه مسلم قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام لوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وجاء نحو هذا عن سبرة أيضاً وعليه فلا يرد ما ذكره مؤلف الرسالة من المنافاة لأن حديث ابن ماجة الذي رواه عن ابن عمر لم يبين فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في المتعة إلا مرة واحدة بل غاية ما يستفاد منه أنه أذن لهم ثلاثة أيام وذلك لا يمنع ورود الأذن أكثر من مرة كما هو واضح وحديث ابن عباس وكذا حديث البخاري إنما ينافيان حديث ابن ماجة لو سلما أنه يقتضي أن الأذن لم يكن إلا مرة واحدة وقد تبين فساده وقول سبرة فمكثت معها تلك الليلة ثم غدوت إلخ لا يدل على أن الأذن كان يوما وليلة كما ادعاه مؤلف الرسالة بل هو بيان لما وقع مع الراوي. على أن ذكر الإباحة في حجة الوداع التي استفيدت من هذا الحديث خطأ كما اتضح مما بيناه ص (19) من المجلد الثاني. وقال مؤلف الرسالة (ومنها) أن في بعضها عن علي من طريق الزهري إن التحريم كان يوم خيبر وفي بعضها عن علي من طريق الزهري أيضاً أنه كان في غزوة تبوك والنووي في شرح صحيح مسلم التجأ في رفع ذلك إلى حمل رواية تبوك على الغلط وهو غير مسموع. ونقول أن ذلك يدل على جهل مؤلف الرسالة بمعنى التخالف إذ من البديهي أن رواية التحريم عن الزهري يوم خيبر لا تمنع أن يروى عنه التحريم أيضاً في غزوة تبوك بل لو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم كرر بيان التحريم عشرين مرة مثلاً في غزوات مختلفة ثم نقل ذلك العلماء عن صحابي واحد كان حاضراً في جميع تلك الغزوات فهل يكون هذا اختلافاً وتعارضاً. . سبحانك اللهم ما يكون لعاقل أن يتكلم بهذا. . على أن حديث النهي في غزوة تبوك ضعيف كما نقلناه عن القسطلاني والزرقاني سابقاً فاتضح أن كلام الإمام النووي رحمة الله عليه جليٌّ مقبول ومسموع عند العلماء المحققين. وقال مؤلف الرسالة (ومنها) أن رواية أباحتها وتحريمها في عمرة القضاء لا غير تنافي جميع ما ورد في إباحتها وتحريمها في غيرها الخ ما ذكره مما هو واضح البطلان.

ونقول بينا فيما تقدم أن هذا الحديث مرسل ضعيف فما زعمه مؤلف الرسالة من معارضته لغيره واضح الفساد. إذ من المعلوم أن الضعيف لا يعارض الصحيح وقد استوفينا الكلام على مايتعلق بهذا الوجه ص 17 من المجلد الثاني. وقال مؤلف الرسالة (ومنها) أن ما في رواية الترمذي عن ابن عباس أنها إنما كانت في أول الإسلام ثم نسخت بآية إلا على أزواجهم مناف لما دل عليه غيرها مما تقدم الخ. . ونقول لا منافاة لا مكان أن يكون المراد من هذا الحديث نسخ الإباحة التي كانت قبل خيبر كما يشهد له استدلال ابن عباس بالآية على التحريم فيكون الحصر إضافياً وهو لا ينافي ما جاء من الرخصة يوم الفتح والله أعلم ونقل مؤلف الرسالة اشتهار الفتوى بالمتعة عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما وزعم أن ما ينسب إليه من رجوعه عن ذلك مكذوب عليه أو خارج مخرج الخوف والتقية إلخ ثم زعم أن الشيعة أعرف بمذهب علي وأن إسناد التحريم إليه اختلاق عليه لأنهم رووا عنه القول بالإباحة ولأن ابن عباس كان يفتي بها وهو تلميذه وعنه أخذ فلم يكن ليخالفه الخ ما ذكره. ونقول قد صح رجوع ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك كما رواه الإمام الترمذي وغيره من المحققين وقد تقدم. ومعاذ الله أن يصدر مثل ذلك عن ابن عباس للخوف والتقية وهو ذلك الرجل الصحابي القرشي الذي لا تأخذه في الله لومة لائم. وعلى فرض أنه لم يرجع عن ذلك بل كان يرى حلها عند الضرورة كما تحل لميتة للمضطر فنجيب عنه من وجهين. (الوجه الأول) أن ذلك على فرض صحته إنما هو مذهب خاص لسيدنا ابن عباس رضي الله عنهما فلا يترك قول جماهير الصحابة لأجله وتمسك الشيعة في هذه المسألة بمذهب ابن عباس رضي الله عنهما باطل بمقتضى قواعدهم لأنهم إنما يأخذون بقول علي كرم الله وجهه ويتركون مايخالفه وقد ثبت أن علي رضي الله عنه أفتى بتحريم المتعة مطلقا كما رواه غير واحد من المحدثين وأما مازعمه مؤلف الرسالة من أن الشيعة أعرف بمذهب علي وأن إسناد التحريم إليه اختلاف عليه الخ فهو بديهي البطلان لأن أهل السنة أبعد عن التهمة يأخذون بكل ماصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولايتعصبون لواحد دون واحد فكلامهم أحق بأن يتبع ورواياتهم أصح ورميهم باختلاق الكذب على أحد من الصحابة مع ما هم عليه من الورع ولتثبت في النقل لا يقدم عليه إلا مجازف أو متبع لحفظ النفس

ومن العجيب أن مؤلف الرسالة عارض الحديث الصحيح الثابت في البخاري الذي رواه علي كرم الله وجهه في النهي عن المتعة بما نقله عن محمد بن جرير الطبري والإمام الرازي في تفسيرهما من قول علي رضي الله عنه لولا أن نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شفي وأعجب من ذلك أن مؤلف الرسالة نقل عن النهاية الأثيرية وعن لسان العرب حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو قوله ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم لولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شفى أي قليل من الناس ثم قال مؤلف الرسالة الظاهر رجوع الضمير في نهيه إلى عمر لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك أن الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها إلخ ما ذكره مما يدل على جهله أو تدنيسه. وبيان ذلك أن ما نقله عن ابن جرير والإمام الرازي لا يفيده لأنهما ليسا من المحدثين فكلاهما لا يعول عليه إذا خالف ما صح من الأحاديث كما هو مقرر عند أهل العلم على أن ما نقله عنهما إنما يفيد أنه أو لم ينه عمر عن المتعة لما احتاج إلى الزنا أحد إلا قليل من الناس ومعنى هذه الجملة أنه لو لم يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة لكان فيها مندوحة عن الزنا إذ من المعلوم أن عمر رضي الله عنه إنما بين نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها كما مر ويؤيد ذلك ما جاء من حديث ابن عباس كما في النهاية الأثيرية وغيرها من كتب الحديث وفي لسان العرب مانصه الثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها (أي المتعة) حلالا ثم لما وقف على نهي النبي صلى الله عليه وسلم فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى إلى أن قال الأزهري وهذا حديث صحيح وهو الذي يبين أن ابن عباس صح له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة الشرطية وأنه رجع عن إحلالها إلى تحريمها أهـ ما ذكره في اللسان وهو نص صريح على رجوع الضمير في قوله (فلولا نهيه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو واضح من كلام الأزهري لا إلى عمر كما استظهره مؤلف الرسالة وعلله بأن الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها. وما كنا نظن أن مؤلف الرسالة يتهور في مثل ذلك. وكيف يصح لعاقل أن يدعي تأَلم ابن عباس من شيء أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعوذ بالله من زلة القدم ونسئل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

(الوجه الثاني) أن ابن عباس رضي الله عنهما عَلَى تقدير بقائه عَلَى القول بالإباحة عند الضرورة كما تحل الميتة للمضطر صيانة لنفسه عن للتلف لا يصح للشيعة الاستدلال بمذهبه لأنهم يقولون بجوازها مطلقاً. وتمسكهم بظاهر ما ورد من الأحاديث لا يصح لأن أحاديث الإباحة منسوخة بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحريم إلى يوم القيامة. ثم ما قاله مؤلف الرسالة من أن ابن عباس هو تلميذ الإمام علي كرم الله وجهه وعنه أخذ فلم يكن ليخالفه الخ واضح الفساد لأن أخذ ابن عباس عن علي رضي الله عنه لا يستلزم أن يوافقه في جميع ما يراه كيف والإمام الشافعي كان تلميذاً للإمام مالك والإمام أحمد كان تلميذاً للإمام أبي حنيفة ومع ذلك جميع هؤلاء قد خالفوا من أخذوا عنهم في كثير من المسائل الاجتهاديّة واتبع كل منهم ما ظهر له صحته بحسب اجتهاده. عَلَى أنا لو سلمنا لمؤلف الرسالة كلامه لجاز أن يقال أن مذهب ابن عباس التحريم ضرورة أخذه عن علي كرم الله وجهه. وقال مؤلف الرسالة (وخامساً) أي من الأجوبة عن أحاديث التحريم أن رواية الموطأ تدل عَلَى بقاء التحليل إلى زمان عمر وإلا لما استمع ربيعة بن أمية الخ. ونقول أن فعل ربيعة لذلك إنما هو لجهله بالتحريم كما يدل عليه اهتمام عمر رضي الله عنه لما بلغه ذلك حيث خرج فزعاً يجرّ رداءه من شدة العجلة وبيّن للناس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وحرمها تحريماً مؤبداً وهذا ظاهر لمن له قلب. قال مؤلف الرسالة وسادساً (أي من الأجوبة عن أحاديث التحريم) كان اللازم أن يقول علي لابن عباس لما بلغه أنه لا يرى بالمتعة بأساً أو يلين في أمرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنها في حجة الوداع لأن المفروض أن ذلك آخر نهي صدر منه صلى الله عليه وسلم ولم يتعقبه رخصة أما النهي يوم خيبر فالمفروض أنه منسوخ بالرخصة بعده فلا يحسن الاستدلال به على ابن عباس فله حينئذ أن يقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجع عن هذا النهي فيحتاج علي عليه السلام إلى أن يقول له أنه بعد أن رجع قد نهى أخيراً نهياً لم يرجع عنه قال مؤلف الرسالة وهذا كالأكل من القفا ثم قال (لا يقال.) لعل علياً بلغه ذلك عن ابن عباس بعد وقعة خيبر وقبل صدور الرخصة يوم وقعة حنين (لأنا

نقول) ظاهر الكلام أن ابن عباس كان لا يرى بها بأساً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الخ. ونقول ليس في هذا الكلام ما يظهر منه أن علياً كرم الله وجهه نهى ابن عباس عن ذلك بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فيمكن أن يكون هذا النهي إنما صدر من علي بعد غزوة خيبر وقبل فتح مكة ويؤيده سكوت ابن عباس وامتثاله لذلك يومئذ فقول مؤلف الرسالة لا يقال ذلك لأنا نقول الخ ممنوع إذ كون ابن عباس كان لا يرى بها بأساً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ذلك لأنه يمكن أن يكون بعد ذلك قد أداه اجتهاده إلى إباحتها عند الضرورة. والصحابة رضي الله عنهم كان أكثرهم مجتهدين يختلفون في كثير من المسائل كما هو مشهور ومعروف ويصح تقليد كل واحد من المجتهدين الذين توفرت فيهم شروط الاجتهاد إلا إذا خالف سنة صريحة فعلى تقدير عدم رجوع ابن عباس عن ذلك لا يصح تقليده فيه حتى ولا عند الشيعة لأنهم يرجعون إلى مذهب علي عند المخالفة كما قدمناه وقد أثبتنا أن علياً كرم الله وجهه كان يرى تحريم المتعة. وما قاله مؤلف الرسالة من صدور الرخصة عند وقعة حنين لا يصح بل هو افتراء وكيف بلغ التهور بمؤلف الرسالة إلى أن عاب اجتهاد علماء الإسلام في أحكام شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وجعل كلامهم كالأكل من القفا فليت شعري إذا وقف بين يدي أحكم الحاكمين وسئل عن ذلك فماذا يكون جوابه في ذلك الموقف المخوف الهائل الذي ترتعد فيه الفرائص وترجف منه الأفئدة وتخرس فيه الألسن. . . أما نحن فنمسك هنا عنان القلم عن الرد عليه ونسئل الله تعالى أن يكون خصمه عن أولئك العلماء الأعلام. ثم نقل مؤلف الرسالة جملة من كلام الفخر الرازي وأجاب عنها بما لا يسمن ولا يغني من جوع إلى أن قال ما حاصله (وأما الاحتجاج) بقول عمر متعتان كانتا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما الخ فأجدر بأن يبكون حجة على الخصم لا له لأن فيه اعترافاً بأنها كانت مشروعة عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير معصوم ولا حجية في قول غير المعصوم اتفاقاً وصراحة الكلام في ذلك لوجوه (أولاً) لظهور قوله كانتا عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وثانياً) لقوله لنا أنهى عنهما بتقديم المسند إليه المفيد للحصر كما قرر في علم المعاني والبيان (وثالثاً) أنه لو كان النهي صادراتً من النبي صلى الله عليه وسلم لكان إسناده إليه أدخل في قبول الناس ثم ذكر مؤَلف الرسالة أن

تحريم المباح لا يستلزم التكفير وأن ترك النكير لا يوجب الكفر ولا يدل على الرضا ونقل إفتاء جماعة من الصحابة والتابعين بالمتعة وزعم أن ما نقله عن الفخر الرازي من قول عمر رضي الله عنه متعتان الخ حديث مشهور في كتب الفريقين مستدلاً عَلَى ذلك بوروده في بعض كتب التفسير ونحوها وبأن قاضي القضاة تكلف للجواب عنه ولم يطعن في سنده ثم قال فاتضح من مجموع ما تقدم أن المشروعية ثابتة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته بغير ناسخ ولا أقل من عدم ثبوت الناسخ وهو كاف أهـ. ونقول أما مناقشته مع الفخر الرازي فلا حاجة إلى بيان خطأه فيها لأننا قد ذكرنا من الأدلة الصحيحة الثابتة ما فيه البلاغ. وكذلك ما ذكره في أن تحريم المباح لايستلزم التكفير الخ لم يبق داع إلى تفنيده وبيان ما فيه فتركناه اختصاراً. وأما ما نقله من إفتاء جمع من الصحابة والتابعين بالمتعة فغير مسلم لأنه ثبت أن علياً كرم الله وجهه قائل بتحريم المتعة وعمران ابن حصين إنما صح عنه أنه كان يُنكر عَلَى عمر في منعه من حج التمتع كما قدمناه عن صحيح الإمام مسلم ولم نجد فيما أطلعنا عليه من كتب الحديث أنه جاء من طريق صحيح مسلم عن أحد من الصحابة القول بإباحة المتعة سوى ما نقل عن سيدنا ابن عباس في إحدى الروايتين عنه من القول بالإباحة عند الضرورة الشديدة وقد مر الجواب عنه ولو فرض صحة ذلك عن غيره نجيب عنه بأنه مخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحريم المؤبد والأحاديث الصحيحة الناسخة للإباحة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها. . . وأما ما نقله عن الفخر الرازي من قول عمر رضي الله عنه متعتان كانت عَلَى عهد الخ فإنا لم نجده أيضاً فيما أطلعنا عليه من كتب الحديث ووجوده في بعض كتب التفسير ونحوها لا يقتضي صحته آحاداً فضلاً عن الحكم عليه بأنه مشهور كما أجبنا عنه قبل ذلك وتكلف قاضي القضاة للجواب عنه عَلَى فرض أنه لم يطعن فيه لايستلزم صحته أيضاً كما هو واضح. . فما أوهمه صنيع مؤَلف الرسالة من اشتهاره مع اعترافه بأنه لم يوجد في كتب الحديث التي اطلع عليها لا يعول عليه عَلَى أن هذا الحديث إذا فرضت صحته يكون دليلاً على المنع من المتعة لأن معنى قول عمر كانتا عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لايستلزم أن ذلك كان في جميع حياته عليه الصلاة والسلام بل المراد أن ذلك وجد في

زمنه كما هو المتعارف في مثل ذلك عند علماء العربية. . وتقديم المسند إليه كما يكون للحصر يكون لغيره كتقوية الحكم ونحو ذلك كما هو مقرر في صغار المتون من فن المعاني والبيان. فمراد سيدنا عمر بإسناد النهي إلى نفسه بيان أن ذلك هو الذي ثبتت في دين الله عزّ وجلّ عن رسوله صلى الله عليه وسلم كما وقع التصريح بذلك من عمر رضي الله عنه في حديث ابن ماجه الذي أشرنا إليه قبل ذلك فظهر بطلان ما أشار إليه مؤلف الرسالة من أن في عدم إسناد النهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل عَلَى أن النهي إنما كان من عمر. . . وقول مؤلف الرسالة ولا حجية في قول غير المعصوم اتفاقاً غير صحيح لأن الحنفية يعتبرون كلام الصحابي حجة كما تقرر في الأصول. فاتضح مما حررناه وحققناه أن نكاح المتعة منسوخ وأن تحريمها أمر ثابت وأن ما زعمه مؤلف الرسالة من عدم ثبوت الناسخ لا يعول عليه.

أقول العلماء في التمثيل

أقول العلماء في التمثيل 2 تحت هذا العنوان ننشر ما يرد إلينا من أقوال علماء الإسلام وفتاويهم في سائر الأقطار ليظهر حكم الله تعالى في هذه المسألة الخطيرة. الجواب الثالث للأستاذ العلامة المحقق صاحب الفضيلة الشيخ مصطفى (أفندي نجا مفتي بيروت حالاً) وصلني الجزء الثاني من المجلد الثاني من مجلة الحقائق الغراء ولما تلوته واطلعت على السؤَال الذي أدرج فيه بخصوص تمثيل رواية زهير الأندلسي وما فاه به ذلك الخطيب ندبت السلف، وأسفت على الخلف، وأثنيت على فضيلة الأستاذ الكامل الشيخ حسن أفندي الأسطواني الذي أدى النصيحة الواجبة وبين الحق للناس في خطبته الجليلة كما شكرت حمية العلماء الأكارم أصحاب مجلة الحقائق الذين لا تأْخذهم في الله لومة لائم وهذا جوابي على السؤال المذكور. الحمد لله تعالى الحق أن التمثيل لايخلو عن المنكرات وحيث كان مشتملاً على شيء منها فلا يجوز النظر إليه خصوصاً عند عدم أمن الفتنة بالنظر إلى المرد الممثلين فيحجب اجتنابه والامتناع من حضوره كما يجب النهي عنه على كل ذي قدرة والظاهر أن تمثيل الروايات الأدبية إذا روعي فيه عدم المحظور ولم يترتب عليه مفسدة لابأس به وإلا فهو ممنوع ولو فرضنا أن فيه مصلحة لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح وقد قال العلماء من علم وقوع شيء من الشر ولو في خير يريد فعله تعين عليه أن يجتنب فعل ذلك الخير وإلا فهو عاصٍ آثم. أما تفسير القرآن بالرأي فهو حرام لقوله عليه الصلاة والسلام من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار رواه أبو داوود والترمذي وحسنه وله طرق متعددة وأما ظهور الغلمان المرد على الصورة التي ذكرت في السؤال فليس من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وكذلك التخنث والتشبه بالمخنثين والإفرنج في لبس البرنيطة وكل ذلك محظور شرعاً. والطبع سراق فإن ير صالحاً ... يصلح وإن ألف الفساد تفسدا

ولاشك أن الولد الذي يتربى بمثل هذه التربية يكون بلية على نفسه وعلى الأمة فعلى الآباء أن يجتنبوا هذا الخطر ويصونوا أبنائهم عن الضرر ويحسنوا إليهم بالتربية على ما يرضى الله تعالى إن الله يحب المحسنين. وليعلموا أن الشريعة الإسلاميّة قد جاءَت بأفضل الآداب وأكمل الأخلاق على الإطلاق فآدابها هي الآداب الحقيقية وتهذيبها هو التهذيب الصحيح لمن أراد سعادة الدارين. وبالجملة فإنَّ الاعتبار هو الاتعاظ أمرنا الله به في قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) لنجتنب ما نهى عنه ونبتعد عن المعاصي. والمعنى فاتعظوا بما جرى على بني النضير من الأمور الهائلة فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير الله عز وجل فهو أمر بالطاعة والتمثيل ليس بطاعة فكيف يكون فرضاً جاء به القرآن وأما تفسير الاعتبار به فهم باطل ومخالف لمذاهب الصحابة الكرام الذين شاهدوا التنزيل والوحي فمن اتبع هواه في تفسير الكتاب العزيز وعدل عن تفسيرهم كان مخطئاً بل مبتدعاً لأنهم كانوا أعلم الناس بتفسير القرآن ومعانيه كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل. محل الختم مصطفى نجا الجواب الرابع للعالم العلامة التقي الورع صاحب الإمضاء الحمد لله العليم الوهاب، الموفق لأتباع الحق وطريق الصواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى الآل والعترة والأصحاب. أما بعد فقد سئلت عن حكم الرواية المشتملة على الأوصاف المبينة في السؤال المدرج في مجلة (الحقائق) في العدد الثاني من السنة الثانية فأقول في الجواب على مقتضى نص السؤال لأني لم أحضر تلك الرواية أن تلك الرواية مشتملة على مفاسد حرمتها ظاهرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لايعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأَ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام وهذا الحديث الشريف كاف في الجواب كيف لا وهو أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام ومع ذلك

نزيد الجواب توضيحاً فنقول أن التخنث الذي اشتملت عليه الرواية كما ذكره السائل حرام قطعاً بل عده ابن حجر في الزواجر من الكبائر لما رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعلى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وأما التزي بزي إفرنجة الإسبانيين بلبس القبعة البرنيطة فقد قال في مجمع الأنهر مانصه ويكفر بوضع قلنسوة المجوسي على رأسه على الصحيح إلا لتخليص الأسير أو لضرورة دفع الحر والبرد عند البعض وقيل أن قصد به التشبيه يكفر ثم أن الرواية هي محاكاة فعل الغير وكل ذي مرؤة وشهامة يكره من غيره محاكاة فعله وتقليده سيما على وجه قبيح شرعاً فقد انطبق عليها حد الغيبة قال في الدر المختار وكما تكون الغيبة باللسان تكون أيضاً بالفعل ومن ذلك المحاكاة كأن يمشي متعارجاً أو كما يمشي فهو غيبة بل أقبح لأنه أعظم في التصوير والتفهيم إذا علم هذا فيتحتم منع هذا التمثيل والحضور فيه سيما وأنه يدعو للميل إلى المرد خصوصاً في هذا الزمان الفاسد، الذي عمت وطمت فيه المفاسد، ومن أجل ذلك كره الفقهاء إمامة الأمرد الصبيح وأما ما ادعاه البعض وأطال فيه من مدح التمثيل وبالغ فيه حتى قال أنه ورد في القرآن العظيم والحديث الشريف الحث عليه واستشهد لذلك بقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فقد حمل القرآن والحديث على غير محملهما فإنَّ المراد من هذه الآية الشريفة الاعتبار فيما نزل في الكفار وبالسبب الذي استحقوا به ذلك. وقال الأصوليون في الآية دليل على جواز القياس الذي هو إلحاق فرع لم ينص عليه بأصل منصوص عليه لا بالتمثيل المحرم وأما حديث إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فالمراد منها أخلاقه وخصاله وآدابه التي كان عليها صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله وسلم رزقنا الله التخلق والتأدب بها آمين. يحيى القلعي الجواب الخامس بقلم العلامة المحقق المفضال صاحب الإمضاء باسمك اللهم وبحمدك، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسولك وعبدك، وعلى آله وأصحابه الفائزين بأسمى قسم من ثوابك ووعدك، أما بعد فلما رأيت البحث عن التمثيل بين أهل العلم جارياً عنَّ لي أن أكتب ما يتيسر لي فيه سائلاً من الله تعالى الإعانة على

الحق وأتباعه إنه خير مسؤول ومعين. التمثيل (ويسمى رواية وكوميدة) هو لغة مصدر لمثل من باب التفعيل أي شبه الشيء بغيره عبارة اللسان مثل الشيء بالشيء سواه وشبهه به وجعله مثله وعلى مثاله وفي اصطلاح الممثلين اليوم هو تشبيه جمع من الموجودين بجمع من الماضي في أقوالهم وأفعالهم وألبستهم وقيامهم وقعودهم واجتماعهم وتفرقهم والتسمي بأسمائهم وكناهم وألقابهم والاتصاف بأوصافهم وفي مناصبهم من سلطنة ووزارة وغير ذلك لإظهار ما كان عليه المشبه به وإفهامه للحاضرين من اقتدار واستعداد واستقامة وعدمها ومن خداع ومكر واحتيال وخيانة وسوء استعمال وانهماك في اللذات وتماد في المخالفات وعكوف على الشراب وتعشق للكعاب وكيفية التحيل على وصالهن وغير ذلك من المفاسد التي لاتحصى وتبث بذور الفساد في نفوس الحاضرين خصوصاً الأحداث فهذا التمثيل المذكور محرم شرعاً شديد التحريم من وجوده لأن فيه سباً ولعناً ومنابزة وغيبة وتبذيراً أما تحريمه من حيث السب فلقوله صلى الله عليه وسلم من حديث رواه البخاري ومسلم. سباب المسلم فسوق. وأما تحريمه من حيث اللعن صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم أيضاً. لعن المؤمن كقتله. وأما تحريمه من حيث السخرية واللمز والمنابزة فلقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وأما تحريمه من حيث الغيبة فلقوله تعالى (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً) الآية. وضابط الغيبة كما قاله النووي رحمه الله تعالى. ما أفهمت بع غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرمة ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجاً ومطاطئاً أو على غير ذلك مريداً حكاية هيئة من ينتقضه بذلك فكل ذلك حرام بلا خلاف وأما تحريمه من حيث أنه يحمل على التبذير. فللنهي عنه في الآية الكريمة قال تعالى (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين) والتبذير الإنفاق في غير طاعة الله وهذا فيما إذا لم يكن فيه تشبه الرجال بالنساء أو النساء بالرجال ولم يكن فيه مرد ذوو جمال بألبسة وهيئات يزيد بها حسنهم وجمالهم ولم يكن فيه آلات لهو وطرب ولم يكن فيه هيئة اجتماع الشربة ولا غير ذلك مما

هو ظاهر التحريم وأما مع واحد من هذه الأشياء فيشتد التحريم والإثم ويعظم الفساد والجرم. فنسأل الله تعالى أن يسلك بنا سبيل الحق والرشاد ويحفظنا من البدع والزيغ والزلل والعناد آمين. دمشق أحمد الجوبري خطبة ألقاها العلامة الفاضل أحد خطباء الجامع الأموي الشيخ (حسن أفندي الأسطواني في تحريم التمثيل) قال بعد فاتحة الخطبة أيها الناس قد التبست البدعة بالسنة واختلط الأمر وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر ومظهر الحق ماله من ظهير ولا ناصر ولم يخش ذو منكر من منكر ولا زاجر والتبس الحرام بالحلال وأصبحت مدارس الدين والعلم مراسح لبث الفساد والضلال مدارس أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال لا لاستعمال التخنث واجتماع العناصر المختلفة الأشكال أما كفاهم هتكوا حرمة المدارس فأخرجوها عن صورة المعاهد والمعابد وأجروا فيها التشخيص والتمثيل والروايات زاعمين أن ذلك أمر جاء في الحديث ووارد في محكم الآيات فيا أيها الموحدون ما هذه البدع الفظيعة ما هذه الفتن الشنيعة نهيء المرد والغلمان والأطفال لتتكسر وتتلوى أمام الشباب والرجال ونعد ذلك من مكارم الأخلاق التي جاء لإتمامها رسول الملك الخلاق فيا أرباب الدين مالكم سكوت لا تتكلمون ويا أمناء الشرع أما عندكم نص يكذب مابه يفترون فالمنكرات في هذا الزمان غير منكره والمحرمات فيه شائعة ظاهرة غير مستنكرة فإنّا لله وإنا إليه راجعون فالحذر الحذر عباد الله من هذه المنكرات الذميمة والابتعاد الابتعاد عن هذه المدارس التي تفسد الأخلاق أولي الفطر السليمة فصونوا أولادكم قبل أن يحاسبكم الله إن فرطتم في أبناؤكم فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته وكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فيجب على ولاة الأمور أن يردعوا أولئك المبتدعة ضعيفة الإيمان عن إجراء أمثال هذه المنكرات.

الجواب السادس للعلامة المدقق الورع صاحب الإمضاء الحمد لله ملهم الصواب، والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وأصحابه الأنجاب، وسلم تسليماً. أما بعد فقد اطلعت في الجزء الثالث من مجلة الحقائق الغراء على النقول المتضمنة تحريم التمثيل (الرواية) للعلامتين المحققين الأستاذ الشيخ عارف أفندي المنير والأستاذ محمد أفندي القاسمي الحلاق فوجدتها وافية بالمراد، دافعة للأيراد، واقعة موقع السداد، كافية لمن تدبر وأراد، شافية لوغر الصدور من الفساد، فأسأله تبارك وتعالى أن يجعلني والمسلمين ممن وفقه إلى الرشاد، سبحانه من إله له المبدأ والمعاد. دمشق محمد نجيب كيوان الجواب السابع للعالم العلامة القدوة صاحب الإمضاء بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أيد هذا الدين بالآيات البينات، وقيض له رجالاً من هذه الأمة في كل زمان لإزالة مايورده الملحدون من الشبهات. حتى ظهر للعالمين ظهور الشمس البهية. وتحقق قوله صلى الله عليه وسلم تركتكم على بيضاء نقية. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبشر به الكتب السماوية. وعلى آله وصحبه ذوي العقول الراجحة والنفوس الزكية. أما بعد فأقول وأنا أحقر الورى وكثير الزلات بينما كنت أطالع الجزء الثاني من مجلة (الحقائق) الغراء إذ وجدت سؤالأً بإمضاء ي. ص عن التمثيل هل هو جائز أو محظور وطلب السائل الجواب من العلماء المحققين وأوضح ما رآه في بعض المدارس من شيخها وتلامذته في هذا الشأن. مما يخالف صريح السنة والقرآن. فقد صرحوا بأن هذه الهذيانات واجبة بنص القرآن العظيم والسنة المطهرة ولما رأيت ذلك أخذني من الأسف والحزن الجسيم. ما الله تعالى به عليم. وعزمت أن أكتب دواباً يدحض شبهتهم. ويزيف أباطيلهم مؤيداً بالآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة القويمة. ثم وجدت العالمين الجليلين صاحبي الفضل والفضيلة. الأستاذ العلامة الشهير الشيح عارف أفندي المنير. والأستاذ العلامة

الشيخ محمد أفندي القاسمي قد أجابا عن ذلك في الجزء الثالث من المجلة المذكورة مستدلين بالآيات الصريحة. والأحاديث الصحيحة. وأوضحا وبينا أوضح البيان. فاكتفيت بجوابهما عن الجواب. ووجدت تطفلي بعدهما إنما هو تكرار وإسهاب. على أنه لو لم يكن في هذا التمثيل المسمى بالرواية من المفاسد إلا الغيبة التي هي من الكبائر كما جنح إليه الإمام ابن حجر في الزواجر لكفى في تحريمه. وهذا بقطع النظر عما يحتوي عليه من الفظائع التي يأباها الشرع المحمدي ثم لم يكتف الممثلون بإجراء هذه المحرمات حتى جعلوها من الواجبات. ولم يشعروا بأن استحلال الحرام من المكفرات. فنسأل الله العظيم أن يوقظنا وإياهم من هذه الغفلات. مع الإخلاص في القول والعمل. وينجينا من شهوات أنفسنا والتنافس والزلل لنرى وجه الحق راضياً يبتسم. وطائر الفلاح على غصنه يترنم. ونأوى إلى ربوة ذات قرار ومعين. بها أتباع الكتاب والسنة وعلمائنا الأساطين. ونعتصم بمعصم الشريعة المسور وروضها المخضل المنور. بلغنا الله السعادة. وختم لنا بخاتمة الحسنى وزيادة بجاه سيد الأنام ومن للأنبياء والرسل ختام. دمشق (محمد راغب السادات)

التاريخ

التاريخ تابع ترجمة أبي بكر رضي الله عنه 8 فتح ما وراء الحيرة كان دهاقين ما وراء الحيرة يتربصون بخالد رضي الله عنه ما يصنع بأهل الحيرة فلما صالحهم واستقاموا له جاءُوه من كل ناحية فصالحوه عما يلي الحيرة وبعث خالد أمراءه وأمرهم بالغارة فاجتازوا السواد كله إلى شاطئ دجلة. ثم أنَّ خالداً بعد أن قضى على دولة المناذرة التي كانت تحكم العراق من قبل الأكاسرة أخذ يتمم فتح العراق فكتب كتابين أحدهما لملوك فارس وهو: بسم الله الرحمن الرحيم. من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس (أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم، ووهن كيدكم، وفرق كلمتكم، ولو لم يفعل ذلك بكم كان شراً لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجزكم إلى غيركم وإلاَّ كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة) والآخر للمرازبة وهو (بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس أما بعد فاسلموا تسلموا وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الخمر) وكان العجم مختلفين بموت ملكهم أزدشير وعدم من يولونه من بيت كسرى فلما وصل كتاب خالد اتفق نساء آل كسرى على تولية أحد أمراء فارس وهون الفرخزاد ابن البنذوان حتى يجدوا من يولونه من بيت كسرى فكانت اختلافاتهم الداخلية مما أضعف عزيمتهم وأعان عليم المسلمين. فتح الأنبار ثم خرج خالد من الحيرة قاصداً الأنبار فلما بلغها وجد أهلها قد تحصنوا وأشرفوا من على حصنهم فأنشب القتال وقال للرماة أني أرى أقواماً لا علم لهم بالحرب فارموا عيونهم ولا تقصدوا غيرها فرموا رشقاً واحداً ثم تابعوا الرمي ففقئ ألف عين فسميت ذات العيون وكان على الجند قائد اسمه شيرزاد فلما رأى أن لا قبل له بالحرب طلب الصلح على أمر لم يرضه خالد فرد رسله ثم أنه نحر ضعاف الإبل وجعلها في موضع ضيق من الخندق

حتى ردمه ومر عليها المسلمون فلما رأى شيرزاد ذلك رضي بالصلح على أن يلحقوه بمأمنه ويخلي لهم البلد بما فيها فقبل منه خالد وسيره إلى مأمنه. فتح عين التمر لما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان ابن بدر وسار إلى عين التمر وبها مهران ابن بهران جوبين في جمع عظيم من العجم وعقة ابن أبي عقة في جمع عظيم من العرب الذين كانوا يقيمون بتلك الجهات تحت حكم الأكاسرة فقال عقة لمهران دعنا وخالداً فالعرب أعرف بقتال العرب وسار نحو خالد فهجم وهو يرتب صفوفه فاحتضنه وأخذه أسيراً فانهزم جيشه من غير قتال وأسر أكثرهم وبلغ الخبر إلى مهران فهرب وترك الحصن فتحصن به المنهزمون ففتحه خالد وغنم مافي الحصن ووجد في البيعة أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل ففرقهم في الناس. ثم بعث بالفتح والأخماس إلى أبي بكر. فتح دومة الجندل لما فرغ خالد من عين التمر وافاه رسول عياض بن غنم يستمده على من بازائه من نصارى العرب بناحية دومة الجندل فعجل خالد إلى عياض بكتابه وهو (من خالد إلى عياض إياك أريد البث قليلاً تأتك الحلائب ... يحملن آساداً عليها القاشب كتائب يتبعها كتائب وسار خالد حتى نزل على دومة الجندل وعياض عليها من الجهة الأخرى فخرج الجودي الذي كان أميراً عليها إلى خالد وأخرج فرقة إلى عياض فانهزموا من الجهتين إلى الحصن فافتتح خالد الحصن عنوة وغنم ما فيه. وقعة الحصيد والخنافس قام خالد بدومة الجندل فطمع الأعاجم في الحيرة وحركهم على ذلك عرب الجزيرة ليأخذوا بثأر عقبة فخرج من الفرس جيش عظيم بقيادة روزبة وزمهر وانتهيا إلى الحصيد والخنافس فسمع بالخبر القعقاع بن عمر وهو خليفة خالد على الحيرة فبعث لها بسريتين من الجند فحالا بينهما وبين الريف ثم جاء خالد إلى الحيرة وأرسل القعقاع وأبا ليلى بن

فدكي إلى لقاء جمع الفرس بالحصيد فسارات حتى التقيا بهم فقتل من العجم مقتلة عظيمة وقتل القائدان وانهزموا إلى الخنافس فسار أبو ليلى بمن معه في أثرهم فلما أحسوا بهم هربوا إلى موضع يقال له المضيج وبه بعض عرب الجزيرة جاؤا مدداً لأهل الحصيد فكاتب خالد القعقاع وأبا ليلى وواعدهما المضيخ وسار إليهما فاجتمعوا وأغاروا عليهم من ثلاثة أوجه وهو نائمون فأكثروا فيهم القتل وهزموهم شر هزيمة ثم توجه خالد إلى بجير التغلبي وهو متجمع في جيشه بالثني فقاتله وهزمه ثم سار إلى البشر وقد تجمع به عسكر عربي ضخم فبيتهم خالد بغارة شعواء ولم يفلت منهم أحد ثم سار إلى الفراض وقد اجتمع به جمع عظيم من الفرس والروم والعرب واتفقوا على قتال المسلمين وعبروا نهر الفرات فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً فهزموهم وأكثروا فيهم القتل وأقام خالد على الفراض عشرة أيام وأمر بالرجوع إلى الحيرة وتخلف مظهراً أنه في الساق ثم توجه إلى مكة فحج ورجع ولم يعلم أبو بكر بذلك إلا بعد رجوعه ثم أنه استخلف على العراق المثنى بن حارثة وأبقى له نصف الجيش وسار بالنصف الآخر قاصداً الشام مدداً لجيوش المسلمين هناك بأمر من أبي بكر رضي الله عنه (للبحث صلة).

الإقدام والثبات

الإقدام والثبات ثمرتهما النصر والظفر أبى الله إلا أن يحالفنا النصر ... وينزل في أعدائنا الكسر والخسر أبى الله إلا أن تصان بلادنا ... ولم يفد الطليان منها ولاشبر أبى الله إلا أن تعود خصومنا ... وأيديهمو من كل فائدة صفر لوى الدهر عن روما فكان نصيبها ... لدى بغيها الخذلان والقتل والأسر أصاخت لشيطان الغرور ومادرت ... عواقب ما تأتي المظالم والمكر فيا أمة أضحت مدى الدهر عبرة ... لكل ظلوم ساقه الطيش والغدر أغركِ من الحلم فازددت خفة ... وطيشاً أثارته الوقاحة والسكر زعمت غروراً ساحة الحرب (معملاً) ... لتصنع فيه (المعكرونة) والخمر ولم تدرِ أنَّ الحرب سوق تباع في ... رحاها المنايا حيث أثمانها العمر زعمتم بني الطليان أن رجالنا ... تهاب الردى هل يرهب الأسد الزعر خسأتم ورب البيت فالحرب دأْبنا ... ويشهد في إقدامنا السهل والوعر أما وسيوف جرَّدتها جيوشنا ... لتغمد في أعناقكم إذ بدا النصر فما ساقكم عزريل إلا لتصبحوا ... ضحايا (لعيد النحر) إذا قرب النحر فذوقوا بأيدينا وبال عتوكم ... لقد برح التمويه وانكشف الستر سأَلناكمو حقن الدماء فلم تروا ... سوى سفكها والظلم مصدره الكفر فأين أساطيل لكم وجيوشكم ... سلوا البحر عنها حيث أدرى بها البحر أتيتم حمانا بالجيوش لتبلعوا ... طرابلساً والباعث الجوع والفقر فهل خلتمو تلك الولاية لقمة ... ولم تعلموها أنها لكمو قبر أردتم بأن تزودوها فكنتمو ... لتربتها زاداً وخانكمو الحزر وهل أنتمو إلا بقية فرقة ... بها مثل الحبشان دوراً له ذكر فتلك لئن أبقت عليكم فهذه ... على ملككم تقضي متى قضي الأمر غدرتم بنا والغدر فيكم سجية ... كما في وفاء العهد يذكرنا الدهر فكان مصير الغدر شراً عليكمو ... ولكنما عقبى الوفاء لنا خير

جهلتم لقانا فاستهنتم بقومنا ... فهاج عليكم بالبلا البحر والبر سلوا البيض والسمر العوالي فإنها ... تخبركم عنا الصوارم والسمر وهاهي في ذا اليوم شاهدة لنا ... بما يجتنيه الطعن والضربة البكر إذا ركعت أسيافنا سجدت لها ... رؤُوس الأعادي هيبة وانحنى الظهر فهذا لعمري دأبنا في عدونا ... كذا العرب الشم الغطارفة الغر ليحيى رشاد الدين دوماً وجنده ... وتحيى لنا الأوطان ماطلع الفجر دمشق عبد الرحمن القصار

بيان حقيقة

بيان حقيقة جاءتنا من الأستاذ العلامة الفاضل الشيخ عارف أفندي المنير مقالة يكذب فيها ما جاء في جريدة المفيد عدد 832 بإمضاء رائد حقيقة من أنه من محرري مجلة الحقائق منتقداً على الكاتب إخفاء اسمه وقال فيها ليس من اللائق أن يعتمد الكاتب على الكذب والتحامل بل اللائق أن يقابل الأدلة بمثلها وينقض ما اشتملت عليه كتابته بالأوجه المعقولة ونحن نبين لقرائنا أن ما يكتب في مجلتنا بإمضاء أصحابه الصريحة أو الرمزية فهو فكرهم وعلى عهدتهم أما كتابة أصحاب المجلة فتكون خالية من الإمضاء.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 12 النبويات قدمنا أن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام صفات كمال يجب الاعتقاد بثبوتها ويحسن بنا أن نورد الدلائل عليها تتميماً للفائدة، وتوفية لحق البحث فنقول: أما دليل وجوب اتصافهم عليهم الصلاة والسلام بالصدق فللقطع بأنهم صفوة الله من عباده وخيرته من خلقه اصطفاهم لوحيه واجتباهم لتبليغ أمره ونهيه، وبعثهم إلى الأمم مرشدين هادين مؤيدين بالآيات الواضحة والمعجزات الباهرة تصديقاً لمدعاهم وتحقيقاً بأنهم رسل الله فكان إظهار المعجزات النازلة منزلة صدق عبدي فيما يبلغ عني أكبر دليل على صدقهم. فلو جاز الكذب عليهم لجاز الكذب على الله تعالى لأن تأييد الكاذب تصديق له. وتصديقه كذب. وهو محال عليه تعالى وأيضاً لو جاز الكذب عليهم لضعفت الثقة بهم لعدم اطمئنان القلوب لأخبارهم، وارتياح النفوس لأقوالهم فتذهب الحكمة من بعثتهم. وقد ضرب العلماء رضي الله عنهم مثلاً تتضح به الدلالة على صدق الرسل فقالوا مثال ذلك ما إذا قام رجل في مجلس ملك بمرأى منه ومسمع بحضور جماعة وادعى أنه رسول هذا الملك إليهم فطالبوه بالحجة فقال هي أن يخالف الملك عادته ويفعل كذا ففعل فلا شك أن هذا الفعل من الملك على سبيل الإجابة للرسول تصديق له ونازل منزلة قوله صدق هذا الإنسان في كل ما يبلغ عني. إذا تبين هذا فلا بد من الاعتراف بوجوب الصدق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام في القول والفعل والإرادة والعزم وفي تحقيق مقامات الدين كلها كالتوكل والإخلاص وغيرهما. وأما دليل وجوب الأمانة ويرادفها العصمة فلأنه لو جاز عليهم أن يخونوا الله تعالى بفعل محرم أو مكروه لكانت أممهم مأمورين به لأن الله تعالى أمرهم باتباعهم في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم وهو تعالى لا يأمر بمحرم ولا لكروه (إنَّ الله لا يأمر بالفحشاء) ومن المتفق عليه عندنا وعند أهل الكتاب أن الأنبياء هم سادات البشر وأشرفهم وأفضلهم أحبهم إلى الله وأعلاهم منزلة لديه وأطهرهم من كل رجس يشينهم ولا شكّ أنه تعالى ما اتخذهم وسائط

بينه وبين خلقه حتى صفى سرائرهم من الكدورات البشرية والرعونات النفسية إلى درجة لأن يتلقوا الوحي عنه بالإلهام وتارة بواسطة الملك النوراني الذي يرسله إليهم فيختلط بأرواحهم وينفث في قلوبهم ما أمره الله به من الأحكام والأخبار فأرواحهم إذا لم تكن في غاية من الطهارة والصفاء كيف يمكنها أن تتلقى الوحي من الله وتستأهل منصب النبوة الذي ليس فوقه منصب. وأما دليل وجوب التبليغ فلأن وظيفتهم الإرشاد والتعليم والترغيب إلى الفضائل والترهيب عن الدنايا وتبيين الحدود والأحكام التي أمروا بتبليغها عن ربهم فلو كتموا شيئاً مما أمروا بتبليغه لأدى ذلك إلى نقص في وظيفتهم ولكانت جميع أممهم مأمورين بكتمان العلم لأن الله تعالى أمر العباد بالاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم وحذر من الكتمان بقوله (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) وكيف يتصور كتمان شيء مما أمروا بتبليغه وقد أنزل الله على إمامهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم (يا آيها الرسول ما أنول إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) أي إن لم تبلغ بعض ما أمرت بتبليغه فحكمك حكم من لم يبلغ شيئاً منها. وأما دليل وجوب الفطانة فلأن الله تعالى وهبهم من قوة الذكاء وسمو المدارك وأصالة الرأي ووفور العقل وثقوب الفهم ما به يتمكنون من إلزام الخصوم وإقامة الحجج الدامغة لدحض دعاوي أهل العناد فلو كانوا متسمين بالبلاهة والغباوة لما تكنوا من نصب الدلائل الواضحة والبراهين القوية لاحجاج الملحدين، ونسف صروح المتعنتين، ومما يرشدنا إلى أنهم عليهم الصلاة والسلام كانوا على جانب عظيم من الذكاء والفطنة ولهم المكانة العليا والقدم الراسخ لإقامة الحجة وإظهار الحق قوله تعالى (وتلك حجتنا آتينا إبراهيم على قومه) وقوله (يا نوح قد جادلتنا) وقوله (وجادلهم بالتي هي أحسن) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اقتدارهم لمجادلة أهل الكفر والطغيان ومقارعتهم بالحجة والبرهان حتى يفوزوا بالانتصار ويسجلوا على أعدائهم الخذلان والبوار. وأيضاً فإن الغباوة والبلادة من صفات النقص التي لا يرتضيها أقل الناس لنفسه فضلاً عن الأنبياء الكرام المنزهين عن النقائض المتصفين بأسمى صفات الكمال التي تليق بهم. ما يجوز للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجوز في حقهم سائر الأعراض البشرية كالأكل والشرب والنوم والجماع وغير ذلك مما لا يؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية وذلك لأنهم من البشر فيجوز عليهم من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر وهذا كله ليس بنقيضة فيهم لأن الشيء إنما يسمى ناقصاً بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه وقد كتب الله على أهل هذه الدار فيها يحيون وفيها يموتون ومنها يخرجون وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض سيد الرسل صلى الله عليه وسلم واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقه الغضب والضجر وناله الإعياء والتعب ومسه الضعف والكبر ثم قضى نحبه وتشرف بروحه الرفيق الأعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى وهذه سمات البشر التي لامحيص عنها وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبين أمرهم ويتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم كما ضل بعض الأمم باعتقادهم بأنبيائهم الألوهية. وليكون ابتلاؤهم تسلية لأممهم ووفوراً في أجورهم عند ربهم. إنَّ هذه الطوارئ والتغييرات المذكورة إنما تختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجنس وأما بواطنهم فمنزهة عن ذلك ومعصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذهم عنهم وتلقيهم الوحي منهم. (يتبع)

السنوسيون

السنوسيون كنا كتبنا في هذا الصدد نبذة عن طرابلس الغرب وبرقة وقد رأينا الآن في المقتطف الأغر شيئاً عن السنوسيين أحببنا أن نثبته في مجلتنا لما سيكون لهم من الشأن في الحرب القائمة الآن بين الدولة العلية وإيطاليا. قال ينسب السنوسيون إلى زعيمهم الأول السيد محمد بن علي بن السنوسي الخطَّابي الحسني الإدريسي المهاجري وهو من قبيلة ولد سيدي عبد الله ويتصل نسبه بالحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب. ولد سنة 1205 للهجرة وقيل 1217 في مستفانم من أعمال الجزائر ونشأ بها وطلب العلم بمدينة فاس ولما بلغ الثلاثين من عمره ارتحل عنها وأخذ يجول في الصحراء إلى الجنوب من الجزائر يعظ الناس ويحثهم على الصلاح والتقوى. ثم سار إلى تونس وطرابلس وبرقة ومصر وانتقل من مصر إلى مكة فلقي بها السيد محمد بن إدريس الفاسي المشهور بالعلم والصلاح وأخذ عنه الطريقة الصوفية فبرع فيها وأذن له أستاذه بإعطاء العهود وتلقين الذكر فبنى زاوية بجبل أبي قبيس قرب مكة وأقام فيها زمناً. ولقي في مكة محمد شريف من أمراء ودّاي وكان قد قدمها حاجاً فتمكنت عرى الصداقة بين الاثنين وصار محمد شريف من أشد أنصاره فيما بعد. وسافر من مكة إلى نجد ولقي بها علماء الوهابيين فارتاب فيه علماء مكة بسبب ذلك وخاصموه. فلما رأى أن أعداءَه قد كثروا في مكة رحل إلى برقة سنة 1255 وأقام في الجبل الأخضر وبنى فيه زاوية قرب درنة سماها الزاوية البيضاء وهي أو زاوية أنشأها في إفريقية وبقي في الجبل الأخضر سبع سنوات مشتغلاً بإقراء الحديث والفقه فطار صيته وهرع الناس إليه للأخذ عنه ثم سار إلى مكة وأقام فيها زمناً وعاد إلى الجبل الأخضر بطريق القاهرة. وكان محمد شريف قد صار سلطاناً على ودّاي والمكاتبة متواصلة بين الاثنين. أما الحكومة العثمانية فلم يرق لها النفوذ الذي وصل إليه السنوسي فأحس السنوسي بذلك وانتقل إلى واحة جغبوب على ثلاثين ميلاً من واحة سيوه وبقيت فيها إلى أن توفي في 9 صفر سنة 1276 ودفن هناك. وخلفه ابنه الأصغر السيد محمد المهدي السنوسي وكان عمره أربع عشرة سنة فقام بنشر طريقته ومعه أخوه الأكبر السيد محمد شريف وعمره خمسة عشرة سنة وحولهما جماعة من المريدين يتولون أمرهما. ونال السيد محمد المهدي شهرة أبيه في الصلاح والتقوى فكثر مريدوه لاسيما في برقة وطرابلس وودّاي. وتوفى محمد شريف سلطان وداي سنة

1858 م فخلفه السلطان علي ثم السلطان يوسف وكان الثلاثة أشد أنصار السنوسية. وقويت السنوسية كثيراً في أيام السيد محمد المهدي فكانت زواياها منتشرة من الغرب الأقصى إلى الهند ومن وداي إلى الأستانة لكنها لم تتمكن من مزاحمة الطرق الأخرى في الهند والممالك العثمانية. وهذه الزوايا كثيرة جداً في الصحراء الكبرى وشمال أفريقية وفي كل زاوية خليفة يدير شؤونها ويبايع الناس فيها ويعلم أولادهم القرآن ومبادئ العلوم ويقتني الماشية ويشتغل بالزراعة بمساعدة المريدين فينفق على الزاوية وما فضل يرسله إلى شيخه السنوسي فصار محمد المهدي كأنه ملك يجبى إليه الخراج. ولما قام محمد أحمد المهدي بدعوته في السودان أوفد إليه السنوسي رسولاً بطريق ودّاي يستعلم منه عن دعوته فوصل الرسول بعد استيلاء المهديين على الأبيض ورأى من القتل والسلب ما اشمأزت منه نفسه وما لا ينطبق على مبادئ السنوسيين فعاد وأخبر بما رأى فعزم السنوسي على أن لا يكون له أقل تعلق بمهدي السودان وكتب إلى سلاطين وداي وبونو وغيرهما يحذرهم من الانتصار له. وكتب إليه المهدي كتابين طلب منه في أحدهما أن يكون أحد خلفائه الأربعة وفي الآخر أن ينصره على الحكومة فلم يرد عليه جواباً. ومازال السنوسي يزداد نفوذاً حتى خاف السلطان عبد الحميد عاقبة الأمر وبث عليه العيون والأرصاد فأحسّ السنوسي بذلك وارتحل سنة 1894 م إلى واحد الكفرة في الصحراء الكبرى بعيداً عن الحكومة ثم انتقل سنة 1900 إلى قروفي دار قوراني من أعمال ودّاي فلقيه أهاليها بكل ترحاب وبنى زاوية هناك في مكان حصين على رأس أكمة وأقام فيها. وكان الفرنسويون قد تقدموا في البلاد ففتحوا برنو سنة 1900 وقتلوا سلطانها رابح الزبير ثم فتحوا باقرمى فحاول السنوسي أن يمنعهم من الاستيلاء على بلاد كانم وهي في الصحراء إلى الشمال الشرقي من بحيرة تشاد وكان له فيها زاوية في مكان حصين فزحف عليها الفرنسويون سنة 1903 م وفتحوها عنوة فاغتمَّ لذلك كثيراً ومات في 30 مايو من السنة نفسها فوضعت جثته في تابوت صنع لها في قرو ونقلت إلى زاوية التاج وهي الآن في خيمة هناك. وخلفه ابن أخيه واسمه أحمد شريف ويقيم الآن في واحة الكفرة بعيداً عن الفرنسو يين. ولا يعرف عدد السنوسيين تماماً لكن أكثر أهالي طرابلس وبرقة والجانب الشرقي من

الصحراء الكبرى وودّاي سنوسيون ومنهم عدد ليس بقليل في تونس والجزائر وبرنو ودارفور والجانب الغربي من الصحراء. فهم قوة كبيرة لا يستخف بها.

مقالة خيالية

مقالة خيالية في المفاضلة بين الشريف الرضي وأبي الطيب المتنبي للعالم الفاضل صاحب الإمضاء وإذا قال في الرثاء أربي على الخنساء واستدر ماء السماء من الصخرة الصماء فمن ذلك ما رثى به جده سيد الشهداء ونعى أفول شمسه بمغرب كربلاء: كربلا لا زلت كرباً وبلا ... مالقي عندك آل المصطفى كم على تربك لما صرعوا ... من دم سال ومن دمع جرى من قصيدة جمعت بين الطول والطول وسلبت بخمرة رقتها الألباب والعقول وإذا قام رائع نظمه مبرزاً مساوي خصمه حسبت أن كل نقيصة إلى خصمه تعزى فمن ذلك مالو نزل بيلملم لانهار صلد هضابه وتهدم أَأَنقل بيتي في البلاد مجاورا ... بيوت المخازي قد ضللت أذن جدا خياماً قصيرات العماد تخالها ... كلاباً على الأذناب مقعية ربدا إذا عزّ ماء بينهم وردوا القذى ... وإن قل زاد عندهم مضغوا القدا ترى الوفد عن أعطانهم وقبابهم ... من اللؤم أنأى من نعامهم طردا أّأترك امطاء السوابق ضلة ... واستحمل الحاجات أحمرة قعدا وإذا جاء عائباً فوق سهماً صائباً. يلذع بحمئه فؤاد صديقه. ويكاد من الخجل يغص بريقه. فأصخ لما يتلى من آيات كتابه. وانتشق ما يتضوع عليك من نشر ملابه. لأتاني وممطول من النأْي بيننا ... قوارص تنبو بالجفون عن الغمض ومولى ورى قلبي بلذعة ميسم ... من الكلم العوراء مضاً على مض فعذرا لأعدائي إذا كان أقربي ... يشذب من عودي ويعرق من غضى إذا ما رمى عرضي القريب بسهمه ... عذرت بعيد القوم أما رمى عرضي واستضيء بمشكاة التحقيق وشمس المعرفة. إن سلافة إطرائه ممزوجة بماء الأنفة. ترى مياه مدائحه في رياض العظماء سائلة. ويد عفته تأنف أن تكون مما سوى الله سائلة. فإن شئت أن تملأ فكرك من سلسال إطرائه. فإليك قوله وهو قطرة من هامر أنوائه: ولولا ابن موسى لم يكن في زماننا ... معاذ لجان أو محل لطارق

إذا هم لم يبعد به زجر زاجر ... وإن ثار لم يعطف به نعق ناعق وإن رام أملاك البلاد بفتكه ... مشى الذل في تيجانها والمناطق له العز والمجد التليد وراثة ... وأخذاً من البيض الظبا والسوابق ولو جر عليك نسيم نسيبه ذيول لطافته. لحكمت بعزل عنر بن ربيعة أمير الغزل من خلافته. وإن أحببت أن تجني من بنفسج عذاره. أو تتمتع ولك الحظ الأوفر من شميم عراره. فارتع في رياض مقاله. وتفيَّ في نعيم ظلاله. قال: وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم وأمست الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الربط واللمم واكتم الصبح عنا وهي غافلة ... حتى تكلم عصفور على علم وأَلثمني ثغرا ما عدلت به ... أري الجني ببنات الوابل الرذم فهذه شذرة من نفثات سحره. ونبذة من فنون شعره. فأنعم النظر في وجوه مخدراتها. وتأمل آيات محاسنها. ومحاسن آياتها. يظهر لك أن نظمه في أنوار الأدب النرجس والورد. وتحكم بأن له رآسة القريض من قبل ومن بعد. إليك فقد أبرزت خود قريضه ... فقل لي هداك الله هل أنت قانع قريض يفوق الشمس في رونق الضحى ... بهاء ولكن نوره الدهر ساطع بلابل نظم في رياض معارف ... على فنن الآداب هن سواجع أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع قلت: لقد سرحت طرف الطرف في مخضل حدائقه. وأجلست عرائس الفكر على منصة رقائقه. فما جال في حلبة خلدي إلا ما ركنت قبل إليه. ولا مال قلب اعتقادي إلا إلى ما عولت عليه. وسأورد من سلساله ما يبطل تيمم الخاصر بصعيد الرضي الطيب. وأبرز من شموس بدائعه ما يوجب الشهادة أن الشاعر أبو الطيب. فقرطق أذنك بشنون نظمه تعلم أن أحمد شعر شعر أحمد. وأرشف بفم السمع رضاب ظلمه وسوف تقول العود أحمد. أما الفخر فهو باري قومه. والمطلع من أفق الخدر عروس شمسه وليس لغيره عنده بدان ولو سجد له الفرقدان وإليك فشم بارقة قوله واهتد بنجوم طوله:

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا ... بأنني خير من تسعى به قدم أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ... ويكره الله ما تأتون والكرم ما أبعد العيب والنقصان من شرفي ... أنا الثريا وذاك الشيب والهرم وإذا جرد على أحد عضب لسانه. وفوق من قياس فكرته نبال بيانه زلزل قواعد جسمه بصواعق ألفاظه المحرقة. وقلقل دعائم جرمه بسطوات معانيه المرعدة المبرقة. فيتخيل لك أن المثالب هيولى والمهجو لها صورة. وتتوهم أنه محمول الخزي والقضية محصورة. إني نزلت بكذابين ضيعهم ... عن القرى وعن الترحال محدود جود الرجال من الأيدي وجودهم ... من اللسان فلا كانوا ولا الجود ما يقبض الموت نفساً من نفوسهم ... إلاَّ وفي يده من نتنها عود وإذا خلع على شخص إزار عتابه. وأذاقه لباس اللوم والتعنيف من صاب خطابه. عثر في ذيلي الحياء والخجل. وشجى بما يسيغ من هبيد الحنظل. فألق السمع لتشهد قوله. يعاتب في بعض أغراضه سيف الدولة: يا أعدل الناس إلاَّ في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم ولو لمحت بارقة المديح من ساطع أنواره. ورشفت جرعة الإطراء وإناء أفكاره. أبيت الاستضاءة بنور ذكاء. وأنفت أن تستمد من ضوء الكهرباء. ولن ترفع يد العفة من جانب الإطراء. إذا لم يكن له على معراج الفضل إسراء. وهو على ما فيه من الحوار. أمر خارج عن مفاضلة الأشعار. كما أن الشرف والنسب. ومكارم الأخلاق والحسب. لاتفيد في رفعة القول أو خفضه ولا تجدي نفعاً في تفضيل بعض الشعر على بعضه (كقوله): ملك سنان قناته وبنانه ... يتباريان دماً وعرفاً ساكبا كالبحر يقذف للقريب جواهراً ... جوداً ويبعث للبعيد سحائبا وقوله: ليس التعجب من مواهب ماله ... بل من سلامتها إلى أوقاتها

أعيى زوالك عن محل نلته ... لاتخرج الأقمار من هالاتها ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ... أنت البديع الفرد من أبياتها وقوله: أرى كل ذي ملك إليك مصيره ... كأنك بحر والملوك جداول إذا أمطرت منهم ومنك سحابة ... فوابلهم طل وطلك وابل وقوله: فجائت به إنسان عين زمانه ... وخلت بياضاً خلفها ومأقيا قال الثعالبي وهذا أحسن ما يمدح به ملك أسود ولا منتهى لحسنه وشرف معناه وجودة تشبيهه وتمثيله. آه ولو هصرت خصور الغزل من غضون أساليبه. وأرشفت رضاب النسيب من مبسم أعريبه لبادرت باللوم والتأنيب على من قال تشبيب جميل جميل التشبيب ولعلمت أنه يسبح وحده وكثير عزة من بعض جنده وإليك ماسجع به غريد حمائمه وهب على قامات الأفنان لطيف تسآئمه. سفرت وبرقعها الحياء بصفرة ... سترت محاسنها ولم تك برقعا وكأنها والدمع يقطر فوقها ... ذهب يسمطي لؤلؤ قد رصعا كشفت ثلاث زوائب من شعرها ... في ليلة فارت ليالي أربعا واستقبلت قمر السماء بوجهها ... فأرتني القمرين في وقت معا وها أنا قد صدءت بمهند الحق امتثالاً لآية (فذكر) فيالك لوقفت موقف الإنصاف ونظرت بعين المتفكر فترى سحب وابله تزرى بسحبان وائل ونسيم شمائله يسحب ذيل الاختيال على الأواخر والأوائل وهذه نغبة طائر من تيار معارفه ولمعة بارق من أنوار طرائفه فكن حول كعبة لطائفه طائفاً واستظل بظل عارفه وارفاً. أيا من بتفضيل القريض ينازع ... تأمل فبدر الحق للعين ساطع لأحمد نظم لويشير بطرفه ... إلى الشمس أغضى نورها وهو خاشع وإن ضاع نشر من ملاب قريضه ... فدع كل طيب فهو لاشك ضائع سيدري من المغبون منا ومنكم ... إذا اقترفت عما تقول المجامع) قال:

أراك ذكرت المحاسن وأعرضت عن المثالب كأنك لم تر ما أشار إليه ابن العميد وصدح به الصاحب ويالهما من شهيدين ملكاً في شرع الأدب نصاب العدالة ويالهما من فاضلين من شرق الفضل قرن الغزالة. قلت: لقد علمت ماغريا به من مذمة أقواله. ووجداه مر الطعم من عذوبة سلساله. ولاسيما ماقاواه به الصاحب وطاوله. وباراه من إظهار مساويه وحاشا أن يشاكله. وقد نشأ ذلك عن أسباب نقلت إلينا بصحيح الأخبار. وصرح بها جهابذة الأئمة متواترة الآثار. وكان الأجدر به الشكر لما أسدى إليه من الاستعانة بمعانيه. والحري به أن يبرز خرائد المحاسن من خدور مبانيه فقد ذكر الثعالبي نبذة من استعانة الصاحب بفرائده. وشذرة تحلى بها جيدة من دراري قلائده. ولولا الإطالة لأوردت منها ما حلال وطاب. وشهد على الصاحب أنه بها عد واحد الكتاب. ووما عابه عليه وأزرى قبح المطالع مع أنها بالحس أحرى قوله: كفى بك داء أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن تكن أمانيا ولم يدر أن ذلك كان لامور. كما يظهر لك بإيراد مدائح كافور. ولقد حمل التحامل ابن العميد على أن قال وأغرب في المقال في قوله: فترى الفضيلة لاترد فضيلة ... الشمس تشرق والسحاب كنهوراً بعد أن أطرق ملياً يفكر فيه. ويتأمل فحوى ألفاظه ومعانيه. هذا يعطلنا عن المهم المعقول وما كان الرجل يدري ما يقول. فانظروا حياكم الله وبياكم. وأسعد الأنام بطلعة محياكم. هل هذا إلاَّ قصور عن فهم كلام البلغاء. إن لم نقل سلوك طرق التعصب في ليلة الضغائن الليلاء. إذ مثل هذا البيت لا يخفى على من هو في مرتبة الأدب أدنى فضلاً عمن حاز الدرجة القصوى. فكان قاب قوسين أو أدنى وإني تحدثاً بنعمة علام الغيوب. مستمد للأجوبة عن كثر ما نعياه عليه من العيوب. وبلم يبق إلاَّ النزر القليل وهو مما لا يخلو عن أمثاله إن فتشت نبيل. ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعدّ معائبه قال: ما هذا الانتصار الحامل على غمص حق الأفاضل. والاعتذار الذي هو عن مناهج القبول

بمراحل. والأزراء على من له في الأدب القدم الراسخ. والحط من رتبه من نار فضله في رأس علم شامخ. وما ذكرت وإن كان بعضه يزري بفرائد الترائب. ولكن لايمس بجانب ابن العميد ولابفضل الصاحب. ولولا ضياع الوقت بما لا يفيد. لا وردت مما نقما عليه جملة ما كنت منها تحيد. لكن أخال أن جواد تسليك جموح القياد. ودون الاستيلاء على عاصمة فكرك خرط القناد. على أني سأفرغ لك أيها الصديق ثانياً. وأخلد على صفحات الدهر من مساويه ذكراً باقياً. قلت: لم أكن لأجيبك بعد هذا إلا بالإحكام إلى ركين. فيرى أهل التمييز إذن (أنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) لكن من رفض التحكيم بعد وصوله إلى دائرة الاستئناف قضي عليه بأنه من الخوارج بإجماع ذوي الإنصاف. ولم يكن لنا حكم نركن إليه. ونعول بإبراز حقيقة دعوانا عليه. سوى رئيسنا العلامة النحرير. وأستاذنا النقاد البصير. فيصل أهل العلم وفرقانها وحاتم ذوي الأدب وديانها. هو التكلامة الحبر الذي شهدت ... بأنه الفرد بدو الخلق والحضرا حبر به ربحنا بحر لمغترف ... رحب الخلائق غيث يمطر الدررا تنوير البصائر والأبصار وملتقى أبحر الفضائل وجوهر درها المختار هو الإمام الذي لولاه ما سطعت ... شمس العلوم ولا بدر العلا ازدهرا ولا رأيت لسان العرب لاح لنا ... وقد نضا عن محيا فجره الخمرا فذهبنا إليه، ورضي كلانا بحكمه والتعويل عليه، فقال حفظه الله: سأقضي قضاءً يشهد العقل أنني ... به لم أكن عن مذهب الحق عادلا قضاء عليم لايجابي بحكمه ... ولم يخش في كشف الحقيقة عاذلا هما ما هما في الشعر لكن أحمدا ... له قصبات السبق إن كان صائلا وإن يهج أو يمدح تجد كل ناظم ... وإن كان ذا عقد من الفضل عاطلا تفرد بالأمثال والسهل سبكها ... ولكنها تعيي أرسطو الحكيم الحلا حلا فلو كان في عصر الفلاسفة الأولى ... رأيت ابن سينا خلفه متضائلا حوت حكماً كالدر لكن ضوءها ... إذا ما بدا شمت الدراري أوافلا

أضاءت على الدنيا عموماً ولاترى ... بها الظل في نفي الإضاءة عاملا دع الدر عقداً للعذارى فهذه ... أعز وأسنى إذ تحلي الأفضلا لها نفثة الألفاظ من سحر بابل ... ولطف معانيها يريك الشمائلا وأن يخترع خرت أولو اللب سجدا ... وإن يتبع في النظم فاق الأوائلا ولاتنس أفضال الشريف على الورى ... ومنيجتري أن ينكر البدر كاملا إذا ما جرى في حلبة الفخر لم يدع ... بكرته سحبان وائل وائلا فمن رام نيل الدر غاص ببحره ... وخلى ثماداً خلفه وجداولا معان إذا ماست بإبراد سنها ... تحرت سويداء القلوب منازلا بقالب ألفاظ ترى كل قالب ... لما قبله حسناً وسبكاً مساجلا كأن قد خلا مما يعاب وغيره ... له من رديء الشعر ماقد هوى إلى فرد كل وادٍ من أيادي قريضه ... تر الحسن من تلك المسائل سائلا فهذا قضائي في الشريف وأحمد ... تراه إذا ما تبتغي الحق فاصلا فما الصلتاني الذي قد علمتم ... يساميه لما قام بالحكم قائلا جرير مسود للفرزدق نسبة ... كما أنه يسمو الفرزدق صائلا وما أنا كالأعشى لدى قام حاكماً ... وكان بهذا الحكم والله جاهلا لقد قدم المفضول في الناس رتبة ... وآخر من قد كان في الناس فاضلا دمشق محمد أبو الخير الطباع

التاريخ

التاريخ تابع ترجمة أبي بكر رضي الله عنه 9 فتوح الشام جهز أبو بكر رضي الله عنه أربعة جيوش لفتح الشام وذلك بعد رجوعه من الحج سنة ثلاث عشرة على أحدهما عمرو بن العاص ووجهه إلى فلسطين وعلى ثانيهما شرحبيل بن حسنة ووجهه إلى الأردن وعلى الثالث سزيد ابن أبي سفيان ووجهه إلى البلقاء وأتبعه بأخيه معاوية وعلى الرابع أمين هذه لأمة أبو عبيدة بن الجراح ووجهه إلى حمص فسارت الأمراء على بركة الله وكان أبو بكر يودعهم ماشياً ويوصيهم بما فيه صلاح دنياهم وأخراهم وكان مما قاله ليزيد أني قد وليتك لأبلوك وأجربك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي يرى من ظاهرك وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظت فأوجز فإنَّ كثير الكلام ينسي بعضه بعضاً وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلاة لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهو جاهلون وأنزل في ثورة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولى لكلامهم وإذا استشرت ماصدق الحديث فصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبلك واسمر الليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأخبار وتنكشف عندك الأستار وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجنَّ فيها ولا تسرع إليها ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده ولا تجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء ولا تجبن فيجبن الناس واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. فلما وصل الأمراء إلى الشام نزل أبو عبيدة الجابية ويزيد البلقاء وشرحبيل الأردن وعمرو

بن العاص العربة من أرض فلسطين فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى ملكهم هرقل وكان بالقدس فقال أرى أن تصالحوا المسلمين فوالله لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقى لكم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكم من أن يغلبوكم على بلاد الشام ونصف بلاد الروم فعصوا أمره فسار حتى نزل حمص وأعدَّ الجيوش والعسكر وسير لكل أمير جيشاً يفوق جيشه عدة فهابهم المسلمون فشاوروا عمرو بن العاص فأشار عليهم بالاجتماع لكثرة عدوهم فكاتبوا أبا بكر بذلك فأشار عليهم بمثل رأي عمرو وقال أن مثلكم لا يؤتى من قلة وإنما تؤتون من كثرة الذنوب فاحترسوا منها كلمة قالها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحانه تكون النصرة له مهما كثف جيش العدو وتضاعف. والعاقبة للمتقين. وقعة اليرموك فاجتمع الأمراء باليرموك والروم أمامهم وبين الفريقين خندق فكان الروم يقاتلون ويحتجزون بالخندق فأقاموا كذلك ثلاثة أشهر حتى طلع عليهم خالد بن الوليد في ربيع الآخر بجيشه الذي جاء به من العراق وهو تسعة آلاف وكان جيش الأمراء سبعة وعشرين ألفاً فصاروا ستة وثلاثين ألفاً وصادف وصول ماهان أحد قواد الروم بجيش عظيم مدداً للروم فكان جيش الروم مأتين وأربعين ألف مقاتل منهم ثمانون ألفاً مقيد وأربعون ألفاً مسلسل للموت وأربعون ألفاً مربوطون بالعمائم لئلا يفروا وكان المسلمون يقاتلون متساندين أي كل أمير على أصحابه فجمعهم خالد وخطبهم وبين لهم الخطأ في قتال كل أمير على حدة وأشار عليهم أن يتأمر كل يوم واحد منهم على الجيش كله وأنه يكون الأمير عليهم أول يوم فأطاعوه وأمروه فخرجت الروم في تعبية لم ير الراؤون مثلها وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك فإنه جعل الجيش كراديس (أي كتائب) كل كردوس ألف رجل وقال أن العدو كثير وليس تعبية أكثر في نظر العين من الكراديس فقال له رجل ما أكثر الروم وأقل المسلمين فقال له خالد ما أكثر المسلمين وأقل الروم إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان والله لوددت أن الأشقر (يعني فرسه) براء من توجيه وأنهم أضعفوا في العدد وكان قد حفي في سيره من العراق إلى الشام ثم أنشب خالد القتال فاقتتل الناس والتحم الفريقان وأظهر خالد في ذلك اليوم من الشجاعة الإسلامية ما يعجب منه ثم إن الروم حملوا حملة أزالوا بها المسلمين عن مراكزهم فنادى عكرمة من يبايع على الموت

فبايعه أربعماية من وجوه المسلمين وقاتلوا قتلاً شديداً وخاض خالد بالقلب حتى حال بين خيل المشركين ورجلهم فانهزم الفرسان ففتح لهم المسلمون طريقاً للمرور ليبعدوهم عن الرجالة وهجموا على الرجالة فهزموهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً وكانت هذه الموقعة من أشد المواقع اشترك فيها نساء المسلمين فقاتلوا قتال الأبطال وانتهى الأمر بهزيمة المشركين وفي أثناء القتال حضر بريد المدينة فأخذته الخيول وسألوه الخبر فأخبرهم بسلامة وإمداد والحال أنه جاء بموت أبي بكر رضي الله عنه وتولية عمر بن الخطاب الخلافة وعزل خالد بن الوليد وتولية عبيدة رضي الله عنه رئاسة الجيوش فأصلوه إلى خالد فأخبره الخبر سراً وبين له ما أخبر به الجند فقال أحسنت وأخذ الكتاب فخبأه ولم يبلغ الخبر إلى الجيش إلاَّ بعد أن انتهت الموقعة. وفاة أبي بكر واستخلافه عمر رضي الله عنهما حم أبو بكر رضي الله عنه لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة ليلة الثلاثاء سنة ثلاثة عشرة فمكث خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة فلما ثقل عليه المرض استشار الصحابة في استخلافه عمر فدعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرني عن عمر فقال أنه أفضل من رأيك إلاَّ أنه فيه غلظة فقال أبو بكر ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضي الأمر أليه لترك كثيراً مما هو عليه وقد رمقته فكنت إذا غضبت على الرجل أراني الرضا عنه وإذا لنت له أراني الشدة عليه ودعا عثمان بن عفان وقال له أخبرني عن عمر فقال سريرته خير من علانيته وليس فينا مثله فقال أبو بكر لا تذكرا مما قلت لكما شيئاً ولو تركته ما عدوت عثمان والخيرة له أن لايلي من أموركم شيئاً ولوددت أني كنت من أموركم خلوا ودخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال استخلفت على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيف به إذا خلا بهم وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك فقال أبو بكر أجلسوني فأجلسوه فقال أبا لله تخوفني خاب من استزاد من أمركم بظلم إذا لقيت ربي فسألني قلت اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت لك من وراءك ثم أحضر عثمان وأملى عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة محمد صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة التي يؤمن فيها الكافر، ويوقن فيها الفاجر أني استخلفت

عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً فإن صبر وعدل فذلك علمي به وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت، ولكل إمرء ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ثم ختمه بخاتم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به فقرء على المسلمين وقد أطل عليهم فقال لهم أترضون من أستخلف عليكم فإني والله ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة فاسمعوا وأطيعوا قالوا سمعنا وأطعنا ثم دعا عمر وأوصاه ولما خرج من عنده رفع أبو بكر يديه وقال اللهم أني لم أرد إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأياً فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضر لي من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلح اللهم ولاتهم واجعله من خلفائك الراشدين وأصلح له رعيته. ثم أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تغسله زوجته أسماء وابنه عبد الرحمن وكتب وصيته بخمس ماله ثم ترك الدنيا غير آسف عليها وكان آخر كلامه (رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر. هذا ما أردنا ذكره من ترجمة أبي بكر رضي الله عنه وقد اعتمدنا فيها صحيح الكتب التاريخية كتاريخ الملوك والأمم لابن جرير الطبري وتاريخ الكامل لابن الأثير وتاريخ المبتدأ والخبر لابن خلدون والرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري وإتمام الوفاء للعلامة الخضري وغيرها ولم نأل جهداً في اختصار ما يلزم اختصاره وانتقاء ما يسهل فهمه مع حذف ما تكرر وتوضيح ما أشكل وجمع ما تفرق وكثيراً ما بينا وجوه العبر واستنهضنا همم المسلمين للاقتداء بسلفهم الصالح وشرحنا المواضع التي يجب أن نعتبر بها ونسير عليها. والاستمداد من كتب التاريخ معروف غير منكور لمؤرخي هذا العصر وغيرهم وماذا يفعل من يكتب تاريخاً مضى عليه ثلاثة عشر قرناً هل يمكنه أن يستغني عن الاستمداد من غيره؟ هذا ابن الأثير من متقدمي المؤرخين العظام قد نقل عن ابن جرير وغيره كثيراً من الحوادث بالحرف ولم ير بأساً في ذلك وهذا أشهر المشاهير قد غلب عليه اعتماد ابن الأثير حتى أنه قد ينقل منه صحائف متوالية ولم يعب عليه أحد ذلك. هذا وقصدنا من نشرنا تاريخ أبي بكر رضي الله عنه أن يطلع الناس على سيرة سلفهم الصالح ليقتدوا بهم لعلّ الله أن يهب المسلمين روحاً جديدة فيعملوا على مقاومة هذه

الكوارث التي كادت أن تكون آية الاضمحلال ولا يكون ذلك إلاّ برجوعهم إلى الدين والاطلاع على تاريخ أمثال هؤلاء المصلحين.

وفاء وعد وأداء جائزة

جاءنا من العالم الفاضل الغيور صاحب الإمضاء ما يأتي: وفاء وعد وأداءُ جائزة صباح هذا اليوم قمت في مقامي تجاه الضريح الأعطر وبعد الصلاة والتسليم قلت: يا سيدي يا رسولا الله تعلم أني اقترحت على محبيك تشطير البيتين المقولين في مديحك ووعدتهم بأن تكون جائزة كل منهم إنشاد ما يقول في أعتابك الطاهرة فأتى كل منهم بما استطاع وها أنا موفٍ لهم بوعدي فأتوسل إليك بصاحبيك هذين وبسائر أصحابك وآل بيتك أن تجيز كلا منهم ليس بقدر ما يليق به ويستحق بل بقدر ما يليق بجودك ويناسب مقامك القدسي عند ربك. فابتديت من الشيخ محمد المبارك إلى آخرهم على الترتيب. فمن عرفت اسمه ذكرته باسمه ومن أخفى اسمه قلت عنه (قال من لا أعرف اسمه) فأرجوكم تبليغ ذلك بواسطة مجلتكم الحقائق. ولكم ولهم مني السلام. المدينة المنورة السبت في 11 ذي الحجة سنة 1329 مختار المؤيد

التمثيل

التمثيل التياترو بالمعنى المعروف لنا الآن كان معروفاً عند قدماء اليونايين والرومانيين ثم جاء حكم الكهان في أوربا حرمت الكنيسة فن التمثيل فلبث هذا الفن خمسة عشر قرناً في غيابة العدم ثم حيي في فرنسا في عهد لويز الثالث عشر (1610 1643) م وعمّ جميع أوربا في زمن قصير ولم يزل يترقى فيها حتى وصل إلى حالته العصرية المعهودة. من المشهور الآن على السنة الخاصة والعامة أن التمثيل فن جميل يرقي العواطف ويربي الملكات ويحيي عوامل الشعور في الذات ويأخذ بزمام الأمم إلى الكمالات الخ الخ وهو في هذه الجمل إنما يرددون نغمة أوروبية وغفلوا عن أن اختلاف البلدين في العادات والاعتقادات والأميال يجعل بين عوامل رقيهم وعوامل رقينا خلافاً جوهرياً ذريعاً أولئك أقوام عندهم تكشف النساء عادة متبعة والغرام باعث من بواعث الترقي وخطبة الرجال للنساء على مراسح التمثيل أو في بهرة التياترو طريقة الأكثرين من شبانهم وقد أدتهم مدنيتهم المادية وعلومهم الإلحادية ولا سيما في مقدمة القرن الماضي إلى اعتقاد أن لا موجود إلا المادة وأن ليس للإنسان إلا ما ينتهبه انتهاباً من سرور في هذا العالم القصير الأمد. ونحن أمة نعتقد أن لنا دينا وأنه ناموس السعادتين وأن لنا حياة أخرى لنا فيها ثواب على الحسنة وعقاب على السيئة وأن الواحد منا إن لم يتزود من هذا العالم بكمال يعرج به إلى عالم التقديس هبط به قذره إلى عوالم التدنيس ومداحض إبليس وأن كمال أحدنا في أن يملك هواه ويحكم على عواطفه لا انقطاعاً عن اللذة وهرباً من التنعم ولكن طالباً لنعيم الروح في عالم الكمال الأعلى واغتناماً للذة القلب في مجال الجمال الأجلى. أما ما تطالبه به حواسه من نظر للحسان ومغازلة للغزلان وافتضاض لأبكار الدنان فيجزيء أحدنا منها أن تكون من حلال دون حرام وبمباح دون احترام. إذا أجدت بين مرامينا ومراميهم وعقائدنا في الحياة وعقائدهم فهل تظن أن ما ينفعهم أو أن ما يكونهم لا يعدو على كياننا. إن تقل كيف تختلف نواميس الترقي بين أمتين قلنا ما قاله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) فإنَّ هنالك نواميس اجتماعية عالية ونواميس سافلة ولا ينكر علينا أحد أن النواميس التي رقت العرب الأولين إلى الأوج الأعلى وبلغت بهم من الرفعة المكان الأسمى كانت أرقى من النواميس التي رقت الرومانيين واليونايين بما لا يقدر وإنما مدار الأمر على وجود

السبب المرقي وهو ما نعبر عنه بالحياة فمتى وجدت الأمة حياة وهي هبة يهبها الله لمن يشاء من الأمم بدون دخل لإرادة أحد فيها حييت الأمة وتقدمت. ولا ينكر علينا أحد أن هنالك حياتين عالية كاملة وحياة ساقطة سافلة وربما كان بينهما حياة ثالثة متذبذبة بين هذين الطرفين (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فمن اعتقد أن للإنسان حياة بعد هذه الحياة وأن أمامه كمالاً لا يبلغ التصور مداه وأن سبيل ذلك الكمال امتلاك أزمة الأهواء والتسلط على مهاب الأميال والوقوف بالنفس موقف الاعتدال ذم معنا ابتذال النساء فوق المراسح وتمثيل أدوار العشق على مرأى ومسمع الناس أجمعين وعد ذلك الضرب من اللهو من آخر ما منيت به هذه الأمة من أنواع التقليد ومن كان لا يعتقد بالدار الآخرة ولا يظن أن هنالك كمالاً روحانياً إلا ما يهديه الجسد للمشاعر المحسوسة من لثم ثغر أو رشف كأس فليعتقد أن التشخيص فن يرقي العواطف ويكمل الملكات ولكن ليعلم أنها عواطف قومه وملكات ذويه وعشيرته. هنا لعلي أسمع قائلاً هذا تعصب للقديم. هذه معارضة لنواميس الترقي. ذلك جمود يقف بالأمة حيث هي الخ الخ فإنْ قال قائل ذلك أجبته كيف لا نتعصب للقديم كنا قديماً أهل الخلافة في الأرض لا تنازعنا فيها أمة ولاترد لنا على العالمين كلمة فأنْ لم نتعصب لمثل هذا فلأي شيء بعدها نتعصب. أما قوله معارضة لنواميس الترقي فتلك كلمات أصبح يرددها من لايعرف مدلولها وليته كان موجوداً حين كانت الأمة العربية تسعى في سبيل التقدم طائرة بلا تياترو ولا تمثيل فأبدى لها هذه النصيحة بل ليته اعتدل في اللهجة فسألها كيف ترقت بلا تياترات وبأي ناموس كانت مقودة لباحات السعادات. أما قوله جمود يقف بالأمة فليرانا ماذا أكسب الأمة بلينه ومرونته وهل أقفلت على يديه خمارة أو خرب بمسعاه ماخور غاية مانعلمه ونقوله عن هذا القائل أنه انفرط من الجماعة فليلتحق بأي الأمم شاء فإن قبلته عضواً من أعضائها وعدته جزأً مركباً لهيئتها الاجتماعية فليعد ذلك شرفاً له إن شاء. نعم إنَّ في غضون بعض وقائع الأقاصيص عظات ولكنها ضائعة بين تلك الملهيات التي توقظ نائم الأهواء وتحرك ساكن الشهوات. ليعلم معارضونا أن رقي الأمم وحياتها لايتوقف على أمثال هذه الملاهي فإن الحياة حادث

دلل تهب على الأمة تابعة لقوانين عليا وضعها واضعها القادر جل وعزّ على مقتضى علمه وحكمته لا نسبة بينها وبين التياترات والأوبرات مطلقاً وأن في الزمن الذي كان يهدم العرب فيه أساس الدولة الرومانية وتحاصر جيوشهم عواصمها كانت روما آهلة بالتياترات على النحو الذي وصفناه آنفاً فلم تغن عنهم شيئاً وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم لا يستطيع أحد أن يبرهن لنا بشبهة دليل على أن لتياترات اليابان علاقة بحياة تلك الأمة وهاهي التياترات في فرنسا أتقن منها في إنكلترة ولا يستطيع أحد أن يثبت لنا أن الأولى أسبق من الثانية في شأن من الشؤُون الحيوية.

أقوال العلماء في التمثيل

أقوال العلماء في التمثيل 3 تحت هذا العنوان ننشر ما يرد إلينا من أقوال علماء الإسلام وفتاويهم في سائر الأقطار ليظهر حكم الله تعالى في هذه المسألة الخطيرة الجواب الثامن للعالم العلامة الفقيه صاحب الإمضاء بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلما طالعت الجزء الثامن من مجلة الحقائق صادفت فيها سؤالأً عن حكم التمثيل في الشرع هل هو محظور أم لا ثم رأيت في الجزء الثالث منها جوابين عن هذا السؤال أحدهما بالتفضيل والآخر بالإجمال واستصوبت ما فيهما جزى الله صاحبيهما خير الجزاء وأنا أقول بقولهما وأعيد كلامها اتباعاً لقول القائل: أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع أعلم أن من الناس من يحسن التمثيل المذكور ويقول أنه حكاية وقعة تاريخية تشويقاً إلى اقتحام مثلها أو تنفيراً عن اتيان ما يماثلها ويعد من محاسنه الاتعاظ والاعتبار وإيقاظ العقول والأفكار. فأقول مستعيناً بالله تعالى أن هذا الملعب الذي يجرونه في أكثر المواضع خال عن المنافع بل هو داعٍ إلى المعاصي والمنكرات يقضي أهل الفساد به الشهوات. ولو سلمنا أن فيه بعضاً من المنافع فمضراته شتى ومفاسده لا تحصى والعبرة في مثل هذا شرعاً بالأغلب والأكثر نفعاً أو فساداً فإن الخمر والميسر يشتملان على بعض المنافع الدنيوية كما أشير إلى ذلك بقوله تعالى (وإثمهما أكبر من نفعهما) فمن منافع الخمر تشجيع الجبان وتقوية الطبيعة والجنان وتسلية الأحزان وتسخية البخلاء ومن منافع الميسر كسب المال من غير كد وتعب ولا معاناة هم ونصب ومع هذا حرمهما الله تعالى على عباده لكثرة مفاسدهما الدينية والدنيوية فإذا كان الذي نفعه منصوص عليه في القرآن الكريم حراماً لغلبة مفاسده فلأن يكون التمثيل الذي نفعه موهوم لكثرة فجوره أولى. فمن مفاسد التمثيل أنه عبارة عن لعب محدث بصورة مخصوصة وكل لعب حرام قال عليه الصلاة والسلام كل شيء يلهو به الرجل باطل إلاَّ ثلاثاً رميه بقوسه وتأديب فرسه

وملاعبته مع أهله فإنهن من الحق. ومنها أنه يشتمل على الملاهي المحرمة والغناء الحرام. واستماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق. قال في التاتارخانية التغني واستماع الغناء حراماً خصوصاً إذا كان مقروناً بألحان الفساق أو بالآلات المحرمة. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما رفع أحد عقيرته إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك. ومنها ظهور الغلمان المرد على مسارح التمثيل بصورة تستميل قلوب الفساق إليهم. ولا ريب أن النظر إلى الأمر بالشهوة حرام قال في التاتارخانية لا يحل للرجل النظر إليه عن شهوة وأما لا بها فلا بأس به ولهذا لا يؤمر بالنقاب. ومنها أنه يكون في الأكثر بعد العشاء الذي يكره بعده الحديث الخالي عن ذكر الله أخرج البخاري من حديث أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها أي المحادثة بعد العشاء خوف السهر وغلبة النوم بعده فيفوت قيام الليل أو الذكر أو الصبح نعم لا كراهة فيما فيه مصلحة للدين. أهـ قسطلاني. فعلى العلماء أن يبينوا للناس تحريمه وعلى الآباء أن يمنعوا أبنائهم عن مثل هذه الأحوال الضارة. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا والله الهادي إلى سبيل الصواب وإليه المرجع والمآب. عبد الله أديب المعروف مدرس قضاء عينتاب ببيرام زاده الجواب التاسع للعالم المفضال صاحب الإمضاء إنَّ السؤال المدرج في العدد الثاني من مجلتكم الجليلة سبقني إلى الجواب عنه جمع من أهل الفضل والنبل وبما أجاب به العالمان الفاضلان العلامة الشيخ عارف أفندي المنير والفهامة الشيخ محمد أفندي القاسمي أجيب طالباً من الله العون والظفر القريب وأن يلهمنا في كل الأحوال إلى كل قول مصيب والسلام ختام أيها السادات الأعلام.

عينتاب خوجه زاده فخر الدين العينتابي الجواب العاشر للعالم الجليل صاحب الإمضاء سلام الله عليكم وبركاته. اطلعت في الجزء 4 من ج 2 على ما أجاب به السادة العلماء عن بدعة التمثيل. وكان بنفسي أن أتطفل على هذه المائدة لكني توقفت من الشرط الذي شرطه (رائد الحقيقة) وصرح به وهو طلب الحكم من (العلماء المتنورين) وما أنا منهم. لأن (الرائد) يعني بالعلماء المتنورين ليس من نقلتم عنهم بل الذين ساحوا في مصر وأوربا فتنورت عقولهم بأكل الميتة والمخنوقة ولحم الخنزير. وحضور محافل الرقص والتمثيل وما أشبه ذلك. فهؤلاء الذين يرضى (الرائد) بحكمهم ليس من قضوا حياتهم في العلوم الدينية ووقفوا عند ما أحلّ الله وحرم وما ذاقوا من المدنية الأوروبية طعماً. فعبثاً تحاولون إقناع من لا يرى الحق حقاً والباطل باطلاً (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور). المدينة المنورة مختار المؤَيد

الأمير علي باشا الحسني الجزائري

الأمير علي باشا الحسني الجزائري مقابلته لجلالة الخليفة الأعظم، سفره لطرابلس الغرب للجهاد في سبيل الله، كتابه لأولاده، لحوق ولده الأمير عبد القادر به، وصوله لسيدي براني تشرف الأمير علي باشا الحسني بالمثول لدى جلالة الخليفة الأعظم فكان موضع التفاته واحترامه ثم قرر مجلسا الوكلاء والأعيان ذهاب حضرة الأمير إلى طرابلس الغرب فتوجه إلى (المابين) لوداع جلالة السلطان وطلب بواسطة رئيس كتاب الحضرة العلية مقابلة جلالته فأذن له الخليفة بذلك ولما دخل على جلالته كان السلطان نصره الله واقفاً وعلى وجهه دلائل الارتياح وعلائم السرور فتقرب الأمير منه بكل احترام وهم بتقبيل يده الشريفة لكن الخليفة الأعظم لم يدعه يفعل ذلك قائلاً أستغفر الله أستغفر الله. فكان جواب الأمير لجلالته إنني أتشرف بقبيل يد أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين أدام الله شوكتكم وأيدكم بملائكته فتكرم جلالة السلطان وأذن للأمير بالجلوس بقربه فجلس الأمير وخرج رئيس كتاب المابين وبعد أن مكث فقال جلالة الأمير في الحضرة السلطانية نصف ساعة طلب الإذن بالذهاب فقال جلالة السلطان للأمير اجلس اجلس وهو يتبسم ثم ابتدره بالسؤال الممزوج باللطف الملوكاني والحنان الأبوي كم لك من الأنجال؟ فأجاب الأمير ثلاثة ذكور محمد سعيد وعبد القادر وأحمد وأربع بنات وهم عبيد لجلالتك ووديعتي عندكم فأجابه أيده الله كن مطمئن البال إنهم أولادي ومرهم إذا لزمهم شيء أن يخبروني به ثم استأذن بالانصراف فأذن له وودعه إليه فانثنى داعياً له بطول العمر، وسعة الملك ولدى خروجه قدم إليه رئيس الكتاب ساعة مرصعة بالأحجار الثمينة قائلاً له من جلالة السلطان يهديك هذه الساعة لتعرف بها أوقات الصلاة فتذكره وتدعو له فشكره وخرج من المابين وقبل مغادرة الأمير العاصمة قابل النطار فودعوه بكل إجلال واحترام داعين له بالظفر في جهاده وقد أرسل حضرة الأمير كتاباً لأنجاله يقول فيه ما خلاصته بعد وصيته عائلته وأمرهم بوفاء ما عليه من الديون والعناية بمن يلوذ به من الأقارب والأخوان. إن مجلس الوكلاء والأعيان قررا عليّ الذهاب إلى طرابلس الغرب لأجل الذب عن حياض الوطن والمحافظة على البلاد التي يريد العدو اغتيالها بالطرق المخالفة للشعائر الإنسانية والمغايرة للعهود الدولية فلم يسعني إلاَّ الإجابة والقيام بهذا الواجب الديني الوطني فاسئل الله أن يكون لنا خير معين وينصرنا على القوم الظالمين وكونوا مطمئني البال مسلمي

الأمر لله سبحانه فإن القضاء محتم والقدر مبرم وإن شاء الله تعالى لا أتأخر عن إبلاغكم الأخبار السارة بالطرق التي أستطيع مخابرتكم بها وقد استصحبت معي حضرة العلامة المرشد الشيخ السيد صالح أفندي الشريف التونسي وعشرة ضباط (أركان حرب) وعدداً وافراً من متطوعي المغاربة وغاية الأمل منكم أن تكونوا روحاً واحدة في جسد واحد كبيركم يرحم صغيركم وصغيركم يوقر كبيركم أهـ. وبعد سفر الأمير المشار إليه رغب كل من ولديه الأميرين محمد سعيد وعبد القادر على اللحاق به وحسماً للخلاف اقترعا على الذهاب فأصابت القرعة الأمير عبد القادر فخف لمساعدة والده وقد وردت برقية من حضرة الأمير علي باشا بوصوله وولده سالمين (لسيدي براني) ونص البرقية (صحتنا بخير ولدنا وصل لطرفنا الأحوال جيدة). وهنا يحسن بنا أن نحمد سياسة الحكومة في بعثة هذا البطل الكبير يصحبه فئة من المفكرين الخبيرين لتنظيم المجاهدين في طرابلس، وحثهم على المثابرة على الدفاع عن حوزة الدين والوطن وسنرى بحوله تعالى وقوته من أعماله الخطيرة الجليلة في تلك الأصقاع ما يرفع من شأن هذه الأمة ويخلد له بالذكر الجميل مدى الدهر ولا غرو فالأمير من سادة عرفوا بالشجاعة وحسن السياسة ويكفيه أنه شبل ذلك الأسد الذي قام يجاهد الفرنسيس مدة عشرين سنة في زمن نابليونها الثالث أخذ الله بيده ووفقه لما يكبت العدو ويفرح الصديق آمين.

صدى التمثيل

صدى التمثيل رد افتراء بقلم العلامة الكبير صاحب الإمضاء بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد اطلعت على ما جاءَ في المفيد عدد (841) رداً على ما نشر في (الحقائق) عن حكم التمثيل لكاتب تدلس برمزه وتستر بإخفاء اسمه تحت عنوان دحض باطل فرأيت أن أبين مالها وما عليها وما ترمى إليه فاستخرت الله في ذلك وسألته الإعانة على ما هنالك أنه على ما يشاء قدير. فكتبت ما شاء الله أن أكتب فلم يتم الكلام عليها حتى أطلعني بعض الأخوان على مقالتين في المفيد في الموضوع ذاته فرأيت وجوب الكلام على الجميع فأقول وبالله التوفيق. الكلام على ذلك في بحثين الأول في العبارة وما ترمي إليه. من رمى بنظره إلى عجر العبارة وبجرها يحكم لأول وهلة أن الكاتب جهول مكابر وحسود متظاهر لم يقصد بكتابته المذاكرة ولم يجر على سنن آداب البحث والمناظرة بل ركب فيها متن عمياء وخبط عشواء ولو دخل البيوت في أسئلته من أبوابها لتطفلت مع العجز برد جوابها أجوبة يستحسنها مع أدلتها أولو الألباب ولا يكاد يظفر بها هو وأمثاله في كتاب ولكن أبى الله أن يجعله مظهراً لاستفادة العلوم وأهلاً لفهم المنطوق منها والمفهوم فهو جاهل لم يدر الدقائق ولم يقدر قدر (الحقائق) ولو كان جهله بسيطاً لأمكن له دواء ولكن الجهل المركب لا دواء له ولا شفاء ألم يعلم هذا الجاهل أن الحجة قامت على تحريم التمثيل من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه حتى تواردت فتاوى علماء المسلمين في منعه وتحريمه ولكن أبى أن يذعن للحق وينقاد لأوامر الشرع حتى ظن أن خلافه يهتك حريم الإجماع ويثلم سنن الأتباع. أيها الكاتب ما الذي حملك على خلاف الأئمة ومصادمة الأدلة وتسميتها بجهلك ألعوبة. كبرت كلمة جرى بها لسانك وحررها بنانك أتخال أن تعدد الكتابات وتلونك تلون الحرباء في الإمضاءات يخفى على الأطفال والبنات أم زيف كلامك يروج بالتمويهات أما تعلم أن (للحقائق) علماء وللدقائق فضلاء هم للدين حماة يذبون عن حرمه

ذب الغيور ويحمون ساحته حماية الليث الهصور تصديقاً لقول الصادق الأمين لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين (البحث الثاني) في بيان المهم من كلماته وما يترتب عليه بسببها فنقول قال في العدد المار ما لفظه (قرأت في المفيد الأغر سؤالاً يطلب صاحبه بيان الحقيقة عما جاء في مجلة (الحقائق) جواباً على حكم التمثيل من حيث هو وما كنت لأجهد النفس عن البحث عن البديهيات ولكن يعزّ عليَّ أن أرى الدين أصبح ألعوبة تتقاذفها الأهواء وأظل ساكناً) الخ قدمنا أن جميع ما حرره في مقالته خارج عن دائرة أدب الشريعة وكان اللائق عدم الجواب عنه إلاَّ أننا نخشى من ظنه وظن أمثاله أن أهل العلم عاجزون عن جوابه وعن تزييف كلامه فلنتكلم على المهم منه فنقول: إن كان مراده بألعوبة أن الأدلة التي قامت على تحريم التمثيل من الكتاب والسنة هي الألعوبة فإن كان جاهلاً فيعرف بما أجمع العلماء على تحريمه من ذلك فإن أنكره استتيب فإن تاب فبها ونعمت وإلا فعلى الحاكم مجازاته بما يستحق لأنه معاند ومتبع لنفسه وهواها ثم قال (فإن جاز وجود مجتهد يقول بحرمة التمثيل جاز أن يكون القائل بإباحته مثل ذلك). قلت معاذ الله أن يحل العلماء ما وضح تحريمه بالدليل القاطع والبرهان الساطع فإن من حرم حلالاً مجمعاً عليه أو أحل حراماً كذلك أو أباحه فقد خرج من ذمة المسلمين ولو كان مباحاً عند أحد منهم كما ادعى هذا الأخرق لبينوه أحسن بيان ولعضدوه بأقوى برهان إذ ليسوا عاجزين عن الجواب ولا يفتقرون إلى أحد في كتاب لأنهم أفصح لساناً وأوضح حجة وبياناً ولما لم نر أقلامهم ولا سمعنا كلامهم تبين افتراؤه عليهم على أن التمثيل لو خلا عن جميع المحرمات على سبيل الفرض فهو من اللهو الباطل لقوله صلى الله عليه وسلم كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلاَّ رميه بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فإنهن من الحق. ثم قال (أنه حدث في الأزمنة الأخيرة الخ) قلت هذا من جملة جهله وتمويهه فكيف يدعي حدوثه وهو قديم وموجود قبل الإسلام بل قبل ميلا المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بأربعة أو خمسة قرون واسمه عندهم التياترو واشتقاقه من التياتروم أو التياترون كما قاله الفاضل فريد وجدي وتياترو كلمة إفرنسية معناه الملهى والملعب فتسميته بالتمثيل الأخلاقي أو الأدبي تمويه يُراد به ترويج هذه البدعة المضلة في نفوس الجاهلين والأحرى

به أن يُدعى التدليس الاختلاقي ثم قال (أنه لا نص عليه بذاته في كتاب أو سنة ولا يؤثر عن صحابي) الخ قلت ومما يقضي بالعجب اعترافه بأنه لا نص عليه مع حكمه عليه بأنه من الاعتبار المأمور به في القرآن ومن مكارم الأخلاق التي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لإتمامها. ومن المعلوم أنه لا نزاع في عدم النص على التمثيل وإنما النزاع في تحريمه وشمول النصوص له واندراجه فيها لأن غالب نصوص الشارع عامة تشمل أفراداً كثيرة قال في (حصول المأمول) أثناء عبارة له ما لفظه قال صلى الله عليه وسلم (تركتم على الواضحة ليلها كنهارها) وجاءت نصوص الكتاب العزيز بإكمال الدين وبما يفيد هذا المعنى ويصحح دلالته ويؤيد براهينه كقوله سبحانه (اليوم أكملت لكم دينكم) ولا معنى للإكمال إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه الشرع أما بالنص على كل فرد فرد أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة ومما يؤيد ذلك قوله تعالى (مافرطنا في الكتاب من شيء) أهـ وقد استوفينا الكلام على ذلك في رسالتنا تحقيق الكلام في وجوب القيام عند تلاوة قصة المولد ووضع أمه له عليه الصلاة والسلام هذا وقال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى أثناء كلام له ما لفظه (بل الصواب الذي عليه جمهور أئمة المسلمين أن النصوص وافية بجمهور أحكام أفعال العباد ومنهم من يقول أنها وافية بجميع ذلك وإنما أنكر ذلك من أنكره لأنه لم يفهم النصوص العامة التي هي أقوال الله ورسوله وشمولها لأحكام أفعال العباد وذلك أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قضية كلية وقاعدة عامة تتناول أنواعاً كثيرة وتلك الأنواع تتناول أعياناً لا تحصى فبهذا الوجه تكون النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد) أه وفي (حصول المأمول) أيضاً ما نصه ثم لا يخفى على كل ذي لب صحيح وفهيم صالح أن في عمومات الكتاب والسنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما مايفي بكل حادثة تحدث ويقوم بكل نازلة تنزل عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله أه فتبين من هذا أنه لا حادثة وجدت أو ستوجد إلا وفيها حكم منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو مندرج تحت العمومات المتقدمة وتبين لك أيضاً جهل هذا الكاتب وخبطه وتمويهه وأن دخوله في الحجاج عداء وكلامه على أهل العلم والفضل مجرد افتراء والعلماء ورثة الأنبياء بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا رتبة فوق رتبة النبوة ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة

فيا ويل مَنِ العلماء خصماؤه يوم القيامة فما أفلح قوم آذوا علماءهم ولا نجح قوم حكموا أهواءهم. ثم أسهب الكاتب الكلام في الحط على الأجلاء أصحاب الحقائق وما علمنا ذنبهم معه هل أحدثوا بدعة حظرها الدين؟ هل استخفوا بعلمائهم وأشرافهم أئمة المسلمين؟ أم بثوا دسائسهم في الجرائد؟ أم جمعوا جموعاً لفعل المنكرات في المعابد؟ أم. . نعم ذنبهم أنهم وقفوا مجلتهم لخدمة الدين ونشروا في تحريم التمثيل نصوص علماء المسلمين فإن كان هذا ذنبهم فيا سعادتهم في دنياهم ويا نضارة وجوههم عند لقائهم مولاهم. وأنا بقية كلامه في ما سبق فتعرف أجوبته وبيان خلطه وخبطه مما قدمناه لك فتذكر فما في العهد من قدم ولا حاجة بنا إلى الإعادة خشية من سآمة التالين وهذا ما حضرني وفوق كل ذي علم عليم. دمشق محمد القاسمي الحلاق

بيان حقيقة

بيان حقيقة بقلم العالم الفاضل صاحب الإمضاء قرأت في المفيد عدد (841) مقالة بعنوان دحض باطل يرد صاحبها على ما ورد في الحقائق من بيان حرمة التمثيل بأدلة واهية وقياسات عقيمة ومغالطات وسفطسة نسبها هو لغيره فأحببت له أن أبين خطأه وأبين أن حرمة ذلك من البديهيات التي لا تحتاج إلى الكتابة والرد ولكن لما قام بعض المتهورين وقال أن التمثيل من الفروض التي جاء بها القرآن وأنه من مكارم الأخلاق اضطر أهل العلم للرد عليه كي يبينوا للأمة حرمة ذلك حتى لا يغتروا بقول المتفرنجين المتجرئين على كتاب الله وسنة رسوله وإني تأسياً بأهل العلم واقتفاءً لأثرهم أقول أولاً قوله (القول بحرمة التمثيل إما أن يصدر عن مجتهد أو مقلد) الخ مجرد مغالطة لأن المعلوم عند أهل العلم أن الحوادث التي تحدث إنما تنطبق وتفرع على أصول تلك المذاهب ولا يلزم من ذلك أن يكون المفتي بها مجتهداً. ثانياً قوله (إذا لم يرد في الشيء بخصوصه نص تقررت الأصول) الخ يفهم من هذا أنه لا حاجة إلى باب القياس ومسالك العلة لأنه على هذا أن لم يوجد نص في الحادث فهو على الإباحة ولا قائل بذلك ثالثاً قوله (الأصل في الأشياء الإباحة كما هو مختار الجمهور من الحنفية والشافعية) ليس كذلك قال إمام الحرمين في الورقات فمن الناس (أي العلماء) من يقول أن الأشياء على الحرمة إلا ما أباحته الشريعة فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيستمسك بالأصل وهو الحظر ومن الناس من يقول بضده وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلاَّ ما حظره الشرع قال الشارح والصحيح التفصيل وهو أن المضار على التحريم، والمنافع على الحل والقول بالحظر أسلم لقوله عليه الصلاة والسلام (الحلال بين والحرام بين وبينهما أو مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) فإذا لم نقل أن التمثيل من الحرام البين ينبغي لنا أن نتقيه لأنه من الأمور المشتبهات ويفهم من كلام الأصوليين (فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيستمسك بالأصل وهو الحظر) إنه ليس كل مسألة منصوصاً عليها بعينها بل ما هو منصوص عليه بعينه وما هو مدلول عليه وما هو مقاس على غيره كما هو معلوم عند أهل العلم.

وبعد كتابة ما تقدم اطلعت على مقالة أخرى في المفيد عدد (847) ركب صاحبها متن عمياء ونظراً لتلبيسه وجه الحقيقة أردت أن أبين لأهل الإنصاف حقيقة ما شاهدته وإن كره المفترون المتفرنجون فقد وجد في الرواية تخنث الغلمان المرد كاشفي الرؤوس مسرحي الشعور وقد لبس بعضهم القبعة (البرنيطة) وقد وقع الكاتب فيما فر منه أولاً لاعترافه بأن الشهابي حسن التمثيل بقوله فعلينا أن نعتنق تلك المكرمات التي بعث لتتميها خير البشر صلى الله عليه وسلم الخ وقوله لو لم يكن في النظر إلى أخبار الغابرين عبر جليلة لما قص علينا سبحانه وتعالى أخبار الأمم السالفة وأمر بالاعتبار بها الخ أليس هذا استدلال منه على التمثيل بالحديث والقرآن الكريم وجعله من أفراد مكارم الأخلاق وأفراد الاعتبار. سلمنا أن الشهابي لم يقل بفرضية التمثيل صراحةً لكنه قال ذلك ضمناً لأنه لما حسن التمثيل ومن جملته ما أنشده الغلمان على قولكم (إنَّ الماضي فرض جاء في القرآن) وهذا التمثيل من ذكر الماضي فهو مما جاء في القرآن فثبت المدعى وإلاَّ فأي مناسبة لذكر الشهابي في خطابه حديث مكارم الأخلاق وأية الاعتبار وإنشاد المنشدين إنَّ ذكر الماضي فرض جاء في القرآن فثبت أن الشهابي يعد التمثيل من مكارم الأخلاق وأنه من فروض القرآن لأن من حسن قولاً أو فعلاً واستشهد عليه فهو قائل به فيكون مدعياً كما هو منصوص عليه في آداب المناظرة والعجب من بعض الكتاب أنهم يريدون الانتصار لأحبابهم فيوقعونهم فيما فروا منه نظراً لجهلهم بالعلوم الدينية والعلوم العربية إلاَّ طرفاً من الكتابة والإنشاد فتراهم يحسنون الإنشاء ولكن لا يفقهون ماذا يكتبون ولذلك يقولون لم ينشد إنما التمثيل فرض جاء في القرآن بل أنشد أن ذكر الماضي فرض جاء في القرآن ولم يعلموا أن مفهوم (إنَّ ذكر الماضي الخ) في معرض التمثيل والحث على فعله هو عين منطوق (إنما التمثيل فرض الخ) أما ما جعله الكاتب دليلاً على حل التمثيل وهو عدم إنكار من حضر من أهل العلم فليس بشيء لأنا نرى كثيراً من المنكرات شائعاً بين الناس كالغيبة والكذب ولا ينكره أحد حتى الخاصة فهل نعد هذا السكوت دليلاً على الحل؟ نرى كثيراً من المساجد والمدارس والأوقاف قد اتخذت بيوتاً وملكاً ولم ينكر عليهم فهل نعد ذلك من المباح؟ اللهم بصرنا بعيوننا وأرشدنا لما فيه صلاحنا ووفق الأمة لخير العمل والنجاح في العاجل

والآجل. حلب صلاح الدين.

تقاريظ

تقاريظ فرائد الفوائد الجلية في شرح العقيدة الإسلاميّة رسالة مفيدة تأليف العالم الفاضل الشيخ محمد أفندي خرما البيروتي شرح بها العقيدة المنسوبة للعلامة الجليل مفتي دمشق الشام السيد محمود أفندي حمزة تصفحنا أكثرها فوجدناه مشتملاً على أهم المسائل التوحيدية مما هو مطابق لمذهب أهل السنة والجماعة مؤيد بصحيح الأدلة فنحث أهل الفضل وخصوصاً تلامذة المدارس على اقتنائها فإنها من أجل ما يعتمد عليه. التنبيه الواجب، سل الحسام رسالتان أهدانا إياهما صديقنا العالم الغيور الفاضل الشيخ محمد سعيد إياس الدمشقي البيروتي في الرد على ما جاء في مجلة المعارف التي تصدر في بيروت أبان في الأولى مفاسد مقالة نشرت في المجلة المذكورة تحت عنوان (الدين يؤاخي الطب) لأحد الكتاب وأبان في الثانية (إن سياحة هذه الأمة المذكورة في القرآن العظيم هي بعض الصيام) فجزاه الله وكل غيور على دينه أفضل الجزاء. نيل الأرب في معرفة الأدب أهدى إلينا صديقنا العلامة الفاضل الشيخ محمود أفندي المرعشي الدمشقي هذا الكتاب النفيس من تأليفه وهو من الكتب المفيدة في الأخلاق والآداب بين فيه حفظه الله الأدب مع الخالق جلّ جلاله ومع الأنبياء عليم الصلاة والسلام ومع الأئمة والعلماء والوالدين والأقارب والأصدقاء والأصحاب وحضّ فيه على الصدقة وإكرام اليتيم وتعهد الفقراء والإكثار من فعل الطاعات والابتعاد عن المنهيات خصوصاً الربا وأكل الحرام وبالجملة فالكتاب أخلاقي يطبع النفس على أدب الدين ويذهب بها إلى الكمال فنحض أهل الدين ومحبي الأخلاق على اقتنائه والاستفادة منه ونسأل الله أن يجزي مؤلفه خير الجزاء. اعتذار لدينا لبعض العلماء الأفاضل أجوبة في تحريم التمثيل ضاق نطاق هذا الجزء عنها كما ضاق أيضاً عن ترجمة المرحوم العالم الفاضل صديقنا الشيخ أبي الخير أفندي الطباع التي وعدنا بها في هذا الجزء وستنشر في الجزء الثاني إنْ شاء الله تعالى.

استحباب القيام عند ذكر ولادته

استحباب القيام عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين وبعد فقد اطلعت على سؤال ورد من المدينة المنورة بإمضاء السيد أحمد علي الهندي الرامضوري وهذا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم ماقول علماء المسلمين أيد الله بهم الدين وقواهم على إزاحة شبه الملحدين في قول رجل سئل عن القيام عند ذكر الولادة الشريفة النبوية فأجاب (وهذا نص كلامه) وأما توجيه القيام بقدوم روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم من عالم الأرواح إلى عالم الشهادة فيقومون تعظيماً له فهذا أيضاً من حماقاتهم لأن هذا الوجه يقتضي القيام عند تحقق نفس الولادة الشريفة ومتى تكرر الولادة في هذه الأيام فهذه الإعادة للولادة الشريفة مماثلة بفعل مجوس الهند حيث يأتون بعين حكاية ولادة معبودهم (منهيا) أو مماثلة للروافض الذين ينقلون شهادة أهل البيت رضي الله عنهم كل سنة (أي فعله وعمله) فمعاذ الله فصار هذا حكاية للولادة المنيفة الحقيقية وهذه الحركة بلا شك وشبهة حرية باللوم والحرمة والفسق بل فعلهم هذا يزيد على فعل أولئك فإنهم يفعلونه في كل عام مرة واحدة وهؤلاء يفعلون هذه المزخرفات الفرضية متى شاؤُا وليس لهذا نظير في الشرع بأن يفرض أمر ويعامل معه معاملة الحقيقة بل هو محرم شرعاً انتهى كلامه فهل هذا الجواب صحيح أم لا أفيدونا مأجورين. وأقول جواباً عن ذلك مستعيناً بالله. إنَّ هذا الجواب غير صحيح من وجوه وبسط الكلام في هذا المقام يحتاج لبيان حكم القيام لأهل الشرف إكراماً وتعظيماً لهم ومنه يعلم استحباب القيام عند ذكر مولده الشريف صلى الله عليه وسلم بالأولى إذ الفرض أنه إنما يفعل إكراماً وتعظيماً ومحبةً لأشرف الرسل صلى الله عليه وسلم فنقول القيام للعلماء تعظيماً للعلم مسنون دليله ما رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قوموا إلى سيدكم) يعني سعد بن معاذ القادم عليكم لما له من الشرف المقتضي للتعظيم قال الإمام النووي يستحب القيام للقادم من أهل الفضل وقد جاءت به أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح أهـ وقال شراح الجامع الصغير يؤخذ من الحديث أي المتقدم سن القيام لنحو

العلماء تعظيماً للعلم لا عجباً ورياء أما القيام للأمراء فيطلب للمداراة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام لبعض الصحابة كعكرمة وعدي رضي الله عنهما وأقر حسان بن ثابت عندما قام له وحمل الحديث على أن الأمر بالقيام لسعد كان للتعظيم أولى من حمله على القيام لأجل تنزيله عن الدابة لمرض به أهـ لأنه لو كان كذلك لأمر البعض لا الكل ولا ينافي استحباب القيام مارواه الإمام أحمد وغيره عن معاوية بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحبَّ أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوء مقعده من النار) لقول شراح الحديث كالإمام الطبري غيره هذا الخبر إنما نهي من يقام له إذا أحبه تكبراً لا من يقام له إكراماً ورجحه الإمام النووي قائلاً الأصح والأولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب القيام له فهو المنهي عنه فلو لم يخطر بباله فقاموا له فلا لوم عليه أهـ وأما ما روي أن الصحابة كانوا إذا دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقومون له لما يرون من كراهته له فهو من تواضعه وشفقته صلى الله عليه وسلم بأمته زاده الله شرفاً إذ هو سيد المتواضعين حتى أنه كان يعفو عمن انتقصه كما هو معلوم من سيرته لا إنَّ القيام منهي عنه وإلاَّ لما أمر به وفعله لغيره وكذا ما ورد عنه عليه السلام (لاتقوموا كما الأعاجم يعظم بعضهم بعضا) فهو محمول على محبة القيام تعاظماً وتكبراً بدليل كما تقوم الأعاجم فإذا ثبت أن القيام مطلوب للتعظيم والإكرام لأهل الشرف فكيف يمنع منه عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم تعظيماً له بل إنه أولى وأحق من القيام لأحد أمته وقد نص غير واحد من الفقهاء الأئمة الأربعة ومن المحدثين وأهل السير على استحبابه فالذي ينبغي أن يُعول عليه ولا يلتفت لغيره استحبابه وتأكده لعموم المسلمين ولا يغتر بقول ابن حجر الهيتمي في فتلواه من أن الناس إنما يفعلونه تعظيماً فالعوام معذورون بخلاف الخواص أهـ. فهذا هفوة منه بل الخواص أحق بتعظيمه صلى الله عليه وسلم وقد فعله العالم الشهير تقي الدين السبكي وغيره ممن لا يحصى واستمر عليه العمل إلى يومنا هذا ويستمر إن شاء الله إلى يوم القيامة ولا ينكره ويحرمه إلا متبدع غالٍ فإن تخيل له أنه بدعة مذمومة بل البدعة تعتريها الأحكام الخمسة كما هو معلوم فكم من بدعة هي فرض أو واجب كتدوين العلوم الدينية ورد الشبه على الفرق الضلالية الذين هذا المانع منهم فليت شعري ماذا يقول هذا

المانع في قيام بعضنا لبعض وفي القيام عند ذكر مولده الشريف هل فيه تعظيم أم لا فإن منع التعظيم فهو مكابر معاند للحس والمشاهدة فلا يليق أن يخاطب وإن سلم أنه يفيد التعظيم وعد تعظيمه صلى الله عليه وسلم حماقة فيكون تنقيصاً وإهانة لجنابه الشريف صلى الله عليه وسلم ومن أهانه يحكم بكفره وردته وهدر دمه لأن الفقهاء قاطبة ذكروا في باب الردة أن منها الاستهزاء بالعلم أو العلماء وإهانتهم فإذا كان إهانة أحد علماء أمته عليه السلام موجباً للكفر والردة فكيف بأفضل المخلوقات عليه أفضل الصلوات والتسليمات قال ملا خسرو في شرح الدرر نقلاً عن فتاوي البزازية أن من انتقصه عليه السلام أو شتمه ولو في حال سكره يقتل حداً وهو مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه والإمام الأعظم أبي حنيفة والثوري وأهل الكوفة والمشهور من مذهب مالك وأصحابه وقال الخطابي لا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله وقال ابن سحنون المالكي أجمع العلماء على أن شاتمه صلى الله عليه وسلم كافر وحكمه القتل إلى آخر ما قال. قال في الدر المختار ويجب إلحاق الاستهزاء والاستخفاف به (أي الشتم) ونقل الإمام الشعراني في كتابه كشف الغمة عن هذه الأمة في كتاب الردة عن ابن عباس رضي الله عنه قال كتن أعمى له امرأة تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي عليه الصلاة والسلام فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليه فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلاً فعل مافعل ألا قام فقام الأعمى يتخطى الناس حتى قعد بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال عليه السلام (ألا اشهدوا أن دمها هدر) ومعلوم أن عدم القيام لأحد كبراء الناس يشعر بإهانته وعدم المبلاة به ولذا يورث الحقد والضغائن كما هو العرف الآن والعرف أحد مدارات الشرع الشريف تبنى عليه الأحكام قال العلامة ابن عابدين في رسالته آداب المفتي: والعرف في الشرع له اعتبار ... لذا عليه الحكم قد يدار فكم من مسألة لا نص فيها وقد تعارف الناس عليها وحكم الفقهاء بها وتداولوها في كتبهم

فكيف يقول المانع أن فاعل القيام بلا شك حري باللوم والحرمة والفسق وهو شبيه بفعل المجوس الخ فهذا افتراء وتهور عظيم لا يصدر مثله من مسلم فضلاً عن عالم فالمسلم الموحد إذا قام عند ذكر مولده الشريف لا يريد إلاَّ التعظيم والاحترام لمنصب الرسالة الذي بذل الأرواح دونه قليل فرحاً بإيجاد هذا الرسول الذي هو رحمة للعالمين لما فيه من عظم منة الله على خلقه أجمعين كما سن السجود لله تعالى شكراً عند تجدد نعمة وأي نعمة أعظم من نعمة ظهور أشرف الرسل حتى أن عمه أبا لهب لما بشر بولادته صلى الله عليه وسلم أعتق جاريته فرحاً به عليه الصلاة والسلام فجازاه الله بسبب ذلك بأن خفف عنه العذاب في كل ليلة اثنين مع أنه كافر معاند فكيف حال المسلم المحب والمقصود التعظيم بكل ما يفيده ومنه القيام كما هو العرف العام وربما يشعر كلام المانع بأن هذا القيام إذا طلب بطلب للساعة التي برز فيها عليه الصلاة والسلام من بطن أمه إذ هو أعظم نعمة كما تقدم وأما تكرار ذلك كلما قريء المولد فلا فيشبه فعل المجوس الخ فنقول له هذا تحكم بحت لأنه متى كان القصد بالقيام التعظيم فلا يمنع من تكرره وله نظائر في الشرع كثيرة لا كما قال المانع لا نظير له فمنت نظيره وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما ذكر حتى قال كثير من الأئمة لو ذكر في المجلس الواحد ألف مرة يصلى عليه ألف مرة لوجود سببه وهو ذكر اسمه الشريف كما ذكر علماء الأصول من أن الأمر يتكرر بتكرر سببه وكذا تعظيم الأيام الفاضلة والليالي بصومها وإحيائها يتكرر كلما تكررت كذلك هنا لما وجد السبب وهو قراءة سيرته عليه الصلاة والسلام الشريفة والاطلاع على أحواله المنيفة التي هي مناط كل كمال وعلى المؤمن أن يجعلها نصب عينيه في كل حال فحين مايصل القارئ إلى ذكر بروزه صلى الله عليه وسلم من بطن أمه يتذكر هذه النعمة العظمى فيقوم تعظيماً له وشكراً لله تعالى عليها فهل هذا يلام عليه المرء ويقال بأنه شبيه بفعل المجوس الكفرة الذين يحكون ولادة معبودهم وفعل الرافضة الذين يمثلون ما فعل بأهل البيت كل سنة فإن ما يفعله المجوس منكر من أصله يجعلون معبوداً حادثاً متولداً فهو كفر صراح فكلما كرروا ذلك فقد زاودا ضلالاً على ضلال وكذا تمثيل ما فعل بأهل البيت مشتمل على عدة مفاسد محرمات لا تخفى فكيف يشبه هذا المانع حال المسلمين الموحدين الجالسين في محل معظم فيه رائحة طيبة يتلون كتاب الله وينشرون قصة اشرف خلقه بكل آداب مطلوبة ويصلون

عليه كلما ذكر ويقومون لذكر ولادته تعظيماً له وفرحاً بوجوده بحال هؤلاء حتى حمله الغلو فجعله أزيد من فعل المجوس والروافض سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ونظير هذا القيام تعظيماً له عليه الصلاة والسلام الأمر بغض الصوت بحضرته عليه السلام في حياته وعند قراءة حديثه وسيرته بعد وفاته وكذا مناداته باسم يشعر بتعظيمه كيا رسول الله قال تعالى (يا آيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) وقال أيضاً: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) فهل هذا النهي من الله تعالى وتحريم رفع الصوت على صوته الشريف وتحريم ندائه باسمه إلاَّ لمزيد تعظيمه عليه السلام ونظيره أيضاً ماورد في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن حكمة ذلك فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فصامه فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه أي شكر الله تعالى فهذا صريح في أن تجديد إظهار الشكر على النعمة السابقة في الوقت الموافق لوقت حدوثها مطلوب بل هو مطلوب في كل وقت تذكر فيه ومن نظيره أيضاً كما يظهر لي عمل الأضحية في أيام النحر المأمور به أمر إيجاب أو ندب لمن قدر عليه إظهاراً للشكر بنجاة الذبيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم في مثل هذا اليوم من ذبح أبيه له بإنزال الفداء وهو كبش من الجنة فاختبر الله خليله بتكليفه ذبح مهجة قلبه ثم فداه بعد ماسعى في رضاه بذبح عظيم بقصد التكريم إيثاراً لبقائه عن إمضاء قضائه إذ جعله أباً للعرب عموماً ولحبيبه الأعظم خصوصاً وإذا كان الحق أمر الخلق باتخاذ هذا اليوم الذي نجى فيه والد نبيه وحبيبه عيداً أكبر وأمرهم فيه بالنحر مشاكلة للفداء الذي وقع منه تعالى لقصد إظهار الشكر وفي كل عام يتكرر فاتخاذ يوم ظهور جسم حبيبه الأعظم رحمة لعموم عامة العالم عيداً أكبر أحق وأجدر فانظر بعين الانصاف إلى محموع هذه النظائر المنصوص عليها المقصود منها تعظيمه عليه الصلاة والسلام أليس هذا القيام مثلها في التعظيم فيكون مأموراً به ليس بدعة منكرة على أنا نجعله فرداً من أفراد التعظيم الذي كلفنا به عموماً فحينئذٍ يدخل تحت الأمر فيكون من باب دلالة النص لا من باب القياس كما

حرره علماء الأصول في مثل قوله تعالى: (ولا تأكلوا مال اليتيم) فالمنصوص عليه حرمة الأكل وأهل اللغة فهموا من النص حرمة مطلق التناول من مال اليتيم فيشمل النص الشرب من مائه ولبس ثوب من ثيابه وسكنى داره وهكذا ومثله قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) المراد مطلق الأذى فكل فرد يدل على الأذى يدخل في النص فيدخل الضرب والشتم بالأولى وهكذا هنا لما كان القيام خصوصاً في زمننا هذا من جملة التعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم دخل في النص الدال على تعظيمه وهو كثير في القرآن والسنة فمنه قوله تعالى: (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) وقال تعالى: (لتؤمنن به ولتنصرنه) فقد فرض الله تعالى تعظيمه وجعله مثل الإيمان به وكم في القرآن العظيم من آية دالة على تعظيمه عليه الصلاة والسلام ومن أراد بسط الكلام على وجوب تعظيمه وفرضيته على كل مكلف مبرهناً عليه بالأدلة القاطعة فليرجع لكتب السير كالشفا لقاضي عياض والمواهب اللدنية للإمام القسطلاني وزاد المعاد لابن القيم وغيرها فيجد فيها ما يشفي الغليل فحينئذٍ لا يكون هذا القيام بدعة بل منصوصاً عليه بدلالة النص فمن يدعي إنكاره وتحريمه فهو مبتدع ضال وعند قصد الإهانة والتنقيص لمنصبه الشريف يكون كفراً وردة كما سلف وقد أفتى العلامة مفتي الثقلين الإمام أبو السعود بكفر من يتركه حين يقوم الناس إهانة واستنكاراً كما نقله العلامة السمنودي. هذا وربما كان في ترك القيام إثارة فتنة عند عموم الناس ونسبة من لا يقوم عند قيام الناس تعظيماً له صلى الله عليه وسلم إلى مذهب الوهابية الذين تجاوزا الحد في الغلو بتكفير أهل التوحيد حيث يقولون بالتوسل بالأنبياء والأولياء وزيارتهم والتبرك بهم وطلب الحاجات من الله تعالى بواسطتهم فلا سبيل لتكفير المسلمين الموحدين الناطقين بالتوحيد كل يوم مرات متعددة بل كل ساعة ولحظة إذا سألوا الله تعالى حاجة وطلبوا منه تعالى بجاه أحبابه عنده قضاءها بل من يكفرهم إلى الكفر أقرب حتى لو سمعنا المؤمن الموحد يقول يا رسول الله أقضي لي حاجتي أو يا عبد القادر أطلب منك كذا لا تكفره بل تنهاه عن اعتقاد ظاهره ونحمل كلامه على المجاز في الإسناد وهو المجاز العقلي كما بينه علماء المعاني وهو كثير في القرآن كقوله تعالى (ياهامان ابن لي صرحاً) فإن البناء فعل العملة وهامان سبب آمر حتى أننا لو قلنا للعامي كيف تطلب من العبد قضاء حاجتك فيقول أنا مرادي أن الله يقضي

حاجتي بسبب ذلك العبد وجاهه عنده تعالى فمتى وجدنا قرينة دالة على أن المتكلم موحد نحمل كلامه الذي ظاهره إسناده الأفعال لغيره تعالى على المجاز كما حملوا قول الشاعر: أشاب الصغير وأفنى الكبي ... ر كر الغداة ومر العشي على المجاز بدليل قوله بعد: فملتنا إننا مسلمو ... ن على دين صديقنا والنبي فإنه دلّ على أنه موحد وكذا العامي الذي ينطلق بالتوحيد دائماً يلزمنا أن نحمل كلامه الذي لا يراد ظاهره على المجاز. هذا ولنرجع لما نحن فيه من استحباب القيام عند ذكر مولده الشريف صلى الله عليه وسلم مطلوب ومؤكد ظاهراً وباطناً وقد كنت مرة في مجلس وكان فيه أحد المعاصرين وكان ممن لا يرى القيام عند ذكر الولادة الشريفة فقلت أليس فيه تعظيمه صلى الله عليه وسلم فقال إنَّ التعظيم بالقلب وباتباع سنته عليه الصلاة والسلام لا بهذا القيام الذي هو بدعة فقلت لا بأس به بل هو عنوان على التعظيم بالقلب دال عليه ومعاملة الشرع الشريف ظاهرية حتى حكم على من أقر بلسانه أن لا إله إلا الله بالإسلام مع عدم اطلاعنا على قلبه ومن أين يعلم ما في القلب إذا لم يدل الظاهر عليه وقد صار م ألفناه في نفوسنا من القيام لبعضنا بعضاً وأعمال الجوارح من اليد واللسان من أسباب التعظيم والإكرام أهـ وقد قالوا في تعريف الحمد العرفي بأنه فعل يشعر بتعظيم المنعم سواء كان ذلك الفعل باللسان أو بالأركان أو بالقلب كما قال بعضهم: أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا وقد عرفت أنه ليس ببدعة بل هو مثل القيام لذاته الشريفة تعظيماً له صلى الله عليه وسلم ولله در سيدنا حسان حيث قام حين مرّ عليه سيد الأكوان وقال: قيامي للعزيز عليَّ فرض ... وترك الفرض ماهو مستقيم عجبت لمن له عقل وفهم ... يرى هذا الجمال ولا يقوم ويروى قيامي للنبي بدل للعزيز. نشدتك الله أيها المنكر للقيام لو أقبلت على مجلس وقام لك أكثر من فيه وتخلف البعض أما يقع في نفسك وفي نفس غيرك أن الذي ما قام لك حقرك بخلاف من قام لك واحترمك فما أسمجك وأجهلك فوالله أني لأخاف على منكر القيام

ومحرمه ومشبه فاعله بالمجوس والرافضة قائلاً بل هو أزيد وهو فعل الحمقى الخ ما قال الكفرَ والردةَ. فتلخص أنه يندب القيام ويتأكد ويستحب عند ذكر ولادته الشريفة تعظيماً له صلى الله عليه وسلم وإكراماً وفرحاً بإيجاده الذي هو أجل نعمة على العالم وقد استحسن ذلك المسلمون ورأوه حسناً وقد ورد مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) وورد أيضاً (يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار) إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على اتباع سبيل المسلمين الناجين فلا عبرة بإنكار هذا المنكر وتحريمه القيام وتفسيقه فاعله فما هو إلاَّ نزعة شيطانية استولت على قلبه أعاذ الله المسلمين منه ومن أمثاله الذين يحطون من منصبه عليه الصلاة والسلام ويفسقون ويكفرون أهل الإسلام فوجود مثلهم أعظم بلية على المسلمين لأنهم يدعون الإرشاد ويبثون بين العباد أعظم الفساد من جهة الاعتقاد نسأله تعالى أما أن يوفقهم سبيل الرشاد أو يمحوهم من سائر البلاد ويكثر من كل متبع للسنة والجماعة يحث الناس على وجوب تعظيمه صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً وتعظيم أصحابه وأئمة الدين الذين خدموا شريعته ودونوها وعمل الناس بها إلى يوم القيامة.

المسلمون والسياسة الدينية

المسلمون والسياسة الدينية أصاب المسلمين في القرون الأخيرة من عوامل الضعف والانحطاط ما حرجت منه صدور الغيورين من محبي الإصلاح فتسلطت الأغيار عليهم وتداخلوا في شؤونهم فخربت البلاد وسادت الفوضى وانقسم الناس شيعاً وأحزاباً ورق الدين حتى صار التظاهر بالمروق أمراً هيناً لا يعبأ به بل ربما يعد عند الجهلة الأغرار تمدناً وتنوراً وكادت تزول من بينهم رابطة الدين وتستبدل بما لا يخرج عن دائرة الوهم ولا يكون له نصيب قوي من التأثير في اجتماع الأمم. كل ذلك أصاب المسلمين بسبب ركونهم إلى أعداء دينهم من الأوروبيين ونظرهم إليهم نظر المعلم الناصح وانخداعهم بما يخدعونهم به من أنهم يخدمون الإنسانية من غير تفريق في المذهب والدين. اغترت الدولة الإسلامية بقوتها يوم كانت سيدة الدول وظنت أن الأوروبيين يسعون لمصلحتها ويعملون لرقيها وسعادتها ليستفيدوا من قوتها فسهلت لم طرق التداخل في البلاد ليعمروها فلا والله لم يجدوا طريقاً للفساد إلاَّ سلكوه. ولا مورداً لتدمير البلاد إلاَّ وردوه. وأشد ما فعلوه تأثيراً هو تداخلهم في أمور التعليم فكانوا أساتذة في المدارس يبثون فيها أفانين الإلحاد وينفثون سموم التفريق بصور مختلفة وأشكال متنوعة ويدعون أنهم يخدمون الإنسانية والمدنية! أما الغاية الحقيقة التي يسيرون وراءها ويسعون للحصول عليها فهي إضعاف تلك الرابطة الدينية الإسلامية فتخرج على أيديهم من المسلمين من كانوا أشد ضرراً على المسلمين من الإفرنجة أنفسهم لأن العدو الداخلي لا يتقى كما يتقى العدو الخارجي فانساب هؤلاء التلامذة المتفرنجون في البلاد آخذين في الغالب مهنة التعليم حرفة لهم فتخرج عليهم أيضاً فريق كبير من المتفرنجين كانوا السبب الحقيقي في ضعف الرابطة الدينية بين العثمانيين وصاروا كلما غمزهم الأوروبيون مغمزاً لانوا له وظنوه أمراً بسيطاً لا يقصد به إضعافهم وحل رابطتهم فطمع فيهم العدو وجرد عليهم سلاحه السياسي الضار الذي لايبقي ولا يذر فعم الشر وطغى الفساد حتى كاد أهل الدين ييأسون من الصلاح والإصلاح لما يشاهدونه من تهور هؤلاء المتفرنجين وانصباغهم بالصبغة اللادينية وانخداعهم بما تخدعهم به أوربا من الأقوال الفارغة وغفلتهم عنما تنويه للمسلمين إلاَّ أن المفكرين من أهل الدين كانوا مدركين لهذا الأمر وهو ينادون ولا مجيب ويجأرون إلى الله

أن ينبه المسلمين من هذه الغفلة التي كادت تضر بالدولة العلية دولة الخلافة التي تجمع عامة المسلمين تحت لوائها فسعادتها سعادتهم وشقاؤها شقاؤهم. ولا ننكر أن بين السياسيين من يعرفون حقيقة الأمر ومبلغ الخطر ولكن يغضون على الأذى لما يتوهمون من ضعف الدولة المادي بصورة لاتقوى على دفع العدو إذا حافظت على مصالحها فكانوا يقبلون مداخلة أوربا تسكيناً لشرتها ويرتجون من وراء ذلك أن يتسع الوقت للدولة العلية فتنهض من سباتها وتأخذ لنفسها الحذر وتستعد للطوارئ إذا هي رفضت مايضر بالسياسة الدينية ولكن مع الأسف كان مايدسه أعداء الإسلام عاملاً كبيراً على إضعافها في حين أنها لم تنتبه فترقع الخرق من جهات أخرى لتكون في مأمن منهم يوم يظهرون مكنونات ضمائرهم فكان هذا الإغضاء عن تداخل أوربا خطأً محضاً لأن الدولة لم تتمكن من لم شعثها كما كانوا يتوهمون بل كان هذا الإغضاء مما سهل لأعدائها سبل المطامع ولو أدركت الدولة الأمر من أوله يوم أخذوا يعقدون المعاهدات لتجزئة بلادها بدعوى المحافظة على السلم والموازنة الدولية وغير ذلك من الأقاويل التي لا يقبلها إلاَّ من يرى الضعف في نفسه فلا يطيق دفاعاً. لو أدركت الدولة ذلك فأخذت نفسها بالسياسة الدينية وقامت تدعو عموم المسلمين للدفاع عن دينهم وشرفهم لوجدت من حماستهم وتفانيهم ما يعلم أوربا أن المسلمين ذوو قوة ومنعة وأن أموالهم وأبناءهم ودماءهم لا تزن عندهم شيئاً في سبيل الدفاع عن دين الله ولكن سلبت الدول بعض أملاكنا وتداخلوا في شؤوننا واستباحوا حمانا وقطّعوا بلادنا كما يتقطع الجسم عضواً بعد عضو ومع هذا كله لم يرتدع أولئك المتفرنجون عن غيهم ولم يزالوا ينادون بأن أوربا هي محبة الإنسانية والمدنية وأنها تعمل على نفع الإنسان فهل نحن بعد ذلك منتبهون؟ بلغ من تهجم أوربا وتجاسرها علينا أن قامت في هذه الآونة إيطاليا تلك الدولة الحقيرة التي غضب الله عليها وعلى بلادها تغتصب بلادنا الطيبة فأعلنت علينا الحرب بصورة تترفع عنها الصعاليك وخرقت العهود الدولية واقتحمت بأسطولها البحر وضربت طرابلس الغرب وأباحت الأعراض وقتلت الصبيان والعجائز والشيوخ وفعلت فيها من الأفعال البربرية ما يخجل وجه الإنسانية كل ذلك بمرأى من الدول التي تتبجح دائماً بحب الإنسانية والمدنية مما يؤكد ما أسلفناه وأن أوربا إنما تتظاهر بهذه الأمور لتقضي على المسلمين سلمياً وأن

القصد هو استئصال شأفة المسلمين لمخالفتهم في الدين وتعلقهم بخليفة المسلمين وإلاَّ فلمَ تغير هذه الدول على الشعوب الإسلامية الآمنة في سربها. الخافضة جناح الرحمة لمواطنيها ومساكنيها من غير ما ذنب سابق ولا عدوان موجب؟ هاج لذلك الشعب الإسلامي في سائر أقطار الأرض وعرف ما تريده هؤلاء الدول الغريبة فأظهروا تعلقهم بعرش الخلافة الأقدس ونهضوا لمساعدة إخوانهم الطرابلسيين لما بينهم من الرابطة الدينية المحكمة التي تجمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فقام الشيخ السنوسي ينادي بالجهاد ويدعو الناس للدفاع عن إخوانهم في الدين، وعقد الهنديون الاجتماعات وأقاموا الاحتجاجات وطلبوا من حكوماتهم ردع إيطاليا عن اعتدائها الفظيع وعرض الإمام يحيى على دولة الخلافة مائة ألف مجاهد لإنقاذ إخوانهم من ظلم الأعداء الجائرين وأعلن مجتهدوا الشيعة وجوب الجهاد على كل مسلم ومسلمة لإعلاء كلمة الدين ورد كيد الظالمين. وقام المصريون بما يسطره لهم التاريخ بمداد الذهب فأظهروا عطفهم على الأمة الإسلامية وتعلقهم بالدولة العثمانية فعقدوا الجمعيات وجمعوا الإعانات الطائلة وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله. فظهرت بهذه الأعمال الرابطة الدينية بأجلى مظاهرها وعرف الناس عامة فضل تلك الرابطة وأنها قائمة بحول الله تعالى على أسس قوية لا تنقصها أحلام المتفرنجين وأنه لا حياة لهم إلا بها فتلفت أنظار المفكرين من علماء الدين إلى اغتنام الفرصة والسعي وراء إيجاد طرق للتعارف بين المسلمين ليستفيدوا من رابطتهم الدينية ويسعوا يداً واحدة لإيقاف هذا السيل الجارف الذي كاد يكتسح عموم الممالك الإسلامية علهم يرجعون إلى سالف عزهم وسامق مجدهم. حقق الله الآمال.

في طرابلس

في طرابلس هو النصر معقودُ برايتنا الحمرا ... على أنه في الحرب آيتنا الكبرى حليفان من نصر مبين وراية ... به وبها تعلو على غيرنا قدرا لئن أدبر التليان عند كفاحنا ... فخذ لهم من سيف سطوتنا عذرا فإنا لقوم إن نهضنا لحادث ... من الدهر أفزعنا بنهضتنا الدهرا ندك هضاب الأرض حتى نثيرها ... غباراً على أعدائنا ينثر الذعرا ونأكل هول الموت حتى كأننا ... نلوك به ما بين أضراسنا تمرا فسل جيش (قاناوا) بنا كيف قومت ... شفار مواضينا خدودهم الصعرا وكيف دحرنا فلولواً كأننا ... وإياهم أسد الشرى تطرد الحمرا وكم قد نثرنا بالسيوف جماجماً ... نظمنا بها فوق الثرى للعدى شعرا وما جزعي للحرب يحمي وطيسها ... ولكن لأرواح بها قتلت صبرا لك الله يا قتلى طرابلس التي ... بها حكم التليان أسيافهم غدرا أداموا بها قتل النفوس نكاية ... إلى أن أصاروا كل بيت بها قبرا ولما أحاط المسلمون بجيشهم ... فعاد الفضاء الرحب في عينه شبرا تقهقر يبغي في الديار تحصناً ... فقربها من خشية الموت واستذرى وقد ظل ينكي أهلها من تغيظ ... فيقتلهم صبراً ويرهقهم عسرا فأوسعهم بالسيف ضرباً رقابهم ... وآنافهم جدعاً وأجوافهم بقرا وماضرَّ (قاناوا) اللعين لو أنه ... تقحم في الهيجاء عسكرنا المجرا أيحجم عنا هارباً بعلوجه ... ويبغي بقتل الأبرياء له فخرا وهل حسبوا قتل النساء شجاعة ... وقد تركوا عند الرجال لهم ثأرا لقد شجعوا والموت ليس له يد ... ولم يشجعوا والموت يطعنهم شزرا يعز على أسيافنا اليوم أنها ... تقارع قوماً هم بقرع العصا أحرى ولم تك لولا الحرب تعلو سيوفنا ... رؤوساً نرى ملء القحوف بها عهرا ومن مبكيات الدهر أو مضحكاته ... لدى الناس حر لم يكن خصمه حرا لئن أيها القتلى أريقت دماؤكم ... فما ذهبت عند العدى بعدكم هدرا سنثأر حتى تسأم الحرب ثأرنا ... ونقتل عن كل امريء أنفساً عشرا

وإني ليغشاني إذا ما ذكرتكم ... لواعج هم ترتمي في الحشا جمرا على أن قرص الشمس عند غروبها ... يذكرني تلك الدماء إذا احمرا فأبكي تجاه الغرب والبدر لائح ... من الشرق حتى أبكي الشمس والبدرا ويا أهل هاتيك الديار تحية ... توفيكم الشكر الذي يرأس الشكرا فقد قمتم للحرب دون بلادكم ... تذودون عن أحواضها البغي والنكرا وثرتم أسوداً في الوغى يعربية ... إذا كل سيف في براثنها ظفرا تراها لدى الحرب العوان مشيحة ... تهمهم حتى تنطق الفتكة البكرا ولو أن كفي تستطيع تناوشاً ... فتبلغ في أبعادها الأنجم الزهرا لرتبت منها في السماء قصيدة ... لكم واتخذت البدر في رأسها طغرى وخلدتها آياً لكم سرمدية ... مدائحها تستوعب الكون والدهرا يقولون أن العصر عصر تمدن ... فما باله أمسى عن الحق مزورا إلى الله أشكو في الورى جاهلية ... يعدون فيها من تمدنهم عصرا أتتنا بثوب العلم تمشي تبخترا ... فإن أظهرت حلواً فقد أبطنت مرا لقد ملك الإفرنج أمر مراكش ... وقد ملكوا من قبها تونساً قهرا ففاجأنا التليان من أجل ملكهم ... لكي يسلبونا في طرابلس الأمرا وقالوا ألم تأت الفرنجة تونساً ... وهذي جيوش الإنجليز أتت مصرا فخلوا لنا ما بين هذي وهذه ... وإلا قسرناكم على تركها قسرا فقلنا لهم إنا أحق بملكها ... فقالوا ولكن زند قوتنا أورى أهذا هو العصر الذي يعونه ... فسحقاً ودفراً له دفراً الأستانة معروف الرصافي

أقوال العلماء في التمثيل

أقوال العلماء في التمثيل 4 تحت هذا العنوان ننشر ما يرد إلينا من أقوال علماء الإسلام وفتاويهم في سائر الأقطار ليظهر حكم الله تعالى في هذه المسألة الخطيرة الجواب الحادي عشر للعالم الفاضل صاحب الإمضاء بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم من العلماء العاملين إلى يوم الدين أما بعد فإني كنت أطالع مجلة الحقائق الغراء فرأيت فيها سؤالاً لبعض الفضلاء بعنوان رواية زهير الأندلسي يسأل فيه أهل العلم عن حكم تمثيل هذه الرواية وغيرها وقد أجاب العالمان الفاضلان الشيخ عارف أفندي المنير والشيخ محمد أفندي القاسمي في الجزء الثالث سؤاله وبينا حرمة ذلك وأثبتنا أنه منكر ولقد ساءَني ما رأيته في المفيد تعريضاً بهما لبعض المتفرنجين بلا دليل ولا روية بل حباً بنصرة أمثالهم المتجرئين على الدين بدون علم فأحببت أن أكتب ما خطر ببالي غير مبال بمن لا أخلاق لهم لا يعرفون إلا البذاءة وتنقيص أهل الفضل فأقول وبالله التوفيق أن التمثيل المعروف الآن مشتمل على عدة محرمات منها السمر بعد العشاء إلى نصف الليل في الغيبة واللهو المحظور وقد يكون ذلك سبباً لترك صلاة الفجر ومنها أن الرواية مشتملة على ممثلين غيروا هيئة وجوههم بوضع اللحى والشوارب المستعارة وفي ذلك تغيير لخلق الله المنهي عنه بالأحاديث الصحيحة أخرج البخاري في كتاب اللباس عن علقمة رضي الله عنه قال لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب ما هذا قال عبد الله ومالي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله قالت والله لقد قرأت مابين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله فلنلعنه ومن فعل ذلك فهو ظالم وقال تعالى (ألا لعنة الله على الظالمين). وأخرج البخاري أيضاً في كتاب اللباس من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال. قال شارحه القسطلاني رحمه الله تعالى. لإخراج الشيء عن الصفة التي وضعها

أحكم الحاكمين كما ورد ذلك في لعن الواصلات بقوله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله. وفي الجامع الصغير (لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) قال العلامة المناوي وفيه أن ذلك حرام بل عده بعضهم من الكبائر للوعيد عليه باللعن أهـ وقال العلامة الحفني وخص النساء بالذكر في الحديث لكون الأغلب وقوع ذلك منهن فإن فعل ذلك الذكور كان الحكم كذلك فتبين من هذا أن ما يشتمل عليه التمثيل من تغيير وجوه الغلمان بوضع اللحى والشوارب المستعارة حرام وداخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام المغيرات خلق الله لأن العلة في حرمة ذلك التغيير فينسحب على الرجال كما أشار لذلك العلامة الحفني ومنها كون بعض الممثلين مرداً يخشى من النظر إليهم الفتنة ومعلوم أن النظر إلى المرد بشهوة حرام قال في تنوير الأبصار (وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لخوف الفتنة ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد) قال العلامة ابن عابدين هنا ما ملخصه الأمرد الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته والغلام إذ بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحاً فحكمه حكم الرجال وإن كان صبيحاً فحكمه حكم النساء وهو عورة من فرقه إلى قدمه وهذا شامل لمن نبت عذاره بل بعض الفسقة يفضله على الأمرد خالي العذار والمراد من كونه صبيحاً أن يكون جميلاً بحب طبع الناظر ولو كان أسود لأن الحسن يختلف باختلاف الطبائع ويستفاد من تشبيه وجه المرأة بوجه الأمرد أن حرمة النظر غليه بشهوة أعظم إثماً لأن خشية الفتنة به أعظم منها ولأنه لا يحل بحال بخلاف المرأة كما قالوا في الزنا واللواطة ولذا بالغ السلف في التنفير منهم وسموهم الانتان لاستقذارهم شرعاً قال بعضهم قال ابن القحطان أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى غير الملتحي بقصد التلذذ بالنظر وتمتع البصر بمحاسنه وأجمعوا على جوازه بغير قصد اللذة والناظر مع ذلك آمن من الفتنة أهـ. ومنها اشتمال التمثيل على التشبه بالإفرنجة بلبس القبعة (البرنيطة) وهو من المحرمات المكفرات والعياذ بالله تعالى قال في الفتاوى الهندية في الجزء الثاني من باب المكفرات يكفر بوضع قلنسوة المجوس على رأسه على الصحيح إلا لضرورة دفع الحر والبرد أهـ. وقال في مجمع الأنهر ويكفر بوضع قلنسوة المجوس على الصحيح إلا لتخليص الأسير أو لدفع الحر والبرد عند البعض وقيل أن قصد به التشبه يكفر أهـ.

وأما قول معلم المدرسة في خطابه قد ورد الأمر فيه بالقرآن بقوله تعالى (فاعتبروا) الآية يفيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك الفرض لأنه لم يبينه عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه ولو بينه لوصل إلينا فيكون المعلم نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكتمان وحاشاه من ذلك لأنه لم يبلغنا ذلك وقد قال تعالى في كتابه العزيز (يا آيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ جميع ما أمر بتبليغه عملاً بهذه الآية وحيث أنه بلغ جميع ما أمر بتبليغه ثبت أن التمثيل ليس من الاعتبار الوارد في الآيات بل هو الاعتبار بذكر الأمم الماضية والأنبياء الكرام والأمثال البليغة والتذكر في المخلوقات والاستدلال بالأثر على المؤثر وقوله أن التمثيل من مكارم الأخلاق الواردة في السنة ليس كما زعم وإلا لسبقنا السلف الصالح والأصحاب الكرام لأنهم رضي الله عنهم ما تركوا شيئاً من السنة الشريفة والأحاديث المنيفة إلا وعملوا به وما بلغنا أنهم نصبوا مسارح لأجل تشخيص الروايات فعلم أن الذهاب إلى الروايات حرام ولا يجوز التصدق باسمها كيف وهي من الأمور المحدثة والبدع المفسدة للأخلاق وقد قال عليه الصلاة والسلام إياكم ومحدثات الأمور الحديث. فبعد هذا هل يشك من له عقل وتمسك بالدين في حرمة فعل الروايات (التمثيل) وحرمة دفع الصدقة باسمها ورحم الله من قال وأجاد في المقال: وإذا أراد الله فتنة معشر ... وأضلهم رأووا القبيح جميلا حلب صلاح الدين الجواب الثاني عشر لحضرة العالم المحقق صاحب الإمضاء الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد فقد اطلعت على السؤال الوارد في حكم التمثيل فسرحت الطرف في فتوى مولانا العلامة فضيلة مفتي بيروت وأجوبة العلماء الأعلام التي يقضي كل منها بتحريمه المحررة جميعها في أجزاء مجلة الحقائق الغراء فجزاهم الله عن الملة الحنيفية أعظم جزءاً فكم استلفتوا أنظاراً، ونبهوا أفكاراً، لأمر كثر ارتكابه، وعمت آثامه حيث أوضحوا المرام، وبينوا

الحلال من الحرام، بأدلة ساطعة، وبراهين قاطعة. كيف لا وهم من الأمة الوارد في شأنها قوله صلى الله عليه وسلم (لاتزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) ولله در السائل لقد اهتدى بهديه عليه الصلاة والسلام القائل العلم خزائن ومفتاحها السؤال فسلوا يرحمكم الله فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والمعلم والمستمع والمحب لهم. غير أنه لقلة بضاعتي في العلوم خطر لي أوهام خيلت لي قبلاً أن التمثيل ربما يكون من المستثنيات عن حكم الكذب والمحاكاة المحرمين فراجعت أقوال السادة الحنيفة التي هي وسائر المسائل الفقهية ثمرة الكتاب والحديث فلم أرد أبداً من القول بالتحريم وها إني أذكر ما عنَّ لي على صورة الإيراد والجواب مستعيناً بالله ملهم الصواب. لا يقال أن الممثلين (بفتح الثاء) قوم انقرضوا ومضوا فلا وجه لحرمة غيبتهم لأنه لا فرق بين غيبة الحي والميت قال في الدر المختار الغيبة أنه تصف أخاك الخ قال في رد المحتار أي المسلم ولو ميتاً الخ والعقيدة الحقة التي نلقى الله عليها أن الميت يتألم ويتلذذ كالحي. وكذا لا يقال أن هؤلاء الممثلين مجهولون وغيبة المجهول ليست بغيبة لأن جهالة أشخاصهم مع معرفة أسمائهم وأنسابهم وألقابهم وأزمنتهم وأمكنتهم لا تؤثر في سقوط حرمة غيبتهم قال في الدر ولو اغتاب أهل قرية ليس بغيبةٍ لأنه لا يريد كلهم بل بعضهم وهو مجهول قال في رد المحتار مفهومه أنه لو أراد ذلك (أي كلهم) كان غيبة تأمل أهـ وما ذاك إلا لأن الكل معلومون ولو بأنسابهم دون أشخاصهم وما نحن فيه أولى. فإن قيل كانت العلة في تحريم الغيبة هي الإيذاء وهو إنما يوجد حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب فلربما لا يكره الممثلون محاكاتهم كما إذا مثلت الأمراء مثلاً على وجه لا يشعر بتنقيصهم بل بعدلهم ليقتدى بهم ومثل معهم من لا تحرم غيبته كالحربيين مثلاً على وجه يشعر بتنقيصهم بسبب ظلمهم لتنفر الناس عن أعمالهم فلم يلزم حينئذ حرمة التمثيل من أصله قلنا لا نسلم أن الممثلين لا يكرهون محاكاتهم حسبما صورته فإنا نجد من أنفسنا كراهة تشخيصنا على أي حال كان ولا شك أن تشخيص الأمراء تنقيص لهم قال في الدر المختار ومن ذلك (أي أنواع) الغيبة المحاكاة كأن يمشي متعارجاً أو كما يمشي مقابلاً لقوله متعارجاً دليل على أن الإنسان يكره محاكاته مطلقاً على أن مناط العلة في التحريم الكراهة ولو في الجملة إذ عدم كراهة شخص لشيء يوصف به والحال أنه يكرهه من سواه إن

وصف به يعد غيبة إن وصف به بدليل حرمة غيبة الصبي والمجنون وإن لم يعقلا الكراهة والإيذاء ولم يكن لهما من يتأذى بذلك من الأقارب كما ذكر ذلك في رد المحتار عن ابن حجر بقي هنا صورة وهي ما إذا كان جميع الممثلين من الذين لا تحرم غيبتهم كالحربيين ولم يوجد محظور من نحو تخنث أو لبس قبعة فالظاهر عدم الحرمة من حيث ذلك وإن كان حراماً من حيث كونه كذباً كما سنبينه. هذا ما يراد من كونه جهة التمثيل غيبة أما ما يراد من جهة كونه كذباً فبيانه موقوف على بيان كونه كذباً وذلك من وجهين أحدهما إدعاء أن الممثلين (بكسر الهاء) هم أؤلئك القوم الغابرون. والثاني عدم خلو القصة التمثيلية عن زيادة أو نقص غير مطابق للواقع بصورة أنه صدق مطابق للواقع فيرد على الأول أنه مما يتيقن كذبه كمقامات الحريري مثلاً فإن الظاهر أن الحكايات عن الحرث بن همام والسروجي لا أصل لها فكيف يحرم كذب التشخيص دون كذب ما في المقامات وعلى الوجه الثاني أن القصة التمثيلية لها أصل معروف محقق فهي ككتب التاريخ وتحريمها دون التاريخ تحكم مع أن كتب التاريخ كثيرة تصنيفاً وقراءة وتعليماً وتعلماً. قلنا هذا إنما يرد أن لو كانت الروايات التمثيلية مجرد قصص خالية عن المحاكاة والتشخيص فحينئذٍ فيها وفي سماعها ما في التاريخ من تفصيل وتقسيم واختلاف مذاهب على اختلاف المقاصد والمآرب وللفقهاء في هذا المقام تحقيق للمرام فليرجع إليه من شاء وأما ما نحن فيه فحيث أن الروايات المنوه عنها بارزة بصورة التمثيل الذي ثبتت لدينا حرمته فلا يغتفر شيء من وجهي الكذب المذكورين. لا يقال إذا كان المقصود من التمثيل رياضة الصبيان ومن الريع إعانة الفقراء والمحتاجين فهلا يكون هذا المقصد مبيحاً لذلك والأمور بمقاصدها لأن المقاصد الحسنة لا تجعل الحرام مباحاً والصبيان في غنى عن هذه الرياضة وفيما جاء في جواب الأستاذ الشيخ محمد القاسمي الحلاق تحت عنوان فصل في رياضة الصبيان وفي ما كتبه الأستاذ الشيخ محمد عارف أفندي المنير تحت عنوان الإعانة بالوسائل المنكرة ما هو كافٍ لكل منصف هذا ما ظهر لفهمي القاصر والله أعلم وأستغفر الله العظيم (حمص) عبد القادر الخوجه. الجواب الثالث عشر للعلامة المفضال الأستاذ المحقق صاحب الإمضاء

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله. والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد فإني قد اطلعت على سؤال في مجلة الحقائق موقعاً برمز ي ص وإني لوددت أن يكون هذا السائل قد صرح باسمه لا برمزه وقد طلب بيان حكم الله تعالى في هذا التمثيل الواقع على هذه الصورة بحضور كثير ممن كان بسمة أهل العلم وغيرهم من العوام الذين لا معرفة لهم بحله وحرمته فنقول جواباً عن ذلك. التمثيل المسؤول عنه حرام بإجماع من يعتد بإجماعه المسلمين لاشتماله على محرمات عديدة منها النظر إلى الغلمان المرد مع مااشتملوا عليه من إسدال الشعور وتسريحها وتلو الأجساد وتمايلها وترقيق الصوت ولين الكلام المعبر عنه بالتخنث أي التشبه بالنساء قال العلامة ابن حجر المخنث هو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة وعليه حملت الأحاديث الواردة بلعنه أهـ باختصار وقال العلامة البيجوري ونظر الرجل إلى الأمرد الجميل بشهوة أو خوف فتنة فهو حرام بالإجماع ولا يختص ذلك بالأمرد الجميل بل النظر بشهوة حرام لكل ما لا يجوز الاستمتاع به ولو جماداً وضابط الشهوة كما قاله الغزالي أن يتأثر بجمال صورته بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتحي ويعرف ذلك بميل النفس إلى القرب والملامسة وكثير من الناس ينظرون إلى الأمرد مع التلذذ بجماله والمحبة له ويظنون أنهم سالمون من الإثم لاقتصارهم على النظر دون إرادة الفاحشة وليسوا سالمين. ويحرم أيضاً استماع صوته إن تلذذ به أو خيف منه الفتنة كما بحثه العلامة الزركشي رحمه الله تعالى وأما الانحناء إلى قرب الركوع فنص الفقهاء على كراهته وأعظم من هذا كله لبس البرنيطة فإنهم عدوه من المكفرات قال الثقة ابن حجر في كتاب الردة عند قوله أو سجود لصنم أو شمس تنبيه وقع في المواقف وتبعه السيد الجرجاني في شرحه الخ ما نقله عنهما وقال ثم قالا ماحاصله أيضاً يلزم على تفسير الكفر بأنه عدم تصديق الرسول في بعض ما جاء به ضرورة تكفير من لبس الغيار مختاراً أي لبس ما كان مختصاً بغير المسلمين لأنه لم يصدق بالكل وذلك لأننا جعلنا اللبس الصادر عنه باختياره علامة على الكفر بناءً هنا على أن ذلك اللبس ردة فحكمنا عليه بأنه كافر لأنه غير مصدق أهـ كلامه وقال في كتاب التعزيز من سعى في إفساد النساء والغلمان ولم ينزجر إلا بحبسه حبس فعلى هذا لا يوجد تمثيل بالمعنى المصطلح عليه الآن إلا وقد اشتمل على محرمات عديدة فقد قام بهذا التمثيل أبو خليل القباني وسماه بالكميدا فقام على

إنكاره علماء زمانه حتى تصدر لإزالته المرحوم الشيخ سعيد أفندي الغبرة واستحصل أمراً سلطانياً بمنعه وأصدرت الحكومة أيضاً أوامر جديدة بمنع التمثيل في المدارس فحينئذٍ منعه واجب للأمر بإطاعة أولي الأمر قال تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقال القسطلاني عند قوله صلى الله عليه وسلم لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً ما نصه واستنبط من هذا الحديث النهي عن فعلٍ مستحب وهو متابعة المأموم للإمام في غير تخلفٍ خشية ارتكاب محذور وهو مظنة رؤية شيء من عورة الرجال أهـ بتصرف. فعلى هذا لو فرض أن للتمثيل فوائد فينبغي النهي عنه لاشتماله على كثير من المفاسد وأما قول أحد المعلمين مستدلاً على جواز هذا التمثيل بقوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) فهو حجة عليه لأن الاعتبار هو الاتعاظ بمن سبق من الأمم كيف حلّ بهم العذاب بارتكابهم المناهي وعدم امتثال الأوامر وأي اتعاظ يكون بهذا التمثيل المشتمل على أنواع من المحرمات كما تقدم لك ببيانه وقوله أيضاً مستدلاً على جواز هذا التمثيل بقوله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم الخ لا يخفى إن إنما للحصر فكأنه قال ما بعثت إلاَّ لأتمم مكارم الأخلاق وهو كذلك لأنه الخاتم لمن سبقه من الأنبياء عليهم وعلى نبينا أشرف الصلاة وأتم التسليم وإنما جاء من قبله بالبعض أو بالمعظم ولا يخفى أيضاً أن قوله مكارم الأخلاق هو من إضافة الصفة للموصوف أي الأخلاق الكريمة وهي الاتباع لسنة الله ورسوله فيكون به شريفاً ديناً صالحاً فأي خلق كريم بهذا التمثيل حتى يكون من جملة ما بعث لإتمامه عليه الصلاة والسلام وقد احتوى على محرمات وخرافات عديدة كما نقدم لك بيانه فإن قال ذلك المعلم أنه قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بل تقوله الذين لا يعلمون وإن قال أنه لم يفعله لكنه من مكارم الأخلاق نقول هذا طعن بالرسالة فإنه يقتضي أنه لم يتمم وقد قال صلى الله عليه وسلم مستشهداً للصحابة إلا هل بلغن ثلاث مرات ليت شعري هل يجوز لنا أن نطلق اللسان ونقول هذا التمثيل من مكارم الأخلاق التي بعث النبي لإتمامها كلا والله قال صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وقول الممثلين إنما التمثيل فرض جاء في القرآن يستدل به على حصر هذا التمثيل بالفرضية ويستدل على الفرض أنه جاء به القرآن لأن

إنما للحصر فكأنه قال ما التمثيل إلا فرض بدليل أنه جاء به القرآن أقول لا يخفى على من له أدنى إلمام بفن من الفنون أو بفن الوضع فقط أن أل الداخلة على الأسماء وضعت لأن تدل إما على الاستغراق وهي التي يصلح في موضعها ما يدل على العموم كلفظة كل أو على الجنس وهي التي يشار بها إلى الماهية المتحققة في ضمن فرد من الأفراد أو على العهد الذكري وهي ما تدل على المذكور سابقاً على مدخولها أو على العهد الذهني أو الخارجي فالأول ما يشار بها إلى حصة معلومة في الذهن والثاني ما يشار بها إلى حصة معينة في الخارج فكأنه قال كل تمثيل أو ماهيته المتحققة في ضمن فرد أو المعهود ذهناً أو خارجاً فرض جاء به القرآن وأما العهد الذكري فلا سبيل إليه هنا إلا أن يقال أنه مذكور بالقوة فكأن السائل يقول ما حكم هذا التمثيل فقال إنما التمثيل فرض الخ فيتركب من هذا قياس منطقي فيقال هذا الدال على قول وفعل الأندلسيين تمثيل وكل تمثيل أو ماهيته أو المعهود ذهناً أو خارجاً أو ذكراً على ما سبق فرض جاء به القرآن فهذا الدال على فعل وقول الأندلسيين فرض جاء به القرآن وأنت خبير بفساد النتيجة لفساد المقدمة الكبرى فيسقط الاستدلال به على فرضية هذا التمثيل. فانظر يا أخي بعين الإنصاف هل من قائل بهذا؟ إن هذا لشيء عجاب ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا ألا اختلاق وهل مراده بالفرض المؤكد كما هو أحد معانيه أو الفرض العيني أو الكفائي وعلى كل لا قائل به لما يلزم عليه تأْثيم الكل إن قلنا أنه فرض عيني أو البعض على القول بأنه كفائي أو اللوم على القول بأن المراد به المؤكد كما سبق وهل المراد بالقرآن كل ما يقرأ كما هو أحد معانيه أيضاً والمراد به المنزل على سيدنا محمد المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصى سورة منه وعلى كلٍ فهو غير مسلم لأنه على الأول ليس كل ما يقرأ يكون حجة على الفرضية وعلى الثاني لم يسمع بآية تدل على فرضية تمثيل فعل الأندلسيين هذا ما يسره الله تعالى في هذا المعنى. ثم رأيت في جريدة المفيد في عدد 847 مقالة بإمضاء مشاهد يدعي أن الممثلين لم يقولوا إنما التمثيل فرض جاء في القرآن وإنما قالوا إن ذكر الماضي فرض جاء في القرآن يظن صاحب المقالة أنه قد خلص الممثلين مما وقعوا فيه وليس كذلك من وجوه منها أن إنكاره للبيت الأول واعترافه بالبيت الثاني واعتراف بخطأ البيت الأول ومنها أن جميع ما قيل في البيت الأول يقال في البيت الثاني عيناً بعين كما لا يخفى على المتأمل ومنها قوله

إن ذكر الماضي الخ يرد عليه أن الممثلين فعلوا وما اقتصروا على الذكر فالدليل غير المدعى كما هو ظاهر وأما استهزاؤه بمن كتب في التمثيل من جلة العلماء الأعلام فالجواب عنه ما أجاب الله تعالى من استهزأ بمن آمن بالله ورسوله (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون). وفي الختام نقدم النصيحة لآباء الأولاد أن يحفظوا عليهم آدابهم وأخلاقهم فلا يرموا بهم في المدارس التي تفسد تربيتهم وتضيع أوقاتهم فإن للأبناء حقوقاً على الآباء منها تحسين الأسماء وتعليمهم ما يلزم من أحكام الشريعة المطهرة وتأديبهم بآداب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتمرينهم على سلوك طريقته وفقنا الله لاتباعه وأماتنا على سنته. دمشق عبد الوهاب الشركة الجواب الرابع عشر لأحد علماء بيروت الأفاضل قيل لي ألا تكتب في مسألة تمثيل الروايات من حيث حلها أو حرمتها فقلت لقد كتب جملة من الأفاضل العلماء وكشفوا القناع عن حقيقة المسألة فهل بعد قول أولئك الأفاضل اعتراض لمعترض ولكني مع هذا أتطفل فأقول: إن التمثيل بالنسبة إلى الإفرنجة يجوز عده من الفضائل إن جاز نسبته الفضيلة إليهم وذلك لأنه يظهر لهم قبائح الوقائع الماضية ومحاسنها عياناً فينهجون على ما يظهر لهم حسنه ويجتنبون قبيحه كأحوال الملوك الظلمة وغيرها وأما بالنسبة إلينا نحن المسلمين فلا يعد فضيلة لأن لنا شريعة كاملة تكفلت لنا ببيان كل حسن وقبيح في دنيانا وديننا وعلمتنا الجزئيات والكليات من سياسة الممالك إلى كيفية دخول الخلاء ولكن لما تركنا العمل بها أخذنا نقلد الإفرنجة فيما يلهون به دون جدياتهم نرجو بذلك الاهتداء لإصلاح أمر دنيانا معرضين عن أمر ديننا وهيهات فما دمنا على هذه الحالة لا نزداد إلاَّ انحطاطاً. التمثيل إن خلا عن منكر وهيهات فهو أقرب إلى اللعب منه إلى الجد ولو كان فيه كما يقولون اعتبار لمثل الشارع صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما كرر الله تعالى ذكره في كتابه العزيز من إهلاك الأقوام السالفة وغيره والعاقل يتعظ بالإشارة على أن في مسرح الوجود وفي الوقائع الحاضرة من العبر ما يغني عن مسارح التمثيل التي هي في الحقيقة ملاهي ومراقص.

التمثيل كان معروفاً عند الرومان ومسارحهم باقية إلى اليوم في بعض البلدان فلماذا لم يدخله إلينا الخلفاء السالفون كالمأمون وإضرابه وقد أدخلوا علومهم من العقليات والرياضيات والفلكيات ألم يكن لأولئك الرجال من التمييز بين الغث والسمين مالشباننا المتفرنجين؟. ثم إن حضور بعض من تزيا بزي العلماء تلك المسارح لا يكون حجة على إباحة التمثيل ولقد كنا نرى البعض يحضرون مسارح (القباني) ورواياته في دمشق وفيها ما لا يخفى من التهتك ثم لو فرضنا حصول الاعتبار بشهود الرواية الخالية من المنكر إن فرض خلوها من قبيل فرض المحال فهل يوازي ذلك الاعتبار تضييع صلوة الفجر عند من يصلي من أنصار التمثيل أو يعتقد مشروعية الصلاة. وهؤلاء نأمل من الله أن يكونوا قد اقتنعوا بما كتبه علماء الدين في الحقائق. أما التاركون للصلاة الجاحدون لها فلا كلام لنا معهم وإنما نبين ما صح عن الشارع صلى الله عليه وسلم فيهم ليكون الناس على بينة في اجتنابهم ولتقوم الحجة على المؤثرين لأتباعهم. روى البخاري ومسلم في صحيحها وغيرهما من أصحاب السنن عن علي رضي الله عنه أنه قال إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخرُّ من السماء فتخطفني الطير أحب إليَّ من أن أكذب عليه سمعته يقول سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم إلى آخر الحديث وقد أخرجه البخاري في الجزء الرابع من صحيحه في كتاب الفتن فليراجع.؟ وقد تكلم الشراح على هذا الحديث فقال البعض أن علياً رضي الله عنه أراد بهؤلاء الخوارج الذين قاتلهم وأولوا آخر الزمان بآخر زمان الخلفاء الراشدين. وقال بعض الشراح لا يمتنع تكرر الخروج فكما خرج هؤلاء في آخر زمن خلافة النبوة فيجوز أن يخرج أيضاً في آخر الزمان قوم على تلك الصفة سيما ولفظ الحديث يساعد ذلك لإطلاق آخر الزمان أهـ وعندي أن هؤلاء اليوم هم بعض المتفرنجين النابذين للدين ظهرياً ولأجل تأييد ذلك فلنطابق بين ألفاظ الحديث وبين حالهم قوله صلى الله عليه وسلم (أحداث

الأسنان) وهو كذلك يسمون أنفسهم بالشبان المتنورين حتى إن من تقدم منهم في السن نوعاً يتزيا بزي الشبان في الملبس والتزيين وحلق اللحية والتخنث في الكلام حتى وفي الكتابة أيضاً وقوله عليه الصلاة والسلام سفهاء الأحلام ينطبق عليهم. من سفه أحلامهم تضليلهم السلف وطعنهم في مذاهب الأئمة ونظرهم لكتب الفقه بالاستخفاف مع أن كتب أصول الفقه تقرأ اليوم باللغة العربية في بعض كليات أوربا لأجل التضلع في علم الحقوق وهم يزعمون أن أوربا هي منشأ العلوم فهلا اقتدوا بأهل أوربا في تعلم الفقه الإسلامي؟ ومن ذلك تدرك مقدار سفه أحلامهم. وقولاه صلى الله عليه وسلم يقولون من خير قول البرية أي أنهم خطباء كتبة شعراء (وإن يقولوا تسمع لقولهم). تقدم أن بعض شراح الحديث قالوا في هؤلاء الخوارج المرادين بقوله صلى الله عليه وسلم سيخرج في آخر الزمان الحديث أنه لا مانع من تكرر خروجهم فمنهم من خرج في آخر زمن الخلافة ومنهم من يخرج في آخر الزمان وعلى كلٍ فإن بين الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وبين الموجودين اليوم بين ظهرانينا شبه ظاهر لا ينكر على بعد العهد وتقادم الزمن وسآتيك على ذلك بالبرهان الساطع فأقول: اطلعت منذ عامين على مقالة في إحدى جرائد بيروت لبعضهم ذكر فيها الخوارج الذين تآمروا على قتل علي رضي الله عنه وكرم وجهه وعلى قتل معاوية وعمرو رضي الله عنهما والشروط التي وضعوها لإقامة جمهورية لو تمَّ لهم قتل الثلاثة. يريد الكاتب أن هؤلاء الخوارج من قتلهم الإمام علياً رضي الله عنه وتصديهم لقتل معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما من أجل تأسيس الجمهورية هو أمر إسلامي مشروع وكنت وقتئذٍ عرضت المقالة على ناظم باشا أيام ولايته في بيروت فحال دون تتبعها مانع. فهذه المقالة التي استحسن فيها صاحبها فعل الخوارج الذين اغتالوا الإمام علياً رضي الله عنه وأرادوا اغتيال معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما اللذين يقول فيهما مؤرخوا الإفرنجة (لولا معاوية بالشام وعمرو بمصر لما ثبت الإسلام في هذين القطرين) هي دليل قاطع على أن بين هؤلاء الموجودين اليوم بين ظهرانينا وبين الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه صلة ظاهرة. فقد ظهر لك معدن هؤلاء فماذا عسى أن يكون تمثيل الروايات بازاء هذه الآراء

والمعتقدات (وما تخفي صدورهم أكبر) نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويتولى هدانا أجمعين.

الإصلاح ومنتحلوه

الإصلاح ومنتحلوه عود على بدء يأسف العاقل حين يرى هذا القلب الفخيم، والنعت الكريم، (الإصلاح) وقد أصبح ينتحله حثالة الناس وطغمتهم، وشرار الناس وفسقهم، فمن جاهل عنده ولا علم، ولا عقل له ولا فهم، ولا عدة له إلا ما تعوذه من أفانين البذاءة وأنواع الشتائم وثلب أعراض الناس بالباطل، ومن عالم قد خلف الشيطان في تضليله، وناب عنه في تلبيس الباطل بصورة الحق والتلاعب بأحكام الدين، ساعد على ظهور هؤلاء السفلة بمظهر المصلحين جهل الأمة وسكوت العلماء عنهم برهة من الزمن موهوا في خلالها على عقول بسطاء الناس وانخدع بهم بعض الجهلة الأغرار فزادوا غياً على غيهم وضلالاً على ضلالهم. دعوى الإصلاح وحب الرقي والتقدم كثيرة ولكن الدعوى الفارغة لا تقلب الباطل حقاً ولا تجعل الكذب صدقاً فإنا رأينا هؤلاء المتفرنجين الذين يسمون أنفسهم المصلحين يتلاعبون بدين الله ويفسرون كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم بمقتضى أهوائهم وينشرون البدع والأضاليل بين العامة ويقعدون عن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم حين يعظمه المسلمون ويكفرون أهل القبلة لأنهم يتوسلون إلى الله في حاجاتهم. رأيناهم يدعون إلى الفواحش والتياترو والتمثيل والللهو والفسق على صفحات جرائدهم ويحترفون بالسمسرة إلى المدارس الأجنبية ويرغبون الناس في الدخول إليها. رأيناهم يفرقون بين العناصر والملل ويسقطون من هيبة الحكومة بمفترياتهم ويطلبون خروج النساء المسلمات مكشوفات الرؤوس متبذلات أمام الفساق. رأيناهم تساق عليهم الدلائل الواضحة والحجج الناصعة والبراهين التي لا ينكرها إلا مكابر ولا يرفضها إلا جاهل أو متجاهل فينكرون ويستكبرون ويموهون ويدلسون وإذا ذُكروا لا يذكرون. رأيناهم ولا همَّ لهم إلا مقاومة العلماء وشتم الصلحاء وإيذاء كل من ينتمي للدين ويتمسك بشريعة سيد المرسلين وهو من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مرّوا بهم يتغامزون وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون. رأيناهم والعجب ملء قلوبهم والغرور مستولٍ على أفئدتهم والتفرنج آخذ بنواصيهم يسوقهم إلى الضار من هذه المدنية الغربية حتى أن تعلقهم بما لا ينطبق على الشرع منع أشد وحرصهم عليه أكيد. رأيناهم إذا ذكر لهم قول عالم من علماء أوربا أكبروه

وأخذوه قضية مسلمة لا ريب فيها وإذا قيل لهم قال الله ورسوله طفقوا يؤولونه على حسب أغراضهم مما لا يرضاه الله ورسوله. رأيناهم إذا ولي عليهم رجل يحب الدين وينصره ويهجر الفسق ويقاومه سلقوه بألسنة حداد وآذوه بكل أنواع الإيذاء ولقبوه بالمتدين الصالح سخرية واستهزاء. كل ذلك وأضعاف أضعافه يجنيه أولئك الذين يسمون أنفسهم (المصلحين) ثم إذا زجرهم علماء الدين الذين انقطعوا للعلم والتعليم ووقفوا أنفسهم لخدمة الدين قاموا عليهم يشتمونهم ويموهون على العامة بأنهم يتكلمون بذلك لحاجة في نفسهم أو عداء للإصلاح ورفضاً لكل جديد مع أن أولئك العلماء لم يقاوموهم بالحجة ولم يطلبوا منهم إلا أن يرجعوا إلى الحق ويعترفوا به ولكن ما دام أولئك المغرورون يعتقدون بنفسهم الإصلاح ويتبجحون بالباطل من قادتها أن يضعوا حداً لذاك الأمر الذي إذا دام على هذا النسق كان سبباً لفساد الأمور وضياع الحقيقة. من لنا بأن يعرف هؤلاء السفلة أقدارهم ويقفوا عند حدودهم ويرجعوا عن تضليل العامة والتسلط على الخاصة فإنهم لا تقنعهم الحجة ولا يردعهم البرهان. لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل. فاللهم ألهم العلماء أن يصرفوا أوقاتهم إلى تحذير العامة من غوايتهم وأضاليلهم وأنزل على أوليائك روحاً من عندك وهبهم ثباتاً على إظهار دينك والانتصار لشرعك. ونصيحتنا لهؤلاء الذين يغررون بالأمة في أقوالهم وأفعالهم أن يذكروا يوماً يرجعون فيه إلى الله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ويرجعوا عن تضليل العامة وتسفيه الخاصة والتلاعب بدين الله وأن يعلموا على ما يرقي الأمة إن استطاعوا فإن تولوا فما علينا إلا البلاغ.

البقاء لله

البقاء لله لموت قبيلة أيسر من موت عالم حديث شريف رزأت دمشق بفقد نخبة من خيرة علمائها، وصفوة أتقيائها وفضلائها، فجلّ بذلك الخطب، وعظمَ المصاب، وحلت عرى الجلد، وهدمت دعائم الصبر، ولكن ما الحيلة وقد كتب الله الموت على خلقه، وقضى بذلك قضاءً حتماً على عباده، ولا رادّ لقضاء الله فاجئتنا الأيام وداهمتنا الليالي بفادحة عظيمة كورت ثلاث شموس من أفضل علمائنا المبرزين. بكى عليهم العلم والفضل وآسف عليهم الأدب والنبل. وهم الحسيب النسيب، شيخ الشيوخ في دمشق المعمر المدقق البركة الصالح الأستاذ الشيخ عبد الله الركابي الشهير بالسكري والعلامة المفضال سليل بيت العلم والمج، صاحب العفة والاستقامة الشيخ رضا الحلبي مفتي دمشق الشام والعلامة النبيل، آية الأدب والفضل، الورع الصالح، صديقنا الشيخ محمد أبي الخير الطباع مؤسس وصاحب المدرسة الوطنية بدمشق. وقد كان لموتهم رنة أسف عمت القاصي والداني، والقريب والبعيد. مصاب أدمى القلوب، وأجرى الدموع، وأسال الآماق وكأن لسان الحال يقول: ولو كان سهماً واحداً لأتقيه ... ولكنه سهم وثانٍ وثالث فإنا لله وإنا إليه راجعون. وهنا يحسن بنا أن نذكر كلمة عن هؤلاء الأفاضل خدمة للعلم، وقياماً بواجب فضلهم عليهم من الله الرحمة والرضوان. العلامة الشيخ عبد الركابي السكري ولد رحمه الله سنة 1230 للهجرة بدمشق وتلقى علوم الفقه والكلام والتفسير والأصول والحديث واللغة والنحو والصرف والبيان وغيرها عن إجلاء قادة، وهداة سادة، من أفضلهم العلامة العمدة البركة محدث الديار الشامية الشيخ عبد الرحمن الكزبري والعلامة المحقق المدقق رأس الفقهاء الشيخ سعيد الحلبي والعلامة المحدث المفسر الصالح البركة الشيخ حامد العطار والعلامة المتفنن الورع شافعي عصره الشيخ عبد الرحمن الطيبي فحاز قصبات السبق في المعقول والمنقول وصار مرجع أهل عصره، وانقطع للقراءة والإقراء والتأليف، وعُين مدرساً للبخاري الشريف تحت قبة النسر بين العشائين وخطيباً لجامع

الشيخ الأكبر ورئيساً لمشيخة جامع بني أمية. وقد انفرد بعلو الإسناد حتى نقل عن بعض مشايخه أنه قال (وسندي هذا اليوم أعلا سند على وجه الأرض) وله التآليف العديدة، والتصانيف المفيدة في كثير من العلوم. وقد قال في بعضها (ومع ذلك لي بحمد الله تعالى نيف وعشرون مؤلفاً منها ما تم ومنها ما لم يتم فمن أعظمها كتابي المسمى بنعمة الباري شرح صحيح الإمام البخاري) وله كتاب شرح عقيدة الباجوري. وشرح على السنوسية، ورسالة في الإضافة لياء المتكلم، ورسالة في التهنئة بالأعياد، ورسالة في إغاثة الملهوف. وثبت جمع فيه إجازاته من شيوخه سماه تنبيه الإفهام في بيان صور إجازاتي من مشايخ الإسلام وقد انتفع منه خلق كثيرون منهم العلامة المفضال التقي الورع أوحد الفقهاء شيخنا الشيخ عطا الكسم والعالم التقي الحسيب النسيب السيد عبد الكريم أفندي الحمزاوي والعالم العامل الزاهد المرحوم الشيخ محمد الشاش وأخو الفقيد لأمه العالم الصالح المرحوم الشيخ عبد اللطيف الذهبي وغيرهم. وعمر حتى بلغ من العمر ما يقرب من مائة عام وكانت وفاته في الليلة الثالثة عشر من شوال سنة 1329 ودفن في مدفن خاص في تربة باب الصغير تغمده الله رحمته، وأدخله فسيح جنته. العلامة الشيخ رضا الحلبي هو العلامة المفضال الشيخ رضا ابن العلامة المحقق الجليل الشيخ أحمد ابن العالم العلامة الفقيه الورع الطائر الصيت الشيخ عبد الله ابن العلامة شيخ الشيوخ في عصره الحبر البحر الشيخ سعيد الحلبي. ولد رحمه الله بدمشق سنة 1379 وتلقى مبادئ العلوم في المدرسة الجقمقية وبعد أن تخرج فيها مدة سنتين واستوفى ما تدعو إليه حاجة المبتدي تاقت نفسه إلى الأخذ من العلوم بنصيب وافر فقرأ على والده وعلى العلامة المحدث المفسر الذائع الشهرة علماً وفضلاً الشيخ سليم العطار. وعلى العلامة الأوحد المنفرد بالتحقيق والتدقيق في جميع الفنون الشيخ محمد الطنطاوي وعلى العلامة المجمع على فضله صاحب التآليف العديدة مفتي دمشق الأسبق السيد محمود أفندي الحمزاوي وعلى العلامة الجليل المشهود له بالعلم والفضل الشيخ سعيد الأسطواني وغيرهم وبرع في الطلب حتى عد أوقد أقرانه ذكاءً وفضلاً واستقامة ونبلاً وفي سنة 1304 تقرر عليه تدريس البخاري الشريبف ودرس الفقه والوعظ في جامع بني أمية ثم في سنة 1317 وجهت عليه نيابة محكمة

الميدان فقام بها قيام الرجل الكفؤ قياماً دل على شرف في النفس، واستقامة في الأمر، ونزاهة في العمل، ثم عين سنة 1326 نائباً للمحكمة الشرعية الكبرى فكان أيضاً مثال النزاهة والعفة، جمع للقوة الإجرائية الرحمة والرأفة فكم أنقذ مظلوماً، وأغاث يتيماً، وأعان أيما ثم في سنة 13219 انتخب مفتياً لدمشق فزاد لطفاً على لطفه، وتواضعاً على تواضعه، وحسن مودة لمن يعرفه ولمن لا يعرفه، مما أوجب له الثناء من عموم معارفه والمترددين عليه وكان يظن لو امتد به الأجل أن ينفع وطنه، ويرقي شأن العلم والعلماء ولكن عاجله الأجل فانتزع من بين الآلاف من أصحابه وأحبابه، ولبى داعي ربه ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة 1329 وفي صبيحة يوم الجمعة ماجت الأرض بالألوف من الناس على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم الأمير والحاكم، والتاجر والعالم والغني والفقير، والصغير والكبير، ودلائل الأسف والحزن بادية على كل وجه، وأكثرهم يردد عبارات الحوقلة والترجيع حتى وصلوا به إلى مدفنه في مقبرة الدحداح حيث واروا جسده الكريم ثم انفضوا راجعين وألسنتهم رطبة بالثناء على عفته ونزاهته، واستقامته وكرائم خصاله. فنسأل الله له الرحمة والإحسان. العلامة الشيخ محمد أبو الخير الطباع ولد رحمه الله سنة 1298 وتربى يتيماً في حجر والدته العفيفة، تلك الوالدة التي كانت تشغل أكثر أوقاتها لاكتساب ما تنفق عليه. وبعد أن ترعرع وتعلم المبادئ الأولية، دخل المدرسة الرشدية، وكان رحمه الله نزوعاً لطلب العلوم الدينية، ميالاً للصلاح والتقوى، واقفاً مع أدب الشريعة الطاهرة، ترغب نفسه الأدب، ومطالعة كتبه فما عتم بعد أن أتم دروس المدرسة وحصل على شهادتها حتى اصطف مع طلاب العلم الشريف، وتحلى بجليتهم فتلقوه على الرحب والسعة، فقرأ على أجلة من الأفاضل، وعدة من الأماثل كالعلامة المحقق المدقق الورع الزاهد صاحب التصانيف الممتعة المفيدة الأستاذ الشيخ عبد الحكيم الأفغان نزيل دمشق. والعلامة العالم العامل محدث الديار الشامية المتفق على ورعه وجلالته الشيخ محمد بدر الدين المغربي حفظه الله وأبقاه والعلامة المتفنن العمدة المرحوم الشيخ سلطان الداغستاني والعلامة المحقق المفضال الشيخ محمود العطار وغيرهم وبعد أن تذوق لذة العلم والتعليم حنت نفسه الطاهرة إلى خدمة بني وطنه فدرس بمدرسة الريحانية

مدة لا تقل عن سنتين انتفع به خلق كثير. ثم شرع في توسيع نطاق الإفادة ونفع أهل الوطن فأسس مدرسته الوحيدة المعروفة (بالمدرسة العلمية الوطنية) وسعى في تحسينها وترقيتها فأقبلت الناس على أبوابها، ونمى عدد طلابها حتى ناف على 400 ولم يكن عمله هذا ليقطعه عن القراءة والإقراء فكنت ترى صباح مساء عدداً وفيراً من طلبة العلم يفدون داره للقراءة عليه، والأخذ عنه. وكان له عدة تآليف منها رسالة في الانتصار للكمال بن الهمام وأرجوزة في النحو وأخرى في الصرف وديوان كبير ضمنه بديع الشعر ورقيقه ورسالة في انتقاد شرح شعر أبي تمام ومقامة خيالية سبق نشرها في (الحقائق) وكتابات على كثير من كتب العلم والأدب. وما زال هذا دأبه وتلك عادته ينتفع منه صغير القوم وكبيرهم حتى لبى دعاء ربه وأجاب نداء خالقه في شوال سنة 1329 فأسف عليه كل من عرف أدبه وأخلاقه. وبكاه الناس وإنما بكوا الأدب والفضل، والغيرة والصلاح والنبل وكثير منهم يردد قول القائل: الموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الجيا فرحمه الله وأنزل على جدثه شأبيب العفو والغفران.

بم ينهض المسلمون

بم ينهض المسلمون إنَّ القلب لينفطر وإنَّ الأحشاء لتتمزق أسفاً وحزناً على المسلمين، حيث أمسوا في حال تنتابهم فيه المصائب من كل جانب، وتحدق بهم الأخطار من كل وجهة وهم الذين سادوا فيما غبر على جميع الأمم ودانت لهم كافة الشعوب، وامتد رواق نفوذهم في عامة أنحاء البسيطة. نعم إن التأثر ليبلغ منا مبلغه لما نراهم وقد قطعوا من أطرافهم، وصارت بلادهم مستعمرات لأعدائهم، وقد عبث الأجنبي بدينهم وأخلاقهم، وقسمتهم أيدي سياسته شيعاً وأحزاباً وهم أقوم أمم الأرض ديناً، وأوثقهم روابط، وأحسنهم أخلاقاً وآداباً. ليس من مفكر لا يهوله أمر أمة يربو عدد نفوسها على الثلاثماية مليون ضاربين في عامة أقطار الأرض تربطهم روابط قوية دينية وسياسية يراهم والعدو آخذ بخطامهم يجرهم إلى حيث يشأ، ويستعملهم فيما يريد وهم مستسلمون له، ومنقادون إليه وقد سامهم أنواع الخسف وأذاقهم آلام الهوان، استولى على ممالكهم، واستنزف ثروتهم وسلبهم أخلاقهم وآدابهم، وصير أحرارهم عبيداً تباع كما تباع الأنعام. عجيب من أمة دينها أسمح الأديان، وآدابها أحسن الآداب، وماضيها يفوق ماضي الأمم حضارة ومدنية، وقد أتيح لها من أسباب التقدم ملا تحلم به أمة فضلاً عن أن تناله. عجيب منها أن لا تكون هي القابضة على شؤون الأمم. وبيدها مقاليد أمورهم وأعجب منه أن تكون مقهورة لأعدائها. يلوح لنا بعد إجهاد الفكر، والاسترسال في البحث أن لا مخلص لهذه الأمة مما وقعت فيه إلا بقيام أفرادها في مشارق الأرض ومغاربها يعلمون على استرجاع حقوقهم المغصوبة ويسعون وراء ما يرقي شؤونهم ويرد إليهم ما أفقدوه من قوة ومنعة. وأول شيء يتحتم عليهم أمام نهضتها هذه أن يعملوا على ضم الدول والإمارات الإسلامية التي لا سلطة لأجنبي عليها إلى دولة الخلافة العظمى وإدخالها حمى حصنها المنيع على أن يُحفظ لتلك الدول والإمارات استقلالها الإداري وتطلق أيديها في عامة شؤونها الداخلية، وأن يمهدوا الطرق للتعارف مع إخوانهم في أنحاء الكرة الأرضية ويجتهدوا في تحسين الصلات فيما بينهم فإذا تمَّ لهم هذان الأمران (ضم الدول والإمارات إلى دولة الخلافة والتعارف مع عموم المسلمين) فليستبشروا بأنهم خطوا خطوة كبرى في سبيل التقدم. وأثروا أثراً تهتز له أعصاب مضطديهم إذ بذلك يجتمع تحت لواء واحد ما يقرب من مائة

مليون من نفوسهم، ويكونون يداً واحدة مع من تعارفوا معهم من بقية إخوانهم إذا دعاهم خطب، أو ألمت بهم ملمة. إن الأمر الأول من هذين ليس ببعيد الحصول على ساسة العثمانيين والمحنكين منهم بعد ما علم العالم أجمع ما صار إليه أمر دولة المغرب الأقصى من الاضمحلال، وما لاقاه ويلاقيه المصريون من وطأة الاحتلال، وما تهدد به الآن دولة إيران من الأخطار مما هو ناشئ عن ضعف هؤلاء الأمم الثلاثة لقلتهم بالنسبة إلى عدوهم فإذا أحسن العثمانيون سياستهم مع من انشق عنهم من الدول والإمارات وبينوا لهم الأخطار التي تهددهم كل آن وكل لحظة. وأعلموهم أن ليس المراد من ضمهم إلى دولة الخلافة إلا أن يستفيدوا من قوتها وتستفيد من قوتهم وأنهم يريدونهم على أن يكون استقلالهم الإداري لا يشاركهم فيه غيرهم أمكنهم أن يتوصلوا إلى بغيتهم ألا وهي جمعهم على دولة الخلافة، أكبر دولة إسلامية في الأرض. والأمر الثاني (وهو التعارف مع عموم المسلمين) اقرب منالاً من الأول ولا يحتاج الحصول عليه إلى زائد مشقة فهو يتحقق فيما نرى بعدة أمور منها ما أشارت به بعض الصحف الإسلامية، وطلبت من عموم المسلمين تحقيقه وهو إنشاء جامعة إسلامية كبرى تؤلف من كبار مفكري المسلمين، وخاصة عقلائهم تسعى وراء تعارفهم، وتوثيق عرى الروابط فيما بينهم يراعى في تلك الجامعة كونها في مكة المكرمة (بيت الله الحرام) ويعين لاجتماع أعضائها أشهر الحج من كل عام على أن لا تتداخل بشؤون دول الإسلام وإماراتهم الخاصة ولا تخوض عباب السياسة الأجنبية بل تقتصر على أداء مهمتها وهي النظر في تعارف المسلمين وجمع شتاتهم، وتنظيم شؤونهم ومنها أن يتبادل ملوك الإسلام وأمراؤهم الزيارة فيما بينهم وليبدأ بذلك صغيرهم كبيرهم وليبدأوا جميعاً بزيارة جلالة الخليفة الأكبر وهو أدامه الله يعطف عليهم ويرد إليهم زيارتهم. ومنها أن ترسل كل دولة وإمارة من دول المسلمين وإماراتهم وفداً من فضلائهم ليتشرفوا بمقابلة أمير المؤمنين ويعرضوا شؤون أممهم على حضرته وذلك يتحتم أن يكون في كل عام لما يحدث لهم من الأمور ويطرأ عليهم من الأخطار. ومنها أن تنشئ كل دولة من دول الإسلام على نفقتها صحفاً يقوم بتحريرها عدد من الفضلاء تصدر في عواصم تلك الدول بأمهات اللغات الإسلامية تهدى جميعها بلا مقابل

إلى نبلاء المسلمين وأذكيائهم في عامة الأقطار على أن يكون مبدأ تلك الصحف تنبيه المسلمين إلى ما حاق بهم مما كاد أن يصطلم أمرهم ويذهب بمقوماتهم ومشخصاتهم ودعوتهم إلى توثيق عرى الاتحاد والتآلف بينهم وبين عامة إخوانهم في الكرة الأرضية وحثهم على التمسك بدينهم وأخلاقهم فلا يدعون العدو يعبث بشيء منها وحضهم على تقوية رابطتهم السياسية (الخلافة العظمى) فهي من خير جوامعهم ودعوتهم إلى تغميم التعليم الابتدائي بجعله إجبارياً على كل مسلم في صغره مهما كان حاله ففي ذلك فوائد جلية للمجتمع الإسلامي وحثهم على جمع الإعانات من عامة أفراد المسلمين في سائر الأنحاء لتصرف على بناء الأساطيل وتشييد المعاقل والحصون وإعداد المعدات الحربية التي تستطيع أن تقف أمام الأعداء وترد هجماتهم وذلك يمكن بإنشاء جمعية من غيوري المسلمين وأولي الحمية منهم يكون مركزها العام الأستانة. ولها فروع في عامة المدن الإسلامية فإن المسلمين على وفرة عددهم إذا دفعوا على نسبة كل فرد منهم عشرة قروش في كل سنة تصبح قوتهم في قليل من الزمن أعظم القوى ويغدو أسطولهم أضخم الأساطيل وتحمى حماهم فلا تستبيحه أمة مهما عظمت قوتها وزادت سيطرتها. هذا ما خطر لنا الآن من أسباب تعارف المسلمين الذي هو أحد سببي رقيهم واسترجاعهم مجدهم السالف وإنا لنطلب من علماء المسلمين وعقلائهم ممن له معرفة بأسباب الرقي والانحطاط والاطلاع على العلل والأمراض الاجتماعية أن يفكروا في الأسباب التي تنقذ المسلمين من غفلتهم. وتخليصهم مما هم واقعون فيه ونرغب إلى أولئك السادة أن ينشروا آراءهم على صفحات الصحف ليطلع عليه المسلمون في أقطار الأرض. ويأتمروا به. هذه كلمتنا الآن في هذا الموضوع وربما عدنا إليه بأوسع منها والله المستعان.

العلماء والوظائف

العلماء والوظائف إسناد الوظائف العلمية إلى غير أهلها، وتمكين الجهلة من التربع في مناصب العلماء مما أثر على المسلمين، وساعد على عدم انتظام شؤونهم لما في ذلك من القضاء على العلم الذي هو أس المدنية وأساس العمران، وتمهيد السبيل لتفشي الجهل الذي هو منبع الرذائل، وأصل كل شر. لسنا الآن بحاجة إلى إطراء العلم وما ينتج عنه، وذم الجهل وما يترتب عليه فقد أصبح العقلاء كافة يشعرون بفضل العلم، ويحسون بألم الجهل إنما كلامنا الآن في الأسباب التي نشأ عنها هذا الخلل، وبيان ما على الأمة إزاءه. إن ما نتصوره من أسباب هذا الخلل أمور ثلاثة، تغاضي ولاة الأمور فيم أكثر البلاد عن التعرف بالعلماء العاملين. وركونهم إلى أدعياء العلم من الجهلة، تقاعد العلماء الحقيقيين عن الأخذ بالوسائط لنيل المناصب التي هي خالص حقهم، ونفرتهم من الحكام نفرة الشاة من الذئب، قيام مدعيي العلم متمثلين بزي العلماء يسعون بما فيهم من قوة للحصول على الوظائف العلمية ويستعملون الأسباب المنكرة للاستيلاء عليها. هذه الأسباب التي نجم عنها حرمان العلماء المخلصين من وظائفهم، وتقليدها من لبس لباسهم من جهلة الناس وأغبيائهم ممن إذا سئلوا أفتوا بغير علم، وإذا قضوا حكموا بغير ما أنزل الله، وإذا وعظوا أحلوا الحرام وحرموا الحلال، وإذا أموا الناس في صلاتهم أخلوا بشروط الإمامة والصلاة، وإذا خطبوا لم يكن لكلامهم تأثير، فهم قوم ألفوا المنكرات واستغرقوا في الشهوات. قوم قعدوا بالمسلمين عن اللحوق بسلفهم الصالح، وحالوا بينهم وبين الاقتداء بهم في كرائم الخصال، قوم خفضوا من قدر علماء الإسلام، وحطوا من منزلتهم حيث لبسوا ظلماً لباسهم وهم خلو من الصفات الفاضلة، براء من الشمائل التي يجب أن يكون عليها العلماء. إن ما نراه متحتماً على الأمة لهذا الخلل ومنعاً لسريانه أمران: الأول أن يعمل الحكام على التعرف بالعلماء الحقيقيين، ويقوموا لهم بواجباتهم، يقصرون عليهم الوظائف الدينية من إفتاء وقضاء وتدريس وإمامة وخطبة وغيرها، ويسعون لنزع مناصبهم من أيدي من اغتصبها منهم، ويحظرون على العامة أن تتزيا بأزيائهم، ويساعدونهم المساعدة الكافية لبث روح العلم في عامة طبقات الأمة.

وأول شيء يلزمهم تقديمه بين يدي عملهم هذا إبعاد من التف حولهم من الجهلة عن مجلسهم، وعدم الأخذ بشيء من آرائهم ووساوسهم وبذلك يكونون ممن أدى الأمانة إلى أهلها وقام بما يجب عليه للدين والعلم. الأمر الثاني أن يقصر العلماء المتقون عن التباعد من المناصب، ويكفوا عن مجافاة الحكام فإن هذا الزمن غير الأزمنة التي تطلب فيها العزلة، وتحمد فيها المجانبة حيث توفر في تلك الأزمنة العلماء المصلحون، ونما فيها عددهم، وقد انقرضوا في هذا الزمن ولم يبق منهم إلا بقية هي في عداد المخربين كالشعرة البيضاء في الشاة السوداء فالدين يحتم عليهم في هذه الآونة مراقبة سير الحكام ومداخلتهم في شؤونهم بل يجب عليهم أن يستعملوا الوسائط ويبذلوا الجهد لأن يكونوا هم الحكام وأهل الوظائف فهم قادة الناس إلى كل خير، وزعماؤهم في كل صلاح وأعظم مهمة لديهم أمام نهضتهم هذه أن يحتفظوا بأزيائهم ومميزاتهم، ويعملوا على عدم تمكن أحد من التلبس بها إلاَّ بالاستعداد لها وذلك بأن يحصل على ملكة تامة في فهم علوم الدين تؤهله للتربع على كراسي الإرشاد، وتخوله مزاحمة العلماء في جميع ماعهد إليهم وبذلك يحفظون العلم من أن يدعيه الجهلة الأغرار، ويحفظون العامة من الركون إليهم في أقوالهم وأفعالهم. إذا توفر هذان السببان (قيام الحكام بما يجب للعلماء وقيام العلماء بواجباتهم للأمة عموماً) فلا يلبث دعاة الفساد ممن زجوا أنفسهم في غمار العلماء أن يتلاشى أمرهم، ويفقدوا سلطتهم، ولا يمضي زمن يسير على المسلمين حتى تنتظم شؤونهم ويعم العلم كافة أفرادهم، ويسير العدل في عامة أنحائهم، ويرد إليهم ما فقدوه من سنن الإسلام وآدابه.

تحريم متعة النساء

تحريم متعة النساء (5) تابع لما نشر ص 135 من المجلد الثاني قال مؤلف الرسالة ما مؤداه أن زفر يحكم بصحة النكاح على التأييد إذا وقع بصيغة المتعة ويلغي شروط المتعة وأن أبا حنيفة لو قال أتزوجك متعة ينعقد بعه النكاح ويلغو قوله متعة وأن الإمام مالكاً يقول بجواز نكاح المتعة كما نقله في حاشية شرح ملتقى الأبحر إلى أن قال فما صح في بعض الكتب من اتفاق الفقهاء الأربعة على التحريم غير صحيح لأن مالكاً أفتى بالإباحة أهـ. ونقول: أما ما نقله عن أبي حنيفة وزفر فليس مما نحن فيه لأن ذلك من الشروط الفاسدة التي تسقط ويبقى النكاح صحيحاً دائماً غير مؤقت فذكره في معرض الاستدلال على حل المتعة ما هو إلا تشويش وافتراء فلا يلتفت إليه. وأما ما نقله عن حاشية شرح ملتقى الأبحر فالجواب عنه أن نسبة الإباحة للإمام مالك غلط كما نبه على ذلك العلامة ابن عابدين في حاشيته على الدر ومن العجيب أن مؤلف الرسالة قد بلغ به حب التشويش إلى أن صار يأخذ أحكام مذهب الإمام مالك من غير مصادرها المعروفة وكيف خفي عليه أن أحكام كل مذهب إنما تؤخذ من كتبه المختصة به كما هو مقرر مشهور. ومذهب الإمام مالك تحريم المتعة كما نقله العلامة الزرقاني في شرح الموطأ وإليك نص عبارته. . أجمعوا على أنه (أي نكاح المتعة) متى وقع الآن فسخ قبل الدخول وبعده إلا زفر فقال بصحته لأنه من باب الشروط الفاسدة إذا قارنت النكاح بطلت ومضى النكاح على التأييد أهـ وقد بين العلامة الزرقاني أيضاً أن خلاف الصحابة إنما كان في الصدر الأول إلى آخر خلافة عمر رضي الله عنه وأما بعد ذلك فقد وقع الإجماع على تحريم المتعة حتى ابن عباس في إحدى الروايتين عنه وبما بيناه ظهر افتراء مؤلف الرسالة على زفر وأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم ثم لم يكتف مؤلف الرسالة بالتدليس والتشويش الذي صنعه في بحث متعة النساء كما نُبهنا على كثير منه فيما تقدم بل استطرد لبحث حج التمتع واعترض على أهل السنة بأنهم يقولون بجواز العمرة في أشهر الحج وأن الإمام

أحمد يجوز فسخ الحج إلى العمرة مع أن عمر رضي الله عنه قد نهى عن ذلك. وزعم مؤلف الرسالة أن حال المتعتين في الإسلام واحد وأن عمر رضي الله عنه قد نهى عنهما بعبارة واحدة حيث قال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أنهى عنهما الخ قال فكيف أخذ أهل السنة ينهيه عن متعة النساء ولم يأخذوا بنهيه عن حج التمتع الخ ما ذكره. ونقول أما بحث متعة النساء فلا تعلق له بمتعة الحج كما هو واضح إذ كل منهما بحث مستقل لا ارتباط له بالآخر فالقول بأن حال المتعتين في الإسلام واحد ما هو إلا افتراء وتشويش. وأما ما زعمه من أن عمر رضي الله عنه قد نهى بعبارة واحدة في قوله متعتان الخ فقد قلنا فيما تقدم أنا لم نجد ذلك فيما أطلعنا عليه من كتب الحديث الصحيحة على أن أهل السنة لم يأخذوا تحريم متعة النساء ولا جواز العمرة في أشهر الحج من قول عمر رضي الله عنه متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة كما استوفينا الكلام على ذلك فيما تقدم. واستدلوا أيضاً على جواز العمرة في أشهر الحج بما أصبح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الإمام أحمد قد قال بجواز فسخ الحج إلى العمرة مستدلاً على ذلك بظاهر ما ثبت عنده من الأحاديث الصحيحة وأما الأئمة الثلاثة فقد أجابوا بأن ذلك منسوخ. . وأدلة كل منهم مبسوطة في محلها ولسنا بصدد بيان ذلك إذ لا علاقة له في البحث. ومن أراد التحقيق في بحث حج التمتع وفسخ الحج إلى العمرة فليطلع على ما كتبه العلامة الإمام النووي وغيره من العلماء الراسخين في العلم الذين يبحثون في أحكام الدين بحث من يطلب الحق ولا يتعصب لغيره. وفي الختام ننصح لمؤلف الرسالة أن يلزم الأدب مع كافة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع جميع علماء المسلمين وأن لا يشتغل بأمثال هذه التشويشات التي فرغ العلماء من تحقيقها بل الواجب عليه وعلى جميع المسلمين أن يسعوا جميعاً إلى جمع الكلمة والتحابب والتآلف وترك ما يخل بذلك ولا سيما في هذه الأزمنة التي يرصدنا بها الأعداء ويسعون في إضعافنا بكل ما يمكنهم من الوسائل. . ولولا الخوف من التباس الأمر على العامة ووجوب البيان على العلماء إذا سئلوا عن حكم من أحكام الشريعة لما كتبنا في مثل

هذه الأبحاث المفروغ منها هذا ونسئل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لتأييد الحق والتمسك بالسنة وأن يصرف عنا كيد الشيطان ويحفظنا من إتباع الهوى ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

المولد النبوي الشريف

المولد النبوي الشريف بمناسبة قرب اليوم الموافق لميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نبين أن عمل المولد الشريف من السنة المستحسنة الداخلة تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة الحديث خدمة لمقامه الشريف وتنشيطاً لمحبيه صلى الله عليه وسلم على هذا العمل المبرور. إنَّ عمل المولد الشريف هو تلاوة طرف من سيرته وأخلاقه ومعجزاته صلى الله عليه وسلم ولا مانع من أن يعم الله تعالى الحاضرين ببركة من عنده نظراً لمحبتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وذكرهم أخلاقه وشمائله وطرفاً من معجزاته ليزدادوا إيماناً وقد قال الله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فيجوز أن يشمل الله بلطفه وعنايته التالين لقصة نبيه المؤمنين به كما رفع العذاب عن قوم بسبب وجوده فيهم والعجب من بعض الناس كيف ينكرون على من عمل المولد الشريف وهم عاكفون على قراءة الروايات وأقاصيص اللهو والغرام ويترجمون كتب مشاهير الفرنجة ويعكفون عليها ويزعمون أنها تنور العقل وتوسع دائرة الفكر ولو عقلوا الأمور وتدبروها لعلموا أن في مدنيتهم الغابرة مدنية زمن الرسول والأصحاب ما يغني عن تلك الأضاليل والخزعبلات إذ أن فيها جميع ما تحتاج إليه الأمم في الأزمنة من الفضائل والأخلاق الشريفة بل كل مدنية في العالم هي مأخوذة من شريعته صلى الله عليه وسلم. وإليك طرفاً من أقوال أئمة الدين الأعلام في استحسان عمل المولد الجليل: قال الإمام جلال الدين السيوطي في فتاويه في باب الوليمة وقد سئل عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع وهل هو محمود أو مذموم وهل يثاب فاعله أم لا الجواب عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلون منه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف أهـ. قال الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي رضي الله عنهما ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف

وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع مافيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم في قلب فاعل ذلك وشكر لله على ما منّ به من إيجاد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين. قال الإمام السخاوي أن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن الكبار يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم أهـ. قال الإمام ابن الجوزي من خواصه أنه (أي عمل المولد) أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام أهـ باختصار. قال حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر وقد جوزي أبو لهب بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادته صلى الله عليه وسلم وأنشد في ذلك وأجاد: إذا كان هذا كافر جاء ذمه ... وتبت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الاثنين دائماً ... يخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره ... بأحمد مسروراً ومات موحدا قال الجنيد البغدادي إمام الطائفتين رحمه الله تعالى من حضر مولد الرسول الأعظم وعظم قدره فقد فاز بالإيمان أهـ. وقد نقلنا في المجلد الأول صحيفة (279) عن ابن حجر أنه خرَّج عمل المولد على أصل صحيح ثابت في السنة فليراجع. ويعلم مما ذكره أن قراءة قصة المولد الشريف أمر مشروع لم تزل الناس تعمل به منذ بضعة قرون إلى الآن والعلماء تقرهم على ذلك وتحثهم عليه هذا ما أردنا ذكره في عمل المولد الشريف ليرغب محبوه صلى الله عليه وسلم للقيام بهذا العمل المبرور وينبغي بل يتأكد على الإنسان أن يحسن في هذا اليوم إلى الفقراء ويواسيهم ويظهر الفرح والسرور ويتجمل بالثياب الحسنة ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محبة به وشكراً لله على ما أنعم به ومنَّ وتفضل على هذا الوجود بظهور هذا النبي الكريم والرسول السند العظيم نبي الرحمة وأنقذنا بواسطته من الضلال إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين. (تنبيه) ينبغي أن يقتصر في عمل المولد على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره

من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحاً بحيث يتعين للسرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ومهما كان حراماً أو مكروهاً فيمنع وكذا ما كان خلاف الأولى أهـ سيوطي.

المسلمون والأخلاق

المسلمون والأخلاق خلق الله الإنسان ذا فكر وتمييز ومنحه من القوى والملكات ما يهيئه للتدرج في مدارج الكمال ويسوقه للتربع على منصات السعادة. فهو أبداً يحب من الأمور أفضلها، ومن المراتب أشرفها، إن لم يعدل عن التمييز في اختياره، ولم يغلبه هواه في اتباع شهواته. أولى ما اختاره الإنسان لنفسه، السعي وراء كماله وسعادته ولا يتأتى له ذلك إلا أن يكون مرتاضاً بالأخلاق الفاضلة متجافياً عن السفاسف الساقطة آخذاً في جميع أحواله بأسباب الفضائل عادلاً في كل أعماله عن طرق الرذائل ولا شبهة في أن الإنسان لا يعدم في سائر أحواله خاصة التمييز بين الفضيلة والرذيلة ولا يفقد صفة الانجذاب إلى الكمال حيث يراه، والنفوس وإن كانت تتفاوت مراتبها في هذه الخاصية وتتفاضل احساساتها في تلك الصفة إلا أن الكمال في ذاته قوة جذابة تؤثر في الفؤاد الإنساني تأثيراً يدفعه إلى اكتساب كل شيمة وفضيلة واجتناب كل خصلة رذيلة حتى يبلغ بتهذيب أخلاقه ودماثة شمائله شأواً سامياً يجعل له في سجل الكمال أثراً عظيماً، وفي حديقة المعالي صرحاً مشيداً. نعم قد يوجد في بعض أفراد الناس من لا يقبل طبعه الأخلاق الفاضلة والشمائل السامية لسوء تربيته وعدم تهذيبه وتغلب الصفات البهيمية والشهوات الوحشية عليه فلا تهمه الفضائل ولا يبالي بما صدر عنه من ضروب الدناءة وأصناف الرذائل فتراه متسماً بالأخلاق المذمومة كالكذب والغش والخداع واللؤم والنفاق والغدر والاحتيال والخيانة والظلم وغير ذلك مما يطفئ نور الإنسانية ويشوش نظام الاجتماع البشري فمثل هذا يقضي حياته في تعاسة وشقاء وخسر وخذلان فهو ككتلة مادية ذات صورة إنسانية فلندعه وشأنه فإنه يصعب نجاحه ويعسر إصلاحه. ولنوجه كلامنا إلى من يحس بمكارم الأخلاق ويتلهف للوصول إلى غايتها ويشعر بمحاسن الآداب فإنك تراه يدرك أن الفضائل عماد طيب حياته، ورغد عيشه وإن الرذائل أسباب شقائه وسوء حاله فهو مدفوع إلى قانون أخلاقي يميز به الرذيلة من الفضيلة ليتجلى عن الأولى ويتحلى بالثانية. إن الأخلاق الفاضلة مناط سعادة الإنسان وهي أقوى عامل على تهذيب النفوس وتطهيرها من دنس الرذائل وأكبر دافع إلى التسابق لغايات المجد ومستوى الشرف، ثمراتها إعراض

عن اللغو، عفة في النفس، أداء للأمانة، رعاية للعهد، نطق بحكمة، صمت عن فضول، اصطبار على مكروه، رفق بالضعيف، حلم عند الغضب. هذه صفحات التاريخ تشهد أن ما من أمة تدرجت في مدارج المدنية وترقت في أوج السعادة فنشرت جناح سلطانها على الأرض واستخضعت لمنافعها قوى الطبيعة إلا بالأخلاق الفاضلة كالعدل والصدق والأمانة والشجاعة وغيرها كما تشهد أن ما من أمة انحدرت من شاهق مجدها وانحلت عروة مجتمعها إلا بتطرق الفساد إلى أخلاقها وفشو الرذائل بين طبقاتها كالظلم والخيانة واللؤم والنفاق إلى غير ذلك من الأخلاق السافلة. هذه قاعدة أصبحت بحكم القواعد الطبيعية في هذا الوجود البشري فكلما ترقت أمة فإنما تترقى بترقي الأخلاق وكلما تدنت أمة فإنها تتدنى بتدني الأخلاق كما ثبت ذلك باستقراء علماء العمران وإليه يشير القرآن العظيم بقوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فحق عليها القول فدمرناها تدميراً). انظر إلى دولة الرومان كيف بلغت ما بلغت من العظمة والرفعة أيام كانت الأخلاق الفاضلة منتشرة فيها، عزيزة عليها، محبوبة لديها، فلما منيت ببعض الفجرة من فلاسفتها الذين أخذوا يهدمون أركان الأخلاق الفاضلة ويدكون صروح الآداب السامية لم يمر عليها (وهي دولة العلم والمجد في زمانها) بضع عشرات من السنين حتى انهدم بناؤها وتداعى عمرانها وتغلغل في أحشائها أقوام كانوا السبب في تلاشيها واستيلاء الأغيار عليها. وانظر إلى الدولة الإسلامية كيف كانت في إبان ظهورها لما اتخذت الأخلاق الفاضلة مرجعاً لفخارها وأصلاً لمجدها وسؤددها ودرأ لأدوائها ووزنت الأمور بقسطاس دينهم (وهو قسطاس العدل المستقيم) استقامت على الصراط الأعدل والمنهاج الأقوم. ثم لم يلبث المسلمون ثمانين سنة (وهم على هذا السير المستقيم) حتى صاروا خلفاء الله في أرضه، كلمتهم العليا، وصراطهم الأبلج، ترتعد الملوك عند ذكر سلطانهم، وتهتز العروش خوفاً من نفوذهم، يقيمون حدود الله تعالى، قد ملئت بأنوار الحق قلوبهم، وتشبعت من روح الفضائل جوانحهم، ولم يلفتهم عن خطتهم ما عاينوه من المظاهر الفاتنة والأخلاق الفاسدة في مدينتي الفرس والرومان بل ترفعوا عما فيها من الجراثيم المفسدة للفضائل، القاتلة للعواطف وقابلوها بأفئدة ملئت ديناً وحكمة، وعرفت معنى الحياة الصالحة، واطمأنت إلى

ما وعدها الله به في كتابه العزيز من السعادة الحقة والكمال الخالص حيث قالب (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) الآية ثم لم يزل المسلمون في ترق وصعود كما دلت على ذلك آثارهم العظيمة، وأعمالهم الجليلة، حتى احتك الغربيون بالشرقيين فحدثت أمور أفضت بالمسلمين إلى ما هم عليه من الانحطاط والتأخر. تسرب داء التفرنج الذي حمل إلينا من أوربا باسم المدنية الغربية وأخذ يعشش في قلوب الشبيبة الإسلامية ويتلون لأعين العوام بما يؤثر عليها ألا ترى إلى كثير من العامة اليوم بعد أن كانوا يلتفون في حلقات الذكر ويصطفون في مجالس العلم ويهرعون إلى المساجد زمراً زمراً لأداء الصلوات وإقامة شعائر الدين صاروا يتحلقون في الحانات حول الصهباء ويحتفون في المنتديات بالراقصات ومسارح الخلاعة أكثر الليل ويتسارعون لاستماع آلات اللهو والطرب وحضور مواطن الفسق. أليس هذا من آثار ذاك الداء الفتاك الذي سرى إلى كثير من شبيبتنا الإسلامية ودار على محاور عقولها وجرى على مخالج أفكارها فتلوثت بأقذاره وتسممت بسمومه فاستبدلت الرذائل بالفضائل والوقاحة بالحياء والدناءة بالشهامة والذل بالعز والشقاوة بالسعادة. ومن عظيم ما أثر على الأمة الإسلامية أنها بليت بكتَّاب فقدوا رشدهم من سحر هذه المدنية الغربية وزاغت قلوبهم من مموهات زخارفها فنفثوا في روع الأمة اليأس والقنوط من استرجاع عزها واسترداد مجدها وقتلوا كل عاطفة شريفة وفضيلة كريمة. تالله أن كتاباً هذا شأنهم وذلك دأبهم لا يتصور أن يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حلّ بأمتهم ولا ضيقاً مما ينتابها لبعدهم عن أخلاق دينهم وانسلاخهم عم وطنيتهم. فيا عقلاء الأمة اصرفوا عنان همتكم وواصلوا الدأب والجد والاجتهاد في إنقاذ أمتكم من هذه الأوضار وبينوا لها الأسباب التي أوصلتها إلى هذه الحالة التعيسة ومهدوا لها سبل الارتقاء عن دركات الانحطاط إلى ذرى السعادة الأبدية واسعوا في تهذيب أخلاقها وتثقيف عقولها وارتفاع مجدها بنشر الفضائل والكمالات فإن أمتكم هي الأمة التي قامت بمدنية العالم بأسره وامتدت سطوتها وسلطتها إلى ما شاء الله من أنحاء المعمور فإن الله تعالى يقول (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله مع المحسنين).

من كلام علي بن أبي طالب

من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد النخعي قال كميل بن زياد أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأخرجني إلى الجبان فلما اصحر تنفس الصعداء ثم قال يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ مني ما أقول لك: الناس ثلاثة، عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤا إلى ركن وثيق، يا كميل العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، وصنيع المال يزول بزواله. يا كميل العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، يا كميل هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إن ها هنا لعلماً جماً (وأشار إلى صدره) لو أصبت له حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه مستعملاً آلة الدين للدنيا ومستظهراً بنعم الله على عباده وبحججه على أوليائه أو منقاداً لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة إلا لا ذا ولا ذاك أو منهوماً باللذة سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادخار، ليسا من رعاة الدين في شيء شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته وكم ذا وأين أولئك، أولئك والله الأقلون عدداً، الأعظمون قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، ولدعاة إلى دينه. آه آه شوقاً إلى رؤيتهم. انصرف إذا شئت.

الصلاة عماد الدين

الصلاة عماد الدين جعل الله سبحانه أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، وحثهم سبحانه على إقامة الصلاة والمحافظة عليها وأودعها من الأسرار والآداب ما يحير الألباب ويأخذ بالعقول وجعلها عماداً للدين وهي أول ما يسئل عنه العبد يوم يقوم الناس لرب العلمين، وليست الصلاة مما اختصت بها الأمة المحمدية بل هي مما دعت إليها الشرائع السماوية وجاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام بالأمر بها والاعتناء بشأنها وأوصوا أممهم بالمحافظة على أدائها والاهتمام بأمرها لأنها من أعظم أركان الدين، وللدين تأثير عظيم في انتظام شؤون هذه الحياة. وهذا مما لا نريد إلى سوق الأدلة عليه لأنه صار في حكم البديهيات عند جمهور العقلاء وإنما نريد أن نذكر من يتهاونون بالصلاة عملاً بقوله تعالى (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين). يا أمة محمد، حافظوا على صلاتكم فهي عماد دينكم وبها انتظام دنياكم وعليها مدار رقيكم وفيها قوام حياتكم وهي الرابطة لسلك اجتماعكم وإصلاح أحوالكم، فاعتبروا بما أصابكم من المصائب وارجعوا إلى الله عز وجل وتداركوا الأمر بالاستغفار وذكروا إخوانكم الذين يتركون الصلاة أو يؤخرونها عن أوقاتها وخوفوهم بما ورد من الوعيد الشديد لتارك الصلاة. قال رسول اله صلى الله عليه وسلم لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له وقال صلى الله عليه وسلم بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة وعن ثوبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك. والأحاديث التي وردت في مثل ذلك كثيرة وليست على ظاهرها بل هي محمولة على من ترك الصلاة مستحلاً لتركها وأما تركها تهاوناً وكسلاً فهو من الكبائر ويخشى على المتكاسلين عنها أن يعاقبهم الله بعذاب شديد ويتجلى عليهم بالغضب والسخط وكيف لا وهي عماد الدين ونور اليقين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الإيمان وقال صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر.

ولسنا بحاجة إلى أنه نكثر من الأحاديث الشريفة الواردة في الحث على شدة الاعتناء بشأن الصلاة والمحافظة على أدائها وإنما نرغب في تنبيه بعض المؤمنين الذين يتهاونون بذلك لعلهم يعتبرون. أيها المتهاونون بالصلاة، تهيئوا للعرض على الله وتزودوا لهذا السفر الطويل الذي أنتم إليه صائرون وقوا أنفسكم ناراً وقودها الناس والحجارة وحافظوا على آداب دينكم وتبصروا في أسرار شرعكم فإنما جاءكم به رسول عظيم أرسله الله رحمة للعالمين ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بشيء عبث (وما ينطق عن الهوى) بل إنما جاء عليه الصلاة والسلام بشرع محكم تستحسنه الألباب وتقبله العقول. إنَّ الصلاة من أعظم شعائر الإسلام وهي الروح لآداب هذه الحياة والينبوع الذي تنفجر منه صفات الكمال والأساس المتين لانتظام شؤون العمران ويترتب عليها كثير من المنافع الدنيوية والأخروية ولا سيما إذا أديت مع الجماعة في المساجد حيث يتعرف المسلم بإخوانه، ويطلع على أحوالهم فيسعف ضعيفهم ويأخذ بيد فقيرهم ويتعاون هو وإياهم على البر والتقوى. وإن المسلم إذا كان محافظاً على صلاته لا ريب أنه يكون ممتثلاً لأوامر الله عز وجل مجتنباً لمناهيه، واقفاً عند حدوده، طامعاً في ثوابه، وجلا من سخطه مراقباً له في حركته وسكونه. وما أجدر من يكون متصفاً بهذه الصفات أن يصرف معارفه في رقي بلاده ويبذل غاية جهده في إصلاحها ويعمل لنفع إخوانه وينصح لهم ويحسن إليهم. وإذا كان الإنسان متهاوناً بأمور الصلاة التي هي أساس دينه مضيعاً لهذه الأمانة التي أمره الله برعايتها فلا يرجى خيره ولا يؤمن شره وإن نال نصيباً وافراً من المعارف والفنون. ربما يقول قائل إننا نرى بعض المحافظين على الصلاة يخونون في بعض المسائل ويضرون إخوانهم، فنقول له إن هؤلاء على قلتهم لا بد من أن تنهاهم صلاتهم عن ذلك فيتركوا جميع الأمور الضارة ويتزينوا بحلية التقوى قال الله عز وجل (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا. على أنا لو دققنا النظر فيمن يتعمدون الخيانة والضرر لوجدناهم غير محافظين على الصلاة لأن الصلاة لها روح وشروط وأركان

وواجبات وآداب. ونحن نرى الكثير يخلون بذلك بسبب ما استولى على قلوبهم من الغفلة والانهماك في سفاسف الأمور التي لم يخلقوا لأجلها. إننا نرى أناساً يقومون في الصلاة بأجسامهم وقلوبهم متفرقة لا يلاحظون عظمة الله عز وجل ولا يتذكرون أنه سبحانه ناظر إلى أفئدتهم عالم بما يختلج في صدورهم مطلع على ما تكنه ضمائرهم فهم الغافلون عن ذكر الله عز وجل المخالفون لأمره سبحانه قال تعالى (وأقم الصلاة لذكري) وقال تعالى (ولا تكن من الغافلين) وقال تعالى (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي أوصاه (وإذا صليت فصل صلاة مودع) قال صاحب القوت أي مودع لنفسه مودع لهواه مودع لعمره صائر إلى مولاه عز وجل. فكيف حالة المصلي إذا كان غير خاشع في صلاته ولا مستحضراً في قلبه عظمة الله تعالى الذي هو المقصود الأعظم والمبتغى المطلوب الأهم وما قيمة ذكره إذا كان من الغافلين وماذا يكون حظه من الصلاة إذا كان في عداد الساهين. إننا نرى أناساً يصلون ولا يتمون الركوع والسجود ولا يعقلون ما يقولون وهم يحسبون أنهم محافظون على الصلاة مع أن صلاتهم باطلة مردودة عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزي صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود وعن أبي عبد الله الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مات هذا على حالته هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي لايتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئاً. وهنا نستلفت أنظار عامة المؤمنين لينصحوا إخوانهم ويعلموا الجاهلين منهم فإن الصلاة ليست مجرد قيام وقعود بل هي روح لحياة القلوب يقف العبد فيها لمناجاة خالقه ويقبل على مولاه بقلبه وفكره وسائر جوارحه مستحضراً لعظمة من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، متأملاً فيما جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه ثم يتمم العبد الصلاة خاشعاً مطمئناً في ركوعه واعتداله وسجوده فالصلاة إنما هي وصلة بين العبد وبين ربه تعالى يستنزل بها الرحمات، ويستدر بها

الفيوضات، وإليك بعض ما كتبه في هذا الموضوع العالم الاجتماعي محمد فريد بك وجدي قال: لما كانت الروح مستمدة وجودها من النور الإلهي مباشرة فلا يجوز لصاحبها أن يجعل جسمه الكثيف حجاباً غليظاً بينها وبين محتد حياتها بل يجب عليه أن يعرضها آناً فآناً لفيوضات ذلك النور الأقدس حتى تكتسب نشاطاً جديداً وتقوى على مصارعات مقتضيات الجسد فلا يكون له عليها سلطان كما هو شأنه عند كثير من الناس حتى صاروا إلى الحيوانية النازلة منهم أقرب إلى الإنسانية الكاملة. ولذلك جاءت الديانة الإسلامية آمرة بالصلاة وهي ليست شيئاً سوى تخلية الفكر من الشواغل المترددة عليه والتوجه بالقلب إلى الله تعالى مباشرة توجهاً صحيحاً بتعطش تام لتتمكن الروح من قبول الإمداد القدسي مباشرة فتكتسب حياة جديدة طيبة تستطيع بها أن تكبح جماح شهوات البدن فترده إلى نقطة الاعتدال وتذوده عن موارد الضلال وإلى هذا يشير الله تعالى بقوله (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وبناءً على هذا فالصلاة بالنسبة للروح يمكن تشبيهها بالغذاء بالنسبة للجسم. ولما كان لا يجوز للإنسان بوجه من الوجوه أن يحرم جسمه من الغذاء حتى يموت جوعاً كذلك بل بالأولى لا يجوز أن يهمل روحه من غذائها الروحاني حتى تتغلب عليه صفات الحيوانية ويضارع الوحوش في صفاتها البهيمية فلا ينفعه بنطلونه المزركش ولا قميصه الملمع أهـ. هذا ما نكتبه الآن للعاقل المؤمن فلعل المقصر يتدارك الأمر بالتوبة ويتهيأ ليوم المعاد وفي ذلك بلاغ لقوم يسمعون.

جوابنا عن التمثيل

جوابنا عن التمثيل كنا نود أن لا نزيد على ما نشرناه من قبل في الأجزاء 3 و 4 و 5 و 6 بأقلام علماء الدين، وأفاضل المحققين لولا أن سبق منا في الجزء 2 ص 70 وعد اضطرنا الوفاء به إلى كتابة ما يأتي، ونحن على علم بأن جميع ما كتب في هذا الموضوع على نضجه ومتانة أدلته، وتوافق علماء الشريعة عليه قد لا يجدي بعض المتعنتين من عشاق التمثيل الذين يظهر لهم الحق بأجلى مظاهره فيعرضون عنه. ويلوون رؤوسهم دون اتباعه ذلك لما نشئوا عليه من حب التفرنج والجهل بالدين، والميل إلى كل جديد، وإن أضر بالأدب وقضى على الشرف والأخلاق، ولولا هذه البدعة المنكرة التمثيل بين العامة وميلهم إليها بعد أن كانوا ينفرون منها ويبتذلونها أيام كانت خاصة في أمكنة الفسوق، ومحال اللهو والخلاعة لكان الأجدر بنا إرتاج باب هذا الموضوع وعدم الخوض فيه. ولكن دعت الحاجة إلى الكتابة فيه لما انتقل إلى بيوت العلم المدارس وأخذ أنصاره يغررون بالعامة ويوهمونهم أنه من مثقفات العقول، ومهذبات الأخلاق. التمثيل المبحوث عنه هو عبارة عن تشبيه أشخاص بآخرين بالحركات والهيئات والأقوال والأفعال والألبسة والأزياء والكنى والأسماء والرتب والوظائف والأوصاف فيشمل ذلك المسلم والكافر والذكر والأنثى بالصدق والكذب، والقصد الحسن والسيء. التمثيل إذا اشتمل على لعن أو سباب أو منابزة أو سخرية أو تبختر أو عتو أو تكسر أو تلو أو تخنث بالحركة أو الصوت أو إسراف في الأموال أو تضييع لبعض الصلوات أو هيئة الشربة أو الظلمة أو مرد لا يؤمن من النظر إليهم أو نساء مطلقاً أو تشبه بهن أو آلات طرب محرمة أو لبس لزنار أو قبعة الكفرة أو ركوع أو سجود أو إشهار سيف على مسلم أو تهديده به أو لبس نحو حرير أو إضرار بأحد معين. فلا خلاف حتى عند القائلين بجواز الأدبي منه في منعه والقول بوجوب إزالته على كل قادر لوجود المنكرات المتقدمة كلها أو بعضها فيه مما هو ظاهر المخالفة للشرع وتعاليمه. نعم إنما الخلاف بين علماء الدين وبين مخالفيهم من أنصار التمثيل فيما إذا تجرد من جميع ذلك وهو ما يسمونه التمثيل الأدبي بزعمهم وليت شعري هل يتصور عاقل خلو التمثيل عن المنكرات وهو هو الأمر البدعي الذي لا يحكم بجودته إلا إذا امتلأ غيبة وكذباً ومنكرات ومفاسد وبولغ فيه بمدح أو قدح من لا يعرف من أمره غير ما يتقوله عليه مخترعوا الروايات وبعض المؤرخين.

إن البراهين التي تؤيد بها الباحثون أبحاثهم ويثبت بها العلماء حججهم كثيرة جداً وأعلاها وأقومها بالاتفاق المشاهدة. فهل شوهد أن تمثيلاً خلال عن منكرات حظرها الشرع، وحكم بفسادها العقل السليم؟ سؤال نطلب الجواب عليه من أنصار التمثيل وحماته، بل من كل من شاهد تمثيلاً في حياته، يكفينا أيها الناس ماحل بنا من التقاليد الأوروبية ألم يقنعكم أن تفرنج الناس في الألبسة والأطعمة والكلام والقيام والمسكن والمنزل والتجارة والتربية والأخلاق والعادات واللغات حتى جئتم اليوم تحببون إليهم هذه البدعة المنكرة التمثيل لتقضوا بذلك على ما بقي بأيديهم من النذر اليسير من الأخلاق والعادات. إن كان قصدكم بهذا إصلاح الأمة فاعلموا أن الأمة لا تصلح بتقليد الإفرنجة واتباع عاداتهم إذ فرق بين إلحادي وديني ومتشرع ودهري. ولا صلاح لمن يعتقد أن وراء هذه الحياة حياة أبدية باقية إلا باتباع دينه والوقوف أمام حدوده وليس للغربيين أخلاق وعادات يجب أن نحسدهم عليها ونوافقهم على الأخذ بها. وفيما جاء به الشرع والدين هداية وكفاية للمستبصرين. على أنا لو سلمنا بخلو التمثيل عما تقدم من المنكرات السالفة هل يتصور خلوه عن الغيبة والكذب وتغيير الخلق؟. يقول أنصار التمثيل نعم فيما إذا كان أدبياً محضاً لا يقصد منه غير تهذيب الأخلاق وتنمية العقول وما يحصل فيه من الكذب والغيبة مغتفر للحاجة ونحن نقول في الجواب أن هذا قول من لم يضرب بالعلم بسهم ولم يأخذ منه بنصيب. ويشبه أن يكون قول متعنت غلب عليه حب البدعة، وخامر عقله الانتصار للشهوة. ذلك لأن الغيبة والكذب من الكبائر الحرمة التي جاء نص الكتاب المجيد بتحريمها أبدياً، وتوافق على ذلك المسلمون خلفاً عن سلف فلا يباحان لمطلق أمر، ولا يحلان لشبهة حاجة، ولذا قال العلماء رضي الله عنهم المرخص في ذكر مساوئ الغير لا بد وأن يكون غرضاً صحيحاً في الشرع لا يمكن التوصل إليه إلا به. فهل لا يمكن التوصل لما يقصده أنصار التمثيل من (الإصلاح) إلا به؟ سؤال يجب على كل ذي نصفة تدبيره وتأمله ثم الجواب عنه بما يوحيه إليه الحق وصفاء القلب الخالي عن شوائب التعنت والإغراض: اللهم إنك تشهد أن زمن الجاهلية زمن المؤُودة زمن السلب والنهب كان مجمع الشر والفساد وأن رسولك محمداً صلى الله عليه وسلم تمكن من هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور وجعلهم أرقى أمم

الأرض حضارة ومدنية وأدباً وأخلاقاً وتقدماً ورقياً بغير تمثيل رواية ولا تشخيص كوميدة (تياترو) وتشهد أن خليفته الأول سيدنا أبا بكر رضي الله عنه سار بالناس سيرة حسنة وشيد لهذا الدين صرحاً لا تزعزعه الأيام من غير أن يشخص رضي الله عنه رواية أو ينزل في مسرح من مسارحها وأن خليفته عمر ومن بعده من الصحابة رضي الله عنهم نهجوا هذا المنهج السديد واقتفوا هذا الأثر الحميد من غير تشخيص روايات ولا تمثيل حكايات وأن من بعدهم من أمراء المؤمنين والملوك العادلين والعلماء العارفين عمروا الأرض وفتحوا البلاد ولم ينصبوا مسرحاً ولم يمثلوا رواية مع أنه كان موجوداً مخترعاً حتى قبل زمنهم بكذا كذا مئات السنين. وإذا ثبت أنه يمكن التوصل إلى إصلاح الأمة بغير التمثيل فيجب منعه ويتحتم القول بتركه وما يقال كما سبق من أنه يمكن أن يوجد تمثيل بلا غيبة ولا كذب مردود بأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء في نسبه أو بدنه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه وسواء التصريح بذلك باللسان أو التعريض به بالإشارة أو الإيماء أو الغمز أو اللمز أو الكتابة أو الحركة أو كل ما يفهم المقصود. وسواء غيبة الميت والحي والواحد والجماعة المذكورين بأوصافهم وأسمائهم وأزمنتهم وأمكنتهم وعلى هذا لا يخلو الممثل من أن يكون حياً أو ميتاً واحداً معلوماً أو جماعة موصوفين بما تقدم وغيبة الكل محرمة يجب اجتنابها فالتمثيل المؤدي إليها يجب اجتنابه. ودعوى أن ذلك يعد غيبة حيث ذكر الممثلون بما فيهم الغير نقصانهم بخلاف ما إذا ذكروا على وجه يفصح عن مدحهم ليقتدي بهم غيرهم وذكر طائفة من الحريين بما لهم من القبائح السيئة والأعمال الفادحة لتجتنب فلا يعد ذلك غيبة مردودة بأن الأحكام الشرعية عامة وليست إلى ذاته تطلب أن يكون ذلك عاماً وحكم به على جميع الناس. إن كراهة الإنسان تمثيل هيئته وحركته ولباسه وكلامه وأمره ونهيه وعمله كله أمر ظاهر ما نظن أن له منكراً اللهم إلا إذا كان من أنصار التمثيل وأشياعه. بقى ما إذا كان الممثلون غربيين فقط فيمتنع التمثيل والتشبه بهم أيضاً من حيث الكذب إذ أن الممثل يدعي أن اسمه نلسن أو بلوشر وأنه قام قومته، وفعل فعلته، و. و. و. الخ وذلك كله كما لا يخفى كذب صراح، والكذب كما يكون بالقول يكون أيضاً بالفعل، وليس هذا من الكذب المباح فقد نص العلماء رضي الله عنهم على أن الكذب لا يباح إلا لضرورة داعية بحيث لو صدق لتولد عنه محذور وينبغي حينئذ

أن يقابل أحدهما بالآخر ويزن بالميزان القسط فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعاً في الشرع من الكذب فله الكذب. وإن كان ذلك المقصود هو مقصود الصدق فيجب الصدق قالوا رضي الله عنهم. وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى لأن الكذب يباح لضرورة دعت أو حاجة مهمة آلمت فإن شك في كون الحاجة مهمة فالأصل التحريم فيرجع إليه. قالوا ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ويتطرق إلى ذلك غرور كبير فإنه قد يكون الباعث له حظه وغرضه الذي هو مستغن عنه وإنما يتعلل ظاهراً بالإصلاح فلهذا يكتب عليه. وكل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ليعلم أن المقصود الذي كذب لأجله هل هو أهم في الشرع من الصدق أم لا وذلك غامض جداً والحزم تركه إلا أن يصير واجباً بحيث لا يجوز تركه كما إذا كان الصدق يؤدي إلى سفك دم أو ارتكاب معصية كبيرة يتسبب منها الانحلال عن ربقة الدين. والحاصل أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح. فهل التمثيل من هذا القبيل؟ وهل لا يمكن التوصل إلى تهذيب الأخلاق إلا به؟ اللهم علمنا ما ينفعنا، وباعد بيننا وبين شهواتنا. ربما يقول بعضهم ما هو الفرق بين كذب مقامات الحريري وبين الكذب في التمثيل وبين الغيبة فيه والغيبة في كتب التاريخ ولم حرمتم ذلك في التمثيل دون المقامات وكتب التاريخ. والجواب عن ذلك أن قياس التمثيل على مقامات الحريري قياس مع الفارق إذ أن كذب ما في المقامات على خلاف فيه بين العلماء كذب قولي مجرد بخلاف كذب التمثيل فإنه اقترن فيه تشبيه وأعمال وهيئات وحركات وأيضاً كذب ما في المقامات مضى عليه أكثر من 700 سنة ولم ينشأ عنه مفسدة أو مضرة لا في الدين ولا في الآداب بخلاف كذب التمثيل فإنه نشأ عنه مفاسد ومضار أودت بخراب كثير من بيوتات الشرف والمجد. ويكفي أن الشاب والشابة في بعض البلدان إذا أرادا الاقتران لا يجدان مجمعاً غير مسارح التمثيل. وأيضاً ما في المقامات أقره كثير من علماء الدين وأنى لنا بأمثالهم اليوم وقد وردت فتاوي العلماء من كل صوب وحدب في منع التمثيل. وكون الغيبة التي جاء نص الكتاب العزيز بتحريمها وأجمع على ذلك المسلمون حلالاً المؤرخين مما لم يسمع نظيره ولا يصح. وما الموجب لاستثناء

المؤرخين من حرمة الغيبة وأي ضرورة تدعو إلى ذلك؟ نعم أباح العلماء رضي الله عنهم ذلك للمحدثين لمعرفة صحيح الأحاديث وفاسدها المتوقف عليهما أمر الدين وماذا يتوقف على عدم الغيبة في كتب التاريخ؟ والذي نعتقده أن المؤرخ إذا لم تدعو لذكره بعض الناس بسوء ضرورة مبيحة فكلامه داخل في الغيبة كما قال ذلك حجة الإسلام الغزالي ونص عبارته وكذلك الغيبة بالكتابة فإن القلم أحد اللسانين. وذكر المصنف شخصاً معيناً وتهجين كلامه في الكتاب غيبة إلا أن يقترن به شيء من الأعذار المحوجة إلى ذكره أهـ. فثبت بهذا التمثيل إذا فرض خلوه عن جميع ما قدمناه من المنكرات لا يتصور خلوه عن الكذب والغيبة وهما محظوران فالتمثيل محظور على أنه لو لم يظهر وجه لحظر التمثيل لا يمكن أن يظهر وجه لحله فيجب أن يرجع بالأمر إلى التوقف ومعلوم حال المتوقف فيه شرعاً. هذا ولو لم يكن في التمثيل إلا أنه خوض في الباطل لكفى ذلك في وجوب منعه قال في الإحياء (الآفة الثالثة الخوض في الباطل) وهو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة فإن كل ذلك مما لا يحل الخوض فيه وهو حرام أهـ كلام حجة الإسلام الغزالي وهو كما يرى المنصف منطبق تمام الانطباق على التمثيل والروايات فهل يرضى به ويعده حجة المعارضون وهل بعد هذا تردد لمتردد أو ريبة لمرتاب؟ نسأل الله أن يجنبنا الغرور، ويبعدنا من الشرور، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. والحمد لله وكفى. وصلى الله وسلم على كل عبد مصطفى.

عيد المولد النبوي الأنور

عيد المولد النبوي الأنور أو تذكار أعظم يوم في تاريخ البشر يعلم كل مطلع على تاريخ الأمم والأجيال ومتتبع سير مشاهير العالم وأعظم الرجال، إن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم قد هز ظهوره الدولتين الفارسية والرومانية، وبز الخافقين الشرق والغرب وعز العالمين العرب والعجم، ونسخ الشرعين شرع موسى وعيسى (عليهم الصلاة والسلام) وجاءنا بالثقلين الكتاب والسنة فأغنانا عن المدنيتين مدنية روما وأثينا، وأسسي لنا بالمرهفين القلم والسيف مدنية ثابتة مدى الدهر وباقية عصراً تلو عصر. نعم إنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قد قلب شرعه وجه الأرض وأنقذ العالم من ظلمات بعضها فوق بعض. وكان أساساً ثابتاً لكل حضارة ومدنية كما كان أتباعه العظام حلقة اتصال بين مدنيته العظيمة ومدنية الأمم قبله. نعم إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ذلك النبي الأمي هو الذي نشر العلم العملي، بل هو الذي وضع أسس على الأخلاق ودعائم فن الاجتماع وإن في شهادة أكابر رجال أوروبا ومتشرعيها الدارسين أقدم شرائع العالم من شريعة حمورابي فما قبله وما بعده بأن شرعه أحسن شرع وجد في هذا العالم لعبرة كبرى وعظة بالغة، بل معجزة باهرة وحجة ظاهرة على أنه لا ينطق عن الهوى، وإن نطقه وحي يوحى. إذا كان ذلك كذلك وكانت الأمم الحية تحتفل في كل عام بولادة من لا يبلغ مداحد أتباعه ولا نصيفه من أعاظم رجالها ومتشرعيها فكسف لا يجب على الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها وشماليها وجنوبيها أن تحتفل في كل عام بولادة من يوجد في أتباعه أمثال الصديق والفاروق وذي النورين والوصي وابن أبي سفيان وسيف الله والوليد وعبد الملك وصقر قريش والمنصور والرشيد والمأمون ونور الدين وصلاح الدين وعثمان والفاتح وسليمان وأضراب هؤلاء الأساطين من جميع الخلفاء والسلاطين. إن هذا وذاك هو الذي دعا جمعيتنا أن تسعى سعيها باستنفار الأمم الإسلامية في جميع أرجاء الأرض للقيام بهذا الواجب العظيم وأن تتذرع بالوسائل بجعله عيداً رسمياً شريفاً

تقفل لأجله كل الدوائر الرسمية والبيوت التجارية والمخازن والحوانيت فلذلك تدعو في هذا المنشور أن يقوم المسلمون في يوم عيد المولد النبوي الأنور. بجميع أنواع الاحتفال وعمل المبرات والخيرات ويشاركوننا بالاحتفال في هذا اليوم المقدس حسبما تقضي به الغيرة الإسلامية والحمية الدينية والسلام عليكم ورحمة الله. جمعية عيد المولد النبوي الأنور

العدو الباطني

العدو الباطني كيف ينفث السموم لا يزال فريق من دعاة الإلحاد ينفث في روع العامة حب الجنس والعصبية وترك الدين والإسلامية. ويساعد هذا الفريق الملحد في بث هذه المبادئ المضرة زعنفة من دعاة الأغيار، الذين شرهت نفوسهم بحب الدرهم والدينار، فتسممت من تأثير ذلك الأفكار، وتفرقت القلوب وانقسمت الأمة أقساماً شتى، ودارت في خلد الكثيرين، خيالات وأوهام، وتصورات وأحلام، واعتقد غير واحد من العقلاء أن الساعة التي ينفجر فيها البركان وتتحطم الأوطان آتية لا ريب فيها!. ويلٌ لهؤلاء الأغرار الألى ينفثون هذه السموم، ويبثون هذه الأفكار! إنّ يوماً يتلاشى به الدين. ويقوم مقامه الجنس بين المسلمين لهو يوم غشمشم عصيب ينذر بالمصائب الفادحة، والنوائب الفاضحة، بل هو اليوم الأخير الذي تنقصم به عروة هذه الأمة الكبيرة، التي لم تصل إلى ما وصلت إليه من المجد والعظمة وكثرة العدد والعُدد إلا يوم قال لها نبيها العظيم صلى الله عليه وسلم ليس منا من دعى إلى عصبية، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى لا جنسية في الإسلام أهـ. ويوم قرعها الله سبحانه وتعالى بباهر آياته إذ قال: (وجعلناكم قبائل وشعوبا لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) إلى غيرها من الحكم السياسية الباهرة، التي ضمت تحت كنفها ذلك الجمع العظيم. فهل بعد ذلك يسعى هؤلاء الأغرار في بث روح تنافي روح الله في كتابع الجليل، وهل بعد ذلك تنشرح صدور الأمة لسماع أمثال تلك الأقوال؟. ألا إن الأمة الإسلامية ولا سيما العربية يجب عليها أن تنتبه إلى ما يدس بين ظهرانيها من السموم التي تنفثها الأغيار للاستيلاء على الديار. ألا لينتبه المسلمون إلى ما أصاب إخوانهم ممن وقعوا تحت عبء الاستعمار الأوربي، فيدفعون عنهم شراً وبيلاً وداء مستفحلاً فإن إخوانهم لم يقعوا في حبال ذلك الشرك الهائل إلا يوم بث فيما بينهم روح البغض للدين، وحب الجنس والعصبية ذلك اليوم الذي توصل به الأغيار إلى إلقاء نار الفتنة بين العناصر الإسلامية فتطاحنت وتشاحنت وكاد الأمر

ينقضي بسقوط الجميع. فانتبهوا، وعوا وتيقظوا أيها المسلمون فما كل ناعق يجب أن يُتبع، وما كل صارخ يقضى له بالإصغاء، وما كل من دعا يجاب والله من وراء القصد وهو بالعاقبة عليم. البلاغ

داء الأمة ودواؤها

داء الأمة ودواؤها لا تجد إنساناً تمتع بمواهب الإدراك في مجال حياته، وتحلى بخصائص الشعور في ميدان وجوده إلا وقد أحس بما طرأ على المسلمين من الحوادث الكبرى والكوارث المجتاحة التي انقضت عليهم من أفق المحن وعالم الرزايا فأحاطت بهم إحاطة السوار بالمعصم، والربقة بالعنق، وأخذت تطوح بهم في متاهات التقهقر ومهامه الانحطاط وترشقهم بسهام الشدائد وقذائف الأهوال. تدك صروح مجدهم التي شيدها أسلافهم وتهدم عروش عزهم التي أقامها آباؤهم وتقوض دعائم سؤددهم التي أسسها رجال دينهم حتى أصبحوا وقد تبدلت شجاعتهم جبناً وصلابتهم خوراً وقوتهم ضعفاً وشوكتهم مهانة وجرأتهم خوفاً فكأنهم خلق جديد لا قبل لهم بالذود عن حياضهم ولا الدفع عن حوزتهم ولا يستطيعون مكافحة ما يكنفهم من مكايد العدو ودسائسه ولا يقدرون على مصادمة ما يعتورهم من عوامل التأخر ومهلكاته. طرأ عليهم داء أوقفهم عن سيرهم الطبيعي وأقعدهم عما تندفع إليه الرغبة من السعي وراء تقدمهم باستعمال الوسائل في إعزاز كلمتهم وتوسيع نطاق سلطنتهم والهيمنة على كل من قام يجاريهم في معترك هذه الحياة. داء طالما كانت عقلاء الأمة ونصحاؤها تحذر من وقوعه وتنبه الأمة للتيقظ من مباغتته على حين غفلة من الأخذ بأسباب مدافعته حتى ألمَّ بها وهي في مراقد سباتها (ولا ينفع حذر من قدر). شعرت النفوس كلها على اختلاف إحساسها بهذا الداء الذي سرى إلى سائر طبقاتها سرياناً عجيباً فأحدث فيها أموراً عديدة ضعفاً في قوتها الحيوية، وهناً في هيئتها الاجتماعية، خوراً في عزائمها الأدبية، ارتخاءً في روابطها الدينية، انحلالاً في عرى وحدتها المالية، إلى غير ذلك مما يدمي العيون أسىً ويمزق الأفئدة أسفاً واليوم خرجت من دور الغفوة إلى دور اليقظة فجعلت تتألم ولم تعرف من أين تسرب إليها الداء وتئن ولم تهتد إلى الدواء وتشكو ولكن إلى غير طبيب وتسير ولكن على غير هدى وتتحرك ولكن بغير نظام. نعم كل ذلك كائن وليس من الصعب وصف عوارض العلة والإشارة لجهات الألم ومراكز السقم وإنما الصعب البحث عن تعيين العلة التي نشأ عنها هذا الألم وعن أسبابها وتحديد عواملها فإذا تعينت العلة وتحددت العوامل أمكن مكافحتها بأسلحة العلاج وحصر نفوذها في دوائرها وأخذ المسارب عليها من كل جهة حتى لا تتعدى حدودها وتبلغ نهاية استشرائها.

يظهر للباحث الخبير بأحوال الأمم في صعودها وهبوطها أن داءنا العام الشامل لجميع أفراد الأمة هو الجهل بأحكام الدين والتساهل في نشر تعاليمه وسببه ما نحن فيه الآن من الافتتان بمدنية أوروبا وعلومها وإلحادها وليس بهذا الافتتان معنى إلا ما حل بنا من تحلل عناصرنا وتفرق كلمتنا وتخاذلنا وتخالفنا عمّا يأمرنا به الدين. أثرت عوامل المدنية على العواطف فحولتها وعلى المشاعر فثلمتها وعلى المدارك فضللتها حتى إلتاثت أكثر العقول بأقذارها وتسممت بسمومها فلذلك ترى غوائلها آخذذة كل يوم في الانتشار ضاربة أطنابها باسطة قبابها والناس يموجون في دياجيرها ويسبحون في زخارفها. ساورتنا هذه الفتنة من كل مكان من جهة العقائد ببث الشبه المستعصية والإشكالات الواهية التي تبعث سفهاء الأحلام على نبذ المعتقدات ظهرياً وجعلها نسياً منسياً. ساورتنا من جهة الدين فنفثت في روع الشبيبة أن الدين باعثه الجهل ومادته العماية عن حقائق الكون وأن الأمم الأوروبية قامت وحدتها بمنابذة الدين وأشياعه وتشتيت شمل أتباعه حتى دخل في فكر بعضهم أن الأديان الموجودة هي عبارة عن حوادث تاريخية استلزمتها أدوار خاصة وقد أدت وظيفتها وأخذت في الانحلال. ساورتنا من جهة العلم فأكسبت عقول الشبان ما حال بينهم وبين أنوار الحق من العلوم الإلحادية التي كانت نتيجتها الجري وراء مناصبة الدين وأهله العداء ومصاولة علماء المسلمين والحط من كرامتهم (وكفى بأمة خزياً أن يكون دينها وعلماؤها عرضة لطعن الطاعنين وهدفاً لسهام الملحدين). ساورتنا من جهة الأخلاق والعادات فنشرت بين الأمة أخلاقها السافلة وعاداتها السيئة بصورة روجتها على بعض الأذهان وطلتها على خفاف الأفئدة فانخدعوا بها وهاموا بتقليدها ومحاكاتها وغالوا في التحكك والالتصاق بما تهواه الأنفس من البذخ والترف والهرع إلى معاهد اللهو والطرب ومجامع الرقص والخلاعة تمتعاً بقانون الحرية وتمسكاً بالعادات الأوروبية. ساورتنا من جهة الزي بمموهات زينتها وزخارف مخترعاتها بما يأخذ بالألباب من تلوين الأواني وتزويق الألبسة والتفنن في صنوف الزينة.

ساورتنا من جهة اللغات بفتح المدارس الأجنبية في بلادنا وتكبد النفقات الطائلة عليها وما ذلك إلا لنشر اللغات والعادات الأجنبية بيننا تسهيلاً لتحليل عناصرنا وروماً لتغيير آدابنا الإسلامية وخصائصنا القومية لما تقرر أن اللغة تؤثر في الآداب والأخلاق والعادات وهي العامل القوي في استمالة القلوب وجذب النفوس. من هنا يرى المفكر البصير أن جميع ما اعترى المسلمين من الأدواء مثاره مداهمة الفتنة الغربية المنصبة علينا من سائر الجهات وهذه الأدواء كلها ليست في الحقيقة إلا إعراضاً تترآى للناظر في صورة الأمراض والعلل وهي ناتجة من داء واحد متأصل وهو داء جهل بإحكام دينها وأصول العقائد الحقة وعدم تمسكها بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثر سلفها الصالح وما دامت الأمة متلبسة بالجهل متساهلة عما يأمر به الدين الإسلامي فلا ينجع في معالجتها طب طبيب ولا يفيد في انتشالها من هاوية التأخر ترغيب ولا ترهيب فلا دواء لها إلا جمعها على العقائد الصحيحة وردها إلى الكتاب والسنة الذين في اتباعهما قوام حياتها وانتظام شؤونها وشفاء أسقامها ودواء أدرائها وجمع كلمتها المتفرقة ولم شتاتها. روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم إني قد تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه. في هذا الحديث دلالة ظاهرة على أننا ما دمنا متمسكين بالكتاب والسنة فلن يتطرق إلينا ما يهوي بنا إلى حضيض الخيبة والخسران ويدهورنا في متاهات التقهقر والخذلان. وصفوة القول أننا أمة قامت بالدين واعتزت بالإيمان واليقين وفازت بما وعدها الله تعالى في كتابه من الاستخلاف في الأرض والعز والنصر والسعادة والنجاح. ومهما نبتغي العز والنهوض والفلاح بغير الوجهة التي أرشدنا الله إليها والطريقة التي أمرنا الله ورسوله باتباعها فيكون مجهودنا ضائعاً سدى وذاهباً عبثاً. وكل طبيب أراد أن يعالجنا من غير الوجهة الدينية التي هي رابطتنا الأصلية فلا يصادف دواؤه المرض الحقيقي ولا أعراضه الحقيقية فردنا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أعظم دواء لاستئصال جراثيم

دائنا وأكبر علاج لاجتثاث شأفة علتنا.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 12 بعثة محمد عليه الصلاة والسلام (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). دلت الآيات وشهدت الآثار أن الأمة العربية كانت قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أمر الدين والعلم وطرق الوصول إليهما في جاهلية جهلاء، وغواية عمياء، لا دين يهذب طباعهم، ولا رابطة تجمع كلمتهم دأبهم الحروب وشن الغارات، وديدنهم التعدي والبغي وسفك الدماء، إن شارفتهم مكن جهة الاجتماع رأيتهم على غاية من الهمجية لا عهد لهم بنظام ولا استعداد لهم لؤآم وإن لحظتهم من وجهة العلم وجدتهم على نهاية من الجهالة والضلالة، وقد انقسموا إلى قبائل شتى، وشعوب عديدة، كلها متوارثة الأحقاد متأصلة الضغائن، والسبب في ذلك أنه لما طال بهم الأمد وبعدوا عن زمن النبوة خيم عليهم الجهل، وعصفت عليهم عواصف الغواية وأعاصير الأهواء وجروا على شهوات أنفسهم، واتبعوا كل ناعق، وفسدت أخلاقهم حتى كانوا يقتلون بناتهم تخلصاً من وصمة العار أو خشية الإملاق. ومنهم من بلغ به الحمق وسخافة العقل فصنع صنماً من الحلوى ثم عبده فلما اشتد به الجوع أكله. وبالجملة كان جو العالم الأرضي متلبداً بسحب الاضطرابات والأباطيل فكان من رحمة الله وكمال لطفه بأولئك الأقوام أن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم أزكاهم محتداً وأرجحهم عقلاً وأوفرهم علماً وأقواهم يقيناً وعزماً وأشدهم رأفة ورحمة. اصطفاه لحمل أمانته والقيام بتبليغ أمره ونهيه يردهم عن غوايتهم ويوقظهم من غفلتهم ويبين لهم ما اختلفت عليه عقولهم. يجمع شتاتهم ويرأب صدعهم، يصلح خللهم ويقيميهم على الصراط الأعدل والمنهج الأقوم. أرسل الله خاتم أنبيائه إلى الناس كافة في الحين الذي بلغ فيه جوهر الإنساني نموه وتبينت أشخاص الفضائل والكمالات وذلك عند ما بلغ من العمر أربعين سنة يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان ولم يكن في عصره من قاربه في فضله، ولا من داناه في كماله

خلقاً وخُلقاً وقولاً وفعلاً وكرماً وشرفاً وحسباً ونسباً بل كان عليه الصلاة والسلام المثال الكامل الجامع لأشتات الفضائل والسجايا، الشامل لمتفرقات المواهب والمزايا. قال العالم الاجتماعي فريد بك وجدي إن تخيلت الملوك في عروشها والقياصر في أبهتها رأيت أنه عليه الصلاة والسلام أعلاهم في السيادة كعباً وأعطفهم على رعيته وأشدهم على أعدائه صولة وأقواهم عليهم شوكة وإن تخيلت القواد وسط كتائبها وغطاريف الحرب بين صفوفها رأيته صلى الله عليه وسلم أشدهم لها مراساً وأقواهم في هيجائها بأساً وأسرعهم في إدارة رحاها يداً وأرحمهم في إصلاء لظاها أسلوباً وإن تخيلت الفرسان في ثبات جأشها والشجعان في جلد أفئدتها رأيته صلى الله عليه وسلم أصبرهم في غمراتها وأجلدهم في هياجها وأطعنهم بالرمح في صفوفها وأضربهم بالسيف في نحور فرسانها وإن تخيلت الفلاسفة في حكمتها والمتشرعين في دقة نظرها في أدواء الأمم وعلاجها رأيته صلة الله عليه وسلم أحكم العالم قولاً وعملاً وأنفذ في علل الأمم وطبها نظراتً وإن تخيلت الشعراء في سعة خيالها وسبحها في بحار الابتكار وغوصها رأيته صلى الله عليه وسلم أبعد منهم في مجال وصف الحقائق مرمى وأكثر منهم لشوارد المعاني المبتكرة إصابة وإن تخيلت الخطباء في منابرها وهي تخلب الأفئدة بسحرها وتأسر الألباب ببيانها رأيته صلى الله عليه وسلم أحسنهم بضروب الكلام علماً وأكثرهم لأفئدة سامعيه أسراً وإن تخيلت الزهاد في صوامعها والعباد في محاريبها رأيته صلى الله عليه وسلم في الزهد صاحب العلم الأرفع والمقام الأول والعبادة النموذج الأكمل والمثال الأجمل. من أي جهة نظرت إلى سيد العالمين رأيته فيها نسيج وحده ووحيد عالمه فاق كل فائق في صفته وبز كل سابق في خاصيته وفات كل ذي كمال في كماله الخ ما قاله ذلك الكاتب الكبير وهو قليل من كثير مما منحه الله تعالى لهذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فقد أوتي من الحكم البالغة والعلوم الباهرة والسياسة العادلة ما بهر العقول وأخذ بالألباب وهو مع هذا أمي لا يقرأ كتاباً ولا يخطه بيمينه وقد نشأ في قوم أميين في بلد ليس فيها عالم يعرف أخبار الماضيين وسير الأوليين. ما هذا إلا موهبة إلهية ووحي سماوي (وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً). كم فتح الله ببعثته أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً ونجى به نفوساً هلكى وأرواحاً غرقى

وهدى به بعد الضلالة وعلم به بعد الجهالة ورفع به بعد الخمول وألف به بين قلوب مختلفة وأمم مفترقة. قام صلى الله عليه وسلم وحيداً في أمته فريداً في أسرته لا مرشد له ولا نصير ولا عضد ولا ظهير حاملاً إلى الناس تعاليم ربه (قرآناً عربياً غير ذي عوج) داعياً إلى دين الله الأقوم وناموسه الأعظم آمراً بما يتكفل بنجاحهم في الدارين ويأخذ بهم إلى مصاعد السعادة ومعارج العز والرفعة ناهياً لهم عما يسوقهم إلى الخيبة والخسران ويقودهم إلى الذل والهوان ملزماً لهم بالاعتراف بمعبود واحد والاستكانة لسلطانه والرضوخ لأحكامه. عز على عبدة الأوثان وضعاف الأحلام ما يدعوهم إليه من عبادة الله تعالى ونبذ المعتقدات الفاسدة والعادات السيئة وكبر عليهم تسفيه أحلامهم وتضليل آرائهم فنابذوه وجادلوه وحاربوه وكافحوه ولم يتركوا أسلوباً من أساليب المقاومة إلاَّ أتوا به لإحباط سعيه وإبطال دعوته كما هو مبين في كتب التواريخ والسيرة النبوية فقال له ربه سبحانه وهو أعلم به (قل يا آيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين). ثم جرهم منهج المجادلة إلى طلب الحجة والبرهان على صدق دعواه فكان عليه الصلاة والسلام ينصب لهم الدلائل ويجيب في المقترحات كل سائل ويقيم الحجج والبراهين ويأتي بالمعجزات الباهرة الدالة على صدق دعواه كما وصل إلينا ذلك بطريق التواتر. ومن أعظم المعجزات التي استند إليها في إثبات دعواه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كتاب أحكمت آياته، وفصلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول فلم يستطع أحد معارضته ولم يهتدوا إلى مثله في جزلته ومتانة ألفاظه وحسن نظمه وإيجازه مع جهدهم واستنفاذ ما عندهم في إخفاء ظهوره وإطفاء نوره (قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً). فما كان في وسع عظمائهم وفصحائهم إلا أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه وهجروا لأجله بلادهم وأوطانهم وجفوا في محبته قومهم وعشائرهم وبذلوا في نصرته مهجهم وأرواحهم

ونصبوا وجوههم لوقع السيوف في إعزاز كلمته بلا دنيا بسطها لهم ولا أموال أفاضها عليهم ولا غرض في العاجل أطمعهم في نيله يرجونه فهل تتم هذه الأمور لغير نبي؟ أو تتصور لمن ليس له عون رباني ومدد إلهي؟. كيف يعلل الملحد هذا التأثير الهائل الذي لم يسبق مثله ولم يحفظ نظيره والتاريخ أكبر شاهد وحوادث الكون أعدل ناطق. ألا يخجل المكذب برسالته صلى الله عليه وسلم من أن يتهم نواميس الحكمة الوجودية وقوانين الحياة الإنسانية بهذه التهمة الباطلة. هل عهد الناس أن الحكمة الإلهية تؤيد المبطلين وتقر المتقولين وتعلو برؤوسهم فوق الرؤوس أجمعين؟. هل عهد الناس أم العدالة الإلهية تنصر المدعين للرسالة وترفعه من شأنهم حتى يسود دينهم على سائر الأديان ويبقى حجة قائمة إلى الآن؟. الله أكبر إذا تشكك الإنسان في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فبأي رسالة بعدها يصدق؟ وبأي رسول غيره يؤمن؟ رسول أيدته الحوادث وشهدت له الوقائع وأقام الوجود له من دلائل الشهود مالا يسع العقل إنكاره ولا يسوغ للبصيرة جحوده فبأي حيلة يجحده الجاحد؟ وبأي جسارة يكذبه المكابر؟ من ينكر أنه عليه الصلاة والسلام أقرب الأنبياء إلينا عهداً؟ وأقواله وأفعاله وأحواله وسيرته محفوظة في الصدور والسطور تناقلتها الأمم عن الأمم من عهد مبعثه إلى اليوم ومن شاء التفضيل فليراجع كتب الشمائل والسيرة. وفي الأحياء للغزالي بعد ذكر من شمائله وأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم فأعظم بغباوة من ينظر في أحواله صلى الله عليه وسلم ثم في أقواله ثم في أفعاله ثم في أخلاقه ثم في معجزاته ثم في استمرار شرعه إلى الآن ثم في انتشاره في أقطار العالم ثم في إذعان ملوك الأرض له في عصره وبعد عصره مع ضعفه ويتمه ثم يتمارى بعد ذلك في صدقه وما أعظم توفيق من آمن به وصدقه واتبعه في كل ما ورد وصدر أهـ فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للاقتداء به بمنه وسعة جوده. يتبع

دمشق وزعماؤها

دمشق وزعماؤها أو نظرة فيما تحتاج إليه لا تئن دمشق من شيء أنينها من بعض خاصتها وزعمائها من أغفلوا شؤونها. واشتغلوا عنها بذاتياتهم وشهواتهم فلا ترى منهم إلا الانكباب على جمع المال، والسعي الحثيث للاستئثار به، ولا تنظر إلا المسابقة لنيل الرتب والأوسمة والمفاخرة بالبذخ والترف، ولا تشهد إلا الرغبة في تولي المناصب، والحصول على الرواتب تراهم ذلك شأنهم. وتلك سنتهم رقي الوطن أو انحط. حسنت الأحوال أو ساءت. عزّ الدين أو ذل. قويت الحكومة أو ضعفت. راجت التجارة أو بارت. تأخرت الزراعة أو تقدمت. نمت الصناعات أو انقرضت. عمرت معاهد العلم أو درست. عاش الفقير أو مات. أكرم الغريب أو أهين. أمر بالمعروف أو لم يؤمر. نهي عن المنكر أو لم ينه. إن دمشق قاعدة البلاد السورية. مدينة الدين والعلم. مدينة الفضل والنبل. مدينة التجارة والصناعة لم تبلغ ما بلغته من الجهل الفادح. والفقر المدقع إلا بفضل إهمال خاصتها وزعمائها. وفترتهم عن القيام بما يجب لها عليهم. عهدت دمشق من زمن غير بعيد أن ترى من خاصتها وزعمائها السعي وراء المصلحة العامة. والتفاني في خدمة الوطن ولم تعهد منهم هذا الفتور والإغضاء. ولم يمر بخيالها لأن الأمر يصل بها إلى ما وصل بعد ما سجل لها التاريخ جلائل الأعمال وروى عنها كرائم الخصال. إن دمشق بحالتها الحاضرة. ومركزها من دولة الخلافة العظمى تحتاج إلى إصلاحات جمة وتنظيمات عدة ليس لها من يقوم بها إلا الخاصة والزعماء ذلك لأن البعض من تلك الإصلاحات والتنظيمات ليس للحكومة مداخلتهم فيه كانتخاب أكفاء للمجلس النيابي وغيره من المجالس الوطنية والبعض الآخر هو بهم ألصق منه بالحكومة كجمع الإعانات للنوازل والفقراء. تحتاج دمشق إلى تنظيم معاهد العلم فيها سواء الأميرية والأهلية. وتجديد مدارس تفي بما تحتاجه من العلوم سيما الشرعية منها فهي أس النجاح. وعليها مدار التقدم وقد قلت العناية بها في المدارس الأهلية. كما أنها أضحت كأن لم تكن شيئاً في المدارس الأميرية.

تحتاج دمشق إلى أناس من أعاظمها ونزهائها يسعون لترشيح الأكفاء من رجالها للنيابة عن الدمشقيين في مجلس الأمة والمجالس الأهلية. ويعملون على إنالتهم ثقة من الأهلين تمكنهم من تولي تلك المناصب حتى لاتفقد دمشق في مجلس الأمة نواباً يمثلون عظمتها. ويخدمونها خدمة صالحة، وحتى تأمن في مجالسها ضياع الحقوق. وإهمال المصالح. تحتاج إلى جمع من أذكياء تجارها وفطنتهم يعملون على ترقي تجارتها. وتنظيم شؤونها يؤسسون فيها الشركات الكبيرة. ويجلبون إليها من الغرب ما يساعد على رقي صناعتها من الآلات الحديثة. ويضيقون على الأجانب فيها فلا يدعونهم يستنزفون ثروتها. ويفكرون في الطرق التي توصلهم إلى رواج تجارتهم في الممالك الأجنبية ولو الصغيرة منها. تحتاج إلى طائفة من كبار مزارعيها ونبلائهم يعملون على تحسين الزراعة ويسعون لترقيتها يجلبون إليها الآلات الحديثة. ويسيرون في حرث الأرض وقلبها على الطرق الجديدة فالزراعة هي الأمر الوحيد الذي يمكن الشرق من أن يكر على الغرب. ويسترجع منه ما سلبه من حضارة ومدنية. تحتاج إلى فئة من نبهائها ومفكريها يسعون في إصلاح صناعاتها ويبذلون جهدهم في تنميتها يعملون على متانتها ورفع الغش منها. ويستفرغون الوسع في أن تكون مبهرجة مزركشة عساها توقف تيار المصنوعات الأوروبية الذي وصل إلينا وتقف سداً منيعاً في وجهه فقد جرف ثروتنا وأبطل مدنيتنا وأفسد أخلاقنا وآدابنا وغادرنا في الأخسرين. تحتاج إلى عمدة من عقلائها ودهاتها يبحثون عن أعمال الأجانب فيها. ويراقبونهم في عامة حركاتهم. ليبينوا للأمة مكرهم ودسائسهم وغشهم. ويطلعوها على مطامعهم السياسية والاقتصادية في بلادها فقد استفحل في هذه الأزمنة أمرهم. وعظم خطرهم وكادوا يقضون على أخلاق الأمة. ويفقدونها استقلالها بعد ما أرهقوها في أمرها العسر. وأذاقوها آلام الهوان. تحتاج إلى جمع من سراتها وأولي الحمية فيها يجمعون الذكوات والصدقات من أغنيائها وموسريها. ويردونها إلى فقرائها ومعوزيها لترحم بها الأرامل والأيتام. وتساعد بها العجزة والمرضى. ويسهل بها على المهاجرين والغرباء وتنال منها عامة أصناف المحاويج والبؤساء على أن يخصص من تلك الأموال مقدار كافٍ يبعث به إلى جمعية الأسطول

العثماني في الأستانة لتستعين به مع ما يرد إليها على إنشاء المدرعات. وسفن المواصلات لتضاهي بقوتها الأمم الراقية. وتأمن من شر الأعداء. تحتاج إلى عدد من أفاضلها ومقتدريها يسعون في إصلاح أوقافها. وتنظيم مساجدها ومدارسها يردون ما اغتصب منها إلى أهله. وينزعون ما ضيعت حقوقه منها من أيدي من استحوذ عليه. ويساعدون نظار المساجد والتكايا على إعمارها. ويطالبونهم بإنفاق ما يرد إليهم من غلاتها في مصارفه. تحتاج إلى زمرة من العلماء والوعاظ يرشدون الأمة إلى التمسك بدينها ويربأون بها عن مخالفة أوامره ونواهيه يجيبون إليها الطاعات من صلاة وصيام وزكاة وحج وصلة رحم وحسن معاشرة مع الأهل والأقارب والجيران. وينفرونها عن الموبقات كالزنا واللواطة وشرب الخمر والربا والحسد والحقد والكبر والظلم والغش والمداهنة. ويغرسون في نفوسها أن لا نجاح لها في دنياها ولا سعادة في آخرتها إلا بتقوى الله سبحانه. ومراقبته في جميع الأحوال. هذا بعض ما تشير إليه حاجة دمشق من الإصلاحات والتنظيمات وهو منوط بخاصة الدمشقيين وزعمائهم فلا يتعداهم إلى غيرهم وقد مر هذا مفصلاً لكنا نحتاج هنا إلى بيان المنهج الذي يحسن بهؤلاء السادة سلوكه والوسائط التي يجدر بهم أن يتذرعوا بها ليتمكنوا من أداء هذا الواجب ويسهل عليهم القيام به. أقرب طريق للوصول إلى هذا الغرض السامي هو أن يؤسس في هذه المدنية حزب كبير يضم إليه أعاظم العلماء وأعيان الوجهاء ونخبة التجار. وكبار المزارعين من عرف منهم بالغيرة والحمية. وميز بالصدق والاستقامة يجتمعون ليكونوا يداً واحدة تعمل على منفعة هذه المدينة. وسيفاً مسلولاً في وجه من يريد إيقاع الضر بها على أن يخصص كل فرع من فروع الإصلاح المارة وغيرها بفئة منهم تحسن القيام به. ولا تنوء بحمله فإذا تمت لدمشق هذه الأمنية فقد خطت خطوة كبرى في التقدم. وأثرت أثراً عظيماً في الإصلاح يرجع به أيها سالف مجدها. وسامق عزها والله الموفق.

الصدق والكذب

الصدق والكذب عود لسانك قول الصدق تحظ به ... إن اللسان لما عودت معتاد موكل بتقاضي ماسننت له ... في الخير والشر فانظر كيف ترتاد الصدق فضيلة الفضائل. ومعدن الكمالات. والخلق الذي يرفع المتلبس به إلى معارج الأملاك. ويهبط العاري عنه إلى مصاف العجماوات. ذلك الخلق الذي حث عليه القرآن العظيم. وأمرتن بالمحافظة عليه الأحاديث الشريفة. لا جرم أن الكذب آية من آيات النفاق وهو هو الخلق الذي يبغضه الله ورسوله. ولا يليق بالمؤمن ذي الهمة الشماء أن يكون متصفاً به. قال تعالى (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون). وقال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد عنه الملك مسيرة ميل من نتن ما جاء به. وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة. وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لأن يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إليّ من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل. وقال بزر جمهر. الكاذب والميت سواء فإنه إذا لم يوثق بكلامه بطلت حياته. وقال أبو حيان التوحيدي. الكذب شعار خلق وأدب سيء وعادة فاحشة وقل من استرسل معه إلا ألفه ومن ألفه إلا أذله. وقال بعض الشعراء: وما شيء إذا فكرت فيه ... بأذهب للمروءة والجمال من الكذب الذي لا خير فيه ... وأبعد بالبهاء من الرجال كل الناس يعرفون أن الصدق خير من الكذب. وأن الفضيلة خير من الرذيلة ولكن للصدق بواعث وللكذب بواعث فمن غلبت عليه بواعث الصدق كان صادقاً ومن غلبت عليه بواعث الكذب كان من الكاذبين لذلك يجمل بنا أن نورد هذه البواعث ليتخلق الإنسان بالنافع منها ويجاهد نفسه على مجانبة الضار. بواعث الصدق منها خوف الله والائتمار بأوامره والحذر من وعيده والرغبة في وعده (ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم). ومنها المروءة فإنها مانعة من الكذب باعثة على الصدق لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهاً فأولى من فعل ما كان مستقبحاً.

ومنها العقل لأنه موجب لقبح الكذب لا سيما إذا لم يجلب نفعاً ولم يدفع ضرراً والعقل يدعو إلى فعل ما كان مستحسناً ونبذ ما كان مستنكراً. ومنها حب النجاح في العمل فإن الإنسان إذا صدق في أقواله ركنت إليه الناس وجعلوه موضع ثقتهم وكان عاملاً كبيراً على تقدمه وفلاحه. ومنا حب الثناء والاشتهار بالصدق حتى لا يرد عليه قول ولا يلحقه ذم. بواعث الكذب منها أن يقصد الكاذب بالكذب التشفي من عدوه فيسمه بقبائح يخترعها عليه ويصفه بفضائح ينسبها إليه ولذلك ورد الشرع المطهر برد شهادة العدو على عدوه ومنها أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذباً وكلامه مستظرفاً فلا يجد صدقاً يعذب ولا حديثاً يستظرف فيستحلي الكذب وهذا النوع أسوء حالاً مما قبله لأنه يصدر عن مهانة في النفس ودناءة في الهمة ومنها استجلاب النفع واستدفاعه فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغتراراً بالخدع واستشفافاً للطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسناً والشر لا يصير خيراً وليس يجنى من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل ولو فكر الإنسان لوجد أن الصدق خير وأبقى وأنه خير له أن يلاقي الصعاب ويحتمل المشاق وأذى الناس وبلاءهم في سبيل الصدق من أن يوصف بالكذب والفجور. وماذا على الإنسان لو صدق بعمله؟ وماذا يستطيع أن يصنع معه الناس؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك الخ). ولكن هو الجهل الفادح الذي أنسانا آداب ديننا وأخلاق سلفنا الصالح وأوقعنا بكل ما نئن منه من الأخلاق الفاسدة التي جعلتنا في آخريات الأمم. لو صدق المتوظفون في أقوالهم لعم الخير وانتظمت أعمال العباد ولما تردد أصحاب الحاجات وأرباب المصالح يقضون الأيام والشهور غادين رائحين يترقبون وفاء وعد المأمور الذي يمهل عمل كل يوم إلى الغد وقد يحول الحول ولا يصدق بقوله. لو صدق الباعة لأمن الناس الغبن والغرور ولانتفع البائع والمشتري وآب كل منهما بصفقة رابحة وعمل مبرور.

لو صدق المؤرخون لما ضاع كثير من الحقائق التاريخية وأصبحت مشوشة لا يهتدي الباحث إليها بعد جهد النفس لما يعتورها من أكاذيب بعض المؤرخين. لو صدق الكتاب في أقوالهم وزفوا الحقائق إلى القراء عارية من النفاق والأغراض والدسائس لصدقهم الناس فيما يقولون ولأخذوا أقوالهم وانتفعوا بها وحصل المر الذي وضعت الصحف لأجله ولما وصل المر بكثير من الصحف إلى اعتقاد الناس بأنها جعاب الكذب ومسرح الأغراض. لو صدق المتظلمون إلى الحكومة في دعاويهم على خصومهم لما غصت المحاكم بهؤلاء المزورين الذين يفترون على الناس الكذب ولما ضاع على الحاكم العادل معرفة الظالم من المظلوم ولكن ما الحيلة والآباء والأمهات يرضعون أولادهم الكذب مع اللبن ويظنون بجهلهم أن ذلك من قبيل اللعب والمداعبة ولم يدروا أنهم بذلك يجعلون الكذب طبيعة من طبائع أولادهم ويغرسونه في جبلتهم ويجنون من وراء ذلك الحنظل والموت الأدبي. هنا لعلنا نسمع قائلاً يقول قد اعتاد أكثر الناس هذا الخلق الذميم وصار من أخلاقهم التي يصعب استئصالها فماذا عسى تفيد النصائح والمواعظ ومن شي على شيء شاب عليه قلنا أن التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات التي لا يسوغ تركها لوهم أنها لا تفيد على أن هذا الوهم لا حقيقة له ولا ظل بل إن التذكير قد يفعل في قلب المؤمن ما لا يفعله غيره من المؤثرات قال تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) ولنا هنا كلمة نوجهها إلى معلمي المدارس والقائمين بأمورها وهي ملاحظة التلامذة وترغيبهم في الصدق وتنفيرهم من الكذب والدأب على الفحص على من يكذب حتى يصير طبيعة ومجازاته أشد الجزاء وإكرام الصادق وترغيبه في الصدق حتى يصير طبيعة من طبائع التلامذة وبذلك يكونون قد خدموا الأمة أحسن خدمة وقاموا بما يجب عليهم تجاه مركزهم في المجتمع وعملهم هذا يغلب عليه النجاح أكثر من تذكير من اعتاد هذا الأمر وكبر عليه. ذلك لأن الأطفال وعاء نظيف قابلون لزرع الأخلاق الصالحة التي تعود عليهم وعلى أمتهم بالخير. وعلى الآباء أن يساعدوا على ذلك لا أن يعمل الأستاذ عملاً ويعمل الوالد ما يخالفه فيفسد الطفل بذلك وتضيع التربية والاعتناء بأخلاقه وفق الله الأمة لما فيه فلاحها.

السيف العثماني

السيف العثماني من الصواعق لا يبقي ولا يذر ... إذا انتضاه لأهل النقمة القدر يرمي به الله رجماً لا تقوم له ... هام الشياطين إلا ريث ينحدر في حده من شعاع الموت بارقة ... يموت من هولها في الضربة النظر ترفضُّ أطرافها يوم الوغى شررا ... يضيء للموت والأرواح تستتر فلا يباريه إلا لحظ حامله ... ولايجاريه إلا الموت يبتدر سيف تجرده الدنيا لمن جحدوا ... بأس الأوائل حتى يشهد الأُخر فكلما بلي التاريخ جدده ... وكلما كاد ينسى أهله اذكروا سيف الطبيعة تنقض الطبيعة في ... آثاره وبها من غيظها زور فترجف الأرض من أجبالها انفصلت ... إذا جنود بني عثمان انتشروا ويعصف الجو من أنفاسه التهبت ... إذا هم لاشتياق الحرب قد زفروا وتسأل الشهب رب الكون يرسلها ... هدارة كبني عثمان إن هدروا سيف الطبيعة بل سيف الفجيعة بل ... سيف الشريعة فيه العدل والعبر في كف كل فتى صبت سواعده ... صب الحديد فلا وهن ولا خور يمده القلب والأبطال مدبرة ... والموت ينفخ في نار وهم شرر مستحفز العزم يرمي كل نائبة ... بنفسه وله من نفسه وزر يرى الجراح هناء كلما كثرت ... وثجَّ من دمه كالغيث ينهمر فإن أهنأ موت أن يكفنه ... دم كرايته الحمراء ينتشر من المساعير في الهيجا نهارهم ... حرب وليلهم في حربهم سهر فلا كلال ولا صد ولا هرب ... ولا ملال ولا خوف ولا حذر فوق الطبيعة بالإيمان قد خرجوا ... من مصنع الله لا جن ولا بشر في الماء موج وجمر في اللظى وهم ... صخر الثرى وكما أظهرتم ظهروا رموا بهم شعب طليان أحالهم ... جنونهم شعب طغيان ليزدجروا ياأمة مرضت واهتاج هائجها ... فقارفوا كل مكروه وما شعروا أهلاً بمرضاكم إنا أساتكم ... ستبرأون فلا يأخذكم الضجر نجس داءكم بالطعن يقرعه ... قرع البنان فإن الداء يختبر

وبعد ننشقكم موتاً يخدركم ... وفي (الجراحة) نعم الراحة الخدر وبعد نفصدكم فصداً سيبر} كم ... من الغرور فمنه استفحل الخطر وبعد نكويكم كياً سيحسم من ... داء الحماقة ما أعيى به البطر رميتمونا بجند لا ثبات لهم ... إلا كما ثبتت للأرجل الأكر يا رامي الشهب بالأحجار تحسبه ... كالشهب هيهات ينسى طبعه الحجر وإن سبة هذي الحرب أنهم ... هشيمها المنطفي والحرب تستعر جاءوا إلينا كالدجى فبدا ... من بيض أسيافنا خلف الدجى السحر ويل أمها من سيوف في ظهورهم ... قد صيرتها عصياً هذه الحمر والليث يكرم إن يلوي على جيف ... وربما هان فيها الناب والظفر جاءوا إلينا كجيش النمل منسرباً ... وفيهم بعض أبطال ولاضرز يقود كل كمي منهم أمل ... في طيه أجل يقظان ينتظر خاطوا لأجسامهم من نقعنا كفناً ... فإن أسيافهم في حربنا إبر أسطولهم أم كلاب البحر تنبحنا ... أم الضفادع قد ضجت بها الغدر هذا وذاك سوأ في طرابلس ... والكل في مسمعي صحرائها هذر إن البعوضة في الصحراء أضخم من ... أسطولهم ولها من دونه أثر يا ويلها حومة كانت وطيس وغى ... فصيروها (سباقاً) حينما انكسروا ظنوا القيامة فيها قد بدت لهم ... وبرزت لأعادي ربها سقر فما السيوف تهاوت في جوانبها ... إلا جهات سماء الله تنفطر وما القنابل تهوي بينهم كسفاً ... ألا النجوم بأمر الله تنكدر وما الفوارس من ترك ومن عرب ... إلا زبانية لله قد نفروا تالله لو أنهم جن جماجمهم ... ذرى الجبال يغطي جلدها الشجر ومن رقابهم في الجو أعمدة ... وفوق كل عمود في السما قمر وتحت أرجلهم قاع المحيط ومن ... أطراف أيديهم يسترسل المطر وكان (فيزوف) فوق الماء بارجة ... وخلفه كل بركان سينفجر وأقبلوا ولهم هذي القلوب لما ... صدوا عدواً ولا فازوا ولا انتصروا

لا بد من ثورة رجافة حنقاً ... هوجاء لا نظر فيها ولا فكر يمشي بها الموت مجنوناً وكيف خطا ... فليس إلا قبور ثم تحتفر لابد من غضبة إن ثار ثائرها ... على الشياطين من جن الفلا ذعروا ثار تلفَّف منه كل منتقم ... على البلاء الذي يمضي به الخبر ثار تعاظم فيهم إن يقال له ... ذنب مخافة أن الحلم يغتفر ثار كثأر الأفاعي لا ينفسه ... إلا المغارز فيها الناب يعتصر ثار العرين إذا جاعت ثعالبه ... فلم ير الشبل فيه الضيغم الهصر ثأر اليتامى وثأر الثاكلات وثأ ... ر الخدر ينفى وثأر العرض يشتهر وأهاً لها عذرة تخزى النساء بها ... لوتعذر امرأة يوماً كما عذروا ياللرجولة من قوم إذا انفردوا ... بالطفل يلعب ردوا الطفل يحتضر ياللحفيظة من قوم إذا انفردوا ... بالبائسات غدت أكفانها الأزر ياللشهامة من قوم إذا انفردوا ... بالشيخ يرعش لم يعطفهم الكبر ياللمروءة من قوم إذا انفردوا ... للمستغيث بهم في موته سخروا يذبحونهم ثأراً بمن فقدوا ... فالآن قد ربحوا أضعاف ما خسروا هل يخسرون سوى أشباههم وهم ... معرة الأرض إن قلوا وإن كثروا هل يخسرون سوى رعديدة فرق ... كأنه رجل في الحرب مختصر يلقي المهند خوفاً أن يجدّ به ... جد الذهول فعند اليأس ينتحر وإن تقحم منا الغمرة انقلبت ... عيناه رعباً فما يهدي له بصر وفرَّ لافزعاً منا ولاجزعاً ... لكن خيال وجبن منه مبتكر يا أمة النحت والتصوير ويحكم ... حتى جنودكم الأنصاب والصور الهلال: مصطفى صادق الرفاعي

تعليم المرأة وضرورة حجابها

تعليم المرأة وضرورة حجابها الإنسان مقهور لعوامل الطبيعة بلا نزاع فإن كان حكيماً فيكون معها في حروب وقتال والسواد الأعظم في هذا التغالب مغلوب سنة الله في التكوين ولن تجد لسنة الله تبديلاً مهما هذبت النفوس وآويتها في حضانة الأخلاق الفاضلة بما تلقيه إليها من دروس العلم والحكمة فلابد لأن تنازعك يوماً ما بحكم عوامل فطرتها وربما صارعتك وتغلبت عليك باستدراجك إلى حيث تهلك (إن النفس لأمّارة بالسوء) اللهم ألا إذا أتاك برهان ربك فيحول بينك وبين مناها وتصبح من ذوي العزم والاستقامة وهذا لا يكون إلا لمن حزم رأيه وتشبث بأوامر الشرع الحكيم. والمرأة أضعف جانباً من الرجل في كل شيء فإذاً من الظلم أن يسيغ لها الاختلاط المغناطيسي الذي ينشدونه أضداد الحجاب ليتوسعوا في ضروب البهرجة بما بم يكن مشروعاً وبعد ذلك نطالبها بالعفة والشرف صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حليم وليس من صفاته وأخلاقه الجمود بما لم يكن محموداً والتقيد بقيد الحروف والألفاظ. إلا لكل لفظة منطوق ومفهوم وفي الأحكام رخصة وعزيمة هذا هو المعتبر شرعاً في كل زمان انظر كيف أجاز النطق بكلمة الكفر عند الإكراه مادام القلب مطمئناً بالإيمان وكيف حرم نكاح الأخوات بعد أن كان مباحاً في مبدأ العمران ومع هذه الاعتبارات نسير مع الذين ينكرون الحجاب في الإسلام القائلين بأنه افتراء المجتهدين ونوافقهم جدلاً في أن الحجاب ليس مشروعاً ومشروحاً في تصريح العبارة في كتاب الله تعالى ولكن من يستقري أخلاق العالم يعلم أنه واجب لا محالة إنسانية وأدباً. إذا أعرنا الشرع نظرة حقيقية وجدناه ناقماً على القائلين بالسفور وما لنا وهذا الخبط ونحن إذا نظرنا إلى أخلاق معظم المسلمين وما نزل بهم من التأخر في الأخلاق نجد أن ذلك ناشئ من عدم التمسك بأحكام الدين ولذلك أقول يجب أن يكون الحجاب للمرأة متعدداً لا حجاباً واحداً حيث لا يبصرها الرجال إلا ما أحلها له الشارع صلى الله عليه وسلم بطريق العقد الشرعي. قلنا أن الدين بعيد عن الجمود ولو فرضنا أنه لم يشرع الحجاب فإن الزمان الغابر لم تكن الحرمات فيه منتهكة بل كانت السلطة الفردية فيه للعفة النقية والأخلاق الفاضلة وإكبار التشريع الإلهي والانقياد لأحكامه وتعاليمه فإذا كان كذلك بالأمس فلم يكن ثمة ما يسجل عليه الجمود لهذا الحد ولا يكون للخروج إلى ما تمس إليه الحاجة سبيل خصوصاً في زماننا هذا الذي ماتت فيه المروءة واستهين بالشرف والدين ولم يكن التفاخر إلا بالانصياع

للشهوة البهيمية والتقاليد الأوروبية وأكبر دليل على حكمة الشارع صلى الله عليه وسلم وتصرفه في الأحكام على نحو ما يوافق العمران أنك تراه يحرم حكماً ويبيحه في الوقت الذي يقتضيه والحكمة في ذلك بقاء عقد الجمعية الإنسانية منظماً على أساس صروح المدنية والحضارة ومصادرة وباء الفساد في الأرض (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده. والله يعلم وأنتم لا تعلمون). المؤيد

المدارس الأجنبية

المدارس الأجنبية ما اعتصمت أمة بدينها وحافظت على أوامره، وانتهت عن زواجره وتعصبت لأخلاقها الدينية، وآدابها الاجتماعية، وعادتها القومية، إلا كتب الله لها النصر والفلج، والحياة الطيبة، وعزّ الاستقلال، وسعادة المآل. وما تركت أمة سلوك هذا المنهج الأقوم، والصراط الأعدل، فتهاونت بدينها وأمراه ونواهيه، ونبذت أخلاقها وآدابها ظهرياً، إلا استخف بها الأغيار، وطمع بها الأعداء، وكتب الله عليها ذل الاستعباد، وشر الاستبدْاد وفقد الاستقلال وانحلال الروابط، والموت الأدبي الأبدي، وما أبطنت لأمة شراً واردات محو استقلالها وإدماجها تحت سلطتها إلا حببت لها الانسلاخ عن عوائدها ونبذ أخلاقها واتباع الهوى وزينت لها من الأخلاق والعادات ما لا يلتئم مع شرف دينها وآدابه الاجتماعية وأعدت من الزخارف والبهرجة ما تروج به تلك السلعة على السذج وضعاف الأحلام وتستعين على ذلك بمن ترى في طبعه استعداداً لمقاومة الخير ومعاضدة الشر وتسلطه على ناشئة الأمة والسذج منها ليعيث في أخلاقها فساداً، وليحسن لها ما اعتاده من المفاسد باسم المدنية ولا تزال تستفيد منهم أعواناً وتزجهم في مجتمع الأمة لبذر بذور الشقاق والفساد حتى يتسنى لها الغلب والظفر؛ ويصبح صوت الحق ضائعاً في وسط هذا المعترك. هذه القاعدة جرى عليها دول الاستعمار منذ خطر لهم الاستيلاء على دول الشرق وبالأخص الدول الإسلامية منها. علموا أن الاستيلاء على الشرق ليس بالأمر السهل إذا قصد من وجهة المقاومة وأن سلب الشعوب سلطتها واستقلالها وأخلاقها وثروتها قد لا تفيد فيه القوة مهما عظمت إلا بمئات من السنين وملايين من الليرات وربما حصلت النتيجة على عكس المطلوب فيما إذا كان الاعتماد على القوة بأن تتحد دول الشرق يداً واحدة على دفع هذا الخطر المهاجم فصمموا على الاستيلاء عليه بالطرق السلمية فعمدوا إلى العلم الذي هو ضالة جميع الشعوب على اختلاف منازعها وأميالها فتستروا بإرادته وحب تعميمه في جميع ما يطمح إليه نظرهم وترمي إليه أفكارهم من الاستيلاء على ممالك الشرق وسلبها استقلالها واستنزاف ثروتها فأنشئوا مدارسهم في البلاد الإسلامية بحجة نشر أنوار العلم وتمدين الشعوب الشرقية خدمة للإنسانية وما خدموا في الحقيقة إلا مبادئهم ومطامعهم وجشعهم للاستعمار. تدعي دول أوروبا أو دول الغرب أن الشرق وصل إلى أقصى حالة في الهمجية والنهم فهم

فيما يقومون به من فتح مدائنه واستعمار أرضه وسلبه استقلاله يعملون عملاً إنسانياً جليلاً لذلك لا يفتئون يتفننون في اختراع الطرق المؤدية إلى هذه النتيجة. ولذهول الشرقيين عن نوايا الغرب بازائهم وانخداعهم بتلك الزخارف التي يسمونها مدنية وحضارة واستخذائهم لهم لما يرون من رقيهم المادي أصبح بعض السذج منا وبعض من سرى سم الغربيين في نفوسهم يعتقدون أن عمل أوربا إن هو إلا لمحض خير الإنسانية وتمدين الشعوب المتأخرة وتحضيرهم كما يدعون هم أنفسهم. وكان هذا الاعتقاد مساعداً لأولئك الأعداء على نيل مطامعهم ومن أعظم ما منيت به هذه الأمة الإسلامية حيث استسلمت لعدوها يعيث بكل شيء من آدابها وأخلاقها وهي تظن نفسها أنها مغبوطة على ما نالت من نعمة المدنية والرقي. أنشئت المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية لأغراض في نفس مؤسسيها تختلف باختلاف لغاتهم وقوميتهم ومذاهبهم ولكن تتفق في وجهة واحدة وهو حل الرابطة الدينية الإسلامية. فالإنكليز والأميركان يقصدون نشر اللغة الإنكليزية والتبشير بالديانة البروستانتية والفرنساويون يعمدون إلى تعميم اللغة الفرنساوية والتبشير بالديانة الكاثوليكية وقسم من الفرنساويين لا دينيون مقصدهم رفع الأديان من الأرض ودعوة الناس لذلك وهكذا كل يسعى لنشر لغته ومذهبه. ربما يقول بعض البسطاء أن في ذلك مبالغة وأنه إن حصل شيء مما ذكر فبالعرض والمقصد الحقيقي نشر العلم واللغات ومن اطلع على ما ننقله هنا من كتاب (تربية المرأة) تأليف محمد طلعت حرب سهل عليه أن يذعن لما قلناه ويعتقد أنه حقيقة لا مبالغة فيها. نقل المؤلف عن مجلة العالمين الفرنساوية مقالاً للكاتب الفرنساوي الشهير موسيو أتين لامي قال فيه أن من الواجب على الأمم المسيحية أن تعاكس الإسلام في كل طريق وتحارب أهله بكل سلاح , أن مقاومة الإسلام بالقوة لا يزيده إلا انتشاراً فالواسطة الفعالة لهدم أركان الإسلام وتقويض بنيانه هي تربية بنيه في المدارس المسيحية وإلقاء بذور الشك في نفوسهم من عهد النشأة فتفسد عقائدهم الإسلامية من حيث لا يشعرون وإن لم يتنَصَّر منهم أحد فإنهم يصيرون لا مسلمين ولا مسيحيين مذبذبين بين ذلك. قال وأمثال هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضر على الإسلام وبلاده مما إذا اعتنقوا الديانة المسيحية وتظاهروا

بها إلى أن قال إن طريقة تربية أولاد المسلمين في المدارس المسيحية وإن كان لها من التأثير ما بيناه فإن تربية البنات في مدارس الراهبات أدعى لحصولنا على حقيقة القصد ووصولنا إلى نفس الغاية التي وراءها نسعى بل أقول أن تربية البنات بهذه الكيفية هي التربية الوحيدة للقضاء على الإسلام عن يد أهله. وقال في موضع آخر أن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات المسلمين توجب للإسلام في داخل حصنه المنيع عدوة الدَّاء لا يمكن الرجل قهرها لأن المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف ولا شك درجة اعتبار المرأة في المجتمع الإنساني وتكتسب من المعارف ما يبرر أطماعها في الاستقلال ويقوي آمالها في الارتقاء فتعرف كيف تتغلب على الرجل حيث تقوى رغبتها في الاستزادة من المعارف وتطلب علم ما لم تكن تعلم فتكثر من مطالعة الكتب جدها وهزلها حتى تظهر لها وظيفة المرأة ممثلة في مرآة الصور فلا تكتفي بأن تكون هي الزوجة المفضلة بل تحتم أن تكون الزوجة الوحيدة وتصبح وحدة الزوجة بتأثير المرأة من الأمور الاعتبارية في الطبقات العالية كما هي الآن لدى أغلب الأتراك بتأثير الفقر ومتى تغلبت المرأة هكذا تغير نظام العائلة بالمرة وأصبح في قبضة تصرفها وهنا تظهر له تربية الراهبات لأنه سهل على المرأة والحالة هذه أن تؤثر على إحساس زوجها وعقيدته فتبعده عن الإسلام وتربي أولادها على غير دين أبيهم وفي اليوم الذي تغذي الأم فيه أولادها بلبان هذه التربية وتطلعهم على هذه الأفكار تكون المرأة قد تغلبت على الإسلام نفسه. تلك هي أقرب الطرق وأنجح الوسائط لمحاربة الإسلام بأهله بدون جلبة ولا ضوضاء وهي لا شك أدعى لنوال المآرب وبلوغ المرام فليس لنا إلا اتباعها أما السعي جهاراً في محاجة المسلم وإقناعه بما هو عليه من الضلال فإنه يوقظ عوامل التعصب الكامنة في نفسه الساكنة بين جوانحه فلا يمكن تذليله وهذا ليس من الحزم في شيء أهـ. فهل بعد نقل ما قاله فيلسوف الغربيين وكاتب من مشاهير كتابهم يرتاب ذو مسكة من الفهم في سوء نواياهم نحو الإسلام والمسلمين. يتشدق الغربيون بحب التمدن وخدمة الإنسانية وحرية الاعتقاد واحترام الأديان وهو كلام يريدون به ذر الرماد في العيون وتخدير أعصاب المسلمين كيلا تحس بشيء مما يحيط بها من المخاطر والمهالك بسبب تداخلهم في شؤونهم وعملهم على محو سلطتهم واستقلالهم

وأخلاقهم الدينية. أما وقد ظهر ما تكن ضمائرهم من البغض للإسلام وأهله والعمل على تلاشيه على لسان فلاسفتهم وكتابهم فليس لحسن الظن فيهم وانتحال الأعذار لهم وجه من الحسن. هذا وقدمني الإسلام بزمرة من المتفرنجين تربوا في مدارس الفرنجة واغتروا بزخرف مدنيتها يحسنون للعامة دخول تلك المدارس وينسبون المتشائمين منها والمنفرين عنها إلى التعصب الديني ويعدونه علة لكل بلاء ومصدراً لكل عناء وسداً منيعاً بين المتصفين به وبين الفوز بالنجاح. تلك فكرة أوربية دسها المبشرون بالمسيحية لقضاء مآربهم لما علموا أن أقوى رابطة للمسلمين إنما هي الرابطة الدينية وأن قوتهم لا تكون إلا بالعصبية الاعتقادية وأنهم ما داموا مستمسكين بدينهم متعصبين لعقائدهم يصعب امتلاكهم وتعسر ملا شاتهم فرأوا بث هذا الفكر الساقط بين السذج من المسلمين على لسان متفرنجيهم لينقضوا بذلك بناء الملة الإسلامية (لا سمح الله) ومن غريب أحوال الغربيين أنهم يرمون التعصب الديني بأشد عبارات التقبيح والازدراء وهم أشد الناس تعصباً لدينهم وأحرصهم على القيام بدواعيه ولا يزالون يلزمون حكوماتهم حماية دعاة الدين والقائمين بنشره وينفقون النفقات الباهظة للمبشرين وأتباعهم ولتغرير عقول بعض البله ليردوهم عن دينهم وإذا تسنى لأحد المبشرين أن فاز ببغيته وتمكن من الاستيلاء على فكر أحد المخالفين له بالعقيدة عدوا ذلك حسنة لذلك المبشر وأعطوه من الألقاب ما يعطونه لقائد الحروب وفاتح الثغور. وقد آن أن نبين مضار دخول المسلمين مدارس الأجانب وتعليمهم فيها. لها بقية

طرابلس الغرب والإعانة

طرابلس الغرب والإعانة من أعظم ما يجب على الأمة الإسلامية بعد الإيمان بالله تعالى ورسوله الأعظم سيدنا محمد بن عبد الله القرشي صلى الله عليه وسلم الجهاد في سبيل الله تعالى لتكون كلمة الله تعالى هي العليا. وما دام هذا الأمر غير تام وهي قادرة على إتمامه لا تزال موصوفة بالقصور، مرتكبة للإثم، مجزية بالهوان والتقهقر. الجهاد أن تبذل الجهد في نيل القصد وهل يكون قصد يبذل الجهد فيه لينال أشرف وأعلا من قصد إعلاء كلمة الله تعالى. فإذا أردت الجهاد وأحببته ولم تبذل النفس والمال لا تكون مجاهداً. والمسلم إذا لم تكن نفسه وماله رخيصتين في جانب هذا المقصد لا يكون قائماً بالواجب المأمور فيه بالقرآن العظيم بقوله سبحانه (انفروا خفافاً وثِقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون). الأمة الإسلامية مقصرة في هذه الأزمنة المتأخرة بهذا الواجب تمام التقصير لذلك تراها عرضة لتسلط الأعداء عليها وجعلها تحت سيطرتهم وتهديدهم وتمكنهم من انتهاب أملاكها حتى وصل الأمر فتجاسرت (إيطاليا) عليها تلك الدولة التي لا تعد شيئاً في جانب القوة الإسلامية وهي المشهورة بحب الخلاعة والسفالة وعدم المبالاة بشرف العرض والنسب. فأشهرت حرباً على جزء مهم من البلاد الإسلامية وهو (طرابلس الغرب وتوابعها) وأرسلت عليها قوتها البحرية والبرية على حين غفلة من المسلمين والدولة العثمانية صاحبة الخلافة العظمى. لم يشعر المسلمون القاطنون هناك إلا والعدو دخل عليهم ولما أن وصل قام قومة الوحش الضاري والكلب العقور فأخذ يفتك بالأطفال والشيوخ والنساء ويذيقهم أشد العذاب وأمرّ الهوان مع أن جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضيعة لا تجوز التعرض لمثل هؤلاء الضعفاء المساكين. هكذا يا أيتها الأمة الإسلامية أفعال أعدائك اللئام والهمج الطغام إذا تمكنوا من المسلمين يذبحون أبنائكم ويهتكون حرمات نسائهم ويمثلون بشيوخهم (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) فأفيقي يا أيتها الأمة المسكينة من هذا السبات العميق وتمسكي بدينك القويم وأدي واجبه العظيم. ارجعي إلى سيرة سلفك الصالح وانظري كيف كان حالهم مع الأعداء وكيف كان عملهم إذا أصيب جزء من المسلمين بضراء. الدين يأمر بالجهاد بالأموال والأنفس. الدين

يأمر بالتعاون والتناصر، الدين يأمر بالشفقة والرحمة. السلف الصالح قام بأمر الجهاد كما أمر الله تعالى فملك بقليل من الزمن نحواً من ثلث المعمور، السلف الصالح قام بالتعاون والتناصر كما أمر الله فصارت القياصرة العظام لا تجسر على إيذاء فرد واحد من أفراد المسلمين علماً منهم بأن أنصاره وأعوانه المسلمون أجمعون. السلف الصالح قام بالشفقة والرحمة كما أمر الله فكان الواحد منهم إذا سمع أن أحداً من المسلمين أصابته مصيبة أو نزلت به نازلة فدى إخوانه المسلمين المصابين بنفسه وواساهم بأمواله وآواهم بكنفه شفقة منه وحناناً وهذا التاريخ تعبق صفحاته طيباً عنبرياً من روائح أخبارهم الزكية وسيرتهم الطاهرة الطيبة. إننا نعلم كلنا أن أولئك السادة (السلف الصالح) لم يكونوا أعظم منا خلقاً، ولا أكبر جثة، ولا أكثر عدداً، ولا أتم عدة، ولا أنظم جيشاً، ولا أوفر مالاً، ولا أرفه عيشاً. نعم كانوا أطيب منا أخلاقاً، وأكبر نفوساً، وأصدق إيماناً، وأقوى قلوباً، وأعلى همماً، وأرجح أحلاماً، وأشد تمسكاً بدين الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبذلك دانت لهم رقاب الأمم وعلا كعبهم فوق هام الملوك والقياصرة والأكاسرة. استعوضنا عن الأخلاق الطيبة الزكية بالأخلاق الحيوانية وعن التمسك بالدين التمسك بالعوائد الضارة المهلكة فرجعنا القهقرى وأصبحنا نهبة للطامعين ومضغة للطامعين. كان السلف رضي الله عنهم يعملون لإرضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون لإعلاء دينه فأصبحنا نعمل لأهواءنا ونجتهد لإرضاء نفوسنا وتحصيل شهواتنا. أصبحنا نسمح بأموالنا الكثيرة نصرفها بحكم العادة على غير طائل وربما تكون على أمور تخالف الشرع والعقل. أصبحنا وهمنا أكل الطعام اللذيذ ولبس الثوب الناعم وسكنى الدار الفسيحة كل ذلك ونحن نسمع عن إخواننا المسلمين ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ما حل بهم مما يفتت الكبد ويمزق الفؤاد ولا من متأثر ولا من رحيم. تأتي إلى الأكثر لتذكرهم وتلفت نظرهم نحو هؤلاء البؤساء ليعينوهم بما يستطيعون فتراهم غريقين في لجة أمور دنيئة بالنسبة لما تدعوهم إليه، تشير إليهم فلا يلحظون، تناديهم فلا يسمعون، تذكرهم فلا يفطنون، فإلى متى يا قومنا ونحن في هذه الغفلة نتدهور في هوة

الخمول والعدو دخل دارنا ونزل أرضنا فأهلك الحرث والنسل. نحن في حاجة إلى الجهاد بالأموال والأنفس والألسن والأقلام. نحن في حاجة إلى التناصر والتعاون ونبذ المراء وترك الجدال والخصام. نحن في حاجة إلى لين القلوب والشفقة والحنان. نحن في حاجة إلى الرجوع عن هذه السفاسف والنظر في اتباع ما يأمرنا به الشارع واجتناب ما ينهانا عنه. نحن في حاجة إلى اتباع سنن سلفنا الصالح وتقليدنا إياه في جميع الأعمال لنرد ما فقدناه ونخطو خطوة التقدم إلى الأمام وإن لم نعمل بمقتضى ذلك فعلى مجد الإسلام والمسلمين السلام. الإعانة على رفع ما حلّ بنا الآن والاستعداد لما عساه يحل من ألزم الأمور شرعاً وعقلاً. جسَّر إيطاليا على عملها بطرابلس الغرب قوتها البحرية وأوقفها في موقفها الحاضر إلى هذا اليوم إزاء قوة المسلمين. قوة المسلمين مساعدة أساطيلها التي لو كان للمسلمين نصفها لما استطاعت تلك الدولة الغاشمة أن تقف أمامنا قليلاً من الزمن. كل الدول الأجنبية حتى الدول الصغيرة آخذة بالتقدم ناهضة نحو الرقي عاملة على الاستعداد وتعزيز قوتها البحرية والبرية في كل لحظة وآن ونحن ساهون لاهون وعن كل ذلك معرضون. جاء في مجلة الهلال في العدد الثالث من سنة 911 تحت عنوان (الأخبار العلمية) ما نصه (القوات البحرية الأوروبية). دول أوروبا تتسابق في تقوية أساطيلها والمناظرة مشتدة الآن بين إنكلترة وألمانيا في هذا السبيل وكل منهما تبني الدوارع في معاملها وقد استخرج بعضهم إحصاء لما سيصير عند هاتين الدولتين من الدوارع الكبرى المعروفة باسم دريدنوط إلى سنة 1914 وأضاف إليها قوات الدول الأخرى للمقابلة فكانت النتيجة على هذه الصورة: سنة 1911سنة 1912سنة 1913سنة 1914عند إنكلترا12202732ألمانيا591519أميركا46810فرنسا0668اليابان1346روسيا0004إيطاليا0024النمسا0013هذا استعدادهم وتسابقهم في القوة البحرية وترى نحوه في القوة البرية فالله عليك هل سمعت لدولتنا ذكراً في هذه المسابقة أو غيرها؟ هنا يقف العثماني المسلم وغيره حزناً آسفاً ينحي باللائمة على الحكومة وقصورها ولا يفكر أن اللوم على الشعب أيضاً إذ الحكومة بالشعب

وتقصيرها من تقصيره (كما تكونوا يولى عليكم) إذا لم ترزق الحكومة شعباً ذا صدق في القول والعمل ذا أخلاق عالية ونفوس تأبى الضيم وأيد سمحى في جانب تعزيز قوته واسترجاع شرفه التالد فلا لوم عليها إذا قصرت في كل شيء. لو دققت النظر وشرحت أحوال شعبنا لرأيته يرضى بالضيم والصغار ولا يسمح بدريهم في سبيل استعداد القوة. يرضى بالجهل والهوان ولايصرف من عمره سويعات يتعلم فيها الأخلاق الفاضلة أو شيئاً يرقي به أمته وشعبه ولو سئلت كثيراً من أفراده عن سبب تقصيره لقال لك دعنا من هذا الحديث وهيا بنا نذهب لمسرح رقص وجلس لهو لنفرج عن القلب الهموم فإن حكومتنا ضعيفة وشعبنا ليس راقياً هذا جوابه يأتي به وينسى أن ضعف حكومته وعدم ترقي شعبه إنما هو من وجوده ووجود أمثاله. لو كنا شعباً نجيباً وأمة راقية تخشى العواقب وتغار على شرفها وتسعى وراء تعزيز قوتها وتحافظ على آداب دينها لما نظرنا إلى تقصير الحاكم بل إلى نشطنا همته وعملنا على مصلحته التي هي مصلحتنا بالحقيقة وسعينا في تأليف الجمعيات لجمع الإعانات وتوسيع نطاق المعارف واخترنا رجالاً صادقي اللهجة والنية أمناء نزهاء لا شغف لهم بحب الذات والفخفخة الفارغة وأسندنا إليهم أمورنا العامة وعملنا على ترك الشقاق والنفاق والتخاذل والتحزب واعتقدنا أننا جسم واحد كلمتنا واحدة فإن وجدنا كلمة حق سمعناها من أي حزب كان وإن وجدنا كلمة باطل نبذناها وراء ظهورنا ولو كانت من أكبر رجال قومنا. إن عملنا على ذلك لا يمضي زمن قليل إلا ونحن أمام الدول ارتقاء وأعلى الأمم نجابة وهناءً فنسألك اللهم أن توفقنا لما فيه صلاحنا ورضاك وأنت بالإجابة جدير وعلى كل شيء قدير (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجرحكم من عذاب أليم).

إلى روح الني الكريم

إلى روح الني الكريم صلى الله عليه وسلم قصيدة غراء تلاها حضرة العالم الفاضل الأديب صاحب الإمضاء في حفلة أقيمت بمدرسة نجاح الدارين بحمص بمناسبة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم (بمثل هذا الشهر الميمون) سلام على روح سمت في الورى قدرا ... وقامت بأعمال فأدهشت الدهرا محت ظلمة الإشراك واستبدلت بها ... ضياء الهدى بالنصح والرفق والذكرى أجل إنها روح رقت وتقدست ... وبزَّت بسامي مجدها الأنجم الزهرا أجل إنها روح النبي (محمد) ... أجلّ الورى قدراً وأعلاهم فخراً سلام عليها بل وألف تحية ... مدى الدهر لاتنفك تتلى لها تترى أمولاي قد شيدت أرقى حضارة ... وأطلعت للأكوان من أفقها بدرا وفي عصرك السامي انجلت مدنية ... فخرت لها روما ودان لها كسرى وقمت وحيداً في العوالم داعياً ... إلى الله قوماً قد نسوا العقل والفكرا دعوت ولكن قاوموك فسستهم ... وآذوك فاستعملت في أمرك الصبرا ثبتّ إلى أن فزت فيما ترومه ... وأطلعت من بعد الظلام لنا الفجرا أمولاي هل من نظرة كي ترى بها ... أغيلمة قد وسدوا النهي والأمرا فطاشوا وقاموا يخبطون وما دروا ... بأن عليهم من جنايتهم وزرا وإن قام يشكو مصلح من فعالهم ... يسومونه خسفاً ويولونه عسرا على شرعك العالي اعتدوا وتمردوا ... وفي سيء الأفعال قد جهروا جهرا وما ضرهم أم يصلحوا أو يسددوا ... ولكنما أفواهم ملئت هجرا أمولاي عطفاً وانظر اليوم حالنا ... فإنا على الضراء لا نحسن الصبرا لقد هاجمتنا أمة همجية ... وصالت على الأطفال توسعهم ضرا أغارت علينا اليوم في عقر دارنا ... وقد قتلت من أهلنا أنفساً كثرا حنانيك أن الذل جاوز حده ... وصرنا نود الموت وهو بنا أحرى أمولاي إنا أمة أنت ليثها ... وهل تسكت الأسادان عاينت ضيرا؟

أمولاي جدَّ المسلمون بلهوهم ... كأن بهم عن كل صالحة وقرا تداعت عليهم أمة الغرب وارتأت ... بأن تأخذ البلدان من كفهم قسرا أترضى بأن نبقى أذلاء بعدما ... بنيت لنا عواً منيعاً علا الزهرا؟ أجل إن هذا بعض ما نستحقه ... ولكنما الأطفال هل تعرف النكرا فرحماك بالأطفال واشفع بنا عسى ... بجاهك يا مولاي نغتنم النصرا حمص سعيد زهور

عود على بدء

عود على بدء كان حضرة العالم الفاضل مختار بك المؤيد أرسل لنا بيتين واقترح على أفاضل الأدباء تشطيرهما أو تخميسهما وجعل الجائزة على ذلك قراءَتهما أما ضريح (سيد الوجود) صلى الله عليه وسلم وأعظم بها من جائزة فلبى دعاءه كثير من علماء وأدباء هذه الحاضرة وغيرها وقد وفى بالجائزة وعاد اليوم حفظه الله يطلب تشطير أو تخميس بيتين آخرين واعداً بالجائزة السابقة وهما: يا مصطفى قبل العوالم كلها ... والكون لم يبرز من التكوين أيروم مخلوق مديحك بعدما ... أثنى عليك الله في التبيين فنخص الفضلاء والأدباء على تشطيرهما ولا شك أن محبي (الرسول) صلى الله عليه وسلم سيستبقون إلى إجابة طلبه طمعاً في نيل هذه الجائزة العظيمة.

حادثة بيروت

حادثة بيروت إلى متى ونحن غافلون؟ تحل بنا المصائب، وتنتابنا النوائب، وتتقاذفنا البلايا من كل جانب، تعبث بنا الأيدي الأجنبية، وتتداخل في شؤوننا، وتستعمر أكثر بلادنا، وترمي العداء فيما بيننا، وتجعلنا شيعاً وأحزاباً وتخدعنا بزخرف أقوالها، وكاذب وعودها، حتى تحصل على مبتغاها منا تدفع بعضنا ليسحق البعض الآخر فنقتتل ونتطاحن بالسيوف فتهلك الرجال وتخرب البلاد، تستنزف ثروتنا، وتقبض على زمام تجارتنا، وتزيف صناعتنا، وتفسد أخلاقنا، وتنتهك حرمات آدابنا، وتميت عاطفة أولادنا، ووطنية شبابنا، وتجتهد في إضعاف شوكتنا، والحط من كرامتنا، ومحو تعاليم ديننا تحاربنا بجميع أنواع الحرب، وتقتل شيوخنا وصبياننا، وتقذفنا بقذائفها وترسل علينا من نار بوارجها ونحن غافلون. فإلى متى يدوم هذا الحال؟ هذه إيطاليا على ما يعلمها العالم أجمع من الخسة والدناءة والهمجية ناصبتنا العداء، وأعلنت الحرب علينا لتضم إليها ما بقي بأيدينا من البلاد الإفريقية التي فتحها بأجمعها أسلافنا الكرام فسلبت وقتلت وفعلت ما تسيل الدموع لمجرد وصفه. كل هذا ونحن ساهون نناصب بعضنا العداء، ونسعى في تفريق كلمتنا، وتشتيت شملنا. ما هذا الاختلاف أيها القوم؟ ما هذا التباغض أيها الناس؟ إلى متى ينتهي أمر هذه المناوآت؟ إلى متى ينتهي حبكم لطلب الوظائف والمرتبات؟ ماهذا التنافر والتخاصم؟ ألم يكفكم ما حل بنا؟ ألم يكفكم ما وصلنا إليه؟ ألم يبلغكم أن العدو ليس على أبوابنا بل دخل دورنا وحلَّ بأرضنا؟ ألم تسمع آذانكم ما حل بإخواننا البيروتين؟ ألم تنفطر قلوبكم أسى عليهم؟ قتل بعض شبانهم، وهدمت بعض أبنيتهم، وملأ الرعب قلوبهم وسالت الدموع من آماق أطفالهم ونسائهم. إن حادثة بيروت أكبر مؤدب وأعظم باعث لنا على الاتفاق ونبذ الشقاق. إننا بدموع الآسف نذكر تلك الحادثة المؤلمة (حادثة بيروت) وقلوبنا تنفطر حزناً على ما حل بأهلها. إن أهل دمشق لما بلغهم هذا الخبر المؤلم هلعت قلوبهم، ووجفت نفوسهم، وظهر على وجه كبيرهم وصغيرهم علامة الكآبة والحزن، وفي مساء اليوم الذي وصل به الخبر وما بعده كنت ترى الناس على اختلاف طبقاتهم ألوفاً مؤلفة يؤمون محطة القطار (البرامكة) ينتظرون مجيئه من بيروت ليستطلعوا طلع الخبر. حدث مشاهد للواقعة في بيروت أن الناس أصبحوا صباح

يوم السبت لسبع خلت من شهر ربيع الأول والحال مطمئن والبحر هادئ والناس سائرون في أشغالهم فما شعروا إلا وتغير الحال واضطرب وجه البحر وعصفت عليه عواصف شرور همجية الغرب المتمدن ونظر القوم من وراء الأفق في الساعة الثالثة من صباح هذا اليوم بارجتين تقتربان إلى مرفأ بيروت وعندما وصلتا إلى ما يبعد عن الشاطئ نحو نصف ميل أطلقتا ضرباً نارياً تهديداً وتنبيهاً لمجيئهما قال: ألا إن الناس لم يعرفوا لأول وهلة أي نوع من أنواع البوارج هما ولا القصد من مجيئهما. قال ووقفنا ننظر إليهما بعين الدهشة والاستغراب وخصوصاً عندما عرفنا أنهما بارجتان إيطاليتان ثم حضر زورق من طرف قائد المدفعية العثمانية إلى الأسطول الإيطالي ليستعلم منه عما يريده الأسطول بقدومه فأعلمه على (ماشاع بعد) بأنه يريد المدفعية العثمانية (عون الله) والنسافة (أنقرة) وأنه في الساعة 9 إفرنجي إن لم يسلما أنفسهما يضطر إلى ضربهما داخل المرفأ وآنئذ تقول الناس الأقاويل فمنهم من قال مرادهم ضرب الثغر ومنهم من قال مرادهم أخذ النسافة والمدفعية ولا يمكنهم ضرب البلد قطعياً ومنهم من قال غير ذلك. ثم سمعنا صوت المدافع في الفضاء الواحد تلو الآخر وشعرنا أن الأرض تهتز من عظم تلك الطلقات وكانت إحدى البارجتين راسية أمام المرفأ (البور) ترمي القنابل وكان الدخان يتصاعد وأصوات النساء والأولاد من البيوت تتصاعد معه. منظر مؤثر ومشهد رهيب استولى الرعب فيه على القلوب وغلب الروع على الأفئدة. ودامت الطلقات متواصلة على البارجة (عون الله) والطراد (أنقرة) حتى غرقت الأولى واضمحل أمر الثانية وبقيت على وجه الماء وهدمت من تلك القذائف الجهنمية بعض الأبنية وقسماً من المصرف العثماني والجمرك ومصرف سلانيك وقتا نحو مائة رجل خلا الجرحى. قال ثم بعد أن تمت تلك البارجة مقاصدها السيئة رجعت تمخر عباب البحر والمياه تشب أمامها كأنها تطالبها بما أتته من الضرر والفعل الذميم. ولما اقتربت من رفيقتها التي كانت في انتظارها وبعبارة ثانية كانت تحمي ظهرها سارتا معاً وأوغلتا في البحر إلى ما وراء الأفق وهنا ظن الناس الظنون. ظن بعضهم أنهما ذهبتا إلى طرابلس شام والبعض الآخر ظن أنهما قصدتا إسكندرونة لضرب المدفعية العثمانية الراسية هناك لكن مع الآسف لم يطل أمد هذا التخرص إذ عادت البارجتان الطليانيتان واقتربت إحداهما من البور ببطء ودخلته غير

خائفة ولا وجلة وهناك أطلقت عدة قذائف على الطراد الذي بقي بعضه ظاهراً على وجه الماء فأغرقته ورجعتا لا رافقتهما السلامة. وقد وقع الناس حين رجوعهما بأشد الخوف حيث اعتقدوا أنهما سيقذفان شظايا نارهما على البلدة وبالأخص الثكنة العسكرية ودار الحكومة وفي برهة قليلة أخليت الدائرتان المذكورتان ولم يبق فيهما غير الجدران وقد استعدت بعض الدوائر أيضاً لنقل مراكزها إلى خارج البلدة وأقفلت جميع المحلات ولم يبق في الشوارع إلا بعض الأهالي الذين دفعهم الإفراط في الوطنية إلى مهاجمة مستودع أسلحة الحكومة فأخذوا كثيراً من البنادق والأسلحة أما العقلاء من أهل بيروت فكان خوفهم من حصول ما يخل بالأمن يقارب خوفهم من الأسطول الطلياني إذ خطر لبعض الرعاع أن يتجمهروا أمام دار الحكومة ففعلوا وجعلوا يطلبون إخراج المسجونين وبعضهم طمع في اشتغال الحكومة بهذا الحادث فعمد لثأر ماله من الآثار وقسم عد الأمر فوضى فنهب وسلب وهذا ما دعا الحكومة المحلية إلى إعلان الإدارة العرفية ونشر هذا المنشور تحت بيان رسمي الحكم العرفي في بيروت وإليك خلاصته: أعلنت الإدارة العرفية في بيروت وحدودها براً جبل لبنان وبحراً ساحل بيروت وأحيل أمر محافظة الأمن للحكومة العسكرية ومن تجاسر على الإخلال بالأمن داخلاً وخارجاً تجري محاكمته بديوان الحرب مهما كانت صفته والحكومة العسكرية مأذونة بتحري منازل من تريد من الأشخاص ليلاً ونهاراً وبنفي المشتبه بهم وبجمع الأسلحة من الأهلين وبتعطيل الجرائد المشوشة للأذهان وبمنع جميع الجمعيات وبمحاكمة من كانوا السبب في إعلان الإدارة العرفية ولو كانت إقامتهم في غير بيروت والحاصل جميع أحكام قرار الإدارة العرفية والمواد المذيلة به سيجرى تطبيقها حرفياً اعتباراً من تاريخه. وقد أذيع هذا ليحيط الجميع به علماً في 12 شباط سنة 1327. ونعم ما فعلته الحكومة فقد استتب الأمن وتوطدت أركان الراحة بهمة والي الولاية ورجال الضبط والجند الشاهاني الذين لم يألوا جهداً في العناية بأمر التدقيق والتطواف وقد أرسلت ولاية سوريا قطارين مشحونين بالعساكر والزاد وأرسلت طرابلس شام أيضاً الأي السواري لمعاضدة حكومة بيروت في توفير أسباب الأمن. وبذلك انتهت الأزمة وعاد القوم إلى أعمالهم. تبرم بعض الناس من إعلان الإدارة العرفية في بيروت ونقم على الحكومة ونحن مع حبنا

الصميم لراحة أهالي بيروت ورجائنا بضراعة منه سبحانه أن لا يطيل أمد الأحكام العرفية عليهم نقول أن السخط على الحكومة في غير محله وربما أدى إلى التشويش عليها وهو بلا شك جهل محض. إذ باعتقادنا أن ما تعمله الحكومة الآن يتحتم عمله، ولولاه لانقلب لون الأزمة إلى شكل آخر، ولوصل أرباب الأغراض والدسائس الأجنبية إلى غاياتهم، فهل بعد هذه الحادثة المشؤومة أدركت الأمة أن الواجب عليها أن تعمل يداً واحدة على ترك التنابذ والشقاق ومؤازرة الحكومة لصدمات الأعداء وتعلم أنها بتطاعنها تطعن قلبها، وترمي فؤادها. هل علمت أن العقلاء من أعمالها في استياء عظيم يبكون الليل والنهار ويرجون الله لرفع هذه الأحقاد خشية أن يبتلعنا من فغر فاه من الأجانب؟ هل علمت بأن رمي بعضها البعض بخيانة الوطن، وسوء النية هو عين خيانة الوطن والإضرار به؟ هلا لانت قلوب هؤلاء المختلفين فعطفوا على هذه الأمة البائسة؟ هلا لانت قلوبهم فرحموا هذه الأمة المسكينة؟ هلا لنت قلوبهم لما أصاب الدولة والأمة؟ هلا علموا بأنهم محاسبون؟ هلا فقهوا بأنهم مسؤولون؟ هلا دروا بأنهم على ربهم يعرضون؟ فإلى متى وهم غافلون وفي أنفسهم متشاغلون. ما مصيبة الأمة بطرابلس الغرب بأعظم من مصيبتها بتفرقهم واختلافهم. فإلى الوفاق أيها الناس إلى التعاضد أيها القوم. وفي الختام نجأر إلى الله تعالى أن يوفق الأمة إلى ما فيه صلاحها ونجاحها، وأن يصرف عنها كيد الأعداء، إنه سميع الدعاء.

حكم وأخلاق

حكم وأخلاق لمحمد بن أبي شحاذ الضبي إذا أنت أُعطيت الغنى ثم لم تجدُ ... بفضل الغنى أُلفيت مالك حامد إذا أنت لم تعرُك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل ... عليك بروق جمة ورواعد إذا العزم لم يفرُج لك الشك لم تزل ... جنيباً كما استتلى الجنيبة قائد وقلَّ غناءً عنك مال جمعته ... إذا صار ميراثاً وواراك لاحد إذا أنت لم تترك طعاماً تحبه ... ولا مقعداً تدعى إليه الولائد تجللت عاراً لا يزال يشبه ... سباب الرجال نثرهم والقصائد وقال رجل من فزازة: ألا يكن عظمي طويلاً فإنني ... له بالخصال الصالحاتَ وصول ةلا خير في حسن الجسوم ونبلها ... إذا لم تزن حسنَ الجسوم عقول إذا كنتُ في القوم الطوال علوتهم ... بعارفة حتى يقال طويل وكم قد رأينا من فروع كثيرة ... تموت إذا لم تحيهن أصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 14 معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أثبتنا آنفاً أن الله سبحانه امتن على عباده ببعثة سيد الرسل صلى الله عليه وسلم لينقذهم مما كانوا فيه من ظلمات الغي والغواية، والجهل والضلالة ويهديهم إلى صراطه الأعدل، ومنهاجه الأقوم، وأيده بما يدل على صدق نبوته، وتحقيق رسالته من المعجزات الباهرات، والآيات البينات مما تتقاصر العقول دون الإحاطة بمنتاها. فكان عليه الصلاة والسلام أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، وأظهرهم برهاناً، وأوضحهم محجة وتبياناً. أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم وأظهر آياته معجزة القرآن العظيم المتحدى به أنزله الله عليه في عصر اشتهرت رجاله بالفصاحة، وتوفرت فيهم مادة البلاغة، وأوتوا من ذرابة اللسان، ما لم يؤت إنسان، ومن فصل الخطاب، ما يبهر الألباب، ومن البداهة ما يقضي بالعجب العجاب، فكان منهم البدوي ذو اللفظ الجزل، والقول الفصل، والطبع الجوهري، والمنزع القوي ومنهم الحضري ذو البلاغة البارعة، والكلمات الجامعة، والطبع السهل والتصرف في القول، فما استطاع أحد معارضته، ولا حام حول محاكاة أقصر سورة من سوره بل أخرس بفصاحته فرسان البلاغة، وقادة الخطابة، وسادات القوافي، وملوك البيان، مع حرصهم على معارضته، والتماسهم الوسائل التامة لمتناقضته (قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً). كتاب حوى من الإعجاز مارد كل جاحد وصد كل معاند وسجل العجز على كل مكابر من بلاغة ألفاظه واستيفاء معانيه وحسن نظمه العجيب وأسلوبه الغريب المخالف لأسلوب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها انطوى على علوم لا يحيط بكنهها بشر ولا يطمع في إصائها مخلوق واستمل على أخبار القرون الخالية وقصص الأمم السالفة والأخبار بضمائر القلوب التي لا يصل إليها إلا علام الغيوب وهو مع اتساع مجاله في كل فن من أخبار وأحكام ومواعظ وأمثال وأخلاق وآداب وترغيب وترهيب وتحذير من قبائح السجايا ومواقع الدنايا وتدبير السياسات ومراعاة الأوداء ومدافعة الأعداء ومجادلة الأخصام وتبكيت الطغام وإقامة

الحجج والبراهين على وجود الله تعالى وتوحيده وعلى الحشر والنشر ودفع الشبه وإزالة الريب ووصف دار النعيم وأحوال سكانها ودار الجحيم وأهوالها ونعت عالم السموات وما في العالم العلوي من الآيات من كواكب وأمطار وسحائب وغيرها ووصف الأرض وجبالها وسهولها وبحارها وينابيعها وما اشتملت عليه من نباتات وحيوانات ومعادن وأزهار وغيرها حتى يصح أن يقال أنه لم يبق علماً من علوم الأوائل والأواخر إلا صرح به أو أشار إليه على أساليب متنوعة وطرائق بديعة مع هذا كله لم يقع فيه تناقض ولم يتخلله تضارب خال عن جميع العيوب بعيد بحسن نظمه عن مشابهة كل أسلوب ليس له مثال يحتذى عليه ولا إمام يقتدى به فلا هو من نوع القصائد العربية ولا من الأراجيز البدوية ولا يمل مع الترديد ولا يشبع منه لعلماء ولا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه. ولو لم يكن من عظيم شأنه وجليل برهانه إلا أن عمّ الأرض نوره وجلل الآفاق ضياؤه ونفذ في العالم حكمه وطمس ظلام الكفر بعد أن كان مضروب الرواق ممدود الأطناب مبسوط الباع مرفوع العماد ليس على الأرض من يعرف الله تعالى حق معرفته أو يعبده حق عبادته أو يدين بعظمته أو يعلم علو جلالته أو يتفكر في بديع حكمته لكان ذلك كافياً في الدلالة على أنه من عند الله (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري مالكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نور نهدي به من تشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم). أليس في ظهور هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها على لسان أمي لا يكتب ولا يقرأ أعظم معجزة وأكبر دليل وأدل برهان على أنه ليس من صنيع البشر وإنما هو تنزيل من عزيز حكيم. ومن وجوه إعجازه المعدودة كونه آية باقية ما بقيت الدنيا (إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وسائر معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد انقضت بانقضاء أوقاتها ولم يبق إلا خبرها والقرآن الكريم الباهرة آياته مضى عليه ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة وهو على ما هو عليه حجة قاهرة ومعارضته ممتنعة والأعصار كلها طافحة بأهل اوحملة علم اللسان وأئمة البلاغة وجهابذة الكلام والبراعة والملحد فيهم كثير والمعادي للشرع عنيد فما منهم من أتى بشيء يؤثر في

معارضته ولا ألف جملة في مناقضته ولا قدر فيه على مطعن صحيح ولا قدح إلا بزند شحيح بل المأثور عن كل من رام ذلك إلقاؤه في العجز بيديه والنكوص على عقبيه. فإذا ثبت القرآن الكريم ظهر لك معنى قولهم أن القرآن معجزاي لا تقدر العباد على معارضته إذ المعجز الدال على صدق النبي لا يصح دخوله تحت قدرة العباد وإنما ينفرد به الله تعالى ولا يمكن أن يتهيأ لمن كان لسانه غير العربي كالعجم والترك أن يعرفوا إعجاز القرآن إلا أن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك فإذا عرفوا أن العرب قد تحدوا على أن يأتوا بمثله أو بأقصر سورة منه فعجزوا بعد استفراغ وسعهم وبذل جهدهم حينئذ يتحقق لديهم ويثبت عندهم أنهم هم أعجز وكذلك يقال فيمن كان من أهل اللسان العربي إلا أنه لم يبلغ في الفصاحة شأواً يؤهله إلى معرفة أساليب الكلام ووجوه تصرف اللغة فهو كالأعجمي في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن إلا بمثل ما ذكرنا. وأما من قد تناهى في معرفة اللسان العربي ووقف على طرقه ومذاهبه ومارس فنون البلاغة فهو يعرف القدر الذي ينتهي إليه وسع الكلام من الفصاحة ويعرف مايخرج عن الوسع ويتجاوز حدود القدرة فمثل هذا لا يخفى عليه إعجاز القرآن وأسرار دقائقه. وإليك بعض ما جاء في الأخبار من اعتراف فصحاء العرب بمنتهى فصاحته وإقرارهم بالعجز عن معارضته لاشتماله كما قدمنا على أعلى طبقات البلاغة وأسمى درجات البراعة والبيان. فمن ذلك ما ورد أن الوليد بن المغيرة زعيم قريش في الفصاحة لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) إلى آخر الآية قال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر. وقد أخرج البيهقي عن محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل مني بعضها ويكف عنا قالوا بلى يا أبا الوليد فقام عتبة فجلس إلى سول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فيما قاله عتبة وفيما عرض عليه من المال وغير ذلك فلما فرغ قال عليه الصلاة والسلام لأفرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع مني قال افعل فقال عليه الصلاة والسلام (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته) فمضى يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة أنصت

لها وألقى بيديه خلف ظهره معتمداً عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد فيها ثم قال سمعت يا أبا الوليد قال سمعت فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال والله إني سمعت قولاً ما سمعت بمثله قط والله ما هو بالشعر وبالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش أطيعوني خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نباء قال فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا سحر ولا كهانة قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم) حتى بلغ (فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت فمه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب. وقال بعضهم أن هذا القرآن لو وجد مكتوباً في مصحف في فلاة من الأرض ولم يعلم من وضعه هناك لشهدت العقول السليمة أنه منزل من عند الله وأن البشر لا قدرة لهم على تأليف مثله فكيف إذا جاء على يد أصدق الخلق وأبرهم وأنقاهم وقال أنه كلام الله وتحداهم كلهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا فكيف يبقى مع هذا شك؟. وروي أن أعرابياً سجد عند سماع قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام وحكي أيضاً أن جارية من فصحاء العرب قالت للأصمعي لما رأته تعجب من فصاحة حديثها أو يعدّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى (وأوصينا إلى أم موسى أن أرضعيه الآية) فإنه قد جمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين إلى غير ذلك مما هو ثايب في الآثار ومبسوط في كتب الأخبار وفقنا الله لتلاوته ورزقنا فهم معانيه وأسراره. (يتبع)

خلط الدين بالسياسة

خلط الدين بالسياسة أو العقد الاجتماعي للمسلمين كتبنا غير مرة في هذا الموضوع ولا نزال في حاجة لأن نكتب فيه الآن. خلط السياسة بالدين في أوروبا يعد من أكبر الجرائم وأشد الإهانات للنظام، لأن للدين لديهم سقطات لا تغتفر بل هو لديهم الكابوس الذي ألم بمدنية الرومانيين فجمدها وضرب بأيديه وأرجله على جميع الأمم الآخذة به فطمس معالمها خمسة عشر قرناً متوالية ولم تتوصل لرفع كابوسه عنها إلا بجهد جهيد وجهاد شديد. هذا جرم الدين في أوروبا وفي نظر جميع مقلديهم من الطوائف النصرانية الشرقية المتأدبة بأدبهم ولكن ما ذنب الإسلام في نظرنا حتى يعد خلطه بسياستنا جرماً نستحق عليه التأنيب من النصارى المستعمرين؟ جاء الإسلام وكنا متفرقين فجمعنا، متعادين فآخى بيننا، لا نعرف معنى المدنية فحدد لنا حدودها وبين لنا رسومها، لا نفقه حقيقة النظام فرسم لنا طريقه، وأبان معالمه، لا نحترم العدل ولا الحرية ولا المساواة فنهج لنا سبيلها وخط لنا خططها، أذلاء مسودين فجعلنا أعزَاء سائدين. تمسكنا به سنين معدودة فمد الله سلطاننا على الشرق والغرب وأدان لنا بسببه الأحمر والأبيض، وأصبحت لنا مملكة لا تدانيها مملكة في الأرض اليوم، وجعل الله لنا بسره أوابد المعارف وشوارد المعلومات، فأصبحنا أئمة العالم علماً وحكمة فسرى الناس في أنوار معارفنا، واستنوا بسنتنا، وعرف عنا أننا حفظنا خلافة الله في الأرض قروناً كنا فيها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتني عن المنكر وتؤمن بالله. أرني أمة كالمسلمين في أيام عزهم سائدة في غير سعف، غالبة في غير تجبر، متدينة في غير علو، متحمسة في غير تجرم، متمدنة في غير طغيان، فاتحة في غير قهر. ما الذي أذلنا بعد عز وأضعفنا بعد قوة، وأفقرنا بعد غنى، وجعلنا مسودين بعد أن كنا سادة؟ أليس هو تركنا الدين وتنكبنا عن طريقه القويم؟ الإسلام دين لا كما تعهدون من الأديان، الإسلام تعاليم اجتماعية، وقوانين نظامية، ونواميس حيوية نزل بها الروح الأمين على قلب أخلص بشر من العالمين ليكون به من المصلحين. فما ذنب الإسلام في نظرنا وهو كما

ترى من سمو الأصل، ومتانة القواعد، وعلو المبادئ واستقامة المقاصد. كما تكلنا قلتم خلطوا الدين بالسياسة ورميتمونا بالشطط عن موضوع البحث والله يشهد أنكم الخالطون الخابطون، الشاذون الشاطون. ما ذنبنا أيها القوم إن كنتم قد نبذتم دينكم فجعلتموه قاصراً على معاهد العبادة لعدم صلاحيته لقيادتكم قيادة جماعية واتخذتم مكانه مبادئ وضعية اصطلحتم على قبولها فيما بينكم ورأينا نحن أن ديننا أرقى مرمى وأعلا مقصداً وأبعد غاية من أي تعليم وضعي فنشدناه كما تنشد الضوال، وطلبناه كما تطلب الآمال. أذنبنا أننا لم نتبعكم في ترك الدين وجعله قاصراً على المعابد، مثله كمثل العاديات من بقايا الأقدمين؟ إن كان الأمر كذلك فذنبكم في نظرنا أنكم لا تتبعونا فيما نحن فيه على ما بيننا من الفرق الشاسع في المذهبين، أنتم تطالبوننا باتباعه تعاليم وضعية حشوها الأحقاد المختمرة، والأكاذيب المزخرفة، ونحن ندعوكم إلى سياسة أفاضها على الناس الوحي، وجلاها لهم الحق، ودلهم على أنها أوضح مناهج الحياة، وأعدل موازين الأعمال وأكرم مقادير النفوس، بما بسط لمتبعيها من نعمة الكمال الصوري والمعنوي، وعزة الوجود السياسي الاجتماعي. تدعوننا لعدم خلط الدين بالسياسة ونحن ندعوكم لفهم هذا الدين أولاً إن كنتم تريدون بنا خيراً وإلا فإن كانت دعوتكم هذه لتذهلونا عن سبب وجودنا وتحولوا بيننا وبين روح استقلالنا فهي لا تزيدنا إلا تشبثاً به، ولصوقاً فيه. ليت الذي يرموننا بالخلط بين السياسة والدين يعرفون ما الإسلام والمسلمون ليكون كلامهم عن بينة لو كانوا منصفين أما إلقاء الكلام على عواهنه والاكتفاء بتقليد الأوروبيين في لهجتهم بهذا الصدد مما نرده عليهم ليمحصوه ثم ليثبتوه أو ينفوه. الإسلام (عهد اجتماعي) أخذه الله على طائفة من الناس سماهم المسلمين عاهدهم به على التبري من العقائد الباطلة والتقاليد والأوهام، والاستسلام لله خالي الذهن من كل شائبة خيال ليخلص به ما بين الإنسان وربه وينجو الإنسان من أدران الوارثات الباطلة، والتقاليد الضارة، ويتجلى أمام الله رجلاً كما خلق لا كشكول عوائد وأوهام وتقاليد كما أراد هو أن يجعل نفسه ثم عاهدهم على مكارم الأخلاق ومحامد الصفات والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهجر الإثم ما ظهر منه وما بطن، والعدل والحرية والمساواة واحترام الحياة

الإنسانية والحيوانية والصدق والمانة والإخلاص الخ ما هنالك من الصفات العالية. وليس الإسلام هو مجرد العبادة كما يريد أن يفهموا مقلدوا الأوروبيين من كتاب الشرق هذا اليوم. هذا العهد هو الإسلام وقد عاهد به النبي صلى الله عليه وسلم جميع من دخل في ملته يداً بيد وسماهم المسلمين. فالمسلمون هم طائفة من النوع الإنساني جمعهم (عقد اجتماعي) ظاهر المبادئ والمقاصد لتكون عصابة تحق الحق وتزهق الباطل وتؤيد دولة الله في الأرض، تنشر المعروف والعدل والحرية في جميع أرجاء العالم، شعارها قوله تعالى (يا آيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) من يذكر من حملة العلوم الاجتماعية أن الفيلسوف وسفرص قال أن أول اجتماع للناس إلى أمة لم يتم إلا بواسطة عقد اجتماعي فرده العلماء لبعده عن العقل يتعجب من أن نظريته هذه قد تحققت في اجتماع المسلمين إلى أمة بواسطة الإسلام وهو عقد اجتماعي تام الشرائط كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس لمبايعته يداً بيد كما دل عليه تاريخ الإسلام. هذا هو الإسلام وهؤلاء هم المسلمون فنحن أيها الكاتبون الخابطون أمة لا رابطة لنا إلا (عقد اجتماعي) هو الإسلام. فالإسلام بهذا الاعتبار يجب أن يسود على جميع أعمالنا السياسية والاجتماعية إذ لا يكون لوجودنا معنى ولا لرابطتنا تأثير إلا بسيرنا على مناهجه وتذكير بعضنا بعضاً بمبادئه وأصوله. والفرق بيننا وبين الأمم النصرانية أن المسيحية جاءتهم وهم أمم ذات مدنية وشخصية قائمة بذاتها، وتقاليد حكومة قديمة، ونظامات سياسية موروثة، فلا يضرها أن تفصل ما بينها وبينه في شيء. أما نحن فإن فصلنا الإسلام عن وجودنا السياسي والاجتماعي فقد نقصنا هيئة اجتماعية ولا شينا علة وجودنا فأصبحنا على غير شيء لأننا لا نعتبر أمة مسلمة بمحض تأدية العبادات الجسمية فإن تلك العبادات هي أركان الإسلام. أما روح الإسلام فهي تلك التعاليم التي طولبنا أن نتحلى بها في جميع محاولاتنا الاجتماعية والسياسية. وقد اختلط تاريخنا بتلك التعاليم وارتبط بها نظامنا العائلي والشخصي وقم كيان مزاجنا حتى أصبح الفصل بيننا وبين الإسلام من المجادلات البعيدة التحقيق. ليس أمام المسلمين إلا أحد أمرين لا ثالث لهما، فإما أن يتحققوا بالأدلة المحسوسة أن الإسلام دين باطل وأن أصوله لا توافق العقل ولا الترقي فيتركونه ويتمسكون بأصول

المدنية الجديدة، وأما أن يرجعوا إلى أصوله فيكونوا مسلمين بكل معاني الكلمة كما كان آباؤهم من قبل. ونرى أن بقاء المسلمين بين هذا وذاك من رابع المستحيلات بل هم قد شعروا الآن بأن موقفهم بين هاتين الحالتين مما أفقدهم أو كاد. فإما الاستدلال على أن الإسلام دين باطل فرابع المستحيلات لأن الوجود أصبح اليوم كله ألسنة شاهدة بصحة الإسلام أصولاً وفروعاً وقد أحس المسلمون بذلك فازدادوا ميلاً لدينهم وحباً فيه. بقي الأمر الثاني وهو رجوعهم إليه وتأدبهم بآدابه وهو الأمر الممكن بل المحقق الحصول عليه فالذين يزعمون أننا نخلط بين الدين والسياسة لا يعرفون من الإسلام إلا أنه دين ويجهلون أو يتجاهلون أنه رابطة أصلية لأمة تبلغ الثلاثمائة (مليون) نسمة منبثة في جميع أرجاء الأرض لو قوي شعورها بحقيقة رابطتها الاجتماعية لكونت دولة من أفخم دول العالم ومدت نفوذها على جميع أرجاء الأرض كما كانت قبل قرون. يسوء هؤلاء الكتاب المقلدون أن نخلط سياستنا بالدين! فيا ليت شعري ألسنا أمة لنا الحق في أن نضع سياستنا على أي مبدأ شئناه؟ ألسنا أحراراً في أن نلبس محاولاتنا الثوب الذي يلائمها؟ ألسنا أعلم منهم بما يضرنا وينفعنا؟ يقولون نحن نتشائم من خلطكم السياسة بالدين لأننا ننافيكم فيه. نقول لأجلِ أنكم تنافونا فيه نهجر ملتنا ونخرج عن تقاليدنا ونتقمص روحاً لا تلائم روحنا ولا تتفق مع رابطتنا؟ إنكم تظنون أن الإسلام بصفته ديناً يدعو إلى جائرة، وكلنا نؤكد لكم بأنه من هذه الجهة أرقى من أية وطنية في الأرض. الإسلام أمرنا بمسالمة أهل الذمة وبالقسط معهم، والبر بهم وبمساواتهم بنا أمام القضاء، وبحمايتهم والدفاع عنهم، فأرني أية وطنية في الأرض تقف والإسلام في مستوى واحد من هذه الجهة. الإنكليز يكرهون الكاثوليك ولا يولونهم المناصب العالية ولا يأتمنونهم على أمرٍ، هذا بصرف النظر عن المجائر المريعة التي قامت بها هذه الأمة في مدة تاريخها. أرني هندياً أو مورانياً أو كندياً أو بربرياً في البرلمان الإنكليزي؟ أليست هذه الفروق منشؤها أن الوطنية الإنكليزية لا تأمن من إلا الإنكليزي السكسوني ولا تأبه إلا به دون غيره، أرني أية وطنية في الأرض ساوت بين المتشاركين فيها من ذوي الألوان والأديان وأنا آتيك من الإسلام بأعلى مثل وأفحم برهان فلا يزعجنكم أن ندعو أمتنا إلى رابطة الإسلام فو الله لا ندعوها إلا لمنتهى الكمال وغاية الجمال، فلا

تقفوا في وجوهنا صادين السبيل، مثيرين العراقيل، ولا تحدثن أنفسكم بمنع هذا الدوران ينفذ إلى قلوب أهله، فقد صديت الفطر لما فطرت عليه، وهامت الأرواح بما سكنت إليه، ولا بد من رجوع الحق إلى نصابه، وعود الفضل إلى أربابه، هناك ترون مجد الإسلام وقد خفقت أعلامه، وظهرت معالمه والتف حوله أهله يبثون من صروح السؤدد مثل ما بنى أوائلهم، وهنالك يثبت للعالم بالفعل ما نقوله اليوم باللسان من أن الإسلام أقوم المناهج لعادة أهله ومن دخلوا في ذمتهم، ممن هم على غير ملتهم، وأنه أوسع من الوطنية المجردة صدراً وأعم معنى، وأجدر بإيصال الآخذين به إلى غاية الكمال ومنتهى الجلال وسوف تعلمون. البلاغ فريد وجدي

المدارس الأجنبية

المدارس الأجنبية 2 العقول في سن الصغر ساذجة مستعدة لقبول ما يرد إليها من الأفكار قابلة للتأثر والانفعال بما يطرأ عليها من صور الأعمال والآراء خصوصاً إذا كان ذلك صادراً عمن تكبره النفس وتعظمه كالأستاذ والمؤدب فلا شك أن التلميذ يأخذ جميع ما يراه من أساتذته ومؤدبيه بعين الإعظام والإجلال ويراه غاية الأخلاق ومنتهى الآداب وتنطبع في نفسه صور ما هم عليه حتى يتعمد التخلق بأخلاقهم والعمل بآرائهم ويعد ذلك فضيلة له وآية من آيات النجابة وحسن الاستعداد. على أن أكثر مدارس الأجانب يشترط في برنامجها تعليم دين النصرانية الذي تنسب تلك المدرسة إليه ودخول جميع التلامذة لمعابدهم الدينية لأداء العبادات ولا يخفى أن هذا كفر صريح قال القاضي عياض في الشفاء عند ذكر المكفرات (وكذا نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك العمل كالسجود للصنم أو الشمس أو القمر أو الصليب أو النار أو السعي إلى الكنائس مع أهلها والتزيي بزيهم فقد أجمع المسلمون على أن هذا لا يوجد إلا من كافر وأن هذه الأفعال علامة على الكفر وإن صرح فاعلها بالإسلام أهـ. وقال شارحه الشهاب الخفاجي وقيده بقوله مع أهلها لأن المراد به أن يذهب معهم في وقت ذهابهم للعبادة على هيأة تدل على موافقته لهم وإلا فمجرد الذهاب للكنيسة والدخول لها ليس بكفر وإنما هو مكروه وإن كان لغير غرض صحيح أهـ باختصار فأنت ترى أن الدخول إلى الكنيسة مع أهلها على هيئة تدل على موافقته لهم كفر فكيف إذاً كان يؤدي العبادة معهم كما هو شرط تلك المدارس. ومما يقضي بالعجب رضاء الأولياء بإدخال أطفالهم إلى هذه المدارس على هذا الشرط فإنه لا يستغرب من الطفل الذي لا يفقه شيئاً أن يوافق والده وأستاذه على كل ما يريدان منه خصوصاً ما يكون مصوغاً بقالب التهذيب والتأديب والتدين وإنما يستغرب من الرجل المسلم أن يرضى لطفله بالكفر مع علمه أن رضاه بكفره كفر أيضاً. ربما يقول قائل هنا أن بعض المدارس لا تشترط في برنامجها هذين الشرطين وأنه إذا دخل هذا القسم من المدارس من عرف من قواعد دينه القويم مبادئها الأولية انتفى المحذور السالف الذكر قلنا

في الجواب أن الكفر لا يتوقف على فعل العبادة الدينية في الكنيسة فقط بل يحصل بجملة أشياء يقصد إدخالها على التلميذ من قبل أساتذته وهو لا يدري من أمرها شيئاً كان يشك في صحة شيء مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالبعث والحساب والجنة والنار أو يشك في صحة شيء من القرآن على أنه إذا سلمنا أنه ربما انتفى جميع ما ذكر فلا ينتفي ما هو أقل من الكفر كالتهاون بالدين وأوامره لعدم مرانه عليها. وماذا يرجى ممن أفنى زهرة شبابه بين يدي قوم يدينون بغير دينه ويحاربونه في معتقداته ويتحينون الفرص ليحولوا بينه وبين الهداية؟ نعم لا يرجى منه إلا أن يكون كما قال ذلك الكاتب الغربي (أضر على الإسلام مما لو تنصر) والعيان شاهد عدل. رأينا ممن تخرج في تلك المدارس من يترك الصلاة عمداً بلا عذر بل سمعنا أن هناك من يرى ترك الصلاة تمدناً ورقياً وينعي على آبائه المحافظة عليها ويعد ذلك من الخرافات وضياع العمر ويستهزئ بفاعلها ويحتقره كما يحتقر أحدنا الحيوان الأعجم. وهكذا سائر العبادات والأعمال الدينية فإنه يكرهها ويكره المتلبس بها ويعد التمسك بالدين والمحافظة على آدابه ضرباً من ضروب العبث بل قد يترقى به الحال إلى أن يعتقد أن الدين عثرة في المدنية والأخلاق الفاضلة كما يعتقد ذلك بعض أعداء الإسلام. هذا بعض مضار المدارس الأجنبية من الجهة الدينية والاعتقادية. أما مضارها في الأخلاق والآداب الاجتماعية فكثيرة يكاد أن لا يحصيها العد. وجماع القول أن الأيدي التي تدير تلك المدارس تريد أن تربي التلامذة لها لا لأوطانهم ليكونوا أبناءها، ومن أعز أنصارها. فهي تربي التلميذ وتهيئه لما تستقبله من الأيام. فلا غرو إذا عملت على كل ما يوسع المسافة بينه وبين مقومات قومه وهي كما تعمل على محو شعوره الديني تعمل أيضاً على تنفيره من لغته ووطنه وقومه وتحاول أن تضع مكان ذلك لغتها ووطنها وقومها واللغتان التي يلزم المسلم العثماني العناية بهما وهما اللغة العربية لغة القرآن والدين والعلم واللغة العثمانية لغة الحكومة والخلافة الإسلامية لا شأن لهما في تلك المدارس وإن كانا يذكران في (برنامجها) ويعدان من دروسها تمويهاً وتضليلاً كما تقدم ولذلك ترى كثيراً من ناشئة تلك المدارس يعلمون اللغة الفرنساوية ويتقنون فنونها وإذا سألتهم قراءة آية من القرآن العظيم صعب عليهم أداؤها من غير لحن فضلاً عن أن تسألهم

معرفة مفرداتها ودقائق معانيها وإذا أردتهم على أن يعبروا عن معنى من المعاني المرادة لهم بلغتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ثم تراهم يعرفون من تاريخ نابليون وواشنطون ملا يعرفون من تاريخ الخلفاء الراشدين وملوك الإسلام العادلين. وإذا عرفوا شيئاً من ذلك يأخذونه صورة مشوهة وقضية معكوسة بما عملت به أيدي التحريف والغايات وتراهم إذا ذكر العدل يتلون لك من عدل إنكلترا مثلاً ما يظنونه غاية الغايات ولو سبروا سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وما كانوا عليه من العدل والإنصاف وغير ذلك من الأخلاق العادلة لرأوا بها ما يستصغرون معه ملوك الفرنجة وأخلاقهم وعدلهم. وكما أولع ذلك التلميذ باللغة الفرنساوية مثلاً يولع بمدنية فرنسا وبباريس عاصمة الفرنساويين فلا يفتأ يذكر معارف فرنسا وعلومها ومدنيتها وأخلاقها وإن كان منها مالا يلتئم مع الشرف ويندى منه وجه الإنسانية خجلاً وربما خال الفاسد من الأخلاق غاية في المدنية والحضارة وذلك لأن حبها وإعظامها ملك عليه مشاعره فلم يبق للفكر معه مجال وعلى العكس ترى محبته لوطنه الذي تربى به هو وأسلافه فإنه بفضل دسائس مؤدبيه ومهذبيه يصبح مبغضاً له كارهاً البقاء فيه طالباً البعد عنه ولو فارق أهله وأقاربه ولو اغتالت وطنه يد أجنبية وقضت على حياة شعبه واستقلاله وثروته لوجدته قرير العين منشرح الصدر. وفي الختام نسأل الله أن يحفظ المسلمين من غوائل هذه المصيبة الفادحة ويلهم أهل العلم والدين أن لا يدعوا مجالاً لتوسيع نطاقها وأن لا يفتئوا يذكرون مضارها الدينية والأخلاقية علَّ الأمة تنتبه من رقادها فلا تعمل على خراب بيوتها. والسلام على كل عامل بإخلاص.

من كتاب الأدب

من كتاب الأدب لجعفر بن شمس الخلافة. وهو من الكتب المخطوطة من شاور لم يعدم في الصواب مادحاً وفي الخطأ عاذراً. المشاور بين إحدى حسنتين صواب يقول بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه. لا يدرك الصواب بالرأي الفرد فليستعن مكدود بوداع، ومشغول بفارغ. ثلاثة لا يعدم المرء الرشد فيهن مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبب إلى الناس. شاور من جرب الأمور فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غالباً وأنت تأخذه مجاناً. اعص هواك وأطع من شئت ارع حق من عظمك لغير حاجة إليك أعط من دونك ما تحب أن يعطيك من فوقك استغن عن الناس يحتاجوا إليك كن ذنباً في الخير ولا تكن شراً في الشر اتبع ولا تبتدع لتئد تصب أو تكد اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك اتق قرناء السوء فإنك متهم بأعمالهم لا تودع سرك جاهلاً فيخون ولا عاقلاً فيزل لا تقل ما لا تعلم فتتهم فيما تعلم لا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية ويواليه في السر لا تكن رطباً فتعصر ولا يابساً فتكسر لا تقبلن في الاستخدام إلا شفاعة الكفاءة والأمانة إذا فاتك الأدب فالزم الصمت إذا بقي ما قاتك فلا تأس على ما فاتك إذا زل العالم زل بزلته عالم إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى

إذا وجدت حاجتك في السوق فلا تطلبها من أحد من تأنى أصاب أو كاد ومن عجل أخطأ أو كاد من مشى مع ظالم فقد أجرم من أيقن بالخلف جاد بالعطية من كثر رضاه عن نفسه كثر الساخطون عليه من قل صدقه قل صديقه من سأل فوق قدره استحق الحرمان من عاب نفسه فقد زكاها من استغنى بالله افتقر إليه الناس من لانت كلمته وجبت محبته من أماله الباطل قوّمه الحق من طمع في الكل فاته الكل من لم يتعظ اتُّعِظ بع لا يزال الأحمق يدور حتى يواجه بما يسؤه لاترى الجاهل إلا مفرّطاً أو مفرطاً لا خير في المعروف إذا أحصي لا ينسب إلى الحلم إلا من قدر على السطوة لا خلاق لسيئي الأخلاق ما حلَّى والد ولده بأفضل من أدب حسن ما هلك امرؤ عرف قدره ما مات من أحيي علماً ما صين العلم بمثل بذله لأهله ما أنصفك من منعك ماله وكلفك إجلاله ما أعفى عن الذنب من قرّع به ما كتمته عدوك فلا تخبر به صديقك

ما تسابّ اثنان إلا غلبه الأمهما ما شاهد على غائب بادل من طرف على قلب ما جمع مال بتقتير إلا صرف بتبذير رب ساع فيما يضره ربما شرق شارب الماء قبل ريه رب كلمة سلبت نعمة رب منع أحلا من العطاء رب صديق يؤتى من جهله لا من نيته رب كلمة تقول لصاحبها دعني لو سكت من لا يعلم سقط الخلاف لو عقل أهل الدنيا كلهم لخربت لو جاز على أن يعقل لجاز لوم الأعمى على أن يبصر لو صور الصدق لكان أسداً ولو صور الكذب لكان ثعلباً من أحسن الظن بالرحمن لم يخب وأضيق الأمر أدناه إلى الفرج فبينما العسر إذ دارت مياسير يد تسح وأخرى منك تأسوني وينطق بالعوراء من كان معوراً وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل عند الشدائد تذهب الأحقاد وما كل عام روضة وغدير هدايا مقل إلى مكثر والنمل يعذر في القدر الذي حملا وصرت بغاثاً بعد ما كنت بازياً أوسعتهم سباً وراحوا بالإبل

وكيف يعيب العور من هو أعور أشد عيوب المرء جهل عيوبه على أعراقها تجري الجياد وحسبك من غنى شبع وري شديد على الإنسان مالم يعود قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي لا يسلب الحر إلا وهو مقتول يكفيك مما لا ترى ما قد ترى في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل من يحصد الشوك لا يحصد به عنباً والمندل الرطب في أوطانه حطب ولو لم تغب شمس النهار لملت والمشرع العذب كثير الزحام أخنى عليه الذي أخنى على لبد وشر الشدائد ما يضحك ورب مستحسن ما ليس بالحسن والدرهم الزيف لا يضيع إن المعارف في أهل النهي ذمم ومن العجائب أعمش كحال وقد يضحك الموتور وهو حزين وفي عنق الخائن الخجل من لم يكن ذيباً أكل فنفسك ولي اللوم إن كنت لائماً الباقي للآتي

مناعة الدردنيل

مناعة الدردنيل كتب أحد الضباط الألمان الخبيرين في جريدة (اللوقال إنجايكر) مقالة وصف فيها مناعة الدردنيل وقوة حصونه واستحكاماته وقد نقلتها إحدى الصحف التركية عن الجريدة المذكورة فرأينا أن نعربها للقراء قال الضابط: مازلت إلى الآن أستغرب إمكان عزم إيتاليا على إرسال أسطولها لمهاجمة الدردنيل والعبور منه إلى الأستانة ذلك لأني أعد عمل إيتاليا هذا جنوناً وجهلاً لا يغفرهما لها الفن الحربي الحديث وهاك البرهان على ذلك: الدردنيل هو عبارة عن مضيق خُلق لأن يكون معقلاً حربياً طويل المساحة كثير التعاريج فهو ضيق بكل معنى الضيق بحيث لا تتجاوز مساحته بين الساحل والساحل الآخر أكثر من 700 متر (كذا) إلا في بعض المحلات بداخله أي بعد ساعة تقريباً من مدخله فإنه يتسع بعض الاتساع. وكأن الطبيعة قد جهزته لأن يكون معقلاً منيعاً لوجود الهضاب البسيطة في الساحل الشرقي والجبال العالية في الغربي الأمر الذي يساعد على الحركات العسكرية في الجهة وعلى إحكام مواضع الحصون أو المدافع في الجهة الثانية. والدولة العثمانية لم تهمل هذا الموقع الطبيعي بدون أن تحصنه بل اهتمت له كل الاهتمام واستفادت من وضعية ذلك المضيق فائدة عظيمة فوضعت فيه (الطوابي) والقلاع الخفية المنيعة تحت الأرض وفي رؤوس الجبال. وجهزتها بأقوى المدافع وأكبرها وجعلت تحصينها على شكل أنه كلما تعطل معقل أو حصن قام مقامه آخر وتبقى هذه السلسة إلى مسافة ساعة في داخل المضيق. ولا يمكنني أن أقدر عدد (الطوابي) التي وضعتها الدولة العثمانية في هذا المضيق لأن ذلك من أسرارها العسكرية التي لا تبوح بها لأحد إذ من المؤكد أنه يوجد طواب وقلاع خفية لا تدركها الأنظار ولا يعلم موضعها إلا نفس الأركان الحربية العثمانية فقط. إنما الذي يلاحظه كل داخل إلى الأستانة ويمكنه أن يراه بالعين المجردة ما يقارب 22 (طابية) ومعقل وكل طابية وضع فيها 6 مدافع ضخمة عيار كروب التي مقياس كل مدفع منها 28 أو 30 سنتمتراً هذا عدا عن قلعتي (كليد البحر، وسد البحر) الواقعتين عند مدخل الدردنيل فإن هذين الحصنين يحتويان على مدافع كبيرة هائلة من عيار المدافع التي توضع

اليوم في الدوارع الجديدة المسماة (بالدرينوط) ومقياسها بين 34 و 36 سنتمتراً. وقد بنيت هذه الطوابي على الطراز الحديث بحيث أنها تكاد تلامس الأرض لشدة انخفاضها ومرصوفة بأكداس الرمل والمواد الأخرى المرصوصة والتي لا تؤثر فيها قنابل المدافع. فعلى هذا التعديل الظاهري يظهر لنا أنه يوجد في طوابي الدردنيل ما يقارب المائة وأربعين مدفعاً ضخماً ما عدا التي يجهلها كل إنسان وهي لا تقل عن الظاهرة ولكن لو اكتفينا بوجود العدد السابق معنا من المدافع للزم إيتاليا أن تهجم على هذه الطوابي بأسطول لا يقل عدد دوارعه الضخمة عن 32 قطعة لأن كل دارعة كبيرة تحمل أربع مدافع ضخمة من طراز المدافع الموجودة في الدردنيل فهل يوجد لدى إيتاليا هذا العدد من الدوارع؟ فلو سلمنا بوجودها وهي ليس عندها إلا 14 دارعة من هذا النوع فقط ترى كيف تنجو دوارعها من خطر الألغام المبثوثة في مدخل الدردنيل هذا إذا أتيح لها إسكات الطوابي الأمامية؟ وبو سلمنا أيضاً جدلاً بإمكان دخولها فكم دارعة تبقى لها من ال 32 لتصل بها إلى الأستانة وكيف تخلص هذه الدوارع التي سلمت من قنابل مدافع الجيش الممتدة على طول مدخل المضيق؟ تالله إن أسطول أقوى دولة بحرية لا يستطيع اليوم اجتياز مضيق الدردنيل عنوة فضلاً عن أسطول إيطاليا الذي أنهكت قواه الحرب الحاضرة وتثلمت مدافعه وتعطلت معظم آلاته البخارية لأنها في حالة الاشتعال بدون هدوء منذ ستة أشهر والخبير بالفنون البحرية يعلم جيداً أن المراكب الحربية تحتاج إلى التعمير عند معدل كل ثلاث سنوات مرة. ودوارع إيطاليا لم تصلح منذ الحرب ولا دخلت إلى محل تنظيف قعرها على الأقل!!. على هذا التعديل والمفروضات المار ذكرها معنا لا أظن بأن إيطاليا تورط بنفسها إلى اقتحام هذا المضيق الهائل (والبوغاز) المخيف الدردنيل وإذا فعلت ذلك أعد أركان حرب الجيش الإيطالي سواءً كان البري والبحري على جهل تام في الفنون الحربية. ولا يسعني عندئذ إلا أن أكبر على أسطول أبناء رومية وأعزي أهلها فيه أهـ. هذا ما قاله الضابط الألماني الخبير وهو يتكلم بالطبع عن خبرة حربية تامة فلتأمر إيطاليا أسطولها بأن يقوم بهذه النزهة البحرية كما قام جيشها بتلك النزهة البرية في طرابلس

الغرب!!! ودارت فيها الدائرة على رأسه. فلترجع عن غيها وغرورها فإن الحساب الذي عملته قبل الحرب قد أظهر خطأها العظيم ولا مشاحة فعلى الباغي تدور الدوائر. الحقيقة

الربا

الربا فشت في الأمة هذه الخصلة الذميمة الربا فشواً هائلاً، وانتشرت بين عامة طبقاتها انتشاراً غريباً، حتى غلبت عقودها في المعاملات العقود الصحيحة، وعد تعاطيها من أنجح الأعمال، لا جرم تعطلت أصول المكاسب، وطمست كنوز الثروة، وافتقرت البلاد، وتوفرت أسباب خرابها. إن موارد الارتزاق محصورة في التجارة والزراعة والصناعة وتربية المواشي ولا من متجر أو صانع أو زارع أو مرب للماشية إلا وقد أضر به الربا وألصق به خسارة جسيمة. بينا ترى التاجر يتأفف من كساد سلعته، وقلة ربحه، وكثرة ديونه وتضييق مداينيه، ترى الصانع يئن من عدم رواج صنعته ويشكو فقره وفاقته، ولا تنتهي إلى الزارع إلا وتجده كالأنعام المسخرة والبهائم المذللة. يجدّ عامه كله في حرث الأرض وقلبها. وبذر البذر وتعهده ولا يحصل من العيش إلا القوت الضروري، ومن الثياب غير الخشن البالي وإذا أمعنا النظر في حال مربي الماشية نجده الرجل الذي كتب عليه الشقاء، وسجل عليه العناء مما يلاقي من أخطار سكنى البادية ومخاوفها، وما يجد من نصب رعي الدواب وتربيتها، وما يعاني في حلب الضرع واستخراج الزبد منه وما يكابد في جز الصوف وقطعه ثم هو بعد ذلك لا يجد من القوت إلا ما يسد الرمق ومن الثياب إلى ما يستر العورة. هذه حال البائسين شغل شاغل، وعناد دائم، وشقاء مستمر، وفائدة قليلة فما السبب في ذلك يا ترى؟ أليس من أقوى الأسباب المفضية إلى ذلك شيوع الربا بين طبقات الأمة وتهاونها بأمره؟ نعم إن تعاطي الربا من أقوى الأسباب على ضعف التجارة والصناعة والزراعة وتربية المواشي، وهو من أكبر العوامل على بلوغها تلك الدرجة من الانحطاط. أضر الربا بالتجارة فأقعد عنها أكثر المثرين الذين هم أهلها. ولا تقوم إلا بهم. صرفهم عن كبير فائدتها بما عللهم من منفعة قليلة من طريق خبيث. وسلط عليها غير أهلها، ومن لا يحسنون القيام بها، فأودى بفراغهم، وذهب بجميع ما يملكون. أضر الربا بالصناعة حيث أفقدها من يعمل على تحسينها وتنميتها وباعد بينها وبين من يضرب آباط الإبل لترويجها في سائر البلاد. أضر الربا بالزراعة وتربية المواشي فأثقل كاهل أهليها بما حملهم من أعباء ظلم المرابين

واضطهادهم وحرمهم ثمرة كدهم وعنائهم. ولو أتيح لهم الخلاص لكانوا سادة الناس وأغنياءهم. يقول ضعفاء الأحلام من المفتونين بآثار الغربيين أن أوروبا التي بلغت تجارتها وصناعتها الدرجة العالية، وفاقت مدنيتها في القرن العشرين مدنية جميع الأمم وصلت إلى ما وصلت إليه والربا عماد حركتها وأصل كبير من أصولها الاقتصادية. نقول أن من العبث بالنواميس الطبيعية أن ندعي أن الحركة منشؤها السكون وأن الأعمال متسببة عن الإهمال. إن أوروبا لم تبلغ هذه الدرجة من الرقي بقعود مثريها عن العمل، واكتفائهم بما يبتزونه من الفقراء باسم الربا (كما يزعم من طمست بصيرته) إنما الذي أوصلها إلى هذه المرتبة هو حركتها التجارية والصناعية المنبعثة عن العلوم العصرية التي لم تعرف منها الشعوب إلا بعض أسمائها ثم لما فتحت لهم كنوز الأرض وقبضوا على زمام الثروة نظرت إليهم الأمم بعين الإجلال والإعظام وأخذوا يفكرون في الطرق التي توصلهم إلى اللحوق بهم، والاقتباس من مشكاة مدنيتهم فلم يكن إلا قليل حتى عرفوا طرق الوصول، وأدركوا سر ذلك التقدم ولكن فقدوا قوام هذه الأعمال العظيمة ألا وهو المال فسارعوا إلى اقتراضه من مثري أوروبا برباً غير قليل فلقوا منهم احتفاء ولينا في المعاملة إذ تيقن أولئك الغربيون أنهم بإقراض تلك الأمم شيئاً من الأموال بجنون فوائد جمة منها ترويج تجارتهم في ممالك هذه الأمم وإثقال كاهلها بالديون بصورة تؤدي إلى اضمحلالها، وفقدها استقلالها في حين أن الغربيين أصبحوا يمكنهم الاستغناء عن هذا النزر اليسير من المال، ولا يؤثر فقده على تقدمهم على أنهم لم يبذلوه إلا بفائدة مالية وفضل لا يستهان بهما. ولو جردت أوروبا من مطامعها الاقتصادية والسياسية في غيرها من الأمم لما رأيناها ترغب هذه الرغبة في الربا وتُعنى به هذه العناية، ولكانت صرفت قوتها المالية في ترقي تجارتها وتنمية صنائعها. وإن تكن بلغت مبلغاً كبيراً إذ الكمال كما يقال لا انتهاء له. وبالجملة فإن وجود الربا مضر بأحوال الأمم الاقتصادية، ومحاولاتها الاجتماعية لذلك جاء الدين الإسلامي الحنيف بتحريم الربا وإعظام عقوبة مرتكبيه. قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون)

وقال عز اسمه (وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما أسلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم). وقال صلى الله تعالى عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة. وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه رواه مسلم وغيره. وقال صلى الله تعالى عليه وسلم أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها مدمن الخمر وآكل الربا وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه رواه الحاكم عن أبي هريرة وصححه. وقال صلى الله تعالى عليه وسلم الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام رواه الطبراني في الكبير. وقال صلى الله تعالى عليه وسلم من حديثٍ ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله رواه أبو يعلي بإسناد جيد عن ابن مسعود. وعن القاسم بن عبد الواحد الوراق قال رأيت عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنهما في السوق في الصيارفة فقال يا معشر الصيارفة أبشروا قالوا بشركك الله بالجنة بم تبشرنا يا أبا محمد قال قال رسول الله صلى الله عيه وسلم أبشروا بالنار رواه الطبراني بإسناد لا بأس به إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، والأحاديث العظيمة. وبعد كتابة ما تقدم رأينا للكاتب الاجتماعي الكبير محمد فريد بك وجدي في كتابه كنز العلوم واللغة تحت عنوان الربا ما يأتي فأثرنا نقله لفائدته الجمة. قال الربا هو ربح المال خاصة في الاصطلاح العصري وهو قاعدة من قواعد الفنون الاقتصادية العصرية. وهو محرم عندنا قليله وكثيره على الآخذ والمعطي وذهب قوم إلى أنه حرام على المعطي دون الآخذ وهو ضعيف فإنه ما دام حرماً فيكون آخذه معيناً على الحرام فيأثم. حجة أهل أوروبا في حليته أنه منظم حركة التعامل في العالم، ومحدث للتكافل بين أصحاب المشروعات. قالوا هب أن جمعية من المهندسين أمامها عمل نافع للعالم ووراءه

فائدة مالية كبيرة ولكن ليس لديها مال تتم به ذلك المشروع الهام فهل عليها من حرج لو استدانت مالاً من أصحاب المال الوفير وأربحتهم في كل مائة خمسة أو أربعة وربحت هي من فضل أموالهم عشرين أو ثلاثين؟ إذا تقاعس أصحاب المشروعات عن إعطاء ربح لأصحاب المال تقاعس هؤلاء عن إقراضهم ومتى لم يجد أصحاب المشروعات مالاً تعطلت مشروعاتهم ووقفت بذلك حركة الصناعات والمشاريع الجسيمة وحرم الناس من فوائدها ووقفت تبعاً لذلك حركة الرقي في الأمة وسبقها غيرها في ميادين المدنية والارتقاء. هذه أكبر الشبه التي يقدمها أنصار الربا ويزيدون عليهم قولهم أن الربا المحرم في الشرائع والقوانين الوضعية معاً هو الربا أضعافاً والمعنيون بقوله تعالى (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) هم أولئك العتاة القساة الذين يسكنون القرى والمدن ويقرضون النساء والضعفاء (الجنيه) بخمسة قروش صاغ في كل شهر أو بعشرة فتكسب مأتهم 60 أو مائة ويرتهنون في نظير القرض حلي أولئك النسوة ومساكين أولئك الضعفاء فينتهي الأمر بذهاب الرهن وضياع ثروة أولئك العجزة. قالوا هذا هو الذي حرمه الشرع والوضع والطبع أما بالنسبة للأعمال الجسيمة التي تحتاج للتوازر والتكافل ويعوزها التكاتف والتضامن بين أصحاب المال وأهل العلم فلماذا يحرم ربح المال بهذا المعنى وهو إن أفاد صاحبه 5 في المائة أفاد المقترض 25 أو زيادة. هذا قول أنصار الربا وأقول أن الربا حرام بتاتاً قليله وكثيره على آخذه ومعطيه لأن الأدلة متوفرة على تحريمه والقرائن متوازرة على ذلك. منها أن الربا حرام في القرآن الكريم بتاتاً ولم يعقب تحريمه بتفصيل أو تفريق بين الربا الفاحش والربا المعتدل أو الداخل في حركة المشروعات الجسيمة. ولو كان في تحريمه هوادة لكان ذكره الله على النحو الذي ذكر به غيره. ومنها أن هذا الشكل من التعامل بالمال محي أثره من الهيئة الاجتماعية الإسلامية في صدر الإسلام ولم يعد أحد يذكره. فإن قلت أن حركة المشروعات المدنية كانت ضعيفة قلنا قد حدثت بعد ذلك حركة نشيطة للدرجة القصوى ولم يكن الربا من مستلزمات التعامل فيها مطلقاً بل ولم يشعر بالحاجة إليه أحد. وفي رأيي أن هذه الحركة المدنية العربية لو بقيت للآن لما شعر بالحاجة إلى الربا أحد.

كل هذا فيما يظهر لنا لأن البواعث لحركة المدنية العربية والعوامل في تقويمها ليست من جنس البواعث لمدنية الغرب وعواملها. السائق لمدنية الغرب كما لا ينكره أحد هو حب الذات وتوفير اللذات الطبيعية الجسمية المعتدلة والذهاب بالإبداع الصناعي غاية ليس وراءها غاية. ومن هذه البواعث نشأت عوامل مناسبة لها وهي المزاحمات والمضاربات واغتناء بيوت لدرجة تكاد تكون خيالية وفقر السواد الأعظم من الأمة فقراً مدقعاً واستحالة سياسة الشؤون العامة بيد البورصات وأصحاب رؤوس المال حتى صار التآزر بين الأمم تابعاً للمصلحة المالية الاقتصادية لا للحق والعدل. والساسة العصريون لا يخجلون من التصريح بذلك حتى قالوا إن السياسة لا دين لها ولا خلق ولكن المدنية العربية لم تستمد روحها من هذه البواعث ولا تشابه ما ذكرناه من العوامل فالباعث الأول لتكوين المسلمين كان لتكوين أمة فاضلة تنصر الحق وتؤيده وتخذل الباطل وتبدده وتدعو إلى كلمة الله وتنصرها وتؤدب الطغاة وتسحقها وتحدث في العالم انقلاباً نتيجته الخير والفلاح قال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وقال تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد) من هذا الباعث الكبير نشأت العوامل الاجتماعية لتلك الحركة المدنية العربية. من تلك العوامل الاندفاع لإحقاق الحق وإزهاق الباطل والسعي لإقامة حكومة عادلة تقيم أمر القرآن وتبطل سنة الشيطان. والعمل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتماع لإقامة الصلوات وبذل الصدقات والتوازر لترقية الروح وإعدادها للكمال الأقدس بنشر الفضيلة وبث الحكمة والتساعد لافتتاح الممالك والبلدان بقصد إمداد الأمة الإسلامية بالمادة لتقوى على نشر ما نيط بها من الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر لا لتسهيل سبل التجارة وبز المال من الأمم المفتتحة كما هو الباعث للاستعمار في هذا القرن. على أمثال هذه البواعث والعوامل قامت المدنية العربية فدارت فيها حركة الحياة لا على التزاحم والتنافس والمضاربة بل على التراحم والتساهل والملاينة وهذه كلمة تزاحم وتنافس التي لا يؤاخذ من قالها ولا يلام من عمل بها حتى صارت تكتب فوق الدكاكين لاستجلاب الشارين بل صارت اسماً لألوف مؤلفة من محلات تجارية كانت هذه الكلمة إبان الحركة المدنية العربية من المخازي لا يقولها إلا الساقط العاري عن الفضيلة ولئن قالها فهمساً في أذن مشاكله ولا

يجسر على كتابتها عنواناً لمحل تجارته. نعم لا أنكر أن هذه العوامل في المدنية العربية لم تكن مراعاة كل المراعاة وأعترف أن أكثر الناس كان يلوكها رياءً وسمعة ولكن مما لا يستطاع أن ينكره على أحد أنها كانت عوامل تلك الحركة ولا عوامل لها سواها في المبدأ. ثم أُقر بأن تلك العوامل انقلبت كلها إلى أضدادها وصار التراحم الأول تزاحماً في الحقيقة والتواهب تناهباً في الواقع وآل الأمر بتلك العوامل حتى صارت عين العوامل العصرية ولكن لا ينكر علي أحد أن مبدأ استحالة تلك العوامل إلى أضدادها كان أيضاً مبدأ فتور تلك الحركة وسكونها لأنها غير عواملها وسوى بواعثها الأصلية. من هنا يتضح أن شكل المدنية العربية لا يقتضي وجود الربا فيه ولو كان يقتضيه لنشأ فيه وإن شكل مدنية العصر الحاضر يقتضي الربا ولا يمكن سلامته منه كما يتضح لكل متأمل في حركة آلاتها الحيوية فإن كنا نريد إنسانية بواعثها التزاحم والتواهب والتضامن في الحياة والتكافل في المعائش والوازر بين جميع أفراد الأمة لإيصال أنفسهم إلى كمال مقدس ونيل سعادة روحية تامة وهذا يقتضي عقيدة بالله وباليوم الآخر وبالرسل. إن أردنا هذا الشكل من المدنية ارتفع الربا من بيننا وزال أثره وإن أردنا مجاراة أوروبا في حركتها والاستمداد بفضل حياتها والدخول في حزبها. بل والفناء في جسم شعوبها فليجعل الربا أصلاً من أصول مذاهبنا الاقتصادية. إن قلت وكيف العمل والحركة قد خرجت من أيدينا وصار إيقافها في غير وسعنا نقول: كلا! هذه كلمة عجز في كل أمة من أمم الأرض رجالاً يقال لهم الاشتراكيون لهم في علم الاقتصاد مبادئ عالية يكاد مذهبهم يعد خيالياً ومع ذلك فهم يدافعون عن مبادئهم ويكسبون كل يوم أحزاباً على أن مذاهبهم لم تزل نظرية محضة ولم تطبق على أمة من الأمم قط ولم يعرف للآن أتنجح أم تخيب. أفلا نساويهم نحن في ثباتهم هذا ونضمر في أنفسنا عقيدة راسخة بسمو مبادئنا على مبادئ هذه المدنية ونزيد تلك العقيدة كل يوم قوة بأبحاث جديدة وكتابات سديدة حتى نهيء الرأي العام لقبولها انتظاراً للفرص كما ينتظر اشتراكيو أوروبا الفرص أيضاً؟ وعلى أن الفرق بيننا وبين الاشتراكيين أن مذهبهم لم تؤيده التجربة للآن ومذهبنا قامت به أمة قروناً عديدة كانت فيها مثال الكمال والحياة والأبهة الاجتماعية فما معنى تأويلنا لنصوص كتابنا بعد هذا لتنطبق على أصول مدنية أوروبا في جهاتها السقيمة وما معنى تحليلنا لما حرم في ديننا القويم لينطبق على مبادئ

معوجة لا حياة لها إلا في دور من أدوار الإنسانية دون سواها؟ لعل قائلاً يقول هذا كلام جيد ولكنه إلى الخيال أقرب نقول لا يصح أن نريح أنفسنا من حيث تعب الكرام فإن كنا في دعوتنا إلى دين متين قامت الأدلة على حقيقته وشهد الوجود له بعلو مكانته ننسب إلى الخيال. فبماذا يصف معارضنا اشتراكيي أوروبا وهم يدعون إلى أصول تنافي أصول مدنية أوروبا الاقتصادية بالمرة. على أن تلك الأصول لم تطبق على أمة للآن ومع ذلك فهم دائبون على نشر مذهبهم وإعداد النفوس لقبوله حتى صارت الآن لهم الأغلبية في بعض الممالك هل كانت أصول ديننا أدنى من أصولهم أم أسعفتهم التجربة بما لم تسعفنا؟ ألا يصعب على أنفسنا أن نرتاح من حيث تعب الكرام؟ أهـ.

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد يا مصطفى قبل العالم كلها) ... بل كاف كن لم تتصل بالنون يا من غدا نوراً يسبح ربه ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... جاء الكتاب بمدحك الميمون من ذا يقدر ذاتك العظمى وقد ... أثنى عليك الله بالتبيين) صن أمة قضت الشعوب بلها ... في شدة أنت الضمين بحلها هل غير ذاتك نستظل بظلها ... يامصطفى قبل العوالم كلها والكون لم يبرز من التكوين مهما تلا المثني عليه وعظما ... فمقامه أضحى أجلَّ وأعظما يا من به الخلاق حقاً أقسما ... أيروم مخلوق مديحك بعدما أثني عليك الله في التبيين) عبد الرحمن القصار يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا أول الأسرار في التعيين قد كنت نوراً بالتجلي مشرقاً ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... أصبحت أعظم مرسل بيقين وأجل مدح فيك أن يثنى بما ... أثنى عليك الله في التبيين) دمشق عبد القادر المبارك يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... أبداك نوراً مبدع التمكين وبقيت ما شاء المهيمن مشرقاً ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... قد سدت كل الأنبيا بيقين وحظيت بالخلق العظيم لذا به ... أثنى عليك الله في التبيين) أحمد الجوبري يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا خير من يرجى لكل حزين فقد اصطفاك الله ذخراً للورى ... والكون لم يبرز من التكوين)

أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... يبدو لديه بأوضح التبيين إن امتداحك لا يحد وطالما ... أثنى عليك الله في التبيين يا خير كل الأنبيا وأجلها ... يا نور مصباح الهداة وفضلها قد عمت البلوى وأنت لحلها ... يامصطفى قبل العوالم كلها والكون لم يبرز من التكوين) أنت الذي حاز المقام الأعظما ... وعلى الخلائق كلها مجداً سما والله في القرآن قدرك فخما ... أيروم مخلوق مديحك بعدما أثنى عليه الله في التبيين دمشق محمد سليم الحنفي يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... لتكون أشرف مرسل وأمين قد كان نورك يا محمد ساطعاً ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... شافهت ربك يا أجل مكين لكننا نبدي استطاعتنا وإن ... أثنى عليك الله في التبيين) قاسم حرز الله النابلسي يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا مجتبى من أول التعيين سدت الورى بنبوة أوتيتها ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... شاهدت خالقنا مع التمكين وسموت حتى نلت ما ترجو وقد ... أثنى عليك الله في التبيين) عارف المحماجي يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... أنت الملاذ لنا وخير قرين أنت الذي ملأ الفضاء سجوده ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... أظهرت كل مآثر للدين

كلّ اللسان بمدح ذاتك حينما ... أثنى عليك الله في التبيين) م. م

النساء وتبرجهن

النساء وتبرجهن قال الله تعالى ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى كانت المرأة في الشرق من أمد بعيد امرأة حقيقية شغلها الشاغل إصلاح إدارتها البيتية، وبغيتها الوحيدة تربية أطفالها وما يلتحق بذلك من حمل ووضع وإرضاع، كانت وغايتها القيام بالوظيفة الزوجية وعمل ما خلقت له. كانت وكان شعارها العفة، ودثارها الحياء ورداؤها التربية والأخلاق. ولم تزل حالها كذلك حتى تسربت إليها تلك الفتنة العظيمة فتنة الاختلاط بالمتفرنجات اللواتي نفثت فيهن المدنية الغربية سمومها فأودت بأخلاقهن وآدابهن. نشأ عن هذا الاختلاط ترك المرأة الشرقية لعاداتها وبغضها لآدابها وميلها إلى هذه الأزياء الجديدة (الموضة) فسقطت في وسط هذه المعممة ضعيفة ثم قويت حتى عدت من أكبر أنصارها. من يجهل منا معاشر الدمشقيين ما كانت عليه المرأة الدمشقية من سنين قليلة من النزاهة والعفة، والأدب والحياء. من يجهل بم كانت تتزين في دارها أما زوجها، ومن كان يخيط لها ثيابها، وكم كانت قيمة ما تلبسه، وبماذا كانت ترتدي إذا عرضت لها حاجة شرعية ألزمتها الخروج إلى السوق. تهتك النساء وتبرجهن في الثياب خصوصاً بعد إعلان الدستور في المملكة العثمانية لظنهن بأن الحرية هي إطلاق العنان لكل إنسان أي أن للشخص أن يعمل ما تشتهيه النفس، ويبعث عليه الهوى، وإن أضر بالأخلاق وهدم صروح الآداب، وأوجب مقت الله تعالى وسخطه. أعان المرأة على ذلك نداء شرذمة من الكتاب المتفرنجين برفع الحجاب ووجوب إزالته، وندبهم حظ المرأة التعيس، وتصويرهم الحجاب لها بأقبح الصور، وإيهامها أنه هو الحائل بينها وبين رقيها، والمانع الأعظم من تقدمها وأن حياة الحجاب حياة الموت، وعيشة الضيق والآلام مع ما تقدم من احتكاكها ببعض المتفرنجات وتقليدها لهن بالزي والملبس وميل النفس للإطلاق وإغضاء الرجل عن كبح جماحها وردها إلى الطريق الأمثل، وعدم تربيتها التربية الشرعية الدينية. من مجموع هذا كله فسد أمر المرأة، وتغير حالها حتى أصبحت كما هي اليوم. ليس منا من يجهل حسن الحجاب للنساء ومنافعه وضرورة وجوبه بعد أن رأينا بأم العين

خلاعة بعض النسوة، وتبرجهن علانية في الأسواق، ومجتمعات الناس على مرأى من الخاصة والعامة من غير استحياء ولا خجل والكثيرون من ساقطي المروءة والشرف، وفاقدي التربية والأدب يطمحون إلى مغازلتهن وعلى الأقل إلى الإشارة لهن والتمتع برؤيتهن. يخرج بعض النساء من دورهن لا لحاجة سوى النزهة والتسلي وربما كان ذلك لموعد ضربنه بينهن وبين أحد صويحباتهن ليس الحامل عليه إلا الاسترسال في التهتك وإرخاء العنان لتأخذ حظها من الغواية. يخرجن متعطرات متزينات لابسات ثياباً خيراً من ثياب زينتهن أمام بعولتهن ليلفتن نظر صواحباتهن إلى جمالهن أو ليستلفتن إليهن نظر بعض الشباب. فيا للمروءة والشرف. ويا للفضيحة والعار! هكذا يصير حال النساء وإلى هذه الدرجة يؤول أمر أخلاقهن. والرجال إزاء هذه الأعمال الفظيعة كلها ساهون لاهون لا يبدون حراكاً كأنما غفلوا عما توجبه المروءة والشهامة، وتدعو إليه الغيرة على العرض!! دمشق مع أنها بلدة الدين، بلدة الأمانة، مهبط وحي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. تنظر إليها الناس من أقطار الأرض كما ينظرون إلى الكواكب اللامعة في السماء، ويحسدونها على ما أوتيته من الفضيلة والفضل غفل أو تغافل أهلها عن تبرج النساء حتى استرسلوا استرسالاً سيعود عليهم (لا قدر الله) بالوبال والخزي إن لم يتداركه عقلاؤهم بالحكمة والاهتمام. أدركت الحكومة السنية مغبة هذا الأمر، ووخيم عاقبته فأصدرت أوامرها بمنع النساء من التبرج ومن كل ما يخالف الآداب الشرعية، ولا يلتئم مع روح التربية والأخلاق. وإليك نص البلاغ الوارد إلى الولاية من المشيخة الإسلامية الجليلة بواسطة نظارة الداخلية: إن أحكام الدين الإسلامي بحق تستر النساء هي جالبة لمنافع متعددة ومانعة لمفاسد شتى وبينما نرى عدداً كثيراً من حكماء أوروبا يقدرون هذا حق قدره يشاهد عندنا بعين الأسف سقوط هذه الوظيفة الدينية وما يبنى عليها من العادات الملية المستحسنة وإن القصد من تستر النساء المسلمات هو من القديم استعمال الإزار ولكن بهذه الأيام يستعملون عكس ذلك يغيرونه أشكالاً وألواناً وحتى أن الشكل الذي اكتسب منذ مدة أتباعاً للزي (الموضة) قد أثر

كثيراً في جميع أصحاب العقول. فيجب على النساء المسلمات اللواتي يحافظن على ناموسهن وعصمتهن وعفتهن أن يتوقين هذه الحالات المستوجبة الشقاء بهذه الدنيا والداعية للسؤال والعذاب الأليم بدار الآخرة. فيجب علينا نحن الرجال الذين نرى مثل هذا الرأي القبيح بنظر أصحاب الناموس أن نمنع الزوجات اللواتي يردن الخروج عن دائرة الآداب ونؤدب أنفسنا عن كل ما يؤول لحركة مخالفة. فالترقي المطلوب للأمة هو قائم بحسن المحافظة على الآداب الدينية والعادات القومية المستحسنة وإن ما نسمعه عن ترقي أمة اليابان الفائق التصور قد تيسر لها بمساعدة هذه العادات بخلال ثلاثين أو أربعين سنة. فإذا أغفلنا هذه الحقائق وملنا مع هوى أنفسنا فبدلاً من الترقي الذي نأمله ونحتاج ىإليه تكون عاقبتنا الخسران كما أن أرباب الأديان المعروفة في الممالك العثمانية هم مكلفون بإجراء ايجابات آداب مذاهبهم كذلك يمنعون عن كل حركة مخالفة وذلك وفقاً للمادة التاسعة والتسعين من الذيل الثالث لقانون الجزاء الذي صار إعلانه بموجب إرادة سنية وقد تأيد هذا النظام لدى الحكومة العثمانية وتقررت معاقبة مرتكبي الجرائم التي لها تعلق بهذه الفقرة لدى المحاكم الجزائية ولكي لا يكون الإنسان معرضاً بنفسه لهذه التعقيبات القانونية ولكي لا يكون سخرية بنظر أقرانه يجب عليه أن يدعو نساءه لرعاية قاعدة التستر حسب الإيجابات الشرعية وأن يوصيهن بتجنب مظان التهمة التي تنشأ عن الحيلة بداعي الأشغال. وعلى رؤوساء العائلة أن يلتزموا الأوامر الدينية والآداب الملية وأن يبذلوا اهتمامهم بذلك ونوصيكم ونحظركم بصورة مخصوصة تفهيم ذلك إلى الأهالي المحترمين. أهـ وقد أبلغت الولاية هذا البلاغ إلى الصحف والأئمة وحثت الناس على الامتثال، وحذرتهم من المخالفة فنشكر عنايتها بحفظ الأخلاق الإسلامية والآداب الدينية، ونسأل الله تعالى تقوية شوكتها وتبكيت أعدائها وتسهيل أسباب التوفيق لجميع عمالها وأن يكثر فيهم من أمثال حضرة صاحب السماحة شيخ الإسلام عبد الرحمن أفندي نسيب الذي عرف بالتقوى والصلاح، وميز بالصدق والاستقامة. ربما يقول قائل إذا كانت الحكومة أيدها الله أصدرت أوامرها بوجوب تستر النساء وأبلغت ذلك للولايات فلم تهاملت الولاية بتنفيذ هذا الأمر؟ وهلا كان من الواجب عليها أن تصدع بما تؤمر خصوصاً وهي تعلم ما وصلت إليه حالة النساء؟ وهل ليس في إمكانها منع هذه

المسألة المميتة للعواطف والأخلاق؟ وهلا تعلم أنها لو ضربت على يد واحدة منهن وأذاقتها طعم العدالة تملأ قلوب جميع النساء رعباً وخوفاً؟ والجواب عن هذا أن يقال أن عادة كعادة تبرج النساء فشت في الأمة بمدة سنوات متعددة وتأصلت في نفوسها تأصلاً مستحكماً لا يمكن إرجاعها عنها بيوم أو بعض يوم. ووالي الولاية مشهود له بالمقدرة والدربة والكفاءة وحسن السياسة ولكن العجلة وحسن السياسة لا يجتمعان. اجتمعنا بأحد أعضاء مجلس إدارة الولاية فشافهنا بهذا الأمر وسألناه عن سبب عدم اهتمام الولاية فيه فأجابنا بأن الولاية مما يسرها أمثال هذه الأوامر وما قط أرادت إهمالها ولكن العجلة لا تأتي بخير. وليس من الإصلاح استعمال القوة إلا بعد التبليغ والنصائح وها قد زوعزت إلى مختاري المحلات ليجروا التنبيهات اللازمة على جميع البيوت. وسترون بحوله تعالى مايسر ويفرح. هذا وليت شعري أما كان الأولى من المعترض أن يوجه سهام اللوم على الأهلين وعلى العلماء لتقصيرهم في امتثال أوامر الحكومة وقد كان من الواجب تأليف جمعية من مقدمي أهل البلدة تأخذ العهد على نفسها بالعمل بمقتضى هذا البلاغ المفيد وأقل ما ينتج عن ذلك مساعدة الحكومة على تنفيذ أوامرها وتشويق بقية الناس إلى ذلك إذ لا يخفى حب الناس للتقليد. وفي الختام نرجو أن تكون كلمتنا هذه كلمة لا يقصد منها النظر إلى حروفها والتسلي بقراءتها بل يقصد منها العمل بمقتضاها. وسلفاً نقدم الشكر لمن يبادر بتأليف جمعية هذه غايتها. وفي اعتقادنا أن هذا خير ما يعمله المرء في هذه الدار.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 15 معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام (انشقاق القمر) وهو من أمهات معجزاته ولم ينشق لأحد غيره عليه الصلاة والسلام وقد أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوع ذلك لأجله صلى الله عليه وسلم فإن ضعفاء الأحلام من كفار قريش لما كذبوه ولم يصدقوه طلبوا منع آية تدل على صدق دعواه فمنحه الله تعالى هذه الآية العظيمة التي لا قدرة للبشر على إيجادها دالة على صدقه أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمر في قوله تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) قال قد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانشق القمر فلقتين فلقة دولبن لجل وفلقة خلف الجبل فقال عليه الصلاة والسلام (اشهدوا). وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كفار قريش هذا سحر بن أبي كبشة قال فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال فجاء السفار فأخبرهم بذلك. وفي الصحيحين من حيث أنس رضي الله نه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما. قال الخطابي انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعد لها شيء من آيات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السموات خارجاً عن جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان أظهر أهـ. ولا شك أن ظهور هذه المعجزة على يد أشرف الرسل مما لا يحيلها العقل لأنها من الممكنات العقلية الداخلة تحت تصرف الإله القادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (رد الشمس له) فقد روى الطبراني عن أسماء بنت عميس أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي رضي الله عنه فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال عليه الصلاة والسلام أصليت يا علي قال لا فقال عليه الصلاة والسلام اللهم أنهُ كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس

قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت ووقعت على الجبال والأرض وذلك بالصهباء. وذكر القاضي عياض عن ابن اسحق أنه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر قومهُ بالرفقة والعلامة التي في العير قالوا متى تجيء قال يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون وقد ولى النهار ولم تجئ فدعا صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس أهـ ونقل ذلك أيضاً النووي وابن حجر وغيرهما وأقروه على ذلك. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (نبع الماء من بين أصابعه) وهو أشرف المياه وقد روى أحاديثه جماعة من الصحابة فمن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال عطش الناس يوم الحديبية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ بها وجهش الناس نحوه فقال ما لكم فقالوا يا رسول الله ما عندنا ماء نتوضأ به ولا نشربه إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين يديه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قال راويه قلت كم كنتم قال جابر لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة. قال القرطبي قصة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم قد تكررت منه في عدة مواضع في مشاهد عظيمة ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي المعتبر عند المحققين من العقلاء ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع الماء من بين عصبه ولحمه ودمه أهـ ولا شبهة في أن هذه المعجزة أبلغ من نبع الماءِ من الحجر حيث ضربه موسى عليه الصلاة والسلام بالعصا فتفجرت منه المياه لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم وهذا داخل تحت تصرف قدرته تعالى التي لها السلطان إلا على سائر الكائنات (وربك على كل شيءٍ قدير) له أن يكرم نبيه بما يجريه على يده من خوارق العادات التي يعجز البشر عن إتيان مثلها. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم (طاعات الجمادات والحيوانات وتكليمها له بالتسبيح والسلام) ونحو ذلك مما وردت به الأخبار فمن ذلك (تسبيح الحصى) في كفه الشريف ففي حديث أبي ذر المخرج عند الطبراني قال تناول النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات

فسجن في يده حتى سمعت لهن حنيناً ثم وضعهن في يد أبي بكر رضي الله عنه فسجن ثم وضعهن في يد عثمان فسجن فسمع تسبيحهن من في الحلقة ثم رفعهن إلينا فلم يسجن مع أحد منا. ومنها (حنين الجذع) وهي آية كبرى من أكبر الآيات والمعجزات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم قال الأإمام الشافعي رضي الله عنه ما أعطى الله نبياً ما أعطى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم فقيل له أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى قال أعطى محمداً عليه الصلاة والسلام حنين الجذع حتى سمع صوته فهي أكبر من ذلك أهـ. قال القاضي عياض حديث حنين الجذع مشهور منتشر والخبر به متواتر أخرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضعة عشر منهم أبي كعب وأنس وعبد الله بن عباس وابن عمر وسهل بن سعد وأبو سعيد الخدري وغيرهم من أجلاء الصحابة والقصة واحدة وإن تغايرت بعض ألفاظها. وهي أنه كان عليه الصلاة والسلام قبل أن يصنع له المنبر يخطب عند الجذع (ساق النخلة) فلما صنع له المنبر انتقل إليه فسمع له كل من كان في المسجد حنيناً وصوتاً عظيماً حتى كاد أن ينشق أسفاً على فراقه فضمهُ صلى الله عليه وسلم فصار يئن أنين الصبي الذي تضمهُ أمهُ إليها وتسكتهُ عن بكائه ثم قال عليهِ الصلاة والسلام إن شئت أردك إلى الحائط (البستان) الذي كنت فيه تبت لك عروقك ويكمل لك خلقك ويتجدد لك خوص وثمر وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياءُ الله من ثمرك ثم أصغى إليه ليسمع ما يقول فقال بصوت يسمعهُ من يليهِ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياءُ الله وأكون في مكان لا بلاء فيه فقال قد فعلت ثم قال عليهِ الصلاة والسلام اختار دار البقاء على دار الفناء وكان الحسن رضي الله عنهُ إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائهِ. ومنها (كلام الشجر) له أخرج الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل إعرابي فلما دنا منهُ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أين تريد قال إلى أهلي قال هل لك إلى خير قال وما هو قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله قال هل لك من شاهد على ما تقول قال عليهِ الصلاة والسلام هذه الشجرة فدعاها صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض خداً (أي تشقها) فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثاً فشهدت ثم رجعت إلى منبتها. وفي الشفاء

من حيث عمر رضي الله عنهُ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذ جاءَ إعرابي من بني سليم قد صاد ضباً (دابة تشبه الحرذون) جعله في كمهِ ليذهب بهِ إلى رحلة فلما رأى الجماعة قال من هذا قالوا نبي الله فأخرج الضب من كمهِ وقال واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب وطرحه بين يديه عليهِ الصلاة والسلام فقال يا ضب فأجابهُ بلسان فصيح يسمعهُ القوم جميعاً لبيك وسعديك قال من تعبد قال الذي في السماء عرشهُ وفي الأرض سلطانهُ وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمتهُ وفي النار عقابهُ قال فمن أنا قال رسول رب العالمين وخاتم النبيين وقد أفلح من صدقك وخاب من كذبك فأسلم الأعرابي. يتبع

كلمة في فساد الأخلاق

كلمة في فساد الأخلاق فساد الأخلاق هو ينبوع كل فتنة، ومورد كل بلية، ما سود التاريخ صحيفة قوم ولا تدهورت أمة في هوة المهالك، ولا تزلزلت عروش، ولا تنكست أعلام إلا لو دققت النظر لوجدت السبب الأعظم في ذلك كلهِ هو فساد الأخلاق لا غير (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون). إن فساد الأخلاق لو أطلقت أعنة الأقلام في ميدانه لضاق عنها نطاق الصحف ولعجزت الكتاب عن إيفائه حق بيانه. وكلما أسرجت جواد الفكر واعتقلت أسمر اليراع وعولت على خوض هذا المضمار يصدني يعد الشقة وطول المشقة لأن فساد الأخلاق أصبح داء عزيز الدواء جداً لكونه نما في سائر أعضاء جسم محيطنا الشرقي ممتزجاً بدمائه غالباً عليه فهيهات هيهات إصلاح ما امتزج به الفساد هذا الامتزاج. ولولا يكون اليأس جبا وخيبة ... يأست من الإصلاح في الشرق سرمدا أعلل نفسي في لعل وفي عسى ... ولم يجديا نفعاً ولم يجليا صدا ولكن أعزيها وإني أعيذها ... من الجبن لا راح الجبان ولا غدا أفكر في فساد أخلاق صغار النشء الجديد الذين هم رجال الوطن في المستقبل وحماة حوزته وأساس صرح مجده إن صلحوا وبهم يكون جرفاً هائراً إن ظلوا على ما أراهم عليه من سوء التربية وضياع الأوقات. في لهو يجرهم تياره إلى عميق بحار الجهالة وما يجري على ألسنتهم من ألفاظ السفالة التي يتلقونها عن أوليائهم ومربيهم فيؤلمني ذلك جداً وأقول اللهم ألهم حكومتنا أن تجعل التعليم إجبارياً ووفق لهذه الجواهر النقية أساتذة مهذبين. ثم أفكر في أخلاق النساء اللواتي هن أول مدرسة لبني الإنسان في زمن الطفولية زمن قابلية دماغ الطفل إلى كل ما يطبع بهِ من خير أو شر فيؤلمني ماهن عليهِ من فساد أخلاق كاد أن يقضي على حياتنا الأدبية أراهن غارقات في بحار الجهل تائهات في ظلمات اللهو لا يفكرن بغير الزينة والتبرج ولبس الثياب الفاخرة وذلك غاية ما تطمح إليه أنظارهن ولا يهمهن ذهبت ثروة رجالهن في هذا السبيل أم لا عدا قرينات السوء والفاجرات وما لا يليق ذكرهن في هذا المقام فأقول اللهم وفقنا لافتتاح مدارس إناثية تعلم بناتنا الأخلاق الدينية والحوائج البيتية وتربية الأبناء الحقيقية. وأما الشبان فهم على ثلاثة أقسام

القسم الأول من الشبان من تعقد الآمال بأحلامهم يفتخرون بدينهم فيحرصون على مبانيه الأساسية كالصوم ويتجنبون مناهيه الأصلية كالميسر والمسكرات لا يقصرون في بناء قصور الفخر ولا يرضون أن يكونوا حلقة ساقطة بين الأسلاف والأخلاف يعلمون أنهم خلقوا أحراراً فيأبون الذل والصغار يودون أن يموتوا كراماً ولا يحيون لئاماً، يجهدون أن يعيشوا عيشة راضية غير أنهم أندر من الكبريت الأحمر الذي نسمع به ولا نراه وإن وجد فرد منهم فهو منبوذ نبذ النواة. والقسم الثاني رعاع أوباش آدابهم التوحش وأخلاقهم الهمجية يفتخرون بقطع الطريق وخيانة الصديق لا ينطبق حالهم على ناموس وليس لهم من أنفسهم وزع وهم أكثر شبان القرى وسكان البادية وأطراف المدن. والثالث هو القسم_التمدن أي المتفرنج أولئك الذين يتسابقون إلى المنكرات تسابق خيل الرهان يقصدونها من بلد إلى أخرى يفتخرون بالتخنث وتقليد النساء في الزينة والملابس الرقيقة والتكسر ولين الكلام إلى غير ذلك مما تأباه المروءة الإسلامية. وما سرى علينا ذلك إلا لتقليدنا أسافل الإفرنجة تقليداً أعمى لا عن تبصر وروية ذلك لنرتقي إلى أوج المدنية التي نهض بهم إليها رجال ما كانوا يأتون هذه الأعمال السافلة ولو أتوها لحالت بينهم وبين الرقي كما حالت بيننا وبينه الآن بل فتحت لنا هوة تنتابنا فيها الأهوال نهوي بها ونحن نظن أنه بعدت خطوتنا في سبيل التقدم (لا بل عن سبيل التقدم). وأما العامة فقلت بينهم الأمانة وكثرت فيهم الخيانة يطففون المكيال ويخسرون الميزان ويخلفون الميعاد وينجزون الايعاد لا يهم أحدهم أن يضر أخاه ضرراً عظيماً في سبيل نفعه الذاتي ولو كان يسيراً وربما ضرَّ نفسهُ ليضر أخاه إذا كان ما يصيب أخاه من الضر أعظم مما يصيبه والحاصل إن كل فرد منهم شاهر حسامه ينتظر فرصة من أخيه ليطيح هامه. مثلهم كمثل أعداء في سفينة كل منهم يجهد نفسه ليرقها فيغرق من فيها من أعدائه فخرقوها فأُغرقوا جميعاً. وأما الخاصة أي الذين ترمقهم أعين الضعفاء من بعد ينتظرون نتيجة أعمالهم فهم ساهون عن المصالح العامة لاهون بمصالحهم الخاصة كل منهم يفكر في تمكين سلطته وقوة نفوذه يسكب الشخصيات في قالب عمومي يموه على الناس بسفسطات خيالية زاعماً أنهم لا يعقلون والأخزى من ذلك أن كل واحد منا قد أحس بهذا العبء الثقيل وهو

يئن متذمراً منه ولا يلقيه عن عاتقه وذلك أن كل إنسان ينظر إلى عيوب غيره متعامياً عن عيوب نفسه التي يمكن أن تكون أقبح من غيرها ويعجبني هنا قول الشاعر: لكل امرئ خرج من العيب ممتلٍ ... على كتفه منه ومن أهل دهره فعين عيوب الناس نصب عيونه ... وعين عيوب الناس من خلف ظهره وهذا من أعظم أسباب انحطاطنا الآن اللهم انصرنا بعيوبنا وألهمنا رشدنا ووفقنا لما فيه نجاحنا في الدارين إنك على كل شيء قدير ولا يحسب القارئ أني ذكرت شيئاً من فساد الأخلاق إنما هذه غطة قلم في بحره سودت هذه الصحيفة. حماه فارس النجار

الرق في الإسلام

الرق في الإسلام ومقاصد الأجانب في إلغائه جاء في رسالة الأستاذ الشيخ أحمد أفندي المحمصاني التي نشرها على صفحات الحقيقة بمناسبة المولد النبوي الشريف ما نصه: إن من أهم الأعمال التي ظهرت على يد المدنية الأوروبية تحرير الأرقاء وإلغاء الرق وإنما تم لها هذا بفضل الإسلام ومساعدته على ذلك بل الإسلام هو الذي فتح الباب للأمم الأوروبية فتحررت الأرقاء وفكت رقابهم بالعتق والتدبير والكتابة وناهيك بالحديث الشريف المصرح بذلك وقد أورده الإمام الحافظ ابن حجر في منبهاته السبعيات فيما رواه عن سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يجعله وارثاً وما زال يوصني بالنساء حتى ظننت أنهُ سيحرم طلاقهن وما زال يوصيني بالمملوكين حتى ظننت أنه يجعل لهم وقناً يعتقون فيه) فانظر أيها العاقل كيف تحقق ما ظنه الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت الدول على تحرير الأرقاء الخ. ولما كان الاستدلال بهذا الحديث على إلغاء الأوروبيين للرق واقعاً في غير محله وبعيداً عن مهيع الصواب أتيت بهذه السطور مبيناً بطلان هذا الاستدلال وموضحاً السبب الحقيقي الذي حمل الأوروبيين على إلغاء الرق وتحريره. استدل الأستاذ على إلغاء الرق بالجملة الثالثة من الحديث الشريف مع أنه ليس في منطوق هذه الجملة ولا في مفهومها ما يدل على ذلك ولو كان المقصود بها إلغاء الرق كما ظن للزمه أيضاً أن يقول بتوريث الجار من جاره وتحريم طلاق النساء أيضاً لأن هاتين المسألتين من جملة ما أوصى به جبريل كما رأيت في الحديث وهذا لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا سلفاً ولا خلفاً وإذا قلنا بعدم هذا اللزوم لزم الترجيح بلا مرجح وهذا باطل والذي يتبادر أن المراد بالوقت في الحديث إنما هو وقت معين كأن تكون مدة الاسترقاق عشر سنين مثلاً فإذا انقضت يكون محرراً كالمكاتب إذا دفع آخر نجم عليه فإنه بذلك يتم له التحرير ولو كان مقصود الشارع صلى الله عليه وسلم إلغاء الرق في زمن من الأزمان لنبه عليه وصرح به ولايترك ذلك مبهماً غامضاً فقد أتانا بها بيضاء نقية وأكمل لنا الدين

المبين وحاشى النبي الكريم يسكت عن التصريح بأمر عظيم هو من الأهمية في الدرجة القصوى. وكيف يتأتى إلغاء حكم الرق في زمن ما وكثير من الأحكام الشرعية متوقفة عليه ومعلقة به ككفارة الإيمان وكفارة القتل خطأ. وغاية ما يؤخذ من هذا الحديث الشريف هو حث الأمة على مداراة الجار ودفع الأذية عنه والإحسان إليه والحض على معاشرة النساء بالمعروف ولزم الرفق بالمماليك ومعاملتهم بالحسنى كما جاء في أحاديث كثيرة. والأجانب لم يسعوا في تحقيق أمنيتهم في إلغاء الرق رحمة بالإنسانية وخدمة لها كما يدعون. لا. لا. فما ذلك إلا ألفاظ يتشدقون بها توصلاً لمأربهم، وزخارف من الأقوال يرومون بها قضاء لباناتهم فقد علمتنا الحوادث وفي جملتها الحرب الحاضرة أنهم يضمرون غير ما يظهرون ويبطنون غير ما يعلنون والله يعلم أنهم. . . . عول الغربيون على اقتسام الممالك الإسلامية والقضاء على سلطة ملوكها وأمرائها وتمزيق شمل العالم الإسلامي وتبديد جامعته والحيلولة دون انتشار الدين الإسلامي ونفوذ نوره فاتخذوا توصلاً لأمانيهم أسباباً جديدة وطرقاً كثيرة من جملتها السعي في إلغاء الرق وتحرير الأرقاء وذلك لأنهم وجدوا بالعيان أن هؤلاء الأرقاء وهم يقدرون بمائة ألف سنوياً بعد الإتيان بهم إلى الديار الإسلامية يدخلون في الدين الإسلامي ويتخلقون بأخلاق المسلمين ثم لا يمضي عليهم مدة وجيزة إلا ويكون معظمهم قد اعتقوا ووقفوا في صفوف الأحرار وتناكحوا وأخذوا في التناسل فينموا بذلك عدد المسلمين ويكثر سوادهم ويقوى بهم ساعدهم ويشتد عضدهم وربما عاد فئة إلى قومهم وأخذوا في إنذارهم ودعوتهم إلى الدخول في دين الله وهذا بلا ريب مما كان يسيء الأجانب ولا يروق في أعينهم ويتميزون غيظاً منه. إن إلغاء الرق من أعظم الأمور التي أخلت بنظام هيأتنا الاجتماعية وعوجت مستقيم أخلاقنا وأماطت عن الكثيرين لثام الحياء والشرف. كان الفتى منا إذا كان غير قادر على الاقتران بالحرائر لقلة ماله أو لسبب آخر فإنه يتخذ له سرية يتمتع بها ويحصن نفسه ويمنعها عن التطلع إلى مالا يرضاه ذوو المروءة ولا يمشي إلى هذه القاذورات التي قضت على حياة الأمة وحيائها. ولو كان باب الرق مفتوحاً لندر من يرمي بنفسه في هذه المهاوي السحيقة. التسري كان أعظم مساعد على تكثير العالم الإسلامي وتنميته. ذكر المؤرخون أنه

أحصى نسل بني العباس في زمن المأمون فبلغ نحو ثلاثين ألفاً ولو كان هذا من الاقتران بالحرائر فقط لما بلغ في هذه المدة التي هي نحو مائتي عام نصف عشر هذا المقدار. هذا وأي حاجة تدعونا إلى مجاراة الأوربيين والذهاب إلى القول بإلغاء الرق وتكلف الاستدلال على ذلك بالأحاديث النبوية وأي داع يلجئنا إلى تأويل الأحاديث بما يوافق مشارب الأجانب وأهواءهم. فحكم الرق باق ثابت الأركان لا ينسخه تطاول الأزمان وليس في وسعنا أن نذهب إلى إلغاء هذا الحكم بعد أن علمنا علم اليقين ما فيه من الفوائد التي تعود بالمنافع الجلى على العلم الإسلامي. البلاغ حلب محمد راغب

الحرب الحاضرة

الحرب الحاضرة فوائدها ونتائجها والعبرة بها ليس في العالم من لا يستهجن تعدي دولة إيطاليا الغاشمة على جزء عظيم من أملاكنا بعيد عن عاصمة السلطنة ومركز القوة ووسائل الدفاع المستوفاة أتت تلك الدولة الجائرة لتستولي على هذا الجزء بدون أدنى مسوغ شرعي دولي فهب العثمانيون للدفاع عن حوزتهم وصيانة ممالكهم فقيض الله لهم من النصر والظفر ما يسطره لهم التاريخ بمداد الفخر وسيظلون مدافعين عن حقوقهم حتى يتسنى لهم تمام الظفر ويعود عدوهم صفر اليدين إلا من الخيبة والفشل والفقر وسوء الأحدوثة إن شاء الله تعالى. وليس من غرضنا أن نذكر تفضيل تلك المواقع والانتصارات التي صارت معلومة لدى أكثر القراء إنما نريد أن نذكر شيئاً من فوائد هذه الحرب ونتائجها ومن العظة والاعتبار بها لأن الحوادث العظيمة وإن كانت مؤلمة قد يكون لها من الأثر الحسن ما يهون المصاب بها ومن العظة والاعتبار ما يكون درساً أخلاقياً مفيداً تستصغر معه خسارة الأموال وفقد الأرواح. علمتنا هذه الحرب أنه ينبغي أن لا نعتمد إلا على قواتنا وأن الاعتماد على عهود الدول ومواثيقها ضرب من الأوهام فها هي الدول كلما أرادت اكتساح جزء من أملاكنا تضمن لدولتنا العلية أنها تحافظ على بقية أملاكنا وآخر حادث من هذا القبيل هو تعهد النمسا لما ضمت إليها ولايتي البوسنة والهرسك وما هذه العهود إلا تقييد للضعيف حتى تهدأ ثائرته ويطمئن جانبه أما القوي فمتى رأى الفرصة سانحة ينقض واجباً ولا يمنعه عن اعتدائه وتهوره إلا أسطول أضخم من أسطوله أو جيش أعظم من جيشه وإلا فما بالها بعد ما ضمنت سلامة أملاكنا في مؤتمراتها تسمح لإيطاليا أن تغير على ولاية آمنة مطمئنة تستبيح حماها وتنتهك حرمتها وتطمع أن تحصر أهلها وتقطع عنهم مورد الحياة، وهم في ذلك واقفون وقفة المتفرج كأنه لا يعنيهم وما بالهم وهم زعماء المدنية ومحبوا الإنسانية على زعمهم يسمعون قتل الشيوخ والعجزة والنساء والأطفال مما هو ممنوع في سائر الشرائع السماوية والوضعية ولم تحلم بعمله أعرق الأمم في التوحش في عصور الهمجية الأولى تسمع ذلك فلا ينبض لها عرق ولا تتحرك لها فكرة لمنع هذا العمل الفظيع إلا ما

كان من بعض أفراد يحبون الفضيلة لنفسها ويكرهون الرذيلة كذلك ويستقبحون الفظائع أنى أتت إلا أنه لا شأن لهؤلاء الأفراد في عمل الحكومات. حافظت تلك الدول على الحياد في وقت كان الظن فيه أن يكون النصر في جانب إيطاليا فلما خاب هذا الظن وفسد هذا الأمل وأظهر العثمانيون من البسالة ما لم يدع مجالاً للريب في فشل إيطاليا أخذ بعض الدول بنقض حياده وتشبث في عاصمة السلطنة لعقد الصلح على مالا يرضى الحق والعثمانيين ويساعد إيطاليا سراً على بعض تعدياتها ويتظاهر بالاستعداد للحرب إلى غير ذلك مما يناقض الحياد على خط مستقيم. تعهدت إيطاليا للدول العظمى في بدء الحرب بأنها تحصر حركاتها الحربية في طرابلس الغرب ظناً منها بأنها قادرة على تدويخ العثمانيين في تلك البقعة وإرغامهم على الرضوخ لمطالبهم والرضاء بجورها. فلما أراد الله أن لا يصرع الباطل الحق وأن يجعل نصيب المعتدي الفشل والخيبة أخذت تعتدي على سواحلنا فضربت العقبة وسواحل غزة ثم بيروت ثم قلاع الدردنيل ثم احتلت جزر الأرخبيل والدول صامتة لا تطالبها بشيء. مما تعهدت به لها وما تعهدت هي به للدولة العلية. علمتنا هذه الحرب أن الحق للقوة وأنه لو كان لنا أسطول توازي قوته نصف قوة أسطول إيطاليا لأذقنا تلك الدولة الظالمة أنواع الهوان لأن شجاعة العثمانيين وبسالتهم وكون الحق في جانبهم قوة عظيمة تسد ذلك النقص أما لما كان أسطولنا دون الحاجة نظراً لاتساع مملكتنا وكثرة ثغورنا اضطر أن يبقى ملازماً مكانه وأن لا تنتفع به في الحرب الحاضرة بشيء وأن تبقى ثغورنا خالية من وسائل الدفاع الكافية. ألا يكون في ذلك عبرة لنا يحرك منا الهمم لمد يد المساعدة لإعانة الأسطول فقد تألفت هذه الجمعية منذ أعلن الدستور بسائق الحاجة التامة لإنشاء أسطول ضخم تحمي به تلك المملكة الواسعة الأطراف والثغور العظيمة من هجمات الأعداء وأطماع المستعمرين فلم تصادف من الإقبال على مؤازرتها ما تستحقه. فكانت هذه الكارثة موقظة لشعورهم محركة لعواطفهم فلا يبعدان يهبوا من هذا السبات ويعلموا أن خير المال ما انفق في هذا السيل وينهضوا لهذا العمل نهضة من يعلم أنه

يساعد على عمل يكون فيه حفظ شرفه واستقلاله ودينه لا من يساعد مشروعاً خيرياً عادياً ولو كان لنا اليوم أسطول تحمي به جزر الأرخبيل لما تجاسرت إيطاليا الباغية على احتلالها بل ولما حدثت نفسها بذلك ولكانت حصرت بطرابلس الغرب كما تعهدت وهي فيه أحقر من أن تظفر بشيء من النصر. علمتنا هذه الحرب أن العثمانيين على اختلاف عناصرهم ولغاتهم سواء في حب العثمانية والتفاني في الذود عن حياضها وساء فأل أرباب المقاصد السافلة ودعاة الفساد الذين كانوا يصورون العنصرين الكريمين التركي والعربي بصورة العدوين الألدين ولا يفتئون يتحينون الفرص لإلقاء بذور التفرقة فجاءت هذه الحرب مخيبة ظنونهم قاضية على مآربهم فقد رأينا فيها العرب والترك في ساحة الحرب كأنهم عضو واحد يدافعون يداً واحدة عن حكومتهم وبلادهم وشرفهم بلا تفرقة. فالضباط الأتراك في طرابلس الغرب يعاملون العرب المجاهدين معاملة الأب الرحيم والمجاهدون يحترمون ضباطهم وأمراءهم احترام الابن البار للأب الشفيق وبهذا الاتحاد والاتفاق غلبوا عدوهم وحفظوا شرف دولتهم ودينهم وبرهنوا للعالم أجمع أن ليس بين هذين العنصرين شيء مما يرجف به المرجفون ويتخرص به المفسدون وأن هذين العنصرين للعثمانية كالهيولى والصورة للجسم لا يتصور وجوده إلا بهما. علمتنا هذه الحرب ما يجب علينا من إحكام الرابطة الجامعة الإسلامية وشد أواصرها بظل صاحب الخلافة العظمى أيده الله فقد رأينا من فوائدها أن قامت مسلمو الهند تطلب من حكومة إنكلترا كف يد إيطاليا عن اعتدائها وقام مجتهدوا إيران وأفتوا بوجوب الجهاد وقام مسلمو تونس نحو حكومة فرنسا بمثل ما قامت به مسلمو الهند نحو إنكلترا وهكذا دوى ذكر هذا الاعتداء الفظيع في جميع أقطار الأرض من أقصاها إلى أقصاها وتجلت عاطفة الدين بأجلى مظاهرها مما اضطر دول أوروبا أن تحجم عن مساعدة الطليانيين حتى وصل الحال إلى أن صرح ناظر خارجية إنكلترا في مجلس نوابها بأنه يجب على إنكلترا مساعدة العثمانيين لما لإنكلترا من المصلحة مع المسلمين ولولا ظهور هذا الارتباط بهذا المظهر الواضح وتأثر المسلمين في جميع الأقطار والأمصار من تعدي الطليان على أملاك خليفتهم لما كان يستبعد أن يتواطأ قسم من دول أوروبا على تضحية هذا القسم العظيم من بلادنا في

سبيل مطامع دولة إيطاليا. وما زالت دول أوروبا توجس خيفة من الجامعة الإسلامية وتعمل في السر والعلن على كل ما تراه صاداً عنها أو مبعداً عن الوصول إليها بينما كان المسلمون غافلين عن إحكام روابطها وتوثيق عراها فجاءت هذه الكارثة أعظم مذكر لهم بما يجب عليهم من الالتفاف حول عرش الخلافة العظمى وحفظ مركزه وتشييد دعائمه ولا غرو فمن الشدائد تتولد الفوائد فإن تكن هذه الحرب أفقدتنا بعضاً من الرجال في سبيل الدفاع عن الدين والوطن فقد أفادتنا ما يستصغر معه فقد الأموال وضياع الأرواح. ومن نتائج هذه الحرب وفوائدها أنها خاتمة للمصائب الخارجية على دولة الخلافة إن شاء الله تعالى فقد استضعفتها دول أوروبا خصوصاً على أثر تساهلها بمسألة البوسنة والهرسك والبلغار ذلك التساهل الذي كانت مدفوعة إليه بحكم الضرورة لأنها في مبدأ انقلاب لم تتوطد أركانه ولم تكن قد أخذت أهبتها واستعدادها لطوارئ الحدثان فظنت أوروبا أن هذا التساهل طبيعي في هذه المملكة وأنها لا يكلف نفسها عناء كبيراً في احتلال أي جزء من أجزائها أو يكفيها أن تعلن ضم هذا الجزء إلى أملاكها لذلك أعلنت إيطاليا ضم طرابلس الغرب إليها قبل أن تضع قدماً في سواحلها أو تملك شبر من أرضها. بمعونة الله على صد غارة أعدائهم وحفظ استقلالهم وشرفهم ويكفيهم أن ولاية واحدة بعيدة عن مركز السلطنة ومقر الخلافة وعن الاتصال بباقي الولايات العثمانية حاربت على غير أهبة واستعداد دولة تعد في مصاف الدول الكبرى ثمانية أشهر وهي تزداد كل يوم قوة ونشاطاً ومراناً على الطعن والضرب والذود عن بيضة الدين وحمى الخلافة. أخذ الله بيد المسلمين ووفقهم إلى الاجتماع والاتحاد وإحكام الروابط المتينة في ظل صاحب الخلافة أيده الله.

المصاب الأليم

المصاب الأليم أو حريق دمشق الهائل له مّلّك ينادي كل يوم ... لدوا لليوم وأبنوا للخراب تفنن الإنسان وبرع في العلوم والمعارف واتسعت دائرة فكره في الاكتشاف والاختراع، ووصل إلى حالة لولا الغلو لقلنا هذا منتهى الأمر، وهذه نهاية والإبداع، ذلل كما قال السيد المنفلوطي (كل عقبة في هذا العالم فاتخذ نفقاً في الأرض وصعد بسلم إلى السماء وعقد ما بين المشرق والمغرب بأسباب من حديد وخيوط من نحاس. انتقل بعقله إلى العالم العلوي فعاش في كواكبه وعرف أغوارها وأنجادها وسهولها وبطاحها وعامرها وغامرها ورطبها ويابسها. وضع المقاييس لمعرفة أبعاد النجوم ومسافات الأشعة والموازين لوزن كرة الأرض مجموعة ومتفرقة. غاص في البحار وفحص تربتها وأزعج سكانها ونبش دفائنها وسلبها كنوزها وغلبها على لآلئها وجواهرها. نفذ من بين الأحجار والآكام إلى القرون الخالية فرأى أصحابها وعرف كيف يعيشون وأين يسكنون وماذا يأكلون ويشربون. تسرب من منافذ الحواس الظاهرة إلى الحواس الباطنة فعرف النفوس وطبائعها والعقول ومذاهبها والمدارك ومراكزها حتى كاد يسمع حديث النفس ودبيب المنى اخترق بذكائه: كل حجاب وفتح كل باب) كل هذا فعله الإنسان ولكنه وقف بين يدي القضاء والقدر وقفة العبد الضعيف بين يدي القادر القاهر. ضؤلت قوته أما هذه القوة العظيمة وخمدت نار بطشه، وخانته أفكاره وتدابيره وأصبح ذليلاً خاشعاً، حزيناً كئيباً. يجهد نفسه في ابتناء الأبنية وزخرفتها ويعنى بتحصينها فيوسع نطاقها ويعلي شرفاتها، ويعظم أعمدتها حتى كأنه يود أن يجعلها في مأمن من الحوادث وأمان الكوارث ماهي إلا لمحة البصر حتى يأتيك أمر ربك فيجعل عاليها سافلها ويدمر ما ضخم من بنائها، ويذهب بعظيم سلطانها، ويجعلها كامس الدابر. في مساء ليلة السبت الموافق لعشرة خلت من جمادى الأولى في الساعة الخامسة ليلاً بينما الناس ساهون لاهون. لا يدرون ما خبأته لهم يد القضاء والقدر إذ شاع في الحاضرة خبر شبوب النار (في سوق الحميدية) فارتاع القوم لذلك وهرعوا إلى مطلع النار وأجفى

القلوب، باكي العيون فما كنت ترى إلا عويلاً شديداً، وصراخاً متتابعاً، وأشباحاً متفرقة تتراكض، ودخاناً متصاعداً يكاد يعلو قمة السحاب، والناس بين باك وحزين، ومستغيث ومغيث، ومرجع ومحوقل وراكض ومهرول ثم اندلع لسان النار وزاد لهيبها. وكان قد حضر دولة ملاذ الولاية، وقائد الفيلق الثامن وكثير من الأمراء والجنود النظامية ورجال البلدية والشرطة وآخرون معهم المطافئ العديدة، وبالرغم عن كل ذلك امتدت النار امتداداً عظيماً وساعد على ذلك كون الهواء زعزعاً. وعبثاً كان محاولة حصر الحريق دون أن يتجاوز محله. دام الحريق كل الليل وهو في امتداد وازدياد والناس حيارى باكين شاكين. وماذا يغني البكاء؟ وما عسى تنفع الشكوى؟ والقضاء حتم (والله غالب على أمره) ما طلع صبح يوم السبت إلا وقد التهمت النار معظم الأماكن والمحال. ومجمل ما ذهب سوق الحميدية وسوق العصرونية بتمامهما وقسم من سوق باب القلعة وباب البريد وسوق الجديد ونحو ثلاثين داراً من زقاق البوس وكانت شظايا النار تعلو في الجو على أجنحة الهواء ثم تقع فتصيب بعض البيوت حتى خيف على الجامع الأموي الشريف فأجريت الاحتياطات اللازمة وهدم لهذه الغاية سقف سوق المسكية الذي ينتهي إلى الجامع المذكور. مساكين أصحاب الحوانيت، مساكين أصحاب الأرزاق، مساكين شيوخهم وشبانهم حاضروهم ومسافروهم نائموهم ومستيقظوهم، أطفالهم ونساؤهم أحبابهم وأصحابهم. مساكين أهل الحمية والغيرة، مساكين رجال الحكومة مساكين أهل الحل والعقد فيها عملوا ولكن ماذا يفيد العمل؟ والقدر لا يغني عنه الحذر (والله يحكم لا معقب لحكمه) سوق الحميدية عروس دمشق وأجل أسواقها وسوق العصرونية سوق عظيم والدور التي حرقت من أعظم دور البلدة وأكبرها والمطابع التي انقرضت من أمهات مطابع البلدة والمدارس التي هدمت يعز على كل عاقل تهدمها. وقد قدر العارفون الخسارة بما يقارب مليون ليرة. والوطأة شديدة حتى على الأغنياء. سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد ولك الشكر قضاؤك حكم وقدرك حتم لاراد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ولا حول ولا قوة إلا بك. مئات من الحوانيت وعشرات من المخازن الكبيرة وقريب منها من البيوت العظيمة كانت مساء يوم الجمعة كعروس ترفل في ثيابها زينتها فما أصبح عليها صباح يوم السبت إلا

وهي في خبر كان. عفت آثارها وتهدمت شرفاتها وتعطلت طرقها وأصبحت عبرة للمعتبر. وعظة للمتعظ تفرقت أهلوها شذر مذر وأمسى أكثرهم لا مورد له للارتزاق بل أصبح غنيهم فقيراً وفقيرهم لا مأوى له. من لنا بعيون تسح دمعاً وقلوب تسبل دماً. وصدور تزفر زفير الشكلى تبكي معنا هؤلاء الأغنياء الفقراء الأقوياء الضعفاء التجار الصعاليك تبكي تلك البيوت الفخيمة والمنازل العظيمة التي كانت آهلة بأهلها. عامرة بسكانها فقد أصبحت أثراً بعد عين وخبراً بعد حقيقة. أيها المصابون لا تحزنوا فالصبر أولى بكم والتأسي أجمل بقدركم أنتم بالشهامة معروفون فاصبروا وتجملوا فالله مع الصابرين. الدنيا دار محن وبلاء دار مصائب وعناء دار اختبار وابتلاء كرروا قول الله تعالى (ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وتأملوا حديث عمر بن أبي سلمة عند ابن ماجة عن أم سلمة أن أبا سلمة حدثها أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به من قوله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم عنك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وعوضني خيراً منها إلا آجره الله عليها وعاضه خيراً منها فلما توفي أبو سلمة ذكرت الذي حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه فأجرني عليها فإذا أردت أن أقول وعضني خيراً منها قلت في نفسي أعاض خيراً من أبي سلمة ثم قلتها فعاضني الله (محمداً) صلى الله عليه وسلم وآجرني في مصيبتي. أيها المصابون تصبروا واصبروا فالصبر خير كله (وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر) كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كُفرّ به من سيئاته. وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما أصاب رجلاً من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة إلا لإحدى خصلتين إما ليغفر الله له من الذنوب ذنباً لم يكن ليغفره له إلا بمثل ذلك لو يبلغ به من الكرامة لم يكن ليبلغها إلا بمثل ذلك. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله كيف الصلاح بعد

هذه الآية (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوأ يجزيه) الآية وكل شيء عملناه جزينا به فقال غفر الله يا أبا بكر ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواه قلت بلى قال هو ما تجزون به. وعن أبي عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة بماله أو نفسه فكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقاً على الله أن يغفر له. إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة الدالة على فضيلة الصبر وما لصاحبه من المثوبة والأجر. هذا ونرى من الواجب تنبيه عقلاء دمشق على وجوب مطالبة الحكومة مطالبة مشروعة باستجلاب (بلوك) إطفائية يتألف من رجال غيورين هذبتهم التجارب. وثقفهم التعليم. ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد العامة لمستقبل البلاد. وفي عقيدتنا أن الحكومة بإجابتها هذا الطلب تحسن إلى البلدة إحساناً عظيماً وإذا أضافت إليه مسألة الماء فانتفعت من ماء عين الفيجة بوضع منافذ في جهات البلدة تسد فلا تفتح إلا عند حدوث حريق (لا قدر الله) في تلك الجهة كما هو الحال في البلاد المصرية تزيد الإحسان إحساناً وتستحق الشكر الأبدي والثناء السرمدي. ونختم كلمتنا هذه بشكران الحكومة المحلية راجين منها أن تحل اقتراحنا المار محله وأن تعنى عناية خصوصية بتعجيل الأذن في عمارة ما هدم من الحوانيت رحمة بأولئك المنكوبين الذين أضحوا لا مأوى لهم ولا مورد ولا شك أن هذا أعظم إعانة يرضى الله تعالى بها ونحن بكل ارتياح نشكر كل من قام ويقوم بمساعدة هؤلاء المساكين وجمع الإعانات بالطرق المشروعة لهم سائلين الله تعالى أن يقيلنا وإياهم نوائب الدهر ويحفظنا جميعاً من غوائل الأيام.

درر الدمع الهامل

درر الدمع الهامل على مصاب حريق دمشق الهائل أأبكي على رزء الرجال أم المال ... دماً أم على مبكى نساء وأطفال أأبكي على فقد الشعور لفرط ما ... عرا القوم طراً من عجائب أهوال إلى م التأسي والحوادث جمة ... وحتام يأتي الدهر في كل بلبال تفاجئنا الأيام في كل حادث ... يكاد يذيب الصخر من شاهق عال ونحن نجاريها بكل تجلد ... لديه عوادي الدهر تذهب كالآل رويدك فينا يا زمان فهل ترى ... بأنا خلقنا من حديد وجبال مصاب عظيم عم أهل دمشق بل ... جميع النواحي من غريب ومن آل وبينا نرى سوق السعادة جنة ... إذا هو نار بين أرسم أطلال ترى مشهداً يحكي لهيب جهنم ... وقود لظاها من نفائس أموال ترى أوجهاً تدمي الفؤاد بصفرة ... معفرة بالترب من طلل بال ترى أعينا تحكي العقيق بأدمع ... تسيل كغيث دائم السكب هطال ترانا حيارى بين بك ونائح ... على نفسه أو عمه أو على الخال فوا أسفي كم من بيوت تهدمت ... على أهلها لهفي على الأهل والمال وما للشجي إلا الدموع وسائل ... على أن در الدمع أغلى من الغالي فما شممت ناراً كلما اجتهد الورى ... لإطفائها تزداد شدة إشعال ترى الريح من كل الجهات تشبها ... شبوب لظى حرب ذكت بين أبطال نكافحها بالماء من كل وجهة ... فتجتهد الأرياح في رد أفعال فلا الماء يجدينا لإطفاء جمرها ... ولا السعي في هدم بصورة زلزال فيالك ناراً حين شب لهيبها ... تلاشى لديها كل حيلة محتال نحاول إطفاء اللهيب تهجماً ... ولكننا نلوي بخيبة آمال ومازالت الأرياح توقدها دجى ... وتذكي لظاها في غدو وآصال وتذهب بالأموال حتى أتت على ... أساس البناء الصلد في حال أمحال

حريق عظيم لم تر الشام مثله ... يغادرها بالشكل كالطلل البالي بعه أغنياء القوم أمسوا بنعمة ... وقد أصبحوا أعرى من المغزل الخالي فلا تيأسوا ياقوم من متفضل ... رحيم كريم الجود والرفد مفضال فهل جئيتموا والمال حشواها أهابكم ... ألم تولدوا يا قوم من غير سربال فألبسكم ثوب الغنى مانح الغنى ... فصرتم بفضل الله أرباب أموال لئن أكلتها النار سوف ترون ما ... سيخلفه الرزاق أمثال أمثال ألا يا بني الإنسان في كل بلدة ... ويامن تحلوا في فضائل أعمال ويامن لهم في المكرمات شمائل ... تجل عن الإحصاء في كل أحوال ويامن يغيثون الصريخ بنجدة ... بها ينعش المعثور من أوحل الحال فهذا أوان الفضل أين رجاله ... وذا وقت إقدام لتخفيف أثقال أجيبوا نداء المستغيث بكم إلى ... إغاثة ملهوف بكم حسن الفال فتى كان أغنى القوم بالأمس راتعاً ... بأرغد عيش ناعم الحال والبال ولكنه اليوم استحال نعيمه ... لبؤس شديد سيء الضر مغتال فهل من مغيث جابر كسر بائس ... يئن بصوت خافت خوف إذلال فلو شمتموا ما حل فيه لها لكم ... لهيب رهيب ذو ارتعاش وأهوال خذوا (لن تنالوا البر حتى) فإنها ... جزاء على الإنفاق من أجود المال أجيبوا فقيراً كان بالأمس ذا غنى ... يرى قاصدوه منه أجمل إقبال وهاهو محتاج لقوت نهاره ... فيبكي ويستبكي المحب مع الغالي فجدوا لفعل الخير فاليوم يومكم ... ولبوا أسيفاً ذا عيال وأطفال وربكم الديان يجزل أجركم ... ويجزيكم عن فعلكم عشر أمثال دمشق عبد الرحمن القصار

قطرات الدمع الحميم

قطرات الدمع الحميم في رثاء الصديق الحميم إِيه يا مُقلتيَّ بالدم سيلا ... واجعلاَ صفحتي خدودي مسيلا فلو أن الأمطارَ وهيَ غِزارٌ ... بعضُ دمعي لم تُغن عني فَتيلا أذرفاه عسى يخفف وجداً ... أوسع القلب لوعة وغليلا فلقد نَابني مُصابٌ براني ... وأرانيَ يوماً عصبياً طويلا نابني فاجع أمضَّ فؤَادي ... مسعراً فيه داءُ حزنٍ دخيلا إذْ فقدتُ الفتى (أبا الخيرَ مولا ... ي الكريم (الطباع) ذاك النبيلا لمَ يصل نعيهُ المسامِعَ حتى ... مَلاَء الشام حسرةً وعويلا فعليهِ القلوب ظَلَّت تقاسي ... نعيه المرَّ أو حساماً صقيلا لهف نفسي عليه من لوذعِيّ ... فَقدُه لمَ يدَعْ لصبري سبيلا لهف نفسي عليه خِلاًّ وَفيَّاً ... كنت أَلْقاهُ ذلك المستحيلا لهفَ نفسي عليه بَرَّاً تقياً ... عالماً عاملاً هماماً مَثيلا لم أصادف له لكي أَتَعزَّى ... بين أقرانهِ الكرامَ مثيلا شَبُ يضني في طاعة الله جسماً ... مثل صبري عليهِ نِضواً هزيلا وكذاك الشهم السمين المعالي ... يفتدي جسمهُ نحيفاً نحيلا ظَل بالعلم مُغرماً مع خلق ... كنسيم الصبا عليلاً بَليلا وحوى العلم ناشئاً فتصدَّى ... لمقام التدريس شيخاً جليلا ولِسرٍّ استأْثر الله ... بهِ فاغتدى لديه نزيلا يا أَبا الخير لَست أنسى حياتي ... خلتي ما بكى الحمام الهديلا يا صديقي الحميم هذا فؤّادي ... بحميم الأسى عليك غسيلا لم تزلْ بيننا وعهدك حياً ... خالداً بالثناء جيلاً فجيلا مثلما قد حييت في دار خلد ... حيث تسقى التنسيم والسلسبيلا يا أَبا الخير لا عدتك الغوادي ... رائحاتٍ حيث اتخذت مقيلا وحبتك التجليات حلاها ... حيث تلقي عليك ظلاً ظليلا

وسقت روض مستقرك سحاً ... رحمة الله بكرة وأصيلا عبد القادر بن محمد المبارك الحسني الجزائري

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد 2 يامصطفى قبل العوالم كلها) ... يا خير مبعوث بأشرف دين يا من بره الله نوراً للورى ... والكونلم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... في الله نلت نهاية التمكين ورأيت ربك ليلة الإسرا وقد ... أثنى عليك الله في التبيين بيروت محمد سعيد إياس يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... روحي فداك وحب شرعك ديني حزت الرسالة والسيادة والعلى ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... مدح الإله علاك في يسين أنت الغني عن الثناء لأنهُ ... أثنى عليك الله في التبيين) رشيد عليوان مدرس العربية في شعبة المكتب السلطاني في بيروت وله أيضاً حفظه الله قلبي بحبك يا رسول لقد لها ... لا الغانيات الناعمات ولا المها للخير أنت المبتدا والمنتهى ... يامصطفى قبل العوالم كلها) والكون لم يبرز من التكوين والأرض هذي والملائك والسما ... لولاك ما خلقت ولا كشف العمى وعليك صلى ذو الجلال وسلما ... أيروم مخلوق مديحك بعدما) أثنى عليك الله في التبيين) يامصطفى قبل العوالم كلها) ... ياشافعاً للناس يوم الدين سطعت أشعة نور ذاتك بالفضا ... والكون لم يبرز من التكوين) أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... أصبحت أفضل مرسل وأمين

من يستطيع الوصف أو يثني كما ... أثنى عليك الله في التبيين) إبراهيم خليل مردم بك

رابطة الخلافة

رابطة الخلافة ورابطة الدين أطلعنا في بعض المجلات العربية على كتابين الأول بإمضاء الجنرال الطلياني بريكولا قومندان الفرقة الثانية أرسل به إلى العرب المجاهدين في طرابلس وبني غازي وملحقاتها يدعوهم فيه إلى ترك الحرب ونبذ التابعية العثمانية والإخلاد لطاعة الطليان والثاني بإمضاء إسلام عربان إفريقية الإسلامية سكان البوادي والبلدان وهو رد لمفتريات ذلك القومندان وتسفيه لرأي عامة الطليان ووصف لحال المجاهدين مع أعدائهم وتوضيح لشأنهم وقد نشرنا هذين الكتابين بنصهما ليقف القراء على بعض ما جبل عليه الطليان من الكذب والخديعة والغش والغدر وسخافة الرأي مما يفصح بأوضح عبارة عن سوء منقلبهم في هذه الحرب وما آل معهم الأمر بها من الفشل والتقهقر والخسارة ونتن الأحدوثة الأمر الذي لا ينساه الدهر والعار الذي لا يمحيه كر الأيام وليعلموا بل ليعلم الناس أجمع بعض ما فطر عليه أولئك العرب الكرام المجاهدون من الصبر والثبات والحمية والشجاعة والأنفة والشمم والإباء وقوة الرابطة الدينية وشدة التعلق بعرش الخلافة الإسلامية وبيع النفس والنفيس في سبيل المحاماة عن الوطن والإعراض عن لذة هذه الحياة وعدم الاغترار بتلك الوعود الكاذبة التي جاءت في كتاب الطليان مما سيبقى لهم مسطراً بأسطر ذهبية ما بقي الدهر وعاش النسر بل لا يفنى بفناء الأيام ولا ينقضي بانقضاء الأعوام وسيكون لهم برهاناً على صدق نياتهم يوم يقفون أمام الله تعالى ويعرضون عليه مع الصديقين والشهداء والصالحين (وحسن أولئك ريقاً) ذلك لأن مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى وحماية دينهم والذَب عن حريمهم وبلادهم من جور أولئك الكفرة اللئام. والالتفاف حول عرش الخلافة الإسلامية التي هي جماع المسلمين في مشرق الأرض ومغربها وبعبارة ثانية التي ليس بعدها للمسلمين حول ولا طول. نعم من يقرأ كتاب هؤلاء المجاهدين ويتأمل معانيهُ يتجلى له شأن رابطة الدين وعظم قوتها. وعجيب منعتها وفائدتها من يتأمل هذا الكتاب يتحقق لديه أن أقواماً يحاربون قصد إرضاء إله واحد. ينادون جميعهم باسمه. ويجأرون بالدعاء له. لا فرق بينهم في العقيدة. ولاخلاف بينهم في الدين. نبيهم واحد وشريعتهم واحدة. وصلاتهم واحدة. وغايتهم واحدة

وباعثهم واحد من يتأمل هذا كله يتحقق لديه أنهم لا يُغلبون ولن يغلبوا تصديقاً لقوله عز اسمه (يا أيها الذين آمنوا إن تنصُروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) من يفكر في الطليان وانتظامهم وعددهم وعُددهم وبوارجهم ومدافعهم وما لديهم من القوى الهائلة ثم يتأمل في أولئك العرب المجاهدين وتفرقهم وعدم انتظامهم وحاجاتهم إلى الأدوات الحربية و. و. و. يحكم في بادئ الأمر بأنهم سيكونون هدفاً لسهام الطليان. ومرمى لقذائفهم وأن الحال سيضطرهم إلى أن يعلنوا السمع والطاعة ويقبلوا بالتابعية الطليانية وهم صاغرون. ولو دقق المتأمل النظر لعلم أنه خبط خبط عشواء لما أنه قد غاب عنه أن الباعث لهؤلاء العرب على الحرب أمر ديني وشعور إيماني لم يثره إلا الذب عن العرض والوطن وأن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى بخلاف الطليان فإنهم وإن كانوا ذوو قوة بالنسبة إلى أهل طرابلس كما سبق ولكن يستحيل أن تقاوم قوتهم الظاهرية تلك القوة المعنوية التي من ألذ لذاتها الموت والتي تجعل الأرض على سعتها ضيقة في وجه صاحبها فيرى أن لا منقذ له من هذا المضيق إلا المقاومة ما استطاع هذا مع ظهور أن الباعث للطليان على هذا الحرب إنما هو الجشع والطمع والتعدي. الرابطة الدينية هي بنفسها رابطة الخلافة والعرب في حربهم مع الطليان مرتبطون بهذه الرابطة فدفاعهم عن الخلافة الإسلامية هو دفاع عن الدين لا محالة. فإلى أولئك المتفرنجين اليوم نقدم كلمتنا هذه عساها تكون مفيدة لهم في تعظيم أمر الدين ورابطته ولعلهم يرون أن العدد الظاهرية على ضخامتها وشدة بأسها لاتقاوم تلك العدد المعنوية على لطافتها وقلة مؤنتها. وإليك نص الكتابين: بسم الله الرحمن الرحيم اصغوا ياعربان بلا بنغازي وملحقاتها حالة الحرب التي نحن موجودون بها الآن قد ألزمتنا أن نقطع أي علاقات كانت فيما بين البلدة والبر فلهذا صوتنا لم يمكنه أن يصل إليكم وأنتم صرتم ضحية للأكاذيب التي يحدثونكم بها الأتراك. نحن نرغب أن نقول أيضاً لكم الحق مرة واحدة لأجل صالحكم ولفائدتكم حتى يتوفر عنكم فظاعة الحرب الذي هو بتمامه ضرر عليكم والذي يطفئ باطلاً حياة أناس التي هي عزيزة عند الله تعالى. فلهذا نأمر الطيارات بالهواء أن ترتفع ومن

أعلى الجو أن تسقط عليكم جوابنا هذا الذي به يجلب لكم كلمتنا التي هي الحق والعدل. نحن قلنا لكم سابقاً والآن نكرره أيضاً بأن حكومة جلالة ملك إيطاليا العظيم القوي حفظه الله تعالى ما أتت لمحاربة العربان بل هي حضرة لهذه البلاد بإرادة الله سبحانه وتعالى حتى تطرد من هذه الديار حكومة الأتراك القاحلة وعديمة الكفاية التي هي قد أقحلت أراضيكم وتركتها مهملة لجملة سنين وأحرمتها من فضائل التمدن والترقي. نحن سبق وقلنا لكم ونقسم لكم أيضاً بسم الله العظيم إله جميعنا الذي هو حامينا ومنور عقولنا بأننا سنحترم قطعياً ديانتكم وعوايدكم ونظاماتكم ونساءكم وأملاككم ولا نلمكم لخدمة القرعة العسكرية ولا نضع عليكم ضرائب بغير الحق وأيضاً سننظر إذا أمكن الحال أن نجعل تلك الضرائب التي كنتم تدفعونها لحكومة الأتراك أن تكون أكثر تخفيفاً عن قبل وعلى سائر الأحوال كافة الدراهم التي تدخل من هذه الديار على خزاين دولتنا سيصير صرفها لمنفعة تمدن هذه البلاد بفتح طرقات وسكك حديدية وإصلاح المراسي لإدخال عدد كثير من الوابورات الكبيرة الذي ستأتي شاحنة البضائع وعمار مدن التي سيكون بها أسواق عظيمة حتى يتسهل للجميع مشترى لوازم المعيشة بسعر متهاود على قدر الإمكان نحن سنحترم الزوايا (تعلقكم) وسنبقي لهن كافة الامتيازات التي هي متمتعة بها وسننظر أيضاً إذا كان يمكنا الحال أن نزيد تلك الامتيازات وسنساعدها عند اللزوم حيث هذه الزوايا يمكن أن يصبر إقبالهن ونجاحهن أكثر من قبل حتى وأنهن يكن أعظم مساعدة لفقراء البلدة والبر. نحن سنعطي لمشايخ القبائل المهمين كافة السلطة التي تلزم أن تكون لهم وسنعطي أيضاً مكافأة لهم معاشات شهرية متساوية للمساعدة التي يقدرونها لحكومتنا الإيطالية بحفظ النظام والتهذيب في البر. إن شاء الله تعالى في مدة قليلة بلادكم هذه مع وجود الأمن والراحة تزداد بعونه تعالى بالإقبال والثروة وهكذا الجميع يمكنهم بواسطة شغل الحقول والمرعى والطرق والسكك الحديدية والمدن والتجارة والصناعة الحصول على لوازم معيشة كل واحد مع عائلته بحسب لياقة الرجال الأفاضل والأحرار وهذا بموجب الشرائع المرسومة لنا بحكمة وعظمة الله تعالى الدائمة فلهذا أنتم لا يجب عليكم محاربتنا أنتم لا يلزم عليكم أن تصدقوا الأتراك لأن المذكورين قد هربوا دائماً وما تجاسروا أبداً أن يحاربوا البلد بل أرسلوكم أنتم ضد مدافعنا الهائلة حتى يصير قتلكم.

الأتراك ما عندهم قوة حتى يحاربونا هم دائماً يقولون لكم بأن الإيطاليان هم أعداؤكم وهذا كله لأجل صوالح الأتراك الخصوصية بحيث أنهم منتظرون أن يحصل الصلح وثم يتركونكم بمفردكم ضدنا ومدافعنا ماذا فعلوا لكم الأتراك من الخير أثناء حكمهم في هذه البلاد مدة ثمانين عاماً المذكورين قد أضعفوكم دائماً وهم اليوم مستخدمين ذاتكم ودمكم بدلاً من أن يحاربوا برجالهم ومدافعهم ترفعوا عن محاربتنا ونحن لا نحاربكم. حكومة جلالة ملم إيطاليا العظيم الله تعالى يحفظه عندها كلمة واحدة فقط وليس اثنين. اتركوا الأتراك وهم يصيرون مغلوبين لطلب الصلح فحينئذ نفتح لكم أبواب الذهب التي هي أبواب البحر ونبتدي في أعمالنا بالعدل والمحبة الذي يجعل أراضيكم بعظمة وإقبال تحت سلطة جلالة ملك إيطاليا العظيم أدام الله جلالته ويخفق فوقها العلم المثلث اللون الأبيض والأحمر والأصفر تمهيداً للإيمان والرجاء والمحبة اذكروا بأن الله قد قال في الكتاب الكريم (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) واذكروا أيضاً بأنه قد كتب في الكتاب الكريم (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله). بنغازي في 12 فبراير سنة 1912 قومندان الفرقة الثانية الجنرال بريكولا الجواب نعوذ بالله من الشيطان الرجيم لجنرال بريكولا النصراني قومندان الفرقة الطليانية. السلام على من اتبع الهدى أما بعد فقد اطلعنا على كتابك المرسل لنا على أجنحة الطيارات الهوائية الملقى من الجو خوف الفضيحة والرزية المؤرخ في 24 صفر سنة 1330 هجرية الموافق 12 فبراير سنة 1912 أفرنكيه فرأيناه قد اشتمل على أنواع الغش والخديعة والزور والمفتريات الشنيعة خصوصاً ما تضمن من الطعن في الحكومة السنية العثمانية أدامها الله رب البرية والحط من شأن المجاهدين من إخواننا العثمانيين الذين شهدت لهم الأعداء قبل الأصدقاء بالنجدة والشجاعة والغيرة والبراعة والصبر والطاعة والثبات والقناعة الذين فتحوا البلاد ودوخوا

العباد وقمعوا أهل الشرك والبغي والفساد الممتازين بأسنى المزايا الفاضلة وأسمى السجايا الكاملة الذين تجمعنا بهم الأخوة الإسلامية في سلسلة نورانية تبهر من أشعتها الأبصار وتستنير بنور عدلها الأفاق والأمصار بالصورة التي تسيء الحساد وتغيظ الكفار وقد تناهت هذه السلسلة المباركة التي هي عروة وثقى لا انفصام لها عامة الإسلام لطفاً واستمكنت قوة ووصفاً ولقد ساءنا وأيم الله جرأتك على الإدعاء بأن إيطاليا ما تجشمت الخسائر ولا تكبدت المشقات إلا شفقة منها علينا وسعياً في انتشالنا من ظلم الأتراك على زعمكم وأنه متى أعلنت السيادة (والعياذ بالله تعالى) لدولتكم وتركنا الحرب والطعان ونفضنا الأكف من طاعة دولة بني عثمان (لا سمح الله تعالى) نصبح في جنات ونعيم ومقام كريم إلى غير ذلك من الهذيان والله يعلم والناس يشهدون وأنت في مقدمتهم أنكم لكاذبون. وأنا لا نلومك أيها الجنرال على ما ألقى الشيطان في أمنيتك من الأماني الكاذبة والوساوس الخائبة إن هي إلا أضغاث أحلام وخيالات وأوهام وأما الحقيقة الواضحة الظاهرة للعيان بالدليل والبرهان فهي أنكم أعدى الأعداء وألد الخصام وأهل البغي والعدوان وقد منعنا القرآن عن موالاتكم بقوله جل وعلا (ولا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يتولهم منكم ف، هـ منهم) (إن الله بريء من المشركين) فاعلم أيها الجنرال أننا لنا بحمد الله ديناً لا نبتغي عنه بدلاً ولا نحيد عنه حولاً وإيماناً ويقيناً بما جاءت به شريعتنا الغراء فعلى صاحب اليقين أن لا يرضى بالذل والمسكنة والطاعة للكافرين وكيف نرضى بالطاعة لمن لا يذهب مذهبنا ولا يرد مشربنا ولا يدين بديننا ولا يحترم شريعتنا ولا يراعي حرمتنا ولا يرى فينا إلاَّ ولا ذمة كما شهد بذلك القرآن الكريم بقوله عز وجل خطاباً لنبيه المرسل (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) صدق الله العلي العظيم فكيف نصدق ما أتيت به من الأكاذيب ونخدع بما افتريت من الأساليب ونحن نعلم علم اليقين أكبر همكم وغاية أمانيكم سحق ديننا والتغلب على أوطاننا واسترقاق أرقابنا والقضاء على كياننا في عالم الوجود حسب ما يشهد بذلك التاريخ والأعمال فجدير بنا تلقاء ما نعلم من اعتدائكم أن نلبي داعي الله تعالى ونبذل الأموال والأرواح في الذود عن الوطن ونجاهد في سبيل الله فالحق داع والله حاكم والضرورة قاضية فأين المفر؟ ولتعلم أيها الجنرال أن وراء اعتداء إيطاليا على أوطاننا أهوال ترتعش

منها الأبدان وتشيب من هولها الولدان وأن ما تتبجح به من الاستشهاد في مرسومك بآيات الله تعالى لم يكن قصدك منه إلا التغرير والخديعة والمكيدة والوقيعة كما يشهد بذلك القرآن في قوله جل علاه في أمثالكم (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) فكيف يحترم الطليان ما لا يعتقدونه من الكتب المقدسة أليست الطليان هي التي ارتكبت دنأة القرصان وشناعة اللص الجبان باعتدائها على أملاك دولة الخلافة الإسلامية؟ أليس هي التي غررت رجال الحكومة العثمانية بزخرف القول ودعاوي الصداقة الكاذبة حتى أخلت الديار ومنعت ورود الجيوش والمهمات ليخلو لها الجو وكانت كما قال الشاعر: وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا) فالدولة التي لم تحترم العقود ولا المعاهدات هل تحترم الدين والآيات فمهلاً مهلاً معاشر الطليان فإننا لم نكن أقل حمية وشجاعة من أولئك الحبش الذين ساموكم سوء العذاب ورجعتم من بلادهم بخفي حنين راضين من الغنيمة بالآيات نحن نفتخر دائماً بأننا أولاد ولاية الدولة العلية قد جدعوا أنوف المعتدين وسحقوا رؤوسهم تحت سنابك الخيل وقضوا على دولتكم الخاسرة بعد أن عصروها عصراً وأروها النجوم ظهراً فأصبحت خزائنها المالية أنقى من هامة الأصلع وبواخرها الحربية والتجارية تجاري في سرعتها الضفدع، فهي عبارة عن مجموعة أخشاب قد رتع السوس فباض وفرخ واعتراها الدمار وكتب وأرخ، وقد أفلست معاهدها التجارية، وتلاشت تجارتها العمومية وغدا شعبها في أشد حالات الفقر المفضي إلى حدوث ثورة مدهشة ستمتد في جميع أرجاء إيطاليا فأين ذلك مما نحن عليه من القوة والسطوة والثبات والنخوة وتوفر أسباب المعيشة فضلاً عن المؤن المخزونة وكنوز القناعة المكنونة سيما وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت وأنبتت من كل زوج بهيج ولدينا بحمد الله من المهمات والمعدات ما تكفينا عشرات السنين مع أن العرب لا تهتم بمسائل المأكل والمشرب ولا تتأنق في الملبس ولن يروقنا إلا ما نشأنا عليه من التقشف والبداوة بخلافكم معاشر السنانير فإنه يعز عليكم أن يجرح النسيم أيديكم الناعمة ويأكل الثرى ملابسكم الزاهية وتستعيضوا عن البالونات والتياترات بهذه الصواعق المزعجات ثم أليس من الحماقة أن توهمنا أيها الجنرال بعدل إيطاليا بعد الذي تناقلته صحف الكائنات عن فظائعها الوحشية في جميع القارة الإفريقية خصوصاً ما وقع منكم في

طرابلس الغرب فضلاً عما يقع منكم كل يوم ببني غازي من قتل الأنفس وهتك الأعراض واتخاذ المساجد حانات أو مواخير للموبقات فهل هذا العمل يعد من العدل والرأفة بالمسلمين أم من جملة احترامكم للدين الذي تستشهدون بآياته أم هو عمل الظالمين المعتدين ثم أردتم بزعمكم الفاسد أن تموهوا على سخفاء العقول بما أوردتم من النصوص والنقول ومنها جرأتكم على ذكر الآيات الكريمة وهي قوله عز وجل (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية فيا أيها الجنرال إن هذه الآيات هي دلائل وبنيان وبراهين ومعجزات على وجوب قتالكم على آخر رمق من الحياة فكيف تستدل علينا بها وأنتم الذين اعتديتم علينا وزحفتم بخيلكم ورجلكم وأساطيلكم تقاتلونا لتخرجونا من ديارنا فقتلتم أبناءنا واستحببتم نساءنا ألستم أنتم الذين استوليتم على بلادنا ظلماً وعدواناً وقتلتم منا ألوفاً من النفوس البريئة والنساء المخدرات والأطفال المعصومات حتى ملأتم بجثثهم مساجد طرابلس وجوامعها وهاهي خمسة أشهر وأنتم تصوبون سهامكم وبنادقكم ومدافعكم لحربنا وقتالنا وإفناء أرواحنا فمن الذي يلزم أن نقاتلهم غيركم ومن الذي اعتدى علينا سواكم فهل نحن زحفنا على بلادكم واعتدينا عليكم أم أنتم الظالمون المفترون ثم لا يخفى على علمك أن الدولة العلية أيدها رب البرية هي دولة الخلافة الإسلامية هي تلك الدولة التي وقفت بين عشرين دولة مسيحية وقابلت الحروب الصليبية مدة تزيد عن ستمائة عام وهي التي حاربت أعظم الدول نحواً من سبع وأربعين مرة ولم تنكسر لها راية وهي المحافظة على الحرمين الشريفين وهي التي لم تستعن في جميع حروبها إلا بسواعد أبطالها وعزماتهم المعقودة الأطراف وهي التي زلزلت صروح الكرة بشدة بأسها وهي هي التي لم تزل حافظة لكيانها رغم أنفك أيها الجنرال وإن النفوس مهما تدحرجت في دركات الإدراك فإنها تشعر باحترام هذه الدولة العلية سواك ولا نستغرب إنكارك لهذه الحقائق التاريخية بما أسدله الحقد والحسد على بصرك من الحجب المغشية كما قيل: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم كعم الماء من سقم) فهلا يندهش الناس وتفيض صدورهم بالغيظ وتتساقط من أفواههم اللعنات على أم ناصيتك حينما تقع الأعين على قولك أيها الجنرال عن أبطال الأتراك بأنهم هربوا من القتال

وهاهي جيوشهم المنصورة على قلة عددهم وعددهم لكم بالمرصاد وأمام عيونكم متهيئين لقتالكم بقلوب تزول من ثباتها الجبال وتزلزل من هيبتها أفئدة الأبطال. وهاهم أناة الليل وأطراف النهار في انتظار ظهوركم من وراء الحصون والجدران فإن كنتم رجالاً أكفاء لقتالهم فهموا إلى النزال حتى ترى أيها الجنرال (إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار) (ويعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وإن كنتم قادرين على حرب أبطال الجيوش العثمانية حسبما زعمت فهذه بحمد الله جنودها وجيوشها المظفرة وقد أحاطت بقارة أوروبا إحاطة السوار بالمعصم ومنها دولتكم الضئيلة الكئيبة ومن لم يستطع مكافحة شرذمة من جنودها وهي على مقربة ساعة منه كيف يتجارى على حروب الملايين من تلك الأسود الضارية التي شهدت بنجدتها الآفاق وملأت شهرتها السبع الطباق وإن كنتم عالمين بعجزكم وعدم قدرتكم فارجعوا بخفي حنين واقنعوا من الغنيمة بالإياب وصفوة القول أننا نعلم أن لكم بلاداً واسعة وشعوباً جائعة وكلاهما في حاجة إلى التهذيب والإصلاح وسد الرمق بالشرور والسفاح فالواجب عليكم أن تصرفوا همتكم في إصلاح قومكم واستثمار أراضيكم وافتحوا لهم أبواب خزائن الذهب الذي توعدوننا بفتحها من البحران ذلك أولى بكم من تعديكم على حقوق الغير وإن كنتم لم تصلحوا قومكم وهم من جنسكم ودينكم فكيف يتأتى لكم إصلاح قوم لا تجمعكم بهم صفة من الصفات ولا جامعة من الجامعات وهب أن الطلياني خلق من الذهب ونحن خلقنا من التراب وأنه يمشي على رأسه في السماء ونحن نمشي على أرجلنا في الأرض فماذا يريد منا إذا رفضنا معاملته وقمنا بطرده كما نطرد الهوام ولم لم يصرف مواهبه في بلاده ويجعل براكينها تقذف ذهباً وأرضها تنبت تبراً وسماءها تمطر درّاً بدلاً من أن يجوب القفار ويجوس خلال الديار الأبلغ ملك إيطاليا بأن الزوايا السنوسية هي أكبر معضد للدولة العلية لارتباطها بمقام الخلافة الإسلامية وأن مشايخها هم قادة الجيوش وهم القائمون بنصرة الدين وجمع أفئدة المجاهدين وأنهم ليسوا في حاجة إلى معاونتكم وما العشائر والقبائل إلا مهتدية بهديهم ومستنيرة بنورهم ومرتبطة بهم فالزوايا هي مهبط التجليات الإلهية ومحط رحال وفود الأمة الإسلامية ومدارس مكارم الأخلاق الدينية والآداب الفطرية ومجمع الشعوب البدوية فهم يغشونها بالعشي والبكور كما تغشى ملائكة الله البيت المعمور فليخسأ علم الطليان المثلث الألوان الذي هو علامة الشرك

والكفر والطغيان ولتسقط إيطاليا دولة اللصوص والقرصان ولتحي الدولة العلية مدى الزمان دولة آل عثمان. تحريراً في يوم الجمعة 12 ربيع الأول سنة 1330 هجرية الموافق 12 مارت سنة 1912 إفرنكيه. عموم عربان إفريقية الإسلامية سكان البوادي والبلدان

الخطب الجلل

الخطب الجلل (إنا لله وإنا إليه راجعون) فاجئتنا الحوادث في هذه الآونة بخطب أليم وبلاء عظيم، وبلية سالت منها الدموع، وخفقت لها القلوب. فاجئتنا بموت إمام العلماء، ورأس الأتقياء رجل العلم والعمل، والأدب والفضل، والورع والزاهد والنبل، الأستاذ الجليل الشيخ محمد المبارك الحسني الجزائري كما فاجئتنا لموت سليل العلم والفضل من اشتهر شرف نسبه اشتهار الشمس في رابعة النهار وسار فضل عشيرته مسير الأمثال، حتى وافتهم الوفود للأخذ عنهم من كل أوب وصوب الشيخ سليم أفندي الكزبري تغمدهما الله تعالى برحمته وعمهما بفضله وأحسن عزاء لهما؛ وعوض المسلمين عنهما خيراً. اعتذار لدينا كتب وجرائد ومجلات أرسل بها أربابها إلينا فتأخر الكلام عليها فمعذرة من أصحابها وسلفاً نقدم لهم الشكر وموعدنا بإيفائها حقها من تقريظ أو انتقاد في الأعداد الآتية إن شاء الله تعالى. جمعية التعاون الخيري بلغنا أن ستصدر هذه الجمعية برنامج سنتها الثانية موضحة فيه جميع ما قامت به من الأعمال الجليلة من خدمة الفقراء وتسفير الغرباء وتعيين رواتب للعجزة والمقعدين وإحياء العلم بوضع أولادٍ محاويج في المدارس على نفقتها مع بيان أسماء جماعة من أهل الغيرة والحمية ممن عرفوا بالشهامة والإحسان عملوا معها في هذا الخير ومقدار أسهمهم الشهرية فنستدر أيدي أهل البر والحنان لمؤازرتها ونشكر حضرة أعضائها المحترمين وكلّ من طابت نفسه فعمل على صد هجمات الشقاء عن أولئك المساكين الفقراء.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 16 معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري بسنده إلى يزيد بن عبيد الله قال رأَيت أثر ضربة بساق سلمة قلت يا أبا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة أصابتها يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم ما رواه الإمام أحمد بإسناد جيد والحاكم والترمذي وصححاه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه وقال ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي فقال الراعي (ياعجباً ذئب مقع على ذنبه يكلمني بكلام الأنس) فقال الذئب (ألا أخبرك بأعجب من ذلك (محمد) بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق) قال فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر عليه الصلاة والسلام فنودي بالصلاة جامعة ثم خرج فقال للأعرابي أخبرهم فأخبرهم ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير الطعام القليل والماء ببركته ودعائه صلى الله عليه وسلم) فمن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر الأنصاري رضي الله عنه في غزوة الخندق قال انكفأت إلى امرأتي فقلت هل عندك شيء فإني رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصاً (جوعاً) شديداً فأخرجت جراباً فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن (سمينة) فذبحتها وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة (القِدْر) ثم جئت النبي عليه الصلاة والسلام فساررته فقلت يارسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطنا صاعاً من شعير فتعال أنت ونفر معك فصاح عليه الصلاة والسلام يا أهل الخندق إن جابراً صنع سؤراً (طعاماً) فحيهلا بكم (هلموا مسرعين) فقال عليه الصلاة والسلام لا تُنزلن برمتكم ولا يخبزن عجينكم حتى أجيء ثم جاء صلى الله عليه وسلم فأخرجت له عجيناً فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال (أي لامرأة جابر) ادعي خابزة فلتخبز معك واقدحي (اغرفي) من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم جابر رضي

الله عنه لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتِغطّ (تغلي) وإن عجيننا ليخبز. وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهُ قال لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله ادعهم بفضل أزوادهم ثم أدعو الله تعالى لهم عليها بالبركة فقال نعم فدعا بنطع (بساط) فبسط ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيءُ بكف ذرة ويجيءُ الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع شيءٌ يسير فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال خذوا خذوا في أوعيتكم فأخذوا غي أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤه قال فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍ فيحجز عن الجنة. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري في غزوة الحديبة من حديث المسور بن مخرمة أنهم نزلوا بأقصى الحديبية على ثمد (الماء القليل يتبرضه الناس تبرضاً أي يأخذونه قليلاً قليلاً) فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله مازال يجيش (يفور ماؤه ويرتفع) لهم بالري حتى صدروا عنه. وأخرج البهقي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لعمر بن الخطاب حدثنا عن ساعة العسرة قال عمر رضي الله عنه خرجنا إلى تبوك في قيظ (حر شديد) فنزلنا منزلاً أصابنا عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى إن كل رجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله إن الله تعالى قد دعوك في الدعاء خيراً فادع الله لنا قال أتحبون ذلك قال نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماءُ (أي أقبلت السحاب) فانسكبت فلمؤا ما معهم من آنية ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها تجاوز العسكر. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم انقياد الحيوانات المستعصية إليه فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي بإسناد جيد ورجاله ثقات كما قال المنذري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه أي (يسقون عليه) وأنه اُستصعب عليهم

فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أنهُ كان لنا جمل نسني عليهِ وأنهُ استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش النخل فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه قوموا فقاموا ودخل الحائط (البستان) والجمل في ناحية فمشى صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار يا رسول الله قد صار مثل الكلب الَلِب وإنا نخاف عليك صولته فقال عليه الصلاة والسلام ليس علي منهُ بأس فلما نزر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجداً بين يديه فأخذ عليه الصلاة والسلام بناصيته أذل ماكان قط حتى أدخله في العمل فقال له أصحابه يارسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك فقال صلى الله عليه وسلم لا يصلح بشر أن يسجد لبشر لو صلح بشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها. وروى الدرامي عن ابن عباس رضي الله عنهما والإمام أحمد والبيهقي كما في شرح الشفاء للخفاجي أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابني به جنون وإنه ليأخذه عن غدائنا وعشائنا فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فثع ثعة وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى وكذلك روى مسلم عن إياس بن سلمة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أين علي ابن أبي طالب فقالوا إنه يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلني النبي فجئت به أقوده أرمد فبصق في عينيه فبرأَ وعند الطبراني عن علي رضي الله عنه ف فما اشتكيتها حتى الساعة قال ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أذهب عنه الحر والقر قال فما اشتكيتهما حتى يومي إلى غير ذلك مما أظهره سبحانهُ وتعالى على يده صلى الله عليه وسلم من المعجزات الباهرات والآيات البينات الدالة على صدق نبوته وتحقيق رسالته مما لو بالغ الإنسان في إحصائه لعجز عن استقصائه أو أجهد نفسهُ في حصره لفني المدى في ذكره ومن تصفح الأخبار وتتبع الآثار وجد من ذلك العجب العجاب ويرحم الله البوصيري حيث قال: وكل آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم فإنهُ شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظلم والمعنى أن كل معجزة أتى بها كل واحد من الرسل عليهم الصلاة والسلام فإنما اتصلت بهِ من نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ هو إمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين

والرحمة العظمى للعالمين صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين. يتبع

باب المراسلة

باب المراسلة ننشر في هذا الباب ما يرد إلينا من أفاضل العلماء والكتاب من الأبحاث العلمية والأدبية مما يتفق مع مبدأ المجلة تاركين العهدة فيه على أصحابه وربما انتقدناه بعد نشره كما أنا نقبل الانتقاد عليه لغيرنا. الحجاب الشرعي سأل بعض علماء بيروت حضرة الأستاذ العالم العلامة مفتي الديار البيروتية عن الحجاب الشرعي في الإسلام وصفته بسؤال هذا نصه: السؤال. ما هو الحجاب الشرعي وصفته أفتونا مأجورين. الجواب. الحمد لله وحده الحجاب الشرعي ستر الوجه والبدن كله وملازمة المرأة خدرها إلا لضرورة توجب الخروج وصفة هذا الحجاب أن تغطي الرأس والوجه بجزء من الجلباب مع إرخاء الباقي على بقية البدن قال الله تعالى يا آيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وقال تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية قال البيضاوي (يدنين عليهن من جلابيهن) يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة. ومن للتبعيض فإن المرأة ترخي بعض جلبابها على وجهها وتلتحف ببعض وقال الخازن قال ابن عباس أمر نساءَ المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجهوهن بالجلاليب ليعلم أنهن حرائر والجلباب مل ما تستر به المرأة من ملاءة وكساء وغيره والخطاب في قوله تعالى وقرن في بيوتكن لأمهات المؤمنين ونساء الأمة تابعات لهن فيه. وقال الألوسي في تفسيره روح المعاني والمراد أمرهن رضي الله عنهن بملازمة البيوت وهو أمر مطلوب من سائر النساء والتبرج هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال والتبختر في المشي والمعنى ولا تبرجن تبرجاً مثل تبرج النساء في الجاهلية وهن نساء المشركين قبل الإسلام أي إذا خرجتن من بيوتكن لا تمشين مشية هؤلاء المبتذلات ولا تفعلن فعلهن والحاصل أن حقيقة الحجاب الشرعي أن تلتحف المرأة برداء يسترها من رأسها إلى قدميها بدون أن يصف شيئاً من أعضائها وأما الحجاب المستعمل الآن فمنهُ ما

هو موافق للشرع الشريف ومنه ما هو مخالف له فالموافق هو التستر بالجلابيب الواسعة ولم لم يشبه الحجاب الذي كان في صدر الإسلام من كل وجه لأن مقصد الشارع ستر الوجه والجسم لدرء المفاسد لا تعيين رداء مخصوص أو هيئة معلومة. وأجدرها بالاعتبار الجلالبيب السود لأن فيها تشبهاً بنساء الأنصار الكرام فقد أخرج عبد الرزاق وجماعة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت لما نزلت هذه الآية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود. والمخالف للشرع ما كان منها ضيقاً يصف الجسم ويمثل حجم الأعضاء وكذا المناديل الرقيقة التي توضع على الوجه ومنها الفيشة القصيرة التي لا تستر العنق ولا تغطي جميع الوجه وكل ذلك من التبرج الذي عظمت مفسدتُه وتحققت مضرته ولذا نهى الله عنه حتى نهى المرأة أن تضرب الأرض برجلها ليعلم الرجال ما تخفي من زينتها فقال جل جلاله ليعلم ما يخفين من زينتهن وكانت المرأة في الجاهلية تفعل ذلك إذا مشت ليسمع صوت خلخالها أو يتبين للرجال الأجانب. ومثل ذلك ما لو تحركت بحركة لتظهر لهم الأساور التي بيدها كما يقع في هذا الزمان من ربات البلورينات الضيقة أو لبست بلوريناً قصير الأكمام لتبدي يديها أي ذراعيها فإنه داخل تحت هذا النهي أيضاً وهو لا يليق بالحرة العاقلة العفيفة. وبالجملة فإن المرأة لا يجوز لها أن تظهر ما خفي من زينتها كالسوار في المعصم والقرط في الأذن والقلادة في العنق والصدر ولا يجوز النظر إلى هذه المواضع ونحوها إلا للمحارم لقوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن الآية وقد قال العلامة الألوسي ثم أعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن ويتسترن بهِ إذا خرجن من بيوتهن وهو غطاء أي كساء منسوج من حرير ذي عدة ألوان وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العقول. وأرى أن تمكين أزواجهن لهن من الخروج بذلك ومشيهن بين الأجانب من قلة الغيرة وقد عمت البلوى بذلك. وفي كتاب الزواجر لابن حجر قال الذهبي ومن الأفعال التي تلعن المرأة عليها إظهار زينته كذهب أو لؤلؤ من تحت نقابها وتطيبها بطيب كمسك أو عطر إذا خرجت وكذا لبسها عند خروجها كل ما يؤدي إلى التبرج الذي يمقت الله تعالى عليه فاعله في الدنيا والآخرة. أهـ ولقد أحسن

مولانا شيخ الإسلام زاد الله في إحسانه بنشر بلاغِه الكريم الذي حض بهِ النساء على رعاية الحجاب وعلمهن آداب الدين ومكارم الأخلاق فعليهن أن يحفظن وصاياه الشريفة ويحافظن على ما يرضي الله تعالى ليفزن بسعادة الدارين وعلى أزواجهن وأوليائهن أن يعظوهن ويعتنوا بنصحهن ولا يوافقوهن على ما نهى الله عنهُ لأنهم مسؤولون عنهن بحكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وأهل المرء من جملة رعيتهِ فهو مسؤول عنهم لأن الله تعالى أمره أن يحرص على وقايتهم من النار بقولهِ تعالى قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وهو سبحانه الموافق فنسألهُ التوفيق والهداية إلى طريق الصواب في ظل الدولة العلية أيدها اللهُ بنصره آمين. مصطفى نجا مفتي بيروت

تحقيق الكلام في وجوب القيام

تحقيق الكلام في وجوب القيام وجاءنا من العلامة الأوحد الأستاذ صاحب الإمضاء هذه الرسالة ننشرها بحروفها لما فيها من الفائدة قال حفظه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وتابعيه ومن أحبه وبعد فيقول أضعف الخلق على الإطلاق محمد ابن العلامة المرحوم الشيخ قاسم الحلاق الدمشقي الشهير بالقاسمي قد التمس مني بعض الأحبة، الصادق في المحبة، أن أحرر رسالة صغيرة الحجم؛ قريبة إلى الفهم، أكشف فيها اللثام، عما توهمه عبارة العلامة ابن حجر من بدعة القيام عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام فأجبته لمطلوبه، وحررتها طبق مرغوبه مع قلة البضاعة، وعدم كوني من فرسان هذه الصناعة، وسميتها تحقيق الكلام في وجوب القيام أثناء تلاوة قصة مولده حين وضعه عليه الصلاة والسلام (ثم إني) اطلعت في هذه الأيام على مقالة في الجزء السادس من المجلد الثاني من مجلة (الحقائق) الغراء عنوانها (استحباب القيام عند ذكر ولادته عليه الصلاة والسلام) لصديقنا الفاضل ووطنينا العالم الكامل الشيخ محمود العطار فألفيته قد أجاد بكتابه وأفاد، وحصل بها غاية المراد بيد أنه قد شطح قلمه فحكم على عبارة العلامة ابن حجر بأنها هفوة منه ولم يدقق النظر في مرماها وقد قالوا أن لعبارات العلماء في كتبهم غوامض لا يكشفها إلا التلقي من أفواه الشيوخ أو إمعان النظر في مسلكها فإن من سننهم ذكر لفظ مطلقاً في محل ومقيّداً في آخر ومجملاً في محل ومبيناً في آخر تأسيّاً بالكتاب العزيز واعتماداً على القيود المخصصة فربما يسهو القارئ عن تلك فيأخذ الحكم من المطلق غافلاً عن قيده وكذلك المجمل فيأخذه بإجماله ساهياً عن بيانه وهناك الخطأ ومنه يؤتى. ولذا ورد عن بعض السلف (الفهم الفهم فيما أدلى إليك الخ فقصدت أن أزيد شيئاً نزراً في المقام وأحذف بعضاً بقدر الإمكان ليتبين الحال والشأن وبحوله تعالى وقوته المستعان وعليه التكلان آمين (أقول) حاصل ما ذكره العلامة في فتاواه الحديثية أنه سئل فيها عما صورته (روي في التفسير أنه لما نزل أتى أمر الله وثب النبي صلى الله عليه وسلم فهل لنا إذا قرأناه أن نقوم أولاً الخ (فأجاب) بما

حاصله أنه صلى الله عليه وسلم لم يثب إلا فزعاً من سماع قول أتى أمر الله وأنه لم يثب تشريعاً لأمته ليفعلوا مثل ما فعله وإن ذلك السبب زال بنزول فلا تستعجلوه وإن الوقوف بعد قراءَتها غير سنة إلى أن قال ففعل ذلك الآن بدعة لا ينبغي فعلها أو ارتكابها لإيهام العامة ندبها ونظير ذلك فعل كثير عند ذكر ولادته ومولده صلى الله عليه وسلم ووضع أمه له من القيام وهو أيضاً بدعة لم يرد فيها شيء على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيماً له صلى الله عليه وسلم فالعوام معذورون لذلك بخلاف الخواص والله تعالى أعلم بالصواب) أهـ المراد منه. والكلام في ذلك في فصول الفصل الأول في بيان البدعة وبيان المراد منها هنا على سبيل الاختصار ليزيل الوهم والإبهام حيث أنه قد ظهر قوم ممن لا خلاق لهم يكرهون القيام عند ذكر الوضع المتقدم ويتمسكون بظاهر ما ذكره العلامة المذكور من بدعة القيام فقلت لا يغتر بذلك الظاهر لأن لفظ البدعة لفظ مجمل وهو لغة المبهم واصطلاحاً له حدود منها قولهم ما دل دلالة لا يتعين المراد منها إلا بمعين ومنها قولهم ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه المراد اشتباهاً لا يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى الاستفسار الخ ومنها قولهم مالم تتضح دلالته وكلها لا تخلو عن إيراد عليها وأولاها أولها وحكم التوقف فيه فلا يعمل به ولا يستفاد منه حكم مالم يأت البيان وهو لغة الإيضاح ورفع الاشتباه واصطلاحاً إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي وقد رفع الاشتباه رحمه الله ببيانه وإن تأخر لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة أو إلى وقت الفعل جائز واقع عند الجمهور كما في الجوامع فلا لوم على العلامة المذكور في ذكر الإجمال هنا لنقله إياه أي البيان بعد ورقات من فتاواه المذكورة عن العز ابن عبد السلام رحمهما الله تعالى قال هناك ما حاصله بدعة فعل مالم يعهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتنقسم إلى خمسة أحكام يعني الوجوب والندب الخ أي والحرام والمكروه والمباح قال وطريق معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشرع الشريف فأي حكم دخلت فيه فهي منه فمن البدع الواجبة تعلم النحو الذي يفهم به القرآن والسنة وذكر هناك بقية الأمثلة فليراجعها من أراد إلى أن قال وفي الحديث كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وهو محمول على المحرمة لا غير أهـ وفي شرح القاموس تحت مادة بدع مالفظه وقال ابن السكيت البدعة كل محدثة وفي حديث قيام

رمضان نعمت البدعة هذه وقال ابن الأثير البدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله بهِ ورسوله فهو في حيز الذم والإنكار وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأمثال المحمودة ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً فقال من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها وقال في ضده ومن سن سنة سيئة كان عليهِ وزرها ووزر من عمل بها وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله قال ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه ولما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم وإنما صلاها ليالي ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها ولا كانت في زمن أبي بكر رضي الله عنه وإنما عمر جمع الناس عليها وندبهم إليها فبهذا سماها بدعة وهي على الحقيقة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وقوله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وعلي هذا التأويل يحمل الحديث الآخر كل محدثة بدعة إنما يريد ما خالف أصل الشريعة ولم يوافق السنة وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفاً في الذم أهـ فتبين من الحديث المذكور أن لفظ سنة حسنة فيه عام يتناول الواجب والمستحب كما أن لفظ سنة سيئة كذلك يتناول الحرام والمكروه كل ذلك ما لم تقم قرينة على التخصيص كما هو معلوم إذا عرف هذا فالبدعة المبحوث عنها لا تخلو إما أن تكون حسنة أو سيئة أما الثانية فلا سبيل إليها هنا بل لا تكاد تخطر في مخيلة أحد ممن قلبه مثقال حبة من خردل من محبته صلى الله عليه وسلم وأما الأولى فهي وإن كان لفظها عاماً كما تقدم فقد قامت قرينة معينة دالة على الوجوب وهي العلة التي هي التعظيم الذي هو مناط الحكم فيتأمل. ولا يذهب عليك قولهم بدعة حسنة أو مستحسنة أو بدعة هدى أو نحو ذلك أنه خاص بالمستحب كما قد توهم بل يشمله والواجب أيضاً لأن كلاً منهما متصف بالاستحسان كما أن قولهم بدعة سيئة أو غير مستحسنة يشمل الحرام والمكروه لأن كلا منهما لا استحسان فيه البتة فلينتبه له. وبه تعلم أن الاستحسان الواقع في كلام الشيخ البرزنجي في مولده الشهير (هذا وقد استحسن القيام) الخ خاص بالوجوب لتعينه بالقرينة

التي ذكرها فيه من التعظيم وهي العلة المتقدمة بعينها فليتأمل. وإذا ركب دليل مما تقدم من الشكل الأول ينتج المدعى ونظمه أن يقال إن القيام عند ذكر وضعه الشريف مشعر بتعظيمه ومحبته وحفظ الأدب معه وكل ما كان كذلك فهو واجب فالقيام حينئذ واجب وهو المطلوب لأنه يلزم من صحة الملزوم صحة اللازم هذا وقد وافقنا صديقنا المذكور في صغرى الشكل المتقدم وفي كبراه أي في أن القيام للتعظيم وأن التعظيم واجب بل قال أنه فرض في مواضع من مقالته منها عند قوله تعالى (لتؤمنن به الآية) فقال ما لفظه فقد فرض علينا تعظيمه الخ ومنها بعد كلمات ومن أراد بسط الكلام على وجوب تعظيمه) الخ وفي أواخرها مثل ذلك. ومنها أثناء كلام لهُ ما نصهُ (على أنا نجعلهُ أي القيام فرداً من أفراد التعظيم الذي كلفنا به عموماً فحينئذ يدخل تحت الأمر فيكون من باب دلالة (النص) الخ قلت أو يقال أن الأخذ بالعلة المنصوصة من الأخذ بالنص فليتأمل. فتبين من قوله كلفنا الخ أن التكليف لا يكون إلا بالواجبات ومن قوله من باب دلالة النص الخ أن العام يوجب الحكم فيما يتناوله قطعاً عند السادة الحنفية وظناً عند السادة الشافعية لاحتمال التخصيص فليتأمل وخالفنا في النتيجة حيث أثبت هناك استحباب القيام كما مر وأنت تعلم أن من جزم بأن القيام للتعظيم وأنه واجب لزمه القول بوجوب القيام من حيث لا يدري لأنهم أجمعوا على أنه متى سلمت الصغرى والكبرى عند الخصم سلمت النتيجة لزوماً شاء أو أبى وحينئذ ينتج الوجوب لا غير كما لا يخفى على من له أدنى تدرب في فني النظر والمناظرة. (فصل في الإيرادات التي وردت على هذا الشكل من بعض أهل العلم حفظهم الله تعالى) الأول ما لفظه فإن قيل لا نسلم الصغرى فإن القيم ليس من شعائر التعظيم في الشرع ولذا لم يثبت عن الصحابة أنهم كانوا يقومون لمجيئه صلى الله عليه وسلم ولو سلم أنه من شعائر التعظيم فلا نسلم أنه عند الوضع فقط بل عند ذكر اسمه الشريف وعند قراءَة حديثه وعند سيرته وهلم جرا فيلزم القيام في سائر هذه الأحوال واللازم باطل أهـ والجواب إن القيام في المولد بالقيود الآتية قد صار في هذه الأزمان من شعار التعظيم بكفر من لم يقم عند قيام الناس كما سيأتي وكذلك صديقنا نقل في مقالته عن الدر وغيره بأنه يجب إلحاق الاستهزاء والاستخفاف به (أي الشتم) أي في كون كل منهما يوجب الكفر والقتل حداً

فلينظر. لا سيما وقد اعتاد الناس فيها أي في هذه الأزمان قيام بعضهم لبعض تعظيماً لهم واحتراماً لشأنهم فإذا تركوا القيام له صلى الله عليه وسلم حينئذ وهو أحق بالقيام حيث يجب من احترامه وتعظيمه ملا يجب لغيره فليتأمل. بخلاف القيام عند ذكر اسمه الشريف وعند ذكر حديثه وسيرته وهلم جرا فلا يجب ولا يستحب فعل ذلك لأنه لم يستحسن عند الناس ولا اعتادوه لا في هذه الأزمان ولا في الأزمان السابقة كما هو معلوم فلم يصر من شعار التعظيم إلى الآن ولو فرضنا أنه صار من الشعار المذكور كما في المولد الذي نحن بصدده لأوجبناه أيضاً حيث أن الحكم يدور مع علته كما لا يخفى على من له أدنى إحاطة من العلم في مدارك الأحكام المشروعة إذا تقرر هذا لديك علمت أن القيام في المولد مع كونه صار من شعار التعظيم كما سلف قد صار من الأفعال المشروعة المحمودة المستحسنة أيضاً بل هو من أحمدها وأحسنها وحينئذ فلا يجوز أن يكون خلاف ما ورد الشرع به وإن لم يثبت عن الصحابة بل وإن لم يوجد في القرون الفاضلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً في الحديث المار حيث أنهُ من السنة الحسنة كما تقدم وبالجملة فمن تأمل هذا الخبر بلب صحيح ووجدان صادق وجده بعمومه وافياً بكل حادثة تحدث وقائماً ببيان كل نازلة تنزل إن حسنة فحسنة وإن سيئة فسيئة فهو أذن من جوامع الكلم التي أُوتيها صلى الله عليه وسلم أي الكلمات الجامعة للمعاني الكثيرة في المباني اليسيرة فلم يشذ عن شرعه الشريف ولفظه المنيف شيٌ مما كان وسيكون مصداقهُ قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) ولا معنى للإكمال كما في حصول المأمول إلا وفاء نصوص الكتاب بما يحتاج إليه الشرع أما بالنص على كل فرد فرد أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة من الكتاب والسنة يؤيد ذلك قوله تعالى (مافرطنا في الكتاب من شيء) وقله تعالى (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) عرفذلك من عرفه وجهله من جهله. (فائدة) الاستدلال بالعمومات جائز ومحتج بها عن الأكثر قبل التخصيص وبعده عن الأكثروني وفي جمع الجوامع وشرحه والعام المخصص قال الأكثر حجة مطلقاً لاستدلال الصحابة به من غير نكير أهـ. وفي حصول المأمول ما لفظه ونحن نعلم بالضرورة أن نسبة اللفظ إلى كل الأقسام على

السوية وإخراج البعض منها بمخصص لا يقتضي إهمال دلالة اللفظ على ما بقي ولا يرفع التعبد به وقد ثبت عن سلف هذه الأمة ومن بعدهم الاستدلال بالعمومات المخصوصة وشاع ذلك وذاع وقد قيل أنه ما من عموم إلا وقد خص وأنه لايوجد عام غير مخصص فلو قلنا أنه غير حجة في مابقي للزم إبطال كل عموم ونحن نعلم أن غالب هذه الشريعة المطهرة إنما تثبت بعمومات أهـ ولنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول ويمكن أن يستأنس له بحديث قوموا لسيدكم أو إلى سيدكم فإن فيه الأمر للمخاطبين بأن يقوموا إلى سيدهم فسيد الكل سيد ولد آدم ولا فخر أولى وأحق من هذا. فإن قيل لم استأنست به ولم تجعله دليلاً لمدعاك قلت أنه لم يصلح للاستدلال به بسبب ما طرقه من الاحتمال فلم ينهض حجة لذلك يعلم ذلك من له أدنى إلمام في هذا الشأن. (الإيراد الثاني) ما مؤداه أن الكبرى غير مسلمة لأن القيام المذكور وإن سلم أنه فيها مشعر بالتعظيم كما تقدم لكن لا نسلم أن كل ما أشعر بالتعظيم يكون فعله واجباً لم لا يجوز أن يكون مستحباً (وجوابه) أن الوجوب هنا مبني على شيئين كما تقدم كونه مشعراً بالتعظيم وكون تركه الآن يعد تهاوناً واستخفافاً به لا بمجرد الإشعار بالتعظيم كما توهم فليتأمل ووجوب القيام هنا مقيد بما إذ تلي المولد على الوجه المعتاد في جميع القرى والبلاد واجتمع الخاص والعام وقاموا لقدومه صلى الله عليه وسلم بذكر ولادته وإظهاراً لتعظيمه فحينئذٍ يجب على كل من حضر القيام لا مطلقاً فلينتبه له وفهم من قوله بالوجوب لذلك أن من تخلف وقتئذٍ فهو آثم بل نقل في مواكب ربيع في مولد النبي الشفيع كفره قال هناك ما لفظه ولعمري إذا لم يقم لقدومه صلى الله عليه وسلم وله التخيل بذكر ولادته فلمن يقام فينبغي تأكده بل أفتى المولى أبو السعود العمادي الحنفي بكفر من يتركه حين يقوم الناس لأشعاره بضد ذلك أهـ أي ضد إظهار التعظيم والفرح به والسرور ثم قال بعد ورقات من كلامه جرت العادة بالعناية بأمر المولد ليلته أو يومه بحيث يقع الاجتماع وإظهار الفرح وإطعام الطعام والإحسان للفقراء وقراءة القرآن والذكر وإنشاد القصائد النبوية والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وقراءة قصة المولد وما اشتمل عليه من كرامته ومعجزاته وذلك وإن لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة من أحسن ما ابتدع كما قاله الإمام أبو شامه والسيوطي والسخاوي وابنا حجر وكثيرون وأول من أحدثه الملك المظفر

صاحب إربل (بكسر الهمزة والموحدة وسكون الراء بينهما) قلعة على مرحلتين من الموصل المتوفى سنة ثلاثين وستمائة فأقره عليه أفاضل العلماء وعامة الصلحاء وكان يطلق عليهم فيه العطايا والخلع السنية ويبالغ فيما يفعله فيه من الخيرات إلى أن قال وأما خبر إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة فالمراد بها فيه ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً لا ما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك كما قاله الشافعي رضي الله عنه ولا مرية أن هذا من الخير الذي لم يخالف ذلك فإنه مع ما فيه من الإحسان للفقراء وتعاهد الجيران والأخوان وأنواع الذكر مشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وشكر الله على ما من به من إيجاده رحمة للعالمين وقد سئل الإمام أبو زرعة عن فعل المولد أمستحب أو مكروه وهل ورد فيه شيء أو فعله من يقتدى به فقال إطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إن انضم لذلك السرور بظهور نور النبوة في هذا الشهر الشريف ولا نعلم ذلك عن السلف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروهاً فكم من بدعة مستحبة بل واجبة أهـ فتبين من قوله فأقره عليه الخ إلى أن ذلك إجماع منهم قال في حصول المأمول (الإجماع المعتبر في فنون العلم إنما هو إجماع أهل ذلك الفن العارفين به دون من عداهم فالمعتبر في الإجماع في المسائل الفقهية قول جميع الفقهاء وفي المسائل الأصولية قول جميع الأصوليين وفي المسائل النحوية قول جميع النحويين ونحو ذلك ومن عدا أهل ذلك الفن هو في حكم العوام فمن اعتبرهم في الإجماع اعتبر غير أهل الفن ومن لا فلا أهـ وتبين أيضاً أن فعل ذلك صار من اتباع سبيل المؤمنين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر المعصومين من اجتماعهم على ضلالة المفروض اتباعهم المحرم مخالفتهم. هذا ومقتضى الاعتبار هو دلالة السنة عليه كما (الإيراد الثالث) ما نصه أن استنباط الأحكام الشرعية من وجوب وغيره لا يصدر إلا عن مجتهد وقد علم مما ذكره المحققون أن الاجتهاد قد انقطع من أعصر لعدم توفر شروطه على أحد فمن أين هذا الوجوب (الجواب) إن المراد به الوجوب البدعي وإن كان شرعياً من طريق آخر كما ستراه لما تقدم أنها أي البدعة تعتريها الأحكام الخمسة فكما أن تعلم النحو وإن لم يرد واجب على كلام العز المتقدم لفهم الكتاب والسنة به كذلك القيام هنا واجب وإن لم يرد لإشعاره بما تقدم من التعظيم والمحبة له عليه الصلاة والسلام وكلاهما بدعة كما علمت

وكونه بدعة لا ينافي كونه شرعياً لانفكاك الجهة فإنه من حيث كونه لم يعهد في عصره عليه الصلاة والسلام ولاعصر الصحابة رضي الله عنهم يسمى بدعة ومن حيث دخوله تحت الأمر كما تقدم عن صديقنا أو من حيث دلالة الخبر السابق عليه وتخصيصه بواسطة القرينة له المارة كما قاله هذا العاجز يقال له شرعي فاندفع الإيراد ببيان المراد وثبت المدعى. (الفصل الثاني) في توجيه عبارة العلامة المذكور وأخذ الحكم منها بحسب فحواها لأنها بظاهرها توهم أن القيام في المولد مثل القيام في الآية من جميع الوجوه والواقع بخلافه كما سيوافيك فقوله (ونظير ذلك) أي قيام المولد نظير قيام الآية في تسمية كل منهما بدعة فقط بدليل قوله وهو أيضاً بدعة الخ فالجامع بينهما مجرد التسمية المذكورة لا إنه نظيره من كل وجه كما ظن بدليل أنه رحمه الله تعالى منع القيام في الآية بتاتاً بقوله (ففعل ذلك الآن بدعة لا ينبغي) الخ وقال في قيام المولد بعد تسميته بدعة (على أن الناس) الخ فاستدرك بهذه العلاوة الدالة على إضراب وإبطال ماقد يتوهم مما سبق من تسمية هذا القيام بدعة أنه محظور أو مكروه فدفعه بها حذراً من ذلك فلينتبه له أي والتحقيق جار على أن فعلهم المذكور ليس إلا للتعظيم ولو لم يكن بين القيامين من الفرق إلا قوله تعظيماً لكفى وقد تقدم أنه واجب فيكون فعلهم واجباً كما علمت ولا أخال أحداً يأباه لأن الحكم في العلة أشد إسترابة إذ يثبت حيثما ثبتت ويوجد أينما وجدت فهي الوصف المؤثر في الحكم كما هو ظاهر فيجب تعليق الحكم به وإليك مثالاً يوضح جميع ما تقدم وذلك كالإسكار في الخمر فإن وجوده فيها علة دالة على تحريمها فإذا زالت بحيث صارت خلاً زال التحريم وحرم تناوله إجماعاً وكذلك ما نحن فيه من التعظيم فإنه علة دالة على وجوب القيام حينئذٍ فتبين بهذا أن العلامة المذكور قائل بالوجوب البتة كصديقنا لا سيما وقد أتى بإنما المفيدة لتقوية الحكم والحصر كما أفاد ذلك في شرحه على الأربعين النووية تحت حديث (إنما الأعمال الخ) فقال هناك ما نصه (إنما) هي لتقوية الحكم الذي في حيزها اتفاقاً ومن ثم وجب أن يكون معلوماً للمخاطب أو منزلاً منزلته ولإفادة الحصر وضعاً على الأصح فيها أهـ وفي حاشية المدابغي عليه ما لفظه (قوله لتقوية الحكم الذي في حيزها) أي لتأكيد الحكم الواقع بعدها وهو هنا حصر

الأعمال الشرعية بالنيات وكمالها أهـ قلت والحكم فيما نحن فيه هنا وجوب الفعل وتأكيده تعظيماً كما مر غير مرة ولما كان هذا الواجب مما يخفى على العوام عذروا فيه لعدم علمهم به لاسيما وهم لم يتفقهوا في الدين أدنى تفقه بل هم يجهلون كثيراً من أصناف الواجبات كبعض شروط الصلاة وأركانها مع كونهم مواظبين على فعلها كثيراً وكذلك غيرها من الشرائع فجهلهم بما هو أخفى من ذلك وأدق أولى وأحرى بل قد خفي على بعض أهل الفضل فضلاً عن المذكورين فمن أين يكون معلوماً لأولئك بخلاف الخواص فلا يقبل عذرهم بعدم علمهم به لأن شأنه مما لا يخفى عليهم حيث يعلمون أن الحكم حاصل عند ثبوت العلة لأجلها إذا تبين هذا علمت أن قوله بل الخواص أحق بتعظيمه الخ غلط على ابن حجر فإن منطوق عبارته يدل على أن التعظيم قد حصل من الجميع بسبب قيامهم وذلك لأن لفظ الناس فيها عام بتناول العوام والخواص معافهم فيه سواء لا إنه حصل من العوام فقط حتى يقال بل الخواص أحق الخ فليتأمل (فائدة) الواجب إذا كان معلوماً بالضرورة أنه من الإسلام لا يقبل عذر العوام بجهله فضلاً عن الخواص إلا إذا كانوا قريبي عهد بالدين أو نشئوا بمحل بعيد عن أهله أما إذا عدم العلم بالشيء عدمه في نفس الأمر كالمدلول إذ لا يلزم من عدم الدليل عدمه للقطع بأن الله تعالى لو لم يخلق العالم الدال على وجوده لم ينتف وجوده وإنما ينتفي العلم به والألزم أن يكون كل ماهو مجهول لنا من الأمور الموجودة في الخارج معدوماً فيه وهو باطل والله تعالى أعلم هذا وقد أوجب الله علينا تعظيمه صلى الله عليه وسلم في غير ما آية قال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) في البيضاوي ما لفظه يصلون على النبي يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه) (يا آيها الذين آمنوا صلوا عليه) اعتنوا أنتم أيضاً فإنكم أولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد أهـ وفي حاشية الخفاجي عليه ما نصه ومعنى الاعتناء بما ذكر أعلاه وإبقاء شريعته وإشاعة جلالته في الدنيا والآخرة وقال الفخر الرازي تحت هذه الآية أيضاً إثناء كلام له ما لفظه (المسألة الرابعة) إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة إلى صلاتنا (نقول) الصلاة عليه ليس لحاجته إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الله عليه وإنما هو لإظهار تعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا على ذلك أهـ وهذه قطرة من بحر وإلا فلا سبيل لنا أن نستوعب الآيات الدالة على ذلك فليتصفح الشفاء ونحوه. ومما يستدل به على وجوب محبته صلى الله عليه

وسلم ما أخرجاه في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله أو النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) قال القاضي هنا إثناء كلام له ما لفظه ومثله القسطلاني ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد وعشيرة ومن لم يعتقد هذا واعتقد ما سواه فليس بمؤمن فلينتبه له. (خاتمة نسئل الله أحسنها) في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والأمر بها قال الله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) الآية قال النووي في أذكاره والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثر من أن تحصى ولكن نشير إلى أحرف من ذلك تنبيهاً على ما سواها وتبركاً بذكرها روينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى عليَّ صلاة الله عليه بها عشراً وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً وروينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة قال الترمذي حديث حسن قال وفي الباب عن عيد الرحمن بن عوف وعامر بنم ربيعة وعمار وأبي طلحة وأنس وأبي ابن كعب رضي الله عنهم ورورينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أم من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي فقالوا يارسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال يقول بليت قال إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء قلت أرمت بفتح الراء وإسكان الميم وفتح المثناة قال الخطابي أصله أرممت فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة بعض العرب كما قالوا أظلت أفعل كذا أي أظللت في نظائره لذلك وقال غيره إنما هو أرمت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء أي أرمت العظام وقيل فيه أقوال أخر والله ألم وروينا في سنن أبي داود في آخر كتاب الحج في باب زيارة القبور بالإسناد الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا عليَّ فإن

صلاتكم تبلغني حيث كنتم وروينا فيه أيضاً بإسناد صحيح عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليَّ قال الترمذي حديث حسن أهـ قلت وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم ثلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك وفي لفظ وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد رواه أهل الصحاح والسنن والمسانيد والإمام أحمد في مسنده وغيرهم وفي الصحيحين والسنن الثلاثة عن أبي حميد الساعدي إنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صلِ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا هو اللفظ المشهور وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلِ على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن يكتال بالمكيال إلا وفي إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلِ على محمد النبي وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد رواه الشافعي في مسنده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين آمين. دمشق محمد القاسمي

درس من الشفاء

درس من الشفاء يا أيها الصب المحب لأحمد ... خير الخلائق صفوة الخلاق كن حافظاً لصفاته مستحضراً ... لجنابه إن كنت ذا أشولق وانظر شمائلهُ التي خصت به ... واذكر قديم العهد والميثاق والزم طريقتهُ وتابع شرعه ... تغنم رضى المولى الكريم الباقي هو سيد الرسل الكرام المصطفى ... من جاءنا بالدين والأخلاق وبه لقد جمع الإله جميع ما ... منها تفرق ثم كان الراقي ودنى دنّواً ليس يقدر قدره ... إلا الذي أسرى به ببراق ورأى بعينيه العظيم جلاله ... من غير كيف فوق سبع طباق وبهِ ملائكة السماء تشرفت ... أبداً وقد فازت بخير خلاق فلنا إلهنا من أمة نلنا به ... شرفاً على التقييد والإطلاق هو ذخرنا وعرى محبتنا لقد ... شدت بهِ أبداً بجل وثاق وهو الذي أولى بنا منا وبا ... ب الهنا حاشاه من إغلاق وهو الوحيد بفضله وبزهده ... وبعدله المنشود في الآفاق وعلمه وبحلمه وبصبره ... وبشكره فرد وذو إنفاق ما رد سائلهُ بلابل دائماً ... يغطي ولا يخشى مع الإملاق فهو الجواد وذو الشجاعة والحيا ... والعفو والإحسان والإرفاق ذو عفة ومروءة وتواضع ... بالبشر يبدا من يرى ويلاقي ووقاره وجلالهُ وجمالهُ ... وكمالهً يدريه ذو الأذواق من شاهدت عيناه أنواراً له ... وسقاه من يده فنعم الساقي فله أحبوا دأبكم فنحبه ... ينجو بهِ يا أخوتي ورفاقي وعليه صلوا ثم دوماً سلموا ... يلحظكم عند التفاف الساقي

الانتصار للإمام ابن حجر

الانتصار للإمام ابن حجر جاءنا من حضرة العلامة المدقق المحقق صاحب الإمضاء ما يأتي في حاشية الفتاوى الحديثية المطبوعة للإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في صحيفة 60 (مطلب في أن القيام في أثناء مولده الشريف بدعة لا ينبغي فعلها) إن الإمام المذكور رحمه الله تعالى ذكر في الفتاوى المذكورة جواباً عن سؤال صورته (روي في التفسير أنه لما نزل (أتى أمر الله) وثب النبي صلى الله عليه وسلم وسمعنا من أفواه بعض الناس قام النبي صلى الله عليه وسلم فهل يسن لنا إذا قرأناه أن نقوم أو لا فإن قلتم نعم فهل يختص بالقارئ أو يشمل المستمع وإن قلتم لا فهل يمنع من ذلك أو لا فأجاب رحمه الله تعالى عن هذا السؤال جواباً أسهب فيه ثم قال في آخره (فدل على أن فعله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم إنما كان لسبب وهو فزعه صلى الله عليه وسلم من حلول العذاب بقومه وقد زال السبب المذكور وحينئذ فعل ذلك الآن بدعة لا ينبغي ارتكابها لإيهام العامة ندبها أهـ ثم زيل هذا الجواب بقوله (ونظير ذلك فعل كثير عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ووضع أمه له من القيام وهو أيضاً بدعة لم يرد فيه شيء على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيماً له صلى الله عليه وسلم فالعوام معذورون لذلك بخلاف الخواص) أهـ فقوله رحمه الله تعالى على أن الناس استدراك وإضراب إبطالي عما يتوهم من قوله (وهو أيضاً بدعة لم يرد فيه شيء) لأن لفظ على هنا للاستدراك والإضراب الإبطالي ونظيره قولهم (فلا لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله) ولمجيء على لهذا المعنى شواهد كثيرة لا نطيل بذكرها فمعنى كلام الإمام المذكور رحمه الله تعالى لكن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيماً له صلى الله عليه وسلم وتعظيمه واحترامه وإجلاله ومحبته وإظهار الفرح والسرور به صلى الله عليه وسلم لا يشك ذو دين في طلبها والحث عليها وفعلها والقيام بها بأي طريق من طرقها وقوله رحمه الله تعالى (فالعوام معذورون لذلك) أي العوام معذورون في تركهم القيام من حيث أنه بدعة لم يرد فيه شيء بخصوصه وإن كان مطلوباً من جهة أخرى ولخلو أذهانهم عن طلب تعظيمه صلى الله عليه وسلم وعن كون نفس القيام فيه تعظيم له صلى الله عليه وسلم بمعنى أن تركهم القيام عند ذكر وضع أمه له صلى الله عليه وسلم يحمل على ذلك وقولهُ رحمهُ الله تعالى (بخلاف الخواص) أي الخواص غير معذورين في تركهم القيام إذ ذاك لعلمهم بطلب تعظميهِ صلى الله عليه وسلم

طلباً مؤكداً وملاحظتهم التعظيم حال القيام المطلوب بأي طريق من طرقهِ هذا حل ومحمل كلام الإمام رحمهُ الله ومما يؤكد هذا أي كون الإمام ابن حجر قائل بندب القيام ما نقله صاحب السيرة الحلبية عنه في آخر باب تسميته صلى الله عليه وسلم محمداً وأحمد حيث قال ما نصهُ وقد قال ابن حجر الهيتمي والحاصل أن البدعة الحسنة متفق على ندبها وعمل المولد واجتماع الناس له كذلك أي بدعة حسنة أهـ ومن ثم قال الإمام أبو شامة شيخ النووي رحمهما الله تعالى ومن أحسن ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعل ذلك وشكر الله تعالى ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم هذا كلامه أهـ وعليه يلزم حمل كلامه في فتاواه الحديثية كما بيناه سابقاً فلا ينبغي أن يغتر بالفهرسة الموضوعة للفتاوى وهي قوله (مطلب في أن القيام في أثناء مولده الشريف بدعة لا ينبغي فعلها). وذلك لأنهُ رحمهُ الله تعالى لم يفهرس فتاواه المذكورة ولا وضع على حاشيتها المطالب وإنما فهرسها ووضع المطالب على حاشيتها من سعى بطبعها وباشر تصحيحها فحينئذ يقال أن المفهرس واضع المطالب لم يمعن النظر في كلام الإمام المذكور فحمله على غير محمله وحله على غير مراده واغتر بعنوانهِ أيضاً من لم يتأمل ويمعن النظر في كلامهِ رحمهُ الله تعالى فنسب هذه الفرية إلى الإمام المذكور وجعلها دليلاً لرأيهِ الفاسد وفعله الزائغ الكاسد وتبعهُ من وجه الاعتراض على الإمام المذكور البريء من ذلك وأمثاله فعلى كل من اطلع على الفتاوى المذكورة المطبوعة أن لا يغتر بذلك العنوان وأن يمعن النظر في التوضيح والبيان نسألهُ تعالى أن يمن علينا بالتوفيق والإحسان آمين. دمشق أحمد الجوبري بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الحكيم اللطيف السميع البصير يخلق ما يشاء وهو على كل شيءٍ قدير، والصلاة والسلام على حبيبه البشير النذير، الشافع المشفع السراج المنير، وعلى آله المبشرين

بذهاب الرجس والتطهير وأصحابه العظام الكرام الفائزين بالفوز الكبير أما بعد فهذا فتح من الله الحميد المجيد في حكم خبر ما حدث من سلك الحديد أسأل الله تبارك وتعالى فيه القبول الحسن والتوفيق للصواب وأن يحفظني عن الخطأ والاضطراب بجاه حبيبه المصطفى وآله الكرام عليه وعليهم ألف ألف صلاة وسلام. المبحوث في هذا المقام أن السلك المعلوم هل يفيد خبره علماً أو ظناً وهل يثبت ما يثبت بخبر العدلين أو عدل فهل يجوز الإفطار والصوم في رمضان بناء عليه وهل يجوز لامرأة أخبرت في هذا السلك بموت زوجها أو بطلاقه إياها أن تتزوج بعد مضي العدة * فقال العبد الفقير مستعيناً بالله العليم الخبير ومستفتحاً أبواب فضله وهو الفتاح القدير أن أسباب العلم والظن ثلاثة العقل والحس السليم والخبر الصادق فالأول يفيد إذا كانت مقدمات الدليل قطعية ويفيد الظن إذا كانت ظنية والثاني يفيد العلم إذا كان الإحساس تاماً كاملاً لا اشتباه فيه وإلا فيفيد الظن والثالث إن كان متواتراً فيفيد العلم وإلا فيفيد الظن على حسب مراتب أخبار الآحاد لأن الظن مشكك بتفاوت مراتبه ثم الخبر على قسمين نطقاً وكتابةً ولذا اشتهر أن القلم أحد اللسانين والخبر المتواتر لا يبحث فيه عن عدالة المخبرين وإسلامهم وغيره يقبل من العدول ويرد من غيره ولو كان مستوراً إلا في بعض الأمور كما سيجيء التنبيه عليه إن شاء الله تعالى وما روي عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في قبول خبر المستور مخصوص بزمانه لكونه من خير القرون وكون الغالب فيهم العدالة وانعكس الأمر بعده فهذا اختلاف عصر وزمان كذا أفاده صدر الشريعة في توضيحه * وقال في الهداية وقال أبو حنيفة رضي الله عنهُ يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة ولا يسأل عن الشهود حتى يطعن الخصم إلا في الحدود والقصاص * وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا بد أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق وقيل هذا اختلاف عصر وزمان والفتوى على قولهما في هذا الزمان أهـ والخبر بالكتابة على أقسام فإن كانت الكتابة مستبينة مرسومة فهو بمنزلة النطق من الغائب والحاضر فإن كان من غائب فلا بد من العلم أو الظن بأن هذه الكتابة كتابتهُ وهذا لا يكون إلا بشهادة العدول لأن الخط يشبه الخط ذكره في الهداية في مواضع * وقال في باب كتاب القاضي إلى القاضي ولا يقبل الكتاب إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأن الكتاب بشبهُ الكتاب فلا يثبت إلا بحجة تامة لأنه

ملزم أي كتاب القاضي ملزم وإن كان من غائب فاسق أو مستور الحال فلا يقبل ولو ثبت الكتاب كتابته فإذا تقرر هذا فينبغي أن ينظر أن السلك المذكور من أي قسم من هذه الأقسام فلا شك أنهُ من قبيل الخبر بالكتابة كأن محرك السلك من المبدأ يكتب بقلم طويل قد غابت يده وطرف الثاني من القلم عند المكتوب إليه ولا يعرفه أيضاً إلا بهذه الكتابة لأنه كتب فيها أنا فلان ابن فلان ولا يعبأ بهذه المعرفة من هذه الكتابة لأن صحة هذه الكتابة موقوفة على استنادها إلى الكاتب العدل وهو بمعرفته فلو توقفت معرفة الكاتب على صحة هذه الكتابة للزم الدور وبطلانه مشهور فيكون خبر السلك من الكتابة التي لا يعلم كاتبها وربما يكون على مبدأ السلك فاسقاً أو نصرانياً أو ملحداً لا يتدين بدين هذا إذا كان المخبر هو الآخذ بنفسه من منتهى السلك والمخبر هو المحرك بنفسه من المبدأ فهذه الكتابة المجهولة لا يثبت بها ما يثبت بخبر العدل أصلاً ومثلها ما كان في الأزمان السابقة من إرسال المكاتيب مربوطة على رجل الحمامة المعلمة لأن الخط يشبه الخط والطير يشبه الطير وأما إذا كان المخبر غير من حرك السلك من المبدأ والمخبر إليه غير من أخذ من المنتهى فزادت الوسائط فيكون إرسال الكتابة على يد مجهول وكاتبه مجهول * فإن قيل قد جربنا في هذا الخبر مطابقة الواقع وتطمئن نفوسنا إليه فلا ظن فوق هذا فيقال لهم قد جربتم المطابقة كثيراً منّا في إخبار الكفار نطقاً من النصارى وغيرهم واطمأنت نفوسكم سيما إذا كان من أهل الحكومة وهم يمتنعون عن الكذب إما لحرمة في دينهم أو لحفظ جاههم فلِمَ لا تجوزون القضاء بشهادتهم على المسلم والحال أن الطمأنينة الحاصلة من القرائن الخارجية لا تكفي لإثبات الحكم الشرعي بل الحكم الشرعي لا يثبت إلا من طريق شرعي عينها الشارع وهو خبر العدل نطقاً أو كتابة فإن قيل قبول خبر العدل نطقاً أو كتابة بعد ثبوت عدالته وكتابته ليس إلا لحصول الظن واطمئنان القلب فإذا كان هذا المعنى موجوداً في خبر السلك فلزم قبوله فالجواب أن هذا توهم من لم يميز بين العلة وحكمتها أو يعلل بالحكمة المحضة من غير وصف عليه مدار الحكم وحكمة العلة غير العلة ولا يجوز التعليل بمحض الحكمة عند المحققين من أهل الأصول فالحكم فيما نحن فيه قبول الخبر والعلة هي العدالة والحكمة التي بها صارت العلة علة هو حصول الظن والاطمئنان فلا يلزم وجود هذا الحكم عند وجود هذه الحكمة ألا ترى أن سيدنا الصديق رضي الله عنه لو شهد وحده في ألأمور التي

تحتاج إلى شهادة عدلين فلا يجوز للقاضي أن يحكم على شهادته إلا أن يكون معهُ عدل آخر ولو شهد عنده عدلان من عوام العدول يجب عليه أن يحكم على شهادتهما والحال أن الظن الحاصل من شهادة الصديق رضي الله عنه يزيد على الظن الحاصل من شهادة جماعة من العدول كما لا يخفى ولو جاز التعليل بالحكمة لجاز هنا وهو خلاف الإجماع وخص من هذا الأمر على خلاف القياس سيدنا خزيمة بن ثابت رضي الله عنهُ لورود النص في حقه وهو قوله صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة فهو حسبهُ رواه ابن حيان في صحيحه ذكره الشيخ المحلي في شرح جمع الجوامع * ومثال آخر في عدم جواز التعليل بمجرد الحكمة أن الأمة اجتمعت على سقوط الأضحية بأنثى المعز فالحكم سقوط الأضحية وعلته ذبح الأنثى من المعز مثلاً وحكمة هذه العلة كثرة اللحم فيه وغلاء الثمن ونفع الفقراء ليكون متقرباً إلى الله تعالى بأحسن أمواله فلو فرضنا وجود هذه الأوصاف في الجذعة من المعز من كونه أسمن كثير اللحم وأغلى من الأنثى لا تسقط به الأضحية بالإجماع فلو جاز التعليل بمجرد الحكمة لجاز في هذا المحل وقد استثني من هذا الحكم سيدنا بردة بن نيار رضي الله عنه على خلاف القياس لورود النص في حقه وهو ما رواه البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه فقال أن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيءٌ عجله لأهله ليس من النسك في شيء فقام رجل هو أبو بردة بن نيار رضي الله عنه فقال يا رسول الله إني ذبحت قبل الصلاة وعندي جذعة خير من مسنة فقال اذبحها ولا تفيءُ عن أحد بعدك أهـ فقوله خير من مسنة كأنه إشارة إلى حكم العلة فما قبلها صلى الله عليه وسلم في حق كل واحد بل رخص له رخصة مخصوصة فهكذا في هذا الأمر وفيه أمثلة كثيرة وفي المذكور كفاية لمن تأمل. ثم الحقيقة أن هذه الطمأنينة إنما هي بسبب الغفلة والذهول عن الاحتمالات العقلية الصحيحة وسبب الذهول هو التعود على الأخذ بهذا الخبر وإلا فيحتمل أن رجلاً أجنبياً من أعداء زيد ابن عمرو يجيء على مبدأ السلك ويسلم الأجرة المعهودة ويقول أنا زيد ابن عمرو وطلقت زوجتي أو يقول أنا من رفقائه وقد مات زيد بن عمرو ليوحش أهله ويفزعهم فمن الذي يعلم هذا؟ ومن الذي يمنع هذا؟ أو هذا الذي على

رأس السلك يكون كافراً من أعداء المسلمين فيقلب الخبر والذي على منتهى السلك يفعل كذلك ومثل هذه الاحتمالات المتعددة المتكثرة التي لا تندفع ولا تضمحل إلا بثبوت العدالة إذا تفكر فيها العاقل لا تبقي أثراً من الطمأنينة التي ذكرت أو لا سيما الذي رأى مثل هذا واقعاً في بعض المرات بعينه فالأمر الذي يحتاج إلى شهادة عدلين كحقوق العباد التي فيها إلزام محض أو شهادة عدل كالأخبار في الديانات كما إذا أخبر أن هذا الماء طاهراً أو هذا اللحم ميتة أو أخبر امرأة أن زوجها طلقها أو مات عنها ففي القسم الأول لا يعبأ بهذا الخبر أصلاً وفي القسم الثاني يجوز الأخذ به بعد التحري لو وافق التحري وإلاَّ فلا لأنه بمنزلة الخبر المستور كما مرَّ أولاً وإنما يعتبر التحري لو كان المحرك على مبدأ السلك والآخذ على منتهاه مسلماً يقيناً إلا أنه مستور العدالة وإلا فإن كان كافراً أو احتمل فلا تحري في إخباره قال صدر الشريعة في التنقيح وشرحه أن أخبر بالديانات الفاسق والمستور يتحرى فيه إما أخبار الصبي أو المعتوه أو الكافر فلا يقبل في الديانات أصلاً فلا يلتفت إلى قولهم ولا تحري فيه * وقال في الهداية لو أن امرأة أخبرها ثقة أن زوجها الغائب مات عنها أو طلقها ثلاثاً أو كان غير ثقة وأتاها من زوجها بكتاب بالطلاق ولا تدري أنهُ كتابه أم لا إلا أن أكبر رأيها أنهُ حق يعني بعد التحري فلا بأس بأن تعتد ثم تتزوج بزوج * وقال صاحب العناية في الحاشية في هذا المقام فإن كان المخبر ثقة لا يحتاج إلى غيره وإن لم يكن لا بد من انضمام التحري أهـ وأما إذا كان المخبر به مما فيه إلزام من وجه دون وده كقول الوكيل وحجر المأذون وفسخ الشركة فعند محمد وأبي يوسف رحمهما الله تعالى هو كما لا إلزام فيه أصلاً فيقبل فيه خبر كل مميز * وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن كان المخبر رسولاً أو وكيلاً من الأصل فنقبل فيه خبر الواحد من غير العدول وإن كان فضولياً فلا بد من العدد أو العدالة على الأصح وقيل لا بد من العدالة ففي القسم الثاني لا يعبأ عند بخبر السلك إلا أن يكون من جهتين مختلفتين فيحصل التعدد فيحتمل القبول وفي القسم الأول وعندهما في القسمين وما لا إلزام فيه أصلاً اتفاقاً كالوكالات والمضاربات والرسالات في الهدية وما أشبه ذلك كالودائع فيحتمل القبول لأنه يعتبر فيه خبر كل مميز ولو كافراً أو صبياً مميزاً كذا في التلويح وإذا كان هذا في خبر السلك فالخبر الحاصل من مكاتيب البوسطة كذلك.

(تنبيه) الخبر العاجل من الساعة المعروفة للوقت ليس من قبيل الخبر الحاصل بالقرائن التي يمكن التبدل والتغير فيها عادة كما كان صلى الله عليه وسلم يقوم لصلاة التهجد إذا سمع الصارخ رواه البخاري وغيره فلا بد أن يضم مع الساعة التحري ويكون صوت الديك هو من آلات التحري ولا يجوز الاعتماد على مجردها لأنها تتبدل وتتغير كما لا يخفى وإذا كانت الساعة صحيحة مجربة وغلب الظن فقد حصل التحري فيعتمد فإن ظهر الخطأ بعده فيعاد الصوم والصلاة ولا إثم على التحري لأنه أتى بما في وسعه كما إذا تحروا في يوم الغيم بلا ساعة بقرائن أخرى فظهر الخطأ فكذلك الحكم وقد وقع مثل هذه في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما روى البخاري عن معمر عن هشام ابن عروة عن أبيه عن أسماء قالت أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام فأمروا بالقضاء قال لا بد من القضاء * وروى الإمام مالك رضي الله عنه في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر في يوم رمضان في يوم غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس فقال الخطب يسير إشارة إلى لزوم القضاء بلا كفارة والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، فهذا آخر ما تيسر في هذا المُطلب الشريف والحمد لله على الإتمام وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد سيد الأنام وعلى آله وصحبه البررة الكرام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التاريخ

التاريخ 10 ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في لذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه 1 هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي (بن كعب بن لؤي) بن غالب بن فهر العدوي القرشي. ولد رضي الله عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وهو من أشراف قريش وعظمائهم تربى على الشهامة والنجدة والحمية. وإليه كانت السفارة في الجاهلية فإذا وقعت قريش في حرب أو نافرهم أو فاخرهم أحد كان هو السفير في أمرهم والمنافر المفاخر عنهم. كنَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم أبا حفص ولقبه بالفاروق لأن الله أعز به الإسلام وفرق بهِ بين الحق والباطل. يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر رضي الله عنهم. حضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. بويع له بالخلافة صبيحة ليلة وفاة أبي بكر بعهد منه كما تقدم في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه وكان ذلك في يوم السابع من شهر رجب سنة ثلاث عشرة للهجرة. ولما تولى رضي الله عنه أمر المؤمنين نظر إلى هذه الكرة الأرضية نظرة رجل وهبه الله من الحكمة والتدبير ما زعزع أركان الجبابرة وهدم صروح الأكاسرة. وأرغم أنوف الطغاة المستبدين، وأباد الفراعنة المسيطرين، ونشر على وجه البسيطة علم الأمن، وأقام للبشر ميزان القسط والعدل، وحقق كلمته في إعلاء كلمة الله عز وجل ففتح الله على يده من البلاد ما فتح؛ وسرى صلاح نيتهِ في جميه رعيتهِ. وقد حفظ له التاريخ من الفضائل وعظائم الأمور ما لم يحلم بهِ الزمان ومن المناقب والآثار ما يكاد يتعذر استقصاؤه، ويعز بيانه، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثاً وروى عنه أجلاء الصحابة وكبراؤهم كعثمان بن عفان وعلي وطلحة وسعد وابن عباس وكثير غيرهم وهو أول من كتب التاريخ للمسلمين من الهجرة. وأول من حض على جمع القرآن. وأول من عسّ في عمله (أي كان يمشي ليلاً لحفظ الدين والناس ويتفقد شؤون رعيته بنفسهِ) وهو أول من وضع الخراج ومصر الأمصار. وأول من سمي بأمير المؤمنين. وأول من اتخذ بيت المال. وأول من دون الدواوين لحصر أسماء الغزاة. وأول من عاقب على الهجاء. وأول من مسح السواد. وأول من حمل الميرة من مصر إلى المدينة. وأول من استقضى في الأمصار. وأول من جمع الناس على قيام شهر رمضان. وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات. وأول من ألقى الحصى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم فأمر عمر بالحصى فجيء بهِ من العقيق فبسط في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وأول من اتخذ دار المؤن ليعين منها المنقطع. وجعل فيها الدقيق والسويق والثمر والزبيب. ووضع فيما بين مكة والمدينة بالطريق ما يصلح من ذلك. وهو من السابقين إلى الإسلام والمهاجرين الأولين. وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين؛ وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهُ راضٍ. ودعاه صاحب رحا دارة العرب، يعيش حميداً؛ ويموت شهيداً. إسلامهُ رضي الله عنهُ أخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أسلم رضي الله عنه قال عمر أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي قلنا نعم قال كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أنا في يوم شديد الحر بالهاجرة في بعض الطريق إذ لقيني رجل من قريش فقال أين تذهب يا ابن الخطاب قلت أريد هذا الرجل قال عجباً لك يا ابن الخطاب إنك تزعم أنك كذلك وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك قلت وما ذاك قال أختك قد أسلمت فرجعت مغضباً حتى قرعت الباب وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لاشيء له ضمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي فيه السعة فنالا من فضل طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين فلما قرعت الباب قيل من

هذا قلت عمر وقد كانوا يقرأون كتاباً في أيديهم فلما سمعوا صوتي قاموا في مكان وتركوا الكتاب فلما فتحت لي أختي قلت يا عدوة نفسها صبوت؟ ورفعت شيئاً فأضرب به على رأسها فبكت المرأة وقالت لي يا ابن الخطاب اصغ ما كنت صانعاً فقد أسلمت فذهبت فجلست على السرير فإذا بصحيفة وسط البيت فقلت ما هذه الصحيفة فقالت لي دعها عنك يا ابن الخطاب فإنك لا تغتسل من الجنابة أو لا تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون فما زلت بها حتى أعطتنيها فإذا فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) فلما مررت باسم الله ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) فقرأتها حتى بلغت (آمنوا بالله ورسوله) إلى آخر الآية فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فخرج القوم مبادرين فكبروا واستبشروا بذلك وقالوا لي أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال اللهم أعز الدين بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو أبي جهل بن هشام وإنا نرجو أن تكون دعوة ؤسول الله صلى الله عليه وسلم لك فقلت دلوني على رسول الله صلى الله عليه وسلم أين هو فلما عرفوا الصدق دلوني عليه في المنزل الذي هو فيه فخرجت حتى الباب فقال من هذا قلت عمر ابن الخطاب وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ أحد منهم أن يفتح لي حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فإن يرد الله به خيراً يهده ففتح لي الباب فأخذ رجلين بعضدي حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوه فأرسلوني فجلست بين يديه فأخذ بمجامع قميصي ثم قال أسلم يا ابن الخطاب (اللهم اهده) فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت من طريق مكة وقد كانوا سبعين قبل ذلك فكان الرجل إذا أسلم فعلم به الناس يضربونه ويضربهم فجئت إلى رجل فقرعت عليه الباب فقال من هذا قلت عمر ابن الخطاب فخرج إلي فقلت له أعلمت أني قد صبوت قال أو قد فعلت قلت نعم قال لا تفعل ودخل البيت وأجاف الباب دوني فقلت ما هذا بشيء فإذاً أنا لا أضرب ولا يقال لي شيء قال الرجل أتحب أن يعلم بإسلامك قلت نعم قال إذن اجلس في الحجر فأنت فلاناً فقل لهُ فيما بينك وبينهُ أشعرت أني قد صبوت فإنهُ قلما يكتم الشيء فجئت إليه وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت له فيما بيني

وبينه أشعرت أني قد صبوت قال أفعلت قلت نعم فنادى بأعلى صوتهِ ألا إن عمر قد صبا فثار إلي أولئك يضربوني وأضربهم حتى أتى خالي فقيل له أن عمر قد صبا فقام على الحجر فنادى بأعلى صوته ألا إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد فانكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيتهُ فقلت ما هذا بشيء أن الناس يضربون وأنا لا أضرب ولا يقال لي شيء فلما جلس الناس في الحجر جئت إلى خالي فقلت اسمع (جوارك ردعيك) قال لا تفعل فأبيت فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله الإسلام. ثناء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه أخرج الترمذي وأحمد من حديث ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. وقال صلى الله عليه وسلم إيه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجاً غير فجك وقال صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم لما أسلم عمر أتاني جبريل فقال استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا. وقال صلى الله عليه وسلم بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلع الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين. وقال صلى الله عليه وسلم لو لم أبعث فيكم لبعث عمر أيد الله عز وجل عمر بملكين يوفقانه ويسددانه فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً. وقال صلى الله عليه وسلم لا يزال باب الفتنة مغلقاً عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن. وأخرج ابن عساكر من حديث سلمان قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عمر ويقول: بطل مؤمن، سخي تقي، حياطة الدين، وملك الإسلام، ونور الهدى، ومنار التقى، فطوبى لمن تبعك، والويل لمن خذلك، وأخرج أيضاً من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أقرأكم عمر فاقرؤا وما أمركم فائتمروا. وأخرج الحاكم في نوادر الأصول والطبراني والضياء عن ابن عباس أتاني جبريل فقال

اقرأ عمر السلام وقل له أن رضاه حكم وأن غضبه عو، وعن موسى ابن عيسى قال أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر كيف تراني يا محمد قال أراك والله كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال. عفيفاً عنه. عدلاًَ في قسمه. ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاب فقال عمر هاه وقال لو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاب الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني وأخرج ابن عساكر عن أبي بردة عن أبيه قال رأى عوف بن مالك أن الناس جمعوا في صعيد واحد فإذا رجل قد علا الناس بثلاثة أذرع قلت من هذا قالوا عمر بن الخطاب قلت بما يعلوهم قالوا إن فيه ثلاث خصال لا يخاف في الله لومة لائم. وإنه شهيد مستشهد وخليفة مستخلف فأتى عوف أبا بكر فحدثه فبعث إلى عمر فبشره فقال أبو بكر قص رؤياك فقصها فلما قال خليفة مستخلف انتهره عمر فلما وُلي قال لعوف اقصص رؤياك فقصها فقال أما لا أخاف في الله لومة لائم فأرجو أن يجعلني الله فيهم وأما خليفة مستخلف فأسأل الله أن يعينني على ما ولاني وأما شهيد مستشهد فأنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة لست أغزو والناس حولي ثم قال ويلي ويلي يأتي الله بها إن شاء الله. وقال سلمان رضي الله عنه من حديث طويل أخرجه نعيم بن حماد في الفتن. سلمان يشهد بلحمه ودمه أنك خليفة ولست بملك فقال عمر رضي الله عنه إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال سلمان وذلك أنك تعدل في الرعية. وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله تعالى الخ. وأخرج ابن عساكر عن مخلد بن قيس العجلي عن أبيه قال لما قدم سيف كسرى ومنطقته وزبرجدته على عمر قال إن أقواماً أدوا هذا لذوو أمانة قال علي إنك عففت فعفت الرعية، وأخرج أيضاً عن ابن عباس قال أكثروا ذكر عمر فإن عمر إذا ذكر ذكر العدل وإذا ذكر العدل ذكر الله وأخرج أيضاً عن عائشة إذا ذكر عمر في المجلس حسن الحديث وعنها أيضاً أخرجه ابن عساكر قالت إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر وأخرج البهقي أبو نعيم والبغوي وابن منيع وغيرهم عن علي رضي الله عنه قال كنا أصحاب محمد ولا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر وأخرج ابن جرير عن حذيفة رضي الله عنه قال أيسركم أن يكون فيكم خير من عمر قالوا نعم قال لو أن فيكم خيراً من عمر لذهبتم سفالاً وإن الناس لا

يزالون ينمون صعداً ما كان عليهم خيارهم وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن إسلام عمر كان عزاً وإن هجرته كانت فتحاً ونصراً وإمارته كانت رحمة والله مااستطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى صلينا وإني لأحسب الشيطان يفرقه وإذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر. إلى غير ذلك من الآثار الدالة على فضله والأخبار الصريحة بعلو شأنه مع شدة تمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر ومتابعة لهما في القول والفعل قال سعيد بن المسيب أصيب بعير من المال من الفيء فنحره عمر وأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه وصنع ما بقي طعاماً فدعا عليه من المسلمين وفيهم يومئذ العباس فقال يا أمير المؤمنين لو صنعت لنا مثل هذا فأكلنا عندك وتحدثنا فقال عمر لا أعود لمثلها إنه مضى صاحبان لي يعني الني صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عملا عملاً وسلكا طريقاً وإني إن عملت بغير عملهما أسلك في طريق غير طريقهما. هذا فضلاً عن أخلاقه الطاهرة وشيمه الكريمة وشمائله العظيمة وإليك نبذة من أخلاقه رضي الله عنه ونفعنا به. شجاعته رضي الله عنه أخرج ابن عساكر عن علي كرم الله وجهه قال ما علمت أحداً هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قومه، وانتضى في يده سهماً وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها قطاف سبعاً ثم صلى ركعتين عند المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال شاهت الوجوه من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، فهابوا بطشه ولم يتبعه منهم أحد. وأخرج أبو نعيم من حديث أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب أخذ بأذن الفرس ويأخذه بيده الأخرى أذنه ثم ينزو على متن الفرس. وأخرج ابن سعدة عن أبي وجرة عن أبيه قال كان عمر يحمي النقيع لحيل المسلمين ويحمي الرندة والشرف لا بل الصدفة، ويحمل على ثلاثين ألف بعير في سبيل الله كل سنة، وقد حضر المشاهد ملها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى تبوك وكان لا يخشى بأس قريش ولا شدتهم وهو ممن ثبت النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

عدله وهيبة الناس له أخرج البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال أستأذن عمر على النبي عليه الصلاة والسلام وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنَّ على صوته فلما أذن له عليه الصلاة والسلام تبادرن الحجاب فدخلن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله أضحك الله سنك ما يضحكك فقال عليه الصلاة والسلام عجبت من هؤُلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك تبادرن الحجاب فقال عمر يا رسول الله بأبي وأمي كنت أحق أن يهبنك ثم أقبل عليهم فقال أي عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أيها يا ابن الخطاب فوالذي نفس محمد بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك. وعن أبي سعد مولى أبي أسيد قال كان عمر بن الخطاب يعس المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحداً إلا أخرجه إلا رجلاً قائماً يصلي فمر بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي كعب فقال من هؤلاء فقال أبي نفر من أهلك يا أمير المؤمنين قال ما خلفكم بعد الصلاة قال جلسنا نذكر الله فجلس معهم ثم قال لأدناهم إليه خذ فدعا فاستقراهم رجلاً رجلاً يدعون حتى انتهى إلي وأنا إلى جنبه فقال هات فحصرت (أي ضيق علي فلم أقدر على الكلام) وأخذني من الرعدة حتى جعل يجد مس ذلك مني فقال ولو أن تقول اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا ثم أخذ عمر فما كان في القوم أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه. وأخرج ابن عبد الحكم عن أنس أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال عذت معاذاً قال سابقت بن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول أنا ابن الأكرمين فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقد فقال عمر أين المصري خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر اضرب ابن الألأمين قال أنس فضربه والله لقد ضربه ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه قال للمصري ضع على صلعة عمرو فقال يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه فقال عمر لعمرو مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً قال يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.

وأخرج ابن سعد وابن راهوية عن عطاء قال كان عمر بن الخطاب يأمر عماله أن يوافه بالموسم فإذا اجتمعوا قال يا أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم ولا من أعراضكم إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم فمن فعل به غير ذلك فليقم أحد إلاَّ رجل قام فقال يا أمير المؤمنين إن عاملك فلاناً ضربني مائة سوط قال فيم ضربته قم فاقنص منه فقام عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك وتكون سنة يأخذ بها من بعدك قال أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد من نفسه قال دعنا لنرضيه قال دونكم فارضوه فافتدى منه عن كل سوط دينارين. وأخرج اللالكائي عن مجاهد قال جاء رجل من بني مخزوم إلى عمر ليستعديه على أبي سفيان قال يا أمير المؤمنين إن أبا سفيان ظلمني حدي بمكة فقال عمر أنا أعلم بذلك الحد ولربما لعبت أنا وأنت عليه ونحن غلمان فإذا قدمت مكة فأتني فلما قدم عمر أتاه المخزومي وجاء بأبي سفيان فانطلق عمر معه إلى ذلك الحد فقال غيرت يا أبا سفيان فخذ هذا الحجر من ههنا فضعه ههنا فقال والله لا أفعل فعلاه بالدررة قال خذه لا أم لك فأخذه أبو سفيان فوضعه في الموضع الذي أمره عمر فدخله فما صنع بأبي سفيان شيء فاستقبل البيت وقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على هواه وذللته بالإسلام فاستقبل أبو سفيان البيت وقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى أدخلت قلبي من الإسلام ما ذللتني لعمر. وأخرج البيهقي وابن أبي شيبة وغيرهما عن ابن عمر قال اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى الحمى فلما سمنت قدمت بها فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً فقال لمن هذه الإبل فقيل لعبد الله بن عمر فجعل يقول يا عبد الله بن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين فجئت أسعى فقلت مالك يا أمير المؤمنين قال ماهذه الإبل قلت إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون فقال ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله أغد على رأس مالك واجعل الفضل في بيت مال المسلمين. تواضعه رضي الله عنهُ أخرج الدينوري عن الحسن قال خرج عمر بن الخطاب في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه فمر به غلام على حمار فقال يا غلام احملني معك فوثب الغلام عن الحمار وقال

اركب يا أمير المؤمنين قال لا أركب وأركب أنا خلفك تريد تحملني على المكان الوطيء وتركب أنت على الموضع الخشن فركب خلف الغلام فدخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليه وأخرج ابن سعد عن حزام بن هشام عن أبيه قال رأيت عمر بن الخطاب مر على امرأة وهي تعصد عصيدة لها فقال ليس هكذا يعصد ثم أخذ المسوط فقال هكذا فأراها. ورعه رضي الله عنه أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم قال شرب عمر لبناً فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين لك هذا اللبن فأخبره أنه ورد على ماء فإذا نَعم من نَعم الصدقة وهم يسقون فحلبوا لنا من ألبانها فجعلته في سقائي هذه فأدخل عمر إصبعه فاستقاءه. وأخرج ابن سعد عن عروة أن عمر ابن الخطاب قال لا يحل لي من هذا المال إلا ما آكل من صلب مالي. وأخرج ابني سعد وعساكر عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يتجر وهو خليفة وجهز عيراً إلى الشام فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف يستقرضه أربعة آلاف درهم فقال للرسول قل له يأخذها من بيت المال ثم ليردها فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال فلقيه عمر فقال أنت أنت القائل ليأخذها من بيت المال فإن مت قبل أن تجيء قلتم أخذها أمير المؤمنين دعوها له وأوخذ بها يوم القيامة لا ولكن أردت أن أخذها من رجل مريض مثلك فإن مت أخذها من ميراثي. نصفته رضي الله عنه في أهله ومعاملته رعيته أخرج الإمام أحمد عن الحسن قال جيء إلى عمر بمال فبلغ ذلك حفصة ابنة عمر فجاءت فقالت يا أمير المؤمنين حق أقربائك من هذا المال قد أوصى الله عز وجل بالأقربين فقال لها يا بنية حق أقربائي في مالي فأما هذا ففيء المسلمين غششت أبك قومي فقامت تجر ذيلها. وأخرج ابن عساكر والدينوري وابن شاذان عن أسلم أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون وإذا قِدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال يا أمه ما بكاء هؤلاء الصبيان قالت بكاؤهم من الجوع قال فما هذه القدر التي على النار قالت قد جعلت ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئاً فبكى عمر ثم جاءَ إلى دار الصدقة وأخذ غرارة وجعل فيها شيئاً من دقيق وشحم وسمن

وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال يا أسلم احمل عليَّ فقلت يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك فقال لي لا أم لك يا أسلم أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة فحمله حتى أتى به منزل المرأة فأخذ القدر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم ثم جعل يفرق بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع وخفت أن أكلمه فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا ثم قام فقال يا أسلم تدري لم ربضت بحذائهم قلت لا قال رأيتهم يبكون فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون فلما ضحكوا طابت نفسي. وأخرج ابن السني وأبو نعيم والبيهقي عن جراد بن طارق قال أقبلت مع عمر بن الخطاب من صلاة الغداة حتى إذا كان في السوق فسمع صوت صبي مولود يبكي حتى قام عليه فإذا عنده أمه فقال لها شأنك قالت جئت إلى هذا السوق لبعض الحاجة فعرض لي المخاض فولدت غلاماً وهي إلى جانب دار قوم في السوق قال هل شعر أحد بك من أهل هذه الدار أما إني لو علمت أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك فعلت بهم وفعلت بهم ثم دعا لها بشربة سويق ملتوتة بسمن فقال اشربي هذا فإن هذا يقطع الوجع ويقبض الحشا ويعصم الأمعاء ويدر العروق وفي لفظة فإن هذا يشد أحشاءك ويسهل عليك الدم وينزل لك اللبن ثم دخلنا المسجد. موافقاته رضي الله عنه للقرآن العظيم أخرج الطبراني وابن حاتم وابن مردويه عن عمر رضي الله عنه قال وافقت ربي في أربع. قلت يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقلت يا رسول الله لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل الله (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) ونزلت هذه الآية (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) إلى قوله (ثم أنشأناه خلقاً آخر) فلما نزلت قلت أنا فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت (فتبارك الله أحسن الخالقين) ودخلت على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لهن لتنتهين أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن فنزلت هذه الآية (عسى ربه أن طلقكن إن يبدله أزواجاً خيراً منكن). وفي الصحيح لما توفي عبد الله بن أبي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه

فقام إليه عمر (قال عمر) فقمت حتى وقفت في صدره فقلت يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً) الآية، وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهودياً لقي عمر فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال له عمر من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على لسان عمر أهـ قال السيوطي وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين. كراماته رضي الله عنه أخرج ابن الأعرابي في كرامات الأوليات وأبو نعيم والبهيقي معافى الدلائل وغيرهم عن ابن عمر قال وجه عمر جيشاً وأمر عليهم رجلاً يدعى سارية فبينما عمر بن الخطاب يوماً جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمنا فبينا نحن كذلك إذا سمعنا صوتاً ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى فقيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك. وعن طارق بن شهاب قال إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول احبس هذه ثم يحدثه بالحديث فيقول احبس هذه فيقول له كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه. وعن الحسن قال إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به إنه كذب فهو عمر بن الخطاب وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأبو الشيخ في العظمة وغيرهما عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتح عمرو بن العاصر مصر أتى أهلها إليه حين دخل (بؤنه) من أشهر العجم فقالوا له أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما ذاك قالوا إنه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر ببين أبويها وجعلنا عليها شيئاً من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم القيناها في النيل فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون في الإسلام فإن الإسلام لا يهدم ما قبله. فقاموا بؤنة، وأبيب، ومسرى، لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى عموا بالجلاء (بالخروج من البلد) فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر - قد أصبت إن الإسلام يهدم ما قبله وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي فلما قدم الكتاب على عمرو فتح البطاقة فإذا فيها - من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان

الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء وللخروج منها لأنهم لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل فأصبحوا. يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً وقطع تلك السنة السوء عن أهل مصر. وعن عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده أن سعيد بن العاصر أتى عمر يستزيده في داره التي (بالبلاط) وخطط أعمامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر صل معي الغداة (الصبح) وغبش ثم اذكرني حاجتك قال ففعلت حتى إذا هو انصرف قلت يا أمير المؤمنين حاجتي التي أمرتني أن أذكرها لك فوثب معي ثم قال امض نحو دارك حتى انتهيت إليها فزادني وخط لي برجله فقلت يا أمير المؤمنين زدني فإنه ينبت لي نابتة من أهل وولد فقال حسبك واختبئ عندك أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك قال فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان فوصلني وأحسن وقضى حاجتي وأشركني في أمانته. ولما بلغه أن أهل العراق حصبوا أميرهم: قال اللهم قد لبسوا علي فألبس عليهم وعجل بالغلام الثقفي يحكم فيهم حكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. (يعني الحجاج) والحجاج يومئذ لم يولد. وذكر صاحب كتاب علم الدين عن بعض المؤرخين أن عمرو بن العاص خطر بباله حفر برزخ السويس لاتصال البحر الأحمر بالبحر الأبيض فاستأذن عمر بن الخطاب فمنعه لئلا تعبر منه الإفرنج البحر فيكثرون بالمشرق وبلاد المغرب. وأخرج البيهقي عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال لعمر بن الخطاب إنا لنجد (يعني في التوراة) ويل لملك الأرض من ملك السماء فقال عمر إلا من حاسب نفسه فقال كعب والذي نفسه بيده إنها في التوراة لتابعتها فكبر عمر ثم خر ساجداً. خوفه رضي الله عنه أخرج ابن عساكر من حديث أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط أمير المؤمنين والله لتتقين الله أو ليعذبنك الله. وأخرج ابن المبارك وابن سعد عن عامر بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال يا ليتني كنت هذه التبنة ليتني لم أخلق

ليتني لم أكن شيئاً ليت أمي لم تلدني ليتني كنت نسياً منسياً. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عمر قال لو نادى منادٍ في السماء يا أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو ولو نادى منادٍ أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً لرجوت أن أكون أنا هو. وعن زيد بن أسلم قال خرج عمر بن الخطاب ليلة يحرس فرأى مصباحاً في بيت فدنا فإذا عجوز تطرق شعراً لها لتغزله (أي تنقشه بقدح) وهي تقول - عَلَى محمد صلاة الأبرار ... صلى عليك المصطفون الأخيار قد كنت قواماً بكي الأسحار ... يا ليت شعري والمنايا أطوار هل تجمعني وحبيبي الدار تعني النبي صلى الله عليه وسلم. فجلس عمر يبكي فمازال يبكي حتى قرع الباب عليها فقالت من هذا قلت عمر بن الخطاب قالت وما لي ولعمرو ما يأتي بعمر هذه الساعة قال افتحي رحمك الله فلا بأس عليك ففتحت له فدخل فقال ردي علي الكلمات التي قلت آنفاً فردته عليه فلما بلغت آخره قال اسألك بالله أن تدخليني معكما قالت: وعمر فاغفر له يا غفار فرضي ورجع. وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال وقف أعرابي على عمر فقال: يا عمر الخير جزيت الجنة ... جهز بنياتي واكسهنه اقسم بالله لتفعلنه قال عمر فإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال اقسم بالله لأمضينه قال فإن مضيت يكون ماذا؟ قال والله عن حالي لتسألنه ... يوم تكون المسلات ثمه والواقف المسؤول بينهن ... إما إلى نار وإما جنه قال فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه وقال لغلامه أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره والله لا أملك غيره. وأخرج أبو عبيدة في فضائله عن عبد الله بن السائب قال آخر عمر بن الخطاب العشاء الآخرة فصليت ودخل وكان في ظهري فقرأت (والذريات) حتى أتيت على قوله تعالى {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فرفع صوته حتى ملأ المسجد فقال

وأنا أشهد. وأخرج أبو عبيد عن الحسن قال قرأ عمر بن الخطاب {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} فربا منها ربوة عيد منها عشرين يوماً. وأخرج أيضاً من حديث عبيد بن عميرة قال صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى إذا بلغ {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} بكى حتى انقطع فركع. وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن عمر لقي أبا موسى الأشعري فقال له يا أبا موسى أيسرك أن عملك الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خلص لك وأنك خرجت من عملك كفافاً لا لك ولا عليك قال لا يا أمير المؤمنين والله قدمت البصر وأن الجفاء فيهم لفاش فعلمتهم القرآن والسنة وغزوت بهم في سبيل الله وإني لأرجو بذلك فضله قال عمر لكن وددت أني خرجت من عملي خيره بشره وشره بخيره كفافاً لا علي ولا لي وخلص لي عملي مع رسول الله صلى الله وسلم المخلص. زهده رضي الله عنه أخرج أحمد وعبد الرزاق والعسكري عن الحسن قال دخل عمر على ابنه عبد الله فقال ما هذا اللحم قال اشتهيه قال وكلما اشتهيت شيئاً أكلته كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلما اشتهاه. وأخرج ابن المبارك وسعد وهناك عن يسار بن نمير قال ما نخلت لعمر طعاماً قط إلا وأناله عاص. وأخرج ابن سعد عن الأحوص بن حكيم عن أبيه قال إني عمر بلحم فيه سمن فأبى أن يأكلها وقال كل واحد منهما أدام وأخرج عن أبي حازم قال دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً وصبت في المرق زيتاً فقل إدمان في إناء واحد لا أذوقه حتى ألقى الله. وأخرج ابن المبارك عن ثابت أن عمر استسقى فأتي بإناء من عسل فوضعه على كفه فجعل يقول اشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها لها ثلاثاً ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه. وأخرج ابن المبارك عن عروة عن عامل لعمر كان على إذرعات فأقدم علينا عمر بن الخطاب وإذا عليه قميص من كرابيس فأعطانيه فقال اغسله وارقعه فغسلته ورقعته ثم قطعت عليه قميصاً قبطياً فأتيته بهما فقلت هذا قميصك وهذا قميص قطعته عليه لتلبسه فمسه فوجده ليناً فقال لا حاجة لنا فيه هذا أنشف للعرق منه. وأخرج أحمد عن الحسن قال

خطب عمر بن الخطاب الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنا عشر رقعة. وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عمران عمر رأى في يد جابر بن عبد الله درهماً فقال ما هذا الدرهم قال أريد أن أشتري لأهلي به لحماً قرموا إليه فقال أكلما اشتهيتم شيئاً اشتريتموه؟ أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن عن أبي ليلى قال قدم على عمر ناس من العراق فرأى كأنهم يأكلون تقذيراً فقال يا أهل العراق لو شئت يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكنا نستبقي من دنيانا نجده في آخرتنا أما سمعتم الله يقول لقوم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية وأخرج ابن أبي الدنيا والدينوري عن سفيان ابن عيينة كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب وهو على الكوفة يستأذنه في بناء بيت سكنه فوقع في كتابه (ابن ما يسترك من الشمس ويكنك من الغيث فإن الدنيا دار بلغة) وأخرج أبو نعيم في الحلية من حديث أنس بن مالك قال تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة وكان حرم عليه السمن فنقر بطنه بإصبعه وقال تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحي الناس. شيء من خطبه ورسائله رضي الله عنه صعد المنبر لما ولي فقال. ما كان الله ليراني إن أرى نفسي أهلاً لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وترتبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية. إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله إلا وأني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف. وخطب خطبة فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم وأشدكم استضلاعاً بما ينوب عن مهم أموركم ما توليت ذلك منكم ولكفى عمر مهماً محزناً موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها ووضعها أين أضعها وبالسير فيكم كيف أسير فربي المستعان فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده.

وخطب أيضاً فقال إنما الدنيا أمل محترم وأجل منتقض وبلاغ إلى دار غيرها وسير إلى الموت ليس فيه تعريج فرحم الله امرأ فكر في أمره ونصح لنفسه وراقب ربه واستقال ذنبه بئس الجار الغني يأخذك بما لا يعطيك من نفسه فإن أبيت لم يغدرك إياكم والبطنة فأنها مكسلة عن الصلاة ومفسدة للجسم ومؤدية إلى السقم وعليكم بالقصد في قوتكم فهوا بعد من السرف وأصح للبدن وأقوى على العبادة وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. وأرسل إلى ابنه ينصحه فقال بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن من اتقى الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن شكر له زاده ومن أقرضه جزاه فاجعل التقوى عماد قلبك وجلاء بصرك فأنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له ولا جديد لمن لا خلق له. وله من رسالة لأبي موسى الأشعري يوصيه قد بلغ أمير المؤمنين أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصب فلم يكن لها همة إلا السمن وإنما حتفها في السمن وأعلم أن للعامل مرداً إلى الله فإذا زاغ العامل زغت رعيته وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام. وأرسل إلى معاوية بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني لم ألك في كتابي إليك ونفسي خيراً. إياك والاحتجاب وأذن للضعيف وأدنه حتى تبسط لسانه وتجرئ قلبه وتعهد القريب فإنه إذا طال حبسه وضاق أذنه ترك حقه وضعف قلبه وإنما ترك حقه من حبسه واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء وإذا حضرك الخصمان بالبينة العادلة، والإيمان القاطعة، فامض الحكم. (لها بقية)

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد كرامات الأولياء لا نتخيل أن أحداً من أهل الحق وعصابة السنة ينكر أن لله تعالى من صفوة خلقه رجالاً يختارهم في كل زمان ومكان من عباده المخلصين يصعدهم إلى مقامات سامية من الكمال الروحاني، ويحبوهم بهبات جليلة ومنح جزيلة لا تخطر على بال من لا يكون على شاكلتهم؛ ويفيض عليهم من نفحات قدسه وسبحات تجليات رحمته ما يسمو بهم إلى الاستطلاع على أسرار الملكوت والاستشراف على معالم الجبروت ويحدث على أيديهم أموراً خارقة للعادة من قطع المسافة البعيدة في المدة القليلة؛ وظهور الطعام والشراب واللباس عند الحاجة، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، وكلام أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي بحكم التبع لا بحكم الاستقلال كما سيتضح إن شاء الله تعالى. وقبل أن نورد البراهين الدالة على إثبات وقوع كرامات الأولياء نأتي على بيان معنى الولي والكرامة تتميماً للفائدة وتوفية لحق الموضوع فنقول الولي في الاصطلاح هو الرجل الصالح الذي أدى أوامر الله واجتنب محارمه وتقرب إليه بالفرائض والنوافل حتى أشرقت عليه أنوار التجليات الإلهية وعبقت عنه فوحات الأخلاق الملكية وأصبح مثالاً يحتذي طريقته من أراد الكمال الصوري والمعنوي وقد ورد في الكتاب الكريم ما يشير إلى هذه المنزلة السامية قال تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}. وجاء في الكلام القديم ما يومي إلى أن من نال هذه المرتبة الرفيعة من القوة النظرية وهي الإيمان ومن القوة العملية وهي التقوى فإن الله يتولى شأنه ويسدده في أموره وينضر حجته قال تعالى {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ}، {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} فهذا كان يشعر بأن من تولى الله أي اتخذه ولياً تولاه الله وأفاض عليه من سبحات أنواره وإشراقات أنسه ما يجعله مثالاً للكمال بمعنييه ونموذجاً للفضيلة ينسج الناس عليه. وأما الكرامة فقد فسرها العلماء بأنها أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدي ودعوى النبوة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم لمتابعة نبي كلف بشريعته مصحوب بصحيح

الاعتقاد والعمل الصالح وبهذا يظهر لك الفرق بين المعجزة والكرامة فإن المعجزة مقرونة بالتحدي ودعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى ولابد أن تكتنفها حوادث تميزها عما عداها بخلاف الكرامة فإنها لم تقترن بذلك فلا تكون قادحة في المعجزة التي هي دليل النبي كما يتوهم لأن الولي نفسه يؤمن بمعجزة ذلك النبي ويعترف له بوظيفته ويعتقد أن كرامته من ضمن معجزاته الدالة على صدق شرعه ولا يرد أن السحر أمر خارق للعادة أيضاً لأن السحر يظهر على يد الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير شريعة ومتابعة فلا يسمى بالكرامة بل استدراجاً. ولعلماء أهل السنة دلائل عقلية ونقلية على جواز وقوع الكرامات لأولياء الله الذين هم قائمون بأوامره راضخون لأحكامه مستغرقون الفكر في عظمته وجلاله منها أن ظهور الخارق للعادة أمر ممكن في ذاته وكل ما كان كذلك فهو صالح لشمول قدرة الله تعالى لإيجاده إذ لو لم نقل بجواز الوقوع للزم نسبة العجز لقدرة الله تعالى التي تتعلق بجميع الممكنات وللزم ترجيح بعض طرفي الممكن على بعض وكلاهما محال. ودليل إمكان ذلك الأمر أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال عقلاً فإنكار وقوعها مكابرة وعناد على أنه لم يثبت في شيء من كتب المذاهب الأربعة المتواترة أصولاً وفروعاً القول بانقطاع كرامات الأوليات ولو بالموت فلا يلتفت إلى ما يهذي به أرباب الرعونات النفسية والنزغات الشيطانية. ولنسرد الأدلة النقلية من الكتاب والأخبار والآثار المؤيدة لوقوع الكرامات بالفعل فمن ذلك قصة مريم عليها السلام في قوله تعالى {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} وكلاك كلب أهل الكهف معهم وقصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلام في عرش بلقيس وإتيانه به قبل أن يرتد الطرف وكل هؤلاء ليسوا بأنبياء وأما الأخبار فقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون (ملهمون) يلقى في روعهم الشيء قبل الإعلام به فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث المخرج عند الحاكم عن أبي هريرة رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره. وأما الآثار التي وردت عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الكرامات فكثيرة

قد بلغت حد الاستفاضة فمنها ما روي عن عمر رضي الله عنه بعث جيشاً وأمر عليه رجلاً يدعى سارية بن الحصين فتورط مع المشركين وهم بالانهزام فبينما عمر رضي الله عنه يخطب جعل يصيح في خطبته وهو على المنبر: يا سارية الجبل الجبل. وكان بقربه جبل يتحيز إليه قال على كتبت تاريخ هذه الكلمة فلما قدم رسول ذلك الجيش فقال يا أمير المؤمنين عدونا يوم الجمعة في وقت الخطبة فهزمونا فإذا بإنسان يصيح يا سارية الجبل فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمت الكفار وظفرنا بالغنائم وكذلك روي إن نيل مصر كان يقف في كل سنة مرة واحدة فكان لا يجري حتى تلقى فيه جارية حسناء فلما جاء الإسلام كتب عمرو بن العاص إلى عم بن الخطاب رضي الله عنهما يعلمه بالقصة فكتب عمر على خرقة أيها النيل إن كنت تجري بأمر الله فاجر وإن كنت تجري بأمرك فلا حاجة لنا إليك فألقيت تلك الخرقة في النيل فجرى ولم يقف بعد ذلك وكذلك روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل عليه أنس بن مالك فقال مالي أراكم تدخلون علي وآثار الزنا ظاهرة عليكم وكان أنس قد وقعت عينه على امرأة بينما كان سائراً في الطريق قال أنس فقلت أجاء الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عثمان رضي الله عنه لا ولكن فراسة صادقة. الذي يحتج المنكرون لكرامات الأولياء بكلامه وقد ذكر الإمام بن تيمية الحنبلي وهو في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ما نصه وكرمات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جداً مثل ما كان (أسيد بن حضير) يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج هي الملائكة نزلت لقراءته وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين وكان (سلمان وأبو الدرداء) يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها (وعياد بن بشر واسيد بن حضير) خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهم نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما رواه البخاري وغيره وقصة (الصديق) في الصحيحين لما ذهب بثلاثة أضياف إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة من القصعة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك إلخ (وخبيب بن عدي) كان أسيراً عند المشركين بمكة وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنب و (عامر بن فهيرة) قتل

شهيداً فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة فيرون الملائكة رفعته وحديث (أم أيمن) حين هاجرت وعطشت فرأت دلواً معلقاً في الهواء فشربت منه وما عطشت بقية عمرها و (سفينة) مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام أخبر الأسد أنه رسول رسول الله فسار معه حتى أوصله إلى مقصده و (البرأ بن مالك) كان إذا أقسم على الله أبر قسمه و (خالد بن الوليد) حاصر حصناً فقالوا لا نسلم لك حتى تشرب السم فشربه فلم يضره و (سعد بن أبي وقاص) كان مجاب الدعوة وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق ولما عذبت (الزبيرة) في الإسلام وكف بصرها قال المشركون أصابها اللات والعزى فقالت كلا والله فرد الله بصرها و (العلاء بن الحضرمي) مشى مع الجيش على الماء فلم تبتل قدماه وقد حصل مثله لأبي مسلم الخولاني الذي ألقي في النار فلم تضره إلخ ما قال مما لو أتينا على جميعه لاحتجنا إلى التطويل. ولنكتف الآن بما قدمنا ليعلم المنكرون لكرامات الأولياء المدعون أن أقل القرون الثلاثة لم يعملوا ولم يعلموا بها وإن الكتاب والسنة والتاريخ ليس فيها شيء من ذلك إن دعواهم لا تروج إلا على قليلي البضاعة وضعفاء العقول الذين لا قابلية لهم في أنوار التوحيد ولا استعداد عندهم للخير فوقع هؤلاء المنكرون في أولياء الله أهل الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم جاهلين كون هذا الأمر مبنياً على صفاء العقيدة ونقاء السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} ولنختم هذا الموضوع بحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مؤيداً لما خص الله أولياءه من المراتب العلية والمقامات السامية والكرامات الباهرة والمواهب الوافية تكريماً لهم وتشريفاً لهم قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عند ربه عز وجل من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزل عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذ بي لأعذته فقد دل هذا الحديث على أن للولي عند الله مرتبة عالية ومقاماً سامياً فهل يستبعد أن يكرمه الله بما لا يستحيل وقوعه على يده من خوارق العادات إن هذا لشيء عجاب.

اللغة العربية

اللغة العربية أمس واليوم لقد أجمع فطاحل العلماء وفحول الأدباء، على أن اللغة العربية. أفصح اللغات السامية. وأحكمها استعمالاً. وأوسعها مجالا. ً وقد كرت الأجيال وتنكرت الأحوال. فانطمست آثار واندرست أخبار. وطاحت دول. وبادت ملل. فاستسرت آياتها. وعفت نعاتها. وتلك اللغة تدور مع الأحقاب. في غلائل الآداب. وغلواء الشباب. لا يرهقها هرم. ولا يخلقها قدم. تجول بها أسلات الألسنة وأطراف اليراع. في صدور المحافل وبطون الرقاع. فتنظم فرائدها. وتعقل شواردها. قلا تشذ نادرة. ولا تندر بادرة. فكأنها وهي ابنة القرون الخالية. والأمم الماضية. نشأت في اليوم الحاضر. أو أمس الدابر. فجاءت دفعة واحدة مستوفية أقسام جمالها وصحة أبنية أسمائها وأفعالها لا يذهب كر العشي بطلاوتها ولا يعبث مر الغداة بحلاوتها وكان أبناءها طبعوا على الفصاحة. وفطروا على البلاغة. فلا ترتهنهم لكنة. ولا تتحيفهم عجمة. ولا يعترضهم عي ولا تقف بهم حبسة فالبدوي الذي يحوم في الهضبات كالعقبان ويعسل في الفلوات كالسيدان. ويكمن في الوديان كالغزلان. كذلك الحضري الذي يتقلب بين أعطاف الحضارة والعمران. ويتفيأ ظلال العلوم والعرفان. جزل الحصاة. جم الأدب لا تغض خشونة برديه. من عذوبة أصغريه على أن السر كل السر في ذلك تذوق أمراء العرب طعم الأدب. وإقبال الأفراد عليه. وانضواؤهم إليه. فتعهدوه بدرايتهم وحاطوه بعنايتهم. فأحيوا قرائح ذويه. وأرهفوا أقلام بنيه. والناس على دين ملوكهم. هذا هرم بن سنان حلف إلا يمدحه زهير إلا وصله ولا يسلم عليه إلا أعطاه وليده أو فرساً أو عبداً حتى استحيا زهير وكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحاً غير هرم وخيركم تركت. وكان النابغة يأكل في آنية الذهب والفضة من عطايا النعمان وجده لا يستعمل غير ذلك. ووفد الحارث على عمرو بن هند الملك أنشده معلقته المشهورة وكان بينه وبينه سبعة حجب فمازال يرفعها واحداً فواحداً لحسن ما يسمع من الشعر حتى لم يبق بينهما حجاب ثم أدناه وقربه. وكان بعض العرب يغتسلون لقصيدة المهلهل المعروفة بالداهية كلما أرادوا إنشادها. وقد كان هذا في زمن الفترة والناس همل فلما أشرق نور الإسلام ومد طاقه وضرب رواقه في مشارق الأرض ومغاربها أقبل الناس من كل صوب

على الدأب. في خدمة الأدب فأجزلوا لأهله العطايا وغمروهم بالهبات وطار القوم زرافات ووحدنا يتلمسون الكتب من ثنايا المكامن وزوايا الخزائن ويتوفرون سواد الليل وبياض النهار على الترجمة والتأليف حتى اكتظت أرجاؤهم بالمكاتب وغصت ديارهم بالمدارس. قال أسامه بن معقل كان السفاح راغباً في الخطب والرسائل يصطنع أهلها ويثيبهم فحفظت ألف رسالة وألف خطبة طلباً للحظوة عنده وكان المنصور يرغب في الأسمار والأخبار فما تركت بيتاً نادراً ولا شعراً فاخراً ولا نسيباً سائراً إلا حفظته وأعانني على ذلك الطلب الهمة في علو الحال عنده ولم أر شيئاً ادعى إلى تعلم الآداب من رغبة الملوك في أهلها وصلاتهم عليها. وقد صدق في قوله وأصاب في رأيه فالفضل في نهضة أمراء البيان يعود إلى أرباب السلطان الذين يذكرهم التاريخ فيشكرهم كلما نبض للعلوم عرق وخفق للمعارف برق. وقد بلغ من شغف الدول الأعجمية وافتتانهم باللغة العربية لعلهم أنها واسطة عقد المسلمين وعروة أنصالهم إن اتخذوها لساناً لهم وطرحوا ما عداها مثل دولة المصامدة (البربر) في المغربين الأقصى والأدنى. ودولة الجراكسة في مصر والشام. ودولة آل سلجوق التركية في العراق والجزيرة ودولة بين بويه الفارسية ودولة آل أيوب الكردية في مصر والشام والحجاز واليمن وغيرها. وكانت البلاد بأسرها تموج بالمترجمين عن اللغات الأجنبية كالفارسية والبهلوية والسنسكريتية والسريانية واليونانية فوسعت اللغة العربية علوم المتقدمين والمتأخرين وكانت مبعث هذه الحضارة ومنبت هذه المدينة ولم تغفل الأمة عن ذلك الواجب بل شاركت أمراءها وملوكها فبذلوا قصاراهم في البذل والسخاء على العلماء والشعراء فأحضر بنو شاكر النقلة والتراجمة وأجروا عليهم الأرزاق وتحداهم في ذلك إبراهيم بن موسى فاستخرج علوم اليونان إلى اللغة العربية وفعل مثله محمد بن عبد الملك الزيات حتى كان عطاؤه للنساخ ألفي دينار. وأقام الفتح بن خاقان خزانة كتب لم يكن أعظم منها وجعل داره مثابة فصحاء الأعراب وعلماء البصرة والكوفة. وأنشأ الحاكم بأمر الله الفاطمي دار الحكمة في مصر وجمع إليها الشعراء والمنجمين وأصحاب النحو واللغة وأباح الدخول إليها لسائر الناس ليقرأوا وينسخوا ما شاءوا وجعل فيها المحابر والدفاتر والأقلام وكانت خزانة الكتب في قصر العزيز بالله في مصر تحتوي على مليون وستمائة ألف مجلد بله أدوات الهندسة والفلك وكانت مكتبة الناصر في قرطبة تشتمل على أربعمائة

ألف مجلد وكان في بيت الحكمة في بغداد مجالس للنسخ والدرس والتأليف وأفاض القضاة من آل عمار على العلماء والأدباء سجال نداهم وبحور جداهم. وكانت دارهم تحتوي على ثلاثة ملايين مجلداً في فنون مختلفة يأوى إليها مائة ناسخ تجري عليهم الأرزاق. وأغرب من هذا أن الحثالة التي بقيت من كتب بغداد بعد الحريق والغريق كانت مكتبة حافلة وقفها هولاكو التتري على نصير الدين الطوسي في مراغة. وقيل أن أبا غالب اللغوي القرطبي لما وضع كتابه في اللغة بعث إليه أبو الجيش مجاهد العامري ملك دانية ألف دينار وركوبة وكساء على أن يزيد في آخر كتابه (هذا ما ألف أبو غالب لأبي الجيش مجاهد) فرد الدنانير وأبى ذلك فلم يكن من مجاهد إلا أن ضاعف له العطاء وقال هو في حل من أن يذكرني فيه. وأكل معاوية الضرير طعاماً مع الرشيد فلما قام ليغسل يديه تناول الرشيد الإبريق وصب عليهما الماء وقال له أتعلم من يصب الماء علي يديك قال لا قال أنا قال أنت يا أمير المؤمنين قال نعم إجلالاً للعلم. وقيل إن الفراء مؤدب ولدي المأمون نهض مرة لبعض حوائجه فابتدر الأميران إلى نعله ليقدماها له فتنازعا أيهما يقدمها أولاً ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما واحدة فلما بلغ ذلك المأمون استدعى الفراء وقال له من اعز الناس قال لا أعرف أحداً أعز من أمير المؤمنين فقال المأمون بل من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى يرضى كل منهما أن يقدم فرداً. اللهم غفرانك إن أمة يتفانى أمراؤها وأفرادها في إحياء العلوم وإجلال أهلها إلى هذا الحد لجديرة بأن تذل لها أعراق المجد وتعنو لها نواصي الرغائب وينبت فيها أدباء إذا أحس أحدهم من البيان بوجس دبيبه أو تهادى بين بعيده وقريبه أسمعك من ألفاظه نغمات الأوتار ونفحك من معانيه بنسمات الأسحار وصور لك على الطرس حقيقة النفس. فناجتك بأسرارها. وحدثتك بأخبارها فإذا الشوق تكاد تمسه يداك. وإذا الغيب تكاد تراه عيناك. هذا وشل من بحر وثمد من قطر كتبته تذكرة للعاقل. وتبصرة للغافل. لعلنا نرد على هذه اللغة نضرة شبابها ورونق آدابها وكم هتفت. ليت الشباب يعود. المؤدي

فؤاد الخطيب

مطالب مسلمي الصين

مطالب مسلمي الصين إن إخواننا المسلمين بمملكة ابن السماء أو دولة الصين أضخم مملكة في العالم قد يعتبرون من أحسن مسلمي العالم مركزاً وحالاً فهم القابضون على زمام التجارة. ومنهم القواد العظام والإداريون الماهرون وحريتهم الدينية موفورة بفضل تسامح الشرقيين الذين مع عظيم رحمتهم وجميل أخلاقهم يعتبرهم الغربي وحوشاً أو حيوانات أحقر من جنس الإنسان ما خلقت إلا لخدمة ذلك الجبار الأوروبي ولقد أبت همة إخواننا المسلمين بتلك البلاد النائية إلا الاستفادة من نعمة الحرية التي أشرقت أنوارها من يوم تأسست الجمهورية التي جاهد المسلمون في سبيل الحصول عليها حتى صرح رئيس الجمهورية بأنهم هم الذين لهبوا الدور المهم في هذا السبيل المشكور نعم أبت همتهم إلا أن يدعموا نظامهم الاجتماعي على قواعد ثابتة ففضلاً عن المجهودات العظيمة التي يبذلونها في تعميم المعارف وتأسيس الشركات المختلفة الأغراض والأنواع مما ربما أتيح لنا أن نأتي على ذكره في حين آخر أخذوا يبحثون عن ترقية شؤونهم الدينية ولهذا قدموا عريضة إلى حكومة جمهورية الصين شخص بها وفد عظيم من الولايات الإسلامية المختلفة إلى بكين وقد أطلعنا على صورة المطالب في رصيفتنا وقت الغراء التي تصدر في أورنبورغ فأحببنا تعريبها للقراء وها هي: المادة الأولى: يجب على حكومة الصين تأسيس مشيخة للإسلام بعاصمتها لتنظر في شؤون عموم مسلمي الصين الدينية والقيام بحاجاتهم الشرعية ومن الواجب إيجاد مجلس شرعي مخصوص وإدارة أوقاف إسلامية ومعلم للدروس الدينية وأمين فتوى تحت رئاسة شيخ الإسلام ويجب أن يكون تعيين وعزل جميع القضاة والمفتين ومشائخ المساجد والأساتذة ومديري الأوقاف في جميع الجهات الإسلامية بالصين من حقوق شيخ الإسلام الذي يجب أن ينتخب بواسطة الاقتراع العام بين مسلمي الصين ويجب أن يوجد حاكم شرعي في عاصمة كل ولاية إسلامية بالصين. المادة الثانية: يجب أن تمنح الحرية الدينية بأوسع معانيها لجميع مسلمي الصين وأن يكون لهم حق التصرف المطلق في إدارة شؤونهم الدينية وما يتعلق بها. المادة الثالثة: يجب معافاة جميع طلبة المعاهد الدينية وموظفي الإدارات الشرعية من الخدمة العسكرية.

المادة الرابعة: يجب أن يمنح المسلمون الحق في تأسيس المدارس والمعاهد الدينية والمساجد ودور العجزة (التكايا) أينما شاءوا وحيثما استحسنوا. المادة الخامسة: يجب على الحكومة أن تجيز المسلمين بجمع الإعانات في كل زمان ومكان لتأسيس المدارس والمعاهد الدينية والمساجد. المادة السادسة: يجب على الحكومة ألا تعامل أوقاف المسلمين كأملاك الأفراد بل تعفيها من الضرائب أسوة بالأوقاف المخصصة لمعابد المجوس وأن تجعل استثمارها وإدارة شؤونها حسب نصوص الواقفين لتنفق حاصلاتها طبق ما خصصت له. كل ذلك بواسطة إدارة الأوقاف التي ستؤسس ببكين تحت إدارة شيخ الإسلام. المادة السابعة: يجب على حكومة الصين أن تمنح علماء المسلمين جميع الامتيازات التي يتمتع بها رؤساء المجوس الروحانيون وأن تعاملهم بالتجلة والحقوق وكل ما تعامل به الرؤساء المذكورين. وفي الوقت الذي تبدأ فيه حكومة الصين بفرض مرتبات شهرية لرؤساء الأديان المجوسية يجب عليها أن تفرض لعلماء الإسلام نفس المرتبات وكذلك لموظفي المحاكم الشرعية. المادة الثامنة: يجب معافاة مسلمي الصين من العمل بالأوامر التي ستصدرها حكومة الصين بشأن تبديل الألبسة والزي القديم. المادة التاسعة: يجب على الحكومة ألا تمنع المسلمين من السياحة بالممالك الأجنبية ويجب عليها أن تسهل السبل في وجه من يقصد منهم السفر لأداء فريضة الحج وأن توجد في كبريات المدن من الصين حتى الحجاز قناصل لها ليحافظوا على راحة أولئك الحجاج ويجب عليها أن تعقد اتفاقية مخصوصة مع الحكومة العثمانية لكي تخول إحداهما الأخرى بالتبادل حق تأسيس السفارات والقنصليات بمملكتيهما وأن تطيل مدة جواز السفر من ستة شهور إلى سنة. المادة العاشرة: يجب على الحكومة أن تمنح المسلمين جميع الحقوق التي سيتمتع بها الصينيون في انتخاب المبعوثين والوزارة والوكلاء في البرلمان الصيني وجميع الدوائر الرسمية. المادة الحادي عشرة: يجب المساواة بين المسلمين وبقية الصينيين في جميع الحقوق.

المادة الثاني عشرة: يجب منح المسلمين الحرية التامة في تأسيس المطابع ودور الكتب ومحال القراءة العمومية ونشر الكتب والصحف والرسائل الدورية. المادة الثالث عشرة: يجب أن يخول للمسلمين الحق في التوظف بمراكز الحكومة في الوظائف حسب ما يلائم كفاءتهم واستعدادهم. المادة الرابع عشرة: يجب على حكومة الصين أن تعطي للمدارس الإسلامية الإعانات المالية مثل التي ستمنح للمدارس الصينية. المادة الخامس عشرة: يجب قبول الطلبة المسلمين في المدارس الرسمية وإرسال الطلبة النوابغ منهم إلى أمريكا والغرب لإكمال معارفهم بمدارسها على حساب حكومة الصين. المادة السادس عشرة: يجب على حكومة الصين أن تراعي شعائر المسلمين الذين ينخرطون في جيشها وتسهل لهم سبل القيام بالفرائض الدينية والعمل على طاعة المولى جل جلاله. المادة السابع عشرة: يجب تأسيس مساجد في الثكنات العسكرية وأن يكون حق الضباط المسلمين في الرقي مثل ما للضباط الصينيين. المادة الثامن عشرة: يجب على الحكومة أن تمنح الجنود الإسلامية إجازة بتمضية شهر رمضان في منازلهم وبين أهليهم. قدمت العريضة الحاوية هذه المطالب باسم مسلمي الصين إلى حكومة الجمهورية وهي مطالب عادلة هينة ستجيبها حكومة الصين عن طيب خاطر لأنها من أساس روح دستورها وإن حبها للمسلمين جعلها تنشئ في بكين جريدة إسلامية شبيهة بالرسمية على حسابها الخاص. إن عدد مسلمي الصين حسب الإحصائيات الرسمية 55 مليوناً من النفوس ولكن إخواننا هنالك يؤكدون أن هذه الإحصائيات أقل من الحقيقة بكثير وأن عددهم أقل ما يكون سبعون مليوناً منها 45 مليوناً من عنصر صيني بحت ولسانه اللغة الصينية والبقية من عنصر تركي يتكلمون اللغة التركية بيد أن الفريق الأول له من النفوذ والكلمة العالية بالحكومة الصينية القسط الوافر. إن العلم الصيني الجديد مركب من خمسة ألوان أبيض وهو رمز إلى المسلمين وأحمر وهو

رمز للعنصر الصيني الأصلي والأسود وهو إشارة إلى عنصر المانشو والأخضر وهو إشارة العنصر التيبتي والأصفر وهو رمز المنغوليين. إن تعلق مسلمي الصين بدولة الخلافة المعظمة أكبر من أن يصوره قلم وكلهم يتمنون من صميم أفئدتهم أن تسرع الحكومة العثمانية بإيجاد سفارة لها وجملة قنصليات لأنها لو كانت لديها في دور هذا الانقلاب العظيم هذه السفارات للعبت دوراً مهماً وأفادت العالم الإسلامي خصوصاً والشرق عموماً وأوجدت لها مركزاً لا ينافسها فيه أحد وفق الله رجال حكومتنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد بجاه سيد الأنام والسلام على من اتبع الهدى. الهلال العثماني

القرآن الكريم وغلط طبعه

القرآن الكريم وغلط طبعه من المعلوم لدى جماهير أهل العلم والفضل أن الدولة العلية أيدها الله كانت قررت طبع كتاب الله تعالى في عاصمتها تقريراً مبرماً بحيث لا يجوز للغير طبعه حرصاً على مكانة صوابه، واحترازاً من غلط مطبعي فيه، وقد ظلت الدولة تسير في هذا السير ولكن بعضه مشكوك فيه كما سيأتي. إلى أن أطلع هذا الداعي على نسخة من القرآن الكريم طبعت في مطبعة الشركة الخيرية الصحافية في الأستانة لمديرها الحاج حسين أفندي في 15 جمادى الآخرة سنة 1329 هـ. وهذه النسخة مفقود منها سورتا الشعراء والنمل وموجود في سورة الفرقان أوراق من سورتي آل عمران والنساء وهاتان السورتان لم ينقص منهما شيء. فكأن تلك الأوراق زائدة أو هي بدل ما ذهب من سورة الفرقان. وتقرير أن سير الدولة المومى إليه آنفاً مشكوك في بعضه. هو أن الدولة العلية لم أدر هل علم وكلاؤها الموكل إليهم أمر الاطلاع على المطبوعات والمصاحف القرآنية - بما طبع في الدور الغابر من مصاحف صغيرة الحجم مغلوطة من حيث بعض كلمات محذوفة أم لا؟ مع أن هذا الخطأ المطبعي لا يعد كالخطأ الأول بل هذه النسخ الصغيرة لم يذكر فيها اسم المطبعة ولا اسم صاحبها. ثم أنني لم أذكر عن غلط النسخة الأولى هذا المقال إلا بعد أن بحثت عن نسخ مطبوعة بتلك المطبعة ومؤرخة ذلك التاريخ فوجدت الغلط بذاته ولما علمت أنه لابد أن يكون عند إخواني المسلمين نسخ منها وأنه يجوز أن يكون بعضهم غير عالم بذلك الغلط لأنه يضع القرآن وضع زينة كما هو عادة البعض وعلمت أن السكوت عن التنبيه لمثل ذلك الغلط مما لا يأمر به الدين الحق والعقل السليم والعلم الصحيح - بادرت إلى كتابة هذه المقالة ليكون كل من عنده من تلك النسخ متنبهاً لغلطها وهو مخير في كتابة أوراق من سورة الفران بدل الأوراق الذاهبة منها وكتابة سورتي الشعراء والنمل ومخير في الحرق. وهنا ألفت نظر سماحة شيخ الإسلام خاصة إلى أن طبع كتاب الله تعالى يجب أن يكون معنياً به كل العناية بحيث لا يكون فيه خطأ مطبعي البتة كما هو مقتضى أمر الخلافة الإسلامية أيدها الله ووفق المسلمين لما يرضاه. المفيد

بيروت ر. ق

من كتاب الأدب

من كتاب الأدب لجعفر بن شمس الخلافة وهو من الكتب المخطوطة النادرة 2 وصاحب الذنب المكروه يصطبر وتقرب الأحلام غير قريب وربما صحت الأجسام بالعلل ما فاز بالراحة إلا من رضي ترجوا الغنى من إناء قط ما رشحا هل يستطيع جواد غير تبريز ومن يخزن الأموال ينفق من العرض ولا يرد عليك الفايت الحزن وتحت الرغوة اللبن الصريح وبيت الغنى يهدى له ويزار ويأتيك بالأخبار من لم يزود كم من نقي الثوب ذي عرض دنس ورب ذي أدب تلقاه في سمل والنجم لا يجفل أن كلب عوى عسى بعد بين أن يكون تلاقي والشمس تكبر عن حلي وعن حلل على قدر جرم الفيل تبني قوائمه ومازالت الأشراف تهجا وتمدح وبعض القول يذهب في الرياح مثل النعامة لا طير ولا جمل كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه والدهر ليس بمعتب من يجزع

ولا يأمن الأيام إلا مضلل ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل وكل نعيم لا محالة زائل والدهر يبلى جدة الحديد وقد يسود غير السيد المال (لها بقية)

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد 2 يا مصطفة قبل العوالم كلها ... يا شافعاً في الخلق يوم الدين أنت الحبيب حقيقة والمجتبى ... والكون لم يبرز من التكوين أيروم مخلوق مديحك بعدما ... للعالمين بعثت خير أمين كيف الوصول إلى مديحك بعد أن ... أثنى عليك الله في التبيين دمشق هـ ر خ يا مصطفى قبل العوالم كلها ... يا سيد الكونين والثقلين أنت الذي قدماً تلألأ نوره ... والكون لم يبرز من التكوين أيروم مخلوق مديحك بعد ما ... شافهت ربك دون كل مكين أم كيف يدرك شاو مدحك بعد ما ... أثنى عليك الله في التبيين ع. د يا مصطفى قبل العوالم كلها ... لتكون منك بداية التكوين بك قد حبانا الله أسنى رتبة ... والكون لم يبرز من التكوين أيروم مخلوق مديحك بعد ما ... أوتيت من عظم ومن تمكين لا شك في حصر المفوه بعد أن ... أثنى عليك الله في التبيين م. ي

رثاء الأستاذ الشيخ محمد المبارك الحسني الجزائري

رثاء الأستاذ الشيخ محمد المبارك الحسني الجزائري فقيد دمشق بقلم الشاعر البليغ الفاضل صاحب الإمضاء أأرثي مقام الذكر في الشرق والغرب ... أمَ الوعظِ والإرشادِ في مشهد القرب أأرثي التقى والفضل والعلم والهدى ... أم الزهد والإخلاص والصدق في القلب أجل إنني أرثي الفضائل فيك بل ... أعزي بك الإسلام بل سائر الشعب محمدُ قبل اليوم كنت مباركاً ... علينا ولكن ما لنا اليوم في كرب فيا طول حزن العلم إذ غاب بدره ... ويا حسرة الإخوان والأهل والصحب أعزي بمنعاك المعارف والعلا ... وأبكي على حزن المدارس والكتب وما سائر الأرزاء إلا كذرة ... إزاء مصاب العلم في مهجة الصب أحيي ضريحاً ضم أكرم جثة ... ثراها تراب الخلد من عالم الغيب سقى الله من غيث المراحم روضة ... سرى واختفى أرخ بها الكوكب الغربي سنة 1330 8 79 1243 دمشق عبد الرحمن القصار وقال أيضاً مودعاً أمام القبر يعز علينا أن نراك مودعاً ... من القوم أو أنا نراك مودعا لئن قنع الإخوان بالحزن حسرة ... فيا ليت هذا القبر لي كان مصرعا ولكنني أقضي الحياة تحسراً ... عليك إلى أن أجتبي منك موضعا وجاءنا من الأديب الفاضل صاحب الإمضاء ما يأتي كلمة في رثاء الأستاذ الكبير الشيخ محمد أفندي المبارك الحسني الجزائري رحمه الله وأكرم مثواه دعوا الشرق يبكي دائم الحسرات ... ويملأ عين الكون بالعبرات على السيد الميمون مدره قومه ... على الواحد المبرور ذي البركات

على المرشد الأواب أوحد عصره ... أمام المعالي طاهر النفثات على العالم النحرير ذي الفضل والتقي ... على الطاهر المحمود ذي الحسنات حليف الهدى والبر مبعث رأفة ... مثابة أخلاق ورب عظات مفيض درايات مقسم حكمة ... على أنفس الله منقطعات * * * عليك سلام الله يا شخص من قضى ... وخلفنا بالويل والعثرات نعاك لنا الناعي فطارت نفوسنا ... شعاعاً وبتنا في لظى جمرات بكينا بعين مضها الحزن والأسى ... وقلب أسيف زائد الجزعات فهب بنا الناعي إلى منزل به ... أقام رجال الفضل في لهفات تراهم من الأشجان ما بين خاشع ... وباك وملتاع وذي زفرات يسيلون دمع الوجد يبرزه الشجى ... وتدفعه الأحشاء مضطرمات * * * فلاحت لي الأملاك من نحو حجرة ... تطوف ولكن في اجل صفات وشعشع فيها النور كالشمس في الضحى ... يروح ويغدو باهر اللمعات دنوت لأرنو من شقوق جدارها ... وأنظر فيها آخر النظرات فشمت بها شمس الزمان وبدره - أخا البر والأخلاق والصدقات على لوحة التغسيل ملقى كأنه ... نبي كريم وافر النفحات يفوح أريج المسك منه كأنما ... يغسل من طيب بماء حياة * * * وكنت أرى الأقوام عم ضجيجها ... وطاشت بها الآلام مشتجرات تقول ألا بالله رفقاً بحالنا ... فأنا لهذا النعي في نكبات دعونا نرى الأستاذ آخر رؤية ... لنحي كما يرضى بغير شتات فقام له شبل خطيب مفوه ... وقال ودمع العين في قطرات أناشدكم بالله أن ترفقوا بنا ... ولا تضجروا فالوقت وقت ثبات فساد على الناس السكون كأنهم ... يناجون رب البيت في الخلوات

* * * لما انتهى تغسيله حنطوه في ... حنان وأعظام وفي شفقات وقد زملوه بالفضائل والتقى ... وبالعلم والإخلاص والصلوات وماطوا على الوجه المنير نقابه ... فبان لنا شمساً ولا ظلمات فلا قوة بالإجلال والقلب شيق ... وحيوه باللمسات والقبلات ينادون هذا النعش نعش محمد ... سراج الدياجي هادم الشبهات عياذ ذوي خوف ملاذ أرامل ... غياث ذوي عدم جزيل هبات * * * مشى نعشه والناس كالطير حوله ... يوالون للأنفاس مستعرات يطوفون حول النعش خالوه كعبة ... كأنهمو يمشون في عرفات إلى أن توارى وهو كالبدر قد هوى ... من الملأ الأعلا إلى الفلوات ضرعنا جميعاً نستغيث بربنا ... ونطلب منه وافر الرحمات تصوب على هذا الضريح الذي حوى ... ملاذ ذوي عدم إمام هداة عليه سلام الله مازلت منشداً ... دعو الشرق يبكي دائم الحسرات دمشق محمد سليم الحنفي

خاتمة السنة الثانية

خاتمة السنة الثانية بحمد الله والثناء عليه نختم ما ابتدأناه من هذا العمل الجليل والخدمة النافعة وإليه جل شأنه نرفع أكف الامتنان إذ وفقنا لخدمة دينه والذب عن شريعته وجعلنا نجهر بالحق ونؤيده، ونقذف بالباطل وندمغه، لا نخشى ملام لائم ولا وقاحة معتد آثم، وقد كانت سنتنا هذه لا تقل عن سابقتها بتحقيق المسائل وإشباع المواضيع ونصر السنة الشريفة وإظهار بعض محاسنها وقمع البدع السيئة وبيان أضرارها وخدمة السلف بذكر شيء من عاداتهم وأخلاقهم وقد لاقينا من الصعوبات في هذا السبيل ما نفوض أمره إلى الله ونكله إليه عز اسمه راجين منه سبحانه التأييد والسداد والإخلاص وحسن النية والعفو عن الخطيئة والتوفيق لخدمة هذه الأمة البائسة خدمة حقيقية قياماً ببعض الواجب ومراعاة لما أخذنا به أنفسنا من التفاني في هذه الطريقة الشريفة على قدر الإمكان وفي الختام نشكر من آزرونا في هذا المشروع العظيم بأفكارهم وأقلامهم وأبحاثهم ونسأل الله تعالى لنا ولهم حسن الجزاء والختام.

فاتحة السنة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة السنة الثالثة سبحانك اللهم لا نحصي ثناءً عليك. أنت كما أثنيت على نفسك وفقتنا لخدمة ديبنك فارزقنا الثبات. وهديتنا سبيل الخير فأخلص منا النيات. وألهتنما القيام بهذا العمل فخذ بيدنا إلى الصواب واجعلنا هاديين مهديين. غير ضالين ولا مضلين. وصل وسلم على سيدنا محمد سيد رسلك. وخيرتك من خلقك وعلى آله وصحبه وعترته وحزبه. وبعد فهذه مجلتنا الحقائق على رأس عامه الثالث وقد مر عليها حولان كاملان وهي قائمة برد الشبه عن الدين. ونشر الأخلاق الفاضلة بين المسلمين شعارها الصدق. ودثارها الحق. وهي للمسلمين عامة لا علاقة لها بالأحزاب السشياسية ولاغرض لها إلا نصرة الشريعة المحمدية وقد لاقت من المصاعب ما يلاقيه الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في هذا الزمن الذي اعتاد الناس فيه الفجور. وألفوا فيه الفسوق. وأصبح دين الرجل هواه فلا يرده عن غيه نصح الناصحين. ولا إرشاد المرشدين. وفشت فيه العلوم المادية. وتعلمها الناس على طريقة لا تلتئم مع تعاليم الدين. بل تدعو إلى الشبه والشكوك فيه. ولكن ولله الحمد لم تؤثر تلك المشاق على عزائمنا لأنا نرى هذا العمل من أهم الواجبات وأقدس الوظائف. هذا وستقوم المجلة في سنتها الثالثة بما قامت به في السنتين قبلها مع زيادة الاعتناء بتجويد المواضيع وتهذيب المباحث وقد جعلنا ابتداء عامها الثالث شهر محرم رأس السنة الهجرية وسيكون صدورها منتظماً في أوقاته المعينة إن شار الله تعالى. وفي الختام نكرر رجاءنا لأهل العلم والفضل أن يمدونا بأفكارهم وآثار أقلامهم والله نسأل أن يزيد بصحيفتنا النفع ويعظم بها الأجر إنه ولي التوفيق.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 18 التفاضل بين الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والملائكة والصحابة قدمنا أن من تمام نعمة الله تعالى وكمال رحمته بهذا النوع الإنساني أن أرسل إليه رسلاً هادين مرشدين اصطفاهم من بين أفراده وميزهم بخصائص لا يشركهم فيها سواهم وأيدهم بالآيات والمعجزات تصديقاً لدعواهم وتحقيقاً لصدق نبوتهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وذكرنا معنى المعجزة والفرق بينها وبين ما يظهر من خوارق العادات على أيدي غيرهم وأثبتنا أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أكثر الأنبياء معجزة وأبهرهم آية وأظهرهم برهاناً وأوضحهم محجة وتبياناً ثم سردنا شيئاً يسيراً من معجزاته إظهاراً لعظيم قدره وسمو مكانته وإيذاناً بما حباه الله تعالى من الآيات المثبتة لنبوته والمواهب الدالة على تحقيق رسالته وفي هذا المقام نريد أن نبين أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل خلق الله تعالى وأن الأنبياء والملائكة عليهم السلام متفاوتون في الرتبة وكذلك الصحابة رضي الله عنهم فنقول: أجمعت الأمة الإسلامية على أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق علي الإطلاق من أنبياء وملائكة وغيرهم. قال تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) قال المفسرون يعني محمداً عليه الصلاة والسلام رفعه سبحانه من ثلاثة أوجه بالذات في المعراج وبالسيادة على جميع البشر وبالمعجزات فإنه عليه الصلاة والسلام أوتي من المعجزات مالم يؤته نبي قبله. فال الزمخشري وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره مالا يخفى لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه والمتميز الذي لا يلتبس وقد بينت هذه الآية وكذا قوله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) إن مراتب الرسل والأنبياء عليهم السلام متفاوتة والتفضيل المراد لهم هان في الدنيا وكذلكة بثلاثة أحوال أن تكون آياته ومعجزاته أظهر وأشهر أن تكون أمته أزكى وأكثر أن يكون في ذاته أفضل وأطهر وفضله في ذاته راجع إلى ماخصه الله تعالى به من كرامته وتفضيله ببكلام أو خلة أو رؤية أو ماشاء الله من

الطافة وتحف ولايته واختصاصه وغير ذلك. ولامرية في أن آيات نبينا صلى الله عليه وسلم ومعجزاته أظهر وأبهر وأكثر وأبقى وأشهر ومنصبه أعلى ومقامه أعظم وأوفر وذاته أفضل وأطهر وخصوصياته على جميع الأنبياء أشهر من أن تذكر وقد ثبت أن انتفاع أهل الدنيا بدعوته أكمل من انتفاع الأمم بدعوة سائر المرسلين فوجب أن يكون أفضل النبيين وأن تكون درجته أرفع من درجاتهم ومرتبته أسمى من مراتبهم. ومن تأمل حديث الشفاعة في المحشر وانتهاءها إليه وانفراده هناك بالسؤؤد يظهر لهما لهذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بالمقام الأعلى والمراتب العظمى. أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي لله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض للحشر وأول شافع وأول مشفع وفي الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم أنا أكرم ولد آدم يومئذٍ على ربي ولا فخر وفيه أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال الصلاة والسلام أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه السلام أنا سيد الناس يوم القيامة. قال الفخر الرازي رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى وصف الأنبياء بالأوصاف الحميدة ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم (أولئك اللذين هذه الله فبهداهم أفئدة) وقد أتى بجميع ما أتوا به من الخصال الحميدة فقد اجتمع فيه ما كان مفرقاً فيكون أفضل منهم. وأما ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام (لا تفضلوني) على يونس بن متى ولا تفضلوا بين الأنبياء) ولا تخيروني على موسى كما في الشفاء للقاضي عياض فقد حمل العلماء النهي على التفضيل المؤدي إلى تنقيص بعضهم وانحطاط قدرهم أو أنه قال ذلك تواضعاً واحتراماً لمقامهم أو نهى عن ذلك قبل علمه بأنه سيد ولد آدم وأفضلهم وأشرفهم. ويليه صلى الله عليه وسلم في الفضيلة سيدنا ابراهيم فموسى فعيسى فنوح عليهم الصلاة والسلام وهؤلاء هم أولو العزم المشار إليهم في القرآن العظيم بقوله تعالى (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) كما اتفقت عليه كلمة العلماء ويلي أولي العزم بقية الرسل ثم

الأنبياء غير الرسل مع تفاوت مراتبهم عند الله تعالى لظاهر قوله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) ويليهم في الفضيلة الملائكة عليهم السلام وهم متفاوتون في الفضيلة كما قدمنا وحقيقتهم أنهم أجسام نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة شأنهم الطاعة ومسكنهم السماوات غالباً ومنهم من يسكن الأرض كما وتصفهم الله تعالى بقوله (عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) لا يوصفون بذكورة ولابأنوثة ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون وأفضلهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام وهم رؤساء الملائكة وهذا باتفاق العلماء ثم بقية الملائكة بعضهم أفضل من بعض على حسب مراتبهم. وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم أفضل القرون المتأخرة والمتقدمة ماعدا الأنبياء والمرسلين لحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّا أحدهم ولا نصيفه وفي الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام الله الله في أصحابي لا تنخذونهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم إلخ. ولا يخفى ترجيح رتبة مكن لازمه صلى الله عليه وسلمة وقاتل معه وقتل تحت رايته على من لم يكن كذلك وأفضل الصحابة النفر الذي ولي الخلافة العمى وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وشأنهم في ترتيبهم في الفضل على حسب ترتيبهم في الخلافة ويدل على ذلك حديث بن عمر رضي الله عنه المخرج عند الطبراني كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فلم ينكره صلى الله عليه وسلم. قال السعد التفتازاني على هذا وجدنا السلف والخلف ثم يلي الخلفاء الأربع في الأفضلية الستة الباقية تمام العشرة المبشرين بالجنة وهم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم ولم يرد نص بتفاوت بعضهم على بعض في الأفضلية فلا نقول به لعدم التوقيف وتخصيص هؤلاء العشرة بالجنة لكونهم جمعوا في حديث مشهور أخرجه الترمذي وبن

حيان ثم يلي رتبة الستة في الأفضلية أهل بدر لحديث أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ثم يلي رتبة أهل غزوة بدر الصحابة الذين غزوا أحد ثم يليهم أهل بيعة الرضوان ثم بقية الصحابة أهل القرن الأول ثم يليهم في الأفضلية أهل القرن الثاني ثم أهل القرن الثالث لحديث البخاري ومسلم عن عمر أن أبن حصين وبن مسعود رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. يتبع

الخط العربي

الخط العربي لا يرتاب أحد في أن الكتابة من أرف الصنائع وأسماها قدراً وأعظمها منفعة وأتمها فائدة إذ بها جمعت العلوم ودونت الأحكام وقيدت الحكمة وضبطت أخبار الأولين ووقائعهم ولولا الكتابة ما انتظمت شؤون العلوم ولا اتسعت دائرة المعارف والفنون الكتابة حافظة على الإنسان حاجته ومقيدة لها عن النسيان ومبلغة ضمائر النفس إلى البعيد الغائب ومخلدة نتائج الأفكار والعلوم في الصحف ورافعة رتب الوجود للمعالي فهي القطب الذي يدور عليه نظام الاجتماع البشري والأس الذي ترتكز عليه دعائم مصالحه وكفى الكتابة شرفاً أن الله تعالى أقسم بالقلم وما سطر به وأمتن على الإنسان بتعليمه الكتابة فقال سبحانه (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) وقد تقرر لدى العمران أن الكتابة أشرف وأنفع من النطق لأن ما تثبته الأقلام باق مع بقايا الأيام وما ينطق به اللسان تدرسه السنون والأعوام مدعين أن قوام الذين والدنيا بسيئين السيف والقلم لكن رتبة السيف تحت رتبة القلم قال الشاعر: كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... إن السيوف لها مذ أرهفت خدم كانت كتابات الأمم كما في ابن خلدون اثنتي عشر كتابة وهي الفارسية والحميرية والعربية واليونانية والسريانية والعبرانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية وقد انقرض بعض هذه اللغات بانقراض من يتكلم بها. أول من خط بالعربي مر أمر ابن مرة وكان يسكن الأنبار ومن الأنبار انتشرت الكتابة في العرب والذي نقل الكتابة من الأنبار إلى الحجاز حرب بن أمية جد الملوك الأموية إلا ن الخط العربي لأول الإسلام كان غير بالغ إلى الغاية من الأحكام والاتقان والإجادة ولا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة وبعدهم عن الصنائع قال ابن خلدون واعلم أن الخط ليس بكمال في حقهم إذ الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية والكمال في الصنايع إضافي وليس بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذات في الدين ولا في الخلال وإنما يعود على أسباب المعاش وبحسب العمران والتعاون عليه لأجل دلالته على مافي النفوس إلى أن قال ثم لما جاء الملك للعرب وفتحوا الأمصار وملوا الممالك ونزلوا البصرة والكوفة واحتاجت الدولة إلى الكتابة استعملوا الخط وطلبوا صناعته وتعلمه وتداولوه فترقت الإجادة فيه واستحكم وبلغ في الكوفة والبصرة رتبة من الإتقان. وذكر المؤرخون أن تحسين الخط العربي في الإسلام كان في زمن بني أمية وكان أول

خطاط في ذلك العهد رجل يدعى (قطبه) وكان أكتب الناس في عصره ثم جاء بعده الضحاك بن عجلان الكاتب في أول خلافة بني العباس فزاد على قطبه. وكان حسن الخط في صدر الإسلام مختصاً بكتابة المصاحف وأول من كتب المصاحف في الصدر الأول مع حسن الحظ خالد بن أبي هياج كان يكتب المصاحف والشعر والأخبار للوليد ابن عبد الملك ثم مالك بن دينار وكان لخطوط المصاحف أنواع منها المكي والمدني والبصري والكوفي والمثلث والمدور والمحقق وهو العراقي والسجلي والأصفهاني ولم يزل الناس يكتبون بهذه الخطوط وبالخط العراقي إلى أيام المأمون فأخذ كتابه وأصحابه بتجويد خطوطهم فتفاخر الناس في ذلك وظهر رجل من صنائع البرامكة يعرف (بالأحول المحرر) عارف بمعاني الخط وأشكاله فتكلم على رسومه وقوانينه وجعله أنواعاً وكان يحرر النافذة من السلطان إلى ملوك الأطراف فرتب الأقلام وضم إليها أقلاماً أحدثها. منها قلم الأمانات والقلم المدمج والقلم المرصع والقلم النساخ ثم أتى بعده الفضل بن سهل فاخترع قلما هو أحسن الأقلام يعرف (بالرياسي) ثم ظهر بعده جملة من الخطاطين إلى أن انتهى حسن الخط للوزير أبي علي بن مقلة وزير المقتدر بالله العباسي وهو أول من نقل الخط الكوفي إلى خط النسخ وأبرزه في الصورة المعروفة اليوم ثم جاء بعده أبو الحسن بن هلال المعروف بابن البواب فهذب هذه الطريقة ونقحها وكساها طلاوة وبهجة كما ذكره ابن خلكان حتى قال في ترجمته لم يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كثب مثله ولا قار به ثم انتقل حسن الخط بعده إلى جمال الدين ياقوت المستعصي مولى المستعصم العباسي وطار صيته في أنحاء البسيطة وكتب المصاحف الكثيرة. قيل بلغت ألفاً وواحداً وقد كتب لابن سينا نسخة من الشفاء في مجلد واحد وأهداه إلى الشاه (محمد طقلق) أحد ملوك الهند فأنعم عليه بألف مثقال من الذهب ويروى أن القطب الكبير سيدنا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه كان يجل ياقوتاً ويثني عليه ويقول أن في يده سراً من أسرار الله. ومازال الخط من ذلك العهد يزداد حسناً وجودة مع الاعتناء بشأنه وضبط قواعده وتنوع أساليبه إلى أن انتهى إلى جماعة من الخطاطين اشتهروا بالمهارة وكمال الاتقان وخلد لهم التاريخ ذكراً حسناً أشهرهم الحافظ عثمان رحمه الله تعالى وهو الذي فاق من تقدمه في حسن الخط وحاز قصبات البنى في مضمار هذه الصناعة بشهادة من كانوا معاصرين له

من الأساتذة المشهود لهم بكمال المعرفة وكانت له مكانة سامية عند السلطان مصطفى خان الثاني العثماني حتى روي أنه كتب خمسة وعشرين مصحفاً ماعدا الأجزاء المتفرقة ثم خلفه كثير من الأساتذة فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم وميزه على كثير ممن خلق بما تفضل به عليه وتكرم. وهنا يحمل بنا أن نذكر ما يؤيد وجود الكتابة في العرب ومعرفتهم بها نقلاً عن كتاب (بلوغ الأرب في أحوال العرب) باختصار فمن ذلك ما استلموه في لغتهم من الألفاظ الموضوعة لآلات الكتابة والكتَّاب إذ لو لم يعرفوها لم يضعوا تلك الألفاظ لمعانيها كقولهم (الدواة) وجمعها دوى ودويات (والليقة) اسم القطن أو الصوف الذي يلصق به المداد وهو من قولك لاق به الشيء يليق إذا ألصق به وسمي المداد (مداداً) لأنه يمد الكاتب. ومددت الدواة جعلت فيها المداد والمدة بالفتح غمس القلم في الدواة مرة للكتابة. وقد خثرت الدواة خثوراً إذا ثخن نقسها وهو المداد يقال له (نقس وانقاس) والقلم قبل أن تبريه يقال له أنبوبة فإذا بريته فهو قلم وما يسقط منه عند البري يسمى (بالبراية) وأنقت القلم حددت طرفه وشباته حدة. وقططته قطً والمقط مايقط عليه، والقط القطع عرضاً، والقدان يقطع الشيء طويلاً ويقولون قلم رشاش وذلك إذا حاف الشق على أحد جانبيه فدق وتعثر (أي كبا) بشظايا الكتاب (أي بأعصابه) ورشتش المداد، وتقول حقي القلم من كثرة الكتابة (أي رق) وتقول كتبت كتاباً وهو مصدر وإنما يطلق على المكتوب على السعة والكتابة صنعة الكاتب والطرس الكتاب الممحو الذي يستطاع أن تعاد فيه الكتابة أو الصحيفة التي محيت ثم كتبت والتطريس إعادة الكتابة على المكتوب وطرَّس الكتاب سوده والطلس باللام الصحيفة أو كتاب لم ينعم محوه فيصير طرساً وأنمجت نقطة من القلم ترششت ومجمج الكتاب ثيجه ولم يبين حروفه والتثبيج تعمية الخط وترك بيانه والصحف ما كان من جلود والقطا الصك وكتاب المحاسبة والمجلة صحيفة كانوا يكتبون فيها الحكمة قال النابغة: مجلتهم ذات الآلة ودينهم ... قويم به يرجون خير العواقب والعهدة كتاب الشراء وهي وثيقة المتابعين وكتب له منشوراً يشد ورجعة الكتاب ورجعانه جوابه ويقال أجابه في هامشة كتابه إذا كتب بين السطرين وهو من قولك تهامش القوم إذا دخل بعضهم في بعض وهمش الجراد إذا تحرك ليثور وتقول نقطت الكتاب وأعجمته

وشكلته وقيدته وهذا كتاب غفل كقولك دابة غفل إذ لم يكن موسوماً والسجل كتاب العهد وتقول أمليت الكتاب وأمللته واستملة إذا سأل الإملاء والزبور والرقيم الكتاب وزبرت ورقمت كتبت وقرمطت قاربت بين الحروف مأخوذ من القرمطة وهي دقة الكتابة وسحيت الكتاب سحياً إذا قلعت منه سحاية وهي القشرة تأخذها عن القرطاس وخزمته ثقبته وحزمته شددته ويقال تربت الكتاب وأتربته وتربته وختمته ومنونته وأرخته تاريخاً وهذه إضبارة من كتب أي حزمة منها وإضمامة والكراسة ما تكرست أوراقه وتلبدت واحدة الكراس والكراريس وهي الجزء من الصحيفة والمصحف سمي مصحفاً لأنه أصحف أي جعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين وهما اللوحان اللذان يكتنفانه وله الغلاف وفيه العروتان والمحبرة والحبرية التي فيها الحبر وهو الزاج والرشق صوت القلم وحصرم القلم براه والمرقم كمنبر هو القلم ومثل ذلك بكثير في كتب اللغة والأدب مما يرشدك إلى أم الكتابة كانت منتشرة في العرب بدليل استعمال ما تقدم من الألفاظ الموضوعة لآلات الكتابة وما يتعلق بهذه الصناعة ولم يكن للعرب القرطاس المعهود اليوم بل كان عندهم كل ما يمكن أن يكتب عليه كالرق وربما كانوا يكتبون على العُسب والجريد وماشاكل ذلك وإنما حدث الكاغد (القرطاس) في زمن الملوك العباسية بإشارة الفضل بن يحيى زوكتب فيه رسائل السلطان وصكوكه واتخذه الناس من بعده صحفاً لمكتوباتهم العلمية والسلطانية وبلغت الإجادةة في صناعته ما شاءت كما بسطه ابن خلدون في مقدمته والله أعلم.

دليل نبوة سيدنا محمد

دليل نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مقال للكاتب الشهير محمد قريد بك وجدي قال كارلايل الفيلسوف الإنكليزي الشهير الذي يعد أكبر الإنكليز بعد شكسبير (توفي سنة 1881) م قال في إقامة الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الأبطال وديانة الأبطال ما معناه: (لو جاءك رجل فادعى لك أنه بناءً فماذا تطلب من الأدلة على زعمه ذلك أكثر من أن بيني ذلك بيتاً مشيد الدعائم ثابت الأركان. ثم ماذا كنت قائلاً لو بني ذلك البيت من السعة بحيث يسع نحو مائة وثلاثين مليوناً من الأنفس ويعيش جديداً متيناً نحو ثلاثة عشر قرناً) هذا المثل نضربه لمحمد النبي العربي الذي قال أنه نبي ثم قرن مقالته هذه بتأسيس دين متين دخل فيه الناس أفواجاً ومازالوا متمسكين به اليوم تمسكاً لا يوجد له نظير في الأمم الأخرى. فإن زعم زاعم بان ذلك دين باطل فنجيبه بأن الباطل مثله كمثل أوراق البنك الزائفة تمر من يد ويدين ولكنها لا تكاد تمر في اليد الثالثة حتى تضبط وتعرف أنها زائفة فلا يقع في أحبولتها أحد هكذا عهدنا حال الأباطيل في هذا النوع الإنساني. وهذا الإسلام قد مضى عليه كل هذا الزمان وتولته رجال من كبار العقول أحقابا بعد أحقاب ولم يزل موضع الإجلال والإعظام إلى اليوم. أليس في هذا ما يدل على أنه حق؟ هذا معنى قول (كارلايل) في الفصل الذي خصصه للنبي صلى الله عليه وسلم من كتابه ذلك وهو قول جدير بالروية لمن ألقى السمع وهو شهيد. كل الناس يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم ظهر في أمة العرب وحده معلناً قومه بأنه أرسل إلى الناس كافة بدين الله الذي هو الإسلام دين الفطرة وكل الناس يعلمون أنه أوذي واضطهد هو ومن تبعه نحواً من ثلاثة عشرة سنة بمكة ثم هاجر إلى المدينة وهناك وجد أنصاراً قاتل بهم من قاتلهم حتى خضد شوكتهم وثلم حدهم وانتهى الأمر بجزيرة العرب كلها إلى الإسلام. وكل الناس يعلمون أنه كان وهو صاحب الكلمة العليا ومالك ناصية الأمة بحذافيرها الزهد والعبودية والبعد عن حطام الدنيا كما كان أيام كانوا يرمونه بالحجارة ويستهزؤن به في النوادي. وكل الناس يعلمون أنه لما اشتد أذى الكافرين وثقلت وطأتهم على المؤمنين حتى

كان الرجل لا يعبد الله وهو مطمئن. أنزل الله على رسوله قوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمناً يعبدونني لايشركون بي شيئاً) وكل الناس يعلمون أن هذا الوعد الإلهي تحقق وصار العرب خلفاء الأرض وبلغوا من الملك ما لم تبلغه أمة قبلهم. هذه حادثة اجتماعية تحتاج إلى تعليل مقبول تطمئن إليه النفس وليس أمامنا إلا أحد فرضين وهما إما التسليم بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله حقيقة أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وقد أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وإما فرض أنه ليس برسول وأنه وصل إلى ما وصل إليه بالتدبير وحسن السياسة. إن مال مائل إلى الفرض الثاني ناقشناه المسألة وقلنا ينبني على أنه ليس برسول جملة أمور (أولاً) أنه مدعي النبوة كذباً (ثانياً) أنه تظاهر بما كان متصفاً به من الأخلاق والعبادة رياءً وانه استطاع أن يثبت على هذا الرياء طول حياته (ثالثاً) أنه استطاع أن يخفي حاله ذلك على كل أحد حتى أخص أصحابه وأخص نسائه (رابعاً) أن الله أيده ونصره وجعل كلمته العليا مع اتصافه بهذا الحال (خامساً) أنه مع اتصافه بهذا الحال أتى بعمل فاق كل المرسلين فإنه ليس في تاريخ الأنبياء انقلاب نشأ من بعثته رسول كالانقلاب الذي أحدثته البعثة المحمدية (سادساً) أن الأمة العربية من الغباوة بالمكان الأسفل (سابعاً) أنه مدع لكنه أتى بما أتى به المرسلون من الكمالات - لنفحص هذه الوجوه السبعة وجهاً وجهاً فنقول: أما فرض ادعائه النبوة كذباً فلا يثبت أمام النقد. لأن النبوة أمر خطير وشأن جليل لا يقدم على ادعائه زوراًَ وبهتاناً إلا رجل مطبوع القلب فاسد الفطرة سيء النية جريء على الله ومن كان كذلك كان حياته سلسلة جرائم وشبكة مآثم بعيدة عن الخير في كافة وجوهها مصروفة عن الفضيلة بسائر ضروبها فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم في باكورة حياته من هذا الصنف من الناس أما شهد تاريخه بأنه كان من مكارم الأخلاق وطهارة الخلال قبل النبوة بحيث سماه معاصروه بالأمين لم تحفظ عليه جريمة ولم تعرف عنه خصلة ذميمة: ومن كانت حياته الأولى طهراً وصفاته غراً فكيف ينقلب بعد الأربعين إلى ضدها أو ترتكس طبيعته إلى نقيضها هل تبدلت سنة الخليقة، هل تحولت نواميس الطبيعة.

أما فرض أنه كان متظاهراً بتلك الخلال الكريمة والصفات القويمة رياءً فأوهى أمام الامتحان من الفرض الأول. لأن الرياء صفة النفوس المنحطة وديدن أصحاب القلوب الخوارة وهي خصلة عالية وصبغة ظاهرية إن استترت حيناً انكشفت بعده لا محالة بطبيعتها لأن الرياء لما كان حبالة لصيد أو وسيلة لكيد فهو ثوب مستعار تنفعل له النفس انفعالاً ما دام فيها أمل للوصول إليه ويكون شأنه كشأن سائر الصفات العارية من التلاشي أمام العوارض الفجائية والزوال أمام المخاوف الطاءرة! فصاحب هذا الحال يكون دائماً مضطرباً مذبذباً يكاد يظن أن نفسه تنم عليه! ثم إن حوادث الحياة وطوارق الحدثان وماجريات الأحوال كاشفات للغش فاضحات للتدليس فلا تجد مرائياً بالزهد أو بالشجاعة أو بالكرم إلا وقد فضح أشنع فضيحة أمام الناس لا سيما إن كان متعرضاً للحوادث يعالجها أو متصدياً للخلائق يكافحها! ومن أبعد الفروض عن العقل أن يدعي مدع إمكان الثبات على مثل هذا الرياء حياة بأكملها لأن المراآة لا تكون إلا نيل غرض فإن حصل ذلك الغرض عاجلاً أو آجلاً ضعفت المراآة وشفت عما وراءها من التمويه لأن نفس المرائي لا تكون عادة إلا نفساً منحطة سافلة يستطيرها بارق الأمل ويزدهيبها ظاهر النجاح فتفتضح سنة الله في خلقه ليتميز الحق من الباطل. أما الفرض الثالث وهو أنه استطاع أن يكتم رياءه على أخص أصحابه ونسائه. فهذا الفرض أضعف أمام التمحيص من سابقيه لأن تاريخه دلنا أن كل صاحب أصحابه مثله فمن كانوا من أصحاب التدليس يكون لهم أخصاء على شاكلتهم يعاونونهم على نيل بغيتهم ويشاطرونهم المغنم من فضلتهم وقد دل تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أخص أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا على شاكلته من الزهد في الدنيا والبعد عن زخارفها وقد تولوا الخلافة بعده بانتخاب الأمة لهم فلم تفتنهم السلطة ولم تستخفهم أبهة الملك وما كانوا إلا خدماً لمن تولوا شأنهم يلبسون أقل مما يلبسون ويأكلون أدنى مما يأكلون، يبيتون ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً. وها هن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين كن أمثلة كمال وفضيلة وعلى غاية من الزهد والصلاح حتى لحقن به طاهرات تقيات فما هذا الرياء الذي يبلغ هذا المبلغ وما هي الفضيلة بعد ذلك؟. أما فرض أن الله أيده ونصره مع اتصافه بهذه الصفات فهو أوهن من كل الوجوه التي

مرت! ومتى عهد أن الله يؤيد المرائين المفترين ويمكنهم من التسلط على قلوب العالم عامتهم وخاصتهم لا سيما وهم منتحلون لقب النبوة وواسمون أنفسهم بسيماء الرسالة وهي أكبر حوادث الوجود الإنساني خطارة. إذا ساغ لإنسان أن يفرض هذا الفرض فقد اتهم عدالة الله تهمة يستوجب عليها التعزير الكبير وأساء النظر في النواميس الاجتماعية كل الإساءة ودل على مقدار غفلته عن نظام الكون ونظام التهيئات الاجتماعية وإذا ساغ لأحد أن يفرض هذا الفرض فقد شك في سائر الديانات لأن الخالق إن أيد الباطل لهذه الدرجة فلا يبعد أن تكون سائر الديانات السابقة باطلة ولكن المعروف من رحمة الله ومن أحوال الكون بما لا شبهة معه أن الله عدو المبطلين المفترين وأن ملائكته والوجود وما فيه أعداء ألداء لهم بل أن نظام الكون وما أودع الله فيه من علائق مرتبة بين العلل والمعلولات وبين الأسباب والمسببات يأبى أن ينجح المبطلون أو يفوز المفترون والمدلسون! ذلك لأن التدليس والافتراء وما شاكلهما صفات منحطة لا تناسب إلا النفوس الساقطة ولا يمكن أن تكون النفوس الساقطة طليعة للانقلابات المرقية بوجه من الوجوه! وقد نقل المسيحيون فيما نقلوه من أقوال عيسى عليه السلام في الإنجيل أنه لما قال لهم سيظهر بعدي أنبياء كذبة فاحذروهم - أن بعضهم سأله بأي علامة نميزهم فقال علامتهم أن الله لا يؤيدهم فما قولك فيمن أيده الله ونصره وأعلا كلمته وأظهر دينه على الدين كله؟. أما فرض أنه مع اتصافه بذلك يأتي بأعمال تفوق ما عمله المرسلون فعجيب جداً لأنه لو تجاسر إنسان وفرض أن الله ربما ساعد المفترين المدلسين فهل يعقل أن يساعدهم حتى يأتوا بما يفوقون به سائر الأنبياء والمرسلين. وهذا هو التاريخ أمامنا ناطق بأن ما أتاه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في مدى ثلاث وعشرين سنة من أول رسالته إلى يوم وفاته من هدم الوثنية من جزيرة العرب بأسرها وتأسيس أمة حية ركينة الرابطة قامت بأجل عمل في العالم مما لم يتسن مثله لأي رسول سابق فهل يتصور أن الله يأخذ بيد المفترين حتى يعلو بهم على الأنبياء والمرسلين. متى عهدنا أن الله تعالى يعلي شأن الرذيلة ويحط قدر الفضيلة بل متى عهدنا أن الله يرفع التدليس على النبوة. أما فرض أن الأمة كانت من الغباوة بالمكان الأسفل حتى راج فيها كل هذا التدليس فمن

الفروض الساذجة فإن التاريخ دلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث بين ظهراني مكة نحواً من ثلاث عشرة سنة وهو يدعوهم إلى الله فلم يقبل الدعوة منهم إلا نفل قليلون وكان الباقون من تسلط الشك عليه بحيث يقولون كما حكى الله عنهم (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) إلى قوله عز اسمه (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه) الآية، وقد كانوا من شدة الشكيمة والبعد عن العقيدة وتمكن الشك من قلوبهم بحيث قال الله عنهم (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون). أما الفرض السادس وهو أنه مدعٍ وجاء بما جاء به النبيون من الكمالات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة العبادات فمن الفروض التي لا تثبت أمام النقد فإنه قلب لسنة الكون. إذ كيف يفرض أنه مفتر ثم ينتظر منه الإتيان بشريعة تعد أعدل شريعة ظهرت في الوجود لاشتمالها على أصول العدالة واحتوائها على روح القسط. متى عهدنا القلوب السافلة والنفوس المنحطة مصدراً لأمثال الشرائع الكاملة والقوانين الفاضلة التي ترقي الأمم وتحفظ كيانها. هذه فروض يقتضيها زعم من يتجاسر فيزعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس برسول وقد أريناك مكانها من العلم فلم يبق أمامنا إلا الفرض الأول وهو أنه رسول رب العالمين وإمام الأنبياء الصالحين وخاتم رسل الله المخلصين وأنه أرسل رحمة للعالمين، بكتاب من عند الله مبين سيكون كتاب الناس أجمعين ولتعلمن نبأه بعد حين. (فريد وجدي)

حكم أخلاقية

حكم أخلاقية جاءنا من حضرة العالم الفاضل التقي الشيخ عارف أفندي المحملجي قصيدة أخلاقية غراء نقتطف منها ما يأتي، قال في مطلعها: افتتح الظلم يا إلهي ... بما به كتبك افتتحت فاجعلني من حامديك علّي ... أحمدك دوماً كما حمدت وصل ربي عَلَى نبي ال ... هدى وسلم ما دمت أنت إلى أن قال: لا يدرك المجد بالأماني ... ولا الدعاوي كما زعمت فاترك جميع الغرور واعمل ... يا صاح فيما له خلقت واسلك سبيل التقى وانصف ... ولا تحم حول ما جهلت واصحب أهيل النهى ولازم ... ودادهم إن بهم ظفرت فهم أولوا الفضل ليس يشقى ... جليسهم يا من اعترفت واضرع إلى الله وارفع ... أكف ذل إذا دعوت واخضع وكن راضياً مطيعاً ... لأمره مثل ما أمرت وانته عما نهاك عنه ... ومنها فاسمع إذا تلوت ولا تمل للسوى وأكثر ... من خوفه كلما دنوت وقف على بابه حزيناً ... تصر أميناً إذا دهلت واشكره دوماً يزدك براً ... واذكره سراً وإن جهرت وراقب الوقت والتجلي ... واصبر تر الخير إن صبرت فالوقت سيف يقطعك عنه ... يا حبذاً إن له قطعت وصل حبال الوداد حتى ... تفوز بالأنس إن وصلت وعانق الصمت والتأني ... ورافق الجوع إن سهرت ووافق القوم ما استقاموا ... ولا تنافق إذا صحبت ومر بعرف لا تخش لوماً ... عن منكر فإنهَ إن رأيت ولا تسكتن في الحالتين ... فيسخط الله إن سكت يسر ولشر سدد وقارب ... وجانب الناس ما استطعت

ألا لأخذ العلوم عمن ... يكون أهلاً فيما حسبت وانهض لنيل العلى بحزم ... وجدد العزم إن سئمت وخالف النفس في هواها ... وفر منها إذا قدرت ولا تقاعد في المعالي ... ولا تباعد وإن حرمت ولا تقف في السلوك أصلاً ... فينتهي السير إن وقفت فكل فضل يعلوه فضل ... فاصعد إلى فوق ما ارتقيت وإن توالت عليك نعما ... ءه استزده مما وهبت فإن مولاك ذو نوال ... يجود فضلاً عليك حتى يغنيك عما سواه فيما ... يمن يامن له عرفت ودأبه الجود والعطايا ... وليس يرضاك إن بخلت فثق به دائماً وانفق ... يهبك من خير ما رزقت لا تشتغل بالعباد عنه ... وخف من الطرد إن شغلت وكن حليماً سمحاً كريماً ... وكن رحيماً بمن وليت وفه بخير مادمت حيا ... ولاحظ الشرع حيث كنت

العمامة في الإسلام

العمامة في الإسلام ضمني وبعض الأصحاب مجلس تكلمنا فيه على العمامة وأنها سنة فقال بعض من حضر أنها ليست من السنة الشريفة فأحببت أن أنقل من السنة الشريفة ما يثبت سنيتها لعل الله ينفع به بعض الأخوان والله الهادي إلى سواء السبيل. فأقول الحمد لله العليم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآلة وصحبه أجمعين أما بعد فإن العمامة سنة من سنن الإسلام. وقد جاء في التعمم أحاديث كثيرة منها ما أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد قال حدثنا أبو موسى حدثنا عثمان بن عمر عن الزبير بن جوان عن رجل من الأنصار قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن آلعمامة سنة فقال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف اذهب فأسدل عليك ثيابك والبس سلاحك ففعل ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقبض ما سدل بنفسه ثم عممه فسدل. وروى أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث عبد الأعلى ابن عدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يوم غدير (خم) فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال هكذا فاعتموا فإن العمائم سيماء الإسلام وهي الحاجز بين المسلمين ذكر هذين الحديثين الشريفين العيني في شرحه على البخاري في باب العمائم. وفي الجامع الصغير العمامة على القلنسوة فصل ما بيننا وبين المشركين يعطى يوم القيامة بكل كورة يدورها على رأسه نوراً أخرجه البارودي عن ركانة ونقل القسطلاني في باب العمائم أيضاً عن أبي داوود والترمذي عن ركانة رفعه فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم وعن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه رواه الترمذي وعند ابن أبي شيبة من حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن وأفضل له من بين يديه مثل هذه. وفي رواية نافع عن ابن عمر قال عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عوف بعمامة وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع وقال هكذا فاعتم وفي حديث الحسن بن علي عند أبي داود أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه وفي الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. وهل ترخى من الجانب الأيسر أو الأيمن قال الحافظ الزين

العراقي المشروع من الأيسر ولم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث أبي أمامة بسند قد ضعف أه منه وقال الباجوري رحمه الله تعالى في شرحه على الشمائل في باب عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمامة سنة لاسيما للصلاة وبقصد التجمل لأخبار كثيرة فيها وتحصل السنة بكونها على الرأس أو على قلنسوة تحتها أه فمن تأمل في هذه الأحاديث الشريفة وعلم أحوال النبي عليه الصلاة والسلام ومحافظته على العمامة وكيف عمم غيره وأمره بالتعمم على أن التعمم من السنة بل ربما يشعر بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم) بالوجوب ويكون لفظ السنة الوارد في كلام ابن عمر بمعنى الطريقة والله اعلم. وأما من شب على تقليد الأوروبيين في أزيائهم وأخلاقهم المنافية لآداب الدين الإسلامي فإنهم لا يبالون بكثير من السنة بل ولا بالفروض وإذا تربعوا في المجالس تكلموا بأشياء ليست من الدين ونسبوها إليه ويستدلون كثيراً بكتب التاريخ على بعض الأحكام الشرعية والحال أنه لا يستدل على الحكم الشرعي إلا بالكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس وما مقصدهم في هذا إلا التغرير بالعامة من الناس ولذلك تراهم يرمون علماء الإسلام بعدم التمدن تارة والتعصب تارة أخرى وما ذنبهم إلا اقتفاؤهم أثر الرسول عليه الصلاة والسلام والانتصار للحق. نعم إن تعصبهم للحق لما يمدحوا عليه. وما ضر الأمة الإسلامية إلا عدم تمسكها بالآداب الدينية وعدم اتباع أوامر الله عز وجل قال الله تعالى في كتابة العزيز (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولكن ما العمل بمن يحب اتباع الأهواء والانقياد لأوامر نفسه ووساوس شيطانه رحم الله البوصيري حيث قال: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم على أن المسئلة لو لم يكن فيها نص كان العقل يقضي علينا باتباع عادة قومنا وبلادنا والمحافظة على أزيائنا إذ لا يخفي ما في ذلك من تقوية الرابطة القومية. هؤلاء الغربيون يأتون بلادنا ويقيمون فيها محافظين على ملابسهم وأخلاقهم وعاداتهم وكنا نستبشع ملابسهم ولم يزل البعض منا يكره ذك منهم وهم لا يغيرون عادة بلادهم وقومهم وإن كانت مستقبحة في حد ذاتها وبالعكس بعض شبابنا أليس هذا شيء عجيب؟ وحيث ثبت أن العمامة سنة من سنن الإسلام فتركها مكروه ونسئل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يوفقنا لاتباع أوامره

والمحافظة على التمسك بحبل شريعته والحمد لله رب العالمين. صلاح الدين الزعيم

حالتنا وفساد الأخلاق

حالتنا وفساد الأخلاق قلما ترى أحداً من العقلاء المفكرين غير شاكٍ مما آلت إليه حالة المسلمين اليوم من الضعف بعد القوة، والذلة بعد العزة، والضعة بعد الرفعة. وكلهم مجمعون على أنه لم يحل بهم ما حل من ضروب الهوان إلا لما طرأ عليهم من فساد الأخلاق والتهاون بأمر الدين، معتقدون أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم حسبما نطق به الكتاب العزيز. ولكن ماذا تجدي الشكوى وما يغني التذمر إذا كان ذلك لا يتجاوز أطراف اللسان ولا يظهر منه إلا الثرثرة والشقشقة والإغراق في بيان سوء الحالة التي وصلنا إليها والتكهن بالنتائج الفظيعة المهلكة. إنما الواجب على عقلاء المسلمين وعلمائهم وخاصتهم ومفكريهم أن يشخصوا الداء ويلتمسوا له الدواء الناجع وينهضوا بهذه الأمة إلى مستوى الأخلاق الفاضلة الكمالات الراقية ولا يتركوا وسيلة للوصول إلى هذه النتيجة السامية إلا استعملوها سواء كان بنصح الحكام ودلالتهم بالمعروف إلى طريق الخير ليسلكوها ومزالق الشر ليتجنبوها وحملهم على إزالة المنكرات الشرعية ومجازاة مرتكبيها أو بتأليف الجمعيات للوعظ والإرشاد وبيان ما طرأ على الدين من البدع التي كادت تشوه محاسنه وتضر بسمعته والحض على الاتفاق والوفاق ونبذ الشقاق وتوحيد المقاصد نحو ما يعلي شأن المسلمين في دينهم ودنياهم وأخلاقهم إلى غير ذلك. من ينكر أن المسلمين أضحوا في فقر وفاقة وتأخر في جميع مقومات الحياة عن جميع الأمم الناهضة. كانوا فيما سلف مثال الفضيلة والكمال والأخلاق العالية حتى تمكنوا في زمن غير طويل من القبض على أزمة أكثر الأمم في العالم فاطمئنوا لذلك وغفلوا عن تعهد ما به كانت رفعتهم وارتقاءهم وأهملوا واجبات دينهم فأخذهم الله بذنوبهم. فشا فيهم فساد الأخلاق فكثر الكذب وشاعت الخيانة وعم التحاقد والتباغض وتفرقت الكلمة وصارت منكرات الشرعغ القطعية من العادات المألوفة ولا رادع ولا زاجر. أضحى المسلمون من الضعف على حالة تذوب لها القلوب أسفاً، تراهم فرقاً واشياعاً لا جامعة تضمهم ولا عصبية تؤلف بين قلوبهم جعلوا بأسهم بينهم والأمم من ورائهم تبتلعهم

لقمة بعد أخرى وأمراؤهم وخاصتهم ركنوا إلى السكوت في كسر بيوتهم لا يتأمرون بمعروف ولا يتنافسون بفضيلة. وعليهم للأمة فروض يستغرق أداؤها أعمارهم وهم لا يؤدون منها شيئاً. وإذا أنفقوا أموالهم فعلى اللهو واللعب والشهوات البهيمية لا يدخل في حسابها شيء يعود بالمنفعة على الأمة والملة. إذا تذكر الإنسان ما حاق بالمسلمين في هذه السنوات الأخيرة من الرزايا والمصائب ثم رأى أنهم لا يزالون أحزاباً وشيعاً يتنافسون على غاياتهم وشهواتهم ويضحون في سبيل ذلك مصلحة الوطن واستقلاله لا يكاد يصدق أن هذا العالم من نسل أجدادهم العظام الذين كانوا يضحون كل مرتخص وغال من مصالحهم وأموالهم وأرواحهم في سبيل حفظ الدين وسلامة الوطن وذود الأغيار عنه. أعلنت دول البلقان الحرب على دولة الخلافة الإسلامية ظلماً وعدواناً وهي الدول التي بقيت زمناً طويلاً تحت رعاية الدولة العلية إلى أن نالت استقلالها التام تدريجياً وآخر ذلك كان عقيب إعلان الدستور منذ أربعة أعوام حيث رفعت بلغاريا سيادة الدولة العلية عنها. كان بين هذه الدول الصغيرة من الاختلاف لشدة تنافسها وتحاسدها ولتغايرها في الجنس واللغة فما زال يتقرب بعضها من بعض بسعي كبارهم وزعمائهم إلى أن عقدت الاتفاق على إضرام نار هذه الحرب الضروس الذين يريدون بها التهام قسم عظيم من أملاكنا. قلنا لما أعلن الحرب أن اتفاق هذه الدول مع ما قدمناه من وجوه الاختلاف بينهن سيكون أكبر باعث لنا على نبذ كل خلاف وتحزب ونسيان كل عداوة وشحناء والاجتماع يداً واحدة على قهر تلك الذئاب المفترسة. أليس نحن أحق بالاتفاق منهم؟ أليس ديننا واحداً؟ أليس وطننا واحداً؟ أليس خليفتنا واحداً؟ ألا يقول كتابنا الكريم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ألم يمتن الله علينا في محكم كتابه بقوله: (واذكروا إذ كنتم أعداء فآلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا). أعلن الحرب والأمة على مثل اليقين من أن هذه الحرب ستكون رافعة لشأننا مثبتة لعظمتنا لأن هذه الدويلات لا تجمع من الجنود مقدار ما تجمع دولتنا العلية فضلاً عن الصفات المعنوية التي امتاز بها الجندي العثماني في ميدان الكفاح فإنه ممتاز بالشجاعة والنجدة

والشهامة. فما زالت تعمل الغايات وتحوم حولها مصالح الأحزاب حتى دخل العدو أرضنا واستولى على كثير من مدننا. فاللهم ألهم خاصنتا وأمراءنا أن يعرفوا أنهم مدينون بحقوق عظيمة للأمة وأن يقتصدوا في حب الذات فلا يحتقروا في سبيل هذه المحبة كل ما تتنافس أصحاب العقول المستنيرة في الحصول عليه. وعليهم أن يعلموا أن لهذا اليوم ما بعده فليس ثمة إلا الحياة أو الفناء فإن لم نتناس الأحقاد والضغائن ونستعين جميعاً بالله على حماية أوطانا وحفظ ذمارنا وصيانة استقلالنا حق علينا كلمة الفناء والعياذ بالله تعالى. أيحسن بالمسلمين الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس وكانوا في جميع أدوار حياتهم آية في الشهامة والمروءة والشجاعة حتى كانوا ينصرون بالرعب يقذفه الله في قلوب أعدائهم فينهزمون بجيش الرهبة قبل أن يشيموا لمعان الأسنة وبريق السيوف. أيليق بهم وتلك صفاتهم أن تلين قناتهم وتخضد شوكتهم وتصير أعداؤهم على أبواب عاصمة خلافتهم وهم على ما هم عليه من تفرق الكلمة وفساد الأخلاق والاشتغال بالخصوصيات. أما آن لهم أن يتوبوا من ذنبهم ويرجعوا إلى ربهم ويتناسوا أحقادهم؟ ويجتمعوا على ما فيه مصلحتهم وحفظ دينهم ووطنهم واستقلالهم ليبرهنوا على أنهم نسل أولئك الأسلاف الذين تطأطيء لهم الرؤوس إجلالاً كلما ذكرت أعمالهم الجليلة وآثارهم الباقية. اللهم خذ بيد هذه الأمة إلى ما فيه صلاحها واصرف عنها كيد الكافرين إنك بالمؤمنين لطيف رحيم.

خواطر

خواطر قرأنا في مجلة العثماني الغراء القصيدة الفريدةو فاقتطفنا منها ما يأتي حباً بالنفع والفائدة. قال: بله الحكيم وفاهت العجماء ... وتناولت لمم الأسود ظباء ونما الهشيم فعاد يرجى ظله ... وذوى النضير وزالت الأفياء وبكت على الأحياء أموات وقد ... حسدت ثرى أمواتها الأحياء وتبذخ الهين الصغير فدكدت ... من دونه الكبراء والعظماء والشمس أمست بالأهلة تهتدي ... والسحب قد رسبت وقام الماء وغدا الطبيب يزيد داء مريضه ... جهلاً ويحتقر الدواء الداء ودعا الفراش إلى الشموع سمندراً ... وتنزلت للهدهد العنقاء وغدا الجراد يروع قلب سمرمر ... والذئب يفزع إذ يطن ثغاء ومنها والضب أصبح هادياً في سيره ... وشدا الغراب وعيفت الورقاء وتفنن الأعمى فصار منجماً ... وتقاصرت في الرؤية الزرقاء وتخوف التنين من مس الطلا ... وتشاءمت بالدلدل الغبراء ومنها والأثمد المعروف أعماه الهوى ... فلأي عين بعد ذلك جلاء والخل أضحى ليس يعرف خله ... إلا إذا ارتبطت الأهواء والزور روّق كأسه فصفى الهوى ... للشاربين وحفت الندماء ومنها والغش راجت حيث راحت سوقه ... فالعرض بيع رابح وشراء والفحش ظل يزيد كل مهذب ... وتحسنت بقبولها الشنعاء ومنها والعجب عمّ فكل فرد معجب ... بالنفس راقت عنده الأسواء وعدا العفاء على الوفاء فلم يذر ... رسماً لحدّ حدّه القدماء والنسك هان فعاد يحذر قربه ... فكأن تحذر النهى إغراء

فالنقص فضل والسفاهة حكمة ... والكذب صدق والشقاء إخاء فكأنما الأهواء دين منزل ... والغي فينا سنة غراءُ دهر تساوى غثه وسمينه ... فالتبر فيه والتراب سواء سفه الحليم كما رشيد قد غوى ... خان الأمين وخابت النصحاء ألفت مقاصير النساء رجاله ... وعلت على همم الرجال نساءُ وتنكست أعلامه فترفعت ... فوق الرؤوس الأخمص الدنياء فكأنما تلك الحقائق بدّلت ... وتغيرت أرض لنا وسماء خفض عليك أخا اليراع فإنما ... يشقى البليغ وتزدرى الحكماء فاهن يراعك ما أطاعك عزه ... سيان فيها جهلة ودهاء وليزه ذو جهل بما أملت له ... فاليوم حظ السافل العلياء وليعترف خدن العلوم بجهله ... إن الجهالة ما حوى العلماء فالناس بين تخلق وتملق ... عرجوا المعارج للحظوظ فباؤُا

لا حياة لنا ما دمنا واثقين بأوروبا

لا حياة لنا ما دمنا واثقين بأوروبا علم الناس أجمع خبر ذلك الحادث المؤلم الذي بوغتت به دولتنا العلية ونعني به إعلان حكومات البلقان الحرب عليها، تلك الحكومات الصغيرة التي لا تبلغ نفوسها العشرة ملايين والتي كانت منذ نيف وثلاثين سنة من جملة ولايات الدولة العلية كما سبق بيانه فما زالت تسعى وتدأب وأوربا من ورائها ظهيرة حتى نالت استقلالها ثم قامت اليوم متفقة تجمع الجموع لمناوأتنا، وتحشد الجيوش لمحاربتنا. قامت الحرب على ساق وقدم، واشتد لهيبها، وتطاير شررها، واهتزت لها الأرض ومادت، وأصبحت الأمة العثمانية بأسرها مضطربة لهذا الخطر المدلهم تود أن تبذل آخر نقطة من دمها في سبيل المحافظة على شرفها ومركز حكومتها - وكثير من رجالنا يطمعون الناس برحمة أوروبا، وينتظرون رأفتها وعدلها. لا يخجل أحدهم يوم يتشدق أمام فئة من أترابه بقوله - أن أوروبا مرضعة الحكمة، محيية المدنية الأصلية، مهذبة طبائع البشر - ولا من قوله - لم يعرف إلى الآن ماذا تكون خطة الدول العظمى إزاء هذه الحركة ولا بد أن تنصفنا تلك الحكومات الكبيرة لما أن أفكار عقلائها استنارت بالعلم الصحيح فنشأت على حب الإنصاف والعدالة والرحمة بالإنسان أياًَ كان - بخ بخ ما أدهش هذه الأفكار هذه الأفكار السامية، والعقول الراجحة، وما أعجب هذا الصفاء القلبي وتلك الأفئدة الطاهرة التي حملتكم أيها الأقوام على حسن الظن برجال أوروبا والثقة والطمأنينة بأبنائها. إن منشأ هذا الارتياح، ومصدر هذا الإخلاص هو غرامكم الشديد بحبهم، وخضوعكم لهم خضوع المرؤوس لرئيسه، والوليد لوليه، خضوعاً وغروراً سحراً قلوبكم وأبصاركم، وجعلاكم ترون كل ما يصدر عن أوروبا غاية في الحسن، ومحض خير لبني البشر. ترون أن خطة الدول العظمى إزاء هذه الحركة ستكون مبنية على قاعدة الإنصاف والعدالة - ألم يبلغكم أن الدول العظمى أعلنت قبل نشوب الحرب أن هذه الحرب مهما كانت نتيجتها لا يمكن أن تحدث أقل تأثير في البلقان ولا أن تغير شيئاً من شكلها الحاضر. ولما أن ظهر شيء من نجاح البلقانيين أخذت تأول قرارها الأول وما زالت حتى سحقته بأقدامها وجعلته في خبر كان وقررت فيما بينها موافقة حكومات البلقان على جواز التبسط في الأراضي العثمانية بحجة أنه ليس لأحد أن يمنع ظافراً من ظفره ولا غانماً من غنيمته على

شرط أن لا يخل ذلك بمصالحهن هناك. فإلى متى هذا الاغترار بأوروبا؟ ومتى ينتهي هذا الغرور برجالها؟ ألم يكفكم أيها الأقوام أنكم انسلختم عن عاداتكم، وهجرتم ما كان عليه أباؤكم، وتطرفتم إلى الآداب الدينية فحاربتموها، وإلى العوائد الإسلامية فقاومتموها، وزعمتم أن أوروبا ملقنة الخلق معنى الإخاء والحرية والمساواة ليعاشروا بالمعروف ويقوم نظام اجتماعهم على تبادل المنافع حتى لا يبقى تمييز في الحقوق والواجبات بين المختلفين في المواليد والديانات لم يكفكم ذلك كله لم يكفكم تربعكم في المناصب وتهافتكم على الوظائف وإسرافكم في الملذات، وتبذخكم في الشهوات، ومحاربتكم المنافع العامة في سبيل منافعكم الخاصة حتى صبغتم أنفسكم وأولادكم بصبغة أفرنجية ثم أتيتم إلى الناس تسقونهم من خمر تلك المدنية الغريبة، وتكرهونهم على أن يربوا أولادهم بتربيتهم، ويأخذونهم بعوائدهم، ويعلمونهم علومهم ولغاتهم حتى ينشئوا وقد تمكنت من قلوبهم وأخلاقهم وأميالهم وأضحوا يظاهرونهم لاتحادهم معهم لغة وعادات وأفكار. إلى متى أيها الأقوام تثقون بأوروبا وتحمدونها وتزعمون أن رجالها هم محبو السلم، وناشروا لوائه وهم أرباب الأخلاق والغيرة ومثال الصدق والعفة. غركم منهم أنهم يجهرون بحب الإنسانية وخدمتها. أنسيتم أساطيلهم؟ أجهلتم مدافعهم؟ أغفلتم عن إعدادهم المعدات الحربية والطيارات الجوية؟ أحسبتم أن ذلك كائن للحيوانات العجم؟ أم للأحجار الصم؟ كلا والله ثم كلا لم يكن ذلك إلا لقتل الإنسانية ونحرها وصب البلاء والويلات عليها. ويل لكم أتصدقون رجال أوروبا بأنهم نصراء الإنسانية المظلومة إذاً فلم تقتل الأطفال الرضّع والشيوخ الركع والنساء العجز في طرابلس الغرب وأوروبا واقفة لا تتحرك، أتصدقون بأن رجال أوروبا يرفقون بالبائسين والمساكين إذاً فلم تذبح المسلمون في مراكش ويهان الأشراف والعلماء في تونس وتسجن الأبرياء في مصر وأوروبا صامتة لا تتكلم. أتصدقون بأن رجال أوروبا يعطفون على الضعفاء والعاجزين ويأخذون بيد العاثرين إذاً فلماذا تقف دوارعهم في جزيرة كريد لتحرس أبناءها وتحفظ رجالها ومسيحيو الكريديين يذبحون المسلمين في عقر دورهم وفي وسط بيوتهم وفي رواجهم وغدوهم وهم ينظرون إليهم ويتغاضون عن أعمالهم أتصدقون بأن رجال أوروبا أهل وفاء وصدق إذاً لماذا نقضوا أكثر المعاهدات التي جرت بينهم وبين حكومتنا العلية. هذه معاهدة باريز التي عقدت في 30 مارس سنة 1856 بعد أن وقع عليها

من طرف فرنسا وانكلترا وسردينيا وألمانيا والروسيا وأصبحت حبراً على ورق. فقد جاء في المادة الأولى منها ما نصه: في يوم تاريخ الإمضاء بقبول هذه المعاهدة الحاضرة يكون صلح ومودة بين كل من إمبراطور الفرنسيس وملكة المملكة المتحدة في بريطانيا الكبرى وأرلاندا وملك سردينيا وسلطان الدولة العثمانية من جهة ومن إمبراطور جميع الروسيا من جهة أخرى وكذا بين ورثتهم وخلفائهم ودولهم ورعاياهم على الدوام. وفي المادة الثالثة ما نصه: قد تعهد إمبراطور جميع الروسيا بأن يرد لسلطان الدولة العثمانية مدينة قارص وقلعتها وكذا سائر المواضع التي استولت عليها عساكر الروسيا وهي من ملحقات بلاد الدولة العثمانية. وفي المادة السابعة ما نصه: قد صدر إعلان وتصريح من لدن إمبراطور الفرنسينس وإمبراطور أوستريا وملكة بريطانيا العظمة وأرلاندا وملك بروسيا وإمبراطور الروسيا وملك سردينيا بأن للباب العالي اشتراكاً في فوائد الحقوق الأوروباوية العامة وغي منافع اتفاق أوروبا وقد تعهدوا بأن يحترموا استقلال السلطنة التركية وإبقاها تامة وتكفلوا جميعاً بالمحافظة على هذا التعهد وكل أمر يفضي إلى الإخلال بذلك يعتبرونه من المسائل التي يبنى عليها مصلحة عامة. وفي المادة الثامنة ما نصه: إذا حدث بين الباب العالي وإحدى الدول المتعاهدة خلاف خيف منه على اختلال الفهم وقطع صلتهم فمن قبل أن يعمد الباب وتلك الدولة المنازعة له إلى أعمال القوة والجبر بقيمان الدول الأخرى الداخلة في المعاهدة وسطاء بينهما منعاً لما يتأتى على ذلك الخلاف من الضرر. وفي المادة التاسعة ما نصه: سلطان الدولة العثمانية بخير رعاياه جميعاً قد تفضل بإصدار منشور غايته إصلاح ذات بينهم وتحسين أحوالهم بقطع النظر عن اختلافهم في الأديان والجنس وأخذ من ذمته مقصده الخيري نحو النصارى القاطنين في بلاده وحيث كان من رغبته أن يبدي الآن شهادة جديدة

على نيته في ذلك عزم على أن يطالع الدول المتعاهدة بذلك المنشور الصادر عن طيب نفس منه فتتلقى الدول المشار إليها هذه المطالعة بتأكيد مالها من النفع والفائدة ولكن المفهوم منها صريحاً أنها لا توجب حقاً لهذه الدول في أي حال كان على أن تتعرض كلاً أو بعضاً لما يتعلق بالسلطان ورعاياه أو بإدارة سلطنته الداخلية. فأين هذا مما نحن فيه؟ أين قولهم - ولكن المفهوم صريحاً أنها لا توجب حقاً لهذه الدول الخ في ادعائهم الحق الصريح الثابت في المداخلة عند سنوح كل فرصة؟ أين قولهم بأنهم يحترمون استقلال السلطنة وإبقاءها تامة وبأنهم تكفلوا جميعاً بالمحافظة على هذا التعهد الخ من اتفاقهم على الدولة وتغاضيهم بل مساعدتهم كل من يريد إيصال السوء إليها؟. كل هذا يفعله رجال أوروبا خدمة للإنسانية، وطلباً لسلامة أملاك الدولة، فيطلبون كما قال أحد رصفائنا من الدولة أن تجري الإصلاحات في الداخلية لأجل سلامة أملاكها ويطلبون منها أن تمنح مقدونيا الاستقلال لأجل سلامة أملاكها. ويطلبون منها أن تعطي طرابلس الغرب لإيطاليا لأجل سلامة أملاكها. ويطلبون منها أن تجعل علىمقدونيا حاكماً مسيحياً لأجل سلامة أملاكها. ويطلبون منها أن ترضي حكومات البلقان لأجل سلامة أملاكها. ويطلبون منها أن تجعل مقدونيا تحت مراقبة أوروبية لأجل سلامة أملاكها، ويودن إخراجها من أوروبا لأجل سلامة أملاكها بل يتمنون زوالها بتاتاً لأجل سلامة أملاكها فبعد هذا أيها الأقوام تحبون أن نثق بأمانة أوروبا وصداقتها لدولتنا؟ أيسركم أن نعتقد أن أوروبا مهذبة العالم وما نحته المساواة يرضيكم أن نتربى بتربيتهم ونتزيا بأزيائهم ونتهافت على تعلم لغاتهم حتى نذوق طعم الحياة ونعرف معنى التمدنالويل كل الويل لنا إذاً. إن ما عرف من أخلاقهم وغدرهم وختلهم لم يعرف قط في زمن من الأزمان لم يعرف ولا بأيام الجاهلية الجهلاء لم يعرف بقرن من القرون الماضية وهم مع كل هذا يرموننا بالتعصب والهمجية، بأنا أهل حرب لا نحب السلم بأنا نقتل الإنسانية ونفتك بأبنائها بأنا. . بأنا. . إلى آخر ما يزعمون ونهاية ما يدعون ولكن هو الطمع والجشع والهمجية والوحشية والتعصب الأعمى والأخلاق الذميمة. نقول التعصب الأعمى ولا نبالي لاعتقادنا بأن بعض ما تفعله أوروبا وتتغاضى عنه من إذلال المسلمين وإهانتهم وظلمهم واضطهادهم ليس مما يأمر به الدين المسيحي بل هو مناف للأديان السماوية تمام المنافاة لا يلتئم معها بحال. غلا

فليعلم أولئك الزعانف أن خروجهم على الشرائع ومخالفتهم لما جاءت به الأديان، وجشعهم وطمعهم وظلمهم وجورهم وتعصبهم وحقدهم وقساوة قلوبهم وسفكهم لدماء الأبرياء - لمما يوجب عليهم السخط والمقت من الإله القادر الحكيم وهو مما ينزع هذه القوة من أيديهم ويديل دولتهم ويجعل الدائرة عليهم. وهو أيضاً مما يوجب فرح الدولة وعامة رعاياها لأن بعد العسر اليسر وعقب الشدة الفرج. ولا بد أن ينتبه المسلمون من غفلتهم وينزعوا حب أوروبا من قلوبهم ويبرؤا إلى الله من الثقة بها ويعلموا أنه لاينفعهم إلا عملهم ولا يرفع ذكرهم إلا اجتهادهم ويجعل آمرهم ومأمورهم وحاكمهم ومحكومهم وغنيهم وفقيرهم وصغيرهم وكبيرهم نصب عينيه قول الله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) فيلبوا داعي الحكومة كلما دعاهم إلى مساعدتها ويعملوا يداً واحدة على معاضدتهم ومؤازرتها. وفي الختام نكرر ما ذكرناه ونجهر بما قدمناه وهو أنه لا حياة لنا ما دمنا واثقين بأوروبا. فيجب أن ننزع ثقتنا بهم ونمتثل قول الله تعالى بإعداد ما استطعنا لهم من قوة وننبذ التفرنج في اللباس والمتاع والكلام وسائر الأعمال كبيرنا وصغيرنا وآمرنا ومأمورنا في ذلك سواء وحينئذ ينقلب شكل هيئتنا من شكل أوروبي إلى شكل إسلامي فنفلح وننجح ونتقدم ونربح ونعيد لبلادنا مجدها السابق وعزها الغابر. والله الفعال لما يختار.

كلمة قارصة

كلمة قارصة قال رئيس الوزارة البلغارية لبعض مكاتبي الجرائد. أن هذه الحرب التي نقوم بها في هذه الأيام إنما هي ضحية نقدمها من أجل مصلحة أخواننا مسيحيي الولايات الكدونية الذين أوقعهم من لا ذمة لهم ولا ضمير في فوضى هائلة أه. يا للوقاحة! ويا للافتراء!! نحن العثمانيين نعامل رعايانا المسيحيين معاملة من لا ذمة له ولا ضمير فيتألبوا علينا بداعي إنقاذ المسيحيين من أذانا وهؤلاء أخواننا مسلمو طرابلس الغرب هجمت عليهم إيطاليا في عقر دارهم وهم آمنون ففعلت بهم الأفاعيل وأمطرتهم من همجيتها بحجارة من سجيل. تتفق أوروبا علينا من أجل عشرات من الأشخاص قتلوا في مكدونيا بسبب انفجار قنابل ديناميت لم نلقها نحن وإنما ألقاها أولئك الذين أصبحت الأرض والسماء تعرفهم. - ثم بعد هذا ينكر علينا أن نتفق معشر المسلمين على الاستمساك بعرى جامعتنا والدفاع عن أخواننا الذين يذبحون جهرة من دون ما ذنب فعلوه ولا إثم ارتكبوه؟ بضعة عشر شخصاً من أشقياء الرومللي أجدر برحمة أوروبا وشفقتها من بعضة عشر ألفاً من أهالي طرابلس الغرب وبنغازي لم يقترفوا ذنباً. تتداخل أوروبا في شؤوننا من أجل حماية اشخاص هم من رعايانا ولا يمكنونا من التداخل في شؤون أنفسنا من أجل الدفاع عن بلادنا واستقلالنا وأخواننا. (ابعد هذا التناهي في تعصبهم ... يعزى التعصب للإسلام والتهم) (كفى الخداع فما في الأرض ذو طمع ... يحمي الحقوق وترعى عنده الذمم) (قالوا السلام فنمنا واثقين بهم ... أين السلام وأركان السلام دم) (قالوا الحياد قلنا ليس ذا عجبا ... عن نصرة الحق كما حادوا وكم وجموا) (إن عاهدوا نكثوا وأقسموا وحنثوا ... أو عاملوا عبثوا بالحق واهتضموا) (يا بني الشرق لا تخمد عزائمكم ... إن المغبة للقوم الأولى عزموا) (إذا اتحدتم أمنتم كل غائلة ... وإن تخاذلتم فالعار والندم) (لا تشتكوا لسوى الصمصام مظلمة ... الفاصل الموت والصمصامة الحكم) (البرهان)

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد وطئت وحقك أزمة في نعلها ... حراً أخا نفس يضن بذلها وبك استغاث فجد عليه بحلها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبرز من التكوين) ضاقت عليه فباب مدحك يمما ... لكن كبا فيه الجواد فأحجما يا من على عرش المحامد قد سما ... (أيروم مخلوق مديحك بعدما) (أثنى عليك الله في التبيين) حماه فارس النجار خطب الزمان لمهجتي قد علها ... والنفس قد ألفت لذلك ذلها ناديت خير الأنبيا وأجلها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبرز من التكوين) كن لي الشفيع فبحر عصياني طما ... أرجو بك التوفيق إني في عما فإن الذي صلى عليك وسلما ... (أيروم مخلوق مديحك بعدما) (أثنى عليك الله في التبيين) حماه إحدى محبات النبي صلى الله عليه وسلم حنيفة (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... نوراً لانت المجتبى بيقين ناداك ربك يا رسولا للملا ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... خصصت بالحسنى وأكرم دين من ذا يبقى بالمدح أو يثني كما ... (أثنى عليك الله في التبيين) ع. ر

الزنا

الزنا لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم الزنا فإذا فشا فيهم الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب لم تزل عقلاء الأمم قديماً وحديثاً تعتقد بتحريم هذه الرذيلة، وبأنها الوسيلة إلى نقض أسس العمران، والعامل الأكبر على خراب الممالك والبلدان وأنها مجلبة الشر، ومميتة الأخلاق، والضربة القاضية على الشرف والعفاف. اتفقت كافة الشرائع على تحريم هذه الفاحشة (الزنا) تحريماً مؤكداً ووضعت العقوبات الشديدة لإماتتها، وقطع دابرها، حفظاً للتربية، وصيانة للأخلاق العامة، ولئلا تضيع الأنساب، ويقل النسل، وتفقد الثقة بالأصول، فمنها من حكم على الزاني والزانية بأن يوثقا ثم يطرحا في الماء ومنها من حكم عليهما بالإحراق، ومنها من حكم عليهما بالقتل، ومنها من حكم عليهما بصلم الأذنين، وجدع الأنف كما تقدم بيانه ص 430 من المجلد الأول. وفرقت الشريعة الإسلامية في العقوبة بين المحصن وغير المحصن فأوجبت أن يخرج الأولإذا ثبت لدى الإمام زناه إلى أرض فضاء ثم يرجم بالحجارة حتى يموت وحظرت قتله بغير صورة الرجم تعذيباً له وتأديباً لغيره، وحكمت على الثاني إن كان حراً بجلد مأة مع تغريب عام وإن كان عبداً بجلد خمسين مع تغريب نصف عام، وشددت النكير على المتهاون بإقامة هذا الحد. فقال جل ذكره (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مأة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين). نهى الله تعالى عن استعمال الرأفة والرحمة بالزاني والزانية لعظم هذه الفاحشة التي هي من أكبر الكبائر ولذا قرنها تعالى بالشرك وقتل النفس فقال سبحانه (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيام ويخلد فيها مهاناً إلا من تاب) وسماها أيضاً فاحشة فقال عز اسمه (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقال سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا). قال العلماء رضي الله عنهم: الفاحشة أقبح المعاصي، والمقت بغض مقرون باستحقار فهو أخص من الفاحشة. وهو من الله عز وجل في حق العبد يدل على غاية الخزي والخسار. وللقبح ثلاث مراتب عقلي وشرعي وعادي. فقوله تعالى فاحشة إشارة للأول، ومقتاً إشارة

للثاني وساء سبيلا إشارة للثالث. ومن اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح أهـ وقد جاء في السنة الشريفة تغليظ شديد لمرتكب هذه الكبيرة. أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل له ندا وهو خلقك قلت إن ذلك لعظيم قلت ثم أي قال له أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك. وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. وأخرج الشيخان أبو داود والترمذي والنسائي. لا يحل دم ارمئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. وأخرج أبو داود والنسائي. لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا في إحدى ثلاث زنا بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً بالله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفساً فيقتل بها. وأخرج أحمد والطبراني واللفظ له، تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه. فلا يبقى مسلم يدعو دعوة إلا استجاب الله عز وجل له، إلا زانية تسعى بفرجها أو عشارا. وأخرج الطبراني عنه صلى الله عليه وسلم، أن الزناة تشتعل وجوههم نارا. واخرج البيهقي عنه عليه الصلاة والسلام. الزنا يورث الفقر. وأخرج البخاري من حديث طويل رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة إلى أن قال فانطلقنا إلى مثل التنور قال فاحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضو ضو الحديث وفي آخره وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأخرج أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي. إذا زنى الرجل أخرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان. وأخرج البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم. أن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإذا تاب رد عليه. وأخرج أبو يعلى عنه صلى الله عليه وسلم لا تزال أمتي بخير متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد الزنا وأخرج البزار أنه صلى

الله عليه وسلم قال، إذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة وأخرج أبو يعلى بسند حسن ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المصرحة بقبح هذه الكبيرة، وعظم وزرها، وشدة عقابها، وما ينبعث عن فشوها من الأضرار العامة كظهور الفقر ونزول الذل والمسكنة بالأمة، وتلاشي الخير من بينها، وإحاطة الغضب والمقت الإلهي بها، والقضاء الأبدي على الأخلاق والفضيلة التي يبذل في صيانتها كل مرتخص وغال، ويستهان بالمحافظة عليها بالدماء والنفوس والأرواح هذا مع سريان الفساد في العائلات واختلاط الأنساب في القبائل وضياع الحقوق والمواريث وتولد الأمراض وتكاثرها خصوصاً منها المرض الزهري الشائع بين الزناة ذلك الداء الذي جعل يهدد الصحة العامة بالفتك والأجسام الصحيحة بالعلل (ولعذاب الآخرة أشد) وماذا نجيب عما بلغنا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث المار ذكرها وهل تقليدنا لفسقة أوروبا أو رحمتنا لعدد لا يتجاوز العشرة من العاهرات يكون جواباً منجياً لنا من عذا الله تعالى؟ هذا ما نحب أن نسئل عنه أولئك الذين يتوهمون بأنهم بإعادة (المرقص) لدمشق يحسنون صنعاً ويفعلون خيراً، وأنه لا غاية لهم إلا حفظ الصحة العامة وصيانة الأعراض وأنهم في خدمتهم هذه أرادوا تخليص الوطن مما هو فيه. فهم يصرفون الأوقات ويكررون الجلسات ويديمون المذكرات في انتقاء محل مناسب لأولئك المومسات. وليت شعري هل تخليص الوطن يكون بمعصية الله وبما يوجب مقته وسخطه؟ هل تخليص الوطن يكون بما يوجب عليه الخزي الدائم والعار الأبدي؟ هل صيانة الأعراض تكون بإباحتها بالطريق الرسمي بحيث لا يخشى مرتكبها لوم لائم ولا سيطرة مسيطر؟ هل صيانة الأعراض تكون بتسهيل أسباب الفحش؟ هل صيانة الأعراض تكون بإعداد محل رسمي للمومسات؟ هل صيانة الأعراض تكون بما حرمته الشرائع الديانات؟ هل صيانة الأعراض تكون بعرضها للبيع كالسلع في الأسواق؟ هل صيانة الأعراض تكون بإباحتها للعبد والحر والجهول والسفيه؟ هل حفظ الصحة العامة يكون ببذر بذور الوباء (الداء الزهري) فيما بين الناس؟ هل حفظ الصحة العامة يكون بإباحة الزنا بمن لا يحترسن من التطهر من دم الحيض والأقذار؟ هل حفظ الصحة العامة يكون بإتيان فرج هو مورد لكل خبيث وشيطان؟ هل قطع الأوقات وتكرار الجلسات ودوام المذكرات لانتقاء محل لهن مع ما ينضم إلى ذلك من

المعصية والإثم ومخالفة أمر الله أهون من تتبع عشرة من المومسات ونعهن من التجاهر ببيع الأعراض؟ تالله لو أنا نعني بهذا الأمر بعض العناية ونضرب على أيدي أولئك الفاجرات لما ظهر لهذه الفاحشة أثر ولما عرف لها خبر. شرطي واحد لو أحيل إليه أمر تتبع هؤلاء المومسات لما اقتدرن على أن يتجولن بالأسواق يستهوين بعض الجهلة ويستملن بعض الأغرار بل لو منح هذا الشرطي سلطة تمكنه من إلقاء القبض على كل من ظهرت عليها إمارة الفحش سواء في ذلك الرجل والمرأة وقبض على بعض أفراد قليلة لمات خبر هذه الموبقة ولارتاح الناس أجمعين من خطر هذه الفاحشة ولأصبحوا يشكرون من كان السبب في دفع هذا البلاء عنهم ورفع هذه الفاحشة من بينهم وحينئذ يحق لنا بأن ندعي خدمة الأمة، يحق لنا أن نرفع أصواتنا بأنا من المحافظين على صون الأعراض، من المحافظين على الصحة العامة، من نصراء الفضيلة، من محبي الشرف والأدب، ممن يكرهون الرذيلة وينأون عن الفساد، وعسى أن يكون ذلك بالقريب العاجل وما هو على همة أولي الأمر بعزيز.

التاريخ

التاريخ ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن ذكرنا شذرة من أحوال سيدنا عمر رضي الله عنه وما كان عليه من الورع والزهد والتقوى والسهر على مصالح الرعية وشدة التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأخلاق والمناقب أحببنا أن نذكر شيئاً من فتوحاته ليعلم أخواننا من ناشئة العصر أن الجهاد لإعلاء كلمة الله عز وجل وتأييد دينه سبحانه هو حياة هذه الأمة الإسلامية وقوام أمرها وبه حفظ كيانها وصون مجدها وشرفها وإنقاذها من أنياب تلك الذئاب وخلاصها من عبث قوم لم يرقبوا في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة. فتح دمشق لما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة عزل خالداً عن إمارة الجيوش بالشام وجعل أبا عبيدة أميراً عليها وكتب إليه بذلك فوصل البريد إليهم وهم في وقعة اليرموك كما تقدم بيانه في آخر ترجمة أبي بكر رضي الله عنه، وكتم أبو عبيدة وفاة أبي بكر ولم يخبر الناس بأن عمر ولاه على إمارة الجيوش في الشام بدلاً من خالد رضي الله عنهم. اجتمع المشركون بعد انهزامهم في وقعة اليرموك في فحل وكان هرقل وراء حمص فأرسل أبو عبيدة طائفة من المسلمين إلى فحل لمحاصرة من اجتمع فيها. وبعث ذا الكلاع في جند من المسلمين إلى جهة حمص ليمنعوا هرقل من مساعدة أهل دمشق فنزلوا بين حمص ودمشق. وسير جنداً آخر فكانوا بين دمشق وفلسطين. ثم سار هو وخالد بن الوليد فقدموا على دمشق ونزل أبو عبيدة على ناحية وخالد على ناحية وحصروا أهل دمشق سبعين ليلة وقيل ستة أشهر وأحاطوا بهم من كل جانب وجاءت خيول هرقل لإغاثة دمشق فمنعتها خيول المسلمين التي عند حمص. ثم اتخذ خالد حبالاً كهيئة السلاليم ونهض هو وبعض وجهاء جنده قاصدين أن يتسوروا سور البلدة وتآمروا مع الجند بأنهم إذا سمعوا تكبيراً على

السور أن يرقوا إليهم ويقصدوا الباب. فلما وصل هو وأصحابه إلى السور رموا الحبال إلى أعلى السور فعلق فيه حبلان فصعد فيهما القعقاع ومذعور رضي الله عنهما وأثبتا بالشرف بقية الحبال التي جعلها خالد كهيئة السلاليم وكان ذلك المكان أحصن موضع بدمشق وأكثرها ماء. فصعد المسلمون ثم انحدر خالد وأصحابه وترك بذلك المكان من يحميه وأمرهم بالتكبير فكبروا فأتاهم المسلمون إلى الباب وإلى الحبال وانتهى خالد إلى من يليه فقتلهم وقصد الباب فقتل البوابين وثار أهل المدينة لا يدرون ما الخبر وتشاغل أهل كل ناحية بمن يليهم وفتح خالد الباب وقتل كل من عنده من المشركين. هكذا كان قواد الجيوش الإسلامية يخاطرون بأنفسهم ويخوضون غمرات الموت أمام الجنود بكل جرأة وإقدام رغبة في الشهادة ومبادرة إلى جنان الخلود حتى كان شرب كأس المنون إذا تلظت الحرب أشهى إليهم من الماء العذب. وكيف لا تنبعث روح الشهامة والثبات في جيش تيقن أن الجنة تحت ظلال السيوف ورأى أمراءه وقواده إلى القتل يبادرون ولميدانه يتسابقون؟. . هنا تتساقط من عيون المؤمن درر المرجان وتكاد نفسه تذهب حسرة على ما وصل إليه المؤمنون بعد تلك الأيام النضرة والحياة الطيبة. ولما رأى الروم ما صنع خالد بهم قصدوا أبا عبيدة وبذلوا له الصلح فقبل منهم وفتح له الباب وطلبوا منه أن يدخل ويمنعهم من جند خالد. فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ودخل خالد عنوة ولكن أبا عبيدة لم يعلم بذلك. فالتقى خالد والقواد في وسطها. هذا قتلاً ونهباً وهذا صلحاً وتسكيناً فاجروا ناحية خالد على الصلح مثلهم وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد وكان صلحهم على المقاسمة وقسموا معهم للجنود التي تركوها لمحاصرة أهل فحل وللجنود التي أرسلوها لمنع هرقل من إعانة دمشق ولغيرهم ممن هو عون للمسلمين يومئذ. وكان ذلك في رجب سنة أربع عشرة. وأخبر أبو عبيدة عمر بالفتح. فكتب عمر إليه يأمره بإرسال جند العراق نحو العراق فأرسلهم وجعل هاشم بن عتبة أميراً عليهم. واستخلف في على دمشق يزيد بن أبي سفيان. فتح فحل وتوابعها ثم سار أبو عبيدة إلى فحل وبعث خالداً على المقدمة وجعل شرحبيل ابن حسنة على الناس

وعلى الخيل ضرار بن الأزور وعلى الرجال عياض بن غنم وكان على جانبي الجيش أبو عبيدة وعمرو بن العاص وقصد أهل فحل من الروم بيان. وصادف وصول شرحبيل حينئذ فنزل بالناس على فحل وبينهم وبين الروم المياه والأوحال فكتبوا إلى عمر وأقاموا ينتظرون أمرهم ففاجأهم الروم وخرجوا إليه بغتة وعلى الروم سقلار بن مخراق ولكن المسلمين كانوا على غاية اتيقظ والحذر وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلى على تعبئة الجيش وتمام الأهبة وكان الروم يومئذ ثمانين ألفاً فغرتهم كثرتهم وهجموا على المسلمين وحصل قتال عظيم دام ليلتهم ونهارهم حتى غشيهم ظلام الليلة التالية. فحار الروم وولوا الأدبار وقد أصيب رئيسهم سقلار والذي يليه نسطوس ولم يتمكن الروم من الفرار فانتهت بهم الهزيمة إلى الوحل فأدركهم المسلمون وأوسعوهم وخزاً بالرماح وغنموا أموالهم. ثم ارسل أبو عبيدة شرحبيل ومن معه إلى بيسان وانصرف هو بخالد ومن معه إلى حمص. ولما استخلف أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان على دمشق وسار إلى فحل كما تقدم بعث يزيد دحية الكلبي إلى تدمر وأبا الأزاهر القشيري إلى حوران فصالحوهما ووليا عليهما. ثم سار يزيد إلى مدينة صيدا وجبيل وبيروت وعلى مقدمته أخوه معاوية ففتحها هي وغيرها من سواحل دمشق. وأما شرحبيل بن حسنة فأنه قتل من أهل بيسان خلقاً كثيراً ثم صالحه من بقي منهم على مثل صلح دمشق فقبل منهم. وكان أبو عبيدةو قد بعث الأعور إلى طبرية يحاصرها فصالحه أهلها على مثل صلح دمشق أيضاً وأن يشاطروا المسلمين المنازل فنزلها القواد وكتبوا بالفتح إلى عمر. مسير المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود إلى فارس اهتم عمر رضي الله عنه بحث الناس إلى الخروج مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى فارس مبادرة في إمضاء ما أوصاه به أبو بكر رضي الله عنه. فأول من انتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي وسعد بن عبيدة الأنصاري وسليط ابن قيس وهو ممن شهد بدراً ثم تتابع الناس على ذلك. وكان أهل فارس من أثقل الوجوه على المسلمين فتكلم المثنى بن حارثة وقال أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه فإنا قد فتحنا ريف فارس وغلبناهم على خير شقي السواد وقتلنا منهم واجترأنا عليهم ولنا إن شاء الله ما بعدها. فاجتمع الناس ودعى

عمر بأبي عبيد بن مسعود الثقفي وهو أول من انتدب للقتال فجعله أميراً وقال له اسمع من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر ثم قال له أني لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا سرعته إلى الحرب وإن التسرع إلى الحرب ضياع الأعراب فإنه لا يصلح الحرب إلا الرجل المكيث وأوصاه بجنده. فساروا على بركة الله تعالى وكان بعث أبي عبيد أول جيش سيره عمر ولم يول عمر رضي الله عنه إمارة ذلك الجيش لأحد من السابقين المهاجرين ولا الأنصار مع توفر كل منهم يومئذ. بل عدل عنهم إلى أبي عبيد بن مسعود الثقفي لأنه كان له سعة نظر في الأمور وحسن دراية في تعبئة الجيش وتنظيم شؤونه.

الطلبة والتعيش

الطلبة والتعيش من القضايا المسلمة التي لا تحتاج إلى مقدمات تبينها. ولا إلى دلائل تثبتها أن العلم حياة الأمم وأنه كلما ازدادت الأمة علماً ازدادت حياة ورقيا. وكلما انتشر الجهل بين أفرادها ازدادت اضمحلالاً وأصبحت على وشك السقوط بين يدي أعداءها. ومن ثم جعل أهل الخير وأصحاب العقول الكبيرة يشيدون المدارس ويعمرونها بالأوقاف لتصرف على إطعام طلبة العلوم وحاجاتهم. وأخذت الحكومات ترغب الناس في طلب العلم بتمييز طالب العلم عن غيره. وما ذلك إلا لجلب الناس إلى العلم. لأن النفوس في الغالب ميالة إلى الانتفاع بأعمالها دنيوياً. وقد سلكت هذا السبيل دولتنا العلية أيدها الله بروح منه فجعلت طالب العلم الديني معفواً من دخول الجندية التي هي من أشرف الوظائف ليتفرغ للعلم الذي هو ضالة الشعوب ونهاج السعادة. وشرطت عليه أن يؤدي الامتحان بعلوم الصرف والنحو والمنطق مدة ست سنوات بحضور هيئة من أهل العلم ورجال الحكومة. ولكنها لم تكتف بأداء الامتحان بل اشترطت ملازمة الطالب للمدرسة آناء الليل وأطراف النهار. مع أنها لو اكتفت بالشرط الأول وهو أداء الامتحان لأحسنت صنعاً. لأن الشرط الثاني وهو الملازمة للمدرسة وإن كان يعقل بالنسبة إلى وقت وضعه يوم كانت المدارس عامرة بالأوقاف التي تصرف على الطلبة ورواتبهم ولكن لا يعقل الآن لأن أوقاف المدارس قد درست واختلسها من لا أخلاق لهم ولا ذمة. فكان من الواجب إلغاء الشرط الثاني أو تعيين رواتب لهم تقوم بأود حياتهم وإلا أفضى الأمر بطالب العلم إلى أن يقعد في المدرسة يتسول الناس أو يترك طلب العلم بتاتاً وهذا مما يضعف العلم الذي يراد شيوعه وكثرته. هل تتصور الحكومة أن طالب العلم من الملائكة فيكون طعامه وشرابه التسبيح. أم لا ترى عاراً أن يكون طلاب العلم ورجال الدين عالة على الناس فيما يحتاجون إليه من طعامهم ولباسهم وأداة دروسهم. أم ماذا؟ هنا يقف الإنسان مذهولاً خصوصاً حينما يسمع من بيده أمر الطلبة يضيق عليهم ويتشبث بأنه لا يجوز للطالب أن يحترف بصناعة أو تجارة أو كسب ما من أنواع الاكتساب المباح في الشرع. على أننا لو قطعنا النظر عن هذه الأمور كلها ورجعنا إلى السلف الصالح من العلماء الذين ملأوا طباق الأرض علوماً لوجدناهم كانوا يشتغلون بحرف متنوعة. هذا أبو حنيفة رضي الله عنه كان خزازاً يبيع الخز ويتجر به. ولم يقطعه اكتسابه عن

التزود بالعلم والتبسط فيه. ومن يضارع أبا حنيفة رضي الله عنه في علمه وهو من كبار أئمة المذاهب الذين هم قدوة المسلمين في أقطار الأرض فنلفت أنظار من بيدهم الأمر إلى تلافي هذا الخرق. فإن الأمة في احتياج إلى علماء ترشدهم وتهذبهم وتزيدهم تعلقاً بعرش الخلافة العظمى أيدها الله وإلا فمن ينوب عن العلماء في هذا الأمر. وهل من الحكمة أن يعامل طالبو العلوم العصرية بأنواع الامتيازات فيعفوا من الخدمة العسكرية كما يعفى طالبوا العلوم الدينية مع تعيين معلمين لهم وصرف المبالغ الطائلة عليهم ولهم غاية يطلبونها وهي الاستيلاء على وظائف الحكومة والتنعم بلذائذ الحكم وتقاضي الرواتب. هل من الإنصاف أن تخصص الملايين من الليرات لنظارة المعارف ويترك طالبو العلوم الدينية بهذه الحال التي يرثى لها كل عاقل. أفيدونا بماذا ينتفع طالب العلم الديني عن علمه دنيوياً؟ هل جعلوا له وظائف يتولاها حين انتهائه من الطلب كما يعامل طلاب العلوم العصرية المكتبية؟ أم له مرتبات من قبل الحكومة؟ أم يحترمه الشعب احتراماً زائداً عن غيره؟ كلا لم يكن شيء من ذلك. بلى قد وجد في هذه الفئة الباغية الذين يسمون أنفسهم مصلحين من جعل ديدنه سب أهل العلم وقذفهم على مرأى من الناس والحكومة ومسمع ولا من ينتصر لهم أو يهتم لأمورهم. إذاً علام نضيق عليهم؟ وإلى م نضطهدهم؟ ألزوم أن ننفرهم عن الطلب حتى تحرم هذه الأمة من علماء يرشدونها إلى ما فيه صلاحها وفلاحها؟ أيقصد ازدياد الأمة في الجهالة وقد أضحى أفرادها كالغنم في الليلة المستطيرة؟ رباه إنك شاهد على ما يصنعون؟ ماذا على طالب العلم لو اشتغل بصناعة أو تجارة ليسد خلته؟ ويعيل عيلته. ويقوم بحاجاتهم ويغنيهم عن الناس ثم هو مع ذلك يطلب العلم ويكب على التحصيل ويتعلم ويعلم في البكور والمساء. وهو مستعد كل لحظة أن يؤدي الامتحان بالعلوم التي تطلب منه. ربما يقال أن ما تقدم من ضرورة الاكتساب ثابتة للفقير دون الغني لأن الغني في غنى عن الاشتغال بحرفة أو تجارة بما لديه من الأموال قلنا لا يخلو إما أن يكون الطالب غنياً بغنى والده أو بنفسه فإن كان الأول وهو الأكثر فلا يليق بشرف طالب العلم أن يكون كلا على أحد ولو كان والده. على أن الحكومة لا تجبر الوالد على القيام بنفقة ولده إذا كان طالب علم. فلا ملام عليه إذا اكتسب لنفسه وإن كان الثاني فلم نمنعه إذا كان يريد أن يشتغل بما أحله الله له مع عدم التقصير فيما يطلب منه. فعلم مما قدمناه أن

منع الطالب من الاكتساب لا يعود بالفائدة التي يطلبها محبو العلم. فإن قالوا أننا إذا وسعنا على الطالب وجوزنا له الاكتساب فمن يكفل لنا أن يداوم على الاشتغال بالعلم. قلنا يلزم بدلاً من أن نحقق أن الطالب موجود في المدرسة أم لا فلنحقق أهو مشتغل بالعلم أم منقطع فإن تبين لنا أنه منقطع عن الطلب طالبناه بتأدية الامتحان فإن قام بذلك دل على أنه مستمر على الطلب وإلا أُخذ جندياً غير مأسوف عليه لأنه لم ينفع الناس بعلمه فلأن ينفع الحكومة بعمله أو ماله أولى. على أننا لو رجعنا إلى الحق الذي لا شائبة فيه نجد أن هذا الأمر خير من ملازمة المدرسة فإننا نرى كثيراً ممن يلازمون المدرسة ليل نهار لا يتعلمون العلم لعدم تأهلهم للعلم بما جبلوا عليه من بلادة الطبع وسقم الذهن. وهناك أمور أخرى جديرة بالاعتبار وهي أن يعدل قانون الامتحان فيزاد فيه علوم أخرى ضرورية لطالب العلم وهم يهملونها لعلمهم بأنهم لا يسألون عنها. وهي علم الفقه والأخلاق الذين هما مدار السعادتين. وبهما يصبح العالم مقبولاً عند العامة مسموع الكلمة نافذ الحكم فيتحقق النفع به لأن العلوم الموضوعة للامتحان هي وسائ \ ل ومبادئ لهذه العلوم. وهذا ما أردنا أن نذكر به أولياء الأمور حباً بنجاح العلم. وترقي المسلمين. وفق الله الحكومة لما فيه فلاح المسلمين. صلاح الدين الزعيم

الإسلام بين السيف والنار والمسلمون بين شقي

الإسلام بين السيف والنار والمسلمون بين شقي الرحى لو أن ابن الأثير بعث من مرقده وطيف به في تلك المدائن التي أصبح الإسلام فيها غريباً وهي ديارة وواحش فيها وهي حرمه وذماره، وأخذ فيها بالسيف يمنة والنار يسرة ثم أريد على وصف ما رأى لآثر أن يقصف قلمه على أن يعيد نعي الإسلام للمسلمين. ولو أنه جال في تلك المواطن التي أمست بعد نضرة النعيم رسماً محيلاً ووقف غبها يكلم أحجارها فتكلمه، ويسئل عن ملاعبها ماذا دهاها فتعلمه، وأبصر هناك بالعدو وهو يجعل آلافاً من المسلمين بين شقي الرحى ثم يديرها طاحنة ويغلف الآلاف منهم على ما في أيديهم ويجلي من طالت لشقوتهم آجالهم عن بلاد من تربتها نبتوا وفي ظلها رتعوا وبخيرها نعموا، وسئل بعدئذ أن يقضي حق التاريخ بكلمة لما زاد على أن ينعي المسلمين للإسلام. ولو أنه علم ما يجترحه البلقانيون هنالك من المآثم وأبصر كيف يقتحمون خدور المسلمات بغياً، ويغتصبون عفافهن بغياً، ويرتعون في أعراضهن إزاء آبائهن وأزواجهن بغياً، وعلم كيف يبقرون بطون الأصبية الصغار في حجور آبائهم وكيف يعذبون أولئك ويمثلون بهم، وطلب منه أن يقول لاستحب البكم على البيان. ولو اطلع على تلك المساجد التي عبث العدو بمحاريبها ومحاآليها وأتلف منابرها وحول قبلتها عن موضعها وهدم مآذنها وأحالها كنائس تغص بالقساوسة والرهابين ويسمع فيها الناقوس ولم يكن يسمع بها إلا التأذين، وخي بين يقول فيما شهدوا أن يذهب به وبين سمع الأرض وبصرها لآثر على الثانية الأولى. من ذا الذي يطاوعه قلمه على وصف مشهد الآلاف من المسلمين والسيف يحصد رقابهم، ويفري إهابهم، والعدو يجوس خلال ديارهم عابثاً بأعراضهم ما أردا له حوله وطوله مذبحاً أطفالهم مستبيحاً عفاف بناتهم واطئاً بسنابك خيله مساجدهم محيلاً إياها على وجهتها؟ إنا لنجيل الفكر في أنباء تلك المآتم التي يرتكبها البلقانيون فنقرأ فيها خاتمة تاريخ الإسلام في الأندلس والتاريخ يعيد ذاته وما أشبه اليوم بالأمس فقد كان الكاستليون يرهقون المسلمين في بلادهم يذيقونهم النكال ضروباً مستعينين في ذلك بمحكمة التفتيش إذ كان كل مسيحي منهم قاضياً وكل مسلم مقضياً عليه بالموت إلا أن يهاجر ملته أو يهاجر بلاده إن

استطاع إلى هجرها سبيلا. كانوا يعذبون المسلمين ويستحلون فيهم المحرم، ويستبيحون من عروضهم وأداتهم ومتاعهم وبيوتهم ما أرادوا ولا معقب لحكمهم، ولا أمر إلا أمرهم، ولا يد فوق يدهم، وقد صمت الإسماع عن صوت المسلمين فلا يسمع لهم شكاة وربما من عليهم بأنه المحزون. أرادوا أن يفنوا المسلمين حتى لا يكون ثمت إلا جلدهم وملتهم وحدهما فاعملوا السيف فيهم بكل سبيل غير متقين لائمة من التاريخ، ولا غضبة من الأرض، ولا لعنة من السماء. وقام البلقانيون في هذا الزمن النكد يمثلون تلك المأساة بعينها، ويفعلون بالمسلمين في بلادهم ما فعله أخوانهم بأخوانهم وأوربا جاثمة ساهية الطرف لا تحرك ساكناً وكأنها تطرب لما يصيب أولئك الذين تعذب الإنسانية في ذواتهم، وتكاد تميد الأرض جزعاً لما أصابهم في دينهم ووطنهم وحياتهم وأن مصابهم لكبير. فهل أتى المسلمين حديث أخوانهم الذين أسرف العدو في تعذيبهم ومثل بهم لا وحاربهم في الدين، وهم أهل سلم ضعاف، لا حيلة لهم ولا حول. هل أتاهم حديث أوصال هناك تمزق، واسلاء تفرق، ودماء على الثرى تتدفق، وهل انتهى إليه نبأ ذلك المأتم الذي لا انفضاض له أبد الدهر. هل أتاهم أن أفخم المساجد في سالونيك قد بدلت معالمها وحولت عن وجهتها، فأصبح (مسجد إسماعيل) وهو كنيسة سنت كاترين (والمسجد ذو المنارتين) وهو كنيسة سنت ميشسل (ومسجد السلطان مراد) وهو كنيسة سنت داود وهل علموا أنه لم يعد لمن بقي من المسلمين في كل بلد فتحه أولئك الفجرة الطغام جامع يقيمون فيه الصلاة. إلا أن تلك المساجد التي مسخوها، لتذكر أن عهد الحنيفية في تلك البلاد عهد وفق وسماحة ولين، وأنه أكرم على الله وخير أثر من عهدها الجديد. فهل يذكر المسلمون الذين عرفوا ما ابتلي بهم أخوانهم، وكفوا ما نزل بهم، وأمنوا أن يراعوا بمثل مصابهم، أنه لا عاصم لهم من مثل ذلك المصير ولن يكونوا منه بمأمن، إلا أن يغيروا ما بأنفسهم ويردوها إلى ما حثهم عليه قرآنهم المبين من الاعتبار بالسنن الكونية، والاستكثار من أسباب القوة، وطلب العلا والسمو إلى تلك المكانة التي بلغوها حين كانوا أمة واحدة مجتمعة على هوى واحد؟

وهل لهم أن يحدبوا على أخوانهم الذين هاجروا بلادهم، وثكلوا أولادهم ويمدوهم بما يمسك عليهم الدماء ويسليهم عن خطبهم الجلل بعض السلوان؟ إنا لا ننعي على أوروبا أنها بإعراضها عن الانتصاف للإسلام ولو بكلمة حق تدل على شدة تعصبها عليه، وعلى أهليه فذلك ديدنها. ولا نأخذها بأن صمتها عن انتهار أولئك المجرمين اللئام هو الذي مدهم في بغيهم، وزين لهم أن يمضوا في خيلائهم، ويسترسلوا في طغيانهم، فقد علمنا أنها لا ترفع عقيرتها إلا حيث تحلم أنه قد اعتدي على المسيحية أو مس أحد من المسيحيين بشيء من الأذى ولا نعتب ساستها فإن المجني عليهم اليوم مسلمون ولا نسألهم أن يقلعوا عن دعوى التنزه عن التعصب، إذ قد وضح أنهم هم المتعصبون. ولكنا ندعو المسلمين إذا كانوا قد ألموا لدينهم وأخوانهم وكرامتهم أن يتدبروا أمرهم، ويأخذوا من حاضرهم لآتيهم، ويعتبروا بما نزل بطائفة منهم، ويعلموا أنهم لا نجاة لهم ولا بقيا عليهم إلا أن يأخذوا أخذ الأمم التي اعتزت بقوتها فإنهم بأن يملكوا تلك الحياة من طرفيها أحق، وبأن يجروا على ما أمرهم به كتابهم أولى، وإلا بقوا ما قدر لهم أن يبقوا وهم أهون على الناس منهم على أنفسهم وعاشوا غرضاً لسهام العوادي لا يعرفون من أي مأمن يؤتون. ولا من أي جهة يؤخذون وإن فيما نزل بهم اليوم من صنوف البلاء لألف عبرة لو كانوا يعتبرون. (البلاغ) مصر محمد صادق عنبر

دحض الفضول

دحض الفضول في الرد على من حظر القيام عند ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم بقلم العالم العلامة الأستاذ الشيخ محمد أفندي القاسمي الحلاق بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أولي الصدف والوفا وبعد فيقول أضعف الخلق على الإطلاق محمد ابن العلامة المرحوم الشيخ قاسم الحلاق الدمشقي الشهير بالقاسمي وقد ورد علي كتاب من المدينة المنورة على مشرفها أفضل الصلاة والسلام بإمضاء كل من صاحبي الغيرة والحمية على الدين وعلى أخوانهما المسلمين العالمين الفاضلين والأديبين الكاملين السيد أحمد علي القادري الرامفوري والشيخ محمد كريم الله الهندي عاملهما الله بلطفه الخفي آمين وملخصه أنهما اطلعا على رسالتي الموسومة بتحقيق الكلام في وجوب القيام عند قراءة مولد المصطفى ووضع أمه له عليه الصلاة والسلام المدرجة في مجلة الحقائق الغراء في الجزء الحادي عشر من السنة الثانية فتلقياها بالقبول والاستحسان أنعم الله علينا وعليهما بكل إحسان بيد أنها كما قالا عارية عن حكم المشبهين للقيام بفعل مجوس الهند عبدة الأصنام فاستحسن مني هذان الفاضلان أن أحرر رسالة تكون ذيلاً للرسالة الأولى تتضمن رد الجواب الآتي وبيان حكم المانعين لهذا القيام ظناً منهما أني أهل لذلك وممن سلك هاتيك المسالك وما دريا أنهما استسمنا ذا ورم ونفخا في غير ضرم ولكن لظنهما الحسن بهذا العاجز كما هو شأنهما امتثلت الأمر واقتحمت صعوبة هذا الخطر وقصدت ذلك مع الاعتراف بأني لست هنالك وسميتها دحض الفضول في الرد على من حظر القيام عند ولادة الرسول سائلاً منها تعالى الإعانة والتوفيق والهداية لأقوم طريق آمين (صورة السؤال) الذي ورد من الفاضلين المذكورين. ما قول علماء المسلمين أيد الله بهم الدين وقواهم على إزاحة شبه الملحدين في قول رجل سئل عن القيام عند ذكر الولادة الشريفة النبوية (فأجاب) وهذا نص كلامه_وأما توجيه القيام بقدوم روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم من عالم الأرواح إلى عالم الشهادة فيقومون تعظيماً له فهذا أيضاً من حماقاتهم لأن هذا الوجه يقتضي القيام عند تحقق نفس الولادة الشريفة ومتى تتكرر الولادة في هذه الأيام فهذه الإعادة للولادة الشريفة مماثلة بفعل مجوس

الهند حيث أنهم يأتون بعين حكاية معبودهم (كنهيا) أو مماثلة للروافض الذين ينقلون شهادة أهل البيت رضي الله عنهم كل سنة (أي فعله وعمله) فمعاذ الله صار هذا حكاية للولادة المنيفة الحقيقية وهذه الحركة بلا شك وشبهة حرية باللوم والحرمة والفسق بل فعلهم هذا يزيد على فعل أولئك فإنهم يفعلونه في كل عام مرة واحدة وهؤلاء يفعلون هذه المزخرفات الفرضية متى شاؤا وليس لهذا نظير في الشرع بأن يفرض أمر ويعامل معاملة الحقيقة بل هو محرم شرعاً أهـ فهل هذا الجواب صحيح أم لا أفيدونا مأجورين أهـ. وقد جاء بحاشية صحيفة السؤال ما نصه: أنه إذا جاء يوم ولادة معبودهم المذكور يأتون بامرأة حامل متم ثم هي تحاكي امرأة عند الوضع فتأن أنيناً وتلتوي حيناً فحيناً ثم يستخرجون من تحتها صورة ولد ويرقصون ويلعبون ويصفقون ويزمرون إلى غير ذلك من ملاعبهم الخبيثة أهـ. هذا ملخص عبارة الكتاب المتقدم_قلت وهذا الجواب كما ترى إنما ورد بحسب أوضاع المبتدعة من الاختلاق على المسلمين لإلقاء الشبه على ضعفاء العقول فلينتبه له لأن جميع ما تخرص به من أول كلامه إلى آخره مزيف بكذبه الحس والعيان ولم ينزل الله به من سلطان وكان اللائق عدم الجواب عنه لبداهة بطلانه إلا أننا نخشى من ظنه وظن أمثاله أن المسلمين عاجزون عن رد كلماته ودحض شبهاته ولئلا ينخدع بها الجهلاء ونحوهم وهو مع ما فيه من المغالطات والمشاغبات تطويل من غير طائل بل هو كسراب بقيعة يحسبه ظمآن ماء ولنتكلم بحسب العجز على هذا الجواب بكلام يسلمه ذوو العقول والألباب فنقول_أما كون القيام للتعظيم وكون التعظيم واجباً فقد بسطنا الكلام على ذلك في رسالتنا المتقدمة فليراجعها من أراد (وأما قول هذا المفتري وإما توجيه القيام الخ) فكلام مختلق منه أو من بعض الجهلاء الذين لا يعقلون الحجج والبراهين ولا يميزون بين الغث والسمين حمله على ذلك سوء ظنه بالمسلمين وحسده لرسول رب العالمين والدليل على اختلاقه هذا من وجهين (الأول) أنه ليس لما ادعاه من قدوم روحه أصل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا من حجة عقل ولم يؤثر عن أحد من السلف الصالح ولا التابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من الأئمة المجتهدين ولا غيرهم ولم ير له أثر في الصحاح ولا غيرها وما كان هكذا فهو في غاية السقوط والبعد عن الحق قال تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وإذا

لم يكن ذلك بسلطان بين من الله وهو ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم كان صاحبه متبعاً لهواه بغير هدى من الله قال تعالى: (وإن كثيراًَ ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين). قال بعض الأفاضل ما بعضه ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن هذه الأمة تتبع سنن من قبلها حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه وجب أن يكون فيهم من يغير معنى الكتاب والسنة فيما أخبر الله ورسوله ويتبع هواه بغير علم ويبتدع في الدين ما ليس منه كما وقع للأمم السالفة إذ هذا من بعض أسباب تغيير الملل الماضية بعد موت أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام لكن هذا الدين محفوظ بحفظ الله وقدرته وعنايته من انتحال كل مبطل وتأويل كل جاهل ولا يزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق فلم ينله ما نال غيره من الأديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقاً إذا تبين هذا علمت أن كل الدعاوي التي ادعاها حماقات ومكابرات بلا برهان بل البرهان الواضح على بطلانه الدافع لما خرص به قوله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام) رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال المناوي وإسناده صحيح أهـ. فأفصح صلى الله عليه وسلم أن روحه الشريفة ترد إلى جسده الشريف عند سلام من يسلم عليه ليرد عليه السلام صلى الله عليه وسلم ومن لوازم هذا الرد رجوع الحس والحركة الإرادية كما هو معلوم فهذا دليل جلي على أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره الشريف وأن روحه الشريفة لا تفارق جسمه الشريف أبد الآبدين حيث لا يخلو الكون من مسلم عليه عليه الصلاة والسلام كلما ذكر فكلامه هذا صلى الله عليه وسلم هو القاضي على كل كلام فليتأمل قلت والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذلك أي أحياء في قبورهم كما هو ثابت أيضاً (الوجه الثاني) أن السائل لم يسأل إلا عن القيام عند ذكر الوضع فقط كما رأيت ولم يتعرض لذكر القدوم بتاتاً كما غالط به هذا المجيب الأفاك فتبين بذلك افتراؤه وكذبه على المسلمين قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه واللفظ له عن ابن مسعود رضي الله عنه في شق حديث له ما لفظه وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند

الله كذاباً والبخاري رأيت الليلة رجلين أتيانب فقالا لي رأيت يشق شدقيه فكذاب يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ذلك يوم القيمة والشيخان آية المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وزاد مسلم في رواية وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم قال بعضهم: لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيلة من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليلة فليتأمل (قوله وهذا الوجه يقتضي الخ) قلت هذا نظير ما قبله من الاختلاق حيث أننا لم نعلل القيام المذكور بقدوم روحه كما مر تزييفه ولا بنفس الولادة كما غالط به ههنا بل عللناه بأنه قد صار في هذه الأزمان من شعار التعظيم الذي يعد تركه تهاوناً بل استخفافاً به ورغبة عنه حتى صار التعظيم المذكور بهذه القيود واجباً فيكون القيام واجباً حينئذ لذلك كما أوضحناه سابقاً في الرسالة المتقدم ذكرها فاحفظه (قوله فهذه الإعادة للولادة الخ) قلت من وقف على هذه الكلمات المنتحلة أيضاً وجدها كلها حماقات ومكابرات بلا برهان كما مر بل هي خارجة عن دين الإسلام محرمة فيه يجب على كل مسلم قادر على إنكارها وإزالة شبهها بالقلم والبيان واليد واللسان ليكون من جملة المرادين بقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلق عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وكما قال وذلك من أعظم ما أوجبه الله تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة واضحة تدحض دعوى مثل هذا الأحمق الأخرق الذي لم ينسج ناسج على مثاله ولم يسلك سالك على منهاجه وهو كأمثاله ممن أعمى الله قلبه حتى رأى الظلمة نوراً والنور ظلمة قال الله تعالى: (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم الآية). وقد شبه هذا الأحمق فعل الإسلام عند اجتماعهم لتلاوة قصة مولد نبيهم صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة بفعل المجوس يوم اجتماعهم لمثل ولادة آلهم من المكفرات كما سلف ولنذكر هنا على سبيل الاختصار كلاً من المولدين وما يفعل فيهما ليتبين للقارئ الفرق بين الفعلين ويظهر البون البعيد بين الاجتماعين أما فعل المجوس فكما تقدم من إتيانهم بامرأة حامل حيلة فتضع صورة ولد فيؤخذ من تحتها ويرقص له الخ هذا هو فعلهم

لمثل ولادة إلههم بزعمهم وأنت تعلم أن هذا الفعل مشتمل على محظورات ومحرمات بل على مكفرات لا تخفى منها إثباتهم لإله باطل ومنها إتيانهم بامرأة حامل كذباً وبهتاناً تحاكي امرأة عند وضعها من أنين وغيره كما مر ومنها استخراج ولد من تحتها مماثل لإلههم ومعبودهم بزعمهم ومنها رقصهم ولعبهم الخ هذه هي أعمالهم كل سنة عند اجتماعهم للولادة المذكورة وأما ما يفعله المسلمون في مولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فمبسوط في رسالتنا المار ذكرها فلتراجع ولننقل منها شيئاً نزر المناسبة المقابلة فنقول قال في مواكب ربيع في مولد الشفيع أثناء كلام له ما لفظه جرت العادة بالعناية بأمر المولد ليلته أو يومه بحيث يقع الاجتماع وإظهار الفرح وإطعام الطعام والإحسان للفقراء وقراءة القرآن والذكر وإنشاد القصائد النبوية والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقراءة قصة المولد الشريف وما اشتمل عليه من كراماته ومعجزاته إلى أن قال وأول من أحدثه الملك المظفر صاحب أربل فأقره عليه أفاضل العلماء وعامة الصلحاء الخ فتبين من قوله فأقره الخ أن هذا الفعل مع كونه فعلاً مستحسناً وطاعة عظيمة صار مجمعاً عليه إلى الآن بل إلى ما شاء الله فليتأمل وقوله ليلة المولد أو يومه هو على المشهور اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ولم تزل قراءته متولية متتابعة إلى آخر الشهر المذكور وبعده إلى آخر السنة إنما يقرأ عند حادث سرور أو نحوه من كل نعمة أنعم الله بها على هذه الأمة ويتكرر ذلك كما هو معلوم ولم تزل هذه أعمالهم كلما اجتمعوا لقراءة المولد الشريف ولا يزالون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها هذا وفي أثناء قراءة القصة المذكورة يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم مراراً مع أناشيد متعددة مشتملة على مدحه وحسن سيرته الخ ثم عند ذكر الوضع والولادة له صلى الله عليه وسلم ويقوم الحضور جميعاً على أقدامهم بغاية الأدب والاحترام تعظيماً لمقامه الشريف ومحبة له صلى الله عليه وسلم مكررين الصلاة الإبراهيمية ثم يختم هذا المجلس بحمده تعالى والثناء عليه بما هو أهله وبالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وبالدعاء للحاضرين ولجميع المسلمين هذا هو عمل المسلمين وقت اجتماعهم في كل مجلس اجتمعوا فيه لتلاوة قصة المنيفة إذا تبين هذا علمت أن مثل هذا المجلس يعد ويحسب من جملة مجالس الذكر التي ندب الله ورسوله إليها وذلك لأن لفظ الذكر لفظ عام يتناول أفراد كثيرة من كل ما يطلق عليه لغة وشرعاً أنه طاعة وعمل صالح كقراءة القرآن

والدعاء والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأعمال المحبوبة للشارع كما هو معلوم ففي القاموس وشرحه ما لفظه الذكر والطاعة والشكر والدعاء والتسبيح وقراءة القرآن وتمجيد الله وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده أهـ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن لله ملائكة سياحين في الأرض فإذا مروا بقوم يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم وذكر الحديث وفيه وجدناهم يسبحونك ويحمدونك وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ما اجتمع قوم في مجلس فلم يذكروا الله فيه ولم يصلوا فيه علي إلا كان عليهم ترة يوم القيامة والترة النقص والحسرة فإذا كان مجلس من المجالس اشتمل على نوع واحد من أنواع الذكر يسمى مجلس ذكر فإن يسمى ما اجتمع فيه أنواع متعددة منه مجلس ذكر أولى وأحرى بل لو لم يكن فيه من الأعمال المتقدمة غلا الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام التي أوجبها كلما ذكر اسمه الشريف جمع من العلماء والتي هي من الآدميين تضرع ودعاء كما هي من الله رحمته المقرونة بالتعظيم ومن الملائكة استغفار لكفى حيث أنها من حيث ذاتها ذكر بل هي أهم الأذكار فليتأمل وبالجملة فالمجلس الذي اجتمع فيه المسلمون لقراءة مولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات والعبادات لاشتماله على أنواع من الطاعات كما مر فما تمثيل هذا الجاهل الملحد فعل الإسلام بفعل المجوس إلا كتمثيل العلم بالجهل والحي بالميت والنور بالظلمة (قوله أو مماثلة للروافض الخ) هذا نظير ما قبله من الكذب والافتراء إذ لا يخفى على من اطلع على أحوال بعض الروافض لا سيما الغلاة من جهلائهم وشاهد أعمالهم يوم عاشوراء وما يفعلونه من تمثيل غلمان وغيرهم من البنات محاكاة لحالة بعض أهل البيت رضي الله عنهم بحالة تقشعر منها الجلود وتنفطر لها القلوب_أن فيها محرمات لا سيما التمثيل الذي هو محرم لكونه كذباً كما لا يخفى وقد بسطنا الكلام على ذلك في رسالتنا المدرجة في مجلة (الحقائق) الغراء في الجزء الثالث من السنة الثانية فارجع إليها إن شئت ويزاد على ذلك ما يفعلونه بأنفسهم من الإيذاء المحظور شرعاً وعقلاً كضرب الصدور ولطم الخدود والصياح وجرح الرؤوس والأبدان بآلات جارحة كما هو معلوم وأنت تعلم أن هذا من جنس النياحة المحرمة المجمع على تحريمها. فتمثيل هذا الأخرق فعل المسلمين في قصة المولد النبوي بفعل غلاة الروافض كما مر

بهتان عظيم على المسلمين (قوله وهذه الحركة حرية باللوم الخ) دعواه هذه فرية بلا مرية بل هي من باب زناه فحده وتقول عليه فرده شبههم بالمجوس ليرميهم بالحماقة والفسق وغير ذلك افتراء وبهتاناً عليه ما يستحق من الله تعالى (قوله متى شاؤوا) قد علمت أن قراءة قصة المولد الشريف صارت من مجالس الذكر كما تقدم آنفاً وهي كما مر الحديث ليس لها وقت معين ولا جعل لها الشارع وقتاً مخصوصاًَ ولا عملاً مخصوصاً بل هي مطلقة وظاهر الإطلاق يشعر بعموم الأوقات والمحلات والحالات كما هو ظاهر فكلما تكرر الذكر ازداد الثواب والأجر وبما تقدم علمت أن فعل المولد الشريف نفسه صار شرعياً مثاباً على فعله مستحسناً عند جميع المسلمين وأن القيام عند الوضع الشريف من حيث ذاته شرعي أيضاً لاندراجه في عموم الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم (من سن سنة حسنة الخ) فالمسلمون سنوه واستحسنوه تعظيماً له صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد شهد الشارع بأنه ما رأوه حسناً (فهو عند الله حسن) فهو حينئذ فرد من أفراد السنة الحسنة كما لا يخفى على من هو على طرف من علم الأصول فكيف يقول هذا الأحمق لا نظير له في الشرع فلينتبه لهذه المغالطة (قوله بأن يفرض الخ) قدمنا لك مراراً تزييف مثل هذا الكلام وبطلانه فلذا نضرب صفحاً عن التطويل في رده وبيان عاطله وباطله غير أننا لا نتركه هملاً عن بيان ما فيه من التمويه_ظن هذا المبطل أنه إذا أتى بهذه الحماقة تروج على المسلمين ولم يدر بأنه صار عندهم من الضالين المكذبين وأنه من الذين جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق. ولا يخفى أن من حلل حراماً مجمعاً عليه أو حرم حلالاً كذلك أو كفر مسلماً بمكفر كذلك أو سمى طاعة من الطاعات مزخرفات فرضية أو شبه فعلاً من عبادة أو طاعة بفعل مكفر من المكفرات بقصد تضليل فاعله أو أنكر فعلاً مشعراً بتعظيم نبي من الأنبياء لا سيما سيد الشفعاء عليه وعليهم الصلاة والسلام بما يؤدي إلى تحقيره أو تنقيصه أو الاستخفاف أو الاستهزاء به وازدرائه أو كان السياق يدل على أحد هذه المذكورات أو نحو ذلك من كل ما يغمص مقامه أو مقامهم عليه وعليهم الصلاة والسلام فإن كان جاهلاً فيعرف ويستتاب فإن تاب ولا فإن قامت عليه الحجة فعلى أولياء الأمور أيد الله بهم الدين أن يعاملوه بما يقضي عليه الشرع قضاء يردعه وأمثاله عن مثل ذلك لأنه ضال مضل والله تعالى أعلم.

يا للأرامل والأيتام باكية

يا للأرامل والأيتام باكية قصيدة غراء للشاعر الفاضل أحمد أفندي محرم أنشدت في احتفال البحيرة (مصر) الله أكبر جل الخطب واحتكمت ... فينا العوادي وطاشت دونها الخيل حرب تبيت لها الأفلاك ذاهلة ... حيرى يسايرها الإشفاق والوجل قذافة للمنايا الحمر صارخة ... ملء الفجاج حثاثاً ما بها مهل ترفض من حولها الآجال جافلة ... تكاد من صعقات الهول تختبل يا للغزاة قياماً دون بيضتهم ... إذا هوى بطل منهم سما بطل يا للشهيد بدار الحرب تكنفه ... فيها الملائكة الأبرار والرسل يا للجريح صريعاً لا مهاد له ... إلا النجيع وإلا النار تشتعل يا للأرامل والأيتام باكية ... تشكو الطوى وتقوم الليل تبتهل يا للحمى فزع الأرجاء مضطرباً ... يخاف عادية القوم الأُلى جهلوا بني البحيرة هذا يومكم فخذوا ... أعلى المواقف كيما يصدق الأمل تدفقوا بالنوال الجم واستبقوا ... في المكرمات فأنتم غيثها الهطل إنا لفي غمرة عمياء ليس لها ... فيما تقدمها شبه ولا مثل نلهو وننعم والأرزاء محدقة ... بنا وحادي الردى في أثرنا عجل حاشا لقومي أن ترجى معونتهم ... فيبخلوا ويعابوا بالذي بذلوا إني أرى المال جماً في خزائنهم ... وما عهدت بهم بخلاً إذا سُئلوا أيمنح البائس المسكين بردته ... ويمنع المال مثر عيشه خضل يا قوم أن لكم مالكم بدلاً ... ومالكم أبداً من ملككم بدل حيوا الأميرين حيا الله ركبهما ... أنى استقر وأنى سار ينتقل قاما بمصر مقام النيربين فما ... تضل سبل الهدى إن رابت السبل ركنا الخلافة إن عزت دعائمها ... هوج الخطوب وخيف الحادث الجلل بمثل ما صنعا تنجو الشعوب إذا ... حم القضاء وتحمي خوضها الدول نعم المقام يبين العاملون به ... وحبذا اليوم فيه يعرف الرجل

المسلمون وأوروبا

المسلمون وأوروبا لم يبق ريب بنيات دول أوروبا نحو دولة الخلافة بل نحو سائر الدول الإسلامية. فقد برح الخفاء وظهر الصبح لذي عينين. واتضح أن ما يتشدق به أعاظم رجال الحكومات الأوروبية من محبة العدل وكراهية الظلم والعطف على المظلوم والأخذ بيده ليس في الحقيقة إلا من الدعاوي التي لا يستطاع التصديق بها ما دمنا نرى كل يوم برهاناً جديداً ينقض هذه الدعاوي الباطلة. وإلا إذا كانوا على ما يزعمون من المبادئ الفاضلة. وحب الإنسانية لذاتها أو النفور من الجور والتعدي فلماذا تشب هذه الحروب وتضرم هذه النيران وتذهب أرواح بني الإنسان ضحية الطمع والهمجية وهم ساكنون. تشب هذه الحرب الهائلة، وتذهب تلك الأنفس البريئة وفي إمكان أصحاب هذه المزاعم الموهومة منعها أو عدم حدوثها وهم لا يفعلون ثم لا يخجلون من ادعائهم أنهم رسل المدنية ومحبو الإنسانية ورافعوا أعلام العدل ومثال الأخلاق الفاضلة والكمال المجسم إلى آخر ما يتبجحون به ويوافقهم عليه زمرة من ضعاف الأحلام وعشاق الأوهام. فمن اكتفوا ببهرج المدنية الظاهرة عن الوصول إلى الحقائق الواضحة. والبينات الراجحة. وما عهد الحرب الطرابلسية ببعيد. فقد اتفقت كلمة العقلاء على استهجان احتلال الطليان لطرابلس بدون سبب ما يوجب ذلك إلا حب الاستعمار وتوسيع الممالك وقام بعض أرباب العقول المستنيرة من الغربيين يقبحون هذا العمل الممقوت ويحضون حكوماتهم على مساعدة العثمانيين فألبت تلك الحكومات أن تسمع نداء الحق حتى انتهت هذه الكارثة على ما لا يرضى به محبو العدل والإنسانية. وإن أردت دليلاً ثانياً على بطلان ادعائهم حب العدل والإنسانية فها هي الحرب البلقانية التي شبت نارها. وحمي وطيسها. ولم تتحرك همة دولة من الدول العظمى لمنع حدوثها مع إمكان ذلك. وأعظم منه وأغرب أن دولتنا العلية العثمانية على أثر الانكسارات التي حصلت أثناء هذه الحرب المشئومة طلبت من الدول العظمى التداخل في الأمر وتوقيف الحرب فلم يرق في أعينهم حسم مادة البغي والظلم وحقن الدماء. فأجابوا بأن تكون المخابرة مع الدول المحاربة رأساً. ولو كان الأمر على العكس وكان هذا الطلب من دول البلقان المتحالفة على أثر انكسار أصابهم أو فشل لحق بهم لكان الجواب بالإيجاب ولحرمونا من ثمرات انتصارنا كما فعلوا في الحرب العثمانية اليونانية فإنه بعد انكسار

اليونان واستيلائنا على كثير من أملاكها توسطت أوروبا بطلب اليونان وكانت النتيجة حرماننا من ثمرات انتصارنا وتركنا أملاكها التي أخذناها بدماء رجالنا. كل هذا من الأمور المقررة التي لا يرتاب في صحتها كل من يريد أن يفهم الحقيقة. ومع ذلك يقال عن منتقد ذلك بأنه متعصب. ويقول مثيرو الحرب البلقانية أنها حرب دينية وأنهم يريدون أن يثأروا للصليب من الهلال ولا يقال عنهم متعصبون. ثم بعد كل هذا وبعد تصريح دول البلقان بأن هذه الحرب دينية يوجد فينا من ينصب نفسه حكماً بذلك فيرى أنها غير دينية. سأل سائل أصحاب مجلة المقتطف الغراء: ما هي سياسة دول أوروبا الآن في المملكة العثمانية وإيران فأجاب بما نصه: إن المحور الذي تدور عليه سياسة الدول الأوروبية هو مصالح شعوبها المالية لأن الذين يديرون دفة السياسة هم رجال المال ولو لم يكونوا متربعين في المناصب الحكومية، وتختلف أساليبهم في الوصول إلى هذا الغرض باختلاف بلدانهم ومستعمراتهم وقربهم وبعدهم فإنكلترا كثيرة المستعمرات فلا يهمها أن تزيد مستعمراتها اتساعاً ليهاجر من يريد من شعبها إليها ولذلك لا تطمع بامتلاك بلاد جديدة إلا إذا كانت صلة بين مستعمراتها ولكنها تهتم أشد الاهتمام بحماية البلدان التي تروج متاجرها فيها وتبذل جهدها في صد من يريد امتلاكها إذا خافت أن يمنع ربحها منها ولذلك كان شأنها الدفاع عن الممالك العثمانية ومملكة إيران وحاربت الروس من أجل ذلك. وأما الدول التي تطلب امتلاك المستعمرات لسكنى من يريد من شعبها كألمانيا أو التي تطلب أن يكون لها مواني بحرية لمتاجرها وبوارجها كروسيا وبلغاريا أو التي لرعاياها أموال كثيرة في بلاد وتخشى على أموالهم إذا اختل الأمن فيها فتهتم بامتلاك البلدان ترويجاً لمصالح شعبها وحفظاً لأموالهم وإذا تعذر عليها امتلاكها اهتمت بامتلاك مرفأ فيها وبمراقبة ماليتها. ولا يخفى أن تضارب مصالح الدول ينوع مطالبها ويقال بالإجمال أنها تطلب أكثر ما يكون من الربح بأقل ما يكون من الخسارة وقد زعم البعض أن الدول الأوروبية تريد بالدولة العلية ودولة إيران شراً لأنها مسيحية وهما إسلاميتان. ولا أبعد عن الحقيقة من هذا الزعم لأن محور حركات الدول الأوروبية الماليون وأكثرهم من الإسرائيليين لا من المسيحيين ولأن أكبر الدول الأوروبية

المسيحية نصرت الدولة العلية على روسيا وقت حرب القرم بالمال والرجال كما لا يخفى. ووطأتها بعضها على بعض أشد من وطأتها على الدول الإسلامية فقد اجتاحت مملكة بولونيا المسيحية واقتسمتها وحاربت ألمانيا فرنسا حرباً لم يشهد التاريخ مثلها وامتلكت جانباً منها وحاربت النمسا قبل ذلك وهي صديقتها الآن وأثارت فرنسا الحرب على كل دول أوروبا المسيحية في عهد بونابرت ولو حالفته تركيا لاكتفى بمحالفتها. وأثارت إنكلترا الحرب على جمهورية الترنسافل المسيحية وامتلكتها وعضدت اليابان الوثنية في حربها مع روسيا المسيحية. وقد تدعي الدول أحياناً أن الدافع لها إلى الحرب أمر ديني كما ادعت روسيا وقت حرب القرم وكما ادعت دول البلقان الآن ولكن هذه الدعوة لا تثبت على نار الامتحان. فإذا اختلفت دول البلقان غداًُ على ثغر احتلته أخذ بعضها بخناق بعض وقد تحالف إحداها تركيا على محاربة حليفتها اليوم ومن المحتمل أن الدين اليوم كان من جملة الدوافع للحروب الصليبية الأولى ولكنه لم يكن الدافع الوحيد ولا الدافع الأقوى وإذا قلنا أن المصالح المادية هي المحور الوحيد الذي تدور عليه سياسات الدول لا تخطئ. فأنت ترى أنه استبعد جداً أن تكون أوروبا متعصبة على المسلمين والتمس لهم عذراً فيما يصدر عنهم مما يدل على ذلك بأن إنكلترا كثيرة الأملاك لا تطمع في امتلاك بلاد جديدة إلا إذا كانت صلة بين مستعمراتها وأن بعضها يطلب أن تكون لها مواني بحرية لمتاجرها وبعض الدول يهتم بامتلاك البلاد التي تكون مديونة لرعاياها محافظة على أموالهم إلى غير ذلك من الأعذار فإذا كان يوجد فينا من يقيم لهم الأعذار على تعدياتهم ومظالمهم فليس ببعيد على من يريد اغتصاب بلاد غيره وأعد لذلك عدته من القوة أن يعتذر بمثل ذلك وإذا كان وجود أملاك دولة صلة بين أملاك دولة ثانية مبيحاً للثانية امتلاك الأولى سهل على كل دولة قوية أن تبتلع أملاك مجاوريها بهذه الحجة. وأننا مع احترامنا لأصحاب المقتطف وتقديرنا معارفهم حقها نستغرب كيف يجعلون محاربة المسيحيين بعضهم بعضاً دليلاً على عدم التعصب على المسلمين لأنه ليس من يدعي أنه لا تقع حرب ما إلا ويكون منشؤها الاختلاف في الدين إنما المدعي أنه إذا نشبت الحرب بين دولتين مختلفتين في الدين يكون أقوى البواعث عن شبوبها اختلاف الدين واعتماد أحد الخصمين على دولة أو دول أخرى من أهل مذهبه يساعدونه وينصرونه

سواء على الحق أو على الباطل وأن الدولة العثمانية ما منيت بحرب مع أخصامها إلا وكان منشؤه ما ذكر والتاريخ أعدل وأحكم.

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد حكمت عل نفسي الهموم بذلها ... فلذا بخير الأنبيا وأجلها أرجو التوسل كي أفوز بحلها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبرز من التكوين) كن لي ملاذاً طالما ... من فرط ذنبي قد عدا وتحكما عودتني فيما اروم تكرما ... (ايروم مخلوق مديحك بعدما) (أثنى عليك الله في التبيين) (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... لنوال رتبة مرسل وأمين سماك مولاك الكريم حبيبه ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... فقت الخليقة كلها بيقين هلا كفى المداح طراً ذكر ما ... (أثنى عليك الله في التبيين) دمشق عبد القادر كيوان إن المشاكل فاجأت بأجلها ... وقضى مثيروها لنا باذلها تالله لا يرجى سواك لحلها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبز من التكوين) أنت الذي حزت المقام الأعظما ... وحبيت فخراً حده لن يعلما يا خير خلق الله من عهد العمى ... (ايروم مخلوق مديحك بعدما) (اثنى عليك الله في التبيين) دمشق محمد نجيب الحلبي (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا شافعاً للناس يوم الدين كيف المديح وأنت أفضل مجتبى ... (والكون لم يبرز من التكوين) (ايروم مخلوق مديحك بعدما) ... أصبحت أعظم مرسل وأمين أم هل يجيد الناس إطراء وقد ... (اثنى عليك الله في التبيين) دمشق

أحمد عبيد

حكم أخلاقية

حكم أخلاقية شذرة من العالم الماجد المرحوم الشيخ محمد أفندي الطيبي المتوفي سنة 1317 هجرية أرسل بها إلينا حفيده الغيور الفاضل محمد عمر أفندي الطيبي مأمور أوراق لواء حوران قال رحمه الله: أرى غنماً عجماء ترعى لما تهوى ... وأسداً ضواري تطلب الما فما تروى وسادة قوم لا ينالون قوتهم ... وأشرار قوم تأكل المن والسلوى فلم ينلوا هذا بحد سيوفهم ... ولكن قضاة عالم السر والنجوى وقال أيضاً: بمكارم الأخلاق كن متخلقاً ... والطرف فاغضض والفضائل فاغتذي واستعمل الإحسان مع كل امرء ... ليفوح مسك شذاك كالعطر الشذي وانفع صديقك إذا اردت صداقة ... واحفظ لسانك واحذر اللسن البذي واصفح عن السوء المسيء بأهله ... وادفع عدوك بالتي فاذا الذي للعباس بن مرداس ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير ويعجبك الطرير ففتبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير فما عظم الرجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير بغاث الطير أكثرها فراخاً ... \ وأم الصقرات مقلات نزور ضعاف الطير أطولها جسوماً ... ولم تطل البزاة ولا الصقور لقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير يصرفه الصبي بكل وجه ... ويحبسه على الخسف الجرير وتضربه الوليدة بالهراوى ... فلا غير لديه ولا نكير فإن أك في شراركن قليلاً ... فإني في خياركم كثير

تقريظ المجلة

تقريظ المجلة بقلم العالم الفاضل صاحب الإمضاء نحمدك اللهم إن وفقت للخير سادة، وبلغتهم على رغم عدوهم الحسنى وزيادة، حيث اخترتهم للذب عن شريعة سيد المرسلين، واصطفيتهم لنصر الحق والدين، وجعلتهم مظهراً لكشف الحقائق، ومصدراً لقهر من ناوأهم من كل منافق أو مارق، في زمان فشى فيه الباطل أي فشو، واستعلى فيه الجاهل أي علو، وعتى بفساده وغيه أشد عتو حتى كان الغالب على جل أهله التعطيل، والتمويه والتضليل، وزخرفة الأقاويل، وليس لهم إلى درك الحق من سبيل، ما دام سعيهم في هذه الأباطيل الناشئة عن مجرد الأهواء الشيطانية المصادمة لشريعة خير البرية وظنوا أنهم خلى لهم الوقت عن معارض فجالوا في ميادين ليسوا من أهلها ولا بفرض الفارض وعندما مدوا أيديهم للعب بمسائل الدين ولم يتفكروا في قول سيد الخلق أجمعين (إن الله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عن دينه) الهم الله تبارك وتعالى من لطفه ومزيد عطفه طائفة من أهل الحق ظاهرين على من خالفهم لا يضرهم من نازعهم أو عاندهم قاموا بخدمته حق القيام وألزموهم حدهم والحق يعلو ولا يعلى (وكلمة الله هي العليا) (وإن حزب الله هم الغالبون) (وأنهم لهم المنصورون) لا شك أن الله تعالى أسعدهم بما استعملهم ووجه إليه هممهم حتى حارت بحججهم عقول الخصوم وبهتوا عن الجواب ولم يقدروا على دحضها من سائر الأبواب بل إنما خالفوا ليعرفوا فيا ليتهم سلموا وأنصفوا (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم) حسداً ويبغون به شهرة وفخراً وسؤدداً والحسود لا يسود وعليه الوبال يعود كلا والله لا يمكنهم الله تعالى من إطفاء نوره وإنما يبكتهم ببدو الحق وظهوره قال تعالى وهو العليم بما يمكرون (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون) والعجب ممن يدافع الحقائق وينازع وهو غير ذائق والسكوت بمثله حري ولائق إذ لا قدم له في تلك الدقائق والرقائق وإنما هو مولع بنقل الغث والسمين من كل كذب ومين كما هو شأن الذين يدعون التمدن والعرفان ولم يتحققوا بحقيقة ما عليه أهل الإيمان وإنما هم أهل هذيان وبهتان لو عرفوا مقدارهم وما هم صائرون إليه ما تجاسروا على ما ليس من شأنهم التجاسر عليه ولكن يعدهم ويمنيهم الشيطان فيطلقون عنان اللسان لظنهم أنهم ظفروا بشيء

من الفضائل وهم منها محرومون في العاجل والآجل ألم يعلموا أن المرء ابن دينه لا ابن هواه وأن شرفه وكرامته عند ربه بتقواه ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله. يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن فإلى الله تعالى نضرع وإليه أكف الذل نرفع متوسلين بالحبيب المشفع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه ذوي المقام الأرفع أن يعلي همة أهل هذه (المجلة) وأن يدفع بهم عن افسلام كان مضلة وأن يؤيدهم بتأييده ويسددهم بتسديده وأن يديم لهم الارتقاء لذرى المجد والعلياء وأن يوفقنا وإياهم والمسلمين لمتابعة سيد المرسلين والتمسك بحب الله المتين وما عليه من الأئمة المجتهدين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وأن يسلكنا وإياهم طريق أهل الله في الأحوال والأقوال والأفعال إنه هو الكريم ذو الأفضال وله الشكر والحمد على سائر نعمه من قبل ومن بعد محمد عارف المحملجي

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرنا في مقالاتنا السابقة ما وهب الله تعالى لنبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من المقامات السامية والمراتب العالية الدالة على اصطفاء الله له من بين خلقه، وتفضيله على سائر أنبيائه وأثبتنا بالدلائل الواضحة والبراهين القاطعة ما لهذا الرسول من المعجزات الباهرات والآيات البينات الدالة على صدق نبوته وتحقيق رسالته ولكننا لم نوف الموضوع حقه بذكر الخصائص التي اختص فيها عليه الصلاة والسلام مما تثبت أنه نسيج وحده ووحيد عالمه وأنه الجامع لأشتات الفضائل والسجايا والجامع لمتفرقات المواهب والمزايا اعتماداً على أننا نفرد بالذكر موضوعاً خاصاً يتضمن بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم تشريفاً وتكريماً وتفضلاً وتعظيماً فنقول معتمدين في النقل على ما ثبت عن العلماء الثقات الحائزين قصبات السبق في مضمار الضبط وصحة النقل. الخصائص جمع خصوصية وهي ما خص الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فانفرد به عن كل ما سواه أو انفرد به عن غيره من الأنبياء أو عن أمته والأولى خصائص مطلقة حقيقية وما عداها إضافية. فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم سبقه على الأنبياء خلقاً واتصافاً بوصف النبوة وتحققاً بها فهو أول الأنبياء بل والمخلوقات أيضاً خلقاً ونبوة كما يشهد لذلك الحديث المخرج عن أحمد والحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية للبخاري والطبراني عن ميسرة الضبي قال قلت يا رسول الله متى كنت نبياً قال وآدم بين الروح والجسد يعني أنه صلى الله عليه وسلم اختص بأنه روحه الشريفة وحقيقته الطاهرة الزكية اتصفت بالنبوة بالفعل قبل خلق جسده من دون أرواح سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنها قبل خلق أجسادهم لم تتصف بالنبوة وبهذا الاعتبار كان صلى الله عليه وسلم نبياً وآدم بين الروح والجسد. ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام أخذ الميثاق على النبيين أن يؤمنوا به وينصروه والتبشير به في كتب الله المنزلة قال تعالى: (وإذ أخذنا لله ميثاق النبيين لما آتيتكم من

كتاب وحمة الآية) وأخرج البخاري عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجل إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن (يا آيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صحاب في الأسواق ولا يجزئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولا يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً) (قال تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والأنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم) فإن من تأمل حسن تدبيره للعرب الذين هم كالوحش الشارد مع الطبع المتنافر المتباعد وكيف ساسهم واحتمل جفاهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه وقاتلوا دونه أهليهم وآباءهم وابناءهم واختاروه على أنفسهم وهجروا في رضاه أوطانهم وأحباءهم من غير ممارسة سبقت له ولا مطالعة كتب يتعلم منها سير الماضيين تحقق أنه أعقل العالمين. ومما اختص به صلى الله عليه وسلم وعد الله تعالى إياه بالعصمة ممن قصده بسوء من الناس قال تعالى: (والله يعصمك من الناس) ولا ينافي ذلك ما وقع له يوم أحد من الشبحة ولا ما وقع يوم خيبر من السم في الذراع فإن العصمة الموعود بها هي سلامة النفس من القتل وما عساه فهو من الابتلاء الذي يقع للكمل لرفع درجاتهم أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رأسه من القبة فقال لهم يا آيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله تعالى. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم التي استأثر بها عن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الإسراء وما تضمنه من المعراج وهو من أشهر المعجزات وأعظم الآيات وأتم الدلالات الدالة على اختصاصه بما لم يصل إليه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقصة المعراج ثابتة مشهورة.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم عموم الدعوة للناس كافة عربهم وعجمهم أسودهم وأحمرهم قال تعالى: (وما أرسلناك لا كافة للناس بشيراً أو نذيراً) أخرج البخاري عن جابر الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه بعث رحمة للعالمين حتى للكفار بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم المكذبة قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) قال ابن عباس رحمة للبر والفاجر لأن كل نبي إذا كذب أهلك الله من كذبه وأما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أُخر من كذبه إلى الموت والقيامة وأما من صدقه فله الرحمة في الدنيا والآخرة بدليل (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المخرج عند الدرامي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه إنما أنا رحمة مهداة وفي الشفاء قال عليه الصلاة والسلام لجبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء فقال نعم كنت أخشى العاقبة أي سوء العاقبة فأمنت لثناء الله تعالى علي في كتابه بقوله (ذي قوة عند ذي العرش مكين (مطاع ثم أمين). ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة لحديث مسلم عن أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم أنا أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيام. ومما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم أي جمعت له المعاني الكثيرة الجليلة تحت الألفاظ اليسيرة أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم. وقد جمع الناس من جوامع كلمه الموجز البديع الذي لم يسبق نظيره من ذلك قوله صلة الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين وقوله المرء مع من أحب وقوله صلى الله عليه وسلم المرء كثير بأخيه وقوله صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن وقوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالمنطق وقوله صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا وفي رواية من غشنا فليس منا قوله المجالس

بالأمانة وقوله صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى وقوله صلى الله عليه وسلم الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل وحسن السؤال نصف العلم إلى غير ذلك مما تقف العقول دون منتهى معانيه. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أوتي علم كل شيء حتى المغيبات أخرج الإمام أحمد عن أبي ذر قال لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً وفي الحديث المخرج عند الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت.) ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان أشجع الناس وأثبتهم في الهيجاء ومواقف الحروب قال في الشفاء وكان صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والنجدة بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة والأبطال منه غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت له حولة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديثاً أخرجه البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه وقد سأله رجل أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم لكن رسول الله لم يفر ثم قال لقد ريته على بغلته البيضاء وأبو سفيان آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول_أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب _.

الشفقة على الحيوانات

الشفقة على الحيوانات يعتقد الأوروبيون ومن نحا نحوهم ممن تشبع بعلومهم وتأدب بآدابهم أن الشفقة على الحيوانات والعطف عليها من خصائص المدنية الحديثة ومأثرة من مآثرها مع أنها من بعض مزايا الدين الإسلامي ومن جملة ما جاء به من السنن والآداب. إن الدين الإسلامي كما جاء رحمة عامة لسائر البشر جاء نعمة شاملة لسائر الحيوانات فأمر بالرفق بهم والإحسان إليهم ونهى عن تعذيبهم وإيذائهم روى البخاري في باب فضل سقي الماء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله فغفر له قالوا يا رسول الله وأن لنا في البهائم أجراً قال في كل كبد رطبة أجر وفي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فقال دنت مني النار حتى قلت أي رب وأنا معهم فإذا امرأة حسبت أنه قال تخدشها هرة قال ما شأن هذه قالوا حبستها حتى ماتت جوعاً وروى أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً فدخلت فيها النار قال فقال والله أعلم لا أنت أطعمتيها ولا سقيتها حين حبستيها ولا أنت أرسلتيها فأكلت من خشاش الأرض وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) هذا طرف من حديث أخرجه البخاري في باب شرب الناس والدواب من الأنهار ونقل العيني في شرحه على البخاري روى سراقة بن مالك بن جعشم قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطتها لأبلي فهل لي من أجران سقيتها فقال نعم في كل ذات كبد حرى أجر أخرجه ابن ماجة ومن حديث أخرجه البخاري في باب عيادة الصبيان قال سعد للنبي ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء ففي هذه الأحاديث دلالة على إظهار الشفقة على الحيوانات وإن كانت مؤذية ولا ينافي ذلك جواز قتلها لأنه إن سقاها يكون عاملاً بالشفقة والرحمة وداخلاً في عموم قوله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن.

وروى الإمام مسلم عن أبي يعلي شداد بن أوس أن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته وهذا الحديث من قواعد الدين العامة قال الشراح عند قوله عليه الصلاة والسلام إذا قتلتم فأحسنوا القتلة الخ وإحسان القتلة اختيار أسهل الطرق وأخفها إيلاماً وأسرعها إزهاقاً وأسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف في العنق ولذا يمتنع قتل القمل والبق والبراغيث وسائر الحشرات بالنار لأنه من التعذيب وإحسان الذبح في البهائم الرفق بها فلا يصرعها بعنف، وتبيين محل ذبحها بأن يأخذ بيده اليسرى جلد حلقها من لحيها الأسفل بالصوف أو غيره حتى يظهر من البشرة موضع الشفرة وإضجاعها على شقها الأيسر لأنه أمكن للذابح إن كان من عادته أن يذبح باليمين وإلا فليضجعها على الأيمن ويكون ذلك من المقدم لا من القفا وإحداد الكسنة واجب في الكالة ومندوب في غيرها وينبغي مواراتها عنها في حال إحدادها فقد رواى الجلال والطبراني أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها قال أفلا قبل هذا؟ تريد أن تميتها موتتين هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها وعن مالك أن عمر رأى رجلاً يحد شفرته وقد أخذ شاة ليذبحها فضربه وقال أتعذب الروح ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها؟ وإراحة الذبيحة سقيها عند الذبح وإضجاعها بمكان سهل غير وعر وتعجيل إمرار السكين عليها بقوة ليسرع الموت إليها وبالإمهال بسلخها حتى تبرد ولا يجرها من موضع لآخر فقد روى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وهو يجر شاة بإذنها فقال دع أذنها وخذ بسالفتها وهو مقدم العنق ومن إحسان للبهيمة أن لا تحمل فوق طاقتها ولا تركب واقفة إلا لحاجة ولا يحلب منها ما يضر بولدها ولا يشوى السمك والجراد حتى يموت وكتب الفقهاء طافحة بالحث على الرفق بالحيوانات فقد ذكر الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في إحيائه في باب منكرات الشوارع ما نصه وكذلك تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقه منكر يجب منع الملاك منه أه اللهم اهدنا هداية من عندك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين والحمد لله رب العالمين.

التاريخ

التاريخ ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إجلاء أهل نجران من جزيرة العرب بعد أن سار أبو عبيدة بن مسعود بجيشه إلى العراق لمقاتلة أهل فارس كما تقدم، أرسل سيدنا عمر رضي الله عنه يعلى ابن أمية إلى اليمن بجيش من المسلمين وأمره بإجلاء أهل نجران لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بأن لا يترك دينان بأرض العرب ولأنهم نقضوا ما عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من المتاجرة بالربا وكان مما قاله عمر رضي الله عنه ليعلى أيتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم، وامسح أرض كل من تجلي منهم ثم خيرهم البلدان، واعلمهم أننا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك بجزيرة العرب دينان، فليخرجوا من أقام على دينه منهم ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم إقراراً لهم بالحق على أنفسنا ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك، الخ ثم عوضهم رضي الله عنه أرضاً كأرضهم وفاءً بذمتهم. وهنا ندعو من يتهم المسلمين بعدم الوفاء بالعهود لأهل الذمة ليرجعوا إلى الحق وينظروا ما كان عليه المؤمنون من المحافظة على حقوق أهل الذمة والرأفة بهم ومعاملتهم بالعدل والرحمة يوم كان نفوذ المؤمنين في الكرة الأرضية في مكانة من العز ضجت أمام بأسها فراعنة الدنيا. ورغمت بها أنوف جبابرة العالم ودان لها أهل الشرك قاطبة حتى دفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. . في أيام تلك القوة الإسلامية المنيعة. عوض عمر رضي الله عنه أهل نجران أرضاً كأرضهم التي أخرجهم منها وتركهم آمنين على دمائهم وأعراضهم وأموالهم عملاً بالشريعة الإسلامية السمحة التي أمرت بحفظ حقوق أهل الذمة والوفاء بما عوهدوا عليه ولو أراد سيدنا عمر يومئذ أن يستأصلهم من الأرض لما وجدوا ولياً ولا نصيرا.

لكن النفوس الإسلامية الكريمة التي أدبها القرآن بالكمال وحبب الإسلام إليها الصدق وكره إليها الغدر والخيانة قد حافظت على قوم ضعاف أذلاء وصدقت فيما عاهدتهم عليه. ومن أمعن النظر علم أن هذه الكمالات كانت السبب في امتداد نفوذ المؤمنين في أنحاء الأرض وأنهم لو انحرفوا عن ذلك الخط السوي لما استقام لهم الأمر ولا وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الغايات الكمالية والقوة المادية والمعنوية ولذا يعتقد العاقل أن الأعداء الذين استولوا في هذه الأيام على كثير من بلاد الإسلام وفعلوا بأهلها ما فعلوا من ذبح الأطفال وهتك الأعراض وغير ذلك من الفظائع والمنكرات أن الدائرة تدور عليهم بحول الله وقوته فإنهم إذا طغوا وجاروا وظلموا وعاثوا في الأرض فساداً معتمدين على قوتهم فالله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وأعظم بطشاً ويأبى الله إلا أن ينصر المؤمنين مهما يكن فيهم من ضعف ولو كره الكافرون. هزيمة جيوش فارس وأسر جابان وهو من أعظم قوادهم اختلف أهل فارس فخافت بوران بنت كسرى وبعثت إلى رستم تستحثه للقدوم وهو على خراسان يومئذ فأقبل في الناس إلى المدائن. وأمرت بوران مرزابة فارس بالانقياد له فرضوا به وتوجوه عليهم واستعد هو وجيشه مع أهل فارس لقتال المسلمين. ولما وصل المثنى الشيباني وأبو عبيد الثقفي ومن معهما إلى الحيرة كتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين وبعث لذلك في كل قرية رجلاً فجعل جابان أميراً على جيش وسيره إلى فرات بادفلا وأرسل ترسى ابن خالة كسرى في جيش إلى أرض كسكر وبعث جنداً آخر لمصادمة المثنى وعلم المثنى بذلك فخرج من الحيرة حذراً منهم ونزل جابان بأرض النمارق ومعه جمع عظيم ثم سار إليه أبو عبيد بمن معه وجعل المثنى على الخيل فاقتتلوا بالنمارق قتالاً شديداً كانت نتيجته انهزام أهل فارس وأسر أميرهم جابان. ثم لحق المنهزمون منهم بجيش نرسى ابن خالة كسرى واجتمع إليه سائر عسكر الفرس وبلغ بوران ورستم أسر جابان وانهزام جيشه فبعثا الجالينوس بمدد عظيم إلى نرسى فعاجلهم أبو عبيد وخرج إلى نرسى فاجتمع به عند كسكر بمكان يقال له السقاطية واشتد الأمر على المشركين فانهزموا وهرب أميرهم نرسى وغنم المؤمنون أرضهم وأموالهم وأسروا منهم كثيراً.

ووصل بعد ذلك الجالينوس بجيش عظيم من فارس فسار إليهم أبو عبيد فهزمهم أيضاً وهرب الجالينوس واستولى أبو عبيد على تلك البلاد ثم ارتحل حتى رجع إلى الحيرة. وقعة الجسر لما انهزم الجالينوس بمن معه رجعوا إلى رستم وأخبروه فجهز جيشاً أعظم من الأول وجعل بهمن المعروف بذي الحاجب أميراً عليهم وأرسلهم إلى الحيرة فساروا ومعهم راية كسرى حتى نزلوا الجسر وأقبل أبو عبيد فنزل قريباً منهم ونصبوا جسراً على الفرات ليتمكن الفريقان من القتال وقال ذو الحاجب أمير فارس للمسلمين إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم فاختار أبو عبيد أن يعبر هو بجيشه إليهم وقال لا يكونوا أجرأ على الموت منا وعهد إلى الناس فقال إن قتلت فعلى الناس فلان فإن قتل فعليهم فلان وسمى سبعة اشخاص يتعاقبون على إمارة الجيش حتى قال فإن قتل فلان فالأمير هو المثنى ثم عبر على الجسر واستعرت بين الفريقين نار الوغى وكان أهل فارس يقاتلون على الفيلة وخيل المسلمين لم تألف ذلك فأحجمت ولم تقدم عليهم واشتد الأمر بالمسلمين فترجل أبو عبيد والناس وساروا مشاة حتى صافحوا المشركين بالسيوف وقطعوا بطان الفيلة فسقطت رحالها وقتلوا من كان عليها وعمد أبو عبيد إلى فيل أبيض فضربه بالسيف ثم خبطه الفيل بيده فوقع أبو عبيد على الأرض فتناول الراية رجل من السبعة الذين سماهم أبو عبيد للإمارة فقتله الفيل وتتابع بقية السبعة على أخذ الراية كل منهم يأخذ اللواء ويقاتل حتى يقتل ثم أخذ اللواء المثنى وانهزم البعض من المسلمين فلما رأى عبد الله الثقفي انهزام الناس سبقهم إلى الجسر فقطعه وقال يا أيها الناس موتوا أو تظفروا فثبت المسلمون لقتال أعدائهم ثم أمر المثنى جنده بالانسحاب فعبروا كلهم على الجسر ورجع بعضهم إلى المدينة وبقي المثنى في قلة وكان قد جرح وأراد ذو الحاجب العبور خلف المسلمين فأتاه الخبر باختلاف الفرس فرجع إلى المدائن. وقعة البويب ولما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقتل أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى

وجهز جيشاً شديد البأس وأرسلهم إلى العراق مدداً للمثنى وبلغ الخبر رستم فبعث مهران أميراً على جند وأرسله إلى الحيرة. فعلم المثنى بذلك وهو بين القادسية وخفان فقصد أرض البويب وكتب إلى الجند الذي أرسله سيدنا عمر مدداً له يخبرهم بذلك. وأمرهم أن يقصدوا أرض البويب أيضاً مما يلي الكوفة حيث يجتمعون فيه فوافوه جميعاً وقد وصل مهران إلى إزائه من وراء الفرات ثم أذن المثنى لمهران أن يعبر بجيشه إليهم على جسر الفرات وعبأ المثنى أصحابه وكان الوقت في رمضان فأمرهم بالإفطار ليقووا على عدوهم. ثم أن المثنى رتب جنده وكبر ثلاثً وحمل في الرابعة على المشركين حملة أزالهم بها عن موقفهم وأصلاهم من سعير الحرب ما لم يطيقوه، فانهزموا وولوا الأدبار وقتل أميرهم مهران وكانت تلك الوقعة من أشد الوقعات على المشركين قتل فيها نحو مائة ألف وغنم المسلمون ذخائرهم وأموالهم وبلادهم وأسروا منهم كثيراً. ومن اطلع على حقائق التاريخ وأحاط بما جرى على أيدي الأمة الإسلامية من الفتوحات العظيمة والاستيلاء على كثير من ممالك الأمم وقهر الجبابرة والكاسرة مع قلة عدد المسلمين يومئذ وعدم توفر الآلات الحربية لهم علم أن تمسكهم بالدين ومحافظتهم على إقامة شعائره قد جعل فيهم قوة معنوية أرغموا بها أنوف المشركين وبددوا ببأسها جموع الكافرين. كان المؤمنون يقاتلون لإعلاء كلمة الله عز وجل وتأييد دينه باعوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله امتثالاً لأمره وتصديقاً بوعده. وكيف يستطيع الكاتب وصف ثبات قوم اشتاقوا إلى منازلهم في الجنة وهم قد علموا أنها تحت ظلال السيوف.

المسلمون وما يجب عليهم

المسلمون وما يجب عليهم قلنا ولا نزال نقول أن أوروبا لا تريد بالدولة العثمانية خيراً وبالأحرى لا تريد بالمسلمين خيراً فهي لا تفتأ تخلق لهم المشاكل وتضع أمام رقيها ورقيهم المصاعب وما زالت تعمل في السر والعلن على تفريق كلمتهم وتوهين علائقهم وتمزيق جامعتهم وتحول دون كل ما يدعو إلى جمع لكمتهم واتحاد أفكارهم وغاياتهم وقد اتخذت من الوسائل المقتضبة لتفرقهم مالا يحصى وفي مقدمتها تلك المدارس الأجنبية التي تنزعه من قلوب مريديها حب الدين وتعمل على بث روح التفرنج علماً منها بأن المسلمين بحكم دينهم مأمورون بالاجتماع والاتفاق وأنهم ماداموا متمسكين بدينهم عاملين بأوامره لا يسهل تذليلهم واستئصال ممالكهم لذلك كان من أقوى البواعث لزوال هيبة الدين من النفوس تلك المدارس التي أسست على مبادئ الإلحاد والتنفير من الأديان وقد ظهر من فساد تلك المدارس وإفسادها ما نراه في أخلاق كثير من ناشئتنا الجديدة من بغض العلم وأهله، والدين ورجاله، والنفور من كل من يدعو إلى عمل خير وير إن لم يوافق ما اعتادوا عليه من المبادئ السافلة والأفكار السقيمة حتى صار يعتقد كثير منهم أن الدين عقبة في سبيل رقينا وأنا ما دمنا متمسكين بمبادئه أو متعصبين له (كما يقولون) لم نزدد مع تمادي الأيام إلا انحطاطاً ومع كرور الأزمان إلا تأخراً شاعت تلك الفكرة وذاعت وكثر أنصارها والعامل الأكبر على ذلك تلك الفئة التي استقت معارفها من مناهل أوروبا واغتذت بلبان أفكارهم ومعتقدات وراق لديها ما يتظاهرون به من العدالة وخفي عنها ما يضمرون من العداء لكل من خالفهم وما يتحينون من الفرص لسحق ممالك الإسلام بجميع الطرق السلمية والحربية وانتزعت منهم بفضل ما بثت في تلك المدارس حب الدين حتى صاروا لا يغارون على حرمته أن تنتهك ولا على سمعته أن تشوه ولا على حامليه أن يذلوا ولا على أحكامه أن تبدل وهم في ذلك لا يرون سبة ما داموا يعتقدون أن الأديان عقبة في سبيل الرقي إذا لم يراع تغييرها وتبديلها على حسب الأزمنة والأحوال والسياسة على حسب ما لقنهم أساتذتهم المستعمرون ومن العوامل الكبيرة على شيوع تلك الفكرة السقيمة السابقة الجعل بأحكام الدين ودقائق أسراره فقد غفل المسلمون تعلم دينهم إغفالاً يعد قريباً من الإهمال بالكلية فلا تجد في أمهات المدن الإسلامية كدمشق مدارس لتعلم علوم الدين من تفسير وحديث وفقه وأصول وتوحيد كما لا تجد أساتذة يعلمون هذه العلوم بدروس خصوصية إلا قليلاً ولا تجد من الحكومة تشويقاً لتعلم تلك

الفنون. والفائدة العلمية التي حصلت من إعفاء طالب العلم من خدمة الجندية اقتصرت على تعلم فن النحو الصرف والمنطق مما يكون امتحانهم به ولا نغالي إذا قلنا أنه لا يوجد في كل مائة من المسلمين إثنان ممن يعرفون فرائض صلاتهم وسننها وأحوال مبايعاتهم وتطبيقها على أصول الشرع لتخلص من العقول الفاسدة والمراباة فضلاً عن دقائق علوم الدين في كل فرع من فروع احتياجاتنا الاجتماعية والأخلاقية والسياسية. إذا قلنا أن الجهل بأحكام الدين وترك العمل به جرا علينا كل ما نشاهده من الرزايا وما يكتنفنا من البلايا وإننا إذا بقينا في هذا السبات العميق ولم ننهض نهضة علمية دينية ونحكم الدين في كل ما يعتورنا من النوائب وما ينتابنا من المصائب لا يعد أن تصبح الممالك الإسلامية أثرا بعد عين بسبب تعصب الأغيار علينا: إذا قلنا ذلك قامت قيامة هؤلاء المتفرنجين المفسدين قائلين إن الدين قاصر على الصلة بين العبد وربه ولا دخل له بالسياسة وأننا بعد ما وصلنا إلى هوة الانحطاط بسبب عدم الأخذ بالمذاهب السياسية الجديدة ينبغي لنا أن نترك الجمود الديني جانباً ونقلد الغرب في كل ما نريد مما فيه صلاحنا ونجاحنا ولو كانوا على شيء من علم الدين لعلموا أن أقوى البواعث على تقهقرنا أمام أوروبا وهو تفرقة كلمة المسلمين وتخاذلهم وعدم وجود صلة تامة بين ملوكهم وأمرائهم عدم الاستعداد للحرب وهما من جملة ما نهى عنه الدين. بين الله تعالى في آيات كثيرة في كتابه الكريم فوائد الاجتماع والاتفاق وحض عليها وأمتن على المسلمين بأن جعلهم أخواناً بعد التفرقة وشرع من العبادات ما يقوي تلك الرابطة من صلاة الجماعة والجمعة وجعل صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبعين ضعفاً ترغيباً بذلك. وشرع الحج وجعل من فوائده أن يجتمع بسببه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ويتذاكرون بما يجب عليهم من التعاون والتعاضد ورفع منار الدين وقمع أعدائه إلى غير ذلك من الفوائد الاجتماعية والأخلاقية وحض القرآن الكريم على الاستعداد فقال جل ذكره (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ومن الاطلاع على سيرة الرسول الأعظم يرى القارئ أنه كان لم يترك شيئاً من الاستعداد

بالنسبة لزمانه ومحاربيه وأنه كان يقتبس من الأغيار ما يراه نافعاً ومفيداً فقد كان حف الخندق في غزوة الأحزاب من جملة ما أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفرس وحصل بذلك من الفوائد في هذه الحرب ما هو معروف وبالإجمال إن الدين الإسلامي إذا أحسن المتدينون به استعماله ودققوا فيما حوى من بدائع الآيات وروائع الحكم وجعلوه العمدة فيما يأتون ويذرون والوجهة فيما يعملون ويتركون وطبقوا أعمالهم على مقتضى أوامره واجتنبوا ما نهى عنه سهل عليهم أن يكونوا أمة راقية مستقلة. هذا الدين الذي نهض بمعتنقيه في سالف الأزمنة حتى جعلهم في برهة وجيزة سادة الأرض وقادة الأمم هو هو الذي يقول عنه الأغيار والجهلاء أنه عقبة في سبيل الرقي وأنه لا تنطبق أحكامه مع حالة العصر الحاضر وأنه يجب علينا أن ننبذه ونستبدله بقوانين وضعية تلائم الأحوال الحاضرة كذب الأغيار وخسئ الجاهلون إن هذا الدين كان ولا يزال كافياً لحاجة متبعيه وكافلاً لرقيهم ونجاحهم وتفوقهم على سائر الأمم إذا أحسنو استعمال مافيه من الأوامر كما أسلفنا وعسى أن تكون الحوادث علمت المسلمين أنه لا نجاح لهم إلا برجوعهم إلى دينهم فليلتفتوا إلى إحكام الرابطة الدينية بين جميع المسلمين حسب ما أمرهم الله بكتابه ويستعدون لأعدائهم بمثل ما يستعدون هم لهم. أما أحكام الجامعة الإسلامية فهو من ألزم الأمور وهي الأساس الذي ترتكز عليه باقي الواجبات فإن المسلمين الذين يبلغ عددهم ما ينوف عن ثلاثمائة مليون من النفوس يدينون جميعاً بدين واحد بكتاب واحد وتجب عليهم طاعة خليفة واحد قوة عظيمة تميد لهيبتها الرواسي إذا عرف المسلمون كيف يستفيدون منها وها هي المثلات والعبر ترى كل يوم وتنذرنا بسوء المصير ودخانه المنقلب إذا بقينا متفرقين متخاذلين لا يهمنا من أمر المسلمين إلا ما يقع تحت بصرنا وإلا ما يكون له علاقة بذاتنا بل الواجب أن يكون المسلمون كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء فالعثماني يهتم لمصاب الهندي والأفغاني يتألم لشكوى الإيراني وهكذا والكل يد واحدة على من ناوأهم بظل جلالة الخليفة الأعظم أيده الله وليس هذا بالأمر الصعب على زعماء المسلمين وقادتهم بعد ما رأوا أن الأغيار تعمل على استئصال ممالكهم وسحق نفوذهم ثم بعد إحكام هذه الرابطة يجب على المسلمين معرفة حقائق دينهم القويم ليكونوا على بينة مما يدعوهم إليه ولئلا تروج عليهم خرافات المبطلين وتمويهات المخرقين وما

ينسبونه إلى الدين مما هو براء منه. ثم عليهم بعد كل ما ذكر أن يمتثلوا أوامره ويجتنبوا منهياته ويزنوا أعمالهم بميزانه ويرجعوا إليه في كل ما استعصى عليهم ويقفوا عند حدوده في مشكلات الحوادث وعظائم الأمور هنالك يتجلى لهم سر الامتثال للشرع وفائدة وزن الأعمال بميزان القانون الإلهي وإذا أراد الله بهذه الأمة خيراً وفق علماءها وزعماءها إلى الأخذ بيدها إلى مراقي الكمالات بالرجوع إلى دينهم القويم وأخلاقه العظيمة وهنالك السعادة الأبدية والعز السرمدي.

مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم

مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الشهر المبارك ولد حضرة النبي الأكرم سيدنا (محمد) صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات أجمعين إفراداً وإجمالاً بمعنى ألأنه أفضل من كل فرد منهم على حدته، وأفضل من مجموعهم لو اجتمعوا بحيث لو اجتمعت جميع فضائلهم في كفة ميزان وفضائله صلى الله عليه وسلم في الكفة الأخرى لرجحت فضائله على فضائلهم. فهو صلى الله عليه وسلم بالإجمال على قدر من أرسله وفي قوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره) إشارة كافية لمن تأمل ذلك وعقله. أخرج مسلم في صحيحه من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله اختار خلقه فاختار منهم بني آدم ثم اختار بني آدم فاختار منهم العرب ثم اختارني من العرب فلم أزل خياراً من خيار إلا من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم. ولما كان عليه الصلاة والسلام هو الروح لهذا الوجود والسبب في كل موجود كان من أهم الواجبات علينا معشر المسلمين تعظيم أمر مولده الشريف، ومقابلته بالترحاب والتعظيم، والإجلال والتفخيم. وإن نظهر فيه المسرات، ونكثر فيه من فعل الخيرات، ونتوب من سائر المنكرات، ولم يزل المسلمون فيما مضى من الزمان ولن يزالوا إن شاء الله في كل عصر إلى انتهاء الدوران يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم ويعملون الولائم ويتصدقون بأنواع الصدقات ويزيدون في المبرات ليبدل عسرهم باليسر وحزنهم بالفرح والبسر ويمن عليه الكريم من فيضه العظيم بالعتق من النار ببركة رسوله العظم صلى الله عليه وسلم فقد روي أن ثويبة عتيقة أبي لهب لما بشرته بولادته أعتقها وقد رؤي أبو لهب بعد موته في المنام فقيل له ما حالك فقال في النار إلا أنه خفف عني في كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي هاتي ماء وأشار برأس إصبعيه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له. قال ابن الجزري فإذا كان هذا أبو لهب الكافر الذي نزل في القرآن ذمه جوزي بفرحه ليلة مولده صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمته يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله العميم جنات

النعيم لا سيما إذا كثر من الصلاة والتسليم على البشير النذير فهي من أعظم الدلائل على محبته والاعتناء بجنابه العظيم وقد قال بوجوب الصلاة والسلام عليه عند ذكره أربعة من الأئمة الأعلام الحليمي من الشافعية والطحاوي من الحنفية واللخمي من المالكية وابن بطة من الحنابلة وقد ورد أن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة. وفقنا الله لاتباعه وأدبنا بآدابه وجعلنا من حزبه وأحبابه ومن علينا بشفاعته وفرحنا بلذيذ خطابه. دمشق عارف المحملجي

السلام في الإسلام

السلام في الإسلام إن لمن أحسن المواضيع التي يخوض فيها الكتاب الحث على الآداب الإسلامية والأخلاق المحمدية لأن من تمسك بها نال الحظ الأوفر وفاز بالقدح المعلى كيف لا وقد قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقال عليه الصلاة والسلام فعليكم بسنني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإن من سننه صلى الله عليه وسلم السلام وقد كانت تحية العرب قبل الإسلام عم صباحاً وتحية أهل الذمة بالأكف والأصابع والأكاسرة بالسجود للملك وتقبيل الأرض والفرس بطرح اليد على الأرض أمام الملك والحبشة بعقد اليدين على الصدر مع السكينة والروم بكشف الرأس وتنكيسها وحمير بالإيماء بالدعاء بالأصبع وتحية ملك اليمامة بوضع اليد على كتف المحيى فإن بالغ رفعها ووضعها مراراً فلما أشرقت شمس افسلام واستنارت كواكبه نسخ جميع التحيات وأمر بلفظ (السلام عليكم) معرفاً بأل أو سلامٌ عليكم منوناً وهو من القربات العظيمة لأنه أفضل التحيات إذ هو تحية الملائكة فيما بينهم وتحية أهل الجنة في الجنة قال الله تعالى (وتحيتهم فيها سلام) وإليك بعض ما ورد في الحث عليه قال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم وروى الدارمي والترمذي وابن ماجة بإسناد حسن عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. وروى البخاري في صحيحه عن عمار رضي الله عنه ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار وروي هذا مرفوعاً في غير البخاري وهذا من جوامع الكلم وكيفية السلام أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحداً ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم فإن قال المبتدئ السلام عليكم حصل

السلام وكذلك إن قال السلام عليك أو سلامٌ عليك وأما الجواب فأقله وعليك السلام أو وعليكم السلام فإن حذف الواو فقال عليكم السلام أجزأه ذلك ولو قال عليكم لم يكن جواباً اتفاقاً وينبغي للمسلم أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتياً بالسلام فلا يجب الرد وأقل ما يسقط عنه فرض الرد وإذا سلم على أيقاظ عندهم نيام فالسنة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع المستيقظين ولا يستيقظ النائم فقد روى مسلم في صحيحه من حديث المقداد رضي الله عنه قال كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ويشترط أن ياون الجواب على الفور فإن أخره ثم رد لم يعد جواباً وكان آثماً بترك الرد. وتكره الإشارة باليد من غير لفظ السلام لما رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالكف ولا ينافي هذا ما رواه الترمذي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوماً وعصبة من النساء قعود فأشار بيده بالتسليم لأنه محمول على الجمع بين اللفظ والإشارة كما تدل عليه رواية أبي داود وزاد في روايته فسلم علينا. وابتداء السلام سنة مستحبة ليس بواجب وهو سنة كفاية فإن كان المسلم جماعة كفى عنهم تسليم واحد منهم ولو سلموا كلهم كان أفضل وأما المسلم عليه فإن كان واحد تعين عليه الرد وإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم وإن ردوه كلهم فهو نهاية في الكمال والفضيلة ولو رد غيرهم لم يسقط عنهم الرد بل يجب عليهم أن يردوا فإن اقتصروا على رد الأجنبي أثموا. روى أبو داود في سننه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم وإذا نادى أحد أحداً من وراء ستر أو جدار فقال السلام عليك يا فلان أو كتب كتاباً فيه السلام عليك يا فلان أو السلام على فلان أو أرسل رسولاً وقال له سلم على فلان فبلغه الكتاب أو الرسول وجب عليه أن يرد السلام روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل يقرأ عليك السلام قالت قلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته وإرسال السلام إلى من غاب عنه مستحب وكذلك يستحب الرد على المبلغ أيضاً فيقول

وعليك وعليه السلام روى أبو داود في سننه عن غالب القطان عن رجل قال حدثني أبي عن جدي قال بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائته فأقرئه السلام فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام فقال عليك وعلى أبيك السلام فهذا وإن كان رواية مجهول يتسامح به لأن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم كلهم والرسول إن التزم التبليغ يجب عليه تذكره لأنه كالأمانة وإلا فهو كالوديعة. وقيل أنه لابد في الاعتداد بسلام المرسل ووجوب الرد من صيغة من المرسل أو الرسول بأن يقول المرسل السلام على فلان فبلغه فيقول الرسول فلان يسلم عليك أو يقول الرسول السلام عليك من فلان وإن لم توجد هذه الصيغة من واحد بأن قال المرسل سلم على فلان فقال الرسول فلان يسلم عليك فلا يجب الرد. وإذا سلم على أصم لا يجب عليه جواب ولكن يستحب له ولو سلم على الصبي على بالغ يجب الرد لعموم قوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وإذا سلم على قوم فيهم صبي ورد الصبي يسقط الفرض بسلامه وقيل لا يسقط وإذا سلم عغليه إنسان ثم لقيه على قرب يسن له أن يسلم عليه ثانياً وثالثاً وأكثر روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء لصلاته أنه جاء فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال له ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم حتى فعل ذلك ثلاث مرات وروى أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه وروى ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة وتفرقوا يميناً وشمالاًُ ثم التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض وإذا تلاقى رجلان فسلم كل واحد منهما على صحابه دفعة واحدة يجب على كل واحد منهما أن يرد على صاحبه وإن سلم أحدهما بعد الآخر كان جواباً وإذا لقي إنسان إنساناً وقال المبتدئ وعليكم السلام لا يكون ذلك سلاماً بخلاف عليكم السلام بلا واو فإنه سلام ويجب على المخاطب البرد وقيل لا يجب ولكن يكره فعل ذلك وإذا اجتمع الرجلان فخيرهما الذي يبدأ بالسلام روى أبو داود في سننه بإسناد جيد عن أبي إمامة رضي الله

عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام وروى الترمذي من حديث أبي إمامة قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام قال أولاهما بالله تعالى والسنة أن يبدأ المسلم بالسلام قبل الكلام والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على ذلك وإذا كان المسلم عليه مصلياً أو مؤذناً في حال أذانه أو إقامته الصلاة أو نائماً أو ناعساً أو مشتغلاً بالبول أو كان يأكل واللقمة في فمه فإن سلم عليه في هذه الأحوال كلها أحد لم يستحق جواباً أما إذا كان على الأمل وليست اللقمة في فمه فلا بأس بالسلام ويجب الرد وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يسلم ويجب الجواب وأما السلام على من يقرأ القرآن فالأولى تركه لاشتغاله بالتلاوة ومثله المشتغل بالدعاء وأما الملبي في الإحرام فيكره أن يسلم عليه لأن يكره له قطع التلبية فإن سلم عليه رد السلام باللفظ وإذا كان المسلم غير مشهور بفسق ولا بدعة يسلم وسلم عليه فيسن له السلام ويجب الرد عليه وأما المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه فينبغي أن لا يسلم عليهم ولا يرد عليهم كما جنح إليه كثير من العلماء واحتج له البخاري في صحيحه بما رواه في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له الخ القصة وقال البخاري وقال عبد الله بن عمرو لا تسلموا على شربة الخمر وقال النووي فإن اضطر إلى السلام على الظلمة بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة في دينه أو دنياه بعدم السلام سلم قال الإمام أبو بكر ابن العربي قال العلماء يسلم وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى والمعنى الله رقيب عليكم. والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل وأما المرأة مع الرجل فإن كانت زوجته أو جاريته أو محرماً له فهي معه كالرجل فيستحب لكل ابتداء الآخر بالسلام ويجب على الآخر الرد وإن كانت أجنبية فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها لم يسلم أحدهما على الآخر وإن سلم لا يجب رد ذلك ولا يجوز وإن كانت ممن لا يفتتن بها جاز أن تسلم على الرجل وعليه أن يرد عليها وإذا كانت النساء جمعاً فيسلم عليهن الرجل أو كان الرجال جمعاً كثيراً فسلموا على المرأة الواحدة جاز إذا لم يخف عليه ولا عليهم ولا عليها فتنة روى ابن داود وابن ماجة عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا وروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال

كانت فينا امرأة تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر (تطحن) حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا وأما أهل الذمة فيحرم ابتداؤهم بالسلام فإن سلموا هم على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد على هذا روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك وقال الإمام المتولي أنه لو أراد تحية ذمي فعلها بغير السلام بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك أو صبحت بالخير والسعادة أو بالعافية أو صبحك الله بالسرور أو ما أشبه ذلك قال النووي لا بأس به إذا احتاج إليه وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار أن لا يقول شيئاً من ذلك فإنه إيناس وبسط لهم ونحن أمرنا بعدم ودهم وإذا سلم على قوم بينهم كفرة يقصد المسلمين أو المسلم وإذا كتب كتاباً إلى مشرك وكتب فيه سلاماً أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى). وأما الصبيان فالسنة أن يسلم عليهم روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وروى أبو داود بإسناد الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على غلمان يلعبون فسلم عليهم وفي بعض الروايات فقال السلام عليكم يا صبيان وهذا تدريب لهم على آداب الشريعة وفيه سلوك التواضع ولين الجانب ويسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ولو خالفوا بأن سلم الكبير على الصغير والكثير على القليل لا يكره وما ذكر فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق أما إذا ورد على قعود أو قاعد فالوارد يبدأ السلام على كل حال صغيراً كان أو كبيراً روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير وفي رواية للبخاري زيادة يسلم الصغير على الكبير الخ وإذا لقي رجل جماعة وخص أحدهم بالسلام كره ذلك منه لأن السلام شرع للأنس والألفة وبتخصيص البعض إيحاش الباقين وربما صار سبباً للعداوة وإذا مشى في السوق والشوارع المطروقة كثيراً مما يكثر فيه الملتاقون يكفي أن يسلم على بعض دون

بعض لأنه لو سلم على كل واحد ممن لقيه لتشاغل به عن كل مهم وإذا سلم جمع على واحد فقال وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم سقط عنه الفرض وإن قصد واحداً منهم لم يسقط عنه الفرض ولو دخل إنسان على جماعة قليلة يعمهم سلام واحد واقتصر على سلام واحد على جميعهم وما زاد من تخصيص فهو أدب ويكفي أن يرد منهم واحد قمن زاد فهو أدب ولو كان جمعاً لا ينتشر فيهم السلام الواحد كالجامع والمجلس الكبير فسنة السلام أن يبتدئ به الداخل في أول دخوله إذا شاهد القوم ويكون مؤدباً سنة السلام في حق من سمعه ويدخل في فرض كفاية الرد كل من سمعه فإن أراد الجلوس بينهم سقط عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين ويستحب إذا دخل بيتاً أو مسجداً ولم يكن فيه أحد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وإن كان جالساً مع أحد وأراد الذهاب فالسنة أن يسلم عليه فقد روى أبو داود والترمذي بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة قال الترمذي حديث حسن ويجب على القوم جوابه وإذا مر على أحد وظن أنه إذا سلم عليه لم يجبه إما لتكبر أو لعدم اعتنائه بالمار أو السلام فينبغي أن يسلم ولا يتركه لهذا الظن فإن السلام مأمور به المار ولم يؤمر بتحصيل الرد مع أنه قد يخطئ الظن فيه ويرد ولا عبرة بمن قال أن سلام المار سبب لحصول الإثم في حق الممرور عليه لأن ذلك جهالة بينة من حيث أن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات ولو نظرنا لمثل هذه الخيالات الفاسدة لتركنا إنكار المتنكر على من فعله جاهلاً بكونه منكراً وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بنصحنا له فإن إنكارنا عليه وإرشادنا له يكون سبباً لإثمه إذا لم يقلع عنه ولا شك في أنه لا يجوز ترك الإنكار بمثل هذا ويستحب لمن سلم على إنسان ولم يرد عليه أن يحلله من ذلك بقوله أبرأته من حقي أو جعلته فغي حل منه ويلفظ بهذا فإنه يسقط حق الآدمي روى ابن السني في كتابه عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجاب السلام فهو له ومن لم يجب فليس منا ويستحب لمن سلم على إنسان ولم يرد عليه أن يقول له بلطف ولن رد السلام واجب فينبغي لك رده كي يسقط عنك الفرض.

العصريون والدين

العصريون والدين يقال أن بعض الناس يطلبون من أهل العلم الغيورين على الدين تأليف جمعية تضم شتات الشبان العصريين وتؤلف بينهم وبين المتدينين وتزيل سوء التفاهم الحاصل بينهم وتدحض ما علق بقلوبهم من الشبه. وما انتابهم من الشكوك والأوهام وتفهمهم أن الدين الإسلامي والعلم الصحيح أخوان توأمان وفرقدان متلازمان وأن الدين يحرض على العلم ويدعو إلى النظر في عالم السموات والأرض ويطلق للعقل عنان الفكر ليذلل لخدمته الكائنات. ويزيد إيماناً بخالق هذه المخلوقات. وأن العلم يثبت أن الدين الإسلامي خير دين يدين به البشر وكلما زاد العلم تقدماً زاد رونق الدين الإسلامي ووضحت تكاليفه وظهر أنه خليل العقل وصديقه وحجتهم في لزوم هذه الجمعية أنهم يرون أكثر الشبان الذين يتعلمون هذه العلوم الطبيعية يمرقون من دينهم أو يشكون من عقائدهم غير مستمسكين بالدين ولا متخلقين بأخلاق المسلمين. بلغنا هذا الاقتراح فاستحسناه ولكن وجدنا من الصعب تحقيقه لذلك أحببنا أن نشرح أحوال هؤلاء الشبان ونبين لمن يرغب منهم في التعلم والاهتداء بهدي الدين أن إزالة شبههم لا تتوقف على تأليف هذه الجمعية لوجود ما يغني عنها فنقول. العصريون المطلوب إصلاحهم هم من تعلموا العلوم العصرية مع عدم تعلمهم أو إتقانهم على الدين وهؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام القسم الأول وهو أكثرهم وأشدهم ضلالاً من وقف عند المادة وأنكر ما وراءها فهو لا يعبأ بالدين وما هو عنده إلا خرافات وأوهام ونزغات شيطان فهذا لا تنفع فيه المواعظ ولا تؤثر فيه النصائح والقسم الثاني من ضرب العلوم الدينية بسهم ضئيل فهو حيران لا يدري أي شيء يغلب عليه. الدين أم الإلحاد فهو بين بين تتنازعه عواطف الزندقة وصبا التدين فهذا يطمع في هدايته وإن كان بعيداً ويرجى برؤه وإن كان عنيداً والقسم الثالث من يغلب عليه حب الدين والتدين ولكن لا تفتأ نزغة الإلحاد توحشه وتقلقه. وتبعده وتقربه فهو يتفانى في حب الدين ويزداد شغفاً وشوقاً إلى ترقي المسلمين. ويريد أن يزيل ما علق بقلبه من الشبه ولكن لا يدري أي طريق يسلك. لا أي باب يطرق فالواجب على أفراد هذين القسمين أن يتعهدوا مجالس العلم ويطرقوا أبواب الأساتذة يسئلونهم عما طرأ عليهم من الشبه ليزيلوا شكوكهم ويحلوا مشكلاتهم يقولون لو أتينا هؤلاء

العلماء وسألناهم عما يدور في خلدنا من الشبه لأسكتونا وحكموا علينا بالكفر والإلحاد والفسق والضلال فماذا نصنع؟ قلنا لا نصيب لما تقولون من الصحة فإن العلماء مستعدون لإزالة شبه كل يسألهم وهل وظيفتهم غير ذلك ولكن ربما تدخلون عليهم بصورة المتعنتين لا المتعلمين فيلاحظون ذلك منكم فينبذونكم. هذه أقسام العصريين وأحوالهم وسبب زيغهم وإلحادهم معروف لا يكاد يختلف فيه وهو عدم تمكنهم من العلوم الدينية وتضلعهم بها. حكى بعضهم قال اجتمعت بأحد العصريين فدارت بيننا المباحثة بمسألة الاجتهاد والتقليد وهذه صورة ما دار بينهما: العصري: أليس الواجب على العلماء أن يعيروا هذه المسألة جانباً من الالتفات والنظر فيخرجو الناس من هذه القيود التي أضرت بالمسلمين وأوصلتهم إلى هذه الحال التي تذيب القلوب وتدمي المقل؟ المتدين: سبحان الله وهل مسألة الاجتهاد والتقليد هي التي أوصلت المسلمين إلى ما ترى؟ العصري: نعم وما على المسلمين لو تركوا هذه الأقاويل ورجعوا إلى الكتاب والسنة وأخذوا منهما أحكام الحلال والحرام. المتدين: وهل أخذ الأئمة الكرام من غير الكتاب والسنة؟ العصري: وهل تعتقد أن كل مسائل الفقه مأخوذة من الكتاب والسنة؟ المتدين: وهل يشك في ذلك؟ العصري: لقد أخطأ فهمك وطاش سهمك هناك ألوف المسائل لم يعثر لها على دليل. المتدين: كأنك لم تقرأ ما كتبته مجلة (الحقائق) في الجزء الأول من سنتها الأولى فإنها أخذت على عهدتها أنا تجيب على مسائل الفقه التي يظن أنها ليس لها دليل وتبين دليلها بما يقنع أولي الألباب فإن كنت في شك من بعض المسائل الفقهية فالمجلة مستعدة للجواب عما يرد عليها من الأسئلة قل لي بربك ماذا قرأت من وسائل العلوم الدينية ومقاصدها كالنحو والصرف والمنطق والأصول والفقه والحديث؟ العصري: لم أقرأ من ذلك إلا النذر القليل. المتدين: وهل من اللائق أن يخوض بمسائل الاجتهاد والتقليد من لا يحسن الوضوء ولا الصلاة ولا يجيد قراءة لفظ الحديث الذي يعرض نفسهم لفهم منطوقه ومدلوله وصريحه

وإشارته وظاهره وخفيه ومشكله ومفسره إن هذا لشيء عجاب. عليكم معشر العصريين بتعلم العلوم الدينية فإنها هي الحاجزة بينكم وبين النار. وإياكم أن يخدعكم أبالسة المبتدعة بما يلقونه في عقولكم من تحقير الفقه والفقهاء وتنفيركم من علماء الدين وأهل السنة أه. فقد وضح من جملة ما قدمناه أن الداء هو جهلهم بالعلوم الدينية وعدم تضلعهم بها. وإن الدواء الناجع هو رجوعهم إلى تعلم علوم الدين ومسائلها ومقاصدها فإن من علامات محبة الدين أن يطلب المرء ما يثبت تلك المحبة في قلبيه بأن يكون على يقين من أمره لا يشككه زيغ الزائغين ولا إلحاد الملحدين وأن أبواب الأساتذة مفتوحة للتعليم. وإن كل درس يقرأ عندهم هو الجمعية التي يطلبونها وما سوى ذلك فشهوات يمنيهم بها الشيطان ليحول بينهم وبين ما ينفعهم ويصدهم عن سبيل الله ولله في خلقه شؤون.

يا حكماء الإصلاح

يا حكماء الإصلاح أدركوا المريض بعلاج ناجع وفيه من الحياة بعض رمق أرسل بها إلينا الشاعر المجيد الشيخ عبد الرحمن أفندي القصار أرى الدسائس بأن اليوم خافيها ... وقد أحاطت بنا طراً دواهيها تيقظوا إننا والله في خطر ... إن لم تحوطوا الربى فالسيل يبليها إني أنبهكم كونوا على حذر ... منك فكم أمة منها أعاديها بربكم أدركوا الأوطان حيث غدت ... على شفا جرف هار مبانيها إذا انتهى الجار من حلق قبل فقد ... وافاك حلاقه فاحذره تنبيها فالوحش إن صادفت في دار مضيعة ... فريسة أنشبت أظفارها فيها يا أمة رتعت في لهوها زمنا ... منذ ادعى حبها الأغيار تمويها أما كفاك اغترار فاتعظت بما ... قضى على حسنك الوضاح تشويها هبي لندرأ عنا ما أحاط بنا ... من الحوادث ما جرت عواديها هبي لنشرع في إصلاح ما فسدت ... منه الإدارة وانحطت معاليها واحسرتاه لبلدان برمتها ... قضت ولا من مجيب صوت ناعيها هل من مجيب لإصلاح البقية كي ... لا يلحقن بماضي تلك باقيها فسددوا نحو من يبغي التهامكمو ... سهام إصلاح بقيانا لنحميها كم يرسل الغرب من جيش الكلام لنا ... وفداً يهددنا بالحرب تنويها ونحن لم ننتبه إلا وأدركنا ... جيش الحسام فنرغو منه تدليها أبعد ما ذهبت منا البلاد سدى ... وصاح في إبل التسيار حاديها يطيب عيش وإغفاء لأمتنا ... ما لم يعد من ترقي العلم ماضيها وهذه الدولة العظمى على ملاء ... يدعو لأنجح إصلاح مناديها لبوا نداء إلى الإصلاح واتفقوا ... على علاج من الأدواء يشفيها أين الفتى الحر بين القوم يدرأ ما ... يزري بدولته العليا ويفديها يا أيها الغافلون الزاهدون بما ... يجدي بلادكمو نفعاً ويحييها قد اشتكى الوطن الواني تقاعسكم ... عنه وأطفالكم شابت نواصيها أبعد ذا اليوم نغضي الطرف عن وطن ... أيامه بالشقا ساوت لياليها

وارحمتها لأوطان تئن أسى ... منكم ولم تلق فيكم من يلبيها فإن تداركتموها بالحياة من ال ... إصلاح أو فدعوني اليوم أرثيها

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد صن أمة لعب العدو بعقلها ... وأنالها ألماً على آلامها إن لم تدركها فمن يرجى لها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبرز من التكوين) أنت الذي لولاك ما انفك العمى ... عن ذا الوجود وشأنه ما نظما فالفضل منك مؤخراً ومقدماً ... (أيروم مخلوق مديحك بعدما) (أثنى عليك الله في التبيين) دمشق ع (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا مصدر الأشياء حبك ديني يا منتهى الغايات أنت المجتبى ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... شهد الكتاب بنعتك الميمون أنت المرجى في الشدائد حيث قد ... (أثنى عليك الله في التبيين) دمشق عبد المجيد قصاب (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا خير مبعوث وخير أمين أنت المشفع في الخلائق كلها ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... فقت العوالم كلها بيقين هل يحسن الشعراء مدحك بعد أن ... (أثنى عليك الله في التبيين) دمشق ص ز

الحكمة

الحكمة شربنا هواها مذ الست وقد صفا ... ولذّ كأن الله خص به الشفا ومذ رابنا أنا لديها على شفا ... (دخلنا عليها نستجير من الجفا) (على غفلة الواشي من الجن والأنس) وقفنا وكل للحتوف تعرضا ... وعن غيرها بالقول والفعل اعترضا وقلنا لها الصبر الجميل قد انقضى ... (فقالت فما تبغون قلنا لها الرضا) (فقالت رضائي بالخروج عن النفس) (دخلنا عليها نستجير من الجفا) ... لئلا يغوص القلب في لجة اليأس ويا حبذا لو كان يبدو خيالها ... (على غفلة الواشي من الجن والإنس) (فقالت فما تبغون قلنا لها الرضا) ... لندرك فيه الوصل من حضرة القدس ونفنى فناءً فيه تحيى نفوسنا ... (فقالت رضائي بالخروج عن النفس) ابن المدرسة سعدنا بكشف الضر والوقت قد صفا ... بأنظار من نهوى إذا الدهر أنصفا ولما رأيناها تبدت من الخفا ... (دخلنا عليها نستجير من الجفا) (على غفلة الواشي من الجن والأنس) رجونا وصالاً للحبيب فأعرضا ... وما ثم إلا ما به حكم القضا فقلنا لها بالله صفحاً لما مضى ... (فقالت وما تبغون قلنا لها الرضا) (فقالت رضائي بالخروج عن النفس) (دخلنا عليها نستجير من الجفا) ... ومن ظلمة الأغيار والريب واللبس لجأنا إليها نستعيذ من النوى ... (على غفلة الواشي من الجن والأنس) (فقالت وما تبغون قلنا لها الرضا) ... وإن تكلئي صباً من الزيغ والطمس وإن ترحمي كلاً حناناً ورأفةً ... (فقالت رضائي بالخروج عن النفس) عبد المجيد القصاب

من كتاب الأدب

من كتاب الأدب لجعفر بن شمس الخلافة وهو من الكتب المخطوطة النادرة ولم أر مثل المال أرفع للنذل عش عمر نوح الياً ستعزل حسن في كل عين من تود الإرب إحسان عليك ثقيل رب عيش أخف منه الحمام ليس المجرب مثل من لم يعلم حنانيك بعض الشر أهون من بعض ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا لعل غداً يبدي لمنتظر أمراً وما كل من أوليته نعمة شكر كفاية الله خير من توقينا ما غبن المغبون مثل عقله وليس لشيء بعد ما فات مطلب وما خلا الدهر من صاب ومن عسل وقد يبتلي الحر الكريم فيصبر وعلى المريب شواهد لا تدفع وليس لعظم هاضه الله جابر إذا لم تجد بالمال جاد به الدهر إن البخيل فقير غير مأجور والكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل وكل قريب لا ينال بعيد لا خير في لذة من بعد سقر إن الصبابة بعد الشيب تضليل

ويعرف فضل الشمس عند مغيبها دية الذنب عندنا الاعتذار وما عاقل في بلدة بغريب ذهب القضاء بحيلة الأقوام ونعمة الله مقرون بها الحسد ولا يكشف الفتيان مثل التجارب وأعيى مصاب الموت كل طبيب

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد خصائص الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه سيد الأنبياء والمرسلين وسيد البشر من الأولين والآخرين وأنه اشرف المكونات وأفضل أهل الأرض والسموات. أخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم إسلام قرينه من الجن. أخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلات على الأنبياء بخصلتين كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه حتى أسلم وقال الراوي ونسيت الأخرى. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الميت يسأل في قبره عنه عليه الصلاة والسلام. أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم على يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم المقام المحمود (وهو الشفاعة العظمى في فصل الفضاء) الذي يحمده فيه الأولون والآخرون أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذلك يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض ألا ترون ما

أنتم فيه أما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض أبوكم آدم فيأتون آدم فيتنصل فيأتون نوح فيتنصل فيأتون إلى إبراهيم كذلك فيتنصل ثم موسى ثم عيسى عليهم الصلاة والسلام إلى أن ينتهي الأمر إلى سيد الرسول فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم النبيين فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه قال عليه الصلاة والسلام فأقوم فآتي تحت العرش فأقع ساجداًَ لربي يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعط وأشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي الخ الحديث. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أول من يجيز بأمته على الصراط لحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزه. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أول من يقرع باب الجنة روى مسلم عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً على النبي صلى الله عليه وسلم آتي باب الجنة فاستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك مما اختص به صلى الله عليه وسلم الكوثر قالا تعالى (إنا أعطيناك الكوثر) وأخرج الترمذي وأحمد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب ريحاً من المسك وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضاً من الثلج. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم الوسيلة العظمى وفسرها العلماء بأنها أعلى درجة في الجنة وأفضل منازلها أخرج مسلم عن ابن عمرو رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تبتغى إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيام إلا سببه ونسبه أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي أه وقد ذكر الشيخ عبد الغني النابلسي معنى لطيفاً في تقرير هذا الحديث قال أن نبينا أبو الأنبياء والمؤمنين في الدين وآدم عليه

السلام أبو البشر في الطين والنسب الطيني غير نافع بدليل أن الأب قد يكون مؤمناً بل نبياً ويكون ابنه كافراً فلم ينتفع الابن بالنسب الطيني حيث فارق أباه في النسب الديني فيوم القيامة تضمحل الأنساب الطينية وتنقطع قال تعالى (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) ولا يبقى إلا النسب الديني وهو صلى الله عليه وسلم الأب الكامل فيه فكل من أدلى إليه بهذا النسب فهو ناج وإلا كان من الهالكين أه. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرى من خلفه كما يرى أمامه ويرى في الليل والظلمة كما يرى في النهار والضوء أخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء وأخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل ترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم إني أراكم وراء ظهري. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم طيب رائحة عرقه الشريف روى البخاري عن عائشة قالت كنت قاعدة أغزل والنبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نوراً فبهت فقال مالك بهت قلت جعل جبينك يعرق وجعل عرقك يتولد نوراً ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره حيث يقول: ومبرإ من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت بربوق العارض المتهلل فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان بيده وقام إلي فقبل ما بين عيني وقال جزاك الله يا عائشة خيراً فما أذكر أني سررت كسروري بكلامك وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني زوجت ابنتي وأحب أن تعينني بشيء قال ما عندي شيء ولكن أتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة فأتاه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسلت العرق عن ذراعيه حتى امتلأت القارورة قال فخذها وأمر بنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به فكانت إذا تطيبت يشم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين. ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مشى مع الطويل طاله وإذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين وكان لا يرى له ظل في الشمس ولا في القمر وأنه لم يقع

ظله على الأرض أخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت لم يكن رسول الله بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقهما نسب إلى الربعة وأخرج الترمذي عن ذكوان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له ظل في شمس ولا قمر أه وقد علل عدم ظهور ظله في الشمس والقمر بأن قلبه الشريف نور وجسمه لطيف شفاف يشف عن ذلك النور فيمحي به ظله.

سنن متروكة

سنن متروكة لقد فشى بين الأمة الإسلامية التخلق بأخلاق الغربيين والتمسك بعاداتهم حتى كادت الأخلاق الإسلامية أن تكون نسياً منسياً وأثراً بعد عين لذا رأينا أن نذكر طرفاً من سنن نبينا صلى الله عليه وسلم وأخلاقه الكريمة كي يظهر للأمة ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه رضي الله عنهم فمن ذلك الاستئذان. قال تعالى: (يا آيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا_أي تستأذنوا_وتسلموا على أهلها) وقال تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي موسى الشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الاستئذان من أجل البصر والسنة أن يسلم ثم يستأذن روى أبو داود والترمذي عن كلدة بن الجنبل رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكم أأدخل وهو حديث حسن وبيان ذلك أن المستأذن يقف عند الباب لا ينظر إلى من في داخله ويقول السلام عليكم أأدخل فإن لم يجبه أحد قال ذلك ثانياً ثالثاً فإن لم يجبه أحد انصرف وينبغي أن ينتظر بين السلام الأول والثاني مقدار أربع ركعات أو مقدار الوضوء أو قضاء الحاجة لعل رب المنزل مشغول عن الجواب فقد نقل العلامة الشهير ابن عابدين في كتاب الحظر والإباحة في حاشيته عن قول الشارح وإذا أتى دار إنسان الخ وفي فصول العلامي وإذا دخل على أهله يسلم أولاً ثم يتكلم وإن أتى دار غيره يستأذن للدخول ثلاثاً يقول في كل مرة السلام عليكم يا أهل البيت أيدخل فلان ويمكث بعد كل مرة مقدار ما يفرغ الآكل أو المتوضئ أو المصلي بأربع ركعات فإن أذن له دخل وغلا رجع سالماً ن الحقد والحسد والعداوة أه وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة يستأذن على ذوات المحارم يدل عليه ما روي عن عطاء بن يسار أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أأستأذن على أمي قال نعم فقال الرجل إني معها في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها أخرجه مالك في الموطأ مرسلاً. وإذ دق الباب على أحد أو استأذن بالسلام فقبل له من أنت يطلب أن يقول فلان ابن فلان المعروف بكذا أو ما أشبه ذلك بحيث يحصل التعريف التام به ويكره أن تقتصر على قوله

أنا أو الخادم أو بعض المحبين أو نحو ذلك روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن جابر رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب فقال من ذا فقلت أنا فقال أنا أنا كأنه كرهها ولا بأس بأن يصف نفسه بما يعرف به وإن كان فيه نوع تبجيل أو تعظيم كأن يقول أنا المفتي فلان أو القاضي فلان أو الشيخ فلان أو ما أشبه ذلك روى البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه واسمه جندب وقيل برير بضم الباء تصغير بر قال خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني فقال من هذا فقلت أبو ذر. يستحب للرجل تقبيل يد غيره إذا كان ذلك لزهده أو صلاحه أو علمه أو شرفه أو نحو ذلك من الأمور الدينية وإن كان ذلك لغناه أو دنياه أو شوكته فهو مكروه شديد الكراهة وقال بعض العلماء حرام روى أبو داود في سننه عن زارع رضي الله عنه وكان في وفد عبد القيس قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله. تقبيل الرجل خد ولده الصغير أو أخيه أو صديقه وقبلة غير خده من أطرافه على وجه الشفقة والرحمة واللطف سنة مشهورة ذكراً كان أو أنثى أما التقبيل بشهروة فحرام سواء ذلك في الولد وغيره روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الأقرع أن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يرحم. وأما تقبيل وجه الميت الصالح للتبرك لا بأس به روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها في الحديث الطويل في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت دخل أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكب عليه فقبله ثم بكى. لا بأس بتقبيل الرجل وجه صاحبه إذا قدم من سفر. روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن وأما المعانقة وتقبيل الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه فمكروهان ويدل

على الكراهة ما رواه الترمذي وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له قال لا قال فيأخذ بيده ويصافحه قال نعم قال الترمذي حديث حسن. وكون المعانقة والتقبيل مكروهين هو في غير الأمرد الحسن الوجه أما هو فحرام بكل حال تقبيله مطلقاً قدم من سفر أو لا ومعانقته كذلك ولا فرق بين أن يكون المقبل والمقبل صالحين أو فاسقين وأحدهما صالحاً فالجميع سواء. ومن سننه عليه الصلاة والسلام المصافحة فهي سنة مجمع عليها عند التلاقي روى البخاري عن قتادة رضي الله عنه قال قلت لأنس رضي الله عنه أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وروى البخاري ومسلم في حديث كعب ابن مالك رضي الله عنه في قصة توبته قال فقام إلي طلحة بن عبد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهناني وأما تخصيص المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له شرعاً على هذا الوجه لكن لا بأس به لأنه من أفراد السنة وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه وكل من حرم النظر إليه حرم مسه بل المس أشد فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ولا يجوز مسها في شيء من ذلك ويستحب مع المصافحة البشاشة بالوجه والدعاء بالمغفرة ونحوها. روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق وروى ابن السني في كتابه عن أنس رضي الله عنه قال ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ونقل العلائي في الدر المختار عنه عليه الصلاة والسلام من صافح أخاه المسلم وحرك يده تناثرت ذنوبه ونقل العلامة ابن عابدين في حاشيته عند هذا البحث وكذا في شرح الهداية للعيني قال النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذه بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر رواه الطبراني والبيهقي ويكره حني الظهر في كل حال لكل أحد ويدل على ما قدمناه من حديث أنس رضي الله عنه وهو قوله أينحني له قال لا قال الإمام النووي ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من

خصال الفضل فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقد قال الفضل بن عياض رضي الله عنه اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ويستحب إكرام الداخل بالقيام لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام لا للرياء وعلى جواز القيام عمل السلف والخلف ويستحب زيارة الصالحين والأخوان والجيران والأصدقاء والأقارب وبرهم وصلتهم وينبغي زيارتهم على وجه لا يكرهونه. روى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضاً أو زار أخاً في الله تعالى ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً.

صدى حجاب المرأة شهادة مسيحي بمضار التبذل

صدى حجاب المرأة شهادة مسيحي بمضار التبذل الاجتماعية لما أظلتنا أوروبا بمدنيتها الحديثة وبمعارفها وعلومها ومستحدثاتها ومخترعاتها اغتر بزخرف تلك المدنية الساحرة فريق من عشاق المظاهر وعبدة الأوهام ظنوا أن كل ما تأتي به أوروبا حسن لذاته ومفيد للهيئة الاجتماعية وواجب على جميع الأمم والشعوب أن تقفوا أثرهم به لتصل إلى أوج السعادة والكمال. تمكن منهم هذا الغرور تمكناً ملك عليهم مشاعرهم حتى صار الأمر المحمود في الشرع الذي يدينون به مذموماً في عرفهم واعتقادهم لأن أوروبا رأت أنه غير نافع لها في مدنيتها الحديثة. من ذلك حجاب المرأة. ولا يمتري ذو مسكة من العقل بما لحجاب المرأة من الفوائد التي من أهمها حفظ الأنساب وقد جاءت مشروعيته في كتاب الله وسنة رسوله على أبلغ وجه ومضت الأيام والسنون والاتفاق على استحسانه سائد ومطابقة العقل للنقل فيه محكمة وثيقة لذلك لا نعلم أن أحداً من علماء الإسلام وأئمتهم على مدة ثلاثة عشر قرناً ارتأى أن الحجاب الشرعي مضر بالنساء وأن ابتذال المرأة وخروجها من صيانة الحجاب نافع لها ومرق لأخلاقها إلى أن داهمتنا تلك المدنية التي زحزحت كثيراً ممن لم تتمكن عقائد الدين من نفوسهم عن جادة الحق والشرع فكان من جملة ما منينا به من نوائب هذه الشرذمة الجاهلة أن قام من يقول بضرر الحجاب بل وعدم مشروعيته وبوجوب تقليد أوروبا بهذه المسألة الخطيرة وتحرير المرأة من قيودها الثقيلة ومزاحمتها للرجل في ميادين الأعمال. لا حجة لهم في استحسان ما ذكر والاعتقاد بوجوبه سوى أن أوروبا عالمة به وهي مترقية والغريب في ذلك أن بعضاً من متطرفة المغرورين يرى أن كل رقي نالته أوروبا كان بسبب ابتذال المرأة وأن رقينا موقوف على ذلك لا محالة. وقد كنا كتبنا في السنة الأولى من الحقائق رداً ضافياً على الزهاوي في هذه المسألة وملحقاتها وأثرنا عن حضرة العالم الاجتماعي الكبير محمد فريد بك وجدي ما يتوقعه فلاسفة العمران في أوروبا من انهدام عظمة أوروبا بيد المرأة إن لم يمكن إيقافها عند حدها ونقلنا ما ذكره حفظه الله من كلام المسيو (جان فينول) مدير مجلة المجلات وغيره بهذا

الصدد ولا بأس أن نعيد نقل بعضه ها هنا إتماماً للفائدة قال جان فينول (نقول بغاية الأسف أن المرأة التي بواسطتها تهذيب أوروبا ستكون هي نفسها هادمة تلك المدنية الزاهرة بيديها بإزاء هذه النزعات فإن عقلاء القوم لا يدرون كيف يوقفون سير هذا التيار الشديد الاندفاع الذي ابتدأ يجرف أمامه كل الكمالات الأخلاقية التي بنيت على أساسها عظمة العالم المتمدن أه. فعلماء أوروبا وفلاسفتها تسعى لتلافي أضرار التبذل ومساواة والمرأة للرجل في كل شؤونه وجهلاؤنا المغرورون يريدون تقليدها فيما أدرك عقلاؤها ضرره وسوء مغبته وقد قرأنا في مجلة (الهلال) الغراء فصلاً من رحلة صاحبها جرجي زيدان لبلاد أوروبا وصف لبلاد أوروبا وصف به حال المرأة الفرنساوية وما جناه عليها وعلى المجتمع الفرنسوي تبذلها وتبرجها وحريتها المتطرفة فأردنا نقل محل الشاهد من كلامه هنا قال: كنا نشكو من جهل الفتاة الشرقية وحجابها ونحسد الفتاة الافرنجية على تعلمها وحريتها فلما رأينا حالها في باريس انقلبت شكوانا وكدنا نرضى بالحجاب والجهل. أنهم أساؤوا إلى ذلك المخلوق اللطيف بتلك الحرية المتطرفة أرسلوا المرأة إلى الأسواق تخالط الشبان وتبايعهم وتساومهم وتعاشرهم وهي ضعيفة حساسة فتعرضت لمفاسد كثيرة وأغراها الشبان بالمال فخدعوها فلما خرجت من صف الحرائر خدعتهم ثم آل أمرها إلى ضياع العمر في الشوارع والأزقة لا تجد رزقاً إلا باستهواء الشبان وفي القاهرة مثال صغير من تلك الطبقة يعرفن ببنات الرصيف أما هناك فإنهن ألوف ولا تكاد تخلو منهن حديقة أو متنزه أو شارع لاسيما أثناء الليل ولا حرج عليهن بحجة الحرية الشخصية والحكومة الفرنساوية تبيح الفحشاء على شروط وضعتها وقوانين سنتها فأباحت للمتجرين بالأعراض أن يبتوا المنازل والقصور ويحشدون فيها الغواني أصنافاً وألواناً يعرضونهن عرض السلع والأثاث بلا عيب ولا حياء ولهم سماسرة في أيديهم شهادات من الحكومة تخول لهم معاطاة تلك المهنة ولهذه الطبقة من المتهتكين مجالس وأندية وجرائد وكتب لترويج تلك البضاعة وليس ذلك جائزاً في إنكلترا ولكن مصر اقتدت فيه بالفرنساويين كما اقتدت بسواه من أسباب تمدنهم وما كان أجدرنا أن نأخذ الحسن النافع من أسبابه ونعرض عن القبيح الضار. ومن قبيح هذه الحرية في باريس أن من تلك الشباك الجهنيمة كثيراً في حي يعرف بالحي

اللاتيني فيه أكثر المدارس العالية التي ترسل مصر شبانها ليتلقوا فيها الحقوق والطب أو غيرهما ولا مندوحة لهم عن الإقامة هناك والتعرض لتلك الأخطار في المراقص والملاعب حيث يختلط الشبان بالشابات فلا ينجو من ذلك الخطر إلا قوي الإرادة ثابت العزيمة ولكن الإنسان ضعيف ولاسيما الشاب القادم من بلاد لا يرى فيها المرأة إلا محتجبة وهو في بلده بين أهله ومعارفه يمنعه الخجل من مخالطة غير المحتجبات أما في باريس وكل شيء فيها مباح فإنه يرى الشبان والشابات في الطرق أزواجاً (غير مطهرة) ذكراً وأنثى بلا حرج ولا خجل يتداعبون ويتغازلون ويجد من رفاقه من يغريه على الرذيلة ويحببها إليه باسم الحرية فإذا أحجم عيره بالضعف فهل يلام أولئك الشبان على السقوط وإنما على اللوم على الذين يرسلونهم إلى تلك المدارس وإذا كان لا بد للحكومة المصرية أو الآباء من إرسال أبنائهم إلى مدارس فرنسا فمن الخطأ إرسالهم إلى باريس وتعريضهم لتلك الأخطار على أن الطبقة من النساء ليست كلها من أهل تلك العاصمة فإن فيهن كثيرات من أهل الأرياف الفرنساوية أو من خارج فرنسا وبعضهن من روسيا وألمانيا وغيرهما ويندر بينهن القادمة إلى باريس بقصد العهارة. وإنما يفد أكثرهن إليها للارتزاق ببعض المهن فيتعرضن للوقوع في تلك الفخاخ ويعينهن الفقر على الوقوع فيها لأن البائعة في مخزن وأجرتها فرنكان أو ثلاثة في اليوم تنفقها على الطعام واللباس والمنام يقع نظرها كل يوم على عشرات من شبيهاتها في الخلقة أو أقل منها جمالاً وكل منهن قد تأبط زندها شاب كساها أحسن الأقمشة وزينها بأجمل الحلي فإذا قويت هذه البائعة المسكينة على محاربة الحسد فإنها لا تقوى على مدافعة من يتعرض لها من أولئك الشبان الذين يغرونها بالمواعيد العريضة ويتحببون إليها بإطراء جمالها وشكوى الغرام وغير ذلك فتقع في الشراك ولا يعاشرها ذلك المغرم إلا مدة ثم ينتقل إلى سواها. فتصبح غير قادرة على العمل في مهنتها الأولى ويهون عليها الارتزاق من أمثال ذلك الشاب واعتبر كيف تكون حالها متى ذهب شبابها وذوي جمالها فالعلة الأصلية في شيوع التهتك بباريس إنما هو إطلاق سراح الفتاة ومساواتها للرجل وتكليفها الإرتزاق مثله وإباحة الحكومة للفحشاء رسمياً وزد على ذلك أن الفتور الديني شائع في فرنسا حتى أصبح شبانها يعدون العهارة ضرباً من التجارة ولا فرق عندهم بين الفحشاء والتمتع بسائر ملاذ الحياة

كالطعام والشراب والسماع ونحوها فيغرون المرأة على ذلك فتطيعهم وليس أقبح من فتور المرأة في الدين لأنها أقرب إلى التقوى من الرجل وأكثر تعففها من طريق الدين خوف العقاب وهي دقيقة الإحساس سريعة التأثر فإذا لم يشتغل قلبها بالتقوى والرهبة من العقاب خيف عليها السقوط إذ ليس لها ما للرجل من قوة الإرادة ومع ذلك فإنه أكثر سقوطاً منها لكن الناس لا يعيبون سقوطه كما يعيبون سقوطها وذلك من جملة مظالم نظام الاجتماع. في شوارع باريس ألوف من الفتيات لولا هذه الأسباب لكن أمهات وربات عائلات يربين أبناءهن رجال المستقبل على الفضيلة بدلاً من ضياع شبابهن في الرذيلة ويضيع معهن ألوف من الشباب بلا عقب. لأن هذه الإباحة من أكبر أسباب العقم في فرنسا إذ يمسك الشبان عن الزواج تخلصاً من متاعبه وهمومه واكتفاء بملاذه الوقتية بثمن قليل لا مسئولية بعدها ولا تعب فلا نبالغ إذا قلنا أن فرنسا بين يدي خطر اجتماعي يهددها ولا تخرج منه إلا بعد انقلاب عظيم. بلغ عدد اللقطاء في باريس للعام الماضي ثمانية عشر ألفاً لا يعرف آباؤهم فهم من نتاج هذه الرذيلة من نتاج الإفراط في الحرية والفتور في الدين. إن الجهل والحجاب يضران بالمرأة ويؤخران الهيئة الاجتماعية عن أسباب المدنية لكن الحرية الزائدة مع العلم أو بدونه تفسد المجتمع الإنساني وتضر بالعائلة وحال فرنسا الاجتماعي أكبر شاهد على ذلك لأن إحصاءها يكاد يكون الآن كما كان منذ أربعين سنة ولم تبق أمة إلا تضاعف إحصاؤها في أثناء هذه المدة. خلقت المرأة أماً تدبر العائلة وتربي الأولاد وتعليمها ضروري للقيام بمهمتها الطبيعية في الشؤون العائلية وأما تكليفها بأعمال الرجال فإنه خارج عما خلقت له إلا إذا اضطرت إليه لأسباب قهرية ولكننا نرى بعض كبار العلماء يجيزون لها كل عمل يعمله الرجل وأن تتعاطى كل صناعة أو مهنة لأنها مساوية لها. وبعضهم ألف كتباًَ في هذا الموضوع خلاصتها أن المرأة يجب أن تعمل كل أعمال الرجال من صناعة أو علم أو تجارة أو زراعة بحجة تضاعف الثروة بتكاثر الأيدي في العمل وهو رأي نظري لا ينطبق على حاجة المجتمع الإنساني إذا نزل الرجل والمرأة إلى السوق من يربي الأطفال ويدربهم ويعنى بأحوالهم؟ فإن قيل أن المراضع والخدم يفعلون ذلك قلنا أن الطفل لا تربيه إلا أمه

وإذا فرضنا قيام الخدم مقامها فالنفقات التي يستلزمها استخدامهم تستغرق ما تكتسبه المرأة بالعمل خارج بيتها ومهما بلغ ارتقاء الجنس البشري في الاكتشاف والاختراع فإنه لا يقوى على قلب نظام الاجتماع وهذا النظام يقضي على الأم أن تربي طفلها بحيث لا يخرج من دائرة عنايتها وأن يكون هو أهم مشاغلها مع تدبير بيتها وليس ذلك بالشيء اليسير إن القيام بشؤون العائلة لا يقل أهمية عن أعظم عمل من أعمال الرجال في التجارة أو السياسة أو الصناعة أو غيرها. هذه شهادة رجل مسيحي لا يرى الحجاب ديناً ولا يقول أنه مأمور به في الشرائع السماوية ولكن يقول به لما رأى من مفاسد رفعه من هتك الأعراض واختلاط الأنساب وكثرة اللقطاء وقلة النسل مما شاهده بنفسه وسمعه بأذنه من غير تأثر بعقيدة سالفة أو دين التزم أحكامه وهي شهادة ينبغي أن تكون مجناً أمام أولئك الحمقى الذين يدعون أن حرية المرأة وتبرجها هو هو مفتاح الرقي ومنهاج السعادة إلى آخر ما يهزؤن به. بصرنا الله بأسرار دينه وعصمنا من نزعات المفسدين وكيد المتفرنجين إنه سميع الدعاء جزيل العطاء.

العلم

العلم قلما يجد الإنسان صحيفة سياسية أو مجلة أدبية أو كتاباً لأديب أو مقالة لا ريب إلا ويرى أنه يدعو إلى العلم ويحض عليه ويحث على التعليم وينادي إليه ولقد تفنن الكتاب وحملة الأقلام في سبيل الدعوة إلى العلم تفنناً غريباً وتأنقوا تأنقاً عجيباً فمنهم من جعل سبيل الدعوة إليه ذم الجهل وبيان مضاره ومنهم من جعلها في بيان ثمرة العلم وما ينشأ عنه من الفوائد وماله من المزايا وما يترتب على تحصيله من النتائج ومنهم من أبدع في تصوير الجاهل لينفر عن جهله ويحذر الناس من عاقبة أمرة. كم أنشئت جمعيات للدعوة إلى العلم؟ زكم أقيمت حفلات للحض عليه وكم ألف مؤلفات لإحيائه وليت شعري بعد ذلك التعب والنصب والألفاظ الفخمة والجمل الضخمة التي يسردها الكاتبون ليدلوا بها على اقتدارهم ومتانة بيانهم هل علمنا ما هو هذا الرمز الذي يشيرون إليه والأمر الذي يريدوننا عليه؟ كلا لعمر الحق لم نفقه من العلم إلا حروف_ع. م. ل_ولم نستفد من هذه الضجة القائمة سوى أننا رمينا بأولادنا إلى تلك المدارس المختلفة التي يسعى كل منها إلى غاية مخصوصة يجد في تحصيلها ويجتهد في سبيل الموصول إليها ليس مرادنا الآن الانتقاد على المدارس وبيان خطأها في سيرها وإن كل واحدة منها تدعي سلامة منهجها وجودة طريقتها وإنما مرادنا أن نبين أنا بعد كل ما تقدم أمتنا العلم وسرنا في طريق غير طريقه وهذا ما قضى علينا بأن نحرم من الرجال الأكفاء الصادقين الذين يحبون الفضيلة لذاتها ويكرهون الرذيلة لنفسها. قسم العلماء رضي الله عنهم العلم إلى ثلاثة أقسام مأمور به، ومنهي عنه ومندوب إليه والأول إلى قسمين فرض عين وفرض كفاية. ففرض العين هو ما لو علمه البعض لا يسقط الحرج عن الباقين وهو علم الحال ونعني به الأمر الذي يتقلب فيه المكلف ليلاً نهاراً من القوال والأعمال والاعتقادات فهل علمنا ما يجب علينا من هذا العلم وهل سرنا في طريقه واجتهدنا في تفهمه وتفهيمه؟ إن الله تعالى افترض الفرائض وأوجب الواجبات على كل بالغ عاقل من بني آدم ولم يميز في ذلك بين الحاكم والمحكوم والغني والفقير والتاجر والزارع والذكر والأنثى ففرض على الجميع معرفة ما يجب له سبحانه وما يستحيل وما يجوز ومثل ذلك للرسل عليهم الصلاة والسلام وفرض تصديق كل ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهل جميع أغنيائنا

وأمرائنا وتجارنا وقرائنا أدوا ما عليهم من هذا الفرض وهل برأت ذمتهم من فرضية تعلمه؟ وما نظن أن أحد يرتاب في الجواب السلبي الذي ينشأ عنه ثبوت المعصية والإثم لا محالة. إن معرفة ما يقع للإنسان في صلاته بقدر ما يؤدي به فرض الصلاة من الطهارة وأحكامها والمياه وسائر شروط الصلاة وأركانها فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولا عذر في ذلك لأحد فهل قمنا بأداء هذا الواجب وهل كل من قام وقعد وفعل أفعال المصلين تصح صلاته ويكون مؤدياً فريضة ربه؟ كلا بل لا بد للعمل من العلم فمن من مصل ليس له من صلاته إلا التعب؟ وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع؟ وكم من ملب يقول لبيك لبيك والملك لا يقول له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك وما ذلك إلا لبطلان هذا العمل وعدم موافقته للشريعة الغراء. ألهي الأغنياء أموالهم والموظفين وظائفهم والمحترفين حرفهم والمنهمكين بالدنيا دنياهم عن تعلم ما جاء به شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يصلون ويصومون بحسب العادة لا علم ولا تعليم ولا فهم لشيء من أسرار الدين. كل منا يعامل الناي بالبيع والابتياع بل لا يمكن أن ينفك الإنسان عن أن يستأجر أو يستأجر أو يودع أو يودع عنده أو يعير أو يستعير أو يحيل أو يحال عليه أو يزوج أو يزوج أو يوكل أو يكل أو يقرض أو يستقرض أو يطلق أو يشارك أو يشهد أو غير ذلك وفي كل هذا يفترض عليه العلم للتحرز عن تناول الحرام في كل ما يأتي به ويعمله حتى لا يعقد عقداً فاسداً ولا يقدم على أمر غير مشروع افترى أن التاجر عرف البيع الفاسد والصحيح وعرف الربا وأنواعه التي لا يكاد يسلم منها أثناء بيعه وشرائه أم ترى أن الزارع عرف شروط المزارعة والمساقاة والمحيل عرف شريط الحوالة وأرباب الشركات أسسوا شركاتهم على منهاج سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اللهم أكثر ذلك لم يكن إذا فما هذا العلم الذي يدعون إليه. قد يقولون إنما ندعوكم إلى العلم الذي يرقي أوطانكم ويحسن صناعتكم ويعلي شأن تجارتكم ألا وهو العلم العصري المفيد كالجغرافيا والطبيعية والكيمياء والفلك وسائر الفنون المستحدثة التي فاق بها الغربيون وتقدموا بسببها أشواطاً عديدة فعلت كلمتهم وتقدمت

تجارتهم وصال لهم المحل الأرفع في التقدم والارتقاء التام في كل علاء قلنا إن كان الذي تدعون إليه هو هذه الفنون الحديثة مجردة عما قدمناه من العلم الديني فلا خير في ذلك ولا نتيجة مفيدة له بل ذلك مضر بالوطن موجب له الخزي والفشل أي خير يتأمل من رجل أتى على هذه الفنون بتمامها ثم لا يبالي بفرائض الله تعالى ولا يقف عند حدوده التي حدها؟ أي فائدة ترجى ممن صلاته وزكاته وحجة وصيامه ويبعه وشراؤه وسائر أعماله على خلاف ما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع شرع هواه، ويقبل على ما تسوله إليه نفسه نحن لا نقول بحرمة تتعلم جميع العلوم العصرية ولا بمنع الناس من دراستها باعتبار ذاتها لأن العلم من حيث هو علم لا يذم منه إلا ما كان مخالفاً للدين مضاداً لساسه وهذه العلوم التي تدرس اليوم لولا ما انتابها واختلف عليها من أوهام أولئك الطبيعيين وضلالاتهم لقلنا بالتضلع منها لبعض الناس وبتعلم مبادئها للناشئة منهم. كم أسست معاهد للعلم العصري في بلادنا؟ وكم شيدت مدارس لإحيائه؟ وكم أنفق من الأموال ابتغاء تقويته؟ فماذا نتج عن كل ذلك؟ وما هي الفائدة التي حصلت للوطن بعد تجشم هذه الصعاب وتحمل هذه المشاق. إن تقويتنا للعلم لا يقصد منها إحياء العلم ولا رفع شأنه بل يقصد منها تقليد أوروبا ومن شأن الضعيف أن يستميت في تقليد القوي ليصل إلى ما وصل إليه. إن الدعوة إلى العلوم العصرية مضرة إذا لم تقترن بالدعوة إلى علوم الدين بل في رأينا أن أكثر هذه العلوم الجديدة فضلاً عن أن بعضها لا يخلو من مخالفة للدين ومبادئه مستغنى عنه غير محتاج إليه لعدم فائدة حقيقة منه للوطن بين ظهرانينا ألوف من الشبان بأيديهم شهادات عالية تؤذن بدراستهم هذه العلوم وتمكنهم منها لم نر منهم ما يفيد الوطن أو يرفع مقامه أو يغنيه بشيء قليل عن أوروبا ولو ضموا إلى علومهم دراسة الآداب الإسلامية، وتحققوا بالأخلاق المحمدية لظهر منهم خير كثير ولو ظلوا على سذاجتهم الأولى من الأخلاق والعادات لنمى ضررهم ولكانوا بالنسبة للوطن لا له ولا عليه إن علماء الإسلام لم يحرموا تعلم النافع من العلوم الحديثة بل قالوا بلزوم تعلم كل ما لا يستغنى عنه في قوام الدنيا وعدوا ترك ذلك من الذنوب والجناية على الدين لأن التساهل في ذلك أقل ما ينشأ عنه عدم إعدادنا القوة لأعدائنا فتنحط بذلك كلمتنا ويخفض شأننا وتذهب بلادنا ونحن في نص الكتاب المجيد

مأمورون بإعداد القوة لهم ما استطعنا فتعلم ما يؤول بنا إلى إعداد القوة بل كل مال غنية لنا عنه في قوام أمر دنيانا فرض كفاية لا محالة وإليك ما قاله الإمام الغزالي تأييداً لهذا. قال: اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم والعلوم بالإضافة إلى الفرض الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية وأعني بالشرعية ما أستفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامة ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب ولا التجربة مثل الطب ولا السماع مثل اللغة فالعلوم التي ليست شرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم وإلى ما هو مباح فالمحمود ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة وأما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين فلا يتعجب من قولنا أن الطب والحساب من فروض الكفايات فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل والحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك فإن الذي أنزل الداء نزل الدواء , ارشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله الخ ما كتبه الإمام رحمه الله تعالى. أبعدها يصح قول من يقول أن تعلم المفيد من العلوم العصرية ممنوع عند علماء المسلمين؟ فلم يبق في المسألة إلا أن الدعوة إلى العلم إذا أريد بها العلوم العصرية فقط لا تصح بل نكون فيها كمن يبحث عن حتفه بظلفه، ويجدع مارن أنفه بكفه فمن الواجب علينا العناية التامة بتعلم ما يجب علينا من العلم الديني لننتفع به في ديننا وتصحيح عباداتنا ومعاملاتنا وتعلم ما يفيدنا ويؤول بنا إلى إعداد القوة لعدونا والاشتغال بما يرفع شأن البلاد. حببت إلينا الدنيا وزينت إلينا شهواتها وأصبحت هي الغاية والمقصود، والمبتغى والمأمول فأقبلنا على كل ما ظننا أنه يوصلنا إليها، وسارعنا إلى ما توهمنا أنه يقربنا منها، ورغبنا عن المقصود الأعظم والمطلوب الأول وهو متابعته صلى الله عليه وسلم والوقوف عند حدوده التي حدها، والسعي وراء ما يعود علينا بالمصلحة العامة.

كل إنسان سواء في ذلك الرجل والمرأة يفترض عليه علم أحوال القلب وما يعتوره من الأخلاق حسنها وسيئها وذلك كالجود والبخل والجبن والجرأة والتكبر والتواضع والعفة والشح والإسراف والتقتير والسماحة والحرص والمحبة والبغض ونحوها فإن ذلك مما يجب على كل مسلم معرفته إذ الكبر والبخل والجبن والإسراف حرام بالاتفاق ولا يمكن التحرز عنها إلا بمعرفتها ومعرفة ما يضادها فهل علمنا بشيء من هذا؟ وهل أحكمنا الاتصاف بجميع ما تقدم من الصفات الحسنة؟ أفنحن بغنية عن الصدق والشكر والحلم والتوبة وحسن الأخلاق ومحبة الدين والتواضع والصبر وحفظ آداب الصحبة والتقوى والخوف والرجاء وغض الطرف والقناعة بالحلال من المال والقرض وإنظار المعسر والاهتمام بأمر المسلمين وصلة الأرحام وخدمة الأمة ونصيحتها ونصيحة حكامها وغير ذلك من محاسن الأخلاق؟ هل جاهد أميرنا وحقيرنا وغنينا وفقيرنا وكل واحد منا نفسه على الابتعاد عن مساوي الأخلاق؟ هل برئنا من الكبائر؟ هل تركنا الكلام فيما لا يعنينا؟ والله لو تركنا ذلك لما تشغل الكبير والصغير والعالم والسياسي والصانع والتاجر بالغيبة المحرمة وأكل لحوم البرياء من الناس هل انتهينا عن الفحش والسب وبذاءة اللسان؟ والله لو انتهينا عنه لما قام للجرائد السافلة قائمة ولما تمكن البذيء من هتك عرض المستور هل بعدنا عن التكلف في الكلام؟ والله لو بعدنا منه لما احتجنا إلى التصنع لدى كبرائنا والخضوع بين يدي حكامنا بالحق وغير الحق. هل تركنا عن خلف الوعد؟ والله لو تركناه لأنجزنا الوعود، ووفينا العهود هل اجتنبنا الكذب؟ والله لو اجتنبناه لما احتجنا إلى هذه القوانين وتلك المحاكم لما احتجنا إلى تأخير الدعاوي لما احتجنا إلى تكرر الجلسات لما احتجنا إلى إثبات الوكالات لعمت الراحة الحاكم والمحكوم هل تباعدنا عن حب المال والشهرة والميل إلى الرتب؟ والله لو تباعدنا عنه لما تفرقت الأمة فرقاً وأحزاباً لما قتلنا أنفسنا بأيدينا وأيدي أعدائنا لما ذهبت بلادنا لما ضاعت حقوقنا هل أعرضنا عن الحسد؟ والله لو أعرضنا عنه لما حصل العداء بيننا ولاتفقت كلمة علمائنا وأمرائنا وتجارنا وسوقتنا على ما فيه نفعنا. هل تجردنا عن الكبر؟ والله لو تجردنا عنه لخدمنا فقراءنا وعملنا على مساعدة ضعفائنا ورحم كبيرنا صغيرنا ودامت علين نعم ربنا. هل تنزهنا عن الزنا؟ والله لو تنزهنا عنه لقطع دابر هذه الكبيرة من بلادنا ولارتفع الذل عنا وحفظ أمر العفاف

والشرف فينا. هل برئنا؟ هل برئنا؟ إلى آخر ما هناك من المعائب والرذائل التي لو تخلينا عنها لكنا أول الأمم وفي مقدمة العالم. فما بالنا إذاً نعرض عن جميع هذا ولا نتعلم ما يجب علينا تعلمه منها، أفيصح شيء من العلم لمن يقرأ الجبر والهندسة ويدرس بعض اللغات الأجنبية عارياً عن محاسن الأخلاق ومقصراً في تعلم ما تصح به صلاته وصيامه وسائر أعماله؟ ايلام بعد هذا إن كانت في يده شهادة (بكالوريا) إن مالت نفسه إلى الزنا أو شرب المسكرات؟ أيلام إذا حببت إليه الوظيفة فوشى بفلان وكتب بشأن فلان؟ أيلام إذا طمحت نفسه إلى المال وجمعه فباع في سبيل الحصول عليه بلاده بل وطنه وأمته؟ أيلام إذا غدر؟ أيلام إذا فجر؟ الخ الخ نحن بأشد الحاجة إلى درس علم الأخلاق والاختبار فيه علمياً وعملياً حتى نأمن شرور نفوسنا ولا نقع في سيئات أعمالنا إلى علم الدين والأخلاق فليدعوا الداعون وإلى ما يهذب النفوس فينزع منها شهواتها فلينادي المنادون وإلى تعلم ما يدفع عنا الذل والإهانة وكيد الأعداء فليستصرخ المستصرخون وعسى أن تقع كلمتنا هذه موقع القبول، وتحل محل الإجابة ولله في عباده شؤون.

التاريخ

التاريخ ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح بغداد بعد أن غنم المثنى من الكفرة ما غنم وفتح تلك الأمكنة الحصينة استخلف بشير بن الخصاصية على الحيرة وسار يقصد بغداد فأغار أولاً على سوق الخنافس وكان بها تجار مدائن كسرة وغيرهم فاستولى على الجميع وأخذهم أخذة لم تكن بحسبانهم ثم توجه إلى بغداد تحت جنح الليل وصبح أهلها في أسواقهم فما شعروا إلا وسيوف المسلمين قد شربت من دمائهم ونالت من رقابهم وأمر المثنى أصحابه أن يحملوا من تلك السوق الذهب والفضة والجيد والنفيس من كل شيء ثم رجع بأصحابه حتى نزل بنهر السالحين بالأنبار ورأى أصحابه يخافون لحوق العدو بهم فخطبهم وقال: أحمد الله وسله العافية وتناجوا بالبر والتقوى ولا تتناجوا بالإثم والعدوان ولو أن القوم علموا بمكانكم لحال الرعب بينهم وبين طلبكم ولو أدركوكم لقاتلتهم ملتمساً للأجر وراجياً من الله النصر فثقوا بالله وأحسنوا الظن به فقد نصركم في مواطن كثيرة. خطبة ألقاها هذا القائد على جنده وكانوا نفراً قليلاً من المؤمنين فثبتت قلوبهم وقوي بأسهم واشتد عزمهم ولم يبالوا بتلك الجيوش التي اجتمعت من الكفرة ولا فزعوا من قوتهم بل وقفوا بحزم وعزم متوكلين على من بيده مقاليد السماوات والأرض وهذه حالة قواد الإسلام في كل عصر يثبتون أمام العدو بكل حماسة ولا يفزعون من كثرة عدد أو قوة عدد ويزحفون للحرب بقلوب ثباتها باليقين واتحادها بالدين وعمادها التوكل على الله وحده وقانون انتظامهم قول الله جل وعلا (ن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص). ولم يزل المثنى وأصحابه يشنون الغارة في كل ناحية على أهل تلك البلاد ويغنمون منهم

في أكثر الأوقات حتى تحير أهل فارس مما فعل المسلمون بسواد العراق وخافوا من اضمحلال ملكهم وتلاشي أمرهم فطلبوا من ملكهم رستم أن يولي زمام الملك إلى يزدجرد كسرى فأجاب طلبهم. ودعي بابن كسرى فتوجوه وجعلوه ملكاً عليهم فانقادت له أهل فارس ونظم الجيوش وبعث بهم إلى كل ناحية وهيأ لقتال المسلمين وبلغ ذلك المثنى فكتب إلى عمر بن الخطاب يخبره بالأمر. أخبار القادسية فلما وصل كتاب المثنى إلى سيدنا عمر رضي الله عنه قال والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ثم جمع وجوه الناس وأشرافهم وكتب إلى المثنى ومن معه يأمرهم بالخروج من بين العجم وأن يتفرقوا في المياه التي تليهم وينتظروا وصول المدد إليهم من المسلمين. وخرج عمر بالناس إلى الحج وأرسل عماله على العرب أن يأمروا فرسان العرب وشجعانهم بالزحف على المشركين فبادرت العرب إلى إجابته ولحق بالمثنى من كان أقرب إلى العراق من المدينة وأما من كانت المدينة أقرب إليه من العراق أو على السواء قصدوا المدينة فوافوا عمر رضي الله عنه بها وقد عاد من الحج. هكذا رجال الإسلام في كل زمن إذا دعاهم أمير المؤمنين إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل وافوه من جميع جوانب الأرض وأتوا مسرعين بأموالهم وأنفسهم وظهروا بقوة معنوية دينية تأتي على الأعداء فلا تبقي ولا تذر وتمر بهم مرور السيل الجارف فإذا هم هالكون وكم مرة في التاريخ حصل هذا الانفجار الإسلامي فبدد جموع الكفرة وأذل فراعنة الجبابرة وأدهش فلاسفة العالم فاحتارت الحكماء من حكمته وماجت الأرض من سطوته تأييداً لشريعة لم تزال ثابتة الدعائم مرعية معظمة ظاهرة على جميع أديان الأرض حتى تقوم الساعة ولو كره المشركون ومهما قاسى المسلمون من الضعف والهوان فلا بد من حفظ مقامهم وانتظار أمورهم وانتشار نفوذهم ويا ويل الأعداء إذا ثارت هذه العاطفة حولهم وأحاطت بهم من كل جانب فصيرتهم سكارى وما هم بسكارى ولكن أمة إسلامية اشتد الضغط عليها فنهضت بصوت ملأ أنحاء الأرض وفضاء الجو تنادي لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. توليه سعد بن مالك إمارة جيش العراق

لما جتمع الناس إلى سيدنا عمر رضي الله عنه خرج بهم من المدينة حتى نزل على ماء يقال له ضرار فعسكر به والناس لا يعلمون ماذا يريد فأحضر الناس وأعلمهم بالخبر وعزم على أن يسير بهم إلى الأعداء فشاور وجوه الصحابة رضي الله عنهم فأشاروا عليه أن يبعث رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعى بسعد بن مالك وجعله أميراً على حرب العراق وأوصاه بالصبر والرفق وقال له لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فالناس في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويذكرون ما عنده بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمه فالزمه. كلمات ألقاها أمير المؤمنين سينا عمر رضي الله عنه على ذلك القائد أعلمه فيها أن النصر والظفر لا يحصل للمؤمنين إلا بالمحافظة على آداب الشريعة الطاهرة التي لا يضل عنها إلا خاسر أو هالك. ثم أوصى عمر رضي الله عنه من أرسلهم مع سعد بالسمع والطاعة ووعظهم وأمر سعداً بالمسير فخرج معه أربعة آلاف من المسلمين ثم أمده عمر رضي الله عنه بألفين من أهل اليمن وألفين من أهل نجد والمثنى لم يزل يومئذ مقيماً في أرض العراق وقد اجتمع عنده ثمانية آلاف ينتظرون وصول سعد ومن معه من أخوانهم المسلمين فمات المثنى قبل قدوم سعد من جراحة انتفضت عليه واستخلف على الناس بشير بن الخصاصية وسعد يومئذ بزرود وقد اجتمع مع ثمانية آلاف أيضاً ولحقهم بنو أسد في ثلاثة آلاف وكذا غيرهم من العرب بأمر سيدنا عمر ووصل سعد إلى شراف فأقام بها ودعى من كان بالعراق من عسكر المثنى فاجتمعوا إليه فكان جميع من شهد القادسية بضعة وثلاثين ألفاً.

من أحب الموت في سبيل الله كان حقا على الله أن

من أحب الموت في سبيل الله كان حقاً على الله أن ينصره رغب الدين الإسلامي في الجهاد لإعلاء كلمة الله بصورة خفقت لها قلوب الكافرين هلعاً وطارت نفوسهم منها خوفاً وجزعاً قال الله تعالى في كتابه العزيز (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسيهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) وقال صلى الله عليه وسلم الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها أخرجه البخاري في صحيحه وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى رواه البخاري وروى البخاري أيضاً من حديث والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا قم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل. فكان ذلك الترغيب من الله ورسوله في الجهاد هو الذي دفع الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى الاستماتة في سبيل نيل الشهادة فكانوا أرغب في الموت من الحياة يغبطون الذي يقتل في سبيل الله في صفوف الجهاد ويرونه فائزاً في الآخرة معتقدين حياته البرزخية التي هي أكمل من الحياة الدنيا حتى كان ضرار بن الأزور رضي الله عنه ينزل إلى ساحة القتال بقميصه غير مدرع رغبة في أن يقتل في سبيل الله وروى عن أبي ذر ما معناه إذا خرجتم إلى الجهاد ووجدتموني غير قادر على القتال فاحملوني واجعلوني بين الصفوف لأموت تحت سنابك الخيل فأكون قدمت في سبيل الله فتجد من خلال ما تقدم أنا قاعدة حب الموت والاستماتة في سبيل الدفاع عن دين الله هي التي كانت السبب في انتصارات المسلمين في القرن الأول حتى أدهشت جميع أمم الأرض. ولولا أن كتب التاريخ متفقة على ان المسلمين اكتسحوا في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذه البلاد العظيمة وقضوا على مملكتي فارس والروم في هذه البرهة اليسيرة لكانت هذه الحوادث لا يكاد يصدقها العقل ولا تنطبق عليها عادات الفاتحين. ذكرنا هذه القاعدة (حب الموت في سبيل الله) قائد الدارعة (حميدية) وما قام به من الأفعال التي سطرت له على صفحات الدهر

شكر الأمة العثمانية عموماً والإسلامية خصوصا. خرج هذا الشهم من الدردنيل بسائق الحمية مستميتاً في سبيل الدفاع عن دينه ووطنه فنصره الله نصراً مؤزراً قصد أثينا عاصمة اليونان فألقى عليها من قنابله وابلاً وعطل معمل الكهرباء فيها وبقيت البلدة في ظلام طول الليل ثم تجول في البحر الأبيض غير هياب ولا وجل مع ما يحيق به من الأخطار فصادف في طريقه الطرادين اليونانيين اللذين ذكرت خبرهما الجرائد فأغرق أحدهما وعطل الآخر فخافه الأسطول اليوناين وأطفأ أنواره ثم التجأ إلى ميناء مالطة فأصلح من أمره وتمكن بدهائه من الوصول إلى ما يحتاج إليه من الفحم وعلمنا من مآثره أن أرسى في ميناء غزة وجمع له الأهالي من الغنم والحبوب كمية وافرة فبين لهم عدم احتياجه إليها ثم غضاف إلى ما جمعوه أربعين مجيدياً من جيبه واقترح عليهم أن يجعلوا الجميع صدقة على فقراء غزة فداء عن المدرعة راجياً الله أن ينصره ويحفظه من كيد الأعداء عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم الصدقة تدفع البلاء. وأعظم فائدة حصلت من شجاعة هذا القائد العظيم انقسام الأسطول اليوناني أقساماً قسم يحافظ على السواحل اليونانية وقسم يتعقب المدرعة وقسم يقوم الأعمال الحربية فضعفت بسبب ذلك قوته لأنه لولا وجود هذه المدرعة خارج الدردنيل لما احتاج إلى هذا الانقسام بل كان يقوم مجتمعاً بالأعمال الحربية ضد العثمانيين فحيا الله هذا القائد الكبير والفدائي العظيم وسدد سهمه وعصمه من أعدائه وأكثر في قوادنا من أمثاله فقد أحب الموت وباع نفسه في سبيل الله فنصره الله وحبذا اليوم الذي نحب فيه الموت في سبيل الله ونفضله على الحياة فذلك هو اليوم الذي نفوز فيه بنصر الله.

إجابة طلب المؤيد

إجابة طلب المؤيد ارحم فؤاداً في مدحك ولها ... وارفق بروحي وافدها من ذلها هل ثم غيرك موئلاً يرجى لها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبرز من التكوين) أنت الذي لولاك ما خلقت سما ... يا من على كل العوالم قد سما وعليك صلى ذو الجلال وسلما ... (ايروم مخلوق مديحك بعدما) (أثنى الله عليك في التبيين) (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... يا خير متبوع وخير معين يا نقطة الأسرار أنت المجتبى ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... نزلت بمدحك آية التبيين ابن المدرسة (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... أنت المراد بنقطة التعيين أنت النبي المنتقى والمجتبى ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... حزت العلا من عهدكن بيقين من ذا الذي يوفي بمدحك بعد أن ... (أثنى عليك الله في التبيين) عبد الحميد مراد (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... من قبل خلقة آدم من طين يا من حباه الله كل فضيلة ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... قفت البرايا كلها بيقين كيف الوصول إلى مديحك بعد أن ... (أثنى عليك الله في التبيين) عبد الرزاق الغلاييني قلبي بحبك يا محمد ولها ... وعن السوى قسماً بذاتك قد لهى روحي الفداء لمن يقول أنا لها ... (يا مصطفى قبل العوالم كلها) (والكون لم يبرز من التكوين) أنت الذي لولاك ما كانت سما ... وعلى البرية كلها قدراً سما. .

يا من على الرسل الكرام تقدما ... (أيروم مخلقو مديحك بعدما) (أثنى عليك الله في التبيين) دمشق عبد المجيد قصاب (يا مصطفى قبل العوالم كلها) ... أرجوك من بلواي أن تشفيني فلقد عرفتك يا محمد ملجأ ... (والكون لم يبرز من التكوين) (أيروم مخلوق مديحك بعدما) ... فقت العوالم كلها بيقين حاشا وكلا أن يرام لأنه ... (أثنى عليك الله في التبيين)

الإفراط والتقريظ

الإفراط والتقريظ قرأت في الجزء الثاني من المجلد الثالث من مجلتكم الغراء مقالة تحت عنوان الطلبة والتعيش لصاحب الإمضاء الشيخ صلاح الدين أفندي الزعيم فحمدت غيرته وشكرت سعيه وعن لي أن أكتب في هذا الموضوع ما دار في خلدي وسنح ببالي وطالما كنت أترقب كتابة ترتاح إليها النفوس وتنشرح لها الصدور تشرح ما آل إليه أمر طلبة العلم الشريف من الذل والهوان وما يعاملون به من الخسف والضيم حتى أنهم أصبحوا كالقذى في أعين جهال هذه الأمة لاسيما في أعين شرذمة رعناء طبع الله على قلوبها وأصم آذانها عن اتباع الحق فخاضت غمار الجهل وجالت في ميادين التهور حتى ضلت وأضلت، تنصلت من الدين ومرقت من الأخلاق مروق السهم من الرمية تجردت من المدنية الحقة، تمادت في غيها، وفقدت الشعور والعلم والأخلاق نعم درست مبادئ الفنون فحفظت جملة خالية من الحقائق وألفاظاً عارية من المعاني اكتفت بالقشور عن اللباب وقامت تموه على أمتها بمقالات تنشرها على صفحات الجرائد تلك شرذمة طرأ على مسامعها ذكر أوروبا فلم تلبث حتى تعشقتها ولهجت باسمها ونهجت مناهجها القولية السافلة ودأبت على تقليدها بالبذخ والإسراف واقتفت أثرها باستباحة الأعراض ودناءة الأخلاق والتجاهر بما يغضب الخالق ويسيء المخلوق وتعمدت اقتراف الرذائل باسم الحرية والحرية الحقة بريئة مما تنسبه لها يفكرون بسياسة خرقاء لا جدوى بها ولا فائدة منها سوى الشقاق والنفار وإلقاء بذور التباغض والتدابر والتحزب والتفرق بما توحيه إليهم شياطينهم شياطين الفساد. جنوا على الملة والوطن جنايات لا تغتفر لأنهم لقنوا الناشئة محبة أوروبا ولقحوا أذهانها من أفكارهم الخبيثة فأصبحت بعد ذلك لا ترى أعظم وأجل من أوروبا وأخذت تنظر إلى الدولة والوطن نظر العدو لعدوه لا يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار حتى تيمم بلاد أوروبا من صباهم فشبوا عليها وشابوا بهواها ولأجلها تبرؤا من أمتهم ومقتوا أوطانهم وبغضوا أهلهم حتى أن أحدهم يسب والده الذي ألقى نطفته في الشرق ولم يجعلها في الغرب. نظروا إلى علمائهم نظر الخصم الألد فجعلوا يصمونهم تارة بالحشوية وحيناً بالجامدين وطوراً بالخاملين وإلى غير ذلك فهم لم يعملوا بما تعمل به أوروبا ليعدوا من ابنائها ولم ينهجوا مناهج أبناء وطنهم لينتظموا في سلكهم فأمسوا مذبذين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. هم المفرطون بمساعيهم والمتغالون بمذاهبهم ومشاربهم فلو أنهم اتخذوا العدل مذهباً

والإنصاف مركباً لسلموا إلى علماء دينهم وانخرطوا بسلك آبائهم وأجدادهم وأصبحوا متلفين متحالفين يستعينون ببعضهم على من سواهم كما كانت أسلافهم العاقلون المفكرون أهل الحزم والعزم والدراية. وأنا لا أنحي باللوم عليهم وحدهم بل أوجه اللوم أيضاً على علماء ديننا الذين هم روح الشعب وحياة الأمة والقطب الذي تدور عليه أمور الخلافة الإسلامية والأس الذي ترتكز عليه قواعد الدولة العثمانية نظن لجهلنا أن وظائف العلماء الإسلاميين في هذا الكون جزئية والحق أنها لأعظم وأجل وأهم وأكبر من سائر الوظائف. فهم المفرطون بطلب مالهم من الحقوق وأداء ما عليهم من الواجبات أما حقوقهم فهي تكفل الدولة لهم بتأمين مستقبلهم وتعيين رواتب لهم وللطلبة في مقابلة انقطاعهم لخدمة الملة والوطن أما من الأوقاف وإما من الخزينة ومساعدتهم على نشر العلم وبث المعارف وتشييد المدارس العلمية والمعاهد الدينية ووضع برنامج يتضمن التدريس بجميع الفنون من النحو والصرف والفقه والحديث والتفسير والمعاني والبيان البديع والمنطق والجغرافيا والحساب والتاريخ والهندسة والعلوم المدنية والفنية وغير ذلك وتتشكل لجنة مخصوصة من أرباب الفكر والاقتدار تعين كتباً مخصوصة تقرأ رسماً في جميع المدارس وتضرب مدة محدودة من السنين لدراسة الكتب التي تعينها وتخصص لكل سنة كتباً معينة وتجعل الامتحان في السنة مرتين وكل من يتمم المدة المحدودة ويؤدي الامتحان ويحوز الشهادة بأهليته يعين له راتب مخصوص ويرسل إلى بلده أو على بلد آخر يرشد أهله ويعلمهم مما علمه الله فإذا دخلت هذه الفنون في المدارس العلمية حاز طلابها الفضيلتين وامتزجوا باجتماعاتهم مع أبناء المكاتب بخلاف ما هم عليه الآن فإن بينهم تنافراً ووحشة لما بين علومهم من المباينة والمخالفة ولهم حقوق على الشعب منها النظر إليها بعين الاعتبار والتعظيم ومساعدتهم في حاجياتهم لأن ما من أمة حقرت علماء دينها إلا ابتليت بالمصائب وسلط الله عليها عدوها لينتقم منها وهذه حالتنا اليوم. قال تعالى: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) كفى العلماء شرفاً أنهم ورثة الأنبياء ولا يرضى بتحقير العلماء إلا كل أحمق جاهل سفيه طائش العقل. وأما الواجبات التي يفرض على العلماء القيام بها فهي هدي الأمة وإرشادها إلى النهج

القويم والصراط المستقيم وبث روح الدعوة الدينية في جسم ميتها لتتحرك النفوس الهامدة وتحيي الأرواح الخامدة كما كانت أسلافهم الكرام كان يقطعون مسافة الشهر والشهرين لسماع حديث واحد من أمور دينهم ودنياهم في سبيل نفع الأمة كانوا يستميتون في بذل النصائح ويتفانون في نفع العباد وعمران البلاد ولذلك كان الشعب في حوزتهم وقبضة يدهم يتودد إليهم ويتوسل لإرضائهم كانوا هم الحكام في الحقيقة وكانت الأمة لهم أطوع من ظلهم كانت طواياهم سليمة ونياتهم صافية يعملون بما يعلمون بسري وعظهم وإرشادهم في العقول والأفكار سريان الماء في العود والروح في الجسد والدليل على ذلك كثرة وجود المعاهد العلمية والمعابد الدينية الناطقة بفضلهم وإخلاصهم للوطن العزيز هذه آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار بم يهبهم الله الفضائل الجليلة والمزايا الشريفة لمجرد وضع العمامة على الرأس وارتداء الجبب الثمينة وتقبيل الأيدي والمجاورة في المساجد والمعاهد ليقال هؤلاء الذين يجب على الأمة تبجيلهم وتعظيمهم حاشا ثم حاشا إنما خلقهم الله ليعملوا بما علموا وليس العمل هو الصوم والصلاة ودراسة الكتب فذلك ممكن من كل فرد بل العمل اللازم اللازب الذي لا ينفك عنهم ويجب عليهم القيام به هو مبارحة الأوطان ومفارقة الخلان في سبيل الوعظ والإرشاد ونصح الأمة لم يجعل الله صدورهم قبوراً للعلم فلا يبعث منها حتى يبعث من في القبور، هم ورثة الأنبياء فالأنبياء كانت تدعو إلى الحق وتحث على التعاون والتعاضد والتناصر والتخلق بمكارم الأخلاق وجمع الكلمة وتأليف القلوب وتوحيد الآراء. فالسلطان الأعظم في الحقيقة هو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يطلب منه القيام بهذه الأمور وحيث أن السلطان حالت بينه وبين القيام بتلك المذكورات مهام السياسة فقد ألقى مقاليدها إلى علماء الأمة وإلى هذا أشرت بقولي يجب على الحكومة مساعدة العلماء بنشر الدين لأنهم هم الواسطة بين الحكومة والشعب في استجلاب القلوب واستمالة النفوس وتقوية الرابطة واستدرار الخير بما يعود نفعه على الوطن أجمع. كما سمعناه عن أسلافنا وقرأناه في التواريخ المسجلة التي هي أصدق شاهد مخبر. وكما تفعله اليوم ملوك أوروبا من إرسالهم الوفود من علماء دينهم إلى بلادنا وفتحهم المدارس بأوطاننا نشاهد القسس والرهبان بأعيننا يجوبون الأقطار ويركبون البحار

ويقتحمون الأخطار والمخاوف باسم المبشرين حتى أنهم ليتفانون في تجديد مدرسة أو تعليق ناقوس، فما بال علمائنا لا يجيبون داعي الله وينتشرون في الأرض ينقذون أبناء القرى والأمصار من داء الجهل القتال. صدرت الأوامر بامتحان طلبة العلم الشريف فهرعوا إلى دراسة الفنون التي هجروها أيام فترة الامتحان وعينت لهم الحكومة مميزين من أبناء سلكهم فما زال أولئك المميزون عفا الله عنهم وسامحهم يدققون في الأسئلة ويضيقون عليهم كأنهم يريدون من الطالب أن يؤدي وظيفة العلماء. وكان من الواجب يومئد أن يجتمع علماء كل ولاية في مجلس مخصوص تحت رئاسة النائب والمفتي يتذاكرون بشؤون هذا الأمر الخطير ويطلبون من الحكومة أولاً إمهال الطلبة سنة كاملة لدراسة كتب الامتحان وثانياً تعيين معاشات لهم يستعينون بها على الطلب والتحصيل وثالثاً إلغاء التفتيش والمراقبة من طرف ضباط الرديف ولو فعلوا لنجحوا وكان حسناً. وخلاصة القول أنه يجب على علماء الإسلام أن ينهضوا من رقدتهم وينقذوا أبناء أمتهم ويجمعوا كلمتهم ويوحدوا آرائهم ويخرجوا الوهن من قلوبهم ويؤلفوا جمعية عمومية بإحدى الولايات يجعلون أعضاءها من سائر الممالك لها فروع وشعب في سائر أمصار الإسلام تدعو العالم الإسلامي بأجمعه إلى تعاون الدولة العثمانية بما عز وهان ومفاداتها بكل مرتخص وغال تفكر بالأسباب التي تفيض المال وتنور عقول الرجال بإحداث معامل وصنائع وشركات يعود نفعها على أبناء الوطن وأن يفتشوا المكاتب الرسمية والخصوصية ويسألوا عن معلميها فإذا سبر غورهم ووجدوهم غير متدينين بالدين وعاملين بأحكام الشريعة الغراء كما نسمع عن آحادهم أنهم لا يحضرون الدروس إلا بعد كرع الكؤوس واقتراف الكبائر من اللواط والزنا وغيرها فيحتجون على الحكومة ويطالبونها باسم الشعب بإزالة أولئك المعلمين الأشرار ويتذرعون بجميع الوسائل والأسباب لإزالة سوء التفاهم بينهم وبين العصريين حتى يكون الجميع ممن يؤلفون ويؤلفون وما ذلك على لا تأخذهم في الله لومة لائم بعزيز أحمد الباشا

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد الإيمان بالملائكة الكرام الإيمان بالملائكة عليهم السلام أصل من أصول العقائد الإسلامية وركن من أركانها فيجب على المكلف أن يصدق بوجودهم ويعتقد اعتقاداً جازماً لا يشوبه شك بأنهم عباد مكرمون خلقهم المهيمن جلت قدرته لطاعته وشغلهم بعبادته يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يخافون ربهم من فوقهم وهم من خشيته مشفقون لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون عصمهم من الكدورات البشرية والرعونات النفسانية والشهوات البهيمية وأقدرهم على أشياء يعجز الإتيان بها البشر كقطع المسافة البعيدة في أسرع من لمح البصر وحمل الأشياء الثقيلة كالجبال والبلاد من غير أن يمسهم تعب أو يحل بهم اضطراب أو كسل فهم جنود الله تعالى لا يحصى عددهم غيره ولا مرية في أن الإيمان بهم يبعث الإنسان على الإذعان لقيوم السموات والأرض والاعتراف بقدرته الباهرة التي أقامت هذا الوجود على دعائم الحكمة وكمال الانتظام. الملائكة عليهم السلام ذوات موجودة قائمة بأنفسها واختلف في حقيقتهم والمذهب الحق الذي عليه جمهور المسلمين أنهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة شأنهم الطاعة ومسكنهم السموات ومنهم من يسكن الأرض أخرج الترمذي وابن ماجة من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد. وفي الطبراني من حديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في السموات السبع موضع قدم أو شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد. وقد أقامهم الله تعالى على وظائف مخصوصة منهم من شأنه الاستغراق في معرفة الله والتنزه عن الشغل بغيره ومنهم رسل بين الله وأنبيائه ورسله كجبريل عليه السلام ومنهم من هو موكل بقبض الأرواح كعزرائيل عليه السلام قال تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) ومنهم حفظة على العباد قال تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) ومنهم من يكتب أعمال العباد قال تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراماً

كاتبين) وقال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ومنهم موكلون بالجنة ونعيمها قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) ومنهم موكلون بالنار وعذابها قال تعالى: (عليها تسعة عشر) ومنهم حملة العرش قال تعالى: (الذين يحملون العرش) الآية ومنهم قائمون بمصالح العباد ومنافعهم وتصوير الأجنة في الأرحام كما وردت بذلك الأخبار ودلت عليه الآثار وكله دليل على عظيم قدرة الله عز وجل وسعة ملكه وأحاطة علمه فسبحان من خلق كل شيء فقدره تقديراً. وإنما حجبت البشر عن رؤية الملائكة لأن النفوس البشرية لا تطيق النظر إليهم بأعيانهم وصفاتهم في صورهم الأصلية ولا تستطيع أخذ الكلام عنهم لاختلاف الجنس بل ربما صعقوا من هيبتهم وماتوا كما قال تعالى: (ولو نزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون) أي لماتوا وليس بعجيب عدم رؤية البشر لهم إذا كانوا على صورهم الأصلية لأنهم أجسام لطيفة ألا ترى إلى الهواء مع كونه جسماً مالئاً للفضاء فإنه لا يرى لكونه جسماً لطيفاً. وأما رؤية الأنبياء لهم على صورتهم الأصلية فهي خصوصية خصوا بها لتلقي المسائل الدينية والأحكام الشرعية وفي مقدمة ابن خلدون جعل الله للأنبياء الانسلاخ من الحالة البشرية إلى الحالة الملكية في حالة الوحي فطرة فطرهم الله عليها وجبلة صورهم فيها ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب من غرائزهم من العصمة والاستقامة فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عاجوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد أه. والدليل على تشكل الملائكة بأشكال مختلفة تمثل الملك لمريم بشراً سوياً ودخول بعضهم على بعض الأنبياء بصورة مجهولة وتمثل جبريل للرسول عليه السلام بصورة آدمي أخرج البخاري عن الحارث بن هشام أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول، وتمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيساً لمن يخاطبه وتارة كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وأتاه مرة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر حينما سأله عن الإسلام.

الإيمان بكتب الله تعالى الإيمان بكتب الله المنزلة من أركان العقيدة الإسلامية أيضاً فيجب على المكلف أن يعتقد بثبوتها وأن يجزم بأن الله تعالى أنزلها على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وبين فيها أمره ونهيه ووعده ووعيده وهي كلام الله تعالى حقيقة بدت منه بلا كيفية قولاً وأنزلها وحياً إما مكتوبة في الألواح أو مسموعة من وراء حجاب أو من ملك مشاهد. من تلك الكتب التوراة والإنجيل والزبور والقرآن أما التوراة فهو كتاب الله المنزل على موسى الكليم عليه السلام لبيان الأحكام الشرعية والعقائد الصحيحة المرضية والتبشير بظهور نبي من ذرية إسماعيل عليه السلام وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى انه يأتي بشرع جديد ينسخ جميع الشرائع ويهدي به إلى سبيل الرشد وطريق السعادة والنجاة فيجب تعظيم التوراة التي أنزلت على موسى ولم تعبث بها أنامل التحريف والتبديل واحترامها والإيمان بها أما التوراة الموجودة الآن فليست هي عين المنزلة بل هي محرفة ومبدلة ومغيرة ومما يدل على ذلك أنه ليس فيها ذكر الجنة والنار وحال البعث والجزاء مع أن ذلك أهم ما يذكر في الكتب الإلهية وأيضاً مما يؤكد كونها محرفة ذكر وفاة سيدنا موسى عليه السلام في الباب الأخير منها والحال أنه هو الذي أنزلت عليه وعاش بعدها مدة. أما الزبور فكتاب أيضاً من كتب الله أنزله على نبيه داود عليه السلام وهوعبارة عن أدعية وأذكار ومواعظ وحكم وليس فيه أحكام شرعية لأن داود عليه السلام كان مأموراً باتباع شريعة موسى عليه السلام فيتحتم الإيمان به وتعظيمه واحترامه إلا أننا لا ندري له نسخة صحيحة والدلائل قائمة على تحريف أهل الكتاب له بحسب المقاصد والأغراض ولذا توجد فيه إطلاقات غير لائقة في حق من تنزه عن الاتصاف بالجواهر والأعراض جل شأنه وعز سلطانه وتعالى عما يقول الكافرين علواً كبيراً. وأما الإنجيل فهو كتاب الله أنزله الله على رسوله عيسى عليه السلام لبيان الحقائق ودعوة الخلق لتوحيد الخالق وتنزيهه عن الوالد والأولاد ونفي الشركاء عنه والأنداد ونسخ بعض أحكام التوراة الفرعية والتبشير بظهور خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فيحب التصديق به وتعظيمه واحترامه أما الإنجيل الموجود الآن فليس هو الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام بل هو كتاب ألف بعد رفعه إلى السماء وله عندهم أربع نسخ ألفها أربعة أشخاص

بعضهم لم ير المسيح أصلاً وهم متى ومرقص ولوقا ويوحنا وإنجيل كل من هؤلاء مناقض للآخر في كثير من المطالب وقد كان للنصارى أناجيل كثيرة غير هذه الأربعة تخلصاً من كثرة التناقض وتخلصاُ من وفرة التضاد والتعارض وقد ثبت بالأدلة الواضحة حتى عند الكثير من أهل الكتاب أن التوراة والإنجيل كانت نسختهما الأصلية مفقودة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بإعصار وأما الموجودان في عصره وفي هذا العصر فهما عبارة عن كتابين جامعين لما صح وما لم يصح من الأخبار ومع ذلك فلم تزل أيدي التحريف تعبث فيهما حتى في هذا العصر كما هو مشاهد فلا يمر زمن إلا وتظهر نسخة تخالف ما قبلها في بعض المسائل تأييداً لبعض المذاهب مع ادعاء كل طائفة أن المحرف نسخة غيرها. وأما القرآن العظيم فهو أشرف كتب الله المنزلة على أشرف رسله (محمد) صلى الله عليه وسلم وهو آخر الكتب السماوية نزولاً وأجمعها أحكاماً وأدلها برهاناً وأقواها محجة وتبياناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يلحقه تغيير ولا تبديل ولا تحريف (إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ناسخ جميع الكتب قبله وحكمه باق إلى يوم القيامة مكتوب في السطور محفوظ في الصدور.

سنن متروكة

سنن متروكة إن ما يصنعه الناس في هذه العصور من رفع الصوت وراء الجنازة والجهر بالذكر وجوه أثناء المشي معها مغاير لما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم واعتقاد أن بعض أهل العلم من الشافعية جوز ذلك لا أصل له كما ستعرفه ومن الغريب المحزن أن يعد كثير من الناس ترك هذه العواء إزراء بالميت وأهله وهذا ما دعانا لأن ننقل شيئاً مما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كيفية سيره مع الجنائز وطرفاً من كلام الأئمة رضي الله عنهم في ذلك مع تقديم بيان صلاة الجنازة التي يجهلها أكثر الناس وما يتبع ذلك من التعزية لأهل الميت لعل الله يهدي بذلك أخواننا المسلمين فيرجعون عن هذه البدعة ويقتفون أر الرسول عليه الصلاة والسلام. الصلاة على الميت الصلاة على الميت فرض كفاية وكذلك غسله وتكفينه ودفنه إجماعاً إذا قام به واحد سقط التكليف عن الباقين وكيفية الصلاة عليه أن يكبر المصلي أربع تكبيرات يقرأ بعد التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وبعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم والأفضل أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية وهي اللهم صل علي سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم الخ وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت بما يسمى دعاء والأحب أن يدعو بما ورد في السنة ومنه ما رواه أبو داود والترمذي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على جنازة فقال اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، ولا يجب بعد الرابعة شيء بل يستحب عند الشافعية أن يقول اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ثم يسلم تسليمتين كسائر الصلوات ثم يسير معها بلا رفع صوت ولا لغط ويستحب أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والتفكر فيما يلقاه الميت وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه لأن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ قال العلماء رضي اللهم عنهم الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم من

السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك والحكمة فيه أن هذه الحالة أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال ولا تغتر بكثرة من يخالفه قال صلى الله عليه وسلم إن الله يحب الصمت عند ثلاث تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة وإليك بعض ما قاله الأئمة رضي الله عنهم في لزوم الصمت وراء الجنازة والاتعاظ والتدبر، قال في الدر المختار للسادة الحنفية وكره في الجنازة رفع الصوت بذكر أو قراءة أهـ قال محشية العلامة ابن عابدين رحمه الله قوله وكره الخ قيل تحريماً وقيل تنزيهاً كما في البحر عن الغاية وفيه عنها وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت وفيه عن الظهيرية فإن أراد أن يذكر الله تعالى يذكره في نفسه وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي معها استغفروا له غفر اله لكم أه قلت وإذا كان هذا في الدعاء والذكر فما ظنك بالغناء الحادث في هذا الزمان أه كلام العلامة ابن عابدين وقال العلامة ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل ما ملخصه وليحذر من هذه البدعة التي يفعلها أكثر الناس ثم العجب من أهل الميت كيف يأتون بالفقراء للذكر على الجنازة للتبرك بهم وهم عنه بمعزل لأنهم يبدلون لفظ الذكر بكونهم يجعلون موضع الهمزة ياء وبعضهم ينقطع نفسه عند آخر قوله لا إله ثم يجد أصحابه قد سبقوه بالإيجاب فيعيد النفي معهم في المرة الثانية وذلك ليس بذكر يؤدب فاعله ويزجر لقبح ما أتى به من التغيير للذكر الشرعي وإذا كان كذاك فأين البركة التي حصلت بحضورهم على أنهم لو أتوا بالذكر على وجهه لمنع فعله للحدث في الدين لأأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين إلى أن قال وهذا ما شاكله ضد ما كانت عليه جنائز السلف رضي الله عنهم لأن جنائزهم كانت على التزام الأدب والسكون والخضوع والخشوع والتضرع حتى أن صاحب المصيبة لا يعرف من بينهم لكثرة حزن الجميع وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكرة فيما هم إليه صائرون وعليه قادمون حتى لقد كان بعضهم يريد أن يلقى صاحبه لضرورات تقع عنده فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام الشرعي شيئاً لشغل كل منهما بما تقدم ذكره وبعضهم لا يقدر أن يأخذ الغذاء تلك الليلة لشدة ما أصابه من الجزع كما قال الحسن البصري رضي الله عنه ميت غد يشيع ميت اليوم وانظر رحمنا الله تعالى وإياك إلى قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لمن

قال في الجنازة استغفروا لأخيكم فقال لا غفر الله لك فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم في رفع الصوت بمثل هذا اللفظ فما بالك بما يفعلونه مما تقدم ذكره فأين الحال من الحال فإنا لله وإنا إليه راجعون فالسعيد في نبذ هذه العوائد المبتدعة وشد يده على اتباع السلف فهم القوم لا يشقى من اتبعهم ولا من أحبهم (إن المحب لمن يحب مطيع) أ. هـ كلام صاحب المدخل وكذلك الحكم عند السادة الحنابلة قال في الدليل وشرحه (ويكره القيام لها ورفع الصوت) والصيحة (معها ولو بالذكر والقرآن) بل يسن الذكر والقرآن سراً ويسن لمتبعها أن يكون متخشعاً متفكراً في مآله متعظاً بالموت وبما يصير إليه الميت وقول القائل مع الجنازة استغفروا له ونحوه بدعة عند أحمد وكرهه. وحرمه أبو حفص أ. هـ وكذلك الحكم عند السادة الشافعية وإليك ما نقل عن الرملي وغيره من أكابر السادة الشافعية في حواشي المنهج ونصها. المختار والصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة أو ولا ذكر ولا غيرهما بلب يشتغل بالتفكر في الموت وما بعده وفناء الدنيا وأن هذا آخرها ومن أراد الاشتغال بالقراءة والذكر فليكن سراً وما يفعله جهلة القراء من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام يجب إنكاره والمنع منه ومن تمكن من منعه ولم يمنعه فسق أ. هـ وأما من قال بأن عدم الاتيان بما يفعله الناس اليوم يعد إزراء بالميت وأهله فلا وجه له بعد ما سمعت من النصوص وهل يجنح عاقل إلى ترك السنة ومخالفة الصحب الكرام نظراً لهذه العادة السيئة ومتى كانت تقدم البدع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وقد عد شيخ الإسلام العلائي في قواعده ترك السنة من الكبائر كما نقله عنه القدوة ابن حجر في الزواجر. وتستحب التعزية وهي تصبير صاحب الميت بذكر ما يسليه ويحفف حزنه ويهون عليه مصيبته ورد عنه عليه الصلاة والسلام ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة ومدتها من موته إلى ثلاثة أيام وتكره بعد مضي ثلاثة أيام إلا إذا كان صاحب المصيبة غائباً واتفق رجوعه بعد الثلاثة وهي مستحبة قبل الدفن وبعده ولكن بعده أفضل لشغلهم قبله بتجهيزه ويستحب أن يعم بالتعزية جميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء إلا أن تكون امرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها ويكره تنزيهاً الجلوس للتعزية بأن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية بل

ينصرفوا في حوائجهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهية الجلوس للتعزية وكون الكراهة للتنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر فإن انضم إلى ذلك أمر آخر من البدع المحرمة كان ذلك من قبائح المحرمات ولا حجر في لفظ التعزية ويستحب أن يقول المسلم في تعزية المسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وفي الكافر بالمسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وفي الكافر بالكافر أخلف الله عليك ومما عزى به الإمام الشافعي رضي الله عنه بعض أحبابه وقد جزع على فقد ولده بقوله: يا أخي، عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أضر المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر، فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه، وقد نأى عنك ألهمك الله عند المصائب صبراً، وأحرز لنا ولك بالصبر أجراً، وكتب رضي الله عنه: إني لمعزيك لا أني على ثقة ... من الخلود ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد ميته ... ولا المعزي ولو عاشا إلى حين هذا ونسأله تعالى أن يوفقنا لاتباع السنة السنية والانتصار للحق والحمد لله رب العالمين.

لن يتلاشى الإسلام أبدا

لن يتلاشى الإسلام أبداً إنا نحن نزلنا الذكر ونحن له لحافظون أثبتنا في مقالتينا السابقتين أن التدين غريزة غرزها الله في الفطر البشرية مثل سائر غرائزها الأخرى فما دام الإنسان إنساناً يحس ويتفكر ويلهم ويتدبر ولم يهبط به القصور إلى مداحض الحيوانية ومزالق الحياة البهيمية فلا يزال يرى التدين لازماً من لوازمه وضرورة من ضروراته وبرهنا على أن رقية في مدارج العلوم العلية وتسنمه سنام المعقولات السامية وضربه في ميادين المدنية الزاهية فضلاً عن كونه لن يعدو على تلك الغريزة فيقتلع أصولها ويجتث جذورها سيزيدها على ممر الأيام رسوخاً ويهبها على طول الزمان قوة وتمكيناً واستشهدنا على أقوالنا هذه بأقوال من فطاحل الكتاب العصريين وبحجج من تحقيقات العلماء الحسيين مما لا يترك مجالاً لجائل ولا جدالاً لمجادل وأردفنا كل ذلك بقولنا (إن الإسلام هو النقطة التي تتطلع إليها أنظار الباحثين والغرض الذي تشرأب إليه أعناق العلماء العمرانيين) ولكن جاءت هذه الجملة في عبارات مجملة لا تقف بذوي الطماح دون أن تطلب التفصيل ولا ترد من جماح العقول على تلمس التعليم لهذا أحببنا أن نعود اليوم إلى بسط ما أجملناه ونشر ما طويناه لنكون قد وفينا المقام بعض حقه فنقول: إنما ينتثر عقد القاعدة من القواعد وينتكث فتل القانون من القوانين لا لتطاول الزمن عليه ولا لبعد عهد الواضع له فكم من حقيقة فلسفية اثرت عن سقراط وبداهة شرعية نقلت عن سولون وقاعدة طبية رويت عن بقراط وفضيلة أخلاقية حملت عن كهنة المعابد المصرية القديمة وبعضها فضلاً عن عدم تأثير الزمن عليها بالزوال صار لها اليوم من الإعجاب والإقبال والاحترام والإجلال ما لا يتطرق إلى المحض فيها الشك بأنها ستبقى حية أبد الآبدين ومعمولاً بها لدى الناس أجمعين ذلك لأنها لائمت سنة الطبيعة ووافقت نظام الخليقة وتعالت عن مصادمة خصيصة من خصائص الإنسان وسمت عن أن تحتك في قانون من قوانين العمران وحقيقة هذا شأنها لجديرة بحكم الضرورة بالبقاء وبعيدة ولا شك عن الفناء (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ولكن تنهدم القواعد وتتلاشى وتتقوض أبنية النظامات وتتداعى لمعاكستها لرقي البشرية في معارج المدنية ومصادمتها لارتقاء الإنسانية

في مدارج الكمالات العقلية على أن من تلك النظامات ما كان مفيداً لمن وضعت في زمانهم وملائمة لمقتضيات عمرانهم لافتقار مناسباتهم الاجتماعية إليها ولكن لما كانت المناسبات الزمانية والمكانية لا تكاد يحصيها الإنسان لتغيرها كل آن وتحولها في كل خطوة يخطوها البشر فلا تصادف تلك النظامات أمة من الأمم لتنطبق عليها ولو وجدتها لا تلبث أن تعاكسها في شأن من شؤونها تحت تأثير ناموس الرقي فتلفظها لفظ النواة وتهجرها غير آسفة عليها. هذا هو السبب الرئيسي لدوام التحول والتبدل في نظامات البشر وهذا أيضاً هو سبب تلاشي الأديان الباطلة التي أطلق قادتها لشياطينهم عنان الإفساد فأدخلوا إلى عقائدهم ما يتعالى الله عن تكليف الناس به لمصادمته للعلم ومعاكسته لبدائية العقل وعدم ملائمته لسنن الطبيعة فينساق أصحاب هذه العقائد في مبدأ الأمر للعمل بها طاعة لداعي ضمائرهم المتشعبة بيقينهم الوراثي ولكنهم لا يكادون يجرون شوطاً في خيالاتهم هذه حتى تصيح في أوجههم نواميس الطبيعة صيحة تردهم بها على أعقابهم مدبرين وتقرعهم بقوارع من الفتن المزعجة تجبرهم برغم أنفهم إلى درس أسباب تقهقرهم ومناشيء نكوصهم ليتخلصوا مما وقصوا فيه من المضانك الاجتماعية فيؤديهم درسهم إلى جراثيم تلك العلل فيميلون بما في مكنتهم إلى قتل مكاريبها وكشط أدرانها سواء كانت في نظاماتهم الاجتماعية أو في تعاليمهم الدينية. ولا عجب فإن العقيدة إذا زاحمت الطبيعة سادت الثانية على الأولى وأجلتها ولو بعد حين. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك (ولو إنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم) وما دامت الطبيعة والعقيدة من الله فلا يعقل أنه تعالى يكلف الإنسان بما يشق عليه ولا يستطيع أن يقوم به (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). قلنا هذا هو السبب الرئيسي في تلاشي الأديان واحتمال تلاشي أكثر ما بقي منها وقد أشار إلى هذا السبب العلامة بنجامين كوتستان في كتابه المسمى الدين وينبوعه واشكاله وترقيه فقال: إن كل قاعدة مهما كانت نافعة في الحال فلا بد أن تكون محتوية على جرثومة تعارض الرقي في الاستقبال لأن تلك القاعدة تأخذ بطول المكث شكلاً عديم الحراك يأبى على العقل اتباعه في مكتشفاته التي ترقيه كل يوم وتظهره إذا حصل ذلك ينفصل في

الحال الإحساس الديني عن تلك القاعدة المتحجرة ويطلب سواها من القواعد التي لا تحرجه ولا تجرحه ولا يزال يضطرب حتى يصادفها ثم علل هذا المؤلف احتمال تلاشي الأديان بعدم احتوائها على سائر الحريات الضرورية للإنسان وارتأى أنه لو كانت تلك الحريات موجودة فيها لبقيت بقاء الإنسان ولكنه عاد فيئس من ذلك فقال وكلنا نخال أن ذلك يتحقق مطلقاً لاعتقادنا أنها لن تترك شيئاً من أسسها. وحيث أن هذه الأسس تناقض العلم وتعارضه فيكون من المقرر الثابت إمحاء الديانات وزوالها. إذا تقرر لديك كل ما مر نطرح هذا السؤال وهو: هل في الإسلام قاعدة تعارض ناموس الترقي في سيره أو فيه أس يأخذ لطول الزمن شكلاً حجرياً عديم الحراك يأبى على العقل اتباعه في مكتشفاته أو يتغاضى عليه في سعيه وراء سعادته؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب علينا أن نلم بماهية الميادين التي تتسابق فيها محاولات إنسان وتتراكض في مناحيها جياد أمياله ومراميه فتقول: ليس أمام سائر مجهودات الإنسان غير ميدانين عظيمين وهما ميدان سعادته الروحية ومن قال بوجود ميدان ثالث حاكمناه إلى محاكم الطبيعة وألزمناه الحجة بنص قوانينها المحسوسة. الإنسان مسوق بحكم الفطرة إلى تأييد مركزه في هذا الوجود الأرضي وتثبيت قدمه في هذا الوسط الطيني وله مما ركب في جثمانه من المطالب وما تقتضيه واجباته الحيوية المتجددة من الرغائب أكبر دافع له إلى الابتكار وأعظم سائق له إلى الاستثمار هرباً من فناء يتهدده وزوال لا يفتأ يتوعده وفي درس أقوال الشعوب في سائر أدوارها ما يغني القارئ عن كثير من الأمثال كما أنه بحكم تركيبه المعنوي إلى تلمس راحة روحه التي لا يقنعها معقول فتقف عنده لا يرضيها مقام فتلتزم حده. لا يكاد الإنسان يأنس بملذة روحانية ويفرح بلطيفة نورانية حتى يجد من نفسه الرغب في الزيادة والتوق إلى دوام الاستفادة ولو عاندها الإنسان في مطالبها ووقف بها دون رغائبها قلبت له ظهر المجن وسقته من صاب المحن ما يجعل حياته المدنية أمر من العلقم وسعادته الجسمية أشد عليه من لدغ الأرقم. لأن السعادة الجسمية وحدها لا تغني عن الإنسان شيئاً ما دامت الحيرة تقيم فؤاده وتعقده والشكوك تميته كل يوم وتنشره ومهما غالط الإنسان إحساساته الداخلية فعالجها بالأشربة الروحية والمناظر الخيالية فهي لا تزال تريشه بسهام

معنوية حتى يقضي عليها فيموت جباناً أو يلتفت إلى مطالبها فيعيش إنساناً! ونحن لو أجلنا نظرنا في مناحي هذين الميدانين الحسي والمعنوي لما تمكنا أن نحددهما بحد ولا أن نقف لهما على تخم مما يدلنا دلالة واضحة إلى ما سيناله الإنسان المستقبل من الرقي في هذين المضمارين لا يقارن بما لدينا إلا كما تقارن الشمس بالمصباح الضئيل. إذا تحققت هذه البداءة فقل لنا كيف لا تموت قاعدة تعقل العقل عن متابعة مجراه في سبيل الاكتشاف وكيف لا ينتقض قانون يصد الفكر عن رحلاته في هذه اللا نهاية البعيدة الأكناف؟ إذا كان الخالق سبحانه قضى (لا معقب لحكمه) أن يترقى الإنسان من الوسائل وسلط عليه من الفواعل ما يجعل وقوفه في مركزه مستحيلاً فأي دين يعطل من مسير هذا القضاء وأي زهادة ترد الإنسان عن تسنم هذا العلاء؟ إذا كان خالق الطبيعة ومدبرها هو نفسه واهب الدين فهل يعقل أنهما يتناقضان أو يتعارضنا فيتصاولان؟ كلا. قلنا أن أمام الإنسان ميدانين كلاهما غير محدود بحد ولا محصور بتخم وأن الإنسان مدفوع إلى رفع كل عقبة تقف أمامه فيهما ومسوق إلى بلوغ نهاياتهما وأن الدين الصحيح هو الذي ينشطه في قطع مفاوزهما ولا يضع أمامه العواثير دون غاياتهما فهل الإسلام حاصل على هذه المزية حتى يجدر بنا أن نسميه روح المدنية وأنشودة الإنسانية وباقياً بقاء الحياة الدنيوية؟ اللهم نعم. أما من حيثية حالنا في المعقولات فإن الإسلام يرينا أننا لم نزل في دور الطفولية منها وأن كل ما حصلناه إلى الآن لا يساوي قطرة مما سيصل أخلافنا إليه قال تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ويرينا بعد ذلك أن باب العلم مفتوح لكل طالب ميسور لكل راغب فهو ليس مقصوراً على طائفة دون أخرى بل فرضه الله على كل رجل وكل امرأة من الهيئة الاجتماعية سواء في ذلك ألو الشرف والثراء أو أولو الضعة والضراء فقال تعالى: (وقل رب زدني علماً) وقال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وأرانا بعد ذلك كله بنص لا يحتمل التأويل أن العلم لا غاية له فقال له عليه الصلاة والسلام (من ظن أن للعمل غاية فقد بخصه حقه الحديث وليس بعد هذا تشويق إلى طلب المعارف الحقة من مطابها وأما من جهة حالنا في السعادة المادية فإن الله يصرح لنا في كلامه القديم بأنه قد خلقنا واستخلفنا في الأرض وأسبغ علينا نعماً ظاهرة وباطنة وجعلنا خلاصة إبداعه وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض

نكتشف معانيها ونستخدم قواها فقال تعالى: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه) ولم يحرم علينا بد ذلك إلا كل إفراط وتفريط سواء فقي الحاجيات البدنية أو الروحية حتى أنه ليعاقب المؤذي نفسه بالعبادة كما يعاقب مؤذيها في سواها قال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم (من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الذنب مثل جبال عرفة) (ذلك أن الله لا يحب المعتدين) حتى في الدين. فقل لنا بعيشك دين هذا شأنه من الإطلاق وعدم التقييد من أين يتطرق التلاشي إليه وبأي سبب يحكم بالزوال عليه؟ دين لم يمت فيك عاطفة من العواطف ولم يحجر على عقلك وفكرك سلطانهما بل جعلهما عماد بقائك وسبب عليائك ولم يحرم عليك من الملاذ البدنية إلا الأشياء المؤذية بإجماع العلوم الطبية فكيف لا تسميه دين المدنية الحقيقية وأنشودة الإنسانية؟ وإن تعجب من هبوط المسلمين عن سواهم مادياً ومعنوياً مع وجود هذا الدين بين ظهرانيهم فأنا أكثر منك عجباً من تكاسل متنوريهم عن إشهاره بكل الوسائل لأنه ليس بين المسلمين وبين الرقي لا على مقاوم العظمة الاجتماعية إلا فهم ما لديهم من هذا النور الذي أنزل من سماء الحكمة إليهم؟ فهل يأتي على المسلمين زمان يلتفتون فيه إلى دينهم حق الالتفات ويستمدون من روحه مثل ما استمد منه آباؤهم من قبل فيدهشون العالم بفخامة مدنيتهم وجلالة فضائلهم؟ نهم ولتعلمن نبأه بعد حين. فريد وجدي

كيف يصلح أمر العثمانيين

كيف يصلح أمر العثمانيين تفنن زعماء الإصلاح ومريدوه فيما يصلح شأن العثمانيين، ويرقى بهم إلى أوج العزة والسعادة. فمن قائل أن صلاحهم لا يكون إلا باقتفائهم أثر الأوروبيين، وتقليدهم إياهم في جميع أسباب تقدمهم، والعمل بأنظمتهم وقوانينهم ومجاراتهم بالعلوم الطبيعية والرياضية ومنافستهم بآلات الحرب والضرب ومضاهاتهم بالتجارة والزراعة والصناعة. ومن قائل أن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، فهي لا يعوزها إلا التمسك بدينها والاهتداء بهديه، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله سبحانه. فإذا قدر لها ذلك فقد استغنت عن النظام السياسي والإداري فلديها من سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين رضوان الله تعالى عليهم ما إن تمسكت به دانت لها رقاب الأمم وذلك لعزتها الجبابرة والأكاسرة، واستغنت عن المدرعات والطرادات فعندها من القوى المعنوية ما يعدل تلك القوى الحسية ويفوقها، واكتفت بجزء يقوم بأودها من التجارة والزراعة والصناعة كما اكتفى به سلفها فهي لا رغبة لها في الملاذ الجسمية والشهوات الحيوانية بل غرضها من هذه الحياة عبادة ربها سبحانه والشغف بحضرته. ومن قائل لا يصلح العثمانيين ذا ولا ذاك وصلاحهم بأمر غيرهما مستدلاً يؤيد مدعاه ويدعمه في زعمه. وقد حضرنا مناظرة دارت بين فاضلين من رجال الإصلاح أحدهما يرى الرأي الأول والآخر يرى الراي الثاني فأحببنا أن نثبت ما دار بينهما بتصرف ثم نبين رأينا في الإصلاح خدمة للأمة، وقياماً بواجبها الخطير فنقول: قال الذي يرى الرأي الأول: لا أرى خلاصاً لدولة الخلافة مما حاق بها من البلايا واكتنفها من الرزايا بالجري على سنن الأوروبيين، واقتفاء أثرهم فطريقهم أسلك الطرق، ومنهجهم أعدل المناهج فهاهم قد بلغوا مستوى العز والمجد وصارت لهم السيادة والسلطة على كافة سكان البسيطة. قال الذي يرى الرأي الثاني: وكيف يكون ذلك؟ قال الأول: يكون أولاً بتنظيم قوانين سياسية وإدارية طبق قوانينهم. وثانياً بإنشاء مدارس للعلوم الطبيعية والرياضية على نحو مدارسهم وثالثاً بإعداد معدات للحرب تشاكل معداتهم من مدرعات وطرادات، وحصون وقلاع ومدافع وبنادق وطيارات ونظارات وغير ذلك من

آلات الحروب الحديثة رابعاً بالاعتناء بالتجارة في الوارد إلى البلاد والصادر منها. بحفظ الحقوق، وتعديل الجمارك، ومن السكك التجارية والكهربائية، وتنظيم الشوارع والأزقة وخامساً بالالتفات إلى الزراعة بإيجاد الأمن في البوادي وجر المياه إلى الأراضي القاحلة وتجفيف المستنقعات وتسهيل الطرق لجلب ما استحدث من آلات الزراعة من أوروبا بإعفائها من الرسوم وإدانة المعوز من الزراع ثمنها إلى أجل يمكنه من الاستفادة منها وسادساً بالاهتمام بالصنائع بوضع المرغبات المادية والمعنوية لمن يقوم بها وإعفاء آلاتها من الرسوم، والضرب على أيدي من يريد العبث بمتانتها، وحفظ حقوق أصحابها بهذا يرتفع شأن العثمانية، وتكون في مقدمة الدول العظمى ولا أحتاج لإيراد الدلائل والشواهد على صحة ما قلت بعد أن تحقق أن السبب الوحيد في رقي أوروبا وتقدمها هو ما ذكر. قال الذي يرى الرأي الثاني: قد أطلت على غير طائل وأكثرت من غير ما جدوى وما أراك إلا شغوفاً بأوروبا ومظاهرها الفتانة، معرضاً عن النظر في حقيقة أمرها وما هي عليه من الخبث والدناءة، ولو كشف لك عما تكنه صدورها وتخفيه سرائرها لما راقتك زخارفها، وأخذت منك مبتكراتها ومخترعاتها، ولما دعوت أمتك إلى تقليدها وأنت من رجالها المصلحين. لو كان لي من الإفصاح والبيان ما أقدر به على سرد الفظائع التي جرتها أوروبا بمدنيتها الحديثة على الإنسانية لفعلت، وبالحري لو كنا في هذا الصدد لرأيتني على ضعف بياني أتكلف لإزالة الستر عن بعض تلك الفظائع المؤلمة بحيث تكون ظاهرة للعيان. نحن الآن بصدد النظر فيما يصلح شأن أمتنا، ويرقى بها في معارج العز والفلاح، ولا أرى ذلك حاصلاً لها إلا بالاعتصام بحبل دينها المتين، والسير على صراطه المستقيم بامتثال أوامره واجتناب مناهيه، وترك التخاذل والتدابر ونبذ النزاع والشقاق وتوثيق عرى الاتحاد والائتلاف وتجديد أواصر التراحم والواد وبذل المهج والأموال لتكون كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فإذا تم لنا ذلك فلسنا بحاجة إلى قوانين أوروبا التي لا تلائم طباعنا، ولا تتفق مع مصالحنا فلدينا القانون الإلهي وضعه أحكم الحاكمين وسنه أعدل العادلين بمصالح عبادة، ومن لا تخفى عليه خافية من أمرهم. ذلك الذي لا يعتريه تغيير ولا تبديل

ولا يقبل الزيادة ولا النقصان ذلك القانون الذي يلائم المستقيم من الطباع ولا تمجه الأذواق السليمة ذلك القانون الذي يأمر بالعدل والإحسان وينهي عن الفحشاء والمنكر ذلك القانون الذي بني على المساواة الحقيقية بين أفراد معتنقيه لا يفرق بين عنصر وعنصر ولا يميز جنساً على آخر ذلك القانون الذي يحث على التعليم ويوجبه على كافة من التزم أحكامه ذلك القانون الذي ما تمسكت به أمة إلا وأصبحت عزيزة الجانب رفيعة المكانة. ولسنا بحاجة إذا تم ذلك (الاعتصام بحبل ديننا المتين) إلى العلوم الطبيعية والرياضية التي ضل بها الأكثرون وكثر من جراء تعلمها الزنادقة والملحدون واقتصرت نتائجها على إطغاء بني البشر وسحقه بما أعدت لهم من المدمرات وسهلت لهم من الشهوات. نعهم لسنا بحاجة إلى هذه العلوم المادية المحضة التي تسبب عنها إنكار الصانع جل وعلا، والتكذيب بكتبه ورسله وملائكته، وجحود البعث والحشر والنعيم والجحيم، وغير ذلك مما لا مجال لإنكاره ولا تتسع دائرة الوهم للتشكيل فيه بعد ما جاءت الأدلة القاطعة بإثباته، وشهدت العقول السليمة بصحته، ومضت الأجيال والقرون وعامة من يفقهه من البشر يذعنون له ويدينون به. ولسنا بحاجة أيضاً إلى المدرعات والطرادات وغيرها من آلات الحروب الحديثة لما توفر لدينا من قوة الاتحاد والتضام، ولما غرز فينا من الشجاعة والبسالة التي فقنا بها جميع الأمم. نهم لا أنكر أنه لو يكون لنا معدات مثل الأوروبيين نزداد قوة على قوة، وتعظم سطوتنا في نظر أعدائنا ولكنا نحتاج في تحصيلها إلى أن نسلك طريقاً غير طريقنا طريقاً مملوءاً بالمخاوف محفوفاً بالأخطار فأولى لنا أن نسلك طريق أسلافنا وننهج منهجهم فقد كانت هممهم مصروفة إلى إعداد المعدات المعنوية مقصورة على تنظيمها وكانت لهم بذلك الغلبة على أعدائهم في جميع ما يحاولون. وبعد ذلك كله يكفينا جزء يسير من التجارة والزراعة والصناعة يقوم بأودنا، ونسد به خلتنا، لنقوى به على عبادة الله تعالى التي ما خلقنا إلا لها ونتبلغ به للحصول على مرضاته التي هي أعلى المقاصد، وأسمى المطالب فنتنعم بالنظر إلى وجهه الكريم، وجلاله المنزه في جنات تجري من تحتها الأنهار فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين.

(لها بقية)

الأسئلة والأجوبة

الأسئلة والأجوبة سؤال: أصحاب مجلة الحقائق الغراء. . بينما كنت أسرح طرفي في صفحات الجزء الثالث من المجلد الثالث من مجلتكم الزاهرة إذ وجدت في بحث الخصائص حديث (البلاء موكل بالمنطق) وبينتم أن البخاري خرجه عن ابن مسعود رضي الله عنه وقد كنت وجدت في موضوعات الصاغاني أن هذا الحديث موضوع فأشكل الأمر علي فألتمس منكم كشف النقاب عن حقيقة هذا الحديث وكذلك وجدت في مقالة المولد النبوي الشريف حديث أن ابن عمر رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام (إن الله اختار خلقه فاختار منهم بني آدم ثم اختار بني آدم فاختار منهم العرب. . الخ) فأشكل علي لفظ الحديث نظراً لتكرار قوله ثم اختار بني آدم في الظاهر فالأمل من غيرتكم أن ترفعوا النقاب وتوضحوا الصواب ولكم من الله جزيل الثواب دمشق (ص) الجواب: كنا ذكرنا حديث (البلاء موكل بالمنطق) معزياً للبخاري نقلاً عن خصائص المنيني رحمه الله وكان الواجب أن لا نطلق لفظ البخاري بل نبين أن البخاري أخرجه في كتابه المسمى بالأدب كما نقل ذلك العلامة العزيزي في شرحه على الجامع الصغير وعد الصاغاني الحديث في موضوعاته غير مسلم فقد صحح السيوطي في اللالئ المصنوعة عدم وضعه وقال أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء مرفوعاً وأخرجه العسكري في الأمثال والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود بلفظ أن البلاء مولع بالكلام وأخرجه ابن لال في مكارم الأخلاق عن ابن عباس بلفظ ما من طامة إلا وفوقها طامة والبلال والبلاء موكل بالمنطق وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بلفظ البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلباً الخ ما ذكره في اللالئ المصنوعة في كتاب الأدب والزهد وأما الحديث الثاني فإنه كما ظهر لكم في تكرار وإليكم بيان مجرداً عن التكرار نقلاً عن المواهب قال أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال عليه الصلاة والسلام إن الله اختار خلقه فاختار منهم بني آدم ثم اختار من بني آدم العرب ثم اختارني من العرب فلم أزل خياراً من خيار إلا من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم أ. هـ ونحن نشكر لك أيها السائل تنبيهك لنا ونسأله

تعالى أن يوفقنا وإياك لاتباع طريقة والحمد لله رب العالمين.

كتاب طاهر بن الحسين

كتاب طاهر بن الحسين أما بعد فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته عز وجل ومزايلة سخطه واحفظ رعيتك في الليل والنهار والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسؤول عنه والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله عز وجل وينجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه. فإن الله سبحانه قد أحسن إليك وأوجب الرأفة عليك بمن استرعاك أمرهم من عباده وألزمك العدل فيهم والقيام بحقه وحدوده عليهم والذب عنهم والدفع عن حريمهم ومنصبهم والحقن لدمائهم والأمن لسربهم وإدخال الراحة عليهم ومؤاخذك بما فرض عليك وموقفك عليه وسائلك عنه ومثيبك عليه بما قدمت وأخرت ففرغ لذلك فهمك وعقلك وبصرك ولا يشغلك عنه شاغل وإنه رأس أمرك وملاك شأنك. وأول ما يوفقك الله عليه وليكن أول ما تلزم به نفسك، وتنسب إليه فعلك، المواظبة على ما فرض الله عز وجل عليك من الصلوات الخمس والجماعة عليها بالناس قبلك وتوابعها على سننها من إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله عز وجل فيها ورتل في قراءتك وتمكن من ركوعك وسجودك وتشهدك ولتصرف فيه رأيك ونيتك واحضض عليه جماعة من معك وتحت يدك وادأب عليهات فإنها كما قال الله عز وجل تنهى عن الفحشاء والمنكر. ثم اتبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمثابرة على خلائقه واقتفاء أثر السلف الصالح من بعده. وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله عز وجل وتقواه وبلزوم ما أنزل الله عز وجل في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه وإتمام ما جاءت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قم فيه بالحق لله عز وجل ولا تميلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو لبعيد. وآثر الفقه وأهله والدين وحملته وكتاب الله عز وجل والعاملين به فإن أفضل ما يتزين به المرء الفقه في الدين والطلب له والحث عليه والمعرفة بما يتقرب به إلى الله عز وجل فإنه الدليل على الخير كله والقائد إليه والآمر به والناهي عن المعاصي والموبقات كلها ومع توفيق الله عز وجل يزداد المرء معرفة وإجلالاً ودركاً للدرجات العلى في المعاد مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك والهيبة لسلطانك والأنسة بك والثقة بعد ذلك.

وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها فليس شيء أبين نفعاً ولا أخص أمناً ولا أجمع فضلاً منه والقصد داعية إلى الرشد والرشد دليل على التوفيق والتوفيق قائد إلى السعادة وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد وكذا في دنياك كلها. ولا تقصر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد والإعانة والاستكثار من البر والسعي له إذا كان يطلب به وجه الله تعالى ومرضاته ومرافقه أولياء الله في دار كرامته. أما تعلم أن الصدق في شأن الدنيا يورث العز ويمحص من الذنوب وأنك لن تحوط نفسك من قائل ولا تنصلح أمورك بأفضل منه فآته واهتد به تتم أمورك وتزد مقدرتك ويصلح عامتك وخاصتك وأحسن ظنك بالله عز وجل تستقم لك رعيتك والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها تستدم به النعمة عليك. ولا تتهمن أحداً من الناس فيما تواليه من عملك قبل أن تكشف أمره فإن إيقاع التهم بالبراء والظنون السيئة بهم آثم آثم. فاجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك واطرد عنك سوء الظن بهم وارفضه فيهم يعنك ذلك على استطاعتهم ورياضتهم ولا تتخذن عدو الله الشيطان في أمرك معمداً فإنه إنما يكتفي بالقليل من وهنك ويدخل عليك من الغم بسوء الظن بهم ما ينقص لذاذة عيشك واعلم أنك تجد بحسن الظن قوة وراحة وتكتفي به ما أحببت كفاية من أمورك وتدعو به الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلها ولا يمنعك حسن الظن بأصحابك والرأفة برعيتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك والمباشرة لأمور الأولياء وحياطة الرعية والنظر في حوائجهم وحمل مؤناتهم أيسر عندك مما سوى ذلك فإنه أقوم للدين وأحيا للسنة. واخلص نيتك في جميع هذا وتفرد بتقويم نفسك تفرد من يعلم أنه مسؤول عما صنع ومجزي بما أحسن ومؤاخذ بما أساء فإن الله عز وجل جعل الدنيا الدنيا حرزاً وعزاً ورفع من اتبعه وعززه. واسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين وطريقه الأهدى وأتم حدود الله تعالى في أصحاب لجرائم على قدر منازلهم وما استحقوه ولا تعطل ذلك ولا تتهاون به ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة فإن في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة وجانب البدع والشبهات يسلم لك دينك وتتم لك مروءتك وإذا عاهدت عهداً

فأوف به وإذا وعدت الخير فأنجزه واقبل الحسنة وادفع بها وأغمض عن عينك كل ذي عيب من رعيتك واشدد لسانك عن قول الكذب والزور وأبغض أهل النميمة فإن أول فساد أمورك في عاجلها وآجلها تقريب الكذوب والجرأة على الكذب لأن الكذب رأس المآثم والزور والنميمة خاتمتها لأن النميمة لا يسلم صاحبها وقائلها لا يسلم له صاحب ولا يستقم له أمر. وأجب أهل الصلاح والصدق وأعن الأشراف بالحق وأعن الضعفاء وصل الرحم وابتغ بذلك رجه الله تعالى وإعزاز أمره والتمس فيه ثوابه والدار الآخرة. واجتنب سوء الأهواء والجور واصرف عنهما رأيك وأظهر براءتك من ذلك لرعيتك وانعم بالعدل سياستهم وقم بالحق فيهم وبالمعرفة التي تنتهي بك إلى سبيل الهدى. واملك نفسك عند الغضب وآثر الحلم والوقار وإياك والحدة والطيش والغرور فيما أنت بسبيله. وإياك أن تقول أنا مسلم أفعل ما أشاء فإن ذلك سريع إلى نقص الرأي وقلة اليقين لله عز وجل واخلص لله وحده النية فيه واليقين. واعلم أن الملك سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد أسرع منه إلى جهلة النعمة من أصحاب السلطان والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا نعم الله وإحسانه واستطالوا بما أعطاهم الله عز وجل من فضله. ودع عنك شره نفسك ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تدخر وتكنز البر والتقوى واستصلح الرعية وعمارة بلادهم والتفقد لأمورهم والحفظ لدمائهم والإغاثة لملهوفهم. واعلم أن الأموال إذا اكتنزت وادخرت في الخزائن لا تنمو وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف الأذية عنهم نمت وزكت وصلحت به العامة وترتبت به الولاية وطاب به الزمان واعتقد فيه العز والمنفعة وليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الإسلام وأهله ووفر منه على أولياء أمير المؤمنين قبلك حقوقهم وأوف من ذلك حصصهم وتعهد ما يصلح أمورهم ومعاشهم فإنك إذا فعلت قرت النعمة لك واستوجبت المزيد من الله تعالى وكنت بذلك على جباية أموال رعيتك وإخراجك أقدر وكان الجمع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسباباً لطاعتك.

وطب نفساً بكل ما أردت واجهد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب وليعظم حقك فيه وإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل الله وفي سبيل حقه واعرف للشاكرين حقهم وأثبهم عليه وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة فتتهاون بما يحق عليك فإن التهاون يورث التفريط والتفريط يورث الهوار. وليكن عملك لله عز وجل وفيه وارج الثواب فإن الله سبحانه قد أسبغ عليك فضله. واعتصم بالشكر وعليه فاعتمد يزدك الله خيراً وإحساناً فإن الله عز وجل يكتب بقدر الشاكرين وإحسان المحسنين ولا تحقرن ذنباً ولا تمالئن حاسداً ولا ترحمن فاجراً ولا تصلن كفوراً ولا تداهنن عدواً ولا تصدقن نماماً ولا تأمنن عدواً ولا توالين فاسقاً ولا تبغن غاوياً ولا تحمدن مرائياً ولا تحقرن إنساناً ولا تردن سائلاً فقيراً ولا تحسن باطلاً ولا تلاحظن مضحكاً ولا تخلفن وعداً ولا تذهبن فخراً ولا تظهرن غضباً ولا تباينن رجاء ولا تمشين مرحاً ولا تزكين سفيهاً ولا تفرطن في طلب الآخرة ولا ترفع للنمام عيناً ولا تغمض عن ظالم رهبة منه أو محاباة ولا تطلب ثواب الآخرة في الدنيا. وأكثر مشاورة الفقهاء واستعمل نفسك بالحلم وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة ولا تدخلن في مشورتك أهل الرفه والبخل ولا تسمعن لهم قولاً ضررهم أكثر من نفعهم. وليس شيء أسرع فساداً لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح واعلم أنطك إذا كنت حريصاً كنت كثير الأخذ قليل العطية وإذا كنت كذلك لم يستقم أمرك إلا قليلاً فإن رعيتك إنما تعتقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجور عليهم. ووال من صفا لك من أوليائك بالاتصال إليهم وحسن العطية لهم واجتنب الشح واعلم أنه أول ما عصى به الإنسان ربه وأن العاصي بمنزلة الحري وهو قول الله عز وجل (ومن يوق شح نفسه فآولئك هم المفلحون) فسهل طريق الجود بالحق واجعل للمسلمين كلهم في بيتك حظاً ونصيباً وأيقن أن الجود أفضل أعمال العباد فأعده لنفسك خلقاً وارض به عملاً ومذهباً وتفقد الجند في دواوينهم ومكاتيبهم وادر عليهم أرزاقهم ووسع عليهم في معاشهم يذهب الله عز وجل بذلك فاقتهم فيقوى لك أمرهم وتزد قلوبهم في طاعتك وأمرك خلوصاً وانشراحاً.

وحسب ذي السلطان أن السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة من عدله وعطيته وإنصافه وعنايته وشفقت وبره وتوسعته فذلك مكروه أحد البابين باستشعار فضله الباب الآخر ولزوم العمل به تلق إن شاء الله تعالى به نجاحاً وصلاحاً وفلاحاً. واعلم أن القضاء من الله تعالى بالمكان الذي ليس لديه شيء من الأمور لأنه ميزان الله الذي يعدل عليه أحوال الناس في الأرض وبإقامة العدل والعمل في القضاء تصلح أحوال الرعية وتأمن السبل وينتصف المظلوم وتأخذ الناس حقوقهم وتحسن المعيشة ويؤدي حق الطاعة وترزق من الله العافية والسلام يقيم الدين وتجري السنن والشرائع في مجاريها. واشتد في أمر الله عز وجل وتورع عن النطق وامض لإقامة الحدود وأقلل العجلة وأبعد عن الضجر والقلق وانع بالقسم وانتفع بتجربتك وانتبه في صحتك واسدد في منطقك وأنصف الخصم وقف عند الشبهة وابلغ في الحجة ولا ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم وتثبت وتأن وراقب وانظر وتفكر وتدبر واعتبر وتواضع لربك وارفق بجميع الرعية وسلط الحق على نفسك ولا تسرعن إلى سفك الدماء فإن الدماء من الله عز وجل بمكان عظيم انتهاكاً لها بغير حقها. وانظر هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية وجعله الله للإسلام عزاً ورفعة ولأهله توسعة ومنعة ولعدوه كيتاً وغيظاً ولأهل الكفر من معاديهم ذلاً وصغاراً فوزعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم ولا تدفعن شيئاً منه عن شريف لشرفه ولا عن غني لغناه ولا عن كاتب لك ولا لأحد من خاصتك ولا من حاشيتك ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له ولا تكلف أمراً فيه شطط واحمل الناس كلهم على أمر الحق فإن ذلك أجمع لألفتهم والزم إرضاء العامة. واعلم أنك جعلت بولايتك خازناً وحافظاً وراعياً وإنما سمى أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم فخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ونفذه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم واستعمل عليهم أولي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعلم والعدل بالسياسة والعفاف ووسع عليه في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلبت وأسند إليك فلا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك وحسن الأحدوثة في عملك واستجررت به المحبة من رعيتك

وأعنت على الصلاح فدرت الخيرات ببلدك وفشت العمارة بناحيتك وظهر الخصب في كورك وكثر خراجك وتوفرت أموالك وقويت بذلك على ارتباط جندك وإرضاء العامة بإفاضة العطاء لهم من نفسك وكنت محمود السياسة مرضي العدل في ذلك عند عدوك وكنت في أمورك كلها ذا عدل وآلة وقوة وعدة فتنافس فيها ولا تقدم عليها شيئاً تحمد عاقبة أمرك إن شاء الله تعالى. واجعل في كل كورة من عملك أميناً يخبرك خبر عمالك ويكتب إليك بسيرهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معايناً لأموره كلها وإذا أردت أن تأمرهم بأمر فانزظر عواقب ما أردت من ذلك فإن رأيت السلامة فيه والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والصنع فامضه وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصر والعلم به ثم خذ فيه عدته فإنه ربما نظر الرجل في أمره وقد أتاه على ما يهوى فأغواه ذلك وأعجبه فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله عز وجل بالقوة وأكثر من استخارة ربك في جميع أمورك وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره وأكثر مباشرة بنفسك فإن لغد أموراً وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت. واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه فإذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومين فيشغلك ذلك حتى ترضى منه وإذا أمضيت لكل يوم علمه أرحت بدنك ونفسك وتستيقن أمر سلطانك وانظر أحرار الناس وذوي الفضل منهم ممن بلوت صفاء طويتهم وشهدت مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على أمرك فاستخلصهم وأحسن إليهم وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة واحتمل مؤنتعم وأصلح حالهم حتى لا يجدوا لخلتهم مسافراًُ وافرد نفسك بالنظر في أمور الفقراء والمساكين ومن لا يقدر على رفع مظلمته إليك والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه فسل عنه أخفى مسألة وكل بأمثاله أهل الصلاح في رعيتك ومرهم برفع حوائجهم وخلالهم لتنظر في ما يصلح الله به أمرهم وتعاهد ذوي البأساء ويتاماهم وأراملهم واجعل لهم أرزاقاً من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعزه الله تعالى في العطف عليهم والصلة لهم ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركة وزيادة. وأجر للأمراء من بيت المال وقدم حملة القرآن منهم والحافظين لا كثره في الجرائد على غيرهم وانصب لمرضى المسلمين دوراً تأويهم وقواماً يرتقون بهم وأطباء يعالجون أسقامهم

وأسعفهم بشهواتهم ما لم يؤدي ذلك إلى سرف في بيت المال. واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم وفضل أمانتهم لم تبرمهم وربما تبرم المتصفح لأمور الناس لكثرة ما يرد عليه ويشغل ذكره وفكره منهما ما ينال به مؤونة ومشقة وليس من يرغب في العدل ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الآجل كالذي يستقري ما يقربه إلى الله تعالى ويلتمس رحمته. وأكثر الأذن للناس عليك وأرهم وجهك وسكن حراسك واخفض لهم جناحك وأظهر لهم بشرك ولن لهم في المسألة والنطق واعطف عليهم بجودك وفضلك وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس والتماس للضيقة والأجر من غير تكدير ولا امتنان فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله تعالى. واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى من قبلك من أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية والأمم البائدة ثم اعتصم في أحوالك كلها بالله سبحانه وتعالى والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته وبإقامة دينه وكتابه واجتنب ما فارق ذلك وخالفه ودعا إلى سخط الله عز وحل واعرف ما تجمع عمالك من أموال وما ينفقون منها ولا تجمع حراماً ولا تنفق إسرافاً وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم وليكن هواك اتباع السنن وإقامتها وإيثار مكارم الأخلاق ومقلتها وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيباً لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في ستر وإعلامك بما فيه من النقص فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك لك وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتا يدخل فيه بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمور الدولة ورعيتك ثم فرغ لما يورد عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك وكرر النظر فيه والتدبير له فما كان موافقاً للحق والحزم فأمضه واستخر الله عز وجل فيه وما كان مخالفاً لذلك فاصرفه إلى المسألة عنه والتثبت ولا تمتن على رعيتم ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم ولا تقبل من أحد إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمور المسلمين ولا تضعن المعروف إلا على ذلك وتفهم كتابي إليك وأمعن النظر والعمل به واستعن بالله على جميع أمورك واستخره فإن الله عز وجل مع الصلاح وأهله وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله عز وجل رضا ولدينه نظاماً ولأهله عزاً وتمكيناً وللملة والذمة عدلاً وصلاحاً. وأنا أسأل الله عز وجل أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك والسلام.

صلاح الأمم بالدين

صلاح الأمم بالدين مهما أطلنا التصور وأجهدنا الفكر لا نرى كالدين جامعاً للأمم على تفرقها كافلاً لسعادتها وارتقائها ذلك أن الدين يستدعي أن يعتقد المتدين أن له رباً حكيماً قادراً مطلعاً على هواجس ضميره وما يكنه صدره معاقباً له على ما يقترفه من المعاصي العقاب الشديد مثيبه على أعماله الصالحة الثواب الجزيل فلا يستبيح أن يعصيه في سره ولا في علانيته كما لا ينفك أن يطيعه في كل ما دعاه إليه ولو كلفه ذلك أن يجود بنفسه وماله. هذه مزية من مزايا التدين وخصيصة من خصائصه وهي السبب الوحيد لتقدم الأمم والعامل الأقوى على نهوضها إذا كان ما تتمسك به من العقائد والآداب صحيحاً ولو في الجملة. لسنا نقول باستقامة غير الدين الإسلامي ولا بجواز التدين بذلك الغير فذا مما لا نحلم به ولا نجوز أن يحلم به مسلم ولكنا نريد أن نجهر بحقيقة واضحة وهي أن المتمسكين بالأديان التي تأمر بالفضيلة وتنهى عن الرذيلة ولو كان ذلك في الجملة خير من الذين جعلوا دينهم هواهم ومعبودهم شهواتهم. مثال ذلك أن من يتولى وظائف الحكم من اللادينيين إذا أمكنته الفرص لا يبالي إذا ظلم أو خان أو ارتشى أو فعل ما تأباه المرؤة والأمانة لأنه لا يعتقد أن عليه رقيباً لا يغفل عند غفلة الرقباء ولا يوقن بأنه إذا أمن عذاب الدنيا فلا يأمن عقاب الآخرة ولا يردعه عن عمله القبيح العقاب الذي رتبه عليه قانون حكومته أو ميله لمراعاة حقوق الوطنية والإنسانية فللقوانين الموضوعة من قبل البشر منافذ عدة يخرج منها المجرم بريئاً والظالم عادلاً وللشهوة الإنسانية حكم نافذ وسلطان غالب على حب الوطنية والإنسانية ولا كذلك المتدين الصادق إذا نيطت به الوظائف فهو يعتقد أنه مدين بإيفائها حقها معاقب على التفريط لواجباتها في أخراه وإن سلم من العقاب على ذلك في دنياه وقس على الموظف التاجر والزارع والمحترف وغيرهم فاللاديني من هؤلاء يغش ويكذب ويأكل أموال الناس بالباطل ويشهد الزور ولا يدع شيئاً دعته شهوته إليه مما يفسد نظام الهيئة الاجتماعية إلا ارتكبه بعكس المتدين الصادق كما سبق. هذه بعض مزايا الدين بالنظر إلى الأفراد وإذا أردت التحقق ببعض مزاياه بالنظر إلى رابطته التي تؤلف بين مئات الملايين من النفوس فتجعلهم كالنفس الواحدة وتمكنهم إذا أحسنوا التمسك بها من السلطة والسيادة على سكان البسيطة.

جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء وغواية عمياء متفرقين المذاهب مختلفين بالآراء فهداهم إلى الطريق الأقوم وسلك بهم المنهج الأعدل جمعهم بعد التفرق وضمهم بعد الشتات حتى تكونت لهم رابطة كسلسلة أحد طرفيها في المشرق والآخر في المغرب فأصبحوا وهم سادة أهل الأرض وفي قبضتهم وتحت حكمهم أكثر من نصفها وما بلغوا هذا المنصب ولا ارتقوا هذا المرتقى إلا بتمسكهم بدينهم وعلمهم بالانتفاع من رابطته ولولا أن خلفهم من سلك غير مسلكهم وتنهج خلاف منهجهم لرأيتهم اليوم وفي يدهم الكرة الأرضية كما ترى مثالها بيد الجغرافيين. فالواجب على المسلمين وقد كاد أن يدركهم التلاشي ويحل بهم الاضمحلال أن يتمسكوا بدينهم حق التمسك ويرتبطوا برابطته تمام الارتباط فإذا فعلوا ذلك بقي للمستقلين منهم كالعثمانيين استقلالهم وكانوا العقبة الكؤود في امتداد نفوذ أوروبا وربما يأتي يوم يستردون فيه سلطتهم ويعود إليهم مجدهم ولا يعوزهم إلا نشر العلوم الدينية فيما بينهم وتسهيل الطرق لتعارفهم مع بعضهم فهم على كثرتهم وعدم خلو قطر أو مدينة من طائفة كبيرة منهم يقدرون على كل شيء ولا يذلون لشيء أخذ الله بأيدينا إلى ما فيه صلاحنا وفلاحنا ورد عنا كيد الأعداء ومكرهم بمنه وكرمه.

مختارات أخلاقية

مختارات أخلاقية الكرم الحقيقي أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ... ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني لست آكله وحدي أخا طارقاً أو جار بيت فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً ... وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد الأخوة الحقة إني وإن كان ابن عمي غائباً ... لمقاذف من خلفه وورائه ومفيده نصري وإن كان آمرأ ... متزحزحاً غي أرضه وسمائه ومتى أجئه في الشدائد مرملاً ... ألق الذي في مزودي لوعائه وإذا تتبعت الجلائف مالنا ... خلطت صحيحتنا إلى جربائه وإذا أتى من وجهة بطريفة ... لم أطلع مما وراء خبائه وإذا اكتسى ثوباً جميلاً لم أقل ... ياليت أن علي حسن ردائه المروءة المال يغشى رجالاً لا طباخ بهم ... كالسيل يغشى أصول الدندن البالي أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال أحتال للمال إن أودى فأجمعه ... ولست للعرض إن أودى بمحتال الفقر يرزي بأقوام ذوي حسب ... ويقتدي بلئام الأصل أنذال الصبر ماذا يكلفك الروحات والدلجا ... البر طوراً وطوراً تركب اللججا كم من فتى قصرت في الرزق خطوته ... الفتية بسهام الرزق قد فلجا إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتق منها كل ما أرتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقا عن غرة زلجا

ولا يغرنك صفو أنت شاربه ... فربما كان بالتكدير ممتزجا لأبي فراس غيري يغيره الفعال الجافي ... ويحول عن شتم الكرام الوافي لا أرتضي وداً إذا هو لم يدم ... عند الجفاء وقلة الإنصاف نفس الحريص وقل ما يأتي به ... عوضاً عن الإلحاد والإلحاف إن الغني هو الغني بنفسه ... ولو أنه عاري المناكب حاف ما كل ما فوق البسيطة كافياً ... فإذا قنعت فكل شيء كاف ويعاف لي طبع الحريص أبوتي ... ومرؤتي وقناعتي وعفافي ما كثرة الخيل الجياد بزائدي ... شرفاً ولا عدو السوام الضافي ومكارمي عدد النجوم ومنزلي ... بيت الكرام ومنزل الأضياف لا أقتني لصروف الدهر عدة ... حتى كأن صروفه أحلافي خيلي وإن قلت كثير نفعها ... بين الصوارم والقنا الرعاف شيم عرفا بهن مذ أنا يافع ... ولقد عرفت بمثلها أسلافي لسوادة اليربوعي ألا أنكر ميٌ عليّ تلومني ... نقول ألا أهلكت من أنت عائله ذريني فإن البخل لا يخلد الفتى ... ولا يهلك المعروف من هو فاعله

أغلاط لسان العرب

أغلاط لسان العرب قرأنا في الجزء الثامن من السنة الثانية لمجلة الآثار تحت هذا العنوان مقالة بإمضاء الكاتب المحقق المجيد أحمد بك تيمور بين فيها بعض ما عثر عليه من الأغلاط في كتاب لسان العرب الطائر الصيت المعروف عند أهل العلم الذي تم طبعه في مصر بمطبعة بولاق الأميرية سنة 1308 هجرية مما سها فيه مصححو الكتاب الأفاضل مع ما بذلوه من العناية وأفرغوه من الجهد في ضبطه وتصحيحه وقد قدم بين يدي المقالة مقدمة مدح فيها الكتاب وذكر أن أول من أقدم على طبعه رجل مقدام اسمه حسين أفندي الديك ولكنه لم يأت على بعض أجزائه حتى أتت على ثروته فتولت إتمامه الحكومة الخديوية بعد أن جمعت له مختلف النسخ والمواد ما رأته وافياً بإبرازه في أتم ما يكون من وجوه الصحة والضبط. وأنه نشر عن هذه الأغلاط فصلاً في مجلة الضياء ثم اتبعه بآخر في المؤيد ثم رأى أن يعززهما بثالث في الآثار وخدمة للكتاب وحباً بالفائدة أحببنا أن ننقل هذه المقالة في مجلتنا (الحقائق) معلقين عليها بعض تعليقات قد لا تخلو من الفائدة. والله حسبنا وهو نعم المعين. قال الكاتب: فمن ذلك ما وري في مادة (أج أصفحة 15 سطر 8) لأبي النجم: قد حيرته جن سلمى واجا وجاء بعده أراد اجا فخفف تخفيفاً قياسياً الخ) وروى (أجا) الثاني بالألف آخره مخففاً غير مهموز والصواب همزة على أصله لأن المراد أنه كان كذلك فخففه الشاعر بحذف همزته وإلا فأي معنى لتخفيف المخفف. (وفي مادة ب ر أصفحة 24 سطر 15) عند الكلام على جمع بريء وبرئ وبراء مثل ما جاء من الجموع على فعال نحو تؤام ورباء في جمع توأم ورُبَّى ورسم (رباء) بالهمز في آخره أي في موضع اللام من فعال لا يكون هذا جمعاً لرُبَّى لأن لامها باء فالصواب أن يقال في جمعها رُباب بالباء في آخره وهو الذي ذكره المصنف وصاحب القاموس وغيرهما في مادة (ر ب ب) وقال سيبويه في كتابه باب تكسير ما عدة حروفه أربعة أحرف للجمع وقالوا ربى ورباب حذفوا الألف وبنوه على هذا البناء كما ألقوا الهاء في جفرة فقالوا جفار إلا أنهم قد ضموا أول ذاكما قالوا ظئر وظوار ورخل ورخال انتهى (تتمة) هذا الجمع من الجموع العزيزة النادرة لأن فعالاً بضم الأول وتخفيف العين ليس من أبنية جموع التكسير المعروفة وإنما سمع في ألفاظ قليلة كثني وثناء وعرق وعراق وفرير

وفرار ورذل ورذال ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه اسم جمع وقال آخرون بل هو جمع ولكن الأصل فيه الكسر والضم بدل منه. وقد كنت تتبعت ما ورد منه فاجتمع لي اثنا عشر لفظاً ثم رأيت العلامة شهاب الدين الخفاجي زاد عليها كثيراً في شرحه لدرة الغواص فمن شاء الوقوف عليها وعلى اختلاف أقوالهم فيها فليراجع (صفحة 141 من الشرح المذكور المطبوع في الجوائب). وفي مادة (ح س ب صفحة 306 س 20) والمحسبة الوسادة من الأدم وحسبه أجلسه على الحسبانة أو المحسبة وضبطت (المحسبة) في الموضعين بفتح الميم وكذلك جاءت مضبوطة بالقلم بالفتح في هذه المادة مت القاموس ولم ينص الشارح على ضبط فيها. ولكنها ضبطت بكسر الميم في مادة (زن ن_من اللسان صفحة 61 سطر24) وفي (ج4 صفحة74) من المخصص وهو الصواب على ما يظهر لي لأني رأيتهم نصوا على كسر الأول فيما جاء في معناها من وزنها كمرفقة ومصدغة ومخدة كأنهم عدوها من أسماء الآلات. حيث أننا لم نقف على نص صريح في هذه الكلمة ورأينا المصححين تراوحوا في ضبطها بين الكسر والفتح بغير دليل كان حملها على ما جاء من نوعها أولى. (وفي هذه الصفحة س 22) هذا ما اشترى طلحة من فلان فتاة بخمسمائة درهم بالحسب والطيب) وضبط درهم بفتح أوله والصواب كسره ولم يحك أحد من اللغويين في الدال ضبطاً آخر وإنما نصوا على جواز الفتح والكسر على الهاء وعلى كونه أيضاً زنة محراب. (وفي مادة د ب ب ص 358 س 21) وقال ابن الأعرابي الدبادب والجباجب الكثير الصياح والجلبة وأنشد: إياك أن تستبدلي قرد القفا ... حزابية وهيباناً جباجبا الف كان الغازلات منحنه ... من الصوف نكثاً أو لئيماً دبادبا وكتب المصحح بالحاشية ما نصه: قوله والجباجب هكذا في الأصل والتهذيب بالجيمين وحرر. قلنا لم يظهر لنا وجه توقف المصحح في هذه الكلمة مع ورودها في مادة (ج ب ب) واستشهاد المصنف عليها بهذين البيتين منسوبين هناك لعبد الله بن حجاج التغلبي. وفي مادة (ط ي ب ص51 س 17) قوله عز وجل طبتم فادخلوها خالدين معناه كنتم

طيبين في الدنيا فادخلوها وجاء (كتتم) هكذا بتاءين وصوابه بنون فتاء وهو ظاهر. (وفي مادة ع ت ب ص 56 س23) والتعتب التجني تعتب عليه وتجني عليه بمعنى واحد وروي (التعتب) بالجر والصواب رفعه على أنه مبتدأ خبره التجني. (وفي مادة ك ل ب ص 220 س12) أرض كلبة أي غليظة قف لا يكون فيها شجر ولا كلأ ولا نكون جبلاً. وروي (نكون) بالنون أوله وصوابه بالمثناة الفوقية لأن الضمير فيه يعود إلى الأرض. (وفي مادة ف ت ت ص 369) روي لزهير كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب القنى لم يحطم ولا معنى هنا للقنى بالقاف وإنما هو الفنا بالفاء وهو عنب الثعلب أو شجر ذو حب أحمر وبه روي البيت في مادة (ف ن ي ص 25) ولم يذكر شراح المعلقات غير هذه الرواية فيه. (وفي مادة ح ي ث ص 545 س 11) حيث ظرف مبهم من الأمكنة الخ بتنوين (حيث) والصواب بناؤها لأن كلام المصنف عنها صريح أنه يريد المبنية لا ملعربة في لغة بني فقعس التي تكلم عليها بعد ذلك. (وفي مادة ح ر ج ص 59) روي لعنترة يصف ظليماً وقلصه: يتبعن قلة رأسه وكأنه ... حرج على نعش لهن مخيم وروي (مخيم) بالرفع على أنه تعت لحرج والصواب جره على أنه نعت النعش وبه ضبط في مادة (ن ع ش ص 247) ومعناه المجعول عليه خيمة كما في شرح ابن النحاس على المعلقات. وللحرج معان أوفقها لما هنا أنه خشب يشد بعضه إلى بعض ويجعل فوق نعش الميت. ولا يخفى أن قوافي القصيدة كلها مجرورة فلا داعي لتوهم أقواء لم ينص عليه أحد. (وفي مادة ع ر ج ص 145) روي لأبي المكعب الأسدي: أفكان أول ما أثبت تهارشت ... أبناء عرج عليك عند وجار وجاء بعده يعني أبناء الضباع وترك صرف عرج لأنه جعل اسماً للقبيلة أما ابن الأعرابي فقال لم يجر عرج وهو جمع لأنه أراد التوحيد والعرجة الخ وضبط (لم يجر) بفتح فضم

مع تشديد الراء أي يجعله مضارعاً لجر والكلام هنا في منع الصرف فكان الصواب أن يضبط بضم فسكون مع تخفيف الراء من أجراه يجريه بمعنى صرفه وهو اصطلاح قديم لهم يعبر به سيبويه في الكتاب وصاحب القاموس في بعض المواضع والمعنى عليه ظاهر في سياق العبارة إذا لا خلاف في أن لفظ (عرج) في البيت مجرور للإضافة وإن كان جره بالفتحة. اللهم إلا إذا حملناه على تساهل بعض القدماء في التعبير عن ألقاب الأعراب فيكون المراد بالجر هنا الكسر غير أننا نرى ضبطه على ما ذكرناه أولى منعاً للالتباس. (وفي مادة ع ن ج ص 154 س3) والعنج أن يجذب راكب البعير خطامه قبل رأسه حتى ربما لزم دفراه بقادمة الرحل وروي دفراه بالدال المهملة والصواب بالمعجمة وهي العظم الشاخص خلف أذن البعير والمراد حتى تحاذي أذن البعير قادمة الرحل من شدة الجذب. (وفي مادة غ م ل ج ص 161) روي أبي نخيلة في وصف ناقة تعدو في خرق واسع تغرقه طوراً بشد تدرجه ... وتاره يغرقها غملجه هكذا بضبط (غملجه) بفتح الجيم وضم الهاء والصواب ضم الجيم لرفعه على الفاعلية ليغرق وإشكان هاء الوصل. (وفي مادة ف ر ج صفحة 166) روي للبيد: قعدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها وروي (قعدت) بالقاف من القعود وهو شيء لم يروه أحد وإنما الصواب (فغدت) بالفاء والغين المعجمة من غدا يغدو أو بالمهملة من عدا يعدو وهما الروايتان المنصوص عليهما في شروح المعلقات وبالأولى ورد البيت في مادة (ول ي ص 291) إلا أنه روي بنصب خلفها وأمامها مع أن القصيدة مرفوعة الروي فالصواب رفعمها على أن الأول بدل من مولى والثاني معطوف عليه أو يكون مولى مرفوعاً بالابتداء وخلفها خبره والجملة خبران كما ذكر الإمام التبريزي في شرحه. (لها بقية)

رؤيا الشيخ أحمد خادم الحرم الشريف

رؤيا الشيخ أحمد خادم الحرم الشريف اتفق العلماء رضي الله عنهم على أن الكذب من أعظم الذنوب وأقبح المعاصي وأن من أفظعه الكذب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نقل الإمام العمدة ابن حجر الهيتمي عن الشيخ أبي محمد الجويني أن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم كفر وقال ما نصه: (وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله ورسوله كفر يخرج عن الملة قال ولا ريب أن تعمد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض وإنما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك وقال الجلال البلقيني جاء الوعيد في أحاديث كثيرة بأن من كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمداً فليتبوأ مقعده من النار وقال العلماء أنها بلغت حد التواتر وقال البزار رواه مرفوعاً نحو من أربعين صحابياً وقال ابن الصلاح أنه حديث بلغ حد التواتر رواه الجم الكثير من الصحابة قيل أنهم يبلغون ثمانون نفساً وجمع الحافظ طرقه في جزء ضخم إلى أن قال: وبلغ بهم الطبراني وابن مندة سبعة وثمانين منهم العشرة) أ. هـ كلام الإمام ابن حجر والحديث الذي أشار إليه نقلاً عن الجلال والبزار وابن الصلاح هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار أي: فليتخذ منزله منها: وأخرج مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وأخرج أيضاً مسلم عنه صلى الله عليه وسلم من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وعند ابن ماجة من حديث علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكذبوا علي فإن الكذب علي يولج في النار وعنده أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من تقول عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده في النار وعنده من حديث أبي قتادة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار هذا وإن من أعظم الكذب وأقبحه على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النشرة المنسوبة إلى (الشيخ أحمد خادم الحرم الشريف) تلك النشرة التي لم نزل نراها في كل عام بأيدي بعض الجهلة الأغرار يهتم بعضهم بطبعها وبعضهم بنشرها بين الناس وبعضهم بوضعها على الجدران في الأسواق والمجتمعات العامة رغبة بما وعدهم به

صاحب الرؤيا من الوعود التي لا تنطبق على الدين ولا يرضاها مسلم ولو أن هؤلاء العامة أصغوا لأوامر الدين الصحيحة واهتموا بها هذا الاهتمام لخرجوا من ظلمة الجهل إلى نور الهدى والعلم وقد اشتملت هذه النشرة على ثلاث مراء إليك نص الأولى منها مع ما مست الحاجة إلى رده من الأخريين مبيناً في أسفل الصحائف مواضع النقد في ذلك بالأدلة الناصعة قياماً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرصاً على عقائد العامة من أن تعبث بها أيدي الدجالين والمخرفين. رؤيا الشيخ أحمد خادم الحرم الشريف التي رأى بها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام روي عنه قال أنني كنت ليلة الجمعة في اليوم الثاني والعشرين من شهر صفر الخير سنة 1327 هجرية بينما كنت مضطجعاً على وضوء كامل وبعد قراءة القرآن الكريم تفكرت في أحوال هذه الدنيا الدنية وما احتوت عليه من المهالك الفظيعة المخالفة للشريعة إذ غفلت قليلاً فأتاني سيد البشر خير كل أنثى وذكر خاتم المرسلين وأفضل النبيين سيدنا (محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين) فقال لي يا أحمد أخبر أمتي فقد أخذتني عليهم الرأفة والشفقة وقد أودعت عندك هذه الوصية المباركة فاحفظها وبلغها تنل بها الثواب الجزيل عند ربك الجليل (وقد قال صلى الله عليه وسلم) من حفظ على أمتي حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالبدر ليلة تمامه كيف لا وقد أوصاني بهذه الوصية مشافهة وهي من أهم شيء فقمت من النوم مستبشراً بهذه الرؤيا الحسنة لعلمي بقوله (صلى الله عليه وسلم) من رآني فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي فحفظت ما ألقاه علي (صلى الله عليه وسلم) وهو هذا يا أحمد أفهم أمتي أنهم قد أكثروا المعاصي والذنوب فأخاف عليهم أن يموتوا على غير الإيمان وقد استحييت من الله عز وجل وهو يقول لي يا محمد لأبدلن وجوههم وأعذبهم عذاباً شديداً فقلت يا رب أمهمهم حتى أنذرهم وأبلغهم وأحذرهم من عذابك وعقابك (نعوذ بالله من عذابه وعقابه فإن لم يتوبوا فافعل ما شئت يا رب إنك على ما تشاء قدير يا أحمد إنهم قد سلب إيمانهم من كثرة الزنا وشرب الخمر وأكل الربا والرشوة ولعب القمار واتباع الشهوات وعدم وفاء الكيل والميزان والغيبة والنميمة ومنع الزكاة وشهادة الزور وبغض الفقراء والمساكين وترك الصلاة والتسبيح

والعبادات وقد اشتغلوا بحب الدنيا وجمع الذهب والفضة وتبديل الآخرة بالدنيا يا أحمد إن تارك الصلاة ملعون لا تسلموا عليه وإن مات لا تزوروه ولا تمشوا بجنازته يا أحمد قيام الساعة قريب وهذا محقق لا ريب فيه ولا تكذيب فتغلق أبواب التوبة وتطلع الشمس من مغربها وقد تزايدت الناس في الطغيان والعصيان والكذب والزور والعدوان فأوصل وصيتي إليهم وبلغهم رسالتي قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون ومن أوصل وصيتي هذه من بلد إلى بلد كان رفيقي في الجنة وكنت له شفيعاً في المحشر ومن اطلع عليها ولم يخبر بها الناس كان وجهه مسوداً يوم القيامة وكنت له خصيماً في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) ما مست الحاجة إلي رده من بقية كلامه (قال: ومن كذب ولم يصدق بها يعني الوصية فهو ملعون ثم ملعون ثم معلون وقال: من بعد ألف وثلاثمائة وأربعين سنة يخرجن النساء من بيوتهن إلى الأسواق من غير إذن أزواجهن) وقال وبعد ألف وثلاثمائة وخمسين ينزل من السماء مطر كبيض الدجاج. وقال: وبعد ألف وثلاثمائة وسبعين تغيب الشمس ثلاثة أيام. وقال: وبعد ألف وأربعمائة يظهر المسيح والدجال. وقال: فما كان والله والله والله وآيات الله وأمانة أنها مكتوبة بقلم القدرة. وقال: ومن كان عنده ثلاثة دراهم واستأجر بهم وكتب هذه الوصية وكان مذنباً وعليه فرض صيام غفرت ذنوبه ببركة هذه الوصية.

التاريخ

التاريخ ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسير سعد بن مالك رضي الله عنه إلى القادسية اجتمع بسيراف بضعة وثلاثون ألفاً من المؤمنين وقائدهم العام سعد ابن مالك فأمر الأمراء وجعل على كل عشرة عريفاًً وعلى الرايات رجالاً من أهل السابقة وولى الحروب رجالاً على ساقتها ومقدمتها وطلائعها ومجنباتها وكل ذلك بأمر سيدنا عمر ورأيه وعبى سعد جيشه تعبئة تشهد بالخبرة والانتظام وتستلفت أنظار دهاقين السياسة والقواد المنظمة في هذا العصر. وتعلم الناس أن المسلمين كانوا على غاية الاستعداد ونهاية الانتظام. وهو ما يتحتم على المسلمين القيام به والسعي وراء تحصيله إذا أرادوا الخلاص مما يتهددهم من المطامع الأوروبية والقيام بنهضة إسلامية تمزق تلك الوحوش الضارية وتعمم انتشار العجل على وجه البسيطة مرة أخرى. فيتسابق الناس إلى الدخول في دين الله أفواجاً كما جرى من قبل ويخلص بنو الإنسان من همجية أمم تزعم أنها متمدنة راقية همجية لو دامت لقضت على العالم البشري بالهلاك والتلاشي ومهما يكن من المؤمنين من ضعف وفي أعدائهم من قوة فلا بد أن يرجع الإسلام إلى عزه ويحفظ كيان أمته بحول الله تعالى وقوته. ثم أن سعداً بعد أن عبى جيشه بعث في المقدمة زهرة بن عبد الله التميمي فانتهى إلى العذيب وجعل على الميمنة عبد الله بن المعتمر وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط وخالد بن عرفطة خليفة له وسواد بن مالك التميمي على الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة ثم سار سعد على التعبية وكان الفرس قد بعثوا قابوس بن قابوس بن المنذر إلى القادسية يستنفر العرب فسار إليه المهنى بن حارثة الشيباني بجيشه وذلك بعد وفاة أخيه المثنى فبيته واستولى على قابوس ومن معه ثم رجع المهنى إلى ذي قار وجاء إلى سعد بالخبر فوافاه بسياف فأعلمه بوصية أخيه المثنى إليه أن لا يدخلوا بلاد فارس بل يقابلونهم

على حدود أرضهم وقدم على سعد كتاب من سيدنا عمر بمثل رأي المثنى. فأقام سعد بالقادسية شهراً يشن الغارات على تلك البلاد فأرسل يزدجرد ملك الفرس إلى رستم وأمره أن يسير إلى قتال المسلمين فخرج رستم بجيشه وكتب سعد بذلك إلى سيدنا عمر فكتب عمر إليه لا يكربنك ما يأتيك عنهم واستعن بالله وتوكل عليه وابعث رجالاً من أهل الرأي والمناظرة يدعونه فإن الله جاعل ذلك وهناً لهم فأرسل سعد إليه نفراً من المؤمنين فتركوا رستم وقدموا على يزدجرد فاجتمعوا عنده والناس ينظرون إليهم وإلى خيولهم فقال يزدجرد لترجمانه سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولع ببلادنا أمن أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا. فقال النعمان بن مقرن لأصحابه إن شئتم تكلمت عنكم ومن شاء آثرته. فقالوا بل تكلم فالتف إلى يزدجرد وقال له إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فأجابه منا قوم وتباعد قوم ثم أمرنا أن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه حتى اجتمعنا وعرفنا جميعاً فضل ما جاء به ثم أمرنا بجهاد من يلينا من الأمم ودعائهم إلى الإنصاف والإسلام فإن أبيتم فادفعوا لنا الجزية فإن أبيتم فالمناجزة فقال يزدجر لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى وأقل عدداً وأسوء ذات بين منكم وقد كان أهل الضواحي يكفوننا أمركم فلا تطمعوا أن تقوموا للفرس وإن كان بكم جهد أعطيناكم قوتاً وكسوناكم وجعلنا عليكم ملكاً يرفق بكم فقام ابن زرارة فقال أيها الملك أما ما ذكرت من سوء الحال فقد كانت على ما وصفت وأشد ثم ذكر ما كان عليه العرب من سوء العيش حتى رحمهم الله بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم ففازوا باتباعه وسعدوا به. وأما أنت أيها الملك فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر أو اسلم لتنجو من ذلك وإلا فالسيف بأيدينا فغضب يزدجرد من كلامه وقال ارجعوا إلى صاحبكم وأخبروه إني مرسل إليه رستم حتى يدفنه ويدفنكم معه في خندق القادسية فلم يعبئوا لكلامه ورجعوا إلى سعد فقال يزدجرد لرستم ما كنت أرى أن في العرب مثل هؤلاء. وخرج رستم من عند الملك كئيباً حزيناً وبعث بجلاً في أثرهم ليرجعوا إليه وقال إن أدركتهم تلافينا أرضنا وإلا فقد سلبكم الله أرضكم فسار ذلك الرجل في أثرهم حتى وصل إلى الحيرة فلم يدركهم ورجع إلى رستم فقال له لقد ذهب القوم بأرضكم.

وبعد مسيرالوفد على يزدجرد كما تقدم أغار سواد بن مالك التميمي على تلك الناحية فاستاق ثلاثمائة دابة وحمل عليها السمك فصبح بها العسكر فقسم سعد بينهم وسموا ذلك اليوم يوم الحيتان وواصلوا السرايا والبعوث وسار رستم إلى ساباط في ستين ألفاً وأرسل أمامه الجالينوس في أربعين ألفاً أخرى وجعله مقدمة له وساقته عشرون ألفاً وجعل في ميمنة الجيش الهرمزان وفي الميسرة مهران بن بهران وحمل ثلاثة وثلاثون ألفاً. ولما فصل رسام عن ساباط كتب إى أخيه البنذوان أما بعد فأصلحوا حصونكم وأعدوا ما استطعتم فكأنك بالعرب قد قارعوكم عن أرضكم وأبنائكم وقد كان من رأي مدافعتهم ومطاولتهم لأني لا أراهم إلا سيظهرون علينا ويستولون على ما بأيدينا. ثم سار رستم حتى نزل كوثى فأتى برجل من العرب فقال له رستم ما جاء بكم وما تطلبون فقال نطلب وعد الله بأرضكم وأبنائكم إن لم يسلموا قال رستم فإن قتلتم دون ذلك قال من قتل دخل الجنة ومن بقي أنجزه الله وعده قال رستم فنحن إذاً وضعنا في أيديكم فقال أعمالكم وضعتكم واسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فلست تحاول الناس إنما تحاول القضاء والقدر فغضب رستم وأمر به فضربت عنقه. إن قول هذا العربي لرستم (أعمالكم وضعتكم وأسلمكم الله بها الخ) جدير بأن يعتبر به المؤمنون في هذا العصر حيث فشت بينهم المنكرات وعمت الموبقات وشرب الخمر وظهر الربا وانتشرت أنواع المحرمات انتشاراً أودى بالمؤمنين إلى هذه الرزايا والبلايا وألقى بهم في هذه الأخطار التي أحاطت بهم كإحاطة السوار بالمعصم قال تعالى: (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصابتكم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم). ثم بعد أن قتل رستم ذلك الرجل العربي سار فنزل البرس وفشا في عسكره المنكر وغصبوا الرعايا أموالهم وأبناءهم حتى نادى رستم منهم بالويل وقال صدق والله العربي. ثم سار رستم حتى نزل الحيرة ودعا أهلها فغررهم وهم بهم فقال له ابن بقيلة إذا كنت عاجزاً عن نصرتنا فلا تجمع علينا وتلومنا على الدفع عن أنفسنا. وأرسل سعد رضي الله عنه السرايا إلى السواد وسمع بهم رستم فبعث الفرس لاعتراضهم وبلغ ذلك سعداً فأمد السرايا بعاصم بن عمر فجاءهم وخيل فارس قد أحاطت بهم فلما رأى الفرس عاصماً هربوا منهزمين. وجاء عاصم بالغنائم ثم أرسل سعد رضي الله عنه عمرو

بن معديكرب وطليحة الأسدي طليعة فلما ساروا أكثر من فرسخ رأوا عاصماً قد وافى بالغنائم فرجع عمرو ومضى طليحة حتى وصل عسكر رستم فبيتهم ليلاً واقتاد بعض الخيل وخرج يعدو به فرسه فركب الفرس في طلبه إلى أن أصبح وهم في أثره فرجع عليهم فقتل اثنين وأسر الثالث وشارف عسكر المسلمين فخاف الفرس ورجعوا عنه ثم سار رستم فنزل القادسية وذلك بعد خروجه من المدائن بستة اشهر وكان يطاول ويحاول خوفاً منهم ويزدجرد يستحثه في الخروج عليهم. يتبع

قصيدة أخلاقية

قصيدة أخلاقية أتحفنا حضرة العالم الأديب السيد عبد القادر المبارك الجزائري بهذه القصيدة الفريدة الأخلاقية من نظم شيخ أدباء عصره أبي عبد الله محمد بن أحمد الحنفي الأربلي المخزومي من شعراء القرن السادس شارحاً ألفاظها اللغوية ومعنوناً لعناوينها فنشكره على تحفته هذه أمد الحياة قصير كل حي إلى الممات مآبه ... ومدى عمره سريع ذهابه معه سائق له وشهيد ... وعلى الحرص ويحه أكبابه يخرب الدار وهي دار بقاءٍ ... وهو يبني ما عن قريب خرابه خلقك من تراب عجباً وهو في التراب عريق ... كيف يلهيه طيبه وملابه كل يوم يزداد نقصاً وإن ... حلت أوصاله أوصابه والورى في مراحل الدهر ركب ... دائم السير ليس يرجى إيابه إن خير الزاد التقوى فتزود إن التقى خير زادٍ ... ونصيب اللبيب منه لبابه وأخو العقل من تقضي بصدق ... شيبه في صلاحه وشبابه وأخو الجهل يستلذ هو النف ... س فيغدو لديه كالشهد صابه من انقاد للشهوة والهوى ضل كم أضلت منى عقولاً وكم أو ... جب نقصاً لفاضل إعجابه وأحال الهوى حقائق حتى ... صار عذاباً لذي الغرام عذابه نحن في دار العبر أجل الفكر في الزمكان اختباراً ... واعتباراً فالكون جم عجابه سر القضاء والقدر بحر لا ساحل له وتحام الأقدار نطقاً وفكراً ... فهي في شاهق تشق عقابه وإذا ما الجهول أغرق فيها ... أغرقته بالسيل منها شعابه الرأي بعد التروي

رب أمر يريب ذا العقل صعب ... بالتروي فيه يزول ارتيابه لا تكن حاكماً بأول رأي ... فكثير بين الأمور التشابه رب كأس من الجمال كا يؤ ... ثر عار من الجميل أهابه وعزيز ممنع ضيم حتى ... أصبحت كالوهاد ذلاً هضابه ودنيء علا به الجد حتى ... أوطئت هامة الثريا ركابه رب ساع لقاعد وكم من أمر خالف مقتضى العقل القاصر وجرى على وفق القضاء والقدر وسعيد يحظى بكسب سواه ... وشقي لغيره إكسابه وغني صلاحه في غناه ... وفقير إعطاؤه إعطابه وجواد بماله نال ذكراً ... كان ذاك الذكر الجميل ثوابه وكريم مقتر الرزق من ك ... ف لئيم أمواله أربابه وعدو يفيدك القرب منه ... وصديق عين الصواب اجتنابه وملول لحاضر متمنٍ ... لخيال من غائب ينتابه لا يغرنك قرب خل ولا يؤ ... نسك من خلة العدو جنابه فلكم مصحب عراه حران ... وحرون أنى له أصحابه وجهول مع الرضى وحليم ... ليس يثني إغضاءه إغضابه ومقيم في السوق غير حريص ... وإمام سوق له محرابه ومحل ثوى به غير باني ... هـ وعلم أضاعه أربابه وعريق في الجهل مستحسن الح ... ن وحبر مستهجن إعرابه موجز القول من أخي الفقر مملو ... ل وذو الجد موثر إسهابه لا تحجب بالثوب عن لابسه لا تضع قدر ذي النباهة إن قد ... ر إعساره ورثت ثيابه وتأمل فالبدر لا نقص يعرو ... هـ إذا كان بالسحاب احتجابه زين ذي الفضل فضله وهو عار ... وأخو النقص زينه أثوابه لا يعادي الكريم إلا اللئيم

ومعاداة كل حر كريم ... ديدن الأخرق اللئيم ودابه شبه الشيء منجذب إليه وإذا صادف الوضيع وضيعاً ... ليس يلقى إلا إليه انصبابه ليس بدعا فوز الأراذل بالما ... ل وفوت الغني الكريم نصابه وبعيد من التوسع في الرز ... ق أديب من رزقه آدابه كن قنوعاً بما تيسر فالطا ... مع عبد ما تنقضي آرابه وغنياً مهما غدوت فقيراً ... بإله طاعاته أبوابه وإذا كان خوفه لك دأبا ... لم تجد في الوجود شيئاتها به إن رزقاً جميعه لك مكتو ... ب من الحمق بالسفاه طلابه ولقد يرزق المقيم ويكدى ... من سعى دهره وطال اغترابه ولكم قارف الدنيئة مثرٍ ... ووقى عرض مملق إجدابه إن أمراً لم يمضه القدر الما ... ضي لتغدو عوائقاً أسبابه طول الحياة يتم آخر إن طول الحياة داء ما نف ... ع حياة لمن قضت أترابه وإذا المرء طال عمراً أذاقت ... هـ المنايا بموتها أصحابه وانتهى نقصه وعشش بازي الشي ... ب في رأسه وطار غرابه وقصاراه أن يكون سليباً ... لذويه مقسومة أسلابه وإذا كان آخر الأمر هذا ... فلماذا على الحياة اكتئابه أيها السائر المقيم على حر ... ص مقيم لا تستقل ركابه إن حبل الآمال والحرص كالأع ... مار طولاً فبالفناء انقضابه يا لغاوٍ قد أوبق النفس لم يك ... ثر عليها عويله وانتحابه آمناً موقف الحساب ولا أح ... سابه جنة ولا أنسابه ومليك أمد في العمر والرز ... ق ومدت من ملكه أطنابه يوسع الخطو في الخطايا وإن ضا ... ق عليه ضاقت عليه رحابه

بشرى للعثمانيين

بشرى للعثمانيين اعتناء الحكومة باللغة العربية اللغة العربية الشريفة يجب على كل مسلم مهما كان جنسه ومذهبه ولغته ومشربه أن يعطيها حقها من الاعتناء وقسطها من الاعتبار. لأنها لغة القرآن الكريم الذي هو أساس الشريعة الإسلامية الغراء. ومنبع الفضائل السامية والأخلاق الكاملة كيف يكون حال المسلم الذي يجهل لغة القانون الإلهي الذي أنوله الله للمسلمين ليتعبدوا بتلاوته وأحكامه ولغة الأحاديث النبوية التي توضح ما أشكل من معاني الكتاب وتبين ما أبهم من إشاراته وتفصل ما أجمل من أوامره وتحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال. هذه اللغة الكريمة أقدم اللغات الحية الغنية بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها لغة القرآن لغة الدين الإسلامي لغة العلم أصبحت اليوم والعارفون بها أقل من القليل ولذلك ترى المسلمين متناكرين غير متعارفين متخاذلين غير متعاضدين لأن للإسلام جامعتين عظيمتين عليهما ترتكز قواعده ومنهما يستمد رواءه وقوته جامعة الخلافة وجامعة اللغة العربية وبالثانية يكون التعارف والتآلف للانضمام إلى لواء الأولى أدام الله تأييده. المسلمون في حاجة تامة لتعميم اللغة العربية فيما بينهم لأن بتعميمها تعميم مبادئ الدين القويمة التي تحض على الاتفاق والائتلاف وتحث على التعاضد والتعاون وتجعل المسلمين جميعاً من ترك وعرب وكرد وغير ذلك يداً واحدة على من ناوأهم ملتفين حول عرش الخلافة العظمى والإمامة الكبرى. إذا تعممت اللغة العربية بين المسلمين تجلت لهم تلك المدنية الزاهرة التي بلغت بالمسلمين في أبان مجدهم منزلة تحسدهم عليها الأفلاك وتطأطأ لها جباه الجبابرة. لا يتسنى للمسلمين أن يجعلوا وجهتهم الجامعة الدينية العظيمة إلا باتباعهم أوامر الدين الذي يحض على الاتحاد والوفاق وعدم الالتفات إلى الاختلاف بالجنس واللغة ولا تمكن معرفة هذه الأوامر إلا بشيوع اللغة العربية بين جميع المسلمين ولا شك أن ملوك الإسلام مطالبون بالاعتناء بهذه اللغة الكريمة وحث رعاياهم على تعلمها وتعليمها للأسباب المار ذكرها. والدولة العلية العثمانية مكلفة بهذا الواجب أكثر من غيرها لأنها دولة الخلافة الإسلامية التي يتعلق بأهدابها مسلمو العالم في جميع الأقطار وهم يدينون بالقرآن الكريم

المنزل بلسان عربي مبين. وهذا الوجه وحده كاف لأن يكون لهذه اللغة عند الحكومة العثمانية المنزلة السامية على أنه لو لم تكن هذه الدولة دولة الخلافة الإسلامية لكانت السياسة تقضي عليها بالاعتناء بالعربية لأنها لغة أكثر رعاياها المخلصين في عثمانيتهم وقد مضى على الدولة العلية العثمانية أمد ليس بقليل كانت فيه تغضي عن إنالة هذه اللغة قسطها من الحظوة لديها وتلهوا عن إجابة نداء أبناء الأمة العربية الذين يودون أن يكون للغتهم شأن عند الحكومة يليق بما انطوت عليه من اشتات الفضائل وقد دأب أبناء العرب على مطالبة الحكومة بجعل اللغة العربي رسمية للحكومة وشاءت السياسة عدم إجابة هذا الطلب بما يستحقه من السرعة ومن حجج المانعين أن القانون الأساسي يقضي بأن تكون اللغة الرسمية للحكومة هي التركية مع أنه حور كثير من مواد القانون لمسيس الحاجة لتحويره وهو ليس بذي أهمية بالنظر لمسألتنا الحاضرة وماذا يمنع من أن يكون للحكومة لغتان رسميتان ترجح حكومات الولايات استعمال إحداهما بحسب حالة الأهالي واستعدادهم وكم جر عدم إجابة هذا الطلب على الحكومة والشعب من المصائب والرزايا واتسعت بينهما مسافة الخلف وسوء التفاهم فترى الشعب العربي وعقلاء الأتراك ومفكريهم ناقمين على الحكومة عدم إصغائها لهذا الأمر الديني الاجتماعي الذي يتوقف عليه نجاح هذه الدولة والتآلف بين شعبيها الكريمين اللذين يمثلان أكثريتها المطلقة الترك والعرب. ومن جهة أخرى كان بعض رجال الحكومة وذوي الشأن فيها يرمون الشعب العربي بقوارص الكلام كالمروق من الوطنية وعدم محبة العثمانية وإرادة الخروج عليها (معاذ الله) إلى غير ذلك وحجتهم في ذلك ما يشاهد من بعض متطرفي الكتاب من استعمال اللهجة العنصرية الشديدة في هذا الطلب والتهور في التنديد بالحكومة مما ينشأ عنه تفريق الأمة وجعلها شيعاً وأحزاباً والخروج عن جادة الآداب المرعية في المخاطبة بين الحاكم والمحكوم. خشي كثير من عقلاء الطرفين مغبة سوء التفاهم وكاد يفضي الأمر إلى ما لا تحمد عقباه لولا أن ألهم الله رجال الحكومة الحاضرة أن تقدم مصلحة الحكومة والأمة على العنصرية فصدرت البشرى بصدور الإرادة السنية بجعل اللغة العربية رسمية للحكومة ولغة التدريس

والقضاء في البلاد العربية. سر بهذا النبأ كل غيور على مصلحة هذه الأمة العثمانية محب لرقيها عالم بما جر على الأمة والبلاد من الأجن والمحن إثارة الخلاف باسم العنصرية. وجهل الحكام بلغة المحكومين وما تسبب عن الثاني من فقد الأنفس وضياع الأموال وهذه من الخطوات السريعة الخطيرة في تقدم هذه المملكة وتدرجها في مدارج الحضارة والعمران إن شاء الله. لم يمض على صدور هذه الإرادة بضعة أيام حتى شوهد استعمال العربية في دوائر العدلية وبات الناس يتوقعون خيراً كثيراً وأمن المتخاصمون من التلاعب بإفاداتهم وتقاريرهم وكثيراً ما ضاعت حقوق بسبب جهل الحكام بلغة المحكومين وجهل المترجمين أو تعمدهم التحريف. فنشكر للحكومة تلبية نداء العرب المخلصين لعرش الخلافة ونرجو أن تكون هذه البشرى مقدمة لأعمال كثيرة من نوعها يحصل بها الائتلاف التام بين الشعب والحكومة حتى يكف المشاغبون عن غلوائهم وسوء ظنهم بالحكومة ورغبتها بالإصلاح فإن اطمئنان الشعب من حسن نية الحكومة وتعلق قلوب الأمة بها خير ما يساعدها على نهوضها من كبوتها وسيرها في مضمار الترقي والفلاح.

الزنا وأنصاره

الزنا وأنصاره سبق لنا أن قدمنا للحكومة النصائح المتعددة وبينا الفوئد التي نجمت عن إبطال محل المومسات (المرقص) وطلبنا إليها أن تحسم هذا الأمر حسماً باتاً باستابتهن أو نفيهن ولكن كل هذه النصائح لم تؤثر التأثير المطلوبة فإنا لا وزال نسمع أن الحكومة تفكر في إيجاد محل لهن وذلك بإيعاز بعض المفسدين المتفرنجين الذي يصدق عليهم قول الله سبحانه (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) وشبهتهم في ذلك أن إبطال المرقص قد أضر بالحرائر من وجهين الأول اختلاط المومسات بينهن وما ينشأ عنهن من إفساد أخلاقهن والثاني تحرش الزناة بالحرائر فإنهم لما لم يجدوا محلاً يذهبون إليه يأتوا إلى الحرائر فيراودوهن عن أنفسهن وقلنا أن كلا الوجهين خطأ ظاهر وليس إلا من الوهم ووساوس الشيطان. أما اختلاطهن بالحرائر فليس له محل إلا الأسواق ومن كان يمنع المومسات عن النزول إلى الأسواق والاختلاط بالحرائر من قبل؟ بل كان الاختلاط أكثر لأن المومسات كن أضعاف ما عليه الآن لأن أكثرهن قد سافرن لعدم رواج فحشهن بسبب عدم وجود المحل فكن ينزلن إلى الأسواق ويغازلن الرجال وإذا سنحت لهن الفرصة بالاجتماع بالحرائر سهلن لهن سبيل الخروج على ازواجهن وتواعدن على الاجتماع في محلهن المرقص. أما الآن فليس محل يتواعدن للقاء فيه. أما تحرش الزناة بالحرائر فإن الزاني إذا كان له محل خاص يقدر أن يؤوي فيه الزانية فلا يؤثر فيه وجود المرقص أو عدمه فهو يتعرض لمن يقدر على استمالتها إليه فهذا يجب علينا أن نطالب الحكومة بتعقيبه لأن القانون يمنع مثل هذا العمل. وإن كان الزاني لا محل له فلا يراود امرأة عن نفسها سواء أكانت حرة أو زانية لأن عدم المحل له تأثير كبير في تقليل الزنا فترى الرجل الفاجر يضيق ذرعاً ويتمزق غيظاً حينما يشاهد الزانية تطاوعه على قضاء شهوته ولا يجدان محلاً يلجآن إليه فلا هو يقدر أن يدخلها بيته لأن عائلته وجيرانه يقيمون النكير عليه وليس لها بيت تأخذه إليه للسبب نفسه فلا يلبثان أن يتفارقا وقد كاد أن ينقطع أملهما من العودة إلى مثل هذا العمل فظهر مما تقدم أن هذه الشبه لا يصح التمسك بها بل هي حجة عليهم لا لهم. بقي الذين تربوا على الزنا وفشت فيهم هذه الفاحشة وقد منعوا منها بسبب إبطال المرقص فيظهر أن هؤلاء هم الذين يعجزون الحكومة ويطالبونها بإرجاعه ويصورون لها ضرر

إبطاله بما توحيه إليهم شياطينهم فالواجب على الحكومة أن تبعدهم وتقصيهم وأن تسمع لأهل الدين والعرض وتعمل بآرائهم في مثل هذه المسائل. الم يكفنا ما حل بنا من البلايا وما انتابنا من الرزايا؟ ألم يردعنا ما نشاهده من انكسارنا واستيلاء العدو على بلادنا؟ أم يأن لنا أن تخشع قلوبنا ونرجع إلى ديننا؟ أما حان للحكومة أن تنبذ هؤلاء المتفرنجين فإنهم سبب الضعف وجرثومة الفساد وهم يقومون بمثل هذه المسائل لينفروا الرعية من الحكومة ويجعلونها حانقة عليه أما آن لها أن تعلم نواياهم وأميالهم فإنهم والله ينصبون لها المكائد ويتربصون بها الدوائر ألم تعلم أنه لا نصير لها إلا أهل الدين وأنه لا اعتماد لها في المستقبل إلا عليهم. فإنهم هم الذين يقدرون الخلافة الإسلامية حق قدرها وهم الذين ينصرونها ويشدون إزرها. أليست الخلافة إسلامية؟ أليس الدين الإسلامي هو دين الحكومة الرسمي؟ فبأي حجة يطلب هؤلاء المتفرنجون فتح محلات للزنا في هذه البلاد الإسلامية أما يجب على الحكومة أن تلاحظ عواطف أهل الدين والعرض وأميالهم وهم القوم الأكثر في دمشق؟ إذا كان لم يبق (لا قدر الله) للدين سلطة على القلوب فلينظروا إلى الإنكليز فإنهم ليس عندهم محال عمومية للمومسات كما ذكرنا ذلك في المجلد الأول ص 432 من هذه المجلة فليراجع. هذا وقد بلغنا أن أطباء العسكرية قدموا تقريراً لمجلس الإدارة بلزوم إرجاع المرقص قائلين أن الجند (العسكر) يتضررون من عدم قضاء شهواتهم إلى غير ذلك من الأوهام التي يتمسك بها الأطباء ويعدونها حججاً. فنقول لهؤلاء إذا كان الجند يتضررون على زعمكم من عدم قضاء شهواتهم فلم لا تحملون معكم إلى ساحة الحرب الزانيات وكيف يعيش الجيش الإنكليزي الذي لا محل للمومسات عنده من غير أن يلحقه هذا الضرر الذي تتخرصون به. نعم سمعنا من بعض أطباء الخستخانة في دمشق أن الداء الإفرنجي الذي كان فاشياً بين الجنود قد قل قلة تذكر بسبب إبطال المرقص. فنلفت أنظار مجلس الإدارة إلى هذا الأمر فإن رجاله هم وحدهم المسؤولون عنه فهل تقبل ذمتهم ودينهم أن يتحملوا تبعة هذا الأمر فإن الله معاقبهم على كل زنية تفعل في هذا المحل الذي يراد إنشاؤه كأنهم هم الفاعلون قال صلى الله عليه وسلم من حديث أخرجه مسلم من

سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. هذا ما أردنا بيانه قياماً بواجب التذكير والخير أردنا ولكل امريء ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أين منقلب ينقلبون.

سلسلة حكم الخلفاء

سلسلة حكم الخلفاء الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنه (أبو بكر رضي الله عنه) إنكم في مهل رائه أجل فبادروا في مهل آجالكم قبل أن تقطع آمالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم صنائع المعروف تقي مصارع السوء الموت أهون مما بعده وأشد مما قبله ليست مع العزاء مصيبة ولا مع الجزع فائدة ثلاث من كن فيه كن عليه البغي والنكث والمكر. إن الله قرن وعده بوعيده ليكون العبد راغباً وراهباً إن أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور. وخطب رضي الله فقال إن أشقى الناس في الدنيا والآخرة الملوك فرفع الناس رؤوسهم فقال ما لكم يا معشر الناس إنكم لطائعون عجلون إن الملك إذا زهده الله تعالى فيما بين يديه ورغبه فيما في يد غيره وانتقصه شطر أجله وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويتسخط الكثير ويسأم الرجاء وتنقطع عنه لذة البهاء ولا يستعمل العبرة ولا يسكن إلى الثقة وهو كالدرهم القسي والسراب الخادع جذل الظاهر حزين الباطن فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحى ظله حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه. (عمر رضي الله عنه) كتب لمعاوية إياك والاحتجاب دون الناس واذن للضعيف حتى ينبسط لسانه ويجرئ قلبه وتعهد الغريب فإنه إذا طال حبسه وضاق أدنه ترك حقه وضعف قلبه إذا فاتك خير فأدركه وإذا فاتك شر فاسبقه: إن عليك من الله عيوناً تراك احرص على الموت توهب لك الحياة أطوع الناس لله اشدهم بغضاً لمعصيته كثير القول ينسى بعضه بعضاً وإنما لك ما وعي عنك. حق لميزان يوضع الحق فيه أن يكون ثقيلاً وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفاً. أصلح نفسك يلصح لك الناس. وكان يقول ليت شعري متى أشفى من غيظي أحين أقدر فيقال لو عفوت أحين أعجل فيقال لو صبرت. اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه. لا تظن بكلمة تخرج من مسلم شراً إذا أنت تجد لها في الخير محلا. من كتم سره كانت الخيرة بيده. من عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن. لا تتهاونوا بالحلف فيلهككم الله. استشر في أمرك الذين يخشون الله واحذر صديقك الأمين ولا أمين إلا من خشي الله. تفقهوا قبل أن تسودوا. كل عمل كرهت من أجله الموت

فاتركه ثم لا يضرك متى مت. وكتب لابنه عبد الله أما بعد فإنه من اتقى الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن أقرضه جزاء فاجعل التقوى عماد قلبك وجلاء بصرك فإنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لاحسنة له ولا جديد لمن لا خلق له، من أظهر للناس خشوعاً فوق ما في ققلبه فإنه أظهر نفاقاً. لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت على أيهما ركبت. وخطب بعد أن استفتح فقال أيها الناس إنه والله ما فيكم أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه. وخطب فقال أيها الناس ما الجزع مما لا بد منه وما الطمع فيما لا يرجى وما الحيلة فيما سيزول وإنما الشيء من أصله وقد مضت قبل الأصول ونحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله إنما الناس في هذه الدنيا تنتقل المنايا فيهم وهم نصب المصائب في كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصة لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى ولا يستقبل معمر من عمره يوماً غلا بهدم آخر من أجله فإنهم أعوان الحتوف على أنفسهم فأين المهرب مما هو كائن وإنما يتقلب الهارب من قدرة الطالب فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الفائدة غداً وأكثر خيبة الخائب جعلنا وإياكم من المتقين تعلموا النسب ولا تكونوا كنبط السواد إذا س ل أحدكم عن أصله قال من قرية كذا. ثلاث يثني لك الود في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه. كفى بالمرء غياً ن تكون فيه خلة من ثلاث أن يعيب شيئاً ثم يأتي مثله أو يبدو له من أخيه ما يخفى عليه من نفسه أو يؤذي جليسه فيما لا يعنيه. وخطب الناس فقال: والذي بعث محمداً بالحق لو أن جملاً هلك ضياعاً بشط الفرات خشيت أن يسأل عنه آل الخطاب. وكتب إلى أبي موسى أنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم فأكرم من قبلك من وجوه الناس وبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف في الحكم وفي القسم. وكان إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول إني لم أستعملكم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أشعارهم ولا على أبشارهم وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة وتقضوا بينهم بالحق وتقسموا بينهم بالعدل. أشقى الولاة من شقيت به رعيته: أعقل الناس أعذرهم للناس: لا تؤخر عمل يومك لغدك. أكثروا من العيال فإنكم لا تدرون بما ترزقون: من لم يعرف الشر كان جديراً أن يقع فيه:

احتفظ من النعم احتفاظك من المعصية فوالله لهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك: ليس لأحد عذر في تعمد ضلالة حسبها هدى ولا ترك حق حسبه ضلالة: الدنيا أجل محتوم وأمل منتقص وبلاغ إلى دار غيرها وسير إلى الموت فرحم الله امرء فكر في أمره ونصح نفسه وراقب ربه واستقال ذنبه من يأس في شيء استغنى عنه. (عثمان رضي الله عنه) خطب يوم بويع له بالخلافة فقال: أيها الناس اتقوا الله فإن الدنيا كما أخبر الله عنها لهو ولعب وزينة وتفاخر الآية فخير العباد فيها نمن عصم واعتصم بكتاب الله وقد وكلت من أموركم عظيماً لا أرجو العون عليه إلا من الله ولا يوفق للخير إلا هو وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وقال في خطبة: ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة غلا من تركها. وخطب وهي آخر خطبة فقال: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعططموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله جل وعز فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزاباً (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا). إن لكل شيء آفة ولكل نعمة عاهة وإن آفة هذا الدين وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون طعام مثل النعام يتبعون أول ناعق: يكفيك من الحاسد أن يغتم وقت سرورك ونظر إلى قبر فبكى وقال هو أول منازل الآخرة وآخر نازل الدنيا فمن شدد عليه فما بعد أشد ومن هون عليه فما بعده أهون. لها بقية إبراهيم خليل مردم بك

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد السمعيات هذا هو القسم الثالث من مباحث علم التوحيد ونعني به المسائل التي لا يهتدى إلى معرفتها إلا من طريق السمع ولا يعتمد في اعتقادها إلا على الأدلة النقلية وإن كانت على وجه يستلزم محالاً في العقل كأحوال البرزخ وما يقع في اليوم الآخر من بعث وحشر ونعيم وعذاب وجنة ونار إلى غير ذلك مما نأتي على ذكر تفاصيله وشرح بيانه إن شاء الله تعالى. من المقرر أنه ليس في وسع العقل الإنساني وحده أن يستقل في معرفة كثير من الأمور مثل المعاد الجسماني وأكثر أحوال الآخرة وبعض صفات الله تعالى ووظائف العبادات كما يرى في أعداد الركعات وبعض الأعمال في الحج وتقرر الجزاء لكل نوع من الأعمال في الدار الآخرة إلى غير ذلك مما لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة وجه فائدته ولا يخفى أن درجات العقول متفاوتة يعلو بعضها بعضاً لا سيما إذا لاحظنا أن لكل قوم مشهورات مخصوصة بهم مسلمة عندهم بل تكون لديهم بمنزلة البديهيات والحال أن غيرهم لا يسلمونها بل يردونها وكذا إذا لاحظنا أن النفس مسخرة للوهم وله استيلاء عظيم عليها حتى أننا نرى أن أكثر الناس يكونون منهمكين في أوهام باطلة مدة عمرهم فتشتبه على العقل المشهورات والوهميات بالأوليات وكذا نرى بعض الناس يستحسنون استعمال المسكرات لاجتلابها للسرور ويشتبه عليهم وما يلحقها من المفاسد والشرور من زوال الصحة الجسمانية وجلب الفقر والعار المهين بين الناس فالتفويض في كل الأمور إلى العقل مظنة التنازع والتقاتل واختلاف النظام وتقويض دعائم العمران. لهذا كان العقل الإنساني محتاجاًُ إلى نبي يهديه إلى معرفة ما ينبغي أن يعرف من أحوال الآخرة ويرشده إلى ما لا يستقل بمعرفته من تحديد أحكام الأعمال ويكشف له عن وجوه الشياء التي لا يدرك حسنها وقبحها ويكون بذلك مبرهناً على أنه يتكلم عن ربه عز وجل والذي يعلم مصالح العباد على ما هي عليه والحياة الآخرة وما أعد فيها مما هو مناط سعادتهم وشقائهم. نعم لا بد من نبي يحدث عن الله تعالى بما خفي على العقول ويبين للناس ما لا بد لهم من

علمه من أحوال البرزخ والمعاد الجسماني معبراً عن ذلك بما تحتمله عقولهم ولا يبعد عن متناول إفهامهم وقد اشبعنا الكلام في مقالاتنا السابقة وبينا شدة حاجة البشر إلى الرسل بما لا يدع حاجة في النفس إلى المزيد. إذا تمهد هذا فنقول ثبتت نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالدلائل القاطعة والبرهين الناصعة وأنه صادق فيما يخبر عنه عن ربه فلا مرية في أنه يجب تصديق خبره والإيمان بما جاء به عليه الصلاة والسلام فمما أخبر به صلى الله عليه وسلم سؤال القبر وعذابه ونعيمه وقد وردت الأحاديث ناطقة بذلك ومصرحة بوقوعه وتعددت طرقها تعداداً أفاد به مجموعها التواتر المعنوي. أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا دفن الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له قبره سبعون زراعاً في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقاً قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يوزال فيها معذباً حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه الخ الحديث وقد ورد في ذلك جملة من الأخبار التي صحت أخرجها أصحاب السنن والمسانيد ما بين مطول ومختصثر في رواية غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم. ثم أن سؤال القبر عام لكل مؤمن وكافر كما عليه جمهور العلماء وهو أمر ممكن من مجوزات العقل وكل ما جوزه العقل يستدعي عادة الحياة إلى البدن لفهم الخطاب ورد الجواب وإدراك اللذة والألم وهو منتف بالمشاهدة لأنا نقول أن ذلك لا يستدعي إعادة الحياة إلى جزء من الأجزاء الذي به فهم الخطاب ورد الجواب ولا يدفع ذلك ما يشاهد من سكون أجزاء الميت وعدم سماعنا للسؤال له فإن هذا مجرد استبعاد خلاف المعتاد وهو لا ينافي

الإمكان فإن النائم ساكن بظاهره وهو مع ذلك يدرك بباطنه من الآلام واللذات ما يحس بتأثيره عند التنبه كألم ضرب رآه بعد استيقاظه وخروج مني من جماع رآه في منامه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع كلام جبريل ويشاهده والصحابة حوله والحال لا يسمعون كلاماً ولا يرون شخصاً فالإدراك والإسماع بخلق الله تعالى وإرادته قال عز وجل (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) أما عذاب القبر ونعيمه فقد ورد الشرع به قرآناً وسنة وأجمع عليه علماء الأمة قبل ظهور البدع واختلاف الأهواء قال تعالى في حق آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وقال جل وعلا: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). وأخرج البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال أنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله وأخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذه الأمة تبتلي في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله تعالى أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل بوجهه علينا فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر. وكذلك ورد في نعيم القبر جملة تؤيد ثبوته وتؤكد وقوعه منها ما أخرجه الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يفسح له في قبره ويرى مقعده في الجنة وأخرج الترمذي عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار إلى غير ذلك من الأحاديث الوافرة والأخبار الصحيحة. وكل ما ورد من عذاب القبر ونعيمه فهو محمول عند علماء الدين على الحقيقة لأنه أمر ممكن كما تقدم فيجب التصديق لبه ولا يمنع من التصديق به تفرق أجزاء الميت في بطون السباع وأجواف السمك وحواصل الطيور وأقاصي التخوم فإن المدرك لألم العذاب أجزاء مخصوصة فالقادر المنفرد بالإيجاد والإعدام لا يعسر عليه إعادة الإدراك إليها بعد تفرقها ومن سلم اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم برؤية الملك دون أصحابه الموجودين بحضرته وتعاقب الملائكة فينا وآمن بقوله تعالى في الشيطان (إنه يراكم هو وقبيله من

حيث لا ترونهم) وجب عليه التصديق بذلك كيف والإنسان النائم يدرك أحوالاً من السرور والنعيم من نفسه في حالة نومه حتى يعرق جبينه ونحن لا نشاهد ذلك منه مع وجودنا حوله والحاصل أن العبد بعد الموت لا يخلو في قبره من عذاب أليم أو نعيم مقيم وهذا الذي نعتقده وندين الله تعالى به ومن ارتاب ذلك فلضيق حوصلته وظلمة قلبه وجهله باتساع قدرة الله تعالى وتصرفه في خلقه على حسب ما يشاء سبحانه.

ذنوب المسلمين سبب انحطاطهم

ذنوب المسلمين سبب انحطاطهم ماذا دهى المسلمين فأوقعهم في المهالك وأذاقهم آلام الهوان؟ ماذا فاجأهم ففرق جمعهم، ومزق شملهم، وحل رباطهم وخالف بين كلمتهم؟ ماذا حل بهم فزلزل أركان عقائد كثير منهم وأدخل عليهم فيها الشكوك والأوهام؟ ماذا نزل بهم فبدل عظيم أخلاقهم بسيء الأخلاق وسلبهم جميل الأدب؟ ماذا طرأ عليهم فسلبهم أكثر بلادهم وهددهم بفقدهم الاستقلال؟ ماذا باكرهم فصرفهم عن العلوم التي شيد لها أسلافهم صروحاً عالية فأصبحت من بعدهم قاعاً صفصفاً ويباباً خالياً؟ مصاب عظيم لسنا ندري لمن نعزوه، وخطب جسيم لا نعرف بمن نلصقه أنلصقه بأولياء الأمور ومن بيدهم الحل والعقد لتركهم الجهاد والاستعداد الذين أوجبهما الدين وتهاونهم بنشر العلوم بين عامة المسلمين؟ أم بالأمة التي سلمت زمام أمرها لمن يعبث بمصالحها ولا يحسن القيام بشؤونها؟ أم بالطائفتين معاً بتركهم أوامر الدين وانغماسهم في محضوراته فكانت العاقبة أن انتقم الله جلت قدرته من الأمة حاكمها ومحكومها فهي أسباب خرابها ودمارها؟ ليس ببعيد أن يكون الأمر الأخير سبب هذا الانحطاط وزداعية هذا الهوان إذ من المقرر أن الأمة لا يحفظ كيانها وتستقيم شؤونها حتى يتولى قيادتها المصلحون ولا يتسنى لها ذلك حتى تكون بنفسها بعيدة عن الرذائل متحلية بكرائم الصفات سالكة منهج التقدم آخذة بأسباب الرقي (كما تكونوا يولى عليكم) حديث شريف أخرجه الديلمي في مسند الفردوس يا ويح المسلمين انغمس أكثرهم في الآثام واقترفوا كبائر الذنوب ونبذوا أوامر الله سبحانة وأحلوا شعائره واسترسلوا في التخاذل والتدابر والتحاسد والتشاحن وأسرفوا في العسف والظلم والجور والاستهانة بحقوق الأمثال وارتكبوا الموبقات من الزنا واللواطة وشرب الخمر وقذف المحصنات واستهانوا بالغيبة والنميمة والكذب والافتراء ولبسوا ثياب الكبر والعجب واستلانوا موطئهما ومالوا إلى السرف والبذخ واللهو والخلاعة وركنوا إلى الدنيا فانغمروا في شهواتها وراقتهم زخارفها وقعدوا عن أداء ملاا افترضه عليهم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وتركوا جهاد العدو والاستعداد له والرباط على حدوده وأغفلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين المسلمين وأهملوا تعلم العلوم الدينية والدنيوية وتعليمها وقصروا في بر الوالدين وصلة الرحم ومارعوا حق الجيران والأخوان وصرفوا النظر عن الدقة والمواساة والحلم والصفح وأغضوا عن العفة والاستقامة والزهد والورع فسلط عليهم من عبث بمصالحهم ولم يرع

حقوق الله سبحانه فيهم فسلبت منهم العلوم التي نشرت أعلامها في زمن اسلافهم على الخافقين ووهنت قواهم الحسية والمعنوية التي ذلك لها في الأعصر السالفة الملوك الجبابرة وحرموا العدل الذي هو روح التقدم والرقي وحيل بينهم وبين موارد الثروة التي لا بقاء للأمم إلا ببقائها وهي التجارة والزراعة والصناعة وخلى بينهم وبين أعدائهم يسومونهم الذل والخسف ويوسعونهم المهانة والعسف فأفسدوا عليهم دينهم وانتزعوا منهم أخلاقهم وآدابهم وقبضوا زمامهم ليقودهم إلى مجامع الفسق ومواطن الفجور وتداخلوا في عامة شؤونهم فسلبوهم أكثر بلادهم وكادوا يفقدونهم عزيز استقلالهم كل ذلك جره والله الاجتراء على حدود الله وانتهاك محارمه ومخالفة أوامر الله سبحانه وهتك شعائره قال تعالى في كتابه العزيز (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) وقال جل ذكر (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم) وقال عز من قائل: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) وقال عليه الصلاة والسلام من حديث رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (ولا نقضوا) أي ولا نقض قوم من الأقوام كما يدل عليه أول الحديث عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم فالتمسك التمسك بالدين قبل أن يتلاشى أمر المسلمين والتدارك التدارك قبل أن تعظم المصيبة ويستفحل الخطب تالله لئن لم ندع الكبائر التي اقترفناها ونؤد الواجبات التي أهملناها ليرميننا الله بخطوب يعود الحليم منها حيران أو ليعمنا بعقاب من عنده فالواجب على كل منا أن يحاسب نفسه فيدع المنكر ويوقوم بالواجب والواجب علينا جميعاً أن نسعى بتمام الجهد وغاية الوسع لإزالة المنكرات العامة فإن عجزنا عن إزالتها فلنرفع الأمر إلى أولياء الأمر ولنلح عليهم في ذلك ففي وسعهم إزالتها وما قامت إلا بتغاضيهم عنها. فإذا أحسنا القيام بهذا فلنستبشر بمستقبل زاهر ينير لنا ظلم المشاكل السياسية التي لا زلنا نخبط في دياجيها ويحفظ لنا كياننا وقد أوشكنا أن نفقده ويعيد لنا قوتنا التي علا كعبنا بها على جميع الأمم ويشرق في ربوعنا شمس المدنية الإسلامية بعلومها وفنونها ورونقها ونضارتها ومن الله التوفيق.

إلى متى هذه الثقة

إلى متى هذه الثقة عقدت هدنة بيننا وبين البلغار لعشرة أيام فأصبحنا لا نترقب حصول شيء من المصادمات قبل انقضائها. ثم قبلنا تفويض الأمر للدول العظمى في شرائط الصلح بلا قيد ولا تعليق. ولا نكتم القراء أن الرأي العام قد يجوز أن يكون دهش من قبولنا التفويض على هذه الصورة لكن آفتنا القلبية هي الثقة بما يقوله سفراء الدول الأجنبية وما تعدنا به شفوياً. ولقد يظهر أن بعض السفراء قد أعرب عن حسن نية الوسطاء وزين لرجالنا أن عدم التشدد وإظهار التسامح قد يمكن الدول من الضغط على حكومات البلقان وأن الدول المتوسطة لا تحيد قيد شعرة عما قررته في بدء الأمر من أنها لا تقر بإلزامنا بشيء من الغرامات الحربية ولا تقبل من حكومات البلقان كلاماً في شأنها. وبذلك اطمأنت نفوس رجالنا وأقدموا على تقرير قبول التفويض للدول دون شرط ولا قيد ولكن ماذا عملت الدول بعد ذلك؟ لقد رأيناها تخوض ثانية في أمر الغرامة الحربية وبعد التردد بين الإقدام والإحجام أعلن مجلس سفرائها أن البحث في مسألة الغرامة الحربية سيكون من مباحث المؤتمر المالي الذي سيعقد في باريس. ولقد أثارت هذه الحيلة غضب الكتاب هنا وأضرمت نيران غيظهم حتى لقد اعتبرت الجرائد الاتحادية تلك الحيلة نقضاً للعهد الذي أعطته إيانا الدول وخرقاً للاتفاق الشفوي والقرار الذي أصدره أول الأمر مجلس السفراء. ولكن هل المسؤول عن نتائج ذلك العمل المستحق اللوم هو الدول الأوروبية التي لا ترضى عنا ما دمنا مسلمين؟ لو أن هذا الحادث كان أول ما أتوه من ضروب الحيل ونقض الوعود لهونا على أنفسنا الأمر وقلنا لعله درس يفيدنا تذكره في المستقبل ولكنه حلقة من سلسلة حوادث لا يعلم إلا الله متى تكون آخر حلقة منها. إن غفلتنا عن تحصين طرابلس وحمايتها من الغارات الخارجية كانت نتيجة ثقتنا بما قاله أحد السفراء من أنه لا خوف على طرابلس من إيطاليا. وصرف جيوشنا عن أرباض ومعاقل ألبانيا ومقدونيا كان نتيجة تأكيد بعض السفراء في الأستانة وتأمينه إيانا أن لا خوف من أحد على تلك البقاع. وإسرافنا في التباطؤ عن مقاومة الأعداء وأخذ العدة الكافية للصدمة الأولى كانت نتيجة تلغرافات الدول الأوروبية للحكومات البلقانية الناطقة بأن

الحرب مهما كانت نتائجها فإنها لاتغير من الحالة التي عليها مقدونيا وألبانيا إذ ذاك (استاتوكو) حتى إذا استعد الأعداء وأهملنا وزحفوا وقعدنا واكتسحوا وانهزمنا رأينا كيف تنكر لنا أولئك الأصدقاء وسمعنا ذلك الصوت الذي كان ينادي بالأمس بوجوب الاحتفاظ بالشكل القائم في مقدونيا والبانيا قد تبدل فصار يصيح ليس من العدل حرمان الفاتح من ثمرات فتحه ولا من الحكمة بقاء مسيحي تحت حكم دولة إسلامية ولا من الرأي استمرار أمة آسيوية في أرض أوروبا. هذه عدة حلقات من سلسلة آفتنا (الثقة) التي أخسرتنا أكثر أملاكنا والتي ستودي بحياتنا فمتى نعتبر بالحوادث ونتعظ بالعظات؟؟ هذا ما لا يمكننا الإجابة عنه والأمر لله من قبل ومن بعد. (الحق يعلو)

شهيد الطوى وقتيل الكظة

شهيد الطوى وقتيل الكظة رحمة بالإنسانية ما بال عينك لا تذوق رقادا ... ولمن عيون ما عرفن سهادا نام الخلي وبات همك ساهراً ... قلقاً يذود النوم عنك ذيادا أذكى ضلوعاً واستشف حشاشة ... وأسال عينا واستطار فؤادا تمسي فتفترش الأذى لك مضجعا ... وتنص سارية الهموم وسادا جالدت نازلة النهار مهولة ... وحملت داهية الظلام نآدا عبأت لك الأيام بأس مناجز ... يردي الكماة ويصرع الأنجادا عرمت عليك فروعتك خطوبها ... زحفاً وهدت جانبيك جلادا ويح النفوس المستهان بوجدها ... أيخالها القوم الجمود جمادا ينأى بها الجد العثور وتدني ... فتزيد عنهم الدنو بعادا ضاقت بها سبل الحياة فما ترى ... للعيش منتجعاً ولا مرتادا تبكي وما علم الغني ولو رأى ... عبرات عينك لا نثني يتهادى ألوى الأسى بمعين دمعك فاستعر ... دمعاً يكون لمقلتيك عتادا هيهات نلفى من يعيرك ذخر ... للنائبات إذا طرقن شدادا قد كان لي دمع يعين على الأسى ... فاغتاله طول البكا أو كادا أفنيته في الصالحات فكان لي ... كدم الذي أفنى الحياة جهادا يبكي الحزين فيستهل ويشتكي ... فيغيثه متدفقاً جوادا لو كان قلبي في جوانح أوطف ... أربى جواه إذن عليه وزادا ولو أن أحزاني عصفن بشامخ ... لانهار من رجفاتهن ومادا تشكو الطوى وتبيت ليلك طاوياً ... غرثان تطلب عند جارك زادا ربيت مثلك شاكياًَ من كظة ... ما يستلين لها الحرير مهادا قلقت مضاجعه فبات كأنما ... يلقى بهن أسنة وصعادا ودنا الطبيب فجس من نبضاته ... وأجال فيه لحاظه وأعادا فلوت يديه يد المنية وانثنى ... يلقى النعاة ولا يرى العوادا

أكل الطوى كبد الفقير فهده ... ومن الطوى ما يأكل الأكبادا ومن الحياة مضرة ومن الردى ... ما ينفع الأرواح والأجسادا الموت أروح للنفوس عوانيا ... حسرى يطاردها الشقاء طرادا طاف الحمام به فطاح ببائس ... صحب النحوس وحالف الأنكادا حملا على نعشيهما فتزاحما ... فانسل ذا وارتد ذا يتفادى سبق الغني تموج حول سريره ... زمر تهول الحاسبين عدادا لفوه في الأكفان من استبرق ... غال وعالوا فوق الأبرادا وبكوا عليه مرجعين وسيروا ... من حوله الحكام والأجنادا قالوا فقدناه وكان ذخيرة ... وهوى الحمام به وكان عمادا كذبوا فما كشف الأذى يوماًُ ولا ... نفع العشيرة مرة وأفادا ملأ الحياة مآثماً حتى إذا ... لقي الردى ملأ الربوع حدادا فمتى أرى الزمان كياسة ... ومتى أرى غي النفوس رشادا ومتى تريع إلى المحجة أمة ... تضع الكرام وترفع الأوغادا ساروا بأعواد (الشهيد) فبوركوا ... من سائرين وبوركت أعوادا ساورا به لم يفزعوا بنعيه ... أحداً ولا ضربوا له ميعادا طابت بموكبه المعظم نفسه ... وزكا الثرى إذ حل فيه وجادا وتفتحت خضر الجنان بقبره ... فأصاب منها ما اشتهى وارادا قذف الغني إلى الجحيم فأبرقت ... لما رأته وأرعدت غرعادا ماجت فأشبهت البحار طواميا ... وعلت فراحت تشبه الأطوادا تتلاطم الأهوال في حافاتها ... وتتابع الأرغاء والإزبادا فترى عيون الظالمين شواخصاً ... وترى قلوب الجاحدين بدادا مكروهة الألوان تسطع حمرةً ... آناً وأونة تموج سوادا جاءت ملائكة العذاب فأنشبت ... في جسمه الأغلال والأصفادا يلقى العذاب قريته أنى ثوى ... ويعالج الإعدام والإيجادا عكفت عليه فذاق من أنكالها ... ما شق محمله عليه وآدا

ما بين أغوال تدافع فوقه ... أو جنة من حولة تتعادى المرء أجهل كائن وأشده ... ظلماً وأكثره أذى وفسادا نظر اليقين فما أراد تيقناً ... ورأى السبيل فزاغ عنه وحادا لم يدر قيمة نفسه فأهانها ... بذنوبه وأذلها استعبادا شمخ الغني تصلفاً وغلاظة ... وطغى القوي تجبراً وعنادا قست القلوب فما يرى ذو فاقة ... عطفاً ولا يجد الضعيف مصادا قوم يعدون الرشاد عماية ... والدين كفراً والتقى إلحادا جنبوا النفوس إلى الهوى واسترسلوا ... فيه فطال هويها وتمادى صم إذا بلغ الطوى من مقتر ... فدعا يناجي الراحمين ونادى أخذوا الحياة عداوة وقطيعة ... وأرى الحياة محبة وودادا يشكون بادرة الحقود وما دورا ... أن الإساءة تنبت الأحقادا قسموا الحياة فأرهقوه ببؤسها ... واستأثروا بنعيمها استبدادا تستن في سبل الشقاء نفوسنا ... وسبيلها أن تنشد الإسعادا تبقى السعادة ما بقينا أخوة ... وتزول إن زال الإخاء وبادا ما بالنا تلوي الوجوه إذا دعا ... داعي الإخاء وم لنا نتعادى أودى التناكر بالشعوب وإنما ... خلق الجميع لآدم أولادا الخير أطيب ما صنعت مغبة ... والشر أخبث ما زرعت حصادا أسدد بفضل المال خلة معوز ... يرجو لها بندى يديك سدادا المال ينفذ والثواب لذى تقى ... باقٍ فما يخشى عليه نفادا والبر أنفع ما تعد وتقتني ... نفس تراوح بالردى وتغادى طوبى لمن نظر المحجة فاقتفى ... ورأى السبيل معبداً فانقادا النفس تصدأ والفضائل صيقل ... يأوي القلوب ويسكن الأخلادا يأتي وقد صدئت وغاض فرندها ... فيعيدها بيض المتون حدادا إني أرى هذي النفوس قواضباً ... جعلت لها أجسادنا أغمادا من مبلغ القوم الجفاة وصية ... أخذ اللبيب بها فغر وسادا

أوفوا بعهد الله في أموالكم ... إن جاءكم بعياله قصادا أدوا مطالبهم ديوناً تقتضي ... لا أنعماً تسدى ولا إرفادا لولا الأناة ورحمة من ربكم ... لم يمض جاهلكم على ما اعتادا ولما استبد بمالكم شح ولا ... كنتم له من دونه عبادا داووا كلوم البائسين بمالكم ... وكفى بمنزور العطاء ضمادا من لي بمن أن يدعه داعي الهدى ... لبى وإن سئل المعونة جادا ومتى أهز لبذل عارفة فتى ... سمحاً لألوية الندى عقادا أزجى العظات لعلها تجلو العمى ... وتقوم المعوم المنآدا وأجيل في وصف الشقاء ونعته ... قلما بني صرح البيان وشادا فترى قلوب البائسين صحيفة ... وترى دموع المعوزين مدادا صوت يهز الخافقين دويه ... ويزحزح الأحقاب والآبادا مصر (أحمد محرم)

كلمة في أشراط الساعة التي أخبر النبي صلى الله

كلمة في أشراط الساعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الإمام البخاري رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها وقطع الأرحام وفشو القلم وظهور الشهادة بالزور وكتمان شهادة الحق. من أشراط الساعة أن تتخذ الأمانة مغنماً والزكاة مغرماً ويتعلم لغير دين. رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. إذا اقترب الزمان لأن يربي الرجل جرواً خير له من أن يربي ولداً له لا يوقر الكبير ولا يرحم الصغير ويكثر أولاد الزنا حتى أن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أمثلهم في ذلك الزمان المداهن رواه الحاكم وغيره عن أبي ذر. إذا رأيت الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان فانتظر الساعة رواة البخاري ومسلم إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة رواه البخاري. من اشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر، رواه الطبراني. لا تقوم الساعة حتى يعمد الرجل إلى النبطية فيتزوجها على معيشة ويترك بنت عمه لا ينظر إليها رواه الطبراني. إن من أمارات الساعة أن تقطع الأرحام ويؤخذ المال بغير حقه وتسفك الدماء ويشتكي ذو القرابة قرابته لا يعود عليه شيء ويطوف السائل لا يوضع في يده شيء رواه أبي الشيبة عن ابن مسعود. لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عاراً ويكون الإسلام غريباً وحتى تبدو الشحناء بين الناس وحتى يقبض العلم ويهرم الزمان وينقص عمر البشر وينقص السنون والثمرات ويؤتمن التهماء ويتهم الأمناء ويصدق الكاذب ويكذب الصادق ويكثر الهرج وهو القتل وحتى تبنى الغرف أي القصور فتطاول وحتى تحزن ذوات الأولاد أي لعقوق أولادهن وتفرح العواقر ويظهر البغي والحسد والشح ويهلك الناس ويكثر الكذب ويقل الصدف وحتى تختلف الأمور بين الناس ويتبع الهوى ويقضى بالظن ويكثر المطر ويقل الثمر ويغيض العلم غيضاً ويفيض الجهل فيضاً ويكون الولد غيظاً والشتاء قيظاً ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقي لشرار أمتي فمن صدقهم بذلك ورضي به لم يرح

رائحة الجنة رواه الطبراني عن أبي موسى وسنده جيد. لا تقوم الساعة حتى يعز الله فيه ثلاثاً درهماً من حلال وعلماً مستفاداً وأخاً في الله عز وجل رواه الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه. إذا اجتمع عشرون رجلاً أو أكثر أو اقل فلم يكن فيهم من يهاب في الله فقد حضر الأمر وراه البيهقي وابن عساكر. من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد فلا يركع ركعتين رواه أبو داود. يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من شاهق على شاهق أو من جحر إلى جحر كالثعلب يفر بأشباله وذلك في آخر الزمان إذا لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله. فإذا كان ذلك حلت العزبة يكون في ذلك الزمان هلاك الرجل على يدي أبويه إذا كان له أبوان وإلا فعلى يدي زوجته وولده وإلا فعلى يدي الأقارب والجيران يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق حتى يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها رواه أبو نعيم وغيره عن ابن مسعود. يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة رواه البيهقي عن الحسن. يأتي على الناس زمان يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فيكم رواه ابن السني عن جابر. يأتي على الناس زمان لا يتبع فيه العليم ولا يستحيي فيه من الحليم ولا يوقر فيه الكبير ولا يرحم فيه الصغير يقتل بعضهم بعضا على الدنيا، قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً يمسي الصالح فيهم مستخفياً أولئك شرار خلق الله لا ينظر الله إليهم يوم القيامة رواه الديلمي عن علي رضي الله عنه. من اقتراب الساعة أن يصلي خمسون نفساً لا تقبل لأحدهم صلاة رواه أبو الشيخ عن ابن مسعود رضي الله عنه. صنفان من أمتي من أهل النار لم أرها بعد قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ثم أخذ بحلقة باب الكعبة فقال يا أيها الناس

ألا أخبركم بأشراط الساعة فقام إليه سلمان. فقال أخبرنا فداك أمي وأبي يا رسول الله قال من أشراط الساعة إضاعة الصلاة والميل مع الهوى وتعظيم رب المال فقال سليمان ويكون ذلك يا رسول الله قال نهم والذي نفس محمد بيده فعند ذلك يا سلمان تكون الزكاة مغرماًُ والفيء مغنماً ويصدق الكاذب ويكذب الصادق ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ويتكلم الرويبضة قالوا وما الرويبضة قال يتكلن في الناس من لم يكن يتكلم وينكر الحق تسعة أعشارهم ويذهب الإسلام فلا يبقى إلا اسمه ويذهب القرآن فلا يبقى إلا رسمه وتحلى المصاحف بالذهب ويتسمن زكور أمتي وتكون المشورة للإماء ويخطب على المنابر الصبيان وتكون المخاطبة للنساء فعند ذلك تزخرف المساجد كما تزخرف الكنائس والبيع وتطول المنابر وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة وألسن مختلفة وأهواء جمة قال سلمان ويكون ذلك يا رسول الله قال نعم يذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية البكر فعند ذلك يا سلمان تكون أمراء فسقه ووزارء فجره وأمناء خونه يضيعون الصلوات ويتبعون الشهوات فإن أدركتموهم فصلوا صلاتكم لوقتها عند ذلك يا سليمان يجيئ سبي من المشرق وسبي من المغرب جثاؤهم أي أجسامهم جثاء الناس وقلوبهم قلوب الشياطين لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً عند ذلك يا سليمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام تحج ملوكهم لهواً وتنزهاً وأغنياؤهم تجارة ومساكنيهم للمسألة وقراؤهم رياء وسمعة قال ويكون ذلك يا رسول الله قال نعم والذي نفس محمد بيده عند ذلك يا سليمان يفشو الكذب ويظهر الكوكب له الذنب وتشارك المرأة زوجها في التجارة وتتقارب السواق قال وما تقاربها قال كسادها وقلة أرباحها عند ذلك أي سليمان يبعث الله ريحاً فيها حبات صفر فتلقط رؤوس العلماء لما رأوا المنكر فلم يغيروه قال ويكون ذلك يا رسول الله قال نعم والذي بعث محمداً بالحق رواه ابن مردويه. من اقتراب الساعة إذا رأيتم الناس أضاعوا الصلاة وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكبائر وأكلوا الربا وأكلوا الرشاء وشيدوا البناء واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا واتخذوا القرآن مزامير واتخذوا جلود السباع صفافاً والمساجد طرقاً والحرير لباساً وأكثروا الجواري وفشا الزنا وتهاونوا بالطلاق وأتمن الخائن وخون الأمين وصار المطر قيظاً والولد غيظاً وأمراء فجره

ووزراء كذبه وأمناء خونه وعرفاء ظلمه وقلت العلماء وكثر القراء وقلت لافقهاء وحليت المصاحف وزخرفت المساجد وطولت المنابر وفسدت القلوب واتخذت القينات واستحلت المعازف وشربت الخمور وعطلت الحدود ونقصت الشهور ونقضت المواثيق وشاركت المرأة زوجها في التجارة وركب الناس البراذين وتشبهت النساء بالرجال والرجال بالنساء ويحلف بغير الله ويشهد الرجل من غير أن يستشهد وكانت الزكاة مغرماً والأمانة مغنماً وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وقرب صديقه وأقصى اباه وصارت الإمارات مواريث وسب آخر هذه الأمة أولها وأكرم الرجل اتقاء شه وكثرت الشرط وصعدت الجهال المنابر ولبس الرجال التيجان وضيقت الطرقات وشيد البناء واستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء. وكثرت خطباء منابركم وركن علماؤكم إلى ولاتكم فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال. وأفتوهم بما يشتهون وتعلم علماؤكم العلم ليجلبوا به دنانيركم ودراهمكم واتخذتم القرآن تجارة وضيعتم حق الله في أموالكم وصارت أموالكم عند شراركم وقطعتم أرحامكم وشربتم الخمور في ناديكم ولعبتم بالميسر وضربتم بالكبر والمعزفة والمزامير ومنعتم محاويجكم زكاتكم ورأيتموها مغرماً وقتل البريء ليغيظ العامة واختلفت أهواؤكم وصار العطاء في العبيد والسقاط وطففت المكايل والموازين ووليتم أمورطكم سفهائكم كما رواه أبو الشيخ والديلمي عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه. فهذه جملة من اشراط الساعة وأكثرها موجود وهي في التزايد يوماً فيوماً فنسأل الله أن يجنبنا الفتن ويعصمنا من المحن ويميتنا على السنن ويغفر لنا ما جنيناه في السر والعلن بمنه وكرمه إنه سميع الدعاء. (لها بقية) دمشق عبد المجيد القصاب

نحن وأوروبا

نحن وأوروبا من مقالة نشرت في جريدة (الحق يعلو) بإمضاء الكاتب الشهير عبد العزيز الجاويش قال: تعصبت علينا أوروبا المسيحية قرناً كاملاً أفقدتنا فيه بفرط تعصبها نحو نصف ملكنا. أفسحت صدور حواضرها للجمعيات والعصابات ولانضم كبار رجالها في لندن وباريس إلى هؤلاء الأشقياء ثم جعلوا يمدونهم بالمال ويزودونهم بالسلاح ويؤيدونهم بالقول والكتابة. انتظمت العصابات البلقانية وكان لها من أساطين المسيحية وأركان السياسية في أوروبا أكبر معوان وأشد ساعد. كانت تلك العصابات الأثيمة تدبر المذابح في البلقان وتلقي القنابل على المسلمين استفزازاً لغضبهم وإثارة لمطمئن نفوسهم. فكانوا بما يلقون عليهم من تلك القنابل يصيبون المسلمين في ذراريهم ونسائهم وسائر ضعفائهم كما كانوا يدمرون مساجدهم وبيت أشرافهم حتى يندفع هؤلاء بدوافع الحنق والغيظ إلى شيء من الانتقام والثأر فماذا كانت تفعل إذ ذاك أوروبا المتمدنة الراقية؟. لا يكاد يقتل أولئك المصابون في أنفسهم وأموالهم واحداً من أولئك الأشرار حتى تقوم القيامة وتصيح الصحف ويخطب الخطباء في البرلمانات ويصور السلمون في المحلات سفاكين للدماء ذباحين للأبرياء سلابين نهابين للأموال والأسباب ثم تللو ذلك أصوات الاستصراخ إلى محاسبة الحكومة العثمانية وتحرير الأمم البلقانية. كذكل كان يفعل سياسيو أروبا وكتابها من كل الطبقات وهم المدبرون لتلك المكايد العالمون بما تفعل العصابات البلقانية الطماحون إلى تحقيق أمنيتهم العظمى وغايتهم الأخيرة وإن هي إلا محاربة الإسلام ومحو معالمه عن الأرض. ولقد اقتطفت أيدي الصليبيين اليوم ثمرات ما كادوا ودبروا منذ جيلين تقريباً فانسلخت عنا ألبانيا ومقدونيا فخرجنا بذلك عن قارة أوروبا خاسرين ثلث ما بقي من ملكنا. ولم يكد يستقر الصلح حتى قامت صحف أوروبا تستأنف حملاتها التي تعودناها في سبيل البلقان منذ أزمان فهي اليوم تخوض في أمر أرمينيا ونقص من مفتريات أحاديثها ما تريد من ورائه إتمام حل المسألة الشرقية قبل أن يمضي صك المصالحة وتقفل جنودنا عن ميادين القتال في شتالجة وغليبولي. قام منذ أيام خطيب من أعضاء الجمعية المقدونية في البرلمان الإنكليزي فجعل يحض

حكومته باسم الصليب والعدل والإنسانية (كما يقول) على التداخل في تأمين سكان ما حول شتالجه من الصليبيين على أموالهم وأنفسهم ومصالحهم وراحتهم وقد جاء فيما اقترحه من الطرق الواقية لتلك الشرذمة القليلة الباقية تحت حكمنا أن تقيم أوروبا عليها حاكماً مسيحياً يختم بقيامه تاريخ وجودنا السياسي بل والحيوي في تلك القارة المسيحية ولكن لم يكن ذلك هو البادرة الفريدة والمقدمة الوحيدة التي بوغتنا بها اليوم فإن المتصفح لجرائد أوروبا الكبرى يجدها فتحت للفتنة أبواباً أخرى. فمن هذا ما نشرته جريدة التيمس في عددها الصادر في 12 أبريل الجاري إذ أخذت تخوض في أمر الأرمن وتسرد حوادث قبضت فيها الحكومة المحلية هناك على عدة أفراد في سبيل تحقيق القنلبلة التي انفجرت في تبليس. إن حادثة تبليس ليست فيما نعتقد من الحوادث العرضية البسيطة ولكنها إحدى مقدمات دبرت لإقامة ثورة في تلك البقاع ترمي إلى تمكين روسيا من احتلالها. على أن من شأن أمثال هذه الحادثة أن يتهم فيها أفراد قد يكون بينهم المجرم كما يكون منهم البريء فالذي يميز المجرم عن غيره إنما هو التحقيق القضائي والبحث الإداري فهل من الآثام والجرائم أن تلقي الحكومة المحلية القبض على من مسهم الاشتباه وحامت حولهم الشكوك؟. لم تستطع التيمس المسيحية المتعصبة أن تخفي أن رجال الإدارة في تبليس قد سرحوا كثيراً ممن قبضوا عليهم لظهور براءتهم ثم م تستطع أن تكتم ما عومل به أولئك المقبوض عليهم من اللين والرحمة ولكنها لم تستطع مع ذلك أن تستر نيران حقدها على الإسلام وتحجب ما تضمره هي والعالم المسيحي لنا من المكايد والأذى فقد ختمت كلامها في هذا الموضع بقولها وعلى كل حال لا ينتظر أن يكون الحكم التركي المستقبل خيراً من الحكم العتيق الاستبدادي في شيء. كذلك تقول التيمس في أحدث أعداها متناسية (أن القنبلة قد تحقق انفجارها وعرفت آثار ضررها) ومستقلة ما أتى به رجال الإدارة العثمانيون من اللين والإحسان في تحقيق قضيتها ومعاملة من اشتبه في أمرهم من أهل تلك الجهة. وتؤكد التيمس منذ الآن أن الحكم هناك لا يرجى تغييره ومغايرته لطراز الحكم الحميدي وهي تعلم أن قانون الولايات قد صدر الأمر بتطبيقه وأن الأمر في سائر الولايات العثمانية

سيكون كله قريباً بيد أهاليها فأرمينيا والكردستان وبلاد العرب والأناضول كل تلك البقاع ستسقل بتدبير سياستها الداخلية تدبيراً قطعياً غائياً لا يتوقف على الحكومة المركزية في شيء. فإذا بديء بالانتخابات وتألفت المجالس المحلية التي نص عليها القانون انتقلت السياسة الداخلية من الحكومة المركزية إلى أهالي الولايات فإذا لم تنتظم إذ ذاك شؤون الولايات وأمرها بيدها فما هي إذاً جريرة الحكومة العثمانية وهل يجوز أن يقال بعد أن تقرر قانون الولايات أنه لا فرق بين الحكم في المستقبل والحكم في الماضي؟ اللهم إن الأمر واضح جلي ولكن التعصب المسيحي المرذول قد أعمى بصر التيمس التي ستجر من ورائها قطاراً من مقلديها السياسييين لا منتهى لامتداده. ومن غريب أمر التيمس أنها خاضت في أمر مظهر بك والي كوسوفو قبل الثورة الألبانية سنة 1910 وهو اليوم الوالي الجديد لتبليس ثم وعدت أن تعيينه لا يغني فتيلاً مع أن الرجل معروف بالذكاء مشهود له بالكفاءة الإدارية والقدرة السياسية ولا عجب فإن التيمس تعلم علم اليقين ما يدبر هناك من المكايد وما صممن عليه الجمعية الأرمنية في أنجلترا وأمريقا من المفاسد والشرور. تعلم ذلك جريدة التيمس جد العلم فهي فيما قررت من توقع فشل التدبير والنظام اللذين يراد تطبيقهما في أرمينيا لم تكن هارفة بما لا تعرف أو منبئة بما لا تعلم ولكنها تذكر لنا نتيجة هي أعلم بمقدماتها الموضوعة وخططها المرسومة.

قصيدة أخلاقية

قصيدة أخلاقية أنلهو والمصير هائل هل لبيب لاه على ظهر الأرض ... وطويل في بطنها البابه وعسى أن يجر يوماً إليك السر ... مع من طال للعناد انتصابه شدة القرب حجاب ولقد يحسن المجاور صنعاً ... وهو يؤذي من زاد منه اقترابه أو ما النصل كافل لك بالنص ... ر شقي بالحد منه قرابه خلق الشر في الطباع ولولا ... غبه عز في الورى أغبابه الإنسان المتوحش أضر من الوحوش ومن الناس عاذ بالشم والشم ... خ حزماً نسر الملا وعقابه ومن الناس فر يرضى باوشا ... ل مياه من القطا أسرابه. ومن الناس مشبه الوحش لا ير ... ضيه إلا عدوانه واغتصابه ما أشد التفاوت بين بني آدم ومن الناس عاقر الضيف كالكل ... ب ومنهم من لا تهر كلابه (لها تتمة)

الختان في الإسلام

الختان في الإسلام إن مما عمت به البلوى فعل المنكرات عند إجراء الختان وكذلك في الأعراس وعند عقد النكاح فترى المرأة تكلف زوجها لجلب المغنيات وشراء الملبوسات وتحمله من المصاريف الباهظة ما لا يطيقه وإذا راجعها الزوج بذلك تقول له إن ذلك لا يليق بنا تركه لأن الناس يعيبون علينا وينسبوننا إلى البخل إلى غير ذلك من الأقاويل التي لا تنطبق على شرع ولا عقل والناس بل أكثر العلماء عن إنكار هذه المنكرات ساكتون لا ينبثون ببنت شفة وربما ذهب بعضهم لتلك المجتمعات وجلس بها ساكتاً كأنه لم يعلم حرمة ذلك ولم يكلفه الشارع بإنكار منكر فتعساً لمن كانت حالته ذلك اللهم أصلح فساد قلوبنا وخذ بيدنا إلى الخير فإن دعي وكان ثمة آلة لهو كعود ودربوكة وما شاكلهما أو تصاوير أو شرب مسكر أو وجود نساء مغنيات فلا تجب الإجابة ولا تسن إن علم بذاك قبل ذهابه بل تحرم وإن ذهب ووجد ذلك ولم يعلم به من قبل وجب عليه الخروج ووجب عليه الإنكار إن كان ممن يقتدى به ولقد أخذني العجب من رجل فقير لا يملك قوته الضروري وهو في غالب أوقاته في هم وكرب عظيم من قلة ذات يده وكثرة عياله أراد أن يختن أولاده فأحضر بعضاً من القينات لدار جاره لسعتها وضيق محله وحصل اللهو والطرب وأديرت الأقداح وصاحب الدار ممن يقتدى بهم ولم ينكر ما حصل في داره بل كان من أكبر المساعدين على ذلك فهل هذا من السنن التي جاء بها الشارع صلى الله عليه وسلم وحث عليها ومضى عليها السلف الصالح كلا ثم كلا ولو كان هذا زمنه صلى الله عليه وسلم لأدبه بما يكون عبرة لغيره ومثالاً لإضرابه الفجار وأختم مقالتي هذه ببيان حكم الختان فأقول أخرج البخاري في كتاب اللباس في باب قص الشارب من حديث أبو هريرة رضي الله عنه الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الآباط وكتب القسطلاني في كتابه الاستئذان في باب الختان بعد الكبر الختان بكسر الخاء المعجمة قطع القلفة التي تغطي الحشفة في فرج الرجل وقطع بعض الجلدة التي في أعلى فرج المرأى ويسمى ختان الرجل إعذاراً وختان المرأة خفضاً وهو واجب عند الشافعية في حق الرجال والنساء وقيل سنة في حق النساء ويفترض بعد البلوغ ويسن قبله في سابع يوم الولادة للاتباع فإن أخر

عنه ففي الأربعين وإلا ففي السنة السابعة لأنها وقت أمره بالصلاة. ومن مات بغير ختان لم يختن في الأصح ويسن إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى ومؤونة الختان في مال المختون ثم على من تلزمه نفقته ويسمى طعام الختان عذيرة وتسن الإجابة إليها كسائر الدعوات وهو سنة عند السادة الحنفية للرجال ومكرمة للنساء ففي حاشية العلامة ابن عابدين الختان سنة للرجال من جملة الفطرة لا يمكن تركها وهي مكرمة في حق النساء أيضاً كما في الكفاية وأول من اختتن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد ولد مختوناً وذلك من خصائصه عليه الصلاة والسلام ولا بأس أن يدعو الإنسان بهذا الدعاء أو نحوه وهو اللهم هذه سنتك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واتباع منا لك ولدينك بمشيئتك وبإرادتك لأأمر أردته وقضاء حتمته وأمر نفذته وأدقتنا به حر الحديد لأمر أنت أعرف به منا اللهم طهرنا من الذنوب وأصلح أولانا وادفع الآفات عن أبداننا وأجسامنا وأغننا بفضلك ولا تحوجنا لأحد غيرك إنك تعلم ولا نعلم يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين. (دمشق) (م. ز)

وداعا أيها القطر الروملي

وداعاً أيها القطر الروملي نودعك اطضراراً يا رمللي ... وداعاً يستحيل به التسلي تخلى الدهر عنك كما تخلى ... فتى عن روحه بئس التخلي ترى هل نلتقي واليأس منا ... ليدعونا عليك أن نصلي ترى هل ينقه الوطن المفدى ... وأضحى منك كالعضو الأشل ترى هل بعد هذاك التدني ... نُرى بالجد في أرقى محل أجل إن زال من في الكون طرا ... وأبدل وانجلى هذا التجلي وفيمن نهتدي ولقد بلينا ... بكل مخادع خب مضل لجأنا للتجمل واكتفينا ... وكم خدع التجمل والتحلي لهونا بالتعلل والأماني ... وذلك منتهى جهد المقل فحسب الغر منا ما ابتلينا ... به من كل تغرير مخل وهل تبقى البقية بعد هذا ... ونربأ بالحياة على الأقل رفاقي من لنا برجال حزم ... نعيش بعهدهم في خير ظل رفاقي هل لهذا الملك شعب ... يرقيه إلى المجد الأجل رفاقي كاد فرط الغيظ يقضي ... علينا من أسى فقد الرملي رفاقي هل عواطفنا تلاشت ... أم ائتلفت خطى النهج الأذل أما والله إن الموت أشهى ... لنا من أن نعيش بحال ذل عيوني أكثري تسكاب دمعي ... على ما انتاب قومي أو اقلي فما يجدي البكا من وقع رزءٍ ... تناول كل جزءيّ وكلي وهبني قلت للوطن المفدى ... فداك أبي وأمي بل وخلي أيجديه المقال بلا اجتهاد ... يهب به الخطر المذل أيا وطني لعلي زغت فاصفح ... وهل يجديك من قولي لعلي وهل شعرت ولاة الأمر فيما ... ألمّ بنا من الخطب الأجل وهل اهتز هذا الكون غيظاً ... بما قد تم من عقد وحل أنسعى في خراب الملك جهلا ... على أمل التصدر والتعلي فروق هل اهتديت بما دهانا ... أعيذك بعد ذا من أن تضلي

فحسبك ما ألم بك اتعاظا ... فروق من التدني والتدلي أعرش الملك لا تجزع لحرب ... توالى في وقائعها التولي وهل ننسى توغلك انتصاراً ... بأوروبا وكنت بها تصلي وكم جمعوا بها لك من خراج ... سل التاريخ عن ذاك التجلي فإن الحرب يا هذا سجال ... فلا تركن إلى اليأس الممل وإن الذهر دولاب سيقطي ... لمجدك بالتمتع والتملي (دمشق) عبد الرحمن قصار

سلسلة حكم الخلفاء

سلسلة حكم الخلفاء (علي رضي الله عنه) تعطروا بالاستغفار ولا تفضحكم روائح الذنوب. الشفيع جناح الطالب، من كتم علماً فكأنه جهله. المسؤول حر حتى يعد. لا يرضى عنك الحاسد حتى تموت. السامع للغيبة أحد المغتابين. كفى بالظفر شفيعاً للمذنب. لا ترج إلا ربك ولا تخش إلا ذنبك. إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما منع غني. النكبات لها غايات لا بد أن تنتهي فيجب على العاقل أن ينام لها إلى وقت إدبارها فالمكابرة لها بالحيلة زيادة فيها. لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك وإذا حدثته كذبك وإذا ائتمنته خانك وإذا ائتمنك اتهمك وإذا أنعمت عليه كفر وإذا أنعم عليك منَّ عليك. البشاشة فخ المودة. الهيبة مقرونة بالخيبة والحياء مقرون بالحرمان والفرصة تمرمر السحاب. الفقيه كل الفقيه من لم يرخص في معصية الله ولم يؤيس من رحمته. من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب. إذا قدرت على العدو فاجعل العفو شكر قدرتك. شفيع المذنب إقراره، وتوبته اعتذاره. أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. تنقاد الأمور للمقادير حتى يكون الحيف في التدبير. خسر مروءته من ضيع نفسه وأزرى بنفسه من استشعر الطمع ورضي بالذل. ذمتي رهينة بما أقول وأنا به زعيم أنه من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزته التقوى عن تقحم الشبهات. أكبر البغي أن تعيب بما فيك وأن تؤذي جليسك بما هو فيه عبثاً به. اتقوا من تبغضه قلوبكم. إذا كنتم في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقي. قلب الأحمق في لسانه ولسان العاقل في قلبه. كفى بالأجل حارساً. اطرح عليك واردات الهموم بعزائم الصبر. كن بما في يد الله أوثق منك بما في يد الناس. لا يكون الرجل سيد قومه حتى لا يبالي أي ثوبه لبس. من لم يحسن ظنه بالظفر لم يجد في الطلب. أخيب الناس سعياً وأخسرهم صفقة رجل أتعب بدنه في آماله وشغل بها عن معاده فلم تساعده المقادير على إرادته وخرج من الدنيا بحسرته وقدم بغير زاد على آخرته. ونظر إلى رجل يغتاب آخر وعنده ابنه الحسين رضي الله عنه فقال يا بني نزه سمعك عنه فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك. ولا تؤاخ الفاجر فإنه يزين لك فعله ويحب لو أنك مثله ويحسن إليك أسوء حاله ومخرجه من عندك ومدخله عليك عار وشين ولا الأحمق فإنه يجهد كد نفسه فلا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فيضرك فسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وموته خير من حياته ولا الكذاب فإنه لا ينفعك

معه عيش ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إذا أراد أن يحدث بالصدق فلا يصدق. ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة الشجاع في الحرب والحليمعند الغضب والصديق عند الحاجة. العجب لمن يهلك والنجاة معه فقيل ما هي قال الاستغفار، قصم ظهري رجلان جاهل متنسك وعالم متهتك، يجد البليغ في ألم السكوت ما يجده العيي مكن ألم الكلام. لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ صديقه في غيبته وعند نكبته وبعد وفاته في تركته. أعجب ما في الإنسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد منم خلافها فإذا سنح له الرجاء أذله الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الأسف وإن هاج به الغضب اشتد به الغيظ وإن أسعده الرضاء نسي التحفظ وإن ألظبه الخوف شغله الحزن وإن اتسع له إلا من استلبته العزة وإن عادت له النعمة أخذته العزة وإن امتحن بمصيبه فضحه الجزع وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى وإن عضته فاقة أضرعه البلاء وإن جهده الجوع أفقده الضعف وإن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقتير به مضر وكل إفراط له مفسد. لا تكن ممن يرجو الجنة من غي رعمل ويؤخر التوبة أطول الأمل يقول في الدنيا قول الزاهدين ويعمل فيها بقول الراغبين إن أعطي منها لم يشبع وإن منع لم يقنع يقول لا أعمل فأتعنى بل أجلسي فأتمنى فهو يتمنى المغفرة ويدأب للمعصية وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر وجاءه النذير. لا يكبر عليك ظلم من ظلمك فإنما يسعى لمضرته ومنفعتك وليس جزاء من سرك أن تسوءه. إذا منعك اللئيم البر مع إعظامه حقك كان أحسن من بذل السخي لك إياه مع الاستخفاف بك. الكمال في خمس أن لا يعيب الرجل أحداً يعيب فيه مثله حتى يصلح العيب من نفسه فإنه لا يفرغ من إصلاح عيب من عيوبه حتى يهجم عليه آخر فتشغله عيوبه عن عيوب الناس. وأن لا يطلق لسانه أو يده حتى يعلم أفي طاعة ذلك أم في معصية. وأن لا يلتمس من الناس إلا ما يعطيهم من نفسه مثله. وأن يسلم من الناس باستشعار مداراتهم وتوفيتهم حقوقهم. وأن ينفق الفضل من ماله ويمسك الفضل من قوله. استنزلوا الرزق بالصدقة. من أيقن بالخلف جاد بالعطية. تنزل المعونة على قدر المؤونة ما على أمرؤ اقتصد. التودد نصف العقل والهم نصف الهرم. وخطب فقال أيها الناس اتقوا خمساً قبل أن تحل بكم خمس ما نكث قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ولا بخس قوم الكيل والميزان إلا أخذهم بالسنين ونقص من الأموال والأنفس

والثمرات وما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم قطر السماء وما ظهرت الفاحشة قط في قوم إلا سلط الله عليهم الطاعون. (الحسن رضي الله عنه) إن خير ما بذلك من مالك ما وفيت به عرضك. التبرع بالمعروف والعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد. وسئل عن الصمت فقال فيه ستر للعي، وزين للعرض وفاعله في راحة وجليسه في أمن لا أدب لمن لا عقل له، ولا شدة لمن لا همة له، ولا حياء لمن لا دين له، هلاك الناس في ثلاث الكبر والحرص والحسد. (لها بقية) إبراهيم خليل مردم بك

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد البعث والحشر23 البعث هو عبارة عن إحياء الله الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الأجزاء الأصلية التي هي الذرات المخرجة من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام المشار إليها بقوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) والحشر هو عبارة عن سوق المخلوقات جميعاً إلى الموقف وهو الموضع الذي يقفون فيه لفصل القضاء بينهم ولا فرق في ذلك بين من يحاسب كالمكلف وبين غيره. البعث والحشر من الأمور التي يجب اعتقادها لثبوتهما بالبراهين النقلية والعقلية التي تذعن لها العقول الصحيحة وتطمئن لذكراها البصائر النافذة فمن الأدلة النقلية قوله تعالى: (قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) وقوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وقوله عز شأنه: (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وقد أخرج البخاري ومسلم عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال إنكم محشورون إلى الله إلى غير ذلك مما ورد في الشرع الأنور وأما الأدلة العقلية فسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى. البعث والحشر أصلبان من أصول الديانة افسلامية بل التصديق بهما أساس كل دين وأقوم وسيلة لإحقاق الحق والوقوف عن الحد. مسألة المصير بعد الموت طالما كانت الشغل الشاغل لأساطين العلماء وكبار الفلاسفة والظاهر أن حب الحياة جعلهم يطلبونها بعد ذهابها حتى أضحى أول خاطر يخطر للمتفكر البصير الموقف بأنه إنما ورد هذه الحياة الدنيا ليتزود كمالاً يؤهله للعروج إلى عالم أرقى وأنفع وأوسع من هذا العالم الدنيوي والانتقال من دار ضيقة الساحات كثيرة الآفات خليقة بأن تسمى بيت الأكدار وقرارة الأحزان والآلام إلى دار وسيعة الساحات فسيحة الباحات لا فيها غول ولا تأثيم. لذلك ترى أهل الملل كافة وجمهور المحققين من الفلاسفة متفقين على حقيقة المعاد وإن اختلفوا في كيفيته على ما سيتضح للقارئ إلا شرذمة من الطبيعيين الذين أعماهم الضلال وأرهقتهم الغواية واستزلهم شيطان الوهم فهوى بهم إلى أخس منزلة من منازل السخافة وزعموا أن لا حياة للإنسان بعد هذه الحياة وأنه لا يختلف عن النباتات الأرضية التي

تتفرق أجزاؤها فتدخل في تركيب آخر وهكذا يبقى بين التحليل والتركيب فتارة يكون جزءاً من إنسان وتارة ناباً من ثعبان وآونة ورقة من أغصان وغيرها ذنباً في حيوان وهلم جرا وذهبوا إلى أن العبد يستوفي في هذه الحياة حظوظه من الشهوات البهيمية وبهذا الزعم الفاسد والمذهب الباطل أطلقوا النفوس من قيد التأثم ودفعوها إلى أنواع العدوان وسهلوا لها الغدر والخيانة وحملوها على فعل كل خبيثة واقتراف كل رذيلة وأعرضوا بالعقول عن كسب الكمال البشري وأعدموها الرغبة في كشف الحقائق وتعرف أسرار الكائنات. هذه الشرذمة الطاغية أنكرت الروح والملأ الأعلى والخلود والبعث والحشر والعقاب والثواب جهلاً وعناداً زاعمين أن ذلك كله من خيالات الأفكار القديمة وبقية من توهمات السالفين وليس في الوجود شيء غير المادة وقوتها الذاتية وأخذت تتبجح بطلب الأدلة الحسية لا العقلية حتى أنك لو أتيتهم بأعظم البراهين العقلية والدلائل القطعية والإقناعية لقالوا أن هو إلا تصوير خيالي أو فكر وهمي فبينما يموجون في دياجير الحيرة ويضطربون في غياهب الغواشي الوهمية إذا هم بآية عظمى ظلت أعناقهم لهم خاضعة وقارعة كبرى أضحت عقولهم أمامها حائرة وهي التنويم المغناطيسي ثم تلاه فن استحضار الأرواح وتجسدها المشهور (بالأسبيرنيزم) فكانت النتيجة انهزام تلك الشرذمة العائثة في الأرض فساداً انهزاماً لا يقوم لها بعده علم ولا يرفع لها صوت. قال فريد بك وجدي في كتابه كنز العلوم عند الكلام على مادة (آخرة) هي الحياة الآخرة التي وعد الله عباده بها والناس بإزاء العقيدة بها في أربع مراتب (أولها) رتبة أهل الله وخاصته وهؤلاء قد انكشف لهم الحال فرأوا بأعينهم ما لا يدركه غيرهم بعقولهم فاعتقدوا بالآخرة عقيدة عيانية حسية وهؤلاء هم الأنبياء والصديقون (ثانيها) رتبة أهل البصائر النافذة وأولئك يكفيهم مجرد النظر في ملك الله وملكوته وما أودع فيهما من أعلام بينة وأدلة ناطقة (ثالثها) رتبة الحسيين الذين لا يرضيهم من العقائد إلا ما يؤثر على حسهم ويدهش مشاعرهم. أما الرتبتان الأوليان فقد هداهما الله بنوره ودلهم على الطريق بتوفيقه وهل بعد قوله تعالى: (من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها من أنشأها أول مرة) مطمع لمستزيد. أما الرتبة الثالثة فنحيلها إلى ما كتبناه تحت عنوان (أنبوتزم ومانيتيزم وإسبرتزم) فإن هذه المباحث من الأدلة المحسوسة على وجود الروح ما جدع أنف الإلحاد الأوروبي وبلغ مقتله وهناك

رتبة رابعة وهي التي لا يقنعها بل ولا تريد أن تقنع فهي الرتبة السفلى التي ظهرت في كل جيل وكل قرن وكانت جائحة على الفضيلة والإنسانية إلا أنها ما نجمت حتى اجتثت وما طارت حتى قصت. ولقد كانت في أوائل هذا القرن والذي قبله أشسد مما كانت عليه في أي جيل من الأجيال أدرعت بالعلوم الطبيعية واستلامت بالتجارب الفنية وقامة قومة أطاشت بها الأحلام وزعزعت بها أطواد الأفئدة تصيح على وجوه الناس الحس الحس التجربة التجربة إياكم والوهم احذروا الخيال. فلم يلبثوا على غلوائهم ردحاً من الزمن حتى قرعهم الله بقارعة (الإسبرتزم) مذهب استحضار الأرواح فإذا هم حيارى لا يدرون ما يفعلون فقاوموه وشنعوا عليه وعلى أشياعه ثم جالوا فيه جولة حسية وإذا بأماثلهم يقولون كما يقول الأستاذ الطائر الصيت أحد أركان العلوم الفزيولوجية العصرية (روسل ولاس) الإنجليزي مكتشف ناموس (الانتخاب الطبيعي) قال في كتابه (معجزات العصر الحاضر) لقد كنت دهرياً صرفاً مقتنعاً بمذهبي تمام الاقتناع ولم يكن في ذهني أدنى محل للتصديق بحياة روحية ولا بوجود عامل في هذا الكون كله غير المادة وقوتها ولكني رأيت أن المشاهدات الحسية لن تغالب فإنها قهرتني وأجبرتني على اعتبارها أشياء مثبتة قبل أن أعتقد نسبتها إلى الأرواح بمدة طويلة ثم أخذت هذه المشاهدات مكاناً في عقلي شيئاً فشيئاً ولم يكن ذلك بطريقة نظرية تصورية ولكن بتأثير المشاهدات التي كان يتلو بعضها لبعضاً بطريقة لا يمكن التخلص منها بوسيلة أخرى (أي بغير نسبتها إلى الأرواح) أ. هـ. يقول روسل ولاس هذا ومن هو روسل ولاس ويردد قوله أخوانه اللوف من علماء الأرض كما تراه في كلمة (إسبرتزم) ولكن يوجد من الناس هنا من يدعي أن هؤلاء هاذون. وإذا كان هؤلاء هاذين فمن هم المدققون الحسيون بخ بخ ولماذا هم هاذون؟ ألأنهم قاموا يثبتون عالم ما وراء الطبيعة ويقولون أن الإنسان روحاً خالدة بعد الموت؟ هذه مقالة جاء بها رسول ومال الناس إليها قديماً وحديثاً فهل يصح أن يوصم بالجنون من قام يثبت مذهب الأنبياء والصديقين؟ نحن نقول كما يقول علماء أوروبا أن تلك الخوارق منسوبة للأرواح ولكن نقول أن تلك المدهشات كافية في إثبات عالم ما وراء الطبيعة وأنها برهنت بالحس على أن وراء المادة حياة روحية عالية جداً وهذا كاف لتهدئ النفوس على مستقبلها وتعزية المصابين في

كروبها وشدائدها وفي المستقبل العجب العجاب فواها لمن تاب وأناب وآها لمن أصر واستكبر واستأسد وتنمرد (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز). وقال أيضاً في كتابه (الإسلام في عصر العلم) سيرى النوع الإنساني وراء هذه المسألة (استحضار الرواح) إن شاء الله العجب العجاب في قصم ظهور الملحدين وفصم عرى خزعبلات الماديين والله غالب على أمره ولا معقب لحكمه. أما لدينا معشر المسلمين فمسألة ظهور الأرواح للأحياء من الأمور الشائعة للصالحين والمقربين ونظن أنه لا يوجد واحد من المسلمين ولم يقرأ في كتاب أو لم يسمع من قارئ أن روح فلان الصالح ظهرت لفلان التقي وحصل بينهما كيت وكيت من المحادثات والمحاضرات بل كثيراً ما تروي العامة أموراً تدل على معرفتها بمسألة ظهور الأرواح للناس مثل روايتهم عن بعضهم أن فلاناً تاه في الصحراء وألمت به الحيرة من كل جانب ولما أوشك أن يقع في اليأس إذا برجل مرتد بثياب بيضاء وعليه جمال وبهاء جاء إليه فدله على الطريق وأزال عنه بوائق التعويق ثم يعقب قوله بأن ذلك الشخص لا شك في أنه روح التقي فلان الخ من أمثال هذه الأخبار التي لا يليق بنا إنكارها على عجل وإن كانت تعوز النظر وللعلماء المحققين أدلة عقلية على بطلان ما جنح إليه الطبيعيون ودحض مذهبهم الذي ليس له ظل في الحقيقة ولا وجه من الصحة.

أغلاط لسان العرب

أغلاط لسان العرب (وفي مادة ك ج ج صفحة 175 سطر 19) الكجة بالضم والتشديد لعبة للصبيان قال ابن الأعرابي هو أن يأخذ الصبي خزفة فيدورها ويجعلها كأنها كرة ثم يتقامرون بها وضبط (كرة) بتشديد الراء والصواب تخفيفها على وزن ثبة بنص القاموس. (وفي مادة ذ ب ح صفحة 264 سطر 6) وتذابح القوم أي بح بعضهم بعضاً يقال التمادح التدابح والصواب البتذابح بالذال المعجمة لأن الكلام في مادة الذبح لا معنى هنا للتدابح بالمهملة. (وفي مادة أر خ صفحة 482 سطر4) في تفسير بيتين قال الغفر لو ... د الوعل والأرخ ولد البقرة ويخرمس أي يسكت أو لا طوم الضمام بين شفتيه والصواب (والأطوم) بتقديم واو العطف على الألف وهو ظاهر. (وفي مادة ج ع د سطر 95) روي قول الراجز قد يتمنى طفلة أملود ... بفاحم زينة التجعيد وضبط صفة بكسر الطاء والصواب فتحها لأن المراد الرخصة لا التي في سن الطفولة. (وفي مادة ج ود ص 111) روي للفرزدق: قوم أبوهم أبو العاصي أجادهمك ... قرم نجيب لجدات مناجيب وضبط (لجدات) بفتح التاء كأنهم توهموه ممنوع من الصرف والصواب كسرها مع التنوين. (وفي مادة س ن د ص 205 سطر 18) والسند مثقل سنود القوم في الجبل. وفي حديث أحد رأيت التساء يسندن في الجبل أي يصعدون ويروي بالشين المعجمة وسنذكره والمراد بالمثقل المشدد كما لا يخفى وليس في لفظ (السند) حرف مشددة إلا السين وهي لا تكون إلا مشددة متى سبقتها أداة التعريف لأنها من الحروف الشمسية وحكمها معلوم ولا نرى أحداً يعنى بالنص على مصلها بل أحر بأن تكون النص هنا مدعاة للاضطراب في ضبط الكلمة إذ قد يتبادر أن التشديد في غير هذا الحرف فيقع الإشكال. ومثل هذا وإن كان خارجاً عما نتعرض له وليس مقصوداً بالذات من ذكره هنا إلا أنه شيء عرض فقلنا فيه بما ظهر لنا. ولا ندري عمن نقل المصنف هذه الجملة. أما الحديث وما بعده فمنقول من نهاية ابن الأثير. والمتبادر من قوله ويروى بالشين

المعجمة وسنذكره أنه مذكور في (ش ن د) مع أن هذه المادة لا وجود لها في الكتابين ولا في كتب اللغة التي بأيدينا ولكن الذي ذكره الإمام السيوطي في مختصر النهاية عن الكلام على (سند) أن الرواية الأخرى في الحديث (يشتددن) أي من الشد بمعنى افسراع في المشي. وبمراجعة باب الشين من النهاية وجدنا فيه ما نصه. وفي حديث أحد حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل أي يعدون هكذا جاءت اللفظة في كتاب الحميدي. والذي جاء في كتاب البخاري يشتدن هكذا جاء بدال واحدة والذي جاء بغيرهما يسندن بالسين المهملة والنون أي يصعدن فيه فإن صحت الكلمة على ما في البخاري وكثيراً ما يجيء أمثالها في كتب الحديث وهو قبيح في العربية لأن الإدغام إنما جاز في الحرف المضعف لما سكن الأول وتحرك الثاني فأما مع جماعة النساء فإن التضعيف يظهر أن ما قبل نون النسوة لا يبكون إلا ساكناً فيلتقي ساكنان فيحرك الأول وينفك الإدغام فتقول يشتددن فيمكن تخريجه على لغة بعض العرب من بكر بن وائل يقولون ردتُ وردتَ وردن يريدون رددت ورددت ورددن قال الخليل كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول التاء والنون فيكون لفظ الحديث يشتدن أ. هـ وقد نقل صاحب اللسان هذه العبارة بنصها في مادة (ش د د صفحة 220) إلا أن ضبط بعض الكلمات وقع مخالفاً لما فيها فضبطوا (يشتدن) في الموضعين هكذاب بإسكان الدال المخففة كما ضبطوا (ردت) وما بعده بالإسكان والتخفيف أيضاً والكلام في ذلك هو المقصود من كل ما تقدم فنقول: المفهوم من عبارة ابن الأثير أن الدال في كل ذلك مشددة مفتوحة بدليل تصريحه بقبحه في العربية لاجتماع الإدغام مع ضمير الرفع المتحرك إلى آخر ما ذكر ولو كانت الدال ساكنة مخففة كما ضبطت في اللسان لكان الفعل على بابه مع الضمير ولم هناك وجه للاستقباح. وكأن المصحح اغتر بقوله (يشتدن هكذا بدال واحدة) فظنه نصاً على حذف إحدى الدالين ولم يفطن لما جاء بعده في العبارة فوقع في هذا الضبط. ويعضد ما ذكرنا قول الإمام ابن مالك في التسهل: والإدغام قبل الضمير لغة وقول أبي حيان في شرحه قوله لغة هي لغة ناس من بكر بن وائل يقولون ردن ومرن وردت وهذه لغة ضعيفة كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء فأبقوا اللفظ على حاله عندما دخلتا

وحكى بعض الكوفيين في هذا ردن يزيد نوناً ساكنة قبل نون الإناث ويدغمها فيها أن نون الإناث لا يكون ما قبلها إلا ساكناً وكأنه حافظ على بقاء الإدغام فزاد هذه النون أ. هـ وقال الدماميني: (وبعضهم يزيد ألفاً فيقول ردات وهو في غاية الشذوذ) أ. هـ أي بزيادة الألف قبل تاء الضمير كما في شرح التسهيل لعلي باشا. وقد تكلم سيبويه عن هذه اللغة في باب اختلاف العرب في تحريك الآخر الخ من الكتبا (ج2 ص 160) من النسخة المطبوعة ببولاق. (وفي مادة ص ي د صفحة 249 سطر8) (وقد يقع الصيد على المصيد نفسه تسمية بالمصدر كقوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وضبط (الصيد) بكسر الصاد والثواب فتحها لأن مصدر صاد مفتوح الأول قياساً وحسبك استشهاده بالآية الكريمة وهو فيها مفتوح كما لا يخفى. (وفي مادة ع ق د أول صفحة 290) روي لجرير: تبول على قتاد بنات تيم ... مع العقد النوابح في الديار وضبط (تيم) بكسر أوله والصواب فتحه لأنه إما أن يكون مسمى بالصفة المشبهة أي بالتيم بمعنى العبد أو بمصدر تامه الحب تيماً وكلاهما مفتوح الأول. (وفي مادة ف س د صفحة 333 سطر1) وفسد الشيء إذا اباره قال ابن جندب: وقلت لهم قد أدركتكم كتيبة ... مفسدة الأدبار ما لم تخفر ثم قال المصنف في تفسيره: (أي إذا شدت على قوم قطعت أدبارهم ما لم تخفر الأدبار أي تمنع) وضبط (مفسدة) بفتح الميم والسين وهو ضبط عجيب والذي يقتضيه ما قبل البيت وما بعده أن يكون بضم الأول وكسر السين لأنه اسم فاعد من فسد كما لا يخفى. (وفي مادة ق ي د ص 374) روي لأمرئ القيس: وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد فيدٍ الأوابد هيكلٍ وضبط (قيد) بالتنوين والصواب حذفه للأضافة وإقامة الوزن. (وفي هذه المادة ص 375 سطر 20) ضبط (اللثات) بفتح الأول والصواب كسره وهو جمع لثة بالكسر لمغرز الأسنان وقد اشتهر على الألسنة فتح أولها وهو خطأ ينبغي التنبه

له. (وفي مادة ل هـ د ص 399) روي لطرفة: بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ... ذليلٌ بأجماع الرجال ملهد برفع هذه الصفات كلها والصواب جرها لأنها صفات لمجرور ذكر في بيت قبله وهو قوله: ولا تجعليني كأمرئٍ ليس همخ ... كهمي ولا يغني عنائي ومشهدي ولا معنى للرفع على القطع لأنه يؤدي إلى رفع القافية وقوافي القصيدة مجرورة إلا إذا اتبعنا النعت الأخير بعد قطع ما تقدمه ولا يخفى عدم جوازه على الصحيح على أن مثل هذا الاختلاف لو كان مروياً في البيت ما سكت عنه رواة المعلقات وشراحها وهم يتناولون بالنص ما هو أقرب منه. وأوضح ألا تراهم كيف قالوا برفع يوم ونصبه وجره في قول امرئ القيس (ولا سيما يوم بدارة جلجل) على أنها روايات فيه ولم يقتصروا على ما تجوزه أحكام (سيما) أن أحكام العربية إنما بنيت في الأصل على ما نطق به العرب. فإن قيل لو جرينا على ما ذكرتم في كل بيت يروى فذا لاحتجنا فيه إلى معرفة الرواية أو الوقوف على ما قبله أو بعده وهو ما يكاد مستحيلاً علينا في أغلب شواهد اللسان وغيرها قلنا نما نقول بذلك فيما عرف وجهه أما ما لم يعرف فلا حرج فيه متى احتملته قواعد العربية. وإنك لو تتبعت مواد اللسان لرأيت من تدقيقهم في مثل ما مر ما يقضي بالعجب ويحكم لك بصحة ما ذهبنا إليه فمنه ما روي لأبي ذئيب في مادة (ك ور ص 471). ولا مشبًّ من الثيران أفرده ... عن كوره كثرة الإغراء والطرد فإنه يصح فيه جر الطرد عطفاً على الإغراء ورفعه عطفاً على كثرة ولكن المصنف نقل عن ابن بري أنه خطأ من رواه بالجر لأن أول القصيدة: تالله يبقى على الأيام مبتقل ... جون السراة رباع سنه غرد وهو عين ما فعلناه في بيت طرفة ومنه ما روي في مادة (ش م خ) ولثةٌ قد تثنت مشخمة برفع لثة وقول المصنف نقلاً عن ابن أبي بري أيضاً أن صواب إنشاده ولثةٌ بالنصب لأن

قبله: لما رأت أنيابه مسلمة ومثله في التدقيق ما روي في مادة (غ وق ص169) و (م ض ح) و (ق ب ل ص 58) مما لا سبيل إلى استيعابه هنا. بل قد رأيناهم لا يسكتون عما في أوله الفاء أو الواو إذا وقعت أحدهما موضع الأخرى كما روي في مادة (ض هـ ل) للأسود بن يعفر: وقبلي مات الخالدان كلاهما ... عميد بن جحوان وابن المضلل فقد نقل المصنف عن ابن بري أن صواب إنشاده بالفاء لأن قبله: فإن يك يومي قد دنا وإخاله ... كواردةٍ يوماً إلى ظمء منهل. يتبع

تعطيل الأشغال في يوم الجمعة

تعطيل الأشغال في يوم الجمعة شاع أن بعض المسلمين يرغبون في تعطيل الأشغال في يوم من الأسبوع طلباً للراحة. واختاروا يوم الجمعة ليتفرغوا للطاعة ويبادورا إلى أداء الصلاة مستدلين بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع). كما أن كثيراُ منهم يعتقدون أن ذلك بدعة منكرة ولا خير فيها لما يترتب عليها من زيادة انتشار الفساد. ولأن فيها تشبهاً بأهل الكتاب وقد أمرنا بمخالفتهم. ويقولون أن الآية المذكورة تدل على وجوب المبادرة إلى الصلاة وقت النداء فقط. فأحببنا أن نبين الحق والصواب في ذلك. قياماً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فنقول: أما التشاغل بالبيع أو غيره يوم المجمعة بعد النداء للصلاة أي الآذان فهو حرام. وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك. وأما الإجبار من آحاد الناس على تعطيل الأشغال فنه لا يجوز باتفاق المسلمين لا في يوم الجمعة ولا غيره. سواء حصل الإجبار بالإكراه أو الحياء أو الإلزام بصرف مال في إعانة خيرية أو نحوه. وسواء صار تحصيل المال الذي ألزم المغرم به خوفاً من الإهانة أو بطريق الحياء أو بغير ذلك من الوجوه المحرمة. لأن هذا تسلط على الناس بغير وجه شرعي وهو حرام قطعاً. وأما التفرغ يوم الجمعة للطاعة والمبادرة إلى المساجد من أول النهار فهو أمر حسن مندوب إليه كما نص على ذلك العلامة ابن حجر في الفتاوى الكبرى وكتب الفقه طافحة فيه وقد جاء كثير من الأحاديث المرغبة في ذلك. وأما الاستراحة فلا بأس بها لمن أحب وقد سن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم القيلولة كل يوم وقت الظهر لنرتاح ونقوم للعبادة بنشاط ولكن الذي ليس له رغبة في الاستراحة لا يجوز إجباره عليها. لا وقت القيلولة ولا في يوم من الأيام. لأن دين الإسلام جاء بالتيسير والتسهيل حتى أنه أباح الاشتغال في أيام العيد لمن أراد فلا سبيل إلى منع الناس من الأشغال لا في يوم الجمعة ولا غيره. ومن أحب أن يستريح في يوم أو يومين أو أكثر فلا حرج عليه. فإن قال قائل إذا تركت الأشغال وحدي في يوم الجمعة أو غيره يظن الناس أن ذلك لخلل

في تجارتي فيحصل لي الضرر. قلنا ربما يتوهم بعض الناس ذلك ولكن في مرة أو مرتين فقط ثم يعلمون أن من عادتك ترك الأشغال في يوم الجمعة مثلاً أو غيره من الأيام فترتفع الشبهة ويزول هذا التوهم. فإن قال إن نفسي لا تسنح أن أترك تجارتي إلا أذ ترك أمثالي تجارتهم أيضاً. قلنا إن كنت أنت لا ترضى بذلك فإنه يوجد أناس لا يرضون بترك أشغالعم إما لضرورة أو غيرها. فكيف يسوغ منعهم من شيء أحله الله لهم. وأيضاً الاتفاق على التعطيل في يوم الأسبوع يكو سبباً لزيادة انتشار الفساد وفيه تشبه بأهل الكتاب. وقد أمرنا بمخالفتهم فإن قال أن من أراد الفساد لا يكون الشغل مانعاً له منه. والراغبين في تعطيل يوم لا يقصدون التشبه بأهل الكتاب. قلنا أن التعطيل يكون سبباً لسهولة الفساد لمن أراده ولمزيد انتشاره بين الناس والاتفاق على تعطيل يوم في الأسبوع فيه تشبه بأهل الكتاب ولو كان غير مقصود. وأما قوله تعالى: (يا آيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فإنه يقتضي تحريم التشاغل والتأخر بعد النداء للصلاة أي الآذان لها. ولا يتعدى هذا إلى ما قبل النداء. بل الاشتغال بالتجارة ونحوها قبل النداء باقٍ على أصله وهو الإباحة وكذلك بعد أداء الصلاة كما قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) أي إذا أديتم الصلاة فإنها يباح لكم أن تشتغلوا بالتجارة كما قاله كثير من المفسرين كالشهاب الخفاجي والعلامة الفخر الرازي والمحققين النسفي والخازن وغيرهم. ونقله أيضاً العيني في شرحه على البخاري بل استقرب العلامة المحقق الشهاب الخفاجي في حاشيته على البيضاوي أن الاشتغال يوم الجمعة مندوب إليه لما فيه من عدم التشبه بأهل الكتاب في تعطيل يومي السبت والأحد وهذا اليوم لنا بمنزلتهما. بل قال أن العلامة السرخسي نقل أنه واجب وذهب جمع من المفسرين إلى أن الابتغاء من فضل الله يكون بالتجارة أو صلة الرحام أو طلب العلم أو نحوه. وذهب قوم إلى غير ذلك وعلى كل حال فالأصح أن الاشتغال بالتجارة في يوم الجمعة قبل الآذان وبعد أداء الصلاة إن لم يكن مندوباً فهو مباح. وأما اتفاق بعض المسلمين على تعطيل يوم في الأسبوع فهو بدعة منكرة لما يترتب عليه

من المفاسد. أولاً: زيادة انتشار الفساد وتسهيله لمن أراده ويكفينا دليلاً على هذا ما يشاهده أو يسمع به كل من الخاصة والعامة في أيام العيد من زيادة الفحش وفشوه بين الناس بسبب سهولة الاختلاط وإنكار هذا الأمر في زمان فسدت فيه تربية قسم عظيم ما هو إلا مكابرة وقد أخبرنا من نثق بدينه وأمانته أن بعض الراغبين في تعطيل يوم الجمعة بحجة التفرغ للطاعة يتعمدون ترك صلاة الجمعة في كثير من الأيام وأخبرنا أيضاً من نتحقق فيه العدالة أن قوماً تركوا أشغالهم في اليوم المذكور وذهبوا إلى بعض البساتين للتنزه وتركوا صلاة الجمعة مع أن الخروج بعد الفجر إلى محل لا تدرك فيه الجمعة محرم على اختلاف فيه. ونقل إلينا من نعتقد صدقه أن قوماً بسبب تعطيل الأشغال يوم الاثنين ذهبوا إلى بعض النواحي وأحضروا آلات اللهو وشربوا الخمر فنهاهم رجل منهم وبين لهم أن هذا محرم وجزاؤه غضب الله عز وجل وعقابه فأجابوه بأنا قد تركنا الأشغال لنرتاح ونأخذ حظنا من البسط وداموا على ما هم عليه. ثانياً: إن تعطيل يوم في الأسبوع فيه تشبه بأهل الكتاب ولو كان غير مقصود كما تقدم وقد أمرنا بمخالفتهم. ثالثاً: إن التعطيل يكون سبباً للإسراف بصرف الأموال لأن البطالة من أكبر الدواعي إليه مع أن أهل الحرف وهم أكثر الناس تشتهي عيالهم الأدم وأكثرهم بحالة من الضيق والفقر تبكي لها القلوب القاسية شفقة وحناناً. رابعاً: إذا تم هذا الأمر لا سمح الله فأطفالنا إذا نشؤا عليه يعتقدون أنه من الشعائر الدينية. خامساً: إذا تم هذا الأمر لا قدر الله تتألف شركات لفتح مقامر ومحال للتياترو ونحو ذلك في اليوم المذكور زيادة على ما يوجد الآن وهذا يكون سبباً لمزيد من انحطاطنا في الأخلاق والثروة. فاتفاق بعض المسلمين على تعطيل يوم في الأسبوع ولو كان اختيارياً من غير إكراه ولا إجبار هو أمر محرم إذا ترتبت عليه هذه المفاسد والمحرمات. لأن كل ما أدى إلى الحرام يكون حراماً. ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما هو مقرر. فليتيقظ الناس قبل تفاقم الأمر فإن نتيجة هذا العمل تعود عليهم بمزيد من الانحطاط

وليعلموا أن كل من سعى في هذه البدعة فعليه وزرها ووزر من عمل بها يوم القيامة. وحيث أن كثيراً من الراغبين في التعطيل لهم نية صالحة وأكثرهم يعلم أننا لا غاية لنا إلا المحافظة على الآداب الإسلامية وتنبيه المسلمين إلى ما يخالف دينهم ويعود عليهم بالانحطاط والضرر كما تشهد بذلك أبحاث مجلتنا فنحن على ثقة بأنهم متى اطلعوا على ما كتبناه وتبين لهم أنه الحق رجعوا إليه. وفي الختام نسأل الله تعالى أن يجمع قولبنا على التقوى. وكلمتنا على ما فيه مصلحتنا وأن يجعلنا من الذين يستمعون الحق فيتبعون أحسنه.

يا عالم الإسلام

يا عالم الإسلام ننقل هنا عن جريدة (الحق يعلو) القصيدة الآتية للشاعر المجيد السيد محمد الهاشمي يناجي العالم الإسلامي. . قال حفظه الله: تبين لك الأيام أم تتجمجم ... حديث الأماني لو علمت مرجم وتستعظم الأيام في كل حادث ... وجهلك بالأيام أدهى وأعظم أطلت التمادي بالضلال وأنه ... سبيل إلى الحرمان لو كنت تعلم وكنت قد استضعفت للدهر حقة ... ولا الخرق مرتوق ولا الجبل مبرم هو العيش إمام أن تعيش فتنثني ... عزيزاً وإما أن تذل فتحرم وإني أرى في الموت حالاً تسرني ... إذا لم يكن لي في الحياة التقدم إذا لم أفز في هذه الحال بالمنى ... فلا الموت يلويني ولا السقم يؤلم وإن وطأتني الظالمون بأخمص ... فموتي شهد والسلامة علقم دع العيش واستنجع ظبى الموت إن تجد ... على العيس ذلاً أسه فيه محكم فإن لم تمت ترجع سيداً وإن تمت ... تمت حيث لا تشقى ولا تتندم ولا مأتم مثل المذلة إنها ... هي المأتم المردى إذا قام مأتم دعيني أمت حتف السيوف فإنني ... أخاف إذا ما مت أني أشتم إذا أنا لم أحفظ عهود حقيقتي ... فلا بسمت لي يوم حادثة فم إلى العز نفسي تشرئب ومالها ... إليه سوى الموت المفجع سلم وإني لأوطاني وديني وسؤددي ... فداء إذا ما حادث بات يحدم ألا ليت شعري هل يباح لي الكرى ... وفي وطني هوج الوقائع تقصم أتى جارف الأعداء يغشى بلادنا ... لا مواجه حول الوطن هيقم تألبت الأعداء طراً ليهدموا ... دعائم للإسلام لا تتهشم فيا غيرة الإسلام هذا احتياجنا ... إليك وهذا المأزق المتجهم غلى عالم الإسلام أهدي تحية ... بها الحزن يطوى والمدامع تسجم لماذا اختلفتم والأعادي تظاهرت ... عليكم ونمتم والعدى تتغمغم دعوا الخلف إن السيل قد بلغ الزبى ... فما الخلف إلا مرتع متوخم أرى العرب والأتراك في الدين أخوة ... وما الترك إلا في بني العرب تعصم

ولا الترك مرجوح ولا العرب راجح ... ولكنهم للدين كف معصم وما الفرق بين العرب والترك بالذي ... تشدد ما أيدي الحوادث تفصم فيا أيها العرب الكرام تظاهروا ... مع الترك أن الحق بالحق يدعم وإلا فأنتم للخطوب دريئة ... تروح أمور الذل فيكم وتعتم فلا الدين دين الله يبقى ولا الهدى ... تؤيد دعواه ولا الملك يسلم ولا تحسبن الشر فيهم وأنكم ... من الشر قوم ما لكم فيه مقسم لكم ما لهم من أمركم وعليكم ... من الذل ما ألقى الرجال عليهم فكونوا بناء في المصائب واحداً ... إذا الدهر يبغي وإذا الشر يهجم أليس من الخسران أن بلادنا ... تصاب وأنا في التباغض نوم أترضون أن نمسي عبيداً جميعنا ... لمن ليس يهدينا ومن ليس يرحم فلا تجدعوا آنافكم بأكفكم ... ولا تصبحوا الذكرى لمن يتوسم تعصب بعض القوم في الدين واقتفى ... سبيل العمى وهو السبيل المذمم أفي الدين أم في الحق كان تعصب ... بقومية أم ذا من السوء ينجم لقد موهوا في الدين ما لم يكن له ... من الحق ظل أو من الدين معلم وليس رسول الله فرق بيننا ... بقومية للمسلمين تقسم وما رجح الإسلام ممن تمسكوا ... به أحداً أو قال هذا مقدم ولكنه ساوى فكان كما ترى ... سواء به عرب وترك وديلم وما زال هذا الدين في كل موضع ... يسب الذي يبغي الخلاف ويشتم سنوء كل طمر قصعة بعد قصعة ... إذا نحن في هذا التعصب نحزم أتغزى بلاد المسلمين وعندنا ... قلوب ويجري في مفاصلنا دم لنا كل يوم وقعة بعد وقعة ... تدق بها الآناف منا وترغم وتغصب منا بلدة بعد بلدة ... أناس لهم في جهلهم متعوم وتخصمنا الأعداء في كل معرك ... بكل خضوع للجيوش فتقضم فإن دام هذا الحال فالظلم دائم ... على عالم الإسلام والذل أدوم سطت أمم البلقان بالملك سطوة ... تمور سماء من لظاها وأنجم

(أدرنة) تبكي والجحافل حولها ... تزعزع من بنيانها وتقصم (سلانيك) تشكو اليأس واليأس واقع ... عليها وتشكو الظلم والظلم يؤلم وفي (الروملي) قد أنزل الخطب رحله ... وأصبح فيها الظلم وهو مخيم تضايق رحب (الروملي) وهو واسع ... بأشلاء جيش (الترك) فالرحب مفعم وهناك ذل المسلمون ودمرت ... بلادهم يا من من الذل يعصم وكم قد غدى منهم خميس عرمرم ... إلى الحرب يتلوه خميس عرمرم فجاهد حتى شتت الموت شمله ... وزاحم بحر الموت وهو غطمطم تولت بلاد المسلمين زعانف ... تهدم من أركانها ما تهدم لقد ملئت بالغدر منهم صدورهم ... وآراؤهم يوم المشاكل تسقم أولئك خانوا قومهم وبلادهم ... فذكرهم بالسب واللعن يختم وقد دنسوا أعراضهم وثيابهم ... بعار لهم في صفحة الدهر يرقم وقد خسروا الدنيا فلا العرض منهم ... مصون ولا ما يكسبون مكرم وقد خسروا الأخرى فليس لهم بها ... رجاء إذ يرجو من العفو مجرم ألا أيها الشرق ما الذي طال نومه ... أأنت ضعيف الكف أم أنت أعسم ألا يا رجال الشرق ما بال حزمكم ... يغب وما بال العزائم تحجم ويا عسكر الإسلام إن خلافكم ... مشوم ولكن التباغض أسأم سلام على الإسلام يوم تفرقوا ... فخارت قواهم في الورى وتهضموا خبت نارهم من بعد ما كان نورها ... به يستنير الكون والكون مظلم وكانت مساعيهم وكانت سيوفهم ... بها الجرح يؤسى أو بها الداء يحسم فيا غيرة الإسلام إن بلادنا ... بها الناس تصلي والمنازل تضرم ويا غيرة الإسلام إن بلادنا ... بها الدم يجري إذا أبيح بها الدم ويا غيرة الإسلام إن بلادنا ... تصاب ووجه العدل أربد أقتم ويا غيرة الإسلام إن بلادنا ... تجور بها الأعداء جوراً وتظلم ويا غيرة الإسلام إن بلادنا ... بها الحق يخبو والمساجد تهدم وتسبى نساء المسلمين وتستبى ... أيامى وأطفال هنا تيتم

حرائر لم تطرق عليهن ريبة ... ولم يخترق في سبلهن محرم وقد أوقدت بعض البيوت بأهلها ... كما أوقدت بالمجرمين جهنم فيا وحدة الدين أنجدينا فإننا ... بنا حل ليل الظلم والليل مظلم بغداد (محمد الهاشمي)

سنن متروكة

سنن متروكة من السنن المتروكة عدم تسوية الصفوف في الصلاة وترك فرج فيها وعدم إتمامها وقد اتفقت عامة الفقهاء على أن من السنة تسوية الصفوف وإتمامها وسد فرجها والتراص فيها وعدم الشروع في صف قبل إتمام ما قبله. قال في الهندية وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا ويسدوا الخلل ويسووا بين مناكبهم في الصفوف. ولا بأس أن يأمرهم الإمام بذلك كذا في البحر الرائق شرح كنز الدقائق والقيام في الصف الأول أفضل من الثاني وفي الثاني أفضل من الثالث وإن وجد في الصف الأول فرجة دون الصف الثاني يخرق الصف الثاني كذا في القنية. وأفضل مكان المأموم حيث يكون أقرب إلى الإمام. أ. هـ وفي الدر المختار (ولو صلى على رفوف المسجد إن وجد في صحنه مكاناً كره كقيامه في صف خلف صف فيه فرجة) قال محشية العلامة الظحطاوي (قوله كقيامه من صف خلف صف) فإنه مكروه وهل الكراهة تنزيهية أو تحريمية يحرر والذي يرشد إليه قوله عليه الصلاة والسلام ومن قطعه قطعه الله الثاني أه. وقد نقل عبارته العلامة ابن عابدين وأقرها ثم قال بقي ما إذا رأى الفرجة بعدما أحرم هل يمشي إليها لم أره صريحاً وظاهر الإطلاق نعم ثم رأيت من مفسدات الصلاة من الحلية عن الذخيرة إن كان في الصف الثاني فرأى فرجة في الأول فمشى إليها لم تفسد صلاته لأنه مأمور بالمراصة قال عليه الصلاة والسلام تراصوا في الصفوف ولو كان في الصف الثالث تفسد أه أي لأنه عمل كثير وظاهر التعليل بالأمر أنه يطلب منه المشي إليها تأمل وكتب على قول الدر (ولو وجد فرجة في الأول لا الثاني له خرق الثاني لتقصيرهم) يفيد أن الكلام فيما إذا شرعوا وفي القنية قام في آخر صف وبينه وبين الصفوف مواضع خالية فللداخل أن يمر بين يديه ليصل الصفوف لأنه أسقط حرمته بنفسه فلا يأثم المار بين يديه دل عليه ما في الفردوس عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه فإن لم يفعل فمر مار فليتخط على رقبته فإنه لا حرمة له أي فليتخط المار على رقبة من لم يسد الفرج أه هذا الحكم عند السادة الحنفية وأما عند السادة المالكية فقد قال في المدونة وقال مالك رضي الله عنه إذا فرغ المؤذن من الإقامة ينتظر الإمام قليلاً قدر ما تستوي الصفوف ثم يكبر ثم قال وقد كان عمر وعثمان يوكلان رجالاًَ

بتسوية الصفوف فإذا أخبروهما أن قد استوت كبرا. وأما الحكم عند السادة الشافعية فقد قال في فتح المعين وندب وقوف في صف أول وهو ما يلي الإمام وإن تخلله منبر أو عمود ثم ما يلي وهكذا أفضل كل صف يمينه ولو ترادف يمين الإمام والصف الأول قدم فيما يظهر ويمينه أولى من القرب إليه في يساره وإدراك الصف الأول أولى من إدراك الركوع غير الركعة الأخيرة أما هي فإن فوتها قصد الصف الأول فإدراكها أولى من الصف الأول وكره لمأموم انفراد عن الصف وشروع في الصف قبل إتمام ما قبله وكل هذه تفوت فضيلة الجماعة كما صرحوا به ويسن أن لا يزيد ما بين كل صفين وما بين الأول والإمام على ثلاثة أزرع قال محشية العلامة السيد علوي السقاف عند قوله يمينه ويستحب لكل واحد تسوية الصفوف والأمر بذلك والمراد تعديلها والتراص فيها ووصلها وسد فرجها وتقاربها وتحاذي القائمين بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من بجنبه ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الصف الذي قبله فإن خالف في شيء من ذلك كره ولا يضر طول الفصل بين الإقامة والصلاة لتعديلها الصفوف كما في التحفة في باب الآذان وعد في الزواجر قطع الصف وعدم تسويته من الكبائر وهو ظاهر خبر من قطع صفاً قطعه الله أه. إذ هو بمعنى لعنه الله واللعن من علامة الكبائر لكن لم أر من عده كبيرة بل هو عندنا مكروه أه وأما الحكم عند السادة الحنابلة فقد قال شيخ الإسلام الشيخ منصور بن يونس البهوتي في شرح المنتهى عند قول المصنف (ثم يسوي إمام الصفوف بمنكب وكعب) استحباباً فيلتفت عن يمينه فيقول استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك لحديث محمد بن مسلم قال صليت إلى جنب أنس بن مالك يوماً فقال هل تدري لم صنع هذا العود فقلت لا والله فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه فقال اعتدلوا وسووا صفوفكم ثم أخده بيساره وقال اعتدلوا وسووا صفوفكم رواه أبو داود ثم كتب عند قول الصنف (وسن تكميل) صفوف (أول فأول) حتى ينتهي إلى الآخر فلو ترك الأول فالأول كره لحديث لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا على ذلك لاستهموا عليه وظاهره حتى بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت الصلاة في محراب زيادة عثمان قال في (الفروع) وظاهر كلامهم يحافظ على الصف الأول وإن فاتته ركعة ويتوجه من نصه يسرع إلى الأولى

للمحافظة عليها والمراد من كلامهم إذا لم تفته الجماعة بالكلية مطلقاً وإلا حافظ عليها فيسرع إليها وقد ورد في السنة الوعيد الشديد لمن ترك تسوية الصفوف وإتمامها وسد فرجها قال صلى الله عليه وسلم لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم وعن أنس قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرق والمبطون والمطعون والهدم وقال لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً ولو يعلمون ما في الصف المقدم لاستهموا وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة وفي البخاري. . باب أثم من لم يتم الصفوف عن أنس رضي الله عنه أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه كناية عن المبالغة في تعديل الصف وسد خلله وروى أبو داود من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله عز وجل وقد صححه ابن خزيمة والحاكم وهنا نلفت أنظار حملة العلم إلى إحياء هذه السنن التي اعتاد كثير من الناس تركها ولا زاتجر لاسيما وكثير من الخاصة وأهل العلم يصلون تحت الدكة (السدة) مع وجود صفوف كثيرة غير تامة ووجود مسافة طويلة بينهم وبين آخر صف ووجود فرج في بعض الصفوف والعامة يقتدون بأهل العلم في أعمالهم وخصوصاً ما كان منها عبادة وفي المساجد وعليه ينبغي لأهل العلم إرشاد الناس بأقوالهم وأفعالهم إلى إحياء هذه السنن المتروكة ليكون لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة والله الموفق والهادي.

الأسئلة والأجوبة

الأسئلة والأجوبة أصحاب مجلة الحقائق الغراء. . . بينما كنت أطالع حاشية العلامة الشيخ إبراهيم الباجوري على الجوهرة في التوحيد عند قول المصنف (ومعجزاته كثيرة غرر) إذ وجدته ذكر حديث الغزالة وقال أنه موضوع لا أصل له ونص عبارته_وأما حديث الظبية فألحق أنه موضوع لا أصل له ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم في صحراء فنادته ظبية يا رسول الله فقال ما حاجتك؟ قالت: صادني هذا الأعرابي ولي خشفان (بكسرالخاء وتسكين الشين) أي ولدان في ذلك الجبل فأطلقني حتى أذهب أرضعهما وأرجع فقال وتفعلين قالت نعم عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله لكن الحديث موضوع كما علمت أه فأشكل الأمر علي نظراً لأن كثير من أهل العلم ضمن هذا الحديث في مدائحه النبوية وحصل عندي ريب من هذه القضية فألتمس من فضلكم أن تكشفوا لي النقاب عن وجه الحقيقة لا زلتم منبع العرفان والله الهادي وعليه التكلان وصلى الله على سيدنا محمد وآله وحزبه وسلم. الجواب: إن حديث الظبية قد اختلفت فيه أقاويل العلماء فمنهم من قال أنه موضوع ومنهم من قال أنه ضعيف ومنهم من فصل وقال هما حديثان أحدهما تسليم الغزالة وهو موضوع والثاني مناداتها النبي صلى الله عليه وسلم وطلبها الذهاب إلى أولادها وهذا ضعيف وله طرق متعددة يقوي بعضها بعضاً ففي المواهب اللدنية وشرحها في بيان معجزاته صلى الله عليه وسلم ما نصه: (روى حديثها أي الغزالة البيهقي من طرق) من حديث أبي سعيد (وضعفه جماعة من الأئمة لكن له طرق يقوي بعضها بعضاً) لأن الطرق إذا تعددت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن للحديث أصلاً فيكون حسناً لغيره لا لذاته (وذكره القاضي عياض في الشفاء) بلا سند عن أم سلمة بدون تمريض فيدل على قوته (ورواه أبو نعيم في الدلائل بإسناد فيه مجاهيل عن حبيب بن محصن عن أم سلمة رضي الله عنها قالت بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحراء من الأرض إذا هاتف يهتف يا رسول الله ثلاث مرات فالتفت فإذا ظبية مشدودة في وثاق وأعربي منجدل في شملته نائم في الشمس فقال ما حاجتك

فقالت صادني هذا الإعرابي ولي خشفان في ذلك الجبل فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما وأرجع قال وتفعلين قالت عذبني الله عذاب العشار إن لم أعد فأطلقها فذهبت ورجعت فأوثقها النبي صلى الله عليه وسلم فانتبه الإعرابي وقال يا رسول الله ألك حاجة قال تطلق هذه الظبية فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحاً وهي تضرب برجليها الأرض وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن رسول الله وكذا رواه الطبراني بنحوه وساق الحافظ المنذري حديثه في الترغيب والترهيب من باب الزكاة وأخرجه أبو نعيم من حديث أنس والبيهقي من حديث أبي سعيد وفي شرح مختصر ابن الحاجب للعلامة ابن الفسبكي وتسبيح الحصي رواه الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي ذر وتسليم الغزالة رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني وكذا الطبراني عن أم سلمة (والبيهقي) قال الحافظ والذي أقوله أنها كلها مشتهرة عند الناس وأما من حيث الرواية فليست على حد سواء انتهت عبارة المواهب وشرحها فمن تملها علم أن حديث السلام لم يثبت من حيث الرواية وأما حديث مناداتها للنبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبتت روايته إلا أنه ضعيف لكن طرقه متعددة أكسبته قوه كما تقدم ذلك واعتقاد ذلك ليس منفياً للعقل لأن العقل يجوز ما هو أبلغ من ذلك كتسبيح الحصى وانشقاق القمر وقد تقدم بيانهما وفي هذا كفاية والحمد لله وحده.

قصيدة أخلاقية

قصيدة أخلاقية الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا حكم قدّر التباين عدلاًَ ... عم معروفه وجل جنابه إن الغواة من أخوان الشياطين فاستعذ بالإله من شر غاوٍ ... في حبال الشيطان طال احتطابه لم يزعه الإرهاب شرعاً ولا أل ... بسه ثوب طاعة إرغابه الجهل غربة والعلم وطن توحش الجاهل الإقامة في الأه ... ل ولا يوحش اللبيب اغترابه الحر تكفيه الإشارة والحكيم الرشيد يخجله العت ... ب ولا يخجل اللئيم سبابه الحظ يجعل العدو صديقاً وبجد الفتى تعود ولاءً ... ووداداً من العدو ضبابه ليس للمشؤوم صديق وإذا ولت السعادة خانت ... هـ وصارت أعداءه أحبابه إذا حاق القضاء ضاق الفضاء وإذا ما القضاء عاند عبداً ... حاربته سيوفه وحرابه وغدا شمله شتيتاً وأحزا ... باً عليه لضده أحزابه من خاف من شيء سلط عليه يجعل المتقي ويبقى ملياً ... من توالي طعانه وضرابه رب حسن لا يتجاوز الظاهر لا تغرنك الوجوه فما ك ... ل سحاب يروق ترجى ذهابه عتب الملول عبث وتجنب عتب الملول فما يج ... لب أعتابه إليك عتابه الدين النصيحة وأحب نصحاً من استشار فما أن ... كر في شرع ملة إيجابه وإذا قابل النصيحة بالغ ... ش فدعه فما عليك حسابه

اللسان سلاح العاجز وإذا اغتابك اللئيم فشكراً ... حيث أضحى جهد اللئيم اغتيابه وما أجيب السفيه بمثل الإعراض وإذا ساءك السفيه بما شا ... ء فترك الجواب عنه جوابه لكل شيء نهاية وإذا الخطب ناب فاصبر فقد تف ... رج غماؤه ويكمم نابه القدرة على الإحسان من فرض الزمان وافعل الخير ما استطعت فقد تع ... جز عن فعله ويغلق بابه كل نفس بما كسبت رهينة واخشين كاتب الشمال فيا خس ... ر امريء في الشمال منه كتابه الظهور يقصم الظهور واغتنم لذة الخمول اختياراً ... فهنيء طعامه وشرابه اليأس إحدى الراحتين واجعل اليأس للمطامع شرباً ... فكفيل بريهن سرابه السلامة في العزلة عش وحيداً ولو دعاك إلى صح ... بته مخلص الدعاء مجابه وانظر الجمر وهو يطفأ بالما ... ء تجده به يزيد التهابه كن عبد الله فقط وانتسب طائعاً إلى باب مولا ... ك فما خاب من إليه انتسابه الناس ذئاب في ثياب كيف ترجو الوفاء من أهل دهر ... قد تساوت أبناؤه وذئابه طال فيه العدول عن سنن القص ... د وطالت رؤوسه أذنابه أفاضل الناس أغراض لذي الزمن كم قرت نائباته الهم قلباً ... وفرت هام أهله أنيابه وأباحت ملكاً منيعاً حماه ... وأذلت ملكاً عزيزاً جنابه

وأعارت حسن الثناء أخا قب ... ح ملاءً من العيوب عيابه وأعادت سعوده لاثم التر ... ب مهيباً ملثومة أعتابه الدهر بالناس قلب هذه سنة الزمان قديماً ... وعلى مثلها مضت أحقابه لا كبيرة مع الاستغفار يا أسير الذنوب تب عائداً من ... ها بغفارها المخوف عقابه فقرين التوفيق من دأبه في ... كل ما ساء صبره واحتسابه وخليق بعاجل الفوز من كا ... ن إلى الخالق الكريم متابه

الخوف

الخوف كتب العلامة الاجتماعي فريد بك وجدي تحت هذا العنوان ما يأتي: الخوف عند الصوفية كما قال القشيري في رسالته: والخوف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه الله تعالى إما في الدنيا وإما في الآخرة وقد فرض الله سبحانه وتعالى على عباده أن يخافوه فقال تعالى: (وخافون إن كنتم مؤمنين) وقال تعالى (وإياي فارهبون) ومدح المؤمنين بالخوف فقال تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم). نقول نحن تشدق بعض علماء العصر في أوروبا على مسألة الخوف وزعموا أن الإنسان لا يجب أن يساس به وإنما يساس بما يناسب مكانته في العلم والعواطف ولو تأمل هؤلاء الفلاسفة في حقيقة العوامل التي تقود الإنسان نحو الترقي بجميع أشكاله لرأوها كلها باعثها الخوف وإلا ما الذي يقيم الحكومات ويقعدها وفي مقدمتها الفلاسفة والعلماء عند هموم الأمراض المعدية ويبعثهم جميعاً لتفتيش بيوت العامة وإخراج أقذارها أليس الخوف من الموت؟ ما الذي يجعل العلماء يصلون الليل بالنهار في اختراع العلاجات واكتشاف أسباب الأمراض أليس الخوف من الموت؟ ما الذي يجعل الناس أجمعين يتكلبون على جمع المال حتى أن أكثرهم جنواً به جنوناً. أليس الخوف من ألم الفاقة والإملاق؟ إذا كان هذا كله صحيحاً فأي هضيمة على الإنسان أن يعلم أنه لو لم يعمل في دنياه صالحاً عوقب على ذلك في حياته المستقبلة بحرمانه من مقتضيات تلك الأعمال ولوازمها وعذب بما يناسب عصيانه واستكباره في الدار الدنيا أليس هذا بمنزلة مواد القوانين الوضعية التي تفرض على الرعايا حفظ النظام والقيام على سنة العدل وإلا فالغرامة المالية والحبس أو الأشغال الشاقة والإعدام؟ ما الذي يردع الناس عن أكل بعضهم البعض غير الخوف من سطوة القوانين؟ وإذا كان الخوف من العقاب هذا أثره في عالم الدنيا وفي مقدمة من يخاف القوانين العلماء أفلا يكون الأجدر بهذه السلطة رب الأرباب وخالق الأسباب وعالم الخفيات.

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد النشر والحشر قدمنا أن أرباب الملل والشرائع كافة وجمهور المحققين من الفلاسفة متفقون على حقيقة المعاد وإن اختلفوا في كيفيته إلا شرذمة الطبيعيين الذين تولاهم الغرور وغشيهم الضلال وزعموا أن لا بعث ولا حشر وأن الإنسان مثل نبات الأرض ينبت ثم يزول لا إلى رجعة وليس له حظ في وجوده إلا لذاته الحيوانية التي ينالها مدة حياته وهو قول باطل لا يعتد به من وجوه أنه قد ثبت بالبراهين القاطعة وجود إله العالم واتصافه بالصفات الكاملة وسمو حكمته وعدله في خلقه ورحمته لهم ولا مرية في أن كل معتقد لذلك يظهر له أنه من حكمته تعالى وعدله بعد أن خلق الخلق ومنحهم عقولاً يميزون بها بين الحسن والقبيح وقدراً بها يقدرون على الخير والشر أن يربط عمل الخير بالثواب وعمل الشر بالعقاب وكل من الثواب والعقاب غير حاصل في دار الدنيا فلا بد من دار أخرى يحصل فيها ذلك (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) ولا يكفي في ذينك الردع والترغيب ما أودع الله من العقل من تحسين المحسنات وتقبيح المنكرات لما عرفت أن العقل لا يستقل في معرفة كثير من الأمور ولأن العقل وإن كان داعياً للإنسان في فعل الخير وترك الشر إلا أن الهوى والنفس يدعوانه إلى الانهماك في الشهوات واللذات فإذا حصل التعارض فلا بد من مرجح قوي آخر وما ذاك إلا ترتيب الوعد والوعيد والثواب والعقاب على الفعل والترك. إن صريح العقل يقضي أن من حكمة الحكيم أن يفرق بين المحسن والمسيء وحصول هذه التفرقة ليس في هذه الدار لأنا نرى كثيراً من أهل الإساءة في أعظم الراحة وكثيراً من أهل الإحسان بالضد من ذلك فلا بد أن يكون بعد هذه الدار دار أخرى تحصل فيها تلك الفرقة. إن السلطان إذا كان قادراً حكيماً مشفقاً على الرعية والخدام وجب عليه أن ينتصف للمظلوم الضعيف من الظالم القوي وإن ترك ذلك كان راضياً بالظلم والرضا بالظلم لا يليق بمثل هذا السلطان ولا شك أن الله تعالى كامل في صفة القدرة والرحمة والشفقة منزه عن الظلم والعبث فلزم أن ينتصف لعباده المظلومين من الظالمين وهذا الانتصاف لا يحصل غالباً في هذه الدار لأن الظالم يبقى في غاية العزة والقدرة والمظلوم في مزيد من الإهانة والمذلة

فلا بد من دار أخرى يظهر فيها العدل والانتصاف. إن الفطرة الإنسانية قاضية على بطلان ما ذهب إليه الماديون بدليل أنك ترى جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل والنحل يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير فلو كان الإنسان يفنى بالكلية بعد موته كما يزعم الماديون لكان التصدق عنه والدعاء له عبثاً فاتفاق طوائف العالم يدل على أن فطرتهم شاهدة بأن رأي الماديين باطل فإذ ثبت ذلك وجب الإيمان باليوم الآخر والاعتقاد بالحشر والنشر. ثم إن الذي يحشر إنما هو الأرواح والأجسام معاً وبيان ذلك أن النفس جوهر باق بعد فساد البدن فإذا أراد الله حشر الخلائق يتعلق بالبدن مرة ثانية ويتصرف كما كان في الدنيا وقد دل العقلب على أن سعادة الرواح بمعرفة الله سبحانه وتعالى ومحبته وأن سعادة الأجسام في إدراك المحسوسات والجمع بين هاتين السعادتين لا يمكن في هذه الحياة لأن الإنسان إذا استغرق في تجلي أنوار عالم الغيب لا يمكن أن يلتفت إلى اللذات الروحانية وإنما تعذر الجمع لكون الأرواح البشرية ضعيفة في هذا العالم فإذا فارقت بالموت واستمدت من عالم القدس قويت وكملت فإذا أعيدت إلى الأبدان مرة ثانية كانت قادرة قوية على الجمع بين الأمرين ولا شك أن هذه الحالة أقصى مراتب السعادة وأنكرت الفلاسفة الحشر الجسماني وزعمت أنه لا تحشر إلا الأرواح وهو زعم باطل لوجوه: أولاً: إن من تدبر في هذا العالم تدبراً صحيحاً وجد أموراً كثيرة تشبه الحشر وتدل على إمكانه أولها المني فإنه فضلة الهضم الرابع ومادته إنما تولدت من الأغذية المأكولة وهذه الأغذية تولدت من الأجزاء العنصرية وهذه الأجزاء كانت متفرقة في أطراف العالم ثم جمعها الله تعالى فتولد منها حيوان أو نبات فأكله الإنسان فتولد منه دم فتوزع ذلك الدم على أعضائه فتولد منها أجزاء لطيفة فكانت هذه الأجزاء متفرقة في أطراف الأعضاء كالظل المنبث ولهذا تشترك الأعضاء كلها في الالتذاذ بالوقاع ويحصل الضعف والفتور في جميع البدن عند انفصالها ثم سلط الله تعالى قوة الشهوة حتى جمعت مقداراً معيناً من تلك الأجزاء الطلية في أوعية المني ثم أخرجها ماء دفقاً إلى قرار الرحم فتولد منه إنسان فالأجزاء التي تولد منها بدن الإنسان كانت أولاً متفرقة في البحار والجبال وأوج الهواء ثم اجتمعت بالطريق المذكور فتولد منها هذا البدن فإذا مات تتفرق على مثال التفرق الأول فالقادر

العالم الذي لا يعجز عن شيء ممكن لا يغيب عن علمه مثقال ذرة كما جمع تلك الأجزاء المتفرقة أولاً ثم جعلها منياً ثم كون الشخص الذي تختلف صور أعضائه مع كون المني متشابه الأجزاء وأودع فيه القوة الناطقة والفاهمة اللتين لا يقتضيهما المني يقدر أن يجمعها مرة ثانية إذا افترقت بالموت ويكون منها شخصاً ويعيد النطق والفهم إلى محل كانا فيه فالأول عند المنكرين ليس مستبعداً فلا يكون الثاني مستبعد أيضاً. الثاني الحب فإنه مع اختلاف أقسامه وأشكاله إذا وقع في الأرض الندية واستولى عليه الماء والتراب فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة أو الفساد ثم إذا ازدادت الرطوبة ينفلق فلقتين فيخرج منهما ورقتان أما النوى فإنه يظهر في أعلاه شق وغي أسفله شف مع ما فيه من الصلابة العظيمة فيخرج من الأعلى الجزء الصاعد ومن الأسفل الجزء الهابط الذي يغوص في أعماق الأرض مع اتحاد العنصر واتحاد طبع النواة والماء والأرض فالقادر الذي يفعل هذه الأمور كيف يعجز عن جمع الأجزاء بعد افتراقها بالموت وعن تركيب الأعضاء. ومن الأدلة المحسوسة ما يجده الإنسان منا في نفسه من الزيادة والنمو وقت السمن ومن النقصان والذبول وقت الهزال ثم أنه قد يعود إلى حالته الأولى بالسمن وإذا جاز تكون بعض البدن جاز تكون كله فظهر أن الإعادة ليست بممتنعة. رابعاً حصول اليقظة بعد النوم فإن النوم صنو الموت واليقظة شبيهة الحياة بعد الموت ومن أراد زيادة الاستطلاع على الأدلة فليراجع المطولات فإن فيها مزيد من الإيضاح. إذا تقرر هذا فاعلم أن مدار القول بإثبات الحشر على أصول ثلاثة أحدها أنه تعالى قادر على كل ممكن وثانيا أنه تعالى عالم بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات وثالثها أن ما يمكن حصوله في بعض الأوقات فهو ممكن الحصول في سائر الأوقات وقد ثبت بالبراهين القطعية حقيقة هذه الأصول الثلاثة فإمكان الحشر يكون ممكناً لأن الله تعالى يمكنه تمييز أجزاء بدن كل واحد من المكلفين عن أجزاء بدن غيره وإعادة التركيب والحياة إليه كما كانا أولاً (والله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).

أغلاط لسان العرب

أغلاط لسان العرب (وزفي مادة هـ د د ص 443) روي لأبي ذؤيب: يقولوا قد رأينا خير طرف ... بزقيه لا يهدُّ ولا يخيب وروى (بزقيه) هكذا بالهاء وبغير ضبط وكتب المصحح بالحاشية (قوله بزقيه هكذا بالأصل وهو غير مستقيم فحرر). قلت أعاد المصنف هذا البيت في ماتدة (ز ق و) شاهداً على أن زقيه اسم موضع ولم ينص على ضبط فيها بل ضبطت بالقلم فقط بفتح فسكون وهو موافق لما نص عليه البكري في معجم ما استعجم إلا أنه قال في الكلام على (رنية) اختلف الرواة في بيت أبي ذؤيب: إذا نزلت سراة بني عدي ... فسلهم كيف ما معهم حبيب يقولوا قد وجدنا خير طرف ... برقية لا يهد ولا يخيب فرواه أبو علي برقية بالقاف ورواه السكوني برنبة بالنون ورواه البجيرمي بزقية بالزاي والقاف ورواه ثعلب برقبة بالراء المهملة والقاف والباء المعجمة بواحدة (انتهى كلامه) وذكره لا يخلو من فائدة وإن خرج عما نحن فيه. (وفي مادة ب ص ر ص 132) روي لتوبة: وأشرف بالغور اليفاع لعلني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها وروي (بالغور) بفتح العين المعجمة وهو خطأ لأن معناه المنخفض من الأرض ومعنى اليفاع المرتفع منها والشيء لا يكون منخفضاً ومرتفعاً في آن كما أن الإشراف لا يكون إلا في المكان المرتفع فالصواب (بالقور) بضم القاف جمع قارة للجبل الصغير وبه روي البيت في موضعين من آمالي القالي (ج1 ص88 وص 131) في النسخة المطبوعة ببولاق. (وفي مادة ب ك ر ص 145) روي لأبي ذؤيب الهزلي: وإن حديثاً منك لو تبذلينه ... جنى النحل فغي البان عود مطافل مطافيل أبكار حديث نتاجها ... تشاب بماء مثل ماء المفاصل وروي (عود) بالدال المهملة والصوال بالذال المعجمة جمع عائذ للناقة الحديثة النتاج وهو فاعل بمعنى المفعول لأن ولدها يعوذ بها. وضبط (مطافيل) في البيت الثاني مجروراً بالكسرة والصواب جره بالفتحة لأنه غير مصروف لصيغة منتهى الجموع وإنما كسر

(مطافل) في البيت الأول للضرورة وليس (مطافيل) مضافاً لأبكار فيصرف للإضافة بل هو بدل من عوذ وما بعده صفتان له وضبط (بماء) غير منون والصواب تنوينه وهو ظاهر. ومعنى البيتين أن حديثك كأنه عسل ممزوجاً بألبان الإبل الحديثة النتاج وهذه الألبان مشوبة بماء في غاية الصفاء. وإنما اختار البان العوذ لأنها أطيب وكلما عتق لبنها تغير. وفي تفسير ماء المفاصل قولان أحدهما أنه أراد بالمفاصل ما بين الجبلين وماؤها ينحدر عن الجبال فلا يمر بطين ولا تراب فيكون صافياً والثاني أن ماء المفاصل هنا شيء يسيل من المفصلين إذا قطع أحدهما من الآخر شبيه بالماء الصافي. (وفي مادة ث ور ص 179 س20) وقالوا ثورة رجال كثروة رجال قال ابن مقبل: وثورة من رجال لو رأيتهم ... لقلت إحدى حراج الجر من أقر ويروي كثروة وضبط آخرها بالفتح والصواب ضبطه بتنوين الجر لأنه إذا وقع في البيت مكان ثورة كان مجروراً بواو رب وليس هو ممنوع من الصرف فيجر بالفتحة. (وفي مادة خ ر ر ص317) روي للبيد بآخرة الثلبوت يربأ فوقها ... قفر المراقب خوفها آرامها وكتب المصحح حاشية (البيت بالأصل هكذا بالضبط) ونقول ليس في البيت إلا رواية (قفر) بالرفع والصواب نصبه على المفعولية ليربأ وبه روي في المادة (خ ز ز) والفاعل ضمير يعود على حمار الوحش المذكور في الأبيات قبله. (وفي المادة خ ز ر ص319) روي لعروة بن الورد: والناشئات الماشيات الخوزري ... كعنق الآرام أوفى أو صرى وضبط (عنق) بسكون النون والصواب بضمتين على اللغة الحجازية إقامة للوزن لأنه غير مستقيم على الأول ويكون على الثاني بخبل مستفعلن ليصير متعلن فينتقل إلى فعلتن. (وفي مادة د ور ص387 س14) ودير النصارى أصله الواو والجمع أديار والدايراني صاحب الدير وروى (الدايراني) بالألف بعد الدال وإسكان الياء التي بعدها وهذا لا يكون لأن الألف ساكنة أيضاً ولا يجوز اجتماع الساكنين على أننا لم نقف على نص في تحريك الياء فنحمله على الشذوذ في النسب فلم يبق إلا أن تكون هذه الألف زيادة سبق بها قلم

الناسخ. ويؤيد ذلك كون المؤلف أعاد هذه العبارة بنصها بعد سطرين في مادة (د ي ر) وروي فيها (الديراني) بغير ألف بعد الدال وكذلك جاء في القاموس. (وفي مادة ض م د ص164) روي لعنترة: إني امرؤٌ من خير عبس منصباً ... شطري وأحمي سائري بالمنصل وضبط (منصباً) بصيغة اسم الفاعل من أنصب ولا معنى له هنا وإنما مراد الشاعر (المنصب) بفتح الأول أي الأصل والمرجع. قال العلامة الأعلم الشمنتري في شرحه للديوان المنصب الأصل والحسب والمنصل السيف يقول شطري شريف من قبل أبي فإذا حاربت حميت شطري الآخر من قبل أمي حتى يصير له من الشرف مثل ما صار للشطر الأول. (وفي مادة ع ر ر ص232) روي لابن أحمر: ترعى القطاة الخمس قفورها ... ثم تعر الماء فيمن تعر وضبط (يعر) بفتح الراء ولا وجه لنصب الفعل فضلاً عن أنه مخل بالوزن فالصواب إسكانها مع التشديد ليكون من الضرب الأول من السريع وهو المطوي الموقوف وأصله مفعولات فلما طوي بحذف رابعه الساكن ووقف بتسكين سابعه المتحرك صار مفعلات فنقل إلى فاعلان ويقابله في البيت (من يعر) باجتماع الساكنين وهو جائز في الوقف. هذا عند من لا يرى لزوم الردف في هذا الضرب. أو إسكان الراء مع التخفيف وبه ضبط في مادة (ق ف ر ص424) ليكون من الضرب الثاني المطوي المكشوف أي المحذوف رابعه الساكن وسابعة المتحرك فيصير مفعولات بذلك مفعلاً فينقل إلى فاعلن. واعلم أن مثل هذا التخفيف جائز للشاعر في القوافي الموقوفة على ما هو مقرر في العروض ومفصل في كتاب (ما يجوز للشاعر في الضرورة) لأبي عبد الله محمد ابن جعفر التميمي (وموارد البصائر فيما يجوز من الضرورات للشاعر) للشيخ محمد سليم. إلا أنه لا يتأتى ترجيح أحد الوجهين على الآخر إلا بعد الوقوف على القطعة التي منها البيت فإذا كان فيها ما هو من الضرب الثاني وجب التخفيف في كل ما آخره مشدد لتكون الأبيات من ضرب واحد ألا تراهم كيف حكموا بتخفيف راء (أفر) في قول امريء القيس.

لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدعي القوم أني أفر لأن في القصيدة ما هو من الضرب الثالث من المتقارب ولو شددت الراء لكان البيت من الضرب الثاني ولا يجوز الجمع بينهما في قصيدة واحدة. قال العلامة البغدادي نقلاً عن كتاب (الضرائر لابن عصفور) عند الكلام على هذا البيت ما نصه وقد خفف عدة قواف من هذه القصيدة وإنما خفف ليستوي له بذلك الوزن وتطابق أبيات القصيدة ألا ترى أنه لو شدد (أفر) لكان آخر أجوزائه على (فعول) من الضرب الثاني من المتقارب وهو يقول بعد هذا: تميم ابن مر وأشياعها ... وكندة حولي جميعاً صبر وآخر جزء في هذا البيت (فعل) وهو من الضرب الثالث من المتقارب وليس بالجائز له أن يأتي في قصيدة واحدة بأبيات من ضربين فخفف لتكون الأبيات كلها من ضرب واحد سواء في ذلك الصحيح والمعتل أه. (وفي مادة ع ف ر ص260) روي قول الشاعر: إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن تعيش فجيء بزاد وروي (تعيش) بالمثناة الفوقية أوله والصواب بالمثناة التحتية لأنه للغاب لا للمخاطب وقد وقع مثله في مادة (ل ف ف ص231) نبه عليه الأستاذ اليازجي في الضياء. وفي هذه المادة ص 264) روي لجرير: لقومي أحمى للحقيقة منكم ... وأضرب للجبار والنقع ساطع وأوثق عند المرادفات عشية ... لحاقاً إذا ما جرد السيف لامع وضبط (جرد) بضم آخره والصواب فتحه كحكم أمثاله من الأفعال الماضية وهو ظاهر غير أن بنائه للمجهول ما لا يخلو من نظر لأنه يقتضي نصب (لامع) حالاً من السيف فيقع الإقواء. والذي عندي أن الصواب (إذا ما جرد السيف لامع) بنصب السيف على المفعولية ورفع لامع على الفاعلية وهو من قولهم لمع فلان بثوبه وبسيفه لمعاً إذا أشار وقد وجدته كذلك بضبط القلم على نسخة قديمة تغلب عليها الصحة من سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي. (وفي مادة ف ط ر ص362 س16) والتفاطير أول نبات الوسمي ونظيره التعاسيب

والتعاجيب وتباشير الصبح ولا أحد لشيء من هذه الأربعة وروي (التعاسيب) بالسين المهملة وليس في مادة (ع ش ب) التعاشيب العشب النبذ المتفرق لا واحد له وكذلك ورد في القاموس وشرحه في (ج1 ص35) من المخصص. (وفي مادة هـ ب ر ص 170) روي لعدي: فترى محانيه التي تسق الثرى ... والهبر يورق نبتها روادها وورد (يورق) هكذا بالراء ولا معنى له هنا وروى (نبتها) بالنصب (وروادها) بالرفع وكل ذلك مفسد لمعنى البيت. والصواب (يونق) بالنون أي يعجب روادها على أن رواية يونق ليست مني تحكماً في تصحيح معنى البيت بل هي المذكورة من أمهات كتب الأدب والقصيدة كلها منصوبة الروي. (تتمة) هذا البيت من قصيدة لعدي بن الرقاع عدة أبياتها ثمانية وثلاثون بيتاً مدح بها الوليد بن عبد الملك وأنشدها بين يديه فلما بلغ إلى قوله فيها تزحي أغن كان إبرة روقه قطع الإنشاد لتشاغل الوليد عنه فقال جرير أو الفرزدق وكانا حاضرين أنه سيقول قلم أصاب من الدواة مدادها فلما عاد عدي إلى الإنشاد نطق بالعجز كما قالا فعد ذلك من النوادر في توافق الخواطر وهذه القصيدة مع شهرتها وولوع أهل الأدب بها لا تكاد تجد منها إلا أبياتاً متفرقة بين كتب اللغة والأدب وقد ظفرت بها تامة في مجموع قديم بأوردتها برمتها في رسالة جمعتها في (أخبار أبي العلا المعري) لمناسبة اقتضت ذكرها. (وفي مادة ت ر م ز ص179س 4) الترامز من الإبل الذي إذا مضغ رأيت دماغه يرتفع ويسفل وضبط (يرتفع) بفتح آخره والصواب ضمه إذ لا وجه لنصب الفعل وهو ظاهر. لها بقية

الوظائف الدينية والجهلاء

الوظائف الدينية والجهلاء كل من يدير الفكر ويدقق النظر وينقب عن محيطنا وما تطرق إلى جميع أبوابه من الخلل والفساد يأخذه الأسف الشديد على هذه الحالة وينفطر قلبه كمداً. سقطت الهمم وخربت الذمم وطمست معالم الحق وحرفت الشرائع وبدلت القوانين ولم يبق إلا هوى يتحكم وشهوات تقضى وخشونة تنفذ تلك سنة الكون والله لا يهدي كيد الخائنين. ذهب ذوو السلطة وأعمدة الشر بكل شيء مخالف لنواميس الطبيعة ولحكمة التشريع السماوي وفعلوا ما ينبو عنه العقل القويم وينفر الجميع نفرة السليم من الأجرب. موهوا أفعالهم بمياه السفسطة وغشوها بأغشية من معادة القوة ليذروا الرماد في عيون نقدة أفعالهم الدنيئة من أرباب الغيرة وأنصار الدين والملة. كل ذلك ليجعلوا الباطل حقاً والجاهل الغر زعماً منهم بأن الحق إذا وضع اسم الباطل صار باطلاً والجاهل الغر إذا لقب بالعالم صار عالماً تلك لعمري مسألة بديهية البطلان ظاهرة الفساد تدل على خسافة عقول أنصارها وضعف ملكات مروجيها. والحقيقة متى وجدت سبيلاً تسيلك فيه نسفت التل المركوم وانقضت كالصاعقة على البرج الموهوم فلا غرو أن تدكدك شاهق التمويه ولا تبقي له أثراً فعند ذلك يماط عن الحقائق لحجاب فتبدو بصورتها وهيولاها ذكرنا ذلك لنلج إلى موضوع سبب فشو الجهل والجهلاء ونبوض العلم والعلماء بعد انتظام عقدهم وتلألأ شموسهم إلا فلتعلم الأمة أجمع أن جرثومة هذا الفساد والعقبة الكؤد في طريق العلماء (إسناد الوظائف الدينية لمن لم تتحقق فيه الأهلية) تلك قضية لا خلاف فيها ولا مرية بعدما أصبحت شاهدة ولا دليل بعدها. إسناد الوظائف لغير أهلها جر علينا الويلات الطامة والبلايا العامة والعار والشنار فمنها تزعزع العلوم والمعارف بعدما كانت متينة الوثاق قوية الركان لا تزيلها العواصف الثائرة ولا الأصوات الناعقة. . ومنها اختلاط الحابل بالنابل والحق بالباطل حتى كاد لا يفرق بين المدلسين المموهين الداء العلم وأعداء الإنسانية وبين العلماء الحقيقيين الذين يستهدى بهديهم ويفرغ من مدلهمات الخطوب وكوارث المسائل إليهم. ومنها نفرة القلوب عن طلب العلوم والسعي وراء تحصيلها لأن العالم الحقيقي الذي أفنى عمره في طلب العلوم وسهر دياجر الليالي لاقتناء المعارف يكون مضطهداً والجاهل المغتر الذي لا يفهم من العلم وتحصيله سوى الثرثرة والسمسرة إلى أولياء نعمته والتفاني في

خدمة مبادئهم السافلة معظماً مكرماً يتوسد الوظائف الدينية ورتب الوعظ لإرشاد الناس ومن يكون عن إرشاد نفسه وردها عن غيها وكبح جماحها عاجزاً فهو عن إرشاد غيره أعجز كيف وقد وجد لذلك أعواناً من حلفاء الدناءة وأعداء الحق فاسدي الأخلاق لا يهمهم خراب الدين وعمرانه إن لم نقل هم معاول تخريبه. . ورضوا لأنفسهم أنهم بفعلهم هذا سجل لهم التاريخ صحيفة سوداء لا يبلي جدتها كر الأيام والليالي. روى الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين إلا فليرعوا السعاة سعاة الجهل والجهلاء وليعلموا أن (ليس للإنسان إلا ما سعى) وروى الحاكم أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة (بلا استحقاق) فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم. ومنها تأنيب الأجانب لنا كتب أحد علماء الفرنجة وكتابهم يلزم على أوروبا جمعاء احترام دين الإسلام لأنه أفاد العالم كله ولكن ما العمل وقد ضيعه أهله وأي تضييع للدين الإسلامي والعلم والعلماء أعظم من أن يتولى رآسته الجهلاء ويدخل في عداده هيان بن بيان. والسادة الفقهاء نددت بذلك العمل وبينت فيه القول الحق وكتبهم التي هي دستور العمل في مثل هذا الخطب طافحة بذلك وهاك بعضها. قال في الأشباه والنظائر إذا ولى الحاكم مدرساً ليس بأهل للتدريس لم تصح ولايته لما تقرر من أن التولية مقيدة بالمصلحة ولا مصلحة في تولية غير الأهل قال ابن الكمال وعليه الفتوى. قال في البزازية إذا أعطي غير المستحق فقد وجد ظلم مرتين مرة بمنع المستحق ومرة بإعطاء غيره. وفي فتاوى قاضيخان أن التولية إذا لم توافق شرط الشارع لا تنفذ ومعلوم أن شرط الواقف كنص الشارع. وقال التاج السبكي المدرس إذا لم يكن صالحاً للتدريس لا يحل له تناول المعلوم ثم قال وهذا كله مع قطع النظر عن شرط الواقف في التدريس أما إذا علم شرطه ولم يكن المقرر

متصفاً به لم يصح تقريره وإن كان أهلاً للتدريس في الجملة لوجوب اتباع شرطه ثم قال والأهلية للتدريس لا تخفى على من له بصيرة منها المعرفة بمنطوق الكلام ومفهومه عارفاً بالمفاهيم أجمعها متبحراً في علوم الشريعة من تفسير وأصوله وفقه وأصوله وأن يكون بحراً غواصاً في استخراج المسائل من الكتب والنصوص له اليد العليا في سائر العلوم العربية والعلامة ابن عابدين بين مسألة توارث الوظائف عن الأجداد والآباء وذكر فيها القول الحق الذي لا محيد عنه فقال بعد نقول كثيرة ما معناه: يحرم إعطاء الوظائف الدينية لغير الأهل لما فيه من أخذ وظائف العلماء وتركهم بلا شيء يستعينون به من العلم كما هو واقع في زماننا فإن عامة أوقاف المدارس بأيدي جهلة أكثرهم لا يعلمون شيئاً عن فرائض دينهم بسبب تمسكهم بأن خبز الأب لابنه فيتوارثون الوظائف اياً عن جد كلهم جهلة كالأنعام ويكبرون بذلك فراهم وعمائمهم ويتصدرون في البلدةن حتى أدى ذلك إلى اندراس العلم والعلماء (وذكر حادثة وقعت في زمانه تشبه بعض حوادث زمننا نضرب عنها صفحاً) ثم قال ففي توجيه هذه الوظائف لأبناء هؤلاء الجهلة ضياع العلم والدين وإعانتهم على إضرار المسلمين. فيجب على ولاة الأمور نزعها من أيدي المختلسين واللصوص المتغلبة وتوجيهها على أهلها لينتظم الأمر وإلا فليبشر البقية الباقية من العلماء بأن العاقبة وخيمة ونعوذ بالله من ذلك أه. أما إذا كان الواقف شرط لتولية التدريس أعلم عالم مثلاً فهذا يحرم توجيه هذا التدريس على غيره بل لا ينعقد ولو كان عالماً معتبراً إذ شرط الواقف يحرم مخالفته كنص الشارع كما تقدم فكيف إذا لم يكن من العلماء أصلاً هذا لا يكون أبداً. . وجاء في نظام المدارس والتدريس الذي عرب في العام الماضي لأجل العمل به في مادة إذا كان شرط الواقف بحق توجيه التدريس معلوماً ومعمولاً به أو كان غير معلوم ولكن التعامل القديم فيه معروف يجب اتباعه قطعاً والعمل بموجبه ولذا يعتبر التوجيه الواقع بخلاف شرط الواقف على غير الأهل بل ينزع من عهدته ولو كان موجهاً عليه ببراءة ثم يوجه على مستحقه بمقتضى شرط الواقف. انتهى. ومن أعظم الأضرارالعظيمة التي سببها هذا الاحتكار والتغلب سقوط هذا السلك الشريف

من بين الطبقات حتى عد هزوءاً وسخرية بعدما كان يقام له ويقعد ولأهله في التاريخ مجد أثيل وعز فخيم. دخل الخليفة الأموي على عطاء بن أبي رباح وكان مولى من الموالي فلم يعبأ به ولم يأبه لجلالة قدره ورفعة منصبه حتى أنه لم يلتفت إليه ثم قال الملك لابنه وكان معه انظر ذلنا بين يدي هذا العبد وما هو إلا العلم يرفع العبيد على الملوك والصعلوك على العظام. ودخل الخليفة العباسي هارون الرشيد على الفضيل بن عياض فوعظه الفضيل حتى أبكاه وجرت دموع الخليفة على لحيته ثم قال لهم أنتم الملوك حقاً. دعي هذا الخليفة العظيم معاوية الضرير لأجل أن يأكل معه على مائدة واحدة فلما فرغا من الطعام قام معاوية يريد أن يغسل يديه فصب عليه هارون الرشيد ولم يدر معاوية ذلك ثم قال له الخليفة أتدري من يصب على يديك؟ قال له لا قال أنا قال أنت يا أمير المؤمنين قال له نعم إجلالاً للعلم ومن سير تاريخ الرشيد وعظمتهخ وفضله علم أنه كان للعلم وأهله في زمنه شأن يذرك. أي جهابذة العلم صناديد الوغى معدن الفضل الحقيقي مالي أراكم سكوتاً لا تتكلمون ولا تنبثون ببنت شفة كأنكم راضون بهذه الفترة وراضخون لهذا التيار أما علمتم أن الوظائف الدينية والعوائد الخيرية إنما زينت ليرتفع منار العلم والدين لا لعكس القضية أو ما علمتم بأن سكوتكم هذا هو الذي جر علينا الويلات الطامة والعامة وعدم الانتظام: أخرج البخاري في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال الأعرابي كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. . أرى أن الخطب يتفاقم والأمر يتعاظم وأنتم سكوت أتظنون أن القعود في أحلاس بيوتكم والانزواء في حجراتكم من باب العبادة والزهادة ما ظننتم إلا باطلاً فلقد بلغ السيل الزبى وتفرق العلم أيدي سبا فهبوا من سباتكم العميق هبوب الأسد من عرينه وطالبوا بحقوقكم المغصوبة ووظائفكم المنهوبة ولكن بالطرق المشروعة واضربوا بترهات المبطلين عرض الحائط (أن الباطل كان زهوقاً) وانصتوا لصدى شاعر النيل حيث يقول عليكم حقوق للبلاد أجلها ... تعهد روض العلم فالروض مقفر وقد أعذر من أنذر

(البقية تأتي) أبو الضيا

إلى علماء العالم الإسلامي ورؤسائه

إلى علماء العالم الإسلامي ورؤسائه {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (قرآن كريم) لما كان من الحقائق المؤيدة بالشواهد والقضايا المسلمة لدى ذوي الفكر الثاقب والنظر الدقيق أن من ترأس قوماً وتولى إدارة شؤونهم وزمام سياستهم وهو لا ينفك عن مخالطتهم ومعاشرتهم يوماً من الأيام يجب عليه أن يتوخى الأسباب التامة لاستجلاب قلوبهم ويستعمل الوسائل اللازمة لاستمالة نفوسهم وينهج المناهج التي ينهجونها ويرد المشارب التي ينهلونها ويميلون إليها بحيث لا يمس بذلك شرفه ودينه ليكون محبوباً مصاناً مكرماً عند الجميع ومعززاً مهاباً عند الرفيع والوضيع. كان من اللازم اللازب على من بيدهم زمام الحل والعقد من حكامنا كرؤساء الدوائر وقواد الجيوش ومن لهم الإمرة عليهم وعلى أرباب الصحافة الذين هم لسان حال الأمة أن يكونوا عنوان العدل ونبراس الهدى وعلم السعادة ونموذج الفضيلة يهجرون الخمرة التي يتجاذبون أقداحها باسم المدنية كما هجرتها عقلاء أوروبا ويكفون عن الزنا واللواط والجلوس في نوادي السفاهة والسفالة والتردد إلى المواخير ومراسح اللهو والعار والشنار باسم الحرية ويرجعون إلى دينهم فيتخلقون بأخلاقه الشريفة وآدابه المنيفة وينبذون الأخلاق البذيئة الساقطة ويعتاضون عن تلك المراسح بالمساجد ويتعشقون الصلوات الخمس ويدأبون على الطاعات (سياسة وديناً). أما سياسة فلحوزهم على إرضاء الأمة واستجلاب قلوبها وأما ديناً فلنيلهم رضاء الله تعالى ومن البديهيات أن الأمة متى رأت مأموراً محافظاً على دينه متمسكاً بالشرع الشريف متظاهراً بمكارم الأخلاق فإنها تحبه وتتودد إليه وتمدحه وتثني عليه حتى أنها تنخدع له وتضع ثقتها به وإن كان مرائياً مداهناً. بل تخضع له وتنقاد لجميع ما يأمر به وينهى عنه ولو كان مؤدياً لهلاكها وخراب ديارها والعكس بالعكس فإنها تنفر من المارق من الدين والمتنصل من الأخلاق الشريفة وتمقته وتنظر إليه بعين التحقير والازدراء وتسلقه بالسنة حداد فتمزق عرضه وتلوث شرفه حتى أنه ليكون كالقذى في أعينها.

ولاسيما ببلادنا التي أغلب سكانها من المسلمين فوسيلة الدين هي الوحدة الوحيدة التي تؤلف بين الشعب والحكومة وهي المشار إليها بقوله تعالى خطاباً لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. وهي التي تؤلف بين أفراد الأمة فتجعلها كالجسم الواحد تشترك في السراء والضراء وفي السعي وراء جلب المنافع ودرء المفاسد وفي المدافعة والمناضلة عن أوطانها عند طروء طارئ يتهددها أو حدوث نائب ينتابها هذه هي الجامعة الدينية والرابطة الحقيقية التي تمتاز عن سواها من الجامعات كالجنسية والوطنية واللغة. لأن الدين أقوى أساس تشاد عليه دعائم الروابط الاجتماعية بين أفراد النوع البشري مهما تباينت مشاربهم وتناءت أقطارهم وشطت ديارهم واختلفت أغراضهم وتبادلت أهواؤهم وتعددت لغاتهم فرابطة الدين عندهم أعظم مؤثر في النفوس لأنها أحرزت شرفين عظيمين وفضلين جليلين أحدهما - اتصال حبلها بحبل فاطر السماء والأرض والثاني دوامها إلى نهاية الأجل وأما الرابطة الجنسية وإن دامت فهي أضعف من الأولى لأن الإنسان قد يقطع أقاربه ويلحق بالأباعد بواسطة الدين وهذا معلوم واضح كالشمس في رابعة النهار لدى من له أدنى إلمام بعلم تواريخ الأمم وكم في الحوادث من شواهد؟ وأما رابطة الوطن واللغة فهما أضعف من الرابطة الجنسية لأنهما تابعان لها وكثيراً ما نرى من الناس من يبارح أوطانه مهاجراً إلى غير بلاده فيحل ربوعاً لم يعرفها ويشاهد سكاناً لم يألفها ويقيم بها إلى أن يدركه الأجل المحتوم كما نشاهده من الذين يهاجرون إلى بلاد أمريكا فإنهم ذهبوا عشرات من الألوف وما رجع منهم إلى وطنه إلا القليل. فرابطة الدين متى غرست في القلوب وأينعت ثمارها الجنية على أغصان أدواحها كانت الكهف الذي يؤوى إليه والملاذ الذي يعول عليه والحصن الحصين الذي يلجأ إليه الخائفون عند الدفاع عن أوطانهم والذب عن حياضهم والذود عن أعراضهم وأموالهم هي الوطن هي الحرية هي الإخاء هي المساواة. وبها أرهب سيدنا معاوية رضي الله عنه قيصر الروم لما كتب إليه يهدده بالحرب أو دفع الجزية حين تشاجره مع سيدنا علي رضي الله عنه فكتب له الجواب إن لم تكف عن طلبك

وترجع عن بغيك سلمت الأمر لصاحبي وكنت أول سهم من سهامه يرمي به إليك وحينما وصله الجواب أرعبه وأرهبه وأدرك الحقيقة وفهم السر الذي بين الملمين وتبين له الرشد من الغي. كيف ينكر فضل الرابطة الدينية وقد كانت السبب الوحيد في الفتوحات الإسلامية وانتشارها في سائر الأنحاء والأرجاء ومن المقرر المسلم أن دين الإسلام لم يدع أصلاً من الفضائل إلا أتى عليه ولا قادة من قواعد النظام الشريف إلا قررها ولا مزية من مكارم الأخلاق إلا دعا لها وحث عليها وأباح لكل أحد أن يتناول من الطيبات ما شاء أكلاً وشرباً ولباساً إلا ما كان ضاراً بنفسه أو بمن يدخل في ولايته أو ما تعدى ضرره إلى غيره. الإسلام هو الذي جعل الإنسان حراً في أفكاره متى بلغ رشده وأدرك هداه خول للإنسان استقلال العقل في الأمور النظرية وما به صلاح السجايا واستقامة الطبع وإنهاض العزائم هو الذي حمل على المتنفذين حملة الأسد الهصور فبدد فيالقه المتغلبين على النفوس ونسف ما كان لهم من دعائم وأركان في عقائد الأمم وصاح بالعقل صيحة أزعجته من سباته وأفهم الإنسان بأنه لم يخلق ليقاد بالزمام لكنه فطر على أن يهتدي بالعلم فيتخلص من ظلمات ليل الجهل الدامس الحالك ولما كان مفتاح هذه الوسيلة ومصباح هذه الطريقة هو علماء الأمة كان من الواجب المحتم على علماء الإسلام الأطباء النطساء الذين يشخصون الداء والدواء أن يبارحوا أوطانهم وينتشروا في الأرض لبث الدعوة الدينية بين أفراد الأمة ونفخ روح الشريعة في الأجسام الخالية لإحياء الأرواح الخامدة وتحريك النفوس الهامدة يؤلفون بين القلوب ويحذرون من التحزب والتفرق لأنهما في الحقيقة معاول الخراب وينذرون الأمة بسوء عاقبة اختلاف الكلمة وشق عصا الاجتماع ووخامة النتيجة ويبشرون بالفوز والنجاح عند التعاون والتعاضد واتفاق الآراء ويشقون إلى التمسك بعرش الخلافة الإسلامية وحفظ كيان دولة الإسلام والمسلمين ويحرضون الناس على شد أزرها بالمال والرجال ومفاداتها بما عز وهان ويبذل النفس والنفيس في سبيل ترقيها ونجاحها يغادرون أوطانهم ويفارقون أولادهم وخلانهم لنيل هذا المطلب الأسمى الذي جعله الله وظيفة الأنبياء والرسل الذين هم أشرف مخلوقاته وأورثه لعلماء الأمة فمن الواجب على الوارث أن يحفظ ما ورث ويعمل به خوف الضياع ومقت الله تعالى ولو لاقى الشدائد والمصاعب لأن له قدوة بمورثه قال

جل شأنه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. ومن اللازب اللازم على الحكومة أن تؤمنهم وعيالهم على معيشتهم وتكفل لهم بما يقوم بأودهم وتمد لهم ساعد المعاضدة على إدراك هذه الضالة المنشودة والغاية المفقودة لاسيما في هذه الأوقات الحرجة والظروف المشؤومة. فإذا فعلوا ذلك كان سعيهم هو قطب دائرة الحياة الدنيا ومدارج مرقاة العلا إلى المراتب السامية به تدرك الغايات وتملك النهايات وبالجملة علو الهمة من الإيمان ولما كانت القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد جعل الله من عظيم فضله وجليل كرمه الوعظ والإرشاد جلاء لصدأها ولهذه الغاية فرض على المسلمين صلاة الجمعة في كل أسبوع مرة وقيدها بالجماعة فلا تصح من الفرد وفرض الحج على المستطيع ليجتمع المسلمون كل عام. تراهم يأتون من سائر الأقطار والممالك ييممون البيت الحرام من كل فج عميق بقلوب ملؤها البشر والفرح لا يبالون بما يتحملونه من الآلام والمشاق يقف فيه الحقير والجليل والرفيع والوضيع ويقومون في صعيد واحد لا امتياز لابن أعاظم العظماء عن ابن أفقر الفقراء فيا لله ما أحلى هذه المساواة وما أبهاها وما هي الفائدة يا ترى من اجتماع المسلمين في اليوم خمس مرات وفي كل أسبوع وعام؟ فائدة اجتماعهم في اليوم والأسبوع والعام استماع المواعظ والإرشادات العمومية التي تلقيها الخطباء والوعاظ حسبما يقتضيه الحال والزمان بالتوصية بالمحافظة على الخلافة الإسلامية وبوجوب الانقياد لخليفة الوقت والتحابب والتعاون والتناصر والتعاضد والاعتصام بحبل الله جميعاً والسعي وراء المنافع العامة والنهي عن الانشقاق وتفرقة القلوب والحث على طلب العلوم الدينية والفنية وإحداث الفبارك والصنائع لتجاري أمتهم الأمم الحية في مضمار الرقي والتقدم ومعترك الحياة. فباجتماعاتهم العمومية السالفة الذكر ينظر الغني إلى الفقير فيحنو عليه ويشكر الله على ما أولاه من جلائل النعم والظالم يرى المظلوم فيرق ويرجمه والقوي يشاهد الضعيف فيعينه على ضعفه شفقة ورحمة ويقفون على أحوال بعضهم فيتأثرون متى سمعوا بمصيبة حلت ببلاد قوم دون آخرين ويهرعون لمؤازرتهم وإنقاذهم من مخالب الأعداء. كيف لا وهم كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى:

ناشدتكم الله والوجدان والشرف أية سياسة أعظم من هذه السياسة أم أي قائد أعظم من قائد الدين، ألا فليتق الله المفكرون والمدبرون وليرجعوا إلى ما كان عليه أسلافهم أرباب الحزم والعزم والدراية أولئك قوم كانت ترتعد فرائص الجبابرة عند ذكر اسمهم من التألف والتحابب والتعاون والتعاضد والتضافر وجمع الكلمة والسير على المنهج القويم والصراط المستقيم. ويا للأسف أصبحنا في زمان لا يحضر فيه المواعظ سوى المريض والشيخ الهرم الفاني والفقير المعدم هؤلاء العجزة الذين لا يقدرون على ردع فاسق ولا على إصلاح فاسد ولا على تقويم أود والذين يجب عليهم استماع المواعظ والخطب وبيدهم زمام الحل والعقد غافلون ومتغافلون صفتهم اليوم كصفة من أخبرنا الله عنهم بقوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ، فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ، بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً}. والعجب منهم ومن أعوانهم يتساءلون في هذه الأيام عن عدم النصر في هذه الحرب الحاضرة ويقولون إن الله وعد المؤمنين بالنصر فلم لم ينصرنا؟ ويتجاهلون عن أنهم ليسوا من الذين وعدهم الله بالنصر لأن الله وعد المؤمنين بالنصر ووصفهم لنا بقوله: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. فهؤلاء الذين وعدهم بالنصر فقال: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}. ونحن نقول لهم كما قال الله تعالى لأمثالهم {فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. ونقول مهما حاول السياسيون والمفكرون في نهوض الأمة ورقي الوطن إن لم يعضدوا سياستهم بالشرع الشريف فلا تقدم ولا رقي ولا حياة ولا نجاح. يبرود أحمد الباشا

وعشنا على بؤس

وعشنا على بؤس ليالي أبلي من همومي وجددي ... لك الأمر لا تقوى على رده يدي فما أرتجي والأربعون تصرمت ... ولا عيش إلا ينتهي حيث يبتدي سكت سكوتاً لا يريك امتداده ... فلا خاطري باقٍ ولا الشعر مسعدي ولا فيَّ من روح الشباب بقية ... ولست بمشتاق ولست بموجد حزنت على الماضي ضلالاً ومن يعش ... كما عشت لم يحزن ولم يتجلد ومالي منه خاطر غير أنني ... عدلت فلم أفتك ولم أتبعد * * * سقى الله دارات القرافة ديمة ... ترف على قوم هنالك هجد تعود كل بؤسها ونعيمها ... وعشنا على بؤس ولم نتعود أحن إلى تلك المراقد في الثرى ... ولو أستطيع اليوم لاخترت مرقدي فأنزلت جسمي منزلاً لا يمله ... يكون بعيداً عن أعاد وحسد وما يتمنى الحر في ظل عيشه ... تمر لأحرار وتعلو لأعبد كأن بها وقراً على كل كاهل ... فمن يتكبد حمله يتكبد لقد أتعبني، والمتاعب جمة، ... مسيرة يومي بين أمسي والغد ألما يئن إن يستريح مجاهد؟ ألما يئن إن يبلغ المنهل الصدي؟ تزهدت في وصل المعالي جميعها ... ومن يطلبها كاطلابي يزهد وبت تساوت في فؤاد مناهج ... تؤدي لخفض أو تؤدي لسؤدد وإني في بيت صغير مهدم ... كأني في صر كبير مشيد عفا الله عن قوم أتاني غدرهم ... فرب مسيء لم يسيء عن تعمد وكم من نفوس يستطيل ضلالها ... ولكن متى ما تبصر النور تهتد فزعت من الآمال باليأس عائداً ... إن تدنني منها اللبانات أبعد فلا ترتعي مني بقلب معذب ... ولا تنجلي مني لطرف مسهد فيا ريح إن يعصف بي الشجو سكني ... ويا غيث إن يضرمني الوجد أخمد ويا ساكنات الطير في دولة الدجى ... أرى إن دعاك الصبح أن لا تغردي لدي شكايات وأنت شجية ... فإن تستطيبيها لشجوك أنشد

ولا تحسبي التقليد يذهب حسنها ... فكم حسنات قد أتت من مقلد * * * تركت الغنى لا عاجزاً عن طلابه ... وأنزلت نفسي من منازل محتدي وهذي بحمد الله مني براءة ... فيا أفق سجلها ويا أنجم أشهدي القاهرة ولي الدين يكن

الدروس الدينية في شهر رمضان

الدروس الدينية في شهر رمضان أصدر ديوان عموم الأوقاف المصرية المنشور الآتي ووزعه على حضرات المدرسين بالمساجد قال فيه: غير خاف على حضراتكم أن ما بين المغرب والعشاء الذي هو الوقت المقرر لإلقاء الدروس الدينية لا يتيسر الاستمرار عليه في شهر رمضان ولذلك رأينا استبداله بما بعد صلاة العصر من كل يوم إلى قبيل الغروب وأملنا ملاحظة التنبيهات الآتية: أولاً: أن يبتدئ في الدرس عقب صلاة العصر على الفور قبل تفرق المصلين من المسجد. ثانياً: بذل الجهد في إيقاف الناس على الحكم الشرعية المقصودة من تشريع العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج وتفهيمهم أن لي الغرض من الصلاة هو مجرد الحركات التي تصدر من المصلي ولا من الصوم مجرد إجاعة الصائم طول اليوم ولا من الزكاة مجرد إنفاق المال ولا من الحج مجرد السفر في الأودية والقفار بل إن هذه العبادات لها أسرار يقصدها الشارع الحكيم كلها ترجع لصلاح الإنسان في حالتي الانفراد والاجتماع ولسعادته في الدارين دار الدنيا ودار الآخرة وهي لا تؤدي إلى هذا الغرض المطلوب إلا إذا كان عمل الجوارح فيها مقترناً بشعور القلب بها وكان هذا الشعور هو السبب في انبعاث الجوارح لأدائها وهكذا يتوسع في هذا البيان بقر ما تقبله عقول الناس وبقدر ما تدعو إليه الحاجة في وقوفهم على هذه المعاني وإدراكهم لها. ثالثاً: التعرض لبيان ما يكثر وقوعه من أحوال الصوم وأحكامه وما يفطر به الصائم وما لا يفطر وما ورد في السنة مما يتعلق بأدب الصوم والإفطار ولا بأس من ذكر شيء من أخبار الصالحين الصحيحة في آداب صومهم وإفطارهم مع شرح الحكم المعقولة التي تترتب على هذه الآداب. رابعاً الإفاضة في أن أعظم فائدة للصوم هي ذل النفس وانكسارها وخشوعها لله بتركها ما فطرت على تشهيه والتمتع به وكان فيه قوامها وحياتها امتثالاً لأمر الله وخشية من عقابه فإن ذلك مدعاة لشعورها بعظمة الله تعالى وجلاله كلما أحست بألم الجوع وشعرت بأنها ممنوعة من الأكل الذي يدفعه عنها هذا الألم امتثالاً لأمر الله وإذا شعرت النفوس بعظمة الله شعوراً صحيحاً هان عليها ترك جميع شهواتها التي تمقتها مرضاة له جل شأنه ويترتب على ذلك من مكارم الأخلاق مثل العفة والصبر والشجاعة والأمانة والحياء والرحمة

بالمساكين والضعفاء ونحو ذلك وطهارة النفس وصحة البدن ما ينال به الإنسان سعادة الدارين وإن هذا الغرض المقصود للشارع من هذه الفريضة (الصوم) يزول بمطاوعة النفس والهوى في أي شيء من المحظورات كالقتل والسرقة والزنا والسكر وجميع ما فيه إضرار الناس كالنصب والاحتيال وشهادة الزور ونحو ذلك فلا يليق للصائم في هذا الشهر أن يرتكب أي شيء مما ذكر وإلا كان صومه مردوداً عليه ويكون قد عجل لنفسه العذاب في الدنيا بألم الجوع وأمامه في الآخرة العذاب الشديد. خامساً يلاحظ بقدر الإمكان أن لا يكون التدريس في كتاب بل يا حبذا لو أمكن للمدرس أن يحضر الموضوعات من كتب الأخلاق والفقه والتفسير والحديث والسيروان أو في الكتب لشرح ما نرمي إليه من هذه المواضيع كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي وعوارف المعارف للإمام السهروردي ونحوهما ويلخصهما تلخيصاً حسناً ثم يلقيهما على الناس بعبارة مألوفة تقبلها عقولهم. وأما من لا يمكنهم التدريس إلا بالقراءة في الكتاب فيجب عليهم (أولاً) اختيار الكتب الموثوق بصحتها الخالية من الاصطلاحات الفنية. (ثانياً) تفسير كل مسألة يقرؤونها ببيان شافٍ وعبارات تناسب فهم العامة. ولما كان هذا الشهر المبارك شهر تقشف وقناعة وحلمٍ وتواضع ورحمة ولين يستدعي جهاداً عظيماً بإخلاص تام من الوعاظ والمرشدين فعساكم تعملون لذلك في هذا الشهر بما ينفع الناس في دينهم ودنياهم خصوصاً وإن كثيراً من الناس ينكب على العبادات ويتوجه بقلبه إلى الله تعالى في هذا الشهر ويتولد عنده بسبب ذلك وبسبب الصوم إحساس قوي في الدين يجعله مستعداً للتأثر بالمواعظ الدينية والتمسك بما يتعظ به فلو أنكم تتعهدونهم بالموعظة الحسنة والحكم الدينية النافعة وتتدرجون بهم في ترقية هذا الأساس الديني حتى يبلغ درجة كماله لكان في ذلك الخير العظيم والفوز العميم. (الحقائق) نسأل الله تعالى أن يوفق علماءنا وأهل الحل والعقد منا إلى العناية بتعليم العامة، وإرشادهم لمعالم دينهم المبين، وشرعهم المستبين.

التاريخ

التاريخ 15 ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في ذلك من تحريك بواعث الهم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه 6 أخبار القادسية وصل رستم إلى القادسية بجيش ملأ تلك النواحي وكان معه ثلاثة وثلاثون فيلاً فنزل على العتيق بجانب عسكر المسلمين وركب رستم صبيحة تلك الليلة ونظر عسكر المسلمين حتى انتهى إلى آخرهم. فوقع الرعب في قلبه واستولى عليه الفزع فوقف على القنطرة ثم أرسل إلى زهرة وهو في مقدمة جيش المسلمين فأتى إليه فعرض رستم له بالصلح وقال له كنتم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونحفظكم وجعل يذكر جميل صنيعهم مع العرب. فقال له زهرة إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما رغبتنا في الآخرة. وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولاً فدعانا إلى ربه فأجبناه ثم أمرنا أن ندعو الناس إلى دينه الحق. فقال رستم وما هو دين الحق؟ قال: الشهادتان وإخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله عز وجل والكل إخوان في ذلك. فقال رستم إن أجبنا إلى هذا هل ترجعون؟ فقال زهرة: أي والله. فانصرف عنه رستم ودعا رجال فارس وذكر لهم ذلك فما قبلوا فأرسل إلى سعد أن أبعث إلينا رجلاً نكلمه فبعث إليهم ربعي بن عامر فجاء على فرسه وسيفه في خرقة ورمحه مشدود بعصب فانتهى إلى رستم وهو على سرير من ذهب وبين يديه النمارق والوسائد المنسوجة. فقال الترجمان لربعي ما جاء بكم فقال إن الله أمرنا أن نخرج عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وأرسلنا بدينه إلى خلته فمن انقاد له تركناه وأرضه ومن أبى قاتلناه حتى نفوز بالجنة أو الظفر. فقال رستم هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه. فقال نعم ولكن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نمكن الأعداء

أكثر من ثلاث فانظر في الأمر ثم اختر إما الإسلام وندعك وأرضك. أو الجزية فنقبل ونكف عنك ونحميك إن اعتدى أحد عليك. أو القتال في اليوم الرابع. وأنا كفيل بهذا عن أصحابي فخلا رستم برؤساء قومه وقال هل رأيتم كلاماً قط مثل كلام هذا فأروه الاستخفاف بشأنه وثيابه فقال ويحكم إنما انظر إلى الرأي والكلام (والعرب تستخف باللباس وتصون الأحساب) ثم أرسل رستم في اليوم الثاني إلى سعد ليبعث إليه ربعي بن عامر مرة ثانية فبعث إليهم حذيفة بن محصن فأجاب بما أجاب به ربعي بن عامر ثم قال له رستم ولماذا لم يأتنا الأول فقال حذيفة (أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء وهذه نوبتي). فقال رستم والمواعدة إلى متى فقال إلى ثلاث من أمس وانصرف. فخاض رستم بأصحابه يعجبهم من شأن القوم وطلب في اليوم الثالث رجلاً آخر فجاءه المغيرة بن شعبة فتكلم رستم وعظم أمر فارس وقوتهم وصغر أمر العرب وقال للمغيرة ما حملكم على هذا إلا ما بكم من الجهد فانصرفوا ونحن نعطي أميركم كسوة وبغلاً وألف درهم وكل رجل منكم حمل تمر فقال المغيرة أما الذي وصفتنا به من سوء الحال والضيق فنعرفه ولا ننكره - والدنيا دول - والشدة بعدها الرخاء - وإن الله بعث فينا رسولاً أنقذنا من ذلك ثم ذكر مثل ما تقدم من التخيير بين الإسلام أو الجزية أو القتال فقال رستم إذاً تموتون دونها فقال المغيرة: من قتل منا دخل الجنة ومن بقي ظفر بكم. فاستشاط رستم غضباً وحلف أن لا يقع الصلح أبداً وانصرف المغيرة. فخلا رستم بأهل فارس وعرض عليه مصالحة القوم وحذرهم عاقبة حربهم فما قبلوا كلامه. ثم أرسل سعد بن مالك رضي الله عنه إلى رستم ثلاثة من ذوي الرأي فلما انتهوا إليه قالوا له إن أميرنا يدعوك إلى ما هو خير لنا ولك فاتق الله ولا يكونن هلاك قومك على يدك فقال لهم رستم إن الأمثال أوضح من كثير من الكلام. إنكم كنتم أهل جهد وفقر وكنا نحسن إليكم فلما أكلتم طعامنا أتيتمونا وإنما مثلكم ومثلنا كمثل رجل له كرم فرأى فيه ثعلباً فأغضى عنه وقال وماذا يأخذ ثعلب فانطلق الثعلب فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم فلما اجتمعوا إليه سد صاحب الكرم النقب الذي دخلن منه ثم قتلهن. وإني أعلم أن الحرص والجهد قد حملاكم على ما صنعتم وإنا لا اشتهي قتلكم فارجعوا ونحن نميركم. فقال له القوم

قد كنا على ما وصفت من الضيق وسوء الحال فأرسل الله إلينا رسولاً نظم شملنا وهذبنا بآداب دينه. وأما ما ضربت من المثل فليس كذلك. ولكن إنما مثلكم كمثل رجل غرس أرضاً واختار لها الشجر وأجرى إليها الأنهار وزينها بالقصور وأقام فيها فلاحين يسكنون قصورها ويقومون على جناتها فخلا الفلاحون في القصور على ما لا يحب. فأطال إمهالهم فلم يستحيوا. فدعا إليها غيرهم وأخرجهم منها. فقال رستم أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم فقالوا بل اعبروا إلينا ورجعوا من عنده عشياً. وأرسل سعد إلى أصحابه أن يقفوا مواقفهم. وأرسل إلى رستم أن يعبروا إليه. فأراد رستم العبور على القنطرة فمنعهم سعد وقال أما شيء غلبناكم عليه فلن نرده عليكم. فباتوا يسكرون (العتيق) بالتراب والقصب والبرادع حتى جعلوا جسراً. فعبر رستم ونصب له سريره فجلس عليه. وجعل الفيلة في قلب جيشه ومجنبتيه وجعل الجالينوس بينه وبينه الميمنة والفيرزان بينه وبين الميسرة. ورتب يزدجرد الرجال بين المدائن والقادسية وهو ملك الفرس يومئذ فجعل أول الرجال على باب إيوانه وآخرهم مع رستم فكلما فعل رستم شيئاً قال الذي معه للذي يليه قد حصل كذا وكذا ثم يقول الثاني ذلك للذي يليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى يزدجرد في أسرع وقت. وأخذ المسلمون مصافهم. وكان أميرهم سعد رضي الله عنه قد أصابته دماميل منعته من النزول إلى الحرب بنفسه فاستخلف خالد بن عرفطة على الناس وحثهم على الجهاد وكان ذلك في المحرم سنة أربع عشرة من الهجرة وأرسل جماعة من أهل الرأي لتحريض الناس على القتال ففعلوا. ثم أمر بقراءة سورة الأنفال فهشت قلوب المؤمنين وعيونهم عند سماعها وازدادوا بقراءتها سكينة ويقيناً. وكان مع الفرس يومئذ ثلاثون ألف مسلسل. ثم قال سعد لأصحابه الزموا مواقفكم فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا. فإذا سمعتم الثانية فكبروا وأتموا عدتكم. فإذا سمعتم الثالثة فكبروا ونشطوا الناس. فإذا سمعتم الرابعة فازحفوا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما كبر الثالثة برز أهل النجدات فأشبوا القتال وخرج أمثالهم من الفرس اعتوروا الطعن والضرب وارتجزوا الشعر وأدول من أسر في ذلك اليوم هرمز وكان من ملوك الباب وهو متوج يومئذ. أسره غالب بن عبد الله الأسدي فدفعه إلى سعد ورجع إلى الحرب ثم خرج فارسي وطلب البراز فبرز إليه عمرو بن معدي كرب فأخذه وجلد به الأرض فذبحه وأخذ

سواريه ومنطقته ثم حمل الفرس بالفيلة على المسلمين حملة واحدة. وكبر الرابعة فزحف المسلمون ودارت رحى الحرب ونفرت خيول المسلمين من الفيلة. فخرج الرماة يرشقون الفيلة بالنبل. واشتد لردها آخرون وحمل المسلمون على الفيلة ومن معها من الفرس حملة زلزلت أركانهم. فاشتد عواء الفيلة ووقت الصناديق فهلك أصحابها ثم اقتتلوا إلى الليل وكان هذا اليوم يوم الرماة. ولما أصبحوا إذا هم بخيل طالعة من الشام كان عمر رضي الله عنه أرسلها مدداً لهم بعد أن فتح دمشق. فإنه عزل خالد بن الوليد عن جند العراق وأمر أبا عبيدة أن يؤمر عليهم هاشم بن عتبة يردهم إلى العراق. فخرج بهم هاشم وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو فتعجل القعقاع فقدم على الناس صبيحة ذلك اليوم وهو يوم أغواث. وقد عهد إلى أصحابه أن يلحقوا به ألفاً ألفاً كما بلغ ألف منهم مد البصر تبعه ألف آخر. فسلم القعقاع على الناس وبشرهم بالجنود ثم تقدم للقتال وطلب البراز. فخرج إليه ذر الحاجب فقتله القعقاع وسر المسلمون بذلك ووهنت الأعاجم. ثم طلب البراز أيضاً فخرج إليه الفيرزان والبندوان فقتل الأول ثم نادى يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فحمل المسلمون على الفرس وأكثروا القتل فيهم ودام القتال أياماً متتابعة حتى هربت الفيلة وانتهوا إلى رستم وهو القائد لجيش الفرس فقتلوه ثم انهزم المشركون وتبعهم المسلمون فوصلوا إلى الجالينوس وهو يجمع المنهزمين فقتلوه أيضاً وجمعوا من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثله قبله ولا بعده. وأخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس العظيمة وكانت قيمتها ألف ألف ومائة ألف ألف واستولى المسلمون على تلك البلاد. وكتب سعد إلى سيدنا عمر رضي الله عنه بالفتح وأقام بالقادسية ينتظر كتاب عمر فوصل الكتاب يأمره أن يقيم بالقادسية. (يتبع)

سلسلة

سلسلة حكم الخلفاء 3 (معاوية رضي الله عنه) المروءة احتمال الجريرة وإصلاح أمر العشيرة والنبل الحلم عند الغضب والعفو عن المقدرة. ما رأيت تبذيراً قط إلا وفي جنبه حق مضيع. أنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة. إصلاح ما في يدك أسلم من طلب ما في أيدي الناس. غضبي على من أملك وما غضبي على من لا أملك وقال رضي الله عنه لعبيد الله بن زياد يا ابن أخي احفظ عني لا يكن معك في عسكرك أمير غيرك ولا تقولن على منبرك قولاً يخالفه فعلك ومهما غلبت فلا تغلبن على موتة كريمة. ومن سفه بالحلم أقمعه إني لا أحمل السيف على من لا سيف معه وإن لم تكن إلا كلمة يشتفي بها مشتف جعلتها تحت قدمي ودبر أذني المقذع إن الله سبحانه يقي من اتقاه. لا واقي لمن لا يتقي الله. وقال لعبد الرحمن بن الحكم يا ابن أخي إن قد لهجت بالشعر فإياك والنسيب بالمساء فتعير الشريفة والهجاء فتعير كريماً وتستثير لئيماً والمدح فإنه طعمة الوقاح ولكن افخر بمفاخر قومك وقل من الأمثال ما تزين به نفسك وتؤدب به غيرك. إني لأرفع نفسي من أن يكون ذنب أعظم من عفوي وجهل أكبر من حلمي وعورة لا أواريها بستري وإساءة أكثر من إحساني. قيل له أي الناس أحب إليك قال أشدهم لي تحبباً إلى الناس. العقل والحلم والعلم أفضل ما أعطي العباد، إن الكريم طروب. خطب يوماً من أيامه بدمشق فقال أيا أيها الناس سافروا بأبصاركم في كر الجديدين ثم ارجعوها كليلة عند بلوغ الأمد فإن الماضي عظمة للباقي ولا تجعلوا الغرور سبيل العجز عن الجد فتنقطع حجتكم في موقف الله سائلكم فيه ومحاسبكم فيما أسلفتم. أيها الناس أمس شاهد فاحذروه واليوم مؤدب فاعرفوه وغداً رسول فأكرموه وكونوا على حذر من هجوم القدر فإن أعمالكم مطيات أبدانكم والعمر ميدان يكثر فيه الثأر والسالم ناجٍ والعاثر في النار. (معاوية بن يزيد رحمه الله) ما أنا بالراغب في الائتمار. الساخط علي أكثر من الراضي ويلي أن لم يرحمني ربي. (مروان بن الحكم) قال لابنه آثر الحق وحصن مملكتك بالعدل فإنه سورها المنيع لا يغرقه

ماء ولا تحرقه نار ولا يهدمه منجنيق. وقال لابن عبد العزيز لما انصرف من مصر إلى الشام واستعمله على مصر أرسل حكيماً ولا توصه انظر أي بني إلى أعمالك فإن كان لهم عندك حق غدوة فلا تؤخرهم إلى عشية وإن كان لهم عشية فلا تؤخرهم إلى غدوة وأعطهم حقوقهم عند محلها تستوجب بذلك الطاعة منهم وإياك أن يظهر لرعيتك منك كذب فلا يصدقونك في الحق، واستشر جلساءك وأهل العلم فإن لم يستبن لك فاكتب إلي يأتك رأيي فيه إن شاء الله تعالى وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب مطفأ الجمرة فإن أول من جعل السجن كان حليماً ذا أناة ثم انظر إلى ذي الحسب والدين والمروءة فليكونوا أصحابك وجلساءك ثم اعرف منازلهم منك على غيرهم على غير استرسال ولا انقباض أقول هذا واستخلف الله عليك. (عبد الله بن الزبير رضي الله عنه) لم يذل والله من كان الحق معه وإن كان مفرداً ضعيفاً ولم يعز من كان الباطل معه وإن كان في العدة والعدد والكثرة، إن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوى من بعد ذو الرأي والدين إلى جميل الصبر، إنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لا يزول سلطانه ويبيد ملكه فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ الأشر البطر وإن تدبر عني لا أبك عليها بكاء الخرف المهين، لا أعلم امرئ كسر سيفه واستبقى نفسه فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل. إبراهيم خليل مردم بك (لها بقية)

الدين الإسلامي والتوحيد

الدين الإسلامي والتوحيد 25 أحوال يوم القيامة ذكرنا أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان. ولا يصح إيمان عبد حتى يصدق به من صميم قلبه تصديقاً لا يشوبه شك ولا ترديد ومعنى الإيمان به التصديق بالأحوال التي تقع فيه فمن ذلك البعث والحشر وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى ومن ذلك ما ينال الناس في ذلك اليوم من الشدة والهول والخوف والفزع وإلى ذلك الإشارة بقوله عز اسمه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} وقول سبحانه {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} ومنه إلجام الناس بالعرق على قد أعمالهم ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون على كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً وأشار عليه الصلاة والسلام إلى فيه. ومنه أنه تعالى يكرم بعض عباده فينجيهم من حر الشمس ويظلهم تحت ظل عرشه فقد أخر البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. ومنه أن الناس إذا خرجوا من قبورهم خرجوا عطاشاً فيرد المتقون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم للشرب منه وهو أي حوضه صلى الله عليه وسلم ثابت بإجماع أهل السنة والأحاديث الصحيحة المستفضية شاهدة به وقد ذكرنا في الخصائص وصف الحوض وأن ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل. وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو

بن العاص رضي الله عنهما. حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه أكثر من نجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ أبداً. قال العلماء رضي الله عنهم ولا يطرد عن الحوض إلا أقوام ظلموا أنفسهم بأن غيروا وبدلوا عهدهم الذي أخذه الله عليهم فالمرتد من المطرودين ومن أحدث في الدين ما لا يرضاه الله تعالى ومن خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض والظلمة الجائرون والمعلن بالكبائر المستخف بالمعاصي وأهل الزيغ والبدع لكن المبدل بالارتداد مخلد في النار والمبدل بالمعاصي تحت المشيئة الإلهية. أخذ العباد الصحف ومن أحوال الآخرة أخد العباد الصحف والمراد من الصحف الكتب التي كتبت فيها الملائكة ما فعله العباد في الدنيا قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَاماً كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}. وقال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}. وبعد أن يتعلق كل كتاب بعنق صاحبه تناديهم الملائكة فتأخذها من أعناقهم وتعطيها لهم في أيديهم فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه والكافر يأخذه بشماله من وراء ظهره قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ، إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}. وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً، وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً، وَيَصْلَى سَعِيراً}. الحساب ومن أحوال الآخرة الحساب وهو توقيف الله عباده قبل الانصراف من المحشر على أعمالهم خيراً كانت أو شراً قولاً أو فعلاً وهو من مجوزات العقل التي ورد الشرع فيها فيجب اعتقاده لثبوته بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: {وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} وروى أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته وفي الصحيحين من حديث عائشة قال عليه الصلاة والسلام من نوقش الحساب عذب وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال

صلى الله عليه وسلم عرضت علي الأمم فقيل هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب جاء في رواية أحمد بن حنبل من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال عمر هلا استزدت ربك فقال صلى الله عليه وسلم استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفاً قال عمر فلا استزدته فقال صلى الله عليه وسلم قد استزدته فأعطاني هكذا وفرج بين يديه. ثم إن الناس متفاوتون في الحساب فمنهم المناقش فيه ومنهم المسامح فيه بكيفية مختلفة فمنه اليسير والعسير والسر والجهر والتوبيخ والفضل والعدل ومن الناس من يدخل الجنة بغير حساب وهم المقرون كما مر. الميزان ومن أحوال الآخرة الميزان وقد عرفوه بقولهم ما يعرف به مقادير الأعمال خيراً أو شراً وهو أيضاً حق ثابت بالدلائل السمعية والبراهين النقلية ولا يحيله العقل لأنه من الأمور الممكنة فوجب التصديق به وينبغي الإمساك عن تعيين حقيقته قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}. وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم}. والموزون إنما هو صحائف الأعمال كما روى الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال صلى الله عليه وسلم يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب فيقول ألك عذر؟ فيقول لا يا رب فيقول ألك حسنة؟ فيقول لا يا رب فيقول تعالى بلى إن لك عندنا لحسنة وأنه لا ظلم عليك فتخرج له بطاقة كالأنملة فيها - أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء. والحكمة في وزن الأعمال ظهور العدل في العذاب والفضل في العفو وتضعيف الثواب وقال بعض المتأخرين لا يبعد أن يكون من الحكمة في ذلك ظهور مراتب أرباب الكمال وفضائح أرباب النقصان على رؤوس الإشهاد زيادة في سرور أولئك وخزي هؤلاء.

الصراط ومن أحوال الآخرة الصراط وهو جسر ممدود على متن النار يرده كل الخلائق وهو ورود النار لكل أحد المذكور في قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وهو مما يجب على كل مكلف اعتقاده لثبوته بالكتاب والسنة قال تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}. وأخرج البخاري ومسلم من حديث طويل عن أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجوز. ولا ينبغي الخوض في أنه كما في رواية أدق من الشعر واحد من السيف فقد نازع في ذلك العز بن عبد السلام والشيخ القرافي وغيرهما كالبدر الزركشي قالوا وعلى فرض صحة ذلك فهو محمول على غير ظاهره بأن يؤول بأنه كناية عن شدة المشقة وعلى كل فالقدرة صالحة لكل شيء. والقادر على أن يسير الطير في الهواء لا شك في أنه قادر على أن يسير الإنسان على صراط أدق من الشعر وقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة فقال له عليه الصلاة والسلام أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة. ثم إن الناس متفاوتون في المرور عليه فمنهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم كطرف العين ومنهم كالريح ومنهم كالجواد وآخرون يسقطون في النار ويؤيد ذلك ما في البخاري ومسلم من حديث حذيفة قال عليه الصلاة والسلام ثم يضرب الجسر على جهنم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالطير وكأجاويد الخيل وكالركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس ومكردس في نار جهنم. الشفاعة ومن أحوال الآخرة شفاعة الرسل والأخيار كالملائكة والصحابة والشهداء والعلماء العاملين والأولياء لأهل الكبائر وغيرهم كما جاءت الأحاديث الصحيحة دالة على ذلك وأجمع عليه أهل السنة وعلماء النقل. فعند ابن ماجة من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من أمتي من يشفع للقوم ومنهم

من يشفع للقيلة ومنهم من يشفع للعصة ومنهم من يشفع لرجل حتى يدخلوا الجنة. وقد ذكر العلماء بأن لنبينا صلى الله عليه وسلم خمس شفاعات إحداها وهي أعظمها وأعمها شفاعته صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء حينما يشتد الأمر ويعظم الهول ويتمنى الناس الانصراف ولو إلى النار فيشفع صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء وهي مختصة به ثانيتها في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهي من خصائصه أيضاً صلى الله عليه وسلم ثالثتها في قوم من عصاة الأمة استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم وهذه كما قال بعض العلماء إنها ليست من خصائصه بل تكون لغيره أيضاً رابعتها فيمن دخل النار من المؤمنين المذنبين وهذه الشفاعة وقع إطباق العلماء على عدم اختصاصها به صلى الله عليه وسلم حيث كان لهم عمل خير زائد على الإيمان إذ الشفاعة في إخراج من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ليخرج من النار ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم بل تكون لغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خامستها الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة وزاد بعض العلماء شفاعة سادسة وهي الشفاعة في تخفيف العذاب عمن استحق الخلود في النار كما في حق أبي طالب للحديث المتقدم في الخصائص قال عليه الصلاة والسلام أنا أول شافع وأول مشفع وروي أنه ذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي فيجعل في ضحضاح من نار كذا ذكره سيدي عبد الغني النابلسي في شرح الطريقة المحمدية جعلنا الله من الفائزين بشفاعته صلى الله عليه وسلم العاملين بسنته الحائزين شرف خدمته بمنه وكرمه.

سنن متروكة

سنن متروكة 4 من السنن المتروكة عند كثير من الناس غسل اليدين قبل الطعام وبعده فيسن للأكل أن يغسل اليدين والفم قبل الأكل وبعده ويبدأ في أوله بصاحب المنزل ثم بالصبيان ثم بالشبان ثم بالشيوخ وبعد انتهاء الطعام يبدأ بالشيوخ ثم الشبان ثم الصبيان ثم صاحب المنزل ويصب المضيف على يد الضيف. ومن السنن المتروكة أن يجلس الآكل جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى ويكره الأكل متكئاً ومن السنن المتروكة الدعاء إذا قرب إليه طعام نقل الإمام النووي عن كتاب ابن السني عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه يندب إذا وضع الطعام أمامه أن يقول اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار ثم يسم الله والتسمية سنة روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سم الله وكل بيمينك وروى أبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فيذكر اسم الله تعالى في أوله فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لإخوانه لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء ومن نسي أن يذكر اسم الله تعالى على طعامه فليقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إذا فرغ والتسمية في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات وليقتدي به في ذلك والأفضل في التسمية بسم الله الرحمن الرحيم فإن قال بسم الله كفاه وحصلت السنة وسواء في ذلك المحدث حدثاً أكبر وغيره ولو سمى واحد عن الجماعة أجزأهم والأفضل أن يسمي كل واحد منهم ومن السنن المتروكة عدم التعييب على طعام روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه ويجوز أن يقول لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله روى البخاري ومسلم عن خالد بن الوليد

رضي الله عنه لما قدموا الضب مشوياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إليه فقالوا هو الضب يا رسول الله فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال خالد أحرام الضب يا رسول الله قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه والسنة إذا كان المدعو صائماً متنفلاً ولو مندوباً أن يفطر ولو كان بعد العصر فإن لم يأكل دعا له بالبركة روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فيلصل وإن كان مفطراً فليطعم ومعنى فليصل فليدع وروى البخاري من حديث أبي العميس عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبذلة فقال لها ما شانك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حقٍ حقا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق لسلمان ولا بأس بالأكل على المائدة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل إلا على السفرة وينبغي البداءة بالملح والختم به ويكره الأكل مضطجعاً أو متكئاً في غير ما يتنقل به من الحبوب ولا يكره الأكل قائماً لكن القعود أفضل ومن السنن المتروكة الأكل من أسفل القصعة ومما يليه ويكره مما يلي غيره ولا يكره قطع اللحم بالسكين ويندب التأني في الأكل إلا لشغل ويكره الشره ومن السنن المتروكة تصغير اللقمة وإجادة مضغها وترك مد يده لأخرى قبل بلعها ولا يجمع فاكهة ونواها في طبق بل يلق النوى ومن السنن المتروكة لعق أصابعه قبل مسحها بمنديل بل وتسن الجماعة على الطعام والكلام المباح ومؤاكلة عبيده وصغاره وإن لا يتميز عن مؤاكليه بجنس بلا عذر بل يؤثرهم بأطيب طعامه ولا يترك الأكل وغيره يأكل ولا يتبسط في الأطعمة إلا لضيافة أو توسعة على عياله ويسن الحلو وينبغي تقديم أكل الفاكهة ثم اللحم ثم الحلاوة وتقديم أكل لقمة أو لقمتين من الخبز على اللحم كي لا يدخل اللحم بين أسنانه ويكره للآكل تقريب فمه من الطعام بحيث يقع منه شي فيه ويكره أن يبصق أو يتمخط حال أكلهم بلا ضرورة وأن

يذكر أو يفعل ما يتقذرونه ولا ينفض يده في القصعة وإذا أخرج شيئاً من فمه صرف وجهه عن الطعام وأخرجه بيساره ولا يغمس لقمة دسمة في خل ولا عكسه ولا لقمة قطعها بفيه في مرقة ونحوها ومن السنن المتروكة التخلل ورمي ما أخرجه الخلال وبلغ الخارج من بين أسنانه بلسانه ويكره قرن نحو تمرتين من طعام غيره بلا إذن أو قرينة وإذا أكل مع صاحب عاهة يقول بسم الله ثقة بالله وتوكلاً عليه روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة فقال كل بسم الله ثقة وتوكلاً عليه فإذا فرغ الآكل من الطعام حمد الله وأفضل صيغه الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ويكفي الحمد لله ومن السنن المتروكة ترك الضيف الدعاء لأهل الطعام بما ورد فيما أخرجه أبو داود عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أفطر عندكم الصائمون واكل طعامكم أبراركم وصلت عليكم الملائكة ويكره الشرب متكئاً أو مضطجعاً والشرب قائماً خلاف الأولى إلا لضرورة ومن السنن المتروكة الشرب من الكوز بلا نظر إليه قبل الشرب ومنها مص الماء ويكره التجشؤ في الإنهاء بل ينحيه عن فمه ومن السنن المتروكة التنفس عند الشرب ثلاث مرات يسمي الله أول كل مرة ويحمده آخرها يقول في الأولى الحمد لله ويزيد في الثانية رب العالمين وفي الثالثة الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ويندب أن لا يشرب في أثناء الأكل بلا حاجة وأن لا يشرب من ثلمة الإناء ويكره من فم القربة والتنفس والنفخ في الإناء ومن السنن المتروكة إدارة المشروب عن يمين المبتدئ وإن كان من على يساره أفضل. (يتبع)

موت شريف

موت شريف أو حياة سعيدة كنا نعلل النفس وندفع الأحلام المخيفة ونتصور أن أمم القرن العشرين ناشرة المدنية والحضارة. . . ترجع إلى الحق وتكف عن التحامل على المسلمين وترحم الإنسانية التي وصل أنينها إلى السماء فسمع صداها وأراد الحق أن ينتقم للمظلوم من الظالم وهكذا قضت الإرادة الإلهية أن تمحق أمم التوحش من عالم الوجود رأفة بالعبادة ورحمة للخلق وبينما كنا نتصور بأن دول الغرب التي تسعى وراء الوئام والسلام هي التي تنتقم للإنسانية من تلك الأمم المتوحشة التي أحرقت الأخضر واليابس ومثلت ببني البشر بلا استثناء تلك الفظائع التي لم يسمع بأن الحيوانات المفترسة والوحوش الضارية تقدم على مثلها وما الفرق بين وحوش أفريقيا وبين الأمة البلغارية التي عزم محالفوها أن يمحوها من سفر الوجود بالنظر لما بدا لهم من توحشها وخطر وجودها على المجتمع الإنسان ولكن عداوة الدين التي لا يرجى لها مودة هي التي تضطر دول الغرب بأن يغمضوا العين ويتعاموا عن تلك الفظائع كي يحولوا دون ثأر الأمة الإسلامية لنفسها ولم أعلم ما الذي يخول هذه الدول بان يرجعوا العثمانيين إلى ما وراء خط ميديه بعد أن تمرد البلغار ولم يخل المواقع التي اتفق عليها مع أن العثمانيين الذين كان ينتظر بان يدفعهم حب الانتقام لأن يعتدوا بمثل ما اعتدى عليهم مشوا بكل وتؤدة وسكينة مما برهن للعالم بأن الأمة الإسلامية هي أحق بالمدنية والحضارة التي تزعمها دول الغرب وإني لأخال في أن زحزحة الأرض أو خر الجبال أهون من إخلاء أدرنة من العثمانيين بعد أن استرجعوها بحق صريح ولا أظن بأن دول أوروبا يغرب عليها إن أصرت على العناد في أن صرخة واحدة في الهند وصيحة بإفريقيا تكفي لأن تثير عواطف المسلمين الذين سئموا حياة الذل وعيشة العار لا تسقني ماء الحياة بذلة ... بل فاسقني في العز كأس الحنظل ماء الحياة بذلة كجهنم ... وجهنم بالعز أفخر منزل وعندئذ تزلزل الأرض زلزالها وتخرج الأرض أثقالها ويستريح الكون من مظالم البشر ولكن لا لمثل هذا خلق الله الكون ولا لأجل التدمير والتخريب منّ الله على الإنسان بالعقل

والحكمة بل ليستخرج الآلات ويستخرج كنوز الأرض ويعيش من كده وتعبه لا أن يأكل القوي الضعيف ويطمع الغني في الزيادة حتى إذا بلغ حد الكمال وتناهى في كل شيء دارت الدائرة عليه وانعكست القضية لديه ويهيأ الله له من يكون أقوى منه ويسلبه ما امتلكه بالقوة سنة الله في خلقه وهكذا من أمعن النظر في تواريخ الأمم تنجلي له الحقائق ويعلم بأنه ما من دولة كانت فتوحاتها كبيرة إلا وتوالى عليها الضعف إلى أن تتلاشى رويداً رويداً وكما أن الشرق كان قد ابتلع الغرب فالغرب يريد أن يبتلع الشرق وإذا قوي العرق الأصفر فيعود لابتلاع الشرق والغرب والأرض أرض والسماء سماء لم ينقص منهما شيء ولم تتبدل من الأرض حاجة غير أن تلك النفوس تذهب ضحية مطامع المسلوك حتى قيام الساعة فلو أن دول الغرب الذين كفة السلم بيدهم يسعون وراء نبذ المطامع ويكتفون بما في أيديهم أما كان خيراً لهم من أن يكونوا مهددين للخطر ومعرضين لنزول الصواعق. يعرى ويغرن من أمسى على طمع ... من المكارم وهو الطاعم الكاسي إن المطامع ذل للرقاب ولو ... أمسى أخوها مكان السيد الراسي اللهم أنزل الرحمة في قلوب عبادك وألهمهم سبيل الرشد وطرق الهدى. أمير زاده محمد سعيد (الحقائق) هذا ما كتبه حضرة الأمير المشار إليه وهو غاية في الشهامة والحمية، وآية واضحة في علو الهمة وصدق الوطنية ولا غرو فالأمير حفظه الله قد ورث هذه المحامد كابراً عن كابر فلم ينس الناس مسارعة والده إلى الحرب الطليانية ومغادرته وطنه إلى البلاد الطرابلسية كما أنهم لم يذهلوا عن جهاد جده المقدس ووقوفه السنين الطويلة أمام دولة عظيمة من دلو الغرب ونعني بها دولة فرسنا ولقد عجبنا كما عجب كل عاقل من انتقاد بعض أصحاب الأغراض لهذه المقالة الممتلئة حماساً وغيرة ورمي كاتبها بسوء النية بدعوى أن الأوروبيين أصبحوا أقوى وأعرف وأغنى منا فعلينا أن نحترم مشيئتهم وأن وأن إلخ إلخ. ولو أدى ذلك إلى خروجنا من أدرنه - وقلنا أن هذا الاستسلام والخضوع لأوروبا هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التعيسة واستغربنا كيف يصدر أمثال هذه السخافات من وطني مسلم وكيف رضي له إسلامه ووطنيته باختيار ما تشاء أوروبا ولو أدى إلى تسلمي أردنه في

حين أن بعض الأوروبيين نفسهم يصرح بأن لنا الحق في الاستيلاء على أدرنة وعدم الخروج منها وإليك تعريب ما جاء في جريدة لومانيتي الفرنسية بقلم مدير سياستها المسيو جوريس: (لا يوجد في العالم من ينازع الجيش العثماني في دخوله مدينة كمدينة أدرنة يسود فيها العنصر العثماني أو بعبارة أخرى العنصر الإسلامي. نعم إن دخول هذا الجيش في هذه المدينة لم يكون منتظراً إلا أنه طبيعي ولا ينبغي لنا أن ندهش منه وإلا فكيف يسوغ لنا أن نجرد العثمانيين من مدينة بهذا الوصف ونعطيها للبلغاريين الذين ثبت لدينا أنهم ارتكبوا أكبر المنكرات واقترفوا أعظم الفظائع. إننا نتمنى أن لا يجني العثمانيون ما جناه البلغاريون وأن يقدروا ما منحهم به حسن الحظ وأن لا يدنسوا دخولهم عاصمة تراقية القديمة بمعاملة البلغاريين بمثل ما عاملوهم به انتقاماً منهم وأن لا يتقدموا إلى أوروبا التي غضبت بسبب ما بلغها من أنباء الفظائع التي روت البلقان بالدماء وأن يظهروا الضمانات الكافية على تسامحهم وحسن نيتهم فإنهم كلما أظهروا أنهم لا يميلون إلى الانتقام ثبتت أقدامهم في هذه المدينة التي احتلوها ثانية أنهم إذا عرفوا كيف يكونون معتدلين ومحببين للإنسانية فمن قلة الأدب نزع مدينة هي لهم من حيث الجنسية والدين لتسليمها من جديد إلى أمة البلغار التي أثبتت الصرب واليونان والرومان أنها سفاكة للدماء اهـ). فليقابل القراء بين ما رآه هذا الأجنبي وما يراه ذلك الوطني وليقرأ قوله تعالى فإنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

الوظائف الدينية والجهلاء

الوظائف الدينية والجهلاء 2 إن الشارع صلى الله عليه وسلم يعتبر في سائر مصالح الأمة سواء كانت دينية أو إدارية. الكفؤ لها والأصلح لإدارة شؤونها. ليقوم بأودها حق القيام ويمثل واجباتها أحسن تمثيل ومن هنا أخذ الفقهاء حكم سائر المصالح وأطبقوا على أن الأصلح يقدم على الصالح لا محالة. وهذا أمر مقرر قد فرغ منه لا يحتاج إلى تبيان وزيادة إيضاج. . . إلا أنه لما انعكس الأمر وتبدلت الحقائق وضيعت حكم التشريع فأصبح الباطل حقاً والحق باطلاً والسنة بدعة ممقوتة والبدعة سنة معروفة يتبادل العلم بها جمهور الناس بل تسربت إلى بعض الخواص. وأضحى المنكر معروفاً وبالعكس وعاد الدين غريباً كما بدا. وضاعت محاسن الشريعة السمحة ودكت معالمها وقوضت أركان السنة الشريفة وعفت آثارها وطمس الله على القلوب فصارت كالحجر الصلد لا ترعوي لكلمة الحق بل لا تفقه لما يقال لها. صار من اللازم اللازب على أهل العلم الصحيح الذين استرعاهم الله الأمانة أن يبينوا حكم الله في هذه النوازل ومغزى الدين الإسلامي في هاتيك المسائل لئلا يشوه وجه الحقيقة الناصعة بمثل هذه اللبيسات ويتخرص المتخرصون بأن من شريعتنا الإسلامية السمحة ما نحن عاكفون عليه اليوم. ولئلا يكونوا مؤاخذين أمام الله تعالى الذي أمر من أوتوا العلم أن يظهروه عند اصطدام الخطوب وجعل الشعوب وبما أخذ عليهم من العهود الوثيقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمر الذي هو من أعظم دعائم الدين الإسلامي إن لم نقل كله. قال تعالى في الكتاب العزيز {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}. وقال حاكياً عن القوم الذين تركوا الأمر بالمعروف وموبخاً لهم {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}. وأخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي إمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال كيف انتم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر. قالوا وكائن ذلك يا رسول الله. قال نعم وأشد منه سيكون. قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر

معروفاً قالوا وكائن ذلك يا رسول الله. قال نعم وأشد منه سيكون. قالوا وما أشد منه قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف إلخ. . . هذا وإن من أعظم المنكرات الشائعة والبليات الذائعة. . . تولية الجهلاء الأغرار الوظائف الدينية واحتكارهم عوائدها الخيرية حتى أصبحت من الموروثات يرثونها عن آبائهم وأجداهم كما يورث الدرهم والدينار وسقط المتاع. كأنها من جملة التركة يخلفها الميت لبنيه عوناً لهم على صدمات الدهر وطوارق الحدثان بحيث لا نغالي إذا قلنا إن جل هذه الوظائف (إن لم يكن كلها) مغتسلة بأيدي هؤلاء الجهلة بطريق التغلب من دون أهلية ولا استحقاق. . . فهم يلتهمون أوقافها وريعها بسائق هذا الادعاء الباطل ولا منازع في الأمر ولا رادع. وبالواقع ونفس الأمر لم تشرع هذه الوظائف وتؤسس تلك العوائد إلا لأناس مستحقين ذوي جدارة ولياقة من أهل العلم الصحيح ليس إلا. وقد سبب هذا لاحتكار أضراراً عظيمة وجنايات على الدين وأهله لا يرضى بها من له حمية دينية ونزعة وطنية. . فقد أصاب الفقر المدقع معظم من قضوا حياتهم بين جدران المدارس الدينية والمعاهد العلمية. ممن تاقت نفوسهم للاستضاءة بنور العلم. واشرأبت أعناقهم لارتشاف كؤوس آداب. . . فخرجوا من المدارس وبارحوا معاهدها صفر اليدين مما أسسه لهم أصحاب الخيرات العظيمة وواقفي العوائد الجسيمة - حتى ألجأهم سائق الاضطرار للاحتراف بالحرف الضئيلة ليسدوا رمقهم ويدفعوا عوزهم. . . وهم آسفون أشد الأسف على ترك العلم ومبارحة معاهده. يحنون إليها كلما ترقرق لهم ذكراها. ولو وجدوا ما يسدون به رمق اليوم وعوز المستقبل لما بارحوها وفيهم عرق ينبض ومنهم شيوخ أجلاء أناخ عليهم الدهر بكلكله. ثبتوا على صدمات الدهر ومقارعة الأيام بقوا بين خرابات (المدارس) وأطلالها البالية يقاسون من العذاب ألواناً. حرصاً منهم (أبقاهم الله) على إفادة مستفيد وإرشاد مسترشد ونشر العلم ولو بين الموتى ولكن ويا للأسف بارت هذه التجارة وكسد سوقها. . . في حين أن هؤلاء الفرقة الجاهلة تستبد بالزيغ وتستهلك عين الوقف بالبيع خوفاً من مصادرتهم ولو بعد حين.

وهكذا ذهب العلم ونضب ماؤه واندثر الفضل ودكت أركانه وزلزلت أبنيته المشيدة واضمحلت معالمه الرفيعة فلا حول ولا قوة إلا بالله. من مثل هذه الطوارئ كان يخاف على أمته عليه الصلاة والسلام فقد أخرج الستة خلا أبا داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. ونحن نرى أن من أعظم الأسباب لانقراض العلم وأهله هو توارث وظائف الدين عن الآباء والأجداد تلك التي أيدها قانون التوجيهات وجهل حكام الشرع وتهورهم في توسيدها إلى غير الأكفاء وهرولتهم لإعطاء الإعلامات الشرعية - كذا - مؤذنة بأن حاملها من أعظم العلماء وأوحد العصر وفرد الأوان وهكذا من الألفاظ التي يندى لها جبين الدهر خجلاً فقد ظنوا (وبعض الظن إثم) أصلحهم الله أن العلم هين المنال سهل المراس يكفي فيه الألقاب الضخمة والصفات الفخمة وينقضي الأمر بتحكيم القبة فوق الجبة ويكون المنعوت هو فلان بن فلان. . . فقد طاش ورب الكعبة سهمهم وخاب فالهم تخرصوا على الله وخاضوا في الجاهلية الأولى وهاموا في تيه الضلالة ونازلوا جنوداً لا قبل لهم بها. فكيف يدأب طالب العلم على طلبه ويسعى جهده لتحصيله ويعلم أنه لو طلبه من المهد إلى اللحد لما وجد شيئاً يعتاش به ويرتاش. وقد نقبت طويلاً في كتب الفقه على اختلاف نزعاتها وتباين مشاربها لأعثر على أصل يرجع إليه أو قول يركن إليه يبرر هذا الاحتكار المضر فلم أظفر بعد عناء البحث بشيء من ذلك. بل وجدت أن كلمة الفقهاء ممن أدركوا حدوث هذه البدعة السيئة. متفقة على إنكارها وردها والقيام بوجه تيارها الجارف. وما يقال من أن شيخ الإسلام التقي السبكي هو المجيز لها المفتي بها تخرص بحت على هذا الشيخ الجليل. فقد نفى هذه التهمة عنه ولده التاج في طبقاته الكبرى ودحض هذه الحجة بقوة بيانه المشهورة ومما قاله رحمه الله أن الوالد كان يشدد النكير على هذه الكارثة ولا يجيزها البتة وبين الأضرار الجمة الناشئة عنها خلافاً لما يشيعه أعداؤه ولا بأس بأن

نورد شيئاً من نصوص السادة الفقهاء في حكم هذه المسألة قال في التتارخانية في أدب القاضي يعزل القاضي إذا ولى مدرساً للدين ليس بأهل له ولا تنفذ توليته لأنه مؤتمن على الدين وقد ثبتت خيانته بذلك أهو في الولوالجية والذخيرة نحو من هذا. قال الجلال السيوطي في أشباهه الفقهية يحرم على من بيدهم مقاليد الأمور إعطاء وظائف الدين من تدريس وإفتاء وحسبة وإمامة وغير ذلك إلى غير الكفؤ لها لأنه بذلك يكثر سواد الجهل ويضعف العلم وأهله ثم قال وهذا هو السبب في اعتزالي عن الناس خارج القاهرة فراراً من مشاهدة هذه البدع الحادثة وقال البدر الزركشي في قواعد (قاعدة الضرر يزال) اتفاقية بين المذهبين لمصالح الديانة مع وجود الكفؤ لها - والنصوص في هذا الباب كثيرة جداً يجد المتتبع لها طرفاً صالحاً يؤيد ما نقول. . وهنا نذكر شيئاً (والشيء بالشيء يذكر) أنه وقع في مدة قضاء شيخ الإسلام السبكي على دمشق الشام تدريس شاغر فتعرض له شمس الدين الذهبي ذلك المحدث الشهير حامل لواء السنة في عصره ولدى اجتماع علماء العصر عند قاضي القضاة للمداولة فيمن يصلح له ذكر الذهبي فيمن ذكر من الطلاب فمانعوا أشد الممانعة في إعطائه للذهبي وقالوا إن من شرط من يتولى هذا التدريس أن يكون أشعري العقيدة والذهبي ليس بذلك وبعد أخذ ورد أزمعوا أمرهم على أن يلزموا السبكي بقبوله لتوفر جملة الشروط فيه وقد فعلوا. وأول من قر عيناً بصنيعهم هذا الذهبي نفسه ولم يتغير خاطره قد وقعد أمام السبكي فأدى الوظيفة. . . أبت النفوس الأبية والأرواح العالية إلا أن ترضخ لكلمة الحق مهما اختلفت المشارب وتعددت المآرب ولله في خلقه شؤون. هكذا كانت تقل الغبراء وتظل الخضراء من مثل هذه الطبقة العالية والفرقة العالمة ممن شيدوا دعائم الدين الإسلامي ووطدوا أركانه ومهدوا سبل العلم وشيدوا بنيانه بل حموا ذمارهم عن الدخلاء وحفظوا مجداً طالما تعب بتأسيسه أسلافنا الصالحون ومن ذب عن حوضه ودافع شرفه ومجده لا عتب عليه ولا ملام. شمروا عن ساعد الجد والعمل بثبات جأش وقوة عزيمة وهمة شماء لا تعرف الكلل والملل ودكوا ما بناه العابثون في الحقوق وقوضوا صروح ما أسس على الغصب والاحتيال وسائق التدليس والتمويه فما أبقوا له أثراً - ونكسوا أعلام جيش الباطل وهزموه شر

هزيمة وولوه الأدبار. وما كان يثبط همتهم ويخور عزيمتهم محاباة هؤلاء المغتسلين (ولا محاباة في الدين) ولا مداهنة الجاهلية ولا مجاراة أهواء الحكام الغاشمين بل كانوا يتآزرون ويتعاونون على إظهار الحق بين الملأ ويقفون سداً منيعاً في وجه من يجتري على سدة العلم ليهتك سترها. ويصدون هجمات المعتدين على حقوق الغير. ويضربون بعصا من حديد على كل يد تمتد إلى غير حلها كانت (فيحائنا) معهداً عظيماً للعلوم والمعارف ومنتدى للفضل وأهله ومحطاً لرحال نخبة العالم وأجلاء بني آدم كانت كعبة يؤمها ألوف من طلاب العلوم ومحبي المعارف بل كانت من أعمر الربع المسكون بالعلم والعرفان ومن أغنى بلاد الله بوفرة العلماء فيها وتهافتهم من أقصى أنحاء المسكونة على موائدها حين ما كانت تحتوي على أعلى طبقة راقية من أجلاء علماء الإسلام وتقل جهابذة الفضل وقادة الأفكار أيام خصبها ونضارتها من مثل ابن عساكر وأبي شامة وابن الصلاح والنووي وابن عبد السلام والتقي السبكي وأولاده وأفضلهم (التاج) وابن تيمية والمزي والذهبي والزملكاني وفخر الدين المصري والجار بردي والحافظ العلائي وأضرابهم ممن لا يحصون عدداً. وأقرب منهم عهداً. البدر الغزي وعماد الدين الحنفي وأبو الصفا الحلبي والقاضي محب الأدب الحموي والكوراني والعجلوني وعبد الرحمن العمادي المفتي وكمال الدين الحمزاوي (الممدوح من قبل العلامة الأديب عبد القادر البغدادي تلميذ الخفاجي في أوائل حاشيته العظيمة على شرح بانت سعاد ونجم الدين الغزي صاحب حسن التنبه في التشبه وهو كتاب لا نظير له في بابه) مما يطول تعداد أسمائهم ويفنى المداد دون إحصائهم وكان البدر الغزي هو المدرس في جامع بني أمية وهو أعلم علماء جلق يومئذ. وكان يجري بين (البدر) وبين علماء عصره حين ما يلقي الدروس من الأبحاث الرائقة والتحقيقات الفائقة ما يأخذ بمجامع القلوب طرباً. . . فقد ذكر تقي الدين في طبقاته أن المولى الفاضل علي جلبي المعروف بابن الخيالي القاضي بدمشق الشام حضر درس العلامة الشيخ بدر الدين الغزي لما ختم الشيخ في الجامع الأموي التفسير الذي صنفه وجرى بينهما من مطارحة العلوم والسباق في ميدان الأبحاث ما يدهش الألباب ويبعث على الإعجاب. ثم اختلفا في مسألة عويصة وعي اعتراضات السمين في

كتابه إعراب القرآن على البحر المحيط لشيخه أبي حيان. . كان الحكم فيها علماء الفيحاء. لمثل هؤلاء الأعلام كانت توسد وظائف الدين ورتب الوعظ والإرشاد وبهم كانت دمشق آهلة بالفضلاء مفعمة بالأدباء والنبلاء عامرة بالصلحاء والأتقياء تتيه دلالاً وإعجاباً وتفاخر غيرها من البلاد والأمصار بما منحها الله من مزية عالية طالما حسدها عليها سائر البلدان ولكن أبى الله إلا أن يقلب لها ظهر المجن ويبدل صفاءها بالأكدار (وأي صفاء لا يكدره الدهر): (وبعد) فإني وأيم الحق واجس خيفة على الملأ الصالح من البقية الباقية من شيوخ العلم الذي أمهلنا بهم الدهر وأخاف كما يخاف غيري أن يسلب الله منا هذه النعمة نعمة وجودهم بين ظهرانينا (لا سمح الله) ولو فعل لا نجد من يحل لنا إشكالاً في علم ولا معضلة في فن ونبقى كالقطيع الشارد لا راعي ولا مأوى. . . بل أخاف ما هو أعظم من ذلك بكثير. فيا أهل العلم الصحيح أفلا تتلافون هذا الخطر المداهم والتيار الجارف فتجتمعون (ويد الله مع الجماعة) وتطالبون الحكومة بأن تضع حداً لمثل هذه الفوضى في وظائف الدين فتميز الجاهل عن العالم وتفرق بين الحق والباطل وذلك بالامتحان الذي هو الحكم الفصل في قضيتنا هذه فإن لبت نداءكم وأنصتت لصداكم قضي الأمر وحل على أيديكم ما استعجم على يد غيركم وخدمتم العلم بل أنفسكم خدمة يسطرها لكم التاريخ إلى الأبد وإن لم تجب طلبكم سقط وزر هذه الضلالة عن عاتقكم وما أراكم فاعلون إن شاء الله تعالى. (أبو الضيا) (البقية تأتي)

خلاصة الرحلة الشرقية

خلاصة الرحلة الشرقية أهدانا صديقنا الشيخ السيد المكي هذه الرحلة لأخيه الأستاذ الشيخ السيد محمد الخضر بن الحسين أحد المدرسين بجامع الزيتونة بحاضرة تونس قال حفظه الله تعالى: اقترح علي جماعة من الفضلاء أن أحرار خالصة من آثارنا رحلتنا الشرقية فعطفت عنان القلم لمساعفة اقتراحهم بعد أن رسمت له الوجهة العلمية والأدبية سبيلاً لا يحيد عن السير في مناكبها ولئن لم يلتقط الناظر منها درة علمية فائقة فإنها لا تخلو من أن تنبسط له بملحة أدبية رائقة وغليك التحرير. بعث لي باعث على الرحلة إلى بلاد الشام وهو زيارة الأهل وفاء بحق صلة الرحم فامتطيت الباخرة يوم الخميس الرابع من شعبان سنة 1330 وعند ما أقلعت من مرساها وأخذت المباني التونسية تتوارى عن أبصارنا أخذ الحنو إلى الوطن يتزايد وحر الأسف لمفارقة الأصحاب يتصاعد حتى أصغيت إلى نفسي وهي تخاطب رائد السفينة بقولها: حادي سفينتنا اطرح من حمولتها ... زاد الوقود فما في طرحه خطر وخذ إذا خمدت أنفاس مرجلها ... من لوعة البين مقباساً فتستعر وإني لأدرك في مثل هذا الموطن دقة نظر أمام الحرمين حين قيل له لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور بقوله لأن فيه فراق الأحبة. رست الباخرة على جزيرة مالطة عند مغرب يوم الجمعة ولم نر فائدة في نزولنا والليل قد ضرب أطنابه فقضينا ليلتنا على متن البحر وانحدرنا صباحاً إلى المدينة التي هي مقر حكومتها وتسمى (قاليتا) فتجولنا في مناهجها المتناسقة وشهدنا من خطاباتهم كيف تنحط العربية وتندرس أطلال فصاحتها بين الأمة التي تجهل مكانتها وتزهد في تعاليمها إلى أن تلتحم بأخلاط من لغة أخرى فإن لغة أهل هذه الجزيرة عربية محرفة وأكثر ما يتخللها قطع من اللغة الطليانية وإنما انساقت إليها العربية حين استولى عليها أبو الغرانيق محمد ابن الأغلب سنة 255. ويشعرك بانتشار العربية وآدابها بينهم لذلك العهد ما صه المؤرخون من أن ملك مالطة صنع له بعض مهندسي بلده تمثال جارية يتعرف بها أوقات الصلاة وكانت ترمي ببنادق على الصنج (قصاع الأبنوس) فقال أبو القاسم بن رمضان المالطي أحد شعرائها لعبد الله بن السمنطي المالطي وكانت له براعة في صناعة الشعر أجز هذا المصراع

جارية ترمي الصنج فقال له: بها القلوب تبتهج كأن من أحكمها ... إلى السماء قد عرج وطالع الأفلاك عن ... سر البروج والدرج ثم عدنا إلى الباخرة حيث أزف رحيلها وجعلت أنظر إلى زوارقها المزخرفة وهي تحوم حولنا واردة وصادرة فوقع بصري على زورق يطوف به على جوانب السفينة سائل مقعد فأراني إحدى رجليه نحيفة ملتوية فقذفت له مسكوكاً فالتقطه وهو يقول بالسلامة السلامة وحيث لم يتعرض لي قبل هذا سائل في زورق قلت: عهدت الذي يسعى على متن زورق ... إلى الرزق يدلي نحوه شرك الصيد وذا قانص في اليم إلى العلا ... حبالة أقوال فتظفر بالقصد بارحنا مالطة عند الزوال يوم السبت واسترسلت السفينة على بحر صامت ما عدا نسمات لينة تخطر علينا غسق الليل وأطراف النهار حتى قدمت على مرسى الإسكندرية ضحوة يوم الأربعاء فنزلنا منزلاً ألقينا في رحلنا وبعد أن طفئت حرارة الهاجرة خرجت صحبة رفيق يعرف شعاب المدينة إلى أن وافينا باب مسجد فجزته لأداء صلاة الظهر وأثر ما قضيت الصلاة جلس أمام المسجد مستنداً إلى أسطوانة ودنا له طائفة من الناس فقرأ لهم نبذة من كتاب الشفا لعياض مع بعض بيانات تدل على أنه ذو حظ من علوم الدين ثم حان وقت العصر وبعد أن انصرف من صلاتها ألقى علي السلام متعرفاً لأثري وعرض علي المبيت بمنزله في طرف البلد فاعتذرت له بقصر مدة الإقامة وقصد الاستطلاع على مناظر البلد ومعاهدها العلمية. امتطيت عربة أتت بنا على مكتبتها القائمة بإزاء إدارة البلدية فطالعت صحائف متفرقة من نموذج كتبها ولم يقع بصري فيما طالعته على كتاب نادر يستحق أن نذكره ثم اجتزنا إلى متحف يقال له (عمود السواري) يحتوي على تماثيل عتيقة وعلى عمود قائم ذكر لنا الدليل المكلف باستطلاع الغرباء على المتحف أن ارتفاعه يبلغ ستاً واربعين ذراعاً وذكر المقريزي في الخطط أن ارتفاعه سبعون ذراعاً وقال المقريزي أيضاً ويذكر أن هذا العمود من جملة أعمدة كانت تحمل رواق أرسطاطاليس الذي كان يدرس به الحكمة.

وقصدنا لزيارة مقام الشيخ الأبوصيري ثم مقام أستاذه أبي العباس المرسي ويتجمع حول هذين المقامين عدد وافر من الطائفة الظاهرة في زي المجاذيب. التقينا بالسيد حسين بن عباد من أهالي جزيرة جربة القاطنين بتلك المدينة وذهب بنا إلى ناد حافل يقال له (المنشية) فقضينا بها جانباً من الليل في أسمار مونسة واستطلاع على مجامع متنوعة وهيأت من الملابس مختلفة فإن هذا النادي يأوي إليه السائحون من بلاد الشرق ولا تتجافى عنه الطبقة العالية من الأهالي ومما يذود عن جفنك الكرى هنا أن باعة الجرائد يخترقون الصفوف والمجامع وهم يصرخون بأسمائها وأيدي القوم تتلقفها واحدة عقب واحدة. وأبث الأسف هنا حيث لم يتمهد لنا التعارف بفضيلة العالم الأستاذ الشيخ السيد عبد الفتاح المكاوي أحد العلماء بمشيخة الاسكندرية قبل مقدمي هذا حتى أحظى بسعادة لقائه فإنه بعث لي رسالة بعد وأنا حينئذ بدمشق خاطبني فيها على أن أوجه له بنسخة من رسالتنا (الدعوة إلى الإصلاح) فما لبثت أن قدمتها لفضيلته بواسطة البريد فطالعها بعين الكرم وتفضل حفظه الله بالكتاب الذي قصرت اليراعة أن تبسط باعها بما يستوجبه من الشكر ونصه بعد الديباجة: فقد تلقيت خطابك السامي ورسالتك الداعية إلى الإصلاح والخير والفلاح وبمطالعتها علمت أن الإسلام لم يعدم أنصاراً ولم يزال للإرشاد دعامة هي خير الدعامات قلت فبرهت، ودعوت فسددت، وأحييت سنة الخلفاء والمصلحين فربطت بهذا آخر العالم الإسلامي بأوله ولا يسعني إلا تهنئة الحاضرة التونسية بك بل الأقطار الإفريقية بل الممالك الشرقية وإني وأيم الله لقد امتلأ قلبي سروراً وأفعم فرحاً من تعاليم جامع الزيتونة حيث انتخبت مفكراً وعالماً دينياً بصيراً مثلك ولقد ضاقت علي سبل الشكران أشكرك على ما قدمته للإسلام والمسلمين من براهينك الساطعة وحججك الدامغة أم أشكرك على ما أهديته للحركة الفكرية العصرية مما تلقته البصائر بالإجلال والإعظام أو على عنايتك الكبرى بتبديد الخرافات التي علقت بأفئدة كثير من المسلمين أو على شجاعتك المتناهية في إزالة سحب الجهالات التي أخرتنا إلى الوراء أميالاً ليست بقليلة أو أشكرك على إهدائك لي ما أعده ذكراً حسناً وأثراً خالداً باكرنا يوم الخميس إلى القطار المصري فانطلق يهرع ما بين أشجار وأنهار

ومزارع وقرى منها دمنهور وطنطا وبنها العسل. وأسماء الأماكن التي يقف عندها القطار مرسومة بالقلم العربي وباعة الصحف والمتكففون يلجون عربات الرتل ويتجولون فيها المسافة البعيدة مجاناً. وصلنا إلى مصر وتبوأت بيتاً في قصر يمسى (الكلوب المصري) ثم هويت من المنزل يرافقني السيد محمد القديدي القيرواني ودرجنا إلى مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه وفيه منفذ للمكان الذي اشتهر أنه مشهد رأسه الشريف ورأيت زوار هذا المسجد وزائراته كيف يزدحمون على بابه ما بين وارد وصادر وللعلماء بالروايات مقال في هذا المشهد الحافل فإن منهم من يقول أن مدفن رأسي الحسين رضي الله عنه بعسقلان ولعلنا نقص أثر هذا المطلب في مقام آخر. ثم توجهت إلى زيارة المعهد العلمي الشهير بالأزهر ولما وافيته نهض لي زمرة من التلامذة تونسيون وجزائريون وكان بعضهم ممن تقدم له الحضور بالدروس التي نلقيها بالمعهد الزيتوني فطافوا بنا في زوايا الجامع وحواشيه ثم جلينا برواق المغاربة مدة وجيزة وأزمعت على افياب تخلصاً من متاعب السفر فالتمسوا مني العود لزيارتهم مساء وجنح بنا السبيل إلى منزل صديقنا السيد الشريف بن حمودة فلما وقع بصره على رؤيتنا انطلق لسانه بعبارات الترحاب والإعجاب فلبثنا لديه ساعة أنس خففت عنا معظم ما مسنا من التعب ثم آويت على محل الإقامة. اكتفيت بحظ من الراحة يسير وانصرفت لإنجاز الموعد الذي أخذه مني التلامذة فقضينا أمداً في محاورة علمية بحسب ما تجذب إليه المناسبة ثم ذهبنا نتجول في المناهج والأسواق ومن رفقائنا الشيخ محمد الصالح الشواشي والسيد محمود بن رشيد التونسي حتى برزنا إلى جسر ممدود على وادي النيل وعبرناه إلى حديقة ناضرة فذكرت قول صلاح الدين الصفدي: رأيت في أرض مصر مذ حللت بها ... عجائباً ما رآها الناس في جيل تسود في عيني الدنيا فلم أرها ... تبيض إلا إذا ما كنت في النيل وقلت: عبرت على جسر أرى النيل تحته ... إلى روضة فاشتقت منهل زغوان

صراط وفردوس وسلسال كوثر ... وما قيظ أشواقي سوى وهج نيراني شهدت صلاة الجمعة بالجامع الأزهر والخطيب من ابناء الشيخ السقا صاحب الخطبةالمشهورة فكان موضوع الخطبة فضل ليلة النصف من شعبان ولكنه ألقاها بصوت جهير في هيأة مرتجل دون أن يمسك في يده ورقة وحينما شرع في دعاء الخطبة الثانية أخذ ينزل من موقفه الأعلى فانتهى الدعاء عند الدرجة السفلى من المنبر. أجبنا دعوة الشيخ محمد عبان القيرواني وناولنا كؤوساً من الشاهي وهو يلتمس العذر كأنه يعد نفسه مقصراً في الضيافة فأنشدته قول الصاحب ابن عباد: نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان التقينا مساء هذا اليوم بأساتذة أزهريين أحدهم الشيخ الزنتاني من طرابلس الغرب وأتى في المذكرة الحديث عن الشيخ ابن عرفة فقال ذلك الأستاذ أن الفخر به لأهل طرابلس لأن قبيلة الشيخ لذلك العهد كانت من ملحقات طرابلس فقلت له إنما يعود فخره إلى التونسيين لأن نشأته الأدبية وحياته العلمية إنما كانت في تونس. وجرى في المحادثة لفظة (صلاعة) على معنى الاستراحة من التعليم فقلنا هي كلمة أصلها عربية قال في القاموس (صلاع الشمس ككتاب حرها) وأيام الاستراحة هي أوقات الحر غالباً والكلمة الشائعة في معنى الاستراحة من التعليم عند كثير من أهل الجزائر لاسيما المتخرجين من المدارس هي لفظ (فكالس) وهي حرف فرنسوي. دعانا الشيخ إبراهيم صمادح أحد المجاورين بالأزهر للسمر عند ليلة يوم السبت فقضينا نصف هذه الليلة في أسمار علمية ومحاورات أدبية ممن جاذبنا أطرافها الشيخ أحمد أمين الشنقيطي أحد العلماء الذين تجولوا في بلاد الشام والحجاز والشيخ عبد المعطي السقا أحد المدرسين بالأزهر وفيما طرح من المباحث بمناسبة خطبة ذلك اليوم تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) حيث ساق بعض الخطباء الآية في فضائل ليلة النصف من شعبان كما ينقله بعض المفسرين عن عكرمة وأوردنا في هذه الليلة المذاكرة إنكار أبي بكر ابن العربي لهذا التفسير وتحقيقه أن المراد من الليلة المباركة ليلة القدر وهي التي يفرق فيها أمر حكيم. واتصل الكلام بالبحث في البدعة وسقنا تحرير أبي سحاق الشاطبي في ضابطها وهو أن

يكون السبب الذي استند إليه العامل قائماً زمن رع الأحكام ويسكت عنه الشرع ولا يقرر له حكماً. ويصح أن يضرب المثل لهذا بصلاة الرغائب فقد ألف الشيخ عز الدين بن عبد السلام رسالة وضح فيها أنها بدعة وهذا مما لا تدخله الريبة فإنه إذا ثبت أن الحديث الذي يروي في شأنها موضوع كما حقق ذلك أبو الفرج بن الجوزي انطبق عليها أنها عمل لم يحدث له موجب ولا ورد فيه أثر عن صاحب الشريعة وهذا بخلاف ما يكون السبب الموجب له طارئاً بعد زمن الوحي كتدوين علم الغريبة وجمع القرآن في المصاحف. سايرني بعد أن انتثر عقد المجلس بعض التلامذة واقترحوا علي إقراء درس في التفسير وحكوا أن لغيرهم من أهل العلم حرصاً أكيداً على هذا الاقتراح فبسطت إليهم بمعذرة أني قد ربطت العزم على الرحيل صبيحة يوم الأحد فقالوا يمكن أن نعين لميقات الدرس عشية غد ونكتفي بالمقدار الذي يتيسر جمعه وبيانه والغرض إنما هو المحافظة على سنة الكثير من أهل العلم يمرون بالأزهر فما وسعني إلا أن ساعدت مرغوبهم فأحضروا تفسير القاضي البيضاوي ووقع الاختيار على أن يكون موضوع الدرس قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) الخ الآية. افتكرت في المنهج الذي نتبعه في تحرير الدرس فسبق لي استحسان إبرازه في الأسلوب المتعارف في جامع الزيتونة فلا أسل يدي من تقرير ما يناسب من مباحث عربية أو أصولية أو أحكام فرعية ن المقترحين للدرس أزهريون. أتينا صباح يوم السبت على المسجد الذي ابتدعه عبد الرحمن ابن الشيخ عليش رحمه الله وشاهدنا بأم العين ما رسمه في أعلى مفتحه بالقلمين الإفرنجي والعربي وأنكره عليه علماء الإسلام. ثم مضينا للوفاء بموعد الشيخ عبد المعطي السقا فجاز بنا إلى داخل منزله وأهداني كتاباً حافلاً ألفه فضيلة جده المنعم في فضل عمارة المساجد وللشيخ عبد المعطي عناية كبرى بالفحص عن التآليف النادرة والسعي الحثيث في تحصيل ما نشرته المطابع في البلاد القاصية وقد تفضل علي برد الزيارة فاتفق أن كنت خارج المنزل فكتب بطاقة يشعرني فيها بزيارته ويتأسف لعدم الملاقاة وأودعها لدى ناظر الكلوب. ذهبت إلى الجامع الأزهر لأذان العصر وانتبذت للتحية مكاناً بين مجمعين لتعليم القرآن فانشق صدري أسفاً لأحد المعلمين إذ كان لا يضع العصا من يده ولا يفتر أن يقرع بها

جنوب الأطفال وظهورهم بما ملكت يده من القوة وربما قفز الصبي آبقاً من وجع الضرب الذي لا يستطيع له صبراً فيثب في أثره بخطوات سريعة ويجلده بالمقرعة جلداً قاسياً حتى قلت لأزهري كان بجنبي (من جلس إزاء هذه المزعجات فقد ظلم نفسه) وذكرت أني كنت ألقيت خطبة في أدب تعليم الصبيان ببلد بنزرت حالما كنت قاضياً بها وأدرجت فيها ما قرره صاحب المدخل من الرفق بالصبي وعدم زيادة المعلم إن اضطر إلى ضربه على ثلاثة أسواط وتحذيره من اتخاذ آلة للضرب مثل عصا اللوز اليابس والفلقة. ولما خطبت في هذه الآداب أرسل لي بعض المعلمين كتاباً على طريق البريد يعترض فيه على نشر هذه الآداب ويقول أن هذا مما ينبه قلوب التلامذة للجسارة علينا. وكان أمامي في هذه الجلسة تلميذان يتفاهمان كتاباً في العربية يطالعانه بمقربة منهم تلميذ ثالث حتى أتيا على قول الشاعر (على أن فاها كالسلافة أو أحلى) فقال أحد التلميذين السلافة الخمر فقال له ذلك التلميذ الذي هو بمعزل عنهما السلافة حيوان فأعاد عليه الأول القول بأنها الخمر وكرر الآخر القول بأنها حيوان فقال له صاحبه منبهاً له على وجه خطأه (أو أحلى أو أحلى) فرجع وقال السلافة شيء ضيق قال هذا ليلائم تشبيه الفم بها وأظنه اشتبه عليه أولاً لفظ السلافة بالسلحفاة سبق في ظني أن مقترحي الدرس قصدوا أن يكون قراؤه برواق المغاربة فانصرفت بعد صلاة العصر متوجهاً لذلك الرواق فأنبأوني بأنهم اختاروا أن يكون بوسط الجامع وعرضوا علي منصة بعض الأساتذة فلم يسعني إلا أجلس حيث عزموا. أقبلت قبل الشروع في تقرير الدرس على تلميذ أعرفه بحفظ القرآن وصرف الهمة في تجويده واقترحت عليه أن يجهر بتلاوة الآية ليسمعها الحاضرون فقنعه الحياء وتقدم تلميذ آخر فرفع بها قراءته ورتلها ترتيلاً. ونودع في هذه الخلاصة جملة من المباحث التي أوردناها في تفسير الآية عسى أن تكون أنظار بعض القارئين قد طمحت إلى الإلمام بمقاصدها. قررنا فاتحة الدرس قول الشيخ ابن عرفة (من الناس من ينظر في وجه المناسبة بين الآية وما قبلها كابن الخطيب ومنهم من لا يلتزمه في كل آية كالزمخشري وابن عطية ومنهم من يمنع النظر في ذلك ويحرمه لئلا يعتقد أن المناسبة من إعجاز القرآن فإذا لم تظهر المناسبة

للناظر وهم في دينه ووقع له خلل في معتقده) وعلقنا عليه أن هذا الاختلاف إنما يقع لهم في الآيات التي لم تقترن بنحو حرف عطف إذ يمكن الاكتفاء في بعضها بأن اتصال الآية بما قبلها معتبر فيه الترتيب بينهما في النزول الوارد على حسب الوقائع والحاجات أما إذا اتصل بها حرف الوصل كهذه الآية فتطلب المناسبة متعين لأن رعايتها حينئذ داخلة في حقيقة البلاغة التي هي الركن الأعظم في الإعجاز. ثم أتينا على عقد المناسبة بين هذه الآية وما قبلها. ثم انتقلنا إلى بيان قول القاضي في تفسير الآية (لا يستقيم للمؤمنين أن ينفروا جميعاً لنحو غزو أو طلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعاً فإن يخل بأمر المعاش) والبيان أما خطر انصراف الناس قاطبة إلى اجتناء ثمر العلوم وإخلاله بمطالب حياتهم فلأن الإنسان يفتقر في تحصيل معاشه ووسائل بقائه إلى مساعدة أبناء جنسه ولا يستطيع أحد أن يقوم بها وحده وإن بلغ أشده في استقامة البنية وسعة الفكر فإذا نفر الشعب بحذافيرهم وولوا وجوههم شطر الارتواء من العلم ضاعت واجبات اجتماعهم وانتقضت عليهم قواعد العمران من زراعة وصناعة وتجارة. وأما تخلفهم جميعاً وقعودهم عن الرحلة في طلب العلم فإنه يخل بنظام العيش من جهة إن جهل القبلة بما أرشدت إليه الشريعة من العقائد والأخلاق وخلوها عما فصلته من قوانين الاجتماع وضروب السياسات يفضي إلى انتشار المفاسد واشتعال نار الفتن مثلما كانت عليه حال العرب في جاهليتهم ولا تخالجنا الريبة في هذه الحقيقة متى شاهدنا انتظام شؤون العمران وتوفر أسباب الراحة لدى بعض الأمم العارية عن الصيغة الدينية فإنها ما وصلت إلى تلك التراتيب التي ضربت بها أطناب الأمن والسكينة إلا بعد أن فتحت أعينها في نظامات الشرائع السماوية واقتدت على أثر الأمم المتدينة. وفضائل العبادات أيضاً لها مدخل في انتظام العيش بمعنى قرار النفس ورضاها عما سخر الله لها من العيش وهذا ما يعتبره الإنسان من نفسه متى نظر إلى حالته وهو ملتفت بقلبه إلى زخارف الدنيا وقاسها بحالته إذا أقبل بسريرتها على ما يقر به إلى فاطر السماوات والأرض فإنه يجد في هذه الحالة من لذة اليقين وراحة الخاطر ما يكشف له عن كدر كان يمازج قلبه وحزازة هي أثر القساوة والإعراض بجانبه عن الطاعة فيرى أن العيش

المنتظم على الحقيقة إنما هو عيش الفائزين بهداية الدين علماً وعملاً. وعبر في الآية بالمؤمنين دون الناس لأن الآية مسوقة للحث على القيام بعمل والأعمال إنما يرجى الامتثال فيها من المؤمنين ولو كان الأمر هنا بواجب من العقائد لناسبه التعبير بنحو الناس وقد قرر بعض المفسرين فيما أعهد أن من عادة القرآن التعبير بمثل (يا أيها الناس) إذا كان المخاطب به مما يرجع إلى أصل من أصول الدين فإذا كان المأمور به فرعاً من الفروع صدر الخطاب بنحو (يا أيها الذين آمنوا). أو يقال أن ذكر المكلفين هنا بوصف الإيمان لتقوية داعيتهم وإغرائها على العمل بأسلوب لطيف فإن من تسميتهم بالمؤمنين تلويحاً إلى صفة الإيمان بالله من شأنه أن تبعث على حسن الطاعة والمسارعة إلى امتثال أوامره وتعرضنا عقب هذا إلى البحث في لفظة (كافة) فقررنا أن ابن هشام ذهب في مغني اللبيب إلى أنها من الأسماء التي لا تخرج عن النصب على الحال وخطأ الزمخشري في قوله بخطبة المفصل (محيطاً بكافة الأبواب) وقد صحح الشهاب في شرحه درة الغواص أنها لا تلزم النصب على الحالية ومما استشهدنا به القائلون بانفصالها عن الحالية قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد جعلت لآل بني كاهلة على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال دهباً إبرايزاً قال الدماميني إن صح هذا سقط القول بملازمتها للنصب على الحالية. (لها بقية)

سلسلة حكم الخلفاء

سلسلة حكم الخلفاء (عبد الملك بن مروان الأموي رحمه الله): خطب يوماً فقال أيها الناس اعملوا لله رغبة ورهبة فإنك نبات نعمته وحصيد نقمته ولا تغرس عليكم الآمال إلا ما تجتنيه الآجال وأقلوا الرغبة فيملا يورث العطب، فكل ما تزرعه العاجلة تقلعه الآجلة، واحذروا الجديدين فهما يكران عليكم إن عقبى من بقي لحوق بمن مضى وعلى أثر من سلف يمضي من خلف فتزودوا فإن خير الزاد التقوى كفانا الله وإياكم سطوة القدر وأعاننا بطاعته على الحذر من شر الزمن، ومضلات الفتن وقال أربعة لا يستحي من خدمتهم السلطان والوالد والضيف والدابة. أفضل الرجال من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وانصف عن قوة، وطال اطلبوا معيشة لا يقدر السلطان على غصبها فقيل له ما هي فقال الأدب، حقد السلطان عجز، من صغر مقتولاً فقد أزرى صاحبه. وقال له رجل أريد أن أسر لك شيئاً فقال عبد الملك لأصحابه انهضوا فلما أراد الرجل الكلام قال له عبد الملك قف لا تمدحني فإني أعلم بنفسي منك ولا تكذبني فإنه لا رأي لكذوب ولا تعب عندي أحداً فقال إذاً تأذن لي بالانصراف قال إذا شئت. . وأوصى بنيه فقال: أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية وأحصن كهف، ليعطف الكبير منك على الصغير، وليعرف الصغير حق الكبير وانظروا (مسلمة) فأصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ومجنكم الذي عنه ترمون وكونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب وكونوا على الحرب أحراراً فإن القتال لا يقرب ميتة وكونوا للمعروف مناراً فإن المعروف يبقي أجره وذكره، وضعوا معروفكم عند ذوي الإحسان فإنهم أصون له وأشكر لما يؤتي إليهم منه، وتعهدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا وإن عادوا فانتقموا. وددت أني كنت أكتسب يوماً بيوم ما يقوتني وأشتغل بطاعة الله. وددت أني عبد لرجل من تهامة أرعى غنماً في جبالها وأني لم أك شيئاً. يا دنيا ما أطيبك إن طويلك قصير وإن كبيرك لحقير وإن كنا منك لفي غرور. إن من يمن السائس أن يأتلف به المختلفون، ومن شؤمه أن يختلف به المؤتلفون. قال الوليد لأبيه عبد الملك يا أبت ما السياسة قال هيبة الخاصة مع صدق مودتها واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمالها. وقال لابنه الوليد وكان ولي عهده يا بني اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية

أو تملكه إلا حرفان حزم وتوان. (الوليد بن عبد الملك رحمه الله): لا مقدم لما أخر الله، ولا مؤخر لما قدم الله وقد كان من قضاء الله وسابق علمه ما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت، إن الشيطان مع الفرد، أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة، من سكت مات بدائه، لأجمعن المال جمع من يعيش أبدا ولأفرقنه تفريق من يموت غدا. (سليمان بن عبد الملك رحمه الله): الكلام فيما ينفعك خير من السكوت فيما يضرك. قال ليزيد بن المهلب ثلاث اتركهن فخك أبيض مثل ثوبك ولا يكون خف الرجل مثل ثوبه وطيبك ظاهر وطيب الرجل يشم ولا يرى أثره وتكثر من مس لحيتك. (عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه): إن قوماً لزموا سلطانهم بغير حق فأكلوا بخلاقهم وعاشوا ألسنتهم وخلفوا الأمة بالمكر والخديعة والخيانة كل ذلك في النار إلا فلا يصحبنا من أولئك أحد فمن صحبنا بخمس خصال فأبلغنا حاجة من لا يستطيع، ودلنا على ما نهتدي إليه من العدل، وأعاننا على الخير، وسكت عما لا يعنيه، وأدى الأمانة التي حملها منا ومن عامة المسلمين فحيهلا به. ومن كان غير ذلك ففي حل من صحبتنا أو الدخول علينا وعزل بعض قضاته فقال لم عزلتني. قال بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصيمين إذا تحاكما إليك. التقى ملجم. وخطب فقال أيها الناس لا تستكثروا شيئاً من الخير أو تيتموه، ولا تستقلوا شيئاً منه أن تفعلوه، ولا تستصغروا الذنوب، والتمسوا تمحيص ما قد سلف منها بالتوبة والعمل الصالح، فإن الحسنات يذهبن السيئات وقد ذكر الله عز وجل أقواماً فقال: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فإياكم والإصرار على الذنوب فإن الله تعالى ذكر قوماً بذنوبهم فقال عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، ثم أنهم لصالوا الجحيم. ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) نار لا تطفى ونفس لا تموت فهي كما قال تعالى: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها. كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً ليذوقوا العذاب) فهل لأحد بهذا طاقة؟. . فمن استطاع منكم أن لا يحجبه الله تعالى فليفعل. ثلاث من كن فيه فقد كمل، من لم يخرجه غضبه عن طاعة الله، ولم يستزله رضاه إلى معصية

الله وإذا قدر عفا وكف، وكتب رضي الله عنه لى عماله لما ولي الخلافة إذا دعتكم قدرتكم على الناس إلى ظلمهم فاذكروا قدرة الله عليكم ونفاد ما تأتون إليه وبقاء ما يأتي إليكم من العذاب بسببهم. (لها بقية) إبراهيم خليل مردم بك

تهتك الحرائر

تهتك الحرائر يعلم كل عاقل ما لهذه المصيبة من الأضرار وما لها من التأثير على الأخلاق وكيف أنها بفضل تساهلنا تزداد يوماً فيوماً انتشاراً وتفشو من حين إلى حين حتى عمت جميع الطبقات وأصبحت الداء العضال لهذه المرأة بل الضربة القاضية على شرفها وكامل أخلاقها. مع مات في ذلك من مخالفة صريح الدين ومصادمة نصوص الكتاب المجيد والسنة الصحية دع عنك ما نشأ عنها وما ينشأ عنها من إتلاف الثروة وتبديدها على غير جدوى وبلا فائدة غير استحقاق السخط والمقت الإلهي ورمي الطبقة الوسطى فضلاً عمن تحتها بالضائقة المالية والعسر المستمر. . نعم إنك لتجد من تحسب أنه من الأغنياء في اضطراب زائد وكدر عظيم لا يدري ما يصنع أمام هذه الكارثة العظيمة والتيار الجارف. مهما جد الفقير واجتهد في الكسب والتكسب لا يكاد يرضي امرأته ولا يستميل قلب ابنته فهما في سخط دائم عليه، وكره لحالته فلا يزال عيشه في كذر وليله في سهر يحالف الهم ويرافق الغم يكتسب حتى الحرام فيغش ويخدع ويضرب في كل سهم ابتغاء رضوان أهله ونسائه وما هم عنه براضين ما دام زي أمس يبطله زي اليوم وزي اليوم يبيده زي غد وما دام القصد من اللباس إنما هو التقليد لا الكتساء والتهتك لا التستر. إن فضلى النساء لا تكاد تتزين لزوجها زينتها إلى السوق وقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية. وقال صلى الله عليه وسلم كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية وأخرج ابن حجر في زواجره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أخبرني ما حق الزوج على الزوجة فإني امرأة أيم فإن استطعت وإلا جلست أيماً قال فإن حق الزوج على زوجته إن سألها عن نفسها وهي على ظهر قتب أن لا تمنعه نفسها ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع. وأخرج أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها

النساء وذلك بسبب قلة طاعتهن لله ولرسوله ولأزواجهن وكثرة تبرجهن، ومن هنا يعلم عظم وزر هذه الخطيئة (التبهرج) وأن المرأة المتبرجة لغير زوجها زانية والتي تخرج من دارها بغير إذن زوجها تلعنها ملائكة السماء والأرض حتى ترجع. والرجل الراضي بأن تتبرج امرأته لغيره وأن تخرج من غير أذنه شريك لها في وزرها مستحق للمقت معها بل هو الديوث الذي لا يشم ريح الجنة ولا يدخلها والخلاصة أن هذه السيئة من المنكرات التي يجب التناهي عنها والتعاضد لصد تيارها حتى لا يتسع الخرق فتعتقد المرأة أن خروجها متبهرجة حق من حقوقها الطبيعية لا دخل للزوج في وضعه ولا رفعه. وهذا ما دعانا لأن نستحث همة كل خطيب وكاتب ومدرس وواعظ ومرشد وناصح ليبذل كل جهده في إزالة هذه العادة السيئة والبدعة القبيحة وأن نشكر همة من قاموا ببلدتنا (دمشق) بتأسيس جمعية لهذه الغاية ولقد علمنا أن هذه الجمعية حيا الله رجالها توالي الجلسات وتعقد الاجتماعات وتجتهد كل الاجتهاد للتوصل إلى إبطال هذه الرذيلة بالطرق المشروعة المقبولة فجزى الله أعضاءها وكل مساعد لهم جزاء المحسنين وكان لهم خير معين. وهنا يحسن لبنا أن نورد للقراء مقالة نشرتها مجلة مكارم الأخلاق بقلم الكاتب المفكر عبد المجيد أفندي رئيس قسيم الإدارة بمديرية الشرقية في هذا الصدد لما فيها من الفائدة وفصاحة البيان قال أكثر الله من أمثاله: بسم الله الرحمن الرحيم وبحمد والصلاة والسلام على رسوله أستفتح مقالتي التي جعلت عنوانها تهتك الحرائر وتالله ما كتبتها تحت هذا العنوان استلفاتاً للنظر ولا مبالغة في الوصف وإنما هو الواقع كما أنكم تنتظرون كيف لا وكل يرى المرأة لاهية عن بيتها عن الزينة دقها وجلها ثم لا يلبث أن يراها وقد أرادت الخروج قد أخذت كل زخرفها وازينت وبرزت من خدرها عروساً ولكنها لا خباء أو فجوراً ولا مبالغة ولا مراء كيف لا نسمي ذلك تهتكاً والحرة والفاجرة فيه سواء ها هي الطرقات والأسواق غاصة بالنساء وهن في غاية التبرج والخلاعة كما ترون فلا حاجة لوصف أزيائهن التي عند تصورها يضيق الصدر ويعتقل اللسان ماذا سترت المسلمة من زينتها التي أمرت بشترها إذا كانت هكذا في الطريق ظاهر ردفها وخصرها ونحرها وكفها والمعصم كذاك شعر رأسها وكل ما في وجهها كأنفها ثم الفم.

أم ماذا تركت الحرة للفاجرة من ضروب التبرج وماذا أبقت لنفسها من ضروب الاحتشام أنها لم تترك من ذاك ولم تبق من هذا شيئاً. وماذا ينتظر الرجال إلا آخرة هذا الحال وبئست الآخرة هي هتك عرض وذهاب مال. أيها المسلمون لا بأس عليكم ماذا جرى لعقولكم حتى رضيتم أن تفجر أمامكم نساؤكم. أيها المسلمون أولى لكم من الاشتغال بالسياسة العمومية أن تسوسوا بيوتكم. أيها المسلمون نساؤكم من نعم الله عليكم فأمسكوها أن تزول وكفى ما فرطتم. أيها المسلمون أعراضكم كأرواحكم وقد فرطتم فيها كثيراً أفلا تتقون. أيها المسلمون الله ولاكم أمر نسائكم لتصلحوا الولاية فأسأتم بتفريطك فهل أنتم منتهون. أيها المسلمون ما بلغ النساء هذا الحد إلا من تساهلكم وضعف رأيكم في سياستهن وخور عزيمتكم في حجبهن كأنه لا غيرة في قلوبكم على أعراضكم قبح الله من لا يغار. أيها المسلمون ما كلم واحد منكم الآخر في حال النساء إلا وأظهر التحسر والتأسف ولا شك في إجماعكم على قبح هذا الحال وسوء مآله. فإذا كان الحال كذلك سيئاً في نفوسكم فلماذا عدم تغييره والله جاعل دواءه بيدكم أصبح التواكل غريزة فيكم حتى في خصوصياتكم أينتظر الواحد منكم أن يأتي غيره ليصون له حليلته أم تنتظرون أن تقلب الحكومة نظامها وتدخل في أموركم الخصوصية وهي تباعد عنها احتراماً لحريتكم الشخصية وكيف تتداخل هي وأنتم ساكتون وسكوتكم دليل على الرضا بما أنتم له كارهون والله ما شاعت هذه البدعة الفاحشة في المسلمات غلا بتفريطكم في الحجر عليهن فاحذروا يا رجال عاقبة هذا الحال فالعقل لا يسلم بصيانة المرأة تمشي كل وقت بهذا التهتك الفاضح تزاحم الرجال في الأسواق عين ترمقها وقدم يتبعها وقبيحة تسمعها وكف تلمسها ويد تصافحها ورب ساعد يضمها وفم يقبلها ومن يشك في بعض ما قلت فليسر في أسواق المدينة ويتفقد خاناتها (مخازنها) ويتأمل كيف تستقبل من فيها النساء وكيف يعاملوهن وهكذا تفسد الأخلاق وتهتك الأعراض ولا تنسوا أنه كلما كثر خروج المرأة ومخالطتها لغيرها زاد طلبها للملابس والحلي أما تشبهاً بغيرها وإن كن أعلىمنها أو أكثر ثروة وإما تشبهاً لما هو معروض في الأسواق استلفاتاً لأنظارهن وترغيباً لهن ألم تر أن التجار لم يقتصروا على هذه الوسيلة بل تجاوزوها إلى بيع سلعهن للنساء سلفاً وهم

آمنون على أرباحهم بما يرون من تغلبهن على الرجال. وهذا الأزار الجديد والبدع التي تظهر فيه كل يوم اختراع تجاري ساعد على انتشاره ورواجه تسلط النساء على الرجال مع ضرره المالي (إذا لم نقل الأدبي) فمن ذا الذي ينكر أن أنواع هذا الجديد أغلى ثمناً وأكثر كلفة وأقصر عمراً من القديم كيف لا ومادة الحبر الجديد لا تبلغ جودة الحبر القديم وأنواع الملاآت الجديدة لا تبلغ متانة الملاآت البلدية القديمة وقد كانت الحبرة الأولى تكفي صاحبتها خمس سنين أو أكثر وهي لا تبلغ ثمناً وكلفة أكثر من دينارين وقس على هذه النسبة الملاآت البلدية أما الحبرة الجديدة فقل أن تكفي سنة أو اثنتين إن كانت جديدة وكانت صاحبتها أكثر من غيرها لزوماً لبيتها والاختراع التجاري وتفنن الخياطات في الأزياء ضامنان لزوم حبرتين أو أكثر في السنة الواحدة وثمن وكلفة هذه لا ينقص عن ثلاثة دنانير وقد يزيد إلى سبعة للمتوسطات ولا ندري كيم تتكلف حبرة العاليات وعلى هذه النسبة تقاس الملاآت ولا تسل عما يجتهدن في إحرازه من نفائس الحلل واستنكاف الواحدة منهن الخروج بالحلة الواحدة مرتين وقد تهجر البدلة الثمينة بعد قليل لتغير زياه أو تترك في زوايا الصناديق حتى تنقرض والزوج أسال عرق جبينه في أداء ثمنها لا تجود عليه بالتحلي مرة بين يديه بثوب نظيف بهذه الوسائل الشيطانية والتصرفات النسوانية لتذهب الأموال ويسوء المآل. وهل علمتم ما هي غاية النساء من هذا التبرج نعم تعلمون أنها غاية سافلة فإنما تريد المرأة من خروجها بهذه الهيئة أنها تسلتفت إليها الرجال أثناء سيرها قي الطريق وتريد أن تكون هي المرموقة بين السائرات معها بعين الاستحسان وإن تمحلت بعض الأسباب الواهية مثل كونها تريد مناظرة أمثالها ومباهتهن بنفسها فدعواها باطلة وإلا لأبقت الإزار على عهده السابق بسيرها في الطريق حتى تدخل محل المناظرة والمباهاة فتبدي زينتها على أمثالها وتباهي بها من تشاء منهن وربما نقول أن الرجال وإن رأوها في الطريق فليس يعرفون من هي حتى يكون في ذلك سيئة لزوجها فإذا سلمنا لها بذلك وضربنا صفحاً عن سفيه يراقب دخولها وخروجها من بيتها ولا يلبث أن يعرفها من هي فما فائدة ظهور زينتها لمن لا يعرفها أليس هذا نهاية الطيش والجهالة. تأمل أيها القارئ لهذه الغاية السافلة كيف تكون في نفس تلك الخارجة متى خرجت وتذكر

أن هيئتها وهي عنوان الخلاعة تطمع من يراها في بلوغ إربه منها وتحرك همته للسعي إلى ما توسوس له به نفسه مع أنها لو ألزمت بستر زينتها لسارت في حمى هيبة الاحتشام ولما وجد سفيه من نفسه مطمعاً يؤديه لمداعبتها وانظر ما في هذا البلد من أشرار برعوا في الوقاحة والتحكك بالنساء واستهواء عقولهن وما فيها من أماكن الفجور التي يسمونها سرية وما يوجد بين أكنافها من القوادات المتسترات ببعض الحرف النسائية ألا تكون نهاية ذلك فساد العرض ولو بعد حين خصوصاً مع مواظبة النساء على الخروج وكثرة الأسباب التي يتذرعن لبها إليه فإما شراء شيء من السوق (لا لنفسها فقط أو لها ولأولادها بل لزوجها أيضاً) أو لزيارة أهل أو ضريح أو جبانة أو لنزهة أو حمام أو لحفلة فرح أو موكب جامع كموكب المحمل أو وفاء النيل أو وفود ملك أو أمير أو غير ذلك مما يتجاوز العد ولا يحيط به الحد. ومع تعرض الأعراض بالخروج لحظ تلك الآلات يسمح الرجال لهن به وتجد المرأة من هذه الأسباب ما يكفي لخروجها من بيتها كل يوم أكثر من مرة وهي مقدمة عندها على واجباتها المنزلية وقد واظب أكثر النساء عليها كل المواظبة ورأي من تفريط رجالهن أكبر مسهل لهن حيث ترك الرجال (غلا قليلاً منهم) أمر الخروج للنساء إن شئن قعدن وإن شئن خرجن ومن منهن تشأ أن لا تخرج. عرفنا من تمادي النساء على هذا الحال والتزام الرجال الصمت والسكون في هذا المقام رغماً عن تحقيقهم ضرره أدباً ومالاً أن سبب هذا الصمت والسكون مع الحاجة للكلام والحركة السريعة هو وهم ساد على عقول الجنسين في فهم معنى الحرية الشخصية التي أطلقتها الحكومة للرعايا فظنوها حكماً مطلقاً لا قيد فيه ومعنى ذلك أن يمشي كل على هواه في ظل الحرية لا أن تخرج المرأة عن طاعة زوجها وتجري في الحجاب على مشيئتها وقد آنست من الرجل التساهل في حقه فكادت تنكره واسترسلت مع هواها وتوسعت في مطالبها حتى وصلت إلى ما نراها فيه الآن لاهي على الزي الإفرنجي الذي يقتضي الاحتشام من الزينة حيث لا حجاب يسترها ولا هي على الزي البلدي متخذة حجاباً يستر زينتها التي كانت تطمئن في اتخاذها في الأيام الخالية على الحجاب اللائق فأصبحت مثال التبرج ولكن لا تبرج الجاهلية الأولى بل تبرج المدينة الأخرى معنى الحرية أن لا ظلم

اليوم فالقوي والضعيف سواء يحكم بينهما بالعدل فيدار القضاء فليتمتع كل ذي حق بحقه لا سواه وليلتزم كل حده لا يتعداه. للمرأة حقوق ولها حدود فلا نهضمها الحق ولا نرضى تخطيها الحد فلها مما نحن بصدده الخروج لزيارة والديها مرة كل أسبوع ولزيارة محارمها (أي أقاربها المحرمة عليهم) في كل سنة مرة. (انظر المادة 215 من كتاب الأحوال الشخصية). وعليها أن تكون مطيعة لزوجها فيما يأمرها به من حقوق الزوجية ويكون مباحاً شرعاً (أي لا تلزمها طاعته في أمر يحرمه الشرع) وأن تتقيد بملازمة بيته ولا تخرج عنه إلا بإذنه (انظر المادة 212 من الأحوال الشخصية). وللزوج أن يمنعها من الخروج من بيته بلا إ1ذنه إلا في الأحوال التي يباح لها الخروج فيها شرعاً كزيارة والديها ومحارمها كما تقدم وله منعها من زيارة الأجنبيات وعيادتهن ومن الخروج إلى الولائم ولو كانت عند المحارم (انظر المادة 217 الأحوال الشخصية). ولكي تظهر لكم حكمة مبالغة الشرع في كراهة خروج النساء إلى الولائم حتى أنه أعطى الرجال حق منعهن من الخروج إليها ولو كانت عند المحارم أصف لكم هيئة فرح وكيف كانت حالة النساء فيها وإن كان ذلك غير خاف عليكم. زرت القاهرة منذ شهرين في ليلة جمعة ومررت صدفة بفرح في بيت عظيم مطل على شارع مهم وكانت الحفلة في الشارع أمام هذا البيت فرأيت النساء مشرفات على الرجال ن الشبابيك المفتحة عن آخرها بلا ستر ولا غطاء ولا خوف ولا حياء كأنهن نساء رجل واحد نافست الواحدة منهن ضرتها في اجتذاب قلبه إليها بزينتها وبهرجتها وكلكم يعلم ما يفعل النساء بأنفسهن عن الخروج للأفراح وكان الرجال المجتمعون في هذا المهرجان في نظرهن ذاك الرجل الواحد لا يرون في الظهور عليه عاراً بل يرونه أمراً حلالاً وصادف أن فرغ المغنون من أغنية كانوا يغنونها وسكتوا للاستراحة فانفتح باب التنكيت ورمت السنة السفهاء من قبيح القول ما أضحك الغافلين والنساء يسمعن وينظرن ولا يستحين كل هذا جرى وكل من الرجال الحاضرين يسمع ويرى وما منهم من قبح منكراً أو هزته حمية لدفع هذا العار المهين مع أن المكان لا يخلو طبعاً من كثير من أزواج أولئك النساء مدعوين مثلهن إلى المهرجان وكانوا بأعينهم يرونهن ويرضون كل ذلك منهن فما استطعت

صبراً على هذا المنكر وكاد الفؤاد يتصدع والكبد تنفطر فنبهت صاحب الدار لما فيها فأسرع لوقته إلى داخل الحرم وأرسل من أغلق الشبابيك فحجبهن عن الأنظار وما حرمن من مشاهدة الحفلة وراء الحجاب. هذه حفلة من كثير مثلها تقام في هذه المدينة الواسعة وطبعاً يجري في الكل ما جرى في هذه ويحدث من اجتماع النساء وأمنهن الرقيب والزاجر تلك المنكرات الكبائر فالحكمة البالغة في ذلك الحكم في منه هذا الفجور باجتناب أسبابه. وللزوج على زوجته الولاية التأديبية (انظر المادة 206 الأحوال الشخصية) وعليها الحجاب وستر الزينة بنص الكتاب إذ قال الله تعالى: وليضربن بخمرتهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن) وقال (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وقد اتفق أغلب المفسرين على أن المراد ستر المرأة رأسها ووجها وجميع بدنها بحيث لا يظهر منها إلا عين واحدة وقيل عيناها وأن لا تظهر شيئاً غير ذلك مطلقاً إلا لضرورة تستوجب الإباحة شرعاً ككشف المخطوبة وجهها وكفيها لمن يخطبها. وقد اجتنبت الحكومة التعرض لهذه الحقوق بل لم تتعرض للرجال في حق إجراء التعزير المباح لهم شرعاً إيقاعه على النساء عند تجاوزهن حداً من تلك الحدود مثل ما في المادة (209) الأحوال الشخصية هو يباح للزوج تأديب المرأة تأديباً خفيفاً على كل معصية لم يرد في شأنها حد مقرر ولا يجوز له أن يضربها ضباً فاحشاً ولو بحق وقد صرحت الحكومة بحيادها هذا في المادة الأولى من قانون عقوباتها وهذا نصها من خصائص الحكومة أن تعاقب على الجرائم التي تقع على أفراد الناس بسبب ما يترتب عليها من تكدير الراحة العمومية وكذلك على الجرائم التي تحصل ضد الحكومة مباشرة بناء على ذلك قد يعينت في هذا القانون درجات العقوبة التي لأولياء الأمر شرعاً تقريرها وهذا بدون إخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق المقررة لكل شخص بمقتضى الشريعة الغراء. ولم تلتزم الحكومة الحياد فقط بل نظامها متكفل بمعاونة الرجل على حجب امرأته ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة فإذا فرضنا أن رجلاً عجز عن حجب امرأته في بيتها وعن منعها من الخروج لغير ضرورة شرعية وفي حجاب شرعي فله رفع الأمر للقاضي فيحكم له بما

جاء به الكتاب والسنة وتنفذ الحكومة هذا الحكم كما نطق به لا تغيير ول تبديل وتستعمل القوة وتدخل البيوت كرهاً إذا استدعى الحال ذلك (انظر المواد 16و17و 93 من دكريتو 19 مايوسنة97 الشامل للائحة المحاكم الشرعية الجديدة). أيها الرجال قد عرفناكم ما لكم على النساء من الحقوق المقدسة فما عليكم إلا أن تعضوا عليها بالنواجذ وتنهضوا نهضة الرجل الغيور لردعهن وردهن إلى الرشد واعلموا أنكم مسؤولون بين يدي ربكم عن كل هذه الآثام ولا عذر لكم في تفريطكم في حق يؤدي التفريط به إلى ما حرم الله ورسوله وما جعل الله أمر نسائكم بأيديكم إلا لأنه يعلم ما فيهن من ضعف العقل وخور العزيمة عند مغالبة هوى النفس فكنتم بذلك قوامين عليهن فاتق الله أيها الرجل واعتبر بما تنظر ولا تتجاهل حال امرأتك فهي متبرجة في خروجها كغيرها ولا نكلفك بأن ترجعها مرة واحدة إلى الحجاب الشرعي بل نريد أن يرجع الإزار إلى ما كان عليه قبل ظهور هذه البدعة فإن كنت غيوراً على حرمك وكارهاً أن يرى الناس وجه امرأتك تحت بشكمها الرقيق وكانت فيك بقية من حميتك الإسلامية فمزق اليوم ذاك البشمك كل ممزق واستبدله ببرقع من الحرير الأبيض الممتلى كحرير الكوفيات المحلاوي أو مثله مما ينسج في الأنوال البلدية عند الحمصاني أو اللباني ونحوهما أو اجعله من طبقتين من الحرير الهندي خالياً من شغل الإبرة ولتكن الثقوب التي تعمل فيه للزينة أو للنفس ضيقة بحيث لا ترى الشفتين من خلالها وإن كنت تريد أن يرى الناس خصر امرأتك نحيلاً فوق ردف ثقيل بارزاً على الوراء وأن يرو يديها البيضاوين أو المبيضتين بالمساحيق (البودرة) مكشوفتين إلى المرفقين أو نحو نصف الساعدين بعبارة أخرى إن كنت راضياً بخروجها (على البلهى) بلا إزار كما هي حقيقة الحال الآن فابق على فستانها (الحبرة والملاية الموضة) على حاله وإلا فإن كنت تعرف أن تلك اللذات لك وحدك وأبت نفسك أن تعرضها لغيرك فعجل بقلب هذا الفستان ثوباً لأنه لا ينقص إلا القبة والأزرار ولا تؤجل إعدام البرقع حتى تحضر غيره فإن تأخير المرأة عن الخروج ريثما يحضر البرقع الجديد لا ضرر فيه كتأخير إنفاد هذا العزم حتى تبرد الحمية وتنطفي نار الغيرة التي يحركها هذا التذكير وعلى الفرض إذا احتمل وجود ضرورة للخروج قبل تجهيز البرقع الجديد فيسد هذا الباب باستعمال البرقع البلدي السود (الذي لا عيب فيه على الدوام) لقضاء تلك

الضرورة وكذلك لا تنتظر هلاك الحبرة أو الملاية الموجودة بل عجل بتحويلها كما ذكرنا حرصاً على فائدة هياج غيرة الحر على حرمه وأقلل ما استطعت السماح لأمرأتك بالخروج وليكن خروجها في عربة ما دمت قادراً على أجرتها أو مالكاً لها لأن مشي المرأة في الطريق على كل حال غير مأمون العواقب لكونها معرضة أن تصدمها عربة أو ترامواي أو يعتدي عليها مجنون أو سكران أو يصيبها أذى من حيوان وإذا مس الشرف عارض من هذه العوارض فلا يستطاع محو عاره ولا تبالي بمعارضتها مهما بلغت شدتها وادفعها تارة بالملاطفة والوعظ الحسن وتارة بالزجر والهجر في المضج وتسديد الجواب بالبرهان كأن تقول لك أن التضييق من الرجل على المرأة لا يحررها فيجيبها نعم لا يحرر الفاجرة ولكنه يحفظ المصونة الطاهرة وتقص عليها من الأحاديث الشريفة ما يحبب إليها الحجاب الشرعي كقوله صلى الله عليه وسلم أن لكل دين خلقاً وخلق هذا الدين الحياء. وكقول السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أصلح شيء للمرأة أن لا ترى رجلاًُ ولا يراها رجل. وتبرهن لها على حسن ظنك بها بسماحك لها بالزينة ما دام إزارها ساتراً لها عن أعين الرجال واعلم أن انقياد المرأة للرجل متى ثبت على عزمه أمر قريب جداً إذا المرأة المسلمة في الحقيقة أرق قلباً وأسهل انقياداً للشرع من الرجل وما حصل الذي حصل إلا من تقصير الرجل في إرشادها وتعليمها ونصحها وتذكيرها وتساهله معها في أمر الحجاب كما مر فاعمل واثبت على عزمك وتحمل صدها وإن طال فإنها لا تلبث أن ترجع عن غيها وتثوب إلى الحق بعد الضلال وإياك والسكوت على هذا الحال وتذكر أنك جان على شرفك بيدك جناية وقعت أو كادت تقع بتعرضك لأسبابها وتعريض أمانتك المصونة للوقوع في أشراك أهل الضلال. هذه يا قوم حالة النساء اليوم وهذا دواؤها ومن لا زوج لها فأمرها بيد وليها الشرعي من ذوي قرباها وهو أقرب الرجال إليها نسباً بحسب ترتيب الولاة شرعاً كما يستفاد من نص فتوى نقلناها عن صفحة 65 من الجزء الأول لتنقيح الفتاوي الحامدية لابن عابدين وهي سئل في بكر حديثة السن بلغت مبلغ النساء وهي لا أم لها ولا أب ولا جد ولها عم عصبة أمين غير مفسد يريد ضمها إليه خوف العار ويتخوف عليها فهل له ذلك الجواب نعم ومتى كانت الجارية بكراً حديثة السن يضمها إلى نفسه ولو لم يخف عليها الفساد أما إذا دخلت

في السن واجتمع لها رأي وعقلت فليس للأولياء حق الضم ولها أن تنزل حيث أحبت حيث لا يتخوف عليها وزمننا هذا لا أمن فيه على أنثى وحيث وجد الخوف فللولي حق الضم وقد استفتيت بعض السادات العلماء في صحة استنتاجي هذا فأفتوني وحيث أن هذا حق شرعي لكل ذي ولاية على أنثى فيجب عليه أن يتمسك به وإذا اشتبه على رجل أمر ولايته على امرأة له بها صلة قرابة وارتاب في كون الولاية عليها له أولا فليعرض الأمر على أي عالم فلا يبخل عليه بالجواب. ها أنا قد ذكرتكم بحقوقكم ونبهتكم للخطر المحدق بأعراضكم وأموالكم فأطيعوني وإلا يؤاخذكم الله بذنوبكم تنبهوا يا قوم تنبهوا فما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.

الإسلام والإيمان

الإسلام والإيمان الإسلام هو الاستسلام إلى الله والانقياد لأحكامه بمعنى أن تبرأ من حولك وقوتك وعلمك وما قلت وما عملت وما تخيلت وما أملت مسلماً وجهك إليه مجرداً روحك له متوجهاً بقلب خاشع وضمير صاف ونفس نقية إلى قيوم السموات والأرض فاراً من الأغيار ملتجئاً إلى جنابه من دعوى الأنانية والاستقلال معتصماً بحضرته من الرعونات النفسية والكدورات البشرية راغباً غليه أن يوفقك لتعلم ويهديك فيما لا تعلم حتى تستوجب رضاه وتستحق كرامته في دنياك وأخراك. هذا هو معنى الإسلام الذي اختاره الله على سائر الأديان وبعث به رسله عليهم الصلاة والسلام وتمت الدعوة إليه بخاتمهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم وقام به الصحابة والسلف رضي الله عنهم ففتحوا لابلاد ودوخوا الملوك والأكاسر وأبادوا عروش القياصرة وسادوا على الأمم جميعاً. (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) وأما الإيمان فمعناه التصديق بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة وأركانه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره من الله تعالى. وقد قدمنا معنى الإيمان بهذه الأصول الستة بما لا يعوزنا إلى زيادة الإيضاح. وإذا عرفت ذلك تأيد لديك أن الدين الإسلامي هو الدين العام الذي جعله الله دين رسله وأصفيائه ومقدمة لإفاضة أنوار علمه عليهم والأصل الذي يرجع إليه العالم كله. ولو أدرك الناس كافة معنى الإسلام وفقهوا كنه ما يرمي إليه لما وجد على الأرض من يدين لله بدين آخر. وهنا يحسن بنا أن نورد شيئاً مما كتبه العالم الاجتماعي الكبير فريد بك وجدي في معنى الإسلام ليتضح للقراء ما تضمنه من السماحة والمحاسن الأدبية والأخلاقية والاجتماعية مما يؤدي إلى الاعتراف بأنه اشرف الأديان وأكملها. . قال حفظه الله: (الإسلام) هو الدين الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمة للأديان ولأجل بيان حقيقة هذا الدين المبين يحسن بي نقل ترجمة ما كتبته لمؤتمر الأديان باليابان في هذه السنة. لم أجعل غرضي من مقالي هذا إلا أمراً واحداً إذا فهم حق الفهم كان أشد في جذب الناس إلى هذا الدين من كل البراهين المعجمة والحجج الملزمة ذلك الأمر هو أن الإسلام ليس

بدين جديد جاء أمة معينة إنما هو الدين الذي أوحاه الله إلى جميع رسله فحرفه أتباعهم ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أخيراً لإحداث إصلاح ديني عام لسائر الملل شرقيها وغربيها. بعث الله به رسوله حين تعارف الأمم واتصالها ليكون دينها العام الذي عليه يتم اتحادها ويصفو لديه تعارفها. ولذلك جعل قاعدته الإيمان بسائر رسل الله من نعرف أسماءهم ومن لا نعرف أسماءهم وبجميع كتب الله بأي لغة كانت كما سيمر معك تفصيلاً. فهم هذا الأمر الخطير يفيد المسلم وغير المسلم. فيفيد المسلم لأنه يريه أنه تابع لدين من ضمن الأديان المنعزلة المتعادية ولكن للدين الأصلي الجامع لسائر الأديان. فهو بهذا الاعتبار يجد في نفسه قيمة لم يحس فيها من قبل لأنه يرى نفسه رجلاً عاماً لا خاصاً متبعاً ديناً هو في نفسه دين وجامع أرواح الكل في أكمل شكل وأجمل حال. فمن كان كذلك فلا يتحامل على الأديان لأنه أمر بأن يؤمن بها كلها وأن يكون منها بالمركز الوسط مكتفياً بما في كتابه من خلاصاتها ومن أدرك من الناس مقامه في هذا المركز الأوسط العام وشعر أنه في مجمع أميال الأمم وفي نقطة تلاقي مرامها واتحاد أفئدتها في يوم من الأيام فلا يهون على نفسه أن يميل عنه إلى نقطة متطرفة ولو سيق إليها بقوة قاهرة. أما فائدة غير المسلم في فهم هذا الأمر الجلل فهو لأنه يسهل عليه المخرج من ورطته والخلاص من شكوكه وشبهه. فإنه ما من عاقل من عقلاء الأمم الأخرى إلا وشعر بأن أيدي الخرافات قد امتدت إلى أصول عقائده فيجد نفسه مضطراً للتأفف منها راجياً إصلاحها على أي حال كان. فلو علم أن الإسلام إنما جاء بالإصلاح العام لسائر الأديان البشرية لا أنه دين منعزل مثل سائرها لكان التفاته إليه يشبه الأمر الاضطراري لأنه كلما آلمه أمر مما يكرهه في دينه وظنه محرفاً عن أصله نزع إلى ذلك الدين الإصلاحي مضطراً لا مختاراً ولا يزال يدفع ويندفع حتى يقع في دائرته. لهذا جعلنا غرضنا من هذه الرسالة تجلية هذا الأمر الخطير في أظهر أشكاله تاركين الدلالة على فضائل الإسلام لغيرنا ممن في المؤتمر خوفاً من أن لا يلتفت لهذه النقطة واحد منهم. هذه النقطة التي حاولت تجليتها في هذه الرسالة هي أظهر ما في القرآن من خصائص الإسلام وهي السبب الأكبر في تهالك الأمم على هذا الدين في كل جيل لأن الأمم وإن لم تدرك هذا السر علماً إلا أنها تحس به وتلمسه في الإسلام فترة فيه صورة عقائدها مصححة

منقحة خالصة مما يثير الشكوك والشبه فتميل إليها بأرواحها وتنقلب أشد تعصباًُ لها من أهلها. ولا توجد هذه الخصيصة في أي دين من الأديان لأن هذا المركز الوسط ليس لواحد منها ولم يشرع منها لأن يكون ديناً عاماً أصلاً فتراها كلها بما طرأ عليها من التحريف على أطراف متناقضة لا محل للتوفيق بينها بوجه من الوجوه مثال ذلك: البوذي لا يهون عليك أن يكون نصرانياً (ولا حكم للنادر) لأنه لا محل للصلح بين البوذية والنصرانية بوجه ما. فالنصراني يقول أن عيسى كلمة الله وهو الأقنوم الثاني بعد الأب تجسد وعاش بين الناس وصلب ليفتدي العالم كله من خطيئة كان ارتكبها آدم في أول الخليقة ويعتقد البوذي أن الإله (فيشنو) هو أد أركان التثليت الهندي قد تجسد مراراً لتخليص العالم من الشرور وقد تجسد أخيراً في بوذا للمرة التاسعة فكيف يمكن التوفيق بين صاحبي هاتين العقيدتين وبأي مرجح يقبل أحدهما عقيدة الآخر ويترك عقيدته التي جمد عليها طول عمره. ثم لا يمكن أن يكون البوذي يهودياً لأن التوراة موجهة الخطاب إلى بني إسرائيل ورافعة إياهم على سائر الأمم وليس في نصوصها ما يسمح بوضع بوذا الذي يجله مئات الملايين من الآسيويين منذ أكثر من ألفي سنة في موضع إجلال واحترام فيعز على البوذي أن يركب في تسفيه رأي أسلافه كلهم هذا المركب ثم لا يستطيع النصراني أن يكون بوذياً ولا يهودياً لعدم وجود محل للصلح في واحد من هذين الدينين بالنسبة له ولكن جميعهم يستطيعون أن يسلموا بلا حرج لأن قاعدة دين الإسلام هي الإيمان بسائر الأنبياء ومؤسسي الأديان ممن نعلمهم ومن لا نعلمهم قال تعالى عن الأنبياء (وإن من أمه إلا خلا فيها نذير) وقال تعالى منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فيرى البوذي أن الإسلام لا ينكر عليه فضل بوذا بصفته مؤسس ديانة كبيرة وفي نصوصه ما يسمح بحسبانه من الرسل العظام ويرى النصراني أن الإسلام يذكر عيسى بالتبجيل والاحترام ويضعه في مصاف الرسل الكرام وكذلك يرى اليهودي فيما يختص بموسى عليه الصلاة والسلام. فيسهل على الجميع الاجتماع على هذا الدين بلا بكير حرج ولا سيما إن أدركوا أنه جمع العقائد كلها بعد تنقيحا وجعلها كلها ديناً واحداً لأنها كانت كذلك في مبدئها (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاء العلم بغياً بينهم) لهذا السبب تهالكت الأمم على الإسلام

لرؤيتها فيه صورة عقائدها منقحة مصححة. ومن هنا رأينا أن تجليتنا هذه النقطة الخطيرة علمياً نظرياً يفيد المسلمين والباحثين في الإسلام أكثر مما لو كتبنا في فضائله سفراً كثيراً. قلت في تلك المقالة ما ترجمته بتصرف قليل. لتعذر شخوصي إلى بلاد اليابان للتشرف بالانضمام إلى أعضاء هذا المؤتمر المبجل ولحبي الشديد في معاضدة حضرات أعضائه بصدده رأيت أن ابعث بمقالي هذا إلى حضرة رئيس المؤتمر ليتفضل علي بترجمته إلى اللغة اليابانية وبقرائته على حضرات الأعضاء وجعله موضوعاً من المواضيع التي يتناقش فيها المؤتمر فأقول. إن هناك أمراً خطيراً يضع الدين الإسلامي في مستوى يعلو به على سائر الأديان ويستلفت غليه الأنظار استلفاتاً خاصاً ويجعله ديناً عاماً يمثل إليه النفوس لا بقوة البرهان ومضاء الحجة وسلامة أصوله من الخلل فقط ولكن بقوة النواميس الاجتماعية القائدة للإنسانية إلى كمالها وتباشير الحركة الفكرية العامة التي تسوقها إلى باحات النور والمدنية. هذا الأمر الخطير الذي يستلفت الأنظار وينبه الغافلين إلى هذا الدين هو أن الإسلام كما نص عليه القرآن ليس بدين جديد ولكنه الدين الأولي الذي أوحاه الله إلى المرسلين الأولين رحمة للعالمين. قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما أوصى به نوحاً والذي أوحينا غليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أوروثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير). نص الله كما ترى بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرسل ليؤسس ديناً جديداً في أمة معينة ولكن ليصلح سائر الأديان التي طرأ عليها التحريف بهداية الأمم للدين الأصلي الذي أرسل الله به سائر المرسلين (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا

نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). بناء على ما تقدم فقاعدة الديانة الإسلامية هي قوله تعالى: (وقالوا كونوا هوداً ونصارى تهتدوا: قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وغسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون: فأن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل اتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون. هذه هي القاعدة التي بني عليها دين الإسلام وهي إن الإسلام ليس بدين جديد ولكنه الدين الذي أرسل الله به كل رسول ثم حرفه المحرفون من بعدهم. وإن الديانة الحقة هي أن يؤمن الإنسان بجميع رسل الله من أولهم إلى آخرهم لا فرق بين من أرسل لأمته ومن ارسل لغيرها، ون من يؤمن بسائر كتب الله إجمالاً مما أوحاه الله إلى رسله بأي لغة كانت وفي أي زمان أوحى. هذه الديانة فضلاً عن أنها لا تثير في أية أمة من الأمم حب الذات ولا الحقد ستكون في يوم من اليام الديانة العامة اضطراراً لا اختياراً لأنه لماذا يكون الإنسان يهودياً ولا يكون بوذياً؟ ولماذا يكون مسيحيا ولا يكون برهيمياً؟ وبأي مرجح يعتقد الإنسان أن موسى كان رسول من الله إلى بني إسرائيل وقد جاء بكتاب مبين ونور عميم إلى أمته ولا يعتقد مثل هذه العقيدة في بوذا وزرادشت وبراهما ومحمد وكل المرسلين الذي تقدموا هؤلاء وجاؤوا إلى أممهم بكتب هادية إلى الخيرات ونهجوا لهم سبلاً موصلة إلى الكمالات؟ هل يعقل أن الله يرسل موسى إماماًَ ورحمة إلى بضعة أنفس من الآلاف من بني إسرائيل ويترك مئات الملايين من الصينيين واليابانيين وسائر الآسيويين والإفريقييين والأوستراليين وغيرهم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، يهيمون في الظلمات ويعمهون في الضلالات بلا مرشد ولا رسول كريم؟ هل يتصور أن الله وهو الخالق العادل المنزه عن المحاباة والمصانعة يوحي حقائق الدين إلى بضعة آلاف من الناس ويترك ربوات الملايين في الظلام البهيم والفساد العميم؟ كلا بل قال الله: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وقال تعالى: (منهم من قصصنا

عليك ومنهم من لم نقصص عليك). البقية تأتي

أحييك والآماق

أحييك والآماق زار المدينة المنورة حضرة العلامة الفاضل السيد محمد الخضر بن الحسين التونسي وبمناسبة زيارته نظم هذه القصيدة الغراء وأرسل بها إلينا لتنشر قال حفظه الله تعالى: أحييك والآماق ترسل مدمعاً ... كأني أحدو بالسلام مودعا وما أدمع البشرى تموج بوجنة ... سوى ثغر صب بالوصال تمتعا وقفت بمغنى كان يا أشرف الورى ... لطلعتك الحسنى مصيفاً ومربعا وما استيقنت نفسي لفرط ابتهاجها ... بإحراز جثماني تجاهك موضعا يخيل أن العين لم تنفض الكرى ... وأني ما غادرت بالشام مضجعا فذا موقف لامست فيه بأخمصي ... أجل من الدر النضيد وأرفعا وكم بت قبل اليوم أرجو بلاغه ... ولكن يد الإقبال تبدي تمنعا ابث به ما كنت أطويه في الحشا ... ولم تطرق الشكوى به قط مسمعا وهب نسيم من معالم هديكم ... يجيء بريا المسك حيث تضوعا فذلك مرقى كنت تصدع فوقه ... بما حاز في أقصى البلاغة موقعا وذاك مصلى طالما قمت قانتاً ... لديه وقام الصحب خلفك خشعا وذي حجرة كان الأمين يؤمها ... بوحي فكانت للشريعة منبعا بسطت رجائي في رباها ومن يضع ... بمزرعها غرس الأماني اطلعا وهل تذهب الدعوى جفاء بهالة ... أضاء الهوى من نحوها وتفرعا إليك رسول الله نشكو الأذى الذي ... ألم بنا حتى ارتوى وتشبعا وأعظم ما شق الفؤاد بجسرة ... وهاج به الأشجان حتى تقطعا تخاذل حال المسلمين وما أتى ... من الخطب في أرجائهم وتجمعا فما شأننا إلا كعقد تناثرت ... جواهره في سطح أحدب أفزعا فهذا يحاذي في قضاياه نزعة ... تخط وراء الحق للناس مرتعا وهذا يصوغ القول في قالب يرى ... بجانبه قول الشريعة أوسعا وذا ناشر بند الضلالة ماسحاً ... بصبغة دين كي يغر ويخدعا لقد ضربت أيدي الغرور على الحجى ... بستر فأضحى بالجمود مقنعا ونمنا على الآذان نومة جاه ... بما يضع المستيقظون لنصرعا

ولم نستفق للقوم حتى تحفزا ... وأوجس كل في نواياه مطمعا ولم نستفق للقوم إذ كل انتضى ... ليظفر باستعبادنا السيف مقرعا ولم نستفق للقارعات تصب في ... حواشي القرى نهراً من الخسف مترعا ولم نستفق للقارعات وقد دنت ... إلى مهجة الإسلام حتى تصدعا وفي الناس من حاك الإياس بصدره ... فجرد أفراس السباق وأقلعا وندب درى صرف الليالي وأنها ... تزل بأعلام وتونس بلقعا فقام على جد ينادي بشعبه ... ليرفأ رتقاً أو يشيد مصنعاً ألا أننا لم نتق الفتنة التي ... تصيب أخا العدوان والمتدرعا يقول أناس إنما الدين عثرة ... بسابلة العمران يهوي بمن سعى رمى بهم التقليد في أثر ملحد ... فلم يكشفوا عن مبسم الحق برقعا ألم ينظروا في نشأة الدين برهة ... وكيف تعالى من تحروه مرجعا تجليت في شعب جرة في عروقه ... دم الكبر واعتاد التقاليد منزعا تجليت والبغضاء ترمي صدورهم ... بنار فاصلتها قلوبا وأضلعا أخذت تزكيهم وترفع شأوهم ... إلى أن سمو فوق السماكين مطلعا وأبلغتنا شرعاً وحقك أنه ... لا قوم آدابا وأحكم مهيعا تلقاه منك الراشدون بمدرك ... سليم وذوق لا يطيق التصنعا وشدوا به ظهر السياسة فاستوى ... وكم هجروا جنحاً من الليل ركعا نكثتنا من الأيدي عرا وثقوا بها ... وهل يرتجى شعب تخاذل مفزعا وها أنا ذا أنزلت رحلي (بطيبة) ... ووافيت في ثوب الحياء مروعا فلو أنني سابقت في حلبة التقى ... تقدمني أدنى الخليقة أذرعا وجاركم يحظى وإن ظعنت به ... رواحل أمسى بالكرامة متبعا وذي رحلة أدنت قطوف سعادة ... ومن يغش أعتاب (الرسول) ترفعا وروض الأماني عند أول نظرة ... كحلت بها عين البصيرة أمرعا عليك سلام الله ما انسجم الحيا ... وحيا صباح بالضيا وودعا

الوظائف الدينية والجهلاء

الوظائف الدينية والجهلاء هل أتى على دمشق حين من الدهر كانت مهداً للعلوم والمعارف ومنبعاً للفنون واللطائف يتجلى فيها الدين الإسلامي على أكمل صورة وأبدع نظام، هل أتى عليها ردح من الزمن كان يحوي محيطها فقط قريباً من خمسمائة معهد علمي من أرقى ما يتصوره بنو البشر ملأى من نبهاء الطلاب وأذكيائهم يدرسون فيها أنواع العلوم الدينية وأشتات الفنون الأدبية كل على حسب قصده ومبتغاه فكان لا يمضي القليل من الزمن حتى يخرجوا منها رجالاً عظماء ينفعون البلاد والعباد ويضيء بعلمهم الربع المسكون. وكان جامعها الأعظم يضاهي بعلومه وإتقان دروسه وتحقيقها الجامع الأزهر في مصر والزيتونة في تونس دهمها كما دهم الشرق نكبة شديدة وداهية عظيمة زحزحتها عن مكانها المكين ومجدها المتين فأصبحت في مؤخر بلاد الله بعدما كانت من أرقاها. دهمتها داهية دهماء تنوء عن حملها الأرض والسماء اكتسحت مابقي فيها من آثار العلم بعد ما كانت القطب الأعظم للحركة العلمية في القرن السابع إلى الثاني عشر. . ومن ذاك الوقت فاجئتها هذه الدويهية (التساهل في توسيد الوظائف الدينية لغير الكفؤ) على حين غفلة وسرت فيها سريان السل في الأجسام فصدع نظامها ووهنت عظامها وتشتت شملها وتفرق أمرها وأضحت كأنها في جاهلية جهلاء. التساهل في توسيد الوظائف الدينية والدروس العلمية لمن لم تثبت له الأهلية من أهل الجهالة والبطالة داء دفين ومرض عضال منذ طرأ على دمشق ما قامت فيها قائمة للعلم وأهله حتى يومنا هذا. . والذي سهل اجتيازه إلى ربوعنا ومهد له فيها مهداً وثيراً وجعله الحاكم الأعظم على مملكة العلم يتحكم فيها كيف شاء هواه الصمت الطويل والسبات العميق من رؤساء الدين وعلمائه. نعم تغاضى علماء الدين عن هذا الداء الوبيل جر علينا أموراً لا يعلم بسوء مغبتها ووخامة عاقبتها إلا الله تعالى. . والمرض متى طال زمنه وأهمل معالجته طبيبه استحكم في الجسم وكمن فيه كمون الوميض تحت الرماد واللص تحت أديم الليلة الليلاء وأصبح من الصعب تلافي خطره وملافاة شره وشروره حتى نطس الأطباء ودهاة الرجال. . قال سفيان الثوري رحمه الله العلماء أطباء هذه الأمة فإذا مرضوا خيف عليها من الهلاك. . هذا إذا مرضوا فكيف إذا استحكم المرض فيهم؟ أفلا يجب على أهل الدين وعلماء المسلمين أن يدركوا

الأمة الإسلامية قبل أن يودي بحياتها هذا الداء الوخيم (توسيد الوظائف لغير الأهل) الذي لا يرجى منه شفاء. . أما يجب عليهم أن يخلصوا الأمة من شر هؤلاء القوم الذين يدعون العلم وما هم بعالمين ويستأصلوا شأفتهم لترتاح من ضلالهم وجهلهم البلاد والعباد قال أفلاطون الحكيم إذا تسامحت في العلماء والأطباء دولة فقد قرب انحلالها. وقال عبيد الله ابن أبي جعفر العلماء منار البلاد منهم يقتبس النور الذي يهتدى به فإذا طفئ هذا النور وقعت البلاد في الظلماء وصب عليها البلاء صباً. . فلذلك وجب وجوباً أكيداًُ على من آتاه الله أمانة العلم أن يؤديها حق الأداء وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف أمام تيار البدع الحادثة التي تخالف هدي الشارع صلى الله عليه وسلم وهدى أصحابه ولا التهاون في شأنها. استفحل أمر هذه البدعة السيئة والكارثة المشؤومة والبدعة المشهورة (نصب الجاهلين الغاشمين) في مناصب الدين لإرشاد المسلمين. . خصوصاً في هذه الأيام واستطار شررها إلى الآفاق وعظم رزء الإسلام بمصيبتها حتى كاد أن يدرج العلم بأكفانه ولا يلبث عشية وضحاها حتى يدلى بحفرته ويسوى عليه التراب. . (ونحن في غفلة عما يراد بنا) مستسلمون للقضاء راضون بهذا البلاء لا نبدي حراكاً ولا تدبيراً. سئلت مرة عن السبب الأعظم في رواج العلم وأهله في مصر القاهرة والإقبال من كل فج عميق على جامعها الأزهر وتموجه بألوف الطلاب المجدين ووفرته بالمدرسين المحققين حتى صار الكلية العظمى للعلوم الإسلامية وكذلك الحال في في جامع الزيتونة في تونس قبل الاحتلال المشؤون وسبب اضمحلاله في دمشق بعكس الحالة التي كانت عليه في الزمن الغابر. . فأجبت ودمع السف يترقرق من عيني أن الأزهر المعمور ظل مستحفظاً بالامتحان الصحيح والقانون العادل فلا أثر في شؤونه جميعها لهذا المصاب العظيم الذي أصيبت به معاهد دمشق ومدارسها من إعطاء وظائف الآباء للأبناء الجهلاء. . فلا يترقى هناك الطالب من درجة إلى غيرها حتى تثبت أهليته وكفاءته أمام هيئة عادلة من علماء الأزهر النزيهين. ولا يزال يترقى بأهلية واستحقاق إلى أعظم تدريس وأكبر وظيفة حتى يصير المشار إليه

ولا فرق عندهم بين القروي والمدني وابن العظيم والصعلوك بل يتجلى ثم العدل بأجلى مظاهره ولذلك نرى بأم العين أغلب مشيخة الأزهر وعلمائه من الأرياف والقرى لا من البيوت الكبيرة المعروفة بمصر. الطالب بالأزهر الشريف يعلم أنه مستقبلاً على قدر جده واجتهاده فيجتهد ما شاء الله أن يجتهد بعكس الطالب عندنا ولا يمكن أن يتساهل معه في الامتحان مراعاة لآبائه أو شوقاً لدراهمه حتى لقد جاء أحد طلاب الأزهر إلى أحد أعضاء لجنة الامتحان وأراد أن يهديه هدية يتوصل بسببها لمهاودته في الامتحان ففاجأه الشيخ قائلاً أما تخجل من الله وأنت طالب علم في الأزهر تدرس كتب الدين وأحكامه تجيئني بالرشوة لأهتك حرمة العلم ورفع الشيخ عصاه يريد أن يهشم رأس الراشي فقال ارحمني يرحمك الله إن لي عيالاً وأولاداً فقال لا رحمك الله أتأكل أنت وأولادك الحرام بسبب تماهلك وكسلك فرجع هذا الطالب يجر ثوب الفشل ثم قال الشيخ لأحد أصدقائه ما مرت على عمري ساعة وقد نيفت عن الخمسين أشد من هذه الساعة لأنه لا يزال أناس يعتقدون في الخيانة ويتأملوا أن أدخلهم في وظيفة ليسو بمستحقيها. . وكانت الحالة في دمشق مثل ما هي عليه في الأزهر عيناً فكان يجري التدريس على قاعدة مخصوصة وحال معلومة لا يتعداها أحد كان يراعى في الوظائف العلمية جانب الأهلية والاستحقاق تماماً فكان المدرس في جامع دمشق بعد البدر الغزي والنجم الشيخ إسماعيل العجلوني من قرية عجلون المشهورة والعلاء الحصكفي المفتي وعلي الداغستاني ويونس المصري نزيل دمشق والشيخ مصطفى الحلبي والمهنداري والحايك وغيرهم ولم يكن الشفيع لهم في أخذ هذه الوظائف العالية غير كفاءتهم وأهليتهم لها لا كونهم من بيوت العلم وسلالة الشرف ولم يزل الحال كذلك حتى انفرط العقد في أواخر القرن الثاني عشر وبقينا إلى اليوم نريد أن شمله فلا نوفق. ولو جرى الحال في مصر كما جرى عندنا أخيراً لبدلت مصر سماء غير سمائها وأرضاً غير أرضها ولتساقطت جدران الأزهر حجراً بعد حجر. فقال السائل كأنك تريد أن ارض الشام أقفرت من العلم وأجدبت من أهله. . فقلت لا لا يقذفن في روعك أني أحاول بكلامي سلب فضل الفاضلين وعلم العالمين أو أني أنكر وجود

بعض العلم عندنا وأجحده أهله فما هذا أردت ولا إليه ذهبت وإنما أقول أن قليلاً من العلماء ومثلهم من الفقهاء وأقل منهم من المحدثين لقليل في بلد كدمشق كان يقال عنها أنها مهد العلم ومرعاه الخصيب. ثم أخاف أيضاًُ أن نفجع بهم ولا مناص من ذلك فيدرج علمهم معهم وهكذا يذهب العلم بذهاب أوعيته قال سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه مالي أرى علماءكم يموتون وجهالكم لا يتعلمون لقد خشيت أن يذهب الأول ولا يتعلم الآخر مالي اراكم شباعاً من الطعام جياعاً من العلم تعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفعه موت العلماء وقال ابن عباس رحمه الله لما مات زيد بن ثابت من سره أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه. فيا بقية علماء دمشق بل يا علماء جزيرة العرب بل يا علماء المسلمين كافة أيسركم هذا المنظر الأخير في العالم الإسلامي وطروء هذا الاضمحلال والسقوط عليه؟ أيروق لكم أن يعبث بكم وبهذا الين الخالص قوم جعلوا اسم الدين قنطرة يجوزون عليها إلى ما يشتهون؟ أيروق لكم أن يمثل زعاماتكم أناس حشو إهابهم الجهل غايتهم الوحيدة إسقاطكم حتى يخلو لهم الجو فيصفرون وينقرون. أيروق لكم أن تطلى هذه الجوهرة الغالية بهذا الظلام الحالك والسواد القاتم حتى يحتجب بقية ضوئها ويسدل عليه سجف الظلام الكثيف بعدما أضاءت منها المسكونة مائة قرن أو أكثر؟ أما يغضبكم ويأجج نار حميتكم تصدر أهل الجهالة والغواية يعيثون في الأرض ضلالاً وتضليلاً حتى استضعف جانب الإسلام العدو الممازق وصار يجوس خلال ديارنا بإرسال الوفود تلو الوفود من المبشرين ودعاة النصرانية وتزيدهم وإياهم بالتعاليم المسحية وبذلهم الغالي والثمين في سيبل نشر دينهم حتى دخلوا المدن والقرى وناجزونا في مقر دورنا وبين مساكننا يلقون الشبهة تلو الشبهة على الدين الإسلامية (والمتصدرون الرسميون) لاهون ساهون أسكرتهم خمرة مجد البيوت وسؤدد شرفها على أن يفقهوا حديثاً وسرت في عروقهم نشوة الخيلاء والادعاء الباطل فلا يأبهون لذلك كله يعتقدون في أنفسهم الكمال والتكميل ولو طرحت عليهم شبهة من هذه الشبه أو سؤالاً تدرسه الصبية في كتاتيبهم لوجموا مذعورين ولجالوا جولة الحمر بجللها.

هذا بعد ما كان علماؤنا يقرؤن النصارى واليهود حقائق دينهم ويرشدونهم إلى سواء السبيل فقد ذكر العلامة التاج السبكي في طبقاته الكبرة في ترجمة العلامة كمال الدين بن يونس الذي قال عنه المحدث ابن الصلاح أن الكمال أعظم من أن يترجم وناهيك بهذا التقريظ الغالي من هذا الجناب العالي أنه كان يدرس عليه رهبان النصارى وعلماؤهم وأحبار اليهود والإنجيل والتوراة، ويحل لهم مشكلات الكتابين أحسن حل. ويعترفون بأنهم لا يجدون مثله في ذلك عدا عن إقرائه الزيج والإسطرلاب والمخروطات ومعضلات الهندسة والفلك وحقائق الهيئة وسائر العلوم الطبيعية. يا لله كيف حالنا اليوم مع حالنا بالأمس؟ أجل يصدق علينا قول ربيعة حيث قال الإمام مالك رضي الله عنه دخل رجل على ربيعة بن عبد الرحمن فوجده يبكي فقال ما يبكيك وارتاع لبكائه المصيبة نزلت بك؟ فقال لا، لكن أستفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم ولبعض من يدعي العلم أحق بالسجن من السراق. يا حماة الدين ويا شيوخ المسلمين أنتم أعلم مني بما قال سفيان الثوري رحمه الله (ويحكم احفظوا العلم فإني أخاف أن يخرج العلم من عندكم فتذلون). . وحفظه بلا شك تنحية من لا علم عنده ولا فضيلة عن أرائكه ومنصاته وإلا فالغد شر من اليوم كما كان اليوم شراً من الأمس والمصير إلى الهلكة لا محالة. بعد لقد سرني وأثلج صدري وأثار كوامن أملي ظهور الفائدة المطلوبة والضالة المنشودة بكتابنا في مجلة الحقائق الغراء عن هذه المسألة فقد ظهرت حركة مباركة مع بعض أهل العلم الغيورين ودبت روح جديدة في فريق من العلماء المجدين. . فقاموا (ايدهم الله بتوفيقه) وألفوا جمعية دينية ليطالبوا الحكومة الحكومة المحلية لتأخذ بناصر العلوم الدينية وتحيي ما مات من أوقافها بسائق اغتلاس من لا عهد لهم ولا ذمة وما اندرس من المدارس الدينية ودور العلم ولإنجاز ما وعدت به حكومة الأستانة من تأسيس مدرسة دينية عالية في دمشق تكون كالأزهر والزيتونة. . . وقد بلغني أنهم مزمعون على إرسال طائفة منهم إلى ملاذ والي ولايتنا العالي ليعرضوا على دولته هذا المشروع الديني. ونحن نزف البشرى لهم بنجاح مسعاهم إن شاء الله تعالى ونقول أن والي الولاية حفظه الله ممن يلتهب غيرة على الدين وأهله وهو لا يألوا جهداً في مد يد المساعدة لهذا المشروع

ولكل مشروع خيري مفيد وقد أثبت ذلك تفانيه الشديد في مؤازرة العلوم والمعارف وبذله كل مرتخص وغال في سبيل الأمور الخيرية. وأنا أقترح على القائمين بهذا المشروع بأن يحصروا طلبهم بطلب تنفيذ قانون المدارس والتدريس الذي هو فيما أعتقد الدواء الناجع لما أصابنا من العلل والأمراض والكافل الوحيد لإرجاع مجد العلم وأهله إلى ما كان عليه من السؤدد والرفعة. . وإرجاع ما اغتلس من الأوقاف إلى ما وقفت لأجله وهذا لا يحتاج إلى عناء شديد وزمن طويل لأن هذا القانون موجود منقح كانت حكومة دمشق صدقت على العمل بموجبه وكاد يخرج العمل به إلى حيز الوجود لولا قيام أرباب الأغراض وإقامتهم العقبات في سيره فلا حول ولا قوة إلا بالله. أما الآن فالحكومة تجيب هذا الطلب العادل وتنفذ هذا القانون على وجه السرعة لأنها قد علمت أخيراً أن لا سبيل لجمع كلمة الأمة وتوحيدها والتفافها نحو دولة الخلافة إلا بالرابطة الدينية ولن تستحكم حلقاتها إلا بترقية علومها وبث تعاليمها بين جميع الطبقات ونعم ما فعلت فقد أصابت كبد الحقيقة إذ أنه لا يمكن لها أن تجذب القلوب نحوها إلا بالتفات نحو الدين والانضواء تحت لوائه المتين. كما أنني أوصي القائمين بالصبر والثبات في الطلب وأحضهم على طلب المعونة من الحق جل وعلا فإنه لا يخيب من يلتجئ إليه. . ولا يهولنهم قيام أرباب الأغراض في وجوههم ليصدوهم عن مشروعهم فإن العاقبة للمتقين. أبو الضيا البقية تأتي (الحقائق) حسن عند كثير من الناس ما نشرناه في الجزئين 9 و10 تحت عنوان (الوظائف الدينية والجهلاء) وأثنوا جميل الثناء على همة كاتبها الفاضل حتى أن بعض الغيورين في طرابلس الشام نشر ما كتب في الجزء العاشر بنشرة خاصة لتوزع مجاناً على نفقته خدمة للعلم وحضاً للحكومة على تدارك هذه البلية العظيمة وهذا نص ما كتب إلينا على ظهر النشرة المطبوعة. قال: حضرات محرري مجلة الحقائق الغراء: قد اطلعنا على المقالة المذيلة بإمضاء أبي الضياء تحت عنوان الوظائف الدينية والجهلاء فصادفت من قلوب ذوي العلم والدين

ارتياحاً وتحسيناً وحبذت الكتابة بهذا الصدد فجزاكم الله خير الجزاء عن العلم والدين وبالنظر لعموم هذه البلوى واحتياجنا للقيام بصد هذا التيار تصدينا لنشرها على انفراد توزع بالمجان عسى أن يلهج بها القوم وتجعل الحكومة وذوو الأمر حداً لهذا التساهل، ورجاؤنا أن يتابع الكاتب كتاباته بهذا الصدد، والله يجزيكم عن الإسلام والمسلمين خيراً والسلام.

خلاصة الرحلة الشرقية

خلاصة الرحلة الشرقية وتعليق الدماميني مفارقة (كافة) للحاليبة على صحة الأثر مما جرى فيه على سنن التحقيق فإن المحرر في الأصول العالية لعلم العربية أن الكلمة إذا وردت في محل ولم يسمع استعمالها في غيره فإنما تطرد في الموضع الذي سمعت فيه ولا يقاس عليه غيره من المواضع ومن هذا تخصيصهم فل ولو مان ونومان بالنداء ونحو قط وعرض تختصان بالظرفية وبنى على هذا الشيخ ابن الحاجب أن لفظة كل إذا أضيفت إلى الضمير لم تستعمل في كلامهم إلا توكيداً أو مبتدأ فيمتنع جعلها مفعولاً به أو فاعلاً. ثم قلنا ويندرج في التفقه في الدين تعلم ما يرجع إليه من أحكام وعقائد وأخلاق وإما إطلاق الفقه على معرفة الفروع خاصة فعرف حادث بعد نزول القرآن فلا يصح تفسير الآية به فإن القرآن أنزل بلسان عربي ليتمكن العرب من فهمه فينتفعوا بالعلم به في أنفسهم ويبلغوه إلى غيرهم من الأمم لعلهم يتذكرون وهذه الحكمة تستدعي أن يكون الكتاب جارياً في سائر استعمالاته على المعاني المألوفة لهم في موضوعات لسانهم وأساليب كلامهم وإذا ألقي إليهم قولاً مجملاً أو كلمة لم يسبق لهم علم بمدلولها لم يتمادوا على الجهل بها وتعلموا بيانها عن رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا لم تكن الكلمة معهودة الاستعمال في معنى وقت الوحي ولم يعينه صاحب الشريعة في بيانها امتنع حملها عليه وبهذا يظهر عدم صحة ما قاله بعض البيانيين في قوله تعالى: (لو كان فيهما آله الخ الآية) من أن استعمال لو في الاستدلال بامتناع الفساد على امتناع تعدد الآلهة وارد على قاعدة أهل المعقول والصحيح ما قاله الشيخ ابن الحاجب من أنه استعمال عربي فصيح كما لا يستقيم قول بعض الكاتبين على قوله تعالى: (وما علمناه الشعر) أن المراد الشعر الذي هو ا؛ د أقسام القياس وقد أنكر الشيخ ابن تيمية على من فهم التأويل في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله) على معنى صرف اللفظ عن المعنى الراجح لدليل يقترن به لأنه معنى اصطلح عليه طوائف من المتأخرين ولم يكن معروفاً للسلف بهذا الوضع بل مسمى التأويل في لغة القرآن هو نفس المراد بالكلام من الأمور الموجودة في الخارج. ثم قررنا تفاوت العلوم في الشرف واستطردنا أن الإقبال على العلم أفضل من الاشتغال بالعبادة لوجهين أن مصلحة العبادة خاصة ومصلحة التعليم عامة وما له مصلحة عامة أشرف مما له مصلحة خاصة ثانيهما أن في التعليم درء مفسدة وفي العبادة جلب مصلحة

ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ولاسيما ما يدرء الخلل في الدين قال ابن جماعة في كشف المعاني عند قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس) المستعاذ به غي هذه ثلاث صفات والمستعاذ منه شيء واحد وهو الوسوسة والمستعاذ به في السورة قبلها صفة واحدة والمستعاذ منه أربعة أشياء لأن المطلوب في سورة الناس سلامة الدين من الوسوسة القادحة فيه والمطلوب في سورة الفلق سلامة النفس والبدن والمال وسلامة الدين أعظم واهم ومضرته أعظم من مضرة الدنيا فموقع الدين من النفوس شديد ولهذا كان تأثيرها للاستخفاف بشأنه أو تحريف بعض حقائقه فوق كل تأثير وانظروا إلى فرعون لما أراد صرف وجوه القوم عن اتباع موسى عليه السلام كيف قدم لهم التخوف منه على تبديل دينهم فقال (إني أخاف أن يبدل دينكم) هذا في دين يفتضح صاحبه لأول كلمة ترمي لإبطاله فما بالكم بدين كشف عن صفاء فطرته كتاب حكيم وخضع لسطوته كل فكر مستقيم. ثم أوردنا بعد تقرير ما أمرت به الآية من تعلم أحكام الدين قول العضد في خطبة المواقف ناقلاً عن بعض الأئمة (أن المراد من الاختلاف في حديث (اختلاف امتي رحمة) اختلاف هممهم في العلوم فهمة واحد في الفقه وهمة آخر في الكلام كما اختلفت همم أصحاب الحرف ليقوم كل واحد بحرفة فيتم النظام. وعلقنا عليه أن الذي يحمل الحديث على هذا المعنى يقصد التباعد من فهم الأثر على معنى اختلاف الأمة في آرائها ولا يرضيه أن تدخل الرحمة من ناحية اختلاف الآراء ولو في الفروع لأن نصوص الشريعة طافحة بالنهي عن الاختلاف بإطلاق وذوو الاجتهاد مأمورون ببذل الوسع في إزالته والتلاقي في مذهب واحد كما قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء) الخ الآية لكنهم إذا فرغوا جهدهم في البحث عن الأدلة وأمعنوا النظر فيها بقصد الوصول إلى ما هو حق ثم أدركهم العجز عن الاتفاق فالعذر قائم وباب العفو مفتوح والعفو عن هذا الاختلاف وعدم مؤاخذتهم عليه لا يقتضي أن في الخلاف رحمة وأنه أصلح من الوفاق وأسعد من تضافر الآراء على مذهب. تقلت قول القاضي أن في الآية الكريمة إيماء إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم من العلم أن يستقيم ويقيم غيره وتخلصنا منه إلى أن أعظم درجات إنسان وأشرفها أن يكون

كاملاً في نفسه ومنبعاً يتدفق منه الصلاح والكمال إلى غيره. ووصلنا هذا بنكتة لطيفة أعهدها لبعض المفسرين عند قوله تعالى (وسراجاً منيراً) وهي أنه وقع تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم بالسراج دون أن يمثله بنحو القمر الذي هو أغزر نوراً لأن القمر يضيء في نفسه ولا يمكن أن يستمد ضوئه عدة أجرام تكون مضيئة في نفسها بخلاف السراج فإنه يضيء في ذاته ويمكن أن يقتبس منه سرج لا يشملها الإحصاء فالتمثيل به أوفى بالمراد وأقرب مطابقة لحاله عليه الصلاة والسلام. أتينا هنا على ان المنذر يتعين عليه أن يتحرى في إنذاره بحيث لا يستند فيه إلا على علم صحيح من آية أحديث ثابت أو نص من يقتدى به من الأئمة. وخرجنا منه إلى جريمة الحكم بغير ما أنزل الله وقررنا ما نعهده للرازي في آية (ومن لم يحكم) وفيما نقلناه من الأجوبة عن آية (فآولئك هم الكافرون) أن المشار إليهم بالكفر هنا من حكموا بغير ما أنزل الله معتقدين أن ما قضوا به أوفق بالسداد وأحفظ للمصالح. وأدرجنا هنا دقيقة للشيخ ابن عرفة وهي أن أسلوب الآية أبلغ من أن لو قيل (ومن حكم بغير ما أنزل الله) فإن هذه العبارة لا تتناول من تقدم إليه الخصمان بقضية فأهملها وهو يستطيع فصلها بخلاف الآية فإنها تتناول من حكم في القضية بالباطل ومن أبى الحكم فيها بما أنزل الله وسكت وهو منتصب في مقام الفصل بين الناس. انتقلنا إلى أن للإنذار بالقرآن تأثيراً بالغاً على النفوس بحيث لا يقوم كلام البشر مقامه وإن ارتقى من البلاغة ذروة سامية. واستطردنا مقالة نفيسة لصاحب المنهاج وهي أن الله تعالى خص القرآن بأنه دعوة وحجة ولم يكن مثل هذا النبي قط إنما كان لكل واحد منهم دعوة ثم يكون له حجة غيرها وقد جمعها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن فهو دعوة بمعانيه حجة بألفاظه وقلنا عقب هذا أن القرآن حجة أيضاً فإن استقامة سائر ما احتوى عليه من القضايا وانطباقها بجملتها وتفاصيلها على مناهج الحكمة ورسم السياسة العادلة يدل دلالة مثل فلق الصبح على أنه وحي سماوي وأنه بريء من أن تبتدعه أفكار البشر وبهذا يمكن للعجم الذين لا يحسنون العربية أن يدر كواوجها من إعجازه متى نقلت لهم معانية الأولية بترجمة محررة. (يتبع)

سلسلة حكم الخلفاء

سلسلة حكم الخلفاء حكم عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه قال رضي الله عنه في خطبة لما ولي الخلافة: أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خلف كل شيء وليس من تقوى الله خلف واعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه وآخرته وأصلحوا سرائركم يصلح الله علانيتكم وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا له الاستعداد قبل أن ينزل بكم فإنه هادم اللذات وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً ولا أمنع أحد حقاً يا أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته. وكتب رضي الله عنه إلى عبد الرحمن بن نعيم: إن العمل والعلم قرينان فكن عالماً بالله عاملاً له فإن أقواماً علموا ولم يعملوا فكان علمهم عليهم وبالاً. وكتب ليه: أما بعد فاعمل عمل رجل يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين. إن للسلطان أركاناً لا يثبت إلا بها فالوالي ركن والقاضي ركن وصاحب بيت المال ركن والركن الرابع أنا. إن قوام الدين العدل والإحسان. لا يكونن شيء أهم إليك من نفسك فإنه لا قليل من الإثم. وكتب لأهل الشام. . سلام عليكم ورحمة الله أما بعد فإنه من أكثر ذكر الموت قل كلامه ومن علم أن الموت حق رضي اليسير والسلام وخطب الناس بخناصره فقال: أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدى وإن لكن ميعاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض ألا واعلموا أنما الأمان غدا لمن حذر الله وخافه وباع نافذاً بباق وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان ألا تون في أسلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله فتغيبونه في صدع من الأرض ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد فارق الأحبة وخلع الأسباب فسكن التراب وواجه الحساب فهو مرتهن بعمله فقير إلى ما قدم غني عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقعه. وقال من وصل أخاه بنصيحة له في دينه ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته وأدى واجب حقه فاتقوا الله فإنها نصيحة لكم في دينكم فاقبلوها وموعظة منجية في العواقب فالزموها الرزق مقسوم فلن يغادر المؤمن ما قسم له فأجملوا في الطلب فإن في القناعة سعة

وبلغة وكفافاً. إن أجل الدنيا في أعناقكم وجهنم أمامكم وما ترون ذاهب وما مضى فكأن لم يكن، وكل أموات عن قريب وقد رأيتم حالات الميت وهو يساق وبعد فراغه وقد ذاق الموت والقوم حوله يقولون قد فرغ رحمة الله وعانيتم تعجيل إخراجه وقسمة تراثه ووجهه مفقود وذكره منسي وبابه مهجور كأن لم يخالط أخوان الحفاظ ولم يعمر الديار فاتقوا هول يوم لا نحقر فيه مثقال ذرة في الموازين من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح ومن لم يعد كلامه من عمله كثرت ذنوبه والرضا قليل ومعول المؤمن الصبر وما أنعم الله على عبد نعمة ثم انتزعها منه فأعاضه مما انتزع منه الصبر إلا وكان ما أعاضه خيراً مما انتزع منه (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) إذا كان في القاضي خمس خصال فقد كمل علم بما كان قبله، ونزاهة عن الطمع، وحلم عن الخصم، واقتداء ومشاورة أهل العلم والرأي وكتب لعدي بن أرطأة أما بعد فقد أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك واعلم أن مالك عند الله مثل ما للرعية عندك. وكتب رضي الله عنه إلى الجراح أنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً أو سرية قال اغزوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليداً فإذا بعثت جيشاً أو سرية فمرهم بذلك. وكتب عدي ابن أرطأة له رضي الله عنه إني بأرض كثرت فيها النعم وقد خفت على من قبلي من المسلمين قلة الشكر والضعف عنه فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن الله تعالى لم ينعم على قوم نعمة فحمدوه عليها إلا كان ما أعطوه أكثر مما أخذوا منه واعتبر بقول الله تعالى: (ولقد آتينا دواد وسليمان علماً وقالا الحمد لله) فأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان. إبراهيم خليل مردم بك

طلبة العلوم الدينية

طلبة العلوم الدينية لا يخفى على كل ذي عقل سليم وطبع مستقيم أن تحصيل العلم لا يتيسر إلا بالمال وطول الزمان مع وجود الفطنة والأستاذ النصوح ورحم الله من قال: أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان ولذلك قام عقلاء الأمة من أسلافنا الكرام أصحاب الحمية والمرؤءة المحبين لتقوية دينهم وترفية بلادهم فصرفوا جل أموالهم على اكتساب العلوم والفنون وأسسوا المدارس ووقفوا لها أوقافاً كلية تقوم بنفقة مدرسيها والقاطنين بها ووضعوا لها نظامات ليسير المعلمون والطلبة عليها ولو اطلعت على تاريخ الواقفين لرأيت أحدهم وقف نصف أمواله على تحصيل علم الحديث والآخر على تحصيل علم الفقه وغيره على تحصيل التفسير والقراآت ومنهم من وقف ماله على تحصيل العلوم العربية وآدابها والعلوم الرياضية كالهندسة والحساب والمساحة والجبر وبذلك تيسر لهم تحصيل غالب الفنون والعلوم وبرعوا فيها وألفوا الكتب العديدة النافعة والعالم فيهم والمدرس معزز مكرم مكفي المؤونة مطاع في أهله وقومه وأما الآن ويا للأسف فقد خلف من بعدهم خلف تولوا إدارة شؤون المدارس فأضاعوا الأوقاف وخربوها وجعلوها ملكاً لهم أو كالملك وغصبوا كثيراً من وظائفها لأنفسهم ثم لأولادهم من بعدهم على سبيل الإرث وإن كانوا هم وأبناؤهم جهالاً لا يميزون بين الكوع والبوع والمنصوب والمرفوع وأعانهم على ذلك حكام باعوا دينهم بدنياهم فلذلك أصبح طالب العلم يعد شروعه في طلب العلم متحيراً في أمره محجماً عن الإقدام على إكمال تحصيله لما يراه من سوء العاقبة في الأمور الدنيوية مع شدة الفاقة وقلة العيش وامتهان الناس له وازدرائهم به خصوصاً عند بعض الأمراء الذين يناط بهم شيء من أمور الطلبة وقد جرأهم على ذلك ما يرون من انخراط بعض الجهلة في سلك طلاب العلم وسكوت الشيوخ وعدم قيامهم بما وسد غليهم من الوظائف ولو اطلع الإنسان على ما يقاسيه بعض أهل العلم في المدارس الدينية لفاضت عيونه دماً واشتعل رأسه شيباً واحترق قلبه حسرة وإني في هذه السنة خرجت من دمشق بعد نصف رمضان وكنت نزيلاً عند العالم الفاضل الشيخ إسحاق الداغستاني في مدرسة جامع الكبير وهي محتوية على سبع عشرة غرفة وحجرة كبيرة للتدريس وفيها مكتبة قد خيم العنكبوت عليها وعما قريب

تقرضها الدود عمرها أمير أطنة خليل بك ابن الأمير رمضان ووقف لها أوقافاً كلية وشرط لها شروطاً منها أن يتخصص عشرة من أذكياء ونبلاء طلابها وتعطى لهم زيادة معاش وملبس كي يجدوا على تحصيل العلوم الدينية خصوصاُ ويسابروا عليها وينشروا ذلك في القرى والأمصار ولكن يا للأسف قد طمست معالم العلم في هذه المدرسة وفي غيرها وعفت آثاره وصار للمدارس حظ من اسمها فأصبحت خاوية على عروشها يأوي إليها الفقراء والعجزة وبعض المتخلقين بالأخلاق الذميمة. ولنطلع القراء على بعض ما رأيته من الغرائب ليطلعوا على سوء إدارة بعض عمال نظارة الأوقاف في الولايات العثمانية عدم إنكار العلماء والمفتين ذلك مما أودى بنا إلى الذل والهوان وسوء المنقلب. إن العلماء قديماً كانوا يخرجون في أثناء تعطيل الدروس إلى القرى والبوادي لنشر العلم والدين وإرشاد الناس إلى ما فيه صلاحهم وكان يحصل لهم إكرام عظيم بسبب صلاحهم وحسن نيتهم فخلفهم قوم لم يراعوا طريق سلفهم فإذا جلسوا للوعظ يضيعون الأوقات بالحكايات والأقاصيص وبعضهم دخلاء على العلم وأهله وهم أضر على الدين من أعدائه لأن العوام يأخذون قولهم بالقبول ولو أردت نصحهم تقوم وقتئذ الطامة الكبرى حتى أن يعضهم قد قرر في درسه أن البول قائماً حرام ومن فعل ذلك فهو كالزاني بأمه وهادم الكعبة فلما بلغني ذلك ممن كان حاضراً في درسه من الثقات وقد تواتر ذلك أخبرتهم بأن ذلك مكروه عند بعض الأئمة والنبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً واختلف العلماء بالكراهة وعدمها كما هو مذكور في كتب الفقه والحديث ولم يقل أحد بالحرمة ثم أن الفاضل الشيخ إسحاق أخذته الحمية والغيرة وبين للناس في درسه العام حكم المسألة فتأمل وقل ما تشاء في حق العلماء الذين يساعدون أمثال هؤلاء الجهلة ويصدقون على أنهم مدرسون وأن هذه وظيفة ورثها فلان عن أبيه فيلزم أن لا نحرمه خبز أبيه ولم يراعوا دين الله وخالفوا نصوص الفقهاء وقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل). فصدق عليهم مفهوم قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) ومنطوق قوله عز اسمه: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى إلى خرابها) وقل

في حق من كان على شاكلتهم من أمراء الأوقاف ما تشاء. . فهم مهما رفعت إليهم الشكايات يحاولونها ولو كان ذلك اندراس الدين وخراب المساجد والمعابد كما هو مشاهد بالعيان وبالعكس من جاورنا من أهل الذمة يعمرون معابدهم ويشيدون المكاتب والمستشفيات ويحضون الناس على اتباع دينهم ولهم جمعيات مخصوصة لهذه الغاية وأغنياؤهم لا تزال تنفق الأموال الطائلة في سبيل ترقي معارفهم وتقوية دولهم حتى أن بعضهم يقف جميع أمواله على تحصيل العلم وغيره على تقوية الجيوش البرية والبحرية ومن أنكر ذلك فهو كمنكر الشمس في رابعة النهار اللهم أصلح الرعاة والرعية وخذ بيدنا إلى الخير إنك على ما تشاء قدير. صلاح الدين الزعيم

اللغة والأدب

اللغة والأدب زلات الأقلام مما يزل فيه بعض أرباب الأقلام استعمال لفظة (استبدل) على غير الوجه بل لا يكاد يجيد وضع هذا الحرف في موضعه إلا القليل. فمن أمثلة الزلل فيه قول أحدهم يصف عاشقاً جد به الهوى فنفر ن عينيه الكرى استبدال النوم بالسهر أراد أنه اتخذ السهر من البوم بدلاً ولكنه قلب الوضع فجاء مقلوباً والوجه أن يقال استبدل السهر بالنوم ليستقيم الوضع والمعنى معاً. ومن الزلل في استعمال هذا الحرف أيضاً قول الآخر يصف محتالاً بدل الجنيه (أي الليرة) درهماً زائفاً وقول غيره في هذا المعنى بدل الماس حجراً يريد كلاهما أن المحتال قد يعلم الدرهم الزائف بدلاً من الجنيه وقطعة من حجر بدلاً من الماس ولكن الوضع لا يدل على هذا المعنى والوجه أن يقال أبدل الجنيه بدرهم زائف والماس بحجر لأن التبديل تحويل صورة إلى صورة أخرى والمراد في هذين الموضوعين التنحية أي جعل شيء مكان شيء آخر وهو الإبدال. وعلى ذكر هذا الحرف نذكر ما سمع في فعل وفعل وهو أربعة أحرف بدل وبدل ومثل ومثل وشبه وشبه ونكل ونكل ولم يزد عليها أحد. ومن زلل قول بعضهم مفتش (أول) اللغة العربية يريدون مفتش اللغة العربية الأول فيفصلون بين المضاف والمضاف إليه بنعت الأول. ومنه قول خليني أفهمك يريد دعني أفهمك فيستعمل التخلية خطأ وقد شاع استعمال هذا الحرف على نحو ما رأيت قال شاعر الشرق: فخذ سبلاً على العلياء شتى ... وخل دليلك الدين القويم وإنما الخلية الترك وذلك غير ما يقتضيه المقام كما هو ظاهر. ومنه قوله هذا الكتاب ترجم بمعرفة فلان يريد أن فلاناً هو الذي ترجمه فيأتي بهذا الوضع وهو لا يدل على المعنى المراد. وإنما يقع مثل هذا الكاتب في ذلك الوهم لالتزامه التعريب الحرفي وظاهر أن الجملة المتقدمة تفيد أن فلاناً يعرف أن الكتاب ترجم لا أنه هو الذي ترجمه فإذا أريد الشطر الثاني قيل ألف هذا الكتاب فلان وهذا الضرب من الخطأ كثير

الشيوع. ومنه قوله الأمل (لغو) هذا القرار يريد أ، يبطل فيأتي بهذا اللغو واللغو واللغا السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ويقال شاة لغو ولغاً أي لا يعتد بها في المعاملة وقال ذو الرمة يهجو هشام بن قيس المرئي أحد بني امرئ القيس: ويهلك وسطها المرئي لغواً ... كما ألغيت في الدية الخوارا واللغو في الأيمان ما لا يعقد عليه القلب. ومعنى اللغو الإثم فأنت ترى أن المراد الإلغاء لا ذلك اللغو السخيف. ومنه قوله من فتح مدرسة (قفل) سجناً يريد أقفل فيستعمل المجرد خطأ قال في لسان العرب أقفل الباب وأقفل عليه فانقفل واقتفل والنون أعلى والباب مقفل ولا يقال مقفول وعن الجوهري أقفلت الباب وقفل الأبواب مقل أغلق وغلق. وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال أربع مقفلات النذر والطلاق والعتاق والنكاح أي لا مخرج منهن لقائلهن كأن عليهن أقفالاً فمتى جرى بهن اللسان وجب بهن الحكم. ومنه قوله لا يعيقني عن ذلك شيء يريد لا يصرفني عنه صارف فيعدل عن المجرد إلى بعض مزايداته خطأ والصواب عاق من الأجوف الواوي قال في اللسان عاقه عن الشيء يعوقه عوقاً صرفه وحبسه ومنه التعويق والاعتياق وذلك إذا أراد أمراً فصرفه عنه صارف. . قال ويجوز عاقني وعقاني بمعنى واحد. . وعوائق الدهر الشواغل من أحداثه. ومنه قوله: أخذ فلان يمطل لدائنه يريد أنه أخذ يعلله بالعدة أو يسوف وهذا الحرف متعد بنفسه قال في أساس البلاغة مطلني حقي وماطلني به مطلاً ومطالاً فالاستعمال الأول غير صحيح كما ترى ومنه قوله: اتهم فلان بالنصب وقد كثر هذا الاستعمال وهو في كتابة الصحف أكثر بل لا يكاد يخلو باب الحوادث فيها من ذكر هذه الجملة مراراً في كل سنة. والصواب اتهم بالاحتيال قال الزمخشري وأهل النصب الذين ينصبون؟ لعلي رضي الله عنه ونصبت له رأياً إذا أشرت عليه برأي لا يعدل عنه. ومما كثر شيوعه في طائفة من التآليف والرسائل المحبرة والقصائد المحررة قولهم لك الهناء ول يرد الهناء في اللغة العربية قال ابن منظور هنئ الطعان وهنوء يهناء صار هنيئاً مثل فقه وفقه وهنئت الطعام أي تهنأت به وهنأ في الطعام وهنأ لي يهنيئني ويهنأني

هناء وهناء ولا نظير له في مهموز. ويقال هنأه بالأمر والولاية هنأ هنأه تهنئة وتهنيئاً إذا قيل له ليهنئك والعرب تقول ليهنئك الغارس بجزم الهمزة وليهنيك الغارس بياء ساكنة ولا يجوز ليهنك كما تقول العامة ومن زلات الأقلم قول بعضهم بات فلان يشكو من فداحة الخطب يريد من ثقله وقد بحثت في عدة معجمات فما وجدت للفداحة فيها أثر ولا رأيت عنها خبر والمعروف في أمهات اللغة (الفدح) يقال فدح الأمر أو الحمل أو الدين زيداً من حد منع (فدحاً) أي أثقله وهاله وبهظه. ومنه قول الآخر يصف أحد القصور في نهاية القصور فيه رياش نفيسة يؤنس الرياش بالوصف خطأ وهي مثل الأثاث قال في الأساس وفلان له رياش أي لباس وحسن حال وشارة واشترى علي رضي الله عنه قميصاً بثلاثة دراهم فقال الحمد لله الذي هذا من رياشه ومن غريب الزلل الذي يقع فيه بعض من يعربون تعريباً حرفياً قولهم (هو كريم) بكل معنى الكلمة) فهل رأى الناس كريماً بنصف معنى الكلمة وآخر بربع معناها وثالثاً بثمنها ومتى كانت المعاني العرفية العامة محدودة بمثل هذه المقادير؟ ألا ليعفوا المتفرنجون أسماعنا من مثل هذا الاستعمال الساقط وليستعملوا عوضاً عنه ما أرادوا من التراكيب. ومنه قولهم (فلان هجاص) ويريد أن موصوفه يكثر من الأخبار التي لها أصل والصواب هجاس قال صاحب اللسان هجس الأمر في نفسي يهجس هجساً وقع في خاطري فالهجاس كثير الهجس أي الذي يقول كل ما يهجس في نفسه كما ترى. ومن مزال الأقلام قول بعضهم (فلان لابس ثوباً (فاتحاً)) ومنهم من يقول (زاهياً) وكلا الاستعمالين غير مراد. والوجه أن يقال (ناصع اللون) والناصع الخالص الصافي من كل شيء. ومن الزلل قول بعضهم (يجب أن يعين منا مديريون) مراده مديرون جمع مدير. وزيادة الياء ها هنا لا مسوغ لها كما أنه لا مسوغ لهذا الإيجاب ولكن الجهل يعني صاحبه. ومنه قوله (يتعهد المدين بدفع الدين) يريد أنه آلى وأعطى موثقاً بالدفع وإنما التعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به وتفقده والاحتفاظ بالعهد أيضاً ومن الأخير قول أبي العطاء السندي من فصحاء العرب يرثي ابن هبيرة. وإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود

فإنك لم تبعد على متعهد ... بلى كل من تحت التراب بعيد وليس شيء من هذه المعاني بمراد لنفسه في هذا المقام. ومنه قول الآخر (فلان موظف ظهورات) يريد أنه موظف إلى حين ومن كان كذلك فوظيفته المساعدة والوجه فيه (موظف ظِهرة) أو ظُهرة قال تميم الهفي: على عز العزيز وظهرة ... وظل شباب كنت فيه فأدبرا وفي اللسان (الظهرة الأعوان والظهرة كالظهر وهم ظهرة واحدة وجاءنا في ظهرته وظِهرته وظاهرته أي في عشيرته وقومه وناهضته الذين يعينونه وفلان ظِهرتي على فلان أي عوني.

الإسلام والإيمان

الإسلام والإيمان من هنا يتضح أن الله أرسل لكل أمة رسولاً وكتاباً وجمعهم على دينه قروناً وأحقاباً وها نحن في زمان أخذت فيه الأمم تتعارف لتتبادل الأفكار والعلوم والمرافق الحيوية وأخذت نواميس الحياة تسوقها سوقاً إلى وحدة العقائد كما وحدتها في المدركات العلمية والعملية من هنا حدث شعور عام بضرورة وجود دين عام وكيف يمكن أن يكون للإنسانية دين عام وجميع الأديان التي أمامنا تكلف الأمم بالانخلاع من شخصيتها التي اكتسبتها في عشرات من القرون والتقمص بشخصية جديدة تعادي معها دينها السابق وتكفر بسائر أنبيائها وتعدهم كذابين مزورين وتحتقر جميع مقدسيها وأقدميها لا جرم أن أمثال هذه الأديان المحرفة لا يستطيع أحدها أن يكون ديناً عاماً مطلقاً ما دام لم ينظر لمجموع الإنسانية كلها بنظر الملم بأحوالها المراعي الحكمة في تكليفها. على أن في محاولة هذه الأديان خلع من يتمسك بها من كل ما كان يعتقده قبلاً ودفعه للكفر بجميع ما كان فيه يعد جوراً وميلاً عن الحق الظاهر لأنه (ما الذي يرجح للإنسان أن يعتقد بعيسى ويكفر ببوذى مع العلم بأن الاثنين أسسا ديناً وجاءنا بإصلاح كبير واتبعهما خلق كثير وكان سواء في الصلاح والتقوى وحب الإنسانية؟ وما الذي يرجح له أن يحترم الأناجيل والقديسين النصارى ويحتقر كلما له علاقة بديانة بوذا مثلاً. لا شك أن لا مرجح يحمل الإنسان لأن يعتقد برسول دون رسول وبكتاب سماوي دون كتاب آخر كون أمة وأحياها إلا الجور في الحكم والميل مع الوراثة والتقليد فالعدل كل العدل أن يعتقد الإنسان بكل رسول أرسله الله للأمم مستدلاً على رسالته بآثاره وأعماله وتاريخ حياته فيؤمن بجميع رسل الله إجمالاً وبجميع كتبه جملة تاركاً التعصب الذميم والانتصار لأحد المرسلين دون الآخرين جاعلاً دينه قوله تعالى: (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمين) هذا هو الدين الحق العادل الصالح لأنه يجمع كافة الشعوب والأمم ويؤاخي بينهم ويرضيهم جميعاً وينزع من قلوبهم العداوة والبغضاء والسخائم القديمة الموروثة بسبب كفر بعضهم بأنبياء بعضهم واحتقار بعضهم بكتب بعض. هنا تنجم مشكلة تعوذ حلاً مقبولاً وهي أن جميع الكتب الدينية التي بأيدي الأمم محرفة

مبدلة وقد تولاها رجال بالشروح والتأويلات حتى خرجت بها الأديان عن أصولها وصارت كلها متناقضة تسمح للملحد أن يقول إذا كانت الأديان كلها وحياً من الله فلماذا نجدها متناقضة متعاكسة فإما أنكم حرفتموها عن أصولها وإما أنكم كذبتم على الله بنسبتها إليه لأنه لا يقال أن الله ينزل على قوم ديناً يعلمهم فيه أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله منزه عن الجسم والجسمانيات لا تحيط به الأفكار ولا الظنون ثم يوحي إلى آخرين ديناً يقرر لهم فيه أن له ثلاثة أقانيم وأنه أرسل ولده ليفتدي العالمين ثم يوحي إلى أمة أخرى بأنه تجسد في جسد فلان وحل في جسم فلان الخ مما لا يمكن التوفيق بينه بأي وجه من الوجوه هذه معضلة لا يحلها إلا أحد أمرين: إما الاعتقاد بأن هذه الأديان محرفة أو بأنها ليست وحياً من الله ولكنها من أفكار من وضعها من الأقدمين. أما القول بأنها من موضوعات الأقدمين فلا ينهض به دليل لأن أولئك الرجال الفضلاء الكاملين الذين دلت حياتهم على فضل وتقوى وزهد وعبادة، الذين قالوا نحن رسل الله جئنا بدين الله يبعد أن يكونوا من الكاذبين المزورين لأن التزوير لا يولد فضيلة ولا ينتج كمالاً ولا تقوى (انظر ما قلناه عن محمد صلى الله عليه وسلم) إذن لم يبق أمامنا إلا الفرض الثاني وهو أن هذه الأديان حرفت عن أصولها وأن أصلها كلها واحد. إن وصلنا إلى هذا الحد قلنا: ها هو رسول كريم أرسله الله رحمة للعالمين دلنا بتاريخ حياته من أولها إلى آخرها في زهده وعبادته وتواضعه وبعده عن زخارف الدنيا على أنه واحد من اولئك المرسلين جائنا يقول عن الله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً فأما الذين آمنوا واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً). جاء هذا الرسول يقول عن ربع (شرع لكم من الدين ما وحى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين لوا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي غليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى آجل مسمى لقضي بينهم وأن الذين أوروثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا

ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير). هذا الرسول الكريم أمرنا بالإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وبكتب الله أجمعين وجعل ذلك قاعدة ديننا وعمدة إيماننا ثم أمرنا بالخير كله ونهانا عن الشر كله وعرفنا سبل الكمال وأمات فينا نزعة الحق والتعصب الممقوت وشرع لنا ناموس الأخلاق ونهج لنا في هذا العصر الذي كثرت فيه الشكوك على الأديان وأصبح فيه علم اللاهوت عدواً لتلك المقالات التي يوردها أصحاب الملل في الله جهلاً وتقليداً لأفكار السابقين.

نفثة مصدور

نفثة مصدور إلام الميل عن طرق الرشاد ... وفيم العدل عن نهج السداد على دين النبي تفيض عيني ... وتبذل للدموع بكل نادي وقلبي من توالي الذل أضحى ... يقطعه زوال الاتحاد هجرنا ديننا هجراً طويلاً ... فأصبح عزنا بادي النفاد وبدد شملنا عرض تبدي ... يمزق في النواحي والنوادي فأي فتى له عقل ولب ... يشاهد دينه مرمى الأعادي ويرضى أن يعيش بعيش ذل ... ويرغب في حياة باضطهاد فلو أنا نصرنا الدين سدنا ... ولكنا طرحناه بوادي فليس لطالب العليا مجيب ... وينجح من إلى فسق ينادي ينادينا الهوى فنجيب جمعاً ... ولا نصغي إلى داعي الرشاد تنبهنا النوائب كل يوم ... ولم تزل المعاصي في ازدياد ويخطبنا الخطيب وليس فينا ... مجيب دعوة البطل المنادي أروني الوعظ صادف أي قلب ... فكف عن التشبب في الغوادي فلا وحياتكم إن دام هذا ... فهيهات الوصول إلى المراد فمهلاً يا أخا الرشاد مهلاً ... فإن القوم طراً في رقاد (لقد أسمعت لفو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي) وكيف الوعظ يجدي في أناس ... تراهم للمذلة في انقياد فلولا السكر والفحشاء فينا ... لما قبضت أزمتنا الأعادي ولا رضيت بذل النفس هذا ... كرام الحي أصحاب السداد ولا باع الأكابر دين طه ... بنقد بل بسوء اعتماد ولا سل العدو سهام كيد ... وأغمدها بأعناق العباد ولا خرجت نساء الحي تسعى ... إلى الأسواق في حلل الفساد ومن عجب ترى الأزواج طراً ... على هذا الخروج على اتحاد فلو في الدين كان لنا اتحاد ... كهذا صار مرفوع العماد ولكن الورى شيخاً وطفلاً على حب التفرق والعناد

كفى يا قوم إنكم بواد ... ودين المصطفى عنكم بوادي أفيقوا وانظروا ما نحن فيه ... أصاب جميعنا شرك المعادي وشدوا إزركم بالدين تمحى ... خطوب قدرها فوق العداد فإن الضيم لا يرضاه حر ... وإن يك دونه خرط القتاد وغفلتكم عن الإرشاد عار ... وعار حبكم طول الرقاد فجدوا وانشروا ديناً قويماً ... هجرناه فأصبح في كساد (مكارم الأخلاق) مصطفى أحمد القاياتي

طريق النجاح

طريق النجاح لا مراء ولا جدال في أنه لا بد لكل دولة من دين تتدين به ودولتنا العلية حرسها الله دولة إسلامية دينها دين الإسلام. والمسلمون الموجودون اليوم على وجه الكرة الرضية ثلاثمائة مليون يجمعهم دين الإسلام وكلمة التوحيد وهم وإن اختلفت مذاهبهم ومشاربهم وتناءت أقطارهم وبلادهم وتباينت لغادتهم وعاداتهم في الحقيقة أغصان دوحة واحدة ألا وهي (الدين) وبذلك نطق أجلًّ كتاب وأصدق قائل. (إنما المؤمنون أخوة) وهم مرتبطون بإمام ينقادون له ويخضعون لأوامره كما يحكم عليهم بذلك كتابهم ودينهم وذلك الإمام يقوم بتنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وقهر المتغلبة وإقامة الجمع والأعياد وإصلاح ذات البين وغير ذلك مما يتعلق بالإمام الأعظم الذي هو خليفتهم إذاً فما بلهم متقهقرين وبطريق الفشل سائرين وعن سبل التقدم والرقي ناكبين؟ ما بالهم مع وفرة عددهم وكثرة عددهم بالنسبة لما كان عليه أسلافهم لا يتفقون وعلى ما فيه صلاحهم لا يجتمعون؟ لم لم يكونوا كما كان أسلافهم في صدر الإسلام فقد دوخوا الممالك وذللوا ملوكها وأسودها ومصروا الأمصار وقد سجلته لهم ذلك كتب التاريخ وسطرته أقلام العز والشرف على صفحات المجد والفخر. حتى أن الرجل الواحد منهم كان يحارب المائة والمائتين ممن سواهم فيضعضع أركانهم ويزلزل أقدامهم ويهاجمهم مهاجمة الأس الغضنفر بصلابة دينه ورسوخ عقيدته الإيمانية يفعل ذلك لثقته أنه بين أمرين لا محالة إما أن يعيش سعيداً وإما أن يموت شهيداً. ومن غرائب حربهم ما وقع لهم مع جيش الفرس وجيش هرقل بالقادسية واليرموك وكان المسلمون وقتئذ بضعاً وثلاثين ألفاً في كل معسكر وجموع فارس مائة وعشرون ألفاً وجموع هرقل أربعمائة ألف فقاتلوهم بنيات صادقة وعزائم ماضية وصبروا على قتالهم صبر الكرام حتى هزموهم شر هزيمة وأورثهم الله أرضهم وديارهم وهي قصة مشهورة كادت تبلغ درجة التواتر وعاشوا يومئذ بالترفه والنعم وأصبحت دولة الإسلام أغنى دول الأرض وأرقاها وأنجحها وأعلمها وأعظمها وذكر بعض المؤرخين أن الأموال التي كانت تجبى في كل سنة إلى بيت مال المسلمين في أيام الرشيد سبعة آلاف قنطار وخمسمائة قنطار من الدنانير وذكر الثقات من مؤرخي الأندلس أن عبد الرحمن الناصر أحد ملوك الأندلس خلف في بيوت أمواله خمسة وأربعين ألف ألف دينار ووزنها خمسمائة ألف قنطار

وهذه دولة من دول إسلام ذلك العصر وغيرها كان يأتيها من المال أضعاف أضعافها كل ذلك كان لاتفاق المسلمين واجتماعهم على الحق واجتهادهم بتوسيع نطاق ممالك الإسلام وتفانيهم بإعلاء شأن كلمة الملة والدين، أولئك السلاف العظام يستهان بأخلاقهم اليوم أمة شأن سلفها العز والمجد أيعجز خلفها أن ينهض نهضة آبائه وأجداده ألا ليت شعري ما هو الدواء النافع الناجع لبرء هذا الداء العضال. الدواء الوحيد هو بث الدعوة الدينية في هذه الأمة العظيمة ونفخ روح الحياة بالعلم في جسم ميتها ليحيى وينهض من حضيض الذل والهوان إلى أوج المعالي وهذا الدواء أعظم وأكبر وأجل سبب شريف لاسترداد مجد الإسلام السالف بهذا الدواء يعز الشعب بعد الذل والصغار ويصحو من خمرة سهوه ولعبه. وليكن بث هذه الدعوة بإرسال مرشدين عارفين بلغات البلاد من طرف الدولة العلية إلى العالم الإسلامي في سائر الجهات والأقطار يدعونه إلى التعاون والتعاضد والتناصر بشرط أن يكونوا عالمين عاملين بما يرشدون به مقتدرين على استمالة الأفكار واستجلاب القلوب يأتون البيوت من أبوابها لا خاملين يدعون الأمة إلى البطالة ويقعدونها عن السعي وراء الرقي والكمال ويثبطون همتها عن الجد بالعمل حتى يلجأ إلى التهاون والتواني وتألف الخمول والكسل. لا متفرنجين مارقين من الدين والأخلاق مروق السهم من الرمية أليفهم الكاس وحليفهم الشيطان على الاجتماع مع المرد واستباحة الأعراض. أولئك قوم أبغضوا المساجد وتلاوة القرآن وتعشقوا مسارح اللهو والخذلان بل ينبغي أن يكونوا صفوة الناس وخلاصتهم لا مفرطين ولا مفرطين متجردين من الغايات الذاتية والمآرب الشخصية يقومون بوظائف الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام التي هي أشرف مطلب وأسمى منصب بل هي من أهم الواجبات على علماء الدين الإسلامي بالدعوة يحصل الإرشاد والنصيحة بتأليف القلوب وإصلاح ذات البين ويكون هذا بجمع السواد الأعظم في المساجد لاسيما أيام الجمع والأعياد وفي نواديهم التي يتحدثون بها ويأوون إليها وذلك بالخطب الرائقة والمواعظ الشائقة والدروس الجليلة المنبهة على حسب ما تقتضيه أحوال العصر الحالي يبينون لهم ما ينبغي التذرع به والالتجاء إليه تخلصاً مما هم فيه ويحثونهم على مؤازرة دولة الخلافة بالتداعي إليها والترامي نحوها من جميع النواحي

بالمال والرجال وبتأليف الجمعيات الخيرية وتجديد المعاهد العلمية وتشييد المدارس الفنية ويحضونهم على تأليف جمعية مخصوصة ترمي بسعيها إلى هذا الغرض ذاته يجعلون لها فروعاً وشعباً في سائر الأنحاء والأرجاء وتأليف جمعية أخرى باسم إحداث معامل صناعية في بلاد الدولة العثمانية تشترك فيها الأغنياء وأصحاب الثروات من المسلمين يمدونها بأموالهم وينتفعون بريعها مساهمة كما هو شأن الشركات الأجنبية التي ببلادنا يعينون لها رؤساء نصوحين صادقين يديرون أمورها ويدبرون شؤونها ونظاراً عليهم يتتبعون أحوالها ويراقبون عمالها حتى تستغني بلادنا عن بلد الأجانب وبهذا ينمو المال وتحيي الرجال وتتألف الأفئدة والقلوب. وربما يعترض على هذا الاقتراح مارق من الدين ليبقى مقيماً على شهواته أو من خارت عزيمة فكره ورويته أو بعثته عصبيته أو جنسيته أو أهاجته غاياته ومآربه أو من ثبط همته بالجبن وأعقده الكسل فيقول أن هذا الاقتراح أمر شديد المراس صعب المزاولة ولا يمكن تصوره لا يتأتى العمل به فنقول له أن الأمر سهل متى لهجت به سائر جرائد الإسلام إن الأمر سهل متى سرت هذه الروح في جسم شعبنا الذي استسلم لليأس والقنوط، وقام ينادي بلسان واحد للأمام للأمام للتقدم للتقدم، إن الأمر سهل متى سرى دم الحياة بشرايين جسم أبناء هذه الدولة العثمانية ففدوها بالنفس والنفيس وبذلوا لصيانتها كل مرتخص وغال وصالوا صولتهم المعهودة وسطوا سطوتهم المعروفة ولا شك أن هذه الروح متى بدأ سريانها اجتمعت لها كلمة الأمة الإسلامية في سائر أقطار المسكونة إلا فما الذي دعى أخواننا المصريين إلى إعانتنا في هذه الأزمة الشديدة بمليون من الليرات؟ وما الذي حمل المتطوعين على مبارحتهم أوطانهم ومفارقتهم أولادهم وعياله؟ ما الذي أثار عواطف مسلمي الهند حتى أرسلوا الإعانات تترى من كل فج عميق؟ ما الذي أهاج عرب طرابلس الغرب حتى وقفوا في وجه الطليان وقوف الأسود الكواسر لتناضل عن أعراضها وتدافع عن أوطانها؟ أليس الباعث للجميع هو الرابطة الدينية والحمية الإيمانية وصون الخلافة الإسلامية من تمزيق جامعها وانحلال رابطتها حيث علموا كلهم أنه لم يبق على وجه الكرة الأرضية دولة تقوم بِأمر الخلافة العظمى سوى دولتنا حرسها الله وأيدها بقدرته وسلطانه فلذا هرعوا جميعاًُ لمساعدتها من تلقاء أنفسهم (ألا فليعتبر المتفكرون).

والله لو أن في بلاد الإسلام مرشدين كما ذكرنا لجندوا في هذه الحرب الماضية جيشاً عرمرماً من المتطوعين يسير متزيناً بالتهليل والتكبير لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يطحن جيوش الأعداء ويدوسهم تحت سنابك الخيل ويرفع الرايات الإسلامية والأعلام المحمدية فوق عواصم ملكهم كما فعلت أسلافه غير مرة أولئك: قوم لقوم فيهم أود العلا ... والدين أصبح أيد الأركان قد حالفوا سهر العيون وخالفوا ... أمر الهوى في طاعة الرحمن أقران حرب كلما اقترنوا لدى اله ... يجاء تحسبهم ليوث قران لبسوا سوابغهم لأجل سلامة ... الأعراض لا لسلامة الأبدان وتحملوا طعن الرماح لأنهم ... لا يحملون مطاعن الشنأن أهل الحمية لا تزال بدورهم ... تحمي الشموس بأنجم الخرصان وهنا ربما اعترض علينا أيضاً بعض من بغض الدين وهجر مكارم الأخلاق وكان من الأفاكين المرجفين الذين يعتقدون بأن الدين هو العقبة الكؤود في سبيل الرق. وقال أن ما تقدم يشتم منه رائحة التفرقة بين العناصر ونحن اليوم أحوج إلى الوئام فنقول له أن عصرنا عصر الحرية والإخاء والمساواة أما الحرية فهي استقلال العقل والفكر والإرادة وانطلاق اللسان وهي أقسام تحتاج إلى مقالات طويلة إضافية الذيل نرجئها إلى عدد آخر ونكتفي هنا بذكر قسمين: الأول: حرية عمومية وهي تكافؤ الأمة بالحق وتكافلها على قيام الشرائع والقوانين. والثاني: حرية شخصية وهي أمن الإنسان على نفسه وعرضه وماله وتمتعه بسائر حقوقه الشخصية التي تخولها له طبيعة الاجتماع والحرية حق يقابله واجب وهو المسؤولية. لا كما يزعم خراصوا هذا العصر من أن الحرية غ \ هي تعاطي الإنسان جميع ما تسوله له النفس الأمارة بالسوء من زنا ولواط وشرب خمر واهتضام حقوق المغدورين والمظلومين وترك الدين واستباحة الأعراض وغير ذلك مما يسأل فاعله شرعاً وقانوناً. وأما الإخاء فهو قسمان. إخاء ديني لا دخل لأبناء مذهب فيه مع أبناء مذهب آخر. وإخاء وطني تشترك فيه سائر الأفراد لأن المنفعة والمضرة واحدة. وأما المساواة فهي كلمة عامة تجمع تحتها كافة العناصر العثمانية على اختلاف مذاهبهم

ومشاربهم وهي أيضاً شرعية لأن اليهودي والنصراني والمسلم في الحقوق بنظر الشرع الشريف كشخص واحد لا يمتاز أحد مهم عن الآخر قال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم في أهل الذمة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وقال أيضاً أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته أن الله تعالى لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن (وإن الله تعالى لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم) فاتفاق المسلمين وقيامهم يداً واحدة وبث روح الشريعة الغراء في العالم الأرضي ترتاح إليه جميع العناصر وتشكر عليه مسعانا لأن الدين الإسلامي يحجر على أهله التعدي على من سواهم ويأمرهم بالتمسك بآدابه الشريفة وأخلاقه الطاهرة السامية وهو لهم كالشكيمة للفرس تمنعها من التهور والطيش وإلقاء صاحبها في المهالك والمهاوي. ولا شك أن الأمر سهل على من همهم حفظ الوطن والملة وصيانة حقوق الدولة، وحفظ كيانها ونهوضها إلى أوج الحضارة والسعادة لتجاري من سواها من الدول الغربية. . ولله عاقبة الأمور يبرود أحمد الباشا

الفونغراف

الفونغراف رأينا في مجلة مكارم الأخلاق التي كانت تصدر بمصر جواباً على سؤال ورد للمجلة المذكورة من مكة المشرفة ملخصه: ما قولكم فيما وقع كثيراً الآن من حبس صوت قراءة أيات من القرآن الكريم مع غيره من أصوات الغناء في الآلة الإفرنجية المعروفة بالفونغراف فهل يحرم على صاحب الصوت إلقاء صوت قراءته للقرآن فيها فإن قلتم بالحرمة فهل يحرم أيضاً استماعه صوت قراءة القرآن نمنها من بين أدوار الغناء مثلاً وما حكم لأأخذ الدراهم على ذلك وإذا سمع آية سجدة فهل يسن السجود لها أفتونا مأجورين_ولما تضمنه من الفائدة والنصيحة أحببنا نشره ليطلع عليه قراء مجلتنا الكرام. (الجواب عن حبس صوت قراءة القرآن الكريم في الفونغراف) الحمد لولي الحمد والصلاة والسلام على الموفي بالعهد وعلى آله وأصحابه سور الشريعة ودور المجد أما بعد فإن صاحب الصوت بإلقائه صوت قراءته للقرآن في هذه الآلة واضع كلام رب العالمين موضعاً لا يليق بجلالته وتسامي منزلاته إذ حبسه فيها ينقله من إنزاله للتدبر في آياته والخوف من وعيده والاعتبار بقصده والاستبصار بمصباح هدايته والتفهم لمعانيه والإذعان لمعجزه إلى ضحك الضاحكين من جماد يتكلم وذي عجمة يترنم بل إلى منزلة الزامر يحيط به الرعاع وينساب إليه أهل البطالة وعشاق الملاهي بل بعد إن كان قرئ لدى الصحابة تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم صارت منزلته والحالة هذه منزلة آلة مطربة يطاف بها في الأسواق وتتخذ في البيوت ملهاة للشبان ومدعاة للشيطان بل الشأن في هذا أنه أفظع وأشنع مما قالوه من أنه إذا فأفرط القارئ في المد وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ومن الكسرة ياء أو يدغم في غير موضعه كان حراماً يفسق به القارئ ويأثم المستمع لأنه عدل به عن منهجه القويم إذ القراءة على هذا الوجه خارجة إلى اللهو والطرب خارجة عن عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين إلى شيء جديد غير محمود ونمط مستحدث مردود وقد قال صلى الله عليه وسلم (كل مستحدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) بل هذا نفسه بعض من إشارات ما في حديث أنه صلى الله عليه وسلم عد من أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء

بل ماذا يكون الخطب الشديد والكرب المزيد فيمن رضي لنفسه أن يضع كلام الله هذا الموضع وقد قال صلى الله عليه وسلم فيمن إثمه أقل وحمله أخف اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم بل الحالة في هذه الآلة أشد حرمة من قراءة القرآن على ضرب الدفوف وقرع الطبول وتحريك الأوتار والنقر بالأنامل والنفخ بالأبواق بل إذا كانت العلة في تحريم مس المصحف على المحدث ولو بصدره ولسانه وشعره وظفره أنه إخلال بجلالته وخروج عن تعظيمه وتهجم عل مقامه فكيف لا تكون القراءة في هذه الآلة من أشد أنواع التحقير والإهانة بل إذا كان مس ورقه وجلده ولو منفصلاً حراماً على المحدث فماذا تكون جريمة من ينزل به إلى هذه المنزلة بل إذا كان تعليمه للكافر المعاند وغير المعاند إن لم يرج إسلامه ممنوعاً كما منع السفر به إلى بلاد الكفر إن خيف وقوعه في أيديهم فكيف لا يمنع القارئ من قذفه في هذه الآلة فماً لفم الكافر يحمله والساخر يسمعه إذ أنه إنما دخل فيها الفاظاً ذات مقاطع ومقالع تحملها الأنفاس وتحفظها الآلة وهذا عينه هو القرآن الممنوع قراءته على الجنب إلا بقصد الذكر بل حديث من أحدث في أمرنا ما ليس منه رد كاف في البيان بل نفس هذه الآلة من شعار الفجار والكفار والتشبه بهم حرام وقد قال السند الأعظم صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) بل إذا فرضت أنه لا تشبه فيها بهؤلاء ولا هؤلاء فافرض أنها من الشبهات والشبهات حرام عند أكثر العلماء روى البخاري والنسائي (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه وبعد هذا كله فاعلم أنه يجب على كل مكلف تمكن من إنكاره بيده أو لسانه أو قلبه أو استعانة بسواه وهنا ننصح القراء أن لا يصلوا بالقرآن إلى هذا الحد فالدنيا زائلة والذنوب حاضرة والحجة قائمة وإنما يقبل النصيحة من وفق. (الجواب عن سماع القرآن الكريم من الفونغراف) ما تقدم كله إجمالاً وتفصيلاً ينبئك بشدة الخطر وعظيم الذنب وجراءة القلب وانتهاك

الحرمة بحبس القرآن في هذه الآلة كما ينبئك أنها آلة لهو أولاً وإخلال بتعظيم القرآن ثانياً وتمكين للكافر من آياته ثالثاً وتشبهاً بالكفار رابعاً وضياع للمال فيها خامساً وإعانة لفاعلها بشرائها سادساً وإحداث لما لم يكن من الدين سابعاً فهي على كل وجه وكل حال من المنكر الذي يأثم الساكت عنه والراضي به والحاضر فيه فالوجه الشرعي أن الجلوس مع شارب الخمرة ونحوه من أهل الفسوق والملاهي المحرمة مع القدرة على الإنكار أو المفارقة عند العجز كبيرة من الكبائر ونفس استماع صوت قراءة القرآن منها رضا بالحالة وإعانة عليها وقد أسلفنا أن الإفراط في القراءة إلى الحد الذي يخرجها إلى اللهو والطرب يفسق به القارئ ويأثم المستمع واستماع القراءة من هذه الآلة أشد من استماعها على الوجه المار بكثير وحسبك أنها منكر سماعه إعانة عليه فاعتبر بهذه الحالة ولا تسمع تلك الآلة واعمل بقوله تعالى: (وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (الجواب عن أخذ الدراهم عليها) لا أظن بعد أن سمعت في هذه الآلة ما سمعت وعرفت من حقارتها ما عرفت إلا أن تلحق صاحبها في صنف المبتدعين وتعد المعين عليها من أعوان الشياطين وترى كسب الكاسب بها إقراء وإسماعاً من شر وجوه المكاسب وأقبح أنواع الباطل فسواء الكسب بالقراءة فيها والكسب بسقاية الخمر وجلب الحسان للفجور والقيان للأغاني وعمل النائحة وإيكال الربا والسعي إليه والإعانة عليه إلى أمثال هذه الأحوال التي هي في نفسها شنيعة وذريعة إلى المفاسد وللوسائل حكم المقاصد بل هذا المعدود وغيره من مكاسب نحو الخائن والسارق والمقامر والساحر والمنجم والزانية كله داخل في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينك بالباطل) فإن الباطل يعم هذه الأشياء كلها وما في معناها من كل شيء أخذ بغير وجه شرعي وانظر إلى ما أخرجه مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً) وقال (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به مع قول العلماء السحت (بضم فسكون) الحرام أو الخبيث من المكاسب ويكفيك أن العلماء على علمهم بحاجة الأمة والدين إلى تعلم القرآن اختلفوا في أخذ الأجرة على تعليمه

وإن كان الأكثرون على الجواز وإذا كان ذلك كذلك فكيف لا يكون أخذها على وضعه في هذه الة حراماً في حرام وسحتاً في سحت اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك هن معصيتك وبفضلك عمن سواك آمين. (الجواب عن السجود عند سماع آية السجدة في الفونغراف) اعلم أرشدني الله وإياك أن السجود في ذاته ومعناه خضوع لرب الأرباب بلصق الجبهة والأنف بالأرض وبسط اليدين والركبتين وأطراف الأصابع يهيج هذا الخضوع شيء في القلب يتولد من ملامحة عظمة ذي الجلال وطموح البصيرة إلى علو كبريائه عند قراءة أو استماع أية سجدة وأنت تدري أن السامع من هذه الآلة مغلوب على عقله مصروف بكليته عن معالي الجلال والأدب إلى معالي اللهو الطرب يصرف الاستغراب عما يجب لآيات الكتاب على أن سجود التلاوة شرط سنيته حل القراءة وقصدها ولهذا قالوا لا يجود لقراءة جنب لحرمتها كذلك قالوا لا سجود لقراءة الدرة والنائم لعدم القصد فيهما وهذه الآلة قراءتها غير مشروعة فلا سجود وغير مقصودة فلا سجود أيضاً على أنه بحث في الإيعاب عدم السجود لسماع قراءة الجماد مطلقاً على أن مشروعية القراءة لا بد منها في القراءة والسماع وهي هنا غير مشروعة قراءة وسماعاً كما هي كذلك في الجنب وإياك أن تقول حق القياس أن يسجد لسماع القراءة من هذه الآلة مع حرمتها كما يسجد لسماع القراءة في السوق والحمام مع كراهتها فإنه قياس فاسد إذ القراءة هنا محرمة لذاتها وفي السوق لأمر خارج فطهر قلبك ولا تكن من الغاوين وخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. (فرع) شاع بعد تصريحي بحرمة قراءة القرآن في هذه الآلة وسماعه منها أن بعض الناس يبيح السماع بقصد الاتعاظ وهي إشاعة لم تثبت فإن المبيح على فرض وجوده إذا قصد إباحة السمع بقصد الاتعاظ قياساً على إباحة القراءة للجنب بقصد الذكر فقد فاته أن القصد إنما يعتبر إذا كان من جانب القارئ وكان وسيلة لمقصد شرعي كما هو الشأن في الجنب إذ صرف القراءة من القرآنية إلى الذكر تحصيلاً لثواب الذكر ويدل على اعتبار قصده دون السامع أنهم قالوا أن قصد الجنب قراءة القرآن فلا سجود لحرمتها وإن قصد الذكر فلا سجود أيضاً لأنه حينئذ ذكر لا قرآن كذلك قالوا أن كاتب التميمة إن قصد أنها قرآن حرم

على المحدث مسها وحملها وغلا فلا ومن هنا تعلم أن العمدة على قصد القارئ والكاتب كما علمت بل لو قصد القارئ في هذه الآلة الوعظ أو الذكر لم يقبل منه لأنه قصد لأثر له يترتب عليه ثوابه ولم يخرج سامعه عن الحرمة لفساد القصد وأنه حيلة لا تنطلي ولأن الآلة جعلت اللهو كما هو جلي هذا ما عن لي فحرر وادع وفي هذه الآلة كلام طويل ربما ألمعنا إليه في فرصة أخرى ولكننا هنا نحذر المسلمين من رضاهم بإهانة القرآن إلى هذا الحد ومن رضي بهذا فحسبه جهنم وساءت مصيرا.

دعوة العرب إلى العلم

دعوة العرب إلى العلم بني يعرب ادعوكم النهضة العظمى ... لترقى بكم نحو السموات أو أسمى إلى عرش مجد لم يطأه سوى امرئ ... بهمته العلياء ينتعل النجما إلى مجد قحطان أبي العرب من عنت ... لقدرته الدنيا بأجمعها رغما بنى جدنا صرحاً إلى المجد شامخاً ... وصير من أركانه العزم والحزما ولكن هدمناه بمعول جهلنا ... فما أبطأ المبنى وما أسرع الهدما فهل بين قومي من يؤسس ركن ما ... هدمناه حتى نغادر له رسما وهل من يجاري عهد معاهد ال ... علوم عسى نقضي على جهلنا الأعمى ألم يخجل الأحفاد من ذكر جدهم ... وقد قصروا عن نيل غايته العظمى أنحن بنو قحطان والانحطاط لم ... يغادر لنا معنى بلى ترك الاسما هلموا هداة العالمين بأسرهم ... لنثبت أنا ليوم أبناؤه حتما وذلك فيما ندرك الشمس رفعة ... به وبماضي عزمنا ندرأ الخصما نتيه افتخاراً في سراة جدودنا ... ويا ليتنا سرنا على نهجهم يوما لئن خلدوا ما يمدحون عليه هل ... أتينا سوى ما نستحق به اللوما من الخرق أن نحدو ابتهاجا بذكرهم ... ولم نقتف الآثار مجداً ولا علما أنقنع في تمويه أوهامنا عن ال ... حقائق فاعتضنا عن العسل السّما إلى م التمادي في الخمول وخصمنا ... يناهضنا ظلماً ويسلبنا هضما أفق أيها الشعب الكريم ولا تنم ... فقد أنفذ الغرب الغريب بك السهما وقد كنت قبل اليوم للغرب سيداً ... فصرت بحكم الجهل عبداً له تسمى أعد من ضروب المجد ما قد فقدته ... برأي سديد منك لم يخطء المرمى أليس من العار المشين احتياجنا ... لرأي وصي كالذي يرتدي اليتما متى يبلغ الشرق المراهق رشده ... على أنني شاهدات أقوامه هرمى أجل شمتهم هرمى التخاذل والجفا ... وحسبهمو بلوى تخاذلهم جرما أيا أمة كانت أنوار مجدها ... تسير مسير الشمس إذ نورها عما فما هذه الظلماء والفجر منبطئ ... أجل إن ليل الجهل للشعب قد أعمى أقومي تلافوا أمركم حسبنا الذي ... فقدناه من ملك لأحشائنا أدمى

وشدوا لحفظ الملك إزر مليككم ... خليفتنا سلطان دولتنا العظمى ولموا بتأليف الضمائر شعثكم ... فإن الجفا قد يصدع الملك إن أصمى فأعرابنا والترك صنوان في الورى ... وأقرب في الهيجاء يوم الوغى رحما ألم تجمع الأقوام وحدة دينهم ... ودولتهم أضحت لمجموعهم أما ومن ذا الذي لم يحم بالروح أمه ... إذا آنست من بعض أعدائها ظلما عبد الرحمن القصار

خلاصة الرحلة الشرقية

خلاصة الرحلة الشرقية ثم قررنا عند قوله (قومهم) أن إضافة القوم هنا للعموم ومعلوم أن الجمع المضاف من صيغ العموم فتفيد الآية أنهم ينذرون بما تعلمون من الفقه كل فرد من أفراد قومهم فيبطل ما يزعمه بعضهم من أن لأهل التصوف أحكاماً خاصة يتلقونها بطريق الباطن قال أبو إسحاق الشاطبي لم يشرع الله تعالى إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه منه الصحابة ثم العلماء. والتصريح بإبطال أن يكون للعارفين بالله أحكام تخصهم في سد لباب الخروج عن تقاليد الشريعة زيادة عن كشفه عن الحقيقة فإن فتح هذا الباب يفضي إلى أن ينبذ كثير من الناس الجادة بدعوى أنهم بلغوا درجة الولاية وأنهم متعبدون بأحكام باطنة وأهل التصوف الخالص أنفسهم يصرحون بهذا قال الإمام الجنيد حسبما نقله الزركشي في شرح جمع الجوامع من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لن يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. ذكرنا استدلالهم على أن خبر الآحاد حجة. ثم قلنا اشتهر بين الأصوليين أن خبر الآحاد حجة في العمليات وأما المسائل العلمية فلا يتمسك فيها إلا بقاطع قال الإمام في المحصول إن ورد خبر الآحاد في مسألة علمية وليس في الأدلة القاطعة ما يعضده رد وإلا قبل. واختار الشيخ ابن عرفة أن المسائل العلمية التي لا ترجع إلى العقائد يكتفى فيها بالأدلة الظنية كخبر الآحاد إنما يشترط القطع في العمليات الراجعة إلى العقائد الإيمانية. واستطردنا هنا مسألة اعتراض خبر الآحاد لقاعدة كلية وأوردنا في مساقها ما ذكره أبو بكر بن العربي في تفصيل مذاهب الأئمة الثلاثة وهو قوله إذا جاء خبر الآحاد معارضاً لقاعدة من قواعد الشرع هل يجوز العمل به أو لا فقال أبو حنيفة لا يجوز العمل به وقال الشافعي يجوز وتردد مالك في المسألة ومشهور قوله والذي عليه المعول أن الحديث إن عضدته قاعدة أخرى قال به وإن كان وحده تركه كحديث العرايا فإنه صادمته قاعدة الرب وعاضدته قاعدة المعروف. وأتى بنا سؤال من أحد الحاضرين إلى معنى القاعدة ومأخذها فقلنا هي قضية تنتزع من دلائل متفرقة في الشريعة حتى تكون قطعية في نفس من استقراها من المجتهدين كقاعدة ارتكاب أخف الضررين فمن مأخذها قوله تعالى: (فأردت أن أعيبها) فإن إعابة السفينة

ضرر ولكنه أخف من أخذ الملك لها بسلطة غاصبة ومن منازعها حديث الأعرابي الذي جعل يبول فغي المسجد وزجره بعض الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تزرموه فإن بوله في المسجد ضرر إلا أنه أخف من الضرر الذي ينشأ من إمساكه عن البول قبل فراغه. وجئنا في تفسير (لعلهم يحذرون على اختلافهم في حرف الترجي الواقع في كلام الله تعالى فإن منهم من يخرجه على معنى التعليل كما ذكره ابن هشام في مغني اللبيب ومنهم من يصرفه إلى المخاطبين كما نقله صاحب الإتقان عن سيبويه حيث قال في معنى قوله تعالى (لعله يتذكر) اذهبا على رجائكما وطمعكما ويجري على هذا كل ما فيه حرف ترج نحو قوله تعالى (لعلكم تفلحون) وكان بعض التلامذة حين شرعت في إقراء الدرس قائمين على أقدامهم من ورائي يريدون أسئلة ويطلبون إعادة بعض التقارير وما لبثوا أن انقلبوا إلى السكينة والأصغياء وكانوا يلهجون عند الاستحسان بكلمة (كويس) تصغير كيس. رافقني بعد انفصالنا عن الدرس طائفة من التلامذة فمررنا بمنزل كان أحد الجلساء به الأستاذ الشيخ الزنتاني فوقف موقف التحية وحدثه أحد الرفقاء بما كنا بصدده من قراءة التفسير فتوجه لي وقال قد أحييت سنة الشيخ ابن عرفة فذكر له الرفيق أن الدرس أيضاً يحتوي على مباحث متعددة منقولة عن الشيخ ابن عرفة. تفضل علي بالزيارة في هذا المساء السيد شرف أحد الأعيان في عائلة أشراف مكة المحترمة فمقل لنا بعلو همته وسلاسة أخلاقه كيف تكون همم بني هاشم وآدابهم ثم أخذ بيدي حتى امتطينا عربة سارت بنا لإجابة دعوة السيد الشريف بن حمودة ولما انقضت المسافة ضرب كل منا بيده إلى كيسه ليتولى خلاص أجر الركوب عن سائر الجماعة فكانت يد الشريف أسرع في فتح الكيس ومناولة الدراهم لسائق العربة وأكد علينا أن نرد إلى الأكياس بضائعها فقال له الشيخ محمد صالح الشواش على وجه الدعابة لا تقسم علينا أيها الشريف متطاولاً فنحن أشرف أيضاً فتبسم منبسطاً لهذه الجسارة المشعرة بسلامة الضمير وحريته وقد تذكرت بهذه المداعبة ما كتبه الشريف الرضي إلى الإمام القادر بالله وهو: عطفاً أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبداً كلانا في المعالي معرق إلا الخلافة قلدتك فإنني ... أنا عاطل عنها وأنت مطوق مضى لنا مع الشرف والشريف مجلس أنس يحاكي نسيم الأسحار إذا جاءت متضمخة بنفحات الأزهار ولكننا مررنا عند إيابنا بامرأة جالسة بقارعة الطريق والناس ملتفة حولها وهي تتلو القرآن بصوت رخيم. أخذ مني الأسف مأخذه لما قدمت على المعهد الأزهري حين طويت منه محاضر الدروس وبرز أساتذته العظام لقضاء أمد الراحة الصيفية في أماكن الرياضة ومهاب النسيم ولم يتفق لي أن أشاهد محضرة درس بهذا الجامع العظيم وأنبأني التلامذة بأن سائر دروس الجامع معطلة ولا يقرأ به في هذه الأيام ولو درساً واحداً. سافرت صباح يوم الأحد إلى برت سعيد ومررنا على جانب من فتحة السويس التي وصلت البحر الأحمر بالبحر الأبيض وحق لي عنهدما بلغت إلى مجمع هذين البحرين أن أذكر بيتين كان العلامة البليغ صاحبنا الشيخ السيد محمد الطاهر بن عاشور قد أرسلهما إلي في بطاقة يدعوني بها إلى زيارته حيث حل بحضرته إثنان من أولي العلم والأدب وهما: تألقت الآداب كالبدر في السحر ... وقد لفظ البحران من موجها لدرر فما لي أرى منطيقها الآن غائباً ... وفي مجمع البحرين لا يفقد الخضر شأن القرآن في سرد القصص وضربها أمثلة الاكتفاء لماله مدخل في الموعظة والاعتبار فتجده في الغالب لا يصرح بأسماء الأماكن التي تجري فيها الوقائع كقصة ملاقاة موسى للخضر عليهما السلام فإنه لم يعين المراد بمجمع البحرين حيث لا ينبني على التعيين فائدة في الإرشاد لأن الحكمة من مساق هذه القصة التذكير بما اشتملت عليه من المحامد والآداب كسفر العالم للازدياد من العلم وتكبده المشاق في السير له ولو بعدت المسافة سنين فإن موسى عليه السلام يقول (أو أمضي حقباً) والإيماء إلى أن التوكل اعتماد القلب على الله لا في نكث اليد من الأسباب فإنه عليه السلام حمل معه الزاد ودل على هذا بقوله (آتنا غدائنا) إلى غير هذا من الفوائد ولكن بعض المفسرين كثيراً ما يسردون أقوالاً في أسماء ما جاء مبهماً في القرآن كاختلافهم هنا في المراد من البحرين فقيل هو بحر فارس والروم وقيل بحر القلزم وبحر الأردن ومجمع البحرين عند طنجة أو بأفريقيا وقيل هو بحر الأندلس

والبحر المحيط والتعيين في مثل هذا لا يعول عليه إلا إذا جاء به حديث صحيح ومن العجائب قول بعضهم كما نقله الأبي في التفسير أنه يقع في نفسي أن مجمع البحرين هو مجتمع المالح ووادي مجردة عند الدرسة وهو الذي يقال له حرق الجسرين والصخرة صخرة أبي ربيعة والجدار في ا (المحمدية). امتطينا الباخرة الخديوية مساء هذا اليوم وتعارفنا فيها بالشيخ عبد القادر بن شيخ زادة أحد علماء طرسوس فأرانا السكينة في أحسن تقويم وما برحنا نروح الخاطر بمحادثته إلى أن رست الباخرة أمام بلد (يافا) فغرب عنا بدر فضله بعد أن أعطانا ملء صدورنا أنساً. (لها تابع)

سلسلة حكم الخلفاء

سلسلة حكم الخلفاء حكم عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه قال أبو منصور الثعالبي في كتابه الإعجاز والإيجاز لم أسمع أحسن وأوجز من قول عمر بن عبد العزيز أن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما وكتب إلى عامل حمص يقول أنها تحتاج إلى حصن فقال: حصنها بالعدل والسلام. وأوصى رضي الله عنه يزيد بن عبد الملك ولي عهده عند احتضاره بكتاب قائلاً أما بعد فاتق الله يا يزيد الصرعة بعد الغفلة، حين لا تقال العثرة، ولا تقدر على الرجعة، إنك تترك ما تترك لمن لا يحمدك، وتصير إلى من لا يعذرك والسلام. ووقع في كتاب أرسله لبعض عماله يستأذنه في مرمة مدينته ابنها بالعدل ونق طرفها من الظلم وفي مثل ذلك. حصنها ونفسك بالتقوى. وغلى صاحب العرق لما أخره عن سوء طاعة أهلها. ارض لهم ما ترضى لنفسك وخذ بجرائمهم بعد ذلك. ووقع في قصة متظلم العدل أمامك وفي رقعة محبوس تب تطلق وفي رقعة متنصح لو ذكرت الموت شغلك عن نصيحتك. وفي رقعة رجل شكى أهل بيته أنتما في الحق سيان. وفي رقعة ارمأة حبس زوجها. . العدل حبسه وفي رقعة رجل تظلم من ابنه إن لم أنصفك منها فأنا ظلمتك. وقال رضي الله عنه ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر بأهله وقال كن من الموت على حذر. يزيد بن عبد الملك ما الطمع فيما لا يرجى وما الخوف مما لا بد منه وكان يقول لو دام الملك لم يصل إليك ولا تترك حسن رأي فإنما تفسده عثرة. ووقع في قصة متظلم شكى آل بيته ما كان عليك لو صفحت عنه واستوصلتني وكتب إليه عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس يستأذنه في غلام يهديه إليه فكتب إليه يزيد إن كنت فاعلاً فليكن جميلاً ظريفاً لبيباً كاتباً فقيها حلواً عاقلاً أميناً سرياً يقول فيحسن ويحضر فيزين ويغيب فيؤمن فكتب إليه قد التمست صفة أمير المؤمنين فلم أجدها إلا في القاسم بن محمد وقد أبى أهله. هشام بن عبد الملك رحمه الله إنا لا نتخذ جلسائنا خولاً ليس لك أن تغلظ لأمامك. وقال له بعض آل مروان أتطمع في الخلافة وأنت جبان بخيل فقال كيف لا أطمع وأنا حليم عفيف وكتب إلى مسلمة بن عبد

الملك: طهر عسكرك من أهل الفساد فإن الله لا يصلح عمل المفسدين. ووقع في قصة مظلوم: أتاك الغوث إن كنت صادقاً وحل بك النكال إن كنت كاذباً فتقدم أو تأخر. ووقع لعامله في العراق في أمر الخوارج: ضع سيفك في كلاب النار وتقرب إلى الله بقتل الكفار وقال احذر ليالي البيات. إن النعمة إذا طالت بالعبد ممتدة أبطرته فأساء حمل الكراتمة واستقل العافية ونسب ما في يديه إلى حيلته وحسبه وبيته ورهطه وعشيرته فإذا نزلت به الغير وانكشطت عنه عماية الغي ذل منقاداً وندم حسيراً وتمكن منه عدوه قادراً عليه قاهراً له. الوليد بن عبد الملك لله فينا علم غبب نحن صائرون له وقال لهشام يوم توفي مسلمة بن عبد الملك يا أمير المؤمنين إن عقبى من بقي لحوق من مضى وقد أقعر بعد مسلمة الصيد لمت رمى واختل الثغر فدهي وعلى أثر من سلف يمضي من خلف فتزودوا فإن خير الزاد التقوى وقال يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد الشهوة ويهدم المروءة وينوب عن الخمر ويفعل فعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء رقية الزنا أقول ذلك فيه على أنه أحب إلي من كل لذة وأشهى إلي من الماء إلى ذي غلة ولكن الحق أحق أن يقال. وكان يقول يعجبني نشاط على غب ومن كلامه لا تؤخر لذة اليوم إلى غد فإنه غير مأمون. يزيد بن الوليد بن عبد الملك رحمهم الله خطب لما قتل الوليد بن يزيد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيه الناس والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء نفس وإني لظلوم لها إن لم يرحمني ربي ولكن خرجت غضباً لله تعالى ولدينه وداعياً إلى الله تعالى وإلى سنة نبيه لما هدمت معالم الهدى وأطفي نور أهل التقى وظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة الراكب لكل بدعة مع أنه والله ما كان يؤمن بيوم الحساب وإنه لابن عمي في النسب وكفي في الحسب فلما رأيت ذلك استخرت الله تعالى في أمره وسألته أن لا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي حتى أراح الله منه العباد وطهرت منه البلاد بحول الله وقوته وإن لكم علي أن لا أضع حجراًُ على حجر ولا لبنة على لبنة ولا أكنز مالاً ولا أعطيه زوجة ولا ولداً ولا أنقل مالاً من بلد إلى بلد حتى أسد فقره وخصاصة أهله

بما يغنيهم فإن فضل نقلته إلى البلد الذي يليه مما هو أحوج إليه منه ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم ولا أحمل على أهل حرفتكم ما أجليتهم به عن بلادكم فأقطع به نسلهم ولكن عندي أعطياتكم في كل سنة وأرزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم فإن أنا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكافأة وإن لم أف لكم فعليكم أن تخلعوني إلا أن استتبتموني فإن تبت قبلتم مني وإن عرفتم أحد يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم وأردتم أن تبايعوه فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته أيها الناي أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وكان يقول أخاف على نفسي عين الكمال وعودة الشرفة وآفة السؤدد. ووقع إلى صاحب خراسان نجم أمر أنت عنه نائم وما أراك منه أو مني بسالم. (لها بقية) دمشق إبراهيم خليل مردم بك

خاتمة السنة الثالثة

خاتمة السنة الثالثة بمعونة الله تعالى وتوفيقه تمت السنة الثالثة لمجلة (الحقائق) والحمد لله أولاً وأخيراً وله الشكر تعالى أن وفقنا لهذه الخدمة الجليلة خدمة نصر السنة السنية، والدفاع عن الآداب الشرعية، وقمع أولئك المعتدين، والتنديد ببدع المتفرنجين، وهو سبحانه المسؤول لقبول هذا العمل والمرجو لغفران ما صدر من الزلل إنه قريب مجيب وسائله لا يخيب هذا والأمل من مشتركينا الكرام أهل الحمية والغيرة أن يسددوا ما عليهم من بدل اشتراك هذه السنة والسنتين قبلها سواء من كانوا في دمشق أو غيرها من الجهات ويكون ذلك باسم وكيل أعمال المجلة العام الأديب الغيور محمد سليم أفندي اللحام والأمل وصيد في أن كلمتنا هذه للمشتركين تفيد الفائدة المطلوبة وما ذلك على همتهم بعزيز.

§1/1